Professional Documents
Culture Documents
الجهوية الموسعة في المغرب
الجهوية الموسعة في المغرب
مقدمة:
يعرف موضوع الجهة اهتماما متزايد ا ليس فقط في المغرب ،بل بمختلف بقاع العالم كإطار مالئم لبلورة استراتيجية بديلة للتنمية
االقتصادية و االجتماعية والمحلية .و تقوم على تعبئة المواد و الطاقات المحلية من أجل ترسيخ الديمقراطية و تطوير البناء
الجهوي ،و تهتم دول العالم في عصرنا الحالي اهتماما متزايدا بالمؤسسة الجهوية كإطار مالئم للمساهمة في بلورة استراتيجيات
جديدة للتنمية و قد تبنتها ألمانيا في دستور 1949و إيطاليا في دستور 1948و إسبانيا في دستور 1978أما في المغرب فقد غدت
سياسة الالمركزية في بعدها الجهوي موضوع الخطب السياسية و التحاليل األكاديمية بعد وضع دستور 1992و 1996و قانون
تنظيم الجهات 47-96في أبريل 1997و بالتالي أصبحت الجهة في المغرب مطالبة أكثر من أي وقت مضى بأن تساهم في النمو
اقتصادي حيث أن نجاح أي مشروع رهين بوجود نصوص قانونية تنظمه و تسهر على تطبيقه دون إخالل أو تهاون و بالتالي
سنحاول من خالل هذا العرض إلقاء الضوء على مفهوم الجهة باختالفها وإشكاليات تعريفها ،مرورا بمراحل ترسيخ هذا النظام
الجهوي بالمغرب ودوافعه وما حققته هذه التجربة على مر تاريخنا المعاصر ،كما سنعمل على استعراض تجربة بعض الدول
األروبية على سبيل المقارنة للوقوف على مفهوم الجهوية بهذه الدول وتمثل مفهوم وممارسة الجهة بين كل من دول العالم المتقدم
والنامي.
ولعل بروز مفهوم الجهة على السطح مرة أخرى بالمغرب ،خير دليل على استشعار السلطات الوصية بأهمية هذا الكيان السياسي
في تحقيق التنمية المحلية والجهوية ومن خاللهما التنمية الوطنية .من هنا جاء مفهوم الجهوية الموسعة الذي أعلن عنه جاللة
الملك في األيام القليلة الماضية بمناسبة الذكرى 33النطالق المسيرة الخضراء معلنا بذلك ضرورة تبني مفهوم مغربي – مغربي
للجهة الموسعة منطلقا من خصوصيات محلية من اجل تحقيق التنمية المنشودة.
.Iمفهوم الجهة و تطوره عبر التاريخ
.Iمفهوم الجهة:
اختلف مفهوم الجهة باختالف األشخاص المعرفة له فمفهوم الجهة يفيد معنيان األول يفيد( )régionalismeو يعني مجموعة
متماسكة ذات أهداف سياسية دفاعية و قد تتحول إلى توجه سياسي أما المعنى الثاني فيفيد( )régionalisationمعناه اإلطار و
المجال اإلداري و االقتصادي رغم أن الجماعة المحلية هي نتائج بيئة سياسية تساهم في تأسيس المواطنين بصفة عامة .و تبدو
الجهوية أنها توزيع ألنشطة الدولة على المستوى الجهوي بطريقة إدارية و بالتالي فالجهة هي مجموعة منسجمة تهدف إلى تحقيق
تكامل اقتصادي و اجتماعي و إداري و تنموي على نماء الوطن باإلضافة إلى كونها هي الجزء من التراب الوطني الذي يشكل نسقا
اقتصاديا و سوقا مجاليا تحدد بتداخل الظروف الطبيعية و البشرية و كذلك بالنشاط االقتصادي للسكان و سلوكا تهم االقتصادية.
.IIإشكالية تعريف الجهة االقتصادية:
إذا كانت الجهة هي الجزء من التراب الوطني الذي يشكل نسقا اقتصاديا وسوقا مجالية تحدد بتداخل الظروف الطبيعية والبشرية
وكذلك بالنشاط االقتصادي للسكان وبسلوكاتهم االقتصادية فإن الكثير من المنظرين يضيفون لهذا التعريف ما يغنيه ويوسعه وأحيانا
يعقده فـ .juillardمثال يعتبر الجهة كمجال وظيفي باعتباره حقال لحركة التيارات المختلفة ،وهي تبرز بمركزها كما تبرز بشبكاتها
المختلفة ذات الطاقة التنظيمية المتمثلة في اإلشعاع الذي تخلقه الصناعة واألنشطة الدائرة في فلكها ،والقدرة على الجذب التوافدي
للمراكز الحضرية وكذا العالقات التجارية وامتداد ظهير الموانئ .
وبالرجوع إلى الجغرافية الفرنسية Beaujeu-Garnierالتي جعلت الجهة أداة للحركة أي إنها مجال خاضع لقرارات التخطيط،
بمعنى أن الجهة قرار إداري سياسي يجعلها هدفا بدل إن تكون إطارا .وهذا ما يجعل مقولة P.CLAVALبأن الجهة االقتصادية
تتولد من تنظيم حركات البضائع والخدمات حول المدن األكثر دينامية.
يمكننا تميز ثالث مراحل في تطور دراسة الجهة االقتصادية:
أ .المرحلة األولى :انطلقت مع تخمينات المبتدئين( )WAUBAN, L.BROCARDومحاوالت التعريف الجزئية انطالقا من
مجاالت إشعاع التجمعات الحضرية الكبرى ( )A.Losch, R.Viningأو من المبادالت الداخلية للجهة ومدى اكتفائها الذاتي
( )W.Liontieffوتنتهي المرحلة عند المحاولة التركيبية لتعريف الجهة مع P.Bauchetالذي يعتقد بأن الحدود الجغرافية للجهة
االقتصادية تستطيع أن تدقق بتحليل لثالث وجهات نظر متقاطعة:
سلوك األفراد
شبكات إشعاع المدن السائدة بالجهة.
االكتفاء الذاتي للجهة
ب .المرحلة الثانية :تمت خاللها محاولة صبغ المفهوم بالنسبية على شكل تعميم مبسط للفكر ( )W.Isardالمؤسس للعلم الجهوي
وهي المرحلة التي تتالئم و المفهوم المغربي للجهة االقتصادية حيث تنطلق الجهة من الفكر نحو المجال بدل االرتفاع من المجال
نحو الفكر.
ج .المرحلة الثالثة :حيث اعتمدت المفاهيم األكثر حداثة على اإلجرائية مع J.Boudevilleوعلى تحليل المجاالت االقتصادية مع
F.Perrouxوهي مرحلة وافقت درجة تطور الجهوية لدى البلدان المتقدمة التي تجاوزت مرحلة التقسيم والتحديد إلى مرحلة
التنمية الفعلية والتنمية المتجددة.
على أن إشكالية التقسيم الجهوي الزالت مطروحة حي في البلدان المتقدمة بحدة اقل ،مما دفع )Isard (1975إلى الفصل بين
الحدود اإلدارية وبين الحدود الفعلية للقضايا التنموية المطروحة قائال :في بعض الحاالت نترك األحداث ترسم جهات أخرى عندما ال
تتالءم النطاقات الموجودة مع المشكل المطروح.
.IIIالتجربة الجهوية ببعض الدول األروبية
بعد هذا التقييم المختصر للتجارب المغربية السابقة في مجال الجهوية فإننا سنحاول التطرق إلى تنظيم واختصاصات الجهة في بعض
الدول المتقدمة كألمانيا ،ايطاليا ،اسبانيا وفرنسا لمقارنتها بما هو عليه الحال بالمغرب.
.1اختصاصات وتنظيم الجهة بالدول األروبية
بخصوص اختصاصات وتنظيم الجهة سنحاول من خاللها تسليط األضواء على مكانة الجهة داخل التنظيم اإلداري والسياسي في
بعض الدول المتقدمة.
هذا ويجب التذكير بأن الجهوية بالمفهوم الحديث تقوم على أساس وجود جهة مستقلة عن السلطة المركزية لها اختصاصات محددة
وموارد مالية وبشرية تسمح لها بتسيير أمورها باستقاللية وحرية في إطار من المسؤولية ،غير أن وضعية الجهة والحرية التي
تتمتع بها تختلف من دولة إلى أخرى وذلك حسب شكل الدولة فيدرالي او موحد وكذلك حسب أساس شرعية وجودها دستوري او
قانوني وكذلك حسب طبيعة العالقة التي تربطها بالسلطة المركزية والجماعات المحلية األخرى.
وسنعمل في هذا المحور على التركيز على نقطة أساسية متمثلة في الوقوف على اختصاصات الجهة في هذه الدول باعتبارها
انعكاسا للجهة كممارسة ،متجاوزين بذلك بعض النقاط الفرعية ،ال نرى بدا من معالجتها في هذا العرض كمبررات الجهوية بالدول
األروبية وأساس شرعية الجهوية...
ان الدستور هو الذي المحدد الرئيسي الختصاصات الجهة في إطار الجهوية السياسية ،بينما يحدد القانون العادي اختصاصات الجهة
في إطار الجهوية اإلدارية .واالختصاصات التي تتمتع بها الجهات في إطار الجهوية السياسية ليست فقط اختصاصات إدارية وإنما
تشمل اختصاصات تشريعية وقضائية.
ففي ألمانيا فان الجهات LANDERSتتمتع باختصاصات تشريعية وقضائية وإدارية ،وان كان مجال السلطة الفدرالية أوسع حيث
تتوفر على االختصاص العام باستثناء الميادين التالية :التعليم والثقافة والشرطة والجماعات المحلية ،غير إن الجهات تتوفر على
سلطة مراقبة التشريع الفدرالي من خالل المجلس الفيدرالي التي تمثل فيه الجهات ،غير أن الجهات ملزمة باحترام المبادئ
الدستورية عند ممارستها لالختصاصات التشريعية.
وفي المجال القضائي ،فإذا كانت الجهة تتوفر على محاكمها الخاصة سواء العادية أو الدستورية فإنها تخضع لمراقبة القضاء
الفيدرالي.
أما في ما يتعلق باالختصاصات اإلدارية فالجهة تتوفر على االختصاص العام ،بحث أن اإلدارة االتحادية ال تتوفر على مصالح
خارجية لها بالجهات ،كما أن اإلدارة الجهوية تعتبر المنفذ للقوانين الفدرالية وهذا االختصاص العام يشمل جميع الميادين باستثناء
السياسة الخارجية والدفاع والحقوق المدنية والسياسات النقدية والجمارك والحدود والنقل الجهوي.
أما بخصوص اختصاصات الجهات بايطاليا فهي أوسع بالمقارنة مع أكثر الدول األوربية بحيث تمارس تقريبا نفس االختصاصات
التي تمارسها الدويالت في إطار االتحاد الفدرالي ،لهذا فإننا نجدها تتوفر على اختصاصات تشريعية ،قضائية وإدارية باإلضافة إلى
توفرها على حق اقتراح القوانين كما أنها تشارك في انتخاب رئيس الدولة .وهي تمارس وظيفة تشريعية أصلية في الميادين التي
حددها الدستور وعلى وظيفة تشريعية تكميلية للوظيفة التشريعية للدولة ،وهذه الوظيفة األخيرة تتسع أكثر بالنسبة للجهات ذات
النظام الخاص ،غير أن هذه الوظيفة محددة ببعض القواعد والمبادئ العامة والدستور.
أما فيما يخص مجال السلطة التشريعية الجهوية فقد حددها الفصل 117في الميادين التالية :تنظيم اإلداري الجهوية ومصالحها،
األعمال الخيرية والمساعدة الصحية واالجتماعية ،التعليم المهني ،التعمير وإعداد التراب الوطني ،الطرق الجهوية ،المالحة
والموانئ ،الفالحة والغابات والصناعات التقليدية .أما في اسبانيا فان اختصاصات المجموعات المستقلة واسعة أيضا بحيث أن
الدستور االسباني حدد الئحتين الئحة خاصة باختصاصات السلطة المركزية والئحة خاصة بالمجموعات المستقلة ،كما أن السلطة
المستقلة يعطيها الدستور حق تفويض جزء من اختصاصاتها لفائدة الجهات ،لهذا نجد أن المجموعات المستقلة تتمتع باختصاصات
تشريعية في ميادين محددة دستوريا أو تلك المفوضة ،من طرف السلطة المركزية كما تمارس سلطة تشريعية تكميلية ،بحيث تحدد
القواعد واإلجراءات التشريعية التنظيمية لتكملة القوانين الوطنية .وميادين السلطة التشريعية هي حسب الفصل 143ما يلي:
األشغال العمومية ،المياه والغابات ،الصحة العمومية ،المكتبات والسياحة.
أما فيما يتعلق باالختصاصات التي يمكن للسلطة المركزية تفويضها إلى الجهات نجد من بينها التشريع التجاري والمدني ،التربية،
األمن العمومي وتنظيم االقتصاد.
أما االختصاصات اإلدارية فهي مرتبطة باالختصاصات التشريعية ،كما انه بمقتضى الدستور يمكن للدولة أن تفوض إلى الجهات
بعض اختصاصاتها اإلدارية .وفي هذا اإلطار نجد االختصاصات المتعلقة بتنفيذ قانون الشغل والضمان االجتماعي ونظام اإلعالم
واإلذاعة والتلفزة.
هذا وتجدر اإلشارة انه بالنسبة للمجموعات المستقلة في اسبانيا فإنها تتوفر هي األخرى على حق تقديم اقتراحات القوانين ،كما أنها
تشارك في رسم السياسة المالية والجبائية للدولة من خالل مشاركتها في المجلس الوطني للسياسة المالية.
أما اختصاصات الجهة في إطار الجهوية اإلدارية كفرنسا فإنها ال تتوفر إال على اختصاصات إدارية محدودة بواسطة القانون العادي،
هذا وحسب إصالح 1982فان الجهات الفرنسية تتمتع باختصاصات أصلية كتلك المتعلقة بالتنمية االقتصادية والتخطيط ،أما فيما
يتعلق باالختصاصات المحولة فهي المتعلقة بالتكوين المهني والتربية واالختصاصات المتعلقة ببعض جوانب إعداد التراب الوطني.
من خالل ما سبق ،نالحظ أن تطور الجهوية في الدول الديمقراطية قد ال يرتبط بشكلها السياسي وإنما بدرجة ومستوى وتجدر
الممارسة الديمقراطية فيها ،كما أن هذا التطور يتوقف على وجود اإلرادة السياسية الصادقة للمشرع إلعطاء الجهة مكانة سياسية
متميزة داخل التنظيم السياسي واإلداري وكذلك على ما تتوفر عليه من موارد مالية بحيث أن هذا العنصر األخير هو الذي يحدد
الطبيعة الحقيقية للجهوية ومستوى تطورها فالنظام المالي يعتبر العنصر الفاصل في نجاح التجربة الجهوية في أي دولة كيفما كان
شكلها فدرالي أو موحد .ومن خالل هذه الدراسة المقارنة نالحظ أن التجربة الجهوية في الدول المتقدمة تتميز بما يلي:
الطبيعة الديمقراطية للتنظيم الجهوي
التحديد الدقيق الختصاصات الجهة
الدور المحدد للسلطات المركزية في الشؤون الجهوية.
.IVمراحل ترسيخ التنظيم الجهوي بالمغرب:
إذا كانت سياسة الجهوية هي أداة لتحقيق تنمية شاملة و متوازنة فإنها ال تنشئ من فراغ بل هي عبارة عن تطور متتالي لحلقات
تستند كل مرحلة فيها إلى سابقتها و تكون أساسا لما سيعقبها.
-معيار سياسي :معنى هذا أن الدولة في اطار وعيها بتطور النخب المحلية ووعيا منها بمتطلبات هذه المرحلة فقد عمدت الى ادماج
هذه النخب في اطار جهوي وهو معيار خفي وغير معلن.
-احترام التقسيمات السابقة تقريبا :وهو معيار خاطئ ألن أهداف التقسيم االستعماري مختلف عن أهداف التقسيم في فترة االستقالل
-معيار طبيعي :ومعنى هذا أن تتشكل كل جهة من وحدات طبيعية مختلفة قدر االمكان وكذلك أن تتوفر على واجهة بحرية مع
استثناء جهة واحدة.
-المعيار البشري :أي ضرورة العمل على خلق جهات متوازنة من حيث عدد السكان وهذا ما يفسر كبر بعض الجهات مجاليا.
-معيار البنيات التحتية :يعني ضرورة توفر كل جهة على بنية تحتية.
وهكذا تحول االتجاه صوب تقرير التمركز اإلداري حتى يتماشى بموازاة مع الالمركزية ،وجاء خطاب جاللة الملك المغفور له الحسن
الثاني سنة ،1984مؤكدا للرغبة في إحداث جهوية ذات هياكل جهوية وتشريعية وتنفيذية.
وتزامن الطرح مع مواقع كانت فيه اإلداري تحتل مكانا واسعا ،وتقوم بأدوار وتدخالت تتزايد يوم بعد يوم ،وظلت الجهة هي المجال
السياسي األكثر تحررا واألحسن مالئمة للفاعلين المنبثقين عن مختلف الفئات المحلية ،إذ تشكل مجاال لجماعات تديرها هيآت
منتخبة وتسيرها بكيفية حرة ،تتيح لمختلف االتجاهات التدخل واالبتكار في مختلف المسائل باستثناء ماله صلة بالمجال السياسي
العام للدولة.
وهكذا بدأ المد الجهوي يحظى باهتمامات خاصة أبرزها التعديل الدستوري لسنة ،1992الذي ارتقى بالجهة إلى مصاف الجماعات
المحلية ،حسب مقتضيات الفصل ( .)94وتم تدعيم مركز الجهة في التعديل الدستوري لسنة ،1996حسب مقتضيات الفصل (،)100
باإلضافة إلى القانون المنظم للجهات رقم 47-96الصادر في 2أبريل ،1997حيث أصبح للجهة كيان مستقل يتمتع بالشخصية
المعنوية واالستقالل المالي واختصاصات قانونية تقريرية واستشارية.
وأخيرا ،في سنة ،1997تبنى التقسيم الجهوي واإلقليمي 16جهة و 44إقليما و 24عمالة و 10واليات .لم يعد األمر يهم هنا
"جهات اقتصادية" كما كان في السابق ،ولكن مجموعات عبارة عن مجاالت فرعية للتراب الوطني ،تتمتع بسلط وتمثل السلطة
المركزية وتشكل فضاءات التدبير المستقل ،كما تنص على ذلك النصوص المنظمة .يكمن هنا تطور ملحوظ في اتجاه الجهوية كان قد
أراده العاهل نفسه ،فطبقه المشرع ووزارة الداخلية .والمالحظ في هذا التقسيم األخير ،عندما نتأمل الخريطة التي تمثل 16جهة
سرعان ما نالحظ ان تقسيم مختلف الوحدات ومحتوياتها قد تحسن تحسنا كبيرا بالمقارنة مع تقسيم. 1971
إذا كانت هذه مجمل المراحل الرئيسية للتنظيم الجهوي بالمغرب ،فما هي يا ترى الدوافع واألسباب التي كانت وراء االقتناء بالعمل
الجهوي؟
.IVدوافع وأسباب إحداث الجهة
يمكن تلخيص الدوافع األساسية للجهوية بالمغرب من خالل ثالث محاور:
-دوافع سياسية تهدف إلى تدعيم الالمركزية ودمقرطة المؤسسات الجهوية
-دوافع إدارية ،فضال عن دوافع اجتماعية واقتصادية.
* الدوافع السياسية :تتجلى في كون المسألة الديمقراطية المحلية ،أصبحت إحدى المظاهر السياسية للمجتمع المدني ،وقد جعلت من
الجهة عبر مجلسها المنتخب بطريقة ديمقراطية ذلك المجال الذي يتيح للسكان المحليين عبر منتخبيهم الجهويين حق المشاركة
الشعبية القادرة على تحقيق التطور الذاتي.
فالجهوية احتلت مكانة في الخطاب السياسي وأصبحت من القضايا التي شغلت رأي جميع القوى الوطنية التي هدفت إلى تحقيق
الديمقراطية المحلية من خالل دعم السياسة الجهوية التي نشدتها اإلصالحات الدستورية والسياسية.
وجاءت الجهة في إطار تشييد مغرب حديث لتحقيق قفزة نوعية في مجال الديمقراطية المحلية وتوسيع الالمركزية ألنها تشكل أداة
للتنمية االقتصادية واالجتماعية ،وإطار للحوار والمشاركة بين كافة مكوناته.
وبالتالي عملت الجهة على استكمال الصرح المؤسساتي التمثلي للمملكة وتوفر فضاءا جديدا للتداول والتشاور واإلنجاز ،خصوصا
بعد أن ثبت فشل إدارة جميع المرافق المركزية.
وهكذا أصبحت الجهة تقنية جديدة لممارسة الديمقراطية على الصعيد الجهوي كما أنها تعتبر وسيلة لتحديث الدولة ،ومحورا جديدا
للديمقراطية وشرعية السلطة السياسية.
* الدوافع اإلدارية :هنا عملت السلطة المركزية منذ االستقالل على إنشاء مصالح ومرافق إدارية تساعد الحكومة على الصعيد
المحلي وأيضا عملت على الزيادة في عدد الواليات والعمالت واألقاليم والجماعات الحضرية والقروية ،وإحداث وحدات ترابية جديدة
وهي الجهات ،كل ذلك بغية تقريب اإلداري من المواطنين .وبالتالي يصبح التنظيم الجهوي أحد األساليب اإلدارية إلدارة المرافق
العامة لتلبية حاجيات األفراد والسكان ألن المجلس الجهوي المنتخب من قبل سكان الجهة يكون على دراية بحاجياتها وإدارة
مرافقها بالشكل الذي يتالئم ورغبات السكان وبفعالية أكبر ولو سيرت تلك المرافق من قبل المسؤولين الحكوميين على الصعيد
المركزي .وأصبح المنهج الجهوي آلية مناسبة للتقليص من البيروقراطية ،وذلك لتقريب القرار اإلداري من مكان تنفيذه.
وإقرار الجهة كوحدة ال مركزية في إطار تنظيم اإلداري المحلية ،يدخل إجماال في إطار اإلصالح اإلداري عموما ،والدافع اإلداري في
إقرار الجهة جاء في إطار تقليص دور الدولة في بعض المجاالت وتفويتها للجهة حيث تصبح هي المسؤولة عن الوظيفة والموظفين
في نطاق ترابها.
*..دوافع تاريخية وثقافية :ذلك أن الجهوية تمثل أسلوبا عصريا لممارسة الديموقراطية حيث تأخذ بعين االعتبار اختالف المقومات
الثقافية واالجتماعية داخل نفس البلد ،فهي بهذا توفر للكيانات االجتماعية استقاللية في تسيير شؤونها ،كون المنطق السليم
للديموقراطية ال يقتضي فقط خضوع األقلية لألكثرية بل أيضا االعتراف بوجود األقلية التي قد تشكل كيانا له بعد تاريخي وبالتالي
ضرورة االعتراف بحقوقه السياسية واالجتماعية كحقها في تسيير شؤونها بنفسها .
* الدوافع االقتصادية واالجتماعية :أصبحت الجهوية من االستراتيجيات الرئيسية للتنمية االقتصادية واإلقالع السوسيوقتصادي،
بصفة عامة ،فالسياسيات االقتصادية المعاصرة أصبحت تعتمد على التنظيم الجهوي باعتباره اإلطار األصلح ،لوضع كل
االستراتيجيات التنموية وكذا كل تخطيط اقتصادي طموح .فالجهة هي الفضاء الذي ال بد منه لتنسيق التنمية ،األمر الذي يصعب على
الجماعات الترابية األخرى القيام به وعلى الحكومة ممارسته.
فالدافع االقتصادي واالجتماعي وتحقيق التنمية هو الدافع األساسي نحو إقرار سياسته الجهوية ألن موضوع التنمية االقتصادية
واالجتماعية على كافة المستويات يكتسي أهمية قصوى في الوقت الراهن وفي المستقبل.
وأمام فشل الدولة في القضاء على الالتوازنات فيما بين مناطق وجهات المغرب ،فقد تم التكريس الدستوري للجهة منذ سنة ،1997
والتركيز على التوجهات التنموية واالقتصادية على أساس الجهوية والتنمية المحلية ،وكذلك اختيار المخططات كوسيلة لتحقيق تلك
األهداف ،سواء على المستوى الوطني والجهوي واإلقليمي والمحلي .وبذلك تكون التنمية االقتصادية واالجتماعية دافعا أساسيا نحو
تفعيل دعم وجود الجهة.
.Vالجهوية الموسعة
إن إشكاليات مفهومي الدولة واألمة ،جعلت أن المشهد والتاريخ المغربي يتسمان ويرتكزان على المركزية .هاته األخيرة لم تصبح
مجدية وذات فعالية مع االنفتاح الذي أصبح يعرفه العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية .فالعولمة أملت على جميع اقتصاديات
الدول تغييرات جذرية في بنيتها ،حتى أصبحت الدولة ملزمة على تنظيم الحياة االقتصادية في ظل اقتصاد السوق الذي يعرفه
العالم.من هنا أصبحنا في حاجة ماسة إلى مقاربة جهوية تجعل من المغرب بلدا يحتضن جميع مناطقه.
من هنا بدأ التفكير في التأسيس لجهوية موسعة تكون الفاعل القوي لحكامة ترابية متجددة يكون الرابح األكبر فيها هو العنصر
البشري .فالديمقراطية الحقيقية هي التي تأخذ بعين االعتبار األبعاد االقتصادية ،الثقافية واالجتماعية في مسطرة أدبياتها.
فالعاصمة الرباط يجب أال تكون فقط المدينة المحورية في رسم المسار الفكري أو السياسي للمواطن ،بل يجب منح جهات أخرى
الفرصة لكي تكون حتى هي أقطاب شيء ضروري من أجل مغرب أكثر ديمقراطية وأكثر فعالية .فكل جهة مغربية لها خصوصيات
قد تجعل منها قطبا رائدا في المجاالت التي تالئمها .فهناك جهات قد تكون قطبا تكنولوجيا عالميا ،وجهات أخرى قد تؤسس لنمو
فالحي قوي.فالنظرة الشمولية يجب أن تكون مبنية على رؤية واقعية لخاصيات أي جهة .
الالمركزية اإلدارية التي نتحدث عنها يجب أن يصاحبها المركزية سياسية لخلق تنافس حقيقي بين الجهات .فإرساء الممارسة
الديمقراطية التشاركية لن يتأتى إال بجعل الكل وجميع الجهات داخل الهدف الوحيد الذي هو مغرب أفضل يحتضن جميع أبنائه من
طنجة إلى الكويرة.
ويجب التأكيد على أن إعطاء الشرعية الديمقراطية للمؤسسات الجهوية سيعزز الديناميكية السياسية التي تستوجب أن تكون وأن
تسود بين المواطن والسياسي.
ومن هنا جاءت الجهوية الموسعة والمتدرجة ضرورة يقتضيها مسار االنتقال الديمقراطي ،وورش إصالحي هيكلي لترسيخ
الحكامة المحلية وتفعيل التنمية الجهوية في إطار من الوحدة والتوازن والتضامن واالنسجام؟ إلى أي حد جعل مشروع الحكم
الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية من مسألة الجهوية مطلبا ديمقراطيا وطنيا إلعطاء الجهات هامشا واسعا في التدبير
الذاتي والتخلص من أعباء المركزية المفرطة.
لذلك قررنا ,بعون هللا ,فتح صفحة جديدة في نهج اإلصالحات المتواصلة الشاملة التي نقودها ,بإطالق مسار جهوية متقدمة
ومتدرجة ,تشمل كل مناطق المملكة ,وفي مقدمتها جهة الصحراء المغربية ,مؤكدين عزمنا الراسخ على تمكين كافة ساكنتها
وأبنائها من التدبير الديمقراطي لشؤونهم المحلية ضمن مغرب موحد ,سواء بإقامة جهوية واسعة ومالئمة ,وذلك طبقا إلرادتنا
الوطنية ,أو من خالل الحكم الذاتي المقترح متى تم التوافق السياسي بشأنه واعتماده كحل نهائي ,من طرف المنتظم األممي.
شعبي العزيز ,إن مشروع الجهوية ,إصالح هيكلي عميق يقتضي جهدا جماعيا لبلورته وإنضاجه ,لذا ,ارتأيت أن أخاطبك في شأن
خارطة طريقه :أهدافا ,ومرتكزات ,ومقاربات .فطموحنا الكبير من هذا الورش الواعد هو ترسيخ الحكامة المحلية الجيدة وتعزيز
القرب من المواطن وتفعيل التنمية الجهوية المندمجة ,اال قتصادية واال جتماعية والثقافية .ولبلوغ هذه األهداف ,فإن هذا اإلصالح
يجب أن يقوم على مرتكزات الوحدة والتوازن ,والتضامن .فأما الوحدة ,فتشمل وحدة الدولة والوطن والتراب ,التي ال يمكن ألي
جهوية أن تتم إال في نطاقها .وأما التوازن ,فينبغي أن يقوم على تحديد االختصاصات الحصرية المنوطة بالدولة مع تمكين
المؤسسات الجهوية من الصالحيات الضرورية للنهوض بمهامها التنموية ,في مراعاة لمستلزمات العقلنة واالنسجام والتكامل.
ويظل التضامن الوطني حجر الزاوية ,في الجهوية المتقدمة ,إذ أن تحويل االختصاصات للجهة يقترن بتوفير موارد مالية عامة
وذاتية .كما أن نجاح الجهوية رهين باعتماد تقسيم ناجع يتوخى قيام مناطق متكاملة اقتصاديا وجغرافيا ومنسجمة اجتماعيا
وثقافيا .وعلى غرار نهجنا في تدبير القضايا الكبرى لألمة.
هذا وإذا كان الحكم الذاتي المتطور في إطار الالمركزية الجهوية والوحدة الوطنية ،اختيار ملكي مفاده أن المغرب مستعد للتفاوض
في كل شيء ماعدا الطابع البريدي والعلم المغربي .بمعنى الطرح الملكي جاء مستوف لسياسة جهوية عصرية ليس لها حدود ما
عدا تلك التي تمس بالسيادة التي يرمز إليها الطابع البريدي وعلم البالد ،وكل ذلك يهف حسب اعتقادنا إلى إقناع الطرفين بشيئين
اثنين:
-1طرح فكرة اإلدماج والتخلص من مخلفات الحرب الباردة ،دون المساس بالسيادة الوطنية.
-2فتح مجال للعيش في استقرار ،إذا كان الهدف من هذا الملف الشائك هو كذلك ،وتحقيق ذلك في إطار الحكم الذاتي تحت السيادة
المغربية ،سواء بالنسبة لمنطقة الصحراء أو باقي مناطق المغرب.
إن االعتماد على التاريخ لتعزيز الجغرافية ،والخروج من نقطة الصفر ،والنهوض بالمشروع المبني على قاعدة جهوية متينة تتيح
االنصهار في كيان ديموقراطي تعددي موحد ،في إطار الالمركزية الجهوية والوحدة الوطنية هو الحل الوحيد لبناء مغرب قادر على
مواجهة ما ينتظره من تحديات هذا القرن.
******
المصدر:ديوان أصدقاء المغرب