Professional Documents
Culture Documents
Omalbaraheen 1
Omalbaraheen 1
الحمد ل الذي أنزل الكتاب بالحق ،ولم يجعل له عوجا ،أشهد أن ل إله إل هو شهادة من أسلم
وجهه ل ،فلم يجد حرجا ،وأشهد أن محمدا صللىّ ال عليه وسلم عبده ورسوله ،الصادق
المصدوق مدخل ومخرجا ،اللهم صلل وسللم وبارك عليه وعلىّ آله ،وصحبه ،ومن اتخذ دينه
منهجا .
وبعد :
1
فهذا كتاب وضعته للرد علىّ أهل التعطيل والتأويل لصفات ال تعالىّ ،وقد ذكرت فيه الدلة
من الكتاب والسنة وإجماع السلف ،من أن نصوص صفات ال تعالىّ ،الواردة في الكتاب و
السنة ،يجب اليمان بما دلت عليه من صفات لئاقة بجلل ال ،وعظمته جل شأنه ،مع
تفويض كيفلياتها ـ ل معانيها ـ إليه سبحانه ،وأن ذلك هو معنىّ ما أطبق عليه السلف بقولهم :
أمروها كما جاءت بل كيف .
كما ذكرت أهم الشبه التي استدل بها أهل التعطيل والتأويل من كتبهم المعتمدة عندهم ،ونقضتها
من كلم أهل العلم ،من أئامة أهل السنة والجماعة ،وأضفت إلىّ ذلك بعض ما ظهر لي أيضا
من الردود .
وقد حاولت أن أجعل القارئ المقتصد ل يحتاج إلىّ مطالعة غير هذا الكتاب ،إذا اضطر إلىّ
ل فالنقص أحرى بي الرد علىّ أهل البدع في هذا الباب ،وأرجو أن أكون قد وفقت في ذلك ،وإ ل
وأولىّ ،وقد أحاط بي ،واستولىّ .
هذا وينبغي التذكير بأن إظهار نصوص الكتاب والسنة في صفات ال تعالىّ ،ونشرها بين
الناس ،وتعليمهم طريقة السلف في فهم صفات ال تعالىّ علىّ سبيل الجمال ،وترك الناس
وفطرتهم تمر عليهم اليات والحاديث كما أنزلت ،يفهمون مما يقرؤونه في القرآن والسنة ،
علىّ أساس الثإبات مع التنزيه ،وقطع الطمع عن التكييف ،هو منهج السلف في القرون الولىّ
،وهو أقوى رد علىّ كل مبتدع .
وإنما ينزل الرد عليهم بدفع شبههم ،منزلة الضرورة ،فإن كانت بدعهم مطوية ،وآراؤهم
الردلية مخفية ،فالواجب العراض عنهم بالكللية .
وقد سميت الكتاب ) بأم البراهين ( لنني اعتنيت فيه بذكر البراهين الجللية ،علىّ صحة نهج
السلف ،في فهم أسماء ال تعالىّ الحسنىّ ،وصفاته العللية .
هذا وأسأل ال تعالىّ أن يجعل عملي خالصا لوجهه الكريم ،وان ينفعني به يوم ل ينفع مال ول
بنون إل من أتىّ ال بقلب سليم ،آمين والحمد ل رب العالمين .
الفصل الوأل
أقوال الطوائف السإلماية في صفات ال تعالى ،والقول الصحيح مانها والدألة
على صحة ،وبطلنا ماا سإواه
2
ثانيا :القول الصحيح منها ،وهو مذهب السلف ،والدلة علىّ صحته .
كما يتضمن بحثإا مهما في بيان أسباب الخطأ في حكاية مذهب السلف عند بعض العلماء وال
الموفق .
المطلب الوأل
أقوال الطوائف في صفات ال تعالى
قول من يجعل كل دليل دل علىّ الخبار عن صفة ولو ظاهرا ،يأخذ منه إثإبات صفة ل تعالىّ
انقيادا للسمع ،وهذا القول هو المنقول عن الصحابة والتابعين ،وقال به أئامة الدين المتقدمين
كالئامة الربعة والليث بن سعد والوزاعي والسفيانين وعامة فقهاء المصار في عصور
السلف وعامة أهل الحديث ،وهو قول غالب المنتسبين إلىّ مذهب المام أحمد ،وكثإير من
3
المنتسبين إلىّ المذاهب الخرى ،وسيأتي بيان ذلك لحقا إن شاء ال تعالىّ .
ويمكن تقسيم الصفات علىّ هذا الساس إلىّ :صفات سلبية ،وصفات ثإبوتية.
أما الصفات السلبية :فهي ما نفاه ال عن نفسه أو نفاه عنه رسوله كالموت ،والنوم.
فالذاتية هي التي لم يزل ول يزال متصفا بها وهي نوعان :عقلية وخبرية .
وأما الصفات الفعلية ،فهي التي تتعلق بمشيئاته واختياره ،إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها
) وقد تسمىّ الختيارية ،أو الفعال الختيارية ( ،وهي نوعان أيضا :
عقلية وخبرية :فالولىّ كالخلق والرزق ،والثإانية كالمجىّ والنزول والستواء .
وقد تكون الصفة ذاتية فعلية باعتبارين كالكلم فإنه صفة ذاتية لن ال لم يزل ول يزال متكلما ،
وباعتبار آحاد الكلم فإنه فعلية لن الكلم يتعلق بمشيئاته واختياره ،يتكلم متىّ شاء بما شاء كما
قال سبحانه )إإنمما أمممهره إإمذا أممرامد مشميئاا أممن ميهقومل لم ه هكمن مفميهكوهن( )يس. 1 (82:
وهو قول من يحدد الصفات بسبع أو ثإمان صفات ،وقد يزيد بعضهم علىّ ذلك ،بما سيأتي
ذكره وأشهر من قال بهذا القول ،الشعرية ،والماتوريدية ،ويقسمون الصفات إلىّ أربعة
أقسام :
2
نفسية ،وسلبية ،ومعاني ومعنوية .
وأصحاب هذا القسم ل يعتبر أكثإرهم ما يثإبته القسم الول من الصفات الذاتية صفاتا ،كالوجه
1وينظر في تقسيم صفات ال تعالىّ علىّ هذا القول :شرح الواسطية للشيخ خليل هراس ص ، 89
والقواعد المثإلي للعثإيمين ص 21ـ ، 25وشرح الطحاوية لبن أبي العز ص . 127
2متن السنوسية .2
3المصدر السابق ،وقال المين الشنقيطي صاحب أضواء البيان أن المعنوية علىّ التحقيق هي كيفية
اتصاف ال تعالىّ بصفات المعاني ،كما ذكر أن الصفات السلبية لتدل علىّ معان وجودية بالمطابقة
أضواء البيان ) 2/277ـ . (278
4
واليدين ،والعين ،بل نصوصها عندهم ل تدل علىّ صفات في نفس المر ،وإن كانت في
الظاهر كذلك ،ويجب تأويل ظواهرها عندهم .
وكذلك الصفات الفعلية الخبرية كالمجيء والنزول والستواء ،وإذا اجتمع في طريق الثإبوت أن
يكون خبريا حديثإيا ،فل يسلم من التأويل عدد أكثإرهم أما الخبري القرآني فيثإبته بعضهم .
وأعظم من يقول بهذا القول الشعرية ،فقد اتفق المنتسبون إلىّ هذا المذهب علىّ إثإبات سبع
صفات وهي المتقدم ذكرها .1
ثإم اختلفوا هل ل صفة زائادة عليها وإن كنا ل نعلمها ،فجزم بعضهم بالنفي وجوز بعضهم أن
يكون له غيرها وإن كنا ل نعلمها.2
وزاد المتقدمون من أئامة المذهب الكبار ،صفة اليد والوجه ،كأبىّ بكر الباقلني ، 3وأبىّ بكر
بن فورك ، 4ونقل الذهبي عن كتاب البانة للباقلني إثإباته صفة العلو أيضا. 5
وسبب إثإبات هؤلء لهذه الصفات هو أن أبا محمد عبد ال بن سعيد بن كلب شيخ الشعري
6
الذي إنحاز إليه أبو الحسن بعد توبته من العتزال
7
،ابن كلب هو مثإبت لهذه الصفات الخبرية الذاتية كالوجه واليدين والعين والعلو
ولهذا فليس لبي الحسن قولن في هذه الصفات الخبرية علىّ التحقيق ،ول لئامة أصحابه
المتقدمين ،فالصفات الخبرية القرآنية يثإبتها قدماء أئامة الشعرية وبعض المتأخرين.. 8
أما متأخرو الشعرية ،فقد غلوا في التأويل ،كأبىّ المعالي الجويني ،وهو من أوائال من غل
فيه ،وهو شيخ أبي حامد وهذان مع الرازي والمدي ،قاربوا المعتزلة فأكثإروا من التأويل
وأنكروا صفة العلو ،والصفات الخبرية القرآنية التي أثإبتها المتقدمون ،وتكلموا في قواعد
5
المذهب علىّ هذا الساس .1
ل سيما الرازي فقد غل في التأويل جدا ،ثإم صنفت الكتب والمختصرات لدى الشعرية ،علىّ
هذا النحو من تأويل الصفات إ ل
ل السبع ،وقد تذكر فيها بعض الصفات الخبرية علىّ أنه قول ثإان
2
للصحاب ولبي الحسن
ولهذا فإن بعض المفسرين ممن ينتسب إلىّ هذا المذهب بعد هؤلء -مثإل البيضاوي -يؤولون
هذه الصفات خلفا للمتقدمين من أئامة المذهب ،وقد يذكرون الثإبات علىّ أنه قول ثإان
3
للصحاب
أما الصفات الفعلية التي تقوم بذات ال تعالىّ بمشيئاته واختياره وقدرته كالمجيء ،والنزول ،
وطي السماوات ،وما شابه هذا من النصوص ،فل يثإبتونها ،ويؤولونها كلها ،حتىّ الكلم
عندهم ل يكون بمشيئاته ،واختياره ،ول يتكلم إذا شاء ،بل هو صفة قديمة قائامة به ل تتعلق
بالمشيئاة ،ويسمونه الكلم النفسي ،وكذلك ليس يقوم به فعل هو الخلق ،بل الخلق هو المخلوق
،ويسمون هذه الفعال حلول الحوادث بذاته ويعنون بالحادث ما يسبقه العدم ،وهم يمنعون هذا
ولذلك يؤولون ما يدل علىّ خلفه في الظاهر. 4
وكذلك الصفات الذاتية الحديثإة ل يثإبتونها 5لمعارضتها لدلة عقلية ،وكذلك القرآنية عند من
يؤولها ،وسيأتي ذكر أدلتهم في موضعها .
وهو قول النفاة ،وهم الذين ينفون أن يكون ل صفة زائادة علىّ ذاته ،وأشهر من قال بهذا هم
1المجموع لبن تيميه 6/52و 16/407و 12/203وانظر كذلك نقض التأسيس ) 2/15و 2/34ـ
. (35
2انظر المواقف لليجي ص 269مع أن قوله واحد فيها وهو الثإبات ) ، (6المجموع ) . (12/203
3البيضاوي . 3/12
4ينظر في مذهبهم في الفعال الختيارية التي يطلقون عليها حلول الحوادث ،قواعد العقائاد للغزالي ص
،185الرشاد للجويني ص ، 45وص ،62والتبصير في الدين للسفرائايني ص ،143وقال ابن
تيميه ) :وذهب آخرون من أهل الكلم الجهمية ،وأكثإر المعتزلة والشعرية إلىّ أن الخلق هو المخلوق
وليس ل عند هؤلء صنع ول فعل ول خلق ول إبداع إل المخلوقات بأنفسها ( المجموع ،5/529وقال
بل اليات التي تدل علىّ الصفات الختيارية التي يسمونها حلول الحوادث كثإيرة جدا ،المجموع
،6/222وذكر أنهم أولوا كثإيرا من النصوص بسبب هذا القول ،المجموع .287 /1/217
5ابن تيمية المجموع .6/52
6نظم الفرائاد وجمع الفوائاد في مسائال الخلف بين الماتوريدية والشعرية في العقائاد لشيخ زادة .23
7المصدر السابق . 28
8المصدر السابق ص . 18
6
المعتزلة ،قال عبد القاهر البغدادي رحمه ال عن المعتزلة) :يجمعها كلها في بدعتها أمور ،
منها نفيها كلها عن ال عز وجل صفاته الزلية وقولها بأنه ليس ل عز وجل علم ول قدرة ول
سمع ول بصر ول صفة أزلية(. 1
ومع اتفاقهم علىّ نفي أن يكون ل صفه أزلية ،اختلفت عباراتهم عنها ،فمنهم من جعلها وجوها
للذات كأبىّ الهذيل العلف ،فال عنده عالم بعلم هو ذاته ،وقادر بقدرة هي ذاته وكذلك سائار ما
أثإبته . 2
ومنهم من جعلها تؤول إلىّ معنىّ السلب فمعنىّ كونه عالما أي ليس بجاهل ومعنىّ كونه قادرا
أي ليس بعاجز ،وهو قول النظــام 3ومنهم من جعلها أحوا ل
ل وراء الذات كأبىّ هاشم الجبائاىّ
،قال ل عالمية وقادرية ل علما وقدرة ،وهذه الحوال عنده ل موجوده ول معدومة. 4
والجهمية توافق المعتزلة في نفي الصفات ، 5والذي دعا المعتزلة إلىّ نفي أن يكون ل تعالىّ
صفات لم يزل متصفا بها كالعلم والقدرة والسمع والبصر ،ظنهم أن ذلك تعدد فيما هو قديم
فيلزم أن يكون ل تعالىّ مماثإل في أخص وصفه وهو القدم . 6
هذا ،ومن الواضح أن أصحاب القول الول قد انطبق قولهم علىّ جميع الدلة السمعية ،ولهذا
فإنه يقولون :إن صفات ال تعالىّ ليست من المتشابه ،إن قصد به مال يعلم معناه إل ال تعالىّ
،بل هي معلومة المعنىّ ،فهي صفات ل تعالىّ لئاقة بجله لتماثإل صفات خلقه .
وإن كان قد يطلق علىّ بعض نصوصها أنها من المتشابه ،بمعنىّ أنه قد يشتبه علىّ مقتصد في
العلم معاني بعض نصوص الصفات ،لغموض أو احتمال لعدة معان ،فبرد الراسخين في العلم
له إلىّ المحكم يتبين المعنىّ المراد ،شأنه في ذلك شأن غيره من أبواب العلم ،وتأويل هذا
المتشابه هو تفسيره والراسخون في العلم يعلمونه .
كما يقولون إن بعض نصوص الصفات قد يكون فيها اشتباه ،من جهة إشتباه الشيء بالشيء ،
فصفات ال قد يطلق مثإلها علىّ المخلوق ،فيحصل الشتباه من ذلك لغير الراسخين في العلم ،
في هذه النصوص الموهمة للتماثإل بين الباري والبرية ،ويصح أن يقال إن هذا المتشابه ل يعلم
تأويله إ ل
ل ال إذا جعل التأويل هو حقائاق صفات ال وكيفياتها ،وبهذا يندفع التماثإل المتوهم .
هذا علىّ قول السلف الذين يثإبتون جميع الصفات ،أما القولن الخران ،فلهما شأن آخر ،فإن
أصحابهما قد اصطلحوا علىّ تسمية حمل الظاهر علىّ المعنىّ المرجوح تأوي ل
ل ،فكان لهذا
تأثإير في جعل نصوص الصفات من المتشابه ،فإنه ينتج منه أن يكون المراد بها خلف الظاهر
،إذا طبقت آية المحكمات والمتشابهات عليها .
1الفرق بين الفرق ص . 114
2المصدر السابق ،127والملل والنحل .1/49
3مقالت السلميين .166
4الملل والنحل . 1/80
5المصدر السابق .1/86
6التمهيد للباقلني ص ،236ومختصر لوامع النوار البهية لمحمد بن سلوم ،157ومجموع ابن تيمية
. 3/70
7
ولعل صنيع القاضي عبد الجبار الهمداني في كتابه متشابه القرآن ،يمثإل موقف المعتزلة من
علقة مسائال العقيدة علىّ وجه العموم والصفات علىّ وجه الخصوص بالمتشابه ،فإنه جعل
المتشابه هو الذي )يحتاج إلىّ زيادة فكر من حيث كان المراد به خلف ظاهره ( ، 1ويعني
بالفكر النظر في الدلة العقلية ،كما صرح بأن المتشابه )متىّ امتنع حمله علىّ الظاهر ،
فالواجب النظر فيما يجب أن يحمل عليه ،والنظر هو أن تطلب القرآن ...فان كان السامع قد
مهدت له الصول وعرف العقليات وما يجوز فيها وما ل يجوز ،وعلم ما يحسن التكليف فيه
وما ل يحسن وعلم من جمل اللغة ما يعرف به أقسام المجاز ومفارقتها للحقائاق ،حمله علىّ ما
2
أريد به في الحال(
ولما ذكر ما يتميز به المحكم ،ذكر أنه به يمكن أن يبين للمخالف في التوحيد ،أنه مخالف
للقرآن ،وأنه قد تمسك بالمتشابه مـــن القــرآن وعدل عن محكمه ، 3ومعلوم أنهم ـ أي
المعتزلة ـ يعنون بالتوحيد نفي الصفات .
ولهذا فإنه يجعل في كتابه هذا مثإل قوله تعالىّ } مول هيإحيهطومن إبمشميءء إممن إعملإمإه إإنلا إبمما مشامء{
]البقرة :من الية ، [255وقوله تعالىّ } :مفامعملهموا أمنمما أهمنإزمل إبإعملإم النلإه{ ]هود :من الية ، [14
متشابها ويصرح أن المراد خلف الظاهر.4
وهذا التصرف منه مع ما تقدم من النقل عنه ،يدل علىّ أنه يجعل كل ما يخالف اعتقاده الذي
أسسه علىّ محض العقل متشابها يراد به خلف الظاهر ،وقد ذكر في كتابه هذا أن الراسخين
في العلم يعلمون تأويل المتشابه ،فهذا يدل علىّ أنه يجعل ما يخالف قوله متشابها ليتمكن من
صرفه عن ظاهره بالتأويل الذي يرى إمكان معرفته ،فيبدو أن هذه هي علقة المتشابه بآيات
الصفات عند المعتزلة .
وقد صنع أصحاب القول الثإاني مثإل هذا الذي تقدم عن المعتزله ،مثإال ذلك :نفيهم صفة العلو
واعتبارهم كل ما دل عليه من القرآن متشابها ،كقوله تعالىّ }موههمو املمقاإههر مفمومق إعمباإدإه { ]النعام:
من الية ، [18وقوله }ميمخاهفومن مرنبهمم إممن مفموإقإهمم { ]النحل :من الية ، [50وقوله } هثإنم امسمتموى
معملىّ املمعمرإش{ ]العراف :من الية ، [54وقوله }أمأمإممنهتمم مممن إفي النسمماإء{ ]الملك :من الية ، [16
وقوله }متمعهرهج املمملإئامكهة موالرروهح إإلمميإه{ ]المعارج :من الية ، [4وقوله }إإنن النإذيمن إعمنمد مربمك {
]لعراف :من الية .[206
وكذلك كل ما جاء في السمع في ظاهر يدل علىّ إثإبات ما نفوه أو نفي ما أثإبتوه بالدلة العقلية
جعلوه متشابها ،كما فعل الرازي في تفسيره حيث قال ) فثإبت بما ذكرنا أن صرف اللفظ عن
ل عند قيام القطعي العقلي علىّ معناه الراجح إلىّ معناه المرجوح في المسائال القطعية ل يجوز إ ل
أن ما أشعر به ظاهر اللفظ محال ( ،ثإم جعل هذا المعنىّ المرجوح هو تأويل المتشابه فقال بعد
1متشابه القرآن للهمداني . 1/32
2المصدر السابق . 1/35
3المصدر السابق .1/9
4المصدر السابق . 1/375 ،1/132
8
هذه العبارة )فعند هذا يتعين التأويل(. 1
ومثإل لهذا بقوله تعالىّ }النرمحممهن معملىّ املمعمرإش امسمتموى{ ]طه ، [5:وقال }فمن تمسك به كان
متمسكا بالمتشابهات{ بعد أن قدم الدليل العقلي علىّ استحالة ظاهره عنده.2
فهذا -مع ما يفعله سائار من يجعل نصوص ما ل يثإبته من الصفات من المتشابه ثإم يحتج بآية }
مومما ميمعملهم متمأإويمله إإنلا اللنه { ..الية ]آل عمران :من الية .[7علىّ أنها علىّ غير ظاهرها -من
أصحاب هذا القول أمثإلة تكشف أن هؤلء المخالفين لما كان عليه السلف في باب الصفات ،قد
أقحموا باب صفات ال تعالىّ في المتشابه ،ليتمكنوا من صرفها عن ظاهرها -الذي يزعمون
استحالته عندهم بالدلة العقلية -محتجين بإخبار الية أن للمتشابه تأويل .
-1قسم ل يعين التأويل -أي المعنىّ المخالف للظاهر -مع القطع بعدم إرادة الظاهر ويحتج
ل ال { ،وهكذا يستريحون من هذه النصوص المثإبتههؤلء بأن الوقف في الية علىّ قوله } إ ل
لما نفوه ،وينزلونها منزلة العدم ،بل يلزمهم أنها شر مــن العدم لنها -علىّ هذا الرأي -
إنما جاءت لظهار الباطل ،وإرباك العقيدة فحسب .
وأصحاب القول الول ربما نسبوا قولهم هذا إلىّ السلف ،وربما نسب القول الثإاني إليهم أيضا ،
والسر في هذا أن موافقتهم تعظمه النفوس المؤمنة لما جعل ال لهم من لسان صدق في المة ،
ومن أمثإلة هذا قول الزركشي في البرهان عن اليات المتشابهات في الصفات :
أحدهما :أنه ل مدخل للتأويل فيها بل تجري علىّ ظاهرها ول يؤول شيء منها ،وهم المشبهه
.
والثإاني :أن لها تأويل ولكنا نمسك عنه مع تنزيه اعتقادنا عن الشبه والتعطيل ونقول ل يعلمه
ل ال ،وهو قول السلف . إل
والول باطل والخيران منقولن عن الصحابة ..ثإم قال )وممن نقل عنه التأويل عللي ،وابن
مسعود وابن عباس وغيرهم(. 4
1تفسير الرازي . 1/169
2المصدر السابق .7/148
3من القائالين بالول الجويني في أحد قوليه كما في النظامية ص ، 33والرازي كما في التفسير
،7/176وبالثإاني أبو بكر بن فورك كما هو واضح في كتابه مشكل الحديث وتأويله .
4البرهان للزركشي 2/78ـ . 79
9
وقد نسب إليهم أيضا أنهم ل يزيدون علىّ تلوة اليات وقراءة الحاديث في هذا الباب ،
وسيأتي ذلك لحقا .
ومن المعلوم عن المؤمنين بهذا الدين الحق أن الحق ل يخرج عن إجماع السلف ،فالقول
الصحيح هو ما أجمعوا عليه .
وقد نسب إليهم قولن متناقضان ،قول الزركشي هذا ،وما ذكر أول المبحث ،فإذا تحقق
مذهبهم وجب المصير إليه ،وتحقيقه هو المبحث الثإاني .
المطلب الثاني
تحقيق القول الصحيح في هذا الباب
وبيانا أسإباب الخطأ في نسإبة ماذهب السإلف الصحيح إليهم
قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه ال ) ومذهب السلف أنهم يصفون ال بما وصف به نفسه وبما
وصفه به رسوله من غير تحريف ول تعطيل ومن غير تكييف ول تمثإيل ،ونعلم أن ما وصف
ال به من ذلك فهو حق ليس فيه لغز ول أحاجي ،بل معناه يعرف من حيث يعرف مقصود
المتكلم بكلمه ....وهو سبحانه مع ذلك ليس كمثإله شيء ل في نفسه المقدسة المذكورة بأسمائاه
وصفاته ول في أفعاله(. 1
وقال المام الذهبي رحمه ال )هذه الصفات من الستواء والتيان والنزول قد صحت بها
النصوص ونقلها الخلف عن السلف ولم يتعرضوا لها برد ول تأويل بل انكروا علىّ من تأولها
مع إصفاقهم علىّ أنها ل تشبه نعوت المخلوقين وأن ال ليس كمثإله شيء(. 2
وقال أيضا ) قد فسر علماء السلف المهم من اللفاظ وغير المهم وما أبقوا ممكنا فلو كان تأويلها
10
سائاغا أو حتما لبادروا إليه ،فعلم قطعا أن قراءتها وإمرارها علىّ ما جاءت هو الحق ل تفسير
لها غير ذلك ،فنؤمن بذلك ونسكت إقتداء بالسلف معتقدين أنها صفات ل تعالىّ استأثإر ال بعلم
حقائاقها وأنها ل تشبه صفات المخلوقين(. 1
وقد دل علىّ أن هذا مذهب السلف في الصفات -مع نقل هذين المامين المشهود لهما برسوخ
القدم في معرفة المتقدمين ومذاهبهم -نقول كثإيرة من أهل العمل بالثإار الذين أفنوا أعمارهم
في ضبطها ونقلها ومعرفة صحيحها من سقيمها وفيما يلي طائافة منها ،وقد قصد بعض
التطويل فيها ليعلم بذلك ما في كلم الزركشي المتقدم من التسامح في النقل ،وهي علىّ ثإلثإة
أضرب :
فيه حكاية ما كان عليه السلف ،أو أهل السنة ،أو أهل السمة والحديث عامة في نصوص
الصفات بالجملة ،ول ريب أن ما كان عليه أهل السنة والحديث هو مذهب السلف .
فيه حكاية ما كانوا عليه في بعض الصفات خاصة مما هو من جنس ما يذهب أهل التأويل إلىّ
تأويله بما يدل علىّ مذهبهم في سائارها .
نصوص خاصة عن أئامة السلف في هذا الباب تدل علىّ أنهم ل يصرفون نصوص الصفات عن
ظاهرها ويعلمون معانيها .
) (1قال الوزاعي رحمه ال ) كنا والتابعون متوافرون نقول إن ال عز وجل فوق عرشه
ونؤمن بما ورد في السنة من صفاته (. 2
ومعلوم أنه ل يريد مجرد اليمان بحروف هذه الجملة )ال عز وجل فوق عرشه( ،ولكنه
رحمه ال حكىّ ما كان عليه التابعون واتباعهم من اليمان بعللو ل علىّ عرشه فهما مما أخبر
به سبحانه عن نفسه أنه استوى علىّ عرشه وأنه في السماء ،وقوله )نؤمن بما ورد في السنة
من صفاته ( ل يريد قطعا السنة فحسب ،وإنما أراد التنبيه بالسنة علىّ القرآن ،فإذا كان ما في
السنة من نصوص الصفات يجب اليمان به فما في القرآن أولىّ وأحرى .
) (2قال المام الشافعي رحمه ال ) القول في السنة التي أنا عليها ،ورأيت عليها الذين رأيتهم
مثإل مالك وسفيان وغيرهما ... ،وأن ال علىّ عرشه في سمائاه يقرب من خلفه كيف يشاء ،
11
وينزل إلىّ السماء الدنيا كيف يشاء ...وذكر سائار العتقاد(. 1
) (3قال المام أبو الحسن الشعري رحمه ال ) جملة ما عليه أهل الحديث والسنة القرار
...ثإم قال وما جاء من عند ال وما رواه الثإقات عن رسول ال صلىّ ال عليه وسلم ل يردون
من ذلك شيئاا ....ثإم قال وأن ال سبحانه علىّ عرشه كما قال }النرمحممهن معملىّ املمعمرإش امسمتموى{
ص :من الية ،[75وكما قال }مبمل ]طه [5:وأن له يدين بل كيف ،كما قال }إلمما مخملمقهت إبميمدني{ ] ل
ميمداه مممبهسومطمتاإن{ ]المائادة :من الية ، [64وأن له وجها كما قال }موميمبمقىّ مومجه مربمك هذو املمجلإل
مواملإأمكمراإم{ ]الرحمن .... ، [27:ثإم قال ) ويقرون أن ال سبحانه يجيء يوم القيامة كما قال
صلفا{ ]الفجر. 2 {22: }مومجامء مرربمك مواملممملهك م
صلفا م
) (4قال المام أبو بكر أحمد بن إبراهيم السماعيلي )اعلموا رحمكم ال أن مذاهب أهل
الحديث ،أهل السنة والجماعة ،القرار بال وملئاكته وكتبه ورسله ...خلق آدم بيده ويداه .
مبسوطتان بل اعتقاد كيف واستوى علىّ العرش بل كيف ...وذكر سائار اعتقاد أهل السنة ( .
3
) (5قال المام أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي رحمه ال ) أما ما سألت عنه من الكلم في
الصفات وما جاء منها في الكتاب والسنة الصحيحة فإن مذهب السلف إثإباتها وإجراؤها علىّ
ظاهرها ونفي الكيفية والتشبيه عنها ( .
قال الذهبي بعد نقله قول الخطابي هذا ) وكذا نقل التفاق عن السلف في هذا الحافظ أبو بكر
4
الخطيب ثإم الحافظ أبو القاسم التيمي الصبهاني(
) (6قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر رحمه ال )أهل السنه مجمعون علىّ الصفات الواردة في
الكتاب والسنة وحملها علىّ الحقيقة ل علىّ المجاز إ ل
ل أنهم لم يكيفوا شيئاا من ذلك (. 5
) (7قال الحافظ أبو بكر الخطيب رحمه ال )أما بالكلم في الصفات فأما ما روى منها في
السنن والصحاح فمذهب السلف إثإباتها وإجراؤها علىّ ظواهرها ونفي الكيفية والتشبيه عنها( .
6
وانظر إلىّ التفاوت بين نقل هؤلء الئامة الحفاظ عن السلف أنهم يجرون نصوص الصفات
علىّ ظاهرها وبين نسبة هذا القول إلىّ المشبهة .
) (8قال الحافظ أبو عثإمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني )إن أصحاب الحديث
المتمسكين بالكتاب والسنة يعرفون ربهم تبارك وتعالىّ بصفاته التي نطق بها كتابه وتنزيله
وشهد له بها رسوله علىّ ما وردت به الخبار الصحاح ونقله العدول الثإقات ول يعتقدون تشبيها
لصفاته بصفات خلقه ول يكيفونها تكييف المشبهه ول يحرفون الكلم عن مواضعه تحريف
المعتزله والجهمية فيقولون إنه خلق آدم بيده كما نص سبحانه عليه في قوله عز من قائال }يا
12
إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي{ ..وذكر سائار العتقاد(. 1
قال ابن قدامه في ذم التأويل بعد ذكر مقالة الصابوني ) وذكر الصابوني الفقهاء السبعة ومن
بعدهم من الئامة وسمي خلقا كثإيرا من الئامة وقال :كلهم متفقون لم يخالف بعضهم بعضا ولم
يثإبت عن واحد منهم ما يضاد ما ذكرناه(. 2
) (9قال المام أبو عيسىّ الترمذي إثإر ما روى حديث أبي هريرة ) إن ال يقبل الصدقة
ويأخذها بيمينه فيربيها ( ) :قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبهه من
الصفات ونزول الرب تبارك وتعالىّ إلىّ السماء الدنيا قالوا :قد ثإبتت الروايات في هذا ونؤمن
به ول نتوهم ول نقول كيف ؟ هكذا روى عن مالك وابن عيينة وابن المبارك أنهم قالوا في هذه
الحاديث أمروها بل كيف ،وهذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة(. 3
) (1قال قتيبة بن سعيد رحمه ال ) هذا قول الئامة في السلم والسنة والجماعة :نعرف ربنا
في السماء السابعة علىّ عرشه كما قال جل جلله } الرحمن علىّ العرش استوى { قال الذهبي
رحمه ال )فهذا قتيبة في إمامته وصدقه قد نقل الجماع علىّ هذه المسألة وقد لقىّ مالكا والليث
وحماد بن زيد والكبار (. 4
) (2قال المام إسحاق بن راهوية رحمه ال )قال ال تعالىّ } الرحمن علىّ العرش استوى {
إجماع أهل العلم أنه فوق العرش استوى ،ويعلم كل شيء في أسفل الرض السابعة (. 5
) (3قال الحافظ عمر بن عبد البر رحمه ال )أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم
التأويل قالوا في تأويل قوله تعالىّ }مما ميهكوهن إممن منمجموى مثإلمثإءة إإنلا ههمو مراإبهعهمم{ ]المجادلة :من الية
[7هو علىّ العرش وعلمه في كل مكان وما خالفهم في ذلك أحد يحتج به(. 6
) (4قال الحافظ الكبير أبو نعيم أحمد بن عبد ال الصبهاني )طريقتنا طريقة السلف المتبعين
للكتاب والسنة وإجماع المة ومما اعتقدوه ...ثإم قال وأن القرآن في جميع الجهات مقروءا
ومحفوظا ،ومسموعا ومكتوبا وملفوظا كلم ال حقيقة ل حكاية ول ترجمة ...وأن الحاديث
التي ثإبتت في العرش واستواء ال عليه يقولون بها ويثإبتونها من غير تكييف ول تمثإيل وأن ال
1رسالة عقيدة السلف وأصحاب الحديث للحافظ الصابوني ضمن مجموعة الرسائال المنيرية .1/105
2ذم التأويل ص . 17
3جامع الترمذي 3/24 :ـ . 25
4مختصر العلو للذهبي ص ، 187ثإم قال الذهبي عن قتيبة :عمر دهرا ،وازدحم الحفاظ علىّ بابه ،
قال لرجل :أقم عندنا هذه الشتوة ،حتىّ أخرج لك عن خمسة أناس مائاة ألف حديث ،وهذا يدل علىّ
سعة علم هؤلء بالثإار لن هذا العدد يشمل أقوال الصحابة والتابعين وهو باعتبار طرق الخبار ،فكل
طريق يسمونه حديثإا وكذلك يعدون المكرر ،قال الذهبي ) قال أبو عبد ال بن أحمد :قال لي أبو زرعة
أبوك يحفظ ألف ألف حديث ،فقيل له ما يدريك ؟ قال ذاكرته فأخذت عليه البواب ،فهذه حكاية صحيحة
في سعة علم أبىّ عبد ال ،وكانوا يعدون في ذلك المكرر والثإر وفتوى التابعي ،وما فسر ونحو ذلك (
سير أعلم النبلء . 11/187
5مختصر العلو للذهبي ص . 194
6المصدر السابق . 268
13
بائان من خلقه والخلق بائانون منه ل يحل فيهم ول يمتزج بهم وهو سبحانه مستو علىّ عرشه في
سمائاه دون أرضه ( . ،قال الذهبي )فقد نقل هذا المام الجماع علىّ هذا القول ول الحمد (. 1
) (5قال الحافظ أبو عمر أحمد بن محمد الطلمنكي )أجمع المسلمون من أهل السنة علىّ أن
معنىّ قوله }وهو معكم أينما كنتم { ،ونحو ذلك من القرآن أنه علمه وأن ال فوق السماوات
بذاته مستو علىّ عرشه كيف شاء وقال أهل السنة في قوله }الرحمن علىّ العرش استوى { ،
الستواء من ال علىّ عرشه علىّ الحقيقة ل علىّ المجاز(. 2
) (6قال المام أبو عبد ال القرطبي صاحب التفسير الكبير )وقد كان السلف الول رضي ال
عنهم ل يقولون بنفي الجهة ول ينطقون بذلك بل نطقوا هم والكافة بإثإباتها ل تعالىّ كما نطق
كتابه وأخبرت رسله ولم ينكر أحد من السلف أنه استوى علىّ العرش حقيقة وخص العرش
بذلك لنه أعظم المخلوقات وإنما جهلوا كيفية الستواء فإنه ل تعلم حقيقته قال مالك :الستواء
معلوم -يعني في اللغة -والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة (. 3
مما يدل علىّ أن السلف تكلموا في معاني نصوص الصفات ،ولم يؤولوها ما ورد من ألفاظ من
عند أنفسهم ،تخالف ألفاظ النصوص في هذا الباب ،وتصرفهم في ذلك بعبارات دالة علىّ نفس
المعنىّ ،وكذلك ما ورد عنهم من التصريح بعدم التأويل ،وهذا كثإير جدا ،ومن أمثإلته عن
أشهر علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم :
) (1عن ابن عباس رضي ال عنهما قال )الكرسي موضع القدمين(. 4
) (2وعنه أيضا قال ) تفكروا في كل شيء ول تفكروا في ال فإن بين السماء السابعة إلىّ
كرسيه سبعة آلف نور وال فوق ذلك تبارك وتعالىّ(. 5
) (3وعن ابن مسعود رضي ال عنه قال ) ما بين السماء الدنيا والتي تليها مسيرة خمسمائاة
عام وما بين السماء الثإالثإة والتي تليها وبين الخرى مسيرة خمسمائاة عام ،وبين كل سماءين
مسيرة خمسمائاة عام ،وبين السماء السابعة وبين الكرسي خمسمائاة عام ،والعرش فوق الماء
14
وال عز وجل فوق العرش وهو يعلم ما أنتم عليه (. 1
) (4وعنه قال ) إن العبد ليهم بالمر من التجارة والمارة حتىّ إذا تيسر له نظر ال إليه من
فوق سبع سماوات فيقول للملئاكة ) اصرفوه عنه فإنه إن يسرته له أدخلته النار(. 2
) (5وعن ابن عمر رضي ال عنهما قال ) خلق ال أربعة أشياء بيده :العرش والقلم وعدن
وآدم ثإم قال لسائار الخلق كن فكان (. 3
) (6عن جعفر بن أبي المغيرة قال ) سألت سعيد بن جبير عن اللواح من أي شيء كانت ؟ قال
:من ياقوته كتابه الذهب كتبها الرحمن بيده فسمع أهل السموات صريف القلم وهو يكتبها (. 4
) (7وعن مجاهد في قوله عز وجل } وقربناه نجيا { قال ) :بين السماء السابعة وبين العرش
سبعون ألف حجاب فما زال موسىّ عليه السلم يقرب حتىّ كان بينه وبينه حجاب فلما رأى
مكانه وسمع صريف القلم }قال رب أرني أنظر إليك{ (. 5
) (10عن أبي مطيع قال ) :سألت أبا حنيفة عمن يقول ل أعرف ربي في السماء أو في
الرض فقال كفر لن ال يقول }الرحمن علىّ العرش استوى{ وعرشه فوق سماواته (. 8
1رواه الدارمي في الرد علىّ المريسي ،105والبيهقي في السماء والصفات ،507وأبو الشيخ في
العظمة ،2/688 ،وابن خزيمة في التوحيد ،1/243وقال الذهبي إسناده صحيح ،أنظر مختصر العلو
ص ، 103وصححه ابن القيم في اجتماع الجيوش السلمية ص ، 100وقال الهيثإمي رجاله رجال
الصحيح ،مجمع الزوائاد . 1/86
2رواه الدارمي في الرد علىّ الجهمية ،46والللكائاي في السنة ،4/668وقال الذهبي إسناده قوي ،
أنظر مختصر العلو ،104وصححه ابن القيم في اجتماع الجيوش ص . 100
3رواه الدارمي في الرد علىّ المريسي ص ، 35قال حدثإنا موسىّ بن إسماعيل حدثإنا عبد الواحد بن
زياد حدثإنا عبيد بن مهران وهو المكتب حدثإنا مجاهد به ،وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثإقات ،أنظر
تراجمهم في التقريب وفق الترتيب ،378 ،367 ،549ومجاهد إمام مشهور .
4رواه الطبري ،13/127وعبد ال بن أحمد في السنة ،1/294وأبو الشيخ بن حيان في العظمة
،1/495كلهم من طريق أبي الجنيد عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير به ،وأبو الجنيد قال
عنه يحيىّ بن معين ل بأس به ،وقال أبو حاتم ل بأس محله الصدق التهذيب ) ، (9/354وجعفر بن
أبي المغيرة قال الذهبي كان صدوقا ،الميزان ) (1/417وقال في التهذيب ) نقل ابن حبان في الثإقات
عن أحمد توثإيقه ( 2/108فالسناد حسن .
5رواه البيهقي في السماء والصفات ص ، 508وأبو الشيخ في العظمة ) (2/690وقال الذهبي هذا
ثإابت عن مجاهد إمام التفسير ،مختصر العلو ص . 132
6أورده البخاري معلقا وجزم به ،أنظر فتح الباري ،13/405وقال ابن حجر في تغليق التعليق ) قال
الفريابي في تفسيره حدثإنا ورقاء بن أبي نجيح عن مجاهد فذكره ( 5/345انتهىّ ،وهذا إسناد صحيح
ورقاء قال عنه الذهبي صدوق أنظر رسالة ) المتكلم فيهم بما ل يوجب الرد ( وقال عنه ابن حجر
صدوق التقريب . 580
7ذم التأويل ص ، 18وشرح أصول اعتقاد أهل السنة . 3/431
8مختصر العلو للذهبي . 136
15
) (11قال المام أبو جعفر الطحاوي في العقيدة التي ألفها )ذكر بيان السنة والجماعة علىّ
مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة وأبي يوسف وأبي محمد رضي ال عنهم ...ثإم ذكر في هذه
العقيدة مثإل ما تقدم عن السلف رضي ال عنهم وهي العقيدة المشهورة بالطحاوية .
) (12وعن سفيان الثإوري قال الذهبي ) وقد بث هذا المام الذي ل نظير له في عصره شيئاا
كثإيرا من أحاديث الصفات ومذهبه فيها القرار والمرار والكف عن تأويلها(. 1
) (13وقال مالك )ال -عز وجل -في السماء وعلمه في كل مكان ل يخلو منه شيء وتل
ل هو رابعهم ول خمسة إ ل
ل هو سادسهم{ (. 2 هذه الية }وما يكون من نجوي ثإلثإة إ ل
) (14وعن أحمد بن نصر أنه سأل سفيان بن عيينة فقال :حديث عبد ال )إن ال يجعل السماء
علىّ إصبع( وحديث )إن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن ( ) ،وإن ال يعجب أو
يضحك ممن يذكره في السواق ( ) ،وإنه عز وجل ينزل إلىّ السماء الدنيا كل ليلة ( ونحو هذه
الحاديث فقال :هذه الحاديث نرويها ونقر بها كما جاءت بل كيف (. 3
) (15وقال يزيد بن هارون )من زعم أن الرحمن علىّ العرش استوى علىّ خلف ما يقر في
قلوب العامة فهو جهمي ( قال الذهبي )والعامة ( مراده بهم جمهور المة وأهل العلم (. 4
) (16وقال الوليد بن مسلم )سألت مالك بن أنس والثإوري والليث بن سعد و الوزاعي عن
الخبار التي في الصفات فقالوا أمروها كما جاءت (. 5
) (17وقال الفضيل بن عياض )ليس لنا أن نتوهم في ال كيف وكيف لن ال وصف نفسه فأبلغ
فقل } قل هو ال أحد ،ال الصمد ،لم يلد ولم يولد ،ولم يكن له كفوا أحد { فل صفة أبلغ مما
وصف ال به نفسه ،وكل هذا النزول والضحك وهذه المباهاة ،وهذا الطلع ،كما شاء أن
ينزل وكما شاء أن يضحك فليس لنا أن نتوهم أن كيف وكيف ،وإذا قال لك الجهمي أنا أكفر
برب يزول عن مكانه فقل أنت أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء ( . 6
) (18وأما المام أحمد بن حنبل رضي ال عنه فإن مذهبه في عدم تأويل الصفات وإجراؤها
علىّ ظاهرها متواتر عنه ولم يزل جمهور الحنبلية علىّ هذا القول .
16
فهذه النصوص عمن هم من أعلم الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئامة الدين وهم كذلك أهل
الفتيا والجتهاد في عصور السلف وما بعده ،تنطق بوضوح متواطئاة علىّ أن مذهب السلف
الذي ل إختلف فيه ،هو إجراء نصوص الصفات علىّ ظاهرها مع نفي التشبيه عن الخالق ،
وأنهم فهموا من هذه النصوص التي ل يفرقون بين القرآنية والحديثإية منها ،أنها تخبر عن
صفات ال تعالىّ الذاتية ،والفعلية ،وهي معلومة المعنىّ عندهم ،ولول هذا لما قال ابن عباس
)الكرسي موضع القدمين( ولما قال )إن ال فوق النور الذي فوق السموات ( أخذا من أدلة العلو
،ولما قال ابن مسعود مثإل هذا ،ولصح أن يستثإني ابن عمر من خلق الشياء بكلمة كن ،
أربعة أمور فحسب ،ويجعلها مما خلقه ال تعالىّ بيده ،ول قال سعيد ين جبير )كتبها الرحمن
بيده ( ،ومجاهد استوى بمعنىّ )عل علىّ العرش( ،ول قال من بعد هؤلء ،بائان من خلقه ،
مستو علىّ عرشه ،يقرب من خلقه ،وما يشبه هذه اللفاظ .
ولو أنهم كانوا لم يفهموا من هذه النصوص شيئاا ،أو كانوا يؤولونها لما جاز هذا منهم ،
ولصرحوا بذلك وعلمه من هم أعلم الناس ،بأقوالهم وهم الذين تقدم العتماد عليهم في النقل.
وقد طبعت مؤلفات كثإيرة ،ذكرت مذهب السلف كما ذكر هنا ،وسارت علىّ طريقتهم في
العقيدة وهي كثإيرة ،كالتوحيد لن خزيمة ،وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللكائاي
،والسنة لبن أبي عاصم ،والسنة لعبد ال بن أحمد ،والسنة لمحمد بن نصر المروزي ،العلو
للذهبي ،والرد علىّ الجهمية للدارمي ،والنقض علىّ المريسي له أيضا ،والشريعة للجري ،
وعقيدة السلف للصابوني ،والرد علىّ الجهمية لبن منده ،وكتاب النزول والصفات للدارقطني
،وغيرها أيضا .
* الردأ على مانا زعم أنا السإلف كانوا ل يعبرونا عنا ماعاني نصوص الصفات ،بغير تلوتها
الماجردأة ،لنهم لم يكونوا يفهماونا مانها شيئا :
وهذه الروايات النفة الذكر ،إنما قصد بها التمثإيل فحسب ،لن حصرها يتطلب جهدا كبيرا
ويوسع البحث جدا ،مع أن هذا المر أوضح وأشهر من أن يتكلف له النقل ،لول وجود من
يلدعي خلفه ممن لم يمعن النظر في أقاويل الصحابة والتابعين في كتب التفسير والسنة.
ومن هؤلء الزركشي رحمه ال كما تقدم عنه في آخر المبحث الول ،أنه نسب إلىّ السلف
مذهب أهل التأويل ،الذين يقولون ظاهر نصوص الصفات غير مراد ،وحكىّ مذهب السلف
ونسبه إلىّ المشبهة.
وليس المام الزركشي رحمه ال ممن قصر علمه في الحديث ،لكن يبدو أنه قلد غيره في هذا
النقل ،فإن بعض العلماء المتقدمين ،والمتأخرين ،ادعوا أن مذهب السلف ،ل يختلف مع
مذهب الخلف في أن الظاهر من النصوص المدعىّ أنها توهم التشبيه غير مراد ،وأنها ل تدل
ل أن السلف يفوضون معانيها المراده ،ويلتزمون السكوت عن ذلك وعدم علىّ صفات ال ،إ ل
الخوض فيه ،وزاد بعضهم أن من مذهبهم عدم تصريف هذه النصوص ،ول تغيير ألفاظها ،
ول تقديم ،وتأخير ،شيء من ذلك. 1
17
وممن الدعىّ ذلك أبو حامد الغزالي رحمه ال في إلجام العوام ، 1والرازي في أساس التقديس. 2
والبيجوري شارح جوهرة التوحيد قال ) ))أو فوض(( أي بعد التأويل الجمالي الذي هو
صرف اللفظ عن ظاهره فبعد هذا التأويل فوض المراد من المعنىّ الموهم إليه تعالىّ علىّ
طريقة السلف وهم من كانوا قبل الخمسمائاة وقيل القرون الثإلثإة ،الصحابة والتابعون واتباع
التابعين وطريقة الخلف أعلم وأحكم(. 3
وقد ذكر في هذا الكتاب مما ينبغي التوجه بالرد عليه ،أن مما يتفرع علىّ مذهب السلف هو
عدم تغيير النص الوارد في هذا الباب ،يريد عدم روايته بالمعنىّ ،ومثإل لذلك بأن يقال استوى
علىّ العرش ،ول يقال فوق العرش. 5
وأعجب شيء زعم هؤلء الذين يزعمون أن السلف لم يكونوا يغيرون النص الوارد في باب
ذكر صفات ال تعالىّ ،لنهم كانوا يعاملونها معاملة نصوص بل معنىّ.
يزعمون أن هذا هو مذهب السلف ،والكتب طافحة بالروايات التي يتصرفون فيها بألفاظهم ،ل
سيما في مسألة العلو ،وأشهر كتاب في ذلك كتاب العلو للحافظ الناقد الذهبي وقد تقدم بعض
المثإلة منه ،ولو طولب صاحب كتاب متشابه القرآن ،بنص واحد عن أحد من السلف في
النهي عن تغيير ألفاظ نصوص الصفات وأن ل يقال فوق العرش لما قدر عليه ،وغاية ما أمكنه
أن يأتي به ليبرهن علىّ صحة دعواه بعض القوال التي توهم ما أراد إيهامه ،من أن السلف
كانوا ل يفقهون معنىّ هذه النصوص وهي في الحقيقة ،إذا فسرت بأقوال أخرى لهم ،تبين أنها
دالة علىّ ضد ما أراده وهذه القوال هي :
) (1قول سفيان بن عيينة )كل ما وصف ال به نفسه فتفسيره تلوته والسكوت عليه ( ،وقد
رواه البيهقي في السماء والصفات. 6
وليس فيه أن آيات صفات ل يعلم معناها بدليل قوله إنها مما وصف ال به نفسه ،فقد صرح
أنها من صفات ال ،فمعنىّ قوله )تفسيره تلوته أي :أن معناه واضح ،وقوله )والسكوت
عليه( أي :ل يؤول ويصرف عن كونه صفة ،ولم يرد عنه أن هذه النصوص ل يعلم المراد
7
منها ،ول تغير ألفاظها ،بل قد ورد عنه ما ينقض هذه الدعوى فقد قال الذهبي في كتاب السير
:قال الحافظ ابن أبي حاتم :حدثإنا محمد بن الفضل بن موسىّ ، 8حدثإنا محمد بن منصور
الجواز 9قال رأيت سفيان بن عيينة ،سأله رجل ما تقول في القرآن ،قال )كلم ال منه خرج
وإليه يعود( ،وأين في القرآن لفظ )منه خرج( الذي يمنع منه أهل التأويل ،أما المعتزلة ،فأن
1المصدر السابق ص . 66
2ص .182
56 3ـ . 57
4ص . 115
122 5ـ . 123
. 516 6
. 8/466 7
8قال ابن أبي حاتم ) كتبت عنه وهو صدوق ( الجرح والتعديل . 8/60
9ثإقة انظر التقريب . 508
18
القرآن مخلوق خلقه في غيره ،وأما غيرهم فقد صرح في شرح العقائاد النسفية أن القرآن
المؤلف من السور واليات مخلوق ل وأن ال ل يسمع منه كلم. 10
فكأنما سفيان قد أراد بقوله إبطال القولين ،وهو دليل علىّ أنه فهم من النصوص المخبرة عن
كلم ال ،أن ال تكلم بالقرآن حقيقة ،خرج منه فسمعه جبريل وموسىّ وغيرهما من أصفيائاه
عليهم السلم .
) (2قول الوليد بن مسلم عن الوزاعي ومالك والثإوري والليث بن سعد )أمروها كما جاءت بل
كيف ( وقد تقدم ، 1وليس في هذا ما ادعاه ،أما الأوزاعي فقد قال )كنا والتابعون متوافرون
نقول إن ال علىّ عرشه ونؤمن بما ورد في السنة من صفاته(. 2
وقد أنكر من يزعم أن مذهب السلف إمرار نصوص الصفات ،من غير تغير في ألفاظها ،
التعبير عن معانيها بغير التركيب الوارد ،حتىّ أنكر بعضهم أن يقال فوق العرش ،فليت
شعري ،كيف يفسر هؤلء مقالة الوزاعي هذه .
وأما مالك فقد تقدم قوله )ال عز وجل في السماء ،وعلمه في كل مكان( ، 3وأما الثإوري فقد
تقدم قول الشافعي )القول في السنة التي أنا عليها ورأيت عليها الذين رأيتهم مثإل مالك وسفيان
وغيرهما ،فذكر أن ال علىّ عرشه في سمائاه (. 4
) (3قول مالك ) الستواء غير مجهول والكيف غير معقول ( وقد رواه البيهقي في السماء
والصفات ، 5وقوله غير مجهول :أي معلوم كونه صفة ل ،يبين هذا ،الرواية التي جلود
إسنادها ابن حجر ، 6وقد رواها البيهقي أيضا :7قال مالك )الرحمن علىّ العرش استوى كما
وصف به نفسه ول يقال كيف ( فذكر أن الستواء صفة ل ،وترى الذين يزعمون أن مذهب
السلف الجمود علىّ ألفاظ نصوص الصفات من غير فهم لمعانيها ،يعرضون عن مثإل هذه
الرواية الصريحة ،ويوردون الروايات التي تخدم غرضهم فحسب .
) (4قول ربيعة بن أبي عبد الرحمن )الكيف مجهول والستواء غير معقول ( وهذا اللفظ رواه
البيهقي في المصدر السابق من طريق عبد ال بن صالح ،8وقد روى هذا الخبر الذهبي في
العلو 9من طريق سفيان الثإوري بلفظ ) الستواء غير مجهول والكيف غير معقول ( ،ورواه
الللكائاي. 10
19
ومعلوم أن الثإوري لو خالف -وحده -عبد ال بن صالح قدم عليه ،فكيف إذا وافقه ابن عيينة
،وهذا اللفظ ورد عن أم سلمة رضي ال عنها وقال الذهبي إنه ثإابت عن ربيعة ومالك ول يثإبت
عن أم سلمة. 1
فهذه الرواية توضح المراد من قول المام مالك ،مع أنه يمكن التوفيق بينها وبين رواية
) الستواء غير معقول ( ،بأن يقال معنىّ غير معقول ،أي غير معقول الكيفية ،وقوله الكيف
مجهول يدل علىّ إثإبات صفة الستواء إذ من ل يثإبت الصفة ل يحتاج إلىّ أن يقول )الكيف
مجهول( .
) (5قول المام أحمد )نؤمن ونصدق بها ول كيف ول معنىّ( ،عن حديث الرؤية والنزول ،
وقصد المام نفي المعاني التي يذكرها أهل التأويل ،أي ل معنىّ غير ما يظهر منها كما قال
ابن تيمية رحمه ال )ل كيف ول معنىّ أي ل نكيفهـا ول نحرفها بالتأويل( ،2وماذا عسىّ أن
تفسر رؤية المؤمنين ربهم بغير أن يقال يرى المؤمنون فذلك قال ) ل معنىّ ( أي ل معنىّ غير
هذا.
ول يزال العجب يتزايد ممن ل يعلم أن المام أحمد قد تكلم في معاني نصوص الصفات مع
كثإرة ذلك عنه ،ومما ورد عنه في ذلك ،قال الخلل ) وأنبأنا أبو بكر المروذي سمعت أبا عبد
ال وقيل له إن عبد الوهاب قد تكلم وقال :من زعم أن ال كلم موسىّ بل صوت فهو جهمي
عدو ال وعدو السلم فتبسم أبو عبد ال وقال ما أحسن ما قال عافاه ال(. 3
ومن ذلك أيضا مما يفسر معنىّ قوله )نرويها كما جاءت ( ما رواه الخلل أيضا ) :قال عبد ال
بن أحمد سألت أبي عن قوم يقولون لما كلم ال موسىّ لم يتكلم بصوت ،قال أبي :بلىّ تكلم
تبارك وتعالىّ بصوت وهذه الحاديث نرويها كما جاءت (. 4
ومما يبين أنهم يريدون بقولهم ل نفسرها أي ،ل نتكلم في الكيفية ،أو ل نفسرها بما يخرجها
عن كونها صفة ال ما رواه الذهبي بإسناده عن أبي عبيد القاسم بن سلم المام المشهور ،أنه
ذكر الباب الذي يروي فيه الرؤية ،والكرسي موضع القدمين ،وضحك ربنا ،وأين كان ربنا ،
فقال )هذه أحاديث صحاح حملها أصحاب الحديث والفقهاء ن بعضهم عن بعض وهي عندنا
حق ل نشك فيه ،ولكن إذا قيل كيف يضحك ؟ وكيف وضع قدمه قلنا ل نفسر هذا ول سمعنا
أحدا يفسره(. 5
وقال الثإرم )قلت لبي عبد ال حدث محدث وأنا عنده بحديث )يضع الرحمن فيها قدمه( وعنده
غلم فأقبل علىّ الغلم فقال :إن لهذا تفسيرا ،فقال أبو عبد ال )انظر إليه كما تقول الجهمية
سواء(. 6
فهذا مع ما تقدم يدل علىّ أن معنىّ قولهم أمروها كما جاءت ،كما قال ابن تيمية )فقولهم أمروها
1العلو ص . 65
2درء تعارض العقل والنقل . 2/31
3المصدر السابق .
4المصدر السابق ) . (2/39
5سير أعلم النبلء ، 10/505ورواه الدارقطني في الصفات . 68
6مختصر العلو . 191
20
كما جاءت يقتضي إبقاء دللتها علىّ ما هي عليه فإنها جاءت ألفاظا دالة علىّ معان فلو كانت
دللتها منتفية لكان الواجب أن يقال أمروا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد (. 1
وأن معنىّ قولهم بل تفسير ول معنىّ كما قال ابن تيمية ) أي ل نكيفها ول نحرفها بتأويل(. 2
فما يدعيه الذين يزعمون أن القول بأن ال فوق عرشه تحكــم وقول أقرب إلىّ التجسيم ،قد
يفسر بأنهم يتكلمون علىّ وفق مذهبهم في هذا الباب ،أما أن يدعي مدع أن هذا موافق لمذهب
السلف ،ويزيد علىّ ذلك أن من مذهبهم عدم إطلق مثإل هذه العبارات ،ول تغيير ألفاظ
النصوص لنهم يفوضون معانيها ،فهذا قول موغل في الخطأ ،كما دل علىّ ذلك النقول
الكثإيرة المتقدمة ،ل سيما في باب العلو وقد وجد ذلك أيضا في أشهر كتب السنة ،فقد روى
البخاري عن زينب رضي ال عنها قالت )زوجني ال من فوق سبع سماوات(. 3
هذا وقدأ أوقع هؤلءا الذينا غلوا على السإلف هذا الغلط ،أمارانا :
الول :اعتمادهم علىّ من يتعمد ترك الروايات الكثإيرة الدالة علىّ حقيقة مذهب السلف مع
علمه بها ،ويظهر الروايات المحتملة ليثإبت بذلك أن مذهب السلف هو اعتقاد عدم إرادة الظاهر
،ثإم السكوت عن الخوض في المراد إيثإارا للسلمة ،ليبني علىّ ذلك أن سكوتهم ليس دلي ل
ل
علىّ التحريم ،وبهذا يوهم عدم الخلف بين الخلف والسلف ،ومن هؤلء الكوثإري كما دل
علىّ ذلك تعليقه علىّ ) تعيين كذب المفتري ( 4ومقدمته لكتاب السماء والصفات للبيهقي ،
وتعليقه علىّ النظامية ، 5وقد أطنب الشيخ المعلمىّ في بيان تلبيسه في سبيل أن ينصر مذهبه. 6
والثاني :اعتماده علىّ من ليس له حظ عظيم في العلم بالخبار السلفية كالغزالي والرازي
رحمهما ال .
والعجيب من المام الزركشي رحمه ال أنه نقل القول بالتأويل عن علي وابن مسعود وابن
عباس وغيرهم من الصحابة ،فإن كان يعني التأويل المصطلح عليه -وهو الذي يعنيه -فهو
نقل بعيد عن الصواب ،وقد تسامح بعض المفسرين في نقل مثإل هذا عن السلف فمن ذلك ما
ذكره أبو حيان رحمه ال قال )وقيل عن ابن عباس يداه نعمتاه ( ثإم قال ) وقال قوم منهم
الشعبي وابن المسيب والثإوري نؤمن بها ونقر كما نصت ،ثإم أن هذا من قول من لم يمعن
النظر في لسان العرب( ، 7ومن ذلك أيضا ما نسبه في الفرق بين الفرق إلىّ علي بن أبي طالب
21
أنه قال ) :إن ال تعالىّ خلق العرش إظهارا لقدرته ل مكانا لذاته( ، 1وما نسبه صاحب كتاب
التبصير في الدين إليه أنه سئال أين ال ؟ فقال ) إن الذي أين اللين ل يقال له أين( ، 2وقال
المؤلف إن هذا أشفىّ البيان ،كذا قال :مع أن عليا رضي ال عنه يجل عن مثإل هذا الكلم ،
فإنه من أفسد القياس مع مخالفته الصريحة للكتاب والسنة .
وأعجب من هذا كله أن الخير ،ذكر ما خاض فيه المتكلمون من مسائال الكلم مثإل أن ال
تعالىّ ليس بجسم ،ول جوهر ،ول عرض ،وليس له حد ول نهاية ،ول مجيء ،ول ذهاب ،
ول ،ول ،إلىّ آخر هذه السلوب ،وأن ال ل تحل فيه الحوادث ول يقال له أين ،وكلمه واحد
،أمر ،ونهي ،وخبر ،واستخبار ،وأن الستواء هو القصد ،وما يشبه هذا ،ثإم نسب هذا كله
وأمثإاله ،إلىّ جميع أهل السنة والجماعة ،وذكر الئامة الربعة ،و الوزاعي ،والليث بن سعد
ن والسفيانين ،وأصحاب الحديث ،والرأي ،بل والصحابة والتابعين ، 3فإن كان ل يدري أن
السلف أجمعوا علىّ النهي عن الخوض في مثإل هذا ،وعلىّ إثإبات الصفات المذكورة في الكتاب
والسنة ،ثإم يحكي الجماع علىّ خلف الجماع ،فيا خميبة المسعىّ ،وإن كان يدري ،فأمر
وأدهىّ .
ومثإل حكاية الجماع هذه ،ما حكاه بعض المتكلمين من اتفاق المسلمين علىّ أن الجسام
تتناهىّ في تجزئاتها ،وانقسامها ،حتىّ تصير أفرادا ،وهو الجوهر الفرد ، 4وكيف يتصور أن
يتفق المسلون علىّ مسألة الجوهر الفرد ،التي لم تخطر علىّ بال أحد من النام ،حتىّ تكلم فيها
إل
ل أهل الكلم .
وإن كان الخطأ قد وقع في مثإل نقل الجماع علىّ ما هو خلف الجماع ،فوقوعه في نسبة
بعض القوال إلىّ قائاليها أقرب ،وسبب ذلك يرجع إلىّ ثإلثإة أمور :
الخطأ في فهم مراد القائال ،وذلك إنما يرجع إلىّ عدم الحاطة بجميع أقواله ،ليمكن بذلك فهم
مراده ،وتقييد ما أطلقه ،وتفسير ما أبهمه .
ومن أمثإلة ذلك ما ورد في بعض ما نقل عن السلف من قولهم ،أمروها كما جاءت بل تفسير ،
وقولهم قراءتها تفسيرها ،فظن من ظن أنهم يريدون الجهل بمعنىّ الخطاب ،وأنها ل تدل علىّ
شيء ،وليس المر كذلك ،بل أرادوا بل تفسير غير ما يفهم منها ،أو بل تفسير لكيفياتها ويدل
علىّ هذا :
) (1ما جاء في بعض الروايات فمن ذلك :قال الثإرم ) :قلت لبي عبد ال :حدث محدث
وأنا عنده بحديث )يضع الرحمن فيها قدمه ( وعنده غلم ،فأقبل علىّ الغلم فقال إن لهذا
تفسيرا ،فقال أبو عبد ال :أنظر إليه كما تقول الجهمية سواء( . 5ومن ذلك أيضا :قال محمد
22
بن إبراهيم الصفهاني سمعت أبا زرعة الرازي وسئال عن تفسير }الرحمن علىّ العرش
استوى{ فغضب ،وقال تفسيرها كما تقرأ هو علىّ عرشه وعلمه في كل مكان( 1فهذا يبين ما
يقصدون بقولهم بل تفسير ،أو تفسيرها قراءتها .
) (2وأن في بعض الروايات جاءت كلمة )الكيف( مكان كلمة )التفسير( فمن ذلك :قال الوليد
بن مسلم سألت الوزاعي ومالك والثإوري والليث عن الحاديث التي فيها الصفات فكلهم قالوا
أمروها كما جاءت بل تفسير وفي رواية بل كيف. 2
) (3وأنهم يحتجون بها علىّ إثإبات الصفة ،كاحتجاجهم بقوله تعالىّ }الرحمن علىّ العرش
استوى{ علىّ أنه فوق العرش ،وذلك أدل شيء علىّ أنهم فهموا من ذلك معنىّ العلو.
) (4وأنهم يذكرون ألفاظا من عند أنفسهم تدل علىّ ما دلت عليه الية ،من أنها صفات ل
تعالىّ كقوله ،له وجه ،وله يد ،وبائان من خلقه ،وما يشبه هذا ،فهذا يدل علىّ أنهم فهموا أنها
دلت علىّ صفات ل تعالىّ ،كما يفعل أصحاب الكتب المصنفة في الصفات فيقولون باب صفة
الوجه ،باب صفة الستواء ،وهذا مشهور جدا .
وفي هذا دللة علىّ أن عدم جمع الروايات ،هو السبب في نسبة القول بأن آيات الصفات من
المتشابه الذي ل يعلم معناه المخالف للظاهر ،نسبته إلىّ السلف. 3
وأما نسبة التأويل إليهم مما يرجع إلىّ هذا المر الول فله مثإالن :
الول :ما ورد عن ابن عباس رضي ال عنهما في قوله تعالىّ }ميموم هيمكمشهف معمن مساءق{ ]القلم:
من الية [42أن المراد به الشدة ،أي أن ال يكشف عن الشدة في الخرة ،وقال أيضا )عن
أمر عظيم( ، 4وليس هذا من باب التأويل -بمعنىّ صرف اللفظ عن ظاهره الذي يدل عليه -
فإن ظاهر القرآن ل يدل علىّ أن هذه من الصفات ) ،فانه قال -تعالىّ – }يوم يكشف عن ساق
{ ،وهي نكرة في سياق الثإبات لم يضفها إلىّ ال ،ولم يقل ساقه فمع عدم التعريف والضافة ،
ل بدليل آخر ،ومثإل هذا ليس بتأويل ،وإنما التأويل صرف الية عن ل يظهر أنه من الصفات إ ل
مدلولها ،ومفهومها ،ومعناها المعروف( .
5
الثإاني :قوله تعالىّ }موإللنإه املمممشإرهق مواملمممغإرهب مفمأميمنمما هتمورلوا مفمثإنم مومج ه النلإه{ ]البقرة :من الية [115
فقد جاء عن مجاهد أنه قال )قبله ال( ، 6فظن بعض الناس أنه من باب التأويل وليس كذلك
أيضا فإن الوجه هو الجهة ،يقال قصدت هذا الوجه وسافرت إلىّ هذا الوجه كما في قوله تعالىّ
23
}موإلهكلل إومجمهةة ههمو همموبليمها{ ]البقرة :من الية ، [148والجهة هي القبلة ولذلك قال فأينما تولوا ،
أي تستقبلوا فقول مجاهد فثإم قبلة ال هو باعتبار أن الوجه والجهة واحد ،فهو تفسير في هذا
الموضع لهذه الكلمة بحسب اللغة ،وما دل عليه السياق ولو أنه قال وجه ال المراد ذاته ،وليس
ل صفة هي الوجه لصح بذلك العقل عنه أنه يقول بجواز التأويل الصطلحي. 1
هو قلة العلم بالخبار ،والثإار المنقولة ،عن الصحابة ،والتابعين ،وأئامة السلف ،قال ابن
تيمية رحمه ال )وأما المتأخرون الذين لم يتحروا متابعتهم ،وسلوك سبيلهم ،ول لهم خبرة
بأقوالهم ،وأفعالهم ،بل في كثإير مما يتكلمون به في العلم ويعملون به ،ل يعرفون طريق
الصحابة والتابعين في ذلك ،من أهل الكلم ،والرأي والزهد ،والتصوف ،فهؤلء تجد
عمدتهم في كثإير من المور المهمة في الدين ،إنما هو عما يظنونه من الجماع ،وهم ل
يعرفون في ذلك أقوال السلف البتة ،أو عرفوا بعضها ولم يعرفوا سائارها(. 2
وقد تقدم ما يبين صحة هذا الذي حكاه هذا المام ،ومما يزيد تأكيد هذا المر عدم معرفة بعض
المتكلمين في مسائال الصفات والعقائاد لحاديث الصحيحين المشهورة ،قال ابن حجر رحمه ال
)واستشكل فهم التخيير من الية حتىّ أقدم جماعة من الكابر علىّ الطعن في صحة هذا الحديث
مع كثإرة طرقه واتفاق الشيخين وسائار الذين خرجوا الصحيح علىّ تصحيحه ،وذلك ينادي علىّ
3
منكري صحته بعدم معرفة الحديث وقلة الطلع علىّ طرقه(
ذكر ابن حجر هذا في شرح حديث ابن عمر الذي رواه الشيخان ،وغيرهما ،قال )لما توفي
عبد ال بن أبلي جاء ابنه عبد ال إلىّ رسول ال -صلىّ ال عليه وسلم.. -مذكر أن عمر قال
للنبي -صلىّ ال عليه وسلم -لما أراد أن يصلي علىّ بن أبلي أتصلي عليه وهو منافق فقال إنما
خيرني ال فقال )استغفر لهم أو ل تستغفر لهم ..الية فقال سأزيده علىّ السبعين ...الحديث
(. 4
ومعلوم أن من كان ل يعرف مثإل هذه الحاديث فبضاعته مزجاة في ما هو دون ذلك من أقوال
الصحابة والتابعين المنثإورة في كتب التفسير وأجزاء الحديث ،فل يستغرب إذن أن يخطأ مثإل
هؤلء في نقل مذهب السلف ،وإن كان في أهم مسائال الدين ،بينما يصيب من يقول ) وقد
طالعت التفاسير المنقولة عن الصحابة ،وما رووه من الحديث ،ووقفت من ذلك علىّ ما شاء
ال تعالىّ ،من الكتب الكبار ،والصغار أكثإر من مائاة تفسير ،فلم أجد -إلىّ ساعتي هذه -عن
أحد من الصحابة ،أنه تأول شيئاا من آيات الصفات ،أو أحاديث الصفات بخلف مقتضاها
المفهوم المعروف ،بل عنهم من تقرير ذلك وتثإبيته ،وبيان أن ذلك من صفات ال ما يخالف
24
1 كلم المتأولين ما ل يحصيه إ ل
ل ال ،وكذلك فيما يذكرونه آثإرين وذاكرين عنهم شيء كثإير(
.ويقول )وال يعلم أني بعد البحث التام ومطالعة ما أمكن من كلم السلف ما رأيت كلم أحد
صا ول ظاهرا علىّ نفي الصفات الخبرية . 2(... منهم يدل ل ن ل
وهاتان عبارتا شيخ السلم ابن تيمية ،وهما تدلن علىّ أن ذكره لمذهب السلف يقوم علىّ
استقراء تام ،ولذلك تحدى من يأتي بخلف ما ذكر ،وأمهل المخالفين ثإلث سنين ،ففتشوا
الكتب فظفروا بما تقدم من آية القبلة فحسب ،وهي غير دالة علىّ ما قصدوه. 3
السإبب الثالث:
العتماد علىّ طريق ضعيف ،إما من جهة ضعف بعض الرواة أو من جهة خطأ الثإقة فيما
روى ،ومن أمثإلة هذا الخير :
ل أن يأتيهم ال { ،كان جماعة من السلف يمسكون عن الكلم قال ابن الجوزي )قوله تعالىّ } إ ل
في مثإل هذا ،وقد ذكر القاضي أبو يعلىّ عن أحمد أنه قال ) المراد قدرته وأمره ( وقد بينه في
قوله تعالىّ }أو يأتي أمر ربك{ (. 4
ولم يزد ابن الجوزي علىّ هذا ،وهذا الذي ذكره القاضي ،قد رواه حنبل ابن عم المام في ذكر
محنة أحمد المشهورة ،أنه لما احتج عليه المعتزلة بحديث )اقرؤوا البقرة ،وآل عمران ،فانهما
يجيئاان يوم القيام كأنهما غمامتان ،تحاجان عن صاحبهما ( في خلق القرآن ،وزعموا أنه ل
ل أن يأتيهم الل المخلوق ،عارضهم بقوله تعالىّ }هل ينظرون إ ل يوصف بالمجيء والتيان إ ل
في ظلل من الغمام{ قال :إنما يأتي أمره ،يريد أن الذي يأتي ثإواب القرآن ،قال ابن تيمية
) ولم ينقل هذا غيره ممن نقل مناظرة أحمد في ذلك ،فمنهم من قال ،لم يقل أحمد هذا ،وقالوا
حنبل له غلطات معروفة وهذا منها (. 5
وقال الذهبي عن حنبل :له مسائال كثإيرة عن أحمد ويتفرد ويغرب ، 6وقال أبو بكر الخلل ،قد
جاء حنبل عن أحمد بمسائال أجاد فيها الرواية ،وأغرب في شيء يسير(. 7
وذكر ابن تيمية بعد ذلك ،أن من الحنابلة من قال :إنما قال أحمد ذلك إلزاما لهم ،أي كما أنكم
تقولون يجيء أمره ،فكذلك قولوا في القرآن ،يجيء ثإوابه ،ول تقولوا مخلوق ،ومنهم من
جعل هذا رواية عن أحمد ،وأن ابن الجوزي لما كان يميل إلىّ التأويل جعل هذا عمدته. 8
25
ومن المعلوم أن الثإقة قد يخطأ ،وأن هذا يعرف باعتبار قوله مع غيره ،فإن نقل الكثإر أو
الوثإق ما يدل علىّ أنه أخطأ ،طرح خطؤه ،وإذا كان هذا مما يعرف به خطأ الثإقات ،في نقل
الحاديث النبوية فيحكم عليها بالشذوذ ،فكيف في نقل المذاهب.
ورواية حنبل هذه خالف فيها ما رواه بنفسه عن أحمد ،مثإل ما ذكره المام ابن تيمية رحمه ال
مما رواه حنبل عن أحمد ،فذكر كلما كثإيرا في اعتقاده في الصفات وفيه )ونؤمن بالقرآن
محكمه ومتشابهه ول نزيل عنه صفة لشناعة شنعت ،وما وصف به نفسه من كلم ونزول،
1
وخلوه بعبده ووضعه كنفه عليه ،هذا كله يدل علىّ أن ال يرى في الخرة … (
أما ما رواه غيره فكثإير ،كما قال ابن تيمية رحمه ال )ول ريب أن المنقول المتواتر عن أحمد
يناقض هذه الرواية ،ويبين أنه ل يقول إن الرب يجيء ويأتي وينزل أمره بل هو ينكر علىّ من
يقول ذلك(. 2
وبهذا المثإال يحصل التنبيه علىّ النوع الول ،فإن الذي يخطأ في العتماد علىّ نقل الثإقة إذا لم
يعتبره بغيره ،فخطؤه في العتماد علىّ رواية الضعيف أولىّ.
وبهذه المور الثإلث حصل الخطأ في حكاية مذهب السلف في هذا الباب في كتب أصول الدين
،والتفسير ،وعلوم القرآن ،وهو منحصر في ثإلث جهات:
الولىّ :نسبة القول بأن ظاهر آيات الصفات ليس هو المراد منها وأن المراد هو تأويلها الذي ل
يعلمه إل ال.
الثإانية :نسبة القول بأن ظاهر آيات الصفات غير مراد منها والمراد هو تأويلها الذي ل يعلمه
إل ال والراسخون في العلم.
الثإالثإة :نسبة القول بأنهم ل يزيدون علىّ تلوة اليات ول يفهمون منها شيئاا.
وفيما تقدم من الروايات عنهم ما ينطق بخطأ هذا كله ،وفي هذا كفاية في بيان مذهب السلف
قاطبة في آيات الصفات عامة.
غير أنه ينبغي التنبيه علىّ ثإلثإة أمور تفصل ما أجمل من العبارات الحاكية لمذهب السلف
وتزيل بعض الشكال علىّ من لم يمعن النظر في مقالتهم:
العمال في القبر ،وفي القيامة والمراد منه ثإواب العمال ..ثإم قال فلما أمر بقراءتهما ،وذكر مجيئاهما
يحاجان عن القارئ ،علم أنه أراد قراءة القارئ لهما ،وهو عمله ،وأخبر بمجيء عمله الذي هو التلوة
في الصورة التي ذكرها ،كما أخبر بمجيء غير ذلك من العمال . 5/399
1درء تعارض العقل والنقل . 2/30
2مجموع الفتاوى . 5/401
26
فهو معنىّ قولهم إن الصفات تجرى علىّ الظاهر .
ذلك أن الظاهر صار مشتركا هنا بين شيئاين:
أحدهما :أن يقال إن ظاهر هذه الصفات هو مماثإلة صفات المخلوقين ،فاليد جارحة مثإل جوارح
العباد ،وظاهر الغضب غليان القلب لطلب النتقام ،وظاهر كونه في السماء أن يكون مثإل الماء
في الظرف.
والثإاني :أن يقال إن الظاهر من هذه الصفات ،هو أنها صفات ل كما يليق بجلله ، 1والول
هو قول المشبهة ،والثإاني هو قول السلف ،ولذلك يقولون استوى كيف شاء ،وينزل كيف يشاء
،وله يد ،ونجهل الكيفية .
قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه ال )فإن ظاهر الكلم هو ما يسبق إلىّ العقل السليم منه لمن
يفهم بتلك اللغة ،ثإم قد يكون ظهوره بمجرد الوضع ،وقد يكون بسياق الكلم ،وليست هذه
المعاني المحدثإة المستحيلة علىّ ال تعالىّ ،هي السابقة إلىّ عقل المؤمنين ،بل اليد عندهم
كالعلم ،والقدرة ،والذات ،فكما أن علمنا وقدرتنا ،وحياتنا وكلمنا ،ونحوها من الصفات
أعراضا تدل علىّ حدوثإنا ،يمتنع أن يوصف ال سبحانه بمثإلها ،فكذلك أيدينا ،ووجوهنا ،
ونحوها أجساما كذلك محدثإة ،يمتنع أن يوصف ال بمثإلها ،ثإم لم يقل أحد من أهل السنة ،إذا قلنا
ل علما ،وقدرة ،وسمعا ،وبصرا ،أن ظاهره غير مراد ،إذ ل فرق بين ما هو من صفاتنا
جسم أو عرض للجسم(. 2
وقوله )لم يقل أحد من أهل السنة … إلخ ( معناه :إن أكثإر الذين يقولون بالتأويل ـ وهؤلء
الكثإر هم المثإبتون لبعض الصفات ـ يقولون إن ظاهر السمع والبصر والحياة ،والرادة
وغيرها مما يثإبتون ـ ليس هو المماثإلة لصفات المخلوقين .
بل أن من يثإبت بعض الصفات الخبرية كاليد والوجه ،ممن يقول بالتأويل في غيرها ل ،يجعل
ظاهر ما يثإبته هو المفهوم من صفات المخلوقين.
كما قال اليجي في المواقف) :الخامسة :اليد ،قال تعالىّ }ميهد النلإه مفمومق أمميإديإهمم{ ]الفتح :من الية
ص :من الية ، [75فأثإبت الشيخ صفتين ثإبوتيتين } ، [10مما مممنمعمك أممن متمسهجمد إلمما مخلممقهت إبميمدني{ ] ل
زائادتين ،وعليه السلف ،وإليه ميل القاضي في بعض كتبه … (. 3
والشيخ هو أبو الحسن الشعري ،والقاضي هو أفضل المتكلمين من أصحاب الشعري )أبو
بكر الباقلني(. 4
وقد قال في التمهيد )باب :في أن ل وجها ويدين ،فإن قال قائال :فما الحجة في أن ل عز وجل
وجها ويدين ،قيل له :قوله تعالىّ }ويبقىّ وجه ربك ذو الجلل والكرام{ ،وقوله }ما منعك أن
تسجد لما خلقت بيدي{ ،فأثإبت لنفسه وجها ويدين .(..
ثإم لما أبطل تأويلهما قال )فإن قال قائال فما أنكرتم أن يكون وجهه جارحة ،إذ لم تعقلوا يد صفة
ووجه صفة ل جارحة؟ يقال له :ل يجب ذلك ،كما ل يجب إذا لم نعقل حيا عالما قادرا إل جسما
1ينظر مجموع الفتاوى 6/356ـ . 357
2المصدر السابق ،6/347وينظر كذلك أضواء البيان للشنقيطي . 2/286
3المواقف في علم الكلم للعضد اليجي ص . 298
4أنظر مجموع الفتاوى . 5/98
27
،أن نقضي نحن وأنتم علىّ ال تعالىّ بذلك . 1( ..
والمقصود أن كما أن ظاهر هذه الصفات ،ل يماثإل ما للمخلوقين عند من يثإبتها ،فكذلك ينبغي
أن يكون في سائارها .
وهذا لزم للمعتزلة أيضا لنهم يثإبتون السماء ل فيقولون حي عليم قدير ،ويؤولون الصفات ،
فلبد لهم من القول بأن الظاهر من هذه السماء ،ليس مماثإلة المخلوق في أسمائاه إذ هي
السماء الحسنىّ.
فهذا هو معنىّ قولهم ـ تجرى علىّ ظاهرها ـ وهو الظاهر الذي يتبادر إلىّ العقل السليم ،
الذي استقر فيه أن الذات اللهية ،ل تماثإل ذوات المخلوقين ،فعلم أن الصفات المتعلقة بها
كذلك ل تماثإل صفات المخلوقين ،إذ هي فرع عليها فكما أن إثإبات الذات إثإبات وجود ل كيفية
فكذلك إثإبات صفاتها. 2
والمعنىّ الول ،أي قول القائالين ) :إن ظاهر هذه الصفات هو مماثإلة صفات المخلوقين ( ،قد
يريده من يقول )يجب إثإبات الصفات مع أن الظاهر غير مراد( فإن قصده بهذه الطلق فهو
مصيب ،وإن نقل ذلك عن السلف ـ بهذا المعنىّ ـ فهو مصيب أيضا ،إل أنه قد أخطأ من
جهة إطلقه ما يوهم الغلط عليهم فليتجنب. 3
كما يجب أيضا تجنب الحتجاج بقوله تعالىّ }وما يعلم تأويله إل ال{ علىّ أنه يجب امرار
الصفات علىّ ظاهرها وبطلن التأويل ،لنه الية ليست من هذا التأويل الصطلحي في شيء
.
فمن احتج بها علىّ بطلن التأويل الصطلحي ،مع قوله بوجوب إمرار الصفات علىّ ظاهرها
،وقع في التناقض ،لنه يبطل التأويل والية تثإبته معلوما ل ،بل الواجب القول :إنه يجب
إجراء اللفظ علىّ ظاهره ،أي عدم صرفه عما يدل عليه ،وهو دللته علىّ الصفات ل تعالىّ
المنزهة عن صفات المخلوقين ،مع أن حقيقة الصفات ل يعلمها إل ال ،وحينئاذ يكون
الحتجاج بالية علىّ جهل الحقيقة ،أي حقيقة الصفات ،وأن ال تعالىّ وحده حقيقتها ،فيكون
احتجاجا صحيحا .
ومثإل هذا ،من يحتج بالية علىّ أننا خوطبنا بما ل يفهمه أحد ،مع قوله الظاهر غير مراد ،
وهذا مع أنه خطأ ،فإن الحتجاج بالية ،في آيات الصفات ،يوقع في التناقض ،لنا إذا لم
نفهم شيئاا من آيات الصفات ،كيف لنا نعرف ،أن لها تأويل يخالف الظاهر ول يوافقه ،فإن
الظاهر ،وغير الظاهر ،ل يعلم إل بمعرفة معنىّ اللفظ ،أو معانيه. 4
28
المار الثاني :
وهو أن التأويل المذموم عند السلف ،هو أن تصرف دللة اللفظ الظاهر علىّ الصفات ،إلىّ
معنىّ آخر يلزم منه نفي هذه الصفة لمجرد دعوى المشابهة للمخلوقات ،ومخالفة العقل ،هذا إذا
كان اللفظ يدل علىّ إثإبات صفة ل كقوله تعالىّ }استوى علىّ العرش{ } ،ويبقىّ وجه ربك ذو
الجلل والكرام{ } ،لما خلقت بيديل{ .
وليس التأويل المذموم ،هو أن يفسر أحد النصين ،بظاهر الخر ،بما يدل علىّ خلف ظاهر
النص المفنسر ،فإن هذا من قبيل تفسير القرآن بالقرآن ،وتفصيل الدلة السمعية لبعضها ،
وتفسير القرآن بالقرآن محمود ،وأما المذموم تفسيره بالرأي المجرد عن البرهان من السنة أو
القرآن .
ومن هذا القبيل قوله تعالىّ }مومنمحهن أممقمرهب إإلمميإه إممن محمبإل املموإريإد{ ]لق :من الية [16بأنه قريب
بعلمه ،لن أدلة القرآن علىّ أن ال علىّ عرشه ،وفوق كل شيء ،كثإيرة جدا ،ومتنوعة ،
وهي من أحكم أنواع الدلة فيه ،هذا إن سبلم أن الظاهر من هذا النص قربه بنفســـه ـ
سبحانه ـ وسيأتي تفصيل هذا.
ولكن هذا النوع نادر جدا ـ وهو أن يراد بالنص خلف ظاهره ـ لسيما في باب الصفات ،
وهو مع ذلك وجوده في الحديث أوضح ،أما القرآن فل يكاد يوجد ،فإنه عند التحقيق يتبين أن
أكثإر ما أدعىّ فيه ،أن النص مصروف عن ظاهرة بنص آخر ،منتقض بأن الظاهر ليس هو
الهمندعي ،بل هو ما دل عليه سياق الية نفسها ،ومعناه اللغوي الصحيح ،وبذلك ل يحتاج إلىّ
التأويل ،بمعنىّ تفسير النص بخلف ظاهره ،لدللة نص آخر علىّ ذلك .
وربما ظن من لم يتحقق مذهب السلف في هذا الباب ،أن السلف يجرون اللفظ علىّ المعنىّ
الفاسد الذي ادعىّ ظهوره ،فأداه هذا إلىّ القول بوجوب التأويل ،كما زعم من زعم ،أن من
قول السلف ،أن ال أقرب بذاته إلىّ النسان من حبل وريده ،وإليه من الحاضرين عند وفاته ،
صهرومن{ ]الواقعة ، [85:هو أنلنه جعل ظاهر قوله تعالىّ }مومنمحهن أممقمرهب إإملميإه إممنهكمم موملإكمن ل هتمب إ
ال أقرب إليه. 1
ولئال يظن مثإل هذا ،فإنه ينبغي التنبيه علىّ أسباب الخطأ في الستدلل بالنصوص علىّ
الصفات ،وجعل ما ل يدل عليه اللفظ ،أو ما يدل عليه ظاهرا من المعاني الفاسدة هو الظاهر،
ويستفاد من هذا أيضا ،معرفة أن ما يحتاج فيه إلىّ صرف المعنىّ الظاهر في هذا الباب في
القرآن قليل ،مع وجوب القول بأن صرفه عن ظاهره ل يكون إل بالدلة السمعية.2
29
فمن هذه السباب:
أن يجعل ما يضاف إليه ـ سبحانه ـ من صفاته ،ول يكون كذلك إذ ل يلزم من إضافة الشيء
إلىّ ال أن يكون من صفاته .
ومن أمثإلة هذا ما ذكره الرازي ،قال" :المسألة الثإانية :القائالون بإثإبات العضاء ل تعالىّ
استدلوا علىّ إثإبات الجنب بهذه الية .
واعلم أن دلئالنا علىّ نفي العضاء قد كثإرت ،فل فائادة في العادة ،ونقول بتقدير أن يكون
المراد من هذا الجنب عضوا مخصوصا ل تعالىّ فإنه يمتنع وقوع التفريط فيه فثإبت أنه لبد من
المصير إلىّ التأويل. (..
فقد ذكر هذا المفسر المشهور أن الجنب في قوله تعالىّ }أممن متهقومل منمفةس ميا محمسمرمتىّ معملىّ مما
مفنرمطهت إفي مجمنإب اللنإه{ ]الزمر :من الية ، [56ظاهره العضو. 1
ومعنىّ الجنب في اللغة ل يستلزم هذا ،ول سياق الية يدل علىّ أن هذا هو المعنىّ الظاهر ،كما
قال في الصحاح "الجنب الفناء وما قرب من محلة القوم" ، 2وقال ابن فارس "الجيم والنون
والباء أصلن متقاربان أحدهما الناحية والخر البعد". 3
وقال الفراء" :الجنب القرب أي ما فرطت في قرب ال وجواره" ، 4ولهذا قال بعض السلف )في
أمر ال( ، 5لنه أمر بالتقرب إليه ،والمحافظة علىّ حدوده التي هي حماه وجواره ،كما قال
النبي صلىّ ال عليه وسلم )أل إن حمىّ ال محارمه(. 6
وهي الطريق الموصل إليه كما قال الزجاج "في طريق ال الذي دعانـي إليه" ، 7وهذه
العبارات كلها دالة علىّ معاءن متقاربة ،وإذا كان الجنب يطلق علىّ الناحية في أصل اللغة ،
فكيف يجعل إذا أضيف إلىّ ال في سياق نص ،كيف يجعل صفة من صفاته ،بله أن يقال إنه
دل علىّ العضو في الظاهر.
وال عز وجل قد حكىّ في هذه الية ما يقوله الساخرون المستكبرون ،يوم ل ينفع الندم ،قال
}أممن متهقومل منمفةس ميا محمسمرمتىّ معملىّ مما مفنرمطهت إفي مجمنإب اللنإه موإإمن هكمنهت ملإممن النساإخإريمن * أممو متهقومل إحيمن
متمرى املمعمذامب ملمو أمنن إلي مكنرلة مفمأهكومن إممن املهممحإسإنيمن * مبملىّ مقمد مجامءمتمك آمياإتي مفمكنذمبمت إبمها موامسمتمكمبمرمت
موهكمنمت إممن املمكاإفإريمن{ ]الزمر. [59-56:
1تفسير الرازي . 27/6
2الصحاح للجوهري 1/101ـ . 102
3معجم مقاييس اللغة . 1/483
4لسان العرب . 1/275
5رواه الطبري عن مجاهد والسدي . 24/9
6رواه البخاري كتاب اليمان ،فضل من استبرأ لدينه ،فتح الباري . 1/136
7لسان العرب . 1/275
30
وعامة هذه النفوس الموصوفة بما ذكر في اليات ،ل تعلم أن ل جنبا بالمعنىّ الذي توهم من
توهم أنه ظاهر اللفظ ،كما ل يتبادر إلىّ سامع هذه اليات معنىّ سوى أنهم فرطوا في أوامر ال
،وقربه ،وطلب جواره ،وما يقارب هذا مما دلت عليه اللغة .
فكيف يجعل ـ مع هذا ـ ظاهر اللفظ عضوا يشابه أعضاء النسان ،هذا مع أن المام الدارمي
في رده علىّ المريسي قال )وادعىّ المعارض زورا علىّ قوم أنهم يقولون في تفسير قول ال }يا
حسرتا علىّ ما فرطت في جنب ال{ أنهم يعنون به الجنب الذي هو العضو وليس ذلك علىّ ما
يتوهمونه .
فيقال لهذا المعارض :ما أرخص الكذب عندك وأخفه علىّ لسانك ،فإن كنت صادقا في دعواك
فأشر بها علىّ أحد من بني آدم قاله(. 1
وقال ابن القيم )ومن المعلوم أن هذه ل يثإبته أحد من بني آدم(. 2
فإن صح هذا ،أي أنه لم ينقل عن أحد إثإبات الجنب بمعنىّ العضو علىّ ال تعالىّ ،فإن ما ذكره
الرازي قد يكون علىّ طريقة لزم المذهب ،وذلك أن القائالين بإثإبات الوجه واليدين ،يلزمهم
عنده أنها أعضاء ،ويلزمهم كذلك إثإبات كل ما جاء علىّ هذا النحو )كالجنب( وأنه عضو،
وهذا يقع فيه كثإير ممن يحكي المذاهب فينسبون إليهم أقوال يظنون أنها تلزمهم وهي ليست
بلزمة عند التحقيق.
أن يظن كل موضع ذكر فيه ما يشعر بالصفة ،أنه من نصوص الصفات ،وأن المراد به
الخبار عن هذه الصفة .
قال ابن تيمية رحمه ال )ول يلزم من جواز القرب عليه أن يكون كل موضع ذكر فيه قربه يراد
به قرب نفسه ،بل يبقي هذا من المور الجائازة وينظر في النص الوارد ،فإن دل علىّ هذا حمل
عليه ،وهذا كما تقدم في لفظ التيان والمجيء .
وان كان في موضع قد دل علىّ أنه يأتي بنفسه ،ففي موضع آخر دل علىّ انه بعذابه ،كما في
قوله تعالىّ }مفمأمتىّ اللنه هبمنميامنهمم إممن املمقمواإعإد{ ]النحل :من الية ، [26وقوله تعالي }مفمأمتاهههم اللنه إممن
محميهث ملمم ميمحمتإسهبوا{ ]الحشر :من الية [2فتدبر هذا ،فإنه كثإيرا ما يغلط الناس في هذا الموضع ،
إذا تنازع النفاة والمثإبتين في صفة ودللة نص عليها ،يريد المريد أن يجعل ذلك اللفظ ـ حيث
ورد ـ دال علىّ الصفة وظاهرا فيها(. 3
وقولة جواز القرب عليه ،مثإل له بدنوه – سبحانه – عشية عرفة ،كما روى مسلم عن النبي
صلي ال عليه وسلم قال )ما من يوم أكثإر من أن يعتق ال فيه عبدا من النار من يوم عرفة وانه
1ص . 184
2كتاب الصواعق المرسلة علىّ الجهمية والمعطلة . 1/247
3مجموع فتاوى ابن تيمية . 6/14
31
ليدنو ثإم يباهي بهم ملئاكته فيقول ما أراد هؤلء( ، 1وأما قوله ) ول يلزم من ذلك أن يكون كل
موضع ذكر فيه القرب هو قربه بنفسه "مثإل له بقوله تعالي }مومنمحهن أممقمرهب إإلمميإه إممن محمبإل املموإريإد{
]لق :من الية ، [16وذلك أن المراد هنا قربه بملئاكته ،كما تضيف العظماء أفعال عبيدها
إليها بأوامرهم ،ومراسيمهم ،واستدل عليه بأن القرب في الية بزمن ،وهو حين تلقي
المتلقيين ،وقعيد عن الشمال ،وهما الملكان ،ومعلوم أنه لو أراد قرب ذاته لم يختص بهذه
الحال.
كما استبدل عليه أيضا ،بأنه ذكر بصيغة الجمع مثإل }منمتهلو معملميمك{ ]القصص :من الية ، [3
}مفإإمذا مقمرمأمناه مفانتإبمع هقمرآمنه{ ]القيامة} ، [18:مومنمكهتهب مما مقندهموا موآمثإامرههمم{ ]ليـس :من الية ، [12
} إإننا هكننا منمسمتمنإسهخ مما هكمنهتمم متمعممهلومن{ ]الجاثإية :من الية . [29
فإن مثإل هذا اللفظ إذا ذكره ال في كتابه ،دل علىّ أن المراد أنه سبحانه يفعل بجنوده من
الملئاكة ،ومثإل هذه الية قوله تعالىّ }أممم ميمحمسهبومن أمننا ل منمسممهع إسنرههمم مومنمجمواههمم مبملىّ موهرهسلهمنا لمدميإهمم
م
ميمكهتهبومن{ ]الزخرف ، [80:وقوله تعالىّ }مومنمعلمهم مما هتمومسإوهس إبإه منمفهسه{ ]لق :من الية [16يحتمل
أن المراد نحن نعلم وملئاكتنا أيضا يعملون ،كما دل عليه الحديث ) إن العبد إذا هم بحسنه فلم
يعملها كتبت حسنه( ، 2فالملئاكة يعلمون ما في نفسه بقدرة ال تعالي.
صهرومن{ ]الواقعة ، [85:فإن القرآن دل علىّ ومثإل هذه الية }مومنمحهن أممقمرهب إإملميإه إممنهكمم موملإكمن ل هتمب إ
أن المراد الملئاكة ،لن الية تصف حال الختصار ،وقد كثإر في القرآن ذكر حضور
الملئاكة المحتضر ،قال تعالي }إإنن انلإذيمن متمونفاهههم املمملإئامكهة{ ]النساء :من الية } ، [97إإنن الإذيمن
ن
متمونفاهههم املمملإئامكهة{ ]النساء :من الية ، [97وقال }مولممو متمرى إإمذ ميمتمونفىّ النإذيمن مكمفهروا املمملإئامكهة{
]لنفال :من الية ، [50وقال }مولممو متمرى إإإذ النظاإلهمومن إفي مغمممراإت املممموإت مواملمملإئامكهة مباإسهطو
أمميإديإهمم أممخإرهجوا أممنهفمسهكهم{ ]النعام :من الية } ، [93محنتىّ إإمذا مجامء أممحمدهكهم املممموهت متمونفمته هرهسلهمنا موههمم
ل هيمفبرهطومن{ ]النعام :من الية } [61هقمل ميمتمونفاهكمم ممملهك املممموإت{ ]السجدة :من الية . [11
وقد قال بعض الئامة أن المراد قربه بعلمه وهو محتمل ، 3ولكن يدفعه أن العلم محيط بكل شيء
وفي باطنه ،وكل ذلك بالنسبة إليه سواء ،كما قال }مسمواةء إممنهكمم مممن أممسنر املمقمومل مومممن مجمهمر إبإه مومممن
ههمو هممسمتمخءف إباللنميإل مومساإرةب إبالنمهاإر{ ]الرعد ، [10:فل معني لتخصيص حبل الوريد وغيره. 4
وهذه الخلف بين السلف في معني الية مع اتفاقهم علىّ جواز القرب لو جاء نص يكون هذا
هو الظاهر منه كما في الحديث السابق ،أما في هذه الية فل يقال إن الظاهر منها أنه سبحانه
وتعالي أقرب بذاته من حبل الوريد فإن السياق بأبي ذلك والقرآن دل علىّ نقيضه فإن الدلة
القاطعة منه دلت علىّ علوه علىّ كل شيء. 5
32
وأما القائالون بأن هذا المعنىّ الفاسد ،أي قرب ال تعالىّ بذاته من حبل الوريد ،المقتضىّ
للحلول أو التحاد ،هو الظاهر فقد انقسموا إلىّ قسمين:
منهم من قال بوجوب التأويل الصطلحي هنا ،وهو حمل اللفظ علىّ الحتمال المرجوح ،وأن
المراد هو قربه بعلمه ،وهذا المعني صحيح ،ولكن ل يلزم أن يقال إن ظاهر القرآن هو هذا
المعني ،ذلك أن القرآن في أعلي درجات البيان ،لسيما في الخبر عن ال وصفاته ،وفي
القول بأن ظاهر القرآن هو ذلك المعنىّ الفاسد تعارض مع هذه الحقيقة .
غير أن الذي اقتضي هذا القول تجريد اللفظ عن السياق ،فإن السياق هو الذي يدل علىّ المراد
،والمتكلم الذي يريد أن يكون كلمه مبينا ،لبد له من ذكر القرائان ووضع اللفاظ في تركيب
يدل علىّ مراده ،والقرائان جعلت الظاهر في الية ،إما العلم كما قال }مومنمعلمهم مما هتمومسإوهس{ ]لق:
من الية ، [16أو الملئاكة كما قال }إإمذ ميمتلمنقىّ املهممتلمبقمياإن{ ]لق :من الية . [17
ومنهم من التزم هذا المعني الفاسد الباطل وهم القائالون بالوحدة والحلول من المنتسبين إلىّ
التصوف ،وفي بعض كتب التفسير من هذا ما يشينها. 1
مع أن الية ل تدل علىّ قول أهل وحدة الوجود بوجه ،فإن قولهم الذي ينبو عنه سمع المؤمن ،
يقتضي أن ل يكون ل تعالىّ ،تمليز بالذات فكيف يكون من هذه صفته ،أقرب إلىّ شيء من
شي ،كما زعموا أنه ظاهر الية ،فتناقضوا تناقضا قبيحا .
ومن أمثإلة هذا النوع قوله تعالي عن عيسي } ..إإنمما املمإسيهح إعيمسىّ امبهن مممرميم مرهسوهل النلإه مومكإلممهته
أمملمقامها إإملىّ مممرميم ] {..النساء :من الية [171الية ،فان ال وان كان متصفا بالكلم ،فليس
المراد هنا صفته ،وأن عيسي هو نفس الكلمة ،كلمة ال ) وانما سمي بذلك لنه بذلك خلق
بالكلمة ،علىّ خلف سنة المخلوقين ،فخرقت فيه العادة ،وقيل له كن فكان(. 2
فسمي كلمة ال )لنه ناشي عن الكلمة التي قال له بها كن فكان ( ، 3ول يلزم من إطلق كلمة
ال علىّ المخلوق هنا ،أن يكون كلمه جل وعز مخلوقا .
قال ابن تيمية ) :وأما قوله :إن كلمة يراد بها عيسي نفسه ،فل ريب أن المصدر يعبر به عن
المفعول به في لغة العرب ،كقولهم هذا درب ضرب المير ،ومنه تسمية المأمور به أمرا،
5وقوله تعالىّ }موههمو املمقاإههر مفمومق إعمباإدإه موهيمرإسهل معملميهكمم محمفمظلة محنتىّ إإمذا مجامء أممحمدهكهم املممموهت متمونفمته هرهسهلمنا موههمم
ل هيمفبرهطومن{ ]النعام [61:جمع بين علوه علىّ كل شيء ،وقرب جنوده من المحتضر ،فهي أقرب ما
يفسر به قوله تعالىّ }مفملمول إإمذا مبملمغإت املهحملهقوم* موأممنهتمم إحيمنإئاءذ متمنهظهرومن* مومنمحهن أممقمرهب إإملميإه إممنهكمم موملإكمن ل
صهرومن{ ]الواقعة. [85-83: صهرومن* مومنمحهن أممقمرهب إإلمميإه إممنهكمم مولمإكمن ل هتمب إ
هتمب إ
1في حاشية الجمل علىّ الجللين علل القول بأن المراد بالقرب من العلم في قوله تعالىّ }مومنمحهن أممقمرهب إإلمميإه
إممن محمبإل املموإريإد{ ]لق :من الية [16بأن ال منزه عن المكنة ،وذكر أنه من المجاز ،فهذا يدل علىّ
جعل المعنىّ الفاسد هو الظاهر ) ، (4/192وأنظر أيضا تفسير المنار ،2/168وقال الألوسي ) :ول
مجال لحمله علىّ القرب المكاني ،لتنزهه سبحانه عن ذلك ،وكلم أهل الوحدة مما يشق فهمه علىّ غير
ذي الحوال ( التفسير . 26/178
2ينظر ابن تيميه المجموع . 6/18
3تفسير ابن كثإير . 2/431
33
والمقدور قدرة ،والمرحوم به رحمه ،والمخلوق بالكلمة كلمة ،لكن هذا اللفظ يستعمل مع ما
يقترن به مما يبين المراد ،كقوله } يا مريم أن ال يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسي بن
مريم وجيها في الدنيا والخرة ومن المقربين{ ،فبين أن الكلمة هو المسيح ،ومعلوم أن المسيح
نفسه ليس هو الكلم } ،قالت أني يكون لي ولد ولم يمسسني بشر ،قال كذلك ال يفعل ما يشاء إذ
قضي آمرا فإنما يقول له كن فيكون{ .
فبلين لما تعجبت من الولد أنه سبحانه يخلق ما يشاء ،إذا قضي أمرا فإنما يقول له كن فيكون ،
فدل هذا علىّ أن الولد مما يخلقه ال بقوله } كن فيكون{ ،ولهذا قال أحمد بن حنبل ) عيسي
مخلوق بالكن ،ليس هو نفس الكن( ،ولهذا قال في الية الخرى } إن مثإل عيسي عند ال كمثإل
آدم خلقة من تراب ثإم قال كن فيكون{ ،فقد بين مراده ،أنه خلقه بكن ل أنه نفس كن ونحوها من
الكلم(. 1
ومن أمثإلة هذا أيضا قوله تعالي }متمجإري إبمأمعهيإنمنا{ ]القمر :من الية ، [14ل يدل علىّ أعين
صمنمع معملىّ معميإني{ ]طه :من الية [39ل يدل علىّ عين واحدة ،عند كثإيرة ،وقوله تعالي } موإلهت م
من يثإبت صفة العين ،بل كل موضع يفسر بحسبه ،بل كل موضع يفسر بحسبه ،وذلك أن لفظ
العين إذا أضيف إلىّ اسم جمع ظاهر ،أو مضمر ،فالحسن جمعه مشاكلة للفظ كما قال }مقاهلوا
مفمأهتوا إبإه معملىّ أممعهيإن النناإس{ ]الأنبياء :من الية . [61
وإذا أضيف إلىّ مفرد ذكر مفردا ،وهذا نظير المشاكلة في لفظ اليد ،ففي الضافة إلىّ المفرد
قال }بيده الملك{ ،وفي الضافة إلىّ الجمع قال }أو لم يروا أنا خلقنا مما عملت أيدينا أنعاما{ ،
وقال }بما كسبت أيدي الناس{ ،والسلف استدلوا علىّ صفه اليد بن بقوله تعالي )بما خلقت
بيدي( وعلىّ صفه العينين بقول النبي صلي ال عليه وسلم )إن ربكم ليس بأعور(. 2
والعور ضد البصير بالعينيين ، 3ولو جاء لفظ يدل علىّ الصفة في الظاهر لقالوا به فان
عمدتهم في هذا الباب هو السمع.
أن يأتي اللفظ في سياق يدل علىّ المراد منه ،ويفسره ،ويجعله في غاية الظهور ،فيؤخذ بعيدا
عن سياقه ،وهيندعي فيه معني فاسد ،حتىّ يجعل محتاجا إلىّ الـتأويل ،وقد ذكر شيخ السلم
ابن تيمية مثإال علىّ هذا ،الحديث القدسي ،وهو قوله ال تعالي ) يا ابن آدم استطعمتك فلم
تطعمني ،قال :يا رب ،كيف أطعمك وأنت رب العالمين ،قال :أما علمت أنه استطعمك عبدي
فلن فلم تطعمه ؟ أما علمت أنك لو أطعمته لو جدت ذلك عندي ؟ … وذكر في الستسقاء
مثإله(. 4
34
ذكره مثإال لجعل المعني الفاسد هو الظاهر من اللفظ و ل يكون كذلك ،فإن الحديث قد فسر
المراد بقول ال استطعمتك ،واستسقيتك فلم يبق في الحديث لفظ يحتاج إلىّ تأويل. 1
أن يجعل للفظ معني ل يدل عليه لغة عند التحقيق ،فإذا فبسر به القرآن أوهم الباطل ،فيقال
حينئاذ بوجوب التأويل .
ومثإاله لفظ المعية ،فقد هجعلت في الظاهر بمعني الختلط والمتزاج ،ثإم لما كان هذا كفرا عند
جميع المسلمين قيل بوجوب التأويل .
و أما عند التحقيق ،فليس ظاهرها إل المقارنة المطلقة في اللغة ،من غير وجوب مماسة ،أو
محاذاة عن يمين وشمال ،فإذا قيدت بمعنىّ من المعاني دلت علىّ المقارنة في ذلك المعني .
فإنه يقال ما زلنا نسير والقمر معنا وهو في السماء وكذلك يقال )زوجته معه( بمعني لم يطلقها،
وماله معه بمعني لم يفقده ،وقال تعالىّ }هممحنمةد مرهسوهل اللنإه موالنإذيمن{ ]الفتح :من الية . [29
وليس في ذلك كله وجوب اختلط ،وقد يدل علىّ الختلط عند التقييد بما يناسبه ،وإذا كانت
المعية ل يلزم منها المتزاج والحلول فل يجعل هو الظاهر ،بل الظاهر يعلم بحسب السياق
المذكورة فيه .
ض إفي إسنتإة أمنياءم هثإنم امسمتموىوهو ما يلزم من معية ال ،فإن قوله }ههمو انلإذي مخملمق النسممامواإت مواملمأمر م
ض مومما ميمخهرهج إممنمها مومما ميمنإزهل إممن النسمماإء مومما ميمعهرهج إفيمها موههمو معملىّ املمعمرإش ميمعلمهم مما ميإلهج إفي املمأمر إ
صيةر{ ]الحديد ، [4:دال علىّ أن حكم هذا المعينة ومقتضاها مممعهكمم أمميمن مما هكمنهتمم مواللنه إبمما متمعممهلومن مب إ
أنه مطلع عليهم ،شهيد عليهم ،مهيمن ،عالم بهم ،وهذا معني قول كثإير من السلف أنه معهم
بعلمه ،وهو ظاهر الخطاب وحقيقته .
وكذلك قوله تعالي }ل متمحمزمن إإنن اللنمه مممعمنا{ ]التوبة :من الية ، [40أي بنصره وتأييده ،فإن هذا
هو اللزم من المعية هنا ،وإذا كانت المعية ل يلزم منها المخالطة ،فإن فسرت بما دلت عليه
باللزوم ،ل يكون هذا من باب التأويل .
وقال ابن القيم )فكيف تكون حقيقة المعية في حق الرب ذلك ـ يعني المخالطة ـ حتىّ يد عي
أنه مجاز ل حقيقة ،فليس في ذلك ما يدل علىّ أن ذاته تعالي فيهم ول ملصقة لهم ،ول
مخالطة ،ول مجاورة ،بوجه من الوجوه ،وغاية ما تدل عليه )مع( المصاحبة والموافقة
والمقارنة في أمر من المور ،وذا القتران في كل موضع بحسبة ،يلزم منه لوازم بحسب
متعلق (. 2
1ينظر مجموع ابن تيمية ،3/44وكذلك ينظر في أمثإلة هذا النوع ،درء تعارض العقل والنقل
5/235ـ . 240
2مختصر الصواعق المرسلة ص ، 429وينظر أيضا مجموع ابن تيمية ) 5/103ـ (104و )
5/495ـ (498و ) ، (6/22وبهذا البحث يتبين أن قول أبي المعالي رحمه ال في الرشاد ) ومما
يجب العتناء به معارضة الحشوية ،بآيات يوافقون علىّ تأويلها ،حتىّ إذا سلكوا مسلك التأويل ،
35
الأمار الثالث :
وهو أن قائال قد يقول :إن ما تقدم حكايته عن مذهب السلف ،فيما أسند إلىّ ال من اللفاظ
الموهمة للتشبيه ،كالوجه واليد والمجيء والستواء ،انه هو إمرارها علىّ ظاهرها ،وعدم
تأويلها ،وأن معني قولهم امرارها علىّ ظاهرها ،ليس هو مماثإلة المخلوقات ،أنه قول
متناقض .
وبيانه أنا لنفهم من هذه النصوص إل ما هو من صفات المخلوقين ،لنا لم نشهد غيرها ،فإن
قيل هي علىّ ظاهرها ،لزم التشبيه ،وإن قيل ليس ظاهرها مماثإلة المخلوقين لزم أنا ل نعلم
معناها بل نفوض ـ أن لم نقل بالتأويل ـ ول يصح أن نقول تجري علىّ ظاهرها ،فحكاية هذه
الجملة عنهم مع إبطال التفويض تناقض. 1
وهذه الشبهة هي ـ وغيرها ـ أدت إلىّ أن قال أهل التأويل :إن نصوص الصفات أو بعضها
ليست دالة علىّ الصفات علىّ الحقيقة ،وإنما تطلق علىّ سبيل المجاز ،ولما وافقهم غيرهم
علىّ أن هذه النصوص ليس لها معني في الظاهر إل مماثإلة المخلوقين ،وكانوا مع ذلك ممن
يحرم التأويل ،قالوا :ل ندري ما أريد بهذه النصوص ،ول نتكلم فيها فجعلوها بمنزله الكلم
العجمي الذي ل يفهم .
وذلك أن هذه اللفاظ التي أطلقت علىّ الخالق في الكتاب والسنة وهي ذلك تطلق علىّ المخلوق
،ول يخلوا المر فيها :إما أن تكون حقيقة في أحدهما مجازا في الخر .
فقال قوم هي حقيقة في الخالق مجاز في المخلوق ،وقال قوم حقيقة في المخلوق مجاز في
الخالق ثإم اختلفوا :
فقال الجهمية والمعتزلة كلها مجاز ،وقالت الشعرية وغيرهم بعضها ،وهي الصفات الخبرية
علىّ خلف بينهم أيضا في ذلك.
عورضوا بذلك السبيل ،فيما فيه التنازع ،فمما يعارضون به ،قوله تعالىّ } وهو معكم أينما كنتم { فإن
راموا إجراء ذلك علىّ الظاهر ،حلوا عقد إصرارهم في حمل الستواء علىّ العرش علىّ الكون عليه ،
والتزموا فضائاح ل يبوء بها عاقل ،وأن حملوا قوله } وهو معكم أينما كنتم { وقوله } ما يكون من
نجوى ثإلثإة إل هو رابعهم ،ول خمسة إل هو سادسهم { علىّ الحاطة بالخفيات ،فقد سوغوا التأويل (
ص ،150أنه قول متهافت ،فإنه لتعارض بين استواءه علىّ العرش وكونه مع خلقه .
1ممن أشار علىّ دعوى تناقض من يقول ) إن هذه النصوص معلومة المعنىّ وهي علىّ ظاهرها ( أبو
المعالي في الرشاد ص ، 60وقال بعض المعاصرين ) :فظاهر الستواء ،هو الجلوس والقول به قول
بالجسمية،فإن قال ابن تيمية إنه اشتراك في السم ل في الحقيقة فليس إل أن يفسره بالظاهر السابق فيلزم
الجسمية ،أو يفسره بغير المحسوس ،وذلك تأويل ( ص ، 70ومع أنه ينازع في أن الستواء هو
الجلوس ،غير أن الذي يلزم به في الرد عليه ،أن يقال :البصر هو انعكاس صورة المرئايات في عضو
،فإن قال إن ال تعالىّ يوصف بالبصر ،فإن فسره بالظاهر يلزم الجسمية ،وإن قال هو إدارك
المبصرات فهو قول المعتزلة نفات الصفات .
36
وقال السلف ومن اتبع طريقتهم من الفقهاء والمحدثإين والمفسرين وغيرهم حقيقة فيهما
،ومقالت السلف تدل علىّ أنها تطلق عليهما بطريق المتواطئاة أو المشككة.
وهذه الجملة تدل علىّ أن الشكال المتقدم عظيم الموقع ،لذا يجب العتناء بالنفصال عنه .
فيقال :إن هذا التناقض المدعي لزم أيضا لمن يثإبت الصفات العقلية ،وهي السمع والبصر
والرادة والحياة والعلم والقدرة والكلم ،وهم جمهور القائالين بالتأويل لننا لم نشهد هذه
الصفات إل في المخلوقات .
ولزم أيضا لمن يثإبت أي صفة ل تعالىّ ،بل ويلزم كذلك من يثإبت وجود ال تعالىّ وإن لم
يصفه بصفة ،فإنا لم نشهد موجودا إل جسما أو عرضا قائاما به. 1
لم نشهد موجودا إل جسما أو عرضا قائاما به ،ونحن مع ذلك لم نشهد وجود ال ،ولم نعرف
ماهيته ،ول نظيرا له سبحانه ،إذ ليس لها نظير ،أفيقال :إنا إذا أثإبتنا وجوده ،يلزمنا تشبيهه
سبحانه بوجود ما سواه ،أم يقال :إذا قلنا وجوده ليس مشابها لوجود سواه ،يلزمنا التفويض
في معني الوجود وأنا ل نعقل منه شيئاا ؟!!
فإن قيل فما حل هذه العقدة ،بعد هذه الحجة الجدلية ،فالجواب :أن الناس اختلفت طرائاقهم في
اقتحام هذه العقبة ،التي العقبة هذا الباب حقا ،إل أن الخروج منها إلىّ الصراط المستقيم له باب
واحد وسواه مفض إلىّ سحيقة أو تناقض .
فإن ناسا قد التزموا نفي كل شي لئال يقعوا في التشبيه ،قال أبو المعالي) :اعلموا أشدكم ال أن
1قال ابن تيمية رحمه ال :فإنك إن قلت ـ أي أيها المعتزلي ـ إثإبات الحياة ،والعلم ،والقدرة ،يقتضي
تشبيها ،أو تجسيما ،لنا لنجد في الشاهد متصفا بالصفات إل ما هو جسم ،قيل لك :ولنجد في الشاهد
ما هو مسمىّ ،حي ،عليم ،قدير ،إل ما هو جسم ،فإن نفيت ما نفيت لكونك ،لم تجده في الشاهد ،إل
للجسم ،فانف السماء ،بل وكل شيء لنك ل تجده إل للجسم ( المجموع ، 3/20والجسم عند
المتكلمين هو ما يقبل القسمة من الجواهر ،والجوهر هو المتحيز ،وهو القابل بالذات للشارة الحسية ،
فإذا قبل القسمة ،فهو الجسم ،وإن لم يقبلها ،ل فعل ،ول وهما ،ول فرضا ،فهو الجوهر الفرد ،بناء
علىّ أن الجسام تنقسم إلىّ ما يصير إلىّ الجزء الذي ليتجزء ،وعندهم الجوهر منحصر في هذين
القسمين ،وأقل ما يتركب منه الجسم ،جوهران من الجواهر المنفردة ،ينظر شرح المواقف للجرجاني
2/343ـ ،345شرح العقائاد النسفية للتفتازاني ص 49وأما العرض عندهم فهو موجود قائام بمتحيز ،
وأدخلوا تحت هذه القسمين ،كل ما يشاهد ،أو يحس كالهواء ،فهو جسم ،أما الضوء ،واللون ،فهما
عرضان ،ينظر المواقف لليجي ،وهم مع ذلك ينفون أن يكون ال تعالىّ جسما ،أو عرضا ،ول
يعرف في الشاهد موجود غير هذين ،فيلزمهم أنه غير موجود ،نقول هذا من باب اللزام ،وليس إثإبات
هذه اللفاظ أو نفيها ،إذ سيأتي الكلم علىّ هذا لحقا إن شاء ال تعالىّ .
37
من أعظم أركان الدين نفي التشبيه ،وقد أفتتن فيه فئاتان ،وابتلي به طائافتان فغلت طائافة ونقت
جملة صفات الثإبات ،ظنا أن المصير إلىّ إثإباتها مفض إلىّ التشبيه وإلىّ ذلك صار من أثإبت
الصانع من الفلسفة ،وإليه ميل بعض الباطنية ،فزعموا أن القديم ل يوصف بالوجود ولكن
يقال أنه ليس بمعدوم ،وكذلك ل يوصف بكونه حيا قادرا ،بل يقال ليس بميت ول عاجز ول
جاهل . 1(..
وقال الشهرستاني رحمه ال عن الجهم بن صفوان ) :وافق المعتزلة في نفي الصفات الزلية
وزاد عليهم أشياء منها قوله :ل يجوز أن يوصف الباري تعالىّ بصفة يوصف بها خلقه ،لن
ذلك يقتضي تشبيها (. 2
وذكر ابن تيمية رحمه ال أنه قرأ لبي يعقوب السجستاني -أحد الباطنية -في كتاب القاليد
الملكوتية أنه التزم أن ال يقال عنه )ل موجود ول ليس بموجود ،ول معدوم ول ليس بمعدوم (
ل بأن ال ليس بموجود فأورد علىّ نفسه أن هذا تشبيه بالمعدومات ،فقال ،وذلك أنه ابتدأ أو ل
) ل موجود ول معدوم ( ثإم أورد علىّ نفسه أن هاتين قضيتان مختلفتان بالسلب واليجاب ،
ويلزم من صدق أحدهما كذب الخرى فاضطر أن يقول جملته المتقدمة فرارا من التشبيه ،
ومع ذلك فقد أورد عليه ابن تيمية التشبيه بالممتنعات لن هذه الجملة صفة الممتنع. 3
ورام قوم الخروج بأن قالوا إن هذه اللفاظ مقولة علىّ الخالق والمخلوق بطريق الشتراك
اللفظي .
قال ابن تيمية ) وقد رام طائافة من المتأخرين كالشهرستاني والمدي والرازي -في بعض كتبه
-ونحوهم ،أن يجيبوا هؤلء -أي أمثإال هذا الضال المذكور آنفا -عن هذا بأن لفظ
)الموجود( و)الحي( و)العليم( ،و )القدير( ،نحوها من السماء تقال علىّ الواجب والممكن
بطريق الشتراك اللفظي ،كما يقال لفظ المشتري علىّ الكوكب والمبتاع ،وكما يقال سهيل
علىّ الكوكب والرجل المسلمىّ بسهيل ...
ثإم قال :وهؤلء متناقضون في هذا الجواب ،فإنهم وسائار العقلء يقسمون الوجود إلىّ واجب ،
وممكن ،وقديم ،ومحدث ،وأمثإال ذلك ،مع علمهم بأن التقسيم ل يكون في اللفاظ المشتركة ،
ل ،أو متفاضل ،ل ومنهم من يخص المتفاضل إن لم يكن المعنىّ مشتركا ،سواء كان متماثإ ل
بتسميته مشككا ...
ل أن يراد يطلق علىّ هذا ثإم قال :فأما مثإل سهيل ،فل يقال سهيل ينقسم إلىّ الكوكب والرجل إ ل
وهذا ،ومعلوم أن مثإل هذا التقسيم ،ل يراد به الخبار عن الطلق في اللغة ،وإنما يراد به
تقسيم المعنىّ المدلول عليه باللفظ ...
ثإم قال :ثإم هم مع هذا التناقض موافقون في المعنىّ للملحدة ،فإنهم إذا جعلوا أسماء ال تعالىّ
1الشامل للجويني الكتاب الول ،الجزء الول ، 1/169 ،وتعليق رشاد سالم علىّ درء التعارض
. 5/187
2الملل والنحل . 1/86
3الدرء . 5/324
38
كالحي ،والعليم ،والقدير ،والموجود ،ونحو ذلك مشتركة اشتراكا لفظيا ،لم يفهم منها شيء
إذا سمي بها ال ،إل أن يعرف ما هو ذلك المعنىّ الذي يدل عليه إذا سمي ال(. 1
ومعلوم أن المعنىّ الذي يدل عليه لفظ الموجود ،ونحوه المطلق علىّ الباري جل وعز ،ل
يمكن أن نفهمه إ ل
ل إذا كان بين هذا الطلق ،واطلقه علىّ الشاهد من المخلوقات قدرا مشتركا
،يمكننا به فهم الخطاب ،وهذا الطلق هو المسمىّ بالسماء المتواطئاة ،أو المشككة .
ولهذا فإن الكثإر علىّ أن اسم الوجود حقيقة في الواجب ،والممكن ,وأنه مقول عليهما بطريق
التواطؤ العام ،أو التشكيك ،إذا جعل المشكك نوعا آخر. 2
وقد ذكر ابن تيمية أن أحدا لم يجعل هذه السماء مقولة بالشتراك اللفظي إ ل
ل شرذمة من
المتأخرين وقد تقدم بطلنه. 3
وإذا تبين هذا ،فالجواب عن الشكال المتقدم بأن يقال :نحن نفهم من هذه اللفاظ ما دلت عليه
من القدر الذي تتواطأ عليه ،ول نعلم حقيقة ما يمتاز به الخالق ،غير أننا نعلم أن ما يختص ال
به من هذه السماء التي فهمنا معناها عند الطلق ،أعظم مما يخطر في البال ،أو يدور في
الخيال .
ومثإال ذلك العلم ،فعند الطلق نفهم من هذه الكلمة معنىّ ،فإذا قيل )علم ال ( علمنا أن ما
اختص ال به من هذا المعنىّ أعظم من أن نحيط به علما ،أو نعرف كنهه ،وهذا هو التأويل
ل ال ،ولول هذا القدر المشترك من المعنىّ الذي يأخذه الذهن عند الطلق ،ثإم الذي ل يعلمه إ ل
يقيد به عند الختصاص بالخالق ،ما يتميز به الخالق ،مما ل نستطيع حده بحد ،لما أمكن
معرفة ال تعالىّ بوجه من الوجوه. 4
ويتوجه علىّ هذه الجملة سؤال وفي الجواب عنه مزيد تفصيل وتوضيح ،فيقال :
39
فإن قيل :وكيف يصلح أن يقال :إن بين أسماء ال ،وصفاته ،وأسماء خلقه وصفاتهم ،قدرا
مشتركا ،أل يوجب هذا التشبيه ؟
فالجواب :أن التشبيه كلمة ،قد صار فيها إجمال ،بحسب استعمال المتكلمين في هذا الباب ،
ل معرفة المحذور من معناها شرعا. فيجب أو ل
ذلك أن التشبيه جاء في السمع ،بلفظ التمثإيل في قوله تعالىّ } ملميمس مكإممثإإلإه مشميةء{ ]الشورى :من
الية [11وهو أدلل علىّ المقصود ،ومعنىّ الية أن ال تعالىّ ل يماثإله شيء فيما يختص به من
صفات الكمال ،أما أن تدل علىّ أن ما يتصف ال به من الصفات ل يمكن أن يتصف غيره
بجنسها ،فليس فيها ول دللت عليه الللغة ،فقد نفىّ ال التماثإل بين صنفين من بني آدم قال تعالىّ
} :موإإمن متمتمولنموا ميمسمتمبإدمل مقموما مغميمرهكمم هثإنم ل ميهكوهنوا أممممثإالمهكمم{ ]محمد :من الية [38فنفىّ ال التماثإل
للتفاوت في بعض الصفات مع اشتراكهم في أكثإرها ،ومثإل هذا قوله تعالىّ }مومما ميمسمتإوي املمأمعممىّ
صيهر{ ]فاطر ، [19:وقوله }مومما ميمسمتإوي املمأمحمياهء مول املمأمممواهت{ ]فاطر :من الية ، [22وقوله مواملمب إ
صمحاهب املمجنإة{ ]الحشر :من الية . 1 [20 صمحاهب النناإر موأم م }ل ميمسمتإوي أم م
وإذا كانت الدلة الشرعية ل تدل علىّ أن التشابه من بعض الوجوه ،يقتضي تماثإلهما في جميع
الشياء ،فليس في الية أن وجود قدر مشترك بين السماء التي تطلق علىّ ال وخلقه ،يوجب
التماثإل المنفي بقوله }ليس كمثإله شيء{ .
ولهذا فقد اعترف أساطين الكلم ،أن ما قد يسمىّ التشبيه من بعض الوجوه بين الخالق
والمخلوق ،لزم لجميع المسلمين ،ويعنون به ما يطلق من السماء والصفات علىّ الخالق
والمخلوق ولو كان مجرد صفة الوجود ،قال الرازي رحمه ال )وان عنيتم بالمشبه من يقول
بكون ال شبيها بخلقه من بعض الوجوه ،فهذا ل يقتضي الكفر ،لن المسلمين اتفقوا علىّ أن
ال موجود ،وشيء ،وعالم ،وقادر ،والحيوانات كذلك وذلك ل يوجب الكفر(. 2
وقال أبو المعالي )وقال في بعض مقالته -أي أبو الحسن -المشبه من يعترف بالتشبيه ،فأما
ل للمخلوقات فل نسميه من ينكره ويثإبت مع التجسيم والغلو فيه للرب ،صفاتا ل يجوز ثإبوتها إ ل
مشبها تحقيقا ،إذ المشبه من يعتقد تشابه الرب ،والمحدث من كل وجه ،إذ حقيقة المثإلين ،
المتشابهين في جملة الصفات . 3(..
ولهذا أيضا أنكر الئامة الغلو في النفي ،خشية الوقوع في التعطيل ،وذكر ابن تيمية عن المام
أحمد أنه قال ل يشبه الشياء ،وليس كمثإله شيء ،ونحو ذلك أما قوله ) بوجه من الوجوه (
فامتنع منها ،وذلك أنه عرف أن مضمون ذلك التعطيل المحض ،فإنه يقتضي أنه ليس بموجود
،ول شيء ،ول حي ،ول عليم ،ول قدير ،ويقتضي إبطال جميع أسمائاه الحسنىّ. 4
وبهذا يعلم أن إثإبات قدر مشترك من معنىّ السماء المقولة علىّ الخالق والمخلوقات ،ليس فيه
التمثإيل المحذور شرعا ،غير أنه ل يخفي أن إطلق هذه اللفظة وهي )أن ال يشبه خلقه من
1ينظر الدرء 7/113 ، 6/7ـ . 114
2نقل عن تلبيس الجهمية . 1/382
3الشامل للجويني . 1/169
4الدرء . 5/183
40
بعض الوجوه( خطأ ،والمام أحمد إنما أنكر النفي لئال يتوهم التعطيل ،فكذلك ينبغي أن تمنع
ل ،وهو )أن يماثإل ال شيء من خلقه فيما هذه الجملة لئال يتوهم التشبيه الممنوع شرعا وعق ل
يجب له من صفاته ،أو أن يثإبت شيء من خصائاص المخلوقين ل سبحانه وتعالىّ ( ،إذ هو
تعالىّ ليس كمثإله شيء ل في أسمائاه ،ول في ذاته ،ول في صفاته ،ول في أفعاله ،قال المام
أحمد ) :من قال بصر كبصري ويد كيدي وقدم كقدمي فقد شبه ال بخلقه ،وهذا يحده وهذا
كلم سوء(. 1
فهذه المقالة تبلين أن المحذور من التشبيه ،هو ما يستلزم من نعت ال تعالىّ بالنقص ،والحدوث
،ول ريب أن وصفه بخصائاص المخلوقين تمثإيل له بما هو ناقص حادث ،أما مجلرد نعته
بالصفات التي يصلح إطلقها علىّ المخلوقات ،مع العلم بقدر مشترك من المعنىّ في الطلقين
،والقطع بأن ما اختص ال به ل يماثإل ما يختص به المخلوق ،فليس في هذا نقص بوجه من
الوجوه.
قال أبو المعالي رحمه ال ردا علىّ الفلسفة ومن تابعهم في نفي الصفات )ويقال لهم أتثإبتون
الصانع المدبر أم ل تثإبتونه ؟ فإن أثإبتوه لزمهم من الحكم بإثإباته ما حاذروه فإن الحادث ثإابت
فاستويا في الثإبوت ... ،ثإم قال :وإن قالوا نعتقد الثإبوت ول ننطق به ،قلنا كلمنا في الحقائاق
ل في الطلقات ،فإن قالوا فصفوا الله بالثإبوت والوجود ول تنطقوا به ،واعتقدوا وجود
الحادث ول تنطقوا به لتنتفي المماثإلة لفظا ،فإن المماثإلة لفظا مما يتوقىّ في العقائاد ،قلنا يتوقىّ
اللفظ لدائاه إلىّ الحدوث أو إلىّ النقص ،فكل ما ل يؤدي إلىّ الحدوث أو إلىّ النقص ل نكترث
به ،ثإم محاذرة التعطيل أولىّ من محاذرة التشبيه (. 2
وهذا القدر المشترك الموجود في السماء المشككة ،الذي به أمكن فهم خطاب ال تعالىّ عن
نفسه ،وأسمائاه ،وصفاته ،وأفعاله ،ل يستلزم وجود شيء في الخالق هو بعينه في المخلوق ،
ل في الذهن ،ول يختص بأحدهما دون الخر ،فل يقع وإنما هو أمر مطلق كلي ،ول يوجد إ ل
بينهما اشتراك ل فيما يختص بالباري ول فيما يختص بالبرية ،وعند التخصيص يقال علم ال ،
وحياة ال ،فهذا ذكر لما يتميز به الخالق فل يماثإله فيه المخلوق ،ولو كان القدر المشترك هو
شيء موجود في الخارج يشترك فيه الباري وخلقه ،لكان هذا تشابها بينهما والشيء إذا شابه
غيره من وجه جاز عليه ما يجوز عليه من ذلك الوجه له ما وجب له وامتنع عليه ما امتنع
عليه. 3
فثإبت بهذا أن إثإبات القدر المشترك ل يستلزم إثإبات ما يمتنع علىّ الرب سبحانه ول نفي ما
يستحقه ،فليس ممتنعا ومثإال هذا في المخلوقات ،أن اسم الوجود يطلق بالتواطؤ علىّ العرش ،
والبعوض ،فيقال هذا موجود ،وهذا موجود ،ل تفاقهما في مسمىّ الوجود ،وهو يطلق عليهما
بالتواطؤ قطعا ،لن قدرا مشتركا من المعنىّ يوجد بينهما ،ول ريب أن عاق ل
ل ل يقول إن
وجود العرش كوجود البعوض ،لتفاقهما في مسمىّ الوجود. 4
ول أن السم يطلق عليهما بالشتراك اللفظي فقط ،ولكن قد يتوهم متوهم ،أن هذا القدر
المشترك هو شيء موجود في الخارج يشتركان فيه ،وليس كذلك بل هو وجود ذهني محض
. 2/32 1
2نقل عن الدرء . 5/189
3المجموع 3/74ـ . 75
4المصدر السابق . 3/10
41
ول يوجد في الخارج إ ل
ل العيان التي لكل واحد منها ما يخصه ل يشاركه فيه شيء.
قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه ال )ولهذا سمىّ ال نفسه بأسماء وسمي صفاته بأسماء ،
وكانت تلك السماء مختصة به إذا أضيفت إليه ل يشركه فيها غيره ،وسمي بعض مخلوقاته
بأسماء مختصة بهم ،مضافة إليهم ،توافق تلك السماء إذا قطعت عن الضافة والتخصيص ،
ولم يلزم من اتفاق السمين وتماثإل مسماهما واتحاده عند الطلق والتجريد عن الضافة
والتخصيص اتفاقهما ول تماثإل المسمىّ عند الضافة والتخصيص ( ،وقال أيضا ) سمي ال
ل هو الحي القيوم { وسمي بعض عباده حيا ،فقال } يخرج الحي نفسه حيا فقال } ال ل إله إ ل
من الميت { وليس هذا الحي مثإل هذا الحي ،لن قوله الحي اسم ل مختص به وقوله }يخرج
الحي من الميت { اسم للحي المخلوق مختص به ،وإنما يتفقان إذا أطلقا وجردا عن التخصيص
ولكن ليس للمطلق مسمىّ موجود في الخارج ،ولكن العقل يفهم من المطلق قدرا مشتركا بين
1
المسمين وعند الختصاص يقيد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق والمخلوق عن الخالق(
.
وقال أيضا ) هكذا القول في جميع الصفات ،وكل ما تثإبته من السماء والصفات فلبد أن يدل
علىّ قدر تتواطأ فيها المسميات ،ولول ذلك لما فهم الخطاب ،ولكن نعلم أن ما اختص ال به
2
وامتاز عن خلقه ،أعظم مما يخطر بالبال أو يدور في الخيال(
فإن قيل فإن التفاوت بين الخالق والمخلوق أعظم من أن يتصور ،بقدر ما بينهما من التفاوت
في الذات ،فهل همبثإل لهذا بمثإال في المخلوقات ،يقرب القول من التصور .
فالجواب نعم ،هذه الروح نفهم ذهابها ،وإيابها ،وصعودها ،ونزولها ،والعقول قاصرة عن
تكييفها ،للنا لم نشهد لها نظيرا ،فلم يمنع عدم مشاهدة نظيره من فهم الخطاب ،ولم يمنع جهلنا
بكيفية الروح ،أن نعلم صفاتها التي أخبر ال عنها في القرآن .
وكذلك ما في الجنة ،ماءها ،وثإمارها ،وسائار ما فيها من النعيم ،ليس كما في الدنيا وما
ل السماء(. 3بينهما من التفاوت عظيم حتىّ قال ابن عباس )ما في الجنة في الدنيا إ ل
ثإم نحن نفهم الخبر عن الجنة ،ولوله ما هتكت نحور المجاهدين ،ول تشققت أقدام العابدين .
فال عز وجل أعظم وأجل ،قال ابن تيمية )فإذا استعملت خاصة معينة -أي السماء المشككة
التي تسميها النحاة أسماء الجناس -دلت علىّ ما يختص به المسمىّ ،لم تدل علىّ ما يشركه
42
فيه غيره في الخارج .
فإن ما يختص به المسمىّ ل شركة فيه بينه وبين غيره ،فإذا قيل علم زيد ،ونزول زيد ،
واستواء زيد ،ونحو ذلك لم يدل هذا العلىّ ما يختص به زيد من علم ونزول ونحو ذلك ،لم
يدل علىّ ما يشركه فيه غيره .
لكن لما علمنا أن زيدا نظير عمرو ،علمنا أن علمه نظير علمه ،ونزوله نظير نزوله ،
واستواءه نظير استوائاه ،فهذا علمناه من جهة القياس ،والمعقول ،والعتبار ،ل من جهة
دللة اللفظ ،فإذا كان هذا في صفات المخلوق ،فذلك في الخالق أولىّ .
فإذا قيل :علم ال ،وكلم ال ،ونزوله ،واستواؤه ،ووجوده ،وحياته ،ونحو ذلك لم يدل ذلك
علىّ ما يشركه فيه أحد من المخلوقين بطريق الولىّ ،ولم يدل ذلك علىّ مماثإلة الغير له في
ذلك ،كما دل في زيد وعمرو ،لنا هناك علمنا التماثإل من جهة القياس والعتبار ،لكون زيد
مثإل عمرو .
وهنا نعلم أن ال ل مثإله ،ول كفؤ ،ولند ،فل يجوز أن نفهم من ذلك أن علمه مثإل علم غيره،
ول كلمه مثإل كلم غيره ،ول استواءه مثإل استواء غيره ،ول نزوله مثإل نزول غيره ،ول
حياته مثإل حياة غيره ،ولهذا كان مذهب السلف والئامة إثإبات الصفات ونفي مماثإلتها لصفات
المخلوقين(. 1
وبهذا يمكننا أن نقول فيما نطلقه علىّ ال كصفة الوجه ،واليد ،والمجيء ،والستواء ،أن
القول فيها كالقول في صفة العلم ،والسمع ،والبصر وغيرها ،نعلم المعنىّ عند الطلق ،
ونستطيع به فهم الخطاب ،ونجهل كيفية ما يختص ال به من هذه الصفات عند التخصيص .
وقد يقال إن صفة السمع ،والبصر ،والعلم ،وأمثإالها ،يمكن تصور ما تقدم فيها ،أما الوجه ،
ل ما هو جارحة ،وحركة ،وانتقال واليد ،والستواء ،والنزول ،وأمثإالها ،فإنا ل نعقل منها إ ل
،فكيف يقال نعلم المعنىّ ،ول نعلم ما يختص بال .
كما قال اليجي في المواقف ) الوجه وضع للجارحة ،ولم يوضع لصفة أخرى ،بل ل يجوز
وضعه لما ل يعقله المخاطب ،فتعين المجاز ،ثإم ذكر أنه الوجود(. 2
ول ريب أن قائال مثإل هذا لم يحسن النظر فيما يقول ،فإن السمع ل نعقل منه في المخلوق إ ل
ل ما
هو عرض متعلق بعضو ،والبصر انعكاس صورة المرئايات في عضو ،والرادة ميل القلب
إلىّ الشيء ،ومعلوم أنه ل يقال ل نعقل من هذه الصفات شيئاا بالنسبة إلىّ ال .
وأما ما ذكره اليجي في المواقف فقد أجاب عنه أبو بكر ابن فورك قال )فأما ما ذهب إليه
المعتزلة من تشبيه ذلك بوجه الثإوب ،ووجه الحائاط ،فغلط من التمثإيل ،من قبل أن وجه الثإوب
،والحائاط ،ليس هو نفس الثإوب ،والحائاط ،بل هو ما واجه به ،وأقبل به ،وكذلك وجه المر
ما ظهر منه في الرأي الصحيح ،دون ما لم يظهر ،وإذا لم يجز في اللغة استعمال معنىّ الوجه
علىّ معنىّ الذات علىّ الحقيقة في موضع ،وقد ورد إطلق الكتاب والسنة بذلك ،لم يكن لما
1المصدر السابق . 5/329
2المواقف في علم الكلم لليجي . 298
43
ذهبت إليه المعتزلة وجه ،ووجب أن يحمل المر فيه علىّ ما قلنا أنه وجه صفأأة ،ول يقال هو
الذات ول غيرها(. 1
فهذا يبين أن الوجه في اللغة مستقبل كل شيء ،قال ابن القيم ) والوجه في اللغة مستقبل كل
شيء ،لنه أول ما يواجه منه ،ووجه الرأي والمر ما يظهر أنه صوابه ،وهو في كل بحسب
ما يضاف إليه ،فإن أضيف إلىّ زمن كان الوجه زمانا ،وإن أضيف إلىّ حيوان ن كان بحسبه
،وإن أضيف إلىّ ثإوب أو حائاط كان بحسبه ،وإذا أضيف إلىّ من }ليس كمثإله شيء{ كان
وجهه تعالىّ كذلك .
وكذلك اليد تضاف إلىّ الملك ،والجن ،والحيوان ،والنسان ،وهي في ذلك كله صفات متعلقة
بالذات ،ثإم إذا أضيفت وخصصت ناسبت ما أضيفت إليه ،فاختلفت اختلفا عظيما ،فإذا
أضيفت إلىّ من ليس كمثإله شيء كانت كذلك. 2
ول ينتقض هذا بأن اليد تطلق ويراد بها القدرة والنعمة -فتخرج عن كونها صفة متعلقة بالذات
غير القدرة والنعمة -وذلك لثإلثإة أوجه .
الول :قال ابن القيم ) :إن نفس هذا التركيب المذكور في قوله }خلقت بيدي{ يأبىّ حمل الكلم
علىّ القدرة ،لنه نسب الخلق إلىّ نفسه سبحانه ثإم عدى الفعل إلىّ اليد ،ثإم ثإناها ،ثإم أدخل
عليها الباء التي تدخل علىّ قولك كتبت بالقلم ،ومثإل هذا نص صريح ل يحتمل المجاز
بوجه(. 3
الثإاني :قال الباقلني في التمهيد ) ويدل علىّ فساد تأويلهم أيضا -أي بالقدرة والنعمة -أنه لو
كان المر علىّ ما قالوه ،لم يغفل عن ذلك إبليس وعن أن يقول ) وأي فضل لدم عللي يقتضي
أن أسجد له ،وأنا أيضا بيدك خلقتني ،التي هي قدرتك ،وبنعمتك خلقتني ؟ وفي العلم بأن ال
تعالىّ فضل آدم عليه بخلقه بيده دليل علىّ فساد ما قالوه (. 4
ل في حق من له الوجه الثإالث :قال ابن القيم ) إن يد القدرة والنعمة ل يعرف استعمالها البتة إ ل
يد حقيقية ،فهذه موارد استعمالها ،من أولها إلىّ آخرها ،مطردة في ذلك ،فل يعرف العربي
خلف ذلك ،فاليد المضافة إلىّ الحي ،إما أن تكون يدا حقيقية أو مستلزمة للحقيقية ،وأما أن
تضاف إلىّ من ليس له يد حقيقية ،وهو حي متصف بصفات الحياء ،فهذا ل يعرف البتة ،
وسر هذا أن العمال ،والخذ ،والعطاء ،والتصرف ،لما كان باليد ،وهي التي تباشره ،
عبروا بها عن الغاية الحاصلة بها وهذا ،يستلزم ثإبوت أصل اليد حتىّ يصلح استعمالها في
مجرد القوة والنعمة والعطاء(. 5
وهذان المثإالن يوضحان أن الوجه واليد ،فيما أضيفا إليه من المور يدلن علىّ قدر من
المعنىّ متواطئاا ،مشتركا فيها ،هو صفة من صفات المضاف إليه ،وعند التخصيص تختلف
44
هذه الصفة ،اختلفا بحسب اختلف المضاف إليه ،والقدر الذي حصل به الشتراك غير الذي
حصل به المتياز ،وبهذا علمنا أنها صفات ل تعالىّ ،وجهلنا حقيقة ما امتاز ال به من هذه
الصفات .
وعلىّ هذين المثإالين تقاس سائار الصفات الفعلية والذاتية ،كالستواء والنزول ،والعينين ،يعلم
أنها صفات ل من حيث يعلم معناها في لغة التخاطب ،ونجهل حقيقة ما يمتاز ال به وهو
ل ال ،ويعلم كذلك من أحكام هذه الصفات ما جاء في السمع ،فكما التأويل الذي ل يعلمه إ ل
علمنا أن من أحكام صفة السمع أن ال يسمع المسموعات ،ومن أحكام صفة البصر أن ال
يبصر المبصرات ،وأن ال يعلم كل شيء بصفة العلم ،كذلك نعلم أن من أحكام صفة اليد أن
ال يقبض بها السموات ،وأنه خلق آدم بها ففضله علىّ سائار من خلقه بكلمة كن .
وهذا هو المخرج الصحيح من الشكال المتقدم في أول التنبيه ،وهو الصراط المستقيم الذي
سار عليه سلف المة ،والذي هو في غاية الستقامة والتناسب ،والسر في عدم تناقض مذهب
السلف ،عدم تفريقهم بين الصفات ،وجعلها فرعا عن الذات ،واتباع السمع ومن اتبعته فل
يختلف قوله ،قال تعالىّ }موملمو مكامن إممن إعمنإد مغميإر اللنإه ملمومجهدوا إفيإه امخإتلفا مكإثإيرا{ ]النساء :من
الية . [82
ويدل علىّ صحة مذهبهم أدلة كثإيرة جدا ،وفيما يلي من هذا المبحث أهم الدلة من الكتاب
والسنة والمعقول الصريح .
45
المطلب الثالث
الدألة على صحة ماذهب السإلف في الصفات ،وإبطال ماذهبي المافوضة والماؤولة
كان ما تقدم من هذا المبحث في تحقيق أن مذهب السلف الذي لم يختلفوا فيه في الصفات ،هو
أنها معلومة المعنىّ ،ول تصرف عن ظاهرها ،بمعنىّ كونها صفات ل غير أن كيفياتها ل
يعلمها إ ل
ل ال تعالىّ :
وفيما يلي ذكر الدلة علىّ صحة هذا المذهب ،ومن المفيد قبل الخوض في ذلك ذكر القسام
الممكنة في القوال في هذا الباب ،ليكون محل النزاع أكثإر وضوحا ،ويتضح كيف تتوجه
الدلة بتأكيد مذهب السلف ونقض غيره وذلك :
قال شيخ السلم ابن تيمية ) :أما الولن فقسمان ،أحدهما من يجريها علىّ ظاهرها ،ويجعل
ظاهرها من جنس صفات المخلوقين ،فهؤلء المشبهة ،ومذهبهم باطل .
والثإاني من يجريها علىّ ظاهرها اللئاق بجلل ال ،فإن ظواهر هذه الصفات في حق المخلوق
إما جوهر محدث أو عرض قائام به ،فالعلم والقدرة والمشيئاة والرحمة والرضا والغضب ونحو
ذلك في حق العبد أعراض ،والوجه واليد والعين أجسام .
فإذا كان ال موصوفا عند عامة أهل الثإبات ،بأن له علما ،ل وقدرة ،وكلما ،ومشيئاة ،وإن
لم يكن ذلك عرضا ،يجوز عليه ما يجوز علىّ صفات المخلوقين ،جاز أن يكون وجه ال ،
ويداه ،وعينه ،ليست أجساما يجوز عليها ما يجوز علىّ صفات المخلوق .
وهذا هو المذهب الذي حكاه الخطابي وغيره عن السلف ،ويدل عليه كلم جمهورهم وكلم
الباقين ل يخالفه ،وهو أمر واضح فإن الصفات كالذات ،فكما أن ذات ال ثإابتة حقيقية ،من
غير أن تكون من جنس صفات المخلوقين ،فصفاته ثإابتة حقيقية من غير أن تكون من جنس
صفات المخلوقين ...ثإم قال :أما القسمان اللذان ينفيان ظاهرهما أعني الذين يقولون ليس لها
في الباطن مدلول صفة ال تعالىّ قط ...ثإم ذكر أقسام هؤلء وأن منهم من ينفيها كلها ،ومنهم
من يثإبت سبعا ،أو ثإمان ،أو خمسة عشر ،ثإم ذكر القسمين الخيرين وأن منهم من يقول يجوز
أن يراد ظاهرها اللئاق بال ويجوز أن ل يكون المراد صفة ل.
ومنهم من يمسك عن ذلك كله ول يزيدون عن تلوة القرآن وقراءة الحديث معرضين عن هذه
46
التقديرات (. 1
وهذا التقسيم يكشف جميع طرق المتنازعين في هذا الباب ،وإذا كانت طريقة التشبيه باطلة
بالجماع ،فلم يبق في ساحة التنازع غير طريقة التفويض بقسميها -وهما القسمان الساكتان -
ل أن ظاهرها غير مراد ،لنهم مؤيدون لهل مع قسم الذين يقولون ل نعلم ما أريد بها إ ل
التفويض في أن نصوص الصفات ل يعلم معناها ،وطريقة التأويل الذين يعينون المراد ،
وطريق السلف .
وفيما يلي ذكر أهم ما يستدل به علىّ أن نصوص الصفات معلومة المعنىّ ،وأن تأويلها ل
يجوز ،وهو مذهب السلف ،وبذلك يتبين بطلن طريقة التفويض وطريقة التأويل ،فلنبدأ أو ل
ل
بذكر أدلة بطلن طريقة التفويض:
أن ال تعالىّ أمر بتدبر القرآن أجمع ولم يستثإن منه شيئاا ،قال }إكمتاةب أممنمزملمناه إإملميمك هممبامرةك إلميندنبهروا
ص ، [29:وقال }أممفل ميمتمدنبهرومن املهقمرآمن{ ]النساء :من الية ، [82 آمياإتإه موإلميمتمذنكمر هأوهلو املمأملمباإب{ ] ل
وقال }أممفلممم ميندنبهروا املمقمومل أممم مجامءههمم مما لممم ميمأإت آمبامءهههم املمأنوإليمن{ ]المؤمنون ، [68:وفي هذه الية
حض الكفار والمنافقين علىّ تدبر القرآن فدل علىّ إمكانهم فكيف بالمؤمنين.
وقال تعالىّ }إإننا أممنمزملمناه هقمرآنا معمرإبليا لممعلنهكمم متمعإقهلومن{ ]يوسف ، [2:ولم يستثإن منه شيئاا ل يعقل ول
ريب أن أعظم ما دل عليه القرآن ما أخبر ال به عن صفاته ،فكيف يذم من تدبر أعظم ما دلل
عليه وتعلم معانيه وأحكامه ،كيف والقرآن مليء بآيات الصفات ،ومنها التي أدعي أنها توهم
التشبيه كالستواء في سبع آيات ،والمجيء ،والتيان ،والتجلي ،والعين ،والوجه ،واليد ،
وذكر ما يدل علىّ أنه فوق العرش ،في آيات كثإيرة ل تحصي إ ل
ل بكلفة.
أن ال تعالىّ ذم من ل يفهم القرآن فقال }موإإمذا مقمرمأمت املهقمرآمن مجمعملمنا مبميمنمك مومبميمن النإذيمن ل هيمؤإمهنومن
إباملآإخمرإة إحمجابا مممسهتورا * مومجمعملمنا معملىّ هقهلوإبإهمم أمإكنلة أممن ميمفمقههوه موإفي آمذاإنإهمم مومقرا( )السراء-45 :
، [46وقال تعالىّ } مفمماإل مههؤلإء املمقموإم ل ميمكاهدومن ميمفمقههومن محإديثإا{ ]النساء :من الية ، [78فلو
كان المؤمنون ل يفقهون أعظم ما دل عليه لكانوا مشاركين للكفار والمنافقين فيما ذمهم ال
تعالىّ به .
صم هبمكةم هعممةي مفهمم وقال تعالىّ }مومممثإهل انلإذيمن مكمفهروا مكمممثإإل انلإذي ميمنإعهق إبمما ل ميمسممهع إإنلا هدمعالء موإنمدالء ه
ل ميمعإقهلومن{ ]البقرة ، [171:وقال }موإممنهمم مممن ميمسمتإمهع إإلمميمك محنتىّ إإمذا مخمرهجوا إممن إعمنإدمك مقاهلوا إلنلإذيمن
هأوهتوا املإعملم ممامذا مقامل آإنفا هأوملإئامك انلإذيمن مطمبمع اللنه معملىّ هقهلوإبإهمم موانتمبهعوا أممهموامءههمم{ ]محمد ، [16:فقد
ل سماع الصوت دون فهم المعنىّ واتباعه ،فكيف يكون أراد ذم من لم يكن حظه من السماع إ ل
2
من نصوص الصفات ما ذمه ال من السماع الخالي من الفهم والعقل .
47
وقال أيضا }موإممنهمم أهبمريومن ل ميمعلمهمومن املإكمتامب إإنلا أممماإنني موإإمن ههمم إإنلا ميهظرنومن{ ]البقرة ، [78:قال ابن
جرير } ل يعلمون ما في الكتاب الذي أنزله ال ول يدرون ما أودعه من حدوده وأحكامه
وفرائاضه كهيئاة البهائام { ثإم روى عن ابن عباس رضي ال عنهما مثإل هذا. 1
أن ال أخبر عن القرآن أنه أنزله تبيانا لكل شيء قال تعالىّ }مومننزملمنا معلمميمك املإكمتامب إتمبميانا إلهكبل مشميءء
موههدلى مومرمحمملة موهبمشمرى إلملهممسإلإميمن{ ]النحل :من الية ، [89ومقتضىّ كونه تبيانا لكل شيء
وجود البيان الشافي فيما يجب ويستحيل ويجوز بالنسبة ل فيه .
أن ال أخبر عن القرآن وغيره من الكتب اللهية أنه حاكم بين الناس فيما اختلفوا فيه قال تعالىّ
}موأممنمزمل مممعههم املإكمتامب إباملمحبق إلميمحهكم مبميمن النناإس إفيمما امخمتلمهفوا إفيإه{ ]البقرة :من الية ، [213والقول
ل ال يلزم منه أن الخلف الذي وقع بين أهل هذا الدين في بأن آيات الصفات ل يعلم معناها إ ل
أعظم مسائاله ليس في القرآن الحكم فيه وهذا خلف ما دل عليه القرآن من أنه حاكم بين الناس .
الدأليل الخاماس:
أن القرآن مليء بآيات الصفات كما تقدم والقول بأنها ل يعلم معناها ،ويجب فيها التفويض
الكلي يلزم منه أن ال تكلم في كثإير من القرآن بما ل فائادة فيه وهو محال إذ يلزم منه العبث
وهو نقص.
أن النبلي -صلىّ ال عليه وسلم -تكلم في نصوص الصفات في أحاديث كثإيرة وفي الصحيحين
من ذلك جملة وافرة ،فمما رواه البخاري :قال عليه الصلة والسلم )لما خلق ال الخلق كتب
في كتابه وهو يكتب علىّ نفسه وهو وضع عنده علىّ العرش -إن رحمتي تسبق غضبي(. 2
وقال )إن ال ل يخفي عليكم أن ال ليس بأعور وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنىّ(. 3
وقال ) يجمع ال المؤمنين يوم القيامة كذلك فيقولون :لو استشفعنا إلىّ ربنا يريحنا من مكاننا
هذا فيأتون آدم فيقولون يا آدم أما ترى الناس ،خلقك ال بيده ...الحديث(. 4
48
وقال )يد ال ملى ل يغيضها نفقة ..وبيده الخرى الميزان يخفض ويرفعه(. 1
وعن عبد ال بن مسعود ) أن يهوديا جاء إلىّ النبلي صلىّ ال عليه وسلم فقال :يا محمد إن ال
يمسك السماوات علىّ إصبع والرضين علىّ إصبع والجبال علىّ إصبع والشجر علىّ إصبع
والخلئاق علىّ إصبع ثإم يقول أنا الملك فضحك رسول ال -صلىّ ال عليه وسلم -حتىّ بدت
نواجذه تعجبا وتصديقا له(. 2
وقال )إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ل تضامون في رؤيته(. 3
وقال ) إن ال تبارك وتعالىّ إذا أحب عبدا نادى جبريل إن ال قد أحب فلنا فأحبه فيحبه جبريل
...الحديث(. 5
وقال )يتنزل ربنا تبارك وتعالىّ إلىّ السماء حين يبقىّ ثإلث الليل الخر فيقول من يدعوني
فأستجيب له ،من يسألني فأعطيه ،من يستغفر ني فاغفر له(. 6
وقال )يقبض ال الرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثإم يقول أنا الملك أين ملوك
الرض(. 7
وهذه النصوص غيض من فيض ،فإنها لكثإرتها قد صنفت فيها مصنفات خاصة ،يكثإر فيها
ذكر أحاديث الصفات ،كالكتب المسماة بكتب السنة ،ككتاب السنة لبن أبي عاصم ،
وللمروزي ،ولعبد ال ابن أحمد ،ولللكائاي ،والصفات للدارقطني ،والتوحيد لبن خزيمة ،
وغيرها وفيها من النصوص ،ما ل يحصىّ إ ل
ل بكلفة ،فهل يقال إنها كلها ل يفهم معناها ،
والواجب السكوت عنها ،وإن هذا هو مذهب السلف؟ وإذا قيل إن فائادة ذكرها في القرآن التعبد
بتلوتها فحسب -مع أن هذا باطل -فما فائادة ذكرها في الحاديث ،وهل يلزم من ذلك إ ل
ل
نسبة العبث إلىّ مقام النبوة الرفيع.
49
فهذا كالتفسير لقول ال تعالىّ }وما قدروا ال حق قدره والرض جميعا قبضته يوم القيامة
والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالىّ عما يشركون{ ،ومنها ما رواه البخاري من حديث
أبي سعيد الخدري رضي ال عنه )قال قلت يا رسول ال هل نرى ربنا يوم القيامة ،قال هل
تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كان صحوا قلنا ل ،قال فإنكم ل تضارون في رؤية ربكم
ل كما تضارون في رؤيتهما ...وفي الحديث إن ال يأتي يوم القيامة لمن كان يعبده من يومئاذ إ ل
بر أو فاجر فيقول ) أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فل يكلمه إ ل
ل النبياء فيقول هل بينكم وبينه آية
تعرفونها ؟ فيقولون الساق فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ويبقىّ من كان يسجد ل رياء
وسمعة فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقا واحدا ...الحديث (. 1
ومنها ما رواه البخاري أيضا قال النبلي صلىّ ال عليه وسلم ) ال أرحم بعباده من هذه بولدها (
هو كالتفسير لقول ال تعالىّ }مومرمحممإتي موإسمعمت هكنل مشميءء{ ]العراف :من الية ، [156ومعلوم
هذه الصيغة )أرحم( قاطعة في إرادة الحقيقة فكيف يصنع من يقول الرحمة هي إرادة الثإواب. 2
فإذا كان النبلي صلىّ ال عليه وسلم يتكلم بما هو كالتفسير للقران ،ويأتي بألفاظ أخرى تدل علىّ
نفس معاني القرآن في هذا الباب ،فكيف يقال ل يعمل معاني القرآن ، ،وهل يفسر القرآن بما
ل يعلم معناه .
إن الصحابة رضي ال عنهم كانوا يسألون رسول ال -صلىّ ال عليه وسلم -فيجيبهم بما فيه
الخبر عن بعض الصفات ،ومعلوم أن الجواب المشتمل علىّ ما ل يفهم معناه ،علي منزه عنه
رسول ال -صلىّ ال عليه وسلم ، -فمن ذلك ما رواه مسلم عن مسروق قال :سألنا عبد ال
)هو ابن مسعود( عن هذه الية }ول تحسبن الذين قتلوا في سبيل ال أمواتا بل أحياء عند ربهم
يرزقون { ،قال :أما إنا سألنا عن ذلك فقال )أرواحهم في جوف طير خضر ،لها قناديل معلقة
بالعرش ،تسرح من الجنة حيث شاءت تأوي إلىّ تلك القناديل ،فاطلع إليهم ربهم اطلعة فقال
:تشتهون شيئاا ؟ قالوا :أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئانا ،ففعل ذلك بهم
ثإلث مرات ،فما رأوا أنهم لن يتركوا من يسألوا ،قالوا :يارب نريد أن ترد أرواحنا في
أجسادنا حتىّ نقتل في سبيلك مرة أخرى ،فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا(. 3
50
فهذه اللفاظ المذكورة في الجواب من ذكر اطلع ال إلىّ الشهداء ،وخطابه لهم مباشرة ،
وفعل ذلك ثإلث مرات ن وهم مع ذلك في جواره مما يفسر قوله تعالىّ )أحياء عند ربهم
يرزقون( ،إما أنها معلومة المعنىّ فيكون السائال قد استفاد من الجواب ،وإما أن يقال ل يعلم
معنىّ هذا ،ول نتكلم في ذلك فينسب إلىّ رسول ال -صلىّ ال عليه وسلم -العبث والعلي.
أن القول بأن آيات الصفات أو بعضها ل يعلم معناها يلزم منه أن النبلي -صلىّ ال عليه
وسلم ، -لم يكن يفهم معان هذه اليات كقوله تعالىّ }استوى علىّ العرش{ } ،وجاء ربك{ ،
}تجلىّ ربك{ } ،ويبقىّ وجه ربك{ } ،خلقت بيدي{ ،وغيرها ول يفهم معاني ما كان يتكلم به
من أمثإال ما تقدم في الدليل السادس ،ومعلوم أن النبلي -صلىّ ال عليه وسلم ، -ربما تكلم
بالحاديث الطويلة ،وأدخل فيها بعض اللفاظ التي تدل علىّ الصفات ،مثإل حديث الشفاعة
الذي ذكر فيه التيان والتكليم وغيرها ،فهذا القول يلزم منه أنه كان إذا أتىّ علىّ هذه اللفاظ
سرده دون أن يعلم معناها ،إذ لو كان يعلم دللتها علىّ شيء ،لوجب عليه بيانه للناس وعدم
كتمانه وقد علم أنه -صلىّ ال عليه وسلم -لم يقل يوما هذه اللفاظ ل تعتقدوا ظاهرها ،فإن لها
معنىّ ل يعلمه إ ل
ل ال. 1
الدأليل العاشر:
وهو أن هذا القول ،أعني القول بتفويض معاني نصوص الصفات ،قد يفتح باب اللحاد ،
فيقول الملحدون إن نبلي هذا الدين ل يعرف معاني ما أنزل عليه ،وأصحابه الذين علمهم كذلك
مثإله ،فينبغىّ طلب هذه المور المهمة من جهة غيره ،فإن قيل لهم هذا مما ل يمكن لحد
ل ال ،لكن من أين لكم أنمنعوا ،وقالوا :إن ما في القرآن :إن ذلك الخطاب ل يعلم معناه إ ل
المور اللهية ل تعلم بالدلة العقلية التي يقصر عنها البيان بمجرد الخطاب والخبر. 2
إنا نعلم أن الصحابة كانوا يعلمون معاني آيات الصفات لن العادة المطردة توجب اعتناء السلف
بالكتاب المنزل عليهم لفظا ومعنىّ ،فإن من قرأ كتابا في الطب والحساب وغير ذلك فلبد أن
تكون نفسه راغبة في فهمه وتصور معانيه ،فكيف بالذين قرءوا كتاب ال الذي به هداهم
وعرفهم الحق من الباطل ،فمن المعلوم أن رغبتهم في فهمه وتصور معانيه أعظم الرغبات بل
رغبة رسول ال -صلىّ ال عليه وسلم -في تعريفهم معاني القرآن أعظم من تعريفهم حروفه.3
51
خلصة ماا تقدأم:
ل أن يقال هذه أن هذه الحجج الدامغة ،دافعة ل محالة ،هذه المقالة ،إلىّ الحضيض ،فلم يبق إ ل
النصوص المخبرة عن ال سواء قيل كلها أو بعضها ،معناها معلوم للراسخين في العلم ،ثإم ل
يخلو المر إما أن يقال ذلك المعنىّ هو ظاهرها وأنها صفات ل تعالىّ لئاقة به ،وإما أن يقال
بل معناها غير ذلك ول تدل علىّ صفات ال وهي طريقة التأويل.
أن قصد المتكلم من المخاطب حمل كلمه علىّ خلف ظاهره وحقيقته ينافي قصد البيان
والرشاد )وهو حقيقة التأويل( ،وقد وصف ال آياته بأنها بينات ،مبينات وقال }ول يأتونك
ل جئاناك بالحق وأحسن تفسيرا( ،فكيف يقال إن أعظم ما دل عليه القرآن مصروف عن بمثإل إ ل
ظاهره. 1
أن النبلي -صلىّ ال عليه وسلم -تل آيات التنزيل علىّ العام والخاص وتكلم بألفاظ كثإيرة في
هذا الباب للعلماء والعراب ،ولو كان ظاهره غير مراد لوجب أن يقترن بهذا كله ما يبين أن
ما أتلوه عليكم وأذكره لكم من النزول وإتيان الرب يوم القيامة ،والصابع ،وأن ال ليس
بأعور ،وأن يد ال ملى وبيده الخرى الميزان وإن ال كتب في كتاب عنده فوق العرش ،
وأني ل زلت اختلف بين ربي وموسىّ ليلة المعراج في شأن الصلة .
أن ذلك كله ليس علىّ ظاهره ،وإياكم أن تعتقدوه علىّ ظاهره فلما علم أنه -صلىّ ال عليه
وسلم -لم ينطق قط بمثإل هذا لح أنه أراد أن يعتقد ظاهره مع التنزيه. 2
يزيده وضوحا :أن النبلي -صلىّ ال عليه وسلم -كان يذكر أحاديث الصفات في المجامع ،
وعلىّ المنبر ،ولم يذكر مع ذلك ما يدل علىّ أنه يريد خلف الظاهر من أن هذه صفات ال
وأفعاله ،فمن ذلك ما رواه مسلم من حديث عبد ال بن عمر قال :رأيت رسول ال -صلىّ ال
عليه وسلم -علىّ المنبر وهو يقول يأخذ الجبار عز وجل سماواته وأرضه بيديه فيقول أنا ال ،
أنا الملك ،حتىّ نظرت إلىّ المنبر يتحرك من أسفل شيء منه ،حتىّ أني أقول أساقط هو
52
برسول ال -صلىّ ال عليه وسلم. 1 -
ومن ذلك ما رواه مسلم أيضا من حديث جابر في ذكر حجة الوداع ،وفيه أن النبلي -صلىّ ال
عليه وسلم -قال) :وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب ال ،وأنتم تسألون
عني ،فما أنتم قائالون ،قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فقال بإصبعه السبابة ،يرفعها
إلىّ السماء وينكتها إلىّ الناس اللهم أشهــد ،اللهم اشهد ( ، 2وذكره اللهم فاشهد مع إشارته
إلىّ السماء في هذا المجمع العظيم ،في خطبة يوم عرفة ،الذي يحضره عوام المسلمين
وعلماؤهم ،مع عدم اقتران ذلك بما يصرف هذا الظاهر ،قاطع في إرادة الظاهر .
الدأليل الثالث:
أن النبلي -صلىّ ال عليه وسلم -سأل بعض المؤمنين عن بعض ما يتعلق بهذا الباب فلما أجيب
ل علىّ صحة اليمان ومعلوم أن هذا قاطع في عدم بالثإبات سكت عن المجيب بل جعل ذلك دلي ل
إرادة خلف الظاهر ،ومن ذلك ما رواه مسلم عن عطاء بن الحكم السلمي ،وفي الحديث أنه
ضرب جارية له قال :فأتيت رسول ال -صلىّ ال عليه وسلم -فعظم ذلك عللىّ ،قلت يا
رسول ال أفل أعتقها ،قال :إئاتني بها ،فأتيته بها فقال :أين ال؟ قالت في السماء ،قال من أنا
قالت أنت رسول ال قال أعتقها فإنها مؤمنة. 3
قال الذهبي بعد هذا الحديث )هذا حديث صحيح أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وغير واحد
من الئامة في مصنفاتهم يمرونه كما جاء ول يتعرضون له بتأويل ول تحريف ،وهكذا كل من
يسأل أين ال ؟ يبادر بفطرته ويقول في السماء ففي الخبر مسألتان :إحداهما شرعية قول
المسلم أين ال ؟ وثإانيهما قول المسؤول :في السماء ،فمن أنكر هاتين المسألتين فكأنما ينكر
علىّ المصطفىّ. 4
وهو إجماع السلف علىّ عدم تأويل هذه النصوص بل استثإناء شيء منها ،وقد تقدم ذكر ما يدل
علىّ أن هذا إجماع متيقن ،والجماع حجة قاطعة فيجب المصير إليه ،وقد اعترف أكابر أهل
التأويل أن السلف لم يؤولوا هذه الصفات لكنهم أرادوا بهذه المقالة أنهم ـ أي السلف ـ لم
يعينوا المراد مع اعتقادهم أن هذه النصوص ل تدل علىّ الصفات -أي النصوص التي توهم
التشبيه -وقد تقدم بطلنه ،أي بطلن زعم أهل التأويل هذا .
غير أنه يستفاد من قول أهل التأويل هذا ،أن أحدا من السلف لم ينطق بلفظ يدل علىّ تأويل
نصوص الصفات باتفاق الفريقين ،وممن ذكر هذا عن السلف أمام الحرمين أبو المعالي في
النظامية ومنه قوله )فلو كان تأويل هذه الي ،والظواهر مسوغا أو محتوما لوشك أن يكون
اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة ،وإذا انصرم عصرهم وعصر التابعين علىّ
53
الضراب عن التأويل كان ذلك قاطعا بأنه الوجه المتبع ، 1وقال ابن حجر بعد أن ذكر قول أبي
المعالي هذا ) وقد تقدم النقل عن أهل العصر الثإالث وهم فقهاء المصار كالثإوري والليث ومن
عاصرهم وكذا من أخذ عنهم الئامة ،فكيف ل يوثإق بما اتفق عليه أهل القرون الثإلثإة وهم خير
القرون بشهادة صاحب الشريعة(. 2
وهو أن التأويل قد صار إليه أهله ،لما قالوا إن ظاهر كثإير من نصوص الصفات هو التشبيه
والتجسيم فلبد من إرادة غير الظاهر ،وهذا يلزم منه أمور باطلة تدل علىّ أن هذا القول باطل
وهي :
) (1أن يكون ظاهر القرآن والسنة كفرا وضلل في مواضع كثإيرة ،وهذا ينافي بالهدى
والرحمة وشفاء الصدور في كثإير من اليات. 3
) (2أن يكون الحق والصواب في هذا الباب العظيم لم يبين بيانا واضحا في القرآن ،بل أريد من
العباد أن يفهموا خلف ظاهر كثإير من نصوصه من قوله )ليس كمثإله شيء ( كما زعموا ،
وهذا شبيه باللغاز ينافي وصف القرآن بأنه تبيان لكل شيء .
) (3أن يكون خطاب ال ورسوله في هذا الباب قد تنوع تنوعا كثإيرا بما ظاهره خلف الحق
وهذا واضح في مسألة العلو ،فقد جاء تارة بأنه }استوى علىّ العرش{ ،وتارة بأنه }القاهر فوق
عباده{ وتارة بأنه }العلي العلىّ{ ،وتارة )بأنه الملئاكة تعرج إليه( ،وتارة )بأن الكتاب ينزل
من عنده( ،وتارة )بأنه في السماء( ،وتارة )بأنه الظاهر الذي ليس فوقه شيء ( ،وتارة )بأن
النبلي عرج إليه وكلمه( ،وتارة ) بأن المؤمنين يرونه فوقهم يوم القيامة( ،وغير ذلك ،ثإم أريد
من العباد أل يعتقدوا أن ال فوق العالم بل يعتقدوا أنه ليس في شيء من الجهات ،ول داخل
العالم ول خارجه ول متصل به ول منفصل عنه ول يشار إليه بالشارة الحسية ،ول يأتي لفظ
صا ول ظاهرا علىّ هذه العقيدة بل يترك لكافة المؤمنين أن يعتقدوا ذلك من محض واحد يدل ن ل
عقولهم وقدرتهم علىّ استنباط ذلك من قوله )ليس كمثإله شيء ( .
4
وكذلك يلزم أن يكون خطاب ال ورسوله استعمل فيه أسلوب التأكيد والعادة والتكرير علىّ
أمر ما ،ومع ذلك فهو فيما استعمل فيه هذه الساليب ليس علىّ ظاهره مثإل قوله }وكلم ال
موسىّ تكليما{ فإنه ليس علىّ ظاهره عند أهل التأويل أما المعتزلة فكلمه مخلوق وأما غيرهم
فكلم ال النفسي ل يسمع منه وإنما ألقي في روع موسىّ المعنىّ فليس الخطاب علىّ ظاهره
أيضا .
ومثإل ذكر الستواء مرات عديدة علىّ العرش مادحا نفسه به في سبع مواضع من القرآن ،
1النظامية ص . 33
2فتح الباري 13/406ـ ، 407وانظر ما نقل عن الئامة المذكورين ،وقوله بشهادة صاحب الشريعة
يقصد بذلك حديث ) خير الناس قرني ،ثإم الذين يلونهم ،ثإم الذين يلونهم ..الحديث ( رواه البخاري ،
ينظر فتح الباري . 5/259
3ينظر أضواء البيان . 2/285
4ينظر في هذا الدليل مختصر الصواعق المرسلة ص 41ـ . 46
54
فيلزم إذا قيل بعدم إرادة الظاهر أن يكون الخطاب أكد وأعيد وكرر علىّ ظاهر غير مقصود
وهذا يلزم منه نسبة التلبيس إلىّ الكتاب والسنة وهذا من أعظم الباطل .
وهو أن عقيدة السلم سهلة ،يمكن لدنىّ الناس علما أن يفهمها والقول بتأويل هذه النصوص
يعكس المر ،فإنه ل عسر علىّ المة من أن يراد منهم ،أن يفهموا كونه سبحانه ل داخل
العالم ،ول خارجه ،ول متصل به ،ول منفص ل
ل عنه ،ول مباينا ،ول محايثإا له ،ول يرى
بالبصار عيانا ،ول له يد ،ول وجه ،مع كثإرة النصوص التي ظاهرها خلف هذا ،يفهموا
ذلك كله من قوله }قل هو ال أحد{ } ،ليس كمثإله شيء{ . 1
أن القول بالتأويل وأن نصوص الصفات علىّ خلف ظاهرها يفتح باب الزندقة واللحاد ،وذلك
أن الزنادقة سيحتجون بجواز تأويل نصوص الصفات علىّ جواز تأويل نصوص المعاد وأنها
علىّ خلف ظاهرها 2فيقولون المقصود بنصوص الحشر التمثإيل لما يحصل للروح من نعيم من
دون الجسد ،إن كانوا ممن ينكر حشر الجساد .
أو يقولون باطن هذه النصوص ل يدل علىّ المعاد وإنما قصد بالظاهر تمثإيل ما يحصل للروح
من نعيم في أجساد أخرى ،إن كانوا ممن يقول بالتناسخ إلىّ غير ذلك من دهاليز الزندقة .
ولما ظهر مضمون هذين الدليلين لبعض من تجرد لما يسمىّ بعلم النظر ،وتبين له أن القول
بتأويل ظواهر بعض النصوص المقتضية للتشبيه عنده ،يجعل العتقاد عسيرا علىّ المة ن
وقد يؤدي إلىّ فسادهم ،قال وهو السعد التفتازاني في شرح المقاصد ) :فإن قيل إذا كان الدين
الحق نفي الجهة والحيز ،فما بال الكتب السماوية والحاديث النبوية مشعرة في مواضع ل
تحصىّ بثإبوت ذلك من غير أن يقع في موضع واحد منها تصريح بنفي ذلك وتحقيق 3كما
كررت الدللة علىّ وجود الصانع ووحدته وعلمه وقدرته وحقيقة المعاد وحشر الجساد في عدة
مواضع ،وأكد غاية التأكيد مع أن هذا أيضا حقيق بغاية التأكيد ،والتحقيق ،كما تقرر في
فطرة العقلء مع اختلف الديان والراء من التوجه إلىّ العلو عند الدعاء ومد اليدي إلىّ
السماء ؟ أجيب :بأنه لما كان التنزيه عن الجهة مما تقصر عنه عقول العامة ،حتىّ تكاد تجزم
بنفي ما ليس في جهة ،كان النسب في خطابهم والقرب إلىّ صلحهم ،والليق إلىّ دعوتهم
الحق ،ما يكون ظاهرا في التشبيه ،وكون الصانع في أشرف الجهات مع تنبيهات دقيقة علىّ
التنزيه المطلق عما هو من سمة الحدوث(. 4
فلينظر العاقل بعد هذا ،ما الذي أدى إليه جعل ظواهر الشريعة تقتضي التشبيه ،ثإم تسليط
التأويل عليها من شبه القرمطة وعقائاد الباطنية ،وانظر كيف صرح هذا المام في علم الكلم
أن بعض ما يدل علىّ التأويل ل يصلح لجمهور أمة السلم .
1ينظر في هذا الدليل مختصر الصواعق ص . 46
2ينظر مجموع ابن تيمية 5/32ـ . 33
3كذا بالصل .
4نقل عن التنكيل للمعلمي . 2/357
55
وقوله ) مع تنبيهات دقيقة علىّ التنزيه المطلق ( هو معنىّ اللغاز وهو غير لئاق بالقرآن
الموصوف بأعلىّ درجات البيان كما تقدم في الدليل الخامس .
ثإم زعم أن أكثإر ظواهر اليات ونصوص الصفات يجب إلقائاها إلىّ الجمهور ،وإن اقتضت
3
التجسيم علىّ زعمه خوفا عليهــم من التعطيل ، 2ولنهم يعسر عليهم فهم دليل نفي الجسمية
،ولئال يسلك الشك إلىّ قلوبهم في أمر المعاد ، 4ثإم لما ذكر بعض النصوص التي ادعي أنها
تقتضي الجسمية )كاطلع الباري إلىّ أهل المحشر ( وأنه هو الذي يتولىّ حسابهم وحديث
ل يصرح للجمهور بما يؤول إلىّ إبطال هذه الظواهر فإن تأثإيرها النزول والرؤية قال )فيجب إ ل
في نفوس الجمهور إنما هو إذا حملت علىّ ظاهرها ،وأما إذا ألولت فإنما يؤول المر فيها إلىّ
أحد أمرين :إما أن يسلط التأويل علىّ هذه وأشباه هذه في الشريعة فتتمزق الشريعة كلها ...
وإما أن يقال في هذه كلها إنها من المتشابهات ،وهذا كله إبطال للشريعة محولها من النفوس
من غير أن يشعر الفاعل لذلك بعظيم ما جناه علـىّ الشريعة(. 5
فهذا تصريح من هذين المامين فيما يسمىّ بصناعة البرهان ،أن التأويل ،يجعل بعض عقيدة
السلم عسيرا علىّ المة ،وقد يؤدي إلىّ هتك الدين كله ،واستدل بذلك علىّ أن الواجب
إظهار خلف الحق لهم وعدم إلقاء التأويل إليهم ،والحق أن الولىّ أن يستدل به علىّ بطلن
التأويل ،إذ كيف يكون الحق الذي جاء به الرسول فيما يجب ل ويستحيل ل يناسب فطرة العباد
،فهذا ما جناه التأويل علىّ الدين .
إما أن يقال بتأويلها كلها أو بعضها ،ولريب أن القول بتأويلها كلها وأن ال أراد بذكر صفة
العلم والسمع والبصر ،والحياة وكل ما وصف به نفسه خلف الظاهر ،من أبطل الباطل
وأعظم الفتراء علىّ الشريعة .
ل أن يقال بتأويل بعضها وهو تحكم محض إذ العلة التي أوجبت تأويل الكل ل زالت فلم يبق إ ل
في البعض وهو اقتضاء التجسيم ،ول يستطيع صاحب التفريق أن يأتي بحجة مستقيمة عليه ،
فإن قال لن هذه التي أوجبت فيها التأويل توجب التشبيه ،والتجسيم قال منازعن الذي يؤول
الكل وكذلك السمع والبصر والكلم يوجب التجسيم وإذا بطل القسمان ،بطل القول بتأويل
56
الصفات. 1
الدأليل التاسإع:
أن التأويل لو كان حقا وأن ظاهر النصوص غير مراد ،بل هي من باب المجاز للزم من ذلك
جوار نفيها عند الطلق فيقال ليس بحي ،ول قدير ،ول عليم ،ول سميع ،وكذلك يقال ل
يحب ،ول يرحم ،ول يرضىّ ن ولم يستو ،ومعلوم أنه ل يجوز إطلق النفي علىّ ما أثإبته ال
،وإذا كان الملزوم باطل فاللزم باطل. 3
والخلصة أن هذه الدلة العشرة واضحة في بيان بطلن تأويل نصوص الصفات ،وهي مع ما
تقدم من أدلة بطلن التفويض فيها ل تدع ريبا في صحة طريقة في نصوص الصفات .
وقد استدل أهل التأويل بأدلة وهي أقرب إلىّ الشبهات منها إلىّ الحجج ،ولذا لم تذكر علىّ سبيل
المقارنة مع أدلة الطريقة السلفية ،وقد جعلوها عمدتهم في ادعاء أن نصوص الصفات من
المتشابه الذي يجب صرفه عن ظاهره بالتأويل وإنه ينبغي ذكرها والجواب عنها ليتبين بذلك
العلقة الصحيحة التي بين نصوص الصفات والمتشابه ،وهو موضوع المبحث الثإالث.
1ينظر في هذا الدليل مختصر الصواعق ص 18ـ ، 19وأضواء البيان للشنقيطي 2/275ـ . (276
2ينظر في هذا الدليل مختصر الصواعق ص 22ـ ،23ومجموع فتاوى ابن تيمية . 3/26
3ينظر مجموع فتاوى ابن تيمية . 5/197
57
قائمة المحتويات
-الفصل الول :أقوال الطوائف السإلماية في صفات ال تعالى والقول الصحيح مانها والدألة
على صحة وبطلنا ماا سإواه ..........................................ص 3
-الماطلب الثاني :تحقيق القول الصحيح في هذا الباب وبيانا أسإباب الخطأ في نسإبة
ماذهب السإلف الصحيح إليهم ..........................................ص 11
-الردأ على مانا زعم أنا السإلف كانوا ل يعبرونا عنا ماعاني نصوص الصفات بغير
تلوتها الماجردأة لأنهم لم يكونوا يفهماونا مانها شيئا ...................ص 18
58
-تنبيهات ماهماة جدأا ..................................................ص 28
-الماطلب الثالث :الدألة على صحة ماذهب السإلف في الصفات وإبطال ماذهبي المافوضة
والماؤولة .........................................................ص 48
59