You are on page 1of 2

‫لعل موضوع الجمع بين دعوى اإللغاء ودعوى التعويض في طلب واحد‪ ،‬يندرج من بين أهم المواضيع التي

كان للقضاء‬
‫اإلداري المغربي دور في إعطائها الحل المناسب‪ ،‬الذي يسير في نفس النهج الذي خلقت المحاكم اإلدارية ألجل السير‬
‫فيه‪.‬‬

‫ذلك ما نجيب عنه باختصار في فقرتين‪:‬‬

‫الفقرة األولى‪ ،‬تخصص للتعليق على األحكام التي لم تقض باإللغاء والتعويض في آن واحد‪.‬‬

‫أما الفقرة الثانية‪ ،‬فتتعلق بالحالة التي استجيب فيها لطلبي اإللغاء والتعويض معا‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬عدم إمكانية الجمع‬

‫لم يكن موضوع الجمع بين طلبي اإللغاء والتعويض في مقال واحد محل نقاش في المغرب قبل إحداث المحاكم اإلدارية‪،‬‬
‫فالغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى هي الجهة القضائية الوحيدة التي كانت مختصة بالبت في طلبات اإللغاء بسبب تجاوز‬
‫السلطة‪ ،‬أما دعاوى التعويض المرفوعة ضد اإلدارة‪ ،‬التي تندرج ضمن القضاء الشامل‪ ،‬فقد كانت من اختصاص‬
‫المحاكم االبتد ائية‪ ،‬التي تستأنف أحكامها أمام محاكم االستئناف‪ ،‬التي يطعن بالنقض في قراراتها أمام المجلس األعلى‪،‬‬
‫وبالتالي لم يكن يتصور أن يثار اإلشكال موضوع هذا البحث‪.‬‬

‫أما بعد إحداث المحاكم اإلدارية‪ ،‬فقد عرضت عليها عدة طلبات تتضمن المطالبة باإللغاء والتعويض في آن واحد‪.‬‬

‫ولقد كان االجتهاد الذي سلكته هذه المحاكم أول األمر هو عدم إمكانية الجمع بين الطلبين على الوجه المذكور‪ ،‬بعلة‬
‫استقالل الطلبين‪ ،‬وبالتالي الدعويين عن بعضهما البعض‪ ،‬سواء من حيث أداء الرسوم القضائية أو اإلعفاء من أدائها‪،‬‬
‫أومن حيث أجل رفع كل دعوى على حدة‪ ،‬أو من حيث سلطات القاضي اإلداري بشأن كل طلب من الطلبين ‪...‬‬

‫وهكذا تبنت المحاكم اإلدارية‪ ،‬ومعها الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى‪ ،‬هذا النهج‪ ،‬مرتكزة على نفس التعليل الذي يطال‬
‫أحكامها بمقتضى الحيثية التالية‪:‬‬

‫"وحيث إنه ال يمكن الجمع بين دعوى اإللغاء ودعوى القضاء الشامل في نفس العريضة‪ ،"...‬وهو االتجاه الذي ما زال‬
‫يدافع عنه قليل من الباحثين المغاربة‪ ،‬بالرغم من أنهم يقرون بفوائد الجمع بين العمليتين‪ ،‬إال أنهم يتساءلون عن السند‬
‫الذي اعتمدت عليه المحاكم اإلدارية للقول بجواز الجمع بين الدعويين‪ ،‬إذ إن هذه المحاكم‪ ،‬يضيف هذا التوجه‪ ،‬تكتفي‬
‫بالقول إنه ال يوجد ما يمنع الجمع‪ ،‬دون أن تبرر األسانيد التي تبرر هذا الجمع‪ ،‬كما أن هذا الرأي يرى أن الجمع‬
‫المذكور ال يساير المنطق القانوني‪ ،‬بالنظر إلى االختالف الموجود بين كل من دعوى اإللغاء ودعوى القضاء الشامل‪.‬‬

‫ومن بين األحكام التي لم تقبل الجمع بين الدعويين في عريضة واحدة‪ ،‬حكم المحكمة اإلدارية بالرباط في قضية محمد‬
‫بلغازي ضد المدير العام لألمن الوطني‪ ،‬بعلة أنه " ال يجوز الجمع بين دعوى اإللغاء‪ ،‬ودعوى القضاء الشامل في طلب‬
‫واحد‪ ،‬ألسباب متصلة بأن لكل دعوى خصوصياتها التي تتميز بها عن األخرى"‪ ،‬واستنادا إلى ذلك‪ ،‬اكتفت بإلغاء القرار‬
‫المطعون فيه من دون االستجابة إلى طلب تمتيع الطاعن بالمرتب والتعويض المستحق‪ ،‬فقضت بعدم قبول هذا الشق من‬
‫الطلب‪ ،‬وهذا نفس المسلك الذي اتبعته الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى في عديد من قراراتها‪ ،‬تكريسا للمبدأ الذي تبناه‬
‫القضاء اإلداري الفرنسي القائل بأن‪:‬‬

‫" قاضي اإللغاء يقضي وال يدير"‪ ،‬وهو رأي ال يجد سندا له في القانون المغربي‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬إمكانيـة الجمـع‬

‫لعل أول حكم صدر عن القضاء اإلداري المغربي‪ ،‬واستجاب لطلبي اإللغاء والتعويض المقدمين في نفس العريضة‪ ،‬هو‬
‫الحكم الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط بتاريخ ‪ 2004/10/12‬في قضية إلهام بحوصي ضد وزير التربية الوطنية‪.‬‬

‫هذا الحكم التي تتلخص وقائعه في أن التلميذة المذكورة تقدمت ألجل اجتياز امتحان الباكلوريا (الثانوية العامة) شعبة‬
‫العلوم التجريبية المزدوجة في دورة يونيو ‪ 2002‬بإحدى ثانويات مدينة سطات‪ ،‬وعند اإلعالن عن نتائج االمتحان‪،‬‬
‫فوجئت بعدم إدراج اسمها من بين الناجحين‪ ،‬فتوصل والدها بعد ذلك‪ ،‬برسالة مجهولة تفيد أن ورقة امتحان ابنته‬
‫تعرضت لعملية تزوير‪ ،‬فانتهى األمر إلى ثبوت ذلك فعال‪ ،‬حيث تم تغيير ورقة امتحان الطاعنة المتعلقة بمادة الفيزياء‪،‬‬
‫من طرف موظف تابع لوزارة التربية الوطنية‪ ،‬بورقة أخرى بيضاء تتعلق بتلميذة أخرى‪ ،‬وأدين ذلك الموظف من أجل‬
‫التزوير‪ ،‬وتم الحكم عليه من طرف المحكمة االبتدائية بسطات بتاريخ ‪ 2003/4/8‬بسنة ونصف حبسا نافذة وبتعويض‬
‫لفائدة الطاعنة في حدود ‪ 10.000‬درهم‪ ،‬وهو الحكم الذي تم تأييده من طرف محكمة االستئناف بسطات بتاريخ‬
‫‪ ،2003/5/12‬وعلى إثره تقدمت الطاعنة بتاريخ ‪ 2003/05/28‬أمام المحكمة اإلدارية بالرباط بطلب إلغاء نتيجة‬
‫االمتحان المذكور بالنسبة لها‪ ،‬وإعالن نجاحها في شعبة العلوم التجريبية‪ ،‬وبتعويض قدره ‪ 500.000‬درهم‪ ،‬فدفع‬
‫الوكيل القضائي للمملكة بعدم قبول الطلب‪ ،‬لعدم إمكانية الجمع بين دعوى اإللغاء ودعوى التعويض في نفس العريضة‪،‬‬
‫ولتقديم طلب اإللغاء خارج األجل القانوني‪ ،‬وبعدم االختصاص النوعي‪ ،‬ألن الضرر الالحق بالطاعنة ناتج عن خطأ‬
‫شخصي للموظف‪ ،‬فضال عن أنه سبق لها أن استفادت من تعويض كمطالبة بالحق المدني أمام القضاء الزجري اتجاه‬
‫مرتكب التزوير‪ ،‬فأصدرت المحكمة اإلدارية الحكم المشار إليه أعاله‪ ،‬الذي قضت بموجبه بإلغاء قرار رسوب الطاعنة‬
‫في امتحانات الباكالوريا لسنة ‪ 2002‬المجراة بأكاديمية الشاوية ورديغة‪ ،‬مع ما يترتب عن ذلك قانونا‪ ،‬وبأداء الدولة‬
‫المغربية لفائدتها تعويضا قدره ‪ 200.000‬درهم‪...‬‬

‫هذا الحكم الذي بمجرد صدوره لقي اهتماما بالغا من لدن الفقه اإلداري المغربي‪ ،‬تراوح بين مؤيد من دون تحفظ‪،‬‬
‫ومؤيد بتحفظ‪.‬‬

You might also like