You are on page 1of 24

‫المناهج الدعوية‬

‫وتطبيقاتها النبوية‬
‫إعداد‬
‫لجنة الدعوة اإللكترونية‬
‫‪2‬‬

‫{و َم ْن َأ ْح َس ُن َق ْو ًال ِّم َّمن َد َعا ِإ َلى‬


‫َ‬
‫الله َو َع ِم َل َص ِال ًحا َو َق َ‬
‫ال ِإَّن ِني ِم َن‬ ‫ِ‬
‫(فصلت‪.)33 :‬‬ ‫ْال ُم ْس ِل ِم َ‬
‫ين}‬
‫‪3‬‬

‫المناهج الدعوية‬
‫وتطبيقاتها النبوية‬

‫إعداد وتنفيذ‬
‫لجنة الدعوة اإللكترونية‬
‫(جمعية النجاة الخيرية)‬
‫مقدمة‬
‫الحمــد هلل رب العالميــن‪ ،‬والصــاة والســام علــى خيــر الدعــاة وســيد المرســلين‪ ،‬ســيدنا محمــد‬
‫وعلــى آلــه وصحبــه أجمعيــن‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫وبعد‪،،‬‬
‫فالدعــوة إلــى اهلل تعالــى مــن أشــرف األعمــال وأزكــى األفعــال وأحســن األقــوال‪ ،‬والدعــاة هــم‬
‫ورثــة األنبيــاء وهــم األدالء علــى طريــق الحــق‪.‬‬
‫ونظــرا لعظــم أمــر الدعــوة‪ ،‬وتنــوع طبائــع البشــر المقصوديــن بالدعــوة تنوعــت المناهــج‬
‫َ‬
‫يُخاطــب كل قــوم بمــا يناســبهم؛ وهــو مــا يحتــاج مــن الدعــاة إلــى‬ ‫واألســاليب الدعويــة؛ بحيــث‬
‫حســن إدراك الواقــع وطبيعــة أهلــه؛ حتــى يتمكنــوا مــن اختيــار األســلوب المناســب لهــم‪.‬‬
‫والرســول صلــى اهلل عليــه وســلم قــدوة الدعــاة نــوَّع بيــن األســاليب التــي اســتخدمها فــي‬
‫تبليــغ رســالته؛ فتــارة يســتخدم األســلوب العاطفــي‪ ،‬وتــارة يســتخدم األســلوب العقلــي‪ ،‬وتــارة‬
‫أخــرى يكــون األســلوب الحســي هــو األنســب‪ ..‬كل ذلــك متوقــف علــى طبيعــة المدعــو وســماته‬
‫الشــخصية ومفاتيحــه الدعويــة‪ ،‬وكذلــك علــى موضــوع الدعــوة وطبيعتــه‪.‬‬
‫وفيمــا يلــي نعــرض لهــذه األســاليب الدعويــة الثالثــة؛ لنتعــرف علــى كل أســلوب مــن حيــث‬
‫تعريفــه ووســائله وخصائصــه ومواطــن اســتخدامه‪ ،‬ثــم نعــرض لبعــض التطبيقــات النبويــة‬
‫الدعــوي لــكل منهــا‪.‬‬
‫سائلين اهلل تعالى اإلخالص والقبول‪ ..‬إنه ولي ذلك ومواله‪.‬‬
‫تمهيد‬
‫أوال‪ -‬تعريف الدعوة‪:‬‬
‫تعددت تعريفات العلماء والدعاة للدعوة اصطالحا‪ ،‬على النحو التالي‪:‬‬
‫‪5‬‬
‫ـث النــاس علــى الخيــر والهــدى‪،‬‬‫‪ - 1‬عرفهــا الشــيخ محمــد الخضــر حســين فــي كتابــه بأنهــا‪« :‬حَـ ُّ‬
‫واألمــر بالمعــروف والنهــي عــن المنكــر؛ ليفــوزوا بســعادة العاجــل واآلجــل»(‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬عرفهــا الدكتــور أحمــد غلــوش بأنهــا «العلــم الــذي تعــرف بــه كافــة المحــاوالت الفنيــة‬
‫المتعــددة الراميــة إلــى تبليــغ اإلســام ممــا حــوى عقيــدة وشــريعة وأخالقــا»(‪.)2‬‬
‫أمــا األســتاذ محمــد الغزالــي فــي كتابــه» مــع اهلل « فعرفهــا بأنهــا «برنامــج كامــل يضــم‬
‫فــي أطوائــه جميــع المعــارف التــي يحتــاج إليهــا النــاس؛ ليبصــروا الغايــة مــن محياهــم‪،‬‬
‫وليستكشــفوا معالــم الطريــق التــي تجمعهــم راشــدين»(‪.)3‬‬

‫ثانيا‪ -‬تعريف المنهج‪:‬‬


‫المنهاج في اللغة «الطريق الواضح‪ ،‬واستنهجَ الطريقُ» صار نهجاً(‪.)4‬‬

‫ومــن هــذا المعنــى اللغــوي اســتحدثت كلمــة «منهــاج» بمعنــى‪« :‬الخطــة المرســومة‪ ،‬ومنهــا‪:‬‬
‫منهــاج الدراســة‪ ،‬ومنهــاج التعليــم ونحوهــا‪ ،‬والجمــع مناهــج»(‪.)5‬‬
‫وبنــاء علــى هــذا يمكــن تعريــف «مناهــج الدعــوة» بأنهــا ُ‬
‫«نُظــمُ الدعــوة‪ ،‬وخططهــا المرســومة‬
‫لهــا» فيقــال‪ :‬نظــام العقيــدة في اإلســام‪ ،‬ونظــام العبادة‪ ،‬ونظــام االقتصــاد‪ ،‬ونظام السياســة‪..‬‬
‫ومــا إلــى ذلك‪.‬‬

‫كما يقال‪ :‬نظام تبليغ اإلسالم‪ ،‬ونظام تعليمه‪ ،‬ونظام تطبيقه(‪.)6‬‬


‫وممــا ســبق يتضــح أن مناهــج الدعــوة تشــمل نظمهــا وخططهــا‪ ،‬وأن هــذه المناهــج تشــمل كل‬
‫جوانــب اإلســام؛ فهــو ديــن عقيــدة وعبــادة‪ ،‬وديــن أخــاق ومعامــات‪.‬‬

‫‪ -‬الدعوة إلى اإلصالح‪ ،17 :‬محمد الخضر حسين‪ ،‬المطبعة السلفية‪.1346 ،‬‬ ‫‪ 1‬‬
‫‪ -‬الدعــوة اإلســامية‪ ..‬أصولهــا – وســائلها – أســاليبها فــي القــرآن الكريــم‪ ،10 :‬د‪ .‬أحمــد غلــوش‪،‬‬ ‫‪2‬‬
‫مؤسســة الرســالة‪ ،‬القاهــرة ‪.2005‬‬
‫‪ -‬مع اهلل‪ ..‬دراسات في الدعوة والدعاة‪ ،9 :‬األستاذ محمد الغزالي‪ ،‬دار نهضة مصر‪ ،‬الطبعة األولى‪.‬‬ ‫‪ 3‬‬
‫‪ - 4‬لسان العرب‪ ،‬مادة «نهج»‪.‬‬
‫‪ - 5‬المعجم الوسيط‪ ،‬مادة «نهج»‪.‬‬
‫‪ - 6‬انظر‪ :‬المدخل إلى علم الدعوة‪.46 :‬‬
‫المبحث األول‬
‫المنهج العاطفي في الدعوة‬
‫مدخل‬
‫‪6‬‬
‫كثير من الناس ينقادون لعواطفهم الوجدانية أكثر مما ينقادون لألدلة العقلية‪ ،‬والعواطف‬
‫العميقة تقود اإلنسان من دون تفكير إلى أسمى الفضائل‪ ،‬أو إلى أحط الرذائل؛ فالحب العنيف‬
‫والبغض العنيف كالهما يعمي ويصم(‪.)7‬‬

‫وحــول أثــر العاطفــة الدعــوي يقــول د‪ .‬علــي بــن عمــر بادحــدح‪ ...« :‬لهــذه العاطفــة ولهــذه‬
‫المحبــة مــا يعيــن علــى أن تتقــوم نفــس المدعــو تقويمًــا عاطفيًّــا؛ فتتهــذب نفســه‪ ،‬ويُكِــن‬
‫الخيــر لآلخريــن‪ ،‬ويضمــر المحبــة‪ ،‬ويلتمــس العــذر‪ ،‬ويُحســن الظــن؛ فهــذه كلهــا مــن اآلثــار‬
‫اإليجابيــة للتعامــل األخــوي الــذي تســوده المحبــة اإليمانيــة واألخــوة فــي اهلل عــز وجــل»(‪.)8‬‬

‫ولذلــك يعــد المنهــج العاطفــي مــن أكثــر المناهــج تأثيــرا وانتشــارا فــي المجــاالت الدعويــة؛‬
‫ذلــك أنــه يتعامــل مــع منفــذ مهــم مــن منافــذ شــخصية المدعــو؛ منفــذ ال يملــك أن يوصــده فــي‬
‫وجــه أحــد إال إذا وجــد منــه صــدودا أو نفــورا‪.‬‬

‫فــإذا أحســن الداعيــة النفــاذ إلــى قلــب المدعــو ضمــن عقلــه وجوارحــه بعــد ذلــك؛ فالقلــب هــو‬
‫قائــد الجــوارح وملكهــا؛ فــإذا انصلــح انصلحــوا وإذا فســدوا كمــا أخبــر المصطفــى صلــى اهلل‬
‫عليــه وســلم فــي الحديــث النبــوي الشــريف‪.‬‬

‫تعريفه‬

‫هو النظام الدعوي الذي يرتكز على القلب‪ ،‬ويحرك الشعور والوجدان‪.‬‬

‫أبرز أساليبه‬

‫أ‪ .‬أسلوب الموعظة الحسنة‪.‬‬


‫ب‪ .‬إظهار الرأفة والرحمة بالمدعوين‪.‬‬
‫ج‪ .‬قضاء الحاجات‪ ،‬وتقديم المساعدات‪ ،‬وتأمين الخدمات‪.‬‬

‫‪ 7‬ـ مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي‪ ،147 :‬د‪ .‬عبد الكريم بكار‪.‬‬
‫‪ - 8‬محاضرة بعنوان‪« :‬العاطفة والدعوة»‪ ،‬منشورة على موقع «إسالم ويب»‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫مواطن استعماالته‬

‫‪ -1‬حالة دعوة الجاهل‪.‬‬


‫‪ -2‬حالة دعوة من تجهل حاله‪.‬‬
‫‪ -3‬في دعوة أصحاب القلوب الضعيفة كالنساء واألطفال‪.‬‬
‫‪ -4‬في دعوة اآلباء لألبناء‪ ،‬ودعوة األبناء لآلباء واألقارب واألرحام‪.‬‬
‫‪ -5‬في مواطن ضعف الدعوة‪ ،‬والشدة على المدعوين‪.‬‬

‫من خصائص المنهج العاطفي‬

‫‪ -‬لطف أسلوبه‬
‫‪ -‬سرعة تأثر المدعوين به‪.‬‬
‫‪ -‬تخفيف وطأة العدو أو المخالف‪.‬‬
‫‪ -‬سرعة التحول في آثاره‪.‬‬
‫‪ -‬سعة دائرة استعماله(‪.)9‬‬

‫‪ -1 9‬المدخل إلى علم الدعوة‪ 195 :‬وما بعدها (بتصرف)‪.‬‬


‫احترازات في المنهج العاطفي‬
‫رغــم أهميــة المنهــج العاطفــي فــي الدعــوة فإنــه يعــد أكثرهــا حساســية؛ فالســالك ســبيله‬
‫كالســالك طريقــا مــن الشــوك‪ ،‬إن لــم يأخــذ حــذره فســيناله منــه األذى‪ ،‬وقــد ينــال الدعــوة‬
‫والمدعــو بصــورة كبيــرة‪.‬‬ ‫‪8‬‬
‫ولذلــك يجــب أن تكــون هنــاك بعــض المحاذيــر واالحتــرازات التــي يجــب مراعاتهــا حتــى يؤتــي‬
‫هــذا المنهــج أثــره الدعــوي المرجــو‪.‬‬
‫(‪)10‬‬
‫ومن هذه االحترازات ما ذكره د‪ .‬علي بادحدح مثل‬

‫أو ً‬
‫ال‪ :‬التعلــق الزائــد عــن الحــد؛ فــإن المحبــة الفطريــة أمــر طبعــي ال اعتــراض عليــه‪ ،‬ولكــن عــدم‬
‫التيقــظ قــد يجعلهــا تزيــد إلــى أن تكــون محبـ ً‬
‫ـة عاطفيــة بحتــة‪ ،‬مثــل محبــة المحبيــن والعشــاق‪.‬‬

‫ثاني ـاً‪ :‬الخلطــة الزائــدة؛ فبعــض النــاس أو بعــض الشــباب بحكــم الدعــوة ال يــكاد يصبــح وال‬
‫يمســي إال وهــو مــع هــذا المدعــو؛ بحجــة أن يقــوم ســلوكه أو يدعــوه‪ ،‬فمــن األســس المنهجيــة‬
‫فــي الدعــوة‪ :‬االســتقاللية ال التبعيــة‪ ،‬فمــن الخطــأ أن نكــون مثــل اللصقــة التــي ال تنفصــم عــن‬
‫ا ونهــاراً‪ ،‬صبحـاً ومســا ًء‪ ،‬فــإذا غبنــا عنــه اتصلنــا بــه‪ ،‬وإذا ســافرنا اتصلنــا بــه اتصــا ً‬
‫ال‬ ‫الجســم ليـ ً‬
‫كأنــا ال يمكــن أن ننفصــل عنــه؛ فهــذه الخلطــة الزائــدة ســبب مــن أســباب وجــود تلــك العالقــة‬
‫التــي قــد يكــون فيهــا مآخــذ‪.‬‬

‫ثالثـاً‪ :‬عــدم وضــوح الهــدف وقــوة التربيــة عنــد الداعيــة؛ فــإن هدفــك مــن صلتــك بــكل إنســان‬
‫هــو هــدف إنســاني ترجــو فيــه األجــر لنفســك والخيــر لغيــرك‪ ،‬فــإن غــاب عنــك هــذا الهــدف‬
‫تكــون كحــال الصيــاد الــذي ذهــب أن يصيــد فــي البحــر وهــو يعلــم أن هــذا مصــدر رزقــه لكنــه‬
‫عندمــا ذهــب أعجبتــه زرقــة ميــاه البحــر وانكســار األمــواج وانعــكاس الشــمس فــي غروبهــا‬
‫وظــال األشــجار فجعــل ينظــر إلــى هــذه المناظــر الجميلــة‪ ،‬ويأنــس بهــا‪ ،‬وربمــا يكتــب األشــعار‪،‬‬
‫ويدبــج المقــاالت‪ ،‬ونســي الهــدف الــذي ذهــب ألجلــه‪.‬‬

‫‪ -‬محاضرة بعنوان‪« :‬العاطفة والدعوة»‪ ،‬منشورة على موقع «إسالم ويب»‪.‬‬ ‫‪1 0‬‬
‫وهكــذا قــد ينصــرف الداعيــة ‪-‬ســيما إذا كان فــي مقتبــل العمــر وأول الشــباب‪ -‬إلــى لطافــة‬
‫وظــرف وحســن هيئــة وتأنــق عنــد المدعــو‪ ،‬فــإذا بــه يعجــب بهــذا‪ ،‬وينســى ذلــك الهــدف الــذي‬
‫‪9‬‬ ‫كان أســاس تلــك الصلــة‪ ،‬ويلحــق بذلــك عــدم قــوة التربيــة فــي الداعيــة‪ ،‬بمعنــى‪ :‬أنــه ليــس‬
‫عنــده التربيــة التــي تجعلــه يضبــط عواطفــه‪ ،‬ويعــرف كيــف يقــوم ويســوس األمــور‪.‬‬

‫النقطــة الرابعــة‪ :‬النواحــي الماديــة الصرفــة‪ ،‬وهــذا أمــر ال بــد أن نعرفــه بوضــوح وجــاء؛ فــإن‬
‫بعــض التعلــق قــد يكــون لمــا عنــد ذلــك المدعــو مــن مــال‪ ،‬أو جــاه‪ ،‬أو كذلــك لمــا عنــده مــن‬
‫هيئــة حســنة‪ ،‬وال نعجــب مــن ذلــك؛ فــإن ســلف األمــة قــد تكلمــوا فــي مســائل قــد نعجــب منهــا‪،‬‬
‫أو قــد يراهــا البعــض بعيــدة عــن التصــور‪ ،‬أو قــد يظنهــا البعــض منطويــة علــى بعــض التشــدد‪،‬‬
‫وليــس مــن ذلــك شــيء‪ ،‬إنمــا هــو معرفتهــم الصحيحــة بطبيعــة النفــس البشــرية عندمــا كان‬
‫العلمــاء يتحدثــون ‪-‬علــى ســبيل المثــال‪ -‬عــن االختــاط أو النظــر لألمــرد أو كيــف يكون جلوســه‬
‫فــي مجلــس العلــم‪ ،‬أو غيــر ذلــك ممــا ورد مــن اآلثــار فــي شــأن وتصرفــات ســلف األمــة وبعــض‬
‫العلمــاء‪ ،‬ممــا يــدل علــى أن الناحيــة الماديــة فــي الشــكل والمعنــى والمضمــون لهــا أثرهــا؛‬
‫فينبغــي للمــرء أال يغفــل هــذا‪.‬‬
‫تطبيقات نبوية للمنهج العاطفي‬
‫استخدم الرسول –صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬المنهج العاطفي في الدعوة بصور كثير وفي مواقف‬
‫متعددة‪ ،‬يعز حصرها جميعا في هذا المقام‪ .‬لكن هذه بعض صور التطبيقات الدعوية لهذا‬
‫المنهج عند النبي صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬ ‫‪10‬‬
‫أـ تأليف القلوب‪:‬‬
‫والمقصود منه استمالة القلوب لإلسالم‪ ،‬أو تثبيتها عليه بشيء من العطاء المادي فقد جاء أن‬
‫النبي صلى اهلل عليه وسلم أعطى بعد غزوة حنين صفوان بن أمية مائة من النعم ثم مائة ثم‬
‫مائة‪...‬‬
‫قال صفوان «واهلل لقد أعطاني رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ما أعطاني إنه ألبغض الناس‬
‫إلي‪ ،‬فما برح يعطيني حتى إنه ألحب الناس إلي»‬
‫وفي رواية‪« :‬فأعطاه غنما بين جبلين‪ ،‬فرجع إلى قومة فقال يا قوم! اسلموا‪ .‬فإن محمدا يعطي‬
‫عطاء ال يخشى الفاقة» (صحيح مسلم)‪.‬‬

‫ب‪ .‬الحرص على األقربين‪:‬‬


‫اهتم صلى اهلل عليه وسلم بالناس عامه وباألقربين خاصة إذ هم نقطة البدء في دعوته‬
‫صلى اهلل عليه وسلم استجابة ألمر ربه تعالى {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ْ‬
‫األقرَ ِبينَ} (الشعراء‪214 :‬‬
‫)؛ فكان ال يفتأ يلح على عمه أبي طالب الذي آزره‪ ،‬ولم ييأس من إسالمه حتى عند سكرات‬
‫الموت‪.‬‬

‫ج‪ .‬التودد إلى الناس‪:‬‬


‫‪ -1‬بإظهار المحبة بالخطاب؛ كقوله ‪-‬صلى اهلل علية وسلم‪ -‬لمعاذ بن جبل‪« :‬يا معاذ إني‬
‫أحبك»‪ ،‬وال يخفى على العاقل ما تفعله كلمة «أحبك» في نفس المدعو؛ فالقلوب تفتح للكلمة‬
‫الطيبة‪ ،‬والنبرة الصادقة والشعور بالحرص عليها‪.‬‬

‫‪ -2‬بإظهار المحبة بالفعل‪ :‬كزيارة النبي صلى اهلل عليه سلم لمن يربطه به عهد‪،‬‬
‫كما روى أنس رضي اهلل عنه قال‪« :‬كان غالم يهودي يخدم النبي فمرض‪ ،‬فأتاه النبي يعوده‪،‬‬
‫فقعد عند رأسه فقال له‪ :‬أسلم‪ ،‬فنظر إلى أبيه‪ ،‬وهو عنده‪ ،‬فقال له‪ :‬أطع أبا القاسم فأسلم‪،‬‬
‫فخرج النبي صلى اهلل عليه وسلم وهو يقول‪ :‬الحمد هلل الذي أنقذه من النار»(‪.)11‬‬
‫‪3‬ـ الرفق بالمدعو‪:‬‬
‫فقد صلى اهلل عليه وسلم رفيقا بالناس جميعا‪ ،‬وهو القائل‪« :‬إن الرفق ما كان في شيء إال‬
‫زانه وما نزع من شيء إال شانه»(‪.)12‬‬

‫ومن ذلك رفقه –صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بجفاة العرب الذين لم يكن لهم حظ كبير من العلم‬
‫‪11‬‬
‫واألدب؛ كالذي بال في المسجد وهمَّ بعض الصحابة بإيذائه‪ ،‬فقال صلى اهلل عليه «ال‬
‫ترزموه»‪ :‬أي ال تقطعوا عليه بولته فتؤذوه!‬

‫ثم كلمه صلى اهلل عليه وسلم برفق قائال إن هذه المساجد ال تصلح لشيء من هذا البول‬
‫والقذر‪ ،‬وإنما هي لذكر اهلل والصالة وقراءة القرآن(‪.)13‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫المنهج العقلي في الدعوة‬
‫يعــد العقــل مــن أهــم الموائــز التــي ميــز اهلل بهــا تعالــى اإلنســان علــى غيــره مــن المخلوقــات‬
‫التــي تشــترك معــه فــي هــذا الكــون؛ حتــى إنــه جعــل العقــل منــاط التكليــف الشــرعي؛ فرفــع‬ ‫‪12‬‬
‫القلــم عــن الصبــي والمجنــون والنائــم لعــدم اكتمــال القــدرات العقليــة عنــد كل منهــم مــا‬
‫دامــوا متلبســين بحالتهــم تلــك؛ فــإذا زالــت عــاد إليهــم التكليــف؛ فالصبــي يكلــف حيــن يبلــغ‪،‬‬
‫والمجنــون حيــن يعافــى والنائــم حيــن يســتيقظ‪.‬‬
‫يقــول شــيخ اإلســام ابــن تيميــة‪« :‬فاالســتدالل علــى الخالــق بخلــق اإلنســان فــي غايــة الحســن‬
‫دل عليهــا القــرآن وهــدى النــاس‬ ‫واالســتقامة‪ ،‬وهــي طريقــة عقليــة صحيحــة‪ ،‬وهــي شــرعية‪َّ ،‬‬
‫إليهــا؛ فــإن نفــس كــون اإلنســان حادثـاً بعــد أن لــم يكــن‪ ،‬ومخلوقـاً مــن نطفــة ثــم مــن علقــة‪...‬‬
‫إذن عقلــيٌّ؛ ألنــه بالعقــل تُع َلــم صحتــه‪ ،‬وهــو‬
‫كلهــم بعقولهــم‪ ،‬فهــو ْ‬ ‫فــإن هــذا يعلمــه النــاس ُّ‬
‫شــرعيٌّ أيضـاً»(‪.)14‬‬
‫وبنــاء علــى ذلــك يعــد المنهــج العقلــي مــن المناهــج المهمــة فــي هدايــة النــاس إلــى ربهــم‬
‫واألخــذ بأيديهــم إلــى طريــق الحــق والخيــر‪ ،‬وقــد اســتخدم هــذا المنهــج كثيــرا فــي مختلــف‬
‫المجــاالت الشــرعية ومنهــا مجــال العقيــدة فــي تعريــف النــاس بربهــم وخالقهــم‪،‬‬

‫تعريفه‬
‫هو النظام الدعوي الذي يرتكز على العقل‪ ،‬ويدعو إلى التفكر والتدبر واالعتبار‪.‬‬

‫أبرز أساليبه‬
‫‪ -1‬المحاكمات العقلية‪.‬‬
‫‪ -2‬الجدل والمناظرة والحوار‪.‬‬
‫‪ -3‬ضرب األمثال بأنواعها‪.‬‬
‫‪ -4‬القصص‪.‬‬

‫‪ -‬النبوات‪ - 52 :‬أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس ‪ -‬المطبعة السلفية ‪ -‬القاهرة ‪.1386 ،‬‬ ‫‪ 14‬‬
‫مواطن استعماال المنهج العقلي‬
‫‪13‬‬
‫‪ -1‬في مواطن إنكار المدعوين‪.‬‬
‫‪ -2‬مع المعتدِّين بعقولهم وأفكارهم من المدعوين‪.‬‬
‫‪ -3‬مع المنصفين من الناس‪.‬‬
‫‪ -4‬مع المتأثرين بالشبهات‪.‬‬

‫من خصائص المنهج العقلي‬

‫‪ -1‬اعتماده على االستنتاجات العقلية‬


‫‪ -2‬عمق تأثيره في المدعوين‪.‬‬
‫‪ -3‬إفحام الخصم المعاند‪.‬‬

‫‪ - 1‬ضيق دائرته بالنسبة لدائرة المنهج العاطفي(‪.)15‬‬

‫تطبيقات نبوية للمنهج العقلي‬


‫استخدم النبي صلى اهلل عليه وسلم األقيسة العقلية بجميع أشكالها‪:‬‬
‫‪1‬ـ قياس األولى‪:‬‬
‫صلــى َُّ‬
‫الل ع َليــهِ وَسـ َّـلمَ ‪-‬‬ ‫كمــا جــاء عــن ابــن عبــاس‪ :‬أن امــرأة مــن جهينــة جــاءت إلــى النبــي ‪َّ -‬‬
‫فقالــت‪ :‬إن أمــي نــذرت أن تحــج فلــم تحــج حتــى ماتــت‪ ،‬أفحــج عنهــا؟ قــال‪« :‬نعــم‪ ،‬حجــي عنهــا‪،‬‬
‫أرأيــتِ لــو كان علــى أمــكِ ديــن أكنــت قاضيــة؟ اقضــوا اهلل‪ ،‬فــاهلل أحــق بالوفــاء»(‪.)16‬‬
‫‪2‬ـ قياس المساوي‬

‫فعــن أبــي هريــرة‪ :‬جــاء رجــل مــن بنــي َفــزَارة إلــى النبــي ‪-‬صلــي اهلل عليــه وســلم ‪ ،-‬فقــال‪ :‬إِ َّن‬
‫ـال‪َ :‬فمــا أَ ْلوَانهَــا؟‪،‬‬
‫ـال‪ :‬نعــمْ‪َ ،‬قـ َ‬
‫ـل َلــكَ مــنْ إِ ِبــل؟ «‪َ .‬قـ َ‬
‫ٍ‬
‫امرَأَتــي وَ َلــدَتْ ولــدًا أَســوَدَ!‪َ ،‬قـ َ‬
‫ـال‪ :‬هـ ْ‬ ‫َ‬
‫ـال‪:‬‬ ‫َ‬
‫ـال‪َ :‬فأنــى أتــاه َذلــكَ؟ َقـ َ‬ ‫وُرْقــا‪َ ،‬قـ َ‬
‫ـال‪ :‬إن فيهــا َل ً‬ ‫ـال‪« :‬هــل فيهــا أوْرَقُ؟ ‪َ ،‬قـ َ‬ ‫ـال‪ :‬حمــرٌ‪َ ،‬قـ َ‬ ‫َقـ َ‬
‫‪14‬‬
‫ـذا عســى أن يكــون نزَعــهُ عــرْقٌ»(‪.)17‬‬ ‫عســى أن يكــون نزعــه عــرْقٌ‪ ،‬قــال‪« :‬وَهـ َ‬
‫فقد ساوى النبي صلى اهلل عليه وسلم في القياس بين الغالم األسود والجمل األورق‪.‬‬

‫‪3‬ـ قياس الخلف‬

‫وهو ما يعبر عنه األصوليون بدليل مفهوم المخالفة‪.‬‬


‫رَسُول َّ ِ‬
‫الل‬ ‫َ‬ ‫صَدَق ٌة»‪َ .‬قا ُلوا يَا‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫حَدِكمْ‬‫وذلك كقوله صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬وَفِى بُضْع أَ‬
‫ِ‬
‫ان ع َليهِ‬ ‫ال‪« :‬أَرَأَيتمْ َلوْ وَضعَهَا في حرَام أَ َك َ‬ ‫ون َلهُ فيها أَجرٌ؟ َق َ‬ ‫يَأتِى أَحدُنا شهوَتهُ ُ‬
‫وَيك ُ‬ ‫أَ ْ‬
‫ٍ‬
‫ان َلهُ أَجرٌ» (صحيح مسلم‪ ،‬رقم ‪.)2376‬‬ ‫فيها ِوزْر ٌ؟ َف َك َذلكَ إِ َذا وَضعها في ا ْلح َ‬
‫ال ِل َك َ‬
‫فقد بين أن الرجل يثاب على معاشرة أهله قياسا مخالفا على المعاشرة المحرمة‪ ،‬فكما يأثم‬
‫هناك يثاب هنا‪.‬‬

‫‪4‬ـ القياس الضمني‬

‫وذلك كقوله صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬منْ أَ َك َل ناسياً وَهوَ صائمٌ‪َ ،‬ف ْليتمَّ صوْمهُ‪َ ،‬فِإنمَا‬
‫َ‬
‫وَسقاهُ»(‪.)18‬‬ ‫أَ ْطعمهُ َُّ‬
‫الل‬
‫فقد قاس صلى اهلل عليه وسلم ضمنا الصائم الذي أكل وشرب ناسيا على الصائم الذي لم‬
‫يأكل ولم يشرب من حيث صحة صومه(‪.)19‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫المنهج الحسي (التجريبي) في الدعوة‬
‫يعتمــد هــذا المنهــج علــى اســتعمال المحسوســات والملموســات التــي يفهمهــا ويدركها اإلنســان‬
‫‪15‬‬ ‫العــادي؛ ألن بعــض النــاس ال يدركــون كنــه األشــياء أو موضــوع النصيحــة إال باتخــاذ مثــال‬
‫تجريبــي حســي‪.‬‬
‫ويتميــز المنهــج الحســي بأنــه موجــه للعقــل أو العاطفــة أو كليهمــا معــا مــن خــال االعتمــاد‬
‫علــى الحــواس‪ ،‬وهــذا مــا يعكــس أهميتــه فــي مخاطبــة شــرائح واســعة مــن المجتمع اإلنســاني‪.‬‬
‫ويطلــق عليــه أيضــا «المنهــج العلمــي» أو المنهــج التجريبــي» العتمــاده علــى العلــوم‬
‫التجريبيــة ( ‪. )20‬‬
‫وبنــاء علــى مــا ســبق يمكــن القــول بــأن المنهــج الحســي فــي الدعــوة قاســم مشــترك بيــن‬
‫المنهجيــن الســابقين (العاطفــي والعقلــي)؛ حيــث قــد يتجــه الخطــاب فيــه إلــى العاطفــة أو‬
‫إلــى العقــل أو كليهمــا‪ ،‬إال أن تميــزه ناتــج عــن وســيلة هــذا الخطــاب المعتمــد علــى الحــواس‬
‫والمســتمد مــن المشــاهدات اليوميــة والتجــارب الحســية‪.‬‬

‫تعريفه‬
‫هو النظام الدعوي الذي يرتكز على الحواس‪ ،‬ويعتمد على المشاهدات والتجارب‪.‬‬
‫أبرز أساليبه‬
‫تنوعت أساليب المنهج الحسي في الكتاب والسنة بشكل يمثل زادا خصبا ورافدا مهما‬
‫للعاملين في مجال الدعوة إلى اهلل‪ ،‬خاصة مع ما تميز به المنهج من خصائص ميزته عن غيره‬
‫من المناهج‪.‬‬
‫ومن هذه األساليب‪:‬‬

‫‪ - 1‬لفت الحس إلى التعرف على المحسوسات‪ ،‬للوصول عن طريقها إلى القناعات‪.‬‬
‫‪ - 2‬أسلوب التعليم التطبيقي على وجه يشاهد المدعو كيفية التطبيق‪.‬‬
‫‪ - 3‬القدوة العملية في تعليم األخالق والسلوك‪.‬‬
‫‪ - 4‬تغيير المنكر باليد‪.‬‬
‫‪ - 5‬تأييد األنبياء والرسل عليهم الصالة والسالم بالمعجزات الحسية والخوارق‪.‬‬
‫‪ - 6‬أسلوب «التمثيل المسرحي»‪.‬‬

‫‪ 20‬ـ ينظر‪ :‬مناهج الدعوة وتطبيقاتها في النصيحة الشرعية‪ ..‬نحو رؤية متجددة‪ ،‬د‪ .‬بدر الدين زواقة‪ .‬والمنهج‬
‫الحسي وتطبيقاته في الدعوة‪ ،‬د‪ .‬محمد حسن رياح بخيت ود‪ .‬يحيى علي يحيى النجلي (بحث منشور بمجلة الجامعة‬
‫اإلسالمية بغزة – يناير ‪2010‬م)‪,‬‬
‫مواطن استعماالته‬

‫‪ -1‬في تعليم األمور التطبيقية العملية والدعوة إليها‪.‬‬


‫‪ -2‬يستخدم في دعوة العلماء والمتخصصين في العلوم التطبيقية‪.‬‬
‫‪ -3‬يستخدم في دعوة المتجاهلين للسنن الكونية‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫من خصائص المنهج الحسي‬

‫‪ -1‬سرعة تأثيره العتماده على المحسوسات‪.‬‬


‫‪ -2‬عمق تأثيره في النفوس البشرية‪.‬‬
‫‪ -3‬سعة دائرة‪ ،‬الشتراك الناس جميعا‪.‬‬
‫‪ -4‬يحتاج في استخدامه إلى خبرة واختصاص(‪.)21‬‬

‫تطبيقات نبوية في المنهج التجريبي‬


‫استخدم النبي صلى اهلل عليه وسلم المنهج التجريبي الحسي في كثير من المواقف الدعوية‪،‬‬
‫ومنها‪:‬‬

‫‪ -‬أسلوب التعليم التطبيقي في التدريب على األوامر الشرعية‪:‬‬


‫كما فعل النبي صلى اهلل عليه وسلم في تعليمه الصحابة للصالة؛ حيث قال صلى اهلل عليه‬
‫وسلم «صلوا كما رأيتموني أصلي»(‪ .)22‬وكذلك في مناسك الحج قال صلى اهلل عليه وسلم‬
‫«لتأخذوا عني مناسككم فإني؛ ال أدري لعلي ال أحج بعد حجتي هذه»(‪.)23‬‬
‫‪ -‬أسلوب التطبيق العملي للسلوك الحسن‪:‬‬
‫وقد أثنى القرآن الكريم على خلق النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬وَإِنكَ َلع َلى خ ُل ٍق‬
‫عظيم} (القلم‪.)4 :‬‬
‫ٍ‬
‫وجاء في حديث طويل في قصة سعد بن هشام بن عامر حين قدم المدينة‪ ،‬وأتى عائشة‬
‫‪17‬‬
‫«ف ُقلتُ‪ :‬يا أُمَّ المؤم ِنينَ أَنبئي ِني عن خ ُل ِق‬
‫رضي اهلل عنها يسألها عن بعض المسائل‪ ،‬فقال‪َ :‬‬
‫َّ‬
‫وَسلمَ؟»‪ .‬‬ ‫صلى َُّ‬
‫الل ع َليهِ‬ ‫رَسول َّ ِ‬
‫الل َّ‬ ‫ِ‬
‫الق َ‬
‫رآن؟‪ ‬‬ ‫َ‬
‫َقا َلت‪ :‬أ َلستَ تقرَأُ ُ‬
‫ُقلتُ‪ :‬ب َلى‪ .‬‬
‫ان ُ‬
‫الق َ‬
‫رآن‪.‬‬ ‫وَسلمَ َك َ‬
‫َّ‬ ‫صلى َُّ‬
‫الل ع َليهِ‬ ‫الل َّ‬‫َقا َلت‪َ :‬فِإ َّن خ ُلقَ ن ِبيِّ َّ ِ‬
‫سأ َل أَحدًا عن شيْ ٍء حتى أَموتَ‪...‬الخ»‪.24‬‬ ‫وَل أَ َ‬
‫ال‪َ :‬فهممتُ أَن أَ ُقومَ َ‬ ‫َق َ‬
‫قال النووي رحمه اهلل تعالى‪:‬‬
‫معناه‪ :‬العمل به‪ ،‬والوقوف عند حدوده‪ ،‬والتأدب بآدابه‪ ،‬واالعتبار بأمثاله وقصصه‪ ،‬وتدبره‪ ،‬وحسن‬
‫تالوته (‪.)25‬‬

‫‪ -‬األسلوب العملي في تغيير المنكر‪:‬‬


‫من ذلك قوله صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬منْ رَأَى ُ‬
‫منكمْ َ‬
‫منكرًا َف ْليغيرْهُ ِبيدِهِ َفِإ ْن َلمْ يستطعْ‬
‫اإليمانِ» (أخرجه مسلم‪ ،‬رقم ‪.)186‬‬ ‫َ‬ ‫َف ِبلسا ِنهِ َفِإ ْن َلمْ يستطعْ َف ِب َق ْل ِبهِ َ‬
‫وَذلكَ أضْعفُ ِ‬
‫فالتغيير باليد هو أقوى درجات اإلنكار‪ ،‬كما أخبر صلى اهلل عليه وسلم في هذا الحديث‪.‬‬

‫وقد استخدم الرسول صلى اهلل عليه وسلم اليد في تغيير المنكر يوم فتح مكة؛ حيث حطم‬
‫األصنام التي كانت حول الكعبة بأن طعنها بعود في يده فتساقطت على وجهها(‪.)26‬‬
‫اعتماد الرسول صلى الله عليه وسلم ألسلوب الرسم والتجسيد‬
‫والتشكيل‬

‫الل ع َليــهِ وَس ـ َّلمَ ًّ‬


‫خطــا‪،‬‬ ‫ـول َّ ِ‬
‫الل ص َّلــى َُّ‬ ‫ـط َلنــا رَسـ ُ‬ ‫ـال‪« :‬خـ َّ‬‫ـن مســعودٍ‪َ ،‬قـ َ‬ ‫فعــنْ عبــدِ َّ ِ‬
‫الل ابـ ِ‬
‫ـبل‪ ،‬ع َلــى‬
‫ـال‪ :‬وَهــذِهِ سـ ٌ‬ ‫وطــا يمينــا وَشــماال‪ُ ،‬ثـ ّ‬
‫ـمَ َقـ َ‬ ‫خط ً‬ ‫ـط ُ‬ ‫ـمَ خـ َّ‬ ‫يل َّ ِ‬
‫الل‪ُ ،‬ثـ ّ‬ ‫ـذا سـ ِب ُ‬ ‫ـال‪( :‬هـ َ‬ ‫ُثـ ّ‬
‫ـمَ َقـ َ‬ ‫‪18‬‬
‫ـذا صرَاطــي مســتقيما َفات ِبعــوهُ وَال‬ ‫ـمَ َقــرَأَ‪ :‬وَأَ َّن هـ َ‬
‫ان يدْعــو إِ َليــهِ‪ُ ,‬ثـ ّ‬ ‫ُك ِّل سـ ِبيل منــهَ ا لشـ َ‬
‫ـيط ٌ‬ ‫ٍ‬
‫تفــرَّقَ ِب ُكــمْ عــنْ س ـ ِبيلهِ) (األنعــام‪.)153 :‬‬ ‫ـبل َف َ‬‫تت ِبعــوا السـ َ‬

‫اعتماده صلى الله عليه وسلم ألسلوب التمثيل بشيء محسوس‬

‫ـل‬ ‫ـل األنبيــاء مــنْ َقبلــي‪َ ،‬ك َ‬ ‫«إن َ‬


‫مثلــي ومثـ َ‬
‫ـل رجـ ٍ‬
‫مثـ ِ‬ ‫ومــن ذلــك قولــه صلــى اهلل عليــه وســلم‪َّ :‬‬
‫َ‬
‫وفــون‬ ‫يط‬‫جَعَــل النــاسُ ُ‬‫َ‬ ‫بنــى بيتــا‪ ،‬فأحســنهُ وأجم َلــهُ‪ ،‬إال مَوْضــعَ َل ِبنــةٍ مــن زاويــة‪َ ،‬ف‬
‫الل ِبنــة؟!»‪ ،‬قــال‪« :‬فأنــا َّ‬
‫الل ِبنــة‪ ،‬وأنــا خاتــمُ‬ ‫ـا وُضعــتْ هــذه َّ‬ ‫ـون‪ :‬هـ َّ‬
‫ويقولـ َ‬‫ـون لــه‪ُ ،‬‬
‫ِبــهِ‪ ،‬ويعجبـ َ‬
‫النبييــنَ»(‪.)27‬‬
‫‪19‬‬

‫خاتمة‬
‫وبعــد هــذه التطوافــة الســريعة مــع المناهــج الدعويــة وتطبيقاتــه النبويــة‪ ،‬يجدر‬
‫بالدعــاة إلــى اهلل تعالــى االهتمــام بالســيرة النبويــة الســتخراج الكنــوز الدعويــة‬
‫المكنونــة بيــن ســطورها وفــي طيــات أحداثهــا؛ لتكــون لهــم نبراســا وزادا إيمانيــا‬
‫وحركيــا فــي طريــق دعوتهــم‪.‬‬
‫كذلك ينبغي عليهم التعرف على المناهج الدعوية‪ ،‬والتدرب على كل منها‪.‬‬
‫وحتــى يؤتــي األمــر ثمــاره عليهــم أن يتعرفوا علــى األنماط الشــخصية للمدعوين‬
‫حتــى يحســنوا اختيــار المنهج الدعوي المناســب لــكل منهم‪.‬‬

‫واهلل ولي التوفيق‪.‬‬


‫المراجع‬
‫كتب الصحاح والسنن وشروح األحاديث‪.‬‬ ‫‪ .1‬‬

‫الدعوة اإلسالمية‪ ..‬أصولها – وسائلها – أساليبها في القرآن الكريم‪ ،‬د‪ .‬أحمد غلوش‪،‬‬ ‫‪ .2‬‬ ‫‪20‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬القاهرة‪.2005 ،‬‬

‫دعوة النبي بين المنهج العاطفي والعقلي في ضوء المعطيات المعاصرة‪ ،‬بحث مقدم في‬ ‫‪ .3‬‬
‫ندوة مقتضيات الدعوة في ضوء المعطيات المعاصرة‪ ،‬د‪.‬عبداهلل الموسى‪.‬‬

‫دعوة النبي بين المنهج العاطفي والعقلي في ضوء المعطيات المعاصرة‪ ،‬د‪.‬عبداهلل‬ ‫‪ .4‬‬
‫الموسى‪ ،‬وقائع دورة مقتضيات الدعوة في ضوء المعطيات المعاصرة‪ ،‬تنظيم كلية‬
‫الشريعة والدراسات اإلسالمية جامعة الشارقة‪..‬‬

‫الدعوة إلى اإلصالح‪ ،‬محمد الخضر حسين‪ ،‬المطبعة السلفية‪.1346 ،‬‬ ‫‪ .5‬‬

‫لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬دار صادر ‪ -‬بيروت‪.‬‬ ‫‪ .6‬‬

‫محاضرة بعنوان‪« :‬العاطفة والدعوة»‪ ،‬منشورة على موقع «إسالم ويب»‪.‬‬ ‫‪ .7‬‬

‫المدخل إلى علم الدعوة‪ ،‬محمد أبو الفتح البيانوني‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة الثالثة‬ ‫‪ .8‬‬
‫(‪1415‬هـ=‪1995‬م)‬

‫مع اهلل‪ ..‬دراسات في الدعوة والدعاة‪ ،9‬األستاذ محمد الغزالي‪ ،‬دار نهضة مصر‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪ .9‬‬
‫األولى‪.‬‬
‫‪ .10‬المعجم الوسيط‪ ،‬إبراهيم مصطفى ـ أحمد الزيات ـ حامد عبد القادر ـ محمد النجار‪،‬‬
‫‪21‬‬ ‫تحقيق مجمع اللغة العربية‪ ،‬دار الدعوة‬

‫‪ .11‬المغازي‪ ،‬أبو عبد اهلل الواقدي‪ ،‬تحقيق رارسدن جونس‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪ .12‬مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي‪ ،‬د‪.‬عبدالكريم بكار‪ ،‬بيروت‪ ،‬الدار الشامية‪ ،‬دمشق‬
‫دار القلم‪1999 ،‬‬

‫‪ .13‬مناهج الدعوة وتطبيقاتها في النصيحة الشرعية‪ ..‬نحو رؤية متجددة‪ ،‬د‪ .‬بدر الدين‬
‫زواقة‪.‬‬

‫‪ .14‬المنهج الحسي وتطبيقاته في الدعوة‪ ،‬د‪ .‬محمد حسن رياح بخيت ود‪ .‬يحيى علي‬
‫يحيى النجلي (بحث منشور بمجلة الجامعة اإلسالمية بغزة – يناير ‪2010‬م)‪,‬‬

‫‪ .15‬النبوات‪ ،‬أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس ‪ -‬المطبعة السلفية ‪-‬‬
‫القاهرة ‪.1386 ،‬‬
‫فهرس الموضوعات‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪4‬‬ ‫مقدمة‬ ‫‪22‬‬
‫‪5‬‬ ‫تمهيد‬

‫‪ -‬تعريف الدعوة‬

‫‪ -‬تعريف المنهج‬

‫‪6‬‬ ‫المبحث األول المنهج العاطفي في الدعوة‬

‫‪ -‬مدخل‬

‫‪ -‬تعريف المنهج العاطفي‬

‫‪ -‬أبرز أساليبه‬

‫‪ -‬مواطن استعماله‬

‫‪ -‬خصائصه‬

‫‪ -‬احترازات في استخدام المنهج العاطفي‬

‫‪ -‬تطبيقات نبوية في المنهج العاطفي‬

‫‪12‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬المنهج العقلي في الدعوة‬

‫‪ -‬مدخل‬

‫‪ -‬تعريف المنهج العقلي‬

‫‪ -‬أبرز أساليبه‬

‫‪ -‬مواطن استعمال المنهج العقلي‬

‫‪ -‬تطبيقات نبوية للمنهج العقلي‬


‫‪23‬‬ ‫‪15‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬المنهج الحسي (التجريبي) في الدعوة‬

‫مدخل‬ ‫‪ -‬‬
‫تعريف المنهج الحسي‬ ‫ ‪-‬‬
‫أبرز أساليبه‬ ‫ ‪-‬‬
‫مواطن استعماالته‬ ‫ ‪-‬‬
‫من خصائص المنهج الحسي‬ ‫ ‪-‬‬
‫تطبيقات نبوية في المنهج التجريبي‬ ‫ ‪-‬‬

‫‪19‬‬ ‫خاتمة‬
‫‪20‬‬ ‫المراجع‬

You might also like