You are on page 1of 1

‫الباب األول‬

‫دالئل أصول اإلسالم‬


‫أوال ‪ :‬إثبات وجود هللا‬
‫حين يسأل متحير‪ « :‬ما الدليل على وجود هللا ؟ » ‪ ،‬فمن المهم قبل اإلجابة عن سؤاله التأكد من طبيعة الدليل الذى يريده إلثبات وجود هللا‪،‬‬
‫إذ إن كثيرا ً من المتحيرين فى وجود الخالق – فضال عن الملحدين المنكرين – قد يشترطون شروطا ً ‪ -‬فى الدليل الموصل إلى معرفة هللا –‬
‫راجعة إلى أذواقهم واستحساناتهم الشخصية‪ ،‬وليس إلى معايير منهجية وموازين موضوعية‪.‬‬
‫وذلك كقول بنى إسرائيل لموسى‪« :‬لن نؤمن لك حتى نرى هللا جهرة» ‪ ،‬فهم هنا حصروا دليل اإليمان على الرؤية الحسية‪.‬‬
‫بينما لو تأملت فى الحجج والبراهين الموصلة إلى عموم الحقائق القطعية فى مختلف المجاالت؛ لوجدت أنها ال تنحصر فى الرؤية الحسية‬
‫مطلقا ً‪.‬‬
‫إن إثبات وجود هللا أمر فطرى عقلى قريب ال يجهد العقل فى الوصول إليه؛ إذ إنه قائم على مبدأ يجده اإلنسان مركوزا ً فى عقله بحيث ال‬
‫يمكنه التخلى عنه البتة‪ ،‬وهو مبدأ‪( :‬االستدالل باألثر على المؤثِّر)؛ بل إن عامة الملحدين الذين يتنكرون لوجود الخالق سبحانه يطبقون هذا‬
‫المبدأ فى سائر أمور حياتهم وإن أنكروه فى بابا األلوهية‪.‬‬

‫وكلما كان األمر الحادث الناشئ أكثر إتقانا ً وتعقيدا ً اشتدت الضرورة فى النفس للبحث عما وراء ذلك األمر المحدث المتقن من السبب الذى‬
‫يناسب هذا اإلتقان والتعقيد‪ ،‬فإن العقل ال يقنع – عند النظر فى األمور الحادثة – بمجرد وجود سبب ورائها؛ بل ال بد أن يكون السبب‬
‫مناسبا ً الصفة التى نشأ عليها هذا األمر الحادث‪ .‬فإذا كانت عقولنا ال تقبل تصور قيام طفل عمره ثمانية أشهر ‪ -‬مثال ‪ -‬بصناعة جهاز‬
‫كمبيوتر وذلك بسبب التنظيم البالغ التعقيد في جهاز الكمبيوتر والذي يتطلب معرفة وخبرة وعقال ناضجا ؛ فإننا ۔ كذلك ‪ -‬ال يمكن أن نقبل‬
‫بأن يكون من أنشأ هذا الكون البالغ في التعقيد والخاضع ألدق القوانين جاهال أو عاجزا ‪ ،‬فضال عن أن يكون الكون ناشئا بال سبب وال‬
‫فاعل أصال ‪.‬‬

‫ومع أن هذه القضية في غاية الوضوح والسالسة فإن كثيرا من الناس يعرضون عن هذا الوضوح والقرب‪ ،‬فيعقدون ما حقه التبسيط‪،‬‬
‫ويعسرون ما حقه التيسير‪ ،‬فيتطلبون أدلة معقدة على وجود هللا سبحانه ال يتوقف معرفة الحق عليها ‪.‬‬
‫وقد تأملت عامة ما يثار من إشكاالت و اعتراضات في هذا الباب فوجدتها ناشئة من أحد أربعة أمور‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬االنحراف في باب مصادر المعرفة ووسائل اكتسابها ‪:‬‬
‫والمقصود باالنحراف في باب مصادر المعرفة ‪ :‬هو حصر طرق اكتساب المعرفة في مصدر واحد مع إهمال بقية المصادر ‪.‬‬
‫وأهم المصادر التي يمكننا أن نكون المعرفة عن طريقها ‪ ،‬هي‪ :‬العقل‪ ،‬والحس ‪ -‬کاالبصار واللمس ‪ -‬والخبر الصحيح الصادق‪ ،‬كما أننا‬
‫نكتسب من الفطرة معارف أولية تعتبر أساسا لكثير من المعارف المكتسبة الحقا‪.‬‬
‫مثال ذلك قول الملحد إنه ال يؤمن إال باألدلة الحسية التجريبية المبنية على المالحظة فى المختبر‪ ،‬وبما أن أدلة وجود هللا ليست كذلك فإنه ال‬
‫يؤمن به‪.‬‬

You might also like