You are on page 1of 31

‫علم الرجال وقواعد الجرح والتعديل‬

‫تعريف علم الرجال‪ :‬هو علم يبحث فيه عن أحوال الرجال وعن أوطاهنم ورحالهتم وطبقاهتم ومراتبهم‬
‫ومواليدهم ووفياهتم وما ورد فيهم من جرح أو تعديل‪.‬‬

‫هذا العلم من العلوم املتعلقة باحلديث النبوي فال بد أوال من تقسيم احلديث حىت يتضح ما يتعلق بعلم‬
‫الرجال و ما يتعلق بعلم اجلرح والتعديل‪.‬‬

‫فاحلديث يتكون من جزئني‪ :‬السند واملنت‪.‬‬

‫السند هو‪ :‬الطريق املوصل إىل املنت وهو سلسلة الرواة الذين نقلوا إلينا األحاديث‪.‬‬

‫المتن هو‪ :‬ما ينتهي إليه السند من الكالم أو هو الكالم نفسه‪ ،‬قوال كان أو فعال أو تقريرا‪.‬‬

‫هذه املادة أي علم الرجال وقواعد اجلرح والتعديل متعلقة باجلزء األول وهو اإلسناد وأما اجلزء الثاين وهو‬
‫املنت مع أننا ال نستغين عن دراسته وتقييمه وعن معرفة صحيحه عن سقيمه لكن ذاك علم آخر وهو‬
‫اجلانب الدرائي النقدي التحليلي للمنت وال بد من حتليل املنت وحماولة فهمه ليعرف هل هو يطابق أصول‬
‫الشريعة أم خيالفها؟ وهل حيمل على ظاهره أو حيتاج إىل التأويل؟ وجمال هذا كله األصول والفقه وأيضا‬
‫احلديث ألن احملدثني يبحثون عن املنت أيضا ولكن الغالب عليهم هو البحث عن اإلسناد ألن هذا أول‬
‫شيء حنن نرجع إليه يف معرفة احلديث صحة وضعفا مثال حينما نسمع احلديث‪" :‬إن أبغض الرجال على‬
‫اهلل األلد اخلصم"‪ ،‬قبل أن حنكم أو نصدر حكما على احلديث حسب عقولنا‪ ،‬حنن حنتاج أن نرجع إىل‬
‫من روى هذا احلديث فإذا عرفنا السند وعرفنا أن هذا السند متصل ومل يكن يف رواته من هو ضعيف‪ ،‬إذا‬
‫ننتقل إىل اخلطوة الثانية وهي املنت فنحاول أن نعرف املنت فإذا هناك مشكلة أو تعارض مع القرآن الكرمي‬
‫أو مع السنة املتواترة أو أحاديث أخرى عندئذ ننتقل إىل مرحلة أخرى وهي مرحلة اجلمع أو النسخ أو‬
‫الرتجيح أو التوقف‪ ،‬املراحل اليت هي معروفة عند العلماء فاإلسناد هو األساس فنحن ال نشتغل بكل كالم‬
‫أوال نتأكد هل من كالم النيب صلى اهلل عليه وسلم أم ال فإذا عرفنا أنه ليس كالما له وليس هلذا الكالم‬

‫‪1‬‬
‫أو القول سند أو أنه موضوع فال نشتغل به وال حاجة إىل التوفيق بينه وبني أصول الشريعة‪ ،‬فاإلسناد مبثابة‬
‫اجلدران واألعمدة واملنت مبنزلة السقف فال يقوم السقف إال باجلدران أو األعمدة فاإلسناد عبارة عن الرواة‬
‫والرجال الذين رووا كالم النيب صلى اهلل عليه وسلم وفعله وتقريره فال نعرفهم ألننا تعتمد عليهم يف كالم‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم ومن هنا تظهر لنا أمهية اإلسناد‪.‬‬

‫أهمية اإلسناد واإلهتمام به‬

‫ويف أمهية اإلسناد يقول عبد اهلل بن مبارك‪" :‬اإلسناد من الدين‪ ،‬ولوال اإلسناد لقال من شاء ما شاء" يعين‬
‫إن مل يكن اإلسناد كل واحد يرسل الكالم ويقول يف الدين أشياء غري مرضية‪ ،‬إذا فاإلسناد من الدين‬
‫وهلذا كان العلماء يقولون من قدمي‪" :‬إذا كنت مدعيا فالدليل" يعين إذا كنت تتدعي شيئا ال بد وأن تأيت‬
‫بالدليل وإذا كنت تنقل شيئا ال بد أن تتأكد من صحته‪.‬‬

‫و اإلهتمام باإلسناد بدأ مبكرا وكان هذا يف زمن الصحابة رضي اهلل عنهم كما روى مسلم بسنده عن‬
‫ابن سريين قال ‪ :‬مل يكونوا يسألون (أي الصحابة وكبار التابعني) عن اإلسناد حىت وقعت الفتنة (أي فتنة‬
‫مقتل عثمان رضي اهلل عنه) فلما وقعت الفتنة قالوا ‪ :‬مسوا لنا رجالكم ‪ .‬فينظر إىل أهل السنة فيؤخذ‬
‫حديثهم ‪ ،‬وينظر إىل أهل البدع ‪ ،‬فال يؤخذ حديثهم‪ .‬فاإلسناد بدأ مبكرا مع وقوع فتنة مقتل عثمان ويف‬
‫هذه الفرتة كثري من الصحابة وكبار التابعني هم الذين كانوا يسألون عن اإلسناد وهذا يدل أن قبل ذلك‬
‫مل يكونوا يسألون عن اإلسناد ألن الناس كانوا معروفني بالصدق واألمانة وكانوا عدول ال يتعمدون الكذب‬
‫على النيب صلى اهلل عليه وسلم وهم خري القرون ومل يكن هناك كذب و ال داعي لذكر الصحايب وال ذكر‬
‫من مسع من الصحابة وأما بعد وقوع الفتنة تدخلت األهواء ونشأت الفرق وكل حزب مبا لديهم فرحون‬
‫وكل فرقة حتتاج إىل دليل على ما عندها ورمبا ال جتد هذا الدليل بالتأويل يف القرآن فتلجأ إىل السنة فيخرتع‬
‫من عنده شيئا وينصبه دليال وينشره يف الناس تأييدا ملذهبه أو رأيه الذي يراه فإذا هناك قل الورع واالحتياط‬
‫فلذلك بدأ الصحابة وكبار التابعني حيتاطون يف رواية احلديث مع أن االحتياط كان موجودا من قبل أيضا‬
‫حنن نعرف أن أبا بكر رضي اهلل عنه يف مسئلة مرياث اجلدة ملا جاء حممد بن مسلمة وقال أعطاها النيب‬

‫‪2‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬طلب أبوبكر منه شاهدا وأيضا أبوموسى األشعري ملا ذهب عند عمر بن اخلطاب‬
‫رضي اهلل عنه ودق الباب ثالثا ومل يُفتح رجع وملا سئله عمر عن رجوعه قال‪ :‬االستئذان ثالثة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫لتأتني مبن يشهد على ذلك أو أوجعت ظهرك ضربا وجاء أبوسعيد اخلدري وهو أصغر الصحابة يف اجمللس‬
‫وشهد أنه مسع عن البين صلى اهلل عليه وسلم وكان علي رضي اهلل عنه يستحلف‪-‬هذا من باب التأكد‪-‬‬
‫حىت ال يتجرأ أحد أن يتقول على النيب صلى اهلل عليه وسلم فظهر أن هذا التأكد واالحتياط والتثبت يف‬
‫الرواية كان موجودا حىت يف زمن الصحابة‪ ،‬فالثبت والتأكد واالحتياط دائما يكون موجودا ولكنها بعد‬
‫الفتنة أكثر ألن هناك قد وجد ناس يكذبون ويضعون األحاديث تأييدا ملذاهبهم فكانوا يقولون بعد ذلك‬
‫مسوا لنا رجالكم‪.‬‬

‫ملاذا هذا التدقيق والتحقيق يف أمر اإلسناد؟ ألن العلم الذي ينقله إلينا هذا اإلسناد هو دين لنا ولذلك‬
‫ابن سريين نفسه يقول ‪ :‬إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم‪ ،‬فيمكن أن يتدخل فيه اهلواء‬
‫وغريه ما ال يتدخل يف علوم أخرى كالرياضيات‪ ،‬والفزياء واهلندسة وغريها فال بد من التأكد والتثبت فيه‬
‫والتألد من صفات الرواة وأحواهلم مسي بعلم الرجال أو علم الرواة وهذا العلم بدوره يتكون من جزئني ‪:‬‬

‫‪ -1‬علم التاريخ الذي نسميه بتاريخ الرواة‪.‬‬


‫‪ -2‬احلكم الذي حنن نسميه بعلم اجلرح والتعديل‪.‬‬

‫قبل استقرار املصطالحات مل يكن مصطلح علم الرجال معروفا مثال زمن اإلمام البخاري وقبله وابن سعد‬
‫وخليفة بن خياط وغريهم من املؤلفني األوائل وهؤالء ما مسوا كتبهم بكتب علم الرجال وهذا املصطلح مل‬
‫يكن مشهورا ومعروفا ولذلك اإلمام البخاري يكتب كتابا امسه التاريخ الكبري والتاريخ الصغري وكل هذا يف‬
‫تاريخ الرواة وليس كأمم امللوك للطربي أو البداية والنهاية البن كثري وغريها وليس هو التاريخ العام بل هو‬
‫التاريخ اخلاص برواة احلديث مع هذا مساه تارخيا فيختلف هذا التاريخ عن التاريخ العام والتاريخ العام‬
‫يتحدث عن امللوك واحلروب واألحداث الكبرية املاضية واألسفار وما إىل ذلك بال نقد وال حتليل وأما‬
‫التاريخ اخلاص وهو تاريخ الرواة وهو تاريخ دقيق يتحدث عن املواليد والوفيات والرحالت والشيوخ والتالميذ‬

‫‪3‬‬
‫واملؤلفات وعلى هذا األساس حنن حنكم على احلديث ولذلك التاريخ سالح كبري ملعرفة الصدق والكذب‬
‫وحىت هذا الشيء جنده يف اإلسناد كما قال سفيان الثوري رمحه اهلل‪" :‬اإلسناد سالح املؤمن‪ ،‬فإذا مل يكن‬
‫معه سالح‪ ،‬فبأي شيء يقاتل؟" فالتاريخ مميز كبري بني الصدق والكذب مثال كان يف عهد اخلطيب‬
‫البغدادي يف سنة (‪444‬هـ=‪1511‬م) قد أظهر بعض اليهود كتابًا ادعوا فيه أنه كتاب رسول اهلل ‪-‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪ -‬بإسقاط اجلزية عن أهل خيرب‪ ،‬وفيه شهادات الصحابة‪ ،‬وذكروا أن خط علي فيه‪ ،‬فلما‬
‫مزور؛‬
‫أُرسل الكتاب إىل وزير اخلليفة القائم بأمر اهلل‪ ،‬عرضه على اخلطيب البغدادي‪ ،‬فتأمله مث قال‪ :‬هذا َّ‬
‫فلما قيل له‪ :‬كيف عرفت ذلك؟ قال‪ :‬من شهادة معاوية؛ فهو أسلم عام الفتح سنة (‪ 8‬هـ= ‪926‬م)‪،‬‬
‫وفُتحت خيرب يف سنة (‪4‬هـ= ‪928‬م)‪ ،‬وفيه شهادة سعد بن معاذ‪ ،‬وقد مات يوم بين قريظة قبل خيرب‬
‫بسنتني‪ ،‬فاستحسن الوزير ذلك من اخلطيب‪ ،‬ومل ُُيزهم الوزير على ما جاء يف الكتاب‪ ،‬وأخذ منهم اجلزية‪.‬‬

‫فالتاريخ فعال كما يسمى ميزان وحمك ولكن حيتاج إىل التدقيق والتحقيق والنقد ألن التاريخ اآلن عندنا‬
‫أشياء خمتلطة فيحتاج إىل التحليل والنقد ألن بعض التواريخ قد كتب على هوى امللوك ومدحهم والتقرب‬
‫إليهم فمثال املتنيب يقول لسيف الدولة‪:‬‬

‫مام"‬
‫َنت الغَ ُ‬
‫الرىب َوأ َ‬
‫بت ُ‬ ‫عت أَيـُّ َهذا اهلُ ُ‬
‫مام ** َحن ُن نَ ُ‬ ‫َزم َ‬
‫َين أ َ‬
‫أَ‬
‫ويقول أحد املنافقني عثمان أمني املصري ‪:‬‬

‫إذا كنت يف دولة النفاق ** فاعدل بساق ومل بساق‬

‫وال حتقق وال تدقق ** وانسب الشام إىل العراق‬

‫وال ختاصم وال جتادل ** وقابل الكل بالعناق‬

‫فأي شيء كأي شيء ** بال اختالف وال اتفاق‬

‫ودامت ستة أشهر‪ ،‬فدخل عليه حممد القاسم بن عاصم‬


‫ويف أيَّام كافور اإلخشيدي كثُرت الزالزل مبصر‪َ ،‬‬
‫فأنشد قصيدة ليخفف عليه املصيبة ومنها‪:‬‬
‫املنافق َ‬
‫‪4‬‬
‫صت من عدلكم طربا‬
‫َّها َرقَ َ‬
‫َما ُزلزلَت مص ُر من كيد يـَُر ُاد ِبَا ** لَكنـ َ‬
‫فال بد من التأكد والتثبت والتحقيق والنقد والتحليل واالحتياط يف اإلسناد‪.‬‬

‫واإلسناد خصيصة هلذه األمة مل تكن يف أمة من األمم األخرى و هذا فضل من اهلل هلذه األمة وإجناز‬
‫لوعده حبفظ دينه‪ .‬قال أبو حامت الرازي رمحه اهلل‪" :‬مل يكن يف أمة من األمم منذ خلق اهلل آدم أمناءُ‬
‫حيفظون آثار الرسل إال يف هذه األمة"‪ ،‬ويف رواية‪" :‬أمة حيفظون آثار نبيهم غري هذه األمة"‪ ،‬فقال له رجل‪:‬‬
‫يا أبا حامت‪ ،‬رمبا َرَووا حديثًا ال أصل له وال يصح؟ فقال‪" :‬علماؤهم يعرفون الصحيح من السقيم؛ فروايتهم‬
‫ذلك للمعرفة؛ ليتبني ملن بعدهم أهنم ميزوا اآلثار وحفظوها"‬

‫و اإلسناد هو الطريق إىل معرفة أحكام الشريعة‪ ،‬قال عبداهلل بن املبارك رمحه اهلل‪" :‬اإلسناد من الدين‪ ،‬ولوال‬
‫اإلسناد لقال َمن شاء ما شاء"‬

‫أمر دينه بال إسناد‪ ،‬كمثل الذي يرتقي السطح بال سلم"‬
‫أيضا‪" :‬مثل الذي يطلب َ‬
‫وقال ً‬
‫وقال حيىي بن سعيد القطان رمحه اهلل‪" :‬ال تنظروا إىل احلديث‪ ،‬ولكن انظروا إىل اإلسناد؛ فإن صح اإلسناد‪،‬‬
‫وإال فال تغرتَّ باحلديث إذا مل يصح اإلسناد "‬

‫وقال الشافعي ‪ :‬مثل الذي يطلب احلديث بال إسناد كمثل حاطب ليل حيمل حزمة احلطب ‪ ،‬فيها أفعى‬
‫تلدغه وهو ال يدري‪.‬‬

‫ويف هذا كله دليل على أنه كيف اهتم الصحابة ومن بعدهم ِبذا األمر وسدوا باب الوضع والزيادة يف‬
‫الدين ورد على أعداء اإلسالم من املستشرقني مثل شاخت الذي يقول‪ :‬احلديث إنتاج جمتمع اإلسالمي‪،‬‬
‫والعلمانيني الذين افرتوا على األمة كذبا وقالوا اإلهتمام باإلسناد بدأ متأخرا ودخل يف الدين ما ليس منه‪.‬‬

‫تصانيف علم الرجال‬

‫‪5‬‬
‫التصنيف يف علم الرجال من اخلدمات العظيمة اليت قدمها العلماء حلفظ هذه الثروة احلديثية الدينية وصنفوا‬
‫هذا املوروث العظيم بطرق متعددة وأشهر وأبرز الطرق هي‪:‬‬

‫‪ -1‬التصنيف على الطبقات‪ :‬الطبقة متثل مجاعة متعاصرون مشرتكون يف املشايخ وأشهر املصنفات‬
‫فيه "الطبقات" حملمد بن سعد والطبقات خلليفة بن خياط‪.‬‬
‫‪ -2‬التصنيف على السنين‪ :‬أي سنوات وفاة الرواة فيذكر املصنف سنة وفاة الراوي ويرتجم له ويذكر‬
‫أخباره وأشهر ما صنف يف الوفيات "تاريخ اإلسالم" للذهيب‪ ،‬و "وفيات األعيان" البن خلكان‪،‬‬
‫و"شذرات الذهب" البن محاد احلنبلي‪.‬‬
‫‪ -3‬التصنيف على حروف المعجم‪ :‬أي الكتب املرتبة على حسب حروف اهلجاء وأشهر ما صنف‬
‫على حروف املعجم‪:‬‬
‫‪ -‬التاريخ الكبري للبخاري‪.‬‬
‫‪ -‬هتذيب الكمال جلمال املزي‪.‬‬
‫‪ -‬هتذيب التهذيب البن حجر‪.‬‬
‫‪ -‬ميزان االعتدال للذهيب‪.‬‬

‫طبقات اإلسناد‬

‫اإلسناد كالسلم‪ ،‬له حلقات كثرية واحللقة األوىل من سلم اإلسناد طبقة الصحابة رضي اهلل عنهم مث طبقة‬
‫التابعني مث تأيت طبقة أتباع التابعني مث تأيت زمن األئمة‪.‬‬

‫الطبقة األولى‪ :‬طبقة الصحابة‬

‫أهمية معرفة الصحابة‬

‫‪6‬‬
‫ملاذا هنتم مبعرفة الصحابة؟ وليس االهتمام مبعرفة أمساءهم فقط وإمنا مبعرفة سريهم ومبعرفة حياهتم من معرفة‬
‫مكان مواليدهم ومدة وكيفية صحبتهم مع النيب صلى اهلل عليه وسلم و الصحابة هم أول من رووا احلديث‬
‫وهم أساس اإلسناد ُيب أن نعرفهم ألنه‪:‬‬

‫‪ -1‬ال نستطيع أن نعرف الثروة احلديثية من املسند واملرسل واملرفوع واملنقطع إال مبعرفة الطبقة األوىل‬
‫وال نستطيع أن نعرف القدوة النبوية إال ِبا كسرية النيب صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -2‬واألمر الثاين أن الصحابة قدوة لنا وحياهتم تفسري تطبيقي للشريعة والسنة النبوية ومنوذ عملي هلما‬
‫فال نستطيع أن نقتدي ِبم إال بعد معرفتهم وال ميكن لنا التعامل الصحيح يف العقائد‪ ،‬والعبادات‪،‬‬
‫واملعامالت والشمائل واألخالق اإلسالمية إال عن طريقهم ألهنم صفوة األمة و ُأمنائها وحياهتم‬
‫كانت نقية من الكذب واخليانة والتزوير وما إىل ذلك من األعمال الرذيلة اليت تعترب جرحا ألصحاِبا‬
‫وهلذا أدخل كثري من احملدثني أدخلوا فعل الصحايب وقوله إذا مل يكن فيه جمال لالجتهاد وإذا مل‬
‫يكن الصحايب مشهورا بالرواية عن اإلسرائيليات يف حكم احلديث املرفوع‪.‬‬
‫‪ -3‬معرفة سريهم تشجعنا على اإلمتثال بكتاب اهلل تعاىل و سنة رسوله صلى اهلل عليه وسلم وتطبيقهما‬
‫على أنفسنا وعلى غرينا‪.‬‬

‫تعريف الصحابي‬

‫يصحب‪ ،‬يقال صحب فالنا ساعة أو يوما أو شهرا أو سنة هذا يف اإلطالق‬
‫ُ‬ ‫صحب‬
‫َ‬ ‫الصحايب يف اللغة من‬
‫اللغوي ولكن العرف يقيد املصطالحات فيعطي هلا معىن خاصا فالصاحب ال يطلق إال على من كثرت‬
‫صحبته ملصحوبه أو طالت صحبته حىت أطلع على مناقبه ومثالبه وعلى خلقه ومزاجه‪.‬‬

‫وبعض العلماء كسيب بن املسيب أخذ ِبذا التعريف العريف وطبقه على الصحايب ويروى عنه أنه قال‪ :‬أن‬
‫الصحايب من صحب النيب صلى اهلل عليه وسلم سنة أو شهرا أو غزا معه غزوة أو غزوتني‪ .‬رواه الواقدي‬
‫يف املغزي وأما احملدثون انتقدوا هذه رواية وقالوا‪ :‬الواقدي ال يعتمد عليه يف احلديث وضعفوه مع أنه معتمد‬
‫يف السرية والتاريخ ألن هذا التعريف خيرج كثريا من الصحابة من مسمى الصحبة من الذين كانوا أطفاال‬

‫‪7‬‬
‫أو كانوا صغارا أو الزائرين الوافدين الذين يأتون إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم ويقضون يف املدينة عدة أيام‬
‫مث يذهبون أو الذين مل خيرج معه يف الغزوات أصال مع أن كثريا من املؤلفني كابن عبد الرب وابن حجر‬
‫وابن األثري وابن سعد وخليفه بن خياط عدوا هؤالء من الصحابة‪.‬‬

‫ولذلك قال اإلمام أمحد واإلمام البخاري‪ :‬كل مسلم رأى النيب وصحبه‪ .‬سواء كانت الصحبة طويال أو‬
‫قصريا شهرا أو ساعة وهذا يكفي يف إطالق اسم الصحايب عليه‪.‬‬

‫قال اإلمام ابن حجر‪ :‬هو كل من لقي النيب صلى اهلل عليه وسلم مؤمنا به ومات على اإلسالم ولو ختللت‬
‫ردة‪.‬‬

‫هذا هو التعريف اجلامع للصحايب ووافق عليه الشافعية واحملدثون وخالفه احلنفية واملالكية ألهنم حكموا‬
‫العقل وقالوا إن الردة بعد اإلميان يهدم ما قبله من اإلميان والصحبة كما أن اإلسالم يهدم ما قبله من‬
‫الكفر فلم يبق من اإلميان بالنيب صلى اهلل عليه وسلم والصحبة معه بالردة‪.‬‬

‫طبقات الصحابة‬

‫‪ -1‬قوم تقدم إسالمهم كاخللفاء األربعة‪.‬‬


‫‪ -2‬الذين أسلموا قبل التشاور يف دار الندوة‪.‬‬
‫‪ -3‬مهاجرون احلبشة‪.‬‬
‫‪ -4‬أصحاب العقبة األوىل‪.‬‬
‫‪ -1‬أصحاب العقبة الثانية‪.‬‬
‫‪ -9‬أول املهاجرين إىل املدينة اجملتمعني يف قباء‪.‬‬
‫‪ -4‬أهل البدر‪.‬‬
‫‪ -8‬املهاجرون بني البدر واحلديبية‪.‬‬
‫‪ -6‬أصحاب بيعة الرضوان‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ -15‬املهاجرون بني احلديبية وفتح مكةز‬
‫‪ -11‬مسلمة الفتح‪.‬‬
‫‪ -12‬الصبيان واألطفال الذين رأوا النيب صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫طرق معرفة الصحابة‬

‫ميكن أن نعرف الصحابة من خالل طرق التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬التواتر‪ :‬أي الذين ثبت معرفتهم بالتواتر كاخللفاء الراشدين وبقية العشرة املبشرة باجلنة‪.‬‬
‫‪ -2‬الشهرة واالستفاضة كضمام بن ثعلبة الذي اشتهر مبجئه إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم على رأس‬
‫الوقت‪.‬‬
‫‪ -3‬شهادة أحد الصحابة‪ :‬كحمحمة الذي شهد بصحبته أبو موسى األشعري رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫‪ -4‬إخبار التابعي بأن فالنا صحايب‪.‬‬
‫‪ -1‬إخبار الرجل عن نفسه بعد ثبوت عدالته‪.‬‬

‫مكانة الصحابة وعدالتهم‬

‫شهدت بفضل الصحابة ومكانتهم آيات وأحاديث كثرية‪.‬‬

‫اآليات‪:‬‬

‫َّجَرة فَـ َعل َم َما يف قُـلُوِبم فَأَنـَزَل َّ‬


‫السكينَةَ َعلَيهم‬ ‫ت الش َ‬
‫ك َحت َ‬ ‫‪" -1‬لََقد َرض َي اللَّهُ َعن ال ُمؤمن َ‬
‫ني إذ يـُبَايعُونَ َ‬
‫َوأَثَابَـ ُهم فَـت ًحا قَريبًا" [الفتح‪]18/‬‬
‫َّ‬
‫ول اللَّه َوالذ َ‬
‫ين َم َعهُ أَشدَّاءُ َعلَى ال ُكفَّار ُر َمحَاءُ بَـيـنَـ ُهم تَـَر ُاهم ُرَّك ًعا ُس َّج ًدا يَـبتَـغُو َن فَض ًال م َن‬ ‫‪ُ " -2‬حمَ َّمد َر ُس ُ‬
‫ك َمثَـلُ ُهم يف التـَّوَراة َوَمثَـلُ ُهم يف اإلجنيل َكَزرع‬ ‫الس ُجود َذل َ‬ ‫اهم يف ُو ُجوههم من أَثَر ُّ‬ ‫يم ُ‬ ‫اللَّه َورض َوانًا س َ‬
‫َّ‬
‫َّار َو َع َد اللَّهُ الذ َ‬
‫ين‬ ‫ظ ِب ُم ال ُكف َ‬ ‫اع ليَغي َ‬ ‫الزَّر َ‬
‫ب ُّ‬ ‫ظ فَاستَـ َوى َعلَى ُسوقه يـُعج ُ‬ ‫آزَرهُ فَاستَـغلَ َ‬
‫أَخَر َج َشطأَهُ فَ َ‬
‫يما" [الفتح‪]26/‬‬ ‫الصاحلَات منـ ُهم َمغفَرًة َوأَجًرا َعظ ً‬ ‫َآمنُوا َو َعملُوا َّ‬

‫‪9‬‬
‫ص ُرو َن اللَّهَ‬
‫ين أُخر ُجوا من ديَارهم َوأَم َواهلم يَـبتَـغُو َن فَض ًال م َن اللَّه َورض َوانًا َويَـن ُ‬ ‫‪" -3‬لل ُف َقراء الم َهاجر َّ‬
‫ين الذ َ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫اجَر إلَيهم‬ ‫َّار َواإلميَا َن من قَـبلهم ُحيبُّو َن َمن َه َ‬ ‫َّ‬ ‫َوَر ُسولَهُ أُولَئ َ‬
‫ين تَـبَـ َّوءُوا الد َ‬
‫الصادقُو َن (‪َ )8‬والذ َ‬
‫ك ُه ُم َّ‬
‫وق‬
‫اصة َوَمن يُ َ‬‫ص َ‬ ‫اجةً ممَّا أُوتُوا َويـُؤث ُرو َن َعلَى أَنـ ُفسهم َولَو َكا َن ِبم َخ َ‬
‫ص ُدورهم َح َ‬
‫َوَال َُي ُدو َن يف ُ‬
‫ك ُه ُم ال ُمفل ُحو َن" [احلشر‪ 8/‬و‪]6‬‬ ‫ُش َّح نَـفسه فَأُولَئ َ‬
‫وهم بإح َسان َرض َي اللَّهُ َعنـ ُهم َوَر ُ‬
‫ضوا َعنهُ‬ ‫ين اتـَّبَـعُ ُ‬ ‫الساب ُقو َن األ ََّولُو َن من الم َهاجرين واألَن َ َّ‬
‫صار َوالذ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ ُ‬ ‫‪َ " -4‬و َّ‬
‫يم" [التوبة‪]155/‬‬
‫ك ال َفوُز ال َعظ ُ‬ ‫َع َّد َهلُم َجنَّات َجتري َحتتَـ َها األَنـ َه ُار َخالد َ‬
‫ين ف َيها أَبَ ًدا َذل َ‬ ‫َوأ َ‬
‫األحاديث‪:‬‬

‫‪ -1‬عن أيب سعيد اخلدري رضي اهلل عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬ال تسبوا أصحايب‪،‬‬
‫فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد‪ ،‬ذهبا ما بلغ مد أحدهم‪ ،‬وال نصيفه»‪ .‬متفق عليه‬
‫‪ -2‬عن عدي بن ثابت‪ ،‬قال‪ :‬مسعت الرباء حيدث عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال يف األنصار‪:‬‬
‫«ال حيبهم إال مؤمن‪ ،‬وال يبغضهم إال منافق‪ ،‬من أحبهم أحبه اهلل ومن أبغضهم أبغضه اهلل» متفق‬
‫عليه‬

‫أقوال العلماء‪:‬‬

‫‪ -1‬قال اإلمام أمحد رمحه اهلل‪« :‬إذا رأيت رجالً يذكر أحداً من الصحابة بسوء فاهتمه على اإلسالم‪».‬‬
‫‪ -2‬قال أبو زرعة الرازي رمحه اهلل‪« :‬إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم فاعلم أنه زنديق‪».‬‬

‫عدالة الصحابة‬

‫املراد بعدالة الصحابة رضي اهلل عنهم أهنم ال يتعمدون الكذب على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وهذه‬
‫ال تثبت هلم العصمة وال يعين أهنم ال خيطئون بل قد يصدر عنهم اخلطأ ولكن ال يعترب هذا جرحا هلم وإذا‬
‫أمجعوا على أمر ال ُيوز اختالفهم‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫طبقة الثانية‪ :‬طبقة التابعين‬

‫تعريف التابعي‪ :‬هو من لقي الصحابة‪ ،‬مؤمنا بالنيب صلى اهلل عليه وسلم ومات على اإلسالم‪.‬‬

‫هذا التعريف يشمل األطفال أيضا الذين لقوا الصحابة ولكن ال يكفي جمرد اللقاء لكونه تابعيا بل ال بد‬
‫من الصحبة وهذا قول البعض واجلمهور على أن اللقاء معترب يف ثبوت كونه تابعيا كما أنه معترب يف‬
‫الصحابة وإن مل يصحب مثال حممود بن ربيع كما قال‪ :‬عقلت جمة جمها النيب صلى اهلل عليه وسلم وأنا‬
‫ابن أربع سنني والرواية يف البخاري‪ .‬كانت هذه رشة رشها النيب صلى اهلل عليه وسلم على وجهه وهو ابن‬
‫أربع سنني ومل يصحبه صلى اهلل عليه وسلم وهو صحايب عند ابن حجر مبجرد هذا اللقاء وله رؤية عند‬
‫الذهيب‪.‬‬

‫و قال ابن حبان ال بد أن يكون الطفل مميزا ‪.‬‬

‫وبعضهم قالوا‪ :‬من بلغ من األطفال مخس سنني أو سبع سنني أو عشر سنني أو فرق بني البقر واحلمار‬
‫تقبل روايته ولكن التقييد بالسن ال يكون ضابطا ألن اإلدراك خيتلف لدى األطفال ورمبا طفل مخس‬
‫سنوات أعقل ممن هو عمره مخسني سنة‪.‬‬

‫فالذي لقى أو رأى الصحايب وهو مميز يعد تابعيا مثل األعمش وهو رأى أنسا يصلي خلف املقام وهو رآه‬
‫فقط وروى عنه ولكنه عد من صغار التابعني وعدد التابعني كبري وعصرهم تقريبا يف حدود سنة مخسني‬
‫ومائة من اهلجرة هذا هو آخر تاريخ وفاة أكثر التابعني وبعضهم تأخر وفاهتم كخلف بن اخلليفة املتوىف‬
‫سنة ‪ 181‬هـ وهو آخر التابعني موتا وهو يقول‪ :‬كنت يف حجر أيب إذ مر رجل على بغل قيل هذا عمرو‬
‫بن عريس‪ .‬يعين أنه رأى الصحايب وهذا يكفي يف أنه تابعي‪.‬‬

‫هناك مصطلح باسم املخضرم‪ :‬يقال ملن أدرك عصرين فنقول من أدرك اجلاهلية واإلسالم فهو خمضرم وهذا‬
‫مبعىن أنه قضى شطرا من عمره يف اجلاهلية وشطرا يف اإلسالم ولكنه مل يلق النيب صلى اهلل عليه وسلم‬

‫‪11‬‬
‫وهذا اليسمى صحابيا ألنه مل يتمكن الصحبة مع النيب صلى اهلل عليه وسلم ويقال ًخضرم ملن قطع من‬
‫نظرائه‪.‬‬

‫الفقهاء السبعة من التابعين‬

‫‪ -1‬سعيد بن املسيب ‪ -2‬القاسم حممد بن أيب بكر ‪ -3‬خارجة بن زيد ‪ -4‬سليمان بن يسار ‪ -1‬عبد‬
‫اهلل بن عتبة بن مسعود ‪ -9‬عروة بن زبري ‪ -4‬سامل بن عبد اهلل بن عمر وقال البعض هو أبو سلمة بن‬
‫عبد الرمحن وبعضهم قالوا هو أبوبكر بن عبد الرمحن بن احلارث بن هشام‪.‬‬

‫طبقات التابعين‬

‫األولى‪ :‬كبار التابعني وهم الفقهاء السبعة‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬طبقة الوسطى وهم الزهري‪ ،‬وقتادة‪ ،‬وحسن البصري‪ ،‬وعطاء بن أيب رباح وهو كان أستاذا أليب‬
‫حنيقة حىت قال أبوحنيفة فيه ما رأيت أروع من عطاء‪.‬‬

‫الثالثة‪ :‬صغار التابعني‪ :‬وهم الذين تأخرت وفاهتم وبعضهم ثبت منه اللقاء وبعضهم مل يثبت منه هذا‬
‫وهؤالء هم األعمش ومالك بن دينار ومكحول الدمشقي وحيىي بن كثري واإلمام أبوحنيفة كما أنه رأى‬
‫أنس بن مالك‪.‬‬

‫عدالة التابعين‬

‫التابعون ليسوا يف العدالة مبثابة الصحابة بل حيتاج إثبات عدالتهم بتصريح أحد نقاد احلديث وعلماء اجلرح‬
‫والتعديل وتوثيقهم‪.‬‬

‫ألن اجلرح والتعديل ليس يف الصحابة إمنا يكون البحث فيهم جملرد إثبات الصحبة ولكن البحث يف التابعني‬
‫يكون يف إثبات عدالتهم واألكثر يف ضبطهم‪.‬‬

‫أتباع التابعين‬

‫‪12‬‬
‫وهم أربعة مراتب‪:‬‬

‫المرتبة األولى‪ :‬اجلهبذ‪ ،‬احلافظ‪ ،‬الورع‪ ،‬املتقن للحديث الناقد له‪ ،‬هذا هو املعتمد عليه يف معرفة احلديث‪.‬‬

‫المرتبة الثانية‪ :‬العدل يف نفسه‪ ،‬املتقن يف حديثه وهذا أيضا يؤخذ من احلديث و حيتج حبديثه‪.‬‬

‫المرتبة الثالثة‪ :‬الصادق الورع الذي يهم أحيانا وهذا أيضا حيتج حبديثه‪.‬‬

‫المرتبة الرابعة‪ :‬الصادق الورع الذي غلب عليه الوهم‪ .‬قال ابن أيب حامت‪ :‬هذا يؤخذ حديثه يف الرتغيب‬
‫والرتهيب ال يف احلالل واحلرام ورد بعض احملدثني حديثه بتمامه ومنهم اإلمام أمحد وقال أبوداود‪ :‬احلديث‬
‫الضعيف أوىل من رأى الرجال‪.‬‬

‫المرتبة الخامسة‪ :‬من ألصق باحملدثني وليس منهم ومع ذلك ثبت كذبه هذا ترفض وتطرح روايته‪.‬‬

‫المؤلفات في معرفة الصحابة‬

‫ذكرنا أن الصحابة قدوة لنا وحياهتم تطبيق عملي للكتاب والسنة وهلذا حنتاج إىل معرفتهم وألن معرفة‬
‫حياهتم يشجعنا على اإلمتثال والعمل بالكتاب والسنة وأيضا هم سلفنا الصاحل وحياهتم تارخينا القيمة فال‬
‫بد لنا من معرفتهم ألن التاريخ ذاكرة األمم وكل أمة نسيت تارخيها ال قيمة هلا‪.‬‬

‫أمجع ما كتب يف معرفة الصحابة ثالثة كتب‪:‬‬

‫‪ -1‬االستيعاب يف معرفة األصحاب البن عبد الرب‪.‬‬


‫‪ -2‬أسد الغابة يف معرفة الصحابة البن األثري‪.‬‬
‫‪ -3‬اإلصابة يف متييز الصحابة للحافظ ابن حجر‪.‬‬

‫االستيعاب في معرفة األصحاب‬

‫يقول ابن عبد الرب يف تعريف الصحايب من رأى النيب صلى اهلل عليه وسلم وصحبه أو أحضر عنده للتحنيك‬
‫فهو صحايب‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫وابن عبد الرب مسى الرجال ِبذه الصفات صحبابيا وذكر األنساب والشاهد اليت شهدها الصحايب ويشمل‬
‫على (‪ )3155‬ثالثة آالف ومخس مائة ترمجة ورتب على حروف املعجم يف احلرف األول دون بقية حروف‬
‫االسم وقد يرتجم الصحايب بكنيته وحييل على امسه‪.‬‬

‫وانتُقد ابن عبد الرب من حيث أنه ذكر وتعرض وناقش اخلالف والنزاع الذي وقع بني الصحابة وعيبه‬
‫العلماء لذلك مع أن عمله هذا ال يعترب عيبا ونقصا ألن هذه املسائل ينبغي أن يعرف من مصادر‬
‫الصحيحة ويبني وجه خالفهم بأحسن التوجيهات‪ .‬ال شك أن الناس مراتب والصحابة مع أن كلهم‬
‫عدول ولكنهم مراتب يف الفضائل وهم أفضل الناس بعد األنبياء‪ ،‬سئل عبد اهلل بن مبارك‪ ،‬قيل له‪ :‬أيهما‬
‫أفضل؟ معاوية أم عمر بن العزيز؟ فأجاب‪ :‬معاوية أفضل من ألف مثل عمر بن العزيز ألن معاوية صلى‬
‫خلف النيب صلى اهلل عليه وسلم وأنه صلى اهلل عليه وسلم قال يف الصالة‪ :‬مسع اهلل ملن محده‪ ،‬قال معاوية‪:‬‬
‫ربنا ولك احلمد‪ .‬وهذا الفرق بني الصحابة وجعلهم مراتب ليس شيئا يعاب عليه‪.‬‬

‫وأخذ الرتاجم من املصادر املعتربة‪:‬‬

‫‪ -‬موسى بن عقبة‪.‬‬
‫‪ -‬حممد بن إسحاق‪.‬‬
‫‪ -‬خليفة بن خياط‪.‬‬
‫‪ -‬ابن اجلرير الطربي‪.‬‬
‫‪ -‬البخاري‪.‬‬

‫منهج اإلمام ابن عبد البر في االستيعاب‬

‫وكان له االهتمام باألنساب أكثر من ابن األثري وابن حجر ويروي األحاديث بسنده من الرسول صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ويذكر املشاهد وإسالم الرواة ويذكر املناقب ويذكر تاريخ امليالد والوفاة‪ ،‬مع أنه كان البن عبد‬
‫الرب اهتماما باألنساب لكنه غلب عليه اللون احلديثي ألنه يروي األحاديث بسنده وأحيانا حيكم علها‬

‫‪14‬‬
‫وهذه هي ميزته يف كتابه االستيعاب وهو من علماء القرن اخلامس اهلجري حتا أنه يصح التخريج من‬
‫كتابه ألن لديه سند وشرط األساسي للتخريخ أن يكون لصاحب الكتاب سندا فال يصح التخريخ من‬
‫كتاب األذكار واألربعني للنووي أو بلوغ املرام البن حجر ألنه ليس هلما سند بالذات‪.‬‬

‫أسد الغابة في معرفة الصحابة‬

‫وهذا الكتاب البن األثري أيب احلسن علي بن حممد‪.‬‬

‫وكان هناك ثالثة من اإلخوة يكىن بابن األثري‪:‬‬

‫‪ -1‬ابن األثري احملدث وهو أبو سعادة مبارك بن حممد (ت‪959‬هـ) وله كتاب النهاية وجامع األصول‪.‬‬
‫‪ -2‬ابن األثري املؤرخ وهو أبواحلسن على بن حممد (ت‪935‬هـ) وله كتاب الكامل يف التاريخ‪.‬‬
‫‪ -3‬ابن األثري األديب وهو ابو الفتوح نصر اهلل بن حممد (‪939‬هـ) وله املثل السائر يف أدب الكاتب‬
‫والشاعر‪.‬‬

‫منهج ابن األثير في أسد الغابة‬

‫وأخذ الرتاجم من الكتب املعتربة من كتاب ابن مندة (د)‪ ،‬وأيب نعيم األصبهاين (ع) وابن عبد الرب (ب)‬
‫وأيب موسى املديين (س) ولكن اللون التارخيي غلب عليه بالنسبة للحديث قلنا سابقا أن االهتمام باحلديث‬
‫يف كتب الرتاجم هو ميزة ابن عبد الرب وله سند وهو من املتقدمني وأما ابن األثري هو ليس له سند يف‬
‫احلديث و هو من املؤرخني املتأخرين وهو يتعرض ويتعمق يف التفاصيل التارخيية أكثر مما يتعرض للجانب‬
‫احلديثي كما أنه يروي عدة أقوال يف تاريخ الوفاة وهذا هو ظنه أن ذكر األحاديث والتعرض جلزئياته‬
‫كالبحث يف األسانيد واملتون وبيان العلل وغريها أليق بكتب احلديث ال بكتب الرتاجم وكان تريبه على‬
‫حروف املعجم وكان الرتتيب عنده كامال وأكثر حسنا من ابن عبد الرب وهذه ميزة من ميزات كتابه بالنسبة‬
‫لسائر الكتب الرتاجم ويذكر ما يتعلق باملظهر وكان عنده ضبط الكلمات وهذه من أهم مميزات هذا‬

‫‪15‬‬
‫الكتاب ويذكر وجه الصحيح يف نطق الكلمات اليت ميكن أن يقع يف نطقها اخلطأ وعدد الرتاجم عنه‬
‫(‪ )4414‬سبعة أالف وسبع مائة وأربع عشرة ترمجة وكتب هذا الكتاب يف السفر وعنده جهد التهذيب‬
‫وجهد الرتتيب وجهد االستخالص‪.‬‬

‫هناك شيء جدير بالذكر وهو أنه إذا كانت هذه الرتاجم موجودة يف الكتب واملصادر السابقة فما الفائدة‬
‫يف تأليف كتب أخرى يف هذا اجملال وتكرار املكررات؟‬

‫فمن أهم الفوائد واخلدمات اليت أجنزها ابن األثري يف كتابه أسد الغابة هي مجع الرتاجم املنتاثرة واملتفرقة‬
‫غري املرتبة من الكتب السابقة يف كتاب بتسهيل ما صعب فهمه وإحسان ترتيب ما تناثر وهتذيب ما قد‬
‫رغبت اهلمم عن حصوله ألن ابن األثري شعر أهل عصره أنه صعبت عليهم قراءة املطوالت اليت ذكرت‬
‫فيها الروايات احلديثية أكثر من الرتاجم والناس يرغبون عن قراءة املمالت ومييلون إىل قراءة عصارة الرتاجم‬
‫وخالصتها فقام ابن األثري باختصار وترتيب وهتذيب الكتب السابقة وفعل هذا اجلهد الكبري اليت هي‬
‫أصعب من التأليف وأيضا هو كان مهتما بضبط الكلمات الذي هو من أبرز ميزات كتابه‪.‬‬

‫اإلصابة في تمييز الصحابة‬

‫هذا الكتاب البن احلجر (ت‪812‬هـ) وابن حجر معروف بالتخصص يف احلديث والتعمق فيه قال ابن‬
‫خلدون‪" :‬أن األمة مل تؤدي حق البخاري" وقال العلماء لو جاء ابن خلدون بعد ابن حجر لعرف أن ابن‬
‫حجر أدى حق البخاري وهو قضى مخسة و عشرين عاما من عمره مع البخاري حىت جاء ِبذا الشرح‬
‫العظيم وكان دقة يف الصناعة احلديثية اليت تتعلق باستعراض السند واحلكم على احلديث وبيان طرقه والعلة‬
‫واملسند واملرسل وغريها وغلب هذا اجلانب على ابن حجر يف فتح الباري ويف كتابه اإلصابة أيضا وهو‬
‫قسم الرتاجم يف كتابه اإلصابة إىل أربعة أقسام‪:‬‬

‫‪ -1‬الصحابة الذين ثبتت صحبتهم بالطرق املعروفة كالتواتر والشهرة وغريمها‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫‪ -2‬األطفال الذين ولدوا يف عهد النيب صلى اهلل عليه وسلم ومات صلى اهلل عليه وسلم وهم دون‬
‫السن التمييز‪.‬‬
‫‪ -3‬املخضرمون الذين أدركوا العهدين ولكن مل تثبت لقاءهم مع النيب صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -4‬الذين ذكروا يف كتب تراجم الصحابة على سبيل الوهم والغلط ومل يكونوا صحابة‪.‬‬

‫منهج ابن حجر في اإلصابة‬

‫نرى أن ابن حجر جاء باالختصار املستوعب وحذف األسانيد واألنساب الطويلة وغلب عليه لون احلديثية‬
‫فيها وله االهتمام بتصحيح األحاديث‪ ،‬وخترُيها وذكر املتابعات واحلكم على احلديث بوجه ختصصي وهذا‬
‫يوجد عند ابن حجر وال يوجد عند أحد ِبذا املستوى‪.‬‬

‫واهتم بتصحيح أخطاء السابقني وهتذيب جهدهم وهذا هو العمل اجلديد الذي يوجد عند ابن حجر ألن‬
‫ابن مندة وابن األثري وغريمها قد ذكروا تراجم بعض الرجال ومها منهم أهنم من الصحابة مع أهنم مل يكونوا‬
‫صحابة وقام ابن حجر بتصحيح هذه األخطاء يف اإلصابة‪.‬‬

‫وعنده التوسع يف املصادر يعين أن ابن حجر مل يلتزم جلمع الرتاجم مبصادر حمددة‪.‬‬

‫منهج اإلمام أبي محمد ابن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل‬

‫لقد ذكر يف كتابه هذا ترجم لـ (‪ )18545‬راوياً بدءاً من الصحابة تراجم متفاوتة احلجم‪ ،‬وبعضهم مل‬
‫يذكر فيه جرحاً وال تعديالً‪.‬‬

‫ومنهجه ينحصر يف هذه النقاط‪:‬‬

‫‪ .1‬نقل أقوال أئمة اجلرح والتعديل يف الرواة‪.‬‬

‫‪ .2‬االقتصار على أقوال الراسخني يف العلم؛ غري ملتفت إىل أقوال غريهم ممن ليسوا بأئمة فيه‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫كل قول إىل صاحبه‪.‬‬
‫‪ .3‬أن حيكي أقوال هؤالء األئمة ناسباً َّ‬
‫‪ .4‬أنه ينظر إىل أقوال بعض األئمة اليت تتناقض يف الراوي الواحد‪ ،‬فيختار منها ما يشبه أن‬
‫يكون وصفاً حقيقياً لذلك الراوي‪ ،‬ويُهمل ما عداه‪.‬‬

‫كل الرواة تقريباً ما ُحكم عليه جبرح أو تعديل وما مل ُحيكم عليه‪ ،‬رجاء أن يصل إليه‬
‫‪ .1‬ذكر ّ‬
‫حكم أحد من األئمة على من ليس عنده حكم عليه‪،‬‬
‫ـ أو إىل من بعده من املؤلفني ـ ُ‬
‫فيُلحق به‪.‬‬

‫‪ .9‬ترتيب أمساء الرواة على حروف املعجم‪ ،‬وكذلك ترتيب آباء االسم الواحد‪.‬‬

‫‪ .4‬إن ابن أيب حامت يريد االستقصاء ما استطاع يف حصر الرواة؛ كما سلف بيان ذلك‪.‬‬

‫‪ .8‬إن ابن أيب حامت يذكر أقوال من ينقل عنهم من األئمة بالرتتيب الزمين هلم‪.‬‬

‫خاص‪ ،‬واجتهاد‬
‫‪ .6‬إن ابن أيب حامت يذكر آراء من عاصرهم من الرواة فكان له بذلك رأي ٌّ‬
‫مستقل‪ ،‬وحكم متميّز‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ .15‬إن ابن أيب حامت ال يذكر غالباً شيئاً من اآلثار اليت يرويها الراوي املرتجم له‪.‬‬

‫‪ .11‬إن ابن أيب حامت ترك آراء أهل العراق (أهل الرأي) يف احلكم على الرواة‪ ،‬وترك رأي‬
‫البخاري لما تبناه من موقف أبيه وأيب زرعة جتاه البخاري‪.‬‬

‫منهج الذهبي في كتابه ميزان االعتدال‬

‫وقد اشتمل "امليزان" على (‪ )11591‬ترمجة‪.‬‬

‫ميكن الكالم عن منهج املؤلف مبا يلي‪:‬‬

‫رتَّب املؤلف الرواة يف هذا الكتاب على حروف املعجم يف أمسائهم وأمساء آبائهمو يذكر اسم الراوي واسم‬
‫أبيه وجده وكنيته ونسبه‪ ،‬مع بعض شيوخه وتالميذه على سبيل االختصار‪ ،‬ويذكر ما قيل فيه من جرح أو‬
‫‪18‬‬
‫تعديل‪ ،‬من غري أن يسوق أي شيء من ذلك باإلسناد‪ ،‬مث يسوق من حديث هذا الراوي ما يُدلِّل به على‬
‫كثريا ما حيكم املؤلف على‬
‫ضعف حديثه‪ ،‬رمبا ساق املؤلف ما وقع له من حديث الراوي بإسناده هو‪ً ،‬‬
‫األسانيد اليت يسوقها صحةً وضع ًفا‪ ،‬غالبًا ما يذكر املؤلف سنة وفاة الراوي‪.‬‬

‫ض ِّعفوا‬
‫ضع ُفوا بغري حق كالرواة الذين ُ‬
‫هنج املؤلف يف هذا الكتاب منهج الدفاع والذب عن الرواة الذين ُ‬
‫ض ِّعف بأنه يشرب اخلمر‪ ،‬فيأيت الذهيب‬
‫بأسباب جارحة يف ظاهرها‪ ،‬وغري جارحة يف حقيقة األمر‪ ،‬كمن ُ‬
‫ويقول‪:‬مل يكن يشرب اخلمر‪ ،‬بل كان يشرب النبيذ‪ ،‬وهو من أهل الكوفة‪ ،‬حيث كان يشربه بناءً على‬
‫مذهب أهل الكوفة يف جواز شرب النبيذ‪ ،‬فالراوي ثقة وعدل وليس فيه شيء‪ .‬وكذلك قام بالدفاع والذب‬
‫ضعِّفوا أو ذُكروا يف كتب الضعفاء بغري بيِّنة صحيحة وجعل املؤلف كتابه مشتمالً‬
‫عن الرواة الثقات الذين ُ‬
‫على تراجم الرجال ممن يُعرفون بأمسائهم‪ ،‬مث من يُعرفون بكناهم‪ ،‬مث من يُعرف بابن فالن‪ ،‬مث من يُعرفون‬
‫بأنساِبم‪ ،‬مث جماهيل االسم‪ ،‬وأفرد فصالً يف آخر الكتاب لرتاجم النساء‪ ،‬مث اجملهوالت‪ ،‬مث من يُعرفن‬
‫سم ويبدأها بكلمة "والدة"‪.‬‬
‫بكناهن‪ ،‬مث من مل تُ َّ‬

‫الطبقات عند المحدثين‬

‫ومن أشهر الكتب اليت صنف على ترتيب الطبقات‪ ،‬كتاب الطبقات الكربى البن سعد املعروف بطقبات‬
‫ابن سعد‪.‬‬

‫تعريف الطبقة‪ :‬هي قوم تقاربوا يف السن واألخذ من املشايخ ولتحديد الطبقة ال بد من معرفة الوالدة‬
‫والوفاة والنشأة العلمية للرواة وهناك تقسيمات عديدة للطبقات ولكن أشهر التقسيمات هو تقسيم ابن‬
‫حجر وهو قسم الطبقات يف كتابه "تقريب التهذيب" إىل إثنا عشر طبقة‪:‬‬

‫طبقات الرواة عن ابن حجر‬

‫األولى‪ :‬الصحابة على اختالف مراتبهم‪ ،‬ومتييز من ليس له منهم إال جمرد الرؤية من غريه‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫الثانية‪ :‬طبقة كبار التابعني كابن املسيب‪ ،‬فإن كان خمضرما صرحت بذلك‪ ،‬الثالثة‪ :‬الطبقة الوسطى من‬
‫التابعني‪ ،‬كاحلسن وابن سريين‪.‬‬

‫الرابعة‪ :‬طبقة تليها‪ ،‬جل روايتهم عن كبار التابعني‪ ،‬كالزهري وقتادة‪.‬‬

‫الخامسة‪ :‬الطبقة الصغرى منهم‪ ،‬الذين رأوا الواحد واالثنني‪ ،‬ومل يثبت لبعضهم السماع من الصحابة‪،‬‬
‫كاألعمش‪.‬‬

‫السادسة‪ :‬طبقة عاصروا اخلامسة‪ ،‬لكن مل يثبت هلم لقاء أحد من الصحابة‪ ،‬كابن جريج‪.‬‬

‫السابعة‪ :‬طبقة أتباع التابعني‪ ،‬كمالك والثوري‪.‬‬

‫الثامنة‪ :‬الطبقة الوسطى منهم‪ ،‬كابن عيينة وابن علية‪.‬‬

‫التاسعة‪ :‬الطبقة الصغرى من أتباع التابعني‪ ،‬كيزيد بن هارون‪ ،‬والشافعي وأيب داود الطيالسي‪ ،‬وعبد الرزاق‪.‬‬

‫العاشرة‪ :‬كبار اآلخذين عن تبع االتباع‪ ،‬ممن مل يلق التابعني‪ ،‬كأمحد بن حنبل‪.‬‬

‫الحادية عشرة‪ :‬الطبقة الوسطى من ذلك‪ ،‬كالذهلي والبخاري‪.‬‬

‫الطبقة الثانية عشرة‪ :‬صغار اآلخذين عن تبع االتباع‪ ،‬كالرتمذي‪.‬‬

‫ويقول‪ :‬وذكرت وفاة من عرفت سنة وفاته منهم‪ ،‬فإن كان من األوىل والثانية‪ :‬فهم قبل املائة‪ ،‬وإن كان‬
‫من الثالثة إىل آخر الثامنة‪ :‬فهم بعد املائة‪ ،‬وإن كان من التاسعة إىل آخر الطبقات‪ :‬فهم بعد املائتني‪،‬‬
‫ومن ندر عن ذلك بينته‪.‬‬

‫وهذا التقسيم الذي جاء به ابن حجر من أنسب التقاسيم للرواة حيث ينتهي عصر الرواية بآخر املائة‬
‫الثالثة وهو عصر األئمة الستة‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫وهلذا يرى الذهيب عام ثالمثئة حدا فاصال بني املتقدم واملتأخر إال أن عصر الرواية استمر إىل هناية القرن‬
‫اخلامس كما أن ابن عبد الرب وهو من علماء القرن اخلامس (‪398‬هـ‪493-‬هـ) يروي األحاديث بسنده‬
‫ولكن هذا قليل جدا‪.‬‬

‫علم الجرح والتعديل‬

‫هذا هو اجلانب النقدي للحديث أو اجلانب الذي فيه حكم ويسمى علم اجلرح والتعديل‪.‬‬

‫تعريف الجرح والتعديل‬

‫الجرح ينقسم إىل احلسي مثل جرح فالن فالنا إذا أحدث فيه جرحا وسال الدم وظهر فيه األثر واملعنوي‬
‫مثال جرح القاضي الشاهد مبعىن وجد منه ما تسقط به شهادته أو طرح شهادته‪.‬‬

‫والجرح هو الطعن واجلانب احلسي فيه هو الطعن بالرمح واجلانب املعنوي فيه هو الطعن يف النسب‬
‫كما يقال "طعن يف نسبه" أي شتمه وسبه وكمال يقال " جراحات السنان هلا التيام * وال يلتام ما جرح‬
‫اللسان‪.‬‬

‫وبيان العيب ومنه "االستجراح" هو العيب والفساد يُروى عن عبد امللك بن مروان أنه قال للناس "وعظتكم‬
‫فلم تزدادوا على املوعظة إال استجراحا" أي فسادا‪ .‬هذا ما يتعلق جبانب اللغوي لكلمة اجلرح‪.‬‬

‫وفي اإلصطالح هو الطعن يف الراوي مبا يسلب عدالته أو ضبطه أو خيل ِبما‪.‬‬

‫هنا يف التعريف شيئان السلب واإلخالل وبينهما فرق‪:‬‬

‫فالسلب هو اإلزالة التامة‪ :‬ومن األوصاف اليت تزيل العدالة متاما الكفر فالكافر ليس عدال وكذلك‬
‫الكذب يف باب الرواية وهذا أشد أنواع الفسق يف الرواية والكذب على رسول اهلل صلى هلل عليه وسلم‬
‫ليس ككذب على أحد‪ ،‬يقول الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬من كذب علي متعمدا فاليتبوأ مقعده من‬

‫‪21‬‬
‫النار" ألن كالم الرسول صلى اهلل عليه وسلم دين وكالمه غريه ليس بدين فمن ثبت كذبه يف احلديث مرة‬
‫ال يقبل حديثه ولو تاب مائة مرة‪ ،‬هذا مذهب احملققني وبعض الناس قالوا ال بأس إذا حسنت توبته‬
‫واآلخرون قالوا إذا حسنت توبته بينه وبني اهلل وأما يف باب الرواية ال تقبل روايته وعلى هذا املذهب‪،‬‬
‫الكذب يزيل العدالة متاما‪ .‬هذا يف العدالة‪.‬‬

‫واإلخالل في الضبط‪ :‬الوصف َ‬


‫باخلرف واخلرف هو املختلط متاما ال يدري الصواب من خطئه بسبب‬
‫الكهولة واملراد باخللل هنا هو اخللل الكبري وأما اخللل البسيط فال بأس به ألنه ال خيل أي إنسان عنه‪ .‬وقد‬
‫يكون الرجل ينسى بسرعة أو ال يستطيع أن يتذكر األشياء فهذا ال يسمى خرفا بل يسمى ضعف الذاكرة‬
‫أو النسيان التام‪.‬‬

‫وقد ال يكون السبب الشيخوخة والكهولة وإمنا يكون سببا آخر كاملصاب بالصدمة الدماغية أو القلبية‬
‫وهذه تؤثر يف ذاكرته فيصبح ال يركز على شيء فيصبح خرفا‪.‬‬

‫التعديل‪ :‬مأخوذ من ع ّدل يع ّدل تعديال يعىن ذ ّكى ّ‬


‫وقوم فالتعديل هو التزكية والتقومي يقال ع ّدله فتعدل‬
‫يعىن قومه فاستقام‪.‬‬

‫ويف اإلصطالح‪ :‬هو وصف الراوي بصفات جتعله مقبول اخلرب والشهادة‪.‬‬

‫فيكون تعريف علم الجرح والتعديل كالتايل‪:‬‬

‫"هو علم يبحث فيه عن جرح الرواة وتعديلهم بألفاظ خمصوصة‪ .‬ويسمى علم ميزان الرجال أو فحص‬
‫الرواة أو علم معرفة الرواة‪.‬‬

‫أهميته‪ :‬علم اجلرح والتعديل من الفروض الكفائي ألجل حفظ الشريعة وصيانتها ألنه لو مل يكن هذا‬
‫العلم ستزول الشريعة وبيان عيوب ومثالب الرجال يف هذا العلم ال يعترب غيبة ألهنا ال بد من بياهنا‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫مشروعيته‪ :‬مشروعية هذا العلم ثابت باآليات القرآينة واألحاديث النبوية ألن التثبت والتأكد من األخبار‬
‫والروايات واالحتياط فيها مأمور ِبا‪ ،‬يقول اهلل تعاىل‪" :‬يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا"‬
‫ويقول‪" :‬فاستشهدوا شهيدين من رجامل فإن مل يكونا رجلني فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء"‬

‫يقول ابن سريين‪" :‬إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم"‪.‬‬

‫واجلرح ال يكون غيبة بل نصيحة واجبة‪ .‬قال اإلمام أمحد أليب تراب النخشيب‪ -‬حني عذله عن ذلك بقوله‪:‬‬
‫ال تغتب الناس‪" :‬وحيك! هذه نصيحة وليست غيبة" وقال النووي والعز بن عبد السالم‪" :‬القدح يف الرواة‬
‫واجب ملا فيه من إثبات الشرع وملا على الناس من ترك ذلك من الضرر يف التحرمي والتحليل غريمها من‬
‫األحكام"‪.‬‬

‫ذكر اإلمام الغزايل يف إحياء العلوم و اإلمام النووي يف رياض الصاحلني أنواع الغيبة املباحة وهي‪:‬‬

‫‪ -1‬التظلم‪ -2 ،‬االستعانة على تغيري املنكر‪ -3 ،‬اإلستثناء‪ -4 ،‬حتذير املسلمني من الشر ونصحهم‬
‫واجلرح يدخل حتت هذا النوع‪ -1 ،‬اجملاهر بالفسق ال غيبة له‪.‬‬

‫وال يصح حسن الظن يف الرواة ومروياهتم يقول ابن مهدي‪" :‬خصلتان ال يستقيم فيهما حسن الظن‪:‬‬
‫احلكم واحلديث"‬

‫الدالئل من األحاديث في مشروعية علم الجرح والتعديل وأنه ال يكون غيبة‬

‫س أَ ُخو ال َعش َرية‬ ‫َّ‬ ‫َّيب َ َّ َّ‬ ‫‪َ -1‬عن َعائ َشةَ ‪" :‬أ َّ‬
‫صلى اللهُ َعلَيه َو َسل َم فَـلَ َّما َرآهُ قَ َال ‪ :‬بئ َ‬ ‫َن َر ُجالً استَأ َذ َن َعلَى الن ِّ‬
‫س اب ُن ال َعش َرية " رواه البخاري‬ ‫َوبئ َ‬
‫‪ -2‬عن عائشة أن هند بنت عتبة قالت‪ " :‬يا رسول اهلل إن أبا سفيان رجل شحيح‪ -3 ."...‬وعن فَاطمةَ‬
‫ول اللَّه‬
‫رس ُ‬
‫ومعاويةَ َخطباين؟ فَـ َق َال ُ‬ ‫ت‪َّ :‬‬
‫إن أَبَا اجلَهم ُ‬ ‫النيب ﷺ‪ ،‬ف ُقل ُ‬
‫ت َّ‬ ‫بنت قَـيس َرض َي اللَّه َعنها قَالَت‪ :‬أَتي ُ‬
‫العصا" عن عاتقه متفق َعلَيه‪.‬‬
‫يض ُع َ‬
‫مال لَهُ‪ ،‬و َّأما أَبُو اجلَهم فَالَ َ‬
‫صعلُوك الَ َ‬
‫"أما ُم َعاويةُ‪ ،‬فَ ُ‬
‫ﷺ ‪َّ :‬‬

‫‪23‬‬
‫‪ -4‬وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم يف تعديل خالد بن الوليد‪" :‬سيف من سيوف اهلل"‪ .‬هذه هي جمموعة‬
‫من دالئل مشروعية وجوازعلم اجلرح والتعديل وأنه ال يكون غيبة‪.‬‬

‫ثقة الراوي يستلزم العدالة والضبط‬

‫األول‪ -‬العدالة‪ :‬ملكة حتمل املرء على مالزمة التقوى واملروءة‪ .‬والتقوى‪ :‬هو االجتناب عما يذم شرعا‪،‬‬
‫والمروءة‪ :‬هي التجنب عما يذم عرفا وخوارم المروءة‪ :‬هي نقائصها‪.‬‬

‫الرجل العدل‪ :‬من مل يظهر يف دينه ومروءته ما خيل ِبما‪ ،‬فيقبل خربه وتقبل شهادته وال يشرتط الذكورة‬
‫واحلرية يف باب الرواية وال يشرتط اإلميان والبلوغ عند التحمل‪.‬‬

‫طرق ثبوت العدالة‬

‫‪ -1‬تنصيص املعدلني والنقاد‪ ،‬إذا مل يكن يف عدالة الراوي اختالف ويكفي تعديل عامل واحد عند اجلمهور‪.‬‬
‫‪ -2‬الشهرة واالستفاضة‪ -3 .‬إخراج من التزم الصحة كالبخاري ومسلم‪ -4 .‬رواية الثقة عن الراوي توثيق‬
‫له‪ ،‬هذا رأي غريب‪ -1 .‬كل حامل علم حممول على العدالة‪ ،‬وهذا الرأي أغرب من الرابع‪.‬‬

‫الثاني‪ -‬الضبط‪ :‬يف اللغة هو احلزم واجلزم واإلتقان يف العمل‪.‬‬

‫وفي اإلصطالح هو‪ :‬تيقظ الراوي حني حتمله للحديث وفهمه ملا يسمع‪ ،‬والضابط‪ :‬هو احلافظ حلديثه‬
‫من حني حتمله إىل وقت أدائه‪.‬‬

‫والضبط نوعان‪:‬‬

‫ضبط الصدر‪ :‬أن يرتسخ ما حفظ يف صدره حبيث يستحضره حني شاء‪.‬‬

‫ضبط الكتاب‪ :‬أن حيفظ الكتاب من أن ّ‬


‫يتسرب إليه أي خلل من زيادة أو نقصان‪ .‬ومن الرواة من حيفظ‬
‫يف الصدر ومنهم من حيفظ يف الكتاب ولكن الوجه األكمل لألداء أن ُيمع الراوي بني احلفظ والكتابة‬
‫كاإلمام أمحد‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫كيف نعرف أن الراوي ضابط لحديثه؟‬

‫نعرف ضبط الراوي حلديثه باملقارنة وعرض أحاديثه على أحاديث الثقاة املتقنني املعروفني فإذا جاءت‬
‫املوافقة يف الغالب معىن‪ ،‬يكون ضابطا وال تضر املخالفة النادرة وإذا كثرت خمالفته للثقات خيتل ضبطه‪.‬‬

‫مىت حنتاج أن نعرض مروياته على اآلخرين؟ إذا جرح جرحا شديدا كالوصف بفحش الغلط وسوء احلفظ‪،‬‬
‫فهذا ال حيتاج إىل املقارنة وأما إذا كان فيه جرح خفيف كما إذا كان عنده أوهام فهذا تقارن روايه مع‬
‫روايات الثقات‪.‬‬

‫شروط المعدل والجارح‬

‫‪ -1‬أن يكون عدال يف نفسه غري جمروح عند أهل العلم‪.‬‬


‫‪ -2‬أن يكون ورعا تقيا ديّنا‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يكون متيقظا غري غافل‪ ،‬ومن صور التيقظ أن ال ينخدع بظاهر الراوي بل يفرق بني التدين‬
‫واحلفظ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يكون عارفا بأسباب اجلرح والتعديل‪.‬‬

‫من أين نعرف هذه األسباب؟‬

‫طبعا نأخذ هذه األسباب من القرآن والسنة ومعاملة النيب صلى اهلل عليه وسلم مع خطأ الناس يف زمنه‪.‬‬

‫الجرح والتعديل مفسرا ومبهما‬

‫فسر مبعىن هو البيان والظهور واإلِبام أن يظل الشيء غامضا أو يبقى على حاله من الغموض‪.‬‬
‫املفسر من َ‬
‫ّ‬
‫هل من الضروري إذا قلنا فالن ثقة أو جمروح أن يكون مفسرا أم ال؟‬

‫هناك عدة آراء‪:‬‬

‫‪25‬‬
‫الرأي األول‪ :‬التفريق بني األمرين وهو قبول التعديل مبهما واجلرح ال يقبل إال مفسرا؛ ألن أسباب التعديل‬
‫كثرية وذكرها يؤدي إىل احلرج والتعب واجلرح حيصل بذكر سبب واحد وال يشق ذكره فإذا قلت‪ :‬فالن‬
‫جمروح فال بد بأن تفسر اجلرح بأنه يشرب اخلمر مثال‪ .‬هذا هو رأي مجهور احملدثني‪.‬‬

‫الرأي الثاني‪ :‬عكس الرأي األول (قبول التعديل مفسرا واجلرح مبهما)؛ ألن أسباب التعديل يكثر التصنع‬
‫اغرت بعبد الكرمي‬
‫فيها فال بد من ذكر ذلك بالتفسري كما أن اإلمام مالك‪ -‬مع شدة حتريه وتثبته يف الرواة‪ّ -‬‬
‫بن أيب املخارق وقال‪" :‬غرين بكثرة جلوسه يف املسجد" وال ميكن ذلك يف أسباب اجلرح‪.‬‬

‫الرأي الثالث‪ :‬ال يقبالن إال مفسرين؛ ألن كل واحد منهما حيتمل فيه اخلطأ والتصنع‪ ،‬قيل ألمحد بن‬
‫يونس‪ :‬عبد اهلل بن عمر ضعيف‪ ،‬قال‪ :‬إمنا يضعفه مبغض آلباءه‪( ،‬مث يبني العلة ويقول‪ ):‬لو رأيت حليته‬
‫وهيئته لعرفت أنه ثقة‪ .‬هذا التعليل ال يصح وال قيمة له ألن حسن الظاهر يشرتك فيه كثري من الناس فهذا‬
‫ال يصلح للتعليل؛ فلهذا قال العلماء ال يقبل اجلرح والتعديل إال مفسرين‪.‬‬

‫الرأي الرابع‪ :‬يقبالن مبهمني من أهلهما املعروفني‪ .‬يعين إذا عدل أو جرح أئمة اجلرح والتعديل دون ذكر‬
‫األسباب يقبل وال يسأل عن األسباب؛ ألننا نعتمد على أقوال النقاد ونرضى ِبا‪ .‬هذا املذهب أقرب من‬
‫ستحسن‪ ،‬ألن اجلمهور يستحسنون البيان وال‬
‫مذهب اجلمهور؛ ألنه ال َُيب البيان يف هذا القول ولكن يُ َ‬
‫يوجبوهنا؛ يعين من مل يبني السبب فال ُيب عليه وال يلزمه وإذا بني فهذا أمر حسن وهكذا ميكن اجلمع‬
‫بني القول األول والرابع وهنا أمر ينبغي أن يكون واضحا فمثال بعض الكتب كتهذيب التهذيب وهتذيب‬
‫الكمال وغريهم ال يبينون األسباب ألمرين‪:‬‬

‫‪ -1‬أن هذه األحكام صادرة من أهل اإلختصاص‪.‬‬


‫‪ -2‬الراوي إذا مل ختتلف فيه اآلراء ال حيتاج إىل التفسري ولكن إن وقع فيه اإلختالف حيتاج إىل التفسري‬
‫للرتجيح بني األقوال املختلفة‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫تعارض الجرح والتعديل‬

‫وهذا يرجع إىل الراوي نفسه وللتعارض بني اجلرح والتعديل صورتان‪:‬‬

‫‪ -1‬قد يكون التعارض بني أقوال إمام واحد‪.‬‬


‫‪ -2‬وقد يكون التعارض بني أقوال األئمة‪.‬‬

‫الصورة األولى‪ :‬إذا صدر التعارض من إمام واحد‪ ،‬نتعامل معه حسب اخلطوات التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬طريق اجلمع أو مسلك اجلمع‪.‬‬


‫‪ -2‬نرى التاريخ ليتضح الناسخ من املنسوخ‪.‬‬
‫‪ -3‬الرتجيح‪.‬‬
‫‪ -4‬التوقف‪.‬‬

‫مفاد ذلك أن التوثيق والتضعيف يتعارضان فإذا تعارض التوثيق والتضعيف من إمام واحد‪:‬‬

‫أوال‪ :‬طريق الجمع‪ ،‬فنقول إن التوثيق أوالتضعيف يكون أمرا نسبيا‪ ،‬كيف يكون ذلك؟ ألنه قد يكون‬
‫الراوي ثقة فإذا ذكر لوحده غري مقارن بغريه يكون ثقة وإذا قارناه مع غريه يكون ضعيفا فيكون الضعف‬
‫نسبيا على سبيل املثال قال ابن معني يف عالء بن عبد الرمحن ال بأس به‪ ،‬مبعىن هو ثقة ولكن ملا قيل له‬
‫أهو أحب إليك أم سعيد املقبوري؟ قال‪ :‬سعيد أوثق والعالء ضعيف (أي بالنسبة إليه)‪ ،‬فيكون اجلمع بني‬
‫القولني بأن نقول أن التوثيق والتضعيف أمران نسبيان‪ .‬وإذا مل ميكن اجلمع ننتقل إىل اخلطوة الثانية التالية‪.‬‬

‫األمر الثاني‪ :‬معرفة التاريخ أي معرفة الناسخ واملنسوخ ألنه ميكن أن يتغري رأي اإلمام فبعد ما ضعف‬
‫شخصا يوثقه وينسخ ما قال فيه أوال فال بد من معرفة التاريخ حىت يقال بنسخ القول األول‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫األمر الثالث‪ :‬الرتجيح باملالزمة واحلفظ وهو أن ننظر إىل تالميذ اإلمام فتيرجح أكثرهم مالزمة فمثال‬
‫البن معني تالمذ كعباس الدوري وعثمان الدارمي وإسحاق الكوسج والدوري أكثرهم مالزمة البن معني‬
‫فإذا وقع التعارض بني رواية الدوري وغريه فيكون الرتجيح بقول الدوري ألنه أكثر مالزمة أو يترجح‬
‫باألحفظية فقوي احلفظ يرتجح على ضعيف احلفظ‪.‬‬

‫فإذا مل ميكن ذلك فيكون الرتجيح إىل أقرب القولني إىل أقوال األئمة أو النقاد اآلخرين فمثال إذا تعارض‬
‫قوالن من ابن معني يف التوثيق والتضعيف‪ ،‬ننظر أيهما أقرب إىل قول اإلمام أمحد وابن مهدي أو البخاري‬
‫أو أيب حامت الرازي مثال‪ ،‬فإن كانوا يوثّقونه فالرتجيح للتوثيق وإن كانوا يضعفونه فالرتجيح للتضعيف‪.‬‬

‫األمر الرابع‪ :‬مرحلة التوقف عند ما ال تستطيع الرتجيح تتوقف إذ جمال فيه لإلجتهاد ألنه تاريخ ال بد‬
‫من نقل‪.‬‬

‫الصورة الثانية‪ :‬تعارض أقوال األئمة‬

‫وإذا وثق الراوي إمام وضعفه إمام آخر ومل نستطع الرتجيح ففيه ثالثة آراء‪:‬‬

‫الرأي األول‪ :‬أن اجلرح مقدم على التعديل ولو كان املعدلون أكثر؛ ألن األصل هو الرباءة يف اإلنسان فإذا‬
‫جرح اجلارح‪ ،‬علم أن عنده زيادة علم واطلع على شيء خفي ال يعرفه املعدلون ألهنم يعدلونه على ظاهره‬
‫فيكون الرتجيح لقول اجلارح إال أن يقول املعدلون‪ :‬نعم كان كذلك ولكن الرجل قد تاب عما كان هو‬
‫فيه‪.‬‬

‫الرأي الثاني‪ :‬أن التعديل مقدم؛ ألن الكثرة دليل القوة والقلة دليل الضعف يف الغالب‪ ،‬فإذا كثر املعدلون‬
‫يكون التعديل مقدما ولكن اخلطيب البغدادي يقول‪" :‬هذا خطأ ممن تومهه‪ ،‬ألن املعدلني ‪ -‬وإن كثر‬
‫عددهم‪ -‬ال يذكرون األوصاف اجلارحة وال خيربون عما أخرب به اجلارحون ولو ذكروها لكانت شهادهتم‬
‫باطلة إال أن يقول املعدلون‪ :‬أن الرجل قد ختلى عما كان فيه‪ ،‬وأما مبجرد التعديل ال يقبل"‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫الرأي الثالث‪ :‬ال يرتجح أحدمها إال مبرجح خارجي كاملالزمة والتلمذ أو البلدية ال بالكثرت والقلة فيرتجح‬
‫قول أكثرهم مالزمة أو من كان تلميذا له أو كان من بلده على غريهم‪.‬‬

‫ضوابط تعارض الجرح والتعديل‬

‫وهذا البحث منصب على أوصاف املعدل واجلارح فإذا تعارض األقوال يف راو من الرواة جرحا وتعديال‬
‫فما هي صور اخلروج من هذا التعارض؟ قالوا‪:‬‬

‫‪ -1‬أن يكون صاحب أحد القولني متساهال يف التصحيح والتوثيق واآلخر جتده متعمقا يف األحكام‬
‫على الرواة واألحاديث فريجح الثاين على األول ومن األمثلة على ذلك اإلمام حاكم ألنه مشهور‬
‫بالتساهل وصور تساهله عديدة ذكرها الزيلعي يف نصب الراية منها‪:‬‬
‫‪ -‬يكون السند فيه كذاب ولكن احلاكم يقول‪ :‬على شرط البخاري أو على شرط مسلم‪.‬‬
‫‪ -‬يف السند رواة على شرط البخاري ورواة على شرط مسلم‪ ،‬ولكن هو يقول‪ :‬على شرط‬
‫الشيخني‪ ،‬مع أن هناك رواة احتج ِبم البخاري مل حيتج ِبم مسلم وكذلك على العكس‪.‬‬
‫‪ -‬اإلمام البخاري يروي عن الرواي فيأخذ عنه مرويات بلده فقط كإمساعيل بن عياش فاإلمام‬
‫البخاري يأخذ أحاديثه عن أهل الشام فقط ولكن إذا روى عن أهل املدينة أو غريهم ال يأخذ‬
‫عنه‪ ،‬ألنه عرف باإلضطراب يف أحاديث هؤالء ولكن احلاكم ُيد اإلمام مالك يروي عن‬
‫عياش أحاديثه كلها سواء روى من أهل بلده أو غريهم‪ ،‬هو يقول‪ :‬على شرط البخاري‪ ،‬وهذا‬
‫تساهل‪.‬‬
‫ولذلك اإلمام الذهيب ملا خلص أحكامه‪ ،‬قال العلماء‪ :‬ال يقرأ املستدرك إال مع تلخيص الذهيب‬
‫ألن الذهيب كان متعمقا فإذا وافق احلاكم فيكون احلديث صحيحا‪ .‬قال الذهيب‪ :‬ربع املستدرك‬
‫عبارة عن األحاديث الضعيفة واملوضوعة واملناكري ويقول غاضبا يف احلديث املوضوع الذي قال‬
‫احلاكم فيه على شرط البخاري‪ :‬واهلل باهلل تاهلل إنه ملوضوع‪ ،‬وأحيانا يقول‪ :‬يا ليته مل يصنف!‬

‫‪29‬‬
‫وطبعا لوقوع املوضوعات وغريها يف املستدرك أسباب منها‪ :‬أن احلاكم مل يتيسر له أن يراجع‬
‫كتابه ألنه أعجلته املنية‪.‬‬
‫‪ -2‬صاحب أحد القولني يكون متشددا يف اجلرح والتضعيف واآلخر يتوسط يف األحكام (حمقق‬
‫متوسط) فريجح قوله على املتشدد كما ذُكر عن شعبة أنه قال‪ :‬يركض على برزون‪ ،‬مع أن هذا ال‬
‫يكون سببا للجرح‪.‬‬

‫ويف كل طبقة يوجد املشتدد واملتوسط فمثال يف‪:‬‬

‫الطبقة األولى‪ :‬شعبة وسفيان الثوري وشعبة أشد من سفيان الثوري يف اجلرح‪.‬‬

‫الطبقة الثانية‪ :‬حييي بن سعيد القطان وعبد الرمحن بن مهدي والقطان أشد من ابن مهدي‪.‬‬

‫الطبقة الثالة‪ :‬ابن معني واإلمام أمحد بن حنبل وابن معني أشد من اإلمام أمحد‪.‬‬

‫الطبقة الرابعة‪ :‬أبوحامت والبخاري و أبو حامت أشد من البخاري‪.‬‬

‫فإذا تعارض أقوال هؤالء املتشددين كشبعة وحييي بن سعيد القطان وابن معني وأبوحامت مع املتوسطني‬
‫كسفيان وابن مهدي وابن حنبل والبخاري يكون الرتجيح ألقوال املتوسطني ولكن إذا وثق املتشدد‬
‫شيئا فعضوا عليه بالنواجذ‪.‬‬

‫وأيضا من املشتددين بعد ذلك اإلمام ابن الجوزي مع غزارة علمه متشدد حىت أدرج كثريا من أحاديث‬
‫البخاري ومسلم ومسند أمحد يف كتابه املوضوعات وهي أحاديث صحيح وكذلك من املتشددين‬
‫الجزقاني أدخل كثريا من أحاديث املشهورة يف كتابه املناكري وكذلك الحسن الصغاني الالهوري‬
‫عرف بالتشدد وله كتاب املوضوعات وكذلك ابن تيمية رمحه اهلل عرف منه هذا التشدد يف بعض‬
‫األحاديث فينكر حديث صالة التسبيح متاما وأيضا مجد الدين الفيروزآبادي صاحب القاموس‬
‫وكذلك أبو الفتح األزدي‪ ،‬قال ابن حجر فيه‪ :‬إنه ُيرح راويا ثقة أو ُيرح راويا هو أوثق منه‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫‪ -3‬النظر يف مأخذ القولني والتدبر يف أدلة الطرفني‪ ،‬هل كان التوثيق أو اجلرح على التعصب أو‬
‫املذهب الكفري أو الفقهي أو على عدم املعرفة؟ ألن بعض الناس يومثال قال ابن حزم يف احلنفية‪:‬‬
‫"ما عرفوا القياس وال عملوا بالسنة" وبعض الناس يقولون‪ :‬إمام مالك رمحه اهلل والشافعي رمحه اهلل‬
‫وأمحد رمحه اهلل وأبوحنيفة بدون رمحه اهلل‪ .‬وابن معني يقول‪" :‬الشافعي ال أراه ثقة"‪ .‬ولذلك ملا‬
‫عرف اإلمام أمحد أن ابن معني يقول هذا‪ ،‬قال‪" :‬ابن معني ال يعرف الشافعي وقدره" والنسائي‬
‫طعن يف أمحد بن صاحل املصري ألنه طرد النسائي من جملسه‪ ،‬فال بد من النظر يف مأخذ القول‪.‬‬
‫مث ينظر يف أدلة الطرفني‪ ،‬هل جرحهما أو تعديلهما مبين على الدليل أم ال مثال يقول واحد‪ :‬هو‬
‫يأكل بيده اليمىن فرياه عيبا‪ ،‬فال بد أن ينظر هل يأكل باليمىن عمدا مع صحة يده اليسرى أم ال‬
‫يستطيع األكل بشماله‪.‬‬
‫ف ُري َّجح القول الذي عار عن التعصب أو مبين على الدليل على غريه وال يعترب السبق الزماين وال‬
‫الرتيب‪.‬‬

‫‪31‬‬

You might also like