You are on page 1of 8

‫‪1‬‬

‫األزهـر الشــريف‬
‫هيئة كبار العلماء‬
‫األمانة العامة هليئة كبار العلماء‬
‫البيان األول للناس‬
‫عن بعض األحكام الشرعية املتعلقة بنازلة انتشار وباء كورونا‬
‫الةُوالسالمُعىلُرسولُاهللُوعىلُآلهُوصحبه‪ُ،‬ومنُوااله‪ُ،‬وبعد؛ُ‬
‫َّ‬ ‫هلل‪ُ،‬والص‬
‫َّ‬ ‫احلمدُُ‬
‫فانطـالقا مـن الواجـب الدِّ يني ا َّلذي ع َّلقـه اهلل تعـاىل يف رقاب أهـل العلـم بقــوله‬
‫‪-‬سبحانه!‪َ ...« -‬ل ُت َب ِّينُنَّ ُه لِلن ِ‬
‫َّاس َو ََل َت ْكت ُُمو َن ُه‪ »...‬ونظرا ملا َّ‬
‫حل بالبالد والعباد من هذا الوباء‬
‫اخلطري «فريوس كورونا‪ -‬كوفيد ‪ ،»19‬بحسب تقارير اجلهات املسئولة‪ ،‬وا َّلذي اضطربت‬
‫تبِّي‬ ‫فإن هيئة كبار العلامء ‪-‬انطالقا من مسؤوليتها َّ‬
‫الَّشع َّية‪ِّ -‬‬ ‫معه أفكار النَّاس وسلوك َّياهتم‪َّ ،‬‬
‫للنَّاس هذا البيان‪:‬‬

‫مقــدِّمــــة‪:‬‬
‫أحكامها حول حفظ مقاصدَ‬
‫ُ‬ ‫أن َّ‬
‫الَّشيعة اإلسالم َّية تدور‬ ‫املقرر لدى الفقهاء َّ‬
‫من َّ‬
‫َّفس‪،‬‬ ‫وتسمى َّ‬
‫بالَّضور َّيات اخلمس‪ ،‬وهي‪ :‬الن ُ‬ ‫َّ‬ ‫مخسة‪ ،‬هي َّأمهات ِّ‬
‫لكل األحكام الفرع َّية‪،‬‬
‫ين‪َ ،‬والن َّْس ُل‪َ ،‬وا ْمل ُال‪َ ،‬وا ْل َع ْق ُل‪.‬‬
‫والدِّ ُ‬
‫السليمة يتَّفقون عىل حفظها وصيانتها‪ .‬وممَّا‬ ‫السامو َّية‪ ،‬والعقول َّ‬ ‫وأصحاب َّ َّ‬
‫الَّشائع َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورد بشأن النَّفس قوله تعاىل‪َ ▬ :‬و ََل ُت ْل ُقوا بِ َأيْديك ُْم إِ َل الت َّْه ُلكَة♂ [البقرة‪ ،]195ُ :‬وقول الن ِّ‬
‫َّبي‬
‫ﷺ‪« :‬ال رضر وال رضار» [ابن ماجه والدارقطني وغريمها] وغري ذلك من نصوص‪.‬‬
‫فإن بعض ما يفعله بعض النَّاس نتيجة انتشار فريوس «كورونا»‬
‫وبناء عىل ما سبق َّ‬
‫بيان‬ ‫يتناقض مع النُّصوص َّ‬
‫الَّشع ِّية‪ ،‬ويتعارض مع القواعد الفقه َّية املق َّررة؛ ولذا وجب ُ‬
‫احلكم يف بعض املسائل ا َّلتي وقع فيها النَّاس‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪2‬‬

‫ً‬
‫أول‪ :‬حكم الشرع يف اجتماع الناس يف هذه الظروف من أجل الدعاء والستغفار‪:‬‬
‫ذكر اهلل تعاىل أمر حممود يف كل وقت وحال فرادى ومجاعات؛ حيث أمرنا ربنا باإلكثار‬
‫اهلل ِذك ًْرا كَث ِ ًيا‪َ ،‬و َس ِّب ُحو ُه ُبك َْر ًة َو َأ ِص ًيل♂‪.‬‬ ‫ِ‬
‫من ذكره‪ ،‬فقال تعاىل‪َ ▬ :‬يا َأ هُّيَا ا َّلذي َن آ َمنُوا ا ْذك ُُروا َ‬
‫[األحزاب‪ُ41ُ:‬ـ‪.]42‬‬
‫ولكن بخصوص فريوس كورونا وانتشاره فقد أفاد األطباء بأن هذا «الفريوس» ينتَّش‬
‫بسبب االختالط واالزدحام؛ لذا أصدرت احلكومات قراراهتا بمنع التجمعات والوقف‬
‫املؤقت لصالة اجلمعة واجلامعات‪ ،‬ملا قد يرتتب عىل ذلك من زيادة انتشار الوباء بسبب‬
‫املخالطة والتجمع يف املكان الواحد‪ ،‬وهو ما يؤ ِّدي إىل إيقاع َّ‬
‫الَّضر بالنفس وبالغري‪ ،‬وقد هنى‬
‫اهلل عن كل ذلك هنيا رصحيا يف قوله تعاىل‪َ ▬ :‬و ََل ُت ْل ُقوا بِ َأيْ ِديك ُْم إِ َل ال َّت ْه ُلك َِة♂ [البقرة‪،]195ُ:‬‬
‫إضافة إىل أنه مل َيرد أمر من الَّشع باجتامع الناس عند نزول الوباء هبم من أجل الدعاء أو‬
‫االستغفار‪ ،‬فقد ظهر الطاعون يف زمن اخلليفة عمر بن اخلطاب ومل يأمر الناس باالجتامع من‬
‫أجل الدعاء أو االستغفار أو الصالة؛ لرفع هذا الوباء اخلطري‪.‬‬
‫التجمعات من أجل الدُّ عاء واالستغفار رغم وجود‬
‫ُّ‬ ‫وكل َمن َيدعو الناس إىل مثل هذه‬
‫الناس رهبم يف بيوهتم‬
‫الَّضر املتحقق فإنه آثم ومعتد عىل رشيعة اهلل‪ ،‬واملطلوب رشعا ُدعاء ُ‬
‫متَّضعِّي متذللِّي سائلِّي اهلل تعاىل العافية ورفع هذا الوباء‪ ،‬وكشف البالء عنهم وعن‬
‫اجلميع‪.‬‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬حكم نشر الشائعات أو املعلومات دون الستيثاق منها وخصوصا يف زمن األوبئة‪:‬‬
‫نَّش اإلشاعات والرتويج هلا أمر مذموم يف الَّشيعة اإلسالمية؛ ألنه عمل غري أخالقي‪،‬‬
‫ملا يستبطنه من جريمة الكذب‪ ،‬ومن بلبلة الناس‪ ،‬وتشكيكهم يف رضورة متاسكهم‬
‫‪3‬‬

‫وااللتفاف حول والة األمور يف مواجهة هذا الوباء‪ ،‬وهو أساس القوة ألي جمتمع‪ .‬وقد ن َّبه‬
‫وم ْرىض القلوب‪ ،‬وتوعدهم‬ ‫القرآن الكريم خلطر هذه الفئة من الناس‪ ،‬و َق َرهنم باملنافقِّي َ‬
‫ون ِِف ا ْْل َِدين َِة َلنُ ْغ ِر َين ََّك‬ ‫ون َوا َّل ِذي َن ِِف ُق ُل ِ‬
‫وِبِ ْم َم َر ٌض َوا ْْل ُ ْر ِج ُف َ‬ ‫مجيعا باهلالك‪َ ▬ :‬لئِ ْن ََل ْ َينْت َِه ا ْْلُنَافِ ُق َ‬

‫يها إَِل َقلِيل♂ [األحزاب‪ُ :‬آية ُ‪ ،]60‬واملرجفون هم مروجوا الشائعات‬ ‫ِ‬ ‫ُي ِ‬
‫او ُرون ََك ف َ‬ ‫ِِبِ ْم ُث َّم َل ُ َ‬
‫بلغة العرص‪ ،‬لذا أمر الَّشع احلنيف بحفظ اللسان‪ ،‬والتأكد من الكالم وما يرتتب عليه من‬
‫مفاسد قبل نَّشه وتروجيه يف املجتمع‪.‬‬
‫وقد قال اهلل تعاىل‪▬ :‬يا َأُّيا ا َّل ِذين آمنُوا إِ ْن جاءكُم َف ِ‬
‫اس ٌق بِنَ َبإ َف َت َب َّينُوا َأ ْن ت ُِصي ُبوا َق ْو ًما‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ هَ‬
‫ي♂ [احلجرات‪ُ :‬آية‪ . ]6‬ففي هذه اآلية الكريمة أمر إهلي‬ ‫ُ‬
‫َاد ِم َ‬‫بِجها َلة َفتُصبِحوا َع ََل ما َفع ْلتُم ن ِ‬
‫َ َ ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ َ‬
‫التسع يف‬
‫ُّ‬ ‫رصيح بالتثبت من الكالم عند سامعه‪ ،‬والتحقق من صدق قائله؛ حتى ال ُيؤ ِّدي‬
‫ُ‬
‫احل ْكم بدون تبِّي إىل النَّدم بعد فوات األوان‪.‬‬

‫وقد عدَّ القرآن الكريم نقل الكالم بدون تثبت من شأن املنافقِّي؛ حيث يقول تعاىل‬
‫ول ْاْلَ ْم ِر‬ ‫ف َأ َذا ُعوا بِ ِه َو َل ْو ر هدو ُه إِ َل الرس ِ‬
‫ول َوإِ َل ُأ ِ‬ ‫اْلو ِ‬ ‫ِ‬
‫عنهم‪َ ▬ :‬وإِ َذا َجا َء ُه ْم َأ ْم ٌر م َن ْاْلَ ْم ِن َأ ِو ْ َ ْ‬
‫َّ ُ‬ ‫َ‬
‫ان إِ ََّل‬ ‫اّلل ِ َع َل ْيك ُْم َو َر ْ َ‬
‫ْح ُت ُه ََل َّت َب ْع ُت ُم َّ‬
‫الش ْي َط َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫من ُْه ْم َل َعل َم ُه ا َّلذي َن َي ْس َتنْبِ ُطو َن ُه من ُْه ْم َو َل ْو ََل َف ْض ُل َّ‬
‫َقلِ ًيل♂ [النساء‪ُ :‬آية ُ‪ . ]83‬ففي هذه اآلية الكريمة إنكار عىل من يبادر إىل نقل األخبار قبل‬
‫حتققها‪ ،‬فيخرب هبا ويفشيها وينَّشها‪.‬‬

‫ونخلص من هذه النصوص القرآنية الرصحية إىل أنه جيب رشعا عىل كل شخص يسمع‬
‫نَّشه وتروجيه َّإال بعد التأ ُّكد من رصحته‪ ،‬ر‬
‫وصدْ ق املصدَ ر الذي نقله‬ ‫كالما أن ال ُيبادر إىل ر‬
‫َّ‬
‫إليه‪ ،‬هذا إن كان اخلرب صادقا وال يرتتب عليه رضر باألفراد أو املجتمعات‪ ،‬أما إن كان اخلرب‬
‫‪4‬‬

‫كاذبا أو صادقا لكنه يرتتب عىل إشاعته رضر باألفراد أو املجتمعات فإنه ال جيوز تروجيه أو‬
‫احلديث به‪.‬‬
‫متر هبا البالد أن يرتك شأن اإلخبار بام يتعلق بأمر‬
‫والواجب يف مثل هذه الظروف التي ُّ‬
‫الوباء للجهات املختصة واملسؤولة‪ ،‬فهي املنوط هبا أمر إرشاد الناس وتوعيتهم يف مثل هذه‬
‫الظروف‪ ،‬وليس من حق املسلم وال غري املسلم أن ينَّش اخلوف أو الفزع بِّي الناس بحال‪.‬‬
‫***‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬حكم احتكار السلع واستغالل حاجة الناس وقت الوباء والكوارث‪:‬‬

‫االحتكار هو االمتناع عن بيع سلعة أومنفعة حتى يرتفع سعرها ارتفاعا غري ُمعتاد‪ ،‬مع‬
‫شدَّ ة حاجة الناس أو الدولة إليها‪.‬‬
‫واالحتكار حمرم رشعا؛ لقوله ﷺ‪َ« :‬ل حيتكر إَل خاطئ» رواه مسلم‪ ،‬وهو خمل‬
‫اهلل من ُه وأيام‬ ‫وبرئ‬ ‫بمقتضيات اإليامن باهلل‪« ،‬من احتكر طعاما أربعي ليل ًة فقد برئ من اهلل ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬ ‫جائع فقد برئت منهم ِذ َّم ُة اهلل ِ» ( )‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫امرئ‬ ‫ِ‬
‫أهل عرصة بات فيهم ٌ‬
‫وما يقدم عليه بعض الناس من احتكار املنتجات يف زمن األوبئة بغية حتقيق أرباح مالية‬
‫ومكاسب أخرى فهو من باب تشديد اخلناق ومضاعفة الكرب عىل الناس‪ ،‬وهو أشد ُحرمة‬
‫من االحتكار يف الظروف العادية‪ ،‬وإذن؛ فاحتكار األقوات واملستلزمات الطبية وكل ما متس‬
‫احلاجة إليه اآلن أشد حتريام من احتكارها يف أوقات الرخاء واألمن‪ ،‬إذ فضال عام فيه من أكل‬
‫ألموال الناس بالباطل‪ ،‬وإرهاق للعباد وإثارة للذعر والقلق بسبب نقص السلع وما يرتتب‬
‫عىل ذلك من اإلقبال الشديد املدفوع باخلوف من قبل الناس واملتزامن مع انتشار الوباء مما‬
‫يتيح مناخا مناسبا إلثارة الشائعات‪ ،‬ولذا فإن اإلسالم يعطي للدولة احلق يف التدخل ملواجهة‬

‫تالفُي سري‪.‬‬ ‫‪ُ، )57‬واحلاك مُ(‪ُ)2 1 65‬با‬


‫خ‬ ‫‪4‬‬ ‫‪ُ، )4 88‬وأب وُيعىلُ(‪6‬‬
‫ج هُأمحدُ( ‪0‬‬
‫(‪ُ)1‬أخر‬
‫‪5‬‬

‫السلوك االحتكاري املَّض باملجتمع وإجبار أصحابه عىل البيع بثمن املثل؛ ألن مصلحة‬
‫الناس ال تتم إال بذلك‪.‬‬
‫وتبقى ُمالحظة‪ ،‬وهي أن فزع املستهلكِّي وهلعهم قد يساعد عىل طلب ما ال حاجة‬
‫هلم إليه من السلع‪ ،‬رممَّا ُي َش ِّجع املحتكرين عىل رفع األسعار‪ ،‬والواجب دائام هو االعتدال‬
‫وجب‪ ،‬يقول عمر ريض‬ ‫وعدم اإلرساف يف استهالك السلع‪ ،‬وهو يف حال األزمات َأوىل َ‬
‫وأ َ‬
‫اهلل عنه عندما اشتكى الناس غالء ثمن اللحم‪ :‬أرخصوه‪ .‬قالوا كيف نرخصه‪ ،‬وهو ليس يف‬
‫أيدينا ؟ قال‪ :‬اتركوه هلم‪.‬‬
‫ً‬
‫رابعا‪ :‬احلكم الشرعي للحجر الصحي وخصوصا يف زمن الوباء‪:‬‬
‫جيب احلجر الصحي متى انتَّش الوباء ببلد أو عم البالد‪ ،‬واألمر يف ذلك مرجعه إىل‬
‫أهل االختصاص من األطباء‪ ،‬ومؤسسات الدولة املختصة‪ ،‬وجيب عىل اجلميع االستجابة‬
‫لكل التدابري التي تصدر عن اجلهات الرسمية‪ ،‬وأوهلا االنعزال يف املكان الذي حتدده‬
‫السلطات املختصة يف البالد‪ ،‬منعا النتشار الوباء‪.‬‬
‫ومن األدلة عىل هذا احلكم الَّشعي‪:‬‬
‫‪ -1‬ما رواه البخاري عن عبد الرمحن بن عوف‪ :‬أن رسول اهلل ﷺ قال ‪-‬عن الطاعون‪:-‬‬
‫«إذا سمعتم به بأرض فل تقدموا عليه‪ ،‬وإذا وقع بأرض وأنتم ِبا‪ ،‬فل خترجوا فرارا منه»‪.‬‬
‫ويؤخذ من هذا احلديث رصاحة أن الوباء إذا وقع بأرض فال جيوز لفرد من أفرادها‬
‫أن خيرج منها فرارا من الوباء‪ ،‬ولو كان خارجها ال جيوز له أن يدخلها؛ وذلك حتى ال ينتقل‬
‫املرض من شخص إىل آخر‪ ،‬وقد تأكد هذا املعنى من حديث آخر ورد يف مسند أمحد َع ْن َأ رِب‬
‫ار َك ِم َن ْاْلَ َس ِد»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ول اهللر ﷺ ي ُق ُ ِ ِ‬
‫ول‪« :‬ف َّر م َن ا ْْل ْج ُذو ِم ف َر َ‬ ‫َ‬ ‫ُه َر ْي َرةَ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬س رم ْع ُ‬
‫ت َر ُس َ‬
‫ومما يدهش له املتتبع للتعاليم النبوية يف باب العدوى أنه ‪-‬ﷺ‪ -‬منع اختالط املريض‬
‫بالصحيح حتى يف عامل احليوان‪ ،‬وأنه أمر بام يشبه احلجر الصحي بِّي السليم منها واملريض‪،‬‬
‫‪6‬‬

‫فقال‪َ« :‬ل ُيورد ُُمرض عَل ُمصح» واملـُمرض صاحب اإلبل املريضة‪ ،‬وا ُملصح‪ :‬صاحب‬
‫اإلبل السليمة‪.‬‬
‫تعِّي طريقا للسالمة يف احلال وسببا للعافية يف املآل‬ ‫ومن القواعد الفقهية‪ :‬أن َّ‬
‫كل ما َّ‬
‫فهو واجب رشعا وعقال‪.‬‬
‫بمرض من األمراض املعدية أن يفصح عن‬ ‫ٍ‬ ‫ُنوه إىل أنه جيب عىل ك ُِّل َمن ُأصيب‬
‫ون ِّ‬
‫ويتحمل إثم اإلرضار بالغري‪.‬‬ ‫مرضه‪ ،‬حتى ال يتسبب يف اإلرضار باآلخرين من ر‬
‫األص َّحاء‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ً‬
‫خامسا‪ :‬حكم خمالفة قرار ويل األمر بإغالق املساجد‪:‬‬
‫املقصد العام من تَّشيع األحكام الَّشعية هو حتقيق مصالح الناس يف العاجل‬
‫ترصف الناس فيه‪ ،‬عىل‬ ‫ُ‬
‫وضبط ُّ‬ ‫واآلجل معا‪ ،‬وأيضا‪ ،‬فيام يقول العلامء‪ ،‬حفظ نظام ال َع َاملر‪،‬‬
‫وجه يعصم من التفاسد والتهالك‪ ،‬وذلك ال يكون َّإال بتحصيل املصالح‪ ،‬واجتناب املفاسد‪.‬‬
‫وإذا كان حضور اجلمع واجلامعات من شعائر اإلسالم الظاهرة‪ ،‬فإن حتقيق مصالح‬
‫الر ُسل‪ ،‬وتَّشيع األحكام التي‬
‫الناس‪ ،‬ودفع املفاسد عنهم‪ :‬هو احلكمة العليا من إرسال ُّ‬
‫أرسلوا هبا مما يعني أن مصالح النَّاس ُمقدَّ مة عىل تلك الشعائر‪ ،‬وإذا كانت صالة اجلمعة‬
‫رضر ُقدِّ م‬
‫فرضا من الفروض‪ ،‬وصالة اجلامعة ُسنَّة عىل القول الراجح لكن يرتتَّب عىل أدائها ٌ‬
‫خوف َّ‬
‫الَّضر‪ ،‬ووجب منع الناس من التجمع يف املساجد‪.‬‬
‫جتمع الناس يف‬
‫قرر ويل األمر‪ ،‬بناء عىل نصائح املختصِّي وتوصياهتم‪ ،‬خطورة ُّ‬
‫فإذا ما َّ‬
‫التجمع يزيد من انتشار‬ ‫واحد سواء كان ذلك يف املساجد أو غريها‪ ،‬وأن هذا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مكان‬
‫ُّ‬
‫الفريوس‪ ،‬ومنعهم من هذا التجمع‪ ،‬فإنه جيب عىل اجلميع االلتزام هبذا احلظر ووقف هذا‬
‫التجمع حتى لو كان ذلك لصالة اجلمعة واجلامعات‪ ،‬وذلك حتى زوال احلظر‪.‬‬
‫وال حيل ألحد خمالفة هذا القرار سواء كان ذلك بحضور عدد قليل داخل املسجد‬
‫بعد إغالقه أبوابه‪ ،‬ثم يصلون اجلمعة أو اجلامعات من وراء هذه األبواب املغلقة‪ ،‬أو الصالة‬
‫‪7‬‬

‫أمام املسجد‪ ،‬أويف الساحات‪ ،‬أو عىل أسطح البنايات‪ ،‬فكل ذلك خروج رصيح عىل أوامر‬
‫اهلل وأحكامه‪ ،‬وخروج عىل الَّشيعة وقواعدها التي تقرر أنه‪:‬‬

‫‪ -‬ال رضر و ال رضار‪.‬‬

‫‪ -‬درء املفاسد مقدم عىل جلب املصالح‪.‬‬

‫وعىل ذلك‪ :‬فام دامت السلطات املختصة قد أصدرت قرارا باإلغالق املؤقت‬
‫للمساجد فال جتوز خمالفة هذا القرار درءا للمفاسد املرتتبة عىل املخالفة‪.‬‬
‫***‬
‫َ َ‬ ‫ً‬
‫سادسا‪ :‬هل جيوز تعجيل الزكاة قبل موعد وجوبها لسنة أو لسنتني ملواجهة آثار‬
‫انتشار الفريوس‪ ،‬ولتحقيق التكافل بني أفراد اجملتمع؟‬

‫يؤيد اإلسالم مبدأ التكافل االجتامعي بكل صوره وأشكاله‪ ،‬وإذا كان يؤيده يف‬
‫األوقات العادية فإنه يفرضه فرضا يف أوقات األزمات واجلوائح والطواريء والظروف‬
‫احلرجة التي يكون الناس فيها أحوج إىل التعاون والتكافل حتى يصلوا إىل بر األمان‪.‬‬
‫ولعل من أبرز صور التكافل الصدقة والزكاة‪ ،‬ورعاية املتَّضرين‪ ،‬واألرامل‪،‬‬
‫واملساكِّي‪ ،‬وال ُع َّـامل املتَّضرين من انتشار هذا الوباء‪ ،‬وأيضا الوقوف يف وجه املحتكرين‬
‫واملستغلِّي‪.‬‬
‫وتؤكِّد هيئة العلامء عىل وجوب مساعدة املحتاجِّي من أصحاب األعامل اليدوية‬
‫الذين يكتسبون أرزاقهم يوما بيوم‪ ،‬والذين هم يف َأ َم ِّس احلاجة إىل َمن ُيساعدهم بإيصال‬
‫التعرف‬ ‫بعض األغذية‪ ،‬ومواد اإلعاشة َّ‬
‫الَّضورية هلم‪ ،‬وهؤالء املحتاجون معروفون ويسهل ُّ‬
‫‪8‬‬

‫عليهم وبخاصة يف ال ُقرى واألرياف‪ .‬وح َّبذا لو ركَّزت اجلمع َّيات األهلية نشاطها يف هذه‬
‫اخلدمات التي يوجبها الَّشع والعقل واملروءة اإلنسانية يف هذه الظروف‪.‬‬
‫كام جتب مساعدة أصحاب األمراض املزمنة وكبار السن ممن ال يستطيعون أن َي رص ُلوا‬
‫وإما من أموال الزَّ كاة‪ ،‬وال فرق يف‬
‫َّربعات‪َّ ،‬‬
‫الصدقات والت ُّ‬
‫إىل ما حيتاجون إليه‪َّ ،‬إما من أموال َّ‬
‫ذلك بِّي مسلم أو غري مسلم ما دام حمتاجا وخصوصا يف مثل هذه الظروف‪.‬‬
‫ومذهب اجلمهور أنه جيوز تعجيل الزَّ كاة وإخراجها مقدَّ ما عىل موعد استحقاقها‬
‫بسن ٍَة أو سنتِّي‪ ،‬وهو ما متس احلاجة إىل الفتوى به اآلن‪ ،‬ومما يدل عىل جواز ذلك ما رواه أبو‬
‫َ‬
‫داود وغريه من استئذان العباس بن عبداملطلب للنبي ﷺ يف تعجيل صدقته ‪ -‬أي إخراج‬
‫زكاته قبل موعدها ‪ -‬فأذن له‪.‬‬
‫ومن ثم فإن ما نطمئن إليه هو أن تعجيل إخراج زكاة املال من اآلن قبل موعدها‬
‫مراعاة ملصلحةالفقراء واملحتاجِّي‪ ،‬وهو أمر مستحب رشعا يف هذه األيام التي جيتاح فيها‬
‫تَّضر كثري من املحتاجِّي والفقراء‪ ،‬ومراعاة هؤالء‬
‫وباء كورونا «كوفيد ‪ »19-‬العامل وقد َّ‬
‫وسد حاجتهم من أعىل مقاصد الَّشيعة‪َّ ..‬أما زكاة الفطر فإخراجها ابتداء من اليوم األول يف‬
‫رمضان وانتهاء بآخر يوم فيه‪.‬‬

‫***‬

‫نسأل اهلل عز وجل أن حيفظ مصر وأهلها وأن يرفع الوباء والبالء عن اإلنسانية كلها‪.‬‬

‫هيئة كبار العلماء باألزهر الشريف‬

You might also like