You are on page 1of 59

‫المقدمة‬

‫الحمد ل الذي أنزل الكتاب بالحق ‪ ،‬ولم يجعل له عوجا ‪ ،‬أشهد أن ل إله إل هو شهادة من أسلم‬
‫وجهه ل ‪ ،‬فلم يجد حرجا ‪ ،‬وأشهد أن محمدا صللىّ ال عليه وسلم عبده ورسوله ‪ ،‬الصادق‬
‫المصدوق مدخل ومخرجا ‪ ،‬اللهم صلل وسللم وبارك عليه وعلىّ آله ‪ ،‬وصحبه ‪ ،‬ومن اتخذ دينه‬
‫منهجا ‪.‬‬
‫وبعد ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫فهذا كتاب وضعته للرد علىّ أهل التعطيل والتأويل لصفات ال تعالىّ ‪ ،‬وقد ذكرت فيه الدلة‬
‫من الكتاب والسنة وإجماع السلف ‪ ،‬من أن نصوص صفات ال تعالىّ ‪ ،‬الواردة في الكتاب و‬
‫السنة ‪ ،‬يجب اليمان بما دلت عليه من صفات لئاقة بجلل ال ‪ ،‬وعظمته جل شأنه ‪ ،‬مع‬
‫تفويض كيفلياتها ـ ل معانيها ـ إليه سبحانه ‪ ،‬وأن ذلك هو معنىّ ما أطبق عليه السلف بقولهم ‪:‬‬
‫أمروها كما جاءت بل كيف ‪.‬‬
‫كما ذكرت أهم الشبه التي استدل بها أهل التعطيل والتأويل من كتبهم المعتمدة عندهم ‪ ،‬ونقضتها‬
‫من كلم أهل العلم ‪ ،‬من أئامة أهل السنة والجماعة ‪ ،‬وأضفت إلىّ ذلك بعض ما ظهر لي أيضا‬
‫من الردود ‪.‬‬
‫وقد حاولت أن أجعل القارئ المقتصد ل يحتاج إلىّ مطالعة غير هذا الكتاب ‪ ،‬إذا اضطر إلىّ‬
‫ل فالنقص أحرى بي‬ ‫الرد علىّ أهل البدع في هذا الباب ‪ ،‬وأرجو أن أكون قد وفقت في ذلك ‪ ،‬وإ ل‬
‫وأولىّ ‪ ،‬وقد أحاط بي ‪ ،‬واستولىّ ‪.‬‬
‫هذا وينبغي التذكير بأن إظهار نصوص الكتاب والسنة في صفات ال تعالىّ ‪ ،‬ونشرها بين‬
‫الناس ‪ ،‬وتعليمهم طريقة السلف في فهم صفات ال تعالىّ علىّ سبيل الجمال ‪ ،‬وترك الناس‬
‫وفطرتهم تمر عليهم اليات والحاديث كما أنزلت ‪ ،‬يفهمون مما يقرؤونه في القرآن والسنة ‪،‬‬
‫علىّ أساس الثإبات مع التنزيه ‪ ،‬وقطع الطمع عن التكييف ‪ ،‬هو منهج السلف في القرون الولىّ‬
‫‪ ،‬وهو أقوى رد علىّ كل مبتدع ‪.‬‬
‫وإنما ينزل الرد عليهم بدفع شبههم ‪ ،‬منزلة الضرورة ‪ ،‬فإن كانت بدعهم مطوية ‪ ،‬وآراؤهم‬
‫الردلية مخفية ‪ ،‬فالواجب العراض عنهم بالكللية ‪.‬‬
‫وقد سميت الكتاب ) بأم البراهين ( لنني اعتنيت فيه بذكر البراهين الجللية ‪ ،‬علىّ صحة نهج‬
‫السلف ‪ ،‬في فهم أسماء ال تعالىّ الحسنىّ ‪ ،‬وصفاته العللية ‪.‬‬

‫هذا وأسأل ال تعالىّ أن يجعل عملي خالصا لوجهه الكريم ‪ ،‬وان ينفعني به يوم ل ينفع مال ول‬
‫بنون إل من أتىّ ال بقلب سليم ‪ ،‬آمين والحمد ل رب العالمين ‪.‬‬

‫حامد بن عبد ال العلي‬


‫غرة جمادى الخرة ‪1423‬هـ‬

‫الفصل الوأل‬
‫أقوال الطوائف السإلماية في صفات ال تعالى ‪ ،‬والقول الصحيح مانها والدألة‬
‫على صحة ‪ ،‬وبطلنا ماا سإواه‬

‫ويشتمل هذا الفصل علىّ هذه المطالب ‪:‬‬

‫أول ‪ :‬أقوال الطوائاف في صفات ال تعالىّ ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ثانيا ‪ :‬القول الصحيح منها ‪ ،‬وهو مذهب السلف ‪ ،‬والدلة علىّ صحته ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬إبطال مذهبي المفوضة ‪ ،‬والمؤولة في صفات ال تعالىّ ‪.‬‬

‫كما يتضمن بحثإا مهما في بيان أسباب الخطأ في حكاية مذهب السلف عند بعض العلماء وال‬
‫الموفق ‪.‬‬

‫المطلب الوأل‬
‫أقوال الطوائف في صفات ال تعالى‬

‫القول الول ‪:‬‬

‫قول من يجعل كل دليل دل علىّ الخبار عن صفة ولو ظاهرا ‪ ،‬يأخذ منه إثإبات صفة ل تعالىّ‬
‫انقيادا للسمع ‪ ،‬وهذا القول هو المنقول عن الصحابة والتابعين ‪ ،‬وقال به أئامة الدين المتقدمين‬
‫كالئامة الربعة والليث بن سعد والوزاعي والسفيانين وعامة فقهاء المصار في عصور‬
‫السلف وعامة أهل الحديث ‪ ،‬وهو قول غالب المنتسبين إلىّ مذهب المام أحمد ‪ ،‬وكثإير من‬

‫‪3‬‬
‫المنتسبين إلىّ المذاهب الخرى ‪ ،‬وسيأتي بيان ذلك لحقا إن شاء ال تعالىّ ‪.‬‬

‫ويمكن تقسيم الصفات علىّ هذا الساس إلىّ ‪ :‬صفات سلبية ‪ ،‬وصفات ثإبوتية‪.‬‬

‫أما الصفات السلبية ‪ :‬فهي ما نفاه ال عن نفسه أو نفاه عنه رسوله كالموت ‪ ،‬والنوم‪.‬‬

‫وأما الصفات الثإبوتية ‪ :‬فيمكن تقسيمها إلىّ ذاتية وفعلية ‪:‬‬

‫فالذاتية هي التي لم يزل ول يزال متصفا بها وهي نوعان ‪ :‬عقلية وخبرية ‪.‬‬

‫فالعقلية كالقدرة والعلم ‪ ،‬والخبرية ‪ -‬وهي التي ل تعرف إ ل‬


‫ل بالسمع ‪ -‬كالوجه واليدين ‪.‬‬

‫وأما الصفات الفعلية ‪ ،‬فهي التي تتعلق بمشيئاته واختياره ‪ ،‬إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها‬
‫) وقد تسمىّ الختيارية ‪ ،‬أو الفعال الختيارية ( ‪ ،‬وهي نوعان أيضا ‪:‬‬

‫عقلية وخبرية ‪ :‬فالولىّ كالخلق والرزق ‪ ،‬والثإانية كالمجىّ والنزول والستواء ‪.‬‬

‫وقد تكون الصفة ذاتية فعلية باعتبارين كالكلم فإنه صفة ذاتية لن ال لم يزل ول يزال متكلما ‪،‬‬
‫وباعتبار آحاد الكلم فإنه فعلية لن الكلم يتعلق بمشيئاته واختياره ‪ ،‬يتكلم متىّ شاء بما شاء كما‬
‫قال سبحانه )إإنمما أمممهره إإمذا أممرامد مشميئاا أممن ميهقومل لم ه هكمن مفميهكوهن( )يس‪. 1 (82:‬‬

‫القول الثاني ‪:‬‬

‫وهو قول من يحدد الصفات بسبع أو ثإمان صفات ‪ ،‬وقد يزيد بعضهم علىّ ذلك ‪ ،‬بما سيأتي‬
‫ذكره وأشهر من قال بهذا القول ‪ ،‬الشعرية ‪ ،‬والماتوريدية ‪ ،‬ويقسمون الصفات إلىّ أربعة‬
‫أقسام ‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫نفسية ‪ ،‬وسلبية ‪ ،‬ومعاني ومعنوية ‪.‬‬

‫فالنفسية هي الوجود ‪ ،‬والسلبية هي القدم ‪ ،‬والبقاء ‪ ،‬والمخالفة للحوادث ‪ ،‬والقيام بالنفس‬


‫والمعاني هي سبع صفات زائادة علىّ الذات ‪ ،‬وهي ‪ :‬الحياة ‪ ،‬والرادة ‪ ،‬والعلم ‪ ،‬والقدرة ‪،‬‬
‫والسمع والبصر ‪ ،‬والكلم ‪ ،‬والمعنوية عندهم هي كونه مريدا وقادرا وحيا ‪ ،‬عليما ‪ ،‬سميعا ‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫بصيرا ‪ ،‬متكلما ‪.‬‬

‫وأصحاب هذا القسم ل يعتبر أكثإرهم ما يثإبته القسم الول من الصفات الذاتية صفاتا ‪ ،‬كالوجه‬

‫‪ 1‬وينظر في تقسيم صفات ال تعالىّ علىّ هذا القول ‪ :‬شرح الواسطية للشيخ خليل هراس ص ‪، 89‬‬
‫والقواعد المثإلي للعثإيمين ص ‪21‬ـ ‪ ، 25‬وشرح الطحاوية لبن أبي العز ص ‪. 127‬‬
‫‪ 2‬متن السنوسية ‪.2‬‬
‫‪ 3‬المصدر السابق ‪ ،‬وقال المين الشنقيطي صاحب أضواء البيان أن المعنوية علىّ التحقيق هي كيفية‬
‫اتصاف ال تعالىّ بصفات المعاني ‪ ،‬كما ذكر أن الصفات السلبية لتدل علىّ معان وجودية بالمطابقة‬
‫أضواء البيان ) ‪2/277‬ـ ‪. (278‬‬

‫‪4‬‬
‫واليدين ‪ ،‬والعين ‪ ،‬بل نصوصها عندهم ل تدل علىّ صفات في نفس المر ‪ ،‬وإن كانت في‬
‫الظاهر كذلك ‪ ،‬ويجب تأويل ظواهرها عندهم ‪.‬‬

‫وكذلك الصفات الفعلية الخبرية كالمجيء والنزول والستواء ‪ ،‬وإذا اجتمع في طريق الثإبوت أن‬
‫يكون خبريا حديثإيا ‪ ،‬فل يسلم من التأويل عدد أكثإرهم أما الخبري القرآني فيثإبته بعضهم ‪.‬‬

‫وأعظم من يقول بهذا القول الشعرية ‪ ،‬فقد اتفق المنتسبون إلىّ هذا المذهب علىّ إثإبات سبع‬
‫صفات وهي المتقدم ذكرها ‪.1‬‬
‫ثإم اختلفوا هل ل صفة زائادة عليها وإن كنا ل نعلمها ‪،‬فجزم بعضهم بالنفي وجوز بعضهم أن‬
‫يكون له غيرها وإن كنا ل نعلمها‪.2‬‬

‫وزاد المتقدمون من أئامة المذهب الكبار ‪ ،‬صفة اليد والوجه ‪ ،‬كأبىّ بكر الباقلني‪ ، 3‬وأبىّ بكر‬
‫بن فورك‪ ، 4‬ونقل الذهبي عن كتاب البانة للباقلني إثإباته صفة العلو أيضا‪. 5‬‬

‫وسبب إثإبات هؤلء لهذه الصفات هو أن أبا محمد عبد ال بن سعيد بن كلب شيخ الشعري‬
‫‪6‬‬
‫الذي إنحاز إليه أبو الحسن بعد توبته من العتزال‬

‫‪7‬‬
‫‪ ،‬ابن كلب هو مثإبت لهذه الصفات الخبرية الذاتية كالوجه واليدين والعين والعلو‬

‫ولهذا فليس لبي الحسن قولن في هذه الصفات الخبرية علىّ التحقيق ‪ ،‬ول لئامة أصحابه‬
‫المتقدمين ‪ ،‬فالصفات الخبرية القرآنية يثإبتها قدماء أئامة الشعرية وبعض المتأخرين‪.. 8‬‬

‫أما متأخرو الشعرية ‪ ،‬فقد غلوا في التأويل ‪ ،‬كأبىّ المعالي الجويني ‪ ،‬وهو من أوائال من غل‬
‫فيه ‪ ،‬وهو شيخ أبي حامد وهذان مع الرازي والمدي ‪ ،‬قاربوا المعتزلة فأكثإروا من التأويل‬
‫وأنكروا صفة العلو ‪ ،‬والصفات الخبرية القرآنية التي أثإبتها المتقدمون ‪ ،‬وتكلموا في قواعد‬

‫‪ 1‬المواقف لليجي ص ‪281‬ـ ‪. 296‬‬


‫‪ 2‬المصدر السابق ص ‪. 296‬‬
‫‪ 3‬التمهيد له ص ‪. 295‬‬
‫‪ 4‬مشكل الحديث وبيانه ص ‪174‬ـ ‪. 183‬‬
‫‪ 5‬مختصر العلو ص ‪. 258‬‬
‫‪ 6‬ذكر الشهرستاني أن أبا الحسن الشعري لما ترك العتزال انحاز إلىّ جماعة منهم ابن كلب ‪ ،‬وأيد‬
‫مقالتهم بمناهج كلمية ‪ ،‬وصار ذلك مذهبا لهل السنة والجماعة ‪ ،‬ذكره في الملل والنحل ص ‪، 93‬‬
‫وهذا المذهب الكلبي هو الطور الثإاني لبىّ الحسن ‪ ،‬وغالب المنتسبين إليه من المتقدمين كالباقلني ‪،‬‬
‫وابن فورك ‪ ،‬علىّ قوله في هذا الطور ‪ ،‬وأما المتأخر ون كأبي المعالي ومن بعده فزادوا علىّ التأويل‬
‫الذي قاله به في هذا الطور للصفات الختيارية كما سيأتي ‪ ،‬زادوا تأويل الصفات الذاتية إل السبع ‪،‬‬
‫وزادوا أيضا إنكار العلو ‪ ،‬ولبىّ الحسن طور ثإالث وهو إثإبات كل الصفات وعدم التأويل مطلقا ‪ ،‬وهو‬
‫الذي صار إليه بأخرة ‪ ،‬كما يدل علىّ ذلك كتاب ) البانة والمقالت( ص ‪.297‬‬
‫‪ 7‬المقالت للشعري ص ‪196‬ـ ‪. 299‬‬
‫‪ 8‬أنظر المجموع لبن تيميه ) ‪ ، (12/203) ، (16/407) ، (6/52‬وانظر نقض التأسيس ) ‪، (2/15‬‬
‫) ‪2/34‬ـ ‪ ، (35‬وانظر الدرء ) ‪3/380‬ـ ‪ (381‬ومن المتأخرين الذين يثإبتون الصفات الخبرية‬
‫القرآنية البيهقي ) البيقهي وموقفه من اللهيات للغامدي ص ‪. 268‬‬

‫‪5‬‬
‫المذهب علىّ هذا الساس ‪.1‬‬

‫ل سيما الرازي فقد غل في التأويل جدا ‪ ،‬ثإم صنفت الكتب والمختصرات لدى الشعرية ‪ ،‬علىّ‬
‫هذا النحو من تأويل الصفات إ ل‬
‫ل السبع ‪ ،‬وقد تذكر فيها بعض الصفات الخبرية علىّ أنه قول ثإان‬
‫‪2‬‬
‫للصحاب ولبي الحسن‬

‫ولهذا فإن بعض المفسرين ممن ينتسب إلىّ هذا المذهب بعد هؤلء ‪ -‬مثإل البيضاوي ‪ -‬يؤولون‬
‫هذه الصفات خلفا للمتقدمين من أئامة المذهب ‪ ،‬وقد يذكرون الثإبات علىّ أنه قول ثإان‬
‫‪3‬‬
‫للصحاب‬

‫أما الصفات الفعلية التي تقوم بذات ال تعالىّ بمشيئاته واختياره وقدرته كالمجيء ‪ ،‬والنزول ‪،‬‬
‫وطي السماوات ‪ ،‬وما شابه هذا من النصوص ‪ ،‬فل يثإبتونها ‪ ،‬ويؤولونها كلها ‪ ،‬حتىّ الكلم‬
‫عندهم ل يكون بمشيئاته ‪ ،‬واختياره ‪ ،‬ول يتكلم إذا شاء ‪ ،‬بل هو صفة قديمة قائامة به ل تتعلق‬
‫بالمشيئاة ‪ ،‬ويسمونه الكلم النفسي ‪ ،‬وكذلك ليس يقوم به فعل هو الخلق ‪ ،‬بل الخلق هو المخلوق‬
‫‪ ،‬ويسمون هذه الفعال حلول الحوادث بذاته ويعنون بالحادث ما يسبقه العدم ‪ ،‬وهم يمنعون هذا‬
‫ولذلك يؤولون ما يدل علىّ خلفه في الظاهر‪. 4‬‬

‫وكذلك الصفات الذاتية الحديثإة ل يثإبتونها ‪ 5‬لمعارضتها لدلة عقلية ‪ ،‬وكذلك القرآنية عند من‬
‫يؤولها ‪ ،‬وسيأتي ذكر أدلتهم في موضعها ‪.‬‬

‫والماتوريدية يوافقون الشعرية في أكثإر ما تقدم ‪ ،‬إ ل‬


‫ل أنهم يثإبتون صفتي الوجه واليد ‪.6‬‬
‫وصفة يسمونها ) التكوين ( يحصل بها اليجاد والخلق‪ ، 7‬وكذلك صفة الحكمة ‪ ،‬عندهم صفة‬
‫وجودية زائادة علىّ الذات خلفا للشعرية الذين يذهبون إلىّ أنها عبارة عن إتقان العمل‬
‫وإحكامه‪. 8‬‬

‫القول الثالث ‪:‬‬

‫وهو قول النفاة ‪ ،‬وهم الذين ينفون أن يكون ل صفة زائادة علىّ ذاته ‪ ،‬وأشهر من قال بهذا هم‬
‫‪ 1‬المجموع لبن تيميه ‪ 6/52‬و ‪16/407‬و ‪ 12/203‬وانظر كذلك نقض التأسيس ) ‪2/15‬و ‪2/34‬ـ‬
‫‪. (35‬‬
‫‪ 2‬انظر المواقف لليجي ص ‪ 269‬مع أن قوله واحد فيها وهو الثإبات )‪ ، (6‬المجموع ) ‪. (12/203‬‬
‫‪ 3‬البيضاوي ‪. 3/12‬‬
‫‪ 4‬ينظر في مذهبهم في الفعال الختيارية التي يطلقون عليها حلول الحوادث ‪ ،‬قواعد العقائاد للغزالي ص‬
‫‪ ،185‬الرشاد للجويني ص ‪ ، 45‬وص ‪ ،62‬والتبصير في الدين للسفرائايني ص ‪ ،143‬وقال ابن‬
‫تيميه ‪ ) :‬وذهب آخرون من أهل الكلم الجهمية ‪ ،‬وأكثإر المعتزلة والشعرية إلىّ أن الخلق هو المخلوق‬
‫وليس ل عند هؤلء صنع ول فعل ول خلق ول إبداع إل المخلوقات بأنفسها ( المجموع ‪ ،5/529‬وقال‬
‫بل اليات التي تدل علىّ الصفات الختيارية التي يسمونها حلول الحوادث كثإيرة جدا ‪ ،‬المجموع‬
‫‪ ،6/222‬وذكر أنهم أولوا كثإيرا من النصوص بسبب هذا القول ‪ ،‬المجموع ‪.287 /1/217‬‬
‫‪ 5‬ابن تيمية المجموع ‪.6/52‬‬
‫‪ 6‬نظم الفرائاد وجمع الفوائاد في مسائال الخلف بين الماتوريدية والشعرية في العقائاد لشيخ زادة ‪.23‬‬
‫‪ 7‬المصدر السابق ‪. 28‬‬
‫‪ 8‬المصدر السابق ص ‪. 18‬‬

‫‪6‬‬
‫المعتزلة ‪ ،‬قال عبد القاهر البغدادي رحمه ال عن المعتزلة‪) :‬يجمعها كلها في بدعتها أمور ‪،‬‬
‫منها نفيها كلها عن ال عز وجل صفاته الزلية وقولها بأنه ليس ل عز وجل علم ول قدرة ول‬
‫سمع ول بصر ول صفة أزلية(‪. 1‬‬

‫ومع اتفاقهم علىّ نفي أن يكون ل صفه أزلية ‪ ،‬اختلفت عباراتهم عنها ‪ ،‬فمنهم من جعلها وجوها‬
‫للذات كأبىّ الهذيل العلف ‪ ،‬فال عنده عالم بعلم هو ذاته ‪ ،‬وقادر بقدرة هي ذاته وكذلك سائار ما‬
‫أثإبته ‪. 2‬‬
‫ومنهم من جعلها تؤول إلىّ معنىّ السلب فمعنىّ كونه عالما أي ليس بجاهل ومعنىّ كونه قادرا‬
‫أي ليس بعاجز ‪ ،‬وهو قول النظــام‪ 3‬ومنهم من جعلها أحوا ل‬
‫ل وراء الذات كأبىّ هاشم الجبائاىّ‬
‫‪ ،‬قال ل عالمية وقادرية ل علما وقدرة ‪ ،‬وهذه الحوال عنده ل موجوده ول معدومة‪. 4‬‬

‫والجهمية توافق المعتزلة في نفي الصفات‪ ، 5‬والذي دعا المعتزلة إلىّ نفي أن يكون ل تعالىّ‬
‫صفات لم يزل متصفا بها كالعلم والقدرة والسمع والبصر ‪ ،‬ظنهم أن ذلك تعدد فيما هو قديم‬
‫فيلزم أن يكون ل تعالىّ مماثإل في أخص وصفه وهو القدم ‪. 6‬‬

‫هذا ‪ ،‬ومن الواضح أن أصحاب القول الول قد انطبق قولهم علىّ جميع الدلة السمعية ‪ ،‬ولهذا‬
‫فإنه يقولون ‪ :‬إن صفات ال تعالىّ ليست من المتشابه ‪ ،‬إن قصد به مال يعلم معناه إل ال تعالىّ‬
‫‪ ،‬بل هي معلومة المعنىّ ‪ ،‬فهي صفات ل تعالىّ لئاقة بجله لتماثإل صفات خلقه ‪.‬‬

‫وإن كان قد يطلق علىّ بعض نصوصها أنها من المتشابه ‪ ،‬بمعنىّ أنه قد يشتبه علىّ مقتصد في‬
‫العلم معاني بعض نصوص الصفات ‪ ،‬لغموض أو احتمال لعدة معان ‪ ،‬فبرد الراسخين في العلم‬
‫له إلىّ المحكم يتبين المعنىّ المراد ‪ ،‬شأنه في ذلك شأن غيره من أبواب العلم ‪ ،‬وتأويل هذا‬
‫المتشابه هو تفسيره والراسخون في العلم يعلمونه ‪.‬‬

‫كما يقولون إن بعض نصوص الصفات قد يكون فيها اشتباه ‪ ،‬من جهة إشتباه الشيء بالشيء ‪،‬‬
‫فصفات ال قد يطلق مثإلها علىّ المخلوق ‪ ،‬فيحصل الشتباه من ذلك لغير الراسخين في العلم ‪،‬‬
‫في هذه النصوص الموهمة للتماثإل بين الباري والبرية ‪ ،‬ويصح أن يقال إن هذا المتشابه ل يعلم‬
‫تأويله إ ل‬
‫ل ال إذا جعل التأويل هو حقائاق صفات ال وكيفياتها ‪ ،‬وبهذا يندفع التماثإل المتوهم ‪.‬‬

‫هذا علىّ قول السلف الذين يثإبتون جميع الصفات ‪ ،‬أما القولن الخران ‪ ،‬فلهما شأن آخر ‪ ،‬فإن‬
‫أصحابهما قد اصطلحوا علىّ تسمية حمل الظاهر علىّ المعنىّ المرجوح تأوي ل‬
‫ل ‪ ،‬فكان لهذا‬
‫تأثإير في جعل نصوص الصفات من المتشابه ‪ ،‬فإنه ينتج منه أن يكون المراد بها خلف الظاهر‬
‫‪ ،‬إذا طبقت آية المحكمات والمتشابهات عليها ‪.‬‬
‫‪ 1‬الفرق بين الفرق ص ‪. 114‬‬
‫‪ 2‬المصدر السابق ‪ ،127‬والملل والنحل ‪.1/49‬‬
‫‪ 3‬مقالت السلميين ‪.166‬‬
‫‪ 4‬الملل والنحل ‪. 1/80‬‬
‫‪ 5‬المصدر السابق ‪.1/86‬‬
‫‪ 6‬التمهيد للباقلني ص ‪ ،236‬ومختصر لوامع النوار البهية لمحمد بن سلوم ‪ ،157‬ومجموع ابن تيمية‬
‫‪. 3/70‬‬

‫‪7‬‬
‫ولعل صنيع القاضي عبد الجبار الهمداني في كتابه متشابه القرآن ‪ ،‬يمثإل موقف المعتزلة من‬
‫علقة مسائال العقيدة علىّ وجه العموم والصفات علىّ وجه الخصوص بالمتشابه ‪ ،‬فإنه جعل‬
‫المتشابه هو الذي )يحتاج إلىّ زيادة فكر من حيث كان المراد به خلف ظاهره (‪ ، 1‬ويعني‬
‫بالفكر النظر في الدلة العقلية ‪ ،‬كما صرح بأن المتشابه )متىّ امتنع حمله علىّ الظاهر ‪،‬‬
‫فالواجب النظر فيما يجب أن يحمل عليه ‪ ،‬والنظر هو أن تطلب القرآن ‪...‬فان كان السامع قد‬
‫مهدت له الصول وعرف العقليات وما يجوز فيها وما ل يجوز ‪ ،‬وعلم ما يحسن التكليف فيه‬
‫وما ل يحسن وعلم من جمل اللغة ما يعرف به أقسام المجاز ومفارقتها للحقائاق ‪ ،‬حمله علىّ ما‬
‫‪2‬‬
‫أريد به في الحال(‬

‫ولما ذكر ما يتميز به المحكم ‪ ،‬ذكر أنه به يمكن أن يبين للمخالف في التوحيد ‪ ،‬أنه مخالف‬
‫للقرآن ‪ ،‬وأنه قد تمسك بالمتشابه مـــن القــرآن وعدل عن محكمه‪ ، 3‬ومعلوم أنهم ـ أي‬
‫المعتزلة ـ يعنون بالتوحيد نفي الصفات ‪.‬‬

‫ولهذا فإنه يجعل في كتابه هذا مثإل قوله تعالىّ } مول هيإحيهطومن إبمشميءء إممن إعملإمإه إإنلا إبمما مشامء{‬
‫]البقرة‪ :‬من الية ‪ ، [255‬وقوله تعالىّ ‪ } :‬مفامعملهموا أمنمما أهمنإزمل إبإعملإم النلإه{ ]هود‪ :‬من الية ‪، [14‬‬
‫متشابها ويصرح أن المراد خلف الظاهر‪.4‬‬

‫وما حمله علىّ هذا إ ل‬


‫ل قيام ما يطلق عليه الدليل العقلي عنده علىّ امتناع أن يكون ل صفة العلم‬
‫‪ ،‬كما سيأتي لحقا عند ذكر أدلتهم علىّ نفي الصفات ‪.‬‬

‫وهذا التصرف منه مع ما تقدم من النقل عنه ‪ ،‬يدل علىّ أنه يجعل كل ما يخالف اعتقاده الذي‬
‫أسسه علىّ محض العقل متشابها يراد به خلف الظاهر ‪ ،‬وقد ذكر في كتابه هذا أن الراسخين‬
‫في العلم يعلمون تأويل المتشابه ‪ ،‬فهذا يدل علىّ أنه يجعل ما يخالف قوله متشابها ليتمكن من‬
‫صرفه عن ظاهره بالتأويل الذي يرى إمكان معرفته ‪ ،‬فيبدو أن هذه هي علقة المتشابه بآيات‬
‫الصفات عند المعتزلة ‪.‬‬

‫وقد صنع أصحاب القول الثإاني مثإل هذا الذي تقدم عن المعتزله ‪ ،‬مثإال ذلك‪ :‬نفيهم صفة العلو‬
‫واعتبارهم كل ما دل عليه من القرآن متشابها ‪ ،‬كقوله تعالىّ }موههمو املمقاإههر مفمومق إعمباإدإه { ]النعام‪:‬‬
‫من الية ‪ ، [18‬وقوله }ميمخاهفومن مرنبهمم إممن مفموإقإهمم { ]النحل‪ :‬من الية ‪ ، [50‬وقوله } هثإنم امسمتموى‬
‫معملىّ املمعمرإش{ ]العراف‪ :‬من الية ‪ ، [54‬وقوله }أمأمإممنهتمم مممن إفي النسمماإء{ ]الملك‪ :‬من الية ‪، [16‬‬
‫وقوله }متمعهرهج املمملإئامكهة موالرروهح إإلمميإه{ ]المعارج‪ :‬من الية ‪ ، [4‬وقوله }إإنن النإذيمن إعمنمد مربمك {‬
‫]لعراف‪ :‬من الية ‪.[206‬‬

‫وكذلك كل ما جاء في السمع في ظاهر يدل علىّ إثإبات ما نفوه أو نفي ما أثإبتوه بالدلة العقلية‬
‫جعلوه متشابها ‪ ،‬كما فعل الرازي في تفسيره حيث قال ) فثإبت بما ذكرنا أن صرف اللفظ عن‬
‫ل عند قيام القطعي العقلي علىّ‬ ‫معناه الراجح إلىّ معناه المرجوح في المسائال القطعية ل يجوز إ ل‬
‫أن ما أشعر به ظاهر اللفظ محال ( ‪ ،‬ثإم جعل هذا المعنىّ المرجوح هو تأويل المتشابه فقال بعد‬
‫‪ 1‬متشابه القرآن للهمداني ‪. 1/32‬‬
‫‪ 2‬المصدر السابق ‪. 1/35‬‬
‫‪ 3‬المصدر السابق ‪.1/9‬‬
‫‪ 4‬المصدر السابق ‪. 1/375 ،1/132‬‬

‫‪8‬‬
‫هذه العبارة )فعند هذا يتعين التأويل(‪. 1‬‬

‫ومثإل لهذا بقوله تعالىّ }النرمحممهن معملىّ املمعمرإش امسمتموى{ ]طه‪ ، [5:‬وقال }فمن تمسك به كان‬
‫متمسكا بالمتشابهات{ بعد أن قدم الدليل العقلي علىّ استحالة ظاهره عنده‪.2‬‬

‫فهذا ‪ -‬مع ما يفعله سائار من يجعل نصوص ما ل يثإبته من الصفات من المتشابه ثإم يحتج بآية }‬
‫مومما ميمعملهم متمأإويمله إإنلا اللنه ‪ { ..‬الية ]آل عمران‪ :‬من الية ‪ .[7‬علىّ أنها علىّ غير ظاهرها ‪ -‬من‬
‫أصحاب هذا القول أمثإلة تكشف أن هؤلء المخالفين لما كان عليه السلف في باب الصفات ‪ ،‬قد‬
‫أقحموا باب صفات ال تعالىّ في المتشابه ‪ ،‬ليتمكنوا من صرفها عن ظاهرها ‪ -‬الذي يزعمون‬
‫استحالته عندهم بالدلة العقلية ‪ -‬محتجين بإخبار الية أن للمتشابه تأويل ‪.‬‬

‫لكن هؤلء انقسموا إلىّ قسمين ‪:‬‬

‫‪ -1‬قسم ل يعين التأويل ‪ -‬أي المعنىّ المخالف للظاهر ‪ -‬مع القطع بعدم إرادة الظاهر ويحتج‬
‫ل ال { ‪ ،‬وهكذا يستريحون من هذه النصوص المثإبته‬‫هؤلء بأن الوقف في الية علىّ قوله } إ ل‬
‫لما نفوه ‪ ،‬وينزلونها منزلة العدم ‪ ،‬بل يلزمهم أنها شر مــن العدم لنها ‪ -‬علىّ هذا الرأي ‪-‬‬
‫إنما جاءت لظهار الباطل ‪ ،‬وإرباك العقيدة فحسب ‪.‬‬

‫‪ -2‬والقسم الخر يعينه لن الوصل هو الصحيح في الية عندهم ‪ ،‬والراسخون في العلم‬


‫يعلمون التأويل وهؤلء أحسن ظنا في القرآن من أولئاك‪. 3‬‬

‫وأصحاب القول الول ربما نسبوا قولهم هذا إلىّ السلف ‪ ،‬وربما نسب القول الثإاني إليهم أيضا ‪،‬‬
‫والسر في هذا أن موافقتهم تعظمه النفوس المؤمنة لما جعل ال لهم من لسان صدق في المة ‪،‬‬
‫ومن أمثإلة هذا قول الزركشي في البرهان عن اليات المتشابهات في الصفات ‪:‬‬

‫اختلف الناس في الوارد منها في اليات والحاديث ثإلث فرق ‪:‬‬

‫أحدهما ‪ :‬أنه ل مدخل للتأويل فيها بل تجري علىّ ظاهرها ول يؤول شيء منها ‪ ،‬وهم المشبهه‬
‫‪.‬‬

‫والثإاني ‪ :‬أن لها تأويل ولكنا نمسك عنه مع تنزيه اعتقادنا عن الشبه والتعطيل ونقول ل يعلمه‬
‫ل ال ‪ ،‬وهو قول السلف ‪.‬‬ ‫إل‬

‫الثإالث‪ :‬أنه مؤوله وأولوها علىّ ما يليق به ‪.‬‬

‫والول باطل والخيران منقولن عن الصحابة ‪ ..‬ثإم قال )وممن نقل عنه التأويل عللي ‪ ،‬وابن‬
‫مسعود وابن عباس وغيرهم(‪. 4‬‬
‫‪ 1‬تفسير الرازي ‪. 1/169‬‬
‫‪ 2‬المصدر السابق ‪.7/148‬‬
‫‪ 3‬من القائالين بالول الجويني في أحد قوليه كما في النظامية ص ‪ ، 33‬والرازي كما في التفسير‬
‫‪ ،7/176‬وبالثإاني أبو بكر بن فورك كما هو واضح في كتابه مشكل الحديث وتأويله ‪.‬‬
‫‪ 4‬البرهان للزركشي ‪2/78‬ـ ‪. 79‬‬

‫‪9‬‬
‫وقد نسب إليهم أيضا أنهم ل يزيدون علىّ تلوة اليات وقراءة الحاديث في هذا الباب ‪،‬‬
‫وسيأتي ذلك لحقا ‪.‬‬

‫ومن المعلوم عن المؤمنين بهذا الدين الحق أن الحق ل يخرج عن إجماع السلف ‪ ،‬فالقول‬
‫الصحيح هو ما أجمعوا عليه ‪.‬‬

‫وقد نسب إليهم قولن متناقضان ‪ ،‬قول الزركشي هذا ‪ ،‬وما ذكر أول المبحث ‪ ،‬فإذا تحقق‬
‫مذهبهم وجب المصير إليه ‪ ،‬وتحقيقه هو المبحث الثإاني ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫تحقيق القول الصحيح في هذا الباب‬
‫وبيانا أسإباب الخطأ في نسإبة ماذهب السإلف الصحيح إليهم‬

‫وهو ل يخرج كما تقدم عن إجماع السلف فيجب أو ل‬


‫ل تحقيق مذهبهم فإن صح عنهم إجماع في‬
‫هذا الباب فهو القول الصحيح ‪ ،‬ثإم تذكر بعد ذلك الدلة علىّ صحته من غير الجماع ‪.‬‬

‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه ال ) ومذهب السلف أنهم يصفون ال بما وصف به نفسه وبما‬
‫وصفه به رسوله من غير تحريف ول تعطيل ومن غير تكييف ول تمثإيل ‪ ،‬ونعلم أن ما وصف‬
‫ال به من ذلك فهو حق ليس فيه لغز ول أحاجي ‪ ،‬بل معناه يعرف من حيث يعرف مقصود‬
‫المتكلم بكلمه ‪....‬وهو سبحانه مع ذلك ليس كمثإله شيء ل في نفسه المقدسة المذكورة بأسمائاه‬
‫وصفاته ول في أفعاله(‪. 1‬‬

‫وقال المام الذهبي رحمه ال )هذه الصفات من الستواء والتيان والنزول قد صحت بها‬
‫النصوص ونقلها الخلف عن السلف ولم يتعرضوا لها برد ول تأويل بل انكروا علىّ من تأولها‬
‫مع إصفاقهم علىّ أنها ل تشبه نعوت المخلوقين وأن ال ليس كمثإله شيء(‪. 2‬‬

‫وقال أيضا ) قد فسر علماء السلف المهم من اللفاظ وغير المهم وما أبقوا ممكنا فلو كان تأويلها‬

‫‪ 1‬مجموع الفتاوى ‪. 26 /5‬‬


‫‪ 2‬سير أعلم النبلء ‪. 11/376‬‬

‫‪10‬‬
‫سائاغا أو حتما لبادروا إليه ‪ ،‬فعلم قطعا أن قراءتها وإمرارها علىّ ما جاءت هو الحق ل تفسير‬
‫لها غير ذلك ‪ ،‬فنؤمن بذلك ونسكت إقتداء بالسلف معتقدين أنها صفات ل تعالىّ استأثإر ال بعلم‬
‫حقائاقها وأنها ل تشبه صفات المخلوقين(‪. 1‬‬

‫وقد دل علىّ أن هذا مذهب السلف في الصفات ‪ -‬مع نقل هذين المامين المشهود لهما برسوخ‬
‫القدم في معرفة المتقدمين ومذاهبهم ‪ -‬نقول كثإيرة من أهل العمل بالثإار الذين أفنوا أعمارهم‬
‫في ضبطها ونقلها ومعرفة صحيحها من سقيمها وفيما يلي طائافة منها ‪ ،‬وقد قصد بعض‬
‫التطويل فيها ليعلم بذلك ما في كلم الزركشي المتقدم من التسامح في النقل ‪ ،‬وهي علىّ ثإلثإة‬
‫أضرب ‪:‬‬

‫الضرب الول ‪:‬‬

‫فيه حكاية ما كان عليه السلف ‪ ،‬أو أهل السنة ‪ ،‬أو أهل السمة والحديث عامة في نصوص‬
‫الصفات بالجملة ‪ ،‬ول ريب أن ما كان عليه أهل السنة والحديث هو مذهب السلف ‪.‬‬

‫الضرب الثاني ‪:‬‬

‫فيه حكاية ما كانوا عليه في بعض الصفات خاصة مما هو من جنس ما يذهب أهل التأويل إلىّ‬
‫تأويله بما يدل علىّ مذهبهم في سائارها ‪.‬‬

‫الضرب الثالث ‪:‬‬

‫نصوص خاصة عن أئامة السلف في هذا الباب تدل علىّ أنهم ل يصرفون نصوص الصفات عن‬
‫ظاهرها ويعلمون معانيها ‪.‬‬

‫أماا الضرب الول ‪ :‬فمانا ذلك ‪:‬‬

‫)‪ (1‬قال الوزاعي رحمه ال ) كنا والتابعون متوافرون نقول إن ال عز وجل فوق عرشه‬
‫ونؤمن بما ورد في السنة من صفاته (‪. 2‬‬

‫ومعلوم أنه ل يريد مجرد اليمان بحروف هذه الجملة )ال عز وجل فوق عرشه( ‪ ،‬ولكنه‬
‫رحمه ال حكىّ ما كان عليه التابعون واتباعهم من اليمان بعللو ل علىّ عرشه فهما مما أخبر‬
‫به سبحانه عن نفسه أنه استوى علىّ عرشه وأنه في السماء ‪ ،‬وقوله )نؤمن بما ورد في السنة‬
‫من صفاته ( ل يريد قطعا السنة فحسب ‪ ،‬وإنما أراد التنبيه بالسنة علىّ القرآن ‪ ،‬فإذا كان ما في‬
‫السنة من نصوص الصفات يجب اليمان به فما في القرآن أولىّ وأحرى ‪.‬‬

‫)‪ (2‬قال المام الشافعي رحمه ال ) القول في السنة التي أنا عليها ‪ ،‬ورأيت عليها الذين رأيتهم‬
‫مثإل مالك وسفيان وغيرهما ‪ ... ،‬وأن ال علىّ عرشه في سمائاه يقرب من خلفه كيف يشاء ‪،‬‬

‫‪ 1‬المصدر السابق ‪. 10/506‬‬


‫‪ 2‬رواه البيهقي في السماء والصفات ص ‪ ، 515‬وقال ابن القيم في اجتماع الجيوش السلمية إسناده‬
‫صحيــح ‪. 43‬‬

‫‪11‬‬
‫وينزل إلىّ السماء الدنيا كيف يشاء ‪ ...‬وذكر سائار العتقاد(‪. 1‬‬

‫)‪ (3‬قال المام أبو الحسن الشعري رحمه ال ) جملة ما عليه أهل الحديث والسنة القرار‬
‫‪...‬ثإم قال وما جاء من عند ال وما رواه الثإقات عن رسول ال صلىّ ال عليه وسلم ل يردون‬
‫من ذلك شيئاا ‪ ....‬ثإم قال وأن ال سبحانه علىّ عرشه كما قال }النرمحممهن معملىّ املمعمرإش امسمتموى{‬
‫ص‪ :‬من الية ‪ ،[75‬وكما قال }مبمل‬ ‫]طه‪ [5:‬وأن له يدين بل كيف ‪ ،‬كما قال }إلمما مخملمقهت إبميمدني{ ] ل‬
‫ميمداه مممبهسومطمتاإن{ ]المائادة‪ :‬من الية ‪ ، [64‬وأن له وجها كما قال }موميمبمقىّ مومجه مربمك هذو املمجلإل‬
‫مواملإأمكمراإم{ ]الرحمن‪ .... ، [27:‬ثإم قال ) ويقرون أن ال سبحانه يجيء يوم القيامة كما قال‬
‫صلفا{ ]الفجر‪. 2 {22:‬‬ ‫}مومجامء مرربمك مواملممملهك م‬
‫صلفا م‬

‫)‪ (4‬قال المام أبو بكر أحمد بن إبراهيم السماعيلي )اعلموا رحمكم ال أن مذاهب أهل‬
‫الحديث ‪ ،‬أهل السنة والجماعة ‪ ،‬القرار بال وملئاكته وكتبه ورسله ‪...‬خلق آدم بيده ويداه ‪.‬‬
‫مبسوطتان بل اعتقاد كيف واستوى علىّ العرش بل كيف ‪...‬وذكر سائار اعتقاد أهل السنة ( ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫)‪ (5‬قال المام أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي رحمه ال ) أما ما سألت عنه من الكلم في‬
‫الصفات وما جاء منها في الكتاب والسنة الصحيحة فإن مذهب السلف إثإباتها وإجراؤها علىّ‬
‫ظاهرها ونفي الكيفية والتشبيه عنها ( ‪.‬‬

‫قال الذهبي بعد نقله قول الخطابي هذا ) وكذا نقل التفاق عن السلف في هذا الحافظ أبو بكر‬
‫‪4‬‬
‫الخطيب ثإم الحافظ أبو القاسم التيمي الصبهاني(‬

‫)‪ (6‬قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر رحمه ال )أهل السنه مجمعون علىّ الصفات الواردة في‬
‫الكتاب والسنة وحملها علىّ الحقيقة ل علىّ المجاز إ ل‬
‫ل أنهم لم يكيفوا شيئاا من ذلك (‪. 5‬‬

‫)‪ (7‬قال الحافظ أبو بكر الخطيب رحمه ال )أما بالكلم في الصفات فأما ما روى منها في‬
‫السنن والصحاح فمذهب السلف إثإباتها وإجراؤها علىّ ظواهرها ونفي الكيفية والتشبيه عنها( ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫وانظر إلىّ التفاوت بين نقل هؤلء الئامة الحفاظ عن السلف أنهم يجرون نصوص الصفات‬
‫علىّ ظاهرها وبين نسبة هذا القول إلىّ المشبهة ‪.‬‬

‫)‪ (8‬قال الحافظ أبو عثإمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني )إن أصحاب الحديث‬
‫المتمسكين بالكتاب والسنة يعرفون ربهم تبارك وتعالىّ بصفاته التي نطق بها كتابه وتنزيله‬
‫وشهد له بها رسوله علىّ ما وردت به الخبار الصحاح ونقله العدول الثإقات ول يعتقدون تشبيها‬
‫لصفاته بصفات خلقه ول يكيفونها تكييف المشبهه ول يحرفون الكلم عن مواضعه تحريف‬
‫المعتزله والجهمية فيقولون إنه خلق آدم بيده كما نص سبحانه عليه في قوله عز من قائال }يا‬

‫‪ 1‬مختصر العلو لللباني ص ‪. 176‬‬


‫‪ 2‬مقالت الشعري ‪290‬ـ ‪. 295‬‬
‫‪ 3‬مختصر العلو للذهبي ‪ ، 248‬وقال في ص ‪249‬كان السماعيلي شيخ السلم رأسا في الحديث والفقه‬
‫‪ ،‬وقال أبو إسحاق في طبقات الشافعية ) جمع أبو بكر بين الفقه والحديث ورئااسة الدين والدنيا‪.‬‬
‫‪ 4‬المصدر السابق ‪. 257‬‬
‫‪ 5‬المصدر السابق ص ‪. 268‬‬
‫‪ 6‬المصدر السابق ‪. 272‬‬

‫‪12‬‬
‫إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي{ ‪..‬وذكر سائار العتقاد(‪. 1‬‬

‫قال ابن قدامه في ذم التأويل بعد ذكر مقالة الصابوني ) وذكر الصابوني الفقهاء السبعة ومن‬
‫بعدهم من الئامة وسمي خلقا كثإيرا من الئامة وقال ‪ :‬كلهم متفقون لم يخالف بعضهم بعضا ولم‬
‫يثإبت عن واحد منهم ما يضاد ما ذكرناه(‪. 2‬‬

‫)‪ (9‬قال المام أبو عيسىّ الترمذي إثإر ما روى حديث أبي هريرة ) إن ال يقبل الصدقة‬
‫ويأخذها بيمينه فيربيها ( ‪ ) :‬قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبهه من‬
‫الصفات ونزول الرب تبارك وتعالىّ إلىّ السماء الدنيا قالوا ‪ :‬قد ثإبتت الروايات في هذا ونؤمن‬
‫به ول نتوهم ول نقول كيف ؟ هكذا روى عن مالك وابن عيينة وابن المبارك أنهم قالوا في هذه‬
‫الحاديث أمروها بل كيف ‪ ،‬وهذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة(‪. 3‬‬

‫أماا الضرب الثاني ‪ ،‬فمانه ‪:‬‬

‫)‪ (1‬قال قتيبة بن سعيد رحمه ال ) هذا قول الئامة في السلم والسنة والجماعة ‪ :‬نعرف ربنا‬
‫في السماء السابعة علىّ عرشه كما قال جل جلله } الرحمن علىّ العرش استوى { قال الذهبي‬
‫رحمه ال )فهذا قتيبة في إمامته وصدقه قد نقل الجماع علىّ هذه المسألة وقد لقىّ مالكا والليث‬
‫وحماد بن زيد والكبار (‪. 4‬‬

‫)‪ (2‬قال المام إسحاق بن راهوية رحمه ال )قال ال تعالىّ } الرحمن علىّ العرش استوى {‬
‫إجماع أهل العلم أنه فوق العرش استوى ‪ ،‬ويعلم كل شيء في أسفل الرض السابعة (‪. 5‬‬

‫)‪ (3‬قال الحافظ عمر بن عبد البر رحمه ال )أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم‬
‫التأويل قالوا في تأويل قوله تعالىّ }مما ميهكوهن إممن منمجموى مثإلمثإءة إإنلا ههمو مراإبهعهمم{ ]المجادلة‪ :‬من الية‬
‫‪ [7‬هو علىّ العرش وعلمه في كل مكان وما خالفهم في ذلك أحد يحتج به(‪. 6‬‬

‫)‪ (4‬قال الحافظ الكبير أبو نعيم أحمد بن عبد ال الصبهاني )طريقتنا طريقة السلف المتبعين‬
‫للكتاب والسنة وإجماع المة ومما اعتقدوه ‪...‬ثإم قال وأن القرآن في جميع الجهات مقروءا‬
‫ومحفوظا ‪ ،‬ومسموعا ومكتوبا وملفوظا كلم ال حقيقة ل حكاية ول ترجمة ‪...‬وأن الحاديث‬
‫التي ثإبتت في العرش واستواء ال عليه يقولون بها ويثإبتونها من غير تكييف ول تمثإيل وأن ال‬

‫‪ 1‬رسالة عقيدة السلف وأصحاب الحديث للحافظ الصابوني ضمن مجموعة الرسائال المنيرية ‪.1/105‬‬
‫‪ 2‬ذم التأويل ص ‪. 17‬‬
‫‪ 3‬جامع الترمذي ‪3/24 :‬ـ ‪. 25‬‬
‫‪ 4‬مختصر العلو للذهبي ص ‪ ، 187‬ثإم قال الذهبي عن قتيبة ‪ :‬عمر دهرا ‪ ،‬وازدحم الحفاظ علىّ بابه ‪،‬‬
‫قال لرجل ‪ :‬أقم عندنا هذه الشتوة ‪ ،‬حتىّ أخرج لك عن خمسة أناس مائاة ألف حديث ‪ ،‬وهذا يدل علىّ‬
‫سعة علم هؤلء بالثإار لن هذا العدد يشمل أقوال الصحابة والتابعين وهو باعتبار طرق الخبار ‪ ،‬فكل‬
‫طريق يسمونه حديثإا وكذلك يعدون المكرر ‪ ،‬قال الذهبي ) قال أبو عبد ال بن أحمد ‪ :‬قال لي أبو زرعة‬
‫أبوك يحفظ ألف ألف حديث ‪ ،‬فقيل له ما يدريك ؟ قال ذاكرته فأخذت عليه البواب ‪ ،‬فهذه حكاية صحيحة‬
‫في سعة علم أبىّ عبد ال ‪ ،‬وكانوا يعدون في ذلك المكرر والثإر وفتوى التابعي ‪ ،‬وما فسر ونحو ذلك (‬
‫سير أعلم النبلء ‪. 11/187‬‬
‫‪ 5‬مختصر العلو للذهبي ص ‪. 194‬‬
‫‪ 6‬المصدر السابق ‪. 268‬‬

‫‪13‬‬
‫بائان من خلقه والخلق بائانون منه ل يحل فيهم ول يمتزج بهم وهو سبحانه مستو علىّ عرشه في‬
‫سمائاه دون أرضه ( ‪ . ،‬قال الذهبي )فقد نقل هذا المام الجماع علىّ هذا القول ول الحمد (‪. 1‬‬

‫)‪ (5‬قال الحافظ أبو عمر أحمد بن محمد الطلمنكي )أجمع المسلمون من أهل السنة علىّ أن‬
‫معنىّ قوله }وهو معكم أينما كنتم { ‪ ،‬ونحو ذلك من القرآن أنه علمه وأن ال فوق السماوات‬
‫بذاته مستو علىّ عرشه كيف شاء وقال أهل السنة في قوله }الرحمن علىّ العرش استوى { ‪،‬‬
‫الستواء من ال علىّ عرشه علىّ الحقيقة ل علىّ المجاز(‪. 2‬‬

‫)‪ (6‬قال المام أبو عبد ال القرطبي صاحب التفسير الكبير )وقد كان السلف الول رضي ال‬
‫عنهم ل يقولون بنفي الجهة ول ينطقون بذلك بل نطقوا هم والكافة بإثإباتها ل تعالىّ كما نطق‬
‫كتابه وأخبرت رسله ولم ينكر أحد من السلف أنه استوى علىّ العرش حقيقة وخص العرش‬
‫بذلك لنه أعظم المخلوقات وإنما جهلوا كيفية الستواء فإنه ل تعلم حقيقته قال مالك‪ :‬الستواء‬
‫معلوم ‪ -‬يعني في اللغة ‪ -‬والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة (‪. 3‬‬

‫الضرب الثالث ‪ :‬ومانه ‪:‬‬

‫مما يدل علىّ أن السلف تكلموا في معاني نصوص الصفات ‪ ،‬ولم يؤولوها ما ورد من ألفاظ من‬
‫عند أنفسهم ‪ ،‬تخالف ألفاظ النصوص في هذا الباب ‪ ،‬وتصرفهم في ذلك بعبارات دالة علىّ نفس‬
‫المعنىّ ‪ ،‬وكذلك ما ورد عنهم من التصريح بعدم التأويل ‪ ،‬وهذا كثإير جدا ‪ ،‬ومن أمثإلته عن‬
‫أشهر علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم ‪:‬‬

‫)‪ (1‬عن ابن عباس رضي ال عنهما قال )الكرسي موضع القدمين(‪. 4‬‬

‫)‪ (2‬وعنه أيضا قال ) تفكروا في كل شيء ول تفكروا في ال فإن بين السماء السابعة إلىّ‬
‫كرسيه سبعة آلف نور وال فوق ذلك تبارك وتعالىّ(‪. 5‬‬

‫)‪ (3‬وعن ابن مسعود رضي ال عنه قال ) ما بين السماء الدنيا والتي تليها مسيرة خمسمائاة‬
‫عام وما بين السماء الثإالثإة والتي تليها وبين الخرى مسيرة خمسمائاة عام‪ ،‬وبين كل سماءين‬
‫مسيرة خمسمائاة عام ‪ ،‬وبين السماء السابعة وبين الكرسي خمسمائاة عام ‪ ،‬والعرش فوق الماء‬

‫‪ 1‬المصدر السابق ‪. 261‬‬


‫‪ 2‬المصدر السابق ‪. 264‬‬
‫‪ 3‬قال ابن حجر رحمه ال ) أخرج البيهقي بسند جيد عن عبد ال بن وهب قال كنا عند مالك فدخل رجل‬
‫فقال يا أبا عبد ال } الرحمن علىّ العرش استوى { ؟ كيف استوى ‪ ،‬فأطرق مالك فأخذته الرحضاء ‪ ،‬ثإم‬
‫رفع رأسه فقال ‪ :‬الرحمن علىّ العرش استوى ‪ ،‬كما وصف نفسه ‪ ،‬ويقال كيف ‪ ،‬وكيف عنه مرفوع ‪،‬‬
‫وما أراك إل صاحب بدعة ‪ ،‬أخرجوه ( فتح الباري ‪ ،13/407‬وقال الذهبي هذا ثإابت عن مالك ‪،‬‬
‫مختصر العلو ‪ ،141‬وأنظر الرواية في السماء والصفات للبيهقي ‪. 515‬‬
‫‪ 4‬رواه الحاكم وقال علىّ شرط الشيخين ووافقه الذهبي ‪ ،2/282‬ورواه أيضا ابن خزيمة في التوحيد‬
‫‪ ، 1/249‬ورواه عبد ال بن المام احمد في كتاب السنة ‪ ، 1/301‬وقال الذهبي في العلو رجاله ثإقات‬
‫أنظر مختصر العلو ‪. 102‬‬
‫‪ 5‬رواه البيهقي في السماء والصفات ‪ ، 530‬وأبو الشيخ في العظمة ‪ ،1/212‬وقال ابن حجر موقوف‬
‫وسنده جيد الفتح ‪. 13/383‬‬

‫‪14‬‬
‫وال عز وجل فوق العرش وهو يعلم ما أنتم عليه (‪. 1‬‬

‫)‪ (4‬وعنه قال ) إن العبد ليهم بالمر من التجارة والمارة حتىّ إذا تيسر له نظر ال إليه من‬
‫فوق سبع سماوات فيقول للملئاكة ) اصرفوه عنه فإنه إن يسرته له أدخلته النار(‪. 2‬‬

‫)‪ (5‬وعن ابن عمر رضي ال عنهما قال ) خلق ال أربعة أشياء بيده ‪ :‬العرش والقلم وعدن‬
‫وآدم ثإم قال لسائار الخلق كن فكان (‪. 3‬‬

‫)‪ (6‬عن جعفر بن أبي المغيرة قال ) سألت سعيد بن جبير عن اللواح من أي شيء كانت ؟ قال‬
‫‪ :‬من ياقوته كتابه الذهب كتبها الرحمن بيده فسمع أهل السموات صريف القلم وهو يكتبها (‪. 4‬‬

‫)‪ (7‬وعن مجاهد في قوله عز وجل } وقربناه نجيا { قال ‪ ) :‬بين السماء السابعة وبين العرش‬
‫سبعون ألف حجاب فما زال موسىّ عليه السلم يقرب حتىّ كان بينه وبينه حجاب فلما رأى‬
‫مكانه وسمع صريف القلم }قال رب أرني أنظر إليك{ (‪. 5‬‬

‫)‪ (8‬وعنه أنه فسر استوى بمعنىّ عل علىّ العرش‪. 6‬‬


‫‪7‬‬
‫)‪ (9‬قال الوزاعي ‪) :‬كان الزهري ومكحول بقولن أمروا هذه الحاديث كما جاءت (‬

‫)‪ (10‬عن أبي مطيع قال ‪ ) :‬سألت أبا حنيفة عمن يقول ل أعرف ربي في السماء أو في‬
‫الرض فقال كفر لن ال يقول }الرحمن علىّ العرش استوى{ وعرشه فوق سماواته (‪. 8‬‬
‫‪ 1‬رواه الدارمي في الرد علىّ المريسي ‪ ،105‬والبيهقي في السماء والصفات ‪ ،507‬وأبو الشيخ في‬
‫العظمة ‪ ،2/688 ،‬وابن خزيمة في التوحيد ‪ ،1/243‬وقال الذهبي إسناده صحيح ‪ ،‬أنظر مختصر العلو‬
‫ص ‪ ، 103‬وصححه ابن القيم في اجتماع الجيوش السلمية ص ‪ ، 100‬وقال الهيثإمي رجاله رجال‬
‫الصحيح ‪ ،‬مجمع الزوائاد ‪. 1/86‬‬
‫‪ 2‬رواه الدارمي في الرد علىّ الجهمية ‪ ،46‬والللكائاي في السنة ‪ ،4/668‬وقال الذهبي إسناده قوي ‪،‬‬
‫أنظر مختصر العلو ‪ ،104‬وصححه ابن القيم في اجتماع الجيوش ص ‪. 100‬‬
‫‪ 3‬رواه الدارمي في الرد علىّ المريسي ص ‪ ، 35‬قال حدثإنا موسىّ بن إسماعيل حدثإنا عبد الواحد بن‬
‫زياد حدثإنا عبيد بن مهران وهو المكتب حدثإنا مجاهد به ‪ ،‬وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثإقات ‪ ،‬أنظر‬
‫تراجمهم في التقريب وفق الترتيب ‪ ،378 ،367 ،549‬ومجاهد إمام مشهور ‪.‬‬
‫‪ 4‬رواه الطبري ‪ ،13/127‬وعبد ال بن أحمد في السنة ‪ ،1/294‬وأبو الشيخ بن حيان في العظمة‬
‫‪ ،1/495‬كلهم من طريق أبي الجنيد عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير به ‪ ،‬وأبو الجنيد قال‬
‫عنه يحيىّ بن معين ل بأس به ‪ ،‬وقال أبو حاتم ل بأس محله الصدق التهذيب ) ‪ ، (9/354‬وجعفر بن‬
‫أبي المغيرة قال الذهبي كان صدوقا ‪ ،‬الميزان ) ‪ (1/417‬وقال في التهذيب ) نقل ابن حبان في الثإقات‬
‫عن أحمد توثإيقه ( ‪ 2/108‬فالسناد حسن ‪.‬‬
‫‪ 5‬رواه البيهقي في السماء والصفات ص ‪ ، 508‬وأبو الشيخ في العظمة ) ‪ (2/690‬وقال الذهبي هذا‬
‫ثإابت عن مجاهد إمام التفسير ‪ ،‬مختصر العلو ص ‪. 132‬‬
‫‪ 6‬أورده البخاري معلقا وجزم به ‪ ،‬أنظر فتح الباري ‪ ،13/405‬وقال ابن حجر في تغليق التعليق ) قال‬
‫الفريابي في تفسيره حدثإنا ورقاء بن أبي نجيح عن مجاهد فذكره ( ‪ 5/345‬انتهىّ ‪ ،‬وهذا إسناد صحيح‬
‫ورقاء قال عنه الذهبي صدوق أنظر رسالة ) المتكلم فيهم بما ل يوجب الرد ( وقال عنه ابن حجر‬
‫صدوق التقريب ‪. 580‬‬
‫‪ 7‬ذم التأويل ص ‪ ، 18‬وشرح أصول اعتقاد أهل السنة ‪. 3/431‬‬
‫‪ 8‬مختصر العلو للذهبي ‪. 136‬‬

‫‪15‬‬
‫)‪ (11‬قال المام أبو جعفر الطحاوي في العقيدة التي ألفها )ذكر بيان السنة والجماعة علىّ‬
‫مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة وأبي يوسف وأبي محمد رضي ال عنهم ‪ ...‬ثإم ذكر في هذه‬
‫العقيدة مثإل ما تقدم عن السلف رضي ال عنهم وهي العقيدة المشهورة بالطحاوية ‪.‬‬

‫)‪ (12‬وعن سفيان الثإوري قال الذهبي ) وقد بث هذا المام الذي ل نظير له في عصره شيئاا‬
‫كثإيرا من أحاديث الصفات ومذهبه فيها القرار والمرار والكف عن تأويلها(‪. 1‬‬

‫)‪ (13‬وقال مالك )ال ‪ -‬عز وجل ‪ -‬في السماء وعلمه في كل مكان ل يخلو منه شيء وتل‬
‫ل هو رابعهم ول خمسة إ ل‬
‫ل هو سادسهم{ (‪. 2‬‬ ‫هذه الية }وما يكون من نجوي ثإلثإة إ ل‬

‫)‪ (14‬وعن أحمد بن نصر أنه سأل سفيان بن عيينة فقال ‪ :‬حديث عبد ال )إن ال يجعل السماء‬
‫علىّ إصبع( وحديث )إن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن ( ‪ ) ،‬وإن ال يعجب أو‬
‫يضحك ممن يذكره في السواق ( ‪) ،‬وإنه عز وجل ينزل إلىّ السماء الدنيا كل ليلة ( ونحو هذه‬
‫الحاديث فقال ‪ :‬هذه الحاديث نرويها ونقر بها كما جاءت بل كيف (‪. 3‬‬

‫)‪ (15‬وقال يزيد بن هارون )من زعم أن الرحمن علىّ العرش استوى علىّ خلف ما يقر في‬
‫قلوب العامة فهو جهمي ( قال الذهبي )والعامة ( مراده بهم جمهور المة وأهل العلم (‪. 4‬‬

‫)‪ (16‬وقال الوليد بن مسلم )سألت مالك بن أنس والثإوري والليث بن سعد و الوزاعي عن‬
‫الخبار التي في الصفات فقالوا أمروها كما جاءت (‪. 5‬‬

‫)‪ (17‬وقال الفضيل بن عياض )ليس لنا أن نتوهم في ال كيف وكيف لن ال وصف نفسه فأبلغ‬
‫فقل } قل هو ال أحد ‪ ،‬ال الصمد ‪ ،‬لم يلد ولم يولد ‪ ،‬ولم يكن له كفوا أحد { فل صفة أبلغ مما‬
‫وصف ال به نفسه ‪ ،‬وكل هذا النزول والضحك وهذه المباهاة ‪ ،‬وهذا الطلع ‪ ،‬كما شاء أن‬
‫ينزل وكما شاء أن يضحك فليس لنا أن نتوهم أن كيف وكيف ‪ ،‬وإذا قال لك الجهمي أنا أكفر‬
‫برب يزول عن مكانه فقل أنت أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء ( ‪. 6‬‬

‫)‪ (18‬وأما المام أحمد بن حنبل رضي ال عنه فإن مذهبه في عدم تأويل الصفات وإجراؤها‬
‫علىّ ظاهرها متواتر عنه ولم يزل جمهور الحنبلية علىّ هذا القول ‪.‬‬

‫خلصة ماا تقدأم ‪:‬‬

‫‪ 1‬مختصر العلو ‪. 136‬‬


‫‪ 2‬السنة لعبد ال بن احمد ‪. 107 /1‬‬
‫‪ 3‬ذم التأويل لبن قدامة ‪. 20‬‬
‫‪ 4‬مختصر العلو ‪. 167‬‬
‫‪ 5‬روه الدارقطني في الصفات ‪ ،75‬والجري في الشريعة ص ‪ ،314‬والبيهقي في السماء والصفات‬
‫‪ ،453‬وابن قدامة في ذم التأويل ‪. 20‬‬
‫‪ 6‬رواه الثإرم في كتاب السنة نقل عن درء تعارض النقل والعقل ‪. 2/23‬‬

‫‪16‬‬
‫فهذه النصوص عمن هم من أعلم الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئامة الدين وهم كذلك أهل‬
‫الفتيا والجتهاد في عصور السلف وما بعده ‪ ،‬تنطق بوضوح متواطئاة علىّ أن مذهب السلف‬
‫الذي ل إختلف فيه ‪ ،‬هو إجراء نصوص الصفات علىّ ظاهرها مع نفي التشبيه عن الخالق ‪،‬‬
‫وأنهم فهموا من هذه النصوص التي ل يفرقون بين القرآنية والحديثإية منها ‪ ،‬أنها تخبر عن‬
‫صفات ال تعالىّ الذاتية ‪ ،‬والفعلية ‪ ،‬وهي معلومة المعنىّ عندهم ‪ ،‬ولول هذا لما قال ابن عباس‬
‫)الكرسي موضع القدمين( ولما قال )إن ال فوق النور الذي فوق السموات ( أخذا من أدلة العلو‬
‫‪ ،‬ولما قال ابن مسعود مثإل هذا ‪ ،‬ولصح أن يستثإني ابن عمر من خلق الشياء بكلمة كن ‪،‬‬
‫أربعة أمور فحسب ‪ ،‬ويجعلها مما خلقه ال تعالىّ بيده ‪ ،‬ول قال سعيد ين جبير )كتبها الرحمن‬
‫بيده ( ‪ ،‬ومجاهد استوى بمعنىّ )عل علىّ العرش( ‪ ،‬ول قال من بعد هؤلء ‪ ،‬بائان من خلقه ‪،‬‬
‫مستو علىّ عرشه ‪ ،‬يقرب من خلقه ‪ ،‬وما يشبه هذه اللفاظ ‪.‬‬

‫ولو أنهم كانوا لم يفهموا من هذه النصوص شيئاا ‪ ،‬أو كانوا يؤولونها لما جاز هذا منهم ‪،‬‬
‫ولصرحوا بذلك وعلمه من هم أعلم الناس ‪ ،‬بأقوالهم وهم الذين تقدم العتماد عليهم في النقل‪.‬‬

‫وقد طبعت مؤلفات كثإيرة ‪ ،‬ذكرت مذهب السلف كما ذكر هنا ‪ ،‬وسارت علىّ طريقتهم في‬
‫العقيدة وهي كثإيرة ‪ ،‬كالتوحيد لن خزيمة ‪ ،‬وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللكائاي‬
‫‪ ،‬والسنة لبن أبي عاصم ‪ ،‬والسنة لعبد ال بن أحمد ‪ ،‬والسنة لمحمد بن نصر المروزي ‪ ،‬العلو‬
‫للذهبي ‪ ،‬والرد علىّ الجهمية للدارمي ‪ ،‬والنقض علىّ المريسي له أيضا ‪ ،‬والشريعة للجري ‪،‬‬
‫وعقيدة السلف للصابوني ‪ ،‬والرد علىّ الجهمية لبن منده ‪ ،‬وكتاب النزول والصفات للدارقطني‬
‫‪ ،‬وغيرها أيضا ‪.‬‬

‫* الردأ على مانا زعم أنا السإلف كانوا ل يعبرونا عنا ماعاني نصوص الصفات ‪ ،‬بغير تلوتها‬
‫الماجردأة ‪ ،‬لنهم لم يكونوا يفهماونا مانها شيئا ‪:‬‬

‫وهذه الروايات النفة الذكر ‪ ،‬إنما قصد بها التمثإيل فحسب ‪ ،‬لن حصرها يتطلب جهدا كبيرا‬
‫ويوسع البحث جدا ‪ ،‬مع أن هذا المر أوضح وأشهر من أن يتكلف له النقل ‪ ،‬لول وجود من‬
‫يلدعي خلفه ممن لم يمعن النظر في أقاويل الصحابة والتابعين في كتب التفسير والسنة‪.‬‬

‫ومن هؤلء الزركشي رحمه ال كما تقدم عنه في آخر المبحث الول ‪ ،‬أنه نسب إلىّ السلف‬
‫مذهب أهل التأويل ‪ ،‬الذين يقولون ظاهر نصوص الصفات غير مراد‪ ،‬وحكىّ مذهب السلف‬
‫ونسبه إلىّ المشبهة‪.‬‬

‫وليس المام الزركشي رحمه ال ممن قصر علمه في الحديث ‪ ،‬لكن يبدو أنه قلد غيره في هذا‬
‫النقل ‪ ،‬فإن بعض العلماء المتقدمين ‪ ،‬والمتأخرين ‪ ،‬ادعوا أن مذهب السلف ‪ ،‬ل يختلف مع‬
‫مذهب الخلف في أن الظاهر من النصوص المدعىّ أنها توهم التشبيه غير مراد ‪ ،‬وأنها ل تدل‬
‫ل أن السلف يفوضون معانيها المراده ‪ ،‬ويلتزمون السكوت عن ذلك وعدم‬ ‫علىّ صفات ال ‪ ،‬إ ل‬
‫الخوض فيه ‪ ،‬وزاد بعضهم أن من مذهبهم عدم تصريف هذه النصوص ‪ ،‬ول تغيير ألفاظها ‪،‬‬
‫ول تقديم ‪ ،‬وتأخير ‪ ،‬شيء من ذلك‪. 1‬‬

‫‪ 1‬هو المام الغزالي في إلجام العوام ص ‪. 70‬‬

‫‪17‬‬
‫وممن الدعىّ ذلك أبو حامد الغزالي رحمه ال في إلجام العوام‪ ، 1‬والرازي في أساس التقديس‪. 2‬‬

‫والبيجوري شارح جوهرة التوحيد قال ) ))أو فوض(( أي بعد التأويل الجمالي الذي هو‬
‫صرف اللفظ عن ظاهره فبعد هذا التأويل فوض المراد من المعنىّ الموهم إليه تعالىّ علىّ‬
‫طريقة السلف وهم من كانوا قبل الخمسمائاة وقيل القرون الثإلثإة ‪ ،‬الصحابة والتابعون واتباع‬
‫التابعين وطريقة الخلف أعلم وأحكم(‪. 3‬‬

‫ومن المتأخرين ‪ ،‬صاحب كتاب بعنوان ‪ :‬متشابه القرآن‪. 4‬‬

‫وقد ذكر في هذا الكتاب مما ينبغي التوجه بالرد عليه ‪ ،‬أن مما يتفرع علىّ مذهب السلف هو‬
‫عدم تغيير النص الوارد في هذا الباب ‪ ،‬يريد عدم روايته بالمعنىّ ‪ ،‬ومثإل لذلك بأن يقال استوى‬
‫علىّ العرش ‪ ،‬ول يقال فوق العرش‪. 5‬‬

‫وأعجب شيء زعم هؤلء الذين يزعمون أن السلف لم يكونوا يغيرون النص الوارد في باب‬
‫ذكر صفات ال تعالىّ ‪ ،‬لنهم كانوا يعاملونها معاملة نصوص بل معنىّ‪.‬‬

‫يزعمون أن هذا هو مذهب السلف ‪ ،‬والكتب طافحة بالروايات التي يتصرفون فيها بألفاظهم ‪ ،‬ل‬
‫سيما في مسألة العلو ‪ ،‬وأشهر كتاب في ذلك كتاب العلو للحافظ الناقد الذهبي وقد تقدم بعض‬
‫المثإلة منه ‪ ،‬ولو طولب صاحب كتاب متشابه القرآن ‪ ،‬بنص واحد عن أحد من السلف في‬
‫النهي عن تغيير ألفاظ نصوص الصفات وأن ل يقال فوق العرش لما قدر عليه ‪ ،‬وغاية ما أمكنه‬
‫أن يأتي به ليبرهن علىّ صحة دعواه بعض القوال التي توهم ما أراد إيهامه ‪ ،‬من أن السلف‬
‫كانوا ل يفقهون معنىّ هذه النصوص وهي في الحقيقة ‪ ،‬إذا فسرت بأقوال أخرى لهم ‪ ،‬تبين أنها‬
‫دالة علىّ ضد ما أراده وهذه القوال هي ‪:‬‬

‫)‪ (1‬قول سفيان بن عيينة )كل ما وصف ال به نفسه فتفسيره تلوته والسكوت عليه ( ‪ ،‬وقد‬
‫رواه البيهقي في السماء والصفات‪. 6‬‬
‫وليس فيه أن آيات صفات ل يعلم معناها بدليل قوله إنها مما وصف ال به نفسه ‪ ،‬فقد صرح‬
‫أنها من صفات ال ‪ ،‬فمعنىّ قوله )تفسيره تلوته أي ‪ :‬أن معناه واضح ‪ ،‬وقوله )والسكوت‬
‫عليه( أي ‪ :‬ل يؤول ويصرف عن كونه صفة ‪ ،‬ولم يرد عنه أن هذه النصوص ل يعلم المراد‬
‫‪7‬‬
‫منها ‪ ،‬ول تغير ألفاظها ‪ ،‬بل قد ورد عنه ما ينقض هذه الدعوى فقد قال الذهبي في كتاب السير‬
‫‪ :‬قال الحافظ ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثإنا محمد بن الفضل بن موسىّ‪ ، 8‬حدثإنا محمد بن منصور‬
‫الجواز‪ 9‬قال رأيت سفيان بن عيينة ‪ ،‬سأله رجل ما تقول في القرآن ‪ ،‬قال )كلم ال منه خرج‬
‫وإليه يعود( ‪ ،‬وأين في القرآن لفظ )منه خرج( الذي يمنع منه أهل التأويل ‪ ،‬أما المعتزلة ‪ ،‬فأن‬
‫‪ 1‬المصدر السابق ص ‪. 66‬‬
‫‪ 2‬ص ‪.182‬‬
‫‪56 3‬ـ ‪. 57‬‬
‫‪ 4‬ص ‪. 115‬‬
‫‪122 5‬ـ ‪. 123‬‬
‫‪. 516 6‬‬
‫‪. 8/466 7‬‬
‫‪ 8‬قال ابن أبي حاتم ) كتبت عنه وهو صدوق ( الجرح والتعديل ‪. 8/60‬‬
‫‪ 9‬ثإقة انظر التقريب ‪. 508‬‬

‫‪18‬‬
‫القرآن مخلوق خلقه في غيره ‪ ،‬وأما غيرهم فقد صرح في شرح العقائاد النسفية أن القرآن‬
‫المؤلف من السور واليات مخلوق ل وأن ال ل يسمع منه كلم‪. 10‬‬

‫فكأنما سفيان قد أراد بقوله إبطال القولين ‪ ،‬وهو دليل علىّ أنه فهم من النصوص المخبرة عن‬
‫كلم ال ‪ ،‬أن ال تكلم بالقرآن حقيقة ‪ ،‬خرج منه فسمعه جبريل وموسىّ وغيرهما من أصفيائاه‬
‫عليهم السلم ‪.‬‬

‫)‪ (2‬قول الوليد بن مسلم عن الوزاعي ومالك والثإوري والليث بن سعد )أمروها كما جاءت بل‬
‫كيف ( وقد تقدم‪ ، 1‬وليس في هذا ما ادعاه ‪ ،‬أما الأوزاعي فقد قال )كنا والتابعون متوافرون‬
‫نقول إن ال علىّ عرشه ونؤمن بما ورد في السنة من صفاته(‪. 2‬‬

‫وقد أنكر من يزعم أن مذهب السلف إمرار نصوص الصفات ‪ ،‬من غير تغير في ألفاظها ‪،‬‬
‫التعبير عن معانيها بغير التركيب الوارد ‪ ،‬حتىّ أنكر بعضهم أن يقال فوق العرش ‪ ،‬فليت‬
‫شعري ‪ ،‬كيف يفسر هؤلء مقالة الوزاعي هذه ‪.‬‬

‫وأما مالك فقد تقدم قوله )ال عز وجل في السماء ‪ ،‬وعلمه في كل مكان(‪ ، 3‬وأما الثإوري فقد‬
‫تقدم قول الشافعي )القول في السنة التي أنا عليها ورأيت عليها الذين رأيتهم مثإل مالك وسفيان‬
‫وغيرهما ‪ ،‬فذكر أن ال علىّ عرشه في سمائاه (‪. 4‬‬

‫)‪ (3‬قول مالك ) الستواء غير مجهول والكيف غير معقول ( وقد رواه البيهقي في السماء‬
‫والصفات‪ ، 5‬وقوله غير مجهول ‪ :‬أي معلوم كونه صفة ل ‪ ،‬يبين هذا ‪ ،‬الرواية التي جلود‬
‫إسنادها ابن حجر‪ ، 6‬وقد رواها البيهقي أيضا‪ :7‬قال مالك )الرحمن علىّ العرش استوى كما‬
‫وصف به نفسه ول يقال كيف ( فذكر أن الستواء صفة ل ‪ ،‬وترى الذين يزعمون أن مذهب‬
‫السلف الجمود علىّ ألفاظ نصوص الصفات من غير فهم لمعانيها ‪ ،‬يعرضون عن مثإل هذه‬
‫الرواية الصريحة ‪ ،‬ويوردون الروايات التي تخدم غرضهم فحسب ‪.‬‬

‫)‪ (4‬قول ربيعة بن أبي عبد الرحمن )الكيف مجهول والستواء غير معقول ( وهذا اللفظ رواه‬
‫البيهقي في المصدر السابق من طريق عبد ال بن صالح‪ ،8‬وقد روى هذا الخبر الذهبي في‬
‫العلو‪ 9‬من طريق سفيان الثإوري بلفظ ) الستواء غير مجهول والكيف غير معقول ( ‪ ،‬ورواه‬
‫الللكائاي‪. 10‬‬

‫‪ 10‬ص ‪94‬ـ ‪. 95‬‬


‫‪ 1‬انظر ص ‪. 17‬‬
‫‪ 2‬وتقدم تخريجه انظر ص ‪ 19‬هامش ‪. 2‬‬
‫‪ 3‬ص ‪. 15‬‬
‫‪ 4‬ص ‪11‬‬
‫‪ 5‬ص ‪. 516‬‬
‫‪ 6‬فتح الباري ) ‪. (13/407‬‬
‫‪ 7‬ص ‪. 515‬‬
‫‪ 8‬ص ‪. 516‬‬
‫‪ 9‬ص ‪. 98‬‬
‫‪ 10‬من طريق سفيان بن عيينة بنفس لفظ الثإوري ‪. 3/39‬‬

‫‪19‬‬
‫ومعلوم أن الثإوري لو خالف ‪ -‬وحده ‪ -‬عبد ال بن صالح قدم عليه ‪ ،‬فكيف إذا وافقه ابن عيينة‬
‫‪ ،‬وهذا اللفظ ورد عن أم سلمة رضي ال عنها وقال الذهبي إنه ثإابت عن ربيعة ومالك ول يثإبت‬
‫عن أم سلمة‪. 1‬‬

‫فهذه الرواية توضح المراد من قول المام مالك ‪ ،‬مع أنه يمكن التوفيق بينها وبين رواية‬
‫) الستواء غير معقول ( ‪ ،‬بأن يقال معنىّ غير معقول ‪ ،‬أي غير معقول الكيفية ‪ ،‬وقوله الكيف‬
‫مجهول يدل علىّ إثإبات صفة الستواء إذ من ل يثإبت الصفة ل يحتاج إلىّ أن يقول )الكيف‬
‫مجهول( ‪.‬‬

‫)‪ (5‬قول المام أحمد )نؤمن ونصدق بها ول كيف ول معنىّ( ‪ ،‬عن حديث الرؤية والنزول ‪،‬‬
‫وقصد المام نفي المعاني التي يذكرها أهل التأويل ‪ ،‬أي ل معنىّ غير ما يظهر منها كما قال‬
‫ابن تيمية رحمه ال )ل كيف ول معنىّ أي ل نكيفهـا ول نحرفها بالتأويل(‪ ،2‬وماذا عسىّ أن‬
‫تفسر رؤية المؤمنين ربهم بغير أن يقال يرى المؤمنون فذلك قال ) ل معنىّ ( أي ل معنىّ غير‬
‫هذا‪.‬‬

‫ول يزال العجب يتزايد ممن ل يعلم أن المام أحمد قد تكلم في معاني نصوص الصفات مع‬
‫كثإرة ذلك عنه ‪ ،‬ومما ورد عنه في ذلك ‪ ،‬قال الخلل ) وأنبأنا أبو بكر المروذي سمعت أبا عبد‬
‫ال وقيل له إن عبد الوهاب قد تكلم وقال‪ :‬من زعم أن ال كلم موسىّ بل صوت فهو جهمي‬
‫عدو ال وعدو السلم فتبسم أبو عبد ال وقال ما أحسن ما قال عافاه ال(‪. 3‬‬

‫ومن ذلك أيضا مما يفسر معنىّ قوله )نرويها كما جاءت ( ما رواه الخلل أيضا ‪) :‬قال عبد ال‬
‫بن أحمد سألت أبي عن قوم يقولون لما كلم ال موسىّ لم يتكلم بصوت ‪ ،‬قال أبي ‪ :‬بلىّ تكلم‬
‫تبارك وتعالىّ بصوت وهذه الحاديث نرويها كما جاءت (‪. 4‬‬

‫ومما يبين أنهم يريدون بقولهم ل نفسرها أي ‪ ،‬ل نتكلم في الكيفية ‪ ،‬أو ل نفسرها بما يخرجها‬
‫عن كونها صفة ال ما رواه الذهبي بإسناده عن أبي عبيد القاسم بن سلم المام المشهور ‪ ،‬أنه‬
‫ذكر الباب الذي يروي فيه الرؤية ‪ ،‬والكرسي موضع القدمين ‪ ،‬وضحك ربنا ‪ ،‬وأين كان ربنا ‪،‬‬
‫فقال )هذه أحاديث صحاح حملها أصحاب الحديث والفقهاء ن بعضهم عن بعض وهي عندنا‬
‫حق ل نشك فيه ‪ ،‬ولكن إذا قيل كيف يضحك ؟ وكيف وضع قدمه قلنا ل نفسر هذا ول سمعنا‬
‫أحدا يفسره(‪. 5‬‬

‫وقال الثإرم )قلت لبي عبد ال حدث محدث وأنا عنده بحديث )يضع الرحمن فيها قدمه( وعنده‬
‫غلم فأقبل علىّ الغلم فقال ‪ :‬إن لهذا تفسيرا ‪ ،‬فقال أبو عبد ال )انظر إليه كما تقول الجهمية‬
‫سواء(‪. 6‬‬

‫فهذا مع ما تقدم يدل علىّ أن معنىّ قولهم أمروها كما جاءت ‪ ،‬كما قال ابن تيمية )فقولهم أمروها‬

‫‪ 1‬العلو ص ‪. 65‬‬
‫‪ 2‬درء تعارض العقل والنقل ‪. 2/31‬‬
‫‪ 3‬المصدر السابق ‪.‬‬
‫‪ 4‬المصدر السابق ) ‪. (2/39‬‬
‫‪ 5‬سير أعلم النبلء ‪ ، 10/505‬ورواه الدارقطني في الصفات ‪. 68‬‬
‫‪ 6‬مختصر العلو ‪. 191‬‬

‫‪20‬‬
‫كما جاءت يقتضي إبقاء دللتها علىّ ما هي عليه فإنها جاءت ألفاظا دالة علىّ معان فلو كانت‬
‫دللتها منتفية لكان الواجب أن يقال أمروا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد (‪. 1‬‬

‫وأن معنىّ قولهم بل تفسير ول معنىّ كما قال ابن تيمية ) أي ل نكيفها ول نحرفها بتأويل(‪. 2‬‬

‫فما يدعيه الذين يزعمون أن القول بأن ال فوق عرشه تحكــم وقول أقرب إلىّ التجسيم ‪ ،‬قد‬
‫يفسر بأنهم يتكلمون علىّ وفق مذهبهم في هذا الباب ‪ ،‬أما أن يدعي مدع أن هذا موافق لمذهب‬
‫السلف ‪ ،‬ويزيد علىّ ذلك أن من مذهبهم عدم إطلق مثإل هذه العبارات ‪ ،‬ول تغيير ألفاظ‬
‫النصوص لنهم يفوضون معانيها ‪ ،‬فهذا قول موغل في الخطأ ‪ ،‬كما دل علىّ ذلك النقول‬
‫الكثإيرة المتقدمة ‪ ،‬ل سيما في باب العلو وقد وجد ذلك أيضا في أشهر كتب السنة ‪ ،‬فقد روى‬
‫البخاري عن زينب رضي ال عنها قالت )زوجني ال من فوق سبع سماوات(‪. 3‬‬

‫هذا وقدأ أوقع هؤلءا الذينا غلوا على السإلف هذا الغلط ‪ ،‬أمارانا ‪:‬‬

‫الول ‪ :‬اعتمادهم علىّ من يتعمد ترك الروايات الكثإيرة الدالة علىّ حقيقة مذهب السلف مع‬
‫علمه بها ‪ ،‬ويظهر الروايات المحتملة ليثإبت بذلك أن مذهب السلف هو اعتقاد عدم إرادة الظاهر‬
‫‪ ،‬ثإم السكوت عن الخوض في المراد إيثإارا للسلمة ‪ ،‬ليبني علىّ ذلك أن سكوتهم ليس دلي ل‬
‫ل‬
‫علىّ التحريم ‪ ،‬وبهذا يوهم عدم الخلف بين الخلف والسلف ‪ ،‬ومن هؤلء الكوثإري كما دل‬
‫علىّ ذلك تعليقه علىّ ) تعيين كذب المفتري (‪ 4‬ومقدمته لكتاب السماء والصفات للبيهقي ‪،‬‬
‫وتعليقه علىّ النظامية‪ ، 5‬وقد أطنب الشيخ المعلمىّ في بيان تلبيسه في سبيل أن ينصر مذهبه‪. 6‬‬

‫والثاني ‪ :‬اعتماده علىّ من ليس له حظ عظيم في العلم بالخبار السلفية كالغزالي والرازي‬
‫رحمهما ال ‪.‬‬

‫* أسإباب الخطأ في نقل ماذهب السإلف ‪:‬‬

‫والعجيب من المام الزركشي رحمه ال أنه نقل القول بالتأويل عن علي وابن مسعود وابن‬
‫عباس وغيرهم من الصحابة ‪ ،‬فإن كان يعني التأويل المصطلح عليه ‪ -‬وهو الذي يعنيه ‪ -‬فهو‬
‫نقل بعيد عن الصواب ‪ ،‬وقد تسامح بعض المفسرين في نقل مثإل هذا عن السلف فمن ذلك ما‬
‫ذكره أبو حيان رحمه ال قال )وقيل عن ابن عباس يداه نعمتاه ( ثإم قال ) وقال قوم منهم‬
‫الشعبي وابن المسيب والثإوري نؤمن بها ونقر كما نصت ‪ ،‬ثإم أن هذا من قول من لم يمعن‬
‫النظر في لسان العرب(‪ ، 7‬ومن ذلك أيضا ما نسبه في الفرق بين الفرق إلىّ علي بن أبي طالب‬

‫‪ 1‬مجموع الفتاوى ‪. 5/42‬‬


‫‪ 2‬درء التعارض ‪. 2/31‬‬
‫‪ 3‬فتح الباري ‪. 13/4040‬‬
‫‪ 4‬حاشية ص ‪. 28‬‬
‫‪ 5‬ص ‪33‬ـ ‪. 34‬‬
‫‪ 6‬في كتابه التنكيل لما في تأنيب الكوثإري من الباطيل ‪ ،‬كما بين ذلك أيضا فضيلة الشيخ الدكتور علي بن‬
‫ناصر الفقيهي في تعليقه علىّ رسالة الذب عن أبي الحسن الشعري لبن درباس ص ‪ 119‬ـ ‪، 128‬‬
‫ومعه الدكتور احمد عطية الغامدي في مقدمتهما لكتاب الصواعق المرسلة لبن القيم ‪21‬ـ ‪. 28‬‬
‫‪ 7‬البحر المحيط ‪. 3/524‬‬

‫‪21‬‬
‫أنه قال ‪ ) :‬إن ال تعالىّ خلق العرش إظهارا لقدرته ل مكانا لذاته(‪ ، 1‬وما نسبه صاحب كتاب‬
‫التبصير في الدين إليه أنه سئال أين ال ؟ فقال ) إن الذي أين اللين ل يقال له أين(‪ ، 2‬وقال‬
‫المؤلف إن هذا أشفىّ البيان ‪ ،‬كذا قال ‪ :‬مع أن عليا رضي ال عنه يجل عن مثإل هذا الكلم ‪،‬‬
‫فإنه من أفسد القياس مع مخالفته الصريحة للكتاب والسنة ‪.‬‬

‫وأعجب من هذا كله أن الخير ‪ ،‬ذكر ما خاض فيه المتكلمون من مسائال الكلم مثإل أن ال‬
‫تعالىّ ليس بجسم ‪ ،‬ول جوهر ‪ ،‬ول عرض ‪ ،‬وليس له حد ول نهاية ‪ ،‬ول مجيء ‪ ،‬ول ذهاب ‪،‬‬
‫ول ‪ ،‬ول ‪ ،‬إلىّ آخر هذه السلوب ‪ ،‬وأن ال ل تحل فيه الحوادث ول يقال له أين ‪ ،‬وكلمه واحد‬
‫‪ ،‬أمر ‪ ،‬ونهي ‪ ،‬وخبر ‪ ،‬واستخبار ‪ ،‬وأن الستواء هو القصد ‪ ،‬وما يشبه هذا ‪ ،‬ثإم نسب هذا كله‬
‫وأمثإاله ‪ ،‬إلىّ جميع أهل السنة والجماعة ‪ ،‬وذكر الئامة الربعة ‪ ،‬و الوزاعي ‪ ،‬والليث بن سعد‬
‫ن والسفيانين ‪ ،‬وأصحاب الحديث ‪ ،‬والرأي ‪ ،‬بل والصحابة والتابعين‪ ، 3‬فإن كان ل يدري أن‬
‫السلف أجمعوا علىّ النهي عن الخوض في مثإل هذا ‪ ،‬وعلىّ إثإبات الصفات المذكورة في الكتاب‬
‫والسنة ‪ ،‬ثإم يحكي الجماع علىّ خلف الجماع ‪ ،‬فيا خميبة المسعىّ ‪ ،‬وإن كان يدري ‪ ،‬فأمر‬
‫وأدهىّ ‪.‬‬

‫ومثإل حكاية الجماع هذه ‪ ،‬ما حكاه بعض المتكلمين من اتفاق المسلمين علىّ أن الجسام‬
‫تتناهىّ في تجزئاتها ‪ ،‬وانقسامها ‪ ،‬حتىّ تصير أفرادا ‪ ،‬وهو الجوهر الفرد‪ ، 4‬وكيف يتصور أن‬
‫يتفق المسلون علىّ مسألة الجوهر الفرد ‪ ،‬التي لم تخطر علىّ بال أحد من النام ‪ ،‬حتىّ تكلم فيها‬
‫إل‬
‫ل أهل الكلم ‪.‬‬

‫وإن كان الخطأ قد وقع في مثإل نقل الجماع علىّ ما هو خلف الجماع ‪ ،‬فوقوعه في نسبة‬
‫بعض القوال إلىّ قائاليها أقرب ‪ ،‬وسبب ذلك يرجع إلىّ ثإلثإة أمور ‪:‬‬

‫السإبب الول ‪:‬‬

‫الخطأ في فهم مراد القائال ‪ ،‬وذلك إنما يرجع إلىّ عدم الحاطة بجميع أقواله ‪ ،‬ليمكن بذلك فهم‬
‫مراده ‪ ،‬وتقييد ما أطلقه ‪ ،‬وتفسير ما أبهمه ‪.‬‬

‫ومن أمثإلة ذلك ما ورد في بعض ما نقل عن السلف من قولهم ‪ ،‬أمروها كما جاءت بل تفسير ‪،‬‬
‫وقولهم قراءتها تفسيرها ‪ ،‬فظن من ظن أنهم يريدون الجهل بمعنىّ الخطاب ‪ ،‬وأنها ل تدل علىّ‬
‫شيء ‪ ،‬وليس المر كذلك ‪ ،‬بل أرادوا بل تفسير غير ما يفهم منها ‪ ،‬أو بل تفسير لكيفياتها ويدل‬
‫علىّ هذا ‪:‬‬

‫)‪ (1‬ما جاء في بعض الروايات فمن ذلك ‪ :‬قال الثإرم ‪ ) :‬قلت لبي عبد ال ‪ :‬حدث محدث‬
‫وأنا عنده بحديث )يضع الرحمن فيها قدمه ( وعنده غلم ‪ ،‬فأقبل علىّ الغلم فقال إن لهذا‬
‫تفسيرا ‪ ،‬فقال أبو عبد ال ‪ :‬أنظر إليه كما تقول الجهمية سواء(‪ . 5‬ومن ذلك أيضا‪ :‬قال محمد‬

‫‪. 333 1‬‬


‫‪ 2‬التبصير في الدين للسفرائايني ‪. 144‬‬
‫‪ 3‬التبصير في الدين ‪. 164‬‬
‫‪ 4‬حكاه ابن تيميه عن أبي المعالي المجموع ‪. 17/126‬‬
‫‪ 5‬مختصر العلو ‪. 190‬‬

‫‪22‬‬
‫بن إبراهيم الصفهاني سمعت أبا زرعة الرازي وسئال عن تفسير }الرحمن علىّ العرش‬
‫استوى{ فغضب ‪ ،‬وقال تفسيرها كما تقرأ هو علىّ عرشه وعلمه في كل مكان(‪ 1‬فهذا يبين ما‬
‫يقصدون بقولهم بل تفسير ‪ ،‬أو تفسيرها قراءتها ‪.‬‬

‫)‪ (2‬وأن في بعض الروايات جاءت كلمة )الكيف( مكان كلمة )التفسير( فمن ذلك ‪ :‬قال الوليد‬
‫بن مسلم سألت الوزاعي ومالك والثإوري والليث عن الحاديث التي فيها الصفات فكلهم قالوا‬
‫أمروها كما جاءت بل تفسير وفي رواية بل كيف‪. 2‬‬

‫)‪ (3‬وأنهم يحتجون بها علىّ إثإبات الصفة ‪ ،‬كاحتجاجهم بقوله تعالىّ }الرحمن علىّ العرش‬
‫استوى{ علىّ أنه فوق العرش ‪ ،‬وذلك أدل شيء علىّ أنهم فهموا من ذلك معنىّ العلو‪.‬‬

‫)‪ (4‬وأنهم يذكرون ألفاظا من عند أنفسهم تدل علىّ ما دلت عليه الية ‪ ،‬من أنها صفات ل‬
‫تعالىّ كقوله ‪ ،‬له وجه ‪ ،‬وله يد ‪ ،‬وبائان من خلقه ‪ ،‬وما يشبه هذا‪ ،‬فهذا يدل علىّ أنهم فهموا أنها‬
‫دلت علىّ صفات ل تعالىّ ‪ ،‬كما يفعل أصحاب الكتب المصنفة في الصفات فيقولون باب صفة‬
‫الوجه ‪ ،‬باب صفة الستواء ‪ ،‬وهذا مشهور جدا ‪.‬‬

‫وفي هذا دللة علىّ أن عدم جمع الروايات ‪ ،‬هو السبب في نسبة القول بأن آيات الصفات من‬
‫المتشابه الذي ل يعلم معناه المخالف للظاهر ‪ ،‬نسبته إلىّ السلف‪. 3‬‬

‫وأما نسبة التأويل إليهم مما يرجع إلىّ هذا المر الول فله مثإالن ‪:‬‬

‫الول ‪ :‬ما ورد عن ابن عباس رضي ال عنهما في قوله تعالىّ }ميموم هيمكمشهف معمن مساءق{ ]القلم‪:‬‬
‫من الية ‪ [42‬أن المراد به الشدة ‪ ،‬أي أن ال يكشف عن الشدة في الخرة ‪ ،‬وقال أيضا )عن‬
‫أمر عظيم(‪ ، 4‬وليس هذا من باب التأويل ‪ -‬بمعنىّ صرف اللفظ عن ظاهره الذي يدل عليه ‪-‬‬
‫فإن ظاهر القرآن ل يدل علىّ أن هذه من الصفات ‪) ،‬فانه قال ‪ -‬تعالىّ – }يوم يكشف عن ساق‬
‫{ ‪ ،‬وهي نكرة في سياق الثإبات لم يضفها إلىّ ال ‪ ،‬ولم يقل ساقه فمع عدم التعريف والضافة ‪،‬‬
‫ل بدليل آخر ‪ ،‬ومثإل هذا ليس بتأويل ‪ ،‬وإنما التأويل صرف الية عن‬ ‫ل يظهر أنه من الصفات إ ل‬
‫مدلولها ‪ ،‬ومفهومها ‪ ،‬ومعناها المعروف( ‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫الثإاني ‪ :‬قوله تعالىّ }موإللنإه املمممشإرهق مواملمممغإرهب مفمأميمنمما هتمورلوا مفمثإنم مومج ه النلإه{ ]البقرة‪ :‬من الية ‪[115‬‬
‫فقد جاء عن مجاهد أنه قال )قبله ال(‪ ، 6‬فظن بعض الناس أنه من باب التأويل وليس كذلك‬
‫أيضا فإن الوجه هو الجهة ‪ ،‬يقال قصدت هذا الوجه وسافرت إلىّ هذا الوجه كما في قوله تعالىّ‬

‫‪ 1‬المصدر السابق ‪. 203‬‬


‫‪ 2‬المصدر السابق ‪142‬ـ ‪. 143‬‬
‫‪ 3‬أي الخطأ في فهم عباراتهم ‪ ،‬بسبب عدم ضمها إلىّ سائارها ‪ ،‬هو السبب في نسبة هذا القول إليهم ‪ ،‬من‬
‫بعض الئامة ‪ ،‬ومن أمثإلة هذا قول المام الطبري ) لن له المشارق والمغارب وأنه ل يخلو منه مكان (‬
‫التفسير ‪ ،2/528‬ويعني بذلك ل يخلو من علمه ‪ ،‬ويدل علىّ أن هذا مراده ‪ ،‬قوله في نفس الكتاب‬
‫) وعنىّ بقوله ) هو رابعهم ( بمعنىّ أنه مشاهدهم بعلمه ‪ ،‬وهو علىّ عرشه ( ‪. 28/12‬‬
‫‪ 4‬رواه الطبري في التفسير ‪. 29/38‬‬
‫‪ 5‬الفقرة بين القوسين من كلم شيخ السلم المجموع ‪. 6/394‬‬
‫‪ 6‬تفسير الطبري ‪ ، 2/536‬والسماء والصفات للبيهقي ص ‪ ،391‬ونقل عن الشافعي أنه قال ) يعني‬
‫وال اعلم فثإم الوجه الذي وجهكم ال إليه ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫}موإلهكلل إومجمهةة ههمو همموبليمها{ ]البقرة‪ :‬من الية ‪ ، [148‬والجهة هي القبلة ولذلك قال فأينما تولوا ‪،‬‬
‫أي تستقبلوا فقول مجاهد فثإم قبلة ال هو باعتبار أن الوجه والجهة واحد ‪ ،‬فهو تفسير في هذا‬
‫الموضع لهذه الكلمة بحسب اللغة ‪ ،‬وما دل عليه السياق ولو أنه قال وجه ال المراد ذاته ‪ ،‬وليس‬
‫ل صفة هي الوجه لصح بذلك العقل عنه أنه يقول بجواز التأويل الصطلحي‪. 1‬‬

‫السإبب الثاني ‪:‬‬

‫هو قلة العلم بالخبار ‪ ،‬والثإار المنقولة ‪ ،‬عن الصحابة ‪ ،‬والتابعين ‪ ،‬وأئامة السلف ‪ ،‬قال ابن‬
‫تيمية رحمه ال )وأما المتأخرون الذين لم يتحروا متابعتهم ‪ ،‬وسلوك سبيلهم ‪ ،‬ول لهم خبرة‬
‫بأقوالهم‪ ،‬وأفعالهم ‪ ،‬بل في كثإير مما يتكلمون به في العلم ويعملون به ‪ ،‬ل يعرفون طريق‬
‫الصحابة والتابعين في ذلك ‪ ،‬من أهل الكلم ‪ ،‬والرأي والزهد ‪ ،‬والتصوف ‪ ،‬فهؤلء تجد‬
‫عمدتهم في كثإير من المور المهمة في الدين ‪ ،‬إنما هو عما يظنونه من الجماع ‪ ،‬وهم ل‬
‫يعرفون في ذلك أقوال السلف البتة ‪ ،‬أو عرفوا بعضها ولم يعرفوا سائارها(‪. 2‬‬

‫وقد تقدم ما يبين صحة هذا الذي حكاه هذا المام ‪ ،‬ومما يزيد تأكيد هذا المر عدم معرفة بعض‬
‫المتكلمين في مسائال الصفات والعقائاد لحاديث الصحيحين المشهورة ‪ ،‬قال ابن حجر رحمه ال‬
‫)واستشكل فهم التخيير من الية حتىّ أقدم جماعة من الكابر علىّ الطعن في صحة هذا الحديث‬
‫مع كثإرة طرقه واتفاق الشيخين وسائار الذين خرجوا الصحيح علىّ تصحيحه ‪ ،‬وذلك ينادي علىّ‬
‫‪3‬‬
‫منكري صحته بعدم معرفة الحديث وقلة الطلع علىّ طرقه(‬

‫ذكر ابن حجر هذا في شرح حديث ابن عمر الذي رواه الشيخان ‪ ،‬وغيرهما ‪ ،‬قال )لما توفي‬
‫عبد ال بن أبلي جاء ابنه عبد ال إلىّ رسول ال ‪-‬صلىّ ال عليه وسلم‪.. -‬مذكر أن عمر قال‬
‫للنبي ‪-‬صلىّ ال عليه وسلم‪ -‬لما أراد أن يصلي علىّ بن أبلي أتصلي عليه وهو منافق فقال إنما‬
‫خيرني ال فقال )استغفر لهم أو ل تستغفر لهم ‪ ..‬الية فقال سأزيده علىّ السبعين ‪...‬الحديث‬
‫(‪. 4‬‬

‫ومعلوم أن من كان ل يعرف مثإل هذه الحاديث فبضاعته مزجاة في ما هو دون ذلك من أقوال‬
‫الصحابة والتابعين المنثإورة في كتب التفسير وأجزاء الحديث ‪ ،‬فل يستغرب إذن أن يخطأ مثإل‬
‫هؤلء في نقل مذهب السلف ‪ ،‬وإن كان في أهم مسائال الدين ‪ ،‬بينما يصيب من يقول ) وقد‬
‫طالعت التفاسير المنقولة عن الصحابة ‪ ،‬وما رووه من الحديث ‪ ،‬ووقفت من ذلك علىّ ما شاء‬
‫ال تعالىّ ‪ ،‬من الكتب الكبار‪ ،‬والصغار أكثإر من مائاة تفسير ‪ ،‬فلم أجد ‪ -‬إلىّ ساعتي هذه ‪ -‬عن‬
‫أحد من الصحابة ‪ ،‬أنه تأول شيئاا من آيات الصفات ‪ ،‬أو أحاديث الصفات بخلف مقتضاها‬
‫المفهوم المعروف ‪ ،‬بل عنهم من تقرير ذلك وتثإبيته ‪ ،‬وبيان أن ذلك من صفات ال ما يخالف‬

‫‪ 1‬انظر مجموع فتاوى ابن تيمية ‪. 3/139 ،2/428 ،6/16‬‬


‫‪ 2‬المصدر السابق ‪. 13/25‬‬
‫‪ 3‬ثإم قال ابن حجر ‪ :‬قال ابن المنير مفهوم الية زلت فيه القدام ‪ ،‬حتىّ أنكر القاضي أبو بكر الباقلني‬
‫صحة الحديث ‪ ...‬ولفظ القاضي أبي بكر في التقريب ) هذا الحديث من أخبار الحاد التي ل يعلم ثإبوتها‬
‫( ‪ ،‬وقال إمام الحرمين في مختصره ‪) ،‬هذا الحديث غير مخرج في الصحيح( وقال في البرهان ) ل‬
‫يصححه أهل الحديث ( ‪ ،‬وقال الغزالي في المستصفىّ ) الظهر أن هذا الخبر غير صحيح ( وقال‬
‫الداودي الشارح ) هذا الحديث غير محفوظ ( فتح الباري ‪. 8/338‬‬
‫‪ 4‬فتح الباري ‪. 8/337‬‬

‫‪24‬‬
‫‪1‬‬ ‫كلم المتأولين ما ل يحصيه إ ل‬
‫ل ال ‪ ،‬وكذلك فيما يذكرونه آثإرين وذاكرين عنهم شيء كثإير(‬
‫‪.‬ويقول )وال يعلم أني بعد البحث التام ومطالعة ما أمكن من كلم السلف ما رأيت كلم أحد‬
‫صا ول ظاهرا علىّ نفي الصفات الخبرية ‪. 2(...‬‬ ‫منهم يدل ل ن ل‬

‫وهاتان عبارتا شيخ السلم ابن تيمية ‪ ،‬وهما تدلن علىّ أن ذكره لمذهب السلف يقوم علىّ‬
‫استقراء تام ‪ ،‬ولذلك تحدى من يأتي بخلف ما ذكر ‪ ،‬وأمهل المخالفين ثإلث سنين ‪ ،‬ففتشوا‬
‫الكتب فظفروا بما تقدم من آية القبلة فحسب ‪ ،‬وهي غير دالة علىّ ما قصدوه‪. 3‬‬

‫السإبب الثالث‪:‬‬

‫العتماد علىّ طريق ضعيف ‪ ،‬إما من جهة ضعف بعض الرواة أو من جهة خطأ الثإقة فيما‬
‫روى ‪ ،‬ومن أمثإلة هذا الخير ‪:‬‬

‫ل أن يأتيهم ال { ‪ ،‬كان جماعة من السلف يمسكون عن الكلم‬ ‫قال ابن الجوزي )قوله تعالىّ } إ ل‬
‫في مثإل هذا ‪ ،‬وقد ذكر القاضي أبو يعلىّ عن أحمد أنه قال ) المراد قدرته وأمره ( وقد بينه في‬
‫قوله تعالىّ }أو يأتي أمر ربك{ (‪. 4‬‬

‫ولم يزد ابن الجوزي علىّ هذا ‪ ،‬وهذا الذي ذكره القاضي ‪ ،‬قد رواه حنبل ابن عم المام في ذكر‬
‫محنة أحمد المشهورة ‪ ،‬أنه لما احتج عليه المعتزلة بحديث )اقرؤوا البقرة ‪ ،‬وآل عمران ‪ ،‬فانهما‬
‫يجيئاان يوم القيام كأنهما غمامتان ‪ ،‬تحاجان عن صاحبهما ( في خلق القرآن ‪ ،‬وزعموا أنه ل‬
‫ل أن يأتيهم ال‬‫ل المخلوق ‪ ،‬عارضهم بقوله تعالىّ }هل ينظرون إ ل‬ ‫يوصف بالمجيء والتيان إ ل‬
‫في ظلل من الغمام{ قال ‪ :‬إنما يأتي أمره ‪ ،‬يريد أن الذي يأتي ثإواب القرآن ‪ ،‬قال ابن تيمية‬
‫) ولم ينقل هذا غيره ممن نقل مناظرة أحمد في ذلك ‪ ،‬فمنهم من قال ‪ ،‬لم يقل أحمد هذا ‪ ،‬وقالوا‬
‫حنبل له غلطات معروفة وهذا منها (‪. 5‬‬

‫وقال الذهبي عن حنبل ‪ :‬له مسائال كثإيرة عن أحمد ويتفرد ويغرب‪ ، 6‬وقال أبو بكر الخلل ‪ ،‬قد‬
‫جاء حنبل عن أحمد بمسائال أجاد فيها الرواية ‪ ،‬وأغرب في شيء يسير(‪. 7‬‬

‫وذكر ابن تيمية بعد ذلك ‪ ،‬أن من الحنابلة من قال ‪ :‬إنما قال أحمد ذلك إلزاما لهم ‪ ،‬أي كما أنكم‬
‫تقولون يجيء أمره ‪ ،‬فكذلك قولوا في القرآن ‪ ،‬يجيء ثإوابه ‪ ،‬ول تقولوا مخلوق ‪ ،‬ومنهم من‬
‫جعل هذا رواية عن أحمد ‪ ،‬وأن ابن الجوزي لما كان يميل إلىّ التأويل جعل هذا عمدته‪. 8‬‬

‫‪ 1‬وهو ابن تيمية رحمه ال مجموع الفتاوى ‪. 6/394‬‬


‫‪ 2‬المصدر السابق ‪. 5/109‬‬
‫‪ 3‬المصدر السابق ‪. 6/15‬‬
‫‪ 4‬زاد المسير ‪. 1/225‬‬
‫‪ 5‬أنظر مجموع الفتاوى ‪ ،5/399‬وحنبل موثإق أنظر المنهج الحمد في تراجم أصحاب أحمد للعليمي‬
‫‪. 1/345‬‬
‫‪ 6‬السير ‪. 13/52‬‬
‫‪ 7‬المنهج الحمد ‪. 1/245‬‬
‫‪ 8‬مجموع الفتاوى ‪ ،5/400‬والحديث السابق ‪ ،‬رواه مسلم بنحوه ‪ ،553 /1‬وقال ابن تيمية ) وأمد وغيره‬
‫من أهل السنة ‪ ،‬فسروا الحديث بأن المراد ‪ ،‬يجيء ثإواب البقرة وآل عمران كما ذكر مثإل ذلك عن مجيء‬

‫‪25‬‬
‫ومن المعلوم أن الثإقة قد يخطأ ‪ ،‬وأن هذا يعرف باعتبار قوله مع غيره ‪ ،‬فإن نقل الكثإر أو‬
‫الوثإق ما يدل علىّ أنه أخطأ‪ ،‬طرح خطؤه‪ ،‬وإذا كان هذا مما يعرف به خطأ الثإقات ‪ ،‬في نقل‬
‫الحاديث النبوية فيحكم عليها بالشذوذ ‪ ،‬فكيف في نقل المذاهب‪.‬‬

‫ورواية حنبل هذه خالف فيها ما رواه بنفسه عن أحمد‪ ،‬مثإل ما ذكره المام ابن تيمية رحمه ال‬
‫مما رواه حنبل عن أحمد‪ ،‬فذكر كلما كثإيرا في اعتقاده في الصفات وفيه )ونؤمن بالقرآن‬
‫محكمه ومتشابهه ول نزيل عنه صفة لشناعة شنعت‪ ،‬وما وصف به نفسه من كلم ونزول‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وخلوه بعبده ووضعه كنفه عليه‪ ،‬هذا كله يدل علىّ أن ال يرى في الخرة … (‬
‫أما ما رواه غيره فكثإير ‪ ،‬كما قال ابن تيمية رحمه ال )ول ريب أن المنقول المتواتر عن أحمد‬
‫يناقض هذه الرواية‪ ،‬ويبين أنه ل يقول إن الرب يجيء ويأتي وينزل أمره بل هو ينكر علىّ من‬
‫يقول ذلك(‪. 2‬‬
‫وبهذا المثإال يحصل التنبيه علىّ النوع الول‪ ،‬فإن الذي يخطأ في العتماد علىّ نقل الثإقة إذا لم‬
‫يعتبره بغيره‪ ،‬فخطؤه في العتماد علىّ رواية الضعيف أولىّ‪.‬‬

‫وبهذه المور الثإلث حصل الخطأ في حكاية مذهب السلف في هذا الباب في كتب أصول الدين‬
‫‪ ،‬والتفسير ‪ ،‬وعلوم القرآن ‪ ،‬وهو منحصر في ثإلث جهات‪:‬‬

‫الولىّ‪ :‬نسبة القول بأن ظاهر آيات الصفات ليس هو المراد منها وأن المراد هو تأويلها الذي ل‬
‫يعلمه إل ال‪.‬‬

‫الثإانية ‪ :‬نسبة القول بأن ظاهر آيات الصفات غير مراد منها والمراد هو تأويلها الذي ل يعلمه‬
‫إل ال والراسخون في العلم‪.‬‬

‫الثإالثإة ‪ :‬نسبة القول بأنهم ل يزيدون علىّ تلوة اليات ول يفهمون منها شيئاا‪.‬‬

‫وفيما تقدم من الروايات عنهم ما ينطق بخطأ هذا كله‪ ،‬وفي هذا كفاية في بيان مذهب السلف‬
‫قاطبة في آيات الصفات عامة‪.‬‬

‫* تنبيهات ماهماة جدأا ‪:‬‬

‫غير أنه ينبغي التنبيه علىّ ثإلثإة أمور تفصل ما أجمل من العبارات الحاكية لمذهب السلف‬
‫وتزيل بعض الشكال علىّ من لم يمعن النظر في مقالتهم‪:‬‬

‫أماا المار الول‪:‬‬

‫العمال في القبر ‪ ،‬وفي القيامة والمراد منه ثإواب العمال ‪ ..‬ثإم قال فلما أمر بقراءتهما ‪ ،‬وذكر مجيئاهما‬
‫يحاجان عن القارئ ‪ ،‬علم أنه أراد قراءة القارئ لهما ‪ ،‬وهو عمله ‪ ،‬وأخبر بمجيء عمله الذي هو التلوة‬
‫في الصورة التي ذكرها ‪ ،‬كما أخبر بمجيء غير ذلك من العمال ‪. 5/399‬‬
‫‪ 1‬درء تعارض العقل والنقل ‪. 2/30‬‬
‫‪ 2‬مجموع الفتاوى ‪. 5/401‬‬

‫‪26‬‬
‫فهو معنىّ قولهم إن الصفات تجرى علىّ الظاهر ‪.‬‬
‫ذلك أن الظاهر صار مشتركا هنا بين شيئاين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن يقال إن ظاهر هذه الصفات هو مماثإلة صفات المخلوقين‪ ،‬فاليد جارحة مثإل جوارح‬
‫العباد‪ ،‬وظاهر الغضب غليان القلب لطلب النتقام ‪ ،‬وظاهر كونه في السماء أن يكون مثإل الماء‬
‫في الظرف‪.‬‬

‫والثإاني ‪ :‬أن يقال إن الظاهر من هذه الصفات ‪ ،‬هو أنها صفات ل كما يليق بجلله‪ ، 1‬والول‬
‫هو قول المشبهة‪ ،‬والثإاني هو قول السلف ‪ ،‬ولذلك يقولون استوى كيف شاء ‪ ،‬وينزل كيف يشاء‬
‫‪ ،‬وله يد ‪ ،‬ونجهل الكيفية ‪.‬‬

‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه ال )فإن ظاهر الكلم هو ما يسبق إلىّ العقل السليم منه لمن‬
‫يفهم بتلك اللغة‪ ،‬ثإم قد يكون ظهوره بمجرد الوضع ‪ ،‬وقد يكون بسياق الكلم‪ ،‬وليست هذه‬
‫المعاني المحدثإة المستحيلة علىّ ال تعالىّ ‪ ،‬هي السابقة إلىّ عقل المؤمنين‪ ،‬بل اليد عندهم‬
‫كالعلم ‪ ،‬والقدرة ‪ ،‬والذات ‪ ،‬فكما أن علمنا وقدرتنا‪ ،‬وحياتنا وكلمنا‪ ،‬ونحوها من الصفات‬
‫أعراضا تدل علىّ حدوثإنا ‪ ،‬يمتنع أن يوصف ال سبحانه بمثإلها‪ ،‬فكذلك أيدينا ‪ ،‬ووجوهنا ‪،‬‬
‫ونحوها أجساما كذلك محدثإة‪ ،‬يمتنع أن يوصف ال بمثإلها‪ ،‬ثإم لم يقل أحد من أهل السنة ‪ ،‬إذا قلنا‬
‫ل علما ‪ ،‬وقدرة ‪ ،‬وسمعا ‪ ،‬وبصرا ‪ ،‬أن ظاهره غير مراد‪ ،‬إذ ل فرق بين ما هو من صفاتنا‬
‫جسم أو عرض للجسم(‪. 2‬‬

‫وقوله )لم يقل أحد من أهل السنة … إلخ ( معناه‪ :‬إن أكثإر الذين يقولون بالتأويل ـ وهؤلء‬
‫الكثإر هم المثإبتون لبعض الصفات ـ يقولون إن ظاهر السمع والبصر والحياة‪ ،‬والرادة‬
‫وغيرها مما يثإبتون ـ ليس هو المماثإلة لصفات المخلوقين ‪.‬‬
‫بل أن من يثإبت بعض الصفات الخبرية كاليد والوجه ‪ ،‬ممن يقول بالتأويل في غيرها ل ‪،‬يجعل‬
‫ظاهر ما يثإبته هو المفهوم من صفات المخلوقين‪.‬‬

‫كما قال اليجي في المواقف‪) :‬الخامسة‪ :‬اليد‪ ،‬قال تعالىّ }ميهد النلإه مفمومق أمميإديإهمم{ ]الفتح‪ :‬من الية‬
‫ص‪ :‬من الية ‪ ، [75‬فأثإبت الشيخ صفتين ثإبوتيتين‬ ‫‪} ، [10‬مما مممنمعمك أممن متمسهجمد إلمما مخلممقهت إبميمدني{ ] ل‬
‫زائادتين‪ ،‬وعليه السلف‪ ،‬وإليه ميل القاضي في بعض كتبه … (‪. 3‬‬

‫والشيخ هو أبو الحسن الشعري‪ ،‬والقاضي هو أفضل المتكلمين من أصحاب الشعري )أبو‬
‫بكر الباقلني(‪. 4‬‬

‫وقد قال في التمهيد )باب ‪ :‬في أن ل وجها ويدين‪ ،‬فإن قال قائال‪ :‬فما الحجة في أن ل عز وجل‬
‫وجها ويدين‪ ،‬قيل له ‪ :‬قوله تعالىّ }ويبقىّ وجه ربك ذو الجلل والكرام{ ‪ ،‬وقوله }ما منعك أن‬
‫تسجد لما خلقت بيدي{ ‪ ،‬فأثإبت لنفسه وجها ويدين ‪.(..‬‬

‫ثإم لما أبطل تأويلهما قال )فإن قال قائال فما أنكرتم أن يكون وجهه جارحة ‪ ،‬إذ لم تعقلوا يد صفة‬
‫ووجه صفة ل جارحة؟ يقال له‪ :‬ل يجب ذلك‪ ،‬كما ل يجب إذا لم نعقل حيا عالما قادرا إل جسما‬
‫‪ 1‬ينظر مجموع الفتاوى ‪6/356‬ـ ‪. 357‬‬
‫‪ 2‬المصدر السابق ‪ ،6/347‬وينظر كذلك أضواء البيان للشنقيطي ‪. 2/286‬‬
‫‪ 3‬المواقف في علم الكلم للعضد اليجي ص ‪. 298‬‬
‫‪ 4‬أنظر مجموع الفتاوى ‪. 5/98‬‬

‫‪27‬‬
‫‪ ،‬أن نقضي نحن وأنتم علىّ ال تعالىّ بذلك ‪. 1( ..‬‬

‫والمقصود أن كما أن ظاهر هذه الصفات ‪ ،‬ل يماثإل ما للمخلوقين عند من يثإبتها ‪ ،‬فكذلك ينبغي‬
‫أن يكون في سائارها ‪.‬‬

‫وهذا لزم للمعتزلة أيضا لنهم يثإبتون السماء ل فيقولون حي عليم قدير ‪ ،‬ويؤولون الصفات ‪،‬‬
‫فلبد لهم من القول بأن الظاهر من هذه السماء ‪ ،‬ليس مماثإلة المخلوق في أسمائاه إذ هي‬
‫السماء الحسنىّ‪.‬‬

‫فهذا هو معنىّ قولهم ـ تجرى علىّ ظاهرها ـ وهو الظاهر الذي يتبادر إلىّ العقل السليم ‪،‬‬
‫الذي استقر فيه أن الذات اللهية ‪ ،‬ل تماثإل ذوات المخلوقين ‪ ،‬فعلم أن الصفات المتعلقة بها‬
‫كذلك ل تماثإل صفات المخلوقين ‪ ،‬إذ هي فرع عليها فكما أن إثإبات الذات إثإبات وجود ل كيفية‬
‫فكذلك إثإبات صفاتها‪. 2‬‬

‫والمعنىّ الول ‪ ،‬أي قول القائالين ‪) :‬إن ظاهر هذه الصفات هو مماثإلة صفات المخلوقين ( ‪ ،‬قد‬
‫يريده من يقول )يجب إثإبات الصفات مع أن الظاهر غير مراد( فإن قصده بهذه الطلق فهو‬
‫مصيب‪ ،‬وإن نقل ذلك عن السلف ـ بهذا المعنىّ ـ فهو مصيب أيضا ‪ ،‬إل أنه قد أخطأ من‬
‫جهة إطلقه ما يوهم الغلط عليهم فليتجنب‪. 3‬‬

‫كما يجب أيضا تجنب الحتجاج بقوله تعالىّ }وما يعلم تأويله إل ال{ علىّ أنه يجب امرار‬
‫الصفات علىّ ظاهرها وبطلن التأويل ‪ ،‬لنه الية ليست من هذا التأويل الصطلحي في شيء‬
‫‪.‬‬

‫فمن احتج بها علىّ بطلن التأويل الصطلحي ‪ ،‬مع قوله بوجوب إمرار الصفات علىّ ظاهرها‬
‫‪ ،‬وقع في التناقض‪ ،‬لنه يبطل التأويل والية تثإبته معلوما ل ‪ ،‬بل الواجب القول ‪ :‬إنه يجب‬
‫إجراء اللفظ علىّ ظاهره‪ ،‬أي عدم صرفه عما يدل عليه ‪ ،‬وهو دللته علىّ الصفات ل تعالىّ‬
‫المنزهة عن صفات المخلوقين ‪ ،‬مع أن حقيقة الصفات ل يعلمها إل ال ‪ ،‬وحينئاذ يكون‬
‫الحتجاج بالية علىّ جهل الحقيقة‪ ،‬أي حقيقة الصفات ‪ ،‬وأن ال تعالىّ وحده حقيقتها ‪ ،‬فيكون‬
‫احتجاجا صحيحا ‪.‬‬

‫ومثإل هذا ‪ ،‬من يحتج بالية علىّ أننا خوطبنا بما ل يفهمه أحد ‪ ،‬مع قوله الظاهر غير مراد ‪،‬‬
‫وهذا مع أنه خطأ ‪ ،‬فإن الحتجاج بالية ‪ ،‬في آيات الصفات ‪ ،‬يوقع في التناقض ‪ ،‬لنا إذا لم‬
‫نفهم شيئاا من آيات الصفات ‪ ،‬كيف لنا نعرف ‪ ،‬أن لها تأويل يخالف الظاهر ول يوافقه ‪ ،‬فإن‬
‫الظاهر ‪ ،‬وغير الظاهر ‪ ،‬ل يعلم إل بمعرفة معنىّ اللفظ ‪ ،‬أو معانيه‪. 4‬‬

‫وبهذه الجملة يتضح الفرق بين المذهبين إن شاء ال تعالىّ‪.‬‬

‫‪ 1‬تمهيد الوائال ‪،‬وتلخيص الدلئال للباقلني ص ‪295‬ـ ‪. 298‬‬


‫‪ 2‬ذكر أن الصفات فرع عن الذات ‪ ،‬مستفاد من كلم ابن تيمية المجموع ‪. 47 /3 ،3/25‬‬
‫‪ 3‬المصدر السابق ‪3/66‬ـ ‪. 68‬‬
‫‪ 4‬مجموع الفتاوى ‪3/66‬ـ ‪. 68‬‬

‫‪28‬‬
‫المار الثاني ‪:‬‬

‫وهو أن التأويل المذموم عند السلف ‪ ،‬هو أن تصرف دللة اللفظ الظاهر علىّ الصفات ‪ ،‬إلىّ‬
‫معنىّ آخر يلزم منه نفي هذه الصفة لمجرد دعوى المشابهة للمخلوقات ‪ ،‬ومخالفة العقل‪ ،‬هذا إذا‬
‫كان اللفظ يدل علىّ إثإبات صفة ل كقوله تعالىّ }استوى علىّ العرش{ ‪} ،‬ويبقىّ وجه ربك ذو‬
‫الجلل والكرام{ ‪} ،‬لما خلقت بيديل{ ‪.‬‬

‫وليس التأويل المذموم ‪ ،‬هو أن يفسر أحد النصين ‪ ،‬بظاهر الخر‪ ،‬بما يدل علىّ خلف ظاهر‬
‫النص المفنسر ‪ ،‬فإن هذا من قبيل تفسير القرآن بالقرآن‪ ،‬وتفصيل الدلة السمعية لبعضها ‪،‬‬
‫وتفسير القرآن بالقرآن محمود‪ ،‬وأما المذموم تفسيره بالرأي المجرد عن البرهان من السنة أو‬
‫القرآن ‪.‬‬

‫ومن هذا القبيل قوله تعالىّ }مومنمحهن أممقمرهب إإلمميإه إممن محمبإل املموإريإد{ ]لق‪ :‬من الية ‪ [16‬بأنه قريب‬
‫بعلمه ‪ ،‬لن أدلة القرآن علىّ أن ال علىّ عرشه ‪ ،‬وفوق كل شيء ‪ ،‬كثإيرة جدا ‪ ،‬ومتنوعة ‪،‬‬
‫وهي من أحكم أنواع الدلة فيه ‪ ،‬هذا إن سبلم أن الظاهر من هذا النص قربه بنفســـه ـ‬
‫سبحانه ـ وسيأتي تفصيل هذا‪.‬‬

‫ولكن هذا النوع نادر جدا ـ وهو أن يراد بالنص خلف ظاهره ـ لسيما في باب الصفات ‪،‬‬
‫وهو مع ذلك وجوده في الحديث أوضح ‪ ،‬أما القرآن فل يكاد يوجد ‪ ،‬فإنه عند التحقيق يتبين أن‬
‫أكثإر ما أدعىّ فيه ‪ ،‬أن النص مصروف عن ظاهرة بنص آخر ‪ ،‬منتقض بأن الظاهر ليس هو‬
‫الهمندعي ‪ ،‬بل هو ما دل عليه سياق الية نفسها ‪ ،‬ومعناه اللغوي الصحيح ‪ ،‬وبذلك ل يحتاج إلىّ‬
‫التأويل‪ ،‬بمعنىّ تفسير النص بخلف ظاهره ‪ ،‬لدللة نص آخر علىّ ذلك ‪.‬‬

‫وربما ظن من لم يتحقق مذهب السلف في هذا الباب ‪ ،‬أن السلف يجرون اللفظ علىّ المعنىّ‬
‫الفاسد الذي ادعىّ ظهوره ‪ ،‬فأداه هذا إلىّ القول بوجوب التأويل‪ ،‬كما زعم من زعم ‪ ،‬أن من‬
‫قول السلف ‪ ،‬أن ال أقرب بذاته إلىّ النسان من حبل وريده ‪ ،‬وإليه من الحاضرين عند وفاته ‪،‬‬
‫صهرومن{ ]الواقعة‪ ، [85:‬هو أن‬‫لنه جعل ظاهر قوله تعالىّ }مومنمحهن أممقمرهب إإملميإه إممنهكمم موملإكمن ل هتمب إ‬
‫ال أقرب إليه‪. 1‬‬

‫ولئال يظن مثإل هذا ‪ ،‬فإنه ينبغي التنبيه علىّ أسباب الخطأ في الستدلل بالنصوص علىّ‬
‫الصفات ‪ ،‬وجعل ما ل يدل عليه اللفظ ‪ ،‬أو ما يدل عليه ظاهرا من المعاني الفاسدة هو الظاهر‪،‬‬
‫ويستفاد من هذا أيضا ‪ ،‬معرفة أن ما يحتاج فيه إلىّ صرف المعنىّ الظاهر في هذا الباب في‬
‫القرآن قليل ‪ ،‬مع وجوب القول بأن صرفه عن ظاهره ل يكون إل بالدلة السمعية‪.2‬‬

‫* ذكر أسإباب الخطأ في السإتدألل بالنصوص على صفات ال تعالى ‪:‬‬

‫‪ 1‬تفسير المنار ‪ ،2/168‬حكاه عن بعضهم ‪.‬‬


‫صملمناه معملىّ إعملءم ههدلى مومرمحمملة إلمقموءم هيمؤإمهنومن( ]العراف‪، [52:‬‬
‫‪ 2‬مصداقا لقوله تعالىّ }موملمقمد إجمئامناههمم إبإكمتاءب مف ن‬
‫وأما القائالون بالتأويل فإن أكثإر آيات الصفات التي هي أعظم ما دل عليه القرآن علىّ خلف الظاهر‬
‫عندهم وسيأتي تفصيل ذلك كله ‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫فمن هذه السباب‪:‬‬

‫السإبب الول ‪:‬‬

‫أن يجعل ما يضاف إليه ـ سبحانه ـ من صفاته ‪ ،‬ول يكون كذلك إذ ل يلزم من إضافة الشيء‬
‫إلىّ ال أن يكون من صفاته ‪.‬‬

‫ومن أمثإلة هذا ما ذكره الرازي‪ ،‬قال‪" :‬المسألة الثإانية ‪ :‬القائالون بإثإبات العضاء ل تعالىّ‬
‫استدلوا علىّ إثإبات الجنب بهذه الية ‪.‬‬

‫واعلم أن دلئالنا علىّ نفي العضاء قد كثإرت‪ ،‬فل فائادة في العادة ‪ ،‬ونقول بتقدير أن يكون‬
‫المراد من هذا الجنب عضوا مخصوصا ل تعالىّ فإنه يمتنع وقوع التفريط فيه فثإبت أنه لبد من‬
‫المصير إلىّ التأويل‪. (..‬‬

‫فقد ذكر هذا المفسر المشهور أن الجنب في قوله تعالىّ }أممن متهقومل منمفةس ميا محمسمرمتىّ معملىّ مما‬
‫مفنرمطهت إفي مجمنإب اللنإه{ ]الزمر‪ :‬من الية ‪ ، [56‬ظاهره العضو‪. 1‬‬

‫ومعنىّ الجنب في اللغة ل يستلزم هذا ‪ ،‬ول سياق الية يدل علىّ أن هذا هو المعنىّ الظاهر‪ ،‬كما‬
‫قال في الصحاح "الجنب الفناء وما قرب من محلة القوم"‪ ، 2‬وقال ابن فارس "الجيم والنون‬
‫والباء أصلن متقاربان أحدهما الناحية والخر البعد"‪. 3‬‬

‫وقال الفراء‪" :‬الجنب القرب أي ما فرطت في قرب ال وجواره"‪ ، 4‬ولهذا قال بعض السلف )في‬
‫أمر ال(‪ ، 5‬لنه أمر بالتقرب إليه‪ ،‬والمحافظة علىّ حدوده التي هي حماه وجواره ‪ ،‬كما قال‬
‫النبي صلىّ ال عليه وسلم )أل إن حمىّ ال محارمه(‪. 6‬‬

‫وهي الطريق الموصل إليه كما قال الزجاج "في طريق ال الذي دعانـي إليه"‪ ، 7‬وهذه‬
‫العبارات كلها دالة علىّ معاءن متقاربة‪ ،‬وإذا كان الجنب يطلق علىّ الناحية في أصل اللغة ‪،‬‬
‫فكيف يجعل إذا أضيف إلىّ ال في سياق نص ‪ ،‬كيف يجعل صفة من صفاته ‪ ،‬بله أن يقال إنه‬
‫دل علىّ العضو في الظاهر‪.‬‬

‫وال عز وجل قد حكىّ في هذه الية ما يقوله الساخرون المستكبرون ‪ ،‬يوم ل ينفع الندم ‪ ،‬قال‬
‫}أممن متهقومل منمفةس ميا محمسمرمتىّ معملىّ مما مفنرمطهت إفي مجمنإب اللنإه موإإمن هكمنهت ملإممن النساإخإريمن * أممو متهقومل إحيمن‬
‫متمرى املمعمذامب ملمو أمنن إلي مكنرلة مفمأهكومن إممن املهممحإسإنيمن * مبملىّ مقمد مجامءمتمك آمياإتي مفمكنذمبمت إبمها موامسمتمكمبمرمت‬
‫موهكمنمت إممن املمكاإفإريمن{ ]الزمر‪. [59-56:‬‬
‫‪ 1‬تفسير الرازي ‪. 27/6‬‬
‫‪ 2‬الصحاح للجوهري ‪1/101‬ـ ‪. 102‬‬
‫‪ 3‬معجم مقاييس اللغة ‪. 1/483‬‬
‫‪ 4‬لسان العرب ‪. 1/275‬‬
‫‪ 5‬رواه الطبري عن مجاهد والسدي ‪. 24/9‬‬
‫‪ 6‬رواه البخاري كتاب اليمان ‪ ،‬فضل من استبرأ لدينه ‪ ،‬فتح الباري ‪. 1/136‬‬
‫‪ 7‬لسان العرب ‪. 1/275‬‬

‫‪30‬‬
‫وعامة هذه النفوس الموصوفة بما ذكر في اليات ‪ ،‬ل تعلم أن ل جنبا بالمعنىّ الذي توهم من‬
‫توهم أنه ظاهر اللفظ ‪ ،‬كما ل يتبادر إلىّ سامع هذه اليات معنىّ سوى أنهم فرطوا في أوامر ال‬
‫‪ ،‬وقربه ‪ ،‬وطلب جواره ‪ ،‬وما يقارب هذا مما دلت عليه اللغة ‪.‬‬

‫فكيف يجعل ـ مع هذا ـ ظاهر اللفظ عضوا يشابه أعضاء النسان‪ ،‬هذا مع أن المام الدارمي‬
‫في رده علىّ المريسي قال )وادعىّ المعارض زورا علىّ قوم أنهم يقولون في تفسير قول ال }يا‬
‫حسرتا علىّ ما فرطت في جنب ال{ أنهم يعنون به الجنب الذي هو العضو وليس ذلك علىّ ما‬
‫يتوهمونه ‪.‬‬

‫فيقال لهذا المعارض‪ :‬ما أرخص الكذب عندك وأخفه علىّ لسانك‪ ،‬فإن كنت صادقا في دعواك‬
‫فأشر بها علىّ أحد من بني آدم قاله(‪. 1‬‬

‫وقال ابن القيم )ومن المعلوم أن هذه ل يثإبته أحد من بني آدم(‪. 2‬‬

‫فإن صح هذا ‪ ،‬أي أنه لم ينقل عن أحد إثإبات الجنب بمعنىّ العضو علىّ ال تعالىّ ‪ ،‬فإن ما ذكره‬
‫الرازي قد يكون علىّ طريقة لزم المذهب ‪ ،‬وذلك أن القائالين بإثإبات الوجه واليدين ‪ ،‬يلزمهم‬
‫عنده أنها أعضاء ‪ ،‬ويلزمهم كذلك إثإبات كل ما جاء علىّ هذا النحو )كالجنب( وأنه عضو‪،‬‬
‫وهذا يقع فيه كثإير ممن يحكي المذاهب فينسبون إليهم أقوال يظنون أنها تلزمهم وهي ليست‬
‫بلزمة عند التحقيق‪.‬‬

‫السإبب الثاني ‪:‬‬

‫أن يظن كل موضع ذكر فيه ما يشعر بالصفة ‪ ،‬أنه من نصوص الصفات‪ ،‬وأن المراد به‬
‫الخبار عن هذه الصفة ‪.‬‬

‫قال ابن تيمية رحمه ال )ول يلزم من جواز القرب عليه أن يكون كل موضع ذكر فيه قربه يراد‬
‫به قرب نفسه‪ ،‬بل يبقي هذا من المور الجائازة وينظر في النص الوارد‪ ،‬فإن دل علىّ هذا حمل‬
‫عليه ‪ ،‬وهذا كما تقدم في لفظ التيان والمجيء ‪.‬‬

‫وان كان في موضع قد دل علىّ أنه يأتي بنفسه ‪ ،‬ففي موضع آخر دل علىّ انه بعذابه ‪ ،‬كما في‬
‫قوله تعالىّ }مفمأمتىّ اللنه هبمنميامنهمم إممن املمقمواإعإد{ ]النحل‪ :‬من الية ‪ ، [26‬وقوله تعالي }مفمأمتاهههم اللنه إممن‬
‫محميهث ملمم ميمحمتإسهبوا{ ]الحشر‪ :‬من الية ‪ [2‬فتدبر هذا‪ ،‬فإنه كثإيرا ما يغلط الناس في هذا الموضع ‪،‬‬
‫إذا تنازع النفاة والمثإبتين في صفة ودللة نص عليها‪ ،‬يريد المريد أن يجعل ذلك اللفظ ـ حيث‬
‫ورد ـ دال علىّ الصفة وظاهرا فيها(‪. 3‬‬

‫وقولة جواز القرب عليه ‪ ،‬مثإل له بدنوه – سبحانه – عشية عرفة ‪،‬كما روى مسلم عن النبي‬
‫صلي ال عليه وسلم قال )ما من يوم أكثإر من أن يعتق ال فيه عبدا من النار من يوم عرفة وانه‬

‫‪ 1‬ص ‪. 184‬‬
‫‪ 2‬كتاب الصواعق المرسلة علىّ الجهمية والمعطلة ‪. 1/247‬‬
‫‪ 3‬مجموع فتاوى ابن تيمية ‪. 6/14‬‬

‫‪31‬‬
‫ليدنو ثإم يباهي بهم ملئاكته فيقول ما أراد هؤلء(‪ ، 1‬وأما قوله ) ول يلزم من ذلك أن يكون كل‬
‫موضع ذكر فيه القرب هو قربه بنفسه "مثإل له بقوله تعالي }مومنمحهن أممقمرهب إإلمميإه إممن محمبإل املموإريإد{‬
‫]لق‪ :‬من الية ‪ ، [16‬وذلك أن المراد هنا قربه بملئاكته ‪ ،‬كما تضيف العظماء أفعال عبيدها‬
‫إليها بأوامرهم ‪ ،‬ومراسيمهم ‪ ،‬واستدل عليه بأن القرب في الية بزمن ‪ ،‬وهو حين تلقي‬
‫المتلقيين ‪ ،‬وقعيد عن الشمال ‪ ،‬وهما الملكان ‪ ،‬ومعلوم أنه لو أراد قرب ذاته لم يختص بهذه‬
‫الحال‪.‬‬

‫كما استبدل عليه أيضا ‪ ،‬بأنه ذكر بصيغة الجمع مثإل }منمتهلو معملميمك{ ]القصص‪ :‬من الية ‪، [3‬‬
‫}مفإإمذا مقمرمأمناه مفانتإبمع هقمرآمنه{ ]القيامة‪} ، [18:‬مومنمكهتهب مما مقندهموا موآمثإامرههمم{ ]ليـس‪ :‬من الية ‪، [12‬‬
‫} إإننا هكننا منمسمتمنإسهخ مما هكمنهتمم متمعممهلومن{ ]الجاثإية‪ :‬من الية ‪. [29‬‬

‫فإن مثإل هذا اللفظ إذا ذكره ال في كتابه ‪ ،‬دل علىّ أن المراد أنه سبحانه يفعل بجنوده من‬
‫الملئاكة ‪ ،‬ومثإل هذه الية قوله تعالىّ }أممم ميمحمسهبومن أمننا ل منمسممهع إسنرههمم مومنمجمواههمم مبملىّ موهرهسلهمنا لمدميإهمم‬
‫م‬
‫ميمكهتهبومن{ ]الزخرف‪ ، [80:‬وقوله تعالىّ }مومنمعلمهم مما هتمومسإوهس إبإه منمفهسه{ ]لق‪ :‬من الية ‪ [16‬يحتمل‬
‫أن المراد نحن نعلم وملئاكتنا أيضا يعملون ‪ ،‬كما دل عليه الحديث ) إن العبد إذا هم بحسنه فلم‬
‫يعملها كتبت حسنه(‪ ، 2‬فالملئاكة يعلمون ما في نفسه بقدرة ال تعالي‪.‬‬

‫صهرومن{ ]الواقعة‪ ، [85:‬فإن القرآن دل علىّ‬ ‫ومثإل هذه الية }مومنمحهن أممقمرهب إإملميإه إممنهكمم موملإكمن ل هتمب إ‬
‫أن المراد الملئاكة ‪ ،‬لن الية تصف حال الختصار ‪ ،‬وقد كثإر في القرآن ذكر حضور‬
‫الملئاكة المحتضر‪ ،‬قال تعالي }إإنن انلإذيمن متمونفاهههم املمملإئامكهة{ ]النساء‪ :‬من الية ‪} ، [97‬إإنن الإذيمن‬
‫ن‬
‫متمونفاهههم املمملإئامكهة{ ]النساء‪ :‬من الية ‪ ، [97‬وقال }مولممو متمرى إإمذ ميمتمونفىّ النإذيمن مكمفهروا املمملإئامكهة{‬
‫]لنفال‪ :‬من الية ‪ ، [50‬وقال }مولممو متمرى إإإذ النظاإلهمومن إفي مغمممراإت املممموإت مواملمملإئامكهة مباإسهطو‬
‫أمميإديإهمم أممخإرهجوا أممنهفمسهكهم{ ]النعام‪ :‬من الية ‪ } ، [93‬محنتىّ إإمذا مجامء أممحمدهكهم املممموهت متمونفمته هرهسلهمنا موههمم‬
‫ل هيمفبرهطومن{ ]النعام‪ :‬من الية ‪} [61‬هقمل ميمتمونفاهكمم ممملهك املممموإت{ ]السجدة‪ :‬من الية ‪. [11‬‬

‫وقد قال بعض الئامة أن المراد قربه بعلمه وهو محتمل‪ ، 3‬ولكن يدفعه أن العلم محيط بكل شيء‬
‫وفي باطنه‪ ،‬وكل ذلك بالنسبة إليه سواء ‪ ،‬كما قال }مسمواةء إممنهكمم مممن أممسنر املمقمومل مومممن مجمهمر إبإه مومممن‬
‫ههمو هممسمتمخءف إباللنميإل مومساإرةب إبالنمهاإر{ ]الرعد‪ ، [10:‬فل معني لتخصيص حبل الوريد وغيره‪. 4‬‬

‫وهذه الخلف بين السلف في معني الية مع اتفاقهم علىّ جواز القرب لو جاء نص يكون هذا‬
‫هو الظاهر منه كما في الحديث السابق ‪ ،‬أما في هذه الية فل يقال إن الظاهر منها أنه سبحانه‬
‫وتعالي أقرب بذاته من حبل الوريد فإن السياق بأبي ذلك والقرآن دل علىّ نقيضه فإن الدلة‬
‫القاطعة منه دلت علىّ علوه علىّ كل شيء‪. 5‬‬

‫‪ 1‬كتاب الحج ‪ ،‬باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة ح ‪. 436‬‬


‫‪ 2‬في الحديث ) قال ال تعالىّ ‪ ..‬فإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة ( رواه مسلم كتاب اليمان ‪،‬‬
‫باب إذا هم العبد بحسنة كتبت ‪ ،‬وإذا هم بسيئاة لم تكتب ح ‪. 203‬‬
‫‪ 3‬مثإل المام أحمد ينظر مختصر العلو للذهبي ‪ ،190‬والمام الدارمي ينظر رده علىّ المريسي ‪،83‬‬
‫وذكر ابن القيم القولين عن السلف والخلف ‪ ،‬مختصر الصواعق ص ‪. 492‬‬
‫‪ 4‬الكلم المتقدم في القرب ‪ ،‬وما يتعلق به‪ ،‬مختصر بتصرف من كلم ابن تيمية في مواضع من مجموع‬
‫الفتاوى وهي ‪5/512 ،5/107 ،5/130‬ـ ‪5/494 ،513‬ـ ‪ (509‬وانظر كذلك مختصر الصواعق‬
‫ص ‪493‬ـ ‪ ، 494‬وتفسير ابن كثإير ‪. 7/376‬‬

‫‪32‬‬
‫وأما القائالون بأن هذا المعنىّ الفاسد ‪ ،‬أي قرب ال تعالىّ بذاته من حبل الوريد ‪ ،‬المقتضىّ‬
‫للحلول أو التحاد ‪ ،‬هو الظاهر فقد انقسموا إلىّ قسمين‪:‬‬

‫منهم من قال بوجوب التأويل الصطلحي هنا ‪ ،‬وهو حمل اللفظ علىّ الحتمال المرجوح ‪ ،‬وأن‬
‫المراد هو قربه بعلمه ‪ ،‬وهذا المعني صحيح ‪ ،‬ولكن ل يلزم أن يقال إن ظاهر القرآن هو هذا‬
‫المعني ‪ ،‬ذلك أن القرآن في أعلي درجات البيان ‪ ،‬لسيما في الخبر عن ال وصفاته ‪ ،‬وفي‬
‫القول بأن ظاهر القرآن هو ذلك المعنىّ الفاسد تعارض مع هذه الحقيقة ‪.‬‬

‫غير أن الذي اقتضي هذا القول تجريد اللفظ عن السياق ‪ ،‬فإن السياق هو الذي يدل علىّ المراد‬
‫‪ ،‬والمتكلم الذي يريد أن يكون كلمه مبينا ‪ ،‬لبد له من ذكر القرائان ووضع اللفاظ في تركيب‬
‫يدل علىّ مراده ‪ ،‬والقرائان جعلت الظاهر في الية ‪ ،‬إما العلم كما قال }مومنمعلمهم مما هتمومسإوهس{ ]لق‪:‬‬
‫من الية ‪ ، [16‬أو الملئاكة كما قال }إإمذ ميمتلمنقىّ املهممتلمبقمياإن{ ]لق‪ :‬من الية ‪. [17‬‬

‫ومنهم من التزم هذا المعني الفاسد الباطل وهم القائالون بالوحدة والحلول من المنتسبين إلىّ‬
‫التصوف ‪ ،‬وفي بعض كتب التفسير من هذا ما يشينها‪. 1‬‬

‫مع أن الية ل تدل علىّ قول أهل وحدة الوجود بوجه ‪ ،‬فإن قولهم الذي ينبو عنه سمع المؤمن ‪،‬‬
‫يقتضي أن ل يكون ل تعالىّ ‪ ،‬تمليز بالذات فكيف يكون من هذه صفته ‪ ،‬أقرب إلىّ شيء من‬
‫شي ‪ ،‬كما زعموا أنه ظاهر الية ‪ ،‬فتناقضوا تناقضا قبيحا ‪.‬‬

‫ومن أمثإلة هذا النوع قوله تعالي عن عيسي }‪ ..‬إإنمما املمإسيهح إعيمسىّ امبهن مممرميم مرهسوهل النلإه مومكإلممهته‬
‫أمملمقامها إإملىّ مممرميم ‪] {..‬النساء‪ :‬من الية ‪ [171‬الية ‪ ،‬فان ال وان كان متصفا بالكلم ‪ ،‬فليس‬
‫المراد هنا صفته ‪ ،‬وأن عيسي هو نفس الكلمة ‪ ،‬كلمة ال ) وانما سمي بذلك لنه بذلك خلق‬
‫بالكلمة ‪ ،‬علىّ خلف سنة المخلوقين ‪ ،‬فخرقت فيه العادة ‪ ،‬وقيل له كن فكان(‪. 2‬‬

‫فسمي كلمة ال )لنه ناشي عن الكلمة التي قال له بها كن فكان (‪ ، 3‬ول يلزم من إطلق كلمة‬
‫ال علىّ المخلوق هنا ‪ ،‬أن يكون كلمه جل وعز مخلوقا ‪.‬‬

‫قال ابن تيمية‪ ) :‬وأما قوله‪ :‬إن كلمة يراد بها عيسي نفسه‪ ،‬فل ريب أن المصدر يعبر به عن‬
‫المفعول به في لغة العرب‪ ،‬كقولهم هذا درب ضرب المير‪ ،‬ومنه تسمية المأمور به أمرا‪،‬‬

‫‪ 5‬وقوله تعالىّ }موههمو املمقاإههر مفمومق إعمباإدإه موهيمرإسهل معملميهكمم محمفمظلة محنتىّ إإمذا مجامء أممحمدهكهم املممموهت متمونفمته هرهسهلمنا موههمم‬
‫ل هيمفبرهطومن{ ]النعام‪ [61:‬جمع بين علوه علىّ كل شيء ‪ ،‬وقرب جنوده من المحتضر ‪ ،‬فهي أقرب ما‬
‫يفسر به قوله تعالىّ }مفملمول إإمذا مبملمغإت املهحملهقوم* موأممنهتمم إحيمنإئاءذ متمنهظهرومن* مومنمحهن أممقمرهب إإملميإه إممنهكمم موملإكمن ل‬
‫صهرومن{ ]الواقعة‪. [85-83:‬‬ ‫صهرومن* مومنمحهن أممقمرهب إإلمميإه إممنهكمم مولمإكمن ل هتمب إ‬
‫هتمب إ‬
‫‪ 1‬في حاشية الجمل علىّ الجللين علل القول بأن المراد بالقرب من العلم في قوله تعالىّ }مومنمحهن أممقمرهب إإلمميإه‬
‫إممن محمبإل املموإريإد{ ]لق‪ :‬من الية ‪ [16‬بأن ال منزه عن المكنة ‪ ،‬وذكر أنه من المجاز ‪ ،‬فهذا يدل علىّ‬
‫جعل المعنىّ الفاسد هو الظاهر )‪ ، (4/192‬وأنظر أيضا تفسير المنار ‪ ،2/168‬وقال الألوسي ‪ ) :‬ول‬
‫مجال لحمله علىّ القرب المكاني ‪ ،‬لتنزهه سبحانه عن ذلك ‪ ،‬وكلم أهل الوحدة مما يشق فهمه علىّ غير‬
‫ذي الحوال ( التفسير ‪. 26/178‬‬
‫‪ 2‬ينظر ابن تيميه المجموع ‪. 6/18‬‬
‫‪ 3‬تفسير ابن كثإير ‪. 2/431‬‬

‫‪33‬‬
‫والمقدور قدرة‪ ،‬والمرحوم به رحمه‪ ،‬والمخلوق بالكلمة كلمة‪ ،‬لكن هذا اللفظ يستعمل مع ما‬
‫يقترن به مما يبين المراد‪ ،‬كقوله } يا مريم أن ال يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسي بن‬
‫مريم وجيها في الدنيا والخرة ومن المقربين{ ‪ ،‬فبين أن الكلمة هو المسيح‪ ،‬ومعلوم أن المسيح‬
‫نفسه ليس هو الكلم‪ } ،‬قالت أني يكون لي ولد ولم يمسسني بشر‪ ،‬قال كذلك ال يفعل ما يشاء إذ‬
‫قضي آمرا فإنما يقول له كن فيكون{ ‪.‬‬

‫فبلين لما تعجبت من الولد أنه سبحانه يخلق ما يشاء ‪ ،‬إذا قضي أمرا فإنما يقول له كن فيكون ‪،‬‬
‫فدل هذا علىّ أن الولد مما يخلقه ال بقوله } كن فيكون{ ‪ ،‬ولهذا قال أحمد بن حنبل ) عيسي‬
‫مخلوق بالكن‪ ،‬ليس هو نفس الكن(‪ ،‬ولهذا قال في الية الخرى } إن مثإل عيسي عند ال كمثإل‬
‫آدم خلقة من تراب ثإم قال كن فيكون{ ‪ ،‬فقد بين مراده‪ ،‬أنه خلقه بكن ل أنه نفس كن ونحوها من‬
‫الكلم(‪. 1‬‬

‫ومن أمثإلة هذا أيضا قوله تعالي }متمجإري إبمأمعهيإنمنا{ ]القمر‪ :‬من الية ‪ ، [14‬ل يدل علىّ أعين‬
‫صمنمع معملىّ معميإني{ ]طه‪ :‬من الية ‪ [39‬ل يدل علىّ عين واحدة‪ ،‬عند‬ ‫كثإيرة‪ ،‬وقوله تعالي } موإلهت م‬
‫من يثإبت صفة العين‪ ،‬بل كل موضع يفسر بحسبه ‪ ،‬بل كل موضع يفسر بحسبه‪ ،‬وذلك أن لفظ‬
‫العين إذا أضيف إلىّ اسم جمع ظاهر ‪ ،‬أو مضمر ‪ ،‬فالحسن جمعه مشاكلة للفظ كما قال }مقاهلوا‬
‫مفمأهتوا إبإه معملىّ أممعهيإن النناإس{ ]الأنبياء‪ :‬من الية ‪. [61‬‬

‫وإذا أضيف إلىّ مفرد ذكر مفردا ‪ ،‬وهذا نظير المشاكلة في لفظ اليد‪ ،‬ففي الضافة إلىّ المفرد‬
‫قال }بيده الملك{ ‪ ،‬وفي الضافة إلىّ الجمع قال }أو لم يروا أنا خلقنا مما عملت أيدينا أنعاما{ ‪،‬‬
‫وقال }بما كسبت أيدي الناس{ ‪ ،‬والسلف استدلوا علىّ صفه اليد بن بقوله تعالي )بما خلقت‬
‫بيدي( وعلىّ صفه العينين بقول النبي صلي ال عليه وسلم )إن ربكم ليس بأعور(‪. 2‬‬

‫والعور ضد البصير بالعينيين‪ ، 3‬ولو جاء لفظ يدل علىّ الصفة في الظاهر لقالوا به فان‬
‫عمدتهم في هذا الباب هو السمع‪.‬‬

‫السإبب الثالث ‪:‬‬

‫أن يأتي اللفظ في سياق يدل علىّ المراد منه ‪ ،‬ويفسره ‪ ،‬ويجعله في غاية الظهور‪ ،‬فيؤخذ بعيدا‬
‫عن سياقه ‪ ،‬وهيندعي فيه معني فاسد ‪ ،‬حتىّ يجعل محتاجا إلىّ الـتأويل‪ ،‬وقد ذكر شيخ السلم‬
‫ابن تيمية مثإال علىّ هذا ‪ ،‬الحديث القدسي ‪ ،‬وهو قوله ال تعالي ) يا ابن آدم استطعمتك فلم‬
‫تطعمني‪ ،‬قال‪ :‬يا رب‪ ،‬كيف أطعمك وأنت رب العالمين‪ ،‬قال‪ :‬أما علمت أنه استطعمك عبدي‬
‫فلن فلم تطعمه ؟ أما علمت أنك لو أطعمته لو جدت ذلك عندي ؟ … وذكر في الستسقاء‬
‫مثإله(‪. 4‬‬

‫‪ 1‬مجموع ابن تيمية ‪. 20/493‬‬


‫‪ 2‬الحديث رواه البخاري عن عبد ال بن عمر مرفوعا ) وإن ال ليخفىّ عليكم ‪ ،‬إن ال ليس بأعور ‪،‬‬
‫وأشار بيده إلىّ عينه ‪ ،‬وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنىّ ‪ ،‬كأن عينيه عنبة طافية ( فتح الباري‬
‫‪. 13/389‬‬
‫‪ 3‬ينظر رد الدارمي علىّ المريسي ‪. 48‬‬
‫‪ 4‬رواه مسلم ح ‪. 2569‬‬

‫‪34‬‬
‫ذكره مثإال لجعل المعني الفاسد هو الظاهر من اللفظ و ل يكون كذلك ‪ ،‬فإن الحديث قد فسر‬
‫المراد بقول ال استطعمتك ‪ ،‬واستسقيتك فلم يبق في الحديث لفظ يحتاج إلىّ تأويل‪. 1‬‬

‫السإبب الرابع ‪:‬‬

‫أن يجعل للفظ معني ل يدل عليه لغة عند التحقيق ‪ ،‬فإذا فبسر به القرآن أوهم الباطل‪ ،‬فيقال‬
‫حينئاذ بوجوب التأويل ‪.‬‬

‫ومثإاله لفظ المعية‪ ،‬فقد هجعلت في الظاهر بمعني الختلط والمتزاج ‪ ،‬ثإم لما كان هذا كفرا عند‬
‫جميع المسلمين قيل بوجوب التأويل ‪.‬‬

‫و أما عند التحقيق ‪ ،‬فليس ظاهرها إل المقارنة المطلقة في اللغة ‪ ،‬من غير وجوب مماسة ‪ ،‬أو‬
‫محاذاة عن يمين وشمال ‪ ،‬فإذا قيدت بمعنىّ من المعاني دلت علىّ المقارنة في ذلك المعني ‪.‬‬

‫فإنه يقال ما زلنا نسير والقمر معنا وهو في السماء وكذلك يقال )زوجته معه( بمعني لم يطلقها‪،‬‬
‫وماله معه بمعني لم يفقده‪ ،‬وقال تعالىّ }هممحنمةد مرهسوهل اللنإه موالنإذيمن{ ]الفتح‪ :‬من الية ‪. [29‬‬

‫وليس في ذلك كله وجوب اختلط ‪ ،‬وقد يدل علىّ الختلط عند التقييد بما يناسبه‪ ،‬وإذا كانت‬
‫المعية ل يلزم منها المتزاج والحلول فل يجعل هو الظاهر‪ ،‬بل الظاهر يعلم بحسب السياق‬
‫المذكورة فيه ‪.‬‬

‫ض إفي إسنتإة أمنياءم هثإنم امسمتموى‬‫وهو ما يلزم من معية ال ‪ ،‬فإن قوله }ههمو انلإذي مخملمق النسممامواإت مواملمأمر م‬
‫ض مومما ميمخهرهج إممنمها مومما ميمنإزهل إممن النسمماإء مومما ميمعهرهج إفيمها موههمو‬ ‫معملىّ املمعمرإش ميمعلمهم مما ميإلهج إفي املمأمر إ‬
‫صيةر{ ]الحديد‪ ، [4:‬دال علىّ أن حكم هذا المعينة ومقتضاها‬ ‫مممعهكمم أمميمن مما هكمنهتمم مواللنه إبمما متمعممهلومن مب إ‬
‫أنه مطلع عليهم‪ ،‬شهيد عليهم‪ ،‬مهيمن‪ ،‬عالم بهم‪ ،‬وهذا معني قول كثإير من السلف أنه معهم‬
‫بعلمه‪ ،‬وهو ظاهر الخطاب وحقيقته ‪.‬‬

‫وكذلك قوله تعالي }ل متمحمزمن إإنن اللنمه مممعمنا{ ]التوبة‪ :‬من الية ‪ ، [40‬أي بنصره وتأييده ‪ ،‬فإن هذا‬
‫هو اللزم من المعية هنا‪ ،‬وإذا كانت المعية ل يلزم منها المخالطة ‪ ،‬فإن فسرت بما دلت عليه‬
‫باللزوم ‪ ،‬ل يكون هذا من باب التأويل ‪.‬‬

‫وقال ابن القيم )فكيف تكون حقيقة المعية في حق الرب ذلك ـ يعني المخالطة ـ حتىّ يد عي‬
‫أنه مجاز ل حقيقة ‪ ،‬فليس في ذلك ما يدل علىّ أن ذاته تعالي فيهم ول ملصقة لهم‪ ،‬ول‬
‫مخالطة ‪ ،‬ول مجاورة ‪ ،‬بوجه من الوجوه‪ ،‬وغاية ما تدل عليه )مع( المصاحبة والموافقة‬
‫والمقارنة في أمر من المور‪ ،‬وذا القتران في كل موضع بحسبة‪ ،‬يلزم منه لوازم بحسب‬
‫متعلق (‪. 2‬‬

‫‪ 1‬ينظر مجموع ابن تيمية ‪ ،3/44‬وكذلك ينظر في أمثإلة هذا النوع ‪ ،‬درء تعارض العقل والنقل‬
‫‪5/235‬ـ ‪. 240‬‬
‫‪ 2‬مختصر الصواعق المرسلة ص ‪ ، 429‬وينظر أيضا مجموع ابن تيمية ) ‪5/103‬ـ ‪ (104‬و )‬
‫‪5/495‬ـ ‪ (498‬و ) ‪ ، (6/22‬وبهذا البحث يتبين أن قول أبي المعالي رحمه ال في الرشاد ) ومما‬
‫يجب العتناء به معارضة الحشوية ‪ ،‬بآيات يوافقون علىّ تأويلها ‪ ،‬حتىّ إذا سلكوا مسلك التأويل ‪،‬‬

‫‪35‬‬
‫الأمار الثالث ‪:‬‬

‫وهو أن قائال قد يقول‪ :‬إن ما تقدم حكايته عن مذهب السلف ‪ ،‬فيما أسند إلىّ ال من اللفاظ‬
‫الموهمة للتشبيه ‪ ،‬كالوجه واليد والمجيء والستواء ‪ ،‬انه هو إمرارها علىّ ظاهرها ‪ ،‬وعدم‬
‫تأويلها ‪ ،‬وأن معني قولهم امرارها علىّ ظاهرها ‪ ،‬ليس هو مماثإلة المخلوقات ‪ ،‬أنه قول‬
‫متناقض ‪.‬‬
‫وبيانه أنا لنفهم من هذه النصوص إل ما هو من صفات المخلوقين ‪ ،‬لنا لم نشهد غيرها ‪ ،‬فإن‬
‫قيل هي علىّ ظاهرها ‪ ،‬لزم التشبيه ‪ ،‬وإن قيل ليس ظاهرها مماثإلة المخلوقين لزم أنا ل نعلم‬
‫معناها بل نفوض ـ أن لم نقل بالتأويل ـ ول يصح أن نقول تجري علىّ ظاهرها‪ ،‬فحكاية هذه‬
‫الجملة عنهم مع إبطال التفويض تناقض‪. 1‬‬

‫وهذه الشبهة هي ـ وغيرها ـ أدت إلىّ أن قال أهل التأويل ‪ :‬إن نصوص الصفات أو بعضها‬
‫ليست دالة علىّ الصفات علىّ الحقيقة ‪ ،‬وإنما تطلق علىّ سبيل المجاز ‪ ،‬ولما وافقهم غيرهم‬
‫علىّ أن هذه النصوص ليس لها معني في الظاهر إل مماثإلة المخلوقين ‪ ،‬وكانوا مع ذلك ممن‬
‫يحرم التأويل ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ل ندري ما أريد بهذه النصوص ‪ ،‬ول نتكلم فيها فجعلوها بمنزله الكلم‬
‫العجمي الذي ل يفهم ‪.‬‬

‫وذلك أن هذه اللفاظ التي أطلقت علىّ الخالق في الكتاب والسنة وهي ذلك تطلق علىّ المخلوق‬
‫‪ ،‬ول يخلوا المر فيها‪ :‬إما أن تكون حقيقة في أحدهما مجازا في الخر ‪.‬‬

‫أو حقيقة فيهما‪ ،‬فهذه ثإلثإة أقسام ‪.‬‬

‫فقال قوم هي حقيقة في الخالق مجاز في المخلوق ‪ ،‬وقال قوم حقيقة في المخلوق مجاز في‬
‫الخالق ثإم اختلفوا ‪:‬‬

‫فقال الجهمية والمعتزلة كلها مجاز‪ ،‬وقالت الشعرية وغيرهم بعضها‪ ،‬وهي الصفات الخبرية‬
‫علىّ خلف بينهم أيضا في ذلك‪.‬‬

‫عورضوا بذلك السبيل ‪ ،‬فيما فيه التنازع ‪ ،‬فمما يعارضون به ‪ ،‬قوله تعالىّ } وهو معكم أينما كنتم { فإن‬
‫راموا إجراء ذلك علىّ الظاهر ‪ ،‬حلوا عقد إصرارهم في حمل الستواء علىّ العرش علىّ الكون عليه ‪،‬‬
‫والتزموا فضائاح ل يبوء بها عاقل ‪ ،‬وأن حملوا قوله } وهو معكم أينما كنتم { وقوله } ما يكون من‬
‫نجوى ثإلثإة إل هو رابعهم ‪ ،‬ول خمسة إل هو سادسهم { علىّ الحاطة بالخفيات ‪ ،‬فقد سوغوا التأويل (‬
‫ص ‪ ،150‬أنه قول متهافت ‪ ،‬فإنه لتعارض بين استواءه علىّ العرش وكونه مع خلقه ‪.‬‬
‫‪ 1‬ممن أشار علىّ دعوى تناقض من يقول ) إن هذه النصوص معلومة المعنىّ وهي علىّ ظاهرها ( أبو‬
‫المعالي في الرشاد ص ‪ ، 60‬وقال بعض المعاصرين ‪) :‬فظاهر الستواء ‪،‬هو الجلوس والقول به قول‬
‫بالجسمية‪،‬فإن قال ابن تيمية إنه اشتراك في السم ل في الحقيقة فليس إل أن يفسره بالظاهر السابق فيلزم‬
‫الجسمية ‪ ،‬أو يفسره بغير المحسوس ‪ ،‬وذلك تأويل ( ص ‪ ، 70‬ومع أنه ينازع في أن الستواء هو‬
‫الجلوس ‪ ،‬غير أن الذي يلزم به في الرد عليه ‪ ،‬أن يقال ‪ :‬البصر هو انعكاس صورة المرئايات في عضو‬
‫‪ ،‬فإن قال إن ال تعالىّ يوصف بالبصر ‪ ،‬فإن فسره بالظاهر يلزم الجسمية ‪ ،‬وإن قال هو إدارك‬
‫المبصرات فهو قول المعتزلة نفات الصفات ‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫وقال السلف ومن اتبع طريقتهم من الفقهاء والمحدثإين والمفسرين وغيرهم حقيقة فيهما‬
‫‪،‬ومقالت السلف تدل علىّ أنها تطلق عليهما بطريق المتواطئاة أو المشككة‪.‬‬

‫وهذه الجملة تدل علىّ أن الشكال المتقدم عظيم الموقع ‪ ،‬لذا يجب العتناء بالنفصال عنه ‪.‬‬

‫فيقال‪ :‬إن هذا التناقض المدعي لزم أيضا لمن يثإبت الصفات العقلية ‪ ،‬وهي السمع والبصر‬
‫والرادة والحياة والعلم والقدرة والكلم ‪،‬وهم جمهور القائالين بالتأويل لننا لم نشهد هذه‬
‫الصفات إل في المخلوقات ‪.‬‬

‫ولزم أيضا لمن يثإبت أي صفة ل تعالىّ ‪ ،‬بل ويلزم كذلك من يثإبت وجود ال تعالىّ وإن لم‬
‫يصفه بصفة ‪ ،‬فإنا لم نشهد موجودا إل جسما أو عرضا قائاما به‪. 1‬‬

‫لم نشهد موجودا إل جسما أو عرضا قائاما به ‪ ،‬ونحن مع ذلك لم نشهد وجود ال ‪ ،‬ولم نعرف‬
‫ماهيته ‪ ،‬ول نظيرا له سبحانه ‪ ،‬إذ ليس لها نظير‪ ،‬أفيقال ‪ :‬إنا إذا أثإبتنا وجوده ‪ ،‬يلزمنا تشبيهه‬
‫سبحانه بوجود ما سواه ‪ ،‬أم يقال ‪ :‬إذا قلنا وجوده ليس مشابها لوجود سواه ‪ ،‬يلزمنا التفويض‬
‫في معني الوجود وأنا ل نعقل منه شيئاا ؟!!‬

‫* وقفة ماهماة جدأا تحل إشكالت كثيرة في هذا الباب ‪:‬‬

‫حل عقدأة باب الصفات ‪:‬‬

‫فإن قيل فما حل هذه العقدة ‪ ،‬بعد هذه الحجة الجدلية‪ ،‬فالجواب‪ :‬أن الناس اختلفت طرائاقهم في‬
‫اقتحام هذه العقبة ‪ ،‬التي العقبة هذا الباب حقا‪ ،‬إل أن الخروج منها إلىّ الصراط المستقيم له باب‬
‫واحد وسواه مفض إلىّ سحيقة أو تناقض ‪.‬‬

‫فإن ناسا قد التزموا نفي كل شي لئال يقعوا في التشبيه‪ ،‬قال أبو المعالي‪) :‬اعلموا أشدكم ال أن‬

‫‪ 1‬قال ابن تيمية رحمه ال ‪ :‬فإنك إن قلت ـ أي أيها المعتزلي ـ إثإبات الحياة ‪ ،‬والعلم ‪ ،‬والقدرة ‪ ،‬يقتضي‬
‫تشبيها ‪ ،‬أو تجسيما ‪ ،‬لنا لنجد في الشاهد متصفا بالصفات إل ما هو جسم ‪ ،‬قيل لك ‪ :‬ولنجد في الشاهد‬
‫ما هو مسمىّ ‪ ،‬حي ‪ ،‬عليم ‪ ،‬قدير ‪ ،‬إل ما هو جسم ‪ ،‬فإن نفيت ما نفيت لكونك ‪ ،‬لم تجده في الشاهد ‪ ،‬إل‬
‫للجسم ‪ ،‬فانف السماء ‪ ،‬بل وكل شيء لنك ل تجده إل للجسم ( المجموع ‪ ، 3/20‬والجسم عند‬
‫المتكلمين هو ما يقبل القسمة من الجواهر‪ ،‬والجوهر هو المتحيز ‪،‬وهو القابل بالذات للشارة الحسية ‪،‬‬
‫فإذا قبل القسمة ‪ ،‬فهو الجسم ‪ ،‬وإن لم يقبلها ‪ ،‬ل فعل ‪ ،‬ول وهما ‪ ،‬ول فرضا ‪ ،‬فهو الجوهر الفرد ‪ ،‬بناء‬
‫علىّ أن الجسام تنقسم إلىّ ما يصير إلىّ الجزء الذي ليتجزء ‪ ،‬وعندهم الجوهر منحصر في هذين‬
‫القسمين ‪ ،‬وأقل ما يتركب منه الجسم ‪ ،‬جوهران من الجواهر المنفردة ‪ ،‬ينظر شرح المواقف للجرجاني‬
‫‪2/343‬ـ ‪ ،345‬شرح العقائاد النسفية للتفتازاني ص ‪ 49‬وأما العرض عندهم فهو موجود قائام بمتحيز ‪،‬‬
‫وأدخلوا تحت هذه القسمين ‪ ،‬كل ما يشاهد ‪ ،‬أو يحس كالهواء ‪ ،‬فهو جسم ‪ ،‬أما الضوء ‪ ،‬واللون ‪ ،‬فهما‬
‫عرضان ‪ ،‬ينظر المواقف لليجي ‪ ،‬وهم مع ذلك ينفون أن يكون ال تعالىّ جسما ‪ ،‬أو عرضا ‪ ،‬ول‬
‫يعرف في الشاهد موجود غير هذين ‪ ،‬فيلزمهم أنه غير موجود ‪ ،‬نقول هذا من باب اللزام ‪ ،‬وليس إثإبات‬
‫هذه اللفاظ أو نفيها ‪ ،‬إذ سيأتي الكلم علىّ هذا لحقا إن شاء ال تعالىّ ‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫من أعظم أركان الدين نفي التشبيه‪ ،‬وقد أفتتن فيه فئاتان‪ ،‬وابتلي به طائافتان فغلت طائافة ونقت‬
‫جملة صفات الثإبات ‪ ،‬ظنا أن المصير إلىّ إثإباتها مفض إلىّ التشبيه وإلىّ ذلك صار من أثإبت‬
‫الصانع من الفلسفة ‪ ،‬وإليه ميل بعض الباطنية ‪ ،‬فزعموا أن القديم ل يوصف بالوجود ولكن‬
‫يقال أنه ليس بمعدوم ‪ ،‬وكذلك ل يوصف بكونه حيا قادرا ‪ ،‬بل يقال ليس بميت ول عاجز ول‬
‫جاهل ‪. 1(..‬‬

‫وقال الشهرستاني رحمه ال عن الجهم بن صفوان ‪) :‬وافق المعتزلة في نفي الصفات الزلية‬
‫وزاد عليهم أشياء منها قوله ‪ :‬ل يجوز أن يوصف الباري تعالىّ بصفة يوصف بها خلقه ‪ ،‬لن‬
‫ذلك يقتضي تشبيها (‪. 2‬‬

‫وذكر ابن تيمية رحمه ال أنه قرأ لبي يعقوب السجستاني ‪ -‬أحد الباطنية ‪ -‬في كتاب القاليد‬
‫الملكوتية أنه التزم أن ال يقال عنه )ل موجود ول ليس بموجود ‪ ،‬ول معدوم ول ليس بمعدوم (‬
‫ل بأن ال ليس بموجود فأورد علىّ نفسه أن هذا تشبيه بالمعدومات ‪ ،‬فقال‬ ‫‪ ،‬وذلك أنه ابتدأ أو ل‬
‫) ل موجود ول معدوم ( ثإم أورد علىّ نفسه أن هاتين قضيتان مختلفتان بالسلب واليجاب ‪،‬‬
‫ويلزم من صدق أحدهما كذب الخرى فاضطر أن يقول جملته المتقدمة فرارا من التشبيه ‪،‬‬
‫ومع ذلك فقد أورد عليه ابن تيمية التشبيه بالممتنعات لن هذه الجملة صفة الممتنع‪. 3‬‬

‫فهذه هي الهوة السحيقة‪.‬‬

‫ورام قوم الخروج بأن قالوا إن هذه اللفاظ مقولة علىّ الخالق والمخلوق بطريق الشتراك‬
‫اللفظي ‪.‬‬

‫قال ابن تيمية ) وقد رام طائافة من المتأخرين كالشهرستاني والمدي والرازي ‪ -‬في بعض كتبه‬
‫‪ -‬ونحوهم ‪ ،‬أن يجيبوا هؤلء ‪ -‬أي أمثإال هذا الضال المذكور آنفا ‪ -‬عن هذا بأن لفظ‬
‫)الموجود( و)الحي( و)العليم( ‪ ،‬و )القدير( ‪ ،‬نحوها من السماء تقال علىّ الواجب والممكن‬
‫بطريق الشتراك اللفظي ‪ ،‬كما يقال لفظ المشتري علىّ الكوكب والمبتاع ‪ ،‬وكما يقال سهيل‬
‫علىّ الكوكب والرجل المسلمىّ بسهيل ‪...‬‬

‫ثإم قال ‪ :‬وهؤلء متناقضون في هذا الجواب ‪ ،‬فإنهم وسائار العقلء يقسمون الوجود إلىّ واجب ‪،‬‬
‫وممكن ‪ ،‬وقديم ‪ ،‬ومحدث ‪ ،‬وأمثإال ذلك ‪ ،‬مع علمهم بأن التقسيم ل يكون في اللفاظ المشتركة ‪،‬‬
‫ل ‪ ،‬أو متفاضل ‪ ،‬ل ومنهم من يخص المتفاضل‬ ‫إن لم يكن المعنىّ مشتركا ‪ ،‬سواء كان متماثإ ل‬
‫بتسميته مشككا ‪...‬‬

‫ل أن يراد يطلق علىّ هذا‬ ‫ثإم قال ‪ :‬فأما مثإل سهيل ‪ ،‬فل يقال سهيل ينقسم إلىّ الكوكب والرجل إ ل‬
‫وهذا ‪ ،‬ومعلوم أن مثإل هذا التقسيم ‪ ،‬ل يراد به الخبار عن الطلق في اللغة ‪ ،‬وإنما يراد به‬
‫تقسيم المعنىّ المدلول عليه باللفظ ‪...‬‬

‫ثإم قال ‪ :‬ثإم هم مع هذا التناقض موافقون في المعنىّ للملحدة ‪ ،‬فإنهم إذا جعلوا أسماء ال تعالىّ‬
‫‪ 1‬الشامل للجويني الكتاب الول‪ ،‬الجزء الول ‪ ، 1/169 ،‬وتعليق رشاد سالم علىّ درء التعارض‬
‫‪. 5/187‬‬
‫‪ 2‬الملل والنحل ‪. 1/86‬‬
‫‪ 3‬الدرء ‪. 5/324‬‬

‫‪38‬‬
‫كالحي ‪ ،‬والعليم ‪ ،‬والقدير ‪ ،‬والموجود ‪ ،‬ونحو ذلك مشتركة اشتراكا لفظيا ‪ ،‬لم يفهم منها شيء‬
‫إذا سمي بها ال ‪ ،‬إل أن يعرف ما هو ذلك المعنىّ الذي يدل عليه إذا سمي ال(‪. 1‬‬

‫ومعلوم أن المعنىّ الذي يدل عليه لفظ الموجود ‪ ،‬ونحوه المطلق علىّ الباري جل وعز ‪ ،‬ل‬
‫يمكن أن نفهمه إ ل‬
‫ل إذا كان بين هذا الطلق ‪ ،‬واطلقه علىّ الشاهد من المخلوقات قدرا مشتركا‬
‫‪ ،‬يمكننا به فهم الخطاب ‪ ،‬وهذا الطلق هو المسمىّ بالسماء المتواطئاة ‪ ،‬أو المشككة ‪.‬‬

‫ولهذا فإن الكثإر علىّ أن اسم الوجود حقيقة في الواجب ‪ ،‬والممكن ‪ ,‬وأنه مقول عليهما بطريق‬
‫التواطؤ العام ‪ ،‬أو التشكيك ‪ ،‬إذا جعل المشكك نوعا آخر‪. 2‬‬

‫وقد ذكر ابن تيمية أن أحدا لم يجعل هذه السماء مقولة بالشتراك اللفظي إ ل‬
‫ل شرذمة من‬
‫المتأخرين وقد تقدم بطلنه‪. 3‬‬

‫وإذا تبين هذا ‪ ،‬فالجواب عن الشكال المتقدم بأن يقال ‪ :‬نحن نفهم من هذه اللفاظ ما دلت عليه‬
‫من القدر الذي تتواطأ عليه ‪ ،‬ول نعلم حقيقة ما يمتاز به الخالق ‪ ،‬غير أننا نعلم أن ما يختص ال‬
‫به من هذه السماء التي فهمنا معناها عند الطلق ‪ ،‬أعظم مما يخطر في البال ‪ ،‬أو يدور في‬
‫الخيال ‪.‬‬

‫ومثإال ذلك العلم ‪ ،‬فعند الطلق نفهم من هذه الكلمة معنىّ ‪ ،‬فإذا قيل )علم ال ( علمنا أن ما‬
‫اختص ال به من هذا المعنىّ أعظم من أن نحيط به علما ‪ ،‬أو نعرف كنهه ‪ ،‬وهذا هو التأويل‬
‫ل ال ‪ ،‬ولول هذا القدر المشترك من المعنىّ الذي يأخذه الذهن عند الطلق ‪ ،‬ثإم‬ ‫الذي ل يعلمه إ ل‬
‫يقيد به عند الختصاص بالخالق ‪ ،‬ما يتميز به الخالق ‪ ،‬مما ل نستطيع حده بحد ‪ ،‬لما أمكن‬
‫معرفة ال تعالىّ بوجه من الوجوه‪. 4‬‬

‫ويتوجه علىّ هذه الجملة سؤال وفي الجواب عنه مزيد تفصيل وتوضيح ‪ ،‬فيقال ‪:‬‬

‫‪ 1‬المصدر السابق ‪.‬‬


‫‪ 2‬قال الجرجاني ‪) :‬المشكك هو الكلي الذي لم يتساو صدقه علىّ أفراده بل كان حصوله في بعضها أولىّ‬
‫أو أقدم من البعض الخر ‪ ،‬كالوجود في الواجب أولىّ ‪ ،‬وأقدم وأشد مما في الممكن ( التعريفات ‪، 216‬‬
‫والكلي هو الذي ل يمنع نفس تصوره من وقوع الشركة فيه ‪ ،‬وقد أورد علىّ قسم المشكك أن السم إذا‬
‫كان يطلق علىّ القدر المشترك ‪ ،‬من غير دخول الختلف بين المسميات في التسمية فهو المتواطئ ‪،‬‬
‫وإن دخل فالشتراك اللفظي ‪ ،‬فل حقيقة للمشكك ‪ ،‬وأجاب القرافي ‪ ) :‬أن كل من المتواطئ والمشكك ‪،‬‬
‫موضوع للقدر المشترك ‪ ،‬ولكن الختلف إن كان بأمور من جنس المسمىّ فهو المصطلح علىّ تسميته‬
‫بالمشكك ‪ ،‬وإن كان بأمور خارجة عن مسماه كالذكورة ‪ ،‬والنوثإة ‪ ،‬والعلم ـ يعني في اسم النسان ـ‬
‫فهو المصطلح علىّ تسميته بالمتواطئ ( ينظر نهاية السول ‪2/45‬ـ ‪ ، 47‬وقد ذكر ابن تيمية ‪ ،‬أن قدماء‬
‫نظار الفلسفة ‪ ،‬علىّ أن المشكك متواطئ باعتبار القدر المشترك ‪ ،‬المجموع ‪ ، 9/147‬فعلىّ هذا إن‬
‫أريد بإطلق هذه السماء علىّ الخالق والمخلوق بطريق التواطيء أن الصدق علىّ الفراد متفاوت فحق‬
‫‪ ،‬بل هو أعظم تفاوت علىّ الطلق ‪ ،‬وإن أريد التساوي فل قطعا ‪ ،‬وأما المشكك فقاطع في المراد ‪.‬‬
‫‪ 3‬المجموع ‪ ،20/442‬ومما ذكر صاحب شرح المقاصد ) والجمهور علىّ أنه له ـ أي الوجود ـ‬
‫مفهوما واحدا ‪ ،‬مشتركا بين الموجودات ‪ ،‬إل أنه عند المتكلمين حقيقة واحدة ‪ ،‬تختلف بالقيود والضافات‬
‫( ‪ ،1/341‬ثإم ذكر أنه مع ذلك قد يطلق علىّ الموجودات بالتشكيك لنه في الواجب أولىّ وأقدم وأشد ‪،‬‬
‫علىّ ما فهم من كلمه ) ‪1/354‬ـ ‪. (355‬‬
‫‪ 4‬ينظر مجموع ابن تيمية ‪. 3/10‬‬

‫‪39‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬وكيف يصلح أن يقال ‪ :‬إن بين أسماء ال ‪ ،‬وصفاته ‪ ،‬وأسماء خلقه وصفاتهم ‪ ،‬قدرا‬
‫مشتركا ‪ ،‬أل يوجب هذا التشبيه ؟‬

‫فالجواب ‪ :‬أن التشبيه كلمة ‪ ،‬قد صار فيها إجمال ‪ ،‬بحسب استعمال المتكلمين في هذا الباب ‪،‬‬
‫ل معرفة المحذور من معناها شرعا‪.‬‬ ‫فيجب أو ل‬

‫ذلك أن التشبيه جاء في السمع ‪ ،‬بلفظ التمثإيل في قوله تعالىّ } ملميمس مكإممثإإلإه مشميةء{ ]الشورى‪ :‬من‬
‫الية ‪ [11‬وهو أدلل علىّ المقصود ‪ ،‬ومعنىّ الية أن ال تعالىّ ل يماثإله شيء فيما يختص به من‬
‫صفات الكمال ‪ ،‬أما أن تدل علىّ أن ما يتصف ال به من الصفات ل يمكن أن يتصف غيره‬
‫بجنسها ‪ ،‬فليس فيها ول دللت عليه الللغة ‪ ،‬فقد نفىّ ال التماثإل بين صنفين من بني آدم قال تعالىّ‬
‫‪} :‬موإإمن متمتمولنموا ميمسمتمبإدمل مقموما مغميمرهكمم هثإنم ل ميهكوهنوا أممممثإالمهكمم{ ]محمد‪ :‬من الية ‪ [38‬فنفىّ ال التماثإل‬
‫للتفاوت في بعض الصفات مع اشتراكهم في أكثإرها ‪ ،‬ومثإل هذا قوله تعالىّ }مومما ميمسمتإوي املمأمعممىّ‬
‫صيهر{ ]فاطر‪ ، [19:‬وقوله }مومما ميمسمتإوي املمأمحمياهء مول املمأمممواهت{ ]فاطر‪ :‬من الية ‪ ، [22‬وقوله‬ ‫مواملمب إ‬
‫صمحاهب املمجنإة{ ]الحشر‪ :‬من الية ‪. 1 [20‬‬ ‫صمحاهب النناإر موأم م‬ ‫}ل ميمسمتإوي أم م‬

‫وإذا كانت الدلة الشرعية ل تدل علىّ أن التشابه من بعض الوجوه ‪ ،‬يقتضي تماثإلهما في جميع‬
‫الشياء ‪ ،‬فليس في الية أن وجود قدر مشترك بين السماء التي تطلق علىّ ال وخلقه ‪ ،‬يوجب‬
‫التماثإل المنفي بقوله }ليس كمثإله شيء{ ‪.‬‬

‫ولهذا فقد اعترف أساطين الكلم ‪ ،‬أن ما قد يسمىّ التشبيه من بعض الوجوه بين الخالق‬
‫والمخلوق ‪ ،‬لزم لجميع المسلمين ‪ ،‬ويعنون به ما يطلق من السماء والصفات علىّ الخالق‬
‫والمخلوق ولو كان مجرد صفة الوجود ‪ ،‬قال الرازي رحمه ال )وان عنيتم بالمشبه من يقول‬
‫بكون ال شبيها بخلقه من بعض الوجوه ‪ ،‬فهذا ل يقتضي الكفر ‪ ،‬لن المسلمين اتفقوا علىّ أن‬
‫ال موجود ‪ ،‬وشيء ‪ ،‬وعالم ‪ ،‬وقادر ‪ ،‬والحيوانات كذلك وذلك ل يوجب الكفر(‪. 2‬‬

‫وقال أبو المعالي )وقال في بعض مقالته ‪ -‬أي أبو الحسن ‪ -‬المشبه من يعترف بالتشبيه ‪ ،‬فأما‬
‫ل للمخلوقات فل نسميه‬ ‫من ينكره ويثإبت مع التجسيم والغلو فيه للرب ‪ ،‬صفاتا ل يجوز ثإبوتها إ ل‬
‫مشبها تحقيقا ‪ ،‬إذ المشبه من يعتقد تشابه الرب ‪ ،‬والمحدث من كل وجه ‪ ،‬إذ حقيقة المثإلين ‪،‬‬
‫المتشابهين في جملة الصفات ‪. 3(..‬‬

‫ولهذا أيضا أنكر الئامة الغلو في النفي ‪ ،‬خشية الوقوع في التعطيل ‪ ،‬وذكر ابن تيمية عن المام‬
‫أحمد أنه قال ل يشبه الشياء ‪ ،‬وليس كمثإله شيء ‪ ،‬ونحو ذلك أما قوله ) بوجه من الوجوه (‬
‫فامتنع منها ‪ ،‬وذلك أنه عرف أن مضمون ذلك التعطيل المحض ‪ ،‬فإنه يقتضي أنه ليس بموجود‬
‫‪ ،‬ول شيء ‪ ،‬ول حي ‪ ،‬ول عليم ‪ ،‬ول قدير ‪ ،‬ويقتضي إبطال جميع أسمائاه الحسنىّ‪. 4‬‬

‫وبهذا يعلم أن إثإبات قدر مشترك من معنىّ السماء المقولة علىّ الخالق والمخلوقات ‪ ،‬ليس فيه‬
‫التمثإيل المحذور شرعا ‪،‬غير أنه ل يخفي أن إطلق هذه اللفظة وهي )أن ال يشبه خلقه من‬
‫‪ 1‬ينظر الدرء ‪7/113 ، 6/7‬ـ ‪. 114‬‬
‫‪ 2‬نقل عن تلبيس الجهمية ‪. 1/382‬‬
‫‪ 3‬الشامل للجويني ‪. 1/169‬‬
‫‪ 4‬الدرء ‪. 5/183‬‬

‫‪40‬‬
‫بعض الوجوه( خطأ ‪ ،‬والمام أحمد إنما أنكر النفي لئال يتوهم التعطيل ‪ ،‬فكذلك ينبغي أن تمنع‬
‫ل ‪ ،‬وهو )أن يماثإل ال شيء من خلقه فيما‬ ‫هذه الجملة لئال يتوهم التشبيه الممنوع شرعا وعق ل‬
‫يجب له من صفاته ‪ ،‬أو أن يثإبت شيء من خصائاص المخلوقين ل سبحانه وتعالىّ ( ‪ ،‬إذ هو‬
‫تعالىّ ليس كمثإله شيء ل في أسمائاه ‪ ،‬ول في ذاته ‪ ،‬ول في صفاته ‪ ،‬ول في أفعاله ‪ ،‬قال المام‬
‫أحمد ‪ ) :‬من قال بصر كبصري ويد كيدي وقدم كقدمي فقد شبه ال بخلقه ‪ ،‬وهذا يحده وهذا‬
‫كلم سوء(‪. 1‬‬

‫فهذه المقالة تبلين أن المحذور من التشبيه ‪ ،‬هو ما يستلزم من نعت ال تعالىّ بالنقص ‪ ،‬والحدوث‬
‫‪ ،‬ول ريب أن وصفه بخصائاص المخلوقين تمثإيل له بما هو ناقص حادث ‪ ،‬أما مجلرد نعته‬
‫بالصفات التي يصلح إطلقها علىّ المخلوقات ‪ ،‬مع العلم بقدر مشترك من المعنىّ في الطلقين‬
‫‪ ،‬والقطع بأن ما اختص ال به ل يماثإل ما يختص به المخلوق ‪ ،‬فليس في هذا نقص بوجه من‬
‫الوجوه‪.‬‬

‫قال أبو المعالي رحمه ال ردا علىّ الفلسفة ومن تابعهم في نفي الصفات )ويقال لهم أتثإبتون‬
‫الصانع المدبر أم ل تثإبتونه ؟ فإن أثإبتوه لزمهم من الحكم بإثإباته ما حاذروه فإن الحادث ثإابت‬
‫فاستويا في الثإبوت ‪... ،‬ثإم قال ‪ :‬وإن قالوا نعتقد الثإبوت ول ننطق به ‪ ،‬قلنا كلمنا في الحقائاق‬
‫ل في الطلقات ‪ ،‬فإن قالوا فصفوا الله بالثإبوت والوجود ول تنطقوا به ‪ ،‬واعتقدوا وجود‬
‫الحادث ول تنطقوا به لتنتفي المماثإلة لفظا ‪ ،‬فإن المماثإلة لفظا مما يتوقىّ في العقائاد ‪ ،‬قلنا يتوقىّ‬
‫اللفظ لدائاه إلىّ الحدوث أو إلىّ النقص ‪ ،‬فكل ما ل يؤدي إلىّ الحدوث أو إلىّ النقص ل نكترث‬
‫به ‪ ،‬ثإم محاذرة التعطيل أولىّ من محاذرة التشبيه (‪. 2‬‬

‫وهذا القدر المشترك الموجود في السماء المشككة ‪ ،‬الذي به أمكن فهم خطاب ال تعالىّ عن‬
‫نفسه ‪ ،‬وأسمائاه ‪ ،‬وصفاته ‪ ،‬وأفعاله ‪ ،‬ل يستلزم وجود شيء في الخالق هو بعينه في المخلوق ‪،‬‬
‫ل في الذهن ‪ ،‬ول يختص بأحدهما دون الخر ‪ ،‬فل يقع‬ ‫وإنما هو أمر مطلق كلي ‪ ،‬ول يوجد إ ل‬
‫بينهما اشتراك ل فيما يختص بالباري ول فيما يختص بالبرية ‪ ،‬وعند التخصيص يقال علم ال ‪،‬‬
‫وحياة ال ‪ ،‬فهذا ذكر لما يتميز به الخالق فل يماثإله فيه المخلوق ‪ ،‬ولو كان القدر المشترك هو‬
‫شيء موجود في الخارج يشترك فيه الباري وخلقه ‪ ،‬لكان هذا تشابها بينهما والشيء إذا شابه‬
‫غيره من وجه جاز عليه ما يجوز عليه من ذلك الوجه له ما وجب له وامتنع عليه ما امتنع‬
‫عليه‪. 3‬‬

‫فثإبت بهذا أن إثإبات القدر المشترك ل يستلزم إثإبات ما يمتنع علىّ الرب سبحانه ول نفي ما‬
‫يستحقه ‪ ،‬فليس ممتنعا ومثإال هذا في المخلوقات ‪ ،‬أن اسم الوجود يطلق بالتواطؤ علىّ العرش ‪،‬‬
‫والبعوض ‪ ،‬فيقال هذا موجود ‪ ،‬وهذا موجود ‪ ،‬ل تفاقهما في مسمىّ الوجود ‪ ،‬وهو يطلق عليهما‬
‫بالتواطؤ قطعا ‪ ،‬لن قدرا مشتركا من المعنىّ يوجد بينهما ‪ ،‬ول ريب أن عاق ل‬
‫ل ل يقول إن‬
‫وجود العرش كوجود البعوض ‪ ،‬لتفاقهما في مسمىّ الوجود‪. 4‬‬

‫ول أن السم يطلق عليهما بالشتراك اللفظي فقط ‪ ،‬ولكن قد يتوهم متوهم ‪ ،‬أن هذا القدر‬
‫المشترك هو شيء موجود في الخارج يشتركان فيه ‪ ،‬وليس كذلك بل هو وجود ذهني محض‬
‫‪. 2/32 1‬‬
‫‪ 2‬نقل عن الدرء ‪. 5/189‬‬
‫‪ 3‬المجموع ‪3/74‬ـ ‪. 75‬‬
‫‪ 4‬المصدر السابق ‪. 3/10‬‬

‫‪41‬‬
‫ول يوجد في الخارج إ ل‬
‫ل العيان التي لكل واحد منها ما يخصه ل يشاركه فيه شيء‪.‬‬

‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه ال )ولهذا سمىّ ال نفسه بأسماء وسمي صفاته بأسماء ‪،‬‬
‫وكانت تلك السماء مختصة به إذا أضيفت إليه ل يشركه فيها غيره ‪ ،‬وسمي بعض مخلوقاته‬
‫بأسماء مختصة بهم ‪ ،‬مضافة إليهم ‪ ،‬توافق تلك السماء إذا قطعت عن الضافة والتخصيص ‪،‬‬
‫ولم يلزم من اتفاق السمين وتماثإل مسماهما واتحاده عند الطلق والتجريد عن الضافة‬
‫والتخصيص اتفاقهما ول تماثإل المسمىّ عند الضافة والتخصيص ( ‪ ،‬وقال أيضا ) سمي ال‬
‫ل هو الحي القيوم { وسمي بعض عباده حيا ‪ ،‬فقال } يخرج الحي‬ ‫نفسه حيا فقال } ال ل إله إ ل‬
‫من الميت { وليس هذا الحي مثإل هذا الحي ‪ ،‬لن قوله الحي اسم ل مختص به وقوله }يخرج‬
‫الحي من الميت { اسم للحي المخلوق مختص به ‪ ،‬وإنما يتفقان إذا أطلقا وجردا عن التخصيص‬
‫ولكن ليس للمطلق مسمىّ موجود في الخارج ‪ ،‬ولكن العقل يفهم من المطلق قدرا مشتركا بين‬
‫‪1‬‬
‫المسمين وعند الختصاص يقيد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق والمخلوق عن الخالق(‬
‫‪.‬‬

‫وقال أيضا ) هكذا القول في جميع الصفات ‪ ،‬وكل ما تثإبته من السماء والصفات فلبد أن يدل‬
‫علىّ قدر تتواطأ فيها المسميات ‪ ،‬ولول ذلك لما فهم الخطاب ‪ ،‬ولكن نعلم أن ما اختص ال به‬
‫‪2‬‬
‫وامتاز عن خلقه ‪ ،‬أعظم مما يخطر بالبال أو يدور في الخيال(‬

‫فإن قيل فإن التفاوت بين الخالق والمخلوق أعظم من أن يتصور ‪ ،‬بقدر ما بينهما من التفاوت‬
‫في الذات ‪ ،‬فهل همبثإل لهذا بمثإال في المخلوقات ‪ ،‬يقرب القول من التصور ‪.‬‬

‫فالجواب نعم ‪ ،‬هذه الروح نفهم ذهابها ‪ ،‬وإيابها ‪ ،‬وصعودها ‪ ،‬ونزولها ‪ ،‬والعقول قاصرة عن‬
‫تكييفها ‪ ،‬للنا لم نشهد لها نظيرا ‪ ،‬فلم يمنع عدم مشاهدة نظيره من فهم الخطاب ‪ ،‬ولم يمنع جهلنا‬
‫بكيفية الروح ‪ ،‬أن نعلم صفاتها التي أخبر ال عنها في القرآن ‪.‬‬

‫وكذلك ما في الجنة ‪ ،‬ماءها ‪ ،‬وثإمارها ‪ ،‬وسائار ما فيها من النعيم ‪ ،‬ليس كما في الدنيا وما‬
‫ل السماء(‪. 3‬‬‫بينهما من التفاوت عظيم حتىّ قال ابن عباس )ما في الجنة في الدنيا إ ل‬

‫ثإم نحن نفهم الخبر عن الجنة ‪ ،‬ولوله ما هتكت نحور المجاهدين ‪ ،‬ول تشققت أقدام العابدين ‪.‬‬

‫فال عز وجل أعظم وأجل ‪ ،‬قال ابن تيمية )فإذا استعملت خاصة معينة ‪ -‬أي السماء المشككة‬
‫التي تسميها النحاة أسماء الجناس ‪ -‬دلت علىّ ما يختص به المسمىّ ‪ ،‬لم تدل علىّ ما يشركه‬

‫‪ 1‬المصدر السابق ‪.‬‬


‫‪. 2‬المصدر السابق ) ‪ ، (3/24‬وانظر في هذا البحث ‪ ،‬والجواب علىّ الشكال المتقدم في أول التنبيه‬
‫شرح الطحاوية ص ‪103‬ـ ‪ ،107‬وقال شيخ السلم ابن تيمية ) اتفاق المسمين في بعض السماء‬
‫والصفات ‪ ،‬ليس هو التشبيه ‪ ،‬والتمثإيل التي نفته الدلة السمعيات ‪ ،‬والعقليات ‪ ،‬وإنما نفت اشتراكهما فيما‬
‫يختص به الخالق ‪ ،‬مما يختص بوجوبه ‪ ،‬أو جوازه ‪ ،‬أو امتناعه ‪ ،‬فل يجوز أن يشركه في مخلوق ‪ ،‬ول‬
‫يشركه مخلوق في شيء من خصائاصه سبحانه وتعالىّ ( المجموع ‪. 3/23‬‬
‫‪ 3‬الثإر رواه الطبري في التفسير ‪ ، 1/392‬وهناد بن السري في الزهد ‪ ، 1/49‬وعزاه السيوطي في‬
‫الجامع الصغير إلىّ الضياء في المختارة ‪ ،‬وصححه محققه ‪ ،‬وعزاه إلىّ أبي نعيم والبيهقي رقم )‬
‫‪ ، (5410‬وزاد في الدر المنثإور ممن رواه ‪ ،‬مسدد ‪ ،‬وابن المنذر ‪ ،‬وابن أبي حاتم ‪ ،‬والبيهقي في البعث‬
‫) ‪ ، (1/38‬وانظر في المثإلين ‪ ،‬الروح والجنة ‪ ،‬المجموع ‪3/28‬ـ ‪ 5/346 ،33‬ـ ‪. 350‬‬

‫‪42‬‬
‫فيه غيره في الخارج ‪.‬‬

‫فإن ما يختص به المسمىّ ل شركة فيه بينه وبين غيره ‪ ،‬فإذا قيل علم زيد ‪ ،‬ونزول زيد ‪،‬‬
‫واستواء زيد ‪ ،‬ونحو ذلك لم يدل هذا العلىّ ما يختص به زيد من علم ونزول ونحو ذلك ‪ ،‬لم‬
‫يدل علىّ ما يشركه فيه غيره ‪.‬‬

‫لكن لما علمنا أن زيدا نظير عمرو ‪ ،‬علمنا أن علمه نظير علمه ‪ ،‬ونزوله نظير نزوله ‪،‬‬
‫واستواءه نظير استوائاه ‪ ،‬فهذا علمناه من جهة القياس ‪ ،‬والمعقول ‪ ،‬والعتبار ‪ ،‬ل من جهة‬
‫دللة اللفظ ‪ ،‬فإذا كان هذا في صفات المخلوق ‪ ،‬فذلك في الخالق أولىّ ‪.‬‬

‫فإذا قيل ‪ :‬علم ال ‪ ،‬وكلم ال ‪ ،‬ونزوله ‪ ،‬واستواؤه ‪ ،‬ووجوده ‪ ،‬وحياته ‪ ،‬ونحو ذلك لم يدل ذلك‬
‫علىّ ما يشركه فيه أحد من المخلوقين بطريق الولىّ ‪ ،‬ولم يدل ذلك علىّ مماثإلة الغير له في‬
‫ذلك ‪ ،‬كما دل في زيد وعمرو ‪ ،‬لنا هناك علمنا التماثإل من جهة القياس والعتبار ‪ ،‬لكون زيد‬
‫مثإل عمرو ‪.‬‬

‫وهنا نعلم أن ال ل مثإله ‪ ،‬ول كفؤ ‪ ،‬ولند ‪ ،‬فل يجوز أن نفهم من ذلك أن علمه مثإل علم غيره‪،‬‬
‫ول كلمه مثإل كلم غيره ‪ ،‬ول استواءه مثإل استواء غيره ‪ ،‬ول نزوله مثإل نزول غيره ‪ ،‬ول‬
‫حياته مثإل حياة غيره ‪ ،‬ولهذا كان مذهب السلف والئامة إثإبات الصفات ونفي مماثإلتها لصفات‬
‫المخلوقين(‪. 1‬‬

‫وبهذا يمكننا أن نقول فيما نطلقه علىّ ال كصفة الوجه ‪ ،‬واليد ‪ ،‬والمجيء ‪ ،‬والستواء ‪ ،‬أن‬
‫القول فيها كالقول في صفة العلم ‪ ،‬والسمع ‪ ،‬والبصر وغيرها ‪ ،‬نعلم المعنىّ عند الطلق ‪،‬‬
‫ونستطيع به فهم الخطاب ‪ ،‬ونجهل كيفية ما يختص ال به من هذه الصفات عند التخصيص ‪.‬‬

‫وقد يقال إن صفة السمع ‪ ،‬والبصر‪ ،‬والعلم ‪ ،‬وأمثإالها ‪ ،‬يمكن تصور ما تقدم فيها ‪ ،‬أما الوجه ‪،‬‬
‫ل ما هو جارحة ‪ ،‬وحركة ‪ ،‬وانتقال‬ ‫واليد ‪ ،‬والستواء ‪ ،‬والنزول ‪ ،‬وأمثإالها ‪ ،‬فإنا ل نعقل منها إ ل‬
‫‪ ،‬فكيف يقال نعلم المعنىّ ‪ ،‬ول نعلم ما يختص بال ‪.‬‬

‫كما قال اليجي في المواقف ) الوجه وضع للجارحة ‪ ،‬ولم يوضع لصفة أخرى ‪ ،‬بل ل يجوز‬
‫وضعه لما ل يعقله المخاطب ‪ ،‬فتعين المجاز ‪ ،‬ثإم ذكر أنه الوجود(‪. 2‬‬

‫ول ريب أن قائال مثإل هذا لم يحسن النظر فيما يقول ‪ ،‬فإن السمع ل نعقل منه في المخلوق إ ل‬
‫ل ما‬
‫هو عرض متعلق بعضو ‪ ،‬والبصر انعكاس صورة المرئايات في عضو ‪ ،‬والرادة ميل القلب‬
‫إلىّ الشيء ‪ ،‬ومعلوم أنه ل يقال ل نعقل من هذه الصفات شيئاا بالنسبة إلىّ ال ‪.‬‬

‫وأما ما ذكره اليجي في المواقف فقد أجاب عنه أبو بكر ابن فورك قال )فأما ما ذهب إليه‬
‫المعتزلة من تشبيه ذلك بوجه الثإوب‪ ،‬ووجه الحائاط ‪ ،‬فغلط من التمثإيل ‪ ،‬من قبل أن وجه الثإوب‬
‫‪ ،‬والحائاط ‪ ،‬ليس هو نفس الثإوب ‪ ،‬والحائاط ‪ ،‬بل هو ما واجه به ‪ ،‬وأقبل به ‪ ،‬وكذلك وجه المر‬
‫ما ظهر منه في الرأي الصحيح ‪ ،‬دون ما لم يظهر ‪ ،‬وإذا لم يجز في اللغة استعمال معنىّ الوجه‬
‫علىّ معنىّ الذات علىّ الحقيقة في موضع ‪ ،‬وقد ورد إطلق الكتاب والسنة بذلك ‪ ،‬لم يكن لما‬
‫‪ 1‬المصدر السابق ‪. 5/329‬‬
‫‪ 2‬المواقف في علم الكلم لليجي ‪. 298‬‬

‫‪43‬‬
‫ذهبت إليه المعتزلة وجه ‪ ،‬ووجب أن يحمل المر فيه علىّ ما قلنا أنه وجه صفأأة ‪ ،‬ول يقال هو‬
‫الذات ول غيرها(‪. 1‬‬

‫فهذا يبين أن الوجه في اللغة مستقبل كل شيء ‪ ،‬قال ابن القيم ) والوجه في اللغة مستقبل كل‬
‫شيء ‪ ،‬لنه أول ما يواجه منه ‪ ،‬ووجه الرأي والمر ما يظهر أنه صوابه ‪ ،‬وهو في كل بحسب‬
‫ما يضاف إليه ‪ ،‬فإن أضيف إلىّ زمن كان الوجه زمانا ‪ ،‬وإن أضيف إلىّ حيوان ن كان بحسبه‬
‫‪ ،‬وإن أضيف إلىّ ثإوب أو حائاط كان بحسبه ‪ ،‬وإذا أضيف إلىّ من }ليس كمثإله شيء{ كان‬
‫وجهه تعالىّ كذلك ‪.‬‬

‫وكذلك اليد تضاف إلىّ الملك ‪ ،‬والجن ‪ ،‬والحيوان ‪ ،‬والنسان ‪ ،‬وهي في ذلك كله صفات متعلقة‬
‫بالذات ‪ ،‬ثإم إذا أضيفت وخصصت ناسبت ما أضيفت إليه ‪ ،‬فاختلفت اختلفا عظيما ‪ ،‬فإذا‬
‫أضيفت إلىّ من ليس كمثإله شيء كانت كذلك‪. 2‬‬

‫ول ينتقض هذا بأن اليد تطلق ويراد بها القدرة والنعمة ‪ -‬فتخرج عن كونها صفة متعلقة بالذات‬
‫غير القدرة والنعمة ‪ -‬وذلك لثإلثإة أوجه ‪.‬‬

‫الول ‪ :‬قال ابن القيم ‪ ) :‬إن نفس هذا التركيب المذكور في قوله }خلقت بيدي{ يأبىّ حمل الكلم‬
‫علىّ القدرة ‪ ،‬لنه نسب الخلق إلىّ نفسه سبحانه ثإم عدى الفعل إلىّ اليد ‪ ،‬ثإم ثإناها ‪ ،‬ثإم أدخل‬
‫عليها الباء التي تدخل علىّ قولك كتبت بالقلم ‪ ،‬ومثإل هذا نص صريح ل يحتمل المجاز‬
‫بوجه(‪. 3‬‬

‫الثإاني ‪ :‬قال الباقلني في التمهيد ) ويدل علىّ فساد تأويلهم أيضا ‪ -‬أي بالقدرة والنعمة ‪ -‬أنه لو‬
‫كان المر علىّ ما قالوه ‪ ،‬لم يغفل عن ذلك إبليس وعن أن يقول ) وأي فضل لدم عللي يقتضي‬
‫أن أسجد له ‪ ،‬وأنا أيضا بيدك خلقتني ‪ ،‬التي هي قدرتك ‪ ،‬وبنعمتك خلقتني ؟ وفي العلم بأن ال‬
‫تعالىّ فضل آدم عليه بخلقه بيده دليل علىّ فساد ما قالوه (‪. 4‬‬

‫ل في حق من له‬ ‫الوجه الثإالث ‪ :‬قال ابن القيم ) إن يد القدرة والنعمة ل يعرف استعمالها البتة إ ل‬
‫يد حقيقية ‪ ،‬فهذه موارد استعمالها ‪ ،‬من أولها إلىّ آخرها ‪ ،‬مطردة في ذلك ‪ ،‬فل يعرف العربي‬
‫خلف ذلك ‪ ،‬فاليد المضافة إلىّ الحي ‪ ،‬إما أن تكون يدا حقيقية أو مستلزمة للحقيقية ‪ ،‬وأما أن‬
‫تضاف إلىّ من ليس له يد حقيقية ‪ ،‬وهو حي متصف بصفات الحياء ‪ ،‬فهذا ل يعرف البتة ‪،‬‬
‫وسر هذا أن العمال ‪ ،‬والخذ ‪ ،‬والعطاء ‪ ،‬والتصرف ‪ ،‬لما كان باليد ‪ ،‬وهي التي تباشره ‪،‬‬
‫عبروا بها عن الغاية الحاصلة بها وهذا ‪ ،‬يستلزم ثإبوت أصل اليد حتىّ يصلح استعمالها في‬
‫مجرد القوة والنعمة والعطاء(‪. 5‬‬

‫وهذان المثإالن يوضحان أن الوجه واليد ‪ ،‬فيما أضيفا إليه من المور يدلن علىّ قدر من‬
‫المعنىّ متواطئاا ‪ ،‬مشتركا فيها ‪ ،‬هو صفة من صفات المضاف إليه ‪ ،‬وعند التخصيص تختلف‬

‫‪ 1‬مشكل الحديث وبيانه ‪. 173‬‬


‫‪ 2‬ينظر مختصر الصواعق المرسلة ‪. 419‬‬
‫‪ 3‬المصدر السابق ‪. 404‬‬
‫‪ 4‬ينظر في مثإال صفة اليد وأدلة إثإباتها صفة ل تعالىّ مختصر الصواعق ص ‪ ،298‬وص ‪ ،305‬وص‬
‫‪. 408‬‬
‫‪ 5‬ينظر مختصر الصواعق ‪. 406‬‬

‫‪44‬‬
‫هذه الصفة ‪ ،‬اختلفا بحسب اختلف المضاف إليه ‪ ،‬والقدر الذي حصل به الشتراك غير الذي‬
‫حصل به المتياز ‪ ،‬وبهذا علمنا أنها صفات ل تعالىّ‪ ،‬وجهلنا حقيقة ما امتاز ال به من هذه‬
‫الصفات ‪.‬‬

‫وعلىّ هذين المثإالين تقاس سائار الصفات الفعلية والذاتية ‪ ،‬كالستواء والنزول ‪ ،‬والعينين ‪ ،‬يعلم‬
‫أنها صفات ل من حيث يعلم معناها في لغة التخاطب ‪ ،‬ونجهل حقيقة ما يمتاز ال به وهو‬
‫ل ال ‪ ،‬ويعلم كذلك من أحكام هذه الصفات ما جاء في السمع ‪ ،‬فكما‬ ‫التأويل الذي ل يعلمه إ ل‬
‫علمنا أن من أحكام صفة السمع أن ال يسمع المسموعات ‪ ،‬ومن أحكام صفة البصر أن ال‬
‫يبصر المبصرات ‪ ،‬وأن ال يعلم كل شيء بصفة العلم ‪ ،‬كذلك نعلم أن من أحكام صفة اليد أن‬
‫ال يقبض بها السموات ‪ ،‬وأنه خلق آدم بها ففضله علىّ سائار من خلقه بكلمة كن ‪.‬‬

‫وهذا هو المخرج الصحيح من الشكال المتقدم في أول التنبيه ‪ ،‬وهو الصراط المستقيم الذي‬
‫سار عليه سلف المة ‪ ،‬والذي هو في غاية الستقامة والتناسب ‪ ،‬والسر في عدم تناقض مذهب‬
‫السلف ‪ ،‬عدم تفريقهم بين الصفات ‪ ،‬وجعلها فرعا عن الذات ‪ ،‬واتباع السمع ومن اتبعته فل‬
‫يختلف قوله ‪ ،‬قال تعالىّ }موملمو مكامن إممن إعمنإد مغميإر اللنإه ملمومجهدوا إفيإه امخإتلفا مكإثإيرا{ ]النساء‪ :‬من‬
‫الية ‪. [82‬‬

‫ويدل علىّ صحة مذهبهم أدلة كثإيرة جدا ‪ ،‬وفيما يلي من هذا المبحث أهم الدلة من الكتاب‬
‫والسنة والمعقول الصريح ‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫الدألة على صحة ماذهب السإلف في الصفات ‪ ،‬وإبطال ماذهبي المافوضة والماؤولة‬

‫كان ما تقدم من هذا المبحث في تحقيق أن مذهب السلف الذي لم يختلفوا فيه في الصفات ‪ ،‬هو‬
‫أنها معلومة المعنىّ ‪ ،‬ول تصرف عن ظاهرها ‪ ،‬بمعنىّ كونها صفات ل غير أن كيفياتها ل‬
‫يعلمها إ ل‬
‫ل ال تعالىّ ‪:‬‬

‫وفيما يلي ذكر الدلة علىّ صحة هذا المذهب ‪ ،‬ومن المفيد قبل الخوض في ذلك ذكر القسام‬
‫الممكنة في القوال في هذا الباب ‪ ،‬ليكون محل النزاع أكثإر وضوحا ‪ ،‬ويتضح كيف تتوجه‬
‫الدلة بتأكيد مذهب السلف ونقض غيره وذلك ‪:‬‬

‫أن القسام الممكنة في آيات الصفات وأحاديثإها ستة أقسام ‪:‬‬

‫قسمان يقولن تجري علىّ ظاهرها ‪.‬‬

‫وقسمان يقولن علىّ خلف ظاهرها‪.‬‬

‫وقسمان يسكتان ‪.‬‬

‫قال شيخ السلم ابن تيمية ‪) :‬أما الولن فقسمان ‪ ،‬أحدهما من يجريها علىّ ظاهرها ‪ ،‬ويجعل‬
‫ظاهرها من جنس صفات المخلوقين ‪ ،‬فهؤلء المشبهة ‪ ،‬ومذهبهم باطل ‪.‬‬

‫والثإاني من يجريها علىّ ظاهرها اللئاق بجلل ال ‪ ،‬فإن ظواهر هذه الصفات في حق المخلوق‬
‫إما جوهر محدث أو عرض قائام به ‪ ،‬فالعلم والقدرة والمشيئاة والرحمة والرضا والغضب ونحو‬
‫ذلك في حق العبد أعراض ‪ ،‬والوجه واليد والعين أجسام ‪.‬‬

‫فإذا كان ال موصوفا عند عامة أهل الثإبات ‪ ،‬بأن له علما ‪ ،‬ل وقدرة ‪ ،‬وكلما ‪ ،‬ومشيئاة ‪ ،‬وإن‬
‫لم يكن ذلك عرضا ‪ ،‬يجوز عليه ما يجوز علىّ صفات المخلوقين ‪ ،‬جاز أن يكون وجه ال ‪،‬‬
‫ويداه ‪ ،‬وعينه ‪ ،‬ليست أجساما يجوز عليها ما يجوز علىّ صفات المخلوق ‪.‬‬

‫وهذا هو المذهب الذي حكاه الخطابي وغيره عن السلف ‪ ،‬ويدل عليه كلم جمهورهم وكلم‬
‫الباقين ل يخالفه ‪ ،‬وهو أمر واضح فإن الصفات كالذات ‪ ،‬فكما أن ذات ال ثإابتة حقيقية ‪ ،‬من‬
‫غير أن تكون من جنس صفات المخلوقين ‪ ،‬فصفاته ثإابتة حقيقية من غير أن تكون من جنس‬
‫صفات المخلوقين ‪ ...‬ثإم قال ‪ :‬أما القسمان اللذان ينفيان ظاهرهما أعني الذين يقولون ليس لها‬
‫في الباطن مدلول صفة ال تعالىّ قط ‪ ...‬ثإم ذكر أقسام هؤلء وأن منهم من ينفيها كلها ‪ ،‬ومنهم‬
‫من يثإبت سبعا ‪ ،‬أو ثإمان ‪ ،‬أو خمسة عشر ‪ ،‬ثإم ذكر القسمين الخيرين وأن منهم من يقول يجوز‬
‫أن يراد ظاهرها اللئاق بال ويجوز أن ل يكون المراد صفة ل‪.‬‬

‫ومنهم من يمسك عن ذلك كله ول يزيدون عن تلوة القرآن وقراءة الحديث معرضين عن هذه‬

‫‪46‬‬
‫التقديرات (‪. 1‬‬

‫وهذا التقسيم يكشف جميع طرق المتنازعين في هذا الباب ‪ ،‬وإذا كانت طريقة التشبيه باطلة‬
‫بالجماع ‪ ،‬فلم يبق في ساحة التنازع غير طريقة التفويض بقسميها ‪ -‬وهما القسمان الساكتان ‪-‬‬
‫ل أن ظاهرها غير مراد ‪ ،‬لنهم مؤيدون لهل‬ ‫مع قسم الذين يقولون ل نعلم ما أريد بها إ ل‬
‫التفويض في أن نصوص الصفات ل يعلم معناها ‪ ،‬وطريقة التأويل الذين يعينون المراد ‪،‬‬
‫وطريق السلف ‪.‬‬

‫وفيما يلي ذكر أهم ما يستدل به علىّ أن نصوص الصفات معلومة المعنىّ ‪ ،‬وأن تأويلها ل‬
‫يجوز ‪ ،‬وهو مذهب السلف ‪ ،‬وبذلك يتبين بطلن طريقة التفويض وطريقة التأويل ‪ ،‬فلنبدأ أو ل‬
‫ل‬
‫بذكر أدلة بطلن طريقة التفويض‪:‬‬

‫الدأليل الول ‪:‬‬

‫أن ال تعالىّ أمر بتدبر القرآن أجمع ولم يستثإن منه شيئاا ‪ ،‬قال }إكمتاةب أممنمزملمناه إإملميمك هممبامرةك إلميندنبهروا‬
‫ص‪ ، [29:‬وقال }أممفل ميمتمدنبهرومن املهقمرآمن{ ]النساء‪ :‬من الية ‪، [82‬‬ ‫آمياإتإه موإلميمتمذنكمر هأوهلو املمأملمباإب{ ] ل‬
‫وقال }أممفلممم ميندنبهروا املمقمومل أممم مجامءههمم مما لممم ميمأإت آمبامءهههم املمأنوإليمن{ ]المؤمنون‪ ، [68:‬وفي هذه الية‬
‫حض الكفار والمنافقين علىّ تدبر القرآن فدل علىّ إمكانهم فكيف بالمؤمنين‪.‬‬

‫وقال تعالىّ }إإننا أممنمزملمناه هقمرآنا معمرإبليا لممعلنهكمم متمعإقهلومن{ ]يوسف‪ ، [2:‬ولم يستثإن منه شيئاا ل يعقل ول‬
‫ريب أن أعظم ما دل عليه القرآن ما أخبر ال به عن صفاته ‪ ،‬فكيف يذم من تدبر أعظم ما دلل‬
‫عليه وتعلم معانيه وأحكامه ‪ ،‬كيف والقرآن مليء بآيات الصفات ‪ ،‬ومنها التي أدعي أنها توهم‬
‫التشبيه كالستواء في سبع آيات ‪ ،‬والمجيء ‪ ،‬والتيان ‪ ،‬والتجلي ‪ ،‬والعين ‪ ،‬والوجه ‪ ،‬واليد ‪،‬‬
‫وذكر ما يدل علىّ أنه فوق العرش ‪ ،‬في آيات كثإيرة ل تحصي إ ل‬
‫ل بكلفة‪.‬‬

‫الدأليل الثاني ‪:‬‬

‫أن ال تعالىّ ذم من ل يفهم القرآن فقال }موإإمذا مقمرمأمت املهقمرآمن مجمعملمنا مبميمنمك مومبميمن النإذيمن ل هيمؤإمهنومن‬
‫إباملآإخمرإة إحمجابا مممسهتورا * مومجمعملمنا معملىّ هقهلوإبإهمم أمإكنلة أممن ميمفمقههوه موإفي آمذاإنإهمم مومقرا( )السراء‪-45 :‬‬
‫‪ ، [46‬وقال تعالىّ } مفمماإل مههؤلإء املمقموإم ل ميمكاهدومن ميمفمقههومن محإديثإا{ ]النساء‪ :‬من الية ‪ ، [78‬فلو‬
‫كان المؤمنون ل يفقهون أعظم ما دل عليه لكانوا مشاركين للكفار والمنافقين فيما ذمهم ال‬
‫تعالىّ به ‪.‬‬

‫صم هبمكةم هعممةي مفهمم‬ ‫وقال تعالىّ }مومممثإهل انلإذيمن مكمفهروا مكمممثإإل انلإذي ميمنإعهق إبمما ل ميمسممهع إإنلا هدمعالء موإنمدالء ه‬
‫ل ميمعإقهلومن{ ]البقرة‪ ، [171:‬وقال }موإممنهمم مممن ميمسمتإمهع إإلمميمك محنتىّ إإمذا مخمرهجوا إممن إعمنإدمك مقاهلوا إلنلإذيمن‬
‫هأوهتوا املإعملم ممامذا مقامل آإنفا هأوملإئامك انلإذيمن مطمبمع اللنه معملىّ هقهلوإبإهمم موانتمبهعوا أممهموامءههمم{ ]محمد‪ ، [16:‬فقد‬
‫ل سماع الصوت دون فهم المعنىّ واتباعه ‪ ،‬فكيف يكون أراد‬ ‫ذم من لم يكن حظه من السماع إ ل‬
‫‪2‬‬
‫من نصوص الصفات ما ذمه ال من السماع الخالي من الفهم والعقل ‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر المجموع ‪5/113‬ـ ‪16/398 ،117‬ـ ‪. 399‬‬


‫‪ 2‬ينظر مجموع ابن تيمية ‪5/158‬ـ ‪. 159‬‬

‫‪47‬‬
‫وقال أيضا }موإممنهمم أهبمريومن ل ميمعلمهمومن املإكمتامب إإنلا أممماإنني موإإمن ههمم إإنلا ميهظرنومن{ ]البقرة‪ ، [78:‬قال ابن‬
‫جرير } ل يعلمون ما في الكتاب الذي أنزله ال ول يدرون ما أودعه من حدوده وأحكامه‬
‫وفرائاضه كهيئاة البهائام { ثإم روى عن ابن عباس رضي ال عنهما مثإل هذا‪. 1‬‬

‫الدأليل الثالث ‪:‬‬

‫أن ال أخبر عن القرآن أنه أنزله تبيانا لكل شيء قال تعالىّ }مومننزملمنا معلمميمك املإكمتامب إتمبميانا إلهكبل مشميءء‬
‫موههدلى مومرمحمملة موهبمشمرى إلملهممسإلإميمن{ ]النحل‪ :‬من الية ‪ ، [89‬ومقتضىّ كونه تبيانا لكل شيء‬
‫وجود البيان الشافي فيما يجب ويستحيل ويجوز بالنسبة ل فيه ‪.‬‬

‫الدأليل الرابع ‪:‬‬

‫أن ال أخبر عن القرآن وغيره من الكتب اللهية أنه حاكم بين الناس فيما اختلفوا فيه قال تعالىّ‬
‫}موأممنمزمل مممعههم املإكمتامب إباملمحبق إلميمحهكم مبميمن النناإس إفيمما امخمتلمهفوا إفيإه{ ]البقرة‪ :‬من الية ‪ ، [213‬والقول‬
‫ل ال يلزم منه أن الخلف الذي وقع بين أهل هذا الدين في‬ ‫بأن آيات الصفات ل يعلم معناها إ ل‬
‫أعظم مسائاله ليس في القرآن الحكم فيه وهذا خلف ما دل عليه القرآن من أنه حاكم بين الناس ‪.‬‬

‫الدأليل الخاماس‪:‬‬

‫أن القرآن مليء بآيات الصفات كما تقدم والقول بأنها ل يعلم معناها ‪ ،‬ويجب فيها التفويض‬
‫الكلي يلزم منه أن ال تكلم في كثإير من القرآن بما ل فائادة فيه وهو محال إذ يلزم منه العبث‬
‫وهو نقص‪.‬‬

‫الدأليل السإادأس ‪:‬‬

‫أن النبلي ‪-‬صلىّ ال عليه وسلم‪ -‬تكلم في نصوص الصفات في أحاديث كثإيرة وفي الصحيحين‬
‫من ذلك جملة وافرة ‪ ،‬فمما رواه البخاري ‪ :‬قال عليه الصلة والسلم )لما خلق ال الخلق كتب‬
‫في كتابه وهو يكتب علىّ نفسه وهو وضع عنده علىّ العرش ‪ -‬إن رحمتي تسبق غضبي(‪. 2‬‬

‫وقال )إن ال ل يخفي عليكم أن ال ليس بأعور وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنىّ(‪. 3‬‬

‫وقال ) يجمع ال المؤمنين يوم القيامة كذلك فيقولون ‪ :‬لو استشفعنا إلىّ ربنا يريحنا من مكاننا‬
‫هذا فيأتون آدم فيقولون يا آدم أما ترى الناس ‪ ،‬خلقك ال بيده ‪...‬الحديث(‪. 4‬‬

‫‪ 1‬تفسير ابن جرير ‪1/259‬ـ ‪. 260‬‬


‫‪ 2‬فتح الباري ‪. 13/384‬‬
‫‪ 3‬فتح الباري رقم الحديث ‪. 38913‬‬
‫‪ 4‬فتح الباري ‪. 13/392‬‬

‫‪48‬‬
‫وقال )يد ال ملى ل يغيضها نفقة ‪ ..‬وبيده الخرى الميزان يخفض ويرفعه(‪. 1‬‬

‫وعن عبد ال بن مسعود ) أن يهوديا جاء إلىّ النبلي صلىّ ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا محمد إن ال‬
‫يمسك السماوات علىّ إصبع والرضين علىّ إصبع والجبال علىّ إصبع والشجر علىّ إصبع‬
‫والخلئاق علىّ إصبع ثإم يقول أنا الملك فضحك رسول ال ‪-‬صلىّ ال عليه وسلم‪ -‬حتىّ بدت‬
‫نواجذه تعجبا وتصديقا له(‪. 2‬‬

‫وقال )إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ل تضامون في رؤيته(‪. 3‬‬

‫وقال )إنكم سترون ربكم عيانا(‪. 4‬‬

‫وقال ) إن ال تبارك وتعالىّ إذا أحب عبدا نادى جبريل إن ال قد أحب فلنا فأحبه فيحبه جبريل‬
‫‪ ...‬الحديث(‪. 5‬‬

‫وقال )يتنزل ربنا تبارك وتعالىّ إلىّ السماء حين يبقىّ ثإلث الليل الخر فيقول من يدعوني‬
‫فأستجيب له ‪ ،‬من يسألني فأعطيه ‪ ،‬من يستغفر ني فاغفر له(‪. 6‬‬

‫وقال )يقبض ال الرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثإم يقول أنا الملك أين ملوك‬
‫الرض(‪. 7‬‬

‫وهذه النصوص غيض من فيض ‪ ،‬فإنها لكثإرتها قد صنفت فيها مصنفات خاصة ‪ ،‬يكثإر فيها‬
‫ذكر أحاديث الصفات ‪ ،‬كالكتب المسماة بكتب السنة ‪ ،‬ككتاب السنة لبن أبي عاصم ‪،‬‬
‫وللمروزي ‪ ،‬ولعبد ال ابن أحمد‪ ،‬ولللكائاي ‪ ،‬والصفات للدارقطني ‪ ،‬والتوحيد لبن خزيمة ‪،‬‬
‫وغيرها وفيها من النصوص‪ ،‬ما ل يحصىّ إ ل‬
‫ل بكلفة ‪ ،‬فهل يقال إنها كلها ل يفهم معناها ‪،‬‬
‫والواجب السكوت عنها ‪ ،‬وإن هذا هو مذهب السلف؟ وإذا قيل إن فائادة ذكرها في القرآن التعبد‬
‫بتلوتها فحسب ‪ -‬مع أن هذا باطل ‪ -‬فما فائادة ذكرها في الحاديث ‪ ،‬وهل يلزم من ذلك إ ل‬
‫ل‬
‫نسبة العبث إلىّ مقام النبوة الرفيع‪.‬‬

‫الدأليل السإابع ‪:‬‬


‫أن النبلي ‪-‬صلىّ ال عليه وسلم‪ -‬تكلم ببعض الحاديث فجاءت كالتفسير للقرآن كما قال تعالىّ‬
‫)وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ( النحل )‪ ، (44‬فمن هذه الحاديث قول النبلي‬
‫‪-‬صلىّ ال عليه وسلم‪) -‬يقبض ال الرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثإم يقول أنا الملك‬
‫‪8‬‬
‫أين ملوك الرض{‬

‫‪ 1‬فتح الباري ‪. 13/393‬‬


‫‪ 2‬المصدر السابق ‪.‬‬
‫‪ 3‬المصدر السابق ‪. 13/419‬‬
‫‪ 4‬المصدر السابق ‪.‬‬
‫‪ 5‬المصدر السابق ‪. 461 / 13‬‬
‫‪ 6‬المصدر السابق ‪. 13/466‬‬
‫‪ 7‬المصدر السابق ‪. 13/367‬‬
‫‪ 8‬تقدم تخريجه قريبا ‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫فهذا كالتفسير لقول ال تعالىّ }وما قدروا ال حق قدره والرض جميعا قبضته يوم القيامة‬
‫والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالىّ عما يشركون{ ‪ ،‬ومنها ما رواه البخاري من حديث‬
‫أبي سعيد الخدري رضي ال عنه )قال قلت يا رسول ال هل نرى ربنا يوم القيامة ‪ ،‬قال هل‬
‫تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كان صحوا قلنا ل ‪ ،‬قال فإنكم ل تضارون في رؤية ربكم‬
‫ل كما تضارون في رؤيتهما ‪...‬وفي الحديث إن ال يأتي يوم القيامة لمن كان يعبده من‬ ‫يومئاذ إ ل‬
‫بر أو فاجر فيقول ) أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فل يكلمه إ ل‬
‫ل النبياء فيقول هل بينكم وبينه آية‬
‫تعرفونها ؟ فيقولون الساق فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ويبقىّ من كان يسجد ل رياء‬
‫وسمعة فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقا واحدا ‪ ...‬الحديث (‪. 1‬‬

‫ضمر ة * إإملىّ مربمها مناإظمر ة{ ]القيامة‪-22:‬‬


‫وأول هذا الحديث كالتفسير لقول تعالىّ }هوهجوةه ميموممإئاءذ منا إ‬
‫‪ ، [23‬وقوله يكشف عن ساق فما بعده كالتفسير لقول ال تعالىّ }يوم يكشف عن ساق ويدعون‬
‫إلىّ السجود فل يستطيعون{ ‪ ،‬وذكر أن ال يأتي لعباده كالتفسير لقول ال }وجاء ربك والملك‬
‫صفا صفا{ ‪.‬‬

‫ومنها ما رواه البخاري أيضا قال النبلي صلىّ ال عليه وسلم ) ال أرحم بعباده من هذه بولدها (‬
‫هو كالتفسير لقول ال تعالىّ }مومرمحممإتي موإسمعمت هكنل مشميءء{ ]العراف‪ :‬من الية ‪ ، [156‬ومعلوم‬
‫هذه الصيغة )أرحم( قاطعة في إرادة الحقيقة فكيف يصنع من يقول الرحمة هي إرادة الثإواب‪. 2‬‬

‫فإذا كان النبلي صلىّ ال عليه وسلم يتكلم بما هو كالتفسير للقران ‪ ،‬ويأتي بألفاظ أخرى تدل علىّ‬
‫نفس معاني القرآن في هذا الباب ‪ ،‬فكيف يقال ل يعمل معاني القرآن ‪ ، ،‬وهل يفسر القرآن بما‬
‫ل يعلم معناه ‪.‬‬

‫الدأينا الثامانا ‪:‬‬

‫إن الصحابة رضي ال عنهم كانوا يسألون رسول ال ‪-‬صلىّ ال عليه وسلم‪ -‬فيجيبهم بما فيه‬
‫الخبر عن بعض الصفات ‪ ،‬ومعلوم أن الجواب المشتمل علىّ ما ل يفهم معناه ‪ ،‬علي منزه عنه‬
‫رسول ال ‪-‬صلىّ ال عليه وسلم‪ ، -‬فمن ذلك ما رواه مسلم عن مسروق قال ‪ :‬سألنا عبد ال‬
‫)هو ابن مسعود( عن هذه الية }ول تحسبن الذين قتلوا في سبيل ال أمواتا بل أحياء عند ربهم‬
‫يرزقون { ‪ ،‬قال ‪ :‬أما إنا سألنا عن ذلك فقال )أرواحهم في جوف طير خضر ‪ ،‬لها قناديل معلقة‬
‫بالعرش ‪ ،‬تسرح من الجنة حيث شاءت تأوي إلىّ تلك القناديل ‪ ،‬فاطلع إليهم ربهم اطلعة فقال‬
‫‪ :‬تشتهون شيئاا ؟ قالوا ‪ :‬أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئانا ‪ ،‬ففعل ذلك بهم‬
‫ثإلث مرات ‪ ،‬فما رأوا أنهم لن يتركوا من يسألوا ‪ ،‬قالوا ‪ :‬يارب نريد أن ترد أرواحنا في‬
‫أجسادنا حتىّ نقتل في سبيلك مرة أخرى ‪ ،‬فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا(‪. 3‬‬

‫‪ 1‬ينظر فتح الباري ‪. 13/421‬‬


‫‪ 2‬صيغة ) أفعل التفضيل ( تدل علىّ أن من هي له ‪ ،‬فيه زيادة علىّ غيره في المعنىّ الذي هي مشتقة منه‬
‫‪ ،‬ينظر شرح الوافية نظم الكافية لبن الحاجب ص ‪ ،331‬فقوله ) أرحم ( دال علىّ أن الصفة تطلق علىّ‬
‫الخالق والمخلوق ‪ ،‬وهي في الخالق أعلىّ وأكمل ‪ ،‬وقد ورد في سبب الحديث أن امرأة التقطت ولدها من‬
‫السبي ‪ ،‬فألصقته بثإديها ‪ ،‬فقال أترون هذه تلقي ولدها في النار ‪ ،‬أو كما قال ‪ ،‬قالوا ل ‪ ،‬فذكر الحديث ‪،‬‬
‫وينظر في هذا المعنىّ ‪ ،‬مختصر الصواعق لبن القيم ص ‪. 379‬‬
‫‪ 3‬رواه مسلم حديث رقم ‪. 1887‬‬

‫‪50‬‬
‫فهذه اللفاظ المذكورة في الجواب من ذكر اطلع ال إلىّ الشهداء ‪ ،‬وخطابه لهم مباشرة ‪،‬‬
‫وفعل ذلك ثإلث مرات ن وهم مع ذلك في جواره مما يفسر قوله تعالىّ )أحياء عند ربهم‬
‫يرزقون( ‪ ،‬إما أنها معلومة المعنىّ فيكون السائال قد استفاد من الجواب‪ ،‬وإما أن يقال ل يعلم‬
‫معنىّ هذا ‪ ،‬ول نتكلم في ذلك فينسب إلىّ رسول ال ‪-‬صلىّ ال عليه وسلم‪ -‬العبث والعلي‪.‬‬

‫الدأليل التاسإع ‪:‬‬

‫أن القول بأن آيات الصفات أو بعضها ل يعلم معناها يلزم منه أن النبلي ‪-‬صلىّ ال عليه‬
‫وسلم‪ ، -‬لم يكن يفهم معان هذه اليات كقوله تعالىّ }استوى علىّ العرش{ ‪} ،‬وجاء ربك{ ‪،‬‬
‫}تجلىّ ربك{ ‪} ،‬ويبقىّ وجه ربك{ ‪} ،‬خلقت بيدي{ ‪ ،‬وغيرها ول يفهم معاني ما كان يتكلم به‬
‫من أمثإال ما تقدم في الدليل السادس ‪ ،‬ومعلوم أن النبلي ‪-‬صلىّ ال عليه وسلم‪ ، -‬ربما تكلم‬
‫بالحاديث الطويلة ‪ ،‬وأدخل فيها بعض اللفاظ التي تدل علىّ الصفات ‪ ،‬مثإل حديث الشفاعة‬
‫الذي ذكر فيه التيان والتكليم وغيرها ‪ ،‬فهذا القول يلزم منه أنه كان إذا أتىّ علىّ هذه اللفاظ‬
‫سرده دون أن يعلم معناها ‪ ،‬إذ لو كان يعلم دللتها علىّ شيء ‪ ،‬لوجب عليه بيانه للناس وعدم‬
‫كتمانه وقد علم أنه ‪-‬صلىّ ال عليه وسلم‪ -‬لم يقل يوما هذه اللفاظ ل تعتقدوا ظاهرها ‪ ،‬فإن لها‬
‫معنىّ ل يعلمه إ ل‬
‫ل ال‪. 1‬‬

‫الدأليل العاشر‪:‬‬

‫وهو أن هذا القول ‪ ،‬أعني القول بتفويض معاني نصوص الصفات ‪ ،‬قد يفتح باب اللحاد ‪،‬‬
‫فيقول الملحدون إن نبلي هذا الدين ل يعرف معاني ما أنزل عليه ‪ ،‬وأصحابه الذين علمهم كذلك‬
‫مثإله ‪ ،‬فينبغىّ طلب هذه المور المهمة من جهة غيره ‪ ،‬فإن قيل لهم هذا مما ل يمكن لحد‬
‫ل ال ‪ ،‬لكن من أين لكم أن‬‫منعوا ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إن ما في القرآن ‪ :‬إن ذلك الخطاب ل يعلم معناه إ ل‬
‫المور اللهية ل تعلم بالدلة العقلية التي يقصر عنها البيان بمجرد الخطاب والخبر‪. 2‬‬

‫الدأليل الحادأي عشر‪:‬‬

‫إنا نعلم أن الصحابة كانوا يعلمون معاني آيات الصفات لن العادة المطردة توجب اعتناء السلف‬
‫بالكتاب المنزل عليهم لفظا ومعنىّ ‪ ،‬فإن من قرأ كتابا في الطب والحساب وغير ذلك فلبد أن‬
‫تكون نفسه راغبة في فهمه وتصور معانيه ‪ ،‬فكيف بالذين قرءوا كتاب ال الذي به هداهم‬
‫وعرفهم الحق من الباطل ‪ ،‬فمن المعلوم أن رغبتهم في فهمه وتصور معانيه أعظم الرغبات بل‬
‫رغبة رسول ال ‪-‬صلىّ ال عليه وسلم‪ -‬في تعريفهم معاني القرآن أعظم من تعريفهم حروفه‪.3‬‬

‫‪ 1‬ينظر في هذا الدليل المجموع ‪16/412‬ـ ‪. 413‬‬


‫‪ 2‬ينظر مجموع ابن تيمية ‪. 16/414‬‬
‫‪ 3‬المصدر السابق ‪. 5/157‬‬

‫‪51‬‬
‫خلصة ماا تقدأم‪:‬‬

‫ل أن يقال هذه‬ ‫أن هذه الحجج الدامغة ‪ ،‬دافعة ل محالة ‪ ،‬هذه المقالة ‪ ،‬إلىّ الحضيض ‪ ،‬فلم يبق إ ل‬
‫النصوص المخبرة عن ال سواء قيل كلها أو بعضها ‪ ،‬معناها معلوم للراسخين في العلم ‪ ،‬ثإم ل‬
‫يخلو المر إما أن يقال ذلك المعنىّ هو ظاهرها وأنها صفات ل تعالىّ لئاقة به ‪ ،‬وإما أن يقال‬
‫بل معناها غير ذلك ول تدل علىّ صفات ال وهي طريقة التأويل‪.‬‬

‫* الدألة على بطلنا طريقة التأويل ‪:‬‬

‫ويدل علىّ بطلنها أدلة ‪:‬‬

‫الدأليل الول ‪:‬‬

‫أن قصد المتكلم من المخاطب حمل كلمه علىّ خلف ظاهره وحقيقته ينافي قصد البيان‬
‫والرشاد )وهو حقيقة التأويل( ‪ ،‬وقد وصف ال آياته بأنها بينات ‪ ،‬مبينات وقال }ول يأتونك‬
‫ل جئاناك بالحق وأحسن تفسيرا( ‪ ،‬فكيف يقال إن أعظم ما دل عليه القرآن مصروف عن‬ ‫بمثإل إ ل‬
‫ظاهره‪. 1‬‬

‫الدأليل الثاني ‪:‬‬

‫أن النبلي ‪-‬صلىّ ال عليه وسلم‪ -‬تل آيات التنزيل علىّ العام والخاص وتكلم بألفاظ كثإيرة في‬
‫هذا الباب للعلماء والعراب ‪ ،‬ولو كان ظاهره غير مراد لوجب أن يقترن بهذا كله ما يبين أن‬
‫ما أتلوه عليكم وأذكره لكم من النزول وإتيان الرب يوم القيامة ‪ ،‬والصابع ‪ ،‬وأن ال ليس‬
‫بأعور ‪ ،‬وأن يد ال ملى وبيده الخرى الميزان وإن ال كتب في كتاب عنده فوق العرش ‪،‬‬
‫وأني ل زلت اختلف بين ربي وموسىّ ليلة المعراج في شأن الصلة ‪.‬‬

‫أن ذلك كله ليس علىّ ظاهره ‪ ،‬وإياكم أن تعتقدوه علىّ ظاهره فلما علم أنه ‪-‬صلىّ ال عليه‬
‫وسلم‪ -‬لم ينطق قط بمثإل هذا لح أنه أراد أن يعتقد ظاهره مع التنزيه‪. 2‬‬

‫يزيده وضوحا‪ :‬أن النبلي ‪-‬صلىّ ال عليه وسلم‪ -‬كان يذكر أحاديث الصفات في المجامع ‪،‬‬
‫وعلىّ المنبر ‪ ،‬ولم يذكر مع ذلك ما يدل علىّ أنه يريد خلف الظاهر من أن هذه صفات ال‬
‫وأفعاله ‪ ،‬فمن ذلك ما رواه مسلم من حديث عبد ال بن عمر قال ‪ :‬رأيت رسول ال ‪-‬صلىّ ال‬
‫عليه وسلم‪ -‬علىّ المنبر وهو يقول يأخذ الجبار عز وجل سماواته وأرضه بيديه فيقول أنا ال ‪،‬‬
‫أنا الملك ‪ ،‬حتىّ نظرت إلىّ المنبر يتحرك من أسفل شيء منه ‪ ،‬حتىّ أني أقول أساقط هو‬

‫‪ 1‬ينظر مختصر الصواعق ص ‪. 38‬‬


‫‪ 2‬ينظر المجموع ‪ ،5/67‬وأضواء البيان ‪. 2/286‬‬

‫‪52‬‬
‫برسول ال ‪-‬صلىّ ال عليه وسلم‪. 1 -‬‬

‫ومن ذلك ما رواه مسلم أيضا من حديث جابر في ذكر حجة الوداع ‪ ،‬وفيه أن النبلي ‪-‬صلىّ ال‬
‫عليه وسلم‪ -‬قال‪) :‬وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب ال ‪ ،‬وأنتم تسألون‬
‫عني ‪ ،‬فما أنتم قائالون ‪ ،‬قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فقال بإصبعه السبابة ‪ ،‬يرفعها‬
‫إلىّ السماء وينكتها إلىّ الناس اللهم أشهــد ‪ ،‬اللهم اشهد (‪ ، 2‬وذكره اللهم فاشهد مع إشارته‬
‫إلىّ السماء في هذا المجمع العظيم ‪ ،‬في خطبة يوم عرفة ‪ ،‬الذي يحضره عوام المسلمين‬
‫وعلماؤهم ‪ ،‬مع عدم اقتران ذلك بما يصرف هذا الظاهر ‪ ،‬قاطع في إرادة الظاهر ‪.‬‬

‫الدأليل الثالث‪:‬‬

‫أن النبلي ‪-‬صلىّ ال عليه وسلم‪ -‬سأل بعض المؤمنين عن بعض ما يتعلق بهذا الباب فلما أجيب‬
‫ل علىّ صحة اليمان ومعلوم أن هذا قاطع في عدم‬ ‫بالثإبات سكت عن المجيب بل جعل ذلك دلي ل‬
‫إرادة خلف الظاهر ‪ ،‬ومن ذلك ما رواه مسلم عن عطاء بن الحكم السلمي ‪ ،‬وفي الحديث أنه‬
‫ضرب جارية له قال ‪ :‬فأتيت رسول ال ‪-‬صلىّ ال عليه وسلم‪ -‬فعظم ذلك عللىّ ‪ ،‬قلت يا‬
‫رسول ال أفل أعتقها ‪ ،‬قال ‪ :‬إئاتني بها ‪ ،‬فأتيته بها فقال‪ :‬أين ال؟ قالت في السماء ‪ ،‬قال من أنا‬
‫قالت أنت رسول ال قال أعتقها فإنها مؤمنة‪. 3‬‬

‫قال الذهبي بعد هذا الحديث )هذا حديث صحيح أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وغير واحد‬
‫من الئامة في مصنفاتهم يمرونه كما جاء ول يتعرضون له بتأويل ول تحريف ‪ ،‬وهكذا كل من‬
‫يسأل أين ال ؟ يبادر بفطرته ويقول في السماء ففي الخبر مسألتان ‪ :‬إحداهما شرعية قول‬
‫المسلم أين ال ؟ وثإانيهما قول المسؤول ‪ :‬في السماء ‪ ،‬فمن أنكر هاتين المسألتين فكأنما ينكر‬
‫علىّ المصطفىّ‪. 4‬‬

‫الدأليل الرابع ‪:‬‬

‫وهو إجماع السلف علىّ عدم تأويل هذه النصوص بل استثإناء شيء منها ‪ ،‬وقد تقدم ذكر ما يدل‬
‫علىّ أن هذا إجماع متيقن ‪ ،‬والجماع حجة قاطعة فيجب المصير إليه ‪ ،‬وقد اعترف أكابر أهل‬
‫التأويل أن السلف لم يؤولوا هذه الصفات لكنهم أرادوا بهذه المقالة أنهم ـ أي السلف ـ لم‬
‫يعينوا المراد مع اعتقادهم أن هذه النصوص ل تدل علىّ الصفات ‪ -‬أي النصوص التي توهم‬
‫التشبيه ‪ -‬وقد تقدم بطلنه ‪ ،‬أي بطلن زعم أهل التأويل هذا ‪.‬‬

‫غير أنه يستفاد من قول أهل التأويل هذا ‪ ،‬أن أحدا من السلف لم ينطق بلفظ يدل علىّ تأويل‬
‫نصوص الصفات باتفاق الفريقين ‪ ،‬وممن ذكر هذا عن السلف أمام الحرمين أبو المعالي في‬
‫النظامية ومنه قوله )فلو كان تأويل هذه الي ‪ ،‬والظواهر مسوغا أو محتوما لوشك أن يكون‬
‫اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة ‪ ،‬وإذا انصرم عصرهم وعصر التابعين علىّ‬

‫‪ 1‬رواه مسلم حديث رقم ‪2788‬وما بعده ‪.‬‬


‫‪ 2‬رواه مسلم حديث رقم ‪. 147‬‬
‫‪ 3‬رواه مسلم حديث رقم ‪. 573‬‬
‫‪ 4‬ينظر الذهبي مختصر العلو ص ‪. 81‬‬

‫‪53‬‬
‫الضراب عن التأويل كان ذلك قاطعا بأنه الوجه المتبع‪ ، 1‬وقال ابن حجر بعد أن ذكر قول أبي‬
‫المعالي هذا ) وقد تقدم النقل عن أهل العصر الثإالث وهم فقهاء المصار كالثإوري والليث ومن‬
‫عاصرهم وكذا من أخذ عنهم الئامة ‪ ،‬فكيف ل يوثإق بما اتفق عليه أهل القرون الثإلثإة وهم خير‬
‫القرون بشهادة صاحب الشريعة(‪. 2‬‬

‫الدأليل الخاماس ‪:‬‬

‫وهو أن التأويل قد صار إليه أهله ‪ ،‬لما قالوا إن ظاهر كثإير من نصوص الصفات هو التشبيه‬
‫والتجسيم فلبد من إرادة غير الظاهر ‪ ،‬وهذا يلزم منه أمور باطلة تدل علىّ أن هذا القول باطل‬
‫وهي ‪:‬‬

‫)‪ (1‬أن يكون ظاهر القرآن والسنة كفرا وضلل في مواضع كثإيرة ‪ ،‬وهذا ينافي بالهدى‬
‫والرحمة وشفاء الصدور في كثإير من اليات‪. 3‬‬

‫)‪ (2‬أن يكون الحق والصواب في هذا الباب العظيم لم يبين بيانا واضحا في القرآن‪ ،‬بل أريد من‬
‫العباد أن يفهموا خلف ظاهر كثإير من نصوصه من قوله )ليس كمثإله شيء ( كما زعموا ‪،‬‬
‫وهذا شبيه باللغاز ينافي وصف القرآن بأنه تبيان لكل شيء ‪.‬‬

‫)‪ (3‬أن يكون خطاب ال ورسوله في هذا الباب قد تنوع تنوعا كثإيرا بما ظاهره خلف الحق‬
‫وهذا واضح في مسألة العلو ‪ ،‬فقد جاء تارة بأنه }استوى علىّ العرش{ ‪ ،‬وتارة بأنه }القاهر فوق‬
‫عباده{ وتارة بأنه }العلي العلىّ{ ‪ ،‬وتارة )بأنه الملئاكة تعرج إليه( ‪ ،‬وتارة )بأن الكتاب ينزل‬
‫من عنده( ‪ ،‬وتارة )بأنه في السماء( ‪ ،‬وتارة )بأنه الظاهر الذي ليس فوقه شيء ( ‪ ،‬وتارة )بأن‬
‫النبلي عرج إليه وكلمه( ‪ ،‬وتارة ) بأن المؤمنين يرونه فوقهم يوم القيامة( ‪ ،‬وغير ذلك ‪ ،‬ثإم أريد‬
‫من العباد أل يعتقدوا أن ال فوق العالم بل يعتقدوا أنه ليس في شيء من الجهات ‪ ،‬ول داخل‬
‫العالم ول خارجه ول متصل به ول منفصل عنه ول يشار إليه بالشارة الحسية ‪ ،‬ول يأتي لفظ‬
‫صا ول ظاهرا علىّ هذه العقيدة بل يترك لكافة المؤمنين أن يعتقدوا ذلك من محض‬ ‫واحد يدل ن ل‬
‫عقولهم وقدرتهم علىّ استنباط ذلك من قوله )ليس كمثإله شيء ( ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫وكذلك يلزم أن يكون خطاب ال ورسوله استعمل فيه أسلوب التأكيد والعادة والتكرير علىّ‬
‫أمر ما ‪ ،‬ومع ذلك فهو فيما استعمل فيه هذه الساليب ليس علىّ ظاهره مثإل قوله }وكلم ال‬
‫موسىّ تكليما{ فإنه ليس علىّ ظاهره عند أهل التأويل أما المعتزلة فكلمه مخلوق وأما غيرهم‬
‫فكلم ال النفسي ل يسمع منه وإنما ألقي في روع موسىّ المعنىّ فليس الخطاب علىّ ظاهره‬
‫أيضا ‪.‬‬

‫ومثإل ذكر الستواء مرات عديدة علىّ العرش مادحا نفسه به في سبع مواضع من القرآن ‪،‬‬

‫‪ 1‬النظامية ص ‪. 33‬‬
‫‪ 2‬فتح الباري ‪13/406‬ـ ‪ ، 407‬وانظر ما نقل عن الئامة المذكورين ‪ ،‬وقوله بشهادة صاحب الشريعة‬
‫يقصد بذلك حديث ) خير الناس قرني ‪ ،‬ثإم الذين يلونهم ‪ ،‬ثإم الذين يلونهم ‪ ..‬الحديث ( رواه البخاري ‪،‬‬
‫ينظر فتح الباري ‪. 5/259‬‬
‫‪ 3‬ينظر أضواء البيان ‪. 2/285‬‬
‫‪ 4‬ينظر في هذا الدليل مختصر الصواعق المرسلة ص ‪41‬ـ ‪. 46‬‬

‫‪54‬‬
‫فيلزم إذا قيل بعدم إرادة الظاهر أن يكون الخطاب أكد وأعيد وكرر علىّ ظاهر غير مقصود‬
‫وهذا يلزم منه نسبة التلبيس إلىّ الكتاب والسنة وهذا من أعظم الباطل ‪.‬‬

‫الدأليل السإادأس ‪:‬‬

‫وهو أن عقيدة السلم سهلة ‪ ،‬يمكن لدنىّ الناس علما أن يفهمها والقول بتأويل هذه النصوص‬
‫يعكس المر ‪ ،‬فإنه ل عسر علىّ المة من أن يراد منهم ‪ ،‬أن يفهموا كونه سبحانه ل داخل‬
‫العالم ‪ ،‬ول خارجه ‪ ،‬ول متصل به ‪ ،‬ول منفص ل‬
‫ل عنه ‪ ،‬ول مباينا ‪ ،‬ول محايثإا له ‪ ،‬ول يرى‬
‫بالبصار عيانا ‪ ،‬ول له يد ‪ ،‬ول وجه ‪ ،‬مع كثإرة النصوص التي ظاهرها خلف هذا ‪ ،‬يفهموا‬
‫ذلك كله من قوله }قل هو ال أحد{ ‪} ،‬ليس كمثإله شيء{ ‪. 1‬‬

‫الدأليل السإابع ‪:‬‬

‫أن القول بالتأويل وأن نصوص الصفات علىّ خلف ظاهرها يفتح باب الزندقة واللحاد ‪ ،‬وذلك‬
‫أن الزنادقة سيحتجون بجواز تأويل نصوص الصفات علىّ جواز تأويل نصوص المعاد وأنها‬
‫علىّ خلف ظاهرها‪ 2‬فيقولون المقصود بنصوص الحشر التمثإيل لما يحصل للروح من نعيم من‬
‫دون الجسد ‪ ،‬إن كانوا ممن ينكر حشر الجساد ‪.‬‬

‫أو يقولون باطن هذه النصوص ل يدل علىّ المعاد وإنما قصد بالظاهر تمثإيل ما يحصل للروح‬
‫من نعيم في أجساد أخرى ‪ ،‬إن كانوا ممن يقول بالتناسخ إلىّ غير ذلك من دهاليز الزندقة ‪.‬‬

‫ولما ظهر مضمون هذين الدليلين لبعض من تجرد لما يسمىّ بعلم النظر ‪ ،‬وتبين له أن القول‬
‫بتأويل ظواهر بعض النصوص المقتضية للتشبيه عنده ‪ ،‬يجعل العتقاد عسيرا علىّ المة ن‬
‫وقد يؤدي إلىّ فسادهم ‪ ،‬قال وهو السعد التفتازاني في شرح المقاصد ‪ ) :‬فإن قيل إذا كان الدين‬
‫الحق نفي الجهة والحيز ‪ ،‬فما بال الكتب السماوية والحاديث النبوية مشعرة في مواضع ل‬
‫تحصىّ بثإبوت ذلك من غير أن يقع في موضع واحد منها تصريح بنفي ذلك وتحقيق‪ 3‬كما‬
‫كررت الدللة علىّ وجود الصانع ووحدته وعلمه وقدرته وحقيقة المعاد وحشر الجساد في عدة‬
‫مواضع ‪ ،‬وأكد غاية التأكيد مع أن هذا أيضا حقيق بغاية التأكيد ‪ ،‬والتحقيق ‪ ،‬كما تقرر في‬
‫فطرة العقلء مع اختلف الديان والراء من التوجه إلىّ العلو عند الدعاء ومد اليدي إلىّ‬
‫السماء ؟ أجيب ‪ :‬بأنه لما كان التنزيه عن الجهة مما تقصر عنه عقول العامة ‪ ،‬حتىّ تكاد تجزم‬
‫بنفي ما ليس في جهة ‪ ،‬كان النسب في خطابهم والقرب إلىّ صلحهم ‪ ،‬والليق إلىّ دعوتهم‬
‫الحق ‪ ،‬ما يكون ظاهرا في التشبيه ‪ ،‬وكون الصانع في أشرف الجهات مع تنبيهات دقيقة علىّ‬
‫التنزيه المطلق عما هو من سمة الحدوث(‪. 4‬‬

‫فلينظر العاقل بعد هذا ‪ ،‬ما الذي أدى إليه جعل ظواهر الشريعة تقتضي التشبيه ‪ ،‬ثإم تسليط‬
‫التأويل عليها من شبه القرمطة وعقائاد الباطنية ‪ ،‬وانظر كيف صرح هذا المام في علم الكلم‬
‫أن بعض ما يدل علىّ التأويل ل يصلح لجمهور أمة السلم ‪.‬‬
‫‪ 1‬ينظر في هذا الدليل مختصر الصواعق ص ‪. 46‬‬
‫‪ 2‬ينظر مجموع ابن تيمية ‪5/32‬ـ ‪. 33‬‬
‫‪ 3‬كذا بالصل ‪.‬‬
‫‪ 4‬نقل عن التنكيل للمعلمي ‪. 2/357‬‬

‫‪55‬‬
‫وقوله ) مع تنبيهات دقيقة علىّ التنزيه المطلق ( هو معنىّ اللغاز وهو غير لئاق بالقرآن‬
‫الموصوف بأعلىّ درجات البيان كما تقدم في الدليل الخامس ‪.‬‬

‫وكلما ازداد الرجل مما يسمىّ بعلم النظر‪ ،‬زاد توغ ل‬


‫ل في هذا الخطر ‪ ،‬كما صنع ابن رشد الذي‬
‫زعم )أن الشريعة قسمان ظاهر ومؤول وأن الظاهر فرض الجمهور والمؤول هو فرض‬
‫العلماء ‪ ...‬ول يحل أن يفصحوا بتأويله ‪ -‬أي الظاهر ‪ -‬للجمهور(‪. 1‬‬

‫ثإم زعم أن أكثإر ظواهر اليات ونصوص الصفات يجب إلقائاها إلىّ الجمهور ‪ ،‬وإن اقتضت‬
‫‪3‬‬
‫التجسيم علىّ زعمه خوفا عليهــم من التعطيل‪ ، 2‬ولنهم يعسر عليهم فهم دليل نفي الجسمية‬
‫‪ ،‬ولئال يسلك الشك إلىّ قلوبهم في أمر المعاد‪ ، 4‬ثإم لما ذكر بعض النصوص التي ادعي أنها‬
‫تقتضي الجسمية )كاطلع الباري إلىّ أهل المحشر ( وأنه هو الذي يتولىّ حسابهم وحديث‬
‫ل يصرح للجمهور بما يؤول إلىّ إبطال هذه الظواهر فإن تأثإيرها‬ ‫النزول والرؤية قال )فيجب إ ل‬
‫في نفوس الجمهور إنما هو إذا حملت علىّ ظاهرها ‪ ،‬وأما إذا ألولت فإنما يؤول المر فيها إلىّ‬
‫أحد أمرين ‪ :‬إما أن يسلط التأويل علىّ هذه وأشباه هذه في الشريعة فتتمزق الشريعة كلها ‪...‬‬
‫وإما أن يقال في هذه كلها إنها من المتشابهات ‪ ،‬وهذا كله إبطال للشريعة محولها من النفوس‬
‫من غير أن يشعر الفاعل لذلك بعظيم ما جناه علـىّ الشريعة(‪. 5‬‬

‫فهذا تصريح من هذين المامين فيما يسمىّ بصناعة البرهان ‪ ،‬أن التأويل ‪ ،‬يجعل بعض عقيدة‬
‫السلم عسيرا علىّ المة ‪ ،‬وقد يؤدي إلىّ هتك الدين كله ‪ ،‬واستدل بذلك علىّ أن الواجب‬
‫إظهار خلف الحق لهم وعدم إلقاء التأويل إليهم ‪ ،‬والحق أن الولىّ أن يستدل به علىّ بطلن‬
‫التأويل ‪ ،‬إذ كيف يكون الحق الذي جاء به الرسول فيما يجب ل ويستحيل ل يناسب فطرة العباد‬
‫‪ ،‬فهذا ما جناه التأويل علىّ الدين ‪.‬‬

‫الدأليل الثامانا ‪:‬‬

‫أن القول بتأويل نصوص الصفات ل يخلو المر فيه ‪:‬‬

‫إما أن يقال بتأويلها كلها أو بعضها ‪ ،‬ولريب أن القول بتأويلها كلها وأن ال أراد بذكر صفة‬
‫العلم والسمع والبصر ‪ ،‬والحياة وكل ما وصف به نفسه خلف الظاهر ‪ ،‬من أبطل الباطل‬
‫وأعظم الفتراء علىّ الشريعة ‪.‬‬

‫ل أن يقال بتأويل بعضها وهو تحكم محض إذ العلة التي أوجبت تأويل الكل ل زالت‬ ‫فلم يبق إ ل‬
‫في البعض وهو اقتضاء التجسيم ‪ ،‬ول يستطيع صاحب التفريق أن يأتي بحجة مستقيمة عليه ‪،‬‬
‫فإن قال لن هذه التي أوجبت فيها التأويل توجب التشبيه ‪ ،‬والتجسيم قال منازعن الذي يؤول‬
‫الكل وكذلك السمع والبصر والكلم يوجب التجسيم وإذا بطل القسمان ‪ ،‬بطل القول بتأويل‬

‫‪ 1‬ينظر مناهج الدلة في عقائاد الملة ص ‪. 133‬‬


‫‪ 2‬المصدر السابق ص ‪. 171‬‬
‫‪ 3‬المصدر السابق ‪. 170‬‬
‫‪ 4‬المصدر السابق ‪. 172‬‬
‫‪ 5‬المصدر السابق ‪172‬ـ ‪. 173‬‬

‫‪56‬‬
‫الصفات‪. 1‬‬

‫الدأليل التاسإع‪:‬‬

‫وهو أن تأويل الصفات في أكثإر النصوص ‪ ،‬ل يخرجها إ ل‬


‫ل إلىّ معنىّ يحتاج إلىّ تأويل آخر‬
‫بالنظر الدليل الذي أوجب التأويل الول ‪ ،‬فمن ذلك تأويل الرحمة بالرادة ‪ ،‬لن ظاهر الرحمة‬
‫رقة في القلب ‪ ،‬فإن الرادة كذلك ينبغي أن تحتاج إلىّ تأويل لنها ميل القلب إلىّ الشي وكلهما‬
‫يقتضي التشبيه ‪ ،‬ومن ذلك تأويل اليد بالقدرة ‪ ،‬كلهما يوصف به الخالق والمخلوق ‪ ،‬فإذا قيل‬
‫الرادة والقدرة يوصف بها الخالق علىّ ما يناسب ذاته والمخلوق كذلك بما يناسب نقصه ‪ ،‬مع‬
‫تشابه الطلقين فيهما فلماذا ل يقال كذلك بالرحمة واليد وغيرهما يوصف ال بهما ول يوجب‬
‫ل علىّ بطلنه‪. 2‬‬‫ل تحريف النص كان هذا دلي ل‬ ‫ذلك تشبيها فإذا كان التأويل ل يصنع شيئاا إ ل‬

‫الدأليل العاشر ‪:‬‬

‫أن التأويل لو كان حقا وأن ظاهر النصوص غير مراد ‪ ،‬بل هي من باب المجاز للزم من ذلك‬
‫جوار نفيها عند الطلق فيقال ليس بحي ‪ ،‬ول قدير ‪ ،‬ول عليم ‪ ،‬ول سميع ‪ ،‬وكذلك يقال ل‬
‫يحب ‪ ،‬ول يرحم ‪ ،‬ول يرضىّ ن ولم يستو ‪ ،‬ومعلوم أنه ل يجوز إطلق النفي علىّ ما أثإبته ال‬
‫‪ ،‬وإذا كان الملزوم باطل فاللزم باطل‪. 3‬‬

‫خلصة ماا تقدأم‪:‬‬

‫والخلصة أن هذه الدلة العشرة واضحة في بيان بطلن تأويل نصوص الصفات ‪ ،‬وهي مع ما‬
‫تقدم من أدلة بطلن التفويض فيها ل تدع ريبا في صحة طريقة في نصوص الصفات ‪.‬‬

‫وقد استدل أهل التأويل بأدلة وهي أقرب إلىّ الشبهات منها إلىّ الحجج ‪ ،‬ولذا لم تذكر علىّ سبيل‬
‫المقارنة مع أدلة الطريقة السلفية ‪ ،‬وقد جعلوها عمدتهم في ادعاء أن نصوص الصفات من‬
‫المتشابه الذي يجب صرفه عن ظاهره بالتأويل وإنه ينبغي ذكرها والجواب عنها ليتبين بذلك‬
‫العلقة الصحيحة التي بين نصوص الصفات والمتشابه ‪ ،‬وهو موضوع المبحث الثإالث‪.‬‬

‫انتهى الجزء الوأل‬

‫‪ 1‬ينظر في هذا الدليل مختصر الصواعق ص ‪18‬ـ ‪ ، 19‬وأضواء البيان للشنقيطي ‪2/275‬ـ ‪. (276‬‬
‫‪ 2‬ينظر في هذا الدليل مختصر الصواعق ص ‪22‬ـ ‪ ،23‬ومجموع فتاوى ابن تيمية ‪. 3/26‬‬
‫‪ 3‬ينظر مجموع فتاوى ابن تيمية ‪. 5/197‬‬

‫‪57‬‬
‫قائمة المحتويات‬

‫‪ -‬الماقدأماة ‪ ...................................................................‬ص ‪2‬‬

‫‪ -‬الفصل الول ‪ :‬أقوال الطوائف السإلماية في صفات ال تعالى والقول الصحيح مانها والدألة‬
‫على صحة وبطلنا ماا سإواه ‪ ..........................................‬ص ‪3‬‬

‫‪ -‬الماطلب الول ‪ :‬أقوال الطوائف في صفات ال تعالى ‪ ...................‬ص ‪4‬‬

‫‪ -‬القول الول ‪ .........................................................‬ص ‪4‬‬

‫‪ -‬القول الثاني ‪ ........................................................‬ص ‪4‬‬

‫‪ -‬القول الثالث ‪ ........................................................‬ص ‪7‬‬

‫‪ -‬الماطلب الثاني ‪ :‬تحقيق القول الصحيح في هذا الباب وبيانا أسإباب الخطأ في نسإبة‬
‫ماذهب السإلف الصحيح إليهم ‪ ..........................................‬ص ‪11‬‬

‫‪ -‬أضراب أقوال السإلف في الصفات ‪ ..................................‬ص ‪11‬‬

‫‪ -‬الضرب الول ‪ .....................................................‬ص ‪12‬‬

‫‪ -‬الضرب الثاني ‪ ....................................................‬ص ‪14‬‬

‫‪ -‬الضرب الثالث ‪ ....................................................‬ص ‪15‬‬

‫‪ -‬الخلصة ‪ ..........................................................‬ص ‪17‬‬

‫‪ -‬الردأ على مانا زعم أنا السإلف كانوا ل يعبرونا عنا ماعاني نصوص الصفات بغير‬
‫تلوتها الماجردأة لأنهم لم يكونوا يفهماونا مانها شيئا ‪ ...................‬ص ‪18‬‬

‫‪ -‬أسإباب الخطأ في نقل ماذهب السإلف ‪ .................................‬ص ‪22‬‬

‫‪58‬‬
‫‪ -‬تنبيهات ماهماة جدأا ‪ ..................................................‬ص ‪28‬‬

‫‪ -‬التنبيه الول ‪ ......................................................‬ص ‪28‬‬

‫‪ -‬التنبيه الثاني ‪ .....................................................‬ص ‪30‬‬

‫‪ -‬ذكر أسإباب الخطأ في السإتدألل بالنصوص على صفات ال تعالى ص ‪31‬‬

‫‪ -‬التنبيه الثالث ‪ .....................................................‬ص ‪37‬‬

‫‪ -‬وقفة ماهماة تحل إشكالت كثيرة ‪ ......................................‬ص ‪39‬‬

‫‪ -‬الماطلب الثالث ‪ :‬الدألة على صحة ماذهب السإلف في الصفات وإبطال ماذهبي المافوضة‬
‫والماؤولة ‪ .........................................................‬ص ‪48‬‬

‫‪ -‬الدألة على صحة ماذهب السإلف ‪ ......................................‬ص ‪49‬‬

‫‪ -‬الدألة على بطلنا طريقة التأويل ‪ .....................................‬ص ‪54‬‬

‫‪59‬‬

You might also like