Professional Documents
Culture Documents
بالتن ازل عن بعض الص الحيات لفائ دة الجه ات المكونة للوح دة الترابية للدول ة ،وذلك لتعزيز التنمية
المحلي ة ،وتنش يط التب ادل التج اري وتق ريب اإلدارة والدولة عموما (بما تُق دم من خ دمات وتُ وفر من
ت محلية تنبع من الخصوصية المم يزة لكل إقليم على مصالح) من هموم المواطن ،عبر صياغة سياسا ٍ
المستويات السياسية واالقتصادية واالجتماعية.
والدافع األهم إلى نهج الجهوية هو إحداث قدر من التوازن التنموي واالقتصادي بين الجه ات المش كلة
للدولة ،وتحفيز التنمية المحلية وتحريرها من عقال المركزية .
النشأة والتطور
إن الجهوية مفه وم ح ديث نس بيا نشأ وتط ور مع توجه دول أوروبا الغربية إلى التخلي عن
المركزية اإلدارية ،بعد تكشف حدودها وإعاقتها لكثير من جهود التنمية ،بل وتضييعها تماما في بعض
األحيان.
وقد أخ ذت ألمانيا بالجهوية في 1949إذ أقر الدس تور الص ادر ذلك الع ام وج ود جه ات إدارية
واقتصادية تتكامل في أهدافها وآليات عملها مع النسق الفدرالي المطبق ،والذي يمنح األق اليم والجه ات
صالحيات واسعة .بيد أن الجهات كانت التمظهر التنموي واالقتصادي واإلداري للنظام الفيدرالي ،كما
شكلت رافعة له.
وفي إسبانيا ،نص دس تور - 1978ال ذي مهد لنهاية حكم الج نرال فرانكو وع ودة الديمقراطية -على
الجهوية بل إن إس بانيا تُعد من الناحية السياس ية واإلدارية دولة قائمة على الجه ات أك َ
ثر منها دولة
فدرالية.
الجهوية اإلدارية
في فرنسا ،برز النقاش حول الجهوية في خمسينيات الق رن العش رين س يما مع ع ودة الج نرال
شارل ديغول للسلطة ،فقد كان ديغول تحدث عن ضرورة اعتم اد فرنسا للجهوية في أحد خطاباته ع ام
.1946
بيد أن ديغول أخفق في تحقيق مشروعه الرامي إلى إصالح ت رابي ش امل يُك رس الجهوي ة ،وفي ع ام
1969كان مشروع القانون حول الجهوية وإصالح مجلس الشيوخ سببا في نهاية مس اره السياس ي،
فقد استقال بعد رفض الفرنسيين للمشروع في استفتاء شعبي شهير يوم 27أبريل/نيسان .1969
ولم تع رف فرنسا الجهوية إال في ع ام 1982حين أُقر اإلص الح ال ترابي الق ائم على الالمركزية
وال ذي حمل اسم وزير الداخلية االش تراكي غاس تون دفي ير .واقتصر إص الح 1982على إعط اء
الجهات والبلديات صالحيات ذات طابع إداري في أغلبها ،لكن إصالحات الحقة ع ززت دور الجه ات
خاصة في المجال االقتصادي والتنموي ،وقد منحها إصالح 2010 صالحيات ك التعليم والتخطيط
التنموي.
ورغم هذا التأخر النس بي لتط ور الجهوية في فرنسا مقارنة بجوارها األوروبي ،فإنه يج در التنبيه إلى
أن فرنسا عرفت التقسيم اإلداري قبل ثورة ع ام ،1789 ثم ع رفت البل ديات واألقس ام اإلدارية منذ َّ
.1871
الجهوية المتقدمة
مع تطور بنيات الدول وتداخل الصالحيات واش تداد الحاجة إلى التنمية المحلية بوص فها رافعة
للتنمية على المس توى الوط ني وض امنا لق در من الت وازن بين الجه ات ،وإلى تف ادي ب روز من اطق
مزده رة ج دا ومنتجة مقابل من اطق مهمشة وتعيش عالة على األخ رى ،ب رزت الحاجة إلى تط وير
الجهوية من خالل مجاالت حيوية كالتنمية االقتصادية والتخطيط واالستثمار األجنبي.
ومن هنا ظهر مفه وم الجهوية المتقدمة ال ذي هو في الواقع مرحلة من الالمركزية تَمنح الجه ات
استقالال شبه كامل عن المركز في مختلف المجاالت باستثناء االستقالل السياسي.
الجهوية الموسعة
إن الجهوية الموسعة هي المرحلة الالحقة على الجهوية المتقدمة ،وفي حال تطبيقها تُصبح
الجهات مستقلة في كل شيء عن الحكومة المركزية بما في ذلك االستقالل السياسي ،لكن ذلك ال يعني
خرو َج الجهات عن سيادة الدولة.
وبالت الي فالجهوية الموس عة هي ش كل من أش كال االس تقالل ال ذاتي الض امن لهوية اإلقليم وس يادته
واستقالليته المالية لكن مع بقا ِء السيادة للدولة األم ،والتي يصبح مجال تدخلها محصورا في القطاع ات
السيادية مثل الدفاع واألمن واالتصاالت ،ونحو ذلك.
تجربة عربية
نهج المغرب مسارا طويال ومت درجا إلى الجهوية بلغ مراحله األك ثر رمزية وأهمية مع إق رار
دستور 1992ثم دستور 1996الذي مهّد لالنفتاح الديمقراطي في البالد ،مع المصالحة التاريخية
بين الملك الحسن الثاني والمعارضة اليسارية عبر ما عُرف في األدبيات المحلية بالتناوب التوافقي.
منذ إقرار دستور ،1992بدأ الحديث عن الجهوية يشغل حيزا هاما من النقاش العام ،وتعززت ه ذه
المكانة بما يع رف محليا بتجربة "حكومة التن اوب" ال تي قادها ح زب االتح اد االش تراكي للق وات
الشعبية ،وشهدت إقرار قانون تنظيم الجهات في أبريل/نيسان .1997
أن الخطى تواترت نحو الجهوية مع تولي الملك محمد الس ادس الس لطة في ص يف .1999فقد بيد ّ
جاء الملك الجديد برغبة معلنة في تس وية ال نزاع ح ول الص حراء الغربية مع جبهة البوليس اريو ع بر
ت تَتجاوز مرحلة طويلة من الركود شهدها الملف بعد تعثر مساعي األمم المتحدة لتنظيم استفتاء مبادرا ٍ
يُم ّكن سكان اإلقليم من تحديد مصيره استقالال أو انضماما للمغرب.
وتُوج هذا التوجه بتق ديم المغ رب في 2007مقترحا يقضي بإعط اء أق اليم الص حراء الغربية حكما
ذاتيا موسعا تحت السيادة المغربية .وتضمن المقترح تمكين السكان ع بر ممثليهم من س لطات واس عة
ار الس يادة
في المجال السياسي واالقتصادي والتنموي والقضائي وفي قطاع األمن المحلي ،لكن في إط ِ
المغربية .وقد بادرت جبهة البوليساريو إلى رفض المقترح متمسكة بمطالبتها باستقالل اإلقليم.
وقد سرّع المقترح المغربي وتيرة توجه المملكة إلى الجهوية ،ووعد الملك محمد السادس بجعل األقاليم
الص حراوية رائ دة تح ول المغ رب إلى الجهوية المتقدم ة ،وهو ما تم في ال ذكرى الس نوية األربعين
للمسيرة الخضراء في 06نوفمبر/تشرين الثاني .2015
فقد أعلن العاهل المغربي بالمناسبة منح صالحيات هامة لفائدة األق اليم الص حراوية لتك ون م دخال إلى
تعميم الجهوية في المغرب ،ثم إلى تطبيق المقترح المغربي للحكم الذاتي في الصحراء الغربية