You are on page 1of 18

‫الجهوية الموسعة في المغرب ‪-‬مفهومها ‪ -‬اختصاصاتها‪ -‬طبيعتها ‪-‬دوافعها واهدافها‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫يعرف موضوع الجهة اهتماما متزايد ا ليس فقط في المغرب‪ ،‬بل بمختلف بقاع العالم كإطار مالئم لبلورة استراتيجية بديلة للتنمية‬
‫االقتصادية و االجتماعية والمحلية‪ .‬و تقوم على تعبئة المواد و الطاقات المحلية من أجل ترسيخ الديمقراطية و تطوير البناء‬
‫الجهوي‪ ،‬و تهتم دول العالم في عصرنا الحالي اهتماما متزايدا بالمؤسسة الجهوية كإطار مالئم للمساهمة في بلورة استراتيجيات‬
‫جديدة للتنمية و قد تبنتها ألمانيا في دستور ‪ 1949‬و إيطاليا في دستور ‪ 1948‬و إسبانيا في دستور ‪ 1978‬أما في المغرب فقد غدت‬
‫سياسة الالمركزية في بعدها الجهوي موضوع الخطب السياسية و التحاليل األكاديمية بعد وضع دستور ‪ 1992‬و ‪ 1996‬و قانون‬
‫تنظيم الجهات ‪ 47-96‬في أبريل ‪ 1997‬و بالتالي أصبحت الجهة في المغرب مطالبة أكثر من أي وقت مضى بأن تساهم في النمو‬
‫اقتصادي حيث أن نجاح أي مشروع رهين بوجود نصوص قانونية تنظمه و تسهر على تطبيقه دون إخالل أو تهاون و بالتالي‬
‫سنحاول من خالل هذا العرض إلقاء الضوء على مفهوم الجهة باختالفها وإشكاليات تعريفها‪ ،‬مرورا بمراحل ترسيخ هذا النظام‬
‫الجهوي بالمغرب ودوافعه وما حققته هذه التجربة على مر تاريخنا المعاصر‪ ،‬كما سنعمل على استعراض تجربة بعض الدول‬
‫األروبية على سبيل المقارنة للوقوف على مفهوم الجهوية بهذه الدول وتمثل مفهوم وممارسة الجهة بين كل من دول العالم المتقدم‬
‫والنامي‪.‬‬
‫ولعل بروز مفهوم الجهة على السطح مرة أخرى بالمغرب‪ ،‬خير دليل على استشعار السلطات الوصية بأهمية هذا الكيان السياسي‬
‫في تحقيق التنمية المحلية والجهوية ومن خاللهما التنمية الوطنية‪ .‬من هنا جاء مفهوم الجهوية الموسعة الذي أعلن عنه جاللة‬
‫الملك في األيام القليلة الماضية بمناسبة الذكرى ‪ 33‬النطالق المسيرة الخضراء معلنا بذلك ضرورة تبني مفهوم مغربي – مغربي‬
‫للجهة الموسعة منطلقا من خصوصيات محلية من اجل تحقيق التنمية المنشودة‪.‬‬
‫‪.I‬مفهوم الجهة و تطوره عبر التاريخ‬
‫‪.I‬مفهوم الجهة‪:‬‬
‫اختلف مفهوم الجهة باختالف األشخاص المعرفة له فمفهوم الجهة يفيد معنيان األول يفيد(‪ )régionalisme‬و يعني مجموعة‬
‫متماسكة ذات أهداف سياسية دفاعية و قد تتحول إلى توجه سياسي أما المعنى الثاني فيفيد(‪ )régionalisation‬معناه اإلطار و‬
‫المجال اإلداري و االقتصادي رغم أن الجماعة المحلية هي نتائج بيئة سياسية تساهم في تأسيس المواطنين بصفة عامة‪ .‬و تبدو‬
‫الجهوية أنها توزيع ألنشطة الدولة على المستوى الجهوي بطريقة إدارية و بالتالي فالجهة هي مجموعة منسجمة تهدف إلى تحقيق‬
‫تكامل اقتصادي و اجتماعي و إداري و تنموي على نماء الوطن باإلضافة إلى كونها هي الجزء من التراب الوطني الذي يشكل نسقا‬
‫اقتصاديا و سوقا مجاليا تحدد بتداخل الظروف الطبيعية و البشرية و كذلك بالنشاط االقتصادي للسكان و سلوكا تهم االقتصادية‪.‬‬
‫‪.II‬إشكالية تعريف الجهة االقتصادية‪:‬‬
‫إذا كانت الجهة هي الجزء من التراب الوطني الذي يشكل نسقا اقتصاديا وسوقا مجالية تحدد بتداخل الظروف الطبيعية والبشرية‬
‫وكذلك بالنشاط االقتصادي للسكان وبسلوكاتهم االقتصادية فإن الكثير من المنظرين يضيفون لهذا التعريف ما يغنيه ويوسعه وأحيانا‬
‫يعقده فـ ‪ .juillard‬مثال يعتبر الجهة كمجال وظيفي باعتباره حقال لحركة التيارات المختلفة‪ ،‬وهي تبرز بمركزها كما تبرز بشبكاتها‬
‫المختلفة ذات الطاقة التنظيمية المتمثلة في اإلشعاع الذي تخلقه الصناعة واألنشطة الدائرة في فلكها‪ ،‬والقدرة على الجذب التوافدي‬
‫للمراكز الحضرية وكذا العالقات التجارية وامتداد ظهير الموانئ ‪.‬‬
‫وبالرجوع إلى الجغرافية الفرنسية ‪ Beaujeu-Garnier‬التي جعلت الجهة أداة للحركة أي إنها مجال خاضع لقرارات التخطيط‪،‬‬
‫بمعنى أن الجهة قرار إداري سياسي يجعلها هدفا بدل إن تكون إطارا‪ .‬وهذا ما يجعل مقولة ‪ P.CLAVAL‬بأن الجهة االقتصادية‬
‫تتولد من تنظيم حركات البضائع والخدمات حول المدن األكثر دينامية‪.‬‬
‫يمكننا تميز ثالث مراحل في تطور دراسة الجهة االقتصادية‪:‬‬
‫أ‪ .‬المرحلة األولى‪ :‬انطلقت مع تخمينات المبتدئين(‪ )WAUBAN, L.BROCARD‬ومحاوالت التعريف الجزئية انطالقا من‬
‫مجاالت إشعاع التجمعات الحضرية الكبرى (‪ )A.Losch, R.Vining‬أو من المبادالت الداخلية للجهة ومدى اكتفائها الذاتي‬
‫(‪ )W.Liontieff‬وتنتهي المرحلة عند المحاولة التركيبية لتعريف الجهة مع ‪ P.Bauchet‬الذي يعتقد بأن الحدود الجغرافية للجهة‬
‫االقتصادية تستطيع أن تدقق بتحليل لثالث وجهات نظر متقاطعة‪:‬‬
‫سلوك األفراد‬
‫شبكات إشعاع المدن السائدة بالجهة‪.‬‬
‫االكتفاء الذاتي للجهة‬
‫ب‪ .‬المرحلة الثانية‪ :‬تمت خاللها محاولة صبغ المفهوم بالنسبية على شكل تعميم مبسط للفكر (‪ )W.Isard‬المؤسس للعلم الجهوي‬
‫وهي المرحلة التي تتالئم و المفهوم المغربي للجهة االقتصادية حيث تنطلق الجهة من الفكر نحو المجال بدل االرتفاع من المجال‬
‫نحو الفكر‪.‬‬
‫ج‪ .‬المرحلة الثالثة‪ :‬حيث اعتمدت المفاهيم األكثر حداثة على اإلجرائية مع ‪ J.Boudeville‬وعلى تحليل المجاالت االقتصادية مع‬
‫‪ F.Perroux‬وهي مرحلة وافقت درجة تطور الجهوية لدى البلدان المتقدمة التي تجاوزت مرحلة التقسيم والتحديد إلى مرحلة‬
‫التنمية الفعلية والتنمية المتجددة‪.‬‬
‫على أن إشكالية التقسيم الجهوي الزالت مطروحة حي في البلدان المتقدمة بحدة اقل‪ ،‬مما دفع ‪ )Isard (1975‬إلى الفصل بين‬
‫الحدود اإلدارية وبين الحدود الفعلية للقضايا التنموية المطروحة قائال‪ :‬في بعض الحاالت نترك األحداث ترسم جهات أخرى عندما ال‬
‫تتالءم النطاقات الموجودة مع المشكل المطروح‪.‬‬
‫‪ .III‬التجربة الجهوية ببعض الدول األروبية‬
‫بعد هذا التقييم المختصر للتجارب المغربية السابقة في مجال الجهوية فإننا سنحاول التطرق إلى تنظيم واختصاصات الجهة في بعض‬
‫الدول المتقدمة كألمانيا‪ ،‬ايطاليا‪ ،‬اسبانيا وفرنسا لمقارنتها بما هو عليه الحال بالمغرب‪.‬‬
‫‪.1‬اختصاصات وتنظيم الجهة بالدول األروبية‬
‫بخصوص اختصاصات وتنظيم الجهة سنحاول من خاللها تسليط األضواء على مكانة الجهة داخل التنظيم اإلداري والسياسي في‬
‫بعض الدول المتقدمة‪.‬‬
‫هذا ويجب التذكير بأن الجهوية بالمفهوم الحديث تقوم على أساس وجود جهة مستقلة عن السلطة المركزية لها اختصاصات محددة‬
‫وموارد مالية وبشرية تسمح لها بتسيير أمورها باستقاللية وحرية في إطار من المسؤولية‪ ،‬غير أن وضعية الجهة والحرية التي‬
‫تتمتع بها تختلف من دولة إلى أخرى وذلك حسب شكل الدولة فيدرالي او موحد وكذلك حسب أساس شرعية وجودها دستوري او‬
‫قانوني وكذلك حسب طبيعة العالقة التي تربطها بالسلطة المركزية والجماعات المحلية األخرى‪.‬‬
‫وسنعمل في هذا المحور على التركيز على نقطة أساسية متمثلة في الوقوف على اختصاصات الجهة في هذه الدول باعتبارها‬
‫انعكاسا للجهة كممارسة‪ ،‬متجاوزين بذلك بعض النقاط الفرعية‪ ،‬ال نرى بدا من معالجتها في هذا العرض كمبررات الجهوية بالدول‬
‫األروبية وأساس شرعية الجهوية‪...‬‬
‫ان الدستور هو الذي المحدد الرئيسي الختصاصات الجهة في إطار الجهوية السياسية‪ ،‬بينما يحدد القانون العادي اختصاصات الجهة‬
‫في إطار الجهوية اإلدارية‪ .‬واالختصاصات التي تتمتع بها الجهات في إطار الجهوية السياسية ليست فقط اختصاصات إدارية وإنما‬
‫تشمل اختصاصات تشريعية وقضائية‪.‬‬
‫ففي ألمانيا فان الجهات ‪ LANDERS‬تتمتع باختصاصات تشريعية وقضائية وإدارية‪ ،‬وان كان مجال السلطة الفدرالية أوسع حيث‬
‫تتوفر على االختصاص العام باستثناء الميادين التالية‪ :‬التعليم والثقافة والشرطة والجماعات المحلية‪ ،‬غير إن الجهات تتوفر على‬
‫سلطة مراقبة التشريع الفدرالي من خالل المجلس الفيدرالي التي تمثل فيه الجهات‪ ،‬غير أن الجهات ملزمة باحترام المبادئ‬
‫الدستورية عند ممارستها لالختصاصات التشريعية‪.‬‬
‫وفي المجال القضائي‪ ،‬فإذا كانت الجهة تتوفر على محاكمها الخاصة سواء العادية أو الدستورية فإنها تخضع لمراقبة القضاء‬
‫الفيدرالي‪.‬‬
‫أما في ما يتعلق باالختصاصات اإلدارية فالجهة تتوفر على االختصاص العام‪ ،‬بحث أن اإلدارة االتحادية ال تتوفر على مصالح‬
‫خارجية لها بالجهات‪ ،‬كما أن اإلدارة الجهوية تعتبر المنفذ للقوانين الفدرالية وهذا االختصاص العام يشمل جميع الميادين باستثناء‬
‫السياسة الخارجية والدفاع والحقوق المدنية والسياسات النقدية والجمارك والحدود والنقل الجهوي‪.‬‬
‫أما بخصوص اختصاصات الجهات بايطاليا فهي أوسع بالمقارنة مع أكثر الدول األوربية بحيث تمارس تقريبا نفس االختصاصات‬
‫التي تمارسها الدويالت في إطار االتحاد الفدرالي‪ ،‬لهذا فإننا نجدها تتوفر على اختصاصات تشريعية‪ ،‬قضائية وإدارية باإلضافة إلى‬
‫توفرها على حق اقتراح القوانين كما أنها تشارك في انتخاب رئيس الدولة‪ .‬وهي تمارس وظيفة تشريعية أصلية في الميادين التي‬
‫حددها الدستور وعلى وظيفة تشريعية تكميلية للوظيفة التشريعية للدولة‪ ،‬وهذه الوظيفة األخيرة تتسع أكثر بالنسبة للجهات ذات‬
‫النظام الخاص‪ ،‬غير أن هذه الوظيفة محددة ببعض القواعد والمبادئ العامة والدستور‪.‬‬
‫أما فيما يخص مجال السلطة التشريعية الجهوية فقد حددها الفصل ‪ 117‬في الميادين التالية‪ :‬تنظيم اإلداري الجهوية ومصالحها‪،‬‬
‫األعمال الخيرية والمساعدة الصحية واالجتماعية‪ ،‬التعليم المهني‪ ،‬التعمير وإعداد التراب الوطني‪ ،‬الطرق الجهوية‪ ،‬المالحة‬
‫والموانئ‪ ،‬الفالحة والغابات والصناعات التقليدية‪ .‬أما في اسبانيا فان اختصاصات المجموعات المستقلة واسعة أيضا بحيث أن‬
‫الدستور االسباني حدد الئحتين الئحة خاصة باختصاصات السلطة المركزية والئحة خاصة بالمجموعات المستقلة‪ ،‬كما أن السلطة‬
‫المستقلة يعطيها الدستور حق تفويض جزء من اختصاصاتها لفائدة الجهات‪ ،‬لهذا نجد أن المجموعات المستقلة تتمتع باختصاصات‬
‫تشريعية في ميادين محددة دستوريا أو تلك المفوضة‪ ،‬من طرف السلطة المركزية كما تمارس سلطة تشريعية تكميلية‪ ،‬بحيث تحدد‬
‫القواعد واإلجراءات التشريعية التنظيمية لتكملة القوانين الوطنية‪ .‬وميادين السلطة التشريعية هي حسب الفصل ‪ 143‬ما يلي‪:‬‬
‫األشغال العمومية‪ ،‬المياه والغابات‪ ،‬الصحة العمومية‪ ،‬المكتبات والسياحة‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق باالختصاصات التي يمكن للسلطة المركزية تفويضها إلى الجهات نجد من بينها التشريع التجاري والمدني‪ ،‬التربية‪،‬‬
‫األمن العمومي وتنظيم االقتصاد‪.‬‬
‫أما االختصاصات اإلدارية فهي مرتبطة باالختصاصات التشريعية‪ ،‬كما انه بمقتضى الدستور يمكن للدولة أن تفوض إلى الجهات‬
‫بعض اختصاصاتها اإلدارية‪ .‬وفي هذا اإلطار نجد االختصاصات المتعلقة بتنفيذ قانون الشغل والضمان االجتماعي ونظام اإلعالم‬
‫واإلذاعة والتلفزة‪.‬‬
‫هذا وتجدر اإلشارة انه بالنسبة للمجموعات المستقلة في اسبانيا فإنها تتوفر هي األخرى على حق تقديم اقتراحات القوانين‪ ،‬كما أنها‬
‫تشارك في رسم السياسة المالية والجبائية للدولة من خالل مشاركتها في المجلس الوطني للسياسة المالية‪.‬‬
‫أما اختصاصات الجهة في إطار الجهوية اإلدارية كفرنسا فإنها ال تتوفر إال على اختصاصات إدارية محدودة بواسطة القانون العادي‪،‬‬
‫هذا وحسب إصالح ‪ 1982‬فان الجهات الفرنسية تتمتع باختصاصات أصلية كتلك المتعلقة بالتنمية االقتصادية والتخطيط‪ ،‬أما فيما‬
‫يتعلق باالختصاصات المحولة فهي المتعلقة بالتكوين المهني والتربية واالختصاصات المتعلقة ببعض جوانب إعداد التراب الوطني‪.‬‬
‫من خالل ما سبق‪ ،‬نالحظ أن تطور الجهوية في الدول الديمقراطية قد ال يرتبط بشكلها السياسي وإنما بدرجة ومستوى وتجدر‬
‫الممارسة الديمقراطية فيها‪ ،‬كما أن هذا التطور يتوقف على وجود اإلرادة السياسية الصادقة للمشرع إلعطاء الجهة مكانة سياسية‬
‫متميزة داخل التنظيم السياسي واإلداري وكذلك على ما تتوفر عليه من موارد مالية بحيث أن هذا العنصر األخير هو الذي يحدد‬
‫الطبيعة الحقيقية للجهوية ومستوى تطورها فالنظام المالي يعتبر العنصر الفاصل في نجاح التجربة الجهوية في أي دولة كيفما كان‬
‫شكلها فدرالي أو موحد‪ .‬ومن خالل هذه الدراسة المقارنة نالحظ أن التجربة الجهوية في الدول المتقدمة تتميز بما يلي‪:‬‬
‫الطبيعة الديمقراطية للتنظيم الجهوي‬
‫التحديد الدقيق الختصاصات الجهة‬
‫الدور المحدد للسلطات المركزية في الشؤون الجهوية‪.‬‬
‫‪.IV‬مراحل ترسيخ التنظيم الجهوي بالمغرب‪:‬‬
‫إذا كانت سياسة الجهوية هي أداة لتحقيق تنمية شاملة و متوازنة فإنها ال تنشئ من فراغ بل هي عبارة عن تطور متتالي لحلقات‬
‫تستند كل مرحلة فيها إلى سابقتها و تكون أساسا لما سيعقبها‪.‬‬

‫‪. I‬مرحلة ما قبل الحماية‪:‬‬


‫في هاته المرحلة أثارت الجهوية نقاش بين من يسير في اتجاه نفي وجود تنظيم إداري وإقليمي‪ ،‬فباألحرى نظام الجهة‪ ،‬واتجاه يرى‬
‫أن المغرب عرف نظاما للجهة قبل الحماية الفرنسية‪ .‬وقد عرف المغرب فكرة الجهوية منذ القديم حيث كان التقسيم يقوم على أساس‬
‫قبلي نتيجة كبر المساحة إال أنه خالل مرحلة ما قبل الحماية لم يكن هناك تنظيم جهوي بمفهومه الحديث بل كانت كل التنظيمات‬
‫تعتمد على األسس القبلية و الجغرافية ‪.‬‬
‫‪ .II‬مرحلة الحماية‪:‬‬
‫بعد توقيع معاهدة فاس ‪ ،1912‬بسط االستعمار نفوذه على المغرب محاوال مس هويته اإلسالمية والعربية‪ ،‬وانتهج سياسة فرق تسد‬
‫من خالل تغييرات مستوردة على التنظيم الجهوي السائد قبل الحماية‪.‬‬
‫وتميزت سياسة الجهوية إبان فترة الحماية بالحداثة إال أنها جاءت في مراميها مناقضة للمعنى القانوني للجهة‪ ،‬بحيث لم تكن للجهة‬
‫في ترسانة مؤسسة الحماية إدارة مركزية وإنما آلية للتأطير والتحكم السياسي والعسكري الالزمين لتهدئة البالد‪ ،‬وقامت مراقبتها‬
‫من طرف المستعمر وذلك بإحداث جهات عسكرية وأخرى مدنية واستعملت الجهة كإطار لعدم التركيز في نطاق االعتبارات العسكرية‬
‫واالستعمارية دون أي اعتبارات اقتصادية واجتماعية "منذ سنة ‪ ،1922‬اقترح جغرافيان تابعان للحماية‪ ،‬ج‪ .‬هاردي وج‪.‬سيليري‪،‬‬
‫توزيعا جهويا للمغرب حسب مجموعات كبرى‪ ،‬هي في الواقع جهات "طبيعية"‪ .‬ويرجع هذا التقسيم إلى بحث استكشافي أكثر مما‬
‫يعود إلى تحليل للتراب‪ .‬وهذه تسميات الجهات الستة‪:‬‬
‫‪ -‬جهة الشمال‪ ،‬وتضم الريف وضفاف البحر األبيض المتوسط‪،‬‬
‫‪ -‬حوض سبو‪،‬‬
‫الميسيطا المغربية او المغرب األوسط‪،‬‬
‫جبال األطلس‪،‬‬
‫المغرب الشرقي‪،‬‬
‫المغرب الصحراوي‪.‬‬
‫وبعد أزيد من عشرين سنة من ذلك‪ ،‬اي سنة ‪ ،1948‬أعاد ج‪.‬سيليريي نفسه التقسيم ذاته؛ اال انه أضاف إليه جهتين جديدتين‪ ،‬اذ‬
‫احدث تقسيما داخل وسط المغرب وجبال األطلس‪ .‬وهكذا‪ ،‬وفيما يخص وسط المغرب‪ ،‬ميز بين السهول االطلنتية من الرباط إلى‬
‫الصويرة كمجموعة ساحلية ؛ والهضاب والسهول العليا شبه األطلسية والتي يتكون منها الداخل‪ .‬أما فيما يخص جبال األطلس‪ ،‬فقد‬
‫ميز بين األطلس المتوسط و األطلس الكبير‪.‬‬
‫ويبقى هذا التقسيم الجهوي‪ ،‬رغم ما عرفه من تحسينات‪ ،‬تقسيما غير دقيق‪ .‬فسوس‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬غير معزولة وأدمجت في‬
‫جهة المغرب الصحراوي‪ .‬ذلك ان ما يفرض تحديد الجهات هي التناقضات الطبيعية الكبرى‪ .‬ولطالما سوف تستمر هيمنة العناصر‬
‫المادية هاته لتشكل على مدى عقود‪ ،‬المقياس المعتمد في تحديد الجهوية‪.‬‬
‫وبالفعل فإننا نالحظ اعتماد مصطلحات ترتبط بوصف التضاريس او الجيولوجيا في تسمية الجهات‪ :‬حوض وميسيطا وسالسل جبلية‪.‬‬
‫وتوظف كذلك عناصر التوجيه توظيفا مهما‪ :‬جهة الشمال‪ ،‬ووسط المغرب‪ ،‬والمغرب الشرقي‪ .‬وهذه أمور لها داللة إستراتيجية‪ ،‬إذ‬
‫أن الهدف من التقسيم هو الهيمة العسكرية وليس تحليال معقلنا لمكونات هذه المجموعات الجهوية‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ ،1950‬وضع ف‪.‬جولي في مجلة جغرافية فرنسية (المعلومة الجغرافية) جدوال "للجهات الجغرافية في المغرب"‪ .‬وهو‬
‫جدول يعتمد اعتمادا كبيرا على الفضاءات الطبيعية‪ .‬وبعد عشر سنوات من ذلك أي سنة ‪ ،1960‬نشر المؤلف نفسه خريطة حسب‬
‫السلم ‪ 1:1000000‬الستغالل التربة في المغرب تضم تقسيما دقيقا مفصال‪ ،‬مصحوبا بتعليق موجز؛ إال انه ال يغطي سوى الجزء‬
‫الشمالي من البلد‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ ،1964‬اقترح أول كتاب مدرسي عن جغرافية المغرب المستقل ووجه لتالميذ المدارس الثانوية (مارتان وآلخرون ‪)1964‬‬
‫تصورا يقسم البالد إلى اثني عشر جهة‪ .‬وتهيمن على هذا التقسيم التسميات الطبيعية‪ :‬جبال الريف‪ ،‬وسهول المغرب الشمالي‬
‫وهضابه‪ ،‬واألطلسين المتوسط والكبير‪ ،‬وكتل االطلنتي‪ ،‬وسهول المغرب الداخلي‪ ،‬والسهول االطلنتية الوسطى وهكذا‪ ...‬وحدها‬
‫الجهات التي سميت بالغرب و"الدار البيضاء" تحيل على عنصر بشري وتشكل استثناء في هذه التسميات‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ ،1967‬ظهر كتاب ج‪ .‬ديبوا رينال‪( ،‬جغرافية إفريقيا الشمالية الغربية)‪ .‬وهو كتاب يغطي مجموع البلدان المغاربية‪ ،‬ويقسم‬
‫المغرب تقسيما جهويا يختلف قليال عن تقسيم هاردي وسيليريي الذي وضع قبلة بخمس وأربعين عاما‪ .‬استمرت في هذا الكتاب‬
‫هيمنة التسميات الطبيعية رغم ظهور محتشم لمفهوم "الجبال الرعوية" عند الحديث عند الحديث عن جبال األطلس المتوسط ووسط‬
‫األطلس الكبير وشرقه‪ .‬وهو مفهوم يدمج عامل"نمط‪.‬العيش"‪.‬‬
‫من هنا يتضح أن الجهوية في عهد الحماية لم تكن تعني تنظيم وإعادة هيكلة المجال بصفة عامة بقدر ما كان التقسيم الجهوي الذي‬
‫اعتمدته سلطات الحماية الفرنسية ذا اعتبارات عسكرية وأمنية باألساس‪ .‬وعمل المستعمر على طمس روح النظام المحلي الجهوي‬
‫الذي عرفه المغرب وحلت أنظمة إدارية جديدة مستمدة من النظام الفرنسي محل أساليب وهياكل اإلداري التقليدية لإلمبراطورية‬
‫الشريفة‪.‬‬
‫‪.III‬التنظيم الجهوي في عهد االستقالل‬
‫واجهت اإلداري المغربية الفتية عدة عوائق بوصفها الوصية على إرث الحماية المتمثل في بنية تحتية معقدة لم تحظى ال بالقبول وال‬
‫بالرفض المطلق من قبل السلطات المستقلة وال هي متكيفة مع حاجات السكان‪ .‬وفي هاته المرحلة تراجع االهتمام بالتنظيم الجهوي‬
‫ليحل اإلطار اإلقليمي والجماعي محله بغية فرض سلطة الدولة المستقلة إداريا وسياسيا‪ ،‬بحيث اعتبر التقسيم اإلقليمي‪ ،‬أهم‬
‫التقسيمات اإلدارية للدولة‪.‬‬
‫ولم يظهر االهتمام بالمجال الجهوي إال بعد استفحال خطورة الفوارق والتفاوتات الجهوية وعجز اإلطار اإلقليمي عن مواجهتها‪،‬‬
‫وذلك نظرا لمحدوديته وقصوره عن تحقيق التنمية االقتصادية واالجتماعية والقضاء على اإلختالالت والالتوازنات التي خلفتها‬
‫السياسة الكلونيالية التي خدمت األهداف االستعمارية‪.‬‬
‫وبسبب االختالف في بناء حجم األقاليم وعدم تساويها من حيث عدد السكان وعن الموارد الطبيعية‪ ،‬أصبحت الجهة هي الوسيلة‬
‫المالئمة كاختيار إلعداد التراب الوطني والتنمية الجهوية‪ ،‬إذ بدأ االنشغال بالجهوية من خالل المخططات التنموية االقتصادية‬
‫واالجتماعية المستمرة التي عرفها المغرب لولوج مرحلة جديدة نحو ترسيخ الديمقراطية المحلية‪ .‬لكن هذه السياسة كانت تفتقر إلى‬
‫التنسيق واالنسجام وعلى رؤية واضحة للقضايا الجهوية وظلت مجرد متمنيات‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 1971‬جاء نظام الجهات االقتصادية كأداة للتنمية االقتصادية واالجتماعية واعتبرها قاعدة ترابية لهذه التنمية‪ ،‬وقد تم‬
‫تقسيم المجال الترابي إلى سبع جهات‪ ،‬وبذلك تم وضع الهياكل وتحديد المفهوم القانوني للجهة‪ ،‬اعتمادا على عدة معايير‪.‬‬

‫‪-‬معيار سياسي‪ :‬معنى هذا أن الدولة في اطار وعيها بتطور النخب المحلية ووعيا منها بمتطلبات هذه المرحلة فقد عمدت الى ادماج‬
‫هذه النخب في اطار جهوي وهو معيار خفي وغير معلن‪.‬‬
‫‪-‬احترام التقسيمات السابقة تقريبا‪ :‬وهو معيار خاطئ ألن أهداف التقسيم االستعماري مختلف عن أهداف التقسيم في فترة االستقالل‬
‫‪ -‬معيار طبيعي‪ :‬ومعنى هذا أن تتشكل كل جهة من وحدات طبيعية مختلفة قدر االمكان وكذلك أن تتوفر على واجهة بحرية مع‬
‫استثناء جهة واحدة‪.‬‬
‫‪-‬المعيار البشري‪ :‬أي ضرورة العمل على خلق جهات متوازنة من حيث عدد السكان وهذا ما يفسر كبر بعض الجهات مجاليا‪.‬‬
‫‪-‬معيار البنيات التحتية‪ :‬يعني ضرورة توفر كل جهة على بنية تحتية‪.‬‬
‫وهكذا تحول االتجاه صوب تقرير التمركز اإلداري حتى يتماشى بموازاة مع الالمركزية‪ ،‬وجاء خطاب جاللة الملك المغفور له الحسن‬
‫الثاني سنة ‪ ،1984‬مؤكدا للرغبة في إحداث جهوية ذات هياكل جهوية وتشريعية وتنفيذية‪.‬‬
‫وتزامن الطرح مع مواقع كانت فيه اإلداري تحتل مكانا واسعا‪ ،‬وتقوم بأدوار وتدخالت تتزايد يوم بعد يوم‪ ،‬وظلت الجهة هي المجال‬
‫السياسي األكثر تحررا واألحسن مالئمة للفاعلين المنبثقين عن مختلف الفئات المحلية‪ ،‬إذ تشكل مجاال لجماعات تديرها هيآت‬
‫منتخبة وتسيرها بكيفية حرة‪ ،‬تتيح لمختلف االتجاهات التدخل واالبتكار في مختلف المسائل باستثناء ماله صلة بالمجال السياسي‬
‫العام للدولة‪.‬‬
‫وهكذا بدأ المد الجهوي يحظى باهتمامات خاصة أبرزها التعديل الدستوري لسنة ‪ ،1992‬الذي ارتقى بالجهة إلى مصاف الجماعات‬
‫المحلية‪ ،‬حسب مقتضيات الفصل (‪ .)94‬وتم تدعيم مركز الجهة في التعديل الدستوري لسنة ‪ ،1996‬حسب مقتضيات الفصل (‪،)100‬‬
‫باإلضافة إلى القانون المنظم للجهات رقم ‪ 47-96‬الصادر في ‪ 2‬أبريل ‪ ،1997‬حيث أصبح للجهة كيان مستقل يتمتع بالشخصية‬
‫المعنوية واالستقالل المالي واختصاصات قانونية تقريرية واستشارية‪.‬‬
‫وأخيرا‪ ،‬في سنة ‪ ،1997‬تبنى التقسيم الجهوي واإلقليمي ‪ 16‬جهة و‪ 44‬إقليما و ‪ 24‬عمالة و ‪ 10‬واليات‪ .‬لم يعد األمر يهم هنا‬
‫"جهات اقتصادية" كما كان في السابق‪ ،‬ولكن مجموعات عبارة عن مجاالت فرعية للتراب الوطني‪ ،‬تتمتع بسلط وتمثل السلطة‬
‫المركزية وتشكل فضاءات التدبير المستقل‪ ،‬كما تنص على ذلك النصوص المنظمة‪ .‬يكمن هنا تطور ملحوظ في اتجاه الجهوية كان قد‬
‫أراده العاهل نفسه‪ ،‬فطبقه المشرع ووزارة الداخلية‪ .‬والمالحظ في هذا التقسيم األخير‪ ،‬عندما نتأمل الخريطة التي تمثل ‪ 16‬جهة‬
‫سرعان ما نالحظ ان تقسيم مختلف الوحدات ومحتوياتها قد تحسن تحسنا كبيرا بالمقارنة مع تقسيم‪. 1971‬‬
‫إذا كانت هذه مجمل المراحل الرئيسية للتنظيم الجهوي بالمغرب‪ ،‬فما هي يا ترى الدوافع واألسباب التي كانت وراء االقتناء بالعمل‬
‫الجهوي؟‬
‫‪.IV‬دوافع وأسباب إحداث الجهة‬
‫يمكن تلخيص الدوافع األساسية للجهوية بالمغرب من خالل ثالث محاور‪:‬‬
‫‪ -‬دوافع سياسية تهدف إلى تدعيم الالمركزية ودمقرطة المؤسسات الجهوية‬
‫‪ -‬دوافع إدارية‪ ،‬فضال عن دوافع اجتماعية واقتصادية‪.‬‬
‫* الدوافع السياسية‪ :‬تتجلى في كون المسألة الديمقراطية المحلية‪ ،‬أصبحت إحدى المظاهر السياسية للمجتمع المدني‪ ،‬وقد جعلت من‬
‫الجهة عبر مجلسها المنتخب بطريقة ديمقراطية ذلك المجال الذي يتيح للسكان المحليين عبر منتخبيهم الجهويين حق المشاركة‬
‫الشعبية القادرة على تحقيق التطور الذاتي‪.‬‬
‫فالجهوية احتلت مكانة في الخطاب السياسي وأصبحت من القضايا التي شغلت رأي جميع القوى الوطنية التي هدفت إلى تحقيق‬
‫الديمقراطية المحلية من خالل دعم السياسة الجهوية التي نشدتها اإلصالحات الدستورية والسياسية‪.‬‬
‫وجاءت الجهة في إطار تشييد مغرب حديث لتحقيق قفزة نوعية في مجال الديمقراطية المحلية وتوسيع الالمركزية ألنها تشكل أداة‬
‫للتنمية االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وإطار للحوار والمشاركة بين كافة مكوناته‪.‬‬
‫وبالتالي عملت الجهة على استكمال الصرح المؤسساتي التمثلي للمملكة وتوفر فضاءا جديدا للتداول والتشاور واإلنجاز‪ ،‬خصوصا‬
‫بعد أن ثبت فشل إدارة جميع المرافق المركزية‪.‬‬
‫وهكذا أصبحت الجهة تقنية جديدة لممارسة الديمقراطية على الصعيد الجهوي كما أنها تعتبر وسيلة لتحديث الدولة‪ ،‬ومحورا جديدا‬
‫للديمقراطية وشرعية السلطة السياسية‪.‬‬
‫* الدوافع اإلدارية‪ :‬هنا عملت السلطة المركزية منذ االستقالل على إنشاء مصالح ومرافق إدارية تساعد الحكومة على الصعيد‬
‫المحلي وأيضا عملت على الزيادة في عدد الواليات والعمالت واألقاليم والجماعات الحضرية والقروية‪ ،‬وإحداث وحدات ترابية جديدة‬
‫وهي الجهات‪ ،‬كل ذلك بغية تقريب اإلداري من المواطنين‪ .‬وبالتالي يصبح التنظيم الجهوي أحد األساليب اإلدارية إلدارة المرافق‬
‫العامة لتلبية حاجيات األفراد والسكان ألن المجلس الجهوي المنتخب من قبل سكان الجهة يكون على دراية بحاجياتها وإدارة‬
‫مرافقها بالشكل الذي يتالئم ورغبات السكان وبفعالية أكبر ولو سيرت تلك المرافق من قبل المسؤولين الحكوميين على الصعيد‬
‫المركزي‪ .‬وأصبح المنهج الجهوي آلية مناسبة للتقليص من البيروقراطية ‪ ،‬وذلك لتقريب القرار اإلداري من مكان تنفيذه‪.‬‬
‫وإقرار الجهة كوحدة ال مركزية في إطار تنظيم اإلداري المحلية‪ ،‬يدخل إجماال في إطار اإلصالح اإلداري عموما‪ ،‬والدافع اإلداري في‬
‫إقرار الجهة جاء في إطار تقليص دور الدولة في بعض المجاالت وتفويتها للجهة حيث تصبح هي المسؤولة عن الوظيفة والموظفين‬
‫في نطاق ترابها‪.‬‬
‫*‪..‬دوافع تاريخية وثقافية‪ :‬ذلك أن الجهوية تمثل أسلوبا عصريا لممارسة الديموقراطية حيث تأخذ بعين االعتبار اختالف المقومات‬
‫الثقافية واالجتماعية داخل نفس البلد‪ ،‬فهي بهذا توفر للكيانات االجتماعية استقاللية في تسيير شؤونها ‪،‬كون المنطق السليم‬
‫للديموقراطية ال يقتضي فقط خضوع األقلية لألكثرية بل أيضا االعتراف بوجود األقلية التي قد تشكل كيانا له بعد تاريخي وبالتالي‬
‫ضرورة االعتراف بحقوقه السياسية واالجتماعية كحقها في تسيير شؤونها بنفسها ‪.‬‬
‫* الدوافع االقتصادية واالجتماعية‪ :‬أصبحت الجهوية من االستراتيجيات الرئيسية للتنمية االقتصادية واإلقالع السوسيوقتصادي‪،‬‬
‫بصفة عامة ‪ ،‬فالسياسيات االقتصادية المعاصرة أصبحت تعتمد على التنظيم الجهوي باعتباره اإلطار األصلح‪ ،‬لوضع كل‬
‫االستراتيجيات التنموية وكذا كل تخطيط اقتصادي طموح‪ .‬فالجهة هي الفضاء الذي ال بد منه لتنسيق التنمية‪ ،‬األمر الذي يصعب على‬
‫الجماعات الترابية األخرى القيام به وعلى الحكومة ممارسته‪.‬‬
‫فالدافع االقتصادي واالجتماعي وتحقيق التنمية هو الدافع األساسي نحو إقرار سياسته الجهوية ألن موضوع التنمية االقتصادية‬
‫واالجتماعية على كافة المستويات يكتسي أهمية قصوى في الوقت الراهن وفي المستقبل‪.‬‬
‫وأمام فشل الدولة في القضاء على الالتوازنات فيما بين مناطق وجهات المغرب‪ ،‬فقد تم التكريس الدستوري للجهة منذ سنة ‪،1997‬‬
‫والتركيز على التوجهات التنموية واالقتصادية على أساس الجهوية والتنمية المحلية‪ ،‬وكذلك اختيار المخططات كوسيلة لتحقيق تلك‬
‫األهداف‪ ،‬سواء على المستوى الوطني والجهوي واإلقليمي والمحلي‪ .‬وبذلك تكون التنمية االقتصادية واالجتماعية دافعا أساسيا نحو‬
‫تفعيل دعم وجود الجهة‪.‬‬
‫‪ .V‬الجهوية الموسعة‬
‫إن إشكاليات مفهومي الدولة واألمة‪ ،‬جعلت أن المشهد والتاريخ المغربي يتسمان ويرتكزان على المركزية‪ .‬هاته األخيرة لم تصبح‬
‫مجدية وذات فعالية مع االنفتاح الذي أصبح يعرفه العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية‪ .‬فالعولمة أملت على جميع اقتصاديات‬
‫الدول تغييرات جذرية في بنيتها ‪،‬حتى أصبحت الدولة ملزمة على تنظيم الحياة االقتصادية في ظل اقتصاد السوق الذي يعرفه‬
‫العالم‪.‬من هنا أصبحنا في حاجة ماسة إلى مقاربة جهوية تجعل من المغرب بلدا يحتضن جميع مناطقه‪.‬‬
‫من هنا بدأ التفكير في التأسيس لجهوية موسعة تكون الفاعل القوي لحكامة ترابية متجددة يكون الرابح األكبر فيها هو العنصر‬
‫البشري‪ .‬فالديمقراطية الحقيقية هي التي تأخذ بعين االعتبار األبعاد االقتصادية‪ ،‬الثقافية واالجتماعية في مسطرة أدبياتها‪.‬‬
‫فالعاصمة الرباط يجب أال تكون فقط المدينة المحورية في رسم المسار الفكري أو السياسي للمواطن‪ ،‬بل يجب منح جهات أخرى‬
‫الفرصة لكي تكون حتى هي أقطاب شيء ضروري من أجل مغرب أكثر ديمقراطية وأكثر فعالية‪ .‬فكل جهة مغربية لها خصوصيات‬
‫قد تجعل منها قطبا رائدا في المجاالت التي تالئمها‪ .‬فهناك جهات قد تكون قطبا تكنولوجيا عالميا‪ ،‬وجهات أخرى قد تؤسس لنمو‬
‫فالحي قوي‪.‬فالنظرة الشمولية يجب أن تكون مبنية على رؤية واقعية لخاصيات أي جهة ‪.‬‬
‫الالمركزية اإلدارية التي نتحدث عنها يجب أن يصاحبها المركزية سياسية لخلق تنافس حقيقي بين الجهات‪ .‬فإرساء الممارسة‬
‫الديمقراطية التشاركية لن يتأتى إال بجعل الكل وجميع الجهات داخل الهدف الوحيد الذي هو مغرب أفضل يحتضن جميع أبنائه من‬
‫طنجة إلى الكويرة‪.‬‬
‫ويجب التأكيد على أن إعطاء الشرعية الديمقراطية للمؤسسات الجهوية سيعزز الديناميكية السياسية التي تستوجب أن تكون وأن‬
‫تسود بين المواطن والسياسي‪.‬‬
‫ومن هنا جاءت الجهوية الموسعة والمتدرجة ضرورة يقتضيها مسار االنتقال الديمقراطي‪ ،‬وورش إصالحي هيكلي لترسيخ‬
‫الحكامة المحلية وتفعيل التنمية الجهوية في إطار من الوحدة والتوازن والتضامن واالنسجام؟ إلى أي حد جعل مشروع الحكم‬
‫الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية من مسألة الجهوية مطلبا ديمقراطيا وطنيا إلعطاء الجهات هامشا واسعا في التدبير‬
‫الذاتي والتخلص من أعباء المركزية المفرطة‪.‬‬

‫الجهوية الموسعة أساس تدعيم التنمية واالستقرار بالمغرب‬


‫ان ورش الجهوية الموسعة يعتبر تحديا جديدا يرفعه المغرب اليوم بقيادة جاللة الملك‪ ،‬وذلك في خطابه يوم ‪ .2010-01-11‬وهو‬
‫ورش هيكلي كبير يتطلب تعبئة قوية من طرف الجميع طالما أنه يأتي لتعزيز المسار الديمقراطي وصيانة الوحدة الترابية على إثر‬
‫التطورات التي عرفتها كل من قضية الصحراء والمسألة الديمقراطية‪ ،‬هل يمكن تأسيس ترابط بين هذين المعطيين؟ وهل يمكن‬
‫القول بأن الديمقراطية المحلية في معناها الواسع أي في إطار الحكم الذاتي سيهب ريحها من الجنوب؟‬
‫إن مسألة االستقالل الذاتي والجهوية هي فكرة سبق ألحد برلمانيي الحزب الشعبي السيد ‪ Javier Ruperez‬أن دافع عنها لنقول‬
‫إن أمكن أن قضية الصحراء مثلت أو حلت محل المشروع المجتمعي الذي كانت الدولة المغربية في حاجة ماسة إليه لتعبئة الشعب‬
‫المغربي‪ ،‬من السلم وتجديد الشرعية والحماسة الوطنية وربطها بنوع من االنفراج السياسي لضمان حد أدنى من السلم واالستقرار‬
‫السياسي واالجتماعي ال سيما إذا تم مزج تطور المسألة الديمقراطية الراهنة بتطور قضية الصحراء‪،‬وتالقحهما‪ ،‬وانفتاح النظام‬
‫السياسي عن طريق تحديث بنياته االقتصادية والسياسية واالجتماعية والثقافية‪،‬ومن تم المرور إلى الدولة الجهوية‪ .‬ومن المؤكد‬
‫أن السمو بالديمقراطية المحلية‪ ،‬وبالالمركزية نحو الرقي‪ ،‬سيساعد المغرب على مواجهة طوفان العولمة والمحافظة على هويتنا‬
‫وأصالتنا وعلى وحدتنا الوطنية والترابية واالجتماعية من جهة‪ ،‬كما يساعد على ضمان االستقرار السياسي على المستوى‬
‫الداخلي‪ ،‬وكذا على مستوى العالقات مع الدول المجاورة كالجزائر‪ ،‬كما أن السياسة الجهوية تمثل حال مقنعا الستكمال الوحدة‬
‫الترابية‪ ،‬وعامال مهما لالستقرار وللنهوض بالتنمية‪.‬‬
‫وقد جاء الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى ‪ 33‬النطالق المسيرة الخضراء المظفرة حامال لمشروع جهوية موسعة تندرج‬
‫ضمن البناء الديمقراطي الحداثي للمغرب و النهوض بمسلسل التنمية الجهوية للبالد في إطار الحكامة الجيدة والديمقراطية‬
‫المحلية‪ ،‬يقول جاللة الملك محمد السادس نصره هللا في هذا اإلطار‪:‬‬

‫لذلك قررنا‪ ,‬بعون هللا‪ ,‬فتح صفحة جديدة في نهج اإلصالحات المتواصلة الشاملة التي نقودها ‪ ,‬بإطالق مسار جهوية متقدمة‬
‫ومتدرجة‪ ,‬تشمل كل مناطق المملكة‪ ,‬وفي مقدمتها جهة الصحراء المغربية‪ ,‬مؤكدين عزمنا الراسخ على تمكين كافة ساكنتها‬
‫وأبنائها من التدبير الديمقراطي لشؤونهم المحلية ضمن مغرب موحد‪ ,‬سواء بإقامة جهوية واسعة ومالئمة‪ ,‬وذلك طبقا إلرادتنا‬
‫الوطنية‪ ,‬أو من خالل الحكم الذاتي المقترح متى تم التوافق السياسي بشأنه واعتماده كحل نهائي‪ ,‬من طرف المنتظم األممي‪.‬‬

‫شعبي العزيز‪ ,‬إن مشروع الجهوية‪ ,‬إصالح هيكلي عميق يقتضي جهدا جماعيا لبلورته وإنضاجه‪ ,‬لذا‪ ,‬ارتأيت أن أخاطبك في شأن‬
‫خارطة طريقه ‪ :‬أهدافا‪ ,‬ومرتكزات‪ ,‬ومقاربات‪ .‬فطموحنا الكبير من هذا الورش الواعد هو ترسيخ الحكامة المحلية الجيدة وتعزيز‬
‫القرب من المواطن وتفعيل التنمية الجهوية المندمجة‪ ,‬اال قتصادية واال جتماعية والثقافية‪ .‬ولبلوغ هذه األهداف‪ ,‬فإن هذا اإلصالح‬
‫يجب أن يقوم على مرتكزات الوحدة والتوازن‪ ,‬والتضامن‪ .‬فأما الوحدة‪ ,‬فتشمل وحدة الدولة والوطن والتراب‪ ,‬التي ال يمكن ألي‬
‫جهوية أن تتم إال في نطاقها‪ .‬وأما التوازن‪ ,‬فينبغي أن يقوم على تحديد االختصاصات الحصرية المنوطة بالدولة مع تمكين‬
‫المؤسسات الجهوية من الصالحيات الضرورية للنهوض بمهامها التنموية‪ ,‬في مراعاة لمستلزمات العقلنة واالنسجام والتكامل‪.‬‬
‫ويظل التضامن الوطني حجر الزاوية‪ ,‬في الجهوية المتقدمة‪ ,‬إذ أن تحويل االختصاصات للجهة يقترن بتوفير موارد مالية عامة‬
‫وذاتية‪ .‬كما أن نجاح الجهوية رهين باعتماد تقسيم ناجع يتوخى قيام مناطق متكاملة اقتصاديا وجغرافيا ومنسجمة اجتماعيا‬
‫وثقافيا‪ .‬وعلى غرار نهجنا في تدبير القضايا الكبرى لألمة‪.‬‬

‫هذا وإذا كان الحكم الذاتي المتطور في إطار الالمركزية الجهوية والوحدة الوطنية‪ ،‬اختيار ملكي مفاده أن المغرب مستعد للتفاوض‬
‫في كل شيء ماعدا الطابع البريدي والعلم المغربي‪ .‬بمعنى الطرح الملكي جاء مستوف لسياسة جهوية عصرية ليس لها حدود ما‬
‫عدا تلك التي تمس بالسيادة التي يرمز إليها الطابع البريدي وعلم البالد‪ ،‬وكل ذلك يهف حسب اعتقادنا إلى إقناع الطرفين بشيئين‬
‫اثنين‪:‬‬
‫‪ -1‬طرح فكرة اإلدماج والتخلص من مخلفات الحرب الباردة‪ ،‬دون المساس بالسيادة الوطنية‪.‬‬
‫‪ -2‬فتح مجال للعيش في استقرار‪ ،‬إذا كان الهدف من هذا الملف الشائك هو كذلك‪ ،‬وتحقيق ذلك في إطار الحكم الذاتي تحت السيادة‬
‫المغربية‪ ،‬سواء بالنسبة لمنطقة الصحراء أو باقي مناطق المغرب‪.‬‬
‫إن االعتماد على التاريخ لتعزيز الجغرافية‪ ،‬والخروج من نقطة الصفر‪ ،‬والنهوض بالمشروع المبني على قاعدة جهوية متينة تتيح‬
‫االنصهار في كيان ديموقراطي تعددي موحد‪ ،‬في إطار الالمركزية الجهوية والوحدة الوطنية هو الحل الوحيد لبناء مغرب قادر على‬
‫مواجهة ما ينتظره من تحديات هذا القرن‪.‬‬
‫******‬
‫المصدر‪:‬ديوان أصدقاء المغرب‬

You might also like