You are on page 1of 28

‫الدولة البويهية‬

‫قامت الدولة البويهية الشيعية في الجزء الغربي من إيران وفي العراق‪ ،‬وأسستها أسرة بني بويه‪ .‬وأشهر رجال أسرة بني بويه‬
‫الحاكمة ثالثة هم‪ :‬علي والحسن وأحمد أبناء بويه‪ .‬وتعود أصول هذه األسرة إلى الفرس‪ ،‬وكان والدهم (بويه) يتعيش من صيد‬
‫األسماك‪.‬‬

‫وكان علو شأنها على يد األخ األكبر علي بن بويه؛ فقد واله مرداويج الزياري بالد الك ََرج‪ ،‬فاستطاع بفضل مقدرته العسكرية‬
‫واإلدارية وحسن معاملته ألتباعه من بناء جيش قوي انتزع به معظم بالد فارس في خالل فترة قصيرة‪ ،‬واتخذ مدينة شيراز‬
‫قاعدة لحكمه‪ .‬وبعد مقتل مرداويج سيطر البويهيون على أصفهان والري وهمذان والكرج وكرمان واألهواز‪.‬‬

‫كانت الحالة في العراق مضطربة‪ ،‬كما كانت الخالفة واقعة تحت نفوذ األتراك‪ ،‬وظهر عجزها في إقرار األمور في العراق‪،‬‬
‫فشعر الناس بهذا الفراغ السياسي؛ نتيجة لذلك تطلع الناس إلى هذه القوة الجديدة التي ظهرت بالقرب منهم لتنشلهم من‬
‫الفوضى‪ ،‬ومن ثَم كاتب القواد في بغداد أحمد بن بويه‪ ،‬وطلبوا منه المسير لالستيالء على بغداد‪ ،‬استجاب أحمد لهذا الطلب‬
‫فدخل بغداد في عام ‪334‬هـ‪945 /‬م بعدما خرج األتراك منها‪ ،‬واستقبله الخليفة المستكفي باهلل واحتفى به‪ ،‬وخلع عليه وعينه‬
‫أميرا لألمراء‪ ،‬ولقبه ُم ِعز الدولة‪ ،‬ولقب أخاه عليًّا عماد الدولة‪ ،‬كما لقب أخاه حسن ركن الدولة‪.‬‬
‫ً‬

‫لقد كان أهل بغداد قبل الدولة البويهية على مذهب أهل السُّنة والجماعة‪ ،‬فلما جاءت هذه الدولة ‪ -‬وهي متشيعة غالية ‪ -‬نما‬
‫مذهب الشيعة ببغداد‪.‬‬

‫تمض سنة حتى اشتد الغالء ببغداد‪ ،‬فأكل الناس الميتة‬


‫ِ‬ ‫وكان سلطان معز الدولة بالعراق مبدأ خرابه بعد أن كان َجنة الدنيا؛ فلم‬
‫والسنَانير والكالب‪ ،‬وأكل الناس خروب الشوك؛ فلحق الناس أمراض وأورام في أحشائهم‪ ،‬وكثر فيهم الموت حتى عجز الناس‬
‫عن دفن الموتى‪ ،‬فكانت الكالب تأكل لحومهم‪.‬‬

‫وقد أصيب نفوذ البويهيين بضعف شديد في أواخر القرن الرابع وأوائل القرن الخامس الهجريين بسبب ضعف سالطينهم‪،‬‬
‫وتنازع األمراء فيما بينهم‪ ،‬وقد ازداد نفوذ الجند األتراك‪ ،‬وتدخلوا في تولية وعزل سالطين بني بويه‪ ،‬وحملوهم على طاعتهم‪.‬‬

‫وعندما ظهر السالجقة على مسرح األحداث كان نجم البويهيين يأخذ في األفول‪ ،‬فلم يجد السالجقة صعوبة في دخول بغداد‬
‫عام ‪447‬هـ‪1055 /‬م‪ ،‬وإسقاط دولة بني بويه‪.‬‬

‫الدولة البويهية في سطور‬


‫حدود الدولة البويهية‬

‫ظهر بنو بويه على مسرح األحداث في أوائل القرن الرابع الهجري‪ ،‬وأسسوا دوالً انفصالية في فارس واألهواز وكرمان‬
‫والري ِ وأصفهان وهمذان‪ ،‬وبسطوا هيمنة فعلية على العراق‪ ،‬فشاركوا الخالفة العباسية في حكمه‪ ،‬وعظم نفوذ هذه األسرة‬
‫سمي باسمها عصر من عصور الخالفة العباسية‪ ،‬هو العصر العباسي الثالث[‪].1‬‬ ‫حتى ِ‬

‫وتمتد هذه المرحلة من (‪447 -334‬هـ‪1055 -946 /‬م) أي مدة ثالث عشرة ومائة سنة‪ ،‬وتعاقب في هذه المدة أربعة خلفاء‬
‫من بني العباس هم‪ :‬المطيع هلل‪ ،‬والطائع هلل‪ ،‬والقادر باهلل‪ ،‬والقائم بأمر هللا‪.‬‬

‫وامتازت هذه المرحلة بسيطرة آل بويه الذين يعودون في أصولهم إلى الفرس‪ ،‬وسكنت هذه األسرة بالد الد ْيلَم فعُرفوا كأنهم‬
‫منهم‪ ،‬وكانوا من الرعية العاديين‪ ،‬وأول من برز منهم أبو شجاع بويه‪ ،‬وكان من صيادي السمك في بحر الخزر‪ ،‬وكان له‬
‫ثالثة أوالد هم‪ :‬علي وحسن وأحمد[‪].2‬‬

‫وقد اشتهرت هذه األسرة على يد األخ األكبر من اإلخوة البويهيين الثالثة‪ ،‬وهو علي بن شجاع بن بويه الذي واله مرداويج‬
‫الزياري[‪ ]3‬بالد الك ََرج[‪].4‬‬

‫ويبدو أن عليًّا كانت تراوده نزعات تتعدى االستقاللية إلى التوسع على حساب جيرانه‪ ،‬إضافةً إلى الطموح السياسي الذي‬
‫تحقق له سري ًعا‪ ،‬حيث ما لبث أن أصبح صاحب شوكة في هذه النواحي‪ ،‬واستمال الناس بحسن سياسته‪ ،‬وتمكن بفضل مقدرته‬
‫العسكرية واإلدارية وكرمه وحسن معاملته ألتباعه من بناء جيش قوي انتزع به معظم بالد فارس في خالل فترة قصيرة‪،‬‬
‫واتخذ مدينة شيراز قاعدة لحكمه[‪].5‬‬

‫وبعد مقتل مرداويج سيطر البويهيون على أصفهان والري وهمذان والكرج وكرمان واألهواز‪.‬‬

‫لم تقف الخالفة العباسية مكتوفة اليدين إزاء هذه التطورات السياسية والعسكرية؛ لذلك انتهزت فرصة الصراع البويهي ‪-‬‬
‫ميسورا‪ ،‬فراحوا‬
‫ً‬ ‫أمرا‬
‫الزياري‪ ،‬وحاولت استعادة األهواز‪ ،‬ولكنها لم تستطع ذلك‪ ،‬وأضحى نزولهم من األهواز إلى العراق ً‬
‫يراقبون األحداث في عاصمة الخالفة حتى تسنح لهم الفرصة لدخولها‪.‬‬

‫كانت الحالة في العراق مضطربة‪ ،‬كما كانت الخالفة واقعة تحت نفوذ األتراك‪ ،‬وظهر عجزها في إقرار األمور في العراق‪،‬‬
‫فشعر الناس بهذا الفراغ السياسي‪.‬‬
‫نتيجة لذلك تطلع الناس إلى هذه القوة الجديدة التي ظهرت بالقرب منهم لتنشلهم من الفوضى‪ ،‬كما تطلع بعض القادة المغلوب‬
‫وأخيرا‬
‫ً‬ ‫على أمرهم إلى قوة البويهيين النامية‪ ،‬آملين أن يحصلوا بواستطها على االمتيازات التي ُح ِرموا منها أو أبعدوا عنها‪.‬‬
‫مال الخليفة المتقي هلل لطلب المساعدة من البويهيين‪ ،‬فدعا الخليفة أحمد بن بويه وطلب منه دخول بغداد‪ ،‬كما كاتبه بعض القادة‬
‫للغاية نفسها‪ ،‬فسار إليها في عام ‪332‬هـ‪944 /‬م ‪ ،‬ودخلها في عام ‪334‬هـ‪945 /‬م بعدما خرج األتراك منها‪ ،‬واستقبله الخليفة‬
‫أميرا لألمراء‪ ،‬ولقبه ُم ِعز الدولة‪ ،‬ولقب أخاه عليًّا عماد الدولة‪ ،‬كما لقب أخاه‬
‫المستكفي باهلل واحتفى به‪ ،‬وخلع عليه وعينه ً‬
‫حسن ركن الدولة[‪].6‬‬

‫وهكذا أسس البويهيون في فارس والعراق واألهواز وكرمان والري ِ وهمذان وأصفهان إمارات وراثية دامت حتى عام‬
‫‪447‬هـ‪1055 /‬م‪ ،‬وقد أدى نظام الوراثة هذا إلى إيجاد نوع من االستقرار السياسي في دولة الخالفة العباسية‪ ،‬سيطر‬
‫البويهيون أثناءها على مقاليد األمور‪ ،‬وتصرفوا بشكل مطلق‪ ،‬لكن هذا االستقرار كانت تشوبه بعض االضطرابات الناتجة عن‬
‫النزاعات المذهبية بفعل تشيُّع األسرة البويهية[‪].7‬‬

‫شجرة الحكام‬

‫أ‪ -‬في فارس‪:‬‬

‫(‪338 -320‬هـ‪949 -932 /‬م‪).‬‬ ‫‪1-‬عماد الدين أبو الحسن علي بن بويه‬

‫(‪372 -338‬هـ‪982 -949 /‬م‪).‬‬ ‫‪2-‬عضد الدولة أبو شجاع خسرو‬

‫(‪379 -372‬هـ‪989 -982 /‬م‪).‬‬ ‫‪3-‬شرف الدولة أبو الفوارس شيرزاد‬

‫(‪388 -379‬هـ‪998 -989 /‬م‪).‬‬ ‫‪4-‬صمصام الدولة أبو كاليجار المرزبان‬

‫(‪403 -388‬هـ‪1012 -998 /‬م‪).‬‬ ‫‪5-‬بهاء الدولة أبو نصر‬

‫(‪415 -403‬هـ‪1021 -1012 /‬م‪).‬‬ ‫‪6-‬سلطان الدولة أبو شجاع‬


‫(‪440 -415‬هـ‪1048 -1024 /‬م‪).‬‬ ‫‪7 -‬عضد الدولة أبو كاليجار المرزبان‬

‫(‪447 -440‬هـ‪1055 -1048 /‬م‪).‬‬ ‫‪8 -‬الملك الرحيم أبو نصر خسرو فيروز‬

‫ب‪ -‬في العراق واألهواز وكرمان‪:‬‬

‫(‪356 -320‬هـ‪967 -932 /‬م‪).‬‬ ‫‪1-‬معز الدولة أبو الحسين أحمد‬

‫(‪367 -356‬هـ‪977 -967 /‬م‪).‬‬ ‫‪2-‬عز الدولة بختيار‬

‫(‪372 -367‬هـ‪982 -977 /‬م‪).‬‬ ‫‪3-‬عضد الدولة أبو شجاع خسرو‬

‫(‪379 -372‬هـ‪989 -982 /‬م‪).‬‬ ‫‪4-‬شرف الدولة أبو الفوارس شيرزاد‬

‫(‪403 -379‬هـ‪1012 -989 /‬م‪).‬‬ ‫‪5-‬بهاء الدولة أبو نصر‬

‫(‪412 -403‬هـ‪1021 -1012 /‬م‪).‬‬ ‫‪6-‬سلطان الدولة أبو شجاع‬

‫(‪416 -412‬هـ‪1025 -1021 /‬م‪).‬‬ ‫‪7-‬مشرف الدولة أبو علي‬

‫(‪435 -416‬هـ‪1043 -1025 /‬م‪).‬‬ ‫‪8-‬أبو طاهر جالل الدولة‬


‫(‪440 -435‬هـ‪1048 -1043 /‬م‪).‬‬ ‫‪9-‬أبو كاليجار مرزبان‬

‫‪10-‬الملك الرحيم أبو نصر خسرو فيروز (‪447 -440‬هـ‪1055 -1048 /‬م‪).‬‬

‫ج‪ -‬في الري ِ وأصفهان وهمذان‪:‬‬

‫(‪366 -320‬هـ‪976 -932 /‬م‪).‬‬ ‫‪1-‬ركن الدولة أبو علي حسن‬

‫(‪373 -366‬هـ‪983 -976 /‬م‪).‬‬ ‫‪2-‬مؤيد الدولة أبو منصور‬

‫(‪387 -373‬هـ‪997 -983 /‬م‪).‬‬ ‫‪3-‬فخر الدولة أبو الحسن علي‬

‫‪4-‬شمس الدولة أبو طاهر (في همذان فقط) (‪412 -387‬هـ‪1021 -997 /‬م)‪ -5 .‬مجد الدولة أبو طالب رستم (في الري فقط)‬
‫(‪420 -387‬هـ‪1029 -997 /‬م)‪ -6 .‬سماء الدولة أبو الحسن (في همذان فقط) (‪414 -412‬هـ‪1023 -1021 /‬م)[‪].8‬‬

‫علماء الشرع في الدولة البويهية‬

‫علماء القراءات في الدولة البويهية‪:‬‬

‫أبو الحسين أحمد بن بويان (ت ‪344‬هـ)‪ ،‬ومحمد بن الحسن بن محمد بن زياد بن هارون الموصلي البغدادي النقاش (ت‬
‫‪351‬هـ) الذي صنف كتابًا في القراءات‪ ،‬وعبد الغفار بن عبيد هللا السري الكوفي (ت ‪367‬هـ)‪ ،‬وعمر بن إبراهيم بن أحمد بن‬
‫كثير البغدادي (ت ‪390‬هـ)‪ ،‬وعبد الغفار بن عبد هللا بن السري أبو الطيب الكوفي (ت ‪390‬هـ)‪ ،‬وإبراهيم بن أحمد الطبري‬
‫المالكي البغدادي (ت ‪393‬هـ) صاحب كتاب (االستبصار)‪ ،‬وأبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري (ت ‪393‬هـ)‪ ،‬ومحمد بن‬
‫أحمد بن علي البغدادي (ت ‪399‬هـ)‪ ،‬وعبد الملك بن بكران أبو الفرج النهرواني (ت ‪404‬هـ)[‪].9‬‬

‫علماء التفسير في الدولة البويهية‪:‬‬


‫محمد بن الحسن بن يعقوب بن مقسم أبو بكر البغدادي (ت ‪354‬هـ)[‪ ،]10‬وأبو القاسم هبة هللا بن سالمة البغدادي (ت‬
‫‪410‬هـ)[‪ ،]11‬والحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي (ت ‪377‬هـ) صاحب كتاب (القرآن ومعانيه)[‪ ،]12‬وأبو بكر بن‬
‫الرماني الواسطي (ت ‪384‬هـ)‪ ،‬ومحمد بن الطيب‬ ‫محمد بن الحسين الموصلي (ت ‪351‬هـ)‪ ،‬وعلي بن عيسى بن علي ُّ‬
‫ضي (ت ‪406‬هـ)[‪ ،]13‬وعبيد هللا بن جرو‬ ‫الباقالني (ت ‪403‬هـ)‪ ،‬ومحمد بن أبي أحمد الحسين بن موسى الشريف الر ِ‬
‫األسدي (ت ‪387‬هـ)[‪ ،]14‬وأبو بكر أحمد بن علي الجصاص (ت ‪370‬هـ)[‪].15‬‬

‫علماء الحديث في الدولة البويهية‪:‬‬

‫أبو محمد دعلج بن أحمد السجستاني البغدادي (ت ‪351‬هـ)[‪ ،]16‬ومحمد بن محمد بن يعقوب بن إسماعيل بن الحجاج أبو‬
‫الحسين المعروف بالحجاجي (ت ‪368‬هـ)[‪ ،]17‬ومحمد بن العباس بن أحمد بن عصم أبو عُصم أبو عبد هللا ويعرف بالعصمي‬
‫(ت ‪378‬هـ)[‪ ،]18‬ومحمد بن المظفر بن موسى بن عيسى أبو الحسين البزاز (ت ‪379‬هـ)[‪ ،]19‬ومحمد بن علي بن الحسين‬
‫بن الحسن العلوي يُ ْكنَى أبا الحسن (ت ‪395‬هـ)[‪].20‬‬

‫والحافظ أبو علي سعيد بن السكن البغدادي (ت ‪353‬هـ)[‪ ،]21‬واإلمام الحافظ علي بن عمر الدارقطني (ت ‪385‬هـ)[‪،]22‬‬
‫والحافظ أبو بكر أحمد بن سليمان بن الحسن بن إسرائيل البغدادي (ت ‪348‬هـ)[‪ ،]23‬وأبو بكر محمد بن الحسين بن عبد هللا‬
‫اآلجري (ت ‪360‬هـ)[‪ ،]24‬والحافظ أبو الحسين أحمد بن عبيد بن إسماعيل البصري الصفار (ت ‪340‬هـ)‪ ،‬وأبو محمد دعلج‬
‫بن أحمد السجستاني البغدادي (ت ‪351‬هـ)[‪ ،]25‬وأبو بكر محمد بن عبد هللا بن إبراهيم بن عبد ربه البغدادي البزاز (ت‬
‫‪354‬هـ)[‪].26‬‬

‫علماء الفقه في الدولة البويهية‪:‬‬

‫أبو الحسن الكرخي (ت ‪340‬هـ)[‪ ،]27‬وأبو بكر أحمد بن علي الرازي (ت ‪370‬هـ)[‪ ،]28‬والحسن بن القاسم الطبري الشافعي‬
‫أبو علي (ت ‪350‬هـ)[‪ ،]29‬وأبو الفرج ال ُمعَافَى بن زكريا بن يحيى بن حميد بن حماد بن داود المعروف بابن طراف‬
‫الجريري النهرواني القاضي (ت ‪390‬هـ)[‪ ،]30‬والحسن بن حامد بن علي بن مروان أبو عبد هللا الوراق الحنبلي (ت‬
‫‪403‬هـ)[‪ ،]31‬وأحمد بن محمد بن أحمد أبو حامد الفقيه اإلسفراييني (ت ‪406‬هـ)[‪].32‬‬

‫علماء اللغة واألدب في الدولة البويهية‪:‬‬

‫ابن جني (ت ‪392‬هـ)[‪ ،]33‬وأبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد (ت ‪345‬هـ)[‪ ،]34‬وأبو علي القالي البغدادي (ت‬
‫‪356‬هـ)[‪ ،]35‬وأبو بكر محمد بن الحسن بن مقسم (ت ‪354‬هـ)[‪ ،]36‬وأبو الحسن األسدي بن الكوفي (ت ‪378‬هـ)[‪ ،]37‬وأبو‬
‫سعيد الحسن بن عبد هللا بن المرزبان السيرافي (ت ‪368‬هـ)[‪].38‬‬

‫األدباء في الدولة البويهية‪:‬‬


‫محمد بن يحيى بن عبد هللا بن العباس بن محمد بن صول أبو بكر الصولي (ت ‪335‬هـ)[‪ ،]39‬وأبو إسحاق إبراهيم بن هالل‬
‫بن زهرون الصابئ (ت ‪384‬هـ)[‪ ،]40‬وأبو علي المحسن بن علي بن داود التنوخي (ت ‪384‬هـ)[‪].41‬‬

‫الشعراء في الدولة البويهية‪:‬‬

‫أبو القاسم علي بن إسحاق بن خلف الزاهي (ت ‪360‬هـ)[‪ ،]42‬وأبو الحسن محمد بن محمد بن لنكك البصري (ت‬
‫‪360‬هـ)[‪ ،]43‬وأبو الحسن عقيل بن محمد األحنف العكبري (ت ‪385‬هـ)[‪ ،]44‬وأبو الحسن محمد بن عبد هللا بن محمد‬
‫ضي (ت ‪406‬هـ)[‪].46‬‬ ‫القرشي المخزومي السالَ ِمي (ت ‪393‬هـ)[‪ ،]45‬وأبو الحسن محمد بن الحسين الملقب بالشريف الر ِ‬

‫علماء الحياة في الدولة البويهية‬

‫أ‪ -‬علماء التاريخ في الدولة البويهية‪:‬‬

‫علي بن الحسين بن علي الهذلي البغدادي المؤرخ المسعودي (ت ‪346‬هـ)[‪ ،]47‬وأبو الفرج قدامة بن جعفر (ت‬
‫‪337‬هـ)[‪].48‬‬

‫ب‪ -‬علماء الجغرافيا في الدولة البويهية‪:‬‬

‫أبو إسحاق إبراهيم بن محمد اإلصطخري (ت ‪346‬هـ)[‪ ،]49‬وأبو القاسم محمد بن حوقل البغدادي الموصلي (عاش في‬
‫النصف الثاني من القرن الرابع الهجري )[‪ ،]50‬وأبو الحسن علي بن الحسين المسعودي (ت ‪346‬هـ)[‪].51‬‬

‫جـ‪ -‬علم الكالم في الدولة البويهية‪:‬‬

‫أبو عبد هللا الحسين بن علي بن إبراهيم المعروف بالكاغدي (ت ‪399‬هـ)[‪].52‬‬

‫د‪ -‬علم التصوف في الدولة البويهية‪:‬‬

‫أبو الحسن علي بن إبراهيم الحصري (ت ‪371‬هـ)[‪ ،]53‬وأبو طالب محمد بن علي بن عطية الحارثي (ت ‪386‬هـ)[‪].54‬‬

‫هـ‪ -‬علم الطب في الدولة البويهية‪:‬‬

‫أبو جعفر أحمد بن محمد بن أبي األشعث (تُوفِي في ‪ 360‬ونيف)[‪ ،]55‬وأبو الحسن ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة (ت‬
‫‪363‬هـ)[‪ ،]56‬وثابت بن إبراهيم بن زهرون الحراني أبو الحسن (ت ‪395‬هـ)[‪ ،]57‬وعلي بن العباس المجوسي (ت‬
‫‪384‬هـ)[‪].58‬‬
‫و‪ -‬علم الصيدلة والكيمياء في الدولة البويهية‪:‬‬

‫ماسويه المارديني (ت ‪406‬هـ)‬

‫ز‪ -‬العلوم الرياضية في الدولة البويهية‪:‬‬

‫أبو الوفاء محمد بن محمد بن يحيى بن إسماعيل بن العباس البوزجاني (ت ‪338‬هـ)‪ ،‬وعلي بن أحمد العمراني الموصلي (ت‬
‫‪344‬هـ)‪ ،‬وأبو حامد أحمد بن محمد الصاغاني (ت ‪379‬هـ)‬

‫أعالم السياسة في الدولة البويهية‬

‫‪1-‬معز الدولة أبو الحسين أحمد بن بويه (‪356 -320‬هـ‪967 -932 /‬م‪):‬‬

‫كان سلطان معز الدولة بالعراق مبدأ خرابه بعد أن كان َجنة الدنيا‪ ،‬فإنه لما استقرت قدمه فيه شغب الجند عليه وأسمعوه‬
‫تمض سنة‬
‫ِ‬ ‫المكروه‪ ،‬فضمن لهم أرزاقهم في مدة ذكرها لهم‪ ،‬فاضطر إلى ضبط الناس وأخذ األموال من غير وجوهها‪ ،‬ولم‬
‫حتى اشتد الغالء ببغداد‪ ،‬فأكل الناس الميتة والسنَانير والكالب‪ ،‬وأكل الناس خروب الشوك‪ ،‬فقد كانوا يسلقون َحبه ويأكلونه؛‬
‫فلحق الناس أمراض وأورام في أحشائهم‪ ،‬وكثر فيهم الموت حتى عجز الناس عن دفن الموتى‪ ،‬فكانت الكالب تأكل لحومهم‪،‬‬
‫وانحدر كثير من أهل بغداد إلى البصرة‪ ،‬فمات أكثرهم في الطريق‪ ،‬وبيعت الدور والعقارات بالخبز‬

‫كان أهل بغداد قبل الدولة البويهية على مذهب أهل السُّنة والجماعة‪ ،‬فلما جاءت هذه الدولة وهي متشيعة غالية؛ نما مذهب‬
‫أنصارا‪ ،‬فقد ُك ِتب على مساجد بغداد سنة ‪351‬هـ ما صورته‪( :‬لعن هللا معاوية بن أبي‬
‫ً‬ ‫الشيعة ببغداد‪ ،‬ووجد له من قوة الحكومة‬
‫سفيان‪ ،‬ولعن من غصب فاطمة فَ َد ًكا‪ ،‬ومن منع من أن يُدفن الحسن عند قبر َجدِه صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ومن نفى أبا ذر‬
‫الغفاري‪ ،‬ومن أخرج العباس من الشورى)‪ .‬فأما الخليفة فكان محكو ًما عليه‪ ،‬ال يقدر على المنع‪ ،‬وأما معز الدولة فبأمره كان‬
‫ذلك‪.‬‬

‫ي‪:‬‬
‫بعض الناس‪ ،‬فأراد معز الدولة إعادته‪ ،‬وأشار عليه الوزير أبو محمد المهلبي بأن يكتب مكان ما ُم ِح َ‬
‫ُ‬ ‫فلما كان الليل َحكه‬
‫لعن هللا الظالمين آلل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ .‬وال يذكر أحدًا في اللعن إال معاوية‪ ،‬ففعل ذلك‬

‫وفي عاشر المحرم سنة ‪352‬هـ أمر معز الدولة الناس أن يغلقوا دكاكينهم‪ ،‬ويبطلوا األسواق والبيع والشراء‪ ،‬وأن يُظ ِهروا‬
‫النِياحة‪ ،‬ويلبسوا قبابًا عملوها بالمسوح‪ ،‬وأن يخرج النساء منشرات الشعور‪ ،‬مسودات الوجوه‪ ،‬قد شققن ثيابهن‪ ،‬يدرن في البلد‬
‫بالنوائح‪ ،‬ويلطمن وجوههن على الحسين بن علي رضي هللا عنهما‪ .‬ففعل الناس ذلك‪ ،‬ولم يكن ألهل السُّنة قدرة على المنع‬
‫لكثرة الشيعة؛ وألن السلطان معهم‬

‫‪2-‬عز الدولة بختيار (‪367 -356‬هـ‪977 -967 /‬م‪):‬‬

‫عمه عضد الدولة سنة‬


‫هو ابن معز الدولة أحمد بن بويه ولي العراق بعد وفاة أبيه‪ ،‬واستمر في سلطانه إلى أن خلعه ابن ِ‬
‫‪367‬هـ‪ ،‬فكانت مدته ‪ 11‬سنة‪ ،‬كانت البالد في سلطانه أسوأ حاالً منها في سلطان أبيه‪ ،‬فإنه اشتغل باللهو واللعب وعشرة‬
‫النساء والمغنيين‬

‫‪3-‬عضد الدولة أبو شجاع خسرو (‪372 -338‬هـ‪982 -949 /‬م‪):‬‬

‫لقد ساهم البويهيون في تقدم وازدهار بالد العراق وفارس التي خضعت لحكمهم‪ ،‬وخاصةً في عهد عضد الدولة بن الحسن بن‬
‫عزها ومجدها؛ إذ نجح هذا الملك في التفوق على‬
‫بويه (‪372 -338‬هـ‪982 -949 /‬م) الذي وصلت الدولة في عهده إلى أوج ِ‬
‫إخوته وأبناء عمومته وتوحيد فارس والعراق تحت سلطته‪ ،‬كما وطد عالقته بالخليفة العباسي الطائع هلل (‪381 -363‬هـ‪/‬‬
‫‪991 -973‬م) إذ تزوج الخليفة الطائع ابنته‪ ،‬وتزوج هو ابنة الخليفة‪.‬‬

‫وبالرغم من ذلك فقد حرص عضد الدولة البويهي على توثيق الروابط بينه وبين الخليفة الفاطمي العزيز باهلل في مصر‪ ،‬وقد‬
‫الودِية المتبادلة بين العاهلين في سنة ‪369‬هـ‪979 /‬م‬
‫أشار ابن ت َغري َب ْردِي إلى الرسائل ُ‬

‫وقد اعترف الملك البويهي في خطابه للعزيز بإمامة الفاطميين‪ ،‬وبفضل أهل البيت‪ُ ،‬مظ ِه ًرا طاعته ومحبته له‪ ،‬ورد العزيز‬
‫باهلل على عضد الدولة برسالة كلها شكر وتقدير وامتنان للملك البويهي‪.‬‬

‫والجدير ذكره في هذا المجال هو أن رسالة الخليفة الفاطمي قُ ِرئت في حضرة الخليفة العباسي‪ ،‬كما أرسلت رسالة عضد‬
‫الدولة إلى مصر بعلم الخليفة‪ ،‬فإن دل ذلك على شيء إنما يدل على مدى ضعف الخلفاء العباسيين زمن سيطرة البويهيين‪ ،‬فقد‬
‫ً‬
‫رمزا ال حول لهم وال قوة‬ ‫كانوا‬

‫إنجازات الدولة البويهية‬


‫لقد أنشأ ُم ِع ُّز الدولة البويهي بيمارستانًا ببغداد سنة ‪355‬هـ‪ .‬كما تمكن عضد الدولة البويهي خالل فترة حكمه الطويلة (‪35‬‬
‫وازدهارا بفضل المشاريع العمرانية التي قام بها‪ ،‬مثل (السد العظيم) الذي شيده عند‬
‫ً‬ ‫استقرارا‬
‫ً‬ ‫سنة) أن يضمن للدولة العباسية‬
‫مدينة شيراز بفارس‪ ،‬وعُرف باسم (باندي أمير) أي سد األمير‪ ،‬و(سد السهيلة) بالقرب من بلدة النهروان في العراق‪.‬‬

‫ومن أعماله العمرانية أيضًا المشهد العظيم الذي شيده على قبر اإلمام علي بن أبي طالب رضي هللا عنه بمدينة النجف‪،‬‬
‫والمارستان العضدي الذي بناه في الجانب الغربي من بغداد لعالج المرضى‪ ،‬وفرغ من بنائه سنة ثمان وستين وثالثمائة‪،‬‬
‫وأنفق عليه ماالً عظي ًما‪ ،‬يقول عنه ابن خلكان‪" :‬وليس في الدنيا مثل ترتيبه‪ ...،‬وأعد له من اآلالت ما يقصر الشرح عن‬
‫وصفه"‬

‫كما اهتم عضد الدولة بترميم بغداد وإعادة بناء ما تهدم من مساجدها وأسواقها‪ ،‬ووزع األموال على األئمة والمؤذنين والعلماء‬
‫والقُراء والغرباء والضعفاء الذين يأوون إلى المساجد‪ ،‬وأنشأ الحدائق والمنتزهات‪ ،‬وأمر بتنظيف مجاري األنهار‪ ،‬وبناء‬
‫الجسور‪ ،‬وحفر الترع واألخاديد‪ ،‬وأقام المسنيات (آالت لتوجيه المياه)‪ ،‬وفتح أقنية جديدة فسال الماء يروي األرض؛ لكي يمنع‬
‫الناس من االستبداد باألقنية والمياه‪ ،‬ووضع عليها الحراس بحيث ال يعتدي أحد على حق غيره‪ .‬كذلك اهتم بإقامة العدل بين‬
‫الناس والفالحين‪ ،‬فأبطل الضرائب المزيدة على الفالحين ورفع الظالمات‪ ،‬وأجاب شكوى المشتكين‪ ،‬ولم يراعِ بذلك الجند‪ ،‬بل‬
‫طلب منهم تأدية ما عليهم‪ .‬ثم إنه نظر في حال المزارعين‪ ،‬فوجد أنهم ال يستطيعون تأدية الضرائب في المواعيد المحددة؛ ألن‬
‫المحصول كان يأتي بعد هذه المواعيد؛ فأخرها إلى ميعاد سماه (النيروز العضدي)‪ ،‬وهو يأتي في وقت يكون محصول‬
‫األرض فيه قد ظهر وبان‪.‬‬

‫قصورا له‪ ،‬منها قصر في شيراز فيه ثالثمائة غرفة‪ ،‬وهو قصر عظيم‪ ،‬وفيه خزائن كتب هائلة مفتوحة للعلماء‪.‬‬
‫ً‬ ‫كما أقام‬
‫وأصلح الطرقات وبخاصة طريق العراق ‪ -‬مكة‪ ،‬وأذن لوزيره النصراني نصر بن هارون في بناء وترميم الكنائس واألديرة‪،‬‬
‫وإطالق األموال لفقرائهم‬

‫والحضاري ص‪ .155 ،154‬د‪ /‬يوسف العش‪ :‬تاريخ عصر الخالفة العباسية ص‪.195‬‬

‫الحياة العلمية واألدبية في عهد الدولة البويهية‬

‫كبيرا‪ ،‬ومما يدل على ذلك أن عضد الدولة أمر بتوزيع الجرايات‬
‫ازدهارا ً‬
‫ً‬ ‫ازدهرت الحياة العلمية واألدبية في عهد بني بويه‬
‫على الفقهاء والمحدِثين والمتكلمين والمفسرين والنحاة والشعراء والنسابين واألطباء والحساب والمهندسين‬

‫كما بالغ في إكرام العلماء واإلنعام عليهم حتى تضاعفت في أيامه المصنفات الرائعة في مختلف العلوم‪ ،‬مثل‪ :‬كتاب الحجة في‬
‫القراءات السبع ألبي علي الحسن بن أحمد الفارسي النحوي‪ ،‬والكناش العضدي في الطب لعلي بن العباس المجوسي‪ ،‬وكتاب‬
‫التاجي في أخبار بني بويه ألبي إسحاق إبراهيم الصابي الذي لم يجد في تاريخ الديالمة من المفاخر واألمجاد ما يرضي كبرياء‬
‫بني بويه؛ فعمد إلى التلفيق واصطناع األخبار المزيفة ليرضي عضد الدولة‪ ،‬وكان هذا من أسباب غضب السلطان عضد‬
‫الدولة عليه فيما بعد وسجنه‪ .‬وصنف له الشيخ أبو علي الفارسي كتاب اإليضاح والتكملة في النحو‪ ،‬كما عمل له العالم الفلكي‬
‫أبو الحسين بن عمر الرازي كرة تمثِل السماء بما فيها من أجرام ونجوم‪.‬‬

‫وكان عضد الدولة فاضالً محبًّا للعلماء؛ فقصده فحول الشعراء في عصره‪ ،‬ومدحوه بأحسن المدائح‪ ،‬منهم أبو الطيب المتنبي‪،‬‬
‫َو َرد عليه وهو بشيراز في جمادى األولى سنة أربع وخمسين وثالثمائة‪ ،‬وفيه يقول من جملة قصيدته المشهورة الهائية‪:‬‬

‫وقد رأيتُ الملوك قاطبةً ‪ ...‬وسرتُ حتى رأيت موالهـا‬

‫و َمن مناياهـم براحتـه ‪ ...‬يأمرها فيهـم وينهاهــا‬

‫أبا شجاع بفارس عضد الـ ‪ ...‬دولة فناخسرو شهنشاها‬

‫أساميـًا لم تزده معرفـةً ‪ ...‬وإنما لـذة ً ذكرناهــا‬

‫وعمل الوزراء في دولة بني بويه على تشجيع الحركة العلمية في البالد‪ ،‬ومن هؤالء الوزراء أبو الفضل بن العميد (ت‬
‫‪360‬هـ‪970 /‬م)‪ ،‬فقد َوزَ ر ابن العميد للملك ركن الدولة صاحب الري ِ وهمذان وأصفهان‪ ،‬فأشرف على تربية وتعليم ولده‬
‫عضد الدولة‪ ،‬الذي لقبه األخير باألستاذ الرئيس‬

‫متوسعًا في علوم الفلسفة والنجوم‪ ...،‬وكان يسمى الجاحظ‬


‫ِ‬ ‫ووصف ابن خلكان الوزير بقوله‪" :‬كان أبو الفضل بن العميد‬
‫الثاني‪ ...،‬كان يقال‪ :‬بُدِئت الكتابة بعبد الحميد‪ ،‬وختمت بابن العميد"‬

‫والوزير الصاحب بن عباد الذي ترك رسائل منشورة‪ ،‬وكذلك له كتاب في األعياد وفضائل النوروز‪ ،‬وقد مدحه شعراء العرب‬
‫واألعاجم بحسب قوله هو نفسه‪" :‬مدحتُ ‪ -‬والعلم عند هللا ‪ -‬بمائة ألف قصيدة شعر عربية وفارسية"‬

‫الثورات والحروب في الدولة البويهية‬

‫الثورات في الدولة البويهية‪:‬‬


‫حدث في عهد معز الدولة خالفات بين جنده من األتراك والديلم‪ ،‬فقد كان بينهم َغيْرة ومنافسات‪ ،‬ومنازعات شديدة كانت تعود‬
‫بالضرر على الناس‪ ،‬حيث تقف حركة التجارة لخوف الناس على ما بيدهم من المال‪ ،‬وقد كادت هذه المنازعات تؤدي سنة‬
‫‪335‬هـ إلى خلع معز الدولة بيد الديلم‪ ،‬فإنهم لما رأوا تقدم األتراك ثاروا به‪ ،‬ومقدمهم قائد منهم اسمه روزبهان بن ونداد‬
‫خورشيد‪ ،‬ولكن معز الدولة انتصر عليه بقوة األتراك فاصطنعهم دون الديلم‪ ،‬وأمر بتوبيخ الديلم واالستطالة عليهم‪ ،‬ثم أطلق‬
‫لألتراك إطالقات زائدة على واسط والبصرة‪ ،‬فساروا لقبضهما ُمدلين بما صنعوا‪ ،‬فأخربوا البالد‪ ،‬ونهبوا األموال‪ ،‬وصار‬
‫ضررهم أكبر من نفعهم‬

‫الحروب في الدولة البويهية‪:‬‬

‫أميرا على البصرة باسم معز الدولة‪ ،‬ولكن نفسه كانت تطمح إلى االستقالل‬
‫كان أبو القاسم عبد هللا بن أبي عبد هللا البريدي ً‬
‫بها‪ ،‬فكان ال يرسل إلى معز الدولة خرا ًجا‬

‫وفي سنة ‪335‬هـ اختلف معز الدولة بن بويه وأبو القاسم البريدي والي البصرة‪ ،‬فأرسل معز الدولة جي ً‬
‫شا إلى واسط‪ ،‬فسير‬
‫شا من البصرة في الماء‪ ،‬وعلى الظهر‪ ،‬فالتقوا واقتتلوا‪ ،‬فانهزم أصحاب البريدي‪ ،‬وأُسر من أعيانهم جماعة‬
‫إليهم البريدي جي ً‬
‫كثيرة‪.‬‬

‫وفي سنة ‪336‬هـ سار معز الدولة ومعه المطيع هلل إلى البصرة الستنقاذها من يد أبي القاسم البريدي‪ ،‬وسلكوا البرية إليها‪،‬‬
‫فأرسل القرامطة من َه َجر إلى معز الدولة ينكرون عليه مسيره إلى البرية بغير أمرهم‪ ،‬وهي لهم‪ ،‬فلم يجبهم عن كتابهم‪ ،‬وقال‬
‫للرسول‪ :‬قل لهم من أنتم حتى تُستأمروا؟! وليس قصدي من أخذ البصرة غيركم‪ ،‬وستعلمون ما تلقون مني‪.‬‬

‫ولما وصل معز الدولة إلى الدرهمية استأمن إليه عساكر أبي القاسم البريدي‪ ،‬وهرب أبو القاسم إلى َه َجر‪ ،‬والتجأ إلى‬
‫القرامطة‪ ،‬وملك معز الدولة البصرة‬

‫كما كان معز الدولة وناصر الدولة بن حمدان يتنازعان السلطان‪ ،‬وكل يريد اإلغارة على ما بيد اآلخر؛ ففي سنة ‪337‬هـ سار‬
‫معز الدولة من بغداد إلى الموصل قاصدًا االستيالء عليها‪ ،‬فلما سمع ناصر الدولة بذلك سار عن الموصل إلى نصيبين‪،‬‬
‫ووصل معز الدولة فملك الموصل في شهر رمضان‪ ،‬وظلم أهلها وعسفهم‪ ،‬وأخذ أموال الرعايا‪ ،‬فكثر الدعاء عليه‪.‬‬

‫وأراد معز الدولة أن يملك جميع بالد ناصر الدولة‪ ،‬فأتاه الخبر من أخيه ركن الدولة أن عساكر خراسان قد قصدت جرجان‬
‫الرسل بينهما في ذلك‪ ،‬واستقر الصلح‬
‫والري‪ ،‬ويستمده ويطلب منه العساكر؛ فاضطر إلى مصالحة ناصر الدولة‪ ،‬فترددت ُّ‬
‫بينهما على أن يؤدِي ناصر الدولة عن الموصل وديار الجزيرة كلها والشام كل سنة ثمانية آالف ألف درهم‪ ،‬ويخطب في بالده‬
‫لعماد الدولة‪ ،‬وركن الدولة‪ ،‬ومعز الدولة بني بويه‪ ،‬فلما استقر الصلح عاد معز الدولة إلى بغداد‬
‫كما حدثت قوة جديدة زادت من متاعب معز الدولة ومشاغله‪ ،‬وهي قوة عمران بن شاهين (‪369 -329‬هـ) الذي كان في أول‬
‫األمر جابيًا؛ فقد َج َبى جبايات ثم هرب إلى ال َب ِطيحة‪ ،‬وهي أرض واسعة بين واسط والبصرة‪ ،‬جاء إليها عمران بن شاهين‬
‫خوفًا من السلطان فتحصن بها‪ ،‬ثم صار يقطع الطريق على من يسلك البطيحة‪ ،‬واجتمع إليه جماعة من الصيادين واللصوص‪،‬‬
‫ْمري‪ ،‬فانتصر أبو‬
‫شا بقيادة وزيره أبي جعفر الصي ِ‬‫فقَ ِوي بهم وحمى جانبه من السلطان‪ .‬فلما اشتد أمره سير معز الدولة إليه جي ً‬
‫باهرا‪ ،‬وكاد يأخذ عمران لوال أن شغل معز الدولة بوفاة أخيه األكبر عماد الدولة‪ ،‬فاضطر إلى أن‬
‫ً‬ ‫انتصارا‬
‫ً‬ ‫جعفر على عمران‬
‫سا لعمران الذي زادت قوته‪ ،‬ولم تستطع جيوش معز‬ ‫يأمر وزيره بقصد شيراز إلصالحها‪ ،‬ففارق البطيحة‪ ،‬وكان ذلك متنف ً‬
‫الدولة بعد ذلك االنتصار عليه‪.‬‬

‫واضطر معز الدولة إلى مصالحته‪ ،‬ثم قلده البطائح‪ ،‬فقوي واستفحل أمره‪ ،‬وقد استمر ملك عمران بن شاهين بالبطيحة من سنة‬
‫ش ًجا في َح ْلق بني بويه‪ ،‬ال يقدرون منه على شيء‪ ،‬وانتقل الملك منه إلى أعقابه‬
‫(‪329‬هـ‪369 -‬هـ)‪ ،‬أي أربعين سنة‪ ،‬كان فيها َ‬
‫ومواليهم إلى سنة ‪408‬هـ‬

‫الدولة البويهية في عيون المؤرخين‬

‫يرى اإلمام السيوطي أن الدولة البويهية ظهرت فيها بعض األفكار الهدامة‪ ،‬التي تبعد كل البُعد عن الدين اإلسالمي‪ ،‬ويتضح‬
‫ذلك أثناء حديثه عن التناسخية حيث يقول‪" :‬وفي سنة ‪341‬هـ ظهر قوم من التناسخية فيهم شاب يزعم أن روح علي انتقلت‬
‫إليه‪ ،‬وامرأته تزعم أن روح فاطمة انتقلت إليها‪ ،‬وآخر يد ِعي أنه جبريل؛ فض ُِربوا فتعززوا باالنتماء إلى أهل البيت‪ ،‬فأمر معز‬
‫الدولة بإطالقهم لميله إلى أهل البيت‪ ،‬فكان هذا من أفعاله الملعونة"‬

‫ويرى األستاذ محمود شاكر أن الدولة البويهية الشيعية لم تكن دولة إسالمية بالمعنى الصحيح‪ ،‬فهي تخالف عقائد وفكر أهل‬
‫السُّنة مخالفة واضحة؛ فلذلك بدرت منها أفعال منكرة تتنافى مع تعاليم الدين اإلسالمي الصحيح‪ ،‬ويتضح ذلك من قوله‪" :‬لقد‬
‫كانت أسرة آل بويه شيعية‪ ،‬فبدرت منهم أعمال منكرة"‬

‫أما الدكتور طقوش فيقول‪" :‬كان من المتوقع أن يعيد البويهيون االستقرار والوحدة إلى أقاليم الخالفة بفرض سيطرتهم عليها‪،‬‬
‫وكبح جماح جندهم‪ ،‬وإفساح المجال أمام الخالفة كي تضطلع بمسئولياتها‪ ،‬وتجنب إثارة الفتن المذهبية إال أن ذلك لم يتحقق؛‬
‫ألنهم دخلوا بغداد يحملون روح العداء للخلفاء العباسيين المخالفين لهم في المذهب‪ ،‬وقد فكر معز الدولة بعد دخوله بغداد‬
‫وسيطرته على مقاليد األمور فيها‪ ،‬في إلغاء الخالفة العباسية وإقامة خالفة شيعية على أنقاضها‪ ،‬وتنصيب أحد الزعماء الشيعة‬
‫سيعرض العالم اإلسالمي‬
‫ِ‬ ‫الزيدية‪ ،‬وكان بإمكانه تحقيق ذلك‪ ،‬إال أنه أحجم بعد استشارة أصحابه؛ ألن مثل هذا التغيير كان‬
‫لهزات عنيفة‪ ،‬إضافةً إلى زعزعة الحكم البويهي‪.‬‬

‫وبالتالي فإن شيعة العراق الذين حاول معز الدولة استمالتهم إليه كانوا على مذهب اإلمامية‪ ،‬وهذا يدل على أن تنصيب خليفة‬
‫زيدي سيكون مماثالً في نظرهم‪ ،‬بالمقارنة مع الخليفة العباسي؛ لهذا أدرك معز الدولة من خالل فكرته السياسية الثاقبة بأن‬
‫البقاء على الخالفة العباسية أجدر متب ًعا للمبدأ الزيدي القائل‪" :‬بجواز إمامة المفضول مع وجود األفضل"‪ .‬وأجاز على هذا‬
‫سنِي‪ ،‬إال أنه اتبع سياسة ترمي إلى‬
‫األساس الذي أقره المبدأ الزيدي‪ ،‬وعلى أساس المصلحة السياسية أن يدين بالوالء لخليفة ُ‬
‫الحد من سلطته مقابل تقوية نفوذه‬
‫ِ‬

‫ويرى كثير من المؤرخين بأن بني بويه أذلوا الخلفاء العباسيين وسلبوهم سلطانهم‪ ،‬ولم يتورعوا عن التعدي على أشخاصهم‬
‫ً‬
‫رمزا دينيًّا ليس له من‬ ‫أحيانًا‪ ،‬وأن الخالفة فقدت هيبتها وضعف شأنها في عهدهم‪ ،‬وأن الخليفة أضحى ألعوبة في أيديهم‪ِ ،‬‬
‫يمثل‬
‫األمر شيء سوى االسم فقط‪ ،‬أما السلطة الفعلية في الدولة فكانت في يد األمير البويهي‬

‫أما الدكتور يوسف العش فيقول عن عصر بني بويه‪" :‬إن بالد فارس كانت على حال أحسن من العراق‪ ،‬ومهما يكن من أمر‬
‫فوسائل الحضارة في العصر البويهي لم تكن قليلة‪ ،‬والنهضة التي أحدثها عضد الدولة ‪ -‬ولو أن مدة حكمه قصيرة ‪ -‬خلفت‬
‫كبيرا‪ ،‬فنشط العلم ونشطت الفلسفة ونشط البحث الديني فازدهرت الحضارة‪ ،‬إال أن األحوال االقتصادية والسياسية‬
‫أثرا ً‬‫ً‬
‫والمالية السيئة كان لها بعض األثر في نمو الحضارة وتقدمها‪ .‬ويمكن أن نقول‪ :‬إن هذه الحضارة قامت بتأثير أفكار عباقرة‪،‬‬
‫قدموا مجهودهم للمجتمع الذي كانوا يعيشون فيه‪ ،‬وكان للحكام أثر كبير في تشجيعهم ورعايتهم"‬

‫ويقول الدكتور عبد الرحمن الحجي‪" :‬مرت في العالم اإلسالمي بعض المشكالت الداخلية التي أربكت وضع الخالفة‬
‫واستقرارها‪ ،‬وكان منها الدور الذي قام به البويهيون إلضعاف الخالفة العباسية‪ ،‬بينما السالجقة حموا العالم اإلسالمي‪،‬‬
‫ونعرف معركة (مالذكرد) وكيف كانوا يُقبِلون على الموت‪ ،‬وقد أنقذوا الخالفة العباسية‪ ،‬وأعادوا لها هيبتها‪ ،‬وتخلصوا من‬
‫البويهيين الذين أثاروا في عاصمة الخالفة الفتنة الطائفية‪ ،‬ومنذ أن ظهرت في العالم اإلسالمي الطائفية ونحن نعاني منها حتى‬
‫اآلن‪ ،‬وشر البلية ما يأتي من الداخل"‬

‫أما المستشرق آدم متز‪ ،‬فيقول‪" :‬لم يكن للشيعة في القرن الرابع مذهب كالمي خاص بهم‪ ،‬فنجد مثالً أن عضد الدولة ‪ -‬وهو‬
‫من األمراء المتشيعين ‪ -‬يعمل على حسب مذهب المعتزلة‪ ،‬ولم يكن هناك مذهب شيعي إال للفاطميين"‬

‫ثم يستطرد في حديثه قائالً‪" :‬في عام ‪341‬هـ‪952 /‬م ظفر الوزير المهلبي بقوم من التناسخية‪ ،‬فيهم شاب يزعم أن روح علي‬
‫بن أبي طالب رضي هللا عنه انتقلت إليه‪ ،‬وفيهم امرأة تزعم أن روح فاطمة رضي هللا عنها انتقلت إليها‪ ،‬وفيهم آخر يزعم أنه‬
‫جبريل‪ ،‬فض ُِربوا فالتجئوا ألهل البيت‪ ،‬فأمر معز الدولة بإطالقهم لتشيُّع كان فيه"‬

‫سب بعض‬
‫مصو ًرا تعصب الشيعة ضد أهل السنة‪" :‬وكان أشد ما يؤلم نفوس أهل السنة‪ ،‬ما أولع به الشيعة من ِ‬
‫ِ‬ ‫ويقول أيضًا‬
‫الصحابة"‬

‫دولة السالجقة‬
‫الدولة السلجوقية هي إحدى الدول السُّنِية القوية التي قامت في إيران والعراق وسوريا وآسيا الصغرى‪ .‬وتُنسب هذه الدولة إلى‬
‫سلجوق زعيم عشائر الغُز التركمانية‪ ،‬التي هاجرت واستقرت في بُخارى‪.‬‬

‫ط ْغ ُرلبك) على إقليم خراسان سنة ‪429‬هـ‪1037 /‬م‪ .‬ولما ضعف البويهيون في بغداد وكان قد‬ ‫استولى أحد أحفاد سلجوق وهو ( ُ‬
‫اشتد ظلمهم للخلفاء‪ ،‬استنجد الخليفة العباسي القائم بأمر هللا بالسلطان السلجوقي طغرلبك إلنقاذه من البويهيين؛ فانتهز السلطان‬
‫هذه الفرصة‪ ،‬وسار بجيوشه إلى بغداد‪ ،‬ودخلها في عام ‪447‬هـ‪1055 /‬م‪ ،‬واعترف الخليفة به سلطانًا على جميع المناطق التي‬
‫تحت يده‪ ،‬وأمر بأن يُذكر اسمه في الخطبة‪.‬‬

‫واستطاع طغرلبك أن يقضي على تمرد أخيه (إبراهيم ينال)‪ ،‬وثورة البساسيري الشيعي‪ ،‬وأن يعيد األمن واالستقرار إلى بالد‬
‫الرافدين‪.‬‬

‫ظلت العالقة الطيبة قائمة بين الخالفة العباسية والسلطنة السلجوقية ما يقارب ثمانية عشر عا ًما‪ ،‬لكن سرعان ما نشب الخالف‬
‫بين الطرفين؛ بسبب محاولة طغرلبك االستئثار بجميع السلطات في العراق حتى تلك المتعلقة بالخليفة‪ ،‬إضافةً إلى أنه حمل‬
‫موارد العراق المالية إلى الخزانة السلجوقية‪.‬‬

‫وبعد وفاة طغرلبك استطاع خليفته ألب أرسالن أن يوسع نفوذه على حساب الدولة الفاطمية‪ ،‬فانتزع منها حلب ثم مكة‬
‫شطرا من بالدهم في آسيا الصغرى‪.‬‬
‫ً‬ ‫والمدينة‪ ،‬وتقدم إلى بالد الروم وانتصر عليهم في معركة مالذكرد‪ ،‬وضم إليه‬

‫وقد حافظ ملكشاه على ما تركه أبوه ألب أرسالن‪ ،‬واستطاع القضاء على الثورات التي حدثت في بداية عهده‪ ،‬ونشر العدل‬
‫واألمن والطمأنينة في البالد‪ .‬وكان مما يميز ملكشاه أنه كان مول ًعا بالفلك‪ ،‬وشجع دراسة العلوم الدينية والعقلية بمعونة وزيره‬
‫المشهور (نظام الملك) الذي أسس المدرستين العظميتين اللتين تعرفان باسمه في بغداد ونيسابور‪.‬‬

‫وبعد وفاة السلطان ملكشاه سنة ‪485‬هـ‪1092 /‬م‪ ،‬تفككت الدولة السلجوقية وبدأت عوامل الضعف واالنهيار تدب في أوصالها؛‬
‫وذلك لتنافس األمراء على عرش السلطنة‪ ،‬فضعفت بالتالي سيطرة الدولة على مختلف أقاليمها‪ ،‬مما جعلها عاجزةً عن‬
‫التصدي للحمالت الصليبية‪ .‬هذا إضافةً إلى الحركة الباطنية التي أعاقت جهاد السالجقة‪ ،‬وعملت على التصفية المستمرة‬
‫باغتيال سالطين السالجقة وزعمائهم وقادتهم‪.‬‬

‫كان من مآثر السالجقة تمسكهم الشديد باإلسالم‪ ،‬وميلهم القوي إلى أهل السُّنة والجماعة‪ .‬ووصل المسلمون في عهدهم إلى‬
‫درجة عظيمة من التقدم في كثير من علوم الحضارة‪ ،‬وازدهرت في عهدهم الفنون بجميع أنواعها‪.‬‬

‫قصة الدولة السلجوقية‬


‫ينحدر السالجقة من قبيلة قنق التركمانية‪ ،‬وتمثل مع ثالث وعشرين قبيلة أخرى مجموعة القبائل التركمانية المعروفة بالغز‬
‫وفي منطقة ما وراء النهر _ تركستان حاليًا‪ -‬استوطنت عشائر الغز وقبائلها الكبرى تلك المناطق وعرفوا بالترك أو األتراك‪,‬‬
‫ثم تحركت هذه القبائل في النصف الثاني من القرن السادس الميالدي باالنتقال من موطنها األصلي نحو آسيا الصغرى[‪.]1‬‬

‫ينتسب السالجقة إلى جدهم دقاق الذي كان وأفراد قبيلته في خدمة أحد ملوك الترك يعرف باسم بيغو‪ ،‬وكان دقاق في هذه‬
‫المرحلة من تاريخ السالجقة مقدم األتراك‪ ،‬وكان سلجوق بن دقاق في خدمة بيغو كما كان والده من قبل حيث كان يشغل‬
‫وظيفة مقدم الجيش‪ ،‬في هذا الوقت كانت مظاهر التقدم وعالمات القيادة بدت واضحة عليه‪ ،‬حتى أن زوجة الملك أخذت تثير‬
‫مخاوف زوجها منه لما رأت من حب الناس له وانصياعهم إليه‪ ،‬إلى الحد الذي أغرته بقتله‪ ،‬وما أن عرف سلجوق بذلك حتى‬
‫أخذ أتباعه ومن أطاعه وتوجه إلى دار اإلسالم وأقام بنواحي جند‪ -‬قريبًا من نهر سيحون‪ -‬وفيها أعلن سلجوق إسالمه وأخذ‬
‫يشن غاراته على الكفار الترك‪.‬‬

‫بعد وفاة سلجوق في جند‪ ،‬خلف عددًا من األوالد ساروا على سياسة والدهم في شن الغارات على الترك الوثنين وبذلوا جهودًا‬
‫كبيرة في حماية السكان المسلمين‪ ،‬فازدادت قواتهم وتوسعت أراضيهم وقد أكسبهم ذلك كله احترام الحكام المسلمين المجاورين‬
‫لهم‪ ،‬فقد غزا ميكائيل بن سلجوق بعض بالد الكفار من الترك فقاتل حتى استشهد في سبيل هللا[‪.]2‬‬

‫ترك ميكائيل من األوالد بيغو‪ ،‬وطغرلبك‪ ،‬وشغري بك داود‪ ،‬فدانت لهم عشائرهم بالطاعة‪ ،‬ثم يمموا شطر بخارى‪ ،‬فخشى‬
‫أميرها خطرهم‪ ،‬فأساء جوارهم وأراد اإليقاع بهم‪ ،‬فالتجئوا إلى بعراخان ملك تركستان واحتموا به‪ ،‬واستقر األمر بين‬
‫طغرلبك وأخيه داود على أال يجتمعا عند بغراخان حتى ال يحيط مكره السيئ بهم‪ ،‬وقد برهنت األيام على بعد نظر السالجقة‬
‫فقد حال بغراخان دون اجتماع هذين األخوين عنده فلم يوفق‪ ،‬فاحتال على أسر طغرلبك وتم له ما أراد‪ ،‬فثارت ثائرة داود‬
‫وقصد بغراخان في عشائره ليخلص أخاه وأحل الهزيمة بجنده‪ ،‬وأطلق أخاه وعاد إلى جند وبقوا هنالك حتى زالت الدولة‬
‫السامانية[‪.]3‬‬

‫ولما ملك إيلك خان بخارى عظم نفوذ أرسالن بن سلجوق – عم داود وطغرلبك – الذي سار إلى أذربيجان‪ ،‬ولكنه لم يلبث أن‬
‫أسر وحبس‪ ،‬وقد دارت بين السالجقة والغزنويين في عهد مسعود – ابن يمين الدولة محمود الغرنوي‪ -‬معارك طاحنة في‬
‫عهد مسعود‪ ،‬انتهت بإقطاع دهستان لداود‪ ،‬ونسا لطغرلبك‪ ،‬وفراوة لبيغو‪ ،‬ولقب كل منهم بلقب دهقان‪ ،‬وبعث إليهم بالخلع‪،‬‬
‫ولكن هؤالء األخوة من عشيرة السالجقة لم يطمئنوا إلى دعوة السلطان مسعود‪ ،‬وأخذوا يخادعونه بإظهار الطاعة له‪ ،‬وطلبوا‬
‫إليه أن يطلق عمهم أرسالن (بن سلجوق) ولكن هذا الصلح لم يتم وأنشغل مسعود ببالد الهند[‪.]4‬‬

‫طغرل بك‬
‫هو السلطان أبو طالب محمد بن ميكائيل بن سلجوق التركي الملقب بطغرلبك‪ ،‬ذلك الرجل الذي أنقذ هللا عز وجل به الخالفة‬
‫العباسية من السقوط لألبد وأنقذ هللا به أهل السنة من الضياع في براثن التشيع‪ ,‬وأنشأ دولة هي أعظم الدول التي ظهرت في‬
‫اإلسالم هذه الدولة سيطرت على معظم أمالك المسلمين وكانت دولة سنية تحب الحق وإظهار العدل والشرع‪ ,‬هذه قصة رجل‬
‫أعاد لمقام الخالفة هيبتها ومكانتها بعد أن ضاعت على يد المفسدين وملوك دولة بني بويه الشيعية‪.‬‬

‫كان طغرلبك كري ًما إلى حد كبير فقد روى المؤرخون أن أخاه إبراهيم ينال أسر بعض ملوك الروم فافتدى نفسه بأربعمائة ألف‬
‫دينار‪ ،‬فأبى إبراهيم وحمله إلى السلطان طغرلبك‪ ،‬فأرسل إمبراطور الروم إلى األمير نصر الدولة بن مروان يطلب وساطته‬
‫عند طغرلبك في إطالق سراحه‪ ،‬فما كان من طغرلبك إال أن قام وأطلق سراح هذا الرومي وأرسله دون أن يأخذ منه فداء‪،‬‬
‫وقد قدر اإلمبراطور هذا الصنيع وعبر عن إعجابه به وتقديره إياه‪ ،‬ورد مع رسوله إلى طغرلبك الكثير من الهدايا[‪.]5‬‬

‫بعد ذلك وفي سنة ‪429‬هـ‪1037 /‬م استولى طغرلبك على مرو حاضرة خراسان وذكر اسمه في خطبة الجمعة بلقب ملك‬
‫انتصارا‬
‫ً‬ ‫الملوك‪ ،‬وفي شهر شعبان سنة ‪429‬هـ التقى جيش طغرلبك بجيش الغزنوبيين عند باب مدينة سرخس وانتصر عليهم‬
‫حاس ًما وشتت شملهم وطاردهم في كل مكان وغنم أموالهم‪ ،‬فكانت هذه الموقعة كما يقول ابن األثير‪" :‬هي التي ملك‬
‫السلجوقيون بعدها خراسان ودخلوا قصبات البالد" وفي هذا الشهر استولى طغرلبك على نيسابور وأقيمت له الخطبة على‬
‫منابرها وذكر اسمه مقرونًا بلقب السلطان األعظم‪ ،‬واستقر بدار اإلمارة وجلس للمظالم يومين في األسبوع على ما جرت به‬
‫العادة في هذه البالد[‪.]6‬‬
‫وفي سنة ‪433‬هـ ‪1042-1041 /‬م استولى السالجقة بقيادة طغرلبك عل بالد الديلم وكرمان‪ ،‬وانتقل السالجقة في فتوحهم من‬
‫نصر إلى نصر حتى جاءت سنة ‪438‬هـ التي حاصر فيها طغرلبك مدينة أصبهان وصالحه صاحبه على مال يؤديه إليه وعلى‬
‫أن يقيم له الخطبة بأصبهان‪ ،‬وفي السنة التالية عقد الصلح بين أبي كاليجار البويهي والسلطان طغرلبك السلجوقي وحدث بينهم‬
‫مصاهره[‪.]7‬‬

‫هكذا قامت دولة السالجقة العظام في خراسان وفارس‪ ،‬وأضحت جيوشهم على أهبة االستعداد لدخول العراق وذلك إلنقاذ‬
‫الخالفة العباسية من سيطرة البويهين الشيعة‪.‬‬

‫الوضع الداخلي في بغداد عشية زحف السالجقة باتجاه الغرب‬


‫كانت األسرة البويهية الشيعية تسيطر على العراق قبل قدوم السالجقة حيث أسس البويهيون في فارس والعراق واألهواز‬
‫وكرمان والري وهمذان وأصفهان إمارات وراثية أدت إلى إيجاد نوع من االستقرار السياسي في دولة الخالفة العباسية‪ ،‬وقد‬
‫سيطر البويهيون على مقاليد األمور‪ ،‬وتصرفوا بشكل مطلق لكن هذا االستقرار كانت تشوبه بعض االضطرابات الناتجة عن‬
‫النزاعات المذهبية بفعل تشيع األسرة البويهية[‪.]8‬‬

‫كان الوضع الداخلي في بغداد مزعزعًا تشوبه حالة من الفوضى وعدم االستقرار مما ساعد على تعبيد الطريق أمام مهمة‬
‫دخول السالجقة إليها وضم العراق إلى دولتهم التي أسسوها في خراسان وإيران‪ ،‬وذلك بفعل الخالفات األسرية داخل البيت‬
‫البويهي‪ ،‬إذ قامت النزاعات والتنافسات بين األمراء البويهيين من جهة وبينهم وبين الجند من جهة أخرى‪ ،‬كما انتشرت الفتن‬
‫بين الجند‪ ،‬باإلضافة إلى رغبة السالجقة في إنقاذ الدولة العباسية السنية‪.‬‬

‫ففي عام ‪424‬هـ‪1033 /‬م ظهر التنافس واض ًحا بين جالل الدولة البيويهي وبين ابن أخيه أبي كاليجار‪ ،‬وخطب لهذا األخير في‬
‫بغداد‪ ،‬وغدت المدينة مسر ًحا للشغب والمنازعات المذهبية واألسرية‪.‬‬

‫ولما توفى جالل الدولة في عام ‪435‬هـ‪1044/‬م لم يتمكن ابنه الملك العزيز من االحتفاظ بالحكم طويالً‪ ،‬مما دفع أبو كاليجار‬
‫إلى تثبيت أقدامه في الحكم‪ ،‬واستقر في بغداد في عام ‪436‬هـ‪1045 /‬م‪.‬‬

‫نتيجة لهذا التنافس األسري‪ ،‬وبفعل ثورات الجند المستمرة فقد األمن في بغداد‪ ،‬وقد شعر الخليفة العباسي بهذا التفكك‬
‫واالنحالل‪ ،‬ورأى أن الدولة البويهية عاجزة عن إقرار األمور في العراق[‪.]9‬‬

‫دخول السالجقة بغداد‬


‫حين شارف السالجقة على العراق‪ ،‬كان أبو الحارث أرسالن البساسيري‪ ،‬أحد قادة بني بويه األتراك المتشيعين يسيطر على‬
‫بغداد وما جاورها‪ ،‬ويتمتع بنفوذ كبير لدرجة أنه أضحى يخطب له على المنابر في العراق واألهواز‪ ،‬ولم يعد بإمكان أي من‬
‫خطرا حقيقيًا على‬
‫ً‬ ‫الخليفة العباسي أو الملك البويهي اتخاذ أي قرار يتعلق بأمور الدولة إال بعد موافقته‪ ،‬وقد شكل هذا القائد‬
‫الخالفة العباسية والدولة البويهية‪.‬‬

‫أما خطره على الخالفة العباسية فقد تجلى في عام ‪446‬هـ‪1054 /‬م‪ ،‬حين نشب الخالف بينه وبين الخليفة القائم مما دفعه‬
‫لالتجاه نحو الفاطميين‪ ،‬أما خطره على الدولة البويهية فقد تجلى في الخالف الذي نشأ بينه وبين الملك الرحيم البويهي مما هدد‬
‫النفوذ البويهي في العراق بعد ضياع أمالك البويهيين في إيران على يد السالجقة‪.‬‬
‫في هذا الجو المضطرب استنجد الخليفة بالسلطان السلجوقي طغرلبك طالبًا مساعدته ضد البساسيري‪ ،‬انتهز السلطان هذه‬
‫الفرصة‪ ،‬وسار بجيوشه إلى بغداد‪ ،‬ودخلها في عام ‪447‬هـ‪1055 /‬م‪ ،‬واعترف الخليفة به سلطانًا على جميع المناطق التي‬
‫تحت يده وأمر بأن يذكر اسمه في الخطبة‪ ،‬وهكذا دخل العراق ضمن دائرة نفوذ السالجقة العظام[‪.]10‬‬

‫العالقة بين الخالفة العباسية والسلطنة السلجوقية‬


‫شهرا‪ ،‬عمل في أثنائها على تدعيم النفوذ السلجوقي في عاصمة الخالفة‪ ،‬وتوثيق صلة‬ ‫ً‬ ‫أقام طغرلبك في بغداد ثالثة عشر‬
‫السالجقة بالخليفة‪ ،‬كما عملت الخالفة من جانبها‪ ،‬على تقوية الروابط بينها وبين هذه القوة الجديدة‪ ،‬فتزوج القائم من أرسالن‬
‫خاتون خديجة ابنة داوود جفري بك‪ ،‬أخ طغرلبك وذلك في عام ‪448‬هـ‪1051 /‬م‪ ،‬فتم بذلك التقارب بين البيتين العباسي‬
‫والسلجوقي‪ ،‬واستقر نفوذ السالجقة في العراق[‪.]11‬‬

‫تمرد البساسيري‪:‬‬
‫في غمرة هذه االنتصارات التي حققها طغرلبك‪ ،‬قام البساسيري‪ ،‬من مقره الجديد – الرحبة – بعدة حركات ارتدادية عسكرية‪،‬‬
‫بهدف إخراج السالجقة من بغداد‪.‬‬

‫فعلى الصعيد العسكري‪ ،‬نجح في االستيالء على الموصل‪ ،‬بعد أن هزم السالجقة قرب سنجار في عام ‪448‬هـ‪1056 /‬م‪ ،‬وأخذ‬
‫يستعد لدخول بغداد‪ ،‬وعلى الصعيد السياسي أعلن انضمامه إلى الفاطميين وخطب للخليفة الفاطمي الذي أرسل إليه الخلع‪ ،‬مما‬
‫أحدث اضطرابات مذهبية عنيفة‪.‬‬

‫في هذا الوقت عانى طغرلبك من عدة صعوبات داخلية‪ ،‬اضطرته للخروج من بغداد في عام ‪449‬هـ‪1057 /‬م‪ ،‬وسار إلى‬
‫الموصل لوضع حد للمشاكل التي أثارها البساسيري ضده‪ ،‬فبسط نفوذه على ديار بكر‪ ،‬ثم عاد إلى بغداد حيث استقبله الخليفة‬
‫بالترحاب ولقبه (ملك المشرق والمغرب) ويدل هذا التلقيب على أن هذا الخليفة‪ ،‬اعترف لطغرلبك بما أضحى تحت يده من‬
‫البالد في المشرق‪ ،‬وأذن له باستخالص المغرب من الفاطميين[‪.]12‬‬

‫ثورة إبراهيم إينال‬


‫ثم حدث أن واجه طغرلبك مشكلة جديدة تمثلت بتمرد قام به أخوه إبراهيم اينال في بالد الجبل‪ ،‬فاضطر للخروج من بغداد مرة‬
‫أخرى لقمع هذا التمرد‪ ،‬فانتهز البساسيري ذلك‪ ،‬ودخل بغداد في شهر ذي القعدة ‪450‬هـ‪1058 /‬م‪ ،‬وخطب فيها للخليفة‬
‫الفاطمي مدة عام كامل‪ ،‬وخرج الخليفة منها إلى عانة‪ -‬بلد مشهور بين الرقة وهيث من أعمال الجزيرة ‪ -‬ملتجئا إلى قريش بن‬
‫بدران‪ ،‬وأخذ يراسل طغرلبك يستغيث به‪.‬‬

‫عودة طغرلبك إلى بغداد‬


‫ويبدو أن الخالفة الفاطمية‪ ،‬لم تكن تملك القوة الكافية إلمداد البساسيري حتى تحتفظ بما وصلت إليه‪ ،‬كما يبدو أن ثقتها في هذا‬
‫الرجل لم تكن كبيرة لذلك لم تتحرك للقيام بعمل جدي وتركته يواجه الموقف منفردًا أمام قوة السلطان الذي ما لبث أن عاد إلى‬
‫العراق‪ ،‬بعد أن فرغ من إخماد تمرد أخيه‪ ،‬وأضطر البساسيري إلى الخروج من بغداد لعدم قدرته على الوقوف في وجه‬
‫الجيش السلجوقي‪ ،‬ومن ثم قتل في عام ‪451‬هـ‪1059 /‬م‪.‬‬

‫وبعد أن دخل طغرلبك بغداد دعا الخليفة للعودة إلى عاصمته واستقبله في النهروان‪ ،‬وأبدى اغتباطه بعودته‪ ،‬وبذلك استتب‬
‫األمر للسالجقة في العراق وأصبحوا يمثلون ظاهرة جديدة في حياة دولة الخالفة العباسية‪ ،‬فقد اختلف موقفهم تجاه الخالفة عن‬
‫موقف البويهيين بشكل عام فكانوا يحترمون الخلفاء تدينًا ينبع من عقيدتهم ونشأتهم السنية‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى استطاع السالجقة أن يوحدوا المشرق اإلسالمي من جديد تحت رايتهم ويمدوا رقعته في غربي آسيا إلى‬
‫حدود البوسفور عن طريق جهاد الدولة البيزنطية‪ ،‬ويستولوا على معظم بالد الشام من الفاطميين‪.‬‬

‫ظلت العالقة الطيبة قائمة بين الخالفة العباسية والسلطنة السلجوقية ما يقارب ثمانية عشر عا ًما منذ أن أعلن طغرلبك قيام‬
‫صا أنهم كانوا يحترمون الخالفة العباسية ويقدرونها‪.‬‬
‫دولته في خراسان‪ ،‬خصو ً‬

‫لكن سرعان ما نشب الخالف بين الطرفين‪ ،‬بسبب محاولة طغرلبك االستئثار بجميع السلطات في العراق‪ ،‬حتى تلك المتعلقة‬
‫بالخليفة‪ ،‬باإلضافة إال أنه حمل موارد العراق المالية إلى الخزانة السلجوقية‪ ،‬فقد أناب عنه في حكم بغداد‪ ،‬قبل أن يعود إلى‬
‫عاصمته الري‪ ،‬موظفًا سلجوقيًا أطلق عليه اسم (العميد) كما عين موظفًا آخر لحفظ األمن يعرف بـ ( الشحنة ) يأتمر بأمره‪،‬‬
‫ويتمتع بنفوذ كبير حتى على الخليفة‪ ،‬وترك في بغداد حامية عسكرية‪ ،‬وضمن بعض المدن لخواصه[‪.]13‬‬

‫ً‬
‫متجاوزا بذلك تقاليد‬ ‫ومما زاد األمور تفاق ًما‪ ،‬محاولة السلطان ربط البيتين العباسي والسلجوقي بالمصاهرة‪ ،‬فخطب ابنة الخليفة‬
‫الخالفة العباسية‪ ،‬وهذا مطمح لم يسع إليه أحد من قبل‪ ،‬ويبدو أن إقدامه على هذه الخطوة‪ ،‬كان وسيلة لتدعيم نفوذه السياسي‬
‫برابطة أدبية قوية مع الخالفة العباسية‪ ،‬لكن الراجح أن السالجقة طمعوا في منصب الخالفة‪ ،‬إال أنهم افتقروا إلى شروط‬
‫النسب باعتبارهم أعاجم‪ ،‬وهدى التفكير طغرلبك إلى الزواج من ابنة الخليفة أمالً في أن يلد منها ولدًا يكون له من شرعية‬
‫النسب وقوة السالجقة ما يوصله إلى سدة الخالفة‪.‬‬

‫كانت ردة الفعل سلبية‪ ،‬فقد انزعج الخليفة القائم من ذلك واستعفى السلطان فلم يعفه‪ ،‬واضطر إلى قبول طلبه وزوجه ابنته في‬
‫عام ‪455‬هـ‪1063 /‬م[‪.]14‬‬

‫وفاته‪:‬‬
‫وتوفى السلطان طغرلبك رمضان ‪455‬هـ ‪ 10 /‬سبتمبر ‪1063‬م‬

‫آلب أرسالن ( محمد ) األسد الشجاع‬


‫خلف طغرلبك وكان "عادالً حسن السيرة كري ًما رحي ًما شفوقًا على الرعية رفيقًا على الفقراء‪ً ،‬‬
‫بارا بأهله وبأصحابه ومماليكه‬
‫كثير الدعاء بدوام ما أنعم به عليه‪ ،‬كثير الصدقات يتصدق في كل رمضان بخمسة عشر ألف دينار‪ ،‬وال يعرف في زمانه‬
‫جناية وال مصادره بل يقنع من الرعايا بالخراج في قسطين رفقًا بهم"[‪.]15‬‬

‫وزيره نظام الملك‪:‬‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫أعتمد عليه ألب أرسالن في الوزارة وكان عال ًما عادال حلي ًما كثير العفو وكان مجلسه حافال بالفقهاء وأئمة المسلمين وأهل‬
‫الخير والصالح‪ ،‬وقد أشتهر ببناء المدارس في البالد وخصص لها الكثير من النفقات[‪.]16‬‬

‫"وكان وزير صدق يكرم العلماء والفقراء‪ ،‬ولما عصى الملك شهاب الدولة قتلمش وخرج عن الطاعة‪ ،‬وطمع في أخذ الملك‬
‫من ألب أرسالن وكان من بني عم طغرلبك‪ ،‬فجمع وحشد واحتفل له ألب أرسالن فقال له الوزير‪ :‬أيها الملك ال تخف‪ ،‬فإني قد‬
‫استخدمت لك جندًا ليليًا يدعون لك وينصرونك بالتوجه في صلواتهم وخلواتهم‪ ،‬وهم العلماء والصلحاء‪ ،‬فطابت نفسه‬
‫بذلك"[‪.]17‬‬

‫‪ -‬المدارس النظامية‬
‫وقال بعض المؤرخون أنها أنشئت في عهد نظام الملك وقال البعض األخر أنها أنشئت قبل ذلك بكثير‪ ،‬المهم أن هذه المدارس‬
‫بدورا ها ًما في تاريخ السالجقة حيث عملت هذه المدارس على إعداد اإلنسان الصالح‪ ،‬والمصلح لغيره وأعتبر هذا‬ ‫ً‬ ‫قامت‬
‫الهدف مه ًما لبناء األمة الصالحة[‪.]18‬‬

‫وكان عهد ألب أرسالن رغم قصره ( ‪465/455‬هـ ) حافالً بجالئل األعمال‪ ،‬ففي السنة األولى من حكمه أخضع ختالن‬
‫وهراة وصغانيان في الشمال الشرقي‪ ،‬وكان أًصحابها قد شقوا عصا الطاعة‪ ،‬ورد البيزنطيين في أسيا الصغرى على أعقابهم‬
‫كثيرا من قالعهم وغنم غنائم ال تحصى وأسلم كثير من أهل هذه البالد‪ ،‬وقد أشترك ملكشاه بن ألب أرسالن‬ ‫بعد أن فتح ً‬
‫والوزير نظام الملك في هذه الحروب سنة ‪456‬هـ‪ ،‬وبعد قليل أخضع ألب أرسالن جند حيث دفن جده األكبر سلجوق مما جعل‬
‫لها أهمية خاصة في نظره‪ ،‬وقمع الثورة التي قامت في فارس وكرمان‪ ،‬وفي سنة ‪457‬هـ أخذ في بناء المدرسة النظامية‬
‫ببغداد‪ ،‬وفي السنة التالية ولى عهده ابنه ملكشاه‪ ،‬فبايعه أمراء دولته‪ ،‬وذكر اسمه في الخطبة في جميع البالد التي دانت‬
‫لسلطانه‪ ،‬وأقطع بالده أفراد البيت السلجوقي‪.‬‬

‫كذلك أقطع ألب أرسالن من بالد خصومة الفاطميين حلب ومكة والمدينة‪ ،‬وأقيمت الخطبة بحلب للخليفة العباسي القائم‬
‫وللسلطان ألب أرسالن[‪.]19‬‬

‫موقعة مالذكرد‬
‫قام ألب أرسالن بحملة كبيرة ضد األقاليم النصرانية المجاورة لحدود دولته‪ ،‬وقاد جيشه نحو جنوب أذربيجان واتجه غربًا لفتح‬
‫بالد الكرج والمناطق المطلة على بالد البيزنطيين‪ ،‬وكان سكان الكرج يكثرون من اإلغارة على أذربيجان فأصبحوا مصدر‬
‫قلق لسكان المنطقة‪ ،‬وانضم إليه وهو في مدينة مرند في أذربيجان أحد أمراء التركمان ويدعى طغتكين‪ ،‬وكان دائم اإلغارة‬
‫على تلك المنطقة عارفًا بمسالكها‪.‬‬

‫بعد ذلك أجتاز الجيش السلجوقي نهر الرس –نهر يخرج من قاليقال ويمر بأران‪ -‬في طريقة إلى بالد الكرج مما أضطر ملك‬
‫الكرج أن يهادن ألب أرسالن وصالحه على دفع الجزية‪ ،‬بعد ذلك أصبح الطريق مفتو ًحا أمام السالجقة للعبور إلى األناضول‬
‫بعد السيطرة بعد أن سيطروا على قلب أرمينية‪ ،‬كان ذلك تحديًا لبيزنطة وأدرك أن ألب أرسالن يصبغ غزوه للبالد بصبغة‬
‫أمرا ال مفر منه[‪.]20‬‬
‫الجهاد الديني وأن الحرب بين المسلمين والبيزنطيين ً‬

‫الخروج للقتال‬
‫خرج روماونس ملك الروم في جمع كثير من الروم والروس والكرج والفرنجة وغيرهم من الشعوب النصرانية‪ ،‬حتى قدر‬
‫هذا الجمع بثالثمائة ألف جندي‪ ،‬أعدهم اإلمبراطور لمالقاة السلطان السلجوقي‪ ،‬الذي ما إن علم باقتراب الروم ومن معهم حتى‬
‫استعد لألمر‪ ،‬وكان في قلة من أصحابه ال تقارن بعدد الروم ومن معهم من الجنود‪ ،‬وكان الجيش السلجوقي يبلغ عدده قرابة‬
‫خمسة عشر ألفًا‪ ،‬ولم يكن لديه وقت الستدعاء مدد من المناطق التابعة له‪ ،‬وقال ألب أرسالن قولته المشهورة‪" :‬أنا أحتسب عند‬
‫هللا نفسي‪ ،‬وإن سعدت بالشهادة ففي حواصل الطيور الخضر من حواصل الطيور الغبر رمسي‪ ،‬وإن نصرت فما أسعدني وأنا‬
‫أمسي ويومي خير من أمسي"‬

‫هجم السلطان السلجوقي بمن معه على مقدمة األعداء وكان فيها عشرون ألفًا معظمهم من الروس‪ ،‬فأحرز المسلمون عليهم‬
‫انتصارا عظي ًما وتمكنوا من أسر معظم قوادهم‪.‬‬
‫ً‬

‫عرض الصلح ولكن!‬


‫أرسل السلطان ألب أرسالن وفدًا من قبله إلى إمبراطور الروم وعرض عليه المصالحة ولكنه تكبر وطغى ولم يقبل العرض‪،‬‬
‫وقال‪ :‬هيهات!! ال هدنة إال ببذل الري‪ -‬أي بدخول مدينة الري السلجوقية‪ -‬مما أغضب السلطان السلجوقي‪ ،‬وقال له إمامه أبو‬
‫النصر محمد بن عبد الملك البخاري الحنفي‪ :‬إنك تقاتل عن دين وعد هللا بنصره وإظهاره على سائر األديان‪ ،‬وأرجو أن يكون‬
‫هللا قد كتب باسمك هذا الفتح فالقهم يوم الجمعة في الساعة التي يكون فيها الخطباء على المنابر‪ ،‬فإنهم يدعون للمجاهدين[‪.]21‬‬

‫اندالع المعركة‪:‬‬
‫أعد المسلمون العدة للمعركة الفاصلة واجتمع الجيشين يوم الخميس الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة ‪463‬هـ فلما كان‬
‫وقت الصالة يوم الجمعة صلى السلطان بالعسكر ودعا هللا تعالى وقال ‪ :‬نجن مع القوم تحت الناقص ‪ -‬يقصد قلة العدد‪ -‬وأريد‬
‫أن أطرح نفسي عليهم في هذه الساعة يدعى فيها لنا والمسلمين على المنابر‪ ،‬فإما أن أبلغ الغرض وإما أن أمضي شهيدًا إلى‬
‫الجنة‪ ،‬فمن أحب أن يتبعني منكم فليتبعني‪ ،‬ومن أحب أن ينصرف فليمض مصاحبًا فما هاهنا سلطان يأمر وال عسكر يؤمر‬
‫فإنما أنا اليوم واحد منكم‪ ،‬وغاز معكم‪ ،‬فمن تبعني ووهب نفسه هلل تعالى فله الجنة أو الغنيمة‪ ،‬ومن مضى حقت عليه النار‬
‫والفضيحة‪ ،‬فقالوا‪ :‬مهما فعلت تبعناك وأعناك عليه‪ ،‬فبادر ولبس البياض وتحنط استعدادًا للموت وقال‪ :‬إن قتلت فهذا كفني‪ ،‬ثم‬
‫وقع الزحف بين الطرفين‪ ،‬وحمل المسلمون على األعداء‪ ،‬ونصر هللا المسلمين عليهم‪ ،‬فقتلوا منهم مقتله عظيمة وأسروا منهم‬
‫جموعًا كبيرة‪ ،‬كان على رأسهم ملك الروم نفسه[‪.]22‬‬

‫قصة أسر إمبراطور الروم‬


‫إن أحد غلمان سعد الدولة جوهر – آثين‪ -‬هو الذي أسر اإلمبراطور رومانوس‪ ،‬فأراد قتله‪ ،‬فقال له خادم مع الملك ‪ :‬ال تقتله‬
‫استحقارا‬
‫ً‬ ‫فإنه الملك‪ ،‬وكان هذا الغالم قد عرضه سعد الدولة جواهر‪ -‬أحد أمراء ألب أرسالن‪ -‬على الوزير نظام الملك فرده‬
‫أسيرا‪ ،‬ومن العجيب أن هذا الغالم هو الذي أسر‬ ‫ً‬ ‫له‪ ،‬فأثنى عليه جواهر‪ ،‬فقال نظام الملك ماز ًحا‪ :‬عسى أن يأتينا بملك الروم‬
‫اإلمبراطور[‪.]23‬‬

‫أخبر ألب أرسالن بنبأ أسر اإلمبراطور فأمر بإحضاره‪ ،‬فلما أحضر ضربه السلطان ثالث مقارع بيده وقال له‪ :‬ألم أرسل إليك‬
‫في الهدنة فأبيت؟ فقال‪ :‬دعني من التوبيخ وأفعل ما تريد‪ ،‬فقال السلطان ‪ :‬ما عزمت أن تفعل بي إن أسرتني؟ قال‪ :‬أفعل القبيح‪،‬‬
‫قال السلطان‪ :‬ما تظن أنني أفعل بك؟ قال‪ :‬إما أن تقتلني وإما أن تشهرني في بالد اإلسالم‪ ،‬واألخيرة بعيدة وهي العفو وقبول‬
‫األموال واصطناعي نائبًا عنك‪ ،‬قال‪ :‬ما عزمت على غير هذا‪ ،‬ففداه السلطان بألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار‪ ،‬وأن‬
‫يرسل إليه عساكر الروم في أي وقت يطلبها‪ ،‬وأن يطلق كل أسير في بالد الروم[‪.]24‬‬

‫أما الروم فبادروا وملكوا آخر‪ ،‬فلما قرب أرمانوس شعر بزوال ملكه‪ ،‬فلبس الصوف وتصوف‪ ،‬وترهب ثم جمع ما وصلت‬
‫يده إليه نحو ثالثمائة ألف دينار‪ ،‬وبعث بها واعتذر وقيل‪ :‬إنه غلب على ثغور األرمن[‪.]25‬‬
‫أما أهم الدروس المستفادة من هذه الموقعة هو اإلخالص هلل تعالى واالستعداد للموت في سبيله فرغم الفرق الكبير بين عدد‬
‫المسلمين والبيزنطيين إال أن المسلمين استطاعوا االنتصار على البيزنطيين وليس األمر عدد وال عتاد ولكنه نصر من هللا عز‬
‫وجل عندما كانت النية خالصة هلل عز وجل‪.‬‬

‫ومن األمور التي يجب اإلشارة إليها في هذه الموقعة هو دور العلماء في تثبيت القادة والجنود وتذكيرهم باهلل واليوم اآلخر‪،‬‬
‫فعندما يصلح حال العلماء يصلح أحوال الرعية وبالتالي يصلح حال األمة كلها‪.‬‬

‫ولهذا نجد أن موقعة مالذكرد كان له ا أثر بالغ فقد انتشر السالجقة في آسيا الصغرى وضموا إلى ديار اإلسالم مساحة تزيد‬
‫عن ‪400‬ألف كيلومتر‪ ،‬كما تعتبر هذه الموقعة نقطة تحول في التاريخ اإلسالمي فألول مرة يقع اإلمبراطور نفسه أسير في‬
‫أيدي المسلمين‪ ،‬وتعد هذه الموقعة أكبر نكسة في تاريخ اإلمبراطورية البيزنطية إذ أصبحت األراضي البيزنطية تحت رحمة‬
‫السالجقة ولذلك يسميها بعض المؤرخين باسم الملحمة الكبرى[‪.]26‬‬

‫وفاة ألب أرسالن‪:‬‬


‫توفى في جمادي اآلخرة سنة ‪465‬هـ وقيل أنه توفى عن عمر أربعين سنة أو واحد وأربعين سنة[‪.]27‬‬

‫ملكشاه (‪465-485‬هـ‪1092-1072 /‬م)‬


‫كان ملكشاه كما وصفه ابن خلكان‪" :‬أحسن الملوك سيرة حتى كان يلقب بالسلطان العادل"[‪" ،]28‬وكان يجلس للمظالم بنفسه‬
‫ويقضي بين الناس بالقسطاس المستقيم كما كان بابه مفتو ًحا لكل قاصد بحيث يستطيع أي شخص من أفراد شعبه أن يتصل به‬
‫في سهولة ويسر لرفع ظالمته أو التعبير عما لحقه من اضطهاد‪ ،‬وكان السبل في أيامه آمنه‪ ،‬والقوافل تسير من بالد ما وراء‬
‫النهر إلى أقصى بالد الشام في أمن وطمأنينة"[‪.]29‬‬

‫خلف ألب أرسالن ابنه ملكشاه وتولى الحكم وهو في السابعة عشر أو الثامنة عشر من حكمه‪ ،‬وقد حدثت في بداية عهده عدة‬
‫ثورات ولكنه استطاع القضاء عليها‪ ،‬وكان مما يميز ملكشاه أنه كان مولعًا بالفلك وشجع دراسة العلوم الدينية والعقلية بمعونة‬
‫وزيره المشهور نظام الملك الذي أسس المدرستين العظميتين اللتين تعرفان باسمه في بغداد ونيسابور‪ ،‬وتعرف كل منهما باسم‬
‫المدرسة النظامية كما أسس المدرسة الحنفية ببغداد[‪.]30‬‬

‫مناصرته للمظلومين‪:‬‬
‫إن انتشار العدل من األمور الهامة فبدونه تنهار األمم‪ ،‬وقد انتبه ملوك السالجقة لهذا األمر‬

‫وجعلوه أساس دولتهم‪ ،‬ومثال على ذلك ما فعله ملكشاه عندما اشتكى إليه فالح أن غلمانَا له أخذوا له حمل بطيخ هو رأس‬
‫ماله‪ ،‬فقال‪ :‬اليوم أرد عليك حملك‪ ،‬وبالفعل قام وأعطى الرجل حمله[‪.]31‬‬

‫وأيضًا من األمور التي تشير إلى عدله أنه أسقط مره بعض المكوس‪ ،‬فقال له رجل من المستوفين‪ :‬يا سلطان العالم إن هذا‬
‫يعدل ستمائة ألف دينار وأكثر‪ ،‬فقال‪" :‬ويحك إن المال مال هللا والعباد عبيده والبالد بالده وإنما يبقى هذا لي عند هللا ومن‬
‫نازعني في هذا ضربت عنقه"[‪.]32‬‬

‫وتوفى السلطان ملكشاه سنة ‪485‬هـ‪1092 /‬م[‪.]33‬‬


‫عهد التفكك والضعف وانهيار الدولة السلجوقية‪:‬‬
‫الدولة السلجوقيةبعد وفاة السلطان ملكشاه تفككت الدولة السلجوقية وبدأت عوامل الضعف واالنهيار تدب في أوصالها بين‬
‫أبنائه وإخوته وأحفاده‪ ،‬فضعفت بالتالي سيطرة الدولة على مختلف أقاليمها‪ ،‬ومن األسباب التي أدت إلى هذا الضعف تنافس‬
‫كبيرا وبصفة خاصة بين بركياروق االبن األكبر لملكشاه وأخيه‬‫األمراء على عرش السلطنة‪ ،‬األمر الذي أحدث انقسا ًما ً‬
‫األصغر محمود‪ ،‬وانقسم السالجقة إلى فريقين متنازعين كل منهما يجاهر بالعداء إلى األخر[‪.]34‬‬

‫وقد دب الضعف في أوصال دولة السالجقة ففي عام ( ‪536‬هـ‪1141 /‬م ) انهزم السلطان سنجر‪ ،‬آخر السالطين السالجقة‬
‫العظام أمام القراخطائيين‪ ،‬كما تجددت الخالفات السلجوقية األسرية في كل مكان من خراسان والعراق في عام ( ‪541‬هـ‪/‬‬
‫‪1146‬م)‪.‬‬

‫ولما توفى السلطان مسعود في عام ( ‪547‬هـ‪1152 /‬م ) فقدت الدولة السلجوقية في العراق ركنًا ً‬
‫كبيرا‪ ،‬فأصابها الوهن‬
‫وأخذت بالتداعي وعمتها االضطرابات‪ ،‬مما أدى إلى تقلص النفوذ السلجوقي في العرق شيئًا فشيئًا حتى زال في النهاية‪.‬‬

‫تدهورا بعد وفاة محمد الثاني في عام ( ‪554‬هـ‪1159 /‬م)[‪.]35‬‬


‫ً‬ ‫ازدادت أوضاع دولة سالجقة العراق‬

‫زالت دولة السالجقة العظام في عام ( ‪552‬هـ‪1157 /‬م) بمقتل السلطان سنجر على أيدي الغز في حين زالت دولة سالجقة‬
‫العراق في عام ( ‪590‬هـ‪1194/‬م ) بمقتل السلطان طغرل الثالث على يد عالء الدين تكش خوارزمشاه[‪.]36‬‬

‫وعند الحديث عن تلك الفترة التي شهدت تدهور أوضاع السالجقة البد أن نشير إال أن السالجقة انقسموا إلى عدة فروع‬
‫رئيسية وهي‪:‬‬

‫‪ -1‬السالجقة العظام‪:‬‬
‫ويطلق على طغرلبك‪ ،‬وألب أرسالن‪ ،‬وملكشاه‪ ،‬وهم الجديرين بهذا اللقب وهناك ثالثة آخرون يضعهم البعض في هذا‬
‫التصنيف وهم ركن الدين أبو المظفر بركياروق‪ ،‬وغياث الدين أبو شجاع محمد‪ ،‬ومعز الدين سنجر أحمد إال أن هؤالء الثالثة‬
‫كثيرا من الحروب ضد أبناء بيتهم وعانت الدولة في عهدهم من عوامل الفرقة والتمزق[‪.]37‬‬
‫خاضوا ً‬

‫‪ -2‬سالجقة العراق‪:‬‬
‫ويطلق على أمراء السالجقة الذين سيطروا على العراق والري وهمذان وكردستان وأستمر نفوذهم من سنة ‪511‬هـ ‪1117 /‬م‬
‫إلى سنة ‪590‬هـ ‪1194/‬م حيث تمكن الخوارزميون من القضاء عليهم‪.‬‬

‫‪ -3‬سالجقة كرمان‪:‬‬
‫وقد بدأ نفوذهم في الجنوب الشرقي لفارس وفي بعض مناطق الوسط سنة ‪433‬هـ ‪1042/‬م واستمر حتى سنة ‪583‬هـ‪1187 /‬م‬
‫حين قضى التركمان على سلطانهم هناك‪.‬‬

‫‪ -4‬سالجقة الشام‪:‬‬
‫وكان نفوذهم في المناطق التي استولى عليها السالجقة من الفاطميين أو الروم في الجزيرة والشام وانتهى نفوذهم سنة ‪511‬هـ‪/‬‬
‫‪1117‬م على أيدي أتابكة الشام والجزيرة‪.‬‬
‫‪ -5‬سالجقة الروم‪:‬‬
‫كان نفوذهم في األراضي التي استطاع السالجقة االستيالء عليها من الروم في آسيا الصغرى وأستمر نفوذهم حتى سنة‬
‫‪700‬هـ‪1301 /‬م حين استطاع األتراك العثمانيون القضاء عليهم[‪.]38‬‬

‫السالجقة والحروب الصليبية‬


‫كان من الطبيعي أن يقوم السالجقة بالتصدي للحروب الصليبية وحماية العالم اإلسالمي من أخطارها‪ ،‬ولكن ذلك لم يحدث‬
‫بسبب تمزق دولتهم بعد ملكشاه‪ ،‬واشتعال الصراع فيما بينهم للسيطرة على الشام مما أدى إلى إتاحة الفرصة لنجاح الحملة‬
‫الصليبية األولى[‪.]39‬‬

‫فقد أكتسح الصليبيون قوات سالجقة الروم في آسيا الصغرى فاتجهوا إلى نيقية لالستيالء عليها‪ ،‬وكان قلج أرسالن متغيبًا عن‬
‫المدينة‪ ،‬وفرض الصليبيون الحصار على المدينة واضطرت الحامية إلى االستسالم بعد أن عقدت صل ًحا سريًا مع البيزنطيين‬
‫المشتركين مع الصليبيين في الحصار على أن تسليم المدينة مقابل أال يتعرض أحد للسلب والنهب وذلك في ‪491‬هـ‪1097 /‬م‪.‬‬

‫أثارا بالغة ألن تلك الهزيمة‬


‫بعد ذلك استطاع الصليبيين االنتصار على السالجقة في موقعة دوريليوم تلك الموقعة التي كان لها ً‬
‫جعلت السالجقة يخسرون بعض ما كسبوه خالل أكثر من عشرين عا ًما‪ ،‬ورغم هذه الهزيمة إال أن السالجقة اكتسبوا احترام‬
‫الصليبيين بما تحلوا به من شجاعة‪ ،‬وبما اتبعوه من أساليب علمية في فنون الحرب[‪.]40‬‬

‫بعد ذلك تقدم الصليبين إلى أنطاكية وحاصروها حتى استسلمت وفر أميرها السلجوقي باغي سيان‪ ،‬ثم ساروا إلى معرة النعمان‬
‫–ينتسب إليها الشاعر أبو العالء المعري– فحاصروها حتى استسلم أهلها فقتلوا منهم الكثير‪ ،‬ثم حدثت مذبحة بيت المقدس‬
‫التي راح ضحيتها سبعين ألفًا من سكان المدينة‪.‬‬

‫وقد وقف السالجقة عاجزين أمام طوفان الصليبيين‪ ،‬فقد كانت أوضاع دولتهم تنتقل من سيء إلى أسوأ‪ ،‬وكانت الخالفة‬
‫العباسية جس ًما بال روح‪ ،‬ولم يكن وضع الفاطميين في مصر بأفضل حاالً‪.‬‬

‫وظل األمر كذلك حتى ولى السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه‪ ،‬عماد الدين زنكي إمارة الموصل والبالد التابعة لها‪ ،‬فكان‬
‫ذلك فاتحة خير للمسلمين‪ ،‬حيث استطاع عماد الدين مد نفوذه إلى الجزيرة والشام‪ ،‬وكان أعظم إنجاز حققه هو استرداد مدينة‬
‫الرها من أيدي الصليبيين ‪539‬هـ‪1114 /‬م[‪.]41‬‬

‫مواقف مهمة‬
‫‪ -‬الباطنية والسالجقة‪:‬‬
‫سا لفهم أمور الدين وتلجأ إلى تأويل النصوص‪ ،‬وتضم هذه الفرقة القرامطة والخرمية‬ ‫ً‬ ‫أسا‬ ‫الباطل‬ ‫جعلت‬ ‫الباطنية هي فرقة‬
‫واإلسماعلية والحشاشين‪ ،‬واشتهرت هذه الفرقة بالعديد من محاوالت االغتياالت على مر التاريخ‪.‬‬

‫وقد ظهرت حركة الباطنية في العصر السلجوقي بصورة أقلقت سالطين السالجقة‪ ،‬فقد استطاع زعيمهم الحسن بن الصباح‬
‫االستيالء على قالع حصينة في فارس‪ ،‬أشهرها قلعة (أَلَموت) بنواحي قزوين التي ظلت معقل الحركة الباطنية لما يقرب‬
‫قرنين من الزمان‪.‬‬

‫وقد حاول نظام الملك أن يضع حدًا لنفوذ الباطنية وأمر بمطاردتهم في كل مكان‪ ،‬وأرسل جي ً‬
‫شا لالستيالء على ألموت ولكنه‬
‫قتل في رمضان سنة ‪485‬هـ‪ /‬أكتوبر ‪1092‬م ورجح المؤرخون قيام الباطنية بقتله[‪.]42‬‬
‫وقد قام السالجقة بمحاوالت متتالية لتصفية قواعد الباطنية ومحاصرة نشاطهم و نجحت بعض تلك المحاوالت وواجه بعضها‬
‫الفشل‪.‬‬

‫وكان السلطان ملكشاه أول سالطين السالجقة الذين حاولوا مواجهة خطر الباطنية فأرسل إليهم جي ً‬
‫شا بقيادة أرسالن طاسن‬
‫ولكنه هزم هزيمة منكرة‪.‬‬

‫وتعتبر الجهود التي قام بها السلطان غياث الدين محمد بن ملكشاه ضد الباطنية أخطر ما واجهته هذه الحركة في عهد‬
‫السالجقة‪ ،‬ففي سنة ‪500‬هـ‪1107 /‬م توجه السلطان محمود بنفسه إلى أصبهان لحرب الباطنية الذين كانوا يعتصمون بقلعة‬
‫(شاهدز) المنيعة بزعامة أحمد بن عبد الملك بن عطاش وقد نجح السلطان محمد في االستيالء على هذه القلعة وقتل زعيمها‬
‫وكثيرا من الباطنية في ذي القعدة ‪500‬هـ‪ /‬يونيو ‪1107‬م‪.‬‬
‫ً‬ ‫ابن عطاش‬

‫وفي عهد السلطان معز الدين سنجر (‪ )1117-1157 /511-552‬قتل الباطنية وزيره معين الملك أبا نصر أحمد بن الفضل‬
‫سنة (‪521‬هـ‪1127/‬م) وأدرك السلطان مدى خطورتهم‪ ،‬فاتبع معم سياسة المهادنة[‪.]43‬‬

‫ورغم وفاة زعيم الباطنية الحسن بن الصباح سنة ‪518‬هـ‪1124 /‬م فإن السالجقة لم يستطيعوا استرداد قلعة ألموت منهم‪،‬‬
‫فظلت تحت سيطرتهم حتى استولى عليها المغول سنة ‪654‬هـ‪1256/‬م‪ ،‬ولم ينحصر نشاط اإلسماعيلية الباطنية في عهد‬
‫السالجقة في بالد فارس بل امتد إلى الشام وكانت له أثاره المدمرة‪ ،‬وأتسع نشاطهم في حلب في عهد أميرها السلجوقي‬
‫رضوان بن تتش بن ألب أرسالن (‪1095-1131/488-507‬م) وحينما تصدى لهم أمير دمشق تاج الملوك بوري بن طغتكين‬
‫متأثرا‬
‫ً‬ ‫سنة (‪523‬هـ‪1129/‬م) وقتل منهم آالفًا تربصوا به وهاجموه سنة (‪525‬هـ‪1131 /‬م) وجرحوه جراحات خطيرة توفي‬
‫بها في العام التالي‪.‬‬

‫وقد أثرت المتاعب التي أثارها الباطنية في وجه السالجقة في قدرتهم على القيام بدور أكثر إيجابية في التعامل مع‬
‫الصليبيين[‪.]44‬‬

‫أشهر علماء الدولة السلجوقية‬


‫‪ -‬أبو إسحاق الشيرازي‪:‬‬
‫وهو من أشهر علماء المدارس النظامية وكان إما ًما في الفقه واألصول والحديث وفنون كثيرة ومن شعره‪:‬‬

‫أحب الكأس من غير المدام *** وألهو بالحساب بال حرام‬

‫وما حبي لفاحشة ولكن *** رأيت الحب أخالق الكرام‬

‫وقال‪:‬‬

‫سألت الناس عن خل وفي *** فقالوا‪ :‬ما إلى هذا سبيل‬


‫تمسك إن ظفرت بود حر *** فإن الحر في الدنيا قليل‬

‫وقال‪:‬‬

‫ولو أني جعلت أمير جيش *** لما قاتلت إال بالسؤال‬

‫ألن الناس ينهزمون منه *** وقد ثبتوا ألطراف العوالي‬

‫وقد امتدحه الشعراء في حياته‪ ،‬ومنهم عاصم بن الحسن حيث قال فيه‪:‬‬

‫تراه من الذكاء نحيف جسم *** عليه من توقده دليل‬

‫إذا كان الفتى ضخم المعاني *** فليس يضيره الجسم النحيل[‪]45‬‬

‫‪ -‬اإلمام الغزالي‪:‬‬
‫من أشهر علماء المدارس النظامية وكان له العديد من المؤلفات منها على سبيل المثال ال الحصر‪:‬‬

‫‪ -‬المنخول في أصول الفقه‬

‫‪ -‬الوجيز‬

‫‪ -‬مآخذ الخالف‬

‫‪ -‬ميزان العقل‬

‫‪ -‬تهافت الفالسفة‬

‫‪ -‬إحياء علوم الدين‬

‫‪ -‬المنقذ من الضالل‬

‫‪ -‬المستصفى في علم األصول[‪]46‬‬

‫‪ -‬عبد الملك الجويني‪:‬‬


‫يعتبر أيضًا من أشهر علماء العصر السلجوقي وكان له الكثير من المؤلفات منها‪:‬‬

‫ما هو في العقيدة‪:‬‬

‫‪ -‬لمع األدلة في قواعد أهل السنة‬


‫‪ -‬الشامل في أصول الدين‬

‫‪ -‬شفاء الغليل في بيان ما وقع في التوراة واإلنجيل من التبديل‬

‫‪ -‬رسالة في أصول الدين‬

‫‪ -‬كتاب النفس‬

‫‪ -‬مدارك العقول‬

‫وكان له مؤلفات في الفقه مثل‪:‬‬

‫‪ -‬نهاية المطلب في دولة المذهب‬

‫‪ -‬مختصر النهاية‬

‫‪ -‬البرهان في أصول الفقه‬

‫‪ -‬التلخيص في أًول الفقه[‪]47‬‬

‫أسباب سقوط دولة السالجقة؟‬


‫لقد تضافرت عدة عوامل كانت سببًا في سقوط السلطنة السلجوقية منها‪:‬‬

‫‪ -‬الصراع داخل البيت السلجوقي بين األخوة واألعمام واألبناء واألحفاد‪.‬‬

‫‪ -‬تدخل النساء في شئون الحكم‬

‫‪ -‬إذكاء نار الفتنة بين الحكام السالجقة من قبل بعض األمراء والوزراء واألتابك‪.‬‬

‫‪ -‬ضعف الخلفاء العباسيين أمام القوة العسكرية السلجوقية‪ ،‬فلم يتورعوا عن االعتراف بشرعية كل من يجلس على عرش‬
‫السلطنة السلجوقية والخطبة لكل منتصر قوي‪.‬‬

‫‪ -‬عجز الدولة السلجوقية عن توحيد بالد الشام ومصر والعراق تحت راية الخالفة العباسية‪.‬‬

‫‪ -‬االنقسام الداخلي بين السالجقة والذي وصل إلى الصدام العسكري مما أنهك قوة السالجقة حتى انهارت سلطتهم في العراق‪.‬‬

‫‪ -‬المكر الباطني الخبيث بالدولة السلجوقية‪ ،‬وتمثل في حمالت التصفية المستمرة الغتيال سالطين السالجقة وزعمائهم‬
‫وقادتهم‪.‬‬
‫‪ -‬الغزو الصليبي القادم من وراء البحار وصراع الدولة السلجوقية مع هذه الجحافل القادمة من أوربا[‪.]48‬‬

You might also like