Professional Documents
Culture Documents
في بلدنا سيطرةٌ ذكورية باتت للبعض عادة ،تقليد ،أو لربما فلوكلوراً أيضاً ،سلبت حتّى من اللغة المؤنّثة لفظا ً
وكأن "هي" ال تستطيع تمثيل الجموع ،فقد حُكم عليها ّ تأنيث العموم ليصبح "هو" الغالب إشارةً للعامة
أن رغم التنميط الذي جعل من المرأة في عقولنا تابعةً خاضعة ،ورغم ّ
أن التواري عن أنظار العا ّمة .إالّ ّ
الدستور والقانون لم يسلم من سموم الذكورية فانتهك للمرأة اللبنانية حقوقا ً كثيرة ،تبقى "الثورة" أنثى تأنيثا ً
عربيا ً أصيالً .ثورةٌ هي كان للفقير فيها صوت وللفقيرة أيضا ً صوت يصدح ،فقد غصّت الساحات اللبنانية من
الشمال إلى الجنوب بوجوه أنثوية تحمل من الغضب واإلصرار ما لم يقدر عليه طاووسٌ ذكر ،تقول الناشطة
االجتماعية (سحر) .وجوهٌ كثيرةٌ مألت الساحات والشاشات ،مطالبٌ محقّة من جنسية ،حضانة ،ومساواة ،إالّ
ٌ
صوت من أن الكثير من القصص األنثوية المحقّة تاهت وسط زحام را ِكبي الموجة ،فاللّحامة "أم حسين" ّ
ّ
تعاملهن الخاص مع الثورة. أصوات النساء المتعبات الالتي كان ّ
لهن
إنّه الخميس السابع عشر من تشرين األ ّول ،تاري ٌخ اشتعلت فيه الساحات اللبنانية كما اشتعل قلب "أم حسين"
على مستقبل أوالدها وقوت يومهم لسنوات .إنّه موعد إضرام النيران بكل من سرق حق العيش الكريم ،فقد
دقّت ساعة الصفر بتوقيت الفقيرة والفقير" .في البداية كنت أشاهد ما يجري على التلفاز ،فأنا عادةً أحاول
إبعاد نفسي وأوالدي عن المشاكل ،لكن صوتا ً ما في داخلي كان يقول أن في الساحات مكاني" ،تقول "أم
حسين"" .أم حسين" األرملة واألم لولدين صغيرين لم يتجاوز كبيرهما من العمر 12سنة ،اختارت أن تسجل
مع الحياة تاريخا ً نضاليا ً -ولو كان بسيطا ً -فجعلت من ساحات الثورة منصةً لتسجيل موقفها ع ّل صوتها يلقى
اهتماما ً فيصل" .نسا ٌء كثيرات شاركن بالتظاهرات وأظهرن صورة المرأة اللبنانية الحقيقية" ،تفيد الناشطة
االجتماعية (سحر) .حملت نفسها بما فيها من بساطة ورفعت شعارات تشاركت بها األوجاع مع مثيالتها،
لكن المطلب المح ّ
ق في بلدنا صرخت ،غضبت ،صدحت من حنجرتها مطالبٌ تفيها حقوقها هي وصغيريهاّ ،
حل ٌم كبي ٌر في بقعة جغرافية صغيرة" .الكثير من اللذين شاركوني النداءات والصيحات في الساحات طالبن
بحق الجنسية ألوالدهن أو حق أخذ الحضانة ،لكنني لم أطلب أكثر من ضمانة للعيش بكرامة مع أوالدي في
بلدي" ،تقول "أم حسين" بغصة.
ٌ
وحضن دافئ للتعليق والتنميق والكالم الفارغ ،فكيف مجتم ٌع ال يرحم ،فيه لـ "القيل و القال" مساحةٌ واسعة
على امرأة كتب لها القدر أن تخسر زوجها باكراً؟ تسود الدنيا كلها فجأة ،تصبح وكأنها تُعاقب بجرم موت
شريك حياتها ،برأي "أم حسين" .لكن األنثى ثورة والثورة أنثى بنعوم ٍة أو بغضب -ال يهم -فال مكان للتنميط
عند انتفاضة الكيان .لم تقبل "أم حسين" بأن توضع على الهامش بجُرم أنوثتها وال أن يخ ّون شرفها بذنب
هن من يخفنه" .هذه المرأة سمعت الكثير من تر ّملها ،فكسرت ُعرفا ً ليس فيه من الصحيح شيء إنّما كثيرات ّ
الكالم الغير الئق والمهين لكنها اختارت التحدي في سبيل حياة طفليها" ،تعلّق إحدى الجارات .مرأةٌ من
مجتمعي هي ،ثارت على صورة نمطية صورت المرأة على أنها كائن لطيف ضعيف محظّ ٌر عليها مصارعةُ
الحياة ،فحطّمتها" .تابعت عمل زوجي المرحوم واستلمت الملحمة غير آبه ٍة بكالمهم أنها مهنة غير مناسبة
للمرأة" ،تقول اللحامة "أم حسين" بحزم.
الثائرة أم حسين ،اللحامة أم حسين ،األم ،األرملة ،اختر التوصيف الذي تشاء ،إنما هي كيفما كانت تبقى امرأةً
لبنانية يصحُّ فيها قول "اخت الرجال" ،أو عفواً لما التنميط باألمثال الشعبية؟! فأم حسين بكامل أنوثتها تفوق
الرجال مرجلةً وعزما ً وق ّوة .هي امرأة من بالدي ثارت قبل الثورة ،في الثورة ،وبعد الثورة ستبقى تثور من
أجلها ،من أجل أوالدها ،و من أجل كل فقيرة قبل الفقير .ألم حسين ومثيالتها ترفع القبعة ويُرشّ األرز
والزهر لنضالهن ومقاومتهن ،ويبقى الشعار "نحن الثورة" ،تقول أم حسين.