Professional Documents
Culture Documents
وجوه الإعجاز عند الباقلاني
وجوه الإعجاز عند الباقلاني
مم��ا ُيع ِّلم العقل كالذي يفوته م��ا في الكتاب مما ول��و كنت أتوقع أن تكون مقالتي عن الباقالني
يع ّل��م العلم؛ ألنن��ا ال نتعلم علم العلماء ْ
مغ ُس��ولاً ُت ْغني الق��ارئ عن مراجعة الباقالني ما كتبت حرفًا
م��ن عقولهم ،س��واء كانت هذه العق��ول هي التي واح��دا؛ ألن صرف الجيل عن عل��م هؤالء األعالم ً
أنتج��ت ه��ذا العل��م ،إذا كان م��ا ف��ي الكتاب من واكتف��اءه بما نكتبه عنهم خطيئ��ة في حق الجيل
نت��اج عقولهم ،مثل الكتب التي ُكتبت في القرون أك��ره أن ألق��ى اهلل وهي في عنق��ي ،وإنما أحب أن
الثالث��ة المفضل��ة ،كت��راث األئمة األربع��ة وأئمة أغريت أبناء ه��ذه األمة بقراءة كتب
ُ ألق��ى اهلل وقد
النح��و ،أو كان الذي في كتبه��م من علم غيرهم، أكاب��ر علمائه��ا ،الذي��ن ه��م أكابر وكب��ار بحق،
وحر ُرو ُه وناقشوه.
وإنما َع َر ُضوه َّ جي��دا؛ ألن��ي أعرف ما
ً والس��بب في ذل��ك أعرفه
أق��ول :ال نتع ّل��م عل��م العلم��اء مغس��ولاً م��ن الذي في كتبهم وما ال��ذي أكتبه عنهم ،وأن الذي
عب��ق َبعب��ق هذه
عقوله��م ،وإنم��ا نتعلم��ه وه��و َي ُ ُيكتب عن هؤالء الكرام الكبار إنما هو اختصارات
ح��ي ُي ْلقي مختزل��ة لما ف��ي كتبهم؛ ألن كتب هؤالء ليس��ت
العق��ول ،ويطيب بطيبه��ا ،وكل َعقل ّ
رداءه عل��ى العلم الذي يتكلم فيه ،وكاتب المقالة مقصورة على المعلومات التي ُنقَدّ مها ،وإنما فيها
ال يمكن��ه مهما بلغ أن َي ْنقُل لك عتيق علم العالم، وتكون.
ّ جوانب أخرى كثيرة ،كلها تفيد
وال أن ُيلقي بين يديك رداءه الذي ألقاه على علمه؛ فكت��اب الباقالني الذي أكتب عنه فيه آراؤه في
ألن ه��ذا مرتبط بأنف��اس الكاتب التي ال مكان لها اإلعجاز .وهذا هو علمه في هذا الباب الذي ُنع ّلم ُه
إال لغت��ه ،ول��ن يتكون عق��ل الجي��ل بالمعلومات للجيل ،ثم إنه كما يع ّلم العلم ُيع ّلم العقل بطريقة
فحس��ــب ،وإنم��ا ال ب��د أن يت��ذوق معه��ا طرائق تفكي��ره ،وطريق��ة اس��تخراجه ،وطريق��ة تأ ّمله،
التفكير ،وطرائق النظر ،وطرائق االستنباط. وطريق��ة تحليل��ه ،وال��ذي يفوت��ه ما ف��ي الكتاب
(*) عضو هيئة كبار العلماء ،وأستاذ البالغة بكلية اللغة العربية بجامعة األزهر -القاهرة ،ويلقب بشيخ البالغيين.
magazine.azhar.eg
1559
دراسات قرآنية
فحول��ة فك��ره ،وجزالة لغت��ه ،وقوة بيان��ه ،وقوة وكان ش��يوخنا -رحمه��م اهلل -يوصونن��ا
البي��ان غير المصطنع��ة هي قوة ف��ي العقل ،وقوة بمتابع��ة فكر المؤل��ف ،ومصاحبت��ه ،وأنت تقرأ
في الفك��ر ،وقوة ف��ي تعامل العقل م��ع المعرفة، كتابه ،حتى كأنك أحييت ُه وجا َلس��ت ُه واس��تمعت
ول��م ُتجمع ألمة على الق��ول بأنه العالم الذي َبعث ُه هم��ك فقط أن تلتقط المعلومات، إليه ،وال يكن ّ
اهلل عل��ى رأس المئة الرابع��ة ُليجدد لألمة دينها إال وإن كان ه��ذا م��ن األهمي��ة بم��كان ،وإنما يجب
لشدة تميزه ،وظهور تفوقه ،وكان من الواجب أن هم��ك مصاحبة ه��ذا العقل؛ ألن أيض��ا أن يك��ون ُّ
ً
تقوم دراسة علمية دقيقة حول فكر هؤالء األعالم تحصي��ل العل��م يمأل ذاكرت��ك بالمعرف��ة ،وهذا
الذين ج��دَّ ُدوا لألمة دينها على رأس كل مئة س��نة جي��د ،ومتابعة العقل تروض عقل��ك على الطريق
رب من كنه هذه العقليات ،وكنه هذا التميز، لتقْ َت َ ال��ذي س��لكه المؤلف ،وتضع قدم��ك على مدب
وإنما شُ ��غلنا بما شُ ��غلنا به وبالذي لم ينتج لنا إال أقدامه ،و َمن َف َعل ذلك وأحس��ن وأتقن أوش��ك أن
التخلف المزري الذي نحن فيه. يكون من العلماء ،وبالدن��ا في حاجة إلى العلماء
بع��ة والضجيج ،وأنا لم الب ْع َ
أكث��ر من حاجتها إلى َ
وكان��ت للباقالن��ي ِح َك��م نبيلة تتس��اقط في
أتكل��م ع��ن لغة العلم م��ع أن علماءنا قال��وا لنا إن
وخصوصا
ً كالم��ه ،وهي باقي��ة فين��ا ومتوهج��ة،
تع ّل��م لغة العلم جزء من تع ّلم العلم ،وإنه ال يكفي
ما ي��دور منها حول طريقة الق��راءة؛ ألن أفضل ما
أن ْتع َل��م المس��ألة ،وإنم��ا ال ب��د أن تك��ون ً
قادرا
يقول��ه الس��ابق لمن بع��ده هو كيف يق��رأ القراءة على الحديث عنه��ا ونقلها من عقلك وقلبك إلى
الت��ي تثري م��ا يقرؤه وتث��ري عقله وتث��ري عقل عق��ول اآلخرين وقلوبه��م؛ ألن العل��م ال يقبل أن
َم��ن يع ِّلمه��م م��ن أجيال األم��ة ،وم��ن كلماته في مخ ُزو ًنا في العقول والصدور ،ومن طبيعته يك��ون ْ
ذلك قول��ه« :وجه الوقوف على ش��رف الكالم أن وذات��ه وكنه��ه أن ينتقل من عقل وقل��ب إلى عقل
تتأمل» ،وقوله ف��ي بيان حالة التأمل ،وأنها تكون وقل��ب؛ ألنه ن��ور ،والنور ال ُي ْحب��س ،وإنما ال بد
بسكون طائر وخفض جناح ،وهذه الكلمات التي أن يض��يء النفس بعد النفس ،حتى تس��تضيء به
إذا غاب��ت غ��اب بغيابها الش��يء الكثير هي بنت حياة الجماعة ،وتشرق األرض بنوره ،فال ترى في
وبنت محاوالت��ه ،وإذا وفق اهلل
ُ تج��ارب الباقالني حياة الناس خفافيش الظالم ،وخفافيش الفس��اد،
وأعان سنب ّين ذلك إن شاء اهلل. وخفافي��ش القه��ر ،والظل��م والقت��ل ،وخفافيش
صنف الباقالني وجوه اإلعجاز تصنيفًا مختلفًا الخيانة وال َغ ْدر .العلم هو الطهور لحياة الناس من
يس��يرا ع��ن الذين كانوا معه ف��ي زمانه،
ً اختالفً��ا ذل��ك كله ،والكتاب الذي أنزله اهلل ليخرج الناس
والذين س��بقوه ،وذلك أنهم ذكروا وجوه اإلعجاز م��ن الظلمات إلى النور أول كلمة نزلت منه كلمة
في اإلخب��ار عن المس��تقبل ،والصرفة ،والبالغة، «اقرأ» لإلش��ارة إلى أن مخارج الناس من الظلمات
وجها من وجوهوأس��قط هو الصرفة ولم يجعله��ا ً التي هي القهر والفقر والجهل والتخلف ال طريق
اإلعج��از ،وإن كان ع��رض له��ا ف��ي س��ياق آخ��ر لها إال العلم المشار إليه بكلمة «اقرأ».
ونقضها ،ثم ُعني بما في الكتاب العزيز من أخبار جداَ ،د َفعني إلى كتابته
جدا من كثير ً
هذا قليل ً
األم��م الماضية ،والذين يقرءون الكتاب يرون أنه ��ل مختصر في كتاب الباقالني ،ولم أتكلم عن تأ ّم ُ
1560
شعبان 1438هـ -مايو 2017م
وجوه اإلعجاز عند الباقالني
فحس��ب؛ ألن تحصيل العلم م��ع أهميته القصوى ص الحكايات األساس��ية في تاريخ اإلنسان على َق ّ
يتض��اءل أم��ام رؤية عق��ول ُت ِص ّر عل��ى أن تضيف ه��ذا الكوكب من ي��وم أن خل��ق اهلل آدم إلى مبعث
وتأب��ى وتأن��ف أن تك��ون كأس��راب الطي��ر يتب��ع رس��ول اهلل ﷺ ،وذك��ر الق��رآن الكري��م تفاصيل
بعضا.
بعضها ً دقيق��ة في ه��ذا التاريخ الطويل مم��ا كان ال يمكن
أم��ا إخب��ار الق��رآن عن وقائع س��تقع ،ث��م تقع تحصيل��ه إال م��ن الذي يعي��ش في ه��ذه األحداث
كم��ا وصف ُفيش��ي ُِر الباقالني إل��ى أن هذا جاء في ويكون مع أصحابها كما أشار قوله تعالى:
آي��ات كثيرة ،وكانت اآلية األكثر جريا ًنا في كتب ﴿ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ
العلم��اء ه��ي آي��ة ال��روم ﴿ :ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﯦ ﯧ﴾ (آل عمران.)44 :
ﮱﯓﯔﯕﯖ ﯗﯘ ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ
ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﭙ﴾ (القصص)44 :
ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ
إل��ى آخر م��ا في الكت��اب من هذا الب��اب الذي
ﯪ﴾(الروم.)5 - 2 :
س��نعرض له إن ش��اء اهلل في موضعه ،ثم ذكر وجه
دلت اآلية على أن هؤالء المغلوبين المكسورين اإلعج��از البالغي وطال كالمه في��ه كما طال كالم
ويتفوق��ون ويغلبون ،ث��م أضافت إلى
ّ س��ينهضون كل َم��ن س��بقوه في هذا الوجه ،وم��ن إكرام اهلل لنا
ثانيا هو أن ذلك سيكون في بضع خبرا ًهذا الخبر ً به��م وبعلمهم أن كل واحد ل��ه طريق في الحديث
س��نين ،وأن الروم ستجبر كس��رها وتصلح شأنها التنوع فيه فائدة
عن هذه البالغة المعجزة ،وه��ذا ّ
وتواجه عدوها وتنتصر عليه ،وأن الهزيمة ليست ضعت بين يديك ما قاله الخطابي جليلة لنا ،وإذا َو ْ
نهاية المطاف وليس��ت في حاجة إلى زمن طويل، ف��ي الوجه البالغ��ي المعجز ف��ي الكت��اب العزيز
وإنما هي في حاجة إلى عزيمة وإرادة وإصرار ،وأن وم��ا قال��ه الرمان��ي ،وم��ا قال��ه الباقالني وم��ا قاله
الشعوب الحية تسارع في تضميد جراحها وإعداد واحدا ه��و البالغة
ً موضوعا
ً عب��د القاهر فس��تجد
نفس��ها بقيادات ح ّية زكية مخلصة تجعل ش��عبها ش��ديدا في ه��ذه البالغة ً تنوعا
المعج��زة ،وتج��د ً
ي��دا واح��دة ال تض��رب ْبع َض��ه ببعض كم��ا يفعل
ً فه��ي عن��د الخطابي بالغ��ة خاصة بالق��رآن ،وهي
األغبياء ،وبهذا تعود الكرامة ويعود النصر ،وهذا عن��د الرماني فنون البالغة ،من تش��بيه واس��تعارة
متضمن في قوله س��بحانه﴿ :ﯚ ﯛ ّ وأكث��ر منه وإيج��از ،وه��ي عن��د الباقالني مختلف��ة اختالفًا ال
خبرا ثال ًثا وهو انتصار
ﯜ﴾ ثم أضافت اآلية ً تصف��ه عبارة مختصرة كهذه العب��ارة التي َو َصفْ ُت
المس��لمين على قريش الوثنية يومئذ ،قلت :اهتم بها بالغة الخطابي والرماني ،وإنما س��تحتاج إلى
العلم��اء به��ذا اإلخبار عن الغيب لش��دة وضوحه، أكث��ر من مقالة ألبين عنها ،وكذلك الكش��ف عن
ولف��ت الباقالن��ي إل��ى آي��ات آخ��رى ،منه��ا قوله وجه البالغة المعجزة عن��د عبد القاهر ،ولن تجد
تعال��ى﴿ :ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ف��ي العلم بين يدي��ك أفضل من ه��ذه العقول التي
ﭦﭧﭨﭩﭪ ﭫﭬﭭ تتوارد على شيء واحد ثم تراه و ُتح ّل ُله و َت ْدرسه من
ﭮ﴾(التوبة.)33 : جهات ش��تى ،فكل هذا النظ��ر ليس تحصيل علم
magazine.azhar.eg
1561
دراسات قرآنية
اعتق��اد قل��ب ال يجوز اإلك��راه في��ه؛ ألن القلوب واآلي��ة صريح��ة وقاطع��ة ف��ي غَ لبة ه��ذا الدين
ك��ره بح��دِّ الس��يف ،وإنما هو اله��دى والحق
ال ُت َ وظه��وره عل��ى كل َم��ن يعارض��ه ،وأن الش��عوب
اللذان هما جوهر الفطرة ،التي هي جوهر إنسانية القائمة علي��ه والداعين إلي��ه بالحكمة والموعظة
اإلنسان. الحسنة سيغلبون ال محالة ،وفي اآلية إشارة جليلة
ج��دا ال تخف��ى على مث��ل الباقالني ،وه��ي أن هذا ً
وذكر الباقالني أن أصحاب رسول اهلل ﷺ كانوا
الهدى
الدين يظه��ر وينتصر بالذي ُبعث ب��ه وهو َ
ُيش�� ّيعون الخارجين للجهاد بهذه اآليات المبشرة
ودي��ن الح��ق ،وأنه لن ينتصر ولن يظهر بالس��يف
بالنص��ر ،وإنما كانوا يخرجون إلزالة العوائق التي
والرع��ب والتخريب والتدمي��ر ،وراجع والقت��لّ ،
تحول بين الناس وبين االختيار ،فإذا كس��روا هذه
اآلي��ة ،راج��ع قول��ه جل ش��أنه ﴿ﭥ ﭦ
العوائق تركوا الناس وما يختارون ،من شاء فليؤمن
ﭧ ﭨ﴾ ،تعل��م أن إظهاره ه��و بما جاء به
وس ِّميت فتوحات؛ ألنها فتحت ومن شاء فليكفرُ ، من الهداي��ة الجامعة لكل خير في الدنيا واآلخرة،
للن��اس األب��واب المغلقة التي كان��ت َت ُصدُّ هم عن
والحق الذي هو أصل خالفة اهلل في األرض ،والذي
الهدى ودين الحق ،وهذا الوعد بظهور الدين على
خل��ق له الناس ،يعني أن ال��ذي َي ْظ َه ُر به هذا الدين
الدين كله قائم إلى يوم القيامة ،ومثله قوله تعالى:
هو الفطرة التي فطر اهلل الناس عليها ،وأنه انتصار
﴿ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ إل ْنسان ّية اإلنسان.
ﭺ﴾ (آل عم��ران .)12 :والقائل��ون للذين وأن��ه ال ش��أن ل��ه بالقت��ل والخ��راب والرع��ب
كف��روا هم الذي��ن نص��روا اهلل فنصره��م؛ ألن اهلل والتدمي��ر ،كل ه��ذا مخالف مخالف��ة قاطعة للذي
ُ
فش��رط نصر اهلل س��بحانه وع��د بنصر َمن ينصره، أرسل اهلل رس��وله به؛ ألنه س��بحانه أرسله بالهدى
ألهل الحق أن ينصروا اهلل ،ومعنى ُن ْصرة اهلل ُن ْصرة ال��ذي هو عكس الضالل ،وبالحق الذي هو عكس
الح��ق ،ونصرة الحق غرس��ه ف��ي األرض ،والدفاع الباط��ل ،وه��ذا جم��اع الدي��ن وجم��اع الفط��رة،
عن��ه ،ومواجه��ة الظل��م والغطرس��ة والبط��ش، وجم��اع إنس��انية اإلنس��ان ،وهذا ه��و المنتصر،
والتسلط ،وإحقاق الحق في كل موقع ،ثم االلتزام وه��ذا ه��و الذي يظه��ر اهلل دينه ب��ه ،والحظ فاعل
الكام��ل بما أم��ر اهلل به من اإلتقان في كل ش��يء، ﴿ﭨ﴾؛ ألن الضمير يعود على الذي أرس��ل
واإلحس��ان ف��ي كل ش��يء واألمانة في كل ش��يء، رس��وله جل وتقدّ س ،ولن تُظهِ ُروه أنتم ،ال بلسان
واالجتهاد في كل شيء ،االجتهاد في خالفة اهلل في وال بسنان ،وإنما يظهره اهلل ألنه الفطرة التي فطر
األرض بإعمارها بالعدل والعلم ،والخير والتقدم، اهلل الناس عليها ،ولم يحمل واحد من المس��لمين
ورفاهي��ة اإلنس��ان ،وم��ن العجي��ب أنك تس��مع الس��يف ليدخ��ل الن��اس ف��ي دي��ن اهلل؛ ألن اهلل ال
المالئك��ة وه��م يراجع��ون ربهم َّلما ق��ال لهم إني الم ْك َره ،وقوله تعالى﴿ :ﯿ ﰀ ﰁ يقبل إس�لام ُ
جاعل في األرض خليفة ،وهم يقولون له سبحانه: ﰂ﴾ ،جمل��ة موجه��ة إلينا؛ يعن��ي :ال تكرهوا
﴿ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ أح��دا على الدخول فيه ،وتأم��ل الجملة لترى أنهاً
(البقرة.)30 : تق��ول الدي��ن اعتقاد قل��ب ،وم��ا كان مرجعه إلى
1562
شعبان 1438هـ -مايو 2017م
وجوه اإلعجاز عند الباقالني
وإنما فقط بالحوار واإلقناعُ ،يع ّلمنا ربنا ،بخطاب ثم يجيبهم جل شأنه بقوله﴿ :ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ
مالئكته كيف نحيا متفاهمين متشاورين ،وكيف ﭮ﴾(البقرة.)30 :
يس��مع كبيرنا من صغيرن��ا ،وكيف يكون اإلقناع
ولم يكفهم عن الحوار وال عن الس��ؤال ،وإنما
هو س��بيل الحوار ،والحظ أن المالئكة ال يعصون
أيضا أن
أقنعه��م بأنه يعلم ما ال يعلمون ،وعجيب ً
اهلل م��ا أمرهم ويفعل��ون ما يؤم��رون وأنهم ال علم
يفاتحه��م ربنا جل وتق��دّ س في ال��ذي يريده وهو
له��م إال ما علمهم اهلل س��بحانه ،وأنه��م لما قالوا
لربن��ا ﴿ :ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ﴾ ،وأن��زل جعل��ه في األرض خليف��ة ،واألرض أرض��ه والخلق
ثمة
اهلل س��بحانه ه��ذا إلينا ف��ي كتابه كان في��ه أن ّ خلقه وله األمر كله ،وكان يمكن أن يخلق آدم من
عدوي��ن لعمارة الحياة واألرض والش��عوب ،وهما غير هذه المفاتحة ،ولكنه سبحانه لما أراد وجود
وسفك الدماء ،وأنك حيث تراهما فال بد اإل ْفساد َ ه��ذا الجنس البش��ري ب��دأ أمره بالح��وار والكالم
أن تتأك��د أنه ال عم��ار وال خالف��ة ،وال تقدم ،هذا لإلشارة إلى أن خالفة اإلنسان في األرض لن تكون
واهلل أعلم. البتة باالس��تبداد وتكميم األفواه والقمع والقهر،
❀❀❀
magazine.azhar.eg
1563