Professional Documents
Culture Documents
Hajjer 2
Hajjer 2
net
2 www.alukah.net
تفسير سورة الحجر
الربع الثاني
من اآلية 99 - 49
الر ِّحي ُم (﴾ )49 ﴿ نَبِّ ْئ ِّعبَادِّي أَنِّي أَنَا ْالغَفُ ُ
ور َّ
إعراب مفردات اآلية ()1
(نبئ) فعل أمر ،والفاعل أنت (عبادي) مفعول به منصوب ،وعالمة النصب الفتحة
المقدرة على ما قبل الياء ..و (الياء) مضاف إليه (أن) حرف توكيد ونصب و (الياء)
ضمير في محل نصب اسم أن (أنا) ضمير منفصل مبني في محل رفع مبتدأ «،»2
(الغفور) خبر مرفوع (الرحيم) خبر ثان مرفوع.
والمصدر المؤول (أني أنا الغفور )..في محل نصب سد مسد المفعولين لثاني والثالث
لفعل نبأ.
روائع البيان والتفسير
الر ِّحي ُم ﴾
ور َّئ ِّعبَادِّي أَنِّي أَنَا ْالغَفُ ُ ﴿ نَبِّ ْ
الر ِّحي ُم ئ ِّعبَادِّي أَنِّي أَنَا ْالغَفُ ُ
ور َّ -قال أبو جعفر الطبري-رحمه هللا-في بيانها :وقوله﴿ نَبِّ ْ
﴾ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى هللا عليه وسلم :أخبر عبادي يا محمد ،أني أنا
الذي أستر على ذنوبهم إذا تابوا منها وأنابوا ،بترك فضيحتهم بها وعقوبتهم عليها،
الرحيم بهم أن أعذبهم بعد توبتهم منها عليها.اهـ()3
الر ِّحي ُم ﴾ فإنهم إذا عرفوا كمال رحمته، -وأضاف السعدي-رحمه هللا ﴿ -أَنِّي أَنَا ْالغَفُ ُ
ور َّ
س َعوا في األسباب الموصلة لهم إلى رحمته وأقلعوا عن الذنوب وتابوا منها، ومغفرته َ
لينالوا مغفرته.اهـ ()4
عذَا ِّبي ُه َو ْال َعذَ ُ
اب ْاأل َ ِّلي ُم (﴾ )50 ﴿ َوأ َ َّن َ
-1الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق()248 /14
- 2أو ضمير منفصل في محل نصب توكيد السم أن ،وأستعير لمحل النصب ،وكونه فصال ضعيف
ألن ما بعده ال يلتبس بالصفة.
-3جامع البيان في تأويل القرآن ألبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر -الناشر :مؤسسة الرسالة
() 111 / 17
-4تيس ير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي -الناشر :مؤسسة
الرسالة( ) 431 /1
3 www.alukah.net
إعراب مفردات اآلية ()5
(الواو) عاطفة (أن عذابي هو العذاب األليم) مثل أني أنا الغفور الرحيم.
والمصدر المؤول (أن عذابي ) ...في محل نصب معطوف على المصدر المؤول السابق.
روائع البيان والتفسير
اب ْاأل َ ِّلي ُم ﴾عذَا ِّبي ُه َو ْال َعذَ ُ
﴿ َوأ َ َّن َ
-قال أبو جعفر الطبري-رحمه هللا:-
اب األ ِّلي ُم ﴾ يقول :وأخبرهم أيضا أن عذابي لمن أصر على ﴿ َوأ َ َّن َعذَابِّي ُه َو ْال َعذَ ُ
معاصي وأقام عليها ولم يتب منها ،هو العذاب الموجع الذي ال يشبهه عذاب .هذا من
هللا تحذير لخلقه التقدم على معاصيه ،وأمر منه لهم باإلنابة والتوبة.اهـ()6
-وأضاف السعدي في تفسيرها ما نصهَ ﴿ :وأ َ َّن َعذَابِّي ُه َو ْالعَذَ ُ
اب األ ِّلي ُم ﴾ أي :ال
عذاب في الحقيقة إال عذاب هللا الذي ال يقادر قدره وال يبلغ كنهه نعوذ به من عذابه،
فإنهم إذا عرفوا أنه ﴿ ال يعذب عذابه أحد وال يوثق وثاقه أحد ﴾ حذروا وأبعدوا عن
كل سبب يوجب لهم العقاب ،فالعبد ينبغي أن يكون قلبه دائما بين الخوف والرجاء،
والرغبة والرهبة ،فإذا نظر إلى رحمة ربه ومغفرته وجوده وإحسانه ،أحدث له ذلك
الرجاء والرغبة ،وإذا نظر إلى ذنوبه وتقصيره في حقوق ربه ،أحدث له الخوف
والرهبة واإلقالع عنها.اهـ ()7
يم (﴾ )51 ْف ِّإب َْرا ِّه َضي ِّ﴿ َون َِّبئْ ُه ْم َع ْن َ
إعراب مفردات اآلية ()8
(الواو) عاطفة (نبئهم) مثل األول ..و (هم) ضمير مفعول به (عن ضيف) جار ومجرور
متعلق ب (نبئ)( ،إبراهيم) مضاف إليه مجرور ،وعالمة الجر الفتحة.
روائع البيان والتفسير
يم ﴾ ْف ِّإب َْرا ِّه َ
ضي ِّ ﴿ َون َِّبئْ ُه ْم َع ْن َ
-5الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق() 249/14
-6جامع البيان في تأويل القرآن ألبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر -الناشر :مؤسسة الرسالة
( ) 111/17
-7تيس ير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي -الناشر :مؤسسة
الرسالة( ) 431 /1
-8الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق()249 /14
4 www.alukah.net
-قال السعدي -رحمه هللا في بيانها إجماالً :أي :عن تلك القصة العجيبة فإن في قصك
عليهم أنباء الرسل وما جرى لهم ما يوجب لهم العبرة واالقتداء بهم ،خصوصا إبراهيم
الخليل ،الذي أمرنا هللا أن نتبع ملته ،وضيفه هم المالئكة الكرام أكرمه هللا بأن جعلهم
أضيافه.اهـ ()9
س َال ًما قَا َل ِّإنَّا ِّم ْن ُك ْم َو ِّجلُونَ (﴾ )52
﴿ ِّإ ْذ دَ َخلُوا َعلَ ْي ِّه فَقَالُوا َ
إعراب مفردات اآلية ()10
(إذ) ظرف للزمن الماضي مبني في محل نصب متعلق ب (ضيف) «.»11
(دخلوا) فعل ماض وفاعله (على) حرف جر و (الهاء) ضمير في محل جر متعلق ب
(دخلوا)( ،الفاء) عاطفة (قالوا) مثل دخلوا (سالما) مفعول مطلق لفعل محذوف أي نسلم
سالما (قال) فعل ماض ،والفاعل هو (إنا) مثل إني (من) حرف جر و (كم) ضمير في
محل جر متعلق ب (وجلون) وهو خبر إن مرفوع وعالمة الرفع الواو.
روائع البيان والتفسير
س َال ًما قَا َل إِّنَّا ِّم ْن ُك ْم َو ِّجلُونَ ﴾
﴿ إِّ ْذ دَ َخلُوا َعلَ ْي ِّه فَقَالُوا َ
-قال السعدي –رحمه هللا-في بيانها ما نصه :أي :سلموا عليه فرد عليهم ﴿ قَا َل إِّنَّا
ِّم ْن ُك ْم َو ِّجلُونَ ﴾ أي :خائفون ،ألنه لما دخلوا عليه وحسبهم ضيوفا ذهب مسرعا إلى
بيته فأحضر لهم ضيافتهم ،عجال حنيذا فقدمه إليهم ،فلما رأى أيديهم ال تصل ،إليه
خاف منهم أن يكونوا لصوصا أو نحوهم.اهـ ()12
-وقال الشنقيطي-رحمه هللا :-لم يبين تعالى في هذه اآلية الكريمة هل رد إبراهيم
السالم على المالئكة أو ال ; ألنه لم يذكر هنا رده السالم عليهم ،وإنما قال عنه إنه
قال لهم إنا منكم وجلون ،وبين في هود والذاريات أنه رد عليهم السالم بقوله في هود
﴿ قال سالم فما لبث أن جاء بعجل حنيذ ﴾[اآلية ]69وقوله في الذاريات ﴿ :قال سالم
قوم منكرون فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين ﴾ [ ]26 - 25 \ 51وبين أن الوجل
المذكور هنا هو الخوف ; لقوله في القصة بعينها في هود ﴿ :وأوجس منهم خيفة قالوا
ال تخف ﴾ [ ]70 \ 51وقوله في الذاريات ﴿ :فأوجس منهم خيفة قالوا ال تخف ﴾ [11
-9تيس ير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي -الناشر :مؤسسة
الرسالة( ) 432/1
-10الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق()249 /14
- 11بكونه مصدرا ..أو متعلق بمحذوف مضاف أي عن خبر ضيف إبراهيم إذ دخلوا
-12تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي -الناشر :مؤسسة
الرسالة( ) 432 /1
5 www.alukah.net
\ .]28وقد قدمنا أن من أنواع البيان في هذا الكتاب بيان اللفظ بمرادف له أشهر منه
كما هنا ،ألن الخوف يرادف الوجل وهو أشهر منه ،وبين أن سبب خوفه هو عدم
أكلهم بقوله ﴿ :فلما رأى أيديهم ال تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة [\ 11
.]70اهـ()13
﴿ قَالُوا َال ت َ ْو َج ْل ِّإنَّا نُبَش ُِّر َك ِّبغُ َال ٍم َع ِّل ٍيم (﴾ )53
إعراب مفردات اآلية ()14
(قالوا) ماض وفاعله (ال) ناهية جازمة (توجل) مضارع مجزوم ،والفاعل أنت (إنا)
مثل إني «( ،»15نبشرك) مضارع مرفوع ،و (الكاف) ضمير مفعول به ،والفاعل نحن
(بغالم) جار ومجرور متعلق ب (نبشر)( ،عليم) نعت لغالم مجرور.
روائع البيان والتفسير
﴿ قَالُوا َال ت َ ْو َج ْل ِّإنَّا نُبَش ُِّر َك ِّبغُ َال ٍم َع ِّل ٍيم ﴾
-قال السعدي – رحمه هللا-في بيانها إجماالً :فـ ﴿ قَالُوا ﴾ له ﴿ :ال ت َ ْو َج ْل ِّإنَّا نُبَش ُِّر َك
الم َع ِّل ٍيم ﴾ وهو إسحاق عليه الصالة والسالم ،تضمنت هذه البشارة بأنه ذكر ال بِّغُ ٍ
أنثى عليم أي :كثير العلم ،وفي اآلية األخرى ﴿ َوبَ َّ
ش ْرنَاهُ بِّإ ِّ ْس َحاقَ نَبِّيًّا ِّمنَ ال َّ
صا ِّل ِّحينَ
﴾.اهـ ()16
ي ْال ِّكبَ ُر فَبِّ َم تُبَ ِّش ُرونَ (﴾ )54
سنِّ َش ْرت ُ ُمونِّي َعلَى أ َ ْن َم َّ ﴿ قَا َل أَبَ َّ
إعراب مفردات اآلية ()17
(قال) فعل ماض والفاعل هو (الهمزة) لالستفهام التعجبي (بشرتم) فعل ماض وفاعله و
(الواو) زائدة إشباع حركة الميم و (النون) للوقاية و (الياء) مفعول به (على) حرف جر
(أن) حرف مصدري (مسني) فعل ماض ،و (النون) للوقاية ،و (الياء) مفعول به (الكبر)
فاعل مرفوع.
- 13أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي الناشر :دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع
بيروت – لبنان()280 / 2
-14الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق() 251/14
- 15في اآلية ( )49من هذه السورة.
-16تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي -الناشر :مؤسسة
الرسالة( ) 432 /1
-17الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق() 251/14
6 www.alukah.net
والمصدر المؤول (أن مسني )..في محل جر ب (على) متعلق بحال من ضمير المتكلم
أي أبشرتموني كبيرا.
(الفاء) عاطفة (الباء) حرف جر (ما) اسم استفهام مبني في محل جر بالباء متعلق ب
(تبشرون) وهو مضارع مرفوع وعالمة الرفع ثبوت النون..
و (الواو) فاعل.
روائع البيان والتفسير
ي ْال ِّكبَ ُر فَبِّ َم تُبَ ِّش ُرونَ ﴾ ش ْرت ُ ُمونِّي َعلَى أ َ ْن َم َّ
سنِّ َ ﴿ قَا َل أَبَ َّ
-قال السعدي – رحمه هللا -في تفسيرها ما نصه :فقال لهم متعجبا من هذه البشارة﴿ :
ي ْال ِّك َب ُر ﴾ وصار نوع إياس منه ﴿ فَ ِّب َم ت ُ َبش ُِّرونَ ﴾ ش ْرت ُ ُمو ِّني ﴾ بالولد ﴿ َعلَى أ َ ْن َم َّ
س ِّن َ أ َ َب َّ
أي :على أي وجه تبشرون وقد عدمت األسباب؟.اهـ ()18
ق فَ َال ت َ ُك ْن ِّمنَ ْالقَانِّ ِّطينَ (﴾ )55 َاك بِّ ْال َح ِّش ْرن َ ﴿ قَالُوا َب َّ
إعراب مفردات اآلية ()19
(قالوا) فعل ماض وفاعلة (بشرنا) فعل ماض وفاعله و (الكاف) ضمير مفعول به
(بالحق) جار ومجرور متعلق ب (بشرنا)( ،الفاء) عاطفة لربط المسبب بالسبب (ال)
ناهية جازمة (تكن) مضارع ناقص مجزوم ،واسمه ضمير مستتر تقديره أنت (من
القانطين) جار ومجرور خبر تكن ،وعالمة الجر الياء.
روائع البيان والتفسير
ق فَ َال ت َ ُك ْن ِّمنَ ْالقَانِّ ِّطينَ ﴾ َاك بِّ ْال َح ِّ
ش ْرن َ ﴿ قَالُوا بَ َّ
ش ُروهُ ِّب ِّه ت َ ْح ِّقيقًا َو ِّبش َ
َارة ً بَ ْعدَ -قال ابن كثير -رحمه هللا-في بيانها :فَأ َ َجابُوهُ ُم َؤ ِّكدِّينَ ِّل َما بَ َّ
ض ُه ْمْ :
"القَنِّ ِّطينَ " - ق فَال ت َ ُك ْن ِّمنَ ْالقَانِّ ِّطينَ ﴾ َوقَ َرأ َ بَ ْع ُ َاك بِّ ْال َح ِّ
ش ْرن َ َارةٍ ﴿ ،قَالُوا بَ َّ بِّش َ
َّللاِّ ْال َولَدََ ،وإِّ ْن َكانَ قَدْ َكبِّ َر وأسنَّت ا ْم َرأَتُهُ، طَ ،ولَ ِّك ْن يَ ْر ُجو ِّمنَ َّ ْس يَ ْقنَ ُ فَأ َ َجابَ ُه ْم بِّأَنَّهُ لَي َ
َّللاِّ َو َر ْح َمتِّ ِّه َما ُه َو أ َ ْبلَ ُغ ِّم ْن ذَ ِّل َك.اهـ()20 فَإِّنَّهُ يَ ْعلَ ُم ِّم ْن قُ ْد َرةِّ َّ
ق ﴾ الذي ال شك فيه ألن َاك بِّ ْال َح ِّ
ش ْرن َ -وأضاف السعدي -رحمه هللا -في تفسيرها ﴿ :قَالُوا بَ َّ
هللا على كل شيء قدير ،وأنتم بالخصوص -يا أهل هذا البيت -رحمة هللا وبركاته عليكم
فال يستغرب فضل هللا وإحسانه إليكم.
-18تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي -الناشر :مؤسسة
الرسالة( ) 432 /1
-19الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق() 252/14
-20تفسير القرآن العظيم البن كثير-الناشر :دار طيبة للنشر والتوزيع() 541/ 4
7 www.alukah.net
﴿ َفال ت َ ُك ْن ِّمنَ ْالقَانِّ ِّطينَ ﴾ الذين يستبعدون وجود الخير ،بل ال تزال راجيا لفضل هللا
وإحسانه ،وبره وامتنانه.اهـ ()21
ط ِّم ْن َر ْح َم ِّة َر ِّب ِّه ِّإ َّال الضَّالُّونَ (﴾ )56 ﴿ قَا َل َو َم ْن َي ْقنَ ُ
إعراب مفردات اآلية ()22
(قال) فعل ماض ،والفاعل هو (الواو) عاطفة (من) اسم استفهام فيه معنى النفي مبني
في محل رفع مبتدأ (يقنط) مضارع مرفوع ،والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (من
رحمة) جار ومجرور متعلق ب (يقنط)( ،ربه) مضاف إليه مجرور ،و (الهاء) مضاف
إليه (إال) لالستثناء (الضالون) بدل من فاعل يقنط مرفوع وعالمة الرفع الواو.
روائع البيان والتفسير
ط ِّم ْن َر ْح َم ِّة َر ِّب ِّه ِّإ َّال الضَّالُّونَ ﴾ ﴿ قَا َل َو َم ْن يَ ْقنَ ُ
-قال البغوي -رحمه هللا -في تفسيرها:
﴿ قال ومن يقنط ﴾ أي :من ييئس ﴿ من رحمة ربه إال الضالون ﴾ أي :الخاسرون ،والقنوط
من رحمة هللا كبيرة كاألمن من مكره.اهـ()23
-وزاد السعدي –رحمه هللا-في تفسيره لآلية فقال ما نصهَ ﴿ :و َم ْن يَ ْقنَ ُ
ط ِّم ْن َر ْح َم ِّة َربِّ ِّه
إِّال الضَّالُّونَ ﴾ الذين ال علم لهم بربهم ،وكمال اقتداره وأما من أنعم هللا عليه بالهداية
والعلم العظيم ،فال سبيل إلى القنوط إليه ألنه يعرف من كثرة األسباب والوسائل
والطرق لرحمة هللا شيئا كثيرا ،ثم لما بشروه بهذه البشارة ،عرف أنهم مرسلون ألمر
مهم.اهـ ()24
سلُونَ (﴾ )57 ﴿ قَا َل فَ َما خ ْ
َطبُ ُك ْم أَيُّ َها ْال ُم ْر َ
إعراب مفردات اآلية ()25
-21تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي -الناشر :مؤسسة
الرسالة( ) 432/1
-22الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق()253 /14
-23انظر معالم التنزيل للبغوي -الناشر :دار طيبة للنشر والتوزيع ( ) 583/4
-24تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي -الناشر :مؤسسة
الرسالة( ) 432 /1
-25الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق() 254/14
8 www.alukah.net
(قال) كالسابق «( ،»26الفاء) رابطة لجواب شرط مقدر (ما) اسم استفهام مبني في
محل رفع مبتدأ (خطبكم) خبر مرفوع ..و (كم) ضمير مضاف إليه (أيها) منادى نكرة
مقصودة مبني على الضم في محل نصب..
و (ها) حرف تنبيه (المرسلون) نعت ألي -أو بدل -تبعه في الرفع لفظا ،وعالمة الرفع
الواو.
روائع البيان والتفسير
سلُونَ ﴾ ﴿ قَا َل فَ َما خ ْ
َطبُ ُك ْم أَيُّ َها ْال ُم ْر َ
-قال السعدي -رحمه هللا-في بيانها :أي :ما شأنكم وألي شيء أرسلتم؟.اهـ ()27
-وأضاف القرطبي-رحمه هللا-في تفسيره :لما علم أنهم مالئكة -إذ أخبروه بأمر
خارق للعادة وهو بشراهم بالولد -قال :فما خطبكم؟ والخطب األمر الخطير .أي فما
أمركم وشأنكم وما الذي جئتم به.اهـ()28
﴿ قَالُوا ِّإنَّا أ ُ ْر ِّس ْلنَا ِّإلَى قَ ْو ٍم ُم ْج ِّر ِّمينَ (﴾ )58
إعراب مفردات اآلية ()29
قالوا) فعل ماض وفاعله (إنا) حرف مشبه بالفعل ..و (نا) اسم إن (أرسلنا) فعل ماض
مبني للمجهول مبني على السكون ..و (نا) ضمير في محل رفع نائب الفاعل (إلى قوم)
جار ومجرور متعلق ب (أرسلنا)( ،مجرمين) نعت لقوم مجرور وعالمة الجر الياء.
روائع البيان والتفسير
﴿ قَالُوا ِّإنَّا أ ُ ْر ِّس ْلنَا ِّإلَى قَ ْو ٍم ُم ْج ِّر ِّمينَ ﴾
-قال السعدي – رحمه هللا -في تفسيره لآلية ﴿ :قَالُوا ِّإنَّا أ ُ ْر ِّس ْلنَا ِّإلَى قَ ْو ٍم ُم ْج ِّر ِّمينَ ﴾
أي :كثر فسادهم وعظم شرهم ،لنعذبهم ونعاقبهم.اهـ ()30
-وأضاف الشنقيطي -رحمه هللا :-اشار في هذه اآلية الكريمة إلى أن المراد بهؤالء القوم
المجرمين قوم لوط الذين أرسل إليهم فكذبوه ،ووجه إشارته تعالى لذلك استثناء لوط
وأهله غير امرأته في قوله ﴿ :إال آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إال امرأته ﴾ اآلية [\ 15
9 www.alukah.net
]60 - 59وصرح بأنهم قوم لوط بقوله في هود في القصة بعينها ﴿ :قالوا ال تخف إنا
أرسلنا إلى قوم لوط ﴾ اآلية [ ]70 \ 11وصرح في الذاريات بأنهم أرسلوا إلى هؤالء
القوم المجرمين ليرسلوا عليهم حجارة من طين في قوله ﴿ :قالوا إنا أرسلنا إلى قوم
مجرمين لنرسل عليهم حجارة من طين ﴾[ ]33 - 32 \ 51وصرح في العنكبوت أنهم
قالوا إنهم مهلكوهم بسبب ظلمهم ،ومنزلون عليهم رجزا من السماء بسبب فسقهم وذلك
في قوله تعالى ﴿ :ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن
أهلها كانوا ظالمين قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها ﴾ اآلية []32 - 31\ 29
وقوله ﴿ :وقالوا ال تخف وال تحزن إنا منجوك وأهلك إال امرأتك كانت من الغابرين
إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ﴾[- 33 \ 29
]34وقوله ﴿ :إال آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين ﴾ [ ]59 \ 15بين في هذه اآلية الكريمة
أنه استثنى آل لوط من ذلك العذاب النازل بقومه ،وأوضح هذا المعنى في آيات أخر
كما تقدم في هود في قوله ﴿ :قالوا يالوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك
بقطع من الليل وال يلتفت منكم أحد إال امرأتك ﴾اآلية [ ]81 \ 11وقوله في العنكبوت:
﴿ وقالوا ال تخف وال تحزن إنا ..إلى غير ذلك من اآليات.اهـ()31
﴿ ِّإ َّال آ َ َل لُوطٍ ِّإنَّا لَ ُمنَ ُّجوهُ ْم أ َ ْج َم ِّعينَ (﴾ )59
إعراب مفردات اآلية ()32
(إال) أداة استثناء (آل) مستثنى منصوب ،متصل أو منقطع «( .»33لوط) مضاف إليه
مجرور (إنا) مثل األول (الالم) المزحلقة للتوكيد (منجوهم) خبر إن مرفوع وعالمة
الرفع الواو ..و (هم) ضمير مضاف إليه (أجمعين) توكيد معنوي للضمير الغائب في
(منجوهم) مجرور وعالمة الجر الياء.
روائع البيان والتفسير
﴿ إِّ َّال آ َ َل لُوطٍ إِّنَّا لَ ُمنَ ُّجوهُ ْم أ َ ْج َم ِّعينَ ﴾
- 31أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي الناشر :دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع
بيروت – لبنان( )283 /2
-32الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق() 255/14
- 33الظاهر أنه منقطع ألن المستثنى منه (قوم مجرمين).
10 www.alukah.net
-قال أبو جعفر الطبري-رحمه هللا -في تفسيره :يقول :إال اتباع لوط على ما هو عليه
من الدِّين ،فإنا لن نهلكهم بل ننجيهم من العذاب الذي أمرنا أن نعذب به قوم
لوط.اهـ()34
﴿ ِّإ َّال ا ْم َرأَتَهُ قَد َّْرنَا ِّإنَّ َها لَ ِّمنَ ْالغَا ِّب ِّرينَ (﴾ )60
إعراب مفردات اآلية ()35
(إال امرأته) مثل إال آل ..و (الهاء) مضاف إليه ،واالستثناء من آل لوط (قدرنا) فعل
ماض وفاعله (إنها) مثل إنا (الالم) مثل األولى (من الغابرين) جار ومجرور متعلق
بخبر إن ،وعالمة الجر الياء.
روائع البيان والتفسير
﴿ ِّإ َّال ا ْم َرأَتَهُ قَد َّْرنَا ِّإنَّ َها لَ ِّمنَ ْالغَا ِّب ِّرينَ ﴾
-قال أبو جعفر الطبري-رحمه هللا :سوى امرأة لوط قدرنا إنها من الغابرين :يقول:
قضى هللا فيها إنها لمن الباقين ،ثم هي مهلكة بعد.اهـ()36
-وقال السعدي -رحمه هللا :أي :الباقين بالعذاب ،وأما لوط فسنخرجنه وأهله وننجيهم
منها.اهـ ()37
سلُونَ (﴾ )61 ﴿ فَلَ َّما َجا َء آ َ َل لُوطٍ ْال ُم ْر َ
إعراب مفردات اآلية ()38
(الفاء) استئنافية (لما) ظرف بمعنى حين متضمن معنى الشرط مبني في محل نصب
متعلق ب (قال)( ،جاء) فعل ماض (آل) مفعول به مقدم منصوب (لوط) مضاف إليه
مجرور (المرسلون) فاعل مرفوع وعالمة الرفع الواو.
روائع البيان والتفسير
سلُونَ ﴾ ﴿ فَلَ َّما َجا َء آ َ َل لُوطٍ ْال ُم ْر َ
-34جامع البيان في تأويل القرآن ألبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر -الناشر :مؤسسة
الرسالة ( ) 114/17
-35الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق() 255/14
-36جامع البيان في تأويل القرآن ألبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر -الناشر :مؤسسة
الرسالة ( ) 114/17
-37تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي -الناشر :مؤسسة
الرسالة( ) 433 /1
-38الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق()256 /14
11 www.alukah.net
-قال أبو جعفر الطبري -رحمه هللا :يقول تعالى ذكره :فلما أتى رس ُل هللا آل
لوط.اهـ()39
﴿ قَا َل ِّإنَّ ُك ْم قَ ْو ٌم ُم ْن َك ُرونَ (﴾ )62
إعراب مفردات اآلية ()40
(قال) مثل جاء (إنكم) مثل إنا «( .»41قوم) خبر إن مرفوع (منكرون) نعت لقوم مرفوع
وعالمة الرفع الواو.
روائع البيان والتفسير
﴿ قَا َل ِّإنَّ ُك ْم قَ ْو ٌم ُم ْن َك ُرونَ ﴾
شبَابًا َو َرأَى َج َم ًاال
ي َال أَع ِّْرفُ ُك ْمَ .وقِّي َلَ :كانُوا َ -قال القرطبي -رحمه هللا-في تفسيره :أ َ ْ
ار.اهـ()42 َاف َعلَ ْي ِّه ْم ِّم ْن فِّتْنَ ِّة قَ ْو ِّم ِّه ،فَ َهذَا ُه َو ْ ِّ
اإل ْن َك ُ فَخ َ
َاك ِّب َما َكانُوا فِّي ِّه َي ْمت َ ُرونَ (﴾ )63 ﴿ قَالُوا َب ْل ِّجئْن َ
إعراب مفردات اآلية ()43
(قالوا) فعل ماض وفاعله (بل) لإلضراب االنتقالي (جئناك) فعل ماض وفاعله ..و
(الكاف) مفعول به (الباء) حرف جر (ما) اسم موصول مبني في محل جر متعلق ب
(جئناك)( ،كانوا) فعل ماض ناقص واسمه (في) حرف جر و (الهاء) ضمير في محل
جر متعلق ب (يمترون) وهو مضارع مرفوع ..و (الواو) فاعل.
روائع البيان والتفسير
َاك بِّ َما َكانُوا فِّي ِّه يَ ْمت َ ُرونَ ﴾ ﴿ قَالُوا بَ ْل ِّجئْن َ
اب ألنه كان َاز ٌل بِّ ِّه ْم َو ُه َو ْالعَذَ ُ
ش ُّكونَ فِّي أَنَّهُ ن ِّي :يَ ُ -قال البغوي -رحمه هللا-في بيانها :أ َ ْ
ص ِّدقُونَهُ.اهـ()44 يوعدهم بالعذاب فال يُ َ
صا ِّدقُونَ (﴾ )64 ق َوإِّنَّا لَ َ َاك بِّ ْال َح ِّ﴿ َوأَت َ ْين َ
-39جامع البيان في تأويل القرآن ألبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر -الناشر :مؤسسة
الرسالة ( ) 115/ 17
-40الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق() 256/14
- 41في اآلية ( )58من هذه السورة.
-42الجامع ألحكام القرآن للقرطبي -الناشر :دار الكتب المصرية – القاهرة ( ) 38 /10
-43الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق() 256/14
-44انظر معالم التنزيل للبغوي -الناشر :دار طيبة للنشر والتوزيع () 386/ 4
12 www.alukah.net
إعراب مفردات اآلية ()45
(الواو) عاطفة (أتيناك) مثل جئناك (بالحق) جار ومجرور متعلق بحال من فاعل أتينا
أي ملتبسين بالحق أو من مفعوله أي ملتبسا به (الواو) عاطفة (إنا) مثل السابق «،»46
(الالم) المزحلقة للتوكيد (صادقون) خبر إن مرفوع ،وعالمة الرفع الواو.
روائع البيان والتفسير
صا ِّدقُونَ ﴾ ق َو ِّإنَّا لَ َ َاك بِّ ْال َح ِّ﴿ َوأَت َ ْين َ
-قال أبو جعفر الطبري :يقول تعالى ذكره :قالت الرسل للوط :وجئناك بالحق اليقين
من عند هللا ،وذلك الحق هو العذاب الذي عذب هللا به قوم لوط .وقد ذكرت خبرهم
(و ِّإنَّا
وقصصهم في سورة هود وغيرها حين بعث هللا رسله ليعذبهم به .وقولهمَ :
صا ِّدقُونَ ) يقولون :إنا لصادقون فيما أخبرناك به يا لوط من أن هللا مهلك لَ َ
قومك.اهـ()47
ضوا َحي ُ
ْث ت ُؤْ َم ُرونَ ار ُه ْم َو َال يَ ْلت َ ِّف ْ
ت ِّم ْن ُك ْم أ َ َحد ٌ َوا ْم ُ طعٍ ِّمنَ اللَّ ْي ِّل َوات َّ ِّب ْع أَدْبَ َ ﴿ فَأَس ِّْر ِّبأ َ ْه ِّل َك ِّب ِّق ْ
(﴾ )65
إعراب مفردات اآلية ()48
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدر (أسر) فعل أمر مبني على حذف حرف العلة ،والفاعل
أنت (بأهلك) جار ومجرور متعلق ب (أسر) « ..»49و (الكاف) مضاف إليه (بقطع)
جار ومجرور متعلق ب (أسر)( ،من الليل) جار ومجرور متعلق بنعت لقطع (الواو)
عاطفة (اتبع) مثل أسر (أدبارهم) مفعول به منصوب ..و (هم) مضاف إليه (الواو)
عاطفة (ال) ناهية جازمة (يلتفت) مضارع مجزوم (من) حرف جر و (كم) ضمير في
محل جر متعلق بحال من أحد -نعت تقدم على المنعوت( -أحد) فاعل مرفوع (الواو)
عاطفة (امضوا) فعل أمر مبني على حذف النون ..و (الواو) فاعل (حيث) ظرف مكان
مبني على الضم في محل نصب متعلق ب (امضوا)( ،تؤمرون) مضارع مبني للمجهول
مرفوع ..و (الواو) نائب فاعل.
-45الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق() 257/14
- 46في اآلية ( )58من هذه السورة.
-47جامع البيان في تأويل القرآن ألبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر -الناشر :مؤسسة
الرسالة () 115/ 17
-48الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق()258 /14
- 49أو بمحذوف حال من الفاعل.
13 www.alukah.net
روائع البيان والتفسير
ضوا َحي ُ
ْث ت ُؤْ َم ُرونَ ت ِّم ْن ُك ْم أ َ َحدٌ َوا ْم ُ ار ُه ْم َو َال َي ْلت َ ِّف ْ ﴿ فَأَس ِّْر بِّأ َ ْه ِّل َك ِّب ِّق ْ
طعٍ ِّمنَ اللَّ ْي ِّل َوات َّ ِّب ْع أ َ ْدبَ َ
﴾
-قال أبو جعفر الطبري-رحمه هللا-في تفسيرها ﴿ :فَأَس ِّْر ِّبأ َ ْه ِّل َك ِّب ِّق ْ
طعٍ ِّمنَ اللَّ ْي ِّل ﴾ يقول
تعالى ذكره مخبرا عن رسله أنهم قالوا للوط ،فأسر بأهلك ببقية من الليل ،واتبع يا
لوط أدبار أهلك الذين تسري بهم وكن من ورائهم ،وسر خلفهم وهم أمامك ،وال يلتفت
منكم وراءه أحد ،وامضوا حيث يأمركم هللا.اهـ()50
طعٍ ِّمنَ اللَّ ْي ِّل ﴾ أي في أثنائه حين -وزاد السعدي فقال -رحمه هللا ﴿:-فَأَس ِّْر بِّأ َ ْه ِّل َك بِّ ِّق ْ
ت ِّم ْن ُك ْم أ َ َحدٌ ﴾ أي بادروا وأسرعوا تنام العيون وال يدري أحد عن مسراك ﴿ َوال يَ ْلت َ ِّف ْ
ْث تُؤْ َم ُرونَ ﴾ كأن معهم دليال يدلهم إلى أين يتوجهون.اهـ ()51 ضوا َحي ُ ﴿ َوا ْم ُ
صبِّ ِّحينَ (﴾ )66 ع ُم ْ طو ٌ ض ْينَا إِّلَ ْي ِّه ذَ ِّل َك ْاأل َ ْم َر أ َ َّن دَابِّ َر َهؤ َُال ِّء َم ْق ُ ﴿ َوقَ َ
إعراب مفردات اآلية ()52
(الواو) استئنافية (قضينا) مثل جئنا «( ،»53إلى) حرف جر و (الهاء) ضمير في محل
جر متعلق ب (قضينا) بتضمينه معنى أوحينا (ذلك) اسم إشارة مبني في محل نصب
مفعول به ..و (الالم) للبعد ،و (الكاف) للخطاب (األمر) بدل من ذا -أو عطف بيان-
(أن) حرف توكيد ونصب (دابر) اسم أن منصوب (ها) حرف تنبيه (أوالء) اسم إشارة
مبني في محل جر مضاف إليه (مقطوع) خبر مرفوع (مصبحين) حال منصوبة من
الضمير المستكن في مقطوع « ،»54وعالمة النصب الياء .والمصدر المؤول (أن دابر..
مقطوع) في محل نصب بدل من األمر
روائع البيان والتفسير
ص ِّب ِّحينَ ﴾ ع ُم ْ طو ٌ ض ْينَا ِّإلَ ْي ِّه ذَ ِّل َك ْاأل َ ْم َر أ َ َّن دَا ِّب َر َهؤ َُال ِّء َم ْق ُ﴿ َوقَ َ
-50جامع البيان في تأويل القرآن ألبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر -الناشر :مؤسسة
الرسالة ( ) 115/ 17
-51تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي -الناشر :مؤسسة
الرسالة( ) 433 /1
-52الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق()259 /14
- 53في اآلية ( )63من هذه السورة.
- 54إن دابر هؤالء في معنى مدبري هؤالء ،فمقطوع بمعنى مقطوعين لذلك جاءت الحال بصيغة
الجمع.
14 www.alukah.net
ض ْينَا ِّإلَ ْي ِّه ذَ ِّل َك ﴾ أي أخبرناه خبرا
-قال السعدي -رحمه هللا -في بيانها ما نصهَ ﴿ :وقَ َ
ص ِّب ِّحينَ ﴾ أي سيصبحهم العذاب الذي يجتاحهم طوعٌ ُم ْ ال مثنوية فيه ﴿ أ َ َّن دَا ِّب َر َهؤ ِّ
ُالء َم ْق ُ
ويستأصلهم.اهـ ()55
﴿ َو َجا َء أ َ ْه ُل ْال َمدِّينَ ِّة َي ْست َ ْبش ُِّرونَ (﴾ )67
إعراب مفردات اآلية ()56
(الواو) استئنافية (جاء) فعل ماض (أهل) فاعل مرفوع (المدينة) مضاف إليه مجرور
(يستبشرون) مضارع مرفوع ...و (الواو) فاعل.
روائع البيان والتفسير
﴿ َو َجا َء أ َ ْه ُل ْال َمدِّينَ ِّة يَ ْست َ ْبش ُِّرونَ ﴾
-قال القرطبي ﴿ :وجاء أهل المدينة ﴾ أي أهل مدينة لوط ﴿ يستبشرون ﴾ مستبشرين
باألضياف طمعا منهم في ركوب الفاحشة .اهـ()57
ون (﴾ )68 ض ُح ِّ ض ْي ِّفي فَ َال ت َ ْف َ ﴿ قَا َل ِّإ َّن َهؤ َُال ِّء َ
إعراب مفردات اآلية ()58
(قال) فعل ماض ،والفاعل هو أي لوط (إن) حرف مشبه بالفعل -ناسخ( -هؤالء) تنبيه،
واسم إشارة في محل نصب اسم إن (ضيفي) خبر إن مرفوع ،وعالمة الرفع الضمة
المقدرة على ما قبل الباء ،و (الياء) مضاف إليه (الفاء) رابطة لجواب شرط مقدر (ال)
ناهية جازمة (تفضحون) مضارع مجزوم وعالمة الجزم حذف النون ..و (النون)
للوقاية ،وقبلها (الواو) فاعل و (الياء) المحذوفة لمناسبة رأس اآلي مفعول به.
روائع البيان والتفسير
ون ﴾ ض ُح ِّ ض ْي ِّفي فَ َال ت َ ْف َ
﴿ قَا َل ِّإ َّن َهؤ َُال ِّء َ
-قال السعدي -رحمه هللا -في تفسيرها :أي :راقبوا هللا أول ذلك وإن كان ليس فيكم
خوف من هللا فال تفضحون في أضيافي ،وتنتهكوا منهم األمر الشنيع.اهـ ()59
-55تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي -الناشر :مؤسسة
الرسالة( ) 433/1
-56الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق() 259/14
-57الجامع ألحكام القرآن للقرطبي -الناشر :دار الكتب المصرية – القاهرة ( ) 39/10
-58الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق() 260/14
-59تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي -الناشر :مؤسسة
الرسالة( ) 433/1
15 www.alukah.net
-وأضاف أبو جعفر الطبري-رحمه هللا-في تفسيرها :يقول تعالى ذكره :قال لوط
لقومه :إن هؤالء الذين جئتموهم تريدون منهم الفاحشة ضيفي ،وحق على الرجل
إكرام ضيفه ،فال تفضحون أيها القوم في ضيفي ،وأكرموني في ترككم التعرض لهم
بالمكروه.اهـ()60
-وزاد ابن كثير-حمه هللا-في بيانها فقال :وهذا إنما قاله لهم قبل أن يعلم بأنهم رسل
هللا كما قال في سياق سورة هود ،وأما هاهنا فتقدم ذكر أنهم رسل هللا ،وعطف بذكر
مجيء قومه ومحاجته لهم .ولكن الواو ال تقتضي الترتيب ،وال سيما إذا دل دليل على
خالفه.اهـ()61
ون (﴾ )69 ﴿ َواتَّقُوا َّ
َّللاَ َو َال ت ُ ْخ ُز ِّ
إعراب مفردات اآلية ()62
(الواو) عاطفة (اتقوا) فعل أمر مبني على حذف النون ...و (الواو) فاعل (هللا) لفظ
الجاللة مفعول به منصوب (الواو) عاطفة (ال تخزون) مثل ال تفضحون.
روائع البيان والتفسير
ون ﴾ ﴿ َواتَّقُوا َّ
َّللاَ َو َال ت ُ ْخ ُز ِّ
-قال القرطبي-رحمه هللا-في تفسيرها ﴿ -:واتقوا هللا وال تخزون ﴾ يجوز أن يكون من
الخزي وهو الذل والهوان ،ويجوز أن يكون من الخزاية وهو الحياء والخجل.اهـ()63
-وأضاف أبو جعفر الطبري-رحمه هللا في بيانها فقال ::وقوله ﴿ َواتَّقُوا َّ
َّللا ﴾ يقول:
ون ﴾ يقول :وال تذلوني وال وخافوا هللا في وفي أنفسكم أن يحل بكم عقابهَ ﴿ .وال ت ُ ْخ ُز ِّ
تهينوني فيهم ،بالتعرض لهم بالمكروه.اهـ()64
ع ِّن ْال َعالَ ِّمينَ (﴾ )70
﴿ قَالُوا أ َ َولَ ْم نَ ْن َه َك َ
إعراب مفردات اآلية ()65
-60جامع البيان في تأويل القرآن ألبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر -الناشر :مؤسسة
الرسالة ( ) 117/ 17
-61تفسير القرآن العظيم البن كثير-الناشر :دار طيبة للنشر والتوزيع() 542/ 4
-62الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق()260 /14
-63الجامع ألحكام القرآن للقرطبي -الناشر :دار الكتب المصرية – القاهرة ( ) 39 /10
-64جامع البيان في تأويل القرآن ألبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر -الناشر :مؤسسة
الرسالة ( ) 117/ 17
-65الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق() 261/14
16 www.alukah.net
(قالوا) فعل ماض وفاعله (الهمزة) لالستفهام (الواو) عاطفة (لم) حرف نفي وجزم
(ننهك) مضارع مجزوم وعالمة الجزم حذف حرف العلة ..و (الكاف) ضمير مفعول
به ،والفاعل نحن (عن العالمين) جار ومجرور متعلق ب (ننهك) على حذف مضاف أي
عن ضيافة العالمين ،وعالمة الجر الياء.
روائع البيان والتفسير
ع ِّن ْالعَالَ ِّمينَ ﴾ ﴿ قَالُوا أ َ َولَ ْم نَ ْن َه َك َ
-قال السعدي -رحمه هللا:-فـ ﴿ قَالُوا ﴾ له جوابا عن قوله وال تخزون فقط ﴿ :أ َ َولَ ْم نَ ْن َه َك
َع ِّن ْالعَالَ ِّمينَ ﴾ أن تضيفهم فنحن قد أنذرناك ،ومن أنذر فقد أعذر.اهـ ()66
ع ِّن ْالعالَ ِّمينَ -وزاد القرطبي -رحمه هللا-في تفسيرها فقال ما مختصره ﴿ :قالُوا أ َ َولَ ْم نَ ْن َه َك َ
ع ِّنصدُونَ بِّ ِّف ْع ِّل ِّه ُم ْالغُ َربَا ُءَ ، شةََ .و َكانُوا يَ ْق ِّ اح َيف أ َ َحدًا ِّألَنَّا نُ ِّريدُ ِّم ْن ُه ُم ْالفَ ِّ ض َ ي َع ْن أ َ ْن ت ُ ِّ ﴾ أَ ْ
ْال َح َ
س ِّن.
ش ِّة.اهـ()67 ص ْدنَاهُ بِّ ْالفَ ِّ
اح َ اس إِّذَا قَ َ ثم قال:وقيل :أو لم نَ ْن َه َك َع ْن أ َ ْن ت ُ َك ِّل َمنَا فِّي أ َ َح ٍد ِّمنَ النَّ ِّ
﴿ قَا َل َهؤ َُال ِّء َبنَاتِّي إِّ ْن ُك ْنت ُ ْم فَا ِّع ِّلينَ (﴾ )71
إعراب مفردات اآلية ()68
(قال هؤالء بناتي) مثل قال إن هؤالء ضيفي « ،»69وهنا مبتدأ وخبر «( ،»70إن)
حرف شرط جازم (كنتم) فعل ماض ناقص مبني في محل جزم فعل الشرط و (تم) في
محل رفع اسم كنتم (فاعلين) خبر كنتم منصوب وعالمة النصب الياء.
روائع البيان والتفسير
﴿ قَا َل َهؤ َُال ِّء بَنَا ِّتي ِّإ ْن ُك ْنت ُ ْم فَا ِّع ِّلينَ ﴾
-قال ابن كثير -رحمه هللا :-فأرشدهم إلى نسائهم ،وما خلق لهم ربهم منهن من الفروج
المباحة.
-66تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي -الناشر :مؤسسة
الرسالة( ) 433/1
-67الجامع ألحكام القرآن للقرطبي -الناشر :دار الكتب المصرية – القاهرة ( ) 39 /10
-68الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق() 262/14
- 69في اآلية ( )68من هذه السورة.
- 70وفي الكالم حذف أي فتزوجوهن ..ويجوز أن يكون (بناتي) بدال من اسم اإلشارة والخبر محذوف
تقديره أطهر لكم..
17 www.alukah.net
هذا كله وهم غافلون عما يراد بهم ،وما قد أحاط بهم من البالء ،وماذا يصبحهم من
العذاب المستقر.اهـ()71
-وأضاف أبو جعفر الطبري -رحمه هللا -في تفسيرها ما مختصره وبتصرف يسير :يقول
تعالى ذكره :قال لوط لقومه :تزوجوا النساء فأتوهن ،وال تفعلوا ما قد حرم هللا عليكم من
إتيان الرجال ،إن كنتم فاعلين ما آمركم به ،ومنتهين إلى أمري.
ُالء بَنَاتِّي ِّإ ْن ُك ْنت ُ ْم فَا ِّع ِّلينَ ) :أمرهم نبي هللا لوط أن يتزوجوا النساء،
وعن قتادة (قَا َل َهؤ ِّ
ي أضيافه ببناته.اهـ()72 وأراد أن َي ِّق َ
س ْك َرتِّ ِّه ْم يَ ْع َم ُهونَ (﴾ )72
﴿ لَ َع ْم ُر َك ِّإنَّ ُه ْم لَ ِّفي َ
إعراب مفردات اآلية ()73
(الالم) الم االبتداء (عمرك) مبتدأ مرفوع ،و (الكاف) مضاف إليه ،والخبر محذوف
وجوبا تقديره قسمي (إنهم) حرف توكيد ونصب ..و (هم) ضمير في محل نصب اسم
إن (الالم) المزحلقة -أو الم القسم( -في سكرتهم) جار ومجرور متعلق بخبر إن ،و (هم)
مضاف إليه (يعمهون) مضارع مرفوع ..و (الواو) فاعل.
روائع البيان والتفسير
س ْك َرتِّ ِّه ْم يَ ْع َم ُهونَ ﴾﴿ لَعَ ْم ُر َك إِّنَّ ُه ْم لَ ِّفي َ
-قال أبو جعفر الطبري-رحمه هللا-في تفسيرها :وقوله ﴿ لَ َع ْم ُر َك ﴾ يقول تعالى لنبيه
س ْك َرتِّ ِّه ْم
محمد صلى هللا عليه وسلم :وحياتك يا محمد ،إن قومك من قريش ﴿ لَ ِّفي َ
َي ْع َم ُهونَ ﴾ يقول :لفي ضاللتهم وجهلهم يترددون.اهـ()74
-وأضاف ابن كثير -رحمه هللا-في بيانها ما مختصره وبتصرف يسير :أقسم تعالى بحياة
نبيه ،صلوات هللا وسالمه عليه ،وفي هذا تشريف عظيم ،ومقام رفيع وجاه عريض.
وعن ابن عباس ،أنه قال :ما خلق هللا وما ذرأ وما برأ نفسا أكرم عليه من محمد صلى
هللا عليه وسلم ،وما سمعت هللا أقسم بحياة أحد غيره ،قال هللا تعالى ﴿ :لعمرك إنهم لفي
سكرتهم يعمهون ﴾ يقول :وحياتك وعمرك وبقائك في الدنيا إنهم لفي سكرتهم يعمهون
رواه ابن جرير.
-71تفسير القرآن العظيم البن كثير-الناشر :دار طيبة للنشر والتوزيع() 542/ 4
-72جامع البيان في تأويل القرآن ألبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر -الناشر :مؤسسة
الرسالة ) 118/ 17
-73الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق() 263/14
-74جامع البيان في تأويل القرآن ألبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر -الناشر :مؤسسة
الرسالة ( ) 119/ 17
18 www.alukah.net
وقال قتادة ﴿ :في سكرتهم ﴾ أي :في ضاللتهم ﴿ ،يعمهون ﴾ أي :يلعبون.
وقال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس ﴿ :لعمرك ﴾ لعيشك ﴿ ،إنهم لفي سكرتهم
يعمهون ﴾ قال :يتحيرون .اهـ()75
ص ْي َحةُ ُم ْش ِّرقِّينَ (﴾ )73 ﴿ فَأ َ َخذَتْ ُه ُم ال َّ
إعراب مفردات اآلية ()76
(الفاء) عاطفة (أخذت) فعل ماض ..و (التاء) للتأنيث و (هم) ضمير مفعول به (الصيحة)
فاعل مرفوع (مشرقين) حال منصوبة من ضمير المفعول في (أخذتهم) ،وعالمة النصب
الياء.
روائع البيان والتفسير
ص ْي َحةُ ُم ْش ِّرقِّينَ ﴾﴿ فَأ َ َخذَتْ ُه ُم ال َّ
-قال ابن كثير -رحمه هللا-في تفسيرها :يقول :تعالى ﴿ :فأخذتهم الصيحة ﴾ وهي ما
جاءهم من الصوت القاصف عند شروق الشمس ،وهو طلوعها.اهـ()77
-وأضاف القرطبي -رحمه هللا –في بيانها:
قوله تعالى ﴿ :فأخذتهم الصيحة مشرقين ﴾ نصب على الحال ،أي وقت شروق الشمس.
يقال :أشرقت الشمس أي أضاءت ،وشرقت إذا طلعت .وقيل :هما لغتان بمعنى.
وأشرق القوم أي دخلوا في وقت شروق الشمس .مثل أصبحوا وأمسوا ،وهو المراد
في اآلية .وقيل :أراد شروق الفجر .وقيل :أول العذاب كان عند الصبح وامتد إلى
شروق الشمس ،فكان تمام الهالك عند ذلك .وهللا أعلم.اهـ()78
ط ْرنَا َعلَ ْي ِّه ْم ِّح َج َ
ارة ً ِّم ْن ِّس ِّجي ٍل (﴾ )74 ﴿ فَ َج َع ْلنَا َعا ِّليَ َها َ
سا ِّفلَ َها َوأ َ ْم َ
إعراب مفردات اآلية ()79
(الفاء) عاطفة (جعلنا) فعل ماض وفاعله (عاليها) مفعول به منصوب ..و (ها) ضمير
مضاف إليه (سافلها) مفعول به ثان ..و (ها) مثل األول (الواو) عاطفة (أمطرنا) مثل
جعلنا (على) حرف جر و (هم) ضمير في محل جر متعلق ب (أمطرنا)( ،حجارة)
مفعول به منصوب (من سجيل) جار ومجرور متعلق بنعت لحجارة.
-75تفسير القرآن العظيم البن كثير-الناشر :دار طيبة للنشر والتوزيع()542 / 4
-76الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق() 263/14
-77تفسير القرآن العظيم البن كثير-الناشر :دار طيبة للنشر والتوزيع() 544/ 4
-78الجامع ألحكام القرآن للقرطبي -الناشر :دار الكتب المصرية – القاهرة ( ) 42/10
-79الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق() 263/14
19 www.alukah.net
روائع البيان والتفسير
ارة ً ِّم ْن ِّس ِّجي ٍل (﴾ )74 سافِّلَ َها َوأ َ ْم َ
ط ْرنَا َعلَ ْي ِّه ْم ِّح َج َ ﴿ فَ َج َع ْلنَا َ
عا ِّل َي َها َ
سافِّلَ َها ﴾ أي :قلبنا عليهم مدينتهم، -قال السعدي -رحمه هللا -في بيانها ﴿ :فَ َج َع ْلنَا َعا ِّليَ َها َ
ارة ً ِّم ْن ِّس ِّجي ٍل ﴾ تتبع فيها من شذ من البلد منهم.اهـ ()80 ط ْرنَا َعلَ ْي ِّه ْم ِّح َج َ﴿ َوأ َ ْم َ
ت ِّل ْل ُمت َ َو ِّس ِّمينَ (﴾ )75 ﴿ ِّإ َّن فِّي ذَ ِّل َك َآلَيَا ٍ
إعراب مفردات اآلية ()81
(إن) حرف توكيد ونصب (في) حرف جر (ذلك) اسم إشارة مبني في محل جر متعلق
بخبر مقدم ..و (الالم) للبعد ،و (الكاف) للخطاب (الالم) الثانية للتوكيد (آيات) اسم إن
مؤخر منصوب وعالمة النصب الكسرة (للمتوسمين) جار ومجرور متعلق بنعت آليات،
وعالمة الجر الياء «.»82
روائع البيان والتفسير
ت ِّل ْل ُمت َ َو ِّس ِّمينَ (﴾ )75 ﴿ ِّإ َّن فِّي ذَ ِّل َك َآلَيَا ٍ
-قال البغوي-رحمه هللا -في تفسيره لآلية ﴿ :إن في ذلك آليات للمتوسمين ﴾ قال ابن
عباس :للناظرين.
وقال مجاهد :للمتفرسين .وقال قتادة :للمعتبرين .وقال مقاتل :للمتفكرين.
﴿ وإنها ﴾ يعني :قرى قوم لوط ﴿ لبسبيل مقيم ﴾ أي :بطريق واضح.
وقال مجاهد :بطريق معلم ليس يخفى وال زائل.اهـ()83
ت ِّل ْل ُمت َ َو ِّس ِّمينَ ) يقول :إن في الذي
-قال أبو جعفر الطبري :وقوله ( ِّإ َّن فِّي ذَ ِّل َك آل َيا ٍ
فعلنا بقوم لوط من إهالكهم ،وأحللنا بهم من العذاب لَ َعالمات ودالالت للمتفرسين
المعتبرين بعالمات هللا ،وعبره على عواقب أمور أهل معاصيه والكفر به .وإنما
يعني تعالى ذكره بذلك قوم نبي هللا صلى هللا عليه وسلم من قريش ،يقول :فلقومك يا
محمد في قوم لوط ،وما حل بهم من عذاب هللا حين كذبوا رسولهم ،وتمادوا في غيهم،
وضاللهمَ ،م ْعت َ َبر.اهـ()84
-80تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي -الناشر :مؤسسة
الرسالة( ) 433/1
-81الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق()264 /14
- 82أو متعلق بآيات وهي بمعنى عالمات.
-83انظر معالم التنزيل للبغوي -الناشر :دار طيبة للنشر والتوزيع ()384 /4
-84جامع البيان في تأويل القرآن ألبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر -الناشر :مؤسسة
الرسالة ( ) 120/ 17
20 www.alukah.net
-وقال ابن القيم – رحمه هللا -في تفسيره القيم مختصره وبتصرف يسير :قد مدح هللا
سبحانه وتعالى الفراسة وأهلها في مواضع من كتابه .هذا منها.
والمتوسمون :هم المتفرسون الذين يأخذون بالسيماء ،وهي العالمة.
يقال :توسمت فيك كذا ،أي تفرسته ،كأنها أخذت من السيماء ،وهي فعالء من السمة،
وهي العالمة.
وقال تعالىَ ﴿ 30 :47 :ولَ ْو نَشا ُء َأل َ َريْنا َك ُه ْم فَلَعَ َر ْفت َ ُه ْم بِّسِّيما ُه ْم ﴾ وقال تعالى﴿ 273 :2 :
ف ت َ ْع ِّرفُ ُه ْم بِّسِّيما ُه ْم ﴾. سبُ ُه ُم ْالجا ِّه ُل أ َ ْغنِّيا َء ِّمنَ التَّعَفُّ ِّ يَ ْح َ
وأضاف –رحمه هللا-فقال في مدارج السالكين:
قال مجاهد رحمه هللا :المتوسمين المتفرسين .وقال ابن عباس رضي هللا عنهما:
للناظرين .وقال قتادة :للمقرين ،وقال مقاتل :للمتفكرين.
وال تنافي بين هذه األقوال .فإن الناظر متى نظر في آثار ديار المكذبين ومنازلهم،
وما آل إليه أمرهم ،أورثه فراسة وعبرة وفكرة .وقال تعالى في حق المنافقين َولَ ْو
نَشا ُء َأل َ َريْنا َك ُه ْم فَلَ َع َر ْفت َ ُه ْم ِّبسِّيماهُ ْم َولَت َ ْع ِّرفَنَّ ُه ْم فِّي لَ ْح ِّن ْالقَ ْو ِّل فاألول فراسة النظر
والعين .والثاني فراسة األذن والسمع.اهـ ()85
س ِّبي ٍل ُم ِّق ٍيم (﴾ )76 ﴿ َو ِّإنَّ َها لَ ِّب َ
إعراب مفردات اآلية ()86
(الواو) عاطفة (إنها) مثل (إنهم) «( ،»87الالم) المزحلقة للتوكيد (بسبيل) جار
ومجرور متعلق بخبر إن (مقيم) نعت لسبيل مجرور.
روائع البيان والتفسير
س ِّبي ٍل ُم ِّق ٍيم ﴾﴿ َو ِّإنَّ َها لَ ِّب َ
-قال ابن كثير –رحمه هللا :-وقوله ﴿ :وإنها لبسبيل مقيم ﴾ أي :وإن قرية سدوم التي
أصابها ما أصابها من القلب الصوري والمعنوي ،والقذف بالحجارة ،حتى صارت بحيرة
منتنة خبيثة لبطريق مهيع مسالكه مستمرة إلى اليوم ،كما قال تعالى ﴿ :وإنكم لتمرون
عليهم مصبحين وبالليل أفال تعقلون ﴾ [الصافات]138 ،137 :
وقال مجاهد ،والضحاك ﴿ :وإنها لبسبيل مقيم ﴾ قال :معلم .وقال قتادة :بطريق واضح.
وقال قتادة أيضا :بصقع من األرض واحد.
21 www.alukah.net
وقال السدي :بكتاب مبين ،يعني كقوله ﴿ :وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ﴾ [يس:
]12ولكن ليس المعنى على ما قال هاهنا ،وهللا أعلم.اهـ()88
﴿ ِّإ َّن فِّي ذَ ِّل َك َآلَ َيةً ِّل ْل ُمؤْ ِّم ِّنينَ (﴾ )77
إعراب مفردات اآلية ()89
(إن في ذلك آلية للمؤمنين) مثل نظيرها :إن ...للمتوسمين.
روائع البيان والتفسير
﴿ ِّإ َّن فِّي ذَ ِّل َك َآلَ َيةً ِّل ْل ُمؤْ ِّمنِّينَ ﴾
-قال ابن كثير –رحمه هللا-في بيانها :وقوله ﴿ :إن في ذلك آلية للمؤمنين ﴾ أي :إن
الذي صنعنا بقوم لوط من الهالك والدمار وإنجائنا لوطا وأهله ،لداللة واضحة جلية
للمؤمنين باهلل ورسله.اهـ()90
-وزاد السعدي-رحمه هللا -في بيان قوله تعالى ﴿ ِّإ َّن فِّي ذَ ِّل َك آليَةً ِّل ْل ُمؤْ ِّمنِّينَ ﴾ فقال:
وفي هذه القصة من العبر :عنايته تعالى بخليله إبراهيم ،فإن لوطا عليه السالم من أتباعه،
وممن آمن به فكأنه تلميذ له ،فحين أراد هللا إهالك قوم لوط حين استحقوا ذلك ،أمر رسله
أن يمروا على إبراهيم عليه السالم كي يبشروه بالولد ويخبروه بما بعثوا له ،حتى إنه
جادلهم عليه السالم في إهالكهم حتى أقنعوه ،فطابت نفسه.
وكذلك لوط عليه السالم ،لما كانوا أهل وطنه ،فربما أخذته الرقة عليهم والرأفة بهم
قدَّر هللا من األسباب ما به يشتد غيظه وحنقه عليهم ،حتى استبطأ إهالكهم لما قيل له:
﴿ إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب ﴾ ومنها :أن هللا تعالى إذا أراد أن يهلك
قرية ازداد شرهم وطغيانهم ،فإذا انتهى أوقع بهم من العقوبات ما يستحقونه.اهـ ()91
اب ْاأل َ ْي َك ِّة لَ َ
ظا ِّل ِّمينَ (﴾ )78 ص َح ُ ﴿ َو ِّإ ْن َكانَ أ َ ْ
إعراب مفردات اآلية ()92
-88تفسير القرآن العظيم البن كثير-الناشر :دار طيبة للنشر والتوزيع() 544/ 4
-89الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق() 264/14
-90تفسير القرآن العظيم البن كثير-الناشر :دار طيبة للنشر والتوزيع()545 / 4
-91تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي -الناشر :مؤسسة
الرسالة( ) 433 /1
-92الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق()265 /14
22 www.alukah.net
(إن) مخففة من الثقيلة ،واسمها ضمير الشأن محذوف (كان) فعل ماض ناقص -ناسخ-
(أصحاب) اسم كان مرفوع (األيكة) مضاف إليه مجرور (الالم) هي الفارقة (ظالمين)
خبر كان منصوب وعالمة النصب الياء.
روائع البيان والتفسير
اب ْاأل َ ْي َك ِّة لَ َ
ظا ِّل ِّمينَ ﴾ ص َح ُ ﴿ َو ِّإ ْن َكانَ أ َ ْ
-قال القرطبي-رحمه هللا-في تفسيره ﴿ :وإن كان أصحاب األيكة لظالمين ﴾ يريد قوم
شعيب ،كانوا أصحاب غياض ورياض وشجر مثمر .واأليكة :الغيضة ،وهي جماعة
الشجر ،والجمع األيك .ويروى أن شجرهم كان دوما وهو المقل .قال النابغة:
تجلو بقادمتي حمامة أيكة ...بردا أسف لثاته باإلثمد
وقيل :األيكة اسم القرية .وقيل اسم البلدة .وقال أبو عبيدة :األيكة وليكة مدينتهم،
بمنزلة بكة من مكة .وتقدم خبر شعيب وقومه «( .»1وإنهما لبإمام مبين) أي بطريق
واضح في نفسه ،يعني مدينة قوم لوط وبقعة أصحاب األيكة يعتبر بهما من يمر
عليهما.اهـ()93
-وزاد الشنقيطي-رحمه هللا -في بيانها فقال ما مختصره :ذكر -جل وعال -في هذه
اآلية أن أصحاب األيكة كانوا ظالمين وأنه -جل وعال -انتقم منهم بسبب ظلمهم،
وأوضح هذه القصة في مواضع أخر كقوله في الشعراء ﴿ كذب أصحاب األيكة
المرسلين إذ قال لهم شعيب أال تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا هللا وأطيعون وما
أسألكم عليه من أجر إن أجري إال على رب العالمين أوفوا الكيل وال تكونوا من
المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم وال تبخسوا الناس أشياءهم وال تعثوا في
األرض مفسدين واتقوا الذي خلقكم والجبلة األولين قالوا إنما أنت من المسحرين وما
أنت إال بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من
الصادقين قال ربي أعلم بما تعملون فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب
يوم عظيم إن في ذلك آلية وما كان أكثرهم مؤمنين ﴾ [ ]190 - 176 \ 26فبين في
هذه اآلية أن ظلمهم هو تكذيب رسولهم وتطفيفهم في الكيل ،وبخسهم الناس أشياءهم،
وأن انتقامه منهم بعذاب يوم الظلة ،وبين أنه عذاب يوم عظيم ،والظلة سحابة أظلتهم
فأضرمها هللا عليهم نارا فأحرقتهم ،والعلم عند هللا تعالى.اهـ()94
ين (﴾ )79 ﴿ فَا ْنتَقَ ْمنَا ِّم ْن ُه ْم َو ِّإنَّ ُه َما لَ ِّبإ ِّ َم ٍام ُم ِّب ٍ
-93الجامع ألحكام القرآن للقرطبي -الناشر :دار الكتب المصرية – القاهرة ( ) 45/10
- 94أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي الناشر :دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع
بيروت – لبنان( ) 288/2
23 www.alukah.net
إعراب مفردات اآلية ()95
(الفاء) عاطفة (انتقمنا) فعل ماض وفاعله (من) حرف جر و (هم) ضمير في محل جر
متعلق ب (انتقمنا)( ،الواو) استئنافية (إنهما) حرف مشبه بالفعل ،و (هما) ضمير في
محل نصب اسم إن «( ،»96الالم) المزحلقة للتوكيد (بإمام) جار ومجرور متعلق بخبر
إن (مبين) نعت إلمام مجرور مثله.
روائع البيان والتفسير
﴿ فَا ْنتَقَ ْمنَا ِّم ْن ُه ْم َو ِّإنَّ ُه َما لَبِّإ ِّ َم ٍام ُمبِّ ٍ
ين ﴾
-قال أبو جعفر الطبري-رحمه هللا-في تفسيرها إجماالً :وقوله ﴿ فَا ْنتَقَ ْمنَا ِّم ْن ُه ْم َو ِّإنَّ ُه َما
ين ﴾ يقول تعالى ذكره :فانتقمنا من ظلمة أصحاب األيكة .وقوله ﴿ َو ِّإنَّ ُه َما لَ ِّبإ ِّ َم ٍام ُمبِّ ٍ
ين ﴾ يقول :وإن مدينة أصحاب األيكة ،ومدينة قوم لوط ،والهاء والميم في لَ ِّبإ ِّ َم ٍام ُم ِّب ٍ
إمام ﴾ يقول :لبطريق يأتمون به في سفرهم، قوله ﴿ وإنَّ ُهما ﴾ من ذكر المدينتين ﴿ .لَبِّ ٍ
ين ﴾ يقول :يبين لمن ائتم به استقامته ،وإنما جعل الطريق إماما ألنه ويهتدون به ﴿ ُمبِّ ٍ
يُؤم ويُتَّبع.اهـ()97
ين ﴾ فقال أي :لبطريق واضح يمر -وأضاف السعدي في بيان قوله تعالى ﴿ :لَبِّإ ِّ َم ٍام ُمبِّ ٍ
بهم المسافرون كل وقت ،فيبين من آثارهم ما هو مشاهد باألبصار فيعتبر بذلك أولوا
األلباب.اهـ ()98
س ِّلينَ (﴾ )80 اب ْال ِّح ْج ِّر ْال ُم ْر َ ص َح ُ ب أَ ْ ﴿ َولَقَ ْد َكذَّ َ
إعراب مفردات اآلية ()99
(الواو) استئنافية (الالم) الم القسم لقسم مقدر (قد) حرف تحقيق (كذب) فعل ماض
(أصحاب) فاعل مرفوع (الحجر) مضاف إليه مجرور (المرسلين) مفعول به منصوب،
وعالمة النصب الياء.
روائع البيان والتفسير
-95الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق()265 /14
- 96والضمير يعود على لوط وشعيب ،وقد فهم من السياق ،أو يعود على قوم لوط وقوم شعيب.
-97جامع البيان في تأويل القرآن ألبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر -الناشر :مؤسسة
الرسالة ( ) 125/ 17
-98تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي -الناشر :مؤسسة
الرسالة( ) 433 /1
-99الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق()266 /14
24 www.alukah.net
اب ْال ِّح ْج ِّر ْال ُم ْر َ
س ِّلينَ ﴾ ب أَ ْ
ص َح ُ ﴿ َو َل َق ْد َكذَّ َ
-قال السعدي -رحمه هللا-في تفسيرها :يخبر تعالى عن أهل الحجر ،وهم قوم صالح
الذين كانوا يسكنون الحجر المعروف في أرض الحجاز ،أنهم كذبوا المرسلين أي:
كذبوا صالحا ،ومن كذب رسوال فقد كذب سائر الرسل ،التفاق دعوتهم ،وليس تكذيب
بعضهم لشخصه بل لما جاء به من الحق الذي اشترك جميع الرسل باإلتيان به.اهـ
()100
-وزاد الشنقيطي -رحمه هللا-في بيانها فقال:الحجر :منازل ثمود بين الحجاز والشام عند
وادي القرى .فمعنى اآلية الكريمة :كذبت ثمود المرسلين ،وقد بين تعالى تكذيب ثمود
لنبيه صالح -عليه وعلى نبينا الصالة والسالم -في مواضع أخر .كقوله ﴿ :كذبت ثمود
المرسلين إذ قال لهم أخوهم صالح أال تتقون ﴾ اآليات [ ]141 \ 26وقوله ﴿ :فكذبوه
فعقروها ﴾ [ ]14 \ 91وقوله ﴿ :كذبت ثمود بالنذر فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذا
لفي ضالل وسعر ﴾ [ ]24 - 23 \ 54وقوله ﴿ :فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا
ياصالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ﴾ [ ]77 \ 7إلى غير ذلك من اآليات.
وإنما قال إنهم كذبوا المرسلين مع أن الذي كذبوه هو صالح وحده ،ألن دعوة جميع
الرسل واحدة ،وهي تحقيق معنى «ال إله إال هللا» كما بينه تعالى بأدلة عمومية
وخصوصية .قال معمما لجميعهم ﴿ :وما أرسلنا من قبلك من رسول إال نوحي إليه أنه ال
إله إال أنا ﴾ اآلية [ .]25 \ 21وقال ﴿ :ولقد بعثنا في كل أمة رسوال أن اعبدوا هللا واجتنبوا
الطاغوت ﴾ [ ]36 \ 16وقال ﴿ :واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون
الرحمن آلهة يعبدون ﴾ [ ]45 \ 43إلى غير ذلك من اآليات.
ثم أضاف -رحمه هللا:-
فإذا حققت أن دعوة الرسل واحدة عرفت أن من كذب واحدا منهم فقد كذب جميعهم .ولذا
صرح تعالى بأن من كفر ببعضهم فهو كافر حقا .قال ﴿ :ويقولون نؤمن ببعض ونكفر
ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيال أولئك هم الكافرون حقا ﴾[- 150 \ 4
،]151وبين أنه ال تصح التفرقة بينهم بقوله ﴿ :ال نفرق بين أحد منهم ﴾ [ 136 \ 2و 3
\ ،]84وقوله ﴿ :ال نفرق بين أحد من رسله ﴾[ ،]285 \ 2ووعد األجر على عدم التفرقة
بينهم في قوله ﴿ :والذين آمنوا باهلل ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم
أجورهم ﴾ .اآلية []152 \ 4
ثم نبه -رحمه هللا -لفائدة فقال:
اعلم أنه -صلى هللا عليه وسلم -مر بالحجر المذكور في هذه اآلية في طريقه في
غزوة تبوك ،فقد أخرج البخاري في صحيحه في غزوة تبوك ،عن ابن عمر -رضي
-100ت يسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي -الناشر :مؤسسة
الرسالة( ) 434 /1
25 www.alukah.net
هللا عنهما -قال :لما مر النبي -صلى هللا عليه وسلم -بالحجر ،قال« :ال تدخلوا
مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم ،إال أن تكونوا باكين» ،ثم قنع
رأسه ،وأسرع السير حتى أجاز الوادي « ،هذا لفظ البخاري(.)101اهـ()102
ضينَ (﴾ )81 ﴿ َوآَت َ ْينَا ُه ْم آَيَاتِّنَا فَ َكانُوا َع ْن َها ُم ْع ِّر ِّ
إعراب مفردات اآلية ()103
(الواو) عاطفة (آتينا) فعل ماض وفاعله و (هم) ضمير مفعول به (آياتنا) مفعول به ثان
منصوب وعالمة النصب الكسرة ..و (نا) مضاف إليه (الفاء) عاطفة (كانوا) فعل ماض
ناقص مبني على الضم ..و (الواو) اسم كان (عن) حرف جر و (ها) ضمير في محل
جر متعلق ب (معرضين) وهو خبر كانوا منصوب وعالمة النصب الياء.
روائع البيان والتفسير
ضينَ ﴾ ﴿ َوآَت َ ْينَا ُه ْم آَيَاتِّنَا فَ َكانُوا َع ْن َها ُم ْع ِّر ِّ
-قال القرطبي-رحمه هللا -في تفسيره :قوله تعالى ﴿ :وآتيناهم آياتنا ﴾ أي بآياتنا كقوله﴿:
آتنا غداءنا ﴾ " أي بغذائنا .والمراد الناقة ،وكان فيها آيات جمة :خروجها من الصخرة،
ودنو نتاجها عند خروجها ،وعظمها حتى لم تشبهها ناقة ،وكثرة لبنها حتى تكفيهم جميعا.
ويحتمل أنه كان لصالح آيات أخر سوى الناقة ،كالبئر وغيره ﴿ .فكانوا عنها معرضين
﴾أي لم يعتبروا.اهـ
﴿ َو َكانُوا يَ ْن ِّحتُونَ ِّمنَ ْال ِّجبَا ِّل بُيُوتًا آ َ ِّمنِّينَ (﴾ )82
إعراب مفردات اآلية ()104
(الواو) عاطفة (كانوا) مثل األول (ينحتون) مضارع مرفوع ،و (الواو) فاعل (من
الجبال) جار ومجرور متعلق بفعل ينحتون بتضمينه معنى يتخذون (بيوتا) مفعول به
منصوب (آمنين) حال من فاعل ينحتون منصوبة ،وعالمة النصب الياء.
روائع البيان والتفسير
﴿ َو َكانُوا يَ ْن ِّحتُونَ ِّمنَ ْال ِّجبَا ِّل بُيُوتًا آ َ ِّمنِّينَ ﴾
-قال القرطبي-رحمه هللا -في تفسيرها :النحت في كالم العرب :البري والنجر .نحته
ينحته (بالكسر نحتا أي براه .والنحاتة البراية .والمنحت ما ينحت به .وفي التنزيل﴿
- 101أخرجه البخاري برقم -4419 /باب نزول النبي صلى هللا عليه وسلم الحجر
- 102أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي الناشر :دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع
بيروت – لبنان( ) 289/2
-103الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق() 266/14
-104الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق()266 /14
26 www.alukah.net
أتعبدون ما تنحتون ﴾ أي تنجرون وتصنعون .فكانوا يتخذون من الجبال بيوتا ألنفسهم
بشدة قوتهم ﴿ .آمنين ﴾ أي من أن تسقط عليهم أو تخرب .وقيل :آمنين من الموت.
وقيل :من العذاب .اهـ()105
-وأضاف ابن كثير -رحمه هللا ﴿ :-كانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين ﴾ أي :من
غير خوف وال احتياج إليها ،بل أشرا وبطرا وعبثا ،كما هو المشاهد من صنيعهم في
بيوتهم بوادي الحجر ،الذي مر به رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وهو ذاهب إلى
تبوك فقنع رأسه وأسرع دابته ،وقال ألصحابه" :ال تدخلوا بيوت القوم المعذبين إال
أن تكونوا باكين ،فإن لم تبكوا فتباكوا خشية أن يصيبكم ما أصابهم"
(.)106اهـ()107
﴿ فَأ َ َخذَتْ ُه ُم ال َّ
ص ْي َحةُ ُم ْ
ص ِّب ِّحينَ (﴾ )83
إعراب مفردات اآلية ()108
(الفاء) عاطفة (أخذتهم الصيحة مصبحين) مثل أخذتهم ..مشرقين «.»109
روائع البيان والتفسير
ص ْي َحةُ ُم ْ
ص ِّب ِّحينَ ﴾ ﴿ فَأ َ َخذَتْ ُه ُم ال َّ
-قال أبو جعفر الطبري -رحمه هللا-في تفسيرها ما نصه :يقول :فأخذتهم صيحة
الهالك حين أصبحوا من اليوم الرابع من اليوم الذي ُوعدوا العذاب ،وقيل لهم :تَمتَّعوا
في داركم ثالثة أيام.اهـ()110
-وأضاف السعدي -رحمه هللا -في بيانها ﴿ :فَأ َ َخذَتْ ُه ُم ال َّ
ص ْي َحةُ ُم ْ
صبِّ ِّحينَ ﴾ فتقطعت
قلوبهم في أجوافهم وأصبحوا في دارهم جاثمين هلكى ،مع ما يتبع ذلك من الخزي
واللعنة المستمرة.اهـ ()111
-105الجامع ألحكام القرآن للقرطبي -الناشر :دار الكتب المصرية – القاهرة ( ) 53/10
- 106سبق تخريجه في حديث البخاري سلفا ً وأخرجه مسلم في صحيحه برقم ( )298واللفظ الذي
ذكره المصنف له
-107تفسير القرآن العظيم البن كثير-الناشر :دار طيبة للنشر والتوزيع()545 / 4
-108الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق() 267/14
- 109في اآلية ( )73من هذه السورة.
-110جامع البيان في تأويل القرآن ألبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر-الناشر :مؤسسة
الرسالة ( )127/17
-111ت يسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي -الناشر :مؤسسة
الرسالة( ) 434 /1
27 www.alukah.net
﴿ فَ َما أ َ ْغنَى َع ْن ُه ْم َما َكانُوا َي ْك ِّسبُونَ (﴾ )84
إعراب مفردات اآلية ()112
(الفاء) عاطفة (ما) حرف نفي (أغنى) فعل ماض مبني على الفتح المقدر على األلف
(عن) حرف جر و (هم) ضمير في محل جر متعلق ب (أغنى)( ،ما) اسم موصول
« »113مبني في محل رفع فاعل ،والعائد محذوف (كانوا يكسبون) مثل كانوا ينحتون
«.»114
روائع البيان والتفسير
﴿ فَ َما أ َ ْغنَى َع ْن ُه ْم َما َكانُوا َي ْك ِّسبُونَ ﴾
-قال السعدي -رحمه هللا :-ألن أمر هللا إذا جاء ال يرده كثرة جنود ،وال قوة أنصار
وال غزارة أموال.اهـ ()115
-وزاد ابن كثير -رحمه هللا :أي :ما كانوا يستغلونه من زروعهم وثمارهم التي ضنوا
بمائها عن الناقة ،حتى عقروها لئال تضيق عليهم في المياه ،فما دفعت عنهم تلك
األموال ،وال نفعتهم لما جاء أمر ربك.اهـ()116
ص ْف َح سا َعةَ َآلَتِّيَةٌ فَا ْ
صفَحِّ ال َّ ض َو َما بَ ْينَ ُه َما ِّإ َّال ِّب ْال َح ِّ
ق َو ِّإ َّن ال َّ ت َو ْاأل َ ْر َ ﴿ َو َما َخلَ ْقنَا ال َّ
س َم َاوا ِّ
ْال َج ِّمي َل (﴾ )85
إعراب مفردات اآلية ()117
(الواو) استئنافية (ما خلقنا) مثل ما أغنى ..و (نا) فاعل (السموات) مفعول به منصوب
وعالمة النصب الكسرة (األرض) معطوف على السموات بالواو منصوب (الواو)
عاطفة (ما) اسم موصول مبني في محل نصب معطوف على السموات (بينهما) ظرف
منصوب متعلق بمحذوف صلة ما..
-112الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق()268/14
- 113أو حرف مصدري ،والمصدر المؤول فاعل ..أو هو نكرة موصوفة ،والعائد محذوف ،والجملة
نعت له.
- 114في اآلية ( )82من هذه السورة.
-115تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي -الناشر :مؤسسة
الرسالة( ) 434/1
-116تفسير القرآن العظيم البن كثير-الناشر :دار طيبة للنشر والتوزيع() 546/ 4
-117الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق()268 /14
28 www.alukah.net
و (هما) ضمير مضاف إليه (إال) أداة حصر (بالحق) جار ومجرور متعلق بمحذوف
مفعول مطلق أي إال خلقا ملتبسا بالحق (الواو) عاطفة (إن) حرف توكيد ونصب
(الساعة) اسم إن منصوب (الالم) المزحلقة للتوكيد (آتية) خبر مرفوع (الفاء) رابطة
لجواب شرط مقدر (اصفح) فعل أمر ،والفاعل أنت (الصفح) مفعول مطلق منصوب
(الجميل) نعت للصفح منصوب.
روائع البيان والتفسير
ق﴾ ض َو َما بَ ْينَ ُه َما إِّ َّال بِّ ْال َح ِّ ت َو ْاأل َ ْر َ
س َم َاوا ِّ ﴿ َو َما َخلَ ْقنَا ال َّ
-قال السعدي -رحمه هللا-فقي تفسيرها إجماالً ما نصه :أي :ما خلقناهما عبثا وباطال
ق ﴾ الذي منه أن يكونا بما فيهما كما يظن ذلك أعداء هللا ،بل ما خلقناهما ﴿ ِّإال ِّب ْال َح ِّ
دالتين على كمال خالقهما ،واقتداره ،وسعة رحمته وحكمته ،وعلمه المحيط ،وأنه
الذي ال تنبغي العبادة إال له وحده ال شريك له.اهـ ()118
-وزاد أبو جعفر الطبري بيانا في بيان هذه الجزئية من اآلية فقال :قول تعالى ذكره:
ضها ،ما فيهما وما بينهما ،يعني بقوله﴿ َو َما وما خلقنا الخالئق كلها ،سماءها وأر َ
ق ﴾ يقول :إال بالعدل واإلنصاف ،ال بالظلم بَ ْينَ ُه َما ﴾ مما في أطباق ذلك ﴿ ِّإال ِّب ْال َح ِّ
ص َها
ص َوالجور ،وإنما يعني تعالى ذكره بذلك :أنه لم يظلم أحدا من األمم التي اقتص قَ َ
في هذه السورة ،وقصص إهالكه إياها بما فعل به من تعجيل النقمة له على كفره به،
فيعذبه ويهلكه بغير استحقاق ،ألنه لم يخلق السموات واألرض وما بينهما بالظلم
والجور ،ولكنه خلق ذلك بالحق والعدل.اهـ()119
ص ْف َح ْال َج ِّمي َل ﴾ صفَحِّ ال َّ سا َعةَ َآلَتِّيَةٌ فَا ْ ﴿ َو ِّإ َّن ال َّ
سا َعةَ آلتِّيَةٌ ﴾ ال ريب فيها لخلق السماوات -قال السعدي -رحمه هللا في بيانهاَ ﴿ :وإِّ َّن ال َّ
ص ْف َح ْال َج ِّمي َل ﴾ وهو الصفح الذي ال أذية فيه صفَحِّ ال َّ واألرض أكبر من خلق الناس ﴿ فَا ْ
بل يقابل إساءة المسيء باإلحسان ،وذنبه بالغفران ،لتنال من ربك جزيل األجر والثواب،
فإن كل ما هو آت فهو قريب ،وقد ظهر لي معنى أحسن مما ذكرت هنا.
وهو :أن المأمور به هو الصفح الجميل أي :الحسن الذي قد سلم من الحقد واألذية
القولية والفعلية ،دون الصفح الذي ليس بجميل ،وهو الصفح في غير محله ،فال يصفح
-118تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي -الناشر :مؤسسة
الرسالة( ) 434 /1
-119الجامع ألحكام القرآن للقرطبي -الناشر :دار الكتب المصرية – القاهرة ( ) 56 /10
29 www.alukah.net
حيث اقتضى المقام العقوبة ،كعقوبة المعتدين الظالمين الذين ال ينفع فيهم إال العقوبة،
وهذا هو المعنى.اهـ ()120
﴿ ِّإ َّن َرب ََّك ُه َو ْالخ ََّال ُق ْال َع ِّلي ُم (﴾ )86
إعراب مفردات اآلية ()121
(إن ربك) مثل إن الساعة ..و (الكاف) مضاف إليه (هو) ضمير منفصل مبني في محل
رفع مبتدأ «( ،»122الخالق) خبر المبتدأ هو ،مرفوع (العليم) خبر ثان مرفوع.
روائع البيان والتفسير
﴿ ِّإ َّن َرب ََّك ُه َو ْالخ ََّال ُق ْال َع ِّلي ُم ﴾
-قال ابن كثير -رحمه هللا-في بيانها ما نصه :وقوله ﴿ :إن ربك هو الخالق العليم ﴾
تقرير للمعاد ،وأنه تعالى قادر على إقامة الساعة ،فإنه الخالق الذي ال يعجزه خلق
ما يشاء ،وهو العليم بما تمزق من األجساد ،وتفرق في سائر أقطار األرض ،كما قال
تعالى ﴿ :أوليس الذي خلق السماوات واألرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو
الخالق العليم إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت
كل شيء وإليه ترجعون ﴾ [يس.]83-81 :اهـ()123
س ْبعًا ِّمنَ ْال َمثَانِّي َو ْالقُ ْرآَنَ ْالعَ ِّظي َم (﴾ )87 ﴿ َولَقَ ْد آَت َ ْين َ
َاك َ
إعراب مفردات اآلية ()124
(الواو) استئنافية (الالم) الم القسم (قد) حرف تحقيق (آتيناك) فعل ماض مبني على
السكون ..و (نا) فاعل ،و (الكاف) مفعول به (سبعا) مفعول به ثان منصوب (من المثاني)
جار ومجرور متعلق بنعت ل (سبعا) ،وعالمة الجر الكسرة المقدرة على الياء (الواو)
عاطفة (القرآن) معطوف على (سبعا) منصوب (العظيم) نعت للقرآن منصوب.
روائع البيان والتفسير
س ْبعًا ِّمنَ ْال َمثَانِّي َو ْالقُ ْرآَنَ ْال َع ِّظ َ
يم ﴾ ﴿ َلَقَ ْد آَت َ ْين َ
َاك َ
-120ت يسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي -الناشر :مؤسسة
الرسالة( ) 434/1
-121الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق() 269/14
- 122أو ضمير فصل و (الخالق) خبر إن.
-123تفسير القرآن العظيم البن كثير-الناشر :دار طيبة للنشر والتوزيع() 546/ 4
-124الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق() 270/14
30 www.alukah.net
-قال السعدي-رحمه هللا-في تفسيرها إجماالً :يقول تعالى ممتنًّا على رسوله ﴿ َولَقَ ْد آت َ ْينَ َ
اك
س ْبعًا ِّمنَ ْال َمثَانِّي ﴾ وهن -على الصحيح -السور السبع الطوال " :البقرة " و " آل عمران َ
" و " النساء " و " المائدة " و " األنعام " و " األعراف " و " األنفال " مع " التوبة "
أو أنها فاتحة الكتاب ألنها سبع آيات ،فيكون عطف " القرآن العظيم " على ذلك من باب
عطف العام على الخاص ،لكثرة ما في المثاني من التوحيد ،وعلوم الغيب ،واألحكام
الجليلة ،وتثنيتها فيها.
وعلى القول بأن " الفاتحة " هي السبع المثاني معناها :أنها سبع آيات ،تثنى في كل
ركعة ،وإذا كان هللا قد أعطاه القرآن العظيم مع السبع المثاني كان قد أعطاه أفضل
ما يتنافس فيه المتنافسون ،وأعظم ما فرح به المؤمنون.اهـ ()125
-وأضاف الشنقيطي-ر حمه هللا -في بيانها ما مختصره :في هذه اآلية الكريمة أنه أتى
نبيه -صلى هللا عليه وسلم -سبعا من المثاني والقرآن العظيم ،ولم يبين هنا المراد بذلك.
وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك :أن اآلية الكريمة إن كان لها بيان في كتاب هللا
غير واف بالمقصود ،أننا نتمم ذلك البيان من السنة ،فنبين الكتاب بالسنة من حيث إنها
بيان للقرآن المبين باسم الفاعل .فإذا علمت ذلك ; فاعلم أن النبي -صلى هللا عليه وسلم
-بين في الحديث الصحيح :أن المراد بالسبع المثاني والقرآن العظيم في هذه اآلية
الكريمة :هو فاتحة الكتاب .ففاتحة الكتاب مبينة للمراد بالسبع المثاني والقرآن العظيم،
وإنما بينت ذلك
بإيضاح النبي -صلى هللا عليه وسلم -لذلك في الحديث الصحيح.
قال البخاري في صحيحه في تفسير هذه اآلية الكريمة :عن أبي سعيد بن المعلى ،قال:
مر بي النبي -صلى هللا عليه وسلم -وأنا أصلي ،فدعاني فلم آته حتى صليت ،ثم أتيت
فقال« :ما منعك أن تأتيني؟» فقلت :كنت أصلي .فقال« :ألم يقل هللا :يا أيها الذين آمنوا
استجيبوا هلل وللرسول [ ،]24 \ 8ثم قال :أال أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج
من المسجد ،فذهب النبي -صلى هللا عليه وسلم -ليخرج ،فذكرته ،فقال :الحمد هلل رب
العالمين [ ،]2 \ 1هي السبع المثاني ،والقرآن العظيم الذي أوتيته»(.)126
فهذا نص صحيح من النبي -صلى هللا عليه وسلم -أن المراد بالسبع المثاني والقرآن
العظيم :فاتحة الكتاب ،وبه تعلم أن قول من قال :إنها السبع الطوال ،غير صحيح ،إذ
ال كالم ألحد معه -صلى هللا عليه وسلم -ومما يدل على عدم صحة ذلك القول :أن
-125ت يسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي -الناشر :مؤسسة
الرسالة( ) 434 /1
- 126سبق تخريجة عند تفسير سورة الفاتحة
31 www.alukah.net
آية الحجر هذه مكية ،وأن السبع الطوال ما أنزلت إال بالمدينة .والعلم عند هللا
تعالى.اهـ()127
ض َجنَا َح َك ِّل ْل ُمؤْ ِّمنِّينَ ﴿ َال ت َ ُمد ََّّن َع ْينَي َْك ِّإلَى َما َمت َّ ْعنَا ِّب ِّه أ َ ْز َوا ًجا ِّم ْن ُه ْم َو َال ت َ ْحزَ ْن َعلَ ْي ِّه ْم َو ْ
اخ ِّف ْ
(﴾ )88
إعراب مفردات اآلية ()128
(ال) ناهية (تمدن) مضارع مبني على الفتح في محل جزم..
و (النون) للتوكيد ،والفاعل أنت (عينيك) مفعول به منصوب وعالمة النصب الياء و
(الكاف) مضاف إليه (إلى) حرف جر (ما) اسم موصول مبني في محل جر متعلق ب
(تمدن) (متعنا) فعل ماض وفاعله (الباء) حرف جر و (الهاء) ضمير في محل جر
متعلق ب (متعنا)( ،أزواجا) مفعول به منصوب (من) حرف جر و (هم) ضمير في
محل جر متعلق بنعت ل (أزواجا)( ،الواو) عاطفة (ال) مثل األولى (تحزن) مضارع
مجزوم ،والفاعل أنت (عليهم) مثل منهم متعلق ب (تحزن)( ،الواو) عاطفة (اخفض)
فعل أمر ،والفاعل أنت (جناحك) مفعول به منصوب ..و (الكاف) ضمير مضاف إليه
(للمؤمنين) جار ومجرور متعلق ب (اخفض).
روائع البيان والتفسير
ض َجنَا َح َك ِّل ْل ُمؤْ ِّمنِّينَ ﴿ َال ت َ ُمد ََّّن َع ْينَي َْك ِّإلَى َما َمت َّ ْعنَا ِّب ِّه أ َ ْز َوا ًجا ِّم ْن ُه ْم َو َال ت َ ْحزَ ْن َعلَ ْي ِّه ْم َو ْ
اخ ِّف ْ
﴾
-أي :ال تعجب إعجابا يحملك على إشغال فكرك بشهوات الدنيا التي تمتع بها المترفون،
واغتر بها الجاهلون ،واستغن بما آتاك هللا من المثاني والقرآن العظيم. َّ
َ ﴿ ،وال ت َ ْحزَ ْن َعلَ ْي ِّه ْم ﴾ فإنهم ال خير فيهم يرجى ،وال نفع يرتقب ،فلك في المؤمنين
ض َجنَا َح َك ِّل ْل ُمؤْ ِّمنِّينَ ﴾ أي :ألن لهم جانبك، اخ ِّف ْ عنهم أحسن البدل وأفضل العوضَ ﴿ ،و ْ
وحسِّن لهم خلقك ،محبة وإكراما وتودُّدا-قاله السعدي -رحمه هللا-في تفسيرها.اهـ
()129
-وزاد القرطبي-رحمه هللا –في بيان فائدة جليلة من اآلية قال ما مختصره:
هذه اآلية تقتضي الزجر عن التشوف إلى متاع الدنيا على الدوام ،وإقبال العبد على عبادة
مواله .ومثله﴿ وال تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم
- 127أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي الناشر :دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع
بيروت – لبنان() 314/ 2
-128الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق()271 /14
-129تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي -الناشر :مؤسسة
الرسالة( ) 434 /1
32 www.alukah.net
فيه ﴾اآلية .وليس كذلك ،فإنه روي عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال ":حبب إلي
من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصالة" ()130
وكان عليه الصالة والسالم يتشاغل بالنساء ،جبلة اآلدمية وتشوف الخلقة اإلنسانية،
ويحافظ على الطيب ،وال تقر له عين إال في الصالة لدى مناجاة المولى ،ويرى أن
مناجاته أحرى من ذلك وأولى .ولم يكن في دين محمد الرهبانية واإلقبال على األعمال
الصالحة بالكلية كما كان في دين عيسى،وإنما شرع هللا سبحانه حنيفية سمحة خالصة
عن الحرج خفيفة على اآلدمي ،يأخذ من اآلدمية بشهواتها ويرجع إلى هللا بقلب سليم.
وراي الفراء والمخلصون من الفضالء االنكفاف عن اللذات والخلوص لرب األرض
والسموات اليوم أولى ،لما غلب على الدنيا من الحرام ،واضطر العبد في المعاش
إلى مخالطة من ال تجوز مخالطته ومصانعة من تحرم مصانعته ،فكانت القراءة
أفضل ،والفرار عن الدنيا أصوب للعبد وأعدل.اهـ()131
ِّير ْال ُمبِّي ُن (﴾ )89
﴿ َوقُ ْل إِّنِّي أَنَا النَّذ ُ
إعراب مفردات اآلية ()132
(الواو) عاطفة (قل) مثل اخفض (إني) حرف مشبه بالفعل ..و (الياء) ضمير في محل
نصب اسم إن (أنا) ضمير منفصل مبني في محل رفع مبتدأ «( ،»133النذير) خبر
المبتدأ أنا مرفوع (المبين) خبر ثان مرفوع.
روائع البيان والتفسير
ِّير ْال ُم ِّبي ُن ﴾
﴿ َوقُ ْل ِّإنِّي أَنَا النَّذ ُ
-يأمر تعالى نبيه ،صلوات هللا وسالمه عليه ،أن يقول للناس :إنه ﴿ النذير المبين ﴾
البين النذارة ،نذير للناس من عذاب أليم أن يحل بهم على تكذيبه كما حل بمن تقدمهم
من األمم المكذبة لرسلها ،وما أنزل هللا عليهم من العذاب واالنتقام-.قاله ابن كثير-
رحمه هللا-في تفسيرها.اهـ()134
﴿ َك َما أ َ ْنزَ ْلنَا َعلَى ْال ُم ْقتَس ِِّّمينَ (﴾ )90
- 130صحح األلباني إسناده في صحيح الجامع برقم ،-3124 /المشكاة برقم.5261 /
-131الجامع ألحكام القرآن للقرطبي -الناشر :دار الكتب المصرية – القاهرة ( ) 56 /10
-132الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق() 271/14
- 133يجوز أن يكون الضمير مستعارا لمحل النصب ،توكيدا السم إن.
-134تفسير القرآن العظيم البن كثير-الناشر :دار طيبة للنشر والتوزيع() 548/ 4
33 www.alukah.net
إعراب مفردات اآلية ()135
(الكاف) حرف جر وتشبيه «( ،»136ما) اسم موصول مبني في محل جر متعلق
بمحذوف مفعول مطلق «( »137أنزلنا) مثل متعنا «( ،»138على المقتسمين) جار
ومجرور متعلق ب (أنزلنا).
روائع البيان والتفسير
﴿ َك َما أ َ ْنزَ ْلنَا َعلَى ْال ُم ْقتَس ِِّّمينَ ﴾
-قال ابن كثير -ر حمه هللا-في بيانه :وقوله ﴿ :المقتسمين ﴾ أي :المتحالفين ،أي :تحالفوا
على مخالفة األنبياء وتكذيبهم وأذاهم ،كما قال تعالى إخبارا عن قوم صالح أنهم ﴿ :قالوا
تقاسموا باهلل لنبيتنه وأهله ﴾ [النمل ]46 :أي :نقتلهم ليال قال مجاهد :تقاسموا :تحالفوا.
﴿ وأقسموا باهلل جهد أيمانهم ال يبعث هللا من يموت ﴾ [النحل ﴿ ]38 :أولم تكونوا
أقسمتم من قبل ما لكم من زوال ﴾ [إبراهيم ﴿ ]44 :أهؤالء الذين أقسمتم ال ينالهم هللا
برحمة ﴾ [األعراف ]49 :فكأنهم كانوا ال يكذبون بشيء إال أقسموا عليه ،فسموا
مقتسمين.اهـ()139
-وزاد الشنقيطي-رحمه هللا-في بيانها فقال ما مختصره وبتصرف :في المراد بالمقتسمين
أقوال للعلماء معروفة ،وكل واحد منها يشهد له قرآن ،إال أن في اآلية الكريمة قرينة
تضعف بعض تلك األقوال:
األول :أن المراد بالمقتسمين :الذين يحلفون على تكذيب الرسل ومخالفتهم ،وعلى هذا
القول ; فاالقتسام افتعال من القسم بمعنى اليمين ،وهو بمعنى التقاسم.
ومن اآليات التي ترشد لهذا الوجه قوله تعالى عن قوم صالح :قالوا ﴿ تقاسموا باهلل لنبيتنه
وأهله ﴾ اآلية [ ،]49 \ 27أي :نقتلهم ليال ،وقوله ﴿ :وأقسموا باهلل جهد أيمانهم ال يبعث
هللا من يموت ﴾ [ ،]38 \ 16إلى غير ذلك من اآليات .فكأنهم كانوا ال يكذبون بشيء إال
أقسموا عليه ; فسموا مقتسمين.
-135الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق() 273/14
- 136أو اسم بمعنى مثل مفعول مطلق.
- 137اختلف السادة المفسرون المعربون في تقدير هذا المحذوف ،وكلها ترجع إلى التأويل القريب أو
البعيد ،وأقربها هو :آتيناك إيتاء كالذي أنزلنا على المقتسمين ..واختار أبو حيان أن يكون نعتا لمصدر
محذوف تقديره قل قوال كالذي أنزلناه على المقتسمين.
- 138في اآلية ( )88من هذه السورة.
-139تفسير القرآن العظيم البن كثير-الناشر :دار طيبة للنشر والتوزيع() 548/ 4
34 www.alukah.net
القول الثاني :أن المراد بالمقتسمين :اليهود والنصارى .وإنما وصفوا بأنهم مقتسمون ;
ألنهم اقتسموا كتبهم فآمنوا ببعضها وكفروا ببعضها.
ويدل لهذا القول قوله تعالى ﴿ :أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ﴾ اآلية [\ 2
،]85وقوله ﴿ :ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ﴾ اآلية [.]150 \ 4
القول الثالث :أن المراد بالمقتسمين :جماعة من كفار مكة اقتسموا القرآن بأقوالهم الكاذبة
; فقال بعضهم :هو شعر .وقال بعضهم :هو سحر .وقال بعضهم :كهانة .وقال بعضهم:
أساطير األولين ،وقال بعضهم :اختلقه محمد - ،صلى هللا عليه وسلم .-
وهذا القول تدل له اآليات الدالة على أنهم قالوا في القرآن تلك األقوال المفتراة الكاذبة،
كقوله تعالى ﴿ :وما هو بقول شاعر قليال ما تؤمنون وال بقول كاهن قليال ما تذكرون ﴾
[ ،]42 - 41 \ 69وقوله :فقال إن هذا إال سحر يؤثر [ ،]24 \ 74وقوله ﴿ :إن هذا إال
اختالق ﴾ [ ]7 \ 38إلى غير ذلك من اآليات .والقرينة في اآلية الكريمة تؤيد هذا القول
الثالث ،وال تنافي الثاني بخالف األول ; ألن قوله ﴿ :الذين جعلوا القرآن عضين ﴾ [15
\ ]91أظهر في القول الثالث ; لجعلهم له أعضاء متفرقة بحسب اختالف أقوالهم الكاذبة،
كقولهم :شعر ،سحر ،كهانة ،إلخ.
وعلى أنهم أهل الكتاب :فالمراد بالقرآن كتبهم التي جزؤوها ،فآمنوا ببعضها وكفروا
ببعضها ،أو القرآن ; ألنهم آمنوا بما وافق هواههم منه وكفروا بغيره.اهـ()140
ضينَ (﴾ )91 ﴿ الَّذِّينَ َجعَلُوا ْالقُ ْرآَنَ ِّع ِّ
إعراب مفردات اآلية ()141
(الذين) اسم موصول في محل جر نعت للمقتسمين «( ،»142جعلوا) فعل ماض مبني
على الضم ..و (الواو) فاعل (القرآن) مفعول به منصوب (عضين) مفعول به ثان
منصوب ،وعالمة النصب الياء فهو ملحق بجمع المذكر.
روائع البيان والتفسير
ضينَ ﴾ ﴿ الَّذِّينَ َجعَلُوا ْالقُ ْرآَنَ ِّع ِّ
-فسرها السعدي -رحمه هللا-فقال ما نصه :أي :أصنافا وأعضاء وأجزاء ،يصرفونه
بحسب ما يهوونه ،فمنهم من يقول :سحر ومنهم من يقول :كهانة ومنهم من يقول:
- 140أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي الناشر :دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع
بيروت – لبنان( ) 317/2
-141الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق()274 /14
- 142أو خبر لمبتدأ محذوف تقديره هم ..والجملة استئناف بياني.
35 www.alukah.net
مفترى إلى غير ذلك من أقوال الكفرة المكذبين به ،الذين جعلوا قدحهم فيه ليصدوا
الناس عن الهدى.اهـ ()143
-وزاد البغوي-رحمه هللا في بيان قوله تعالى ﴿ عضين ﴾ في اآلية فقال:
قيل :هو جمع عضو مأخوذ من قولهم :عضيت الشيء تعضية ،إذا فرقته .ومعناه :أنهم
جعلوا القرآن أعضاء ،فقال بعضهم :سحر .وقال بعضهم :كهانة .وقال بعضهم :أساطير
األولين.
وقيل :هو جمع عضة :يقال :عضة وعضين مثل برة وبرين وعزة وعزين ،وأصلها:
عضهة ذهبت هاؤها األصلية ،كما نقصوا من الشفة وأصلها شفهة ،بدليل :أنك تقول في
التصغير شفيهة ،والمراد بالعضة الكذب والبهتان.
وقيل :المراد بالعضين العضه ،وهو السحر ،يريد :أنهم سموا القرآن سحرا.اهـ
()144
-143ت يسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي -الناشر :مؤسسة
الرسالة( ) 435/1
-144انظر معالم التنزيل للبغوي -الناشر :دار طيبة للنشر والتوزيع () 386/ 4
-145الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق() 274/14
- 146أو حال منصوبة من الضمير المفعول.
-147الجامع ألحكام القرآن للقرطبي -الناشر :دار الكتب المصرية – القاهرة ( ) 59 /10
36 www.alukah.net
ِّعضين في اآلخرة عما كانوا يعملون في الدنيا ،فيما أمرناهم به ،وفيما بعثناك به
إليهم من آي كتابي الذي أنزلته إليهم ،وفيما دعوناهم إليه من اإلقرار به ومن توحيدي
والبراءة من األنداد واألوثان..اهـ()148
-وزاد البغوي – رحمه هللا فائدة في بيانها فقال :فإن قيل :كيف الجمع بين هذه اآلية
وبين قوله تعالى ﴿ :فيومئذ ال يسأل عن ذنبه إنس وال جان ﴾ (الرحمن.)39-
قال ابن عباس :ال يسألهم هل عملتم ،ألنه أعلم بهم منهم ،ولكن يقول :لم عملتم كذا وكذا؟
واعتمده قطرب فقال :السؤال ضربان ،سؤال استعالم ،وسؤال توبيخ ،فقوله تعالى﴿ :
فيومئذ ال يسأل عن ذنبه إنس وال جان ﴾ (الرحمن )39-عني :استعالما .وقوله" :لنسألنهم
أجمعين" يعني توبيخا وتقريعا.
وقال عكرمة عن ابن عباس في اآليتين :إن يوم القيامة يوم طويل فيه مواقف يسألون في
بعض المواقف ،وال يسألون في بعضها .نظيره قوله تعالى ﴿ :هذا يوم ال ينطقون ﴾
(المرسالت ،)35-وقال في آية أخرى ﴿ :ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ﴾ ()1
(الزمر.)31-اهـ()149
﴿ َع َّما َكانُوا َي ْع َملُونَ (﴾ )93
إعراب مفردات اآلية ()150
(عن) حرف جر (ما) حرف مصدري «( ،»151كانوا) فعل ماض ناقص ..و (الواو)
اسم كان (يعملون) مضارع مرفوع ،و (الواو) فاعل .والمصدر المؤول (ما كانوا) ...
في محل جر متعلق ب (نسألنهم).
روائع البيان والتفسير
﴿ َع َّما َكانُوا َي ْع َملُونَ ﴾
-قال القرطبي-ى رحمه هللا :وفي البخاري :وقال عدة من أهل العلم في قوله ":فو
ربك لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون" عن ال إله إال هللا.اهـ()152
-148جامع البيان في تأويل القرآن ألبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر -الناشر :مؤسسة
الرسالة ( ) 149/ 17
-149انظر معالم التنزيل للبغوي -الناشر :دار طيبة للنشر والتوزيع () 394/ 4
-150الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق() 274/14
- 151أو موصول في محل جر ،والعائد محذوف ،والجملة بعده صلة..
-152الجامع ألحكام القرآن للقرطبي -الناشر :دار الكتب المصرية – القاهرة ( ) 59/10
37 www.alukah.net
-وأضاف السعدي في تفسيره-رحمه هللا:-وفي هذا أعظم ترهيب وزجر لهم عن
اإلقامة على ما كانوا عليه.اهـ ()153
ض َع ِّن ْال ُم ْش ِّر ِّكينَ (﴾ )94 ع ِّب َما تُؤْ َم ُر َوأَع ِّْر ْصد َ ْ﴿ َا ْ
إعراب مفردات اآلية ()154
(الفاء) استئنافية (اصدع) فعل أمر ،والفاعل أنت (الباء) حرف جر (ما) اسم موصول
مبني في محل جر متعلق ب (اصدع)( ،الواو) عاطفة (أعرض) مثل اصدع و (تؤمر)
مضارع مرفوع مبني للمجهول ،ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (عن
المشركين) جار ومجرور متعلق ب (أعرض).
روائع البيان والتفسير
ع ِّن ْال ُم ْش ِّر ِّكينَ ﴾
ض َع ِّب َما تُؤْ َم ُر َوأَع ِّْر ْ صد َ ْ﴿ فَا ْ
قال القرطبي-رحمه هللا -في تفسيرها ما مختصره :قوله تعالى ﴿ :فاصدع بما تؤمر ﴾ أي
بالذي تؤمر به ،أي بلغ رسالة هللا جميع الخلق لتقوم الحجة عليهم ،فقد أمرك هللا بذلك.
والصدع :الشق .وتصدع القوم أي تفرقوا ،ومنه" يومئذ يصدعون " أي يتفرقون.
وصدعته فانصدع أي انشق .أصل الصدع الفرق والشق.
وأضاف القرطبي-:رحمه هللا :-قوله تعالى( :وأعرض عن المشركين) أي عن
االهتمام باستهزائهم وعن المباالة بقولهم ،فقد برأك هللا عما يقولون .وقال ابن عباس:
هو منسوخ بقوله﴿ فاقتلوا المشركين ﴾ وقال عبد هللا بن عبيد :ما زال النبي صلى هللا
عليه وسلم مستخفيا حتى نزل قوله تعالى ﴿:فاصدع بما تؤمر ﴾ فخرج هو وأصحابه.
وقال مجاهد :أراد الجهر بالقرآن في الصالة ﴿.وأعرض عن المشركين ﴾ ال تبال بهم.
وقال ابن إسحاق :لما تمادوا في الشر وأكثروا برسول هللا صلى هللا عليه وسلم
االستهزاء أنزل هللا تعالى فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين .اهـ()155
َاك ْال ُم ْست َ ْه ِّزئِّينَ (﴾ )95﴿ إِّنَّا َكفَ ْين َ
إعراب مفردات اآلية ()156
-153ت يسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي -الناشر :مؤسسة
الرسالة( ) 435/1
-154الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق() 275/14
-155الجامع ألحكام القرآن للقرطبي -الناشر :دار الكتب المصرية – القاهرة ( ) 62 /10
-156الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق() 275/14
38 www.alukah.net
(إنا) مثل إني «( ،»157كفيناك) مثل آتيناك «( ،»158المستهزئين) مفعول به منصوب
وعالمة النصب الياء.
روائع البيان والتفسير
َاك ْال ُم ْست َ ْه ِّزئِّينَ ﴾
﴿ ِّإنَّا َكفَ ْين َ
َاك ْال ُم ْست َ ْه ِّزئِّينَ ﴾ بك وبما جئت به
-قال السعدي في بيانها إجماالً ما نصهِّ ﴿ :إنَّا َكفَ ْين َ
وهذا وعد من هللا لرسوله ،أن ال يضره المستهزئون ،وأن يكفيه هللا إياهم بما شاء من
أنواع العقوبة .وقد فعل تعالى فإنه ما تظاهر أحد باالستهزاء برسول هللا صلى هللا
عليه وسلم وبما جاء به إال أهلكه هللا وقتله شر قتلة.اهـ ()159
-وزاد القرطبي -رحمه هللا-في تفسيرها :والمعنى :اصدع بما تؤمر وال تخف غير
هللا ،فإن هللا كافيك من أذاك كما كفاك المستهزئين ،وكانوا خمسة من رؤساء أهل
مكة ،وهم الوليد بن المغيرة وهو رأسهم ،والعاص بن وائل ،واألسود بن المطلب بن
أسد أبو زمعة .واألسود بن عبد يغوث ،والحارث بن الطالطلة ،أهلكهم هللا جميعا،
قيل يوم بدر في يوم واحد ،الستهزائهم برسول هللا صلى هللا عليه وسلم.اهـ()160
ف يَ ْعلَ ُمونَ (﴾ )96 س ْو َ ﴿ الَّذِّينَ يَ ْجعَلُونَ َم َع َّ
َّللاِّ إِّلَ ًها آَخ ََر فَ َ
إعراب مفردات اآلية ()161
(الذين) اسم موصول مبني في محل نصب نعت للمستهزئين «( ،»162يجعلون)
مضارع مرفوع ..و (الواو) فاعل (مع) ظرف منصوب متعلق بمحذوف مفعول به ثان
(هللا) لفظ الجاللة مضاف إليه مجرور (إلها) مفعول به أول منصوب (آخر) نعت ل
(إلها) منصوب ،ومنع من التنوين ألنه صفة على وزن أفعل (الفاء) استئنافية (سوف)
حرف استقبال (يعلمون) مضارع مرفوع ..و (الواو) فاعل ،ومفعوله محذوف أي
يعلمون عاقبة أمرهم.
روائع البيان والتفسير
39 www.alukah.net
ف يَ ْعلَ ُمونَ ﴾
س ْو َ ﴿ الَّذِّينَ َي ْج َعلُونَ َم َع َّ
َّللاِّ ِّإلَ ًها آَخ ََر فَ َ
-تهديد شديد ،ووعيد أكيد ،لمن جعل مع هللا معبودا آخر-.قاله ابن كثير في تفسيرها-
رحمه هللا.-اهـ()163
-وأضاف أبو جعفر الطبري-رحمه هللا -في بيانها ما نصه :وعيد من هللا تعالى ذكره،
وتهديد للمستهزئين الذين أخبر نبيه صلى هللا عليه وسلم أنه قد كفاه أمرهم بقوله تعالى
ذكره :إنا كفيناك يا محمد الساخرين منك ،الجاعلين مع هللا شريكا في عبادته ،فسوف
يعلمون ما يلقون من عذاب هللا عند مصيرهم إليه في القيامة ،وما يَ ُحل بهم من
البالء.اهـ()164
ص ْد ُر َك ِّب َما يَقُولُونَ (﴾ )97 ضي ُق َ ﴿ َولَقَ ْد نَ ْعلَ ُم أَنَّ َك يَ ِّ
إعراب مفردات اآلية ()165
(الواو) استئنافية (الالم) الم القسم لقسم مقدر (قد) حرف تحقيق «( »166نعلم) مضارع
مرفوع ،والفاعل نحن للتعظيم (أن) حرف توكيد ونصب و (الكاف) ضمير في محل
نصب اسم أن (يضيق) مثل نعلم (صدرك) فاعل مرفوع و (الكاف) مضاف إليه (الباء)
حرف جر (ما) حرف مصدري (يقولون) مضارع مرفوع ...و (الواو) فاعل.
والمصدر المؤول (أنك يضيق ) ...في محل نصب سد مسد مفعولي نعلم .والمصدر
المؤول (ما يقولون) في محل جر بالباء متعلق ب (يضيق).
روائع البيان والتفسير
ص ْد ُر َك ِّب َما َيقُولُونَ ﴾ ضي ُق َ ﴿ َولَقَ ْد نَ ْعلَ ُم أَنَّ َك َي ِّ
-قال ابن كثير -رحمه هللا-في بيانها ما مختصره :أي :وإنا لنعلم يا محمد أنك يحصل
لك من أذاهم لك انقباض وضيق صدر .فال يهيدنك ذلك ،وال يثنينك عن إبالغك
رسالة هللا ،وتوكل على هللا فإنه كافيك وناصرك عليهم.اهـ()167
اجدِّينَ (﴾ )98 سبِّ ْح ِّب َح ْم ِّد َر ِّب َك َو ُك ْن ِّمنَ ال َّ
س ِّ ﴿ فَ َ
-163تفسير القرآن العظيم البن كثير-الناشر :دار طيبة للنشر والتوزيع()553 / 4
-164جامع البيان في تأويل القرآن ألبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر -الناشر :مؤسسة
الرسالة( )159/17
-165الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق() 277/14
- 166ألن علم هللا محقق في كل آن.
-167تفسير القرآن العظيم البن كثير-الناشر :دار طيبة للنشر والتوزيع() 553/ 4
40 www.alukah.net
إعراب مفردات اآلية ()168
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدر (سبح) فعل أمر ،والفاعل أنت (بحمد) جار ومجرور
متعلق بحال من فاعل سبح أي مشتمال -أو مصحوبا -بحمد ربك (ربك) مضاف إليه
مجرور ...و (الكاف) مضاف إليه (الواو)
روائع البيان والتفسير
اجدِّينَ ﴾ س ِّب ْح ِّب َح ْم ِّد َر ِّب َك َو ُك ْن ِّمنَ ال َّ
س ِّ ﴿ فَ َ
-قال أبو جعفر الطبري -رحمه هللا –في تفسيرها :يقول :فافزع فيما نابك من أمر
تكرهه منهم إلى الشكر هلل والثناء عليه والصالة ،يكفك هللا من ذلك ما أهمك ،وهذا
نحو الخبر الذي ُروي عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،أنه كان إذا َحزَ بَه أمر
فَ ِّزع إلى الصالة.اهـ()169
-وزاد الشنقيطي -رحمه هللا -في بيانها مع فائدة جليلة فقال ما مختصره :أمر -جل وعال
-نبيه -صلى هللا عليه وسلم -في هذه اآلية بأمرين :أحدهما قوله ﴿ :فسبح بحمد ربك
﴾[ ،]98 \ 15والثاني قوله ﴿ :وكن من الساجدين ﴾ [.]98 \ 15
وقد كرر تعالى في كتابه األمر بالشيئين المذكورين في هذه اآلية الكريمة ،كقوله في
األول ﴿ :فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ﴾[ ،]3 \ 110وقوله ﴿ :فاصبر على
ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ﴾ [ ،]130 \ 20وقوله﴿ :
فاصبر إن وعد هللا حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي واإلبكار ﴾ [،]55 \ 40
واآليات بمثل ذلك كثيرة.
وأصل التسبيح في اللغة :اإلبعاد عن السوء .ومعناه في عرف الشرع :تنزيه هللا -جل
وعال -عن كل ما ال يليق بجالله وكماله .ومعنى« :سبح» :نزه ربك -جل وعال -عن
كل ما ال يليق بكماله وجالله .وقوله بحمد ربك ،أي في حال كونك متلبسا بحمد ربك،
أي :بالثناء عليه بجميع ما هو أهله من صفات الكمال والجالل ; ألن لفظة :بحمد ربك
أضيفت إلى معرفة فتعم جميع المحامد من كل وصف كمال وجالل ثابت هلل -جل وعال
.-فتستغرق اآلية الكريمة الثناء بكل كمال ; ألن الكمال يكون بأمرين:
أحدهما :التخلي عن الرذائل ،والتنزه عما ال يليق ،وهذا معنى التسبيح.
والثاني التحلي بالفضائل واالتصاف بصفات الكمال ،وهذا معنى الحمد ،فتم الثناء بكل
كمال.
-168الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق()277 /14
-169جامع البيان في تأويل القرآن ألبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر -الناشر :مؤسسة
الرسالة () 159/ 17
41 www.alukah.net
وألجل هذا المعنى ثبت في الصحيح عنه -صلى هللا عليه وسلم -أنه قال" :كلمتان
خفيفتان على اللسان ،ثقيلتان في الميزان ،حبيبتان إلى الرحمن :سبحان هللا وبحمده،
سبحان هللا العظيم"" ،"170وكقوله في الثاني وهو السجود :كال ال تطعه واسجد واقترب
[ ،]19 \ 96وقوله ﴿ :ومن الليل فاسجد له وسبحه ليال طويال ﴾ [ ،]26 \ 76وقوله﴿ :
واسجدوا هلل الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون ﴾ [ ،]37 \ 41ويكثر في القرآن العظيم
إطالق التسبيح على الصالة.
وقالت جماعة من العلماء :المراد بقوله ﴿ :فسبح بحمد ربك ﴾ [ ،]98 \ 15أي :صل له،
وعليه فقوله ﴿ :وكن من الساجدين ﴾ ،من عطف الخاص على العام ،والصالة تتضمن
غاية التنزيه ومنتهى التقديس .وعلى كل حال فالمراد بقوله ﴿ :وكن من الساجدين ﴾ ،أي:
من المصلين ،سواء قلنا إن المراد بالتسبيح الصالة ،أو أعم منها من تنزيه هللا عما ال
يليق به ; وألجل كون المراد بالسجود الصالة لم يكن هذا الموضع محل سجدة عند
جمهور العلماء ،خالفا لمن زعم أنه موضع سجود.
ثم نبه-رحمه هللا لفائدة جليلة من اآلية قال:
اعلم أن ترتيبه -جل وعال -األمر بالتسبيح والسجود على ضيق صدره -صلى هللا عليه
وسلم -بسبب ما يقولون له من السوء ،دليل على أن الصالة والتسبيح سبب لزوال ذلك
المكروه ; ولذا كان -صلى هللا عليه وسلم -إذا حزبه أمر بادر إلى الصالة .وقال تعالى:
﴿ واستعينوا بالصبر والصالة ﴾ اآلية [.]45 \ 2
ويؤيد هذا ما رواه اإلمام أحمد ،وأبو داود ،والنسائي ،من حديث نعيم بن همار
" -"171رضي هللا عنه :-أنه سمع رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -يقول« :قال
هللا تعالى :يا ابن آدم ،ال تعجز عن أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره»"،"172
42 www.alukah.net
فينبغي للمسلم إذا أصابه مكروه ; أن يفزع إلى هللا تعالى بأنواع الطاعات من صالة
وغيرها.اهـ()173
﴿ َوا ْعبُ ْد َرب ََّك َحتَّى َيأ ْ ِّتيَ َك ْال َي ِّق ُ
ين (﴾ )99
إعراب مفردات اآلية ()174
(الواو) عاطفة (اعبد) مثل سبح (ربك) مفعول به منصوب...
و (الكاف) مضاف إليه (حتى) حرف غاية وجر (يأتيك) مضارع منصوب بأن مضمرة
بعد حتى ...و (الكاف) مفعول به( ،اليقين) فاعل مرفوع.
روائع البيان والتفسير
﴿ َوا ْعبُدْ َرب ََّك َحتَّى يَأْتِّيَ َك ْاليَ ِّق ُ
ين ﴾
-قال القرطبي -رحمه هللا-في بيانها ما مختصره وبتصرف يسير :أن اليقين الموت .أمره
بعبادته إذ قصر عباده في خدمته ،وأن ذلك يجب عليه .فإن قيل :فما فائدة قول ﴿:حتى
يأتيك اليقين ﴾ وكان قوله ﴿:واعبد ربك ﴾ كافيا في األمر بالعبادة .قيل له :الفائدة في هذا
أنه لو قال ﴿:واعبد ربك ﴾ مطلقا ثم عبده مرة واحدة كان مطيعا ،وإذا قال﴿ حتى يأتيك
اليقين ﴾كان معناه ال تفارق هذا حتى تموت .فإن قيل :كيف قال سبحانه ﴿:واعبد ربك
حتى يأتيك اليقين ﴾ ولم يقل أبدا ،فالجواب أن اليقين أبلغ من قوله :أبدا ،الحتمال لفظ
األبد للحظة الواحدة ولجميع األبد.
ثم أضاف -رحمه هللا :-والمراد استمرار العبادة مدة حياته ،كما قال العبد الصالح﴿:
وأوصاني بالصالة والزكاة ما دمت حيا ﴾.
ثم قال -رحمه هللا:-والدليل على أن اليقين الموت حديث أم العالء األنصارية(،)175
وكانت من المبايعات ،وفيه :فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ":أما عثمان -أعني
عثمان بن مظعون -فقد جاءه اليقين وإني ألرجو له الخير وهللا ما أدري وأنا رسول
هللا ما يفعل به" وذكر الحديث « .»176انفرد بإخراجه البخاري رحمه هللا! وكان
- 173أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي الناشر :دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع
بيروت – لبنان( ) 322/2
-174الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي-نشر:دار الرشيد مؤسسة اإليمان –
دمشق()278 /14
- 175أ م العالء األنصارية أسلمت وبايعت رسول هللا وروت عنه .وهي التي قالت :إن األنصار
تنافسوا في المهاجرين حتى اقترعوا عليهم فطار لنا في القرعة عثمان بن مظعون .وشهدت أم العالء
مع رسول هللا خيبر-.نقالً عن الطبقات الكبرى البن سعد برقم4627 /
- 176الحديث بطوله في البخاري برقم -2687 /باب القرعة في المشكالت
43 www.alukah.net
عمر بن عبد العزيز يقول :ما رأيت يقينا أشبه بالشك من يقين الناس بالموت ثم ال
يستعدون له ،يعني كأنهم فيه شاكون ..اهـ()177
-177الجامع ألحكام القرآن للقرطبي -الناشر :دار الكتب المصرية – القاهرة ( ) 64 /10
44 www.alukah.net
كل واحدة منهما ﴿ :لعلكم تعقلون ﴾ فقرينته هي من جهة المعقولية وقال في الزخرف:
﴿ وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ﴾
وكذلك كل ما في القرآن من الكتاب وكتاب فبغير ألف إال في أربعة مواضع هي
الرعد بأوصاف خصصته من الكتاب الكلي
في الرعد ﴿ :لكل أجل كتاب ﴾ فإن هذا كتاب اآلجال فهو أخص من الكتاب المطلق
أو المضاف إلى هللا
وفى الحجر ﴿ :وما أهلكنا من قرية إال ولها كتاب معلوم ﴾ فإن هذا كتاب إهالك القرى
وهو أخص من كتاب اآلجال
وفى الكهف ﴿ :واتل ما أوحي إليك من كتاب ﴾ فإن هذا أخص من الكتاب الذي في
قوله ﴿ :اتل ما أوحي إليك من الكتاب ﴾ ألنه أطلق هذا وقيد ذلك باإلضافة إلى االسم
المضاف إلى معنى في الوجود واألخص أظهر تنزيال
وفى النمل ﴿ :تلك آيات القرآن وكتاب مبين ﴾ هذا الكتاب جاء تابعا للقرآن والقرآن
جاء تابعا للكتاب كما جاء في الحجر ﴿ :تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ﴾ فما في النمل
له خصوص تنزيل مع الكتاب الكلي فهو تفصيل للكتاب الكلي بجوامع
كليته.اهـ()178
-وقوله تعالىِّ ﴿:إنَّا ن َْح ُن ن ََّز ْلنَا ِّ
الذ ْك َر َو ِّإنَّا لَهُ لَ َحافِّ ُ
ظونَ (﴾ )9
هذه اآلية الكريمة دليل جلي علي حفظ هللا لكتابة من التحريف والتبديل كما حدث للكتب
:المنزلة من قبله كالتوراة واألنجيل ومن فوائد وأحكام اآلية ما يلي
-من الفوائد ما ذكره الزركشي-رحمه هللا -في البرهان في بيان الخطأ المشهور أن
جامع القرآن بدا به عثمان بن عفان-رضي هللا عنه -وهذا ليس صحيحا َ بل أول من
جمعه هو سيدنا أبو بكر الصديق -رضي هللا عنه -ومن المعلوم أن جمعه من وسائل
حفظه كما وعد رب العباد-عز وجل -ومما قاله الزركشي :اعلم أنه قد اشتهر أن
عثمان هو أول من جمع المصاحف وليس كذلك لما بيناه بل أول من جمعها في
مصحف واحد الصديق ثم أمر عثمان حين خاف االختالف في القراءة بتحويله منها
إلى المصاحف هكذا نقله البيهقي.
قال :وقد روينا عن زيد بن ثابت أن التأليف كان في زمن النبي صلى هللا عليه وسلم
وروينا عنه أن الجمع في المصحف كان في زمن أبي بكر والنسخ في المصاحف في
زمن عثمان وكان ما يجمعون وينسخون معلوما لهم بما كان مثبتا في صدور الرجال
- 178انظر كتاب البرهان في علوم القرآن للزكشي(-)338/1نشر دار إحياء الكتب العربية عيسى
البابى الحلبي وشركائه -الطبعة :األولى 1376 ،هـ 1957 -م
45 www.alukah.net
وذلك كله بمشورة من حضره من الصحابة وارتضاه علي بن أبي طالب وحمد أثره
فيه.
وذكر غيره أن الذي استبد به عثمان جمع الناس على قراءة محصورة والمنع من
غير ذلك.
قال القاضي أبو بكر في االنتصار لم يقصد عثمان قصد أبي بكر في جمع نفس
القرآن بين لوحين وإنما قصد جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي صلى
هللا عليه وسلم وإلغاء ما ليس كذلك وأخذهم بمصحف ال تقديم فيه وال تأخير وال تأويل
أثبت
مع تنزيل ومنسوخ تالوته كتب مع مثبت رسمه ومفروض قراءته وحفظه خشية
دخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد.
ثم أضاف -رحمه هللا :-وكان هذا االتفاق من الصحابة سببا لبقاء القرآن في األمة
ورحمة من هللا على عباده وتسهيال وتحقيقا لوعده بحفظه كما قال تعالى ﴿ :إنا نحن
نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ﴾ وزال بذلك االختالف واتفقت الكلمة.اهـ()179
قلت :ويدل علي كالمه –رحمه هللا-ما ثبت في البخاري عن أنس أن حذيفة بن اليمان
قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق
فأفزع حذيفة اختالفهم في القراء وقال حذيفة لعثمان أدرك هذه األمة قبل أن يختلفوا
في الكتاب اختالف اليهود والنصارى فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا
الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها إليه فأمر زيد بن ثابت
وعبد هللا بن الزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها
في المصاحف قال عثمان للرهط القرشيين الثالثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في
شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل البعوث والسرايا ،وردَّ األمر إلى
نصابه ،بعد الخوف من تفرقه وذهابه ،وجمع القرآن بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا
الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل في كل أفق بمصحف
مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق()180
-وزاد ابن كثير – رحمه هللا -في فضائل القرآن ما يؤيد أن أبو بكر هو أول من جمع
القرآن فقال:
وهذا من أحسن وأجل وأعظم ما فعله الصديق -رضى هللا عنه ،فإنه أقامه هللا تعالى بعد
سلَّ َم -مقاما ال ينبغي ألحد من بعده :قاتل االعداء من مانعى الزكاة صلَّى َّ
َّللاُ َعلَ ْي ِّه َو َ النبي َ -
- 179انظر كتاب البرهان في علوم القرآن للزركشي(-)231/1نشر دار إحياء الكتب العربية عيسى
البابي الحلبي وشركائه -الطبعة :األولى 1376 ،هـ 1957 -م
- 180أحرجه االبخاري برقم -4987 /باب جمع القرآن
46 www.alukah.net
والمرتدين والفرس والروم ،ونفذ الجيوش ،وبعث العظيم من أماكنه المتفرقة حتى تم َّكنَ
القارئ من حفظه كله ,وكان هذا من سر قوله تعالىِّ ﴿ :إنَّا نَ ْح ُن ن ََّز ْلنَا ِّ
الذ ْك َر َو ِّإنَّا لَهُ
ظونَ ﴾.اهـ()181ـ لَ َحا ِّف ُ
-وجمع ابن عربي-رحمه هللا -في أحكامه كل ما ذكر هنا فقال :عن وجوه حفظها
وذكر منها خمسة:
األول :أن رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -ترك ذلك مصلحة ،وفعله أبو بكر
للحاجة.
الثاني :أن هللا أخبر أنه في الصحف األولى ،وأنه عند محمد في مثلها بقوله ﴿ :يتلو
صحفا مطهرة -فيها كتب قيمة ﴾ [البينة]3 - 2 :؛ فهذا اقتداء باهلل وبرسوله.
الثالث :أنهم قصدوا بذلك تحقيق قول هللا ﴿ :إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ﴾
[الحجر]9 :؛ فقد كان عنده محفوظا ،وأخبرنا أن يحفظه بعد نزوله ،ومن حفظه
تيسير الصحابة لجمعه ،واتفاقهم على تقييده وضبطه.
الرابع :أن النبي -صلى هللا عليه وسلم -كان يكتبه كتبته بإمالئه إياه عليهم ،وهل
يخفى على متصور معنى صحيحا في قلبه أن ذلك كان تنبيها على كتبه وضبطه
بالتقييد في الصحف ،ولو كان ما ضمنه هللا من حفظه ال عمل لألمة فيه لم يكتبه
رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -بعد إخبار هللا له بضمان حفظه ،ولكن علم أن
حفظه من هللا بحفظنا وتيسيره ذلك لنا وتعليمه لكتابته وضبطه في الصحف بيننا.
الخامس :أنه ثبت «أن النبي -صلى هللا عليه وسلم -نهى عن السفر بالقرآن إلى
أرض العدو»؛ وهذا تنبيه على أنه بين األمة مكتوب مستصحب في األسفار ،هذا من
أبين الوجوه عند النظار.
المسألة السادسة :فأما كتابة عثمان للمصاحف التي أرسلت إلى الكوفة والشام
والحجاز فإنما كان ذلك ألجل اختالف الناس في القراءات ،فأراد ضبط األمر لئال
ينتشر إلى حد التفرق واالختالف في القرآن ،كما اختلف أهل الكتاب في كتبهم ،وكان
جمع أبي بكر له لئال يذهب أصله؛ فكانا أمرين مختلفين لسببين متباينين.
وقد كان «وقع مثل هذا االختالف في زمان النبي -صلى هللا عليه وسلم -بين هشام
بن حكيم بن حزام وبين عمر بن الخطاب فاختلفوا في القراءة في سورة الفرقان،
فاحتمل عمر هشاما إلى رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -حمال ،حتى قرأ كل واحد
منهما ما قرأ بخالف قراءة صاحبه ،فصوب النبي -صلى هللا عليه وسلم -الكل،
- 181انظر فضائل القرآن البن كثير(ص-)56/الناشر :مكتبة ابن تيمية -الطبعة :الطبعة األولى -
1416هـ
47 www.alukah.net
وأنبأهم أنه ليس باختالف ،إذ الكل من عند هللا ،بأمره نزل ،وبفضله توسع في حروفه
حتى جعلها سبعة» ،فاختار عثمان والصحابة من تلك الحروف ما رأوه ظاهرا
مشهورا متفقا عليه مذكورا ،وجمعوه في مصاحف ،وجعلت أمهات في البلدان ترجع
إليها بنات الخالف.اهـ()182
ومن أجمل ما قيل عن سبب عدم جمع القرآن وحفظه عصر النبي-صلي هللا عليه
وسلم -ما ذكره الزرقاني في مناهل العرفان مع فوائد جليلة قال-رحمه هللا :-وإنما لم
يجمع القرآن في صحف وال مصاحف العتبارات كثيرة:
أولها :أنه لم يوجد من دواعي كتابته في صحف أو مصاحف مثل ما وجد على عهد
أبي بكر حتى كتبه في صحف .وال مثل ما وجد على عهد عثمان حتى نسخه في
مصاحف .فالمسلمون وقتئذ بخير والقراء كثيرون واإلسالم لم يستبحر عمرانه بعد
والفتنة مأمونة والتعويل ال يزال على الحفظ أكثر من الكتابة وأدوات الكتابة غير
ميسورة وعناية الرسول باستظهار القرآن تفوق الوصف وتوفي على الغاية حتى في
طريقة أدائه على حروفه السبعة التي نزل عليها.
وثانيها :أن النبي صلى هللا عليه وسلم كان بصدد أن ينزل عليه الوحي بنسخ ما شاء
هللا من آية أو آيات.
ثالثها :أن القرآن لم ينزل مرة واحدة بل نزل منجما في مدى عشرين سنة أو أكثر.
رابعها :أن ترتيب آياته وسوره ليس على ترتيب نزوله فقد علمت أن نزوله كان على
حسب األسباب أما ترتيبه فكان لغير ذلك من االعتبارات.
وأنت خبير بأن القرآن لو جمع في صحف أو مصاحف والحال على ما شرحنا لكان
عرضة لتغيير الصحف أو المصاحف كلما وقع نسخ أو حدث سبب .مع أن الظروف
ال تساعد وأدوات الكتابة ليست ميسورة والتعويل كان على الحفظ قبل كل شيء.
ولكن لما استقر األمر بختام التنزيل ووفاة الرسول وأمن النسخ وتقرر الترتيب ووجد
من الدواعي ما يقتضي نسخه في صحف أو مصاحف وفق هللا الخلفاء الراشدين
فقاموا بهذا الواجب حفظا للقرآن وحياطة ألصل التشريع األول مصداقا لقوله سبحانه:
ظونَ ﴾.اهـ()183 ﴿ ِّإنَّا ن َْح ُن ن ََّز ْلنَا ِّ
الذ ْك َر َو ِّإنَّا لَهُ لَ َحافِّ ُ
- 182انظر أحكام القرآن للقاضي محمد بن عبد هللا أبو بكر بن العربي- )611/2( -نشر :دار الكتب
العلمية ،بيروت – لبنان -الطبعة :الثالثة 1424 ،هـ 2003 -م
- 183انظر مناهل العرفان في علوم القرآن لمحمد عبد العظيم ُّ
الز ْرقاني( -)248/1الناشر :مطبعة
عيسى البابي الحلبي وشركاه الطبعة :الطبعة الثالثة
48 www.alukah.net
يم ﴾ س ْبعًا ِّم ْن ْال َمثَانِّي َو ْالقُ ْرآنَ ْال َع ِّظ ََ -ق ْوله ت َ َعالَى ﴿ َو َل َق ْد آت َ ْينَاك َ
س ْبعًا ِّم ْن ْال َمثَانِّي ﴾ علي قولين:اختلف أهل التفسير في المقصود يقوله تعالى ﴿ َ
الفاتحة. بها المراد أن األول:
الطول :البقرة ،وآل عمران ،والنساء ،والمائدة ،واألنعام، َ الثاني :أن المراد بها السب ُع
واألعراف ،واألنفال وبراءة.
والقول الراجح الذي تؤيده األدلة من السنة النبوية أن المراد بالقرآن العظيم في قوله
يم ﴾ هو الفاتحة س ْبعًا مـِّنَ ْال َمثَانِّي َو ْالقُ ْر َءانَ ا ْلعَ ِّظ َ
َاك َتعالى﴿ َولَقَ ْد َءات َ ْين َ
والريب أن في تفسيرهم فوائد جمة من ذلك:
ما ذكره القرطبي-رحمه هللا -قال ما مختصره وبتصرف :أجمعت األمة على أن فاتحة
الكتاب سبع آيات ،وأجمعت األمة أيضا على أنها من القرآن .فإن قيل :لو كانت قرآنا
ألثبتها عبد هللا بن مسعود في مصحفه ،فلما لم يثبتها دل على أنها ليست من القرآن،
كالمعوذتين عنده.
وقال:
اختلفوا أهي مكية أم مدنية؟ فقال ابن عباس وقتادة وأبو العالية الرياحي واسمه رفيع
وغيرهم :هي مكية .وقال أبو هريرة ومجاهد وعطاء بن يسار والزهري وغيرهم:
هي مدنية .ويقال :نزل نصفها بمكة ،ونصفها بالمدينة .حكاه أبو الليث نصر بن محمد
بن إبراهيم السمرقندي( )184في تفسيره .واألول أصح لقوله تعالى ":ولقد آتيناك
سبعا من المثاني والقرآن العظيم" [الحجر ]87 :والحجر مكية بإجماع .وال خالف
أن فرض الصالة كان بمكة .وما حفظ أنه كان في اإلسالم قط صالة بغير" الحمد هلل
رب العالمين" ،يدل على هذا قوله عليه السالم( :ال صالة إال بفاتحة الكتاب)(.)185
وهذا خبر عن الحكم ،ال عن االبتداء ،وهللا أعلم .وقد ذكر القاضي ابن الطيب اختالف
الناس في أول ما نزل من القرآن ،فقيل :المدثر ،وقيل :اقرأ ،وقيل :الفاتحة .وذكر
البيهقي في دالئل النبوة عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل أن رسول هللا صلى هللا
عليه وسلم قال لخديجة( :إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء وقد وهللا خشيت أن يكون
هذا أمرا) قالت :معاذ هللا! ما كان هللا ليفعل بك ،فوهللا إنك لتؤدي األمانة ،وتصل
- 184أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي اإلمام ،الفقيه ،المحدث ،الزاهد ،أبو الليث نصر
بن محمد بن إبراهيم السمرقندي الحنفي ،صاحب كتاب (تنبيه الغافلين) ،وله كتاب (الفتاوى) .وتروج
عليه األحاديث الموضوعة روى عنه :أبو بكر محمد بن عبد الرحمن الترمذي ،وغيره.
نقلت وفاته من خط القاضي شهاب الدين أحمد بن علي بن عبد الحق - ،أيده هللا -في جمادى اآلخرة
سنة خمس وسبعين وثالث مائة-.نقالً عن سير أعالم النبالء مختصراً(الجزء)230/16
- 185أخرجه البخاري عن عبادة بن الصامت –رضي الل9خه عنه-برقم -756 /باب وجوب القراءة
لإلمام والمأموم في الصلوات كلها ،في الحضر والسفر
49 www.alukah.net
الرحم ،وتصدق الحديث .فلما دخل أبو بكر وليس رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ثم
ذكرت خديجة حديثه له ،قالت :يا عتيق ،اذهب مع محمد إلى ورقة بن نوفل .فلما
دخل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أخذ أبو بكر بيده ،فقال :انطلق بنا إلى ورقة،
فقال( :ومن أخبرك) .قال :خديجة ،فانطلقا إليه فقصا عليه ،فقال( :إذا خلوت وحدي
سمعت نداء خلفي يا محمد يا محمد فأنطلق هاربا في األرض) فقال :ال تفعل ،إذا
أتاك فاثبت حتى تسمع ما يقول ثم ائتني فأخبرني .فلما خال ناداه :يا محمد ،قل" بسم
هللا الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين.اهـ()186
-وما ذكره ابن عثيمين-رحمه هللا :-والفاتحةُ هي أ ُّم القرآن؛ وذلك ألن جمي َع مقاص ِّد
القرآن موجودة ٌ فيها ،فهي مشتملة على التوحيد بأنواعه الثالثة ،وعلى الرسالة ،وعلى
شرائع موجود ٌ الرسل ومخالفيهم ،وجمي ُع ما يتعلَّق بأصول ال َّ طرق ُّ اليوم اآلخر ،وعلى ُ
س ْب ُع المثاني» كما ص َّح ذلك سورة ،ولهذا تُس َّمى «أ ُّم القرآن» وتُس َّمى «ال َّ في هذه ال ُّ
َاكبالذ ْك ِّر في قولهَ ﴿ :ولَقَ ْد آت َ ْين َ صها هللا ِّ عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم .وقد خ َّ
ف
ط ُيم * ﴾ [الحجر] و َع ْ س ْبعًا ِّمنَ ْال َمثَانِّي َو ْالقُ ْرآنَ ْال َع ِّظ َ
َ
ف العام على الخاص. عط ِّْ «القرآن العظيم» عليها من باب َ
وذمر رحمه هللا حكم الفاتحة فقال:
صالة ُ بدونها؛ لقول وشرط لص َّحتها ،فال تص ُّح ال َّ ٌ صالةِّ،والفاتحة ُر ْك ٌن ِّمن أركان ال َّ
ب» (.)187 النبي ِّ صلى هللا عليه وسلم« :ال صالة َ ِّل َم ْن لم يقرأ بفاتح ِّة الكتا ِّ
وقوله« :يقرأ الفاتحة» يفيد هذا القول أنه ال بُدَّ أن يقرأ الفاتحةَ بجميع حروفها
وحركاتها وكلماتها وآياتها وترتيبها ،هذه خمسة أمور :اآليات ،والكلمات،
ف« :الفاتحة» فإن المؤل ِّ
ِّ والحروف ،والحركات ،والترتيب .وهو مأخوذ ِّمن قول
سبْع «أل» هنا للعهد الذِّهني؛ فيكون المراد به الفاتحة المعروفة التي فيها اآليات ال َّ
والكلمات والحروف والحركات على ترتيبها ،وال بُدَّ أن تكون متوالية؛ يعني :أال
ضها على بعض، ط أن ينبني بع ُ يقطعها بفصل طويل؛ ألنها عبادة واحدة ،فاشتُر َ
ضوء. الو ُ كاألعضاء في ُ
ضوء :الوجه ،ثم اليدان ،ثم الرأس ،ثم الرجالن ،ال بُدَّ أن يتوالى َغ ْس ُل هذه فالو ُ
ُ
ُ
األعضاء األربعة مرتَّبة ،كذلك سورة الفاتحة اآلية األولى ،ثم الثانية ،ثم الثالثة...
إلخ ،ال بُدَّ أن تتوالى.اهـ
ما جاء في الخلق والتدبير
--186الجامع ألحكام القرآن للقرطبي -الناشر :دار الكتب المصرية – القاهرة ( ) 114/1
- 187سبق تخريجه أنفا ً
50 www.alukah.net
ان َخلَ ْقنَاهُ ِّم ْن ون (َ )26و ْال َج َّ صا ٍل ِّم ْن َح َمإ ٍ َم ْسنُ ٍص ْل َ سانَ ِّم ْن َ -وقوله تعالى ﴿ َولَقَ ْد َخلَ ْقنَا ْ ِّ
اإل ْن َ
وم (﴾ )27 س ُم ِّ قَ ْب ُل ِّم ْن ن ِّ
َار ال َّ
ومن فوائد اآليتين الكريمتين ما ذكره ابن القيم في بدائع الفوائد :وأما الجان فمادتهم
النار بنص القرآن وال يصح التفريق بين الجن والجان لغة وال شرعا وال عقال وأما
المقدمة الثانية وهي كون المالئكة خيرا وأشرف من اإلنس فهي المسألة المشهورة:
وهي تفضيل المالئكة أو البشر والجمهور على تفضيل البشر والذين فضلوا المالئكة
هم المعتزلة والفالسفة وطائفة ممن عداهم بل الذي ينبغي أن يقال في التقديم هنا أنه
ون َو ْال َجا َّن صا ٍل ِّم ْن َح َم ٍأ َم ْسنُ ٍ ص ْل َسانَ ِّم ْن َ تقديم بالزمان لقوله تعالىَ ﴿ :ولَقَ ْد َخلَ ْقنَا ا ِّأل ْن َ
وم ﴾ تقديم اإلنس على الجن وأما تقديم اإلنس على الجن س ُم ِّ َار ال َّ َخلَ ْقنَاهُ ِّم ْن قَ ْب ُل ِّم ْن ن ِّ
س قَ ْبلَ ُه ْم َوال َجان ﴾ فلحكمة أخرى سوى ما ذكره وهو أن ط ِّمثْ ُه َّن ِّإ ْن ٌفي قوله ﴿ :لَ ْم يَ ْ
النفي تابع لما تعقله القلوب من اإلثبات فيرد النفي عليه وعلم النفوس بطمث اإلنس
ونفرتها ممن طمثها الرجال هو المعروف فجاء النفي على مقتضى ذلك وكان تقديم
س َو ْال ِّج ُّن َعلَى َّ
َّللاِّ ظنَنَّا أ َ ْن لَ ْن تَقُو َل ا ِّأل ْن ُاإلنس في هذا النفي أهم وأما قولهَ ﴿ :وأَنَّا َ
َكذِّبا ً ﴾ فهذا يعرف سره من السياق فإن هذا حكاية كالم مؤمني الجن حين سماع القرآن
س ِّم ْعنَا قُ ْرآنا ً َع َجبا ً ﴾ ي أَنَّهُ ا ْست َ َم َع نَفَ ٌر ِّمنَ ْال ِّج ِّن فَقَالُوا ِّإنَّا َ ي ِّإلَ َّ وح َ كما قال تعالى ﴿ :قُ ْل أ ُ ِّ
اآليات وكان القرآن أول ما خوطب به اإلنس ونزل على نبيهم وهم أول من بدأ
س ظنَنَّا أ َ ْن لَ ْن تَقُو َل ا ِّأل ْن ُ بالتصديق والتكذيب قبل الجن فجاء قول مؤمني الجنَ ﴿ :وأَنَّا َ
َّللاِّ َكذِّبا ً ﴾ بتقديم اإلنس لتقدمهم في الخطاب بالقرآن وتقديمهم في التصديق َوا ْل ِّج ُّن َعلَى َّ
والتكذيب وفائدة أخرى وهي أن هذا حكاية كالم مؤمني الجن لقومهم بعد أن رجعوا
إليهم فأخبروهم بما سمعوا من القرآن وعظمته وهدايته إلى الرشد ثم اعتذروا عما
كانوا يعتقدونه أوال بخالف ما سمعوه من الرشد بأنهم لم يكونوا يظنون أن اإلنس
والجن يقولون على هللا كذبا فذكرهم اإلنس هنا في التقديم أحسن في الدعوة وأبلغ في
عدم التهمة فإنهم خالفوا ما كانوا يسمعونه من اإلنس والجن لما تبين لهم كذبهم
فبداءتهم بذكر اإلنس أبلغ في نفي الغرض والتهمة وأن ال يظن بهم قومهم أنهم
ظاهروا اإلنس عليهم فإنهم أول ما أقروا بتقولهم الكذب على هللا تعالى وهذا من
ألطف المعاني وأدقها ومن تأمل مواقعه في الخطاب عرف صحته.اهـ()188
اجدِّينَ (﴾ )29 س ِّوحي فَقَعُوا لَهُ َ س َّو ْيتُهُ َونَفَ ْختُ فِّي ِّه ِّم ْن ُر ِّ -وقوله تعالى ﴿:فَإِّذَا َ
ومن هذه اآلية يري البعض أن اإلنسان أفضل من الجن والمالئكة ألن هللا أمرهما
بالسجود آلدم –عليه السالم-وكما هو معلوما ً السجود ال يجوز لغير هلل تعالى ومن ثم
كانت هذه اآلية لها فوائد وأحكام وضحها علمائنا لفهم المقصود من السجود وهل هو
لفضل آدم أم استجابة ألمر هللا.
51 www.alukah.net
-قال ابن تيمية -رحمه هللا :أنه وإن كانت النار خيرا من الطين فال يجب أن يكون لمخلوق
من األفضل أفضل فإن الفرع قد يختص بما ال يكون في أصله وهذا التراب يخلق منه
من الحيوان والمعادن والنبات ما هو خير منه واالحتجاج على فضل اإلنسان على غيره
بفضل أصله على أصله حجة فاسدة احتج بها إبليس وهي حجة الذين يفخرون بأنسابهم
وقد قال النبي صلى هللا عليه وسلم " ﴿ من قصر به عمله لم يبلغ به نسبه
﴾(..)189وأضاف -رحمه هللا:
أنه وإن كان مخلوقا من طين فقد حصل له بنفخ الروح المقدسة فيه ما شرف به فلهذا
قال ﴿ :فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ﴾ فعلق السجود بأن ينفخ فيه
من روحه فالموجب للتفضيل هذا المعنى الشريف الذي ليس إلبليس مثله.اهـ()190
-وقال في المنهاج :فأمرهم بالسجود له إكراما لما شرفه هللا بنفخ الروح فيه ،وإن كان
مخلوقا من طين ،والمالئكة مخلوقون من نور ،وإبليس مخلوق من نار ،كما ثبت في
صحيح مسلم عن عائشة رضي هللا عنها عن النبي -صلى هللا عليه وسلم -قال" :
«خلق هللا المالئكة من نور ،وخلق إبليس من مارج من نار ،وخلق آدم مما وصف
لكم»()191؟.اهـ192
-وزاد ابن عثيمين-رحمه هللا -في بيان حكم السجود آلدم فقال :السجود لغير هللا إذا
كان بأمر هللا فهو عبادة؛ ألن هلل تعالى أن يحكم بما شاء؛ ولذلك لما امتنع إبليس عن
هذا كان من الكافرين؛ وقد استدل بعض العلماء بهذه اآلية على كفر تارك الصالة؛
قال :ألنه إذا كان إبليس كفر بترك سجدة واحدة أُمر بها ،فكيف عن ترك الصالة
كاملة؟! وهذا االستدالل إن استقام فهو هو؛ وإن لم يستقم فقد دلت نصوص أخرى
من الكتاب ،والسنة ،وأقوال الصحابة على كفر تارك الصالة كفرا ً أكبر مخرجا ً عن
الملة..اهـ()193
ع به نسبُه - 189جزء من حديث أخرجه مسلم ولفظه " ومن بطأ به عملُه ،لم يسر ْ
"من حديث ـأبي هريرة –رضي هللا عنه-برقم" : 2699/
-- 190انظر مجموع الفتاوي البن تيمية- ) 5/ 15(-الناشر :مجمع الملك فهد لطباعة المصحف
الشريف ،المدينة النبوية ،المملكة العربية السعودية -عام النشر1416 :هـ1995/م
- 191الحديث عن عائشة رضي هللا عنها في مسلم برقم - 2996/باب في أحاديث متفرقة) ولفظه" :
قالت :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم " :خلقت المالئكة من نور ،وخلق الجان من مارج من نار،
وخلق آدم مما وصف لكم "
- 192انظر نهاج السنة النبوية البن تيمية( -)430/2الناشر :جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية
الطبعة :األولى 1406 ،هـ 1986 -م
- 193تفسير الفاتحة والبقرة البن عثيمين ( -)126/1الناشر :دار ابن الجوزي ،المملكة العربية
السعودية -الطبعة :األولى 1423 ،هـ
52 www.alukah.net
-وقال الجصاص – رحمه هللا-في أحكامه :ويدل على أن األمر بالسجود قد كان أراد
به تكرمة آدم عليه السالم وتفضيله على قول إبليس فيما حكى هللا عنه ﴿ :أأسجد لمن
خلقت طينا قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي ﴾ [اإلسراء ]62 - 61 :فأخبر إبليس أن
امتناعه كان من السجود ألجل ما كان من تفضيل هللا وتكرمته بأمره إياه بالسجود له،
ولو كان األمر بالسجود له على أنه نصب قبلة للساجدين من غير تكرمة له وال فضيلة
لما كان آلدم في ذلك حظ وال فضيلة تحسد ،كالكعبة المنصوبة للقبلة وقد كان السجود
جائزا في شريعة آدم عليه السالم للمخلوقين ،ويشبه أن يكون قد كان باقيا إلى زمان
يوسف عليه السالم فكان فيما بينهم لمن يستحق ضربا من التعظيم ويراد إكرامه
وتبجيله بمنزلة المصافحة والمعانقة فيما بيننا وبمنزلة تقبيل اليد .وقد روي عن النبي
عليه السالم في إباحة تقبيل اليد أخبار ،وقد روي الكراهة; إال أن السجود لغير هللا
تعالى على وجه التكرمة والتحية منسوخ بما روت عائشة وجابر بن عبد هللا وأنس،
أن النبي عليه السالم قال" :ما ينبغي لبشر أن يسجد لبشر ،ولو صلح لبشر أن يسجد
لبشر ألمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها"( )194لفظ حديث أنس
بن مالك.اهـ ()195
-وابدع العالمة ابن القيم -رحمه هللا-فقال عن فضيلة السجود هلل وحكمه من اآلية:
وأشرف العبودية عبودية الصالة ،وقد تقاسمها الشيوخ والمتشبهون بالعلماء
والجبابرة ،فأخذ الشيوخ منها أشرف ما فيها وهو السجود ،وأخذ المتشبهون بالعلماء
منها الركوع ،فإذا لقي بعضهم بعضا ركع له ،كما يركع المصلي لربه سواء ،وأخذ
الجبابرة منهم القيام فيقوم األحرار والعبيد على رءوسهم ،عبودية لهم وهم جلوس،
وقد نهى رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -عن هذه األمور الثالثة ،على التفصيل
فتعاطيها مخالفة صريحة له فنهى عن السجود لغير هللا وقال« ( :ال ينبغي ألحد أن
يسجد ألحد» وأنكر على معاذ لما سجد له وقال " مه".اهـ ()196
-ما جاء عن الشيطان وتلبيسه
ُ
ض َو َأل ْغ ِّويَنَّ ُه ْم أ َ ْج َم ِّعينَ ()39 ُ
ب بِّ َما أ َ ْغ َو ْيتَنِّي َألزَ يِّن ََّن لَ ُه ْم فِّي ْاأل َ ْر ِّ
-وقوله تعالى ﴿ قَا َل َر ِّ
صينَ (﴾ )40 ِّإ َّال ِّعبَادَ َك ِّم ْن ُه ُم ْال ُم ْخلَ ِّ
53 www.alukah.net
هذه اآليتين الكريمتين توضح بجالء أن عداوة الشيطان ال تفتر إلي يوم القيامة وهو لهذا
من ألد أعداء آدم وذريته ولن ينجو من تلبيسه وكيده إال أهل اإلخالص ممن عرف حقيقة
عبوديته هلل تعالى قوالً وفعالً ولم يتكبر ويعصيه كما تكبر إبليس وعصي فطرد من
رحمته ولعنه إلي يوم الدين وللعلماء فوائد جليلة من هذه اآلية منها:
-ما ذكره شيخ اإلسالم ابن تيمية-رحمه هللا-قال :فإذا عرف العبد أن هللا ربه وخالقه
وأنه مفتقر إليه محتاج إليه عرف العبودية المتعلقة بربوبية هللا وهذا العبد يسأل ربه
ويتضرع إليه ويتوكل عليه لكن قد يطيع أمره وقد يعصيه وقد يعبده مع ذلك وقد يعبد
الشيطان واألصنام ومثل هذه العبودية ال تفرق بين أهل الجنة وأهل النار وال يصير
بها الرجل مؤمنا كما قال هللا تعالى [ 160يوسف] ﴿ :وما يؤمن أكثرهم باهلل إال وهم
مشركون ﴾ فإن المشركين كانوا يقرون أن هللا خالقهم ورازقهم وهم يعبدون غيره
قال تعالى [ 25لقمان] ﴿ :ولئن سألتهم من خلق السماوات واألرض ليقولن هللا ﴾ وقال
ض َو َم ْن فِّي َها ِّإ ْن ُك ْنت ُ ْم ت َ ْعلَ ُمونَ ()84 تعالى [ 84-89المؤمنون] ﴿ قُ ْل ِّل َم ِّن ْاأل َ ْر ُ
سبْعِّ َو َربُّ ْال َع ْر ِّش ْال َع ِّظ ِّيم
ت ال َّ سيَقُولُونَ ِّ َّّلِلِّ قُ ْل أَفَ َال تَذَ َّك ُرونَ ( )85قُ ْل َم ْن َربُّ ال َّ
س َم َاوا ِّ َ
ير َو َال ش ْيءٍ َو ُه َو ي ُِّج ُسيَقُولُونَ ِّ َّّلِلِّ قُ ْل أَفَ َال تَتَّقُونَ ( )87قُ ْل َم ْن ِّبيَ ِّد ِّه َملَ ُكوتُ ُك ِّل َ (َ )86
سيَقُولُونَ ِّ َّّلِلِّ قُ ْل فَأَنَّى ت ُ ْس َح ُرونَ (-.﴾ )89المؤمنون ار َعلَ ْي ِّه ِّإ ْن ُك ْنت ُ ْم ت َ ْعلَ ُمونَ (َ )88
يُ َج ُ
وكثير ممن يتكلم في الحقيقة فيشهدها ال يشهد إال هذه الحقيقة وهي الحقيقة الكونية
التي يشترك فيها وفي شهودها وفي معرفتها المؤمن والكافر والبر والفاجر بل وإبليس
معترف بهذه الحقيقة وأهل النار قال إبليس [ 36الحجر 97 ،ص]:
﴿ رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ﴾ و [ 39الحجر] ﴿ :قال رب بما أغويتني ألزينن لهم
في األرض وألغوينهم أجمعين ﴾ وقال [ 82ص] ﴿ :فبعزتك ألغوينهم أجمعين ﴾
وقال [ 62اإلسراء] ﴿ :أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة
ألحتنكن ذريته إال قليال ﴾ وأمثال هذا
من الخطاب الذي يقر فيه بأن هللا ربه وخالقه وخالق غيره وكذلك أهل النار قالوا
[ 106المؤمنون] ﴿ :ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ﴾ وقال تعالى عنهم
[ 30األنعام] ﴿ :ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا ﴾.
فمن وقف عند هذه الحقيقة وعند شهودها ولم يقم بما أمر هللا به من الحقيقة الدينية
التي هي عبادته المتعلقة بألوهيته وطاعة أمره وأمر رسوله كان من جنس إبليس
وأهل النار.اهـ ()197
-وأضاف ايضا ً ابن تيمية -رحمه هللا :-قد بين أن عباده المخلصين هم الذين ينجون
من السيئات التي زينها الشيطان قال الشيطان [ 39-40الحجر] ﴿ :قال رب بما
- 197انظر العبودية البن تيمية (ص- )52/الناشر :المكتب اإلسالمي -بيروت -الطبعة :الطبعة
السابعة المجددة 1426هـ 2005 -م
54 www.alukah.net
أغويتني ألزينن لهم في األرض وألغوينهم أجمعين * إال عبادك منهم المخلصين ﴾
قال تعالى [ 41-42الحجر] ﴿ :هذا صراط علي مستقيم * إن عبادي ليس لك عليهم
سلطان إال من اتبعك من الغاوين ﴾ وقال [ 82-83ص] ﴿ :فبعزتك ألغوينهم أجمعين
* إال عبادك منهم المخلصين ﴾ ثم أضاف -رحمه هللا:-
وبالعبودية نعت كل من اصطفى من خلقه في قوله [ 45-47ص] ﴿ :واذكر عبادنا
إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي األيدي واألبصار * إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار
* وإنهم عندنا لمن المصطفين األخيار ﴾ وقوله [ 17ص] ﴿ :واذكر عبدنا داود ذا األيد
إنه أواب ﴾ .وقال عن سليمان [ 30ص] ﴿ :نعم العبد إنه أواب ﴾ .وعن أيوب [ 44ص]:
﴿ نعم العبد ﴾ .وقال عنه [ 41ص] ﴿ :واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه ﴾ .وقال عن نوح
عليه السالم [ 3اإلسراء] ﴿ :ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا ﴾ .وقال عن
خاتم رسله [ 1اإلسراء] ﴿ :سبحان الذي أسرى بعبده ليال من المسجد الحرام إلى المسجد
األقصى ﴾ -وهو أولى القبلتين ،وقد خصه هللا بأن جعل العبادة فيه بخمسمئة ضعف،
والمقصود بمضاعفة الحسنات هو المسجد الذي حرقه اليهود ،عليهم لعنة هللا ،ويظن
البعض أن المسجد األقصى هو الصخرة والقبة المحيطة بها ،وليس كذلك.اهـ()198
-ما جاء في البشارة
ي ش ْرت ُ ُمونِّي َعلَى أ َ ْن َم َّ
سنِّ َ -قوله تعالى ﴿ قَالُوا َال ت َ ْو َج ْل ِّإنَّا نُبَش ُِّر َك ِّبغُ َال ٍم َع ِّل ٍيم ( )53قَا َل أَبَ َّ
ْال ِّكبَ ُر فَبِّ َم تُبَش ُِّرونَ (﴾ )54
هذه اآليتين الكريمتين تبين قدرة هللا تعالى وعدم تعلق مشيئته باألسباب الدنيوية كخلقه
بل له األمر من قبل ومن بعد ،ويستخرج منها فوائد جمة وأحكام مهمة.
-من ذلك ما ذكره ابن القيم –رحمه هللا -في استحباب البشارة بالمولود كما فعلت
المالئكة فقال :قال هللا تعالى في قصة إبراهيم عليه السالم ﴿ ولقد جاءت رسلنا إبراهيم
بالبشرى قالوا سالما قال سالم فما لبث أن جاء بعجل حنيذ فلما رأى أيديهم ال تصل
إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا ال تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط وامرأته قائمة
فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ﴾ إلى قوله ﴿ فلما ذهب عن
إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط ﴾ هود 74 69
وقال تعالى في سورة الصافات ﴿ فبشرناه بغالم حليم ﴾ الصافات 101وقال في
الذاريات ﴿ وبشروه بغالم عليم ﴾ الذاريات 28وقال في سورة الحجر ﴿ ونبئهم عن
ضيف إبراهيم إذ دخلوا عليه فقالوا سالما قال إنا منكم وجلون قالوا ال توجل إنا
نبشرك بغالم عليم قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون قالوا بشرناك
بالحق فال تكن من القانطين قال ومن يقنط من رحمة ربه إال الضالون ﴾ الحجر 57
- 198نظر العبودية البن تيمية (ص- )79/الناشر :المكتب اإلسالمي -بيروت -الطبعة :الطبعة السابعة
المجددة 1426هـ 2005 -م
55 www.alukah.net
52 -وقال تعالى ﴿ يا زكريا إنا نبشرك بغالم اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا ﴾
مريم 7
وقال ﴿ فنادته المالئكة وهو قائم يصلي في المحراب أن هللا يبشرك بيحيى مصدقا ﴾
آل عمران 39ولما كانت البشارة تسر العبد وتفرحه استحب للمسلم أن يبادر إلى
مسرة أخيه وإعالمه بما يفرحه0.
ولما ولد النبي صلى هللا عليه وسلم بشرت به ثويبة عمه أبا لهب وكان موالها وقالت
قد ولد الليلة لعبد هللا ابن فأعتقها أبو لهب سرورا به فلم يضيع هللا ذلك له وسقاه بعد
موته في النقرة التي في أصل إبهامه فان فاتته البشارة استحب له تهنئته والفرق بينهما
إن البشارة إعالم له بما يسره والتهنئة دعاء له بالخير فيه بعد أن علم به.اهـ ()199
-وكذلك ما استنبطه شيخ اإلسالم-ابن تيمية -رحمه هللا -من هذه اآلية وغيرها فقال:
ولم يذكر مع البشارة بإسحاق أنه ذبيح مع تعدد المواضع فإذا كان قد ذكر البشارة
بإسحاق وحده غير مرة ولم يذكر الذبيح ثم ذكر البشارتين جميعا البشارة بالذبيح
والبشارة بإسحاق بعده كان هذا من أبين األدلة على أن إسحاق ليس هو الذبيح.
ويؤيد ذلك أنه ذكر هبته وهبة يعقوب إلبراهيم بقوله ﴿ ووهبنا له إسحاق ويعقوب
نافلة وكال جعلنا صالحين ﴾ وقوله ﴿ ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته
النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في اآلخرة لمن الصالحين ﴾ ولم يذكر ذلك
في الذبيح
الوجه الثالث أنه تعالى ذكر في الذبيح أنه غالم حليم ولما ذكر البشارة بإسحاق قال ﴿
بغالم عليم ﴾ في غير موضع وال بد لهذا التخصيص من حكمة وهل يلغى اقتران
الوصفين والحليم الذي هو ثابت للصبر الذي هو خلق الذبيح وإسماعيل وصف
بالصبر في قوله ﴿ وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين ﴾ وهذا وجه فإنه
قال ﴿ ستجدني إن شاء هللا من الصابرين ﴾
الوجه الرابع أن البشارة بإسحاق كانت معجزة ألن أمه عجوز عقيم وأبوه قد مسه
الكبر والبشارة مشتركة إلبراهيم وامرأته وأما البشارة بالذبيح فكانت إلبراهيم
وامتحن بذبحه دون األم المبشرة ولم تكن والدته خرق عادة وهذا يوافق ما نقل عن
النبي صلى هللا عليه وسلم وأصحابه في الصحيح من أن إسماعيل لما ولد لهاجر
غارت سارة فذهب إبراهيم بإسماعيل وأمه إلى مكة وهناك كان أمر الذبح فانه يؤيد
أن إسماعيل هو الذبيح ليس هو إسحاق ألنه قال ﴿ فبشرناها بإسحاق ومن وراء
- 199تحفة المودود بأحكام المولود البن القيم (ص -)28/الناشر :مكتبة دار البيان -دمشق
الطبعة :األولى 1971 – 1391 ،ا لمؤلف :محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم
الجوزية (المتوفى751 :هـ) المحقق :عبد القادر األرناؤوط
56 www.alukah.net
إسحاق يعقوب ﴾ والبشارة بيعقوب تقتضى أن إسحاق يعيش ويولد له يعقوب فكيف
يأمر بعد ذلك بذبحه وكانت البشارة وقضة الذبيح في حياة إبراهيم بال ريب()200
ين (﴾ )99-وقوله تعالى ﴿ َوا ْعبُدْ َرب ََّك َحتَّى َيأْتِّ َي َك ْال َي ِّق ُ
حقيقة اليقين هي الموت علي الصحيح من أقوال العلماء وتبع بيان ذلك من أهل العلم
فوائد وأحكام عن المقصود بالعبودية واليقين في اآلية من ذلك:
-ما ذكره ابن عربي -رحمه هللا -في احكامه قال :أمره بعبادته إذا قصر عباده في
خدمته؛ فإن ذلك طب علته ،وهي كما قدمنا أشرف الخصال ،والتسمي بها أشرف
الخطط.
قال شيوخ المعاني :أال تري كيف سمى هللا بها رسوله عند أفضل منازله ،وهي
اإلسراء ،فقال ﴿ :سبحان الذي أسرى بعبده ﴾ [اإلسراء ]1 :ولم يقل نبيه وال رسوله.
ثم أضاف -رحمه هللا :اليقين :الموت ،فأمره باستمرار العبادة أبدا ،وذلك مدة حياته،
وكان هذا أبلغ من قوله أبدا ،الحتمال لفظة األبد للحظة الواحدة ،ولجميع األبد ،كما
قال العبد الصالح ﴿ :وأوصاني بالصالة والزكاة ما دمت حيا ﴾
والدليل على أن اليقين الموت «أن أم العالء األنصارية وكانت بايعت رسول هللا -صلى
هللا عليه وسلم -أخبرت أنهم اقتسموا المهاجرين قرعة ،فصار لنا عثمان بن مظعون
قالت :فأنزلناه مع أبنائنا ،فوجع وجعه الذي مات فيه ،فلما توفي وغسل وكفن في أثوابه
دخل رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -فقلت :رحمة هللا عليك أبا السائب ،فشهادتي
عليك ،لقد أكرمك هللا .فقال رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم :-وما يدريك أن هللا أكرمه؟
قلت :بأبي أنت وأمي يا رسول هللا فمه؟ فقال رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم :-أما هو
فقد جاءه اليقين ،وهللا إني ألرجو له الخير»( .)201الحديث.اهـ ()202
-وما ذكره ابن القيم-رحمه هللا :-المؤمن عمله دائم ليس بمنقطع كما قال النبي صلى
هللا عليه وسلم "أحب العمل إلى هللا ما داوم عليه صاحبه"( )203فيكون اجتماع قلبه
لمعاني القرآن دائما غير منقطع ال يزال عطشانا طالبا شاربا
- - 200انظر مجموع الفتاوي البن تيمية- ) 333/4 (-الناشر :مجمع الملك فهد لطباعة المصحف
الشريف ،المدينة النبوية ،المملكة العربية السعودية -عام النشر1416 :هـ1995/م
- 201أخرجه البخاري برقم -2687 /باب القرعة في المشكالت
- 202انظر أحكام القرآن للقاضي محمد بن عبد هللا أبو بكر بن العربي- )/( -نشر :دار الكتب العلمية،
بيروت – لبنان -الطبعة :الثالثة 1424 ،هـ 2003 -م
- 203أخرجه مسلم في الأول الباب وتمامه «أحب العمل إلى هللا ما داوم عليه صاحبه ،وإن قل»برقم/
-782باب صيام النبي صلى هللا عليه وسلم في غير رمضان
57 www.alukah.net
كما قال تعالى لنبيه ﴿ واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ﴾ [سورة الحجر ]99وقال الحسن
البصري لم يجعل هللا لعبده المؤمن أجال دون الموت وقد اعتقد بعض الغالطين من
هؤالء ان المعنى اعبد ربك حتى تحصل لك المعرفة ثم اترك العبادة وهذا جهل
وضالل بأجماع األمة بل اليقين هنا كاليقين في قوله ﴿ حتى أتانا اليقين ﴾ [سورة
المدثر ]47
في الصحيح لما مات عثمان بن مظعون قال النبي صلى هللا عليه وسلم أما عثمان فقد
أتاه اليقين من ربه وهللا ما أدري وأنا رسول هللا ما يفعل بي
فأما اليقين الذي هو صفة العبد فذاك قد فعله من حين عبد ربه وال تصح العبادة إال
به وإن كان له درجات متفاوتة.اهـ
كثيرا من فإن ً -وأضاف شيخ اإلسالم ابن تيمية-رحمه هللا-فائد وأحكام من اآلية فقالَّ :
أهل الضالل يعتقدون سقوط الواجبات عن األولياء الواصلين إلى الحقيقة ويتأولون
ين ﴾[الحجر ]99قالوا فإذا حصل اليقين سقطت قوله ﴿ َوا ْعبُ ْد َرب ََّك َحتَّى يَأْتِّيَ َك ْاليَ ِّق ُ
العبادة وهذا من جنس قول القرامطة الباطنية من المتفلسفة وغيرهم الذين يرون
العبادات رياضة النفس حتى تصل إلى المعرفة التي يدَّعونها فإذا وصل إلى المعرفة
سقطت عنه.
ع ِّل َم باالضطرار من دين اإلسالم أن أن هذا خالف دين اإلسالم وأنه قد ُ ومن المعلوم َّ
الصلوات الخمس ال تسقط عن أحد من األولياء وال عن شيءٍ من واجباتها إال لعذر
ضرر وسقوطها ٍ خوف
ِّ لعدم أو
شرعي ٍ مثل سقوط الطهارة للعجز عن استعمالها ٍ
بالجنون وسقوط فعلها باإلغماء وفي وجوب القضاء نزاع مشهور ونحو ذلك مما هو
معروف في مواضعه.
ين (﴾ )99المرادُ به ما يوقن به من الموت وما بعده باتفاق وقوله ﴿ َحتَّى يَأْتِّيَ َك ْاليَ ِّق ُ
سقَ َر ( )42قَالُوا لَ ْم نَكُ ِّمنَ سلَ َك ُك ْم فِّي َ
السلف كما في قوله الذي حكاه عن الكفار ﴿ َما َ
ضينَ (َ )45و ُكنَّا وض َم َع ْالخَائِّ ِّط ِّع ُم ْال ِّم ْس ِّكينَ (َ )44و ُكنَّا نَ ُخ ُ ص ِّلينَ (َ )43ولَ ْم نَكُ نُ ْ ْال ُم َ
ِّين (َ )46حتَّى أَتَانَا ْاليَ ِّقي ُن ([﴾ )47المدثر ]47-42ومنه قول النبي نُ َكذ ُ
ِّب بِّيَ ْو ِّم الد ِّ
ظعون أ َّما هذا فقد جاءه اليقين من ربه.اهـ()204 صلى هللا عليه وسلم عن عثمان بن َم ْ
-ما جاء في الوعيد والتحذير
-قوله تعالى ﴿ قَا َل َهؤ َُال ِّء بَنَاتِّي إِّ ْن ُك ْنت ُ ْم فَا ِّع ِّلينَ (﴾ )71
- 204انظر كتاب الرد على الشاذلي في حزبيه ،وما صنفه في آداب الطريق-البن تيمية(ص)51/
الناشر :دار عالم الفوائد -مكة الطبعة :األولى 1429هـ
58 www.alukah.net
أشكل هنا عمن في قلبه مرض قول نبي هللا لوط بذكر بناته وقالوا كيف يعرض نبي
بناته للفاحشة وهذه مغالطة فجة وقد بين أهل العلم المراد ببناته وحكم ذلك ردا ً علي
هذه الشبه،فمنهم من ذهب إلي أنه عرض بناته للزواج بهن ليجنبهم الفاحشة ومنهم
من قال أراد ببناته نسائهم ومن يحل لهم من نساء أمته فهن بمنزلة بناته والرأي القوي
هو األخير وما يتوافق مع اآلية وماقبلها فبناته الالتي من صلبه ال تكفى هذا الجمع
العظيم ،أما نساء أمته ففيهم الكفاية.
-قال ابن كثير ما ملخصه :يرشد لوطا -عليه السالم -قومه إلى نسائهم فإن النبى
لألمة بمنزلة الوالد ،فأرشدهم إلى ما هو أنفع لهم ،كما قال -تعالى -فى آية أخرى﴿:
أَتَأْتُونَ الذكران ِّمنَ العالمين َوتَذَ ُرونَ َما َخلَقَ لَ ُك ْم َربُّ ُك ْم ِّم ْن أ َ ْز َو ِّ
اج ُك ْم بَ ْل أَنت ُ ْم قَ ْو ٌم
َعادُونَ ﴾ وقيل المراد ببناته هنا :بناته من صلبه ،وأنه عرض عليهم الزواج بهن.
ويضعف هذا الرأى أن لوطا -عليه السالم -كان له بنتان أو ثالثة كما جاء فى بعض
كثيرا ،كما يرشد إليه قوله -تعالى الروايات ،وعدد المتدافعين من قومه إلى بيته كان ً
﴿ َو َجآ َء أ َ ْه ُل المدينة َي ْست َ ْبش ُِّرونَ ﴾ فكيف تكفيهم بنتان أو ثالثة للزواج بهن؟.اهـ()205
-وقال ابن عربي -رحمه هللا -في أحكامه :لما تداعى أهل المدينة إلى لوط حين رأوا
وسمعوا بجمال أضيافه ،وحسن شارتهم؛ قصدا للفاحشة فيهم ،تحرم لهم لوط
بالضيافة ،وسألهم ترك الفضيحة ،وإتيان المراعاة ،فلما قالوا له ﴿ :أولم ننهك عن
العالمين ﴾ [الحجر ]70 :قال لهم لوط :إن كنتم تريدون قضاء الشهوة فهؤالء بناتي
إن كنتم فاعلين .وال يجوز على األنبياء -رضوان هللا تعالى عليهم أجمعين -أن
يعرضوا بناتهم على الفاحشة فداء لفاحشة أخرى؛ وإنما معناه هؤالء بنات أمتي؛ ألن
كل نبي أزواجه أمهات أمته ،وبناتهم بناته ،فأشار عليهم بالتزويج الشرعي ،وحملهم
على النكاح الجائز كسرا لسورة الغلمة ،وإطفاء لنار الشهوة ،كما قال تعالى ﴿ :أتأتون
الذكران من العالمين ﴾ [الشعراء ﴿ ]165 :وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم
بل أنتم قوم عادون ﴾ [الشعراء ]166 :وهللا أعلم.اهـ ()206
س ْك َرتِّ ِّه ْم َي ْع َم ُهونَ ﴾
-وقَ ْوله ت َ َعالَى ﴿ لَ َع ْم ُر َك إنَّ ُه ْم لَ ِّفي َ
من المعلوم أن من يحلف بغير هللا تعالى يأثم ألدلة كثيرة منها قوله صلى هللا عليه
وسلم ( :من كان حالفا فليحلف باهلل أو ليصمت )()207
59 www.alukah.net
ولكن هللا تعالى حلف بحياة نبينا عليه الصالة والسالم وهو جل وعال له أن يحلف
بمن شاء من خلقه وقد أختلف أهل العلم بالحلف بعمرك وهل يباح أم ال؟
منهم من قال إنه ال يجوز التعبير به ألنه من نوع الحلف بغير هللا ،والحلف بغير هللا
شرك.
و بعضهكم كرهه وأكثر العلماء على أنه جائز ،ألنه ليس صريحا ً في القسم بل هو
لفظ جرت به ألسنة العرب يؤتى به للتأكيد ،وهذا رأي قوي وأرجح األقوال يؤيده
أدلة من السنة وأقوال الصحابة من ذلك:
ت َع ْن َع ِّم ِّه: ص ْل ِّ
َار َجةَ ب ِّْن ال َّ ما ثبت صحته عن النبي –صلي هللا عليه وسلم -عفَ ْن خ ِّ
الر ُج َل. ق لَنَا َهذَا َّ ار ِّ ت ِّم ْن ِّع ْن ِّد َهذَا َّ
الر ُج ِّل ِّب َخي ٍْر ،فَ ْ أَنَّهُ َم َّر ِّبقَ ْو ٍم ،فَأَت َ ْوهُ فَقَالُواِّ :إنَّ َك ِّجئْ َ
غ ْد َوة ً َو َع ِّشيَّةًَ ،و ُكلَّ َما َخت َ َم َها فَأَت َ ْوهُ ِّب َر ُج ٍل َم ْعتُو ٍه ِّفي ْالقُيُو ِّد ،فَ َرقَاهُ ِّبأ ُ ِّم ْالقُ ْر ِّ
آن ث َ َالثَةَ أَي ٍَّام ُ
صلَّى َّ
َّللاُ َعلَ ْي ِّه ي َ ش ْيئًا ،فَأَتَى النَّ ِّب َّط ْوهُ َط ِّم ْن ِّعقَا ٍل ،فَأ َ ْع َ َج َم َع بُزَ اقَهُ ث ُ َّم تَفَ َل ،فَ َكأَنَّ َما أ ُ ْن ِّش َ
اط ٍل سلَّ َمُ ( :ك ْل فَلَ َع ْم ِّري لَ َم ْن أ َ َك َل ِّب ُر ْقيَ ٍة بَ ِّ َّللاُ َعلَ ْي ِّه َو َ صلَّى َّ ي َ سلَّ َم ،فَذَ َك َرهُ لَهُ ،فَقَا َل النَّ ِّب ُّ
َو َ
"()208 ق
َح ٍ ِّب ُر ْق َي ٍة تأ َ َك ْل َ لَقَ ْد
ذلك: من الصحابة عن أيضا -وروي
-ما ثبت عن ابن عباس رضي هللا عنهما" :وكتبت تسألني متى ينقضي يُتم اليتيم ؟
فلعمري إن الرجل لتنبت لحيته وإنه لضعيف األخذ لنفسه ،ضعيف العطاء منها ،فإذا
أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس فقد ذهب عنه اليُتم " ( .)209رواه مسلم.
-وعن عائشة رضي هللا عنها قالت" :فلعمري ما أتم هللا حج من لم يطف بين الصفا
مسلم. .رواه والمروة "()210
ولكن الريب أن التورع عند االختالف أسلم فأن قالها المسلم ألنه يري أنها ليست قسم
فالبأس والعلم عند هللا تعالى.
واآلية دلت علي فوائد وأحكام منها:
-ماقاله ابن عربي-رحمه هللا -في أحكامه وقد ذهب أن القسم هنا بحياة لوط –عليه
السالم وليس نبينا-صلي هللا عليه وسلم-وخالف جمهور المفسرين فقال:
قال المفسرون بأجمعهم :أقسم هللا هنا بحياة محمد -صلى هللا عليه وسلم -تشريفا له،
أن قومه من قريش في سكرتهم يعمهون وفي حيرتهم يترددون .قالوا :روي عن ابن
- 208رواه أبو داود (رقم )3420/وصححه الشيخ األلباني في " صحيح أبي داود".
- 209أ جزء من حديث أخرجه مسلم عن ابن عباس-رضي هللا عنهما -برقم -1812 /باب النساء
الغازيات يرضخ لهن وال يسهم ،والنهي عن قتل صبيان أهل الحرب
- 210أخرجه مسلم ( برقم -)1277/باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن ال يصح الحج إال
به
60 www.alukah.net
عباس أنه قال " :ما خلق هللا وما ذرأ وال برأ نفسا أكرم عليه من محمد ،وما سمعت
هللا أقسم بحياة أحد غيره "
وهذا كالم صحيح ،وال أدري ما الذي أخرجهم عن ذكر لوط إلى ذكر محمد ،وما
الذي يمنع أن يقسم هللا بحياة لوط ،ويبلغ به من التشريف ما شاء؛ فكل ما يعطي هللا
للوط من فضل ويؤتيه من شرف فلمحمد ضعفاه؛ ألنه أكرم على هللا منه.
أوال تراه قد أعطى إلبراهيم الخلة ،ولموسى التكليم ،وأعطى ذلك لمحمد ،فإذا أقسم
هللا بحياة لوط فحياة محمد أرفع ،وال يخرج من كالم إلى كالم آخر غيره لم يجر له
ذكر لغير ضرورة.اهـ()211
-ويقول العالمة محمد األمين الشنقيطي رحمه هللا – في تفسير قوله تعالى ( :لَعَ ْم ُر َك
) يَ ْع َم ُهونَ س ْك َرتِّ ِّه ْم
َ لَ ِّفي إِّنَّ ُه ْم
"قوله تعالى ( :لعمرك ) معناه :أقسم بحياتك ،وهللا جل وعال له أن يقسم بما شاء من
خلقه ،ولم يقسم في القرآن بحياة أحد إال نبينا صلى هللا عليه وسلم ،وفي ذلك من
التشريف له صلى هللا عليه وسلم ما ال يخفى .وال يجوز لمخلوق أن يحلف بغير هللا،
لقوله صلى هللا عليه وسلم ( :من كان حالفا فليحلف باهلل أو ليصمت ) ،وقوله :لعمرك،
اهـ()212 " قسمي لعمرك أي محذوف، خبره مبتدأ
-و للشيخ العثيمين فتوى في هذه المسألة -قال-رحمه هللا-في جزء منها :قال هللا تعالى:
﴿ إن هللا ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾ .وظاهر اآلية الكريمة
أن الشرك ال يغفر ولو كان أصغر ،وإن كان في ذلك خالف بين العلماء؛ قالوا :الشرك
األصغر يغفر أو ال يغفر ،لكن صاحبه ال يخلد في النار .أما قول :في ذمتك فليس
بيمين؛ ألن المراد بالذمة العهد ،يعني كأنه قال :أنا في عهدك أو ما أشبه ذلك ،أما
لعمري فليس بها بأس أيضاً؛ فقد جاءت في السنة ،وجاءت في كالم الصحابة ،وجاءت
في كالم العلماء ،وليست فيها القسم؛ القسم أن يصوغ الكالم بصيغة القسم ،وصيغه
ثالثة؛ الواو والباء والتاء ،وهللا باهلل تاهلل .اهـ (.)213
هللا: رحمه الشوكاني قال
"وقد كره كثير من العلماء القسم بغير هللا سبحانه ،وجاءت بذلك األحاديث الصحيحة
في النهي عن القسم بغير هللا ،فليس لعباده أن يقسموا بغيره .وهو سبحانه يقسم بما
- 211انظر أحكام القرآن للقاضي محمد بن عبد هللا أبو بكر بن العربي- )105/3( -نشر :دار الكتب
العلمية ،بيروت – لبنان -الطبعة :الثالثة 1424 ،هـ 2003 -م
- 212أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي الناشر :دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع
بيروت – لبنان() 189 / 2
- 213فتاوي نور علي الدرب ()629
61 www.alukah.net
شاء من مخلوقاته الَ يُسْأ َ ُل َع َّما يَ ْفعَ ُل َوهُ ْم يُ ْسئَلُونَ األنبياء " 23/اهـ(.)214
-قوله تعالى ﴿:إن في ذلك آليات للمتوسمين ﴾
حقيقة التوسم عند أهل اللغة هي التفرس ،وثَبَّت النَّظر وشدَّده وقد بين أهل العلم معناها
وما في اآلية من فوائد من ذلك.:
-قال ابن عربي -رحمه هللا-في أحكامه ما مختصره وبتصرف:
التوسم :وهو تفعل من الوسم ،وهو العالمة التي يستدل بها على مطلوب غيرها.
وحقيقتها االستدالل بالخلق على الخلق ،وذلك يكون بجودة القريحة ،وحدة الخاطر،
وصفاء الفكر.اهـ()215
-وأضاف شيخ اإلسالم ابن تيمية-رحمه هللا :والتوسم من السمة وهي العالمة فأخبر
سبحانه أنه جعل عقوبات المعتدين آيات للمتوسمين.
وأضاف-رحمه هللا-أن من اعتبر بما عاقب هللا به غيره من أهل الفواحش كان من
المتوسمين .وأخبر تعالى عن اللوطية أنه طمس أبصارهم فكانت عقوبة أهل الفواحش
طمس األبصار كما قد عرف ذلك فيهم وشوهد منهم .وكان ثواب المعتبرين بهم
التاركين ألفعالهم إعطاء األنوار وهذا مناسب لذكر آية النور عقيب غض
األبصار.اهـ
اب ْال ِّح ْج ِّر ْال ُم ْر َ
س ِّلينَ ﴾.80- ب أَ ْ
ص َح ُ وقَ ْوله ت َ َعالَى ﴿ َولَقَ ْد َكذَّ َ
الحجر هم قوم ثمود الذين أرسل إليهم صالح – عليه السالم ،-والحجر هي أصحاب ِّ
إحدى المناطق التي تقع ما بين كل من بالد الشام والحجاز في جنوب شرق مدين
بالقرب من خليج العقبة ،وتسمى بمدائن صالح ،وهي موجودة إلى يومنا وهؤالء القوم
أعطاهم هللا قوة حتى صاروا يخرقون الجبال والصخور العظيمة ويصنعون منها
.بيوتا ً ولهذا قال ﴿ :جابوا الصخر بالواد ﴾ أي :وادي ثمود
وقصة أصحاب الحجر المذكور في السورة فيها فيها تحذير من النبي بدخول
مساكنهم.
قال ابن عثيمين-رحمه هللا ﴿ :-ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين ﴾ [الحجر.]80 :
ذكر هللا أن ثمود كانوا في بالد الحجر وهي معروفة مر عليها النبي صلى هللا عليه
وعلى آله وسلم في طريقه إلى تبوك وأسرع وقنع رأسه صلى هللا عليه وسلم وقال:
62 www.alukah.net
«ال تدخلوا على هؤالء القوم المعذبين إال أن تكونوا باكين ،فإن لم تكونوا باكين فال
تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم» (.)216
وأضاف -رحمه هللا :هؤالء أيضا ً فعل هللا بهم ما فعل من العذاب والنكال حيث قيل
لهم تمتعوا في داركم ثالثة أيام ،ثم بعد الثالثة األيام أخذتهم الصيحة والرجفة
فأصبحوا في ديارهم جاثمين ،فعلينا أن نعتبر بحال هؤالء المكذبين الذين صار مآلهم
إلى الهالك والدمار ،وليُعلم أن هذه األمة لن تُهلك بما أهلكت به األمم السابقة بهذا
العذاب العام ،فإن النبي صلى هللا عليه وعلى آله وسلم سأل هللا تعالى أن ال يهلكهم
بسنة بعامة ( )217ولكن قد تهلك هذه األمة بأن يجعل هللا بأسهم بينهم ،فتجري بينهم
الحروب والمقاتلة ،ويكون هالك بعضهم على يد بعض ،ال بشيء ينزل من السماء
كما صنع هللا تعالى باألمم السابقة.اهـ218
انتهى الربع الثاني من الجزء الرابع عشر ويليه الجزء الثالث أن شاء هللا
- 216أخرجه البخاري برقم -4702 /باب قوله ﴿ :ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين ﴾ [الحجر:
،]80ومسلم برقم-2980 /
اب ْال ِّحجْ ِّر ْال ُم ْر َ
س ِّلينَ ) ب أَ ْ
ص َح ُ - 217أخرجه البخاري كتاب التفسير باب تفسير قوله تعالىَ ):ولَقَ ْد َكذَّ َ
( )4702ومسلم كتاب الزهد باب النهي عن الدخول على أهل الحجر إال من يدخل باكيا ً (.)38( )2980
- 218انظر تفسير جزء عم البن عثيمين (ص -)192/الناشر :دار الثريا للنشر والتوزيع ،الرياض
الطبعة :الثانية 1423 ،هـ 2002 -م
63 www.alukah.net