You are on page 1of 10

‫احلوار‬

‫يف القرآن الكرمي والسنة النبوية‬

‫إعداد‬
‫ناصر بن سعيد بن سيف السيف‬
‫غفر اهلل له ولوالديه ومجيع املسلمني‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬
‫إن احلمد هلل حنمده ‪ ،‬ونستعينه ‪ ،‬ونستهديه ‪ ،‬ونعوذ به من شرور أنفسنا ‪ ،‬ومن سيئات‬
‫أعمالنا ‪ ،‬من يهده اهلل فال مضل له ‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له ‪ ،‬وأشهد أن ال إله اهلل وحده‬
‫الشريك له ‪ ،‬وأشهد أن حممداً عبده ورسوله ‪ ،‬أما بعد‬
‫فإن املتأمل يف الوحي العظيم – القرآن الكرمي والسنة النبوية ‪ -‬الذي ال تفىن عجائبه‬
‫والتنقضي آياته‪ ،‬وال ختتلف دالالته‪ ،‬يعلم أنه كلما ازدادت البصائر فيه تأمالً وتفكرياً‪ ،‬زادها‬
‫هداية وتبصرياً‪ ،‬وكلما جبست من معينه فجر هلا ينابيع احلكمة تفجرياً‪ ،‬ومن اقرتب من ساحله‪،‬‬
‫واستظل يف ظله جيد حجة الوحي هي أقوى احلجج‪ ،‬وأساليب الوحي هي أعظم األساليب ومن‬
‫أمهها أسلوب احلور‪)1( .‬‬

‫وهذذذا الب ذذخ امل تصذذر مذذل الشذذي اليسذذري حذذوا هذذذا املوضذذو املهذذم يف حيذذاا السذذلم وكتبتذذه‬
‫حتت عنوان ‪( :‬احلوار يف القرآن الكرمي والسنة النبوية) ‪ ،‬وقد قسمت الب خ إىل مخسة مباحخ ‪:‬‬
‫املب خ األوا ‪ :‬تعريف احلوار لغة واصطالحاً‪.‬‬
‫املب خ الثاين ‪ :‬احلوار يف القرآن الكرمي‪.‬‬
‫املب خ الثالخ ‪ :‬احلوار يف السنة النبوية‪.‬‬
‫املب خ الرابع ‪ :‬أصوا احلوار‪.‬‬
‫املب خ اخلامس ‪ :‬آداب احلوار‪.‬‬
‫نسأا اهلل العلي القدير التوفيق والسداد ‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على نبينا حممد وعلى آله‬
‫وص به أمجعني‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬احلوار يف اإلسالم ‪ ،‬عبداهلل القاسم ‪ ،‬ص‪.2‬‬


‫‪2‬‬
‫املبحث األول‬
‫تعريف احلوار لغة واصطالحا‬
‫تعريف احلوار لغة ‪:‬‬
‫أصله من احلور وهو الرجو عذن الشذي وإىل الشذي ‪ ،‬وهذم يت ذاورون أي يرتاجعذون الكذالم‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫واحملاورا مراجعة املنطق والكالم يف امل اطبة‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫واحملاورا واحلوار املراددا يف الكالم ومنه الت اور‪.‬‬
‫تعريف احلوار اصطالحا ‪:‬‬
‫مراجعة الكالم وتداولذه بذني طذرفني‪ ،‬وعرفذه بعضذهم بأنذه نذو يف احلذديخ بذني ش صذني‪ ،‬أو‬
‫فريقني يتم فيه تداوا الكذالم بينهمذا بطريقذة متكافئذة‪ ،‬فذال يسذتأمهر أحذدمها دون البذر ويغلذب عليذه‬
‫أساليبه‪)3(.‬‬‫اهلدو والبعد عن اخلصومة والتعصب‪ ،‬وهو ضرب من األدب الرفيع وأسلوب من‬
‫والفرق بني احلوار واجلداا هو أن اجلداا شدا يف الكالم‪ ،‬مذع التمسذك بذالرأي والتعصذب لذه‬
‫‪ ،‬وأما احلوار فهو جمرد مراجعة الكالم بني الطرفني دون وجود بصذومة بالضذرورا‪ ،‬بذل الغالذب عليذه‬
‫التعصب‪)4(.‬‬
‫اهلدو والبعد عن‬
‫وفذذرق بذذني احل ذوار واملنذذاظرا بذذأن املنذذاظرا أدا علذذى النظذذر والتفكذذر‪ ،‬واحل ذوار أدا علذذى مراجعذذة‬
‫الكالم وتداوله‪)5(.‬‬

‫والذذي يظهذذر ن أن الفذذرق اعتبذذاري يرجذذع إىل ظهذور وشذذهرا بعذذط املصذذطل ات يف زمذذن دون‬
‫آبذذر‪ ،‬فقذذد سذذاد يف عصذذر مذذن العصذذور مصذذطل املنذذاظرا يف كذذل ذذخ بذذني امهنذذني يف مسذذألة علميذذة‪،‬‬
‫حىت ال تكاد جتذد مصذطل احلذوار عنذد املتقذدمني‪ ،‬سذاد يف هذذا العصذر مصذطل احلذكوار يف ذلذك‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪.218/4 ،‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬القاموس احمليط‪ ،‬الفريوز آبادي‪.486/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬احلوار آدابه وضوابطه يف ضو الكتاب والسنة‪ ،‬ىي زمزمي‪ ،‬ص‪.22‬‬
‫(‪ )5‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫(‪ )6‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪3‬‬
‫غريه‪)1( .‬‬ ‫املعىن بعينه حىت ال تكاد تسمع‬
‫املبحث الثاين‬
‫احلوار يف القرآن الكرمي‬

‫عذذل القذذرآن الكذذرمي عنايذذة بالغ ذذة بذذاحلوار‪ ،‬وذلذذك أمذذر ال غرابذذة في ذذه أبذذداً‪ ،‬فذذاحلوار هذذو الطري ذذق‬
‫األمثذذل لاقنذذا ‪ ،‬الذذذي ينبذذع مذذن أعمذذاق صذذاحبه‪ ،‬واالقتنذذا هذذو أسذذاس اإل ذذان الذذذي ال كذذن أن‬
‫يفذر وإاذا ينبذع مذذن دابذل اإلنسذان‪ ،‬وقذدم لنذذا القذرآن الكذرمي اذاذ كثذذريا مذن احلذوار‪ ،‬منهذا مذذا دار‬
‫ب ذذني إبذ ذراهيم علي ذذه الص ذذالا والس ذذالم وب ذذني الرج ذذل ال ذذذي آت ذذاه اهلل املل ذذك (‪ ، )2‬وقص ذذة موس ذذى علي ذذه‬
‫السذذالم‪ ،‬حيذذخ طلذذب مذذن ربذذه أن يسذذم لذذه بر يتذذه(‪ ،)3‬وقصذذة عيسذذى عليذذه السذذالم ‪ ،‬إذ سذذأله ربذذه‬
‫عم ذذا إذا ك ذذان طل ذذب م ذذن الن ذذاس أن يت ذذذوه وأم ذذه إهل ذذني م ذذن دون اهلل تع ذذاىل(‪ ، )4‬وقص ذذة أصذ ذ اب‬
‫اجلنتني (‪ ،)5‬وقصذة قذارون مذع قومذه(‪ ،)6‬وقصذة داود عليذه السذالم مذع اخلصذمني(‪ ،)7‬وقصذة نذوع عليذه‬
‫السالم مع قومه(‪ ،)8‬وقصة ابل آدم(‪ ،)9‬وقصة موسى عليه السالم مع العبد الصاحل(‪.)10‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬آداب احلوار (دراسة تأصيلية)‪ ،‬حممد سعد اليويب‪ ،‬ص ‪.153‬‬
‫(‪ )2‬سورا البقرا‪ ،‬آية ‪.259-258‬‬
‫(‪ )3‬سورا األعراف‪ ،‬آية ‪.143‬‬
‫(‪ )4‬سورا املائدا‪ ،‬آية ‪.116‬‬
‫(‪ )5‬سورا الكهف‪ ،‬آية ‪.18‬‬
‫(‪ )6‬سورا القصص‪ ،‬آية ‪.76‬‬
‫(‪ )7‬سورا ص‪ ،‬آية‪.21‬‬
‫(‪ )8‬سورا األعراف‪ ،‬آية ‪.59‬‬
‫(‪ )9‬سورا املائدا‪ ،‬آية ‪.27‬‬
‫(‪ )10‬سورا الكهف‪ ،‬آية ‪.65‬‬
‫‪4‬‬
‫ومذذن اطلذذع علذذى هذذذه النمذذاذ وغريهذذا يتأكذذد لذذه أن القذذرآن الكذذرمي يعتمذذد اعتمذذاداًكب ذرياً علذذى‬
‫أسذذلوب احل ذوار يف توضذذي املواقذذف‪ ،‬وجذذال احلقذذائق ‪ ،‬وهداي ذذة العق ذذل وحتري ذذك الوج ذذدان‪ ،‬والت ذذدر‬
‫(‪)1‬‬
‫باحلجة احرتاماً لكرامة اإلنسان وإعال لشأن عقله الذي ينبغي أن يقتنع على بينة ونور‪.‬‬

‫املبحث الثالث‬
‫احلوار يف السنة النبوية‬

‫حممدا صلى اهلل عليه وسلم‬


‫أن ً‬ ‫درك َّ‬
‫املتأمل لسريا الرسوا صلى اهلل عليه وسلم بإنصاف لَيُ ُ‬
‫هو رسوا اهلل حقًّا وصدقًا ؛ ألنه ال ُ كن إلنسان أن جيمع يف حياته وسلوكياته بالصة الفضائل‬
‫وحى إليه‪ ،‬وكل‬
‫معصوما يُ َ‬
‫ً‬ ‫وقمة الوسائل البشرية يف التعامل مع الناس إالَّ أن يكون نبيًّا‬
‫اإلنسانية‪َ ،‬‬
‫مت ص ص وببري يف جماله يستطيع أن ينهل من معني حياا رسوا اهلل صلى اهلل عليه وسلم؛‬
‫فالداعية املصل سيجد بُغيته‪ ،‬والسياسي سيتعلَّم ً‬
‫دروسا بليغة‪ ،‬والقائد العسكري سيناا مطلبه‪،‬‬
‫والطبيب النفسي سيتعلَّم من رسوا اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وكيف ال ؟ وقد قاا اهلل عز وجل‪:‬‬
‫هللا أُسوةٌ حسنةٌ ليمن َكا َن ي رجو هللا والْي وم ي‬
‫اآلخ َر‪ ،)2( ‬وكذلك كان‬ ‫ول ي‬ ‫‪‬لََق ْد َكا َن لَ ُكم ييف ر ُس ي‬
‫َْ ُ َ َ َ ْ َ‬ ‫ْ َ َ ََ َ ْ‬ ‫ْ َ‬
‫الرسوا صلى اهلل عليه وسلم أفضل َم كن است دم احلوار على اإلطالق؛ فهو صلى اهلل عليه وسلم‬
‫يعلم وظيفة احلوار‪ ،‬وفوائده‪ ،‬وأسا ليبه‪ ،‬وآدابه‪ ،‬وفنونه‪ ،‬وقد مارسها صلى اهلل عليه وسلم على‬
‫حد‬
‫أحسن ما يكون طواا حياته مع املسلم والكافر‪ ،‬مع الرجل واملرأا‪ ،‬مع الشيخ والطفل على ٍّ‬
‫سوا ‪)3( .‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬أصوا احلوار‪ ،‬الندوا العاملية للشباب اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫(‪ )2‬سورا األحزاب‪ ،‬آية ‪.21‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬احلوار آدابه وضوابطه يف ضو الكتاب والسنة‪ ،‬ىي زمزمي‪ ،‬ص‪.32‬‬
‫‪5‬‬
‫وقد كان رسوا اهلل صلى اهلل عليه وسلم يست دم احلوار كوسيلة للتواصل والرتاحم مع‬
‫البرين ‪ ،‬وجند يف سريته صلى اهلل عليه وسلم ااذ كثريا متنوعة لل وار ‪ ،‬وترد يف أشكاا شىت‬
‫لتقدم لنا الدروس اليت سن بنا االنتفا هبا ‪ ،‬منها ‪:‬‬

‫‪ .1‬روى أب ذذو أمام ذذة أن غالم ذاً ش ذذاباً أت ذذى الن ذ ‪ ‬فقذذاا ل ذذه ي ذذا ن ذ اهلل أت ذذأذن ن يف الزن ذذا؟ فص ذذاع‬
‫الن ذذاس ب ذذه‪ ،‬فق ذذاا النذ ذ ‪ ‬قرب ذذوه‪ ،‬ادن‪ ،‬ف ذذدنا ح ذذىت جل ذذس بذ ذني يدي ذذه‪ ،‬فق ذذاا النذ ذ ‪ :‬أحتب ذذه‬
‫ألم ذذك؟ ق ذذاا‪ :‬ال جعل ذذل اهلل ف ذذداك‪ ،‬ق ذذاا ك ذذذلك الن ذذاس ال بون ذذه ألمه ذذا م‪ .‬أحتب ذذه البنت ذذك؟‬
‫قذذاا‪ :‬ال جعلذذل اهلل فذذداك‪ ،‬قذذاا‪ :‬كذذذلك النذذاس ال بون ذذه لبن ذذا م‪ ،‬أحتبذذه ألبتذذك؟ ق ذذاا‪ :‬ال‬
‫جعل ذذل اهلل ف ذذداك‪ ،‬ق ذذاا‪ :‬ك ذذذلك الن ذذاس ال بون ذذه ألب ذوا م‪ ،‬فوض ذذع رس ذذوا اهلل ‪ ‬ي ذذده عل ذذى‬
‫صذذدره وقذذاا‪ :‬اللهذذم طهذذر قلبذذه‪ ،‬واغفذذر ذنبذذه‪ ،‬وحصذذن فرجذذه‪ ،‬فلذذم يكذذن شذذي أبغذذط إليذذه مذذن‬
‫الزنا‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫‪ .2‬وجذذا يهذذودي إىل الن ذ ‪ ‬خيتذذد صذذدقه يف الذذدعوا وقذذد ابتذذا منذذه ه ذراً إىل أجذذل‪ ،‬فطالبذذه قبذذل‬
‫حلوا األجل مغلظاً له يف القوا وسط القوم‪ ،‬فكان قوله‪ :‬إنكم يا بل عبذداملطلب قذوم مطذل‪،‬‬
‫فهذم بذذه عمذذر رضذذي اهلل عنذذه فمنعذه الرسذذوا ‪ ‬وقذذاا لذذه يذذا عمذر‪ :‬أنذذا وهذذو كنذذا أحذذو منذذك إىل‬
‫غ ذذري ه ذذذا‪ ،‬أن ت ذذأمرين س ذذن األدا ‪ ،‬وت ذذأمره س ذذن االقتض ذذا ‪ ،‬أم ذذر بإعطائ ذذه حق ذذه وزيذ ذذادا‬
‫عشرين صاعا يف مقابل ترويع عمر له‪ ،‬فلم يسع اليهودي إال إعالن إسالمه‪)2( .‬‬
‫ً‬
‫‪ .3‬وأتذذى رجذذل أنكذذر ولذذده إىل رسذذوا اهلل ‪ ‬فقذذاا يذذا رسذذوا اهلل إن ام ذرأال ولذذدت غالم ذاً أسذذود‪،‬‬
‫فقذذاا رسذذوا اهلل ‪ :‬هذذل لذذك يف إبذذل؟ قذذاا‪ :‬نعذذم‪ ،‬قذذاا‪ :‬مذذا لواذذا؟ قذذاا‪ :‬ذذر‪ ،‬قذذاا‪ :‬فيهذذا مذذن‬
‫أورق؟ قذذاا‪ :‬نعذذم‪ ،‬قذذاا‪ :‬أيذذن ذلذذك؟ قذذاا‪ :‬لعذذل عرق ذاً نزعذذه‪ ،‬فقذذاا رسذذوا اهلل ‪ :‬وهذذذا الغذذالم‬
‫(‪)3‬‬
‫لعل عرقاً نزعه‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه اإلمام أ د يف مسنده‪.‬‬


‫(‪ )2‬ذكره اهليثمي يف جممع الزوائد‪.‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫الرابع‬
‫أصول احلوار‬

‫هن ذذاك ت ذذدابالً بينذ ذاً‪ ،‬وتقاربذ ذاً ب ذذني األص ذذوا والداب‪ ،‬فق ذذد يك ذذون يف األص ذذوا م ذذا هذ ذو أدب‬
‫يسذذاعد يف إجنذذاع احلذوار(‪ ،)1‬ولذذذلك فذذإن اإلشذذارا هنذذا إىل بعذذط األصذذوا املهمذذة‪ ،‬وأتذذرك بقيتهذذا يف‬
‫مب خ آبر عن آداب احلوار ‪ ،‬ومن أصوا احلوار اهلامة ‪:‬‬
‫األص األول‪ :‬أن يذراد بذذاحلوار وجذه اهلل تعذاىل‪ ،‬أي إظهذذار احلذق والوصذوا إليذذه‪ ،‬وهذذه الرغبذذة‬
‫جيذب أن تكذذون موجذودا عنذذد الطذرفني ال أن تكذذون الغايذة جمذذرد الغلبذة والظهذذور‪ .‬واملقصذود يف ذلذذك‬
‫أن يكون احلذوار بريئذاً مذن التعصذب‪ ،‬بالصذاً لطلذب احلذق‪ ،‬باليذاً مذن العنذف واالنفعذاا‪ ،‬بعيذداً عمذا‬
‫يفسد القلوب ويهيج النفوس‪)2( .‬‬

‫األص الث اين‪ :‬العلذذم‪ ،‬البذذد للم ذذاور أن يكذذون عامل ذاً باملسذذألة الذذيت يريذذد أن ذذاور فيهذذا‪ ،‬فذذال‬
‫جيذذوز لانسذذان أن يذذدبل سذذاحة احلذوار قبذذل أن يسذذتكمل أدواتذذه العلميذذة والعقليذذة‪ .‬فموضذذو احلذوار‬
‫والعلذذم بتفاصذذيله‪ ،‬والتسذذل بذذاحلجج والداهذذني املحيذذدا لذذه سذذالع فعذاا يف يذذد احملذذاور النذذاج ‪ ،‬كنذذه‬
‫كة‪)3(.‬‬
‫ر‬ ‫من الوقوف على أر مهابتة‪ ،‬وليس رماا مت‬
‫األص الثال ث‪ :‬أن يكذذون هنذذاك تكذذافح بذذني املت ذذاورين‪ ،‬أي أن يكونذذا متقذذاربني مذذن الناحيذذة‬
‫العلميذذة والثقافيذذة‪ ،‬ويف العقذذل والفهذذم‪ ،‬وإال فذذإن الغلبذذة سذذتكون للجاهذذل ‪ ،‬ويف ذلذذك يقذذوا اإلمذذام‬
‫الشافعي ‪( :‬ما ناظرت عاملا إال غلبته‪ ،‬وما ناظرين جاهال غال غلبل)‪)4( .‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫األص الراب ع‪ :‬حتديذذد موضذذو احلذوار ونقطذذة االبذذتالف‪ ،‬فقذذد خيتلذذف املت ذذاوران يف مسذذائل‬
‫ذد احلذوار يف مسذألة أبذرى‪ ،‬بذدون أن يتفذق علذى املسذألة‬ ‫عديدا‪ ،‬وليس على مسألة واحدا‪،‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬احلوار آدابه وضوابطه‪ ،‬ىي زمزمي‪ ،‬ص ‪.56‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬أصوا احلوار وآدابه يف اإلسالم‪ ،‬صاحل بن يد‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬أصوا احلوار‪ ،‬الندوا العاملية للشباب اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬احلوار يف القرآن الكرمي‪ ،‬حممد كماا احلويل‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫‪7‬‬
‫األوىل‪ ،‬فيتشعب احلوار ويطوا يف أمر فرعيذة بعيذدا عذن موضذو احملذاورا‪ ،‬وهلذذا يكذون احلذوار عائمذاً‬
‫ال زمام له‪ ،‬سائبا ال ينتهي إىل نتيجة‪)1( .‬‬
‫ً‬
‫‪ :‬قطعيذذة النتذذائج ونس ذذبيتها‪ ،‬مذذن امله ذذم أن نع ذذرف يف ه ذذذا األص ذذل إدراك أن‬ ‫األص اس ا‬
‫الرأي الفكري نس الداللذة علذى الصذواب أو اخلطذأ‪ ،‬ومذا عذدا ذلذك فينذدر حتذت املشذهورا‪( :‬رأيذي‬
‫صواب تمل اخلطأ‪ ،‬ورأي غريي بطذأ تمذل الصذواب)‪ .‬وبنذا ً عليذه فلذيس شذرو الت ذاور النذاج‬
‫أن ينته ذذي أح ذذد الط ذرفني إىل ق ذذوا الب ذذر‪ ،‬ف ذذإن حتق ذذق ه ذذذا واتفق ذذا عل ذذى رأي ف ذذنعم املقص ذذود‪ ،‬وه ذذو‬
‫‪)2(.‬‬
‫منتهى الغاية‪ ،‬وإن مل يكن فاحلوار ناج‬

‫املبحث اسا‬
‫آداب احلوار‬

‫اهذذتم اإلسذذالم بذذاحلوار اهتمام ذاً كب ذرياً‪ ،‬وذلذذك ألن اإلسذذالم يذذرى بذذأن الطبيعذذة اإلنسذذانية ميالذذة‬
‫بطبعهذذا وفطر ذذا إىل احلذوار‪ ،‬ويذذدعو اإلسذذالم إىل االلتذزام بذذالداب املرعيذة علذذى مذذن يريذذد املشذذاركة يف‬
‫أي حوار ؛ لينج وا اهلل تعاىل يف حتقيق األهداف املطلوبة‪ ،‬ومن آداب احلوار ‪:‬‬
‫‪ .1‬احمل ذاورا باحلسذذىن‪ ،‬إن مذذن أهذذم مذذا يتوجذذه إليذذه احمل ذذاور يف ح ذواره الت ذزام احلس ذذىن يف الق ذذوا‪،‬‬
‫ادي ي قولوا الَّيِت يهي أَحسن‪)3( .‬‬
‫َ ْ َُ‬ ‫واجملادلة‪ ،‬ففي حمكم التنزيل يقوا تعاىل‪َ  :‬وقُ لي يعبَ ي َ ُ ُ ْ‬
‫‪ .2‬التواضذذع بذذالقوا والفعذذل‪ ،‬فيجذذب جتنذذب مذذا ي ذدا علذذى العجذذب والغذذرور والكديذذا ‪ ،‬ومذذن‬
‫التواضع يف احلوار ترك است دام األلفاظ الدالة على التعان والكذد كذأن يقذوا‪ :‬نذرى كذذا‪،‬‬
‫وعندي كذا‪ ،‬وأنا‪ ،‬وقلت‪ ،‬وحنو هذه األلفاظ‪)4(.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬احلوار أصوله املنهجية وآدابه السلوكية‪ ،‬أ د الصويان‪ ،‬ص ‪.64‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬أصوا احلوار وآدابه يف اإلسالم‪ ،‬صاحل بن يد‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫(‪ )3‬سورا اإلسرا ‪ ،‬آية ‪.53‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬أدب احلوار‪ ،‬سلمان العودا‪ ،‬شريط صوال متوفر على شبكة االنرتنت‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪ .3‬حسذذن االسذذتما ‪ ،‬إن كثذرياً مذذن النذذاس خيفقذذون يف تذذدك أمهذذر طيذذب يف نفذذوس مذذن يقذذابلوام‬
‫ألوا م ذ ذذرا‪ ،‬ألا ذ ذذم ال يص ذ ذذغون إل ذ ذذيهم باهتم ذ ذذام‪ ،‬إا ذ ذذم ص ذ ذذرون مهه ذ ذذم فيم ذ ذذا س ذ ذذيقولونه‬
‫ملسذتمعهم‪ ،‬فذذإن تكلذذم املسذتمع مل يلقذوا لذذه بذاالً‪ ،‬علمذاً بذذأن أكثذر النذذاس يفضذذلون املسذذتمع‬
‫اجليد على املتكلم اجليد‪.‬‬‫(‪)1‬‬

‫‪ .4‬العدا واإلنصاف‪ ،‬جيب على احملاور أن يكون منصفاً‪ ،‬فال يذدر حقذاً‪ ،‬بذل عليذه أن يبذدي‬
‫إعجابه باألفكار الصذ ي ة واألدلذة اجليذدا واملعلومذات اجلديذدا الذيت يوردهذا حمذاوره‪ ،‬وهذذا‬
‫اإلنصذ ذذاف لذ ذذه أمهذ ذذر عظذ ذذيم يف قبذ ذذوا احلذ ذذق‪ ،‬كمذ ذذا تضذ ذذفي علذ ذذى احملذ ذذاور روع املوضذ ذذوعية‪،‬‬
‫والتعص ذ ذذب وع ذ ذذدم قب ذ ذذوا احل ذ ذذق م ذ ذذن الص ذ ذذفات الذميم ذ ذذة يف كت ذ ذذاب اهلل‪ ،‬ف ذ ذذإن اهلل أمرن ذ ذذا‬
‫باإلنص ذذاف ح ذذىت م ذذع األع ذذدا فق ذذاا تع ذذاىل‪َ :‬ي أَيُّه ا الَّ يَين آ نُ واْ ُكومُ واْ قَ َّوا ي ني ي ي‬
‫لِل‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ب ليََّ ْق َو‬‫ر‬ ‫َق‬
‫ْ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ا‬
‫ْ‬‫و‬‫ُ‬‫ل‬‫د‬‫ُش ه َدا يال يْقس ي و َ َْْ ير نَّ ُكم َش نَق ُن قَ وَم َع َ أَ َّ تَع يدلُواْ ا ْع ي‬
‫َ َُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫َواتَّ ُقواْ الِلَ إي َّن الِلَ َخبيريٌ يِبَا تَ ْع َمَُو َن‪.)3( )2( ‬‬
‫‪ .5‬احللذذم والصذذد‪ ،‬فاحملذذاور جيذذب أن يكذذون حليمذاً صذذبوراً‪ ،‬فذذال يغضذب ألتفذذه سذذبب‪ ،‬فذذإن‬
‫ذلك يذحدي إىل النفذرا منذه‪ ،‬واالبتعذاد عنذه‪ ،‬والغضذب ال يوصذل إىل إقنذا اخلصذم وهدايتذه‪،‬‬
‫وإاذ ذذا يكذ ذذون ذلذ ذذك بذ ذذاحللم والصذ ذذد‪ ،‬واحللذ ذذم مذ ذذن صذ ذذفات املذ ذذحمنني كمذ ذذا قذ ذذاا تعذ ذذاىل‪:‬‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ني‪ ,)4( ‬ومذن أعلذى مراتذب‬ ‫ب ال ُْم ْحسني َ‬‫َّاس َوالِلُ ُيُي ُّ‬
‫ني َع ين الن ي‬
‫ظ َوال َْعاف َ‬ ‫‪َ ‬والْ َكاظ يم َ‬
‫ني الْغَْي َ‬
‫الصذد مقابلذذة اإلسذا ا باإلحسذذان‪ ،‬فذذإن ذلذك لذذه أمهذذر عظذيم علذذى احملذذاور‪ ،‬وكثذري مذذن الذذذين‬
‫اهت ذذدوا مل يهت ذذدوا لعل ذذم احمل ذذاور واس ذذت دامه أس ذذاليب اجل ذذدا‪ ،‬وإا ذذا ألدب ذذه وحس ذذن بلق ذذه‬
‫واحتماله لألذى‪ ،‬ومقابلته باإلحسان‪)5(.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬أصوا احلوار‪ ،‬الندوا العاملية للشباب اإلسالمي‪ ،‬ص‪.49 :‬‬
‫(‪ )2‬سورا املائدا‪ ،‬آية ‪.8‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬املدبل إىل الثقافة اإلسالمية‪ ،‬أعضا هيئة التدريس قسم الدراسات اإلسالمية‪ ،‬جامعة امللك سعود‪ ،‬ص‪.53‬‬
‫(‪ )4‬سورا آا عمران‪ ،‬آية ‪.134‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬املدبل إىل الثقافة اإلسالمية‪ ،‬أعضا هيئة التدريس قسم الدراسات اإلسالمية‪ ،‬جامعة امللك سعود‪ ،‬ص ‪.52‬‬
‫‪9‬‬
‫‪ .6‬احل ذوار اإلجيذذايب الص ذ ي هذذو احل ذوار املوضذذوعي الذذذي يذذرى احلسذذنات والسذذلبيات يف ذات‬
‫أيضذا إمكانيذات التغلذب عليهذا ‪ ،‬وهذو حذوار صذادق عميذق‬
‫الوقت ‪ ،‬ويرى العقبذات ويذرى ً‬
‫وواض الكلمات ومدلوال ا وهو احلوار املتكافئ الذي يعطى لكال الطذرفني فرصذة التعبذري‬
‫واإلبدا احلقيقي و ذرتم الذرأي البذر ويعذرف حتميذة اخلذالف يف الذرأي بذني البشذر وآداب‬
‫(‪)1‬‬
‫اخلالف وتقبله‪.‬‬

‫‪‬‬

‫ام ه البحث‬
‫وآخر دعواان احلمد هلل رب العاملني‬
‫وصَ هللا وسَم وارك عَ مبينا حممد وعَ آله وأصحابه أمجعني‪.‬‬
‫‪ 1436 / 2 / 3‬ه‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬أدب احلوار‪ ،‬سلمان العودا‪ ،‬شريط صوال متوفر على شبكة االنرتنت‪.‬‬
‫‪10‬‬

You might also like