Professional Documents
Culture Documents
Document
Document
وكلما كان األمر الحادث الناشئ أكثر إتقانا ً وتعقيدا ً اشتدت الضرورة فى النفس للبحث عما وراء ذلك األمر المحدث المتقن من السبب الذى
يناسب هذا اإلتقان والتعقيد ،فإن العقل ال يقنع – عند النظر فى األمور الحادثة – بمجرد وجود سبب ورائها؛ بل ال بد أن يكون السبب
مناسبا ً الصفة التى نشأ عليها هذا األمر الحادث .فإذا كانت عقولنا ال تقبل تصور قيام طفل عمره ثمانية أشهر -مثال -بصناعة جهاز
كمبيوتر وذلك بسبب التنظيم البالغ التعقيد في جهاز الكمبيوتر والذي يتطلب معرفة وخبرة وعقال ناضجا ؛ فإننا ۔ كذلك -ال يمكن أن نقبل
بأن يكون من أنشأ هذا الكون البالغ في التعقيد والخاضع ألدق القوانين جاهال أو عاجزا ،فضال عن أن يكون الكون ناشئا بال سبب وال
فاعل أصال .
ومع أن هذه القضية في غاية الوضوح والسالسة فإن كثيرا من الناس يعرضون عن هذا الوضوح والقرب ،فيعقدون ما حقه التبسيط،
ويعسرون ما حقه التيسير ،فيتطلبون أدلة معقدة على وجود هللا سبحانه ال يتوقف معرفة الحق عليها .
وقد تأملت عامة ما يثار من إشكاالت و اعتراضات في هذا الباب فوجدتها ناشئة من أحد أربعة أمور:
األمر األول :االنحراف في باب مصادر المعرفة ووسائل اكتسابها :
والمقصود باالنحراف في باب مصادر المعرفة :هو حصر طرق اكتساب المعرفة في مصدر واحد مع إهمال بقية المصادر .
وأهم المصادر التي يمكننا أن نكون المعرفة عن طريقها ،هي :العقل ،والحس -کاالبصار واللمس -والخبر الصحيح الصادق ،كما أننا
نكتسب من الفطرة معارف أولية تعتبر أساسا لكثير من المعارف المكتسبة الحقا.
مثال ذلك قول الملحد إنه ال يؤمن إال باألدلة الحسية التجريبية المبنية على المالحظة فى المختبر ،وبما أن أدلة وجود هللا ليست كذلك فإنه ال
يؤمن به.