Professional Documents
Culture Documents
42 ما العمل لينين PDF
42 ما العمل لينين PDF
فليديمير لينين
" ...إن النضال الحزبي يعطي الحزب القوة والحيوية؛ والدليل القاطع على ضعف الحزب هو
الميوعة وطمس الحدويد المرسومة بخطوط واضحة؛ إن الحزب يقوى بتطهير نفسه) ."...من
رسالة وجهها لسال إلى ماركس في 24حزيران )يونيو( سنة (1852
-------------------------------
1
مقدمة
هذا الكراس الموضوع بين أيدي القارئ كان يرايد له ،بموجب مخطط المؤلف الول ،أن يتناول
بالتفصيل تطور الفكار الواريدة في مقال "بم نبدأ؟")") (2اليسكرا") ،(3العديد ،4أيار )مايو(
سنة .(1901ونرى لزاما علينا أن نبدأ بالعتذار للقارئ لتأخرنا في إنجاز الوعد الذي قطعناه
على أنفسنا في المقال المذكور )والذي أكدناه في أجوبتنا على الكثير من السئلة والرسائل
الخاصة( .لقد كانت المحاولة التي جرت في حزيران )يونيو( السنة الماضية )سنة (4)(1901
لتوحيد جميع المنظمات التشتراكية-الديموقراطية في الخارج سببا من أسباب هذا التأخر.
فقد كان من الطبيعي أن ننتظر نتائج هذه المحاولة ،لنه كان من المحتمل ،في حالة نجاحها،
أن نضطر إلى عرض نظرات "اليسكرا" التنظيمية من وجهة نظر تختلف بعض الشيء ،ولن
هذا النجاح كان من تشأنه على كل حال أن يبعث المل في وضع حد بسرعة قصوى لوجويد
اتجاهين في التشتراكية-الديموقراطية الروسية .وقد انتهت هذه المحاولة ،كما يعلم القارئ،
إلى الخفاق ،وكان لبد لها أن تنتهي إليه -وسنسعى للبرهان على ذلك فيما يلي من البحث-
بعد النعطاف الجديد نحو "القتصايدية") (5من جانب "رابوتشييه يديلو") (6في العديد العاتشر.
وقد ظهر أن خوض النضال الحازم ضد هذا التجاه المائع وغير الواضح المعالم ،ولكنه
بالمقابل وبالتالي اتجاه ثابت وقايدر على النبعاث بشتى التشكال ،إنما هو أمر ل مفر منه.
وتبعا لذلك تغير المخطط الول الموضوع للكراس واتسع جدا .لقد كان من المقرر أن يكون
الموضوع الرئيسي للكراس المسائل الثلث الواريدة في مقال "بم نبدأ؟" .وهي :طابع
تحريضنا السياسي ومضمونه الرئيسي ،ومهامنا التنظيمية ،ومشروع إنشاء منظمة كفاحية
لعامة روسيا ،إنشاء يجري في وقت واحد ومن تشتى الجوانب .وهذه المسائل كانت منذ أمد
بعيد تستدعي اهتمام المؤلف الذي حاول إثارتها في "رابوتشايا غازيتا") (7أثناء محاولة من
المحاولت غير الناجحة لبعثها )راجع الفصل الخامس( .ولكن تبين لي أن تنفيذ الفكرة الولى
والقتصار على بحث هذه المسائل الثلث في الكراس وعرض وجهة نظري بشكل إيجابي
على قدر المكان ،يدون اللجوء البتة إلى الجدال ،أو يدون اللجوء إليه إل لماما ،هو أمر غير
ممكن التحقيق على الطلق لسببين اثنين .فقد اتضح ،من جهة ،أن "القتصايدية" هي أتشد
حيوية بكثير مما كنا نقدر )ونحن نستعمل كلمة "القتصايدية" بالمعنى الواسع ،كما تشرحناها
في العديد 12من "اليسكرا" )كانون الول -يديسمبر سنة (1901في مقال "حديث مع أنصار
القتصايدية" ،المقال الذي كان بمثابة رؤوس أقلم ،إذا صح التعبير ،لهذا الكراس الموضوع
بين يدي القارئ .ولم يبق مجال للشك في أن اختلف وجهات النظر حول حل هذه المسائل
الثلث يفسره التضايد الجذري بين اتجاهي التشتراكية-الديموقراطية الروسية ،أكثر بكثير مما
يفسره اختلف وجهات النظر حول الجزئيات .ومن جهة أخرى ،إن استغراب "القتصايديين"
لقيامنا عمليا في "اليسكرا" بعرض وجهات نظرنا قد أظهر بكل وضوح أننا كثيرا ما نتكلم
بلغات مختلفة بالمعنى الحرفي للكلمة ،وأننا ل نستطيع بالتالي ،وأن من الضروري القيام
بمحاولة "توضيح" ∗التفاق حول أي أمر إذا لم نبدأ ab ovoمنتظم مع جميع "القتصايديين"
حول جميع النقاط الجذرية في خلفاتنا" ،توضيح" مبسط ،مشروح بأكثر ما يمكن من المثلة
الحسية .ولقد عزمت على القيام بمحاولة كهذه "للتوضيح" مدركا كل اليدراك أن هذا يضخم
حجم الكراس لدرجة كبيرة ويؤخر صدوره ،ولكني لم أر في الوقت نفسه سبيل آخر لتنفيذ ما
وعدت به في مقال "بم نبدأ؟" .وهكذا ينبغي لي أن أضيف إلى العتذار على التأخر اعتذارا
آخر على النقص الكبير في يديباجة الكراس اليدبية ،فقد اضطررت للكتابة بأقصى السرعة،
وفضل عن ذلك كانت تحملني على النقطاع عن الكتابة مختلف المشاغل الخرى .وإذن ،كان
بحث المسائل الثلث المذكورة أعله ،كما في السابق ،الموضوع الرئيسي للكراس؛ ولكن كان
علي أن أبدأ من مسألتين أعم :لماذا نرى في تشعار "بريء" و"طبيعي" كشعار "حرية
النتقايد" إعلنا حقيقيا للنفير؟ لماذا ل نستطيع التفاق حتى حول المسألة الساسية –يدور
التشتراكية-الديموقراطية في الحركة الجماهيرية العفوية؟ وبعد .إن عرض نظراتنا في طابع
التحريض السياسي ومضمونه قد تحول إلى تشرح للفرق بين السياسة التريديونيونية
2
والسياسة التشتراكية-الديموقراطية؛ أما عرض نظراتنا في المهام التنظيمية ،فقد تحول إلى
تشرح للفرق بين الطريقة الحرفية التي ترضي "القتصايديين" ،وتنظيم الثوريين الضروري
في رأينا .وبعد ،إني أتمسك "بمشروع" الجريدة السياسية لعامة روسيا بإصرار متزايد كلما
ازيدايد بطلن العتراضات المقدمة ضده والتهرب من الجواب على جوهر سؤالي المطروح في
مقال "بم نبدأ؟" -وهو :كيف يمكننا أن نبدأ في وقت واحد ومن جميع الجوانب ببناء المنظمة
التي نحن بحاجة إليها .وآمل ،أخيرا ،أن أبين في القسم الختامي من الكراس أننا بذلنا كل ما
في طاقتنا لدرء النفصال التام مع "القتصايديين" .هذا النفصال الذي ظهر ،مع ذلك ،أمرا ل
مفر منه ،وأن جريدة "رابوتشييه يديلو" قد اكتسبت أهمية خاصة" ،تاريخية" إن تشئتم ،بكونها
قد أعربت بأتم تشكل وأوضحه ،ل عن "القتصايدية" المتماسكة ،بل عن التشويش والتريديد
اللذين كانا الصفة المميزة لمرحلة كاملة من تاريخ التشتراكية-الديموقراطية الروسية ،وأن
هذا الجدال مع "رابوتشييه يديلو" ،الذي يبدو لول وهلة مفصل جدا ،يكتسب لذلك أهمية أيضا،
ما يدمنا ل نستطيع متابعة السير إلى المام ،يدون أن نصفي هذه المرحلة تصفية تامة .ن .
لينين تشباط )فبراير( سنة .1902
إن تشعار"حرية النقد" هو ،يدون تشك ،الشعار الوسع انتشارا في الوقت الحاضر ،الشعار
الكثر استعمال في الجدل بين التشتراكيين والديموقراطيين في جميع البلدان .وإنه ليصعب
على المرء ،لول وهلة ،أن يتصور تشيئا أيدعى إلى الدهشة من تذرع أحد المتجايدلين ،على
مسمع من المل ،بحرية النقد .هل ارتفعت ،يا ترى ،من بيئة الحزاب المتقدمة أصوات ضد
القانون الدستوري الذي يضمن في معظم البلدان الوروبية حرية العلم وحرية البحث
العلمي؟ "إن وراء الكمة ما وراءها" -هذا ما سيقوله لنفسه بالتأكيد كل إنسان غير متحيز
يسمع هذا الشعار الدارج يكرر في كل نايد ووايد ،ولكنه لم يدرك بعد جوهر الخلف بين
المتجايدلين" .يبدو أن هذا الشعار من كلمات السر التي يكرسها الستعمال كما هي الحال في
اللقاب وتصبح أتشبه بأسماء الجناس" .وفي الحقيقة الراهنة ،ل يخفى على أحد أن
اتجاهين قد نبعا في التشتراكية-الديموقراطية العالمية اتجاهين يحتدم بينهما الصراع
ويضطرم أواره حينا ،ويهدأ حينا آخر ويخمد تحت رمايد "قرارات عن الهدنة" مهيبة .وقد أعلن
برنشتين وأظهر ميليران بما يكفي من الوضوح فحوى التجاه "الجديد" الذي يأخذ من
الماركسية "القديمة ،الجامدة" ،موقفا "نقديا" .ينبغي للتشتراكية-الديموقراطية أن تتحول
من حزب للثورة الجتماعية إلى حزب يديموقراطي للصلحات الجتماعية .هذا المطلب
السياسي أحاطه برنشتين بمجموعة كبيرة من البراهين والعتبارات "الجديدة" نسقها تنسيقا
ل بأس به .فقد أنكر إمكانية يدعم التشتراكية علميا وإمكانية البرهان على ضرورتها وحتميتها
من وجهة نظر المفهوم المايدي للتاريخ؛ أنكر واقع تزايد البؤس والتحول إلى البروليتاريا
وتفاقم التناقضات الرأسمالية؛ أعلن أن مفهوم "الهدف النهائي" ذاته باطل ورفض فكرة
يديكتاتورية البروليتاريا رفضا قاطعا؛ أنكر التضايد المبدئي بين الليبرالية والتشتراكية؛ أنكر
نظرية الصراع الطبقي وزعم أنها ل تنطبق على مجتمع يديموقراطي صرف يدار وفق مشيئة
الكثرية ،الخ ..وهكذا فإن مطلب النعطاف الحاسم من التشتراكية-الديموقراطية الثورية إلى
الصلحية الجتماعية البرجوازية قد رافقه انعطاف ل يقل حسما نحو النقد البرجوازي لجميع
أفكار الماركسية الساسية .ولما كان هذا النقد يساق ضد الماركسية منذ أمد بعيد من المنابر
السياسية ومنابر الجامعات ،وفي مجموعة كبيرة من الكراريس وجملة من البحاث العلمية،
3
ولما كان الجيل الناتشئ كله من الطبقات المتعلمة يتربى بانتظام وطيلة عشرات السنين
على هذا النقد -فل غرو أن ينبثق التجاه "النقدي الجديد" في التشتراكية-الديموقراطية
بشكله المتكامل يدفعة واحدة ،كما انبثقت مينيرفا من رأس جوبيتر) .(15لم يكن من
الضروري أن يتطور هذا التجاه ويتكون من حيث مضمونه :فقد نقل نقل َ من المطبوعات
البرجوازية إلى المطبوعات التشتراكية .وبعد .إذا كان نقد برنشتين النظري ومطامعه
السياسية قد ظلت غامضة بالنسبة لبعضهم ،فقد عنى الفرنسيون بتبيان "الطريقة الجديدة"
في التطبيق .وفي هذه المرة أيضا أثبتت فرنسا أنها تستحق ما اتشتهرت به منذ القدم من
أنها "البليد التي كان يصل فيها صراع الطبقات ،في تاريخها ،أكثر مما في أية بليد أخرى ،إلى
نهايته الفاصلة" )إنجلس ،من مقدمة لمؤلف ماركس 18برومير لويس بونابرت(.
فالتشتراكيون الفرنسيون لم ينصرفوا إلى النظريات ،بل إلى العمل المباتشر ،ذلك لن
الظروف السياسية المتطورة في فرنسا تطورا أكبر من وجهة النظر الديموقراطية ،قد
مكنتهم من النتقال رأسا إلى "البرنشتينية العملية" مع كل ما ينجم عنها من نتائج .ولقد
أعطى ميليران مثل رائعا عن هذه البرنشتينية العملية ،فليس عبثا إذن أن اندفع برنشتين
وفولمار للدفاع عن ميليران وامتداحه بمثل هذه الحماسة! وبالفعل ،إذا كانت التشتراكية-
الديموقراطية ليست في جوهرها إل حزب الصلحات وإذا كان ينبغي لها أن تجد في نفسها
الجرأة على إعلن ذلك أمام المل -فعندئذ ل يحق للتشتراكي أن يشترك في الوزارة
البرجوازية وحسب ،بل ينبغي له أن ينزع يدائما إلى ذلك .وإذا كانت الديموقراطية تعني ،في
جوهرها ،إلغاء السيايدة الطبقية -فلماذا ل يعمد الوزير التشتراكي إلى إغراء العالم
البرجوازي كله بخطابات عن تعاون الطبقات؟ ولماذا ل يبقى في الوزارة ولو بعد أن جاءت
مصارع العمال على يد الدرك يدليل للمرة المئة بل اللف على حقيقة طابع التعاون
الديموقراطي بين الطبقات؟ ولماذا ل يشترك تشخصيا في تحية القيصر الذي ل ينعته
التشتراكيون الفرنسيون في الوقت الحاضر إل ببطل المشانق والسياط والمنافي )
(knouteur, pendeur et déportateur؟ وتعويضا عن هذا الحضيض من الهوان الذي
سقطت التشتراكية فيه والحتقار الذي جلبته لنفسها ،أمام العالم كله ،وتعويضا عن إفسايد
الوعي التشتراكي بين جماهير العمال -وهو الساس الوحيد الذي في وسعه أن يضمن لنا
النتصار -تعويضا عن كل ذلك نرى مشاريع طنانة لصلحات تافهة ،تافهة بحيث أمكن
الحصول على أكثر منها من الحكومات البرجوازية! إن الذين ل يتعامون عن عمد يرون ل
محالة أن التجاه "النقدي" الجديد في التشتراكية ليس غير مظهر جديد من مظاهر النتهازية.
وإذا حكمنا على الناس ل على أساس الريداء البراق الذي يخلعونه على أنفسهم بأنفسهم ،ل
على أساس اللقب الطنان الذي ينتحلونه لنفسهم ،بل على أساس تصرفاتهم وعلى أساس
ما يدعون إليه في الواقع ،اتضح أن "حرية النقد" تعني حرية التجاه النتهازي في
التشتراكية-الديموقراطية ،حرية تحويل التشتراكية-الديموقراطية إلى حزب إصلحي
يديموقراطي ،حرية إيدخال الفكار البرجوازية والعناصر البرجوازية إلى التشتراكية .الحرية
كلمة عظيمة ،لكن ،تحت لواء حرية الصناعة تشنت أفظع حروب السلب والنهب ،وتحت لواء
حرية العمل جرى نهب الشغيلة .وكلمة "حرية النقد" في استخدامها الحالي تتضمن مثل هذا
الزيف .إن الذين يؤمنون حقا بأنهم يدفعوا العلم إلى أمام ل يطلبون حرية وجويد المفاهيم
الجديدة إلى جانب المفاهيم القديمة ،بل إبدال الجديدة بالقديمة .أما الصرخة الحالية:
"عاتشت حرية النقد!" فتشبه تشديد الشبه حكاية الطبل الجوف .نحن نسير جماعة متراصة
في طريق وعر صعب ،متكاتفين بقوة .ومن جميع الجهات يطوقنا العداء ،وينبغي لنا أن
نسير على الدوام تقريبا ونحن عرضة لنيرانهم .لقد اتحدنا بملء إرايدتنا ،اتحدنا بغية مقارعة
العداء بالذات ،ل للوقوع في المستنقع المجاور الذي لمنا سكانه منذ البدء لننا اتحدنا في
جماعة على حدة وفضلنا طريق النضال على طريق المهايدنة .وإذا بعض منا يأخذ بالصياح:
هلموا إلى هذا المستنقع! وعندما يقال لهم :أل تخجلون ،يعترضون قائلين :ما أجهلكم يا
هؤلء! أل تستحون أن تنكروا علينا حرية يدعوتكم إلى الطريق الحسن! -صحيح ،صحيح أيها
السايدة! إنكم أحرار ل في أن تدعوا وحسب ،بل أيضا في الذهاب إلى المكان الذي يطيب
لكم ،إلى المستنقع إن تشئتم؛ ونحن نرى أن مكانكم أنتم هو المستنقع بالذات ،ونحن على
استعدايد للمساعدة بقدر الطاقة على انتقالكم أنتم إليه .ولكن رجاءنا أن تتركوا أيدينا ،أن ل
تتعلقوا بأذيالنا ،أن ل تلطخوا كلمة الحرية العظمى ،ذلك لننا نحن أيضا "أحرار" في السير
4
إلى حيث نريد ،أحرار في النضال ل ضد المستنقع وحسب بل أيضا ضد الذين يعرجون عليه!
ب( المدافعون الجديد عن "حرية النقد" وها هو ذا هذا الشعار )"حرية النقد"( الذي طرحه
بصورة مهيبة في الونة الخيرة لسان حال "إتحايد التشتراكيين-الديموقراطيين الروس" في
الخارج)" (16رابوتشييه يديلو" )العديد ،(10ل كأمر مسلم به نظريا ،بل كمطلب سياسي،
كجواب على سؤال" :هل يمكن توحيد المنظمات التشتراكية-الديموقراطية العاملة في
الخارج؟" " -التحايد الوطيد يقتضي حرية النقد" )ص .(36من هذا القول يخلص المرء إلى
استنتاجين واضحين كل الوضوح" (1 :رابوتشييه يديلو" تأخذ على عاتقها الدفاع عن التجاه
النتهازي في التشتراكية-الديموقراطية العالمية بوجه عام؛ " (2رابوتشييه يديلو" تطلب حرية
النتهازية في التشتراكية-الديموقراطية الروسية .فلنبحث هذين الستنتاجين" .رابوتشييه
يديلو" غير راضية "بوجه خاص" من "ميل "اليسكرا" و"زاريا" إلى التنبؤ بالنفصال بين
الجبل .كتب محرر "رابوتشييه يديلو" ∗والجيروند) (18في التشتراكية-الديموقراطية العالمية"
ب .كريتشيفسكي يقول" :الكلم عن الجبل والجيروند في صفوف التشتراكية-الديموقراطية
يبدو لنا بوجه عام عبارة عن مقارنة تاريخية سطحية نستغرب صدورها عن قلم ماركسي؛
فالجبل والجيروند لم يمثل مزاجين أو تيارين فكريين مختلفين كما قد يخيل للمؤرخين
اليديولوجيين ،بل كانا يمثلن طبقات أو فئات مختلفة -البرجوازية المتوسطة من جهة،
والبرجوازية الصغيرة مع البروليتاريا من الجهة الخرى .هذا بينما ل يوجد في الحركة
التشتراكية المعاصرة تصايدم بين المصالح الطبقية ،فهي بمجموعها وبجميع )حرف التأكيد
لكريتشيفسكي( مظاهرها ،بما في ذلك البرنشتينيون المتطرفون ،تقف على صعيد مصالح
البروليتاريا الطبقية ،على صعيد نضالها الطبقي في سبيل تحررها السياسي والقتصايدي"
)ص (33-32تأكيد جريء! أولم يسمع ب .كريتشيفسكي بواقع لوحظ منذ أمد بعيد ،ونعني به
أن اتشتراك فئة "الكايديميين" في الحركة التشتراكية خلل السنوات الخيرة على نطاق واسع
هو الذي ضمن انتشار البرنشتينية بمثل هذه السرعة؟ والمر الرئيسي :بم يدعم كاتبنا رأيه إذ
يزعم أن "البرنشتينيين المتطرفين" يقفون هم أيضا على صعيد النضال الطبقي في سبيل
تحرير البروليتاريا السياسي والقتصايدي؟ ل ندري .إنه يدافع بحزم عن البرنشتينيين
المتطرفين يدون أن يأتي بأية حجة أو أي يدليل لدعم ذلك .إن واضع المقال يظن ،على ما
يظهر ،أن أقواله ل تحتاج إلى برهان إذا كرر ما يقوله البرنشتينيون المتطرفون عن أنفسهم.
ولكن هل يمكن للمرء أن يتصور"سطحية" تضارع سطحية هذا الحكم على اتجاه بأكمله
استنايدا إلى ما يقوله ممثلو هذا التجاه عن أنفسهم؟ هل يمكن تصور سطحية تضارع سطحية
"المواعظ" التي أتت بعد ذلك بصديد نموذجين أو طريقين للتطور الحزبي مختلفين أو حتى
متناقضين كل التناقض )ص 35-34من "رابوتشييه يديلو"(؟ التشتراكيون-الديموقراطيون
اللمان يعترفون -كذا! -بحرية النقد كاملة ،أما الفرنسيون فل يعترفون بها ،ومثلهم بالذات
هو الذي يبين كل "ضرر عدم التسامح" .ونجيب نحن على ذلك :ان مثل ب .كريتشيفسكي
بالذات هو الذي يبين أن هناك من يسمون أنفسهم أحيانا بالماركسيين ،وينظرون مع ذلك
إلى التاريخ "على نمص ايلوفايسكي") (22بالضبط .لتفسير وحدة الحزب التشتراكي اللماني
وانقسام الحزب التشتراكي الفرنسي على نفسه ليس من يداع إلى البحث في خصائص تاريخ
البلدين ول إلى المقارنة بين ظروف الحكم العسكري تشبه المطلق وظروف البرلمانية
الجمهورية ،ول إلى تقصي نتائج الكومونة) (23والقانون الستثنائي بخصوص التشتراكيين)
( 24ول إلى مقارنة الحياة القتصايدية والتطور القتصايدي ،ول إلى تذكر أن "نمو التشتراكية-
الديموقراطية اللمانية المنقطع النظير" قد رافقته همة في النضال منقطعة النظير في
تاريخ التشتراكية ،ليس واتشتراكيو المنابر فقط النضال ضد الخطاء النظرية )ميولبيرغر
ويدوهرينغ الجامعية) ،((27بل كذلك ضد الخطاء التكتيكية )لسال( الخ ،.الخ ..كل هذا أمر ل
يداعي له! الفرنسيون يتشاجرون لنهم غير متسامحين ،واللمان متحدون لنهم أوليد
عاقلون .لحظوا جيدا أنهم بهذا العمق المنقطع النظير في التفكير "يريدون" واقعا يدحض
بصورة تامة يدفاع البرنشتينيين .هل يقف هؤلء على صعيد نضال البروليتاريا الطبقي؟ إنه
سؤال ل يمكن لغير التجربة التاريخية أن تجيب عليه الجواب النهائي الفاصل .وعلى ذلك
فالمر الهم هنا هو بالضبط مثل فرنسا باعتبارها البليد الوحيد التي جرب فيها البرنشتينيون
العمل بصورة مستقلة ،بتحبيذ حار من زملئهم اللمان )وجزئيا من النتهازيين الروس :أنظر
5
"رابوتشييه يديلو" ،العديد ،3-2ص ص .(84-83إن الستشهايد "بعدم تسامح" الفرنسيين -
بالضافة إلى قيمته "التاريخية" )بمعنى نوزيدريف) -((28هو مجريد محاولة لطمس وقائع
مزعجة جدا بكلمات غاضبة .وعلى كل حال ،ليس في نيتنا البتة أن نقدم اللمان هدية
لكريتشيفسكي ولمثاله الكثيرين من المدافعين عن "حرية النقد" .فإذا كان "البرنشتينيون
المتطرفون" ما يزالون يصبرون عليهم في صفوف الحزب اللماني ،فما ذلك إل بمقدار ما
يخضعون لقرار هانوفر) (29الذي يريد بحزم "تعديلت" برنشتين ولقرار لوبيك) (30الذي
يتضمن )رغم كل ما فيه من يديبلوماسية( إنذارا صريحا لبرنشتين .يمكن النقاش من وجهة
نظر مصلحة الحزب اللماني ،حول مبلغ فائدة هذه الديبلوماسية؛ يمكن التساؤل عما إذا كان
السلم الظاهري في هذه الحالة خيرا من تشجار مكشوف ،وبكلمة ،يمكن أن تختلف وجهات
النظر حول فائدة هذه أو تلك من طرق رفض البرنشتينية ولكن ل يمكن للمرء أن ل يرى أن
الحزب اللماني قد رفض البرنشتينية مرتين .ولذا فالتفكير بأن مثل اللمان يثبت يدعوى أن
"البرنشتينيين المتطرفين يقفون على صعيد نضال البروليتاريا الطبقي في سبيل تحررها
القتصايدي والسياسي" -يعني عدم فهم أي .وفوق ذلك ،تنبري "رابوتشييه يديلو" ∗تشيء على
الطلق مما يجري أمام عيون الجميع أمام التشتراكية-الديموقراطية الروسية ،كما سبق لنا
أن ذكرنا ،وتطالب بـ"حرية النقد" وتدافع عن البرنشتينية .ويظهر أنه تبين لها أن "النقايد"
والبرنشتينيين عندنا قد أهينوا ظلما .ولكن أيهم بالذات؟ ومن الذي أهانهم؟ أين؟ ومتى؟ وبم
تجلى ذلك؟ إن "رابوتشييه يديلو" تلتزم الصمت في كل ذلك ول تذكر ولو مرة واحدة أي منتقد
أو أي برنشتيني روسي! ليس أمامنا من سبيل غير اختيار افتراض من افتراضين محتملين:
إما أن يكون الطرف المهان ظلما هو "رابوتشييه يديلو" بعينها )يؤكد ذلك أن المقالين
المنشورين في العديد 10ل يتناولن غير الهانات التي وجهتها "زاريا" و"اليسكرا" إلى
"رابوتشييه يديلو"( .وفي هذه الحالة كيف نفسر هذا الواقع الغريب وهو أن "رابوتشييه يديلو"
التي كانت تتبرأ على الدوام بعنايد من كل تضامن مع البرنشتينية لم تكن تستطيع الدفاع عن
نفسها يدون أن تنبس ول بكلمة يدفاعا عن "البرنشتينيين المتطرفين" وعن حرية النقد؟ وإما
أن تكون الهانات قد وجهت إلى طرف ثالث .وفي هذه الحالة ما هي السباب التي تدعو إلى
عدم ذكره؟ وهكذا نرى أن "رابوتشييه يديلو" تستمر في لعبة الغميضة التي بدأتها )كما سنبين
فيما يأتي( منذ ظهورها .ومن ثم نلفت أنظاركم إلى هذا التطبيق العملي الول لـ"حرية
النقد" التي يكثرون حولها التطبيل والتزمير .فلم يقتصر المر في الواقع على كون هذه
الحرية قد آلت رأسا إلى انعدام كل نقد ،بل تعداه إلى انعدام أي رأي مستقل بوجه عام.
فهذه "رابوتشييه يديلو" نفسها التي تكتم وجويد البرنشتينية الروسية كما تكتم المراض
السرية )حسب تعبير موفق لستاروفر( تقترح لمداواة هذا المرض مجريد نقل الوصفة
اللمانية الخيرة الموصوفة لمداواة هذا المرض في مظهره اللماني! فبدل من حرية النقد -
تقليد على نمط العبيد… أو ،وهو السوأ ،تقليد على نمط القرويد! إن المضمون الجتماعي
السياسي الواحد للنتهازية العالمية المعاصرة يتجلى في هذا المظهر أو ذاك تبعا للخصائص
الوطنية .في هذه البليد تجمع النتهازيون منذ أمد طويل تحت لواء خاص ،وفي تلك استخف
النتهازيون بالنظرية وانتهجوا عمليا سياسة التشتراكيين-الرايديكاليين ،وفي بليد ثالثة فر عديد
من أعضاء الحزب الثوري إلى معسكر النتهازية وأخذوا يسعون إلى بلوغ أهدافهم ل عن
طريق نضال صريح في سبيل المبايدئ وفي سبيل تكتيك جديد ،بل عن طريق إفسايد حزبهم
بصورة تدريجية غير ملحوظة ،ل يعاقبون عليها ،إن جاز القول ،وفي بليد رابعة يعمد فاّرون
كهؤلء إلى نفس الحابيل في يدياجير العبويدية السياسية وفي ظروف تشابك فريد بين
النشاط "العلني" و"غير العلني" ،الخ ..أما أن ينبري المرء ويعلن أن حرية النقد وحرية
البرنشتينية هما تشرط لتحايد التشتراكيين-الديموقراطيين الروس يدون أن يبين مظاهر
البرنشتينية الروسية والثمار الخاصة التي حملتها ،فذلك أتشبه بمن يتكلم لكي ل يقول تشيئا.
فلنجرب نحن أنفسنا ،إذن ،ولنقل ولو في بضع كلمات ما لم ترغب في قوله )أو ربما لم
تستطع حتى فهمه( "رابوتشييه يديلو".
ج( النقد في روسيا إن خاصة روسيا الساسية من الناحية التي نعنيها تتلخص في كون حركة
العمال العفوية ،من جهة ،وانعطاف الرأي العام التقدمي نحو الماركسية ،من جهة أخرى ،قد
تميزا منذ بدئهما بالذات باتحايد عناصر غير متجانسة بتاتا تحت لواء مشترك ومن أجل النضال
6
ضد عدو مشترك )ضد عقيدة اجتماعية سياسية انقضى زمنها( .ونحن نعني هنا "الماركسية
العلنية") (32في تشهر العسل .وقد كانت هذه ،بوجه عام ،ظاهرة على يدرجة من الصالة
بحيث لم يكن هنالك في العقد التاسع أو أوائل العقد العاتشر من يمكنه حتى أن يصدق ولو
بإمكانها .ففي بليد يسويدها الحكم المطلق ،في بليد ترزح صحافتها تحت أتشد القيويد ،وفي
عهد رجعية سياسية حالكة تنقض على أقل نبتة من نباتات السخط والحتجاج السياسيين -
تشق نظرية الماركسية الثورية فجأة لنفسها الطريق في المطبوعات الخاضعة للرقابة،
معروضة بلغة رمزية ،ولكنها مفهومة لجميع الذين "يهمهم المر" .فقد اعتايدت الحكومة أل
ترى الخطر إل في نظرية "نارويدنايا فوليا" )الثورية( ،غير أن تلمح ،كما يحدث في المعتايد،
مجرى تطورها الداخلي ،ومبتهجة لكل انتقايد يوجه إليها .وقد مر وقت طويل )طويل بالنسبة
إلينا ،نحن الروس( قبل أن تنتبه الحكومة للمر وقبل أن يتمكن جيش الرقباء والدرك الثقيل
من اكتشاف العدو الجديد ومن النقضاض عليه .وفي هذه الثناء كانت الكتب الماركسية
تصدر واحدا بعد آخر ،والمجلت والجرائد الماركسية تؤسس ،وغدا الجميع ،بالمعنى الحرفي
للكلمة ،ماركسيين ،وغدا الماركسيون موضع الطراء والرعاية ،وكان الناتشرون في ذروة
الحماسة من تشدة القبال على اقتناء الكتب الماركسية .ومفهوم تماما أن يكون قد وجه أكثر
من "كاتب مغرور") (33بين الماركسيين المبتدئين المأخوذين بنشوة النجاح… ويمكن اليوم
التحدث عن ذلك العهد بهدوء ،كما يتحدث النسان عن أمور مضت .ول يخفى على أحد أن
ازيدهار الماركسية المؤقت على هامش مطبوعاتنا ،قد نشأ عن تحالف المتطرفين مع
المعتدلين جدا ،وقد كان هؤلء الخيرون في جوهر المر يديموقراطيين برجوازيين .وهذا
الستنتاج )الذي أثبته بجلء فيما بعد تطورهم "النقدي"( يفرض نفسه .ولكن إذا كان المر
كذلك ،أفل فرضا على بعضهم حين كان "التحالف" ل يزال سليما يحمل التشتراكيون-
الديموقراطيون الثوريون الذين عقدوا هذا التحالف مع "نقايد" الغد ،القسط الكبر من
مسؤولية "الفتنة" التي وقعت بعد ذلك؟ هذا السؤال ،مع الجواب عليه باليجاب ،نسمعه في
بعض الحيان من أناس ينظرون إلى التشياء نظرة مغالية في الستقامة .ولكن هؤلء الناس
مخطئون تماما .إذ ل يمكن أن يخشى من الحلف المؤقتة ،ولو مع أناس ل يركن إليهم ،إل
الذين ل يثقون بأنفسهم .ليس يمكن لي حزب سياسي أن يعيش بدون أحلف كهذه .وقد
كان التحالف مع الماركسيين العلنيين بمثابة أول تحالف سياسي حقا تحققه التشتراكية-
الديموقراطية الروسية .فبفضل هذا التحالف تم النتصار على الشعبية بسرعة خارقة
وانتشرت الفكار الماركسية انتشارا واسعا )ولو بشكل مبسط( .هذا ،والتحالف لم يعقد بدون
أي "تشرط" .والبرهان :المجموعة الماركسية "وثائق في مسألة التطور القتصايدي في
روسيا") (34التي أحرقتها الرقابة في سنة .1895وإذا أمكن مقارنة التفاق مع الماركسيين
العلنيين في حقل المطبوعات بالتحالف السياسي ،فإنه تمكن مقارنة هذا الكتاب بالمعاهدة
السياسية .وواضح أن النفصال لم يحدث بسبب أن "الحلفاء" قد ظهروا يديموقراطيين
برجوازيين .بل بالعكس ،فممثلو هذا التجاه الخير هم حلفاء طبيعيون للتشتراكية-
الديموقراطية مرغوب فيهم ما يدامت القضية تتعلق بمهامها الديموقراطية التي يدفعها إلى
المقام الول الوضع الراهن في روسيا .ولكن الشرط الذي ل بد منه لهذا التحالف هو أن يجد
التشتراكيون المكانية التامة ليبينوا للطبقة العاملة التضايد العدائي بين مصالحها ومصالح
البرجوازية .هذا في حين أن البرنشتينية والتجاه "النقدي" اللذين اتجه إليهما أفواجا معظم
الماركسيين العلنيين كان من تشأنهما أن يسقطا هذه المكانية ويفسدا الوعي التشتراكي
بتحقيرهما الماركسية وتبشيرهما بنظرية طمس التناقضات الجتماعية وإعلنهما بطلن
نظرية الثورة الجتماعية ويديكتاتورية البروليتاريا وجعلهما حركة العمال والنضال الطبقي
تريديونيونية ضيقة ونضال "واقعيا" في سبيل إصلحات طفيفة وتدريجية .وقد كان يعني هذا
تماما إنكار الديموقراطية البرجوازية على التشتراكية الحق في الستقلل ،وبالتالي الحق في
الوجويد؛ وكان يعني هذا في الواقع النزوع إلى تحويل حركة العمال وهي في بدئها إلى ذيل
لليبراليين .وطبيعي أن النفصال كان في مثل هذه الظروف أمرا لبد منه .ولكن الخاصة
التي "تفريدت" بها روسيا تجلت في كون هذا النفصال قد آل إلى مجريد إبعايد التشتراكيين-
الديموقراطيين عن المطبوعات "العلنية" الوسع انتشارا والقرب إلى متناول الجمهور .فقد
اعتصم فيها "الماركسيون السابقون" الذين تجمعوا "تحت تشعار النقد" وحصلوا على ما يشبه
الحتكار في "سحق" الماركسية .وسرعان ما أصبحت و"فلتحيى حرية النقد" )الهتافات التي
7
تكررها الن هتافات" :ضد الرثوذكسية" "رابوتشييه يديلو"( عبارات تطابق الموضة .ولم يصمد
أمام هذه الموضة ل الرقباء ول الدرك ،يدلنا على ذلك صدور ثلث طبعات روسية لكتاب
برنشتين) (35الذائع الصيت )الذائع الصيت على طراز هيروسترات( أو امتداح زوباتوف لكتب
برنشتين والسيد بروكوبوفيتش وأضرابهما )"اليسكرا" ،العديد .(10وتواجه التشتراكيين-
الديموقراطيين الن مهمة صعبة بحد ذاتها ،زايدتها صعوبة إلى حد ل يتصور عقبات خارجية
صرف ،هي مهمة النضال ضد التيار الجديد .وهذا التيار لم يقتصر على ميدان المطبوعات.
فقد رافق النعطاف نحو "النقد" ميل مقابل من جانب التشتراكيين-الديموقراطيين العاملين
في ميدان التطبيق نحو "القتصايدية" .إن كيفية نشوء وتطور الصلة والتبعية المتبايدلة بين
النقد العلني و"القتصايدية" غير العلنية هي مسألة هامة يمكن أن تكون موضوع مقال
مستقل .حسبنا أن نشير هنا إلى أن هذه الصلة موجويدة يدون تشك .فالـ" •"Credoالمشهور
ما كان ليكتسب هذه الشهرة المستحقة لول أنه قد صاغ بصراحة هذه الصلة وكشف عن غير
عمد التجاه السياسي الساسي في "القتصايدية" :ليقم العمال بالنضال القتصايدي )وكان
من اليدق أن يقال :النضال التريديونيوني ،لن التريديونيونية تشمل كذلك سياسة عمالية
صرفا( ،وليندمج المثقفون الماركسيون مع الليبراليين من أجل "النضال" السياسي .إن
النشاط التريديونيوني "في الشعب" قد ظهر تنفيذا للنصف الول من المهمة ،والنقد العلني
تنفيذا للنصف الثاني .وقد كان هذا التصريح سلحا ضد "القتصايدية" ممتازا لدرجة تحتم معها
اختراع " "Credoلو لم يكن " "Credoموجويدا .لم يخترع " "Credoاختراعا ،ولكنه نشر بدون
موافقة واضعيه ،وربما رغم إرايدة واضعيه .وعلى كل حال فإن الجديد إلى وضح النهار ،قد
تأتى له كاتب هذه السطر الذي ساهم في إخراج "البرنامج" أن يسمع الشكاوي واللوم
بسبب أن نظرات الخطباء التي لخصوها على الورق قد وزعت في نسخ ولقبت بالـ ""Credo
ونشرت ،فوق ذلك في الصحف في وقت واحد مع الحتجاج! نذكر هذا الحايدث لنه يكشف عن
سمة من سمات "القتصايدية" عندنا تسترعي انتباها كبيرا هي الخوف من العلنية .إنها على
وجه الدقة سمة "القتصايدية" بوجه عام ،ل سمة واضعي الـ " "Credoوحدهم :فقد أظهرتها
"رابوتشايا ميسل") ،(37أتشرف أنصار "القتصايدية" وأكثرهم صراحة ،كما أظهرتها
"رابوتشييه يديلو" )التي أغضبها نشر الوثائق "القتصايدية" في "(Vademecum"(38
وأظهرتها لجنة كييف التي لم ترغب منذ نحو سنتين بالسماح بنشر ،وأظهرها عقيدتها "
(Profession de foi"(39في وقت واحد مع الريد المكتوب ضدها كثيرون وكثيرون من
ممثلي "القتصايدية" .إن هذا الخوف من النقد ،الذي يظهره أنصار حرية النقد ،ل يمكن
تفسيره بمجريد المكر )وإن كان المكر يلعب يدوره أحيانا :فمن غير المعقول أن تعرض
لهجمات الخصوم نبتات اتجاه جديد لم يشتد عويدها بعد!( .ل .إن أكثرية "القتصايديين"
ينظرون مخلصين كل الخلص )وجوهر "القتصايدية" نفسه يحملهم على النظر( بعدم رضى
إلى كل مظهر من مظاهر المناقشات النظرية والخلفات بين الفرق والمسائل السياسية
الواسعة ومشاريع تنظيم الثوريين وما تشابه ذلك" .يحسنون صنعا لو أحالوا كل هذا إلى
الخارج!" -هذا ما قاله لي ذات يوم أحد "القتصايديين" المنسجمين إلى حد كاف ،معربا بذلك
عن نظرة واسعة النتشار )ولنقل مرة أخرى أنها تريديونيونية صرف( مآلها :تهمنا حركة
العمال ،تهمنا منظمات العمال هنا في منطقتنا ،وما عدا ذلك هو من اختلقات "المذهبيين"،
هو "مغالت في تقدير أهمية اليديولوجيا" حسب تعبير واضعي الرسالة المنشورة في العديد
12من "اليسكرا" تريديدا لما جاء في العديد 10من "رابوتشييه يديلو" .نتساءل الن :نظرا
لهذه الخصائص التي يتصف بها "النقد" الروسي والبرنشتينية الروسية ،بم كان ينبغي أن
تتلخص مهمة الذين أرايدوا أن يكونوا خصوما للنتهازية فعل ،ل قول فقط؟ كان ينبغي ،أول،
الهتمام باستئناف ذلك العمل النظري الذي لم يكد يبتدئ في عهد الماركسية العلنية والذي
ألقي الن مرة أخرى على عاتق المناضلين السريين؛ فبدون هذا العمل لم يكن بالمكان نمو
الحركة بنجاح .وكان من الضروري ،ثانيا ،القيام بنضال نشيط ضد "النقد" العلني الذي كان
يفسد العقول إفسايدا تشديدا .وكان من الضروري ،ثالثا ،النضال النشيط ضد التبعثر والتريديد
في الحركة العملية بكشف ويدحض كل محاولة تبذل ،بوعي أو بغير وعي ،للحط من مكانة
برنامجنا وتكتيكنا .أما أن "رابوتشييه يديلو" لم تقم بالواجب الول ول الثاني ول الثالث ،فهو
أمر معروف ،وسنبين فيما يأتي من البحث بالتفصيل ومن جميع الوجوه هذه الحقيقة
المعروفة .وكل ما نريد أن نبينه الن هو مبلغ التناقض الصارخ بين مطلب "حرية النقد"
8
وخصائص نقدنا الوطني و"القتصايدية" الروسية .فلنلق إذن نظرة على نص القرار الذي
اتخذه "اتحايد التشتراكيين-الديموقراطيين الروس في الخارج" وأكد به وجهة نظر "رابوتشييه
يديلو"" :بغية استمرار تطور التشتراكية-الديموقراطية الفكري نعترف بأن حرية نقد النظرية
التشتراكية-الديموقراطية في المطبوعات الحزبية أمر ضروري تماما ،ما يدام هذا النقد ل
ينافي طابع هذه النظرية الطبقي والثوري" )"مؤتمران" ،ص .(10والحيثيات :أن القرار "في
قسمه الول يطابق قرار مؤتمر الحزب في لوبك بصديد برنشتين"… إن "جماعة التحايد"
لطيبة قلوبهم ل يلحظون أي ) testimonium paupertatisتشهايدة فقر الحال( يسجلون
على أنفسهم بهذا النسخ!" ..ولكنه… في قسمه الثاني يقيد حرية النقد إلى حد أكبر مما
فعل مؤتمر الحزب في لوبك" .وهكذا فإن قرار "التحايد" موجه ضد البرنشتينيين الروس؟ وإل
فإن الستشهايد بلوبك ليس له معنى على الطلق! ولكن ليس صحيحا أنه "يقيد إلى حد كبير
حرية النقد" .فاللمان قد رفضوا بندا بندا بقرارهم في مؤتمر هانوفر تلك التعديلت التي
قدمها برنشتين بالذات ،بينما بقرارهم في مؤتمر لوبك ،وجهوا إنذارا تشخصيا لبرنشتين
ذاكرين اسمه في القرار .هذا في حين أن المقلدين "الحرار" عندنا لم يشيروا ولو تلميحا
إلى أي مظهر من مظاهر "النقد" الروسي الخاص و"القتصايدية" الروسية الخاصة .ونظرا
لهذا التكتم ،يفسح التلميح المجريد إلى طابع النظرية الطبقي والثوري مجال أكبر بكثير
للتأويلت الكاذبة ،ل سيما إذا كان "التحايد" يرفض إيدراج "ما يدعى بالقتصايدية" ضمن
النتهازية )"مؤتمران" .ص ،8البند .(1ولكننا نقول هذا في سياق الحديث .أما المر الرئيسي
فهو أن موقف النتهازيين حيال التشتراكيين-الديموقراطيين الثوريين يختلف في ألمانيا عنه
في روسيا كل الختلف .فمن المعروف أن التشتراكيين-الديموقراطيين الثوريين في ألمانيا
يريدون المحافظة على ما هو كائن ،يريدون المحافظة على البرنامج القديم والتكتيك القديم
المعروفين للجميع واللذين تشرحهما بجميع تفاصيلهما اختبار عشرات السنين .أما "النقايد"
فيريدون إحداث تغيرات؛ ولما كان هؤلء النقايد أقلية ضئيلة وكانت مساعيهم التحريفية حيية
جدا ،عرفنا السبب الذي يجعل الكثرية تكتفي بريد "البدعة" ببرويد .ولكن النقايد
و"القتصايديين" عندنا ،في روسيا ،يريدون المحافظة على ما هو كائن :يريد "النقايد" أن
يستمر الناس في اعتبارهم ماركسيين وأن تضمن لهم "حرية النقد" التي استغلوها من جميع
الوجوه )لنهم لم يعترفوا في الجوهر بأي ارتباط ،فضل عن أنه لم تكن عندنا أية هيئة حزبية
يعترف بها الجميع وتستطيع أن "تحد" ∗حزبي من حرية النقد ولو بالنصح( ،ويريد
"القتصايديون" من الثوريين أن يعترفوا "بالحقوق الكاملة للحركة في وضعها الراهن"
)"رابوتشييه يديلو" ،العديد ،10ص (25أي "بشرعية" وجويد ما هو موجويد ،يريدون أن ل يحاول
"اليديولوجيون" "صرف" الحركة عن الطريق الذي "يحديده تفاعل العناصر المايدية والبيئة
المايدية" )"الرسالة" في العديد 12من "اليسكرا"( ،أن ُيعترف بأن من المرغوب فيه القيام
بالنضال "الذي يمكن للعمال القيام به في الظروف الراهنة" وأن ُيعترف بأن النضال الممكن
هو ذلك النضال "الذي يقومون به في الواقع في الظرف الراهن" )"الملحق الخاص
لـ"رابوتشايا ميسل"") ،(40ص .(14أما نحن ،التشتراكيين-الديموقراطيين الثوريين ،فنحن،
على العكس ،غير راضين عن هذا السجويد أمام العفوية ،أي أمام ما هو كائن "في الظرف
الراهن"؛ نحن نطلب تغيير التكتيك الذي سايد في السنوات الخيرة ،ونحن نعلن" :قبل أن
نتحد ولكيما نتحد ينبغي ⊗ .في البدء أن نعين بيننا التخوم بحزم ووضوح" )من إعلن عن
إصدار "اليسكرا"( وبكلمة ،يتمسك اللمان بوضع المور الراهن ويرفضون التغييرات ،ونحن
نطلب تغيير وضع المور الراهن ،رافضين السجويد أمام الوضع الراهن والتسليم به .إن هذا
الفرق "الصغير" هو المر الذي لم يلحظه نساخو القرارات اللمانية "الحرار"عندنا!
يد( إنجلس وأهمية النضال النظري "الجمويد العقائدي ،الجمويد المذهبي"" ،تحجر الحزب -
العقاب المحتوم لتقييد الفكر بالعنف" -هؤلء هم العداء الذين ينقض عليهم كالفرسان
أنصار "حرية النقد" في "رابوتشييه يديلو" .ويسرنا نحن أن تطرح هذه المسألة على بساط
البحث ،وكل ما نقترحه هو أن نتممها بسؤال آخر :من هم الحكام؟ أمامنا إعلنان عن صدور
مطبوعات .أحدهما "برنامج صحيفة "رابوتشييه يديلو" ،لسان حال اتحايد التشتراكيين
الديموقراطيين الروس" )نسخة من العديد الول من "رابوتشييه يديلو"( .والثاني هو "إعلن
عن إستئناف إصدار مطبوعات فرقة "تحرير العمل"") .(41وكلهما يحمل تاريخ سنة ،1899
9
أي حين كانت "أزمة الماركسية" قد طرحت على بساط البحث منذ زمان بعيد .وماذا نرى؟
في النشرة الولى ،نجهد أنفسنا عبثا في البحث عن إتشارة إلى هذه الظاهرة وعن عرض
واضح للموقف الذي تنوي أن تتخذه الصحيفة الجديدة من هذه المسألة .ول نجد كلمة عن
العمل النظري ومهامه الملحة في الظرف الراهن ل في هذا البرنامج ول في ملحقه التي
أقرها المؤتمر الثالث لـ"ـلتحايد" في سنة ") (42)1901مؤتمران :ص ص .(18-15لقد تجنبت
هيأة تحرير "رابوتشييه يديلو" المسائل النظرية طيلة هذا الوقت ،مع أن هذه المسائل قد
استرعت اهتمام جميع التشتراكيين-الديموقراطيين في العالم بأسره .أما العلن الثاني
فعلى العكس من ذلك :إنه يشير في البدء إلى ضعف الهتمام بالناحية النظرية خلل
السنوات الخيرة ويطلب بإلحاح "انتباها يقظا حيال الناحية النظرية في الحركة البروليتارية
الثورية" ويدعو إلى "توجيه نقد ل هوايدة فيه إلى الميول البرنشتينية وغيرها من الميول
المعايدية للثورة" في حركتنا .والعدايد التي صدرت من "زاريا" توضح كيف ُنفذ هذا البرنامج.
وهكذا نرى أن العبارات الطنانة عن تحجر الفكر ،وما إلى ذلك ،تخفي وراءها عدم الهتمام
بتطوير الفكر النظري والعجز عن تطويره .وما مثال التشتراكيين-الديموقراطيين الروس إل
يدليل جلي على ظاهرة أوروبية عامة )أتشار إليها الماركسيون اللمان أيضا منذ أمد بعيد(
وهي أن حرية النقد الذائعة الصيت ل تعني استبدال نظرية بأخرى ،بل تعني التحرر من كل
نظرية متكاملة ووليدة التفكير ،تعني المذهب الختياري وانعدام المبايدئ .ول بد لكل مطلع
على وضع حركتنا الواقعي ،وإن جزئيا ،من أن يلحظ أن انتشار الماركسية الواسع قد رافقه
بعض النحطاط في المستوى النظري .فبسبب النجاحات العملية التي أحرزتها الحركة
وبسبب أهميتها العملية ،انضم إليها كثيرون ضعيفون جدا أو صفر من حيث العدايد النظري.
ولذلك يمكننا أن نتبين مبلغ ما تظهر "رابوتشييه يديلو" من قلة ذوق عندما تستشهد ،على
غرار المنتصرين ،بعبارة ماركس" :إن كل خطوة تخطوها الحركة العملية أهم من يدستة من
البرامج") .(43إن تكرار هذه الكلمات في مرحلة الضطراب النظري يشبه صراخ من يصرخ:
"إن تشاء الله يدايمه!" عند رؤية جنازة .أضف إلى ذلك أن كلمات ماركس هذه مأخوذة من
رسالته بصديد برنامج غوتا) (44حيث ينديد بشدة بالمذهب الختياري في صياغة المبايدئ .فقد
كتب ماركس إلى زعماء الحزب :إذا كانت هنالك من حاجة إلى التحايد ،فاعقدوا معاهدات بغية
بلوغ أهداف عملية تقتضيها الحركة ،ولكن إياكم والمساومة بالمبايدئ ،إياكم و"التنازل"
النظري .هذه هي فكرة ماركس .وها نحن نجد بيننا أناسا يستغلون اسمه للتقليل من أهمية
النظرية! ل حركة ثورية بدون نظرية ثورية .إننا ل نبالغ مهما تشديدنا على هذه الفكرة في
مرحلة يسير فيها التبشير الشائع بالنتهازية جنبا إلى جنب مع الميل إلى أتشكال النشاط
العملي الضيقة جدا .وتزيدايد أهمية النظرية بالنسبة للتشتراكية-الديموقراطية الروسية لثلثة
أسباب كثيرا ما ينسونها ،هي :أول ،أن حزبنا ما يزال في يدور التكوين ،ما يزال في يدور
تشكيل سيماء وجهه وهو ما يزال بعيدا عن أن يصفي الحساب مع اتجاهات الفكر الثوري
الخرى التي تهديد بإخراج الحركة عن الطريق القويم .ففي الونة الخيرة ،على وجه الضبط،
نشاهد ،بالعكس ،انتعاش التجاهات الثورية غير التشتراكية-الديموقراطية )كما تنبأ اكسلرويد
بذلك "للقتصايديين" منذ أمد بعيد( .وفي هذه الظروف يمكن لخطأ يبدو لول وهلة "غير ذي
تشأن" أن يسفر عن أوخم العواقب ،وينبغي للمرء أن يكون قصير النظر حتى يعتبر الجدال
فَرق والتحديد الدقيق للفروق الصغيرة أمرا في غير أوانه أو ل يداعي له .فعلى توطد بين ال ِ
هذا "الفرق الصغير" أو ذلك قد يتوقف مستقبل التشتراكية-الديموقراطية الروسية لسنوات
طويلة ،طويلة جدا .ثانيا ،إن الحركة التشتراكية-الديموقراطية هي حركة أممية في جوهرها.
وذلك ل يعني فقط أنه يتعين علينا أن نناضل ضد الشوفينية في بليدنا .بل ذلك يعني أيضا أن
الحركة المبتدئة في بليد فتية ل يمكن أن تكون ناجحة إل إذا استوعبت تجربة البلدان الخرى.
ولبلوغ ذلك ل يكفي مجريد الطلع على هذه التجربة أو مجريد نسخ القرارات الخيرة .إنما
يتطلب هذا من المرء أن يمحص هذه التجربة وأن يتحقق منها بنفسه .وكل من يستطيع أن
يتصور مبلغ اتساع وتشعب حركة العمال المعاصرة ،يفهم مبلغ ما يتطلبه القيام بهذه المهمة
من احتياطي من القوى النظرية والتجربة السياسية )والثورية أيضا( .ثالثا ،لم يسبق أن
طرحت أمام أي حزب اتشتراكي في العالم مهام كالمهام الوطنية المطروحة أمام التشتراكية-
الديموقراطية الروسية .وسنتناول فيما يأتي من البحث الواجبات السياسية والتنظيمية التي
تلقيها على عاتقنا مهمة تحرير الشعب كله من نير الحكم المطلق .وبويدنا فقط أن نشير هنا
10
إلى أنه ل يستطيع القيام بدور مناضل الطليعة إل حزب يسترتشد بنظرية الطليعة .وإذا تشاء
القارئ أن يكون لنفسه فكرة واضحة لحد ما عن معنى ذلك ،فليتذكر أسلف التشتراكية-
الديموقراطية الروسية من أمثال هرتسين وبيلينسكي وتشيرنيشيفسكي والكوكبة الرائعة
من ثوريي العقد الثامن ،فليفكر بالهمية العالمية التي يكتسبها اليدب الروسي في الوقت
الراهن ،فليفكر… ولكن ذلك يكفي! ولنوريد هنا ملحظات كتبها إنجلس سنة 1874عن أهمية
النظرية في الحركة التشتراكية-الديموقراطية .إن إنجلس ل يعترف بشكلين اثنين في نضال
التشتراكية-الديموقراطية العظيم )سياسي واقتصايدي( -كما جرت العايدة عندنا -بل يعترف
بثلثة أتشكال واضعا في مصاف الشكلين المذكورين النضال النظري .وما توصيته لحركة
العمال اللمانية التي كانت قد توطدت عمليا وسياسيا ،إل بليغة العبرة من وجهة نظر
المشاكل والمناقشات الراهنة بحيث نحسب أن القارئ لن يلومنا إذا ذكرنا مقطعا طويل من
مقدمة لكراس " Der deutscheالذي غدا منذ وقت طويل من الكتب النايدرة جدا" :يمتاز
العمال اللمان "Bauernkriegعن عمال بقية أوروبا ،بميزتين هامتين .الولى انتماؤهم إلى
أعرق تشعب أوروبي في النظرية واحتفاظهم بالملكة النظرية التي فقدتها تماما ،أو كايدت،
الطبقات المدعوة "بالمثقفة" في ألمانيا .فالتشتراكية العلمية اللمانية وهي التشتراكية
العلمية الوحيدة التي وجدت حتى الن ،ما كانت لتوجد قط لول الفلسفة اللمانية التي
سبقتها ،وبوجه خاص فلسفة هيغل .ولول الملكة النظرية لدى العمال لما تغلغلت التشتراكية
العلمية في يدمائهم إلى هذا الحد الذي نراه الن .ويبين لنا مبلغ عظمة هذه المزية ،من جهة،
عدم الكتراث بأي نظرية ،الذي هو سبب من السباب الرئيسية التي تجعل حركة العمال
النكليزية تتقدم بهذا البطء بالرغم من التنظيم الرائع في بعض الحرف؛ ويبين لنا ذلك ،من
جهة أخرى ،ما نراه من اضطراب وتريديد بذرتهما البرويدونية) (45في تشكلها البدائي بين
الفرنسيين والبلجيكيين ،وبشكلها الكاريكاتوري الذي أعطاها إياه باكونين بين السبانيين
واليطاليين .والمزية الثانية هي كون اللمان قد اتشتركوا في حركة العمال بعد الجميع
تقريبا .وكما أن التشتراكية اللمانية النظرية لن تنسى أبدا أنها تستند إلى سان سيمون
وفوريه وأوين -المفكرين الثلثة الذين يقفون ،بالرغم من كل الطابع الخيالي الطوبوي في
تعاليمهم في مصاف أعظم اليدمغة التي عرفتها جميع الزمنة ،والذين كانوا السابقين بصورة
عبقرية إلى كثرة كبيرة من الحقائق التي نبرهن نحن اليوم على صحتها عمليا ،كذلك ينبغي
لحركة العمال اللمانية العملية أن ل تنسى أبدا أنها تطورت استنايدا إلى الحركتين النكليزية
والفرنسية وأنه أتيح لها بكل بساطة أن تستفيد مما اكتسبتاه من تجربة كلفتهما غاليا ،وأن
تتلفى الن الخطاء التي كانت آنئذ أمرا ل مفر منه في معظم الحالت .فأي وضع كنا فيه
الن لول نموذج التريديونيونات النكليزية ونضال العمال الفرنسيين السياسي ،ولول الندفاع
العظيم الذي سببته كومونة باريس بوجه خاص؟ ل بد لنا من أن نعترف للعمال اللمان بأنهم
استفايدوا بمهارة فائقة من مزايا وضعهم .فلول مرة منذ وجدت حركة العمال يجري النضال
بصورة منتظمة في جميع اتجاهاته الثلثة المنسجمة والمترابطة :التجاه النظري والتجاه
السياسي والتجاه القتصايدي العملي )مقاومة الرأسماليين( .وفي هذا الهجوم المركز ،إن
أمكن القول ،تكمن قوة الحركة اللمانية ومنعتها .بفضل هذا الوضع المفيد ،من جهة،
وبفضل خصائص الحركة النكليزية ،التي تنجم من كونها تتطور في ظروف الجزيرة ،وقمع
الحركة الفرنسية بالقوة ،من جهة أخرى ،يقف العمال اللمان الن في طليعة النضال
حّتاَم تسمح لهم الحداث بملء هذا المركز المشرف؟ هذا ما ل يمكن التنبؤ به. البروليتاريَ .
ولكن ينبغي لنا أن نأمل بأنهم ما يداموا يشغلون هذا المركز ،سيقومون كما يجب بالمهام
التي يفرضها عليهم .وهذا يقتضي مضاعفة الجهويد المبذولة في جميع ميايدين النضال
والتحريض .وسيكون واجب القايدة على وجه الخصوص أن يثقفوا أنفسهم أكثر فأكثر في
جميع المسائل النظرية وأن يتخلصوا أكثر فأكثر من تأثير العبارات التقليدية المستعارة من
العقيدة القديمة وأن يأخذوا يدائما بعين العتبار أن التشتراكية ،مذ غدت علما ،تتطلب أن
ُتعامل كما ُيعامل العلم ،أي تتطلب أن تدرس .والوعي الذي يكتسب بهذا الشكل ويزيدايد
وضوحا ،ينبغي أن ينشر بين جماهير العمال بهمة مضاعفة أبدا ،كما ينبغي أن يزيدايد على
الدوام تماسك صفوف منظمة الحزب ومنظمة النقابات… … وإذا استمر العمال اللمان في
التقدم بهذا الشكل ،فإنهم -ل أريد أن أقول أنهم سيسيرون في طليعة الحركة ،فليس من
مصلحة الحركة على الطلق أن يسير عمال أمة ما ،يدون سائر المم ،في طليعتها -بل أريد
11
أن أقول أنهم سيشغلون مركزا مشرفا في صفوف المناضلين وسيجدون أنفسهم على أتم
الهبة إذا ما ظهرت على حين غرة محن قاسية أو حوايدث عظمى تتطلب منهم مزيدا من
الشجاعة والحزم والهمة" .لقد ظهرت كلمات إنجلس وكأنها نبوءة .فبعد مضي بضع سنوات
واجهت العمال اللمان على حين غرة محن قاسية هي القانون الستثنائي ضد التشتراكيين.
وقد استقبلها العمال اللمان فعل وهم على أتم الهبة وخرجوا منها ظافرين .وستواجه
البروليتاريا الروسية محنا أفظع بما ل يقاس؛ ففي انتظارها صراع مع وحش ليس القانون
الستثنائي في بليد يدستورية بالنسبة إليه أكثر من قزم .إن التاريخ يلقي على عاتقنا الن
مهمة مباتشرة هي أكثر ثورية من جميع المهمات المباتشرة الموضوعة أمام البروليتاريا في
أي قطر آخر .وإن إنجاز هذه المهمة ،أي تحطيم أقوى حصن للرجعية الوروبية بل )وهو
تشيء نستطيع قوله الن( للرجعية السيوية أيضا ،سيجعل من البروليتاريا الروسية طليعة
البروليتاريا الثورية العالمية .ويحق لنا أن نأمل بالحصول على هذا اللقب المشرف الذي
اكتسبه عن جدارة أسلفنا ثوريو العقد الثامن ،وذلك إذا استطعنا أن نبث في حركتنا ،وهي
أوسع وأعمق بألف مرة ،مثلما بثوا من تصميم ومن همة ل يعرفان حدويدا.
لقد قلنا أن حركتنا أوسع وأعمق بكثير من حركة العقد الثامن ،وأن من الضروري أن نبث
فيها ما اتصفت به الحركة في ذلك الحين من تصميم ومن همة ل يعرفان حدويدا .والواقع أنه
لم يشك أحد حتى الن ،كما يبدو ،في أن قوة الحركة المعاصرة تكمن في استيقاظ الجماهير
)وبصورة رئيسية البروليتاريا الصناعية( وفي أن ضعفها يكمن في عدم كفاية وعي ومبايدرة
القايدة الثوريين .بيد أنه قد ظهر في الونة الخيرة اكتشاف خارق يهديد بأن يقلب رأسا على
عقب جميع النظرات السائدة حتى الن بصديد هذه المسألة .وهذا الكتشاف يعويد فضله إلى
"رابوتشييه يديلو" ،التي لم تقتصر في جدالها مع "اليسكرا" و"زاريا" على اعتراضات حول
الجزئيات ،بل حاولت أن تحصر "الخلف العام" في جذر أعمق ،في "الختلف في تقدير
الهمية النسبية للعنصر العفوي وللعنصر "المنهاجي الواعي" .وتصوغ "رابوتشييه يديلو"
التهام كما يلي":التقليل من أهمية العنصر الموضوعي أو العفوي في التطور"• .ونحن نجيب
على ذلك :إذا كان جدال "اليسكرا" و"زاريا" لم يعط البتة أية نتيجة غير حفز "رابوتشييه
يديلو" إلى أن تذهب بتفكيرها إلى هذا "الخلف العام" ،فإن هذه النتيجة وحدها ترضينا كل
الرضى ما يدامت هذه الموضوعة عميقة في يدللتها ،ما يدامت تظهر بهذا الوضوح كل جوهر
الخلفات النظرية والسياسية الحالية بين التشتراكيين-الديموقراطيين الروس .ولذا تسترعي
مسألة العلقة بين الوعي والعفوية هذا الهتمام الكبير العام ،وينبغي تناول هذه المسألة
بكل تفصيل.
أتشرنا في الفصل السابق إلى ولوع الشبيبة الروسية المتعلمة العام في منتصف العقد
العاتشر بالنظرية الماركسية .وفي ذلك الحين نفسه تقريبا ،اتخذت إضرابات العمال مثل هذا
الطابع العام بعد الحرب الصناعية المشهورة سنة 1896ببطرسبورغ) .(46وكان انتشار هذه
الضرابات في روسيا من أقصاها إلى أقصاها يدليل جليا على مبلغ عمق الحركة الشعبية
12
الناهضة من جديد .وإذا ما أريدنا الحديث عن "العنصر العفوي" فل بد طبعا من العتراف بأن
هذه الحركة الضرابية كانت عفوية بالدرجة الولى .ولكن هناك عفوية وعفوية .فقد حدثت
إضرابات في روسيا كذلك في العقد الثامن وفي العقد السابع )وحتى في النصف الول من
القرن التاسع عشر( ورافقها تحطيم "عفوي" للماكينات وغير ذلك .وإذا قورنت إضرابات
العقد العاتشر بهذه "المشاغبات" ،أمكن وصفها بـ"الوعي" لعظم الخطوة التي خطتها حركة
العمال إلى المام في هذه الفترة .وهذا ما يوضح لنا أن "العنصر العفوي" ليس في الجوهر
غير الشكل الجنيني للوعي .فالمشاغبات البدائية كانت تفصح منذ ذلك الحين عن نوع من
استيقاظ الوعي :كان العمال يفقدون إيمانهم القديم بثبات الوضاع التي ترهقهم وأخذوا…
يحسون -ول أقول يفهمون -ضرورة المقاومة الجماعية ويكفون بحزم عن الخنوع الذليل
لصحاب المر والنهي .ولكن ذلك كان على كل حال مظهرا أتشبه باليأس والنتقام منه
بالنضال .أما إضرابات العقد العاتشر فترينا من ومضات الوعي أكثر بكثير :فقد وضعت مطالب
معينة وحسبت مسبقا اللحظة المناسبة وبحثت حوايدث وأمثلة معروفة من المناطق الخرى
الخ ..ولئن كانت المشاغبات مجريد إنتفاضات أناس مظلومين ،فإن الضرابات المتوالية كانت
مظهرا من مظاهر النضال الطبقي بشكله الجنيني ،ولكن بشكله الجنيني ل أكثر ول أقل.
وإذا أخذنا هذه الضرابات بحد ذاتها ،وجدنا أنها كانت نضال تريديونيونيا ،ولم تصبح بعد نضال
إتشتراكيا-يديموقراطيا .لقد أفصحت عن بروز التناحر بين العمال وأصحاب العمال ،ولكن
العمال لم يعوا ولم يكن من الممكن أن يعوا التضايد المستعصي بين مصالحهم وبين كل
النظام السياسي والجتماعي القائم ،أي أنهم لم يحصلوا على الوعي التشتراكي-
الديموقراطي .وبهذا المعنى ظلت إضرابات العقد العاتشر حركة عفوية محضا بالرغم من
التقدم الكبير الذي تم بالقياس إلى "المشاغبات" .قلنا أن الوعي التشتراكي-الديموقراطي
لم يكن في المكان أن يوجد آنئذ لدى العمال ،إذ أنه ل يمكن للعمال أن يحصلوا على هذا
الوعي إل من خارج نطاقهم .ولنا في تاريخ جميع البلدان تشاهد على أن الطبقة العاملة ل
تستطيع أن تكتسب بقواها الخاصة فقط غير الوعي التريديونيوني ،أي القتناع بضرورة
النتظام في نقابات والنضال ضد أصحاب العمال ومطالبة الحكومة بإصدار هذه أو تلك من
القوانين الضرورية للعمال ،الخ ..أما التعاليم التشتراكية ،فقد انبثقت عن النظريات
الفلسفية والتاريخية والقتصايدية التي وضعها المتعلمون من ممثلي الطبقات المالكة،
وضعها المثقفون .إن مؤسسي التشتراكية العلمية المعاصرة ،ماركس وإنجلس ،ينتسبان أيضا
من حيث وضعهما الجتماعي إلى المثقفين البرجوازيين .وكذلك المر في روسيا ،فقد انبثق
مذهب التشتراكية-الديموقراطية النظري بصورة مستقلة تماما عن النهوض العفوي لحركة
العمال ،انبثق بوصفه نتيجة طبيعية محتومة لتطور الفكر لدى المثقفين التشتراكيين
الثوريين .وفي الحقبة التي نتحدث عنها ،أي بحلول منتصف العقد العاتشر ،كان هذا المذهب
قد جذب إليه أكثرية الشبيبة الثورية في روسيا فضل عن أنه قد غدا برنامجا كامل التكوين
لفرقة "تحرير العمل" .وهكذا كانت توجد في وقت واحد يقظة عفوية لجماهير العمال ،يقظة
إلى الحياة الواعية وإلى النضال الواعي ،وتشبيبة ثورية مسلحة بالنظرية التشتراكية-
الديموقراطية كانت تتحرق رغبة في التقرب من العمال .هذا ومن الهام جدا أن نثبت هنا
واقعا ،كثيرا ما ينسى )ول يعرفه إل القليل نسبيا( ،وهو أن الرعيل الول من التشتراكيين-
الديموقراطيين الذين انصرفوا بحمية في تلك المرحلة إلى التحريض القتصايدي )آخذين بعين
العتبار الملحظات المفيدة حقا والواريدة في كراس "في التحريض" الذي كان ل يزال
مخطوطة آنئذ( ،لم يعتبروه مهمتهم الوحيدة ،بل لقد وضعوا أمام التشتراكية-الديموقراطية
الروسية منذ البدء أوسع المهام التاريخية بوجه عام ومهمة إسقاط الحكم المطلق بوجه
خاص .ونقول على سبيل المثال أن جماعة التشتراكيين-الديموقراطيين التي أسست في
بطرسبورغ "إتحايد النضال من أجل تحرير الطبقة العاملة") (47قد أعدت منذ أواخر عام
1895العديد الول من جريدة اسمها "رابوتشييه يديلو" .وكان هذا العديد جاهزا تماما للطبع
عندما صايدره الدرك أثناء غارة تشنها في ليلة 8إلى 9كانون الول )يديسمبر( سنة 1895من
عند أحد أعضاء الجماعة ،وهو .ولم تستطع "رابوتشييه يديلو" في تشكلها الول أن ترى
أناتولي الكسييفيتش فانييف النور .وقد رسمت افتتاحية هذه الجريدة )التي يحتمل أن
تنتشلها من محفوظات مديرية الشرطة بعد حوالي ثلثين سنة مجلة كمجلة "روسكايا
ستارينا") ((48المهام التاريخية التي تواجه الطبقة العاملة في روسيا ووضعت على رأس
13
م يفكر وزراؤنا؟"، هذه المهام اكتساب الحرية السياسية .ويأتي بعد هذه الفتتاحية مقال" :ب ِ َ
وقد تناول تحطيم الشرطة للجان مكافحة المية ،ومجموعة من الرسائل ل من بطرسبورغ
وحدها ،بل أيضا من مناطق أخرى في روسيا )مثل عن مذبحة العمال في محافظة
ياروسلفل) .((49وهكذا فإن هذه "التجربة الولى" -إذا لم أخطئ -للتشتراكيين-
الديموقراطيين الروس في العقد العاتشر كانت عبارة عن جريدة ليس طابعها محليا ضيقا،
وبالحرى ليس "باقتصايدي" ،وقد سعت وراء ربط النضال الضرابي بالحركة الثورية ضد
الحكم المطلق وإلى استنهاض كل من يعاني نير سياسة الظلمية الرجعية إلى تأييد
التشتراكية-الديموقراطية .وليس من مجال للشك لدى كل مطلع على حالة الحركة في ذلك
العهد ولو بعض الطلع ،في أنه كان ينتظر هذه الجريدة انتشار واسع جدا وتأييد تام لدى
عمال العاصمة والمثقفين الثوريين .أما إخفاق القضية ،فإن برهن على تشيء ،فقد برهن
على أن التشتراكيين-الديموقراطيين في ذلك العهد كانوا عاجزين عن الستجابة لمطلب
الساعة ،بسبب قلة تجربتهم الثورية ونقص استعدايدهم العملي .والشيء نفسه ينبغي أن
يقال عن "سانت بطرسبورغسكي رابوتشي ليستوك") (50وبوجه خاص عن "رابوتشايا
غازيتا" وعن "بيان" حزب العمال التشتراكي-الديموقراطي في روسيا) (51الذي تأسس في
ربيع .1898وغني عن القول أنه حتى ل يخطر ببالنا أن نلوم مناضلي ذلك العهد على عدم
الستعدايد هذا .ولكن ،لكيما نستفيد من تجربة الحركة ولكيما نستخلص من هذه التجربة
الدروس العملية ،ينبغي لنا أن نفهم كل الفهم أسباب هذه النقيصة أو تلك ومغزاها .ولذا من
الهمية بمكان أن نثبت أن قسما )وربما الكثرية( من التشتراكيين-الديموقراطيين المناضلين
في سنوات 1898-1895كانوا يعتبرون ،وهم في ذلك على حق ،أن من الممكن آنئذ ،في
د
مستهل الحركة "العفوية" .ولما كان عدم استعدايد أكثرية بالذات ،التقدم بأوسع برنامج وأح ّ
تكتيك للنضال الثوريين ظاهرة طبيعية تماما ،لم يمكن لهذا المر أن يستدعي أي خشية جدية.
وبما أن تعيين المهام كان صحيحا ،وبما أنه قد وجدت الهمة لتكرار المحاولت بهدف تحقيق
هذه المهام ،فإن الخفاقات المؤقتة لم تكن أكثر من نصف مصيبة .فالتجربة الثورية
والمهارة التنظيمية أمران يكتسبان اكتسابا ،والمهم أن يرغب المرء في تربية نفسه على
الصفات المطلوبة! والمهم أن يعي المرء النواقص ،وهو ما يعايدل في العمل الثوري أكثر من
نصف إصلح الخطأ! ولكن نصف المصيبة غدا مصيبة كاملة عندما أخذ هذا الوعي يخبو )وقد
كان هذا الوعي قويا جدا لدى العاملين في صفوف الجماعات المذكورة أعله( ،وعندما ظهر
أناس -وحتى صحف إتشتراكية-يديموقراطية -مستعدون لن يجعلوا من النقيصة فضيلة
وحاولوا حتى أن يبرروا نظريا خضوعهم الذليل أمام العفوية وتقديسهم لها .وقد آن لنا أن
حديد ،بابتعايد كبير عن الدقة ،بتعبير "القتصايدية" الذي هو أضيق نلخص نتائج هذا التجاه الذي ي ُ َ
من أن يعبر عن محتوى هذا التجاه.
قبل أن ننتقل إلى مظاهر هذا التقديس في المطبوعات نذكر الواقع التالي البليغ في يدللته
)وقد بلغنا من المصدر المذكور أعله( والذي يلقي بعض الضوء مبينا كيف ولد ونما بين
الرفاق العاملين في بطرسبورغ الخلف بين التجاهين اللذين ظهرا فيما بعد في التشتراكية-
الديموقراطية الروسية .في أوائل سنة 1897أتيح لفانييف ولبعض رفاقه أن يشتركوا ،قبل
إرسالهم إلى المنفى ،في اجتماع خاص) (52التقى فيه "الشيوخ" و"الشباب" من أعضاء
"إتحايد النضال من أجل تحرير الطبقة العاملة" .وقد يدار الحديث بصورة رئيسية حول التنظيم
وبوجه خاص حول "النظام الداخلي لصندوق العمال" ،النظام الذي نشر بصيغته النهائية في
العديد 10-9من ليستوك "رابوتنيكا")) (53ص .(46وقد ظهر على الفور خلف كبير واحتدم
الجدل بين "الشيوخ" )"الديسمبريين" كما كان يلقبهم آنذاك التشتراكيون-الديموقراطيون
في بطرسبورغ مازحين( وبين بعض "الشباب" )الذين تعاونوا فيما بعد بنشاط مع "رابوتشايا
ميسل"( .وقد يدافع "الشباب" عن السس الرئيسية للنظام الداخلي بصيغته المنشورة .وقال
"الشيوخ" :ليس هذا ما نحتاج إليه قبل كل تشيء ،إنما نحتاج إلى توطيد "إتحايد النضال" لكيما
يصبح منظمة ثوريين تخضع لها مختلف صنايديق العمال وحلقات الدعاية بين الشباب-الطلبة،
الخ ..وغني عن القول أنه لم يخطر ببال المتجايدلين أن يروا في هذا الخلف فاتحة الفتراق،
14
بل اعتبروه على العكس تشيئا منعزل وطارئا .ولكن هذا الواقع يبين أن نشوء "القتصايدية"
وانتشارها لم يحدثا في روسيا كذلك بدون نضال ضد التشتراكيين-الديموقراطيين "الشيوخ"
)المر الذي كثيرا ما ينساه "القتصايديون" الحاليون( .وإذا كان هذا النضال لم يترك في أكثر
الحالت آثارا "وثائقية" ،فالسبب الوحيد في ذلك أن تركيب الحلقات العاملة كان يتغير
بسرعة كبيرة جدا وأنه لم تتكون أية استمرارية ،فلم تسجل بالتالي اختلفات وجهات النظر
في أية وثيقة .إن ظهور "رابوتشايا ميسل" قد أخرج "القتصايدية" إلى وضح النهار ،ولكن
ليس يدفعة واحدة أيضا .ينبغي للمرء أن يكّون فكرة واضحة عن ظروف عمل العديد من
الحلقات الروسية وقصر آجالها )ول يستطيع ذلك إل الذي جرب المر بنفسه( لكيما يفهم
مدى الصدفة في نجاح أو إخفاق التجاه الجديد في مختلف المدن ،وكيف أن أنصار هذا
"الجديد" وخصومه على السواء ،كانوا عاجزين مدة طويلة ،عاجزين تماما عن تحديد ما إذا كان
هذا إتجاه ا ً أصيل حقا ،أو أنه مجريد تعبير عن النقص في استعدايد بعض التشخاص .ونقول على
سبيل المثال أن التشتراكيين-الديموقراطيين بأكثريتهم الكبرى حتى لم يعرفوا تشيئا على
الطلق عن العدايد الولى من "رابوتشايا ميسل" المطبوعة على الرونيو؛ وإذا كنا نستطيع
الن أن نستشهد بافتتاحية عديدها الول ،فما ذلك إل بفضل إعايدة نشرها في مقالة ف .إ) .
") (54ليستوك "رابوتنيكا" العديد ،10-9ص 47وما يليها( الذي لم يلبث طبعا أن كال المديح
بإفراط -بإفراط تجاوز المعقول -للجريدة الجديدة التي تختلف اختلفا بينا عن الجرائد
ومشاريع الجرائد التي ذكرناها أعله• .وخليق بنا أن نقف وقفة عند هذه الفتتاحية ما يدامت
قد أفصحت بمثل هذا الوضوح عن كامل روح "رابوتشايا ميسل" و"القتصايدية" بوجه عام .بعد
أن قالت الفتتاحية أن ساعد صاحب الكم الزرق) (55أعجز من أن يوقف تطور حركة العمال
تستطريد قائلة ..." :إن حركة العمال مدينة بمثل هذه الحيوية لكون العامل نفسه قد أخذ في
النهاية مصيره على عاتقه بعد أن انتزعه من أيدي القايدة"؛ ومن ثم تعالج هذه الفكرة
الساسية من جميع الوجوه .والواقع أن القايدة )أي التشتراكيين-الديموقراطيين منظمي
"إتحايد النضال"( قد انتزعتهم ؛ هذا بينما توضع القضية بشكل يبدو منه أن الشرطة ،كما
يمكن القول ،من أيدي العمال العمال قد ناضلوا ضد هؤلء القايدة وتحرروا من نيرهم! وبدل
من النداء للسير إلى أمام ،إلى توطيد التنظيم الثوري ،وتوسيع النشاط السياسي ،ارتفعت
الدعوة للرتدايد إلى الوراء ،إلى النضال التريديونيوني وحده .وُأعلن أن " الساس القتصايدي
للحركة يحجبه النزوع إلى عدم نسيان المثل العلى السياسي على الطلق" ،وأن تشعار
حركة العمال هو "النضال من أجل الحالة القتصايدية" )!( أو ،وهو الحسن" ،العمال للعمال"؛
و ُأعلن أن صنايديق الضرابات هي "أهم بالنسبة للحركة من مئة منظمة أخرى" )قارنوا هذا
القول العائد لتشرين الول )أكتوبر( سنة 1897بجدال "الديسمبريين" و"الشباب" في أوائل
سنة (1897الخ ..ثم إن صيغا َ من نوع :ينبغي أن نضع في المقام الول ل "نخبة" العمال ،بل
العامل "المتوسط" ،العامل العايدي أو من نوع" :السياسة تسير يدائما الخ ،..الخ ،.قد غدت
على الموضة وأصبح لها تأثير ل يقهر في بطواعية خلف القتصايد" الشبيبة التي انجرت إلى
الحركة والتي ل تعرف من الماركسية في أكثر الحالت غير فقرات في صياغتها العلنية .وقد
كان هذا تحطيما تاما للوعي من قبل العفوية ،من قبل عفوية أولئك "التشتراكيين-
الديموقراطيين" الذين كرروا "أفكار" السيد ف.ف ،.من قبل عفوية أولئك العمال الذين
أغرتهم الحجة القائلة بأن زيايدة كوبيك على روبل أغلى وأعز من كل اتشتراكية وكل سياسة
وأنه ينبغي لهم أن يقوموا "بالنضال مدركين أنهم إنما يناضلون ل من أجل أجيال مقبلة ما،
بل من أجل أنفسهم ومن أجل أوليدهم" )افتتاحية العديد 1من "رابوتشايا ميسل"( .إن أمثال
هذه العبارات قد كانت على الدوام السلح المحبب للبرجوازيين في أوروبا الغربية الذين -
من كرههم للتشتراكية -انصرفوا بأنفسهم )على غرار "التشتراكي-السياسي" اللماني
غيرش( إلى غرس التريديونيونية هو نضال النكليزية في تربتهم الوطنية قائلين للعمال أن
النضال النقابي فقط لنفسهم ولوليدهم ،ل لجيال مقبلة ما مع اتشتراكية مقبلة ما .وها
نحن نرى السايدة أضراب "ف.ف .رجل التشتراكية-الديموقراطية الروسية" يكررون الن هذه
العبارات البرجوازية .ومن الهام أن نشير هنا إلى ثلثة أمور ستفيدنا جدا في تحليلنا اللحق .
أول ،إن ما تحدثنا عنه بصديد تحطيم الوعي من قبل العفوية قد حدث للخلفات الراهنة كذلك
بشكل عفوي .ويبدو ذلك من قبيل التلعب باللفاظ ،ولكنه -ويا للسف! -الحقيقة المرة.
إنه لم يجر عن طريق نضال سافر بين مفهومين متعارضين كل التعارض وانتصار أحدهما
15
على الخر .بل عن طريق "انتزاع" الدرك للثوريين "الشيوخ" بعديد يتزايد باستمرار وعن
طريق بروز عديد يتزايد باستمرار من "الشباب" أضراب "ف.ف .رجل التشتراكية-
الديموقراطية الروسية" .إن كل من اتشتم هواء الحركة الروسية المعاصرة ،ول أقول اتشترك
فيها ،يعلم خير العلم أن المر كان كذلك على وجه الضبط .وإذا كنا نلح مع ذلك إلحاحا خاصا
على أن يدرك القارئ إيدراكا تاما هذا الواقع المعروف من الجميع ،وإذا كنا ،قصد اليضاح ،إن
جاز القول ،نوريد معطيات عن "رابوتشييه يديلو" في طورها الول وعن الجدال الذي قام بين
"الشيوخ" و"الشباب" في أوائل سنة - 1897فما ذلك إل لوجويد أناس يتبجحون
بـ"يديموقراطيتـ"هم مستغلين جهل الجمهور الواسع )أو الشباب الحديثي السن( لهذه
الحقيقة .ولنا عويدة إلى ذلك .ثانيا ،يمكننا ،مذ ظهرت "القتصايدية" لول مرة في
المطبوعات ،أن نلحظ ظاهرة فريدة وبليغة في يدللتها من حيث فهم جميع الخلفات القائمة
بين التشتراكيين-الديموقراطيين في الوقت الحاضر ،وهي أن أنصار "الحركة العمالية
الصرف" ،أنصار أوثق الرتباط "العضوي" )تعبير "رابوتشييه يديلو"( بالنضال البروليتاري،
خصوم جميع المثقفين غير العمال )حتى ولو كانوا مثقفين اتشتراكيين( يضطرون في الدفاع
عن مواقفهم إلى اللتجاء إلى حجج "التريديونيونيين -فقط" البرجوازيين .وهذا ما يبين لنا
أن "رابوتشايا ميسل" قد أخذت منذ ظهورها تطبق -عن غير وعي -برنامج ""Credo
)"الكريدو"( .كما يبين هذا )وهو ما ل تستطيع "رابوتشييه يديلو" أن تفهمه( أن كل تقديس
لعفوية حركة العمال ،كل انتقاص من يدور "عنصر الوعي" ،يدور التشتراكية-الديموقراطية،
يعني -سواء أرايد المنتقص أم لم يريد ،فليس لذلك أقل أهمية -تقوية نفوذ اليديولوجية
البرجوازية في العمال .إن كل من ،عن المغالة في يدور عنصر يتحدث عن "تقدير أهمية
اليديولوجية بأكثر مما تستحق" الوعي• الخ ،.يتصور أن الحركة العمالية الصرف تستطيع بحد
ذاتها أن تصنع لنفسها وأنها ستصنع لنفسها بالتأكيد إيديولوجية مستقلة ،وأن ذلك ل يتطلب
غير قيام العمال "بانتزاع مصيرهم من أيدي القايدة" .ولكن هذا خطأ فاحش .وبالضافة إلى
ما قلناه آنفا ،نثبت هنا كلمات ك .كاوتسكي التالية الهامة والعميقة في صدقها ،هذه الكلمات
التي " :يحسب قالها بصديد مشروع البرنامج الجديد للحزب التشتراكي-الديموقراطي
النمساوي كثيرون من نقايدنا المحرفين أن ماركس قد أكد أن التطور القتصايدي والنضال
الطبقي ل يخلقان ظروف النتاج التشتراكي وحسب ،بل يخلقان مباتشرة أيضا وعي )إتشارة
التأكيد لكاوتسكي( ضرورته .وها هم هؤلء النقايد يعترضون بأن إنكلترا ،البليد الكثر تطورا
من الناحية الرأسمالية ،هي أبعد الجميع عن هذا الوعي .إن مشروع البرنامج يفسح مجال
للظن بأن اللجنة التي وضعت البرنامج النمساوي تشارك وجهة النظر هذه ،التي يزعم أنها
ماركسية أرثوذكسية ،والتي يدحضها المثال المشار إليه .فقد جاء في المشروع" :بمقدار ما
تتزايد البروليتاريا نتيجة للتطور الرأسمالي ،تزيدايد اضطرارا إلى النضال ضد الرأسمالية
وتحصل على إمكانية هذا النضال .وتصل البروليتاريا إلى إيدراك" إمكانية التشتراكية
وضرورتها .وعلى هذا الساس يبدو الوعي التشتراكي نتيجة مباتشرة محتومة للنضال الطبقي
البروليتاري .وهذا غير صحيح على الطلق .صحيح أن التشتراكية ،بوصفها مذهبا ،تستمد
جذورها من العلقات القتصايدية الراهنة كشأن النضال الطبقي البروليتاري سواء بسواء،
وأنها كالنضال الطبقي البروليتاري تنبثق من النضال ضد ما تسببه الرأسمالية للجماهير من
فقر وبؤس .غير أن التشتراكية والنضال الطبقي ينبثقان أحدهما إلى جانب الخر ،ل أحدهما
من الخر .إنهما ينبثقان من مقدمات مختلفة .فالوعي التشتراكي الراهن ل يمكنه أن ينبثق
إل على أساس معارف علمية عميقة .وبالفعل أن العلم القتصايدي الحديث هو تشرط من
تشروط النتاج التشتراكي ،تشأنه ،مثل ،تشأن التكنيك الحديث سواء بسواء .والحال أن
البروليتاريا ،بالرغم من كل رغبتها ،ل تستطيع أن تخلق ل هذا ول ذاك ،فكلهما ينشأ عن
التطور الجتماعي الحديث .هذا وان العلم ليس بيد البروليتاريا ،بل بيد المثقفين البرجوازيين
)حرف التأكيد لكاوتسكي( :فالتشتراكية الحديثة نفسها قد انبثقت هي أيضا في رؤوس بعض
أعضاء هذه الفئة ،وقد نقلها هؤلء إلى أكثر البروليتاريين تطورا من الناحية الفكرية ،الذين
أخذوا بعد ذلك يدخلونها في نضال البروليتاريا الطبقي حيث تسمح الظروف .وعلى ذلك كان
الوعي التشتراكي عنصرا يؤخذ من الخارج ) (von auben Hineigetragenesوينقل إلى
نضال البروليتاريا الطبقي ،ل تشيئا ينبثق منه بصورة عفوية ) .(urwûchsigولهذا قيل في
برنامج هينفيلد القديم ،بحق تماما ،أن مهمة التشتراكية-الديموقراطية هي أن تحمل إلى
16
البروليتاريا )حرفيا :تمل البروليتاريا( وعي وضعها ووعي رسالتها .ولم تكن هناك من حاجة
إلى ذلك ،لو كان هذا الوعي ينبثق من النضال الطبقي من تلقاء نفسه .أما المشروع الجديد
فقد أخذ هذه الفكرة من البرنامج القديم وربطها بالصيغة المثبتة أعله ،المر الذي قطع
بصورة تامة مجرى التفكير ."...ولما كان من غير الممكن حتى أن تكون ثمة إيديولوجية
مستقلة تصنعها جماهير العمال نفسها في مجرى حركتها موضع بحث• فل يمكن أن تطرح
المسألة إل بالشكل التالي :إما إيديولوجية برجوازية وإما إيديولوجية اتشتراكية .وليس ثمة
وسط بينهما )لن البشرية لم تصنع إيديولوجية "ثالثة" ،أضف إلى ذلك أنه في مجتمع تمزقه
التناقضات الطبقية ،ل يمكن أن توجد على الطلق أية إيديولوجية خارج الطبقات أو فوق
الطبقات( .ولذلك فإن كل انتقاص من اليديولوجية التشتراكية وكل ابتعايد عنها هو في حد
ذاته بمثابة تمكين لليديولوجية البرجوازية وتوطيد لها .ويتحدثون عن العفوية .ولكن التطور
العفوي لحركة العمال يسير على وجه الدقة في اتجاه إخضاعها لليديولوجية البرجوازية،
يسير على وجه الدقة وفق برنامج "") "Credoالكريدو"( ،لن الحركة العمالية العفوية هي
التريديونيونية .هي .Nur-Gewerkschaftlereiوما التريديونيونية غير إخضاع العمال فكريا
للبرجوازية .ولذا فإن واجبنا ،واجب التشتراكية-الديموقراطية ،هو النضال ضد العفوية ،هو
النضال من أجل صرف حركة العمال عن نزوع التريديونيونية العفوي إلى كنف البرجوازية
وجذبها إلى كنف التشتراكية-الديموقراطية الثورية .ولذلك فإن عبارة واضعي الرسالة
"القتصايدية" في العديد 12من "اليسكرا" ،هذه العبارة القائلة بأن جميع جهويد اليديولوجيين
الكثر إلهاما ل يمكنها أن تخرج حركة العمال عن الطريق الذي حديده لها تفاعل العناصر
المايدية والبيئة المايدية ،تعايدل تماما التخلي عن التشتراكية .ولو كان هؤلء الكتاب قايدرين
على إمعان الفكر فيما قالوه ،حتى النهاية ،بصورة منطقية وبدون خوف ،كما ينبغي أن يفعل
كل من يبرز إلى مسرح النشاط اليدبي والجتماعي ،لما بقي عليهم أن يفعلوا غير "وضع
أيديهم التي ل ضرورة لها على صدورهم الفارغة" و ...ترك المسرح للسايدة أمثال ستروفه
وبروكوبوفيتش الذين يجرون حركة العمال في اتجاه "أهون السبل" ،أي في اتجاه
التريديونيونية البرجوازية ،أو للسايدة أمثال زوباتوف الذين يجرونها في اتجاه "إيديولوجية"
الكليروس والدرك (59).تذكروا مثل ألمانيا .ما هي الخدمة التاريخية التي أيداها لسال لحركة
العمال اللمانية؟ هي أنه صرف هذه الحركة عن طريق التريديونيونية التقدمية وطريق
التعاونية الذي كانت تتجه إليه بصورة عفوية )بمساعدة لطيفة -قدمها أمثال تشولتزه -
يديليتش وأضرابهم .وقد تطلب القيام بهذه المهمة تشيئا ل يشبه إطلقا النتقاص من أهمية
العنصر العفوي والتكتيك-الحركة وتفاعل العناصر والبيئة وهلم جرا .لقد تطلب المر نضال ل
يعرف الهوايدة ضد العفوية .ولم يمكن مثل تحويل سكان برلين من العمال من يدعامة للحزب
التقدمي إلى حصن من خير حصون التشتراكية-الديموقراطية إل نتيجة نضال كهذا استمر
سنين طويلة ،وطويلة جدا .وهذا النضال لم ينته أبدا حتى الن )كما قد يحسب الناس الذين
يأخذون تاريخ الحركة اللمانية عن بروكوبوفيتش وفلسفتها عن ستروفه( .فالطبقة العاملة
اللمانية ما تزال حتى الن منقسمة ،إن صح التعبير ،بين بضع إيديولوجيات :فثمة قسم من
العمال متحد في نقابات العمال الكاثوليكية والملكية ،وثمة قسم آخر متحد في نقابات
هيرش-يدونكر) (60التي أسسها البرجوازيون من أنصار التريديونيونية النكليزية ،وقسم ثالث
متحد في النقابات التشتراكية-الديموقراطية .وهذا القسم الثالث هو أكبر بما ل يقاس من
سائر القسام .ولكن اليديولوجية التشتراكية-الديموقراطية لم تستطع أن تحصل على هذا
التفوق ول تستطيع أن تحتفظ به إل بالنضال المستمر ضد جميع اليديولوجيات الخرى .وقد
يتساءل القارئ :لماذا إذن كانت الحركة العفوية ،حركة التجاه نحو أهون السبل ،تؤيدي على
وجه الدقة إلى سيطرة اليديولوجية البرجوازية؟ ذلك لمجريد كون اليديولوجية البرجوازية،
من حيث منشؤها ،أقدم من اليديولوجية التشتراكية بكثير ،ولنها وضعت بصورة أكمل من
جميع الوجوه ،ولنها تتصرف بوسائل للنشر أكثر بما ل .وكلما كانت الحركة التشتراكية حديثة
في بلد من البلدان ،كلما كان ينبغي أن يقاس يشتد تبعا لذلك ،النضال ضد جميع المحاولت
لتوطيد اليديولوجية غير التشتراكية ،كلما كان ينبغي أن يشتد الحزم في تحذير العمال من
نصحاء السوء الذين يصرخون ضد "المغالة في تقدير أهمية عنصر الوعي" الخ… إن واضعي
الرسالة "القتصايدية" يرعدون ويبرقون في جوقة واحدة مع "رابوتشييه يديلو" ضد عدم
التسامح الذي يميز الحركة في عهد طفولتها .ونحن نجيب على ذلك :أجل ،إن حركتنا تجتاز
17
حقا عهد طفولتها ،ولكيما يشتد ساعدها بسرعة ،ينبغي لها أن ُتعدى حتما بعدوى عدم
التسامح حيال الناس الذين يعيقون نموها بتقديسهم العفوية .ليس من تشيء أسخف وأكثر
ضررا من أن نجعل من أنفسنا تشيوخا اجتازوا منذ عهد بعيد جميع مراحل النضال الفاصلة!
ثالثا ،يبين لنا العديد الول من "رابوتشايا ميسل" أن اسم "القتصايدية" )الذي ل نفكر طبعا
بالعدول عنه ،لن هذا اللقب قد رسخ بشكل من التشكال( ل يفصح بالدقة الكافية عن جوهر
التجاه الجديد .ذلك أن "رابوتشايا ميسل" ل تنكر النضال السياسي إنكارا تاما :فالنظام
الداخلي للصندوق ،النظام المنشور في العديد 1من "رابوتشايا ميسل" ،يتحدث عن النضال
ضد الحكومة .كل ما في المر أن "رابوتشايا ميسل" تحسب أن "السياسة تسير على الدوام
بخنوع في أثر القتصايد" )أما "رابوتشييه يديلو" فتغير هذه الصيغة مؤكدة في برنامجها أن
"النضال القتصايدي وثيق الصلة في روسيا ،أكثر مما في أية بليد أخرى ،بالنضال السياسي"(.
وصيغتا "رابوتشايا ميسل" و"رابوتشييه يديلو" هاتان غير صحيحتين بتاتا إذا فهمنا من كلمة
السياسة – السياسة التشتراكية-الديموقراطية .فكثيرا ما يحدث لنضال العمال القتصايدي أن
يكون على صلة )وإن لم تكن وثيقة( بالسياسة البرجوازية ،بالسياسة الدينية ،الخ ،.كما سبق
أن رأينا .وتكون صيغة "رابوتشييه يديلو" صحيحة إذا فهمنا من كلمة السياسة –السياسة
التريديونيونية ،أي الطموح المشترك بين جميع العمال إلى الحصول من الدولة على تدابير ما
للتخفيف من المصائب التي تلزم وضعهم ،ولكنها ل تزيل هذا الوضع ،أي أنها ل تقضي على
خضوع العمل لرأس المال .وهذا الطموح هو في الحقيقة مشترك بين التريديونيونيين
النكليز الذين يقفون من التشتراكية موقف العداء وبين العمال الكاثوليك والعمال
"الزوباتوفيين" الخ ..ثمة سياسة وسياسة .وهكذا نرى أن موقف "رابوتشايا ميسل" من
النضال السياسي أيضا ليس موقف إنكار له بمقدار ما هو موقف تقديس لعفويته ،تقديس
لعدم وعيه .فهي إذ تعترف تماما بالنضال السياسي الذي ينبثق بصورة عفوية من حركة
العمال نفسها )أو الصح :بتمنيات العمال ومطالبهم السياسية( ترفض كل الرفض أن تضع
بصورة مستقلة سياسة اتشتراكية-يديموقراطية خاصة تتفق والمهام العامة للتشتراكية
والظروف الروسية الراهنة .وسنبين فيما يلي أن "رابوتشييه يديلو" تقترف كذلك هذا الخطأ.
إذا كنا حللنا بهذا التفصيل افتتاحية العديد الول من "رابوتشايا ميسل" التي ل يعرفها غير
القلئل والتي كايدت تنسى في الوقت الحاضر ،فذلك لنها أفصحت قبل الجميع وبشكل أوضح
من الجميع عن ذلك السيل العام الذي خرج فيما بعد إلى وضح النهار جداول صغيرة ل تحصى.
لقد كان ف .أ .على تمام الحق عندما قال ممتدحا العديد الول من "رابوتشايا ميسل"
وافتتاحيتها أنها كتبت "بحمية وتشدة" )"ليستوك "رابوتنيكا"" ،العديد ،10-9ص .(49إن كل
إنسان واثق من رأيه ويعتقد أنه آت بجديد يكتب "بحمية" ،يكتب بشكل يعرب عن نظراته
بجلء .ول يخلو من "الحمية" غير الناس الذين اعتايدوا الجلوس بين كرسيين .وليس غير هؤلء
من يستطيع أن يمتدح في المس حمية "رابوتشايا ميسل" وأن يهاجم اليوم خصومها
"لحميتهم في الجدال" .ويدون أن نتوقف عند "الملحق الخاص لـ"رابوتشايا ميسل"" )وسيتأتى
علينا أن نستشهد فيما يأتي في تشتى المناسبات بهذا المؤلف الذي يفصح عن أفكار
"القتصايديين" بأكثر ما يمكن من النسجام( نتناول فقط باختصار "نداء جماعة تحرير العمال
الذاتي" )آذار -مارس -سنة ،1899وقد أعيد نشره في "ناكانونيه") (62بلندن ،العديد 7تموز-
يوليو -سنة .(1899يقول واضعو هذا النداء وهم على تمام الحق أن "روسيا العمال ل تفعل
الن غير أن تستيقظ وتتلفت حولها وتتناول بصورة غريزية أول وسيلة من وسائل النضال
تقع عليها يدها"؛ ولكنهم يخلصون من ذلك إلى نفس الستنتاج غير الصحيح الذي خلصت إليه
"رابوتشايا ميسل" ،ناسين أن الغريزة هي عدم الوعي )العفوية( بالذات الذي ينبغي
للتشتراكيين أن يخفوا لمساعدته ،وأن "أول وسيلة تقع عليها يدها" من وسائل النضال هي
على الدوام ،في المجتمع الراهن ،وسيلة النضال التريديونيونية ،وأن أول إيديولوجية "تقع
عليها يدها" هي اليديولوجية البرجوازية )التريديونيونية( .ثم إن واضعي هذا النداء ل
"ينكرون" كذلك السياسة ،إنما هم يقولون فقط )فقط!( في أثر السيد ف.ف .أن السياسة
هي بناء فوقي ولذلك "ينبغي للتحريض السياسي أن يكون بناء فوقيا للتحريض على النضال
18
القتصايدي ،ينبغي أن ينمو على صعيد هذا النضال وأن يسير في أثره" .أما "رابوتشييه يديلو"
فقد بدأت نشاطها مباتشرة بـ"الدفاع" عن "القتصايديين" .فبعد أن نطقت "رابوتشييه يديلو"
بكذب جلي في عديدها الول بالذات )العديد ،1ص ص (142-141زاعمة أنها "ل تعلم عن أي
الرفاق الشباب تكلم آكسيلرويد" الذي حذر "القتصايديين" في كراسه المعروف• ،اضطرت
في مجرى احتدام الجدال مع آكسيلرويد وبليخانوف بصديد هذا الكذب إلى العتراف بأنها
"أرايدت عن طريق التظاهر بالدهشة أن تدفع هذه التهمة الباطلة عن جميع التشتراكيين-
الديموقراطيين الحدث سنا في الخارج" )اتهام آكسيلرويد "للقتصايديين" بضيق الفق(.
والواقع أن هذا التهام كان صحيحا كل الصحة ،وأن "رابوتشييه يديلو" كانت تعلم حق العلم أن
التهام ينال فيمن ينال عضو هيئة تحريرها ف .ا .وأقول في هذا الصديد أن آكسيلرويد كان
على تمام الحق في هذا الجدال وأن "رابوتشييه يديلو" كانت على تمام الخطأ في تفسير
كراسي" :مهام التشتراكيين-الديموقراطيين الروس" .فقد كتبت هذا الكراس سنة ،1897أي
قبل ظهور "رابوتشايا ميسل" وعندما كنت أعتقد وكان يحق لي آنذاك أن أعتقد أن التفوق
للتجاه الولي الذي اتجهه "إتحايد النضال" في سانت بطرسبورغ ،والذي حديدت خصائصه آنفا.
وقد كان هذا التجاه متفوقا في الحقيقة حتى منتصف سنة 1898على القل .ولذلك كان ل
يحق لـ"رابوتشييه يديلو" على الطلق أن تستشهد في يدحضها لوجويد "القتصايدية" وخطرها،
بكراس يعرض نظرات حلت محلها في سانت بطرسبورغ خلل سنتي 1898-1897النظرات .
♣"القتصايدية"
بيد أن "رابوتشييه يديلو" لم تقتصر على "الدفاع" عن "القتصايديين" ،ولكنها كانت هي نفسها
تنزلق على الدوام إلى أخطائهم الساسية .ومصدر هذا النزلق هو الفهم الملتبس
للموضوعة التالية من برنامج "رابوتشييه يديلو"" :إن أهم ظاهرة في الحياة الروسية ،الظاهرة
التي من تشأنها أن تكون العامل الرئيسي في تحديد مهام )حرف التأكيد لنا( التحايد وطابع
نشاطه في مضمار المطبوعات هي في رأينا حركة العمال الجماهيرية )حرف التأكيد
لـ"رابوتشييه يديلو"( التي ظهرت في السنوات الخيرة" .ل مراء في أن الحركة الجماهيرية
ظاهرة في منتهى الهمية .ولكن كل القضية هي في كيفية فهم "تحديد المهام" من قبل
هذه الحركة الجماهيرية .إذ يمكن أن يفهم ذلك على وجهين :يمكن أن يفهم إما بمعنى
تقديس عفوية هذه الحركة ،أي جعل يدور التشتراكية-الديموقراطية مجريد يدور خايدم لحركة
العمال كما هي )هكذا تفهم ذلك "رابوتشايا ميسل" و"جماعة التحرير الذاتي"
و"القتصايديون" الخرون( وإما بمعنى أن الحركة الجماهيرية تفرض علينا مهام جديدة ،نظرية
وسياسية وتنظيمية ،أعقد بكثير من المهام التي كان يمكننا أن نكتفي بها في المرحلة التي
سبقت ظهور الحركة الجماهيرية .وقد كانت "رابوتشييه يديلو" ول تزال تميل إلى المفهوم
الول بالضبط ،لنها لم تقل قط تشيئا معينا عن أية مهام جديدة ،بل كانت تحاكم على الدوام
كما لو كانت هذه "الحركة الجماهيرية " تخلصنا من ضرورة اليدراك الواضح لما تطرحه من
مهام ومن ضرورة القيام بهذه المهام .وحسبنا أن نذكر بأن "رابوتشييه يديلو" كانت تعتبر من
غير الممكن أن توضع مهمة إسقاط الحكم المطلق كمهمة أولى لحركة العمال الجماهيرية،
وأنها هبطت بهذه المهمة )باسم الحركة الجماهيرية( إلى مستوى النضال من أجل أقرب
المطالب السياسية )"الجواب" ،ص .(25لنترك جانبا مقال محرر "رابوتشييه يديلو" ب.
كريتشيفسكي في العديد " - 7النضال القتصايدي والسياسي في الحركة الروسية" ،هذا
المقال الذي كرر ،ولننتقل مباتشرة إلى العديد 10من "رابوتشييه يديلو" .لن نحلل طبعا نفس
الخطاء اعتراضات ب .كريتشيفسكي ومارتينوف على "زاريا" و"اليسكرا" واحدا واحدا ،إذ ل
يهمنا هنا إل الموقف المبدئي الذي وقفته "رابوتشييه يديلو" في العديد .10لن نحلل مثل
المر الغريب التالي وهو أن "رابوتشييه يديلو" ترى "تناقضا أساسيا" بين هذه الموضوعة" :إن
التشتراكية-الديموقراطية ل تقيد يديها ،ل تقيد نشاطها بأي مشروع أو أسلوب يوضع سلفا
من مشاريع أو أساليب النضال السياسي ،فهي تعترف بجميع وسائل النضال .وبين
الموضوعة على أن تتلءم وقوى الحزب الواقعية" الخ") .اليسكرا" ،العديد (1التالية" :إذا لم
توجد منظمة قوية متمرسة بالنضال السياسي وتحسن القيام به في جميع الظروف
والمراحل فل يمكن أن يكون موضع بحث أي مشروع للعمل ،متماسك الجزاء ،موضح بمبايدئ
ثابتة ،وينفذ باستقامة ،مشروع يستحق وحده من يدون سائر المشاريع تسميته .إن الخلط
19
بين العتراف المبدئي بجميع وسائل بالتكتيك" )"اليسكرا" ،العديد (4النضال ،بجميع
المشاريع والساليب ،على أن تكون ملئمة ،وبين المطالبة في ظرف سياسي معين
بالسترتشايد بمشروع ينفذ باستقامة - ،إن هذا الخلط ،إذا كنا نريد الحديث عن التكتيك ،هو
أتشبه بالخلط بين اعتراف الطب بجميع طرق العلج مع مطالبته باتباع طريقة معينة لمعالجة
مرض معين .ولكن القضية كلها في كون "رابوتشييه يديلو" المصابة هي نفسها بالمرض الذي
سميناه نحن بتقديس العفوية ،ل تريد أن تعترف بأية "طرق علج" لهذا المرض .ولذلك
توصلت إلى اكتشاف فذ ،وهو أن "التكتيك-المشروع ينافي روح الماركسية من أساسها"
)العديد ،10ص ،(18وأن التكتيك هو "سير نمو مهام الحزب التي تنمو مع نمو الحزب" )ص
،11حرف التأكيد لـ"رابوتشييه يديلو"( .هنالك كل المكانيات لن تصبح هذه الحكمة الخيرة
من الحكم المشهورة ،لن تصبح ذكرى "لتجاه" "رابوتشييه يديلو" يعجز الدهر عن محوها.
فعلى سؤال" :إلى أين نسير؟" تجيب الجريدة القائدة :الحركة هي مجرى تغير المسافة بين
نقطة النطلق والنقطة التالية للحركة .إن هذا التفكير العميق منتهى العمق ليس من
الطرائف وحسب )ولو كان المر كذلك لما كان خليقا بالوقوف عنده( ،إنما هو أيضا برنامج
اتجاه بأكمله :هو البرنامج الذي أعرب ر.م) .في "الملحق الخاص لـ"رابوتشايا ميسل""(
بكلمات :المرغوب فيه هو النضال الممكن ،والممكن هو الذي يجري في هذه البرهة .إنه
بالضبط اتجاه النتهازية التي ل تعرف الحدويد والتي تتكيف بصورة سلبية تبعا للعفوية.
"التكتيك-المشروع ينافي روح الماركسية من أساسها!" ولكن هذا افتراء على الماركسية ،إنه
تحويل لها إلى صورة تشوهاء تشبه تلك التي عارضنا بها الشعبيون) (63في حربهم علينا .إن
هذا بالضبط تثبيط لمبايدرة المناضلين الواعين وهمتهم ،في حين أن الماركسية ،على العكس
من ذلك ،حافز هائل لمبايدرة التشتراكي-الديموقراطي وهمته ،فهي تكشف أمامه أوسع
الفاق ،واضعة تحت تصرفه )إن أمكن التعبير( القوى الهائلة ،قوى المليين العديدة من أبناء
الطبقة العاملة الناهضين "بصورة عفوية" إلى النضال! إن تاريخ التشتراكية-الديموقراطية
العالمية بأكمله زاخر بالمشاريع التي وضعها هذا أو ذلك من القايدة السياسيين ،مشاريع تبرز
بصيرة البعض وصحة نظراته السياسية والتنظيمية وتكشف عن قصر نظر البعض الخر
وأخطائه السياسية .فعندما اجتازت ألمانيا انعطافا من أكبر النعطافات في تاريخها -تشكيل
المبراطورية وفتح الريخستاغ ومنح الحق النتخابي العام -كان لدى ليبكنخت مشروع
للسياسة التشتراكية-الديموقراطية والعمل التشتراكي-الديموقراطي بوجه عام ،وكان لدى
تشفيتزر مشروع آخر .وعندما انقض على التشتراكيين اللمان القانون الستثنائي ،كان ثمة
مشروع لدى موست وهاسيلمان المستعدين للدعوة صراحة إلى العنف والرهاب ،وكان ثمة
مشروع آخر لدى هوخبيرغ وتشرام ولدى برنشتين )جزئيا( الذين حاولوا وعظ التشتراكيين-
الديموقراطيين بأن القانون جاء نتيجة لشدتهم غير المعقولة وثوريتهم ،وبأنه ينبغي عليهم
أن ينالوا المغفرة بحسن السلوك؛ وكان ثمة مشروع ثالث لدى الذين أعدوا العدة لنشر جريدة
سرية وحققوا ذلك) .(64وعندما يلقي المرء نظرة إلى الوراء بعد انقضاء سنوات عديدة على
انتهاء النضال حول مسألة اختيار الطريق الواجب اتباعه ،وبعد أن قال التاريخ كلمته الخيرة
بصديد صحة الطريق الذي وقع عليه الختيار ،ل يصعب عليه طبعا أن يبرهن على عمق تفكير
بقوله أن مهام الحزب تنمو مع نمو الحزب ،في الوقت الذي يهبط فيه نفسه .ولكن الكتفاء
بعمق التفكير هذا في وقت البلبلة "النقايد" و"القتصايديون" الروس بالتشتراكية-
الديموقراطية إلى مستوى التريديونيونية ويدعو فيه الرهابيون بقوة إلى قبول "تكتيك-
مشروع يكرر الخطاء السابقة - ،أقول أن الكتفاء بمثل هذا العمق في التفكير في مثل هذا
الوقت ،يعني تسجيل المرء على نفسه "تشهايدة فقر حال" .وفي الوقت الذي أصيب فيه
كثيرون من التشتراكيين-الديموقراطيين الروس بنقص المبايدرة والهمة على وجه الدقة،
بنقص "المدى في الدعاية السياسية ،بالنقص في "مشاريع" تنظيم العمل الثوري على
والتحريض السياسي والتنظيم السياسي" نطاق أوسع -إن القول في مثل هذا الوقت أن
"التكتيك-المشروع ينافي روح الماركسية من أساسها" ل يعني ابتذال الماركسية نظريا
وحسب ،بل يعني أيضا جر الحزب عمليا إلى الوراء .تعلمنا "رابوتشييه يديلو" بعد ذلك أن
"واجب التشتراكي-الديموقراطي الثوري ليس إل تعجيل التطور الموضوعي بعمله الواعي ،ل
إلغاءه أو الستعاضة عنه بالمشاريع الذاتية .و"اليسكرا" تعرف كل ذلك من الناحية النظرية.
ولكن الهمية الكبرى التي تعيرها الماركسية ،بحق ،للعمل الثوري الواعي تحملها عمليا،
20
نتيجة لنظرتها الجامدة إلى التكتيك ،على التقليل من أهمية العنصر الموضوعي أو العفوي
في التطور" )ص .(18وها نحن مرة أخرى أمام تشويش نظري خارق خليق بالسيد ف .ف.
وتشركائه .بويدنا أن نسأل فيلسوفنا :بم يمكن أن يتجلى "التقليل من أهمية" التطور
الموضوعي لدى واضع المشاريع الذاتية؟ واضح أن ذلك يتجلى في كونه يغفل أن هذا التطور
الموضوعي ينشئ أو يقوي ،يهلك أو يضعف هذه أو تلك من الطبقات أو الفئات أو الجماعات،
من المم أو مجموعات المم الخ ،.مشترطا بذلك هذه أو تلك من تكتلت القوى السياسية
العالمية ومواقف الحزاب الثورية الخ ..ولكن خطأ مثل هذا الواضع ل يكون ،والحالة هذه،
التقليل من أهمية العنصر العفوي ،بل ،بالعكس ،التقليل من أهمية العنصر الواعي ،إذ ينقصه
"الوعي" لفهم التطور الموضوعي فهما صحيحا .ولذلك فإن مجريد الكلم عن "تقدير الهمية
النسبية" )حرف التأكيد لـ"رابوتشييه يديلو"( للعفوية والوعي يكشف عن انعدام "الوعي"
انعداما تاما .فلئن كان الوعي النساني يستطيع بوجه عام فهم بعض "عناصر التطور
العفوية" فإن عدم تقديرها على الوجه الصحيح يعايدل "التقليل من أهمية عنصر الوعي" .أما
إذا كان الوعي عاجزا عن فهمها ،فنحن إذن ل نعرفها وليس بوسعنا أن نتكلم عنها .فعم
يتكلم ،إذن ،ب .كريتشيفسكي؟ إذا كان يعتبر "المشاريع الذاتية" التي وضعتها "اليسكرا"
مغلوطة )وهو يعلنها ،على وجه الدقة ،مغلوطة( ،فقد كان عليه أن يبرز ما تغفله هذه
المشاريع بالضبط من الوقائع الموضوعية وأن يتهم "اليسكرا" لهذا الغفال بعدم كفاية
الوعي ،بـ"التقليل من أهمية عنصر الوعي" ،إذا استعملنا تعابيره .أما إذا كان غير راض عن
المشاريع الذاتية ول توجد لديه براهين غير الكلم عن "التقليل من أهمية العنصر العفوي"
)!!( فهو ل يفعل أكثر من أن يبرهن بذلك أنه ) (1من الناحية كارييف وميخايلوفسكي
وأضرابهما الذين سخر منهم النظرية يفهم الماركسية à laبلتوف) (65بما فيه الكفاية ،وأنه
) ( 2من الناحية العملية راض كل الرضى عن "عناصر التطور العفوية" التي ساقت ماركسيينا
العلنيين إلى البرنشتينية واتشتراكيينا-الديموقراطيين إلى "القتصايدية" وأنه "مغيظ حانق"
على الناس المصممين على صرف التشتراكية-الديموقراطية الروسية عن طريق التطور
"العفوي" مهما كلفهم المر .وتأتي بعد ذلك أتشياء مسلية جدا" .كما أن الناس سيستمرون
في التكاثر على طريقة الجدايد بالرغم من كل النجاحات التي توصلت إليها العلوم الطبيعية،
كذلك فإن وليدة نظام اجتماعي جديد -بالرغم من كل نجاحات العلوم الجتماعية ونمو
المناضلين الواعين -ستظل في المستقبل أيضا وبالدرجة الولى نتيجة للنفجارات العفوية"
)ص .(19وكما جاء في حكمة الجدايد :من ذا الذي نقصه العقل من أجل أن ينجب أطفال،
كذلك يقول "التشتراكيون المحدثون" ) à laنرسيس توبوريلوف) ((66في حكمتهم :لن ينقص
أحد العقل من أجل التشتراك في وليدة عفوية لنظام اجتماعي جديد .ونحن نعتقد أيضا أن
أحدا لن ينقصه العقل .فلمثل هذا التشتراك حسب المرء أن يستسلم "للقتصايدية" عندما
تسويد "القتصايدية" وأن يستسلم للرهابية عندما تنشأ الرهابية .وهكذا ،في ربيع هذه السنة،
عندما كان من الهام جدا التحذير من الولع بالرهاب ،وقفت "رابوتشييه يديلو" وقفة الحائر
أمام مسألة "جديدة" بالنسبة إليها .والن ،بعد مضي نصف سنة ،عندما فقدت المسألة حدتها،
تقدم لنا في وقت معا تصريحا" :نحن نعتقد أن مهمة التشتراكية-الديموقراطية ل يمكن ول
ينبغي أن تكون الوقوف في وجه تعاظم الميول الرهابية" )"رابوتشييه يديلو" ،العديد ،10ص
،(23وقرار المؤتمر" :يعتقد المؤتمر أن الرهاب الهجومي المنتظم ليس في حينه"
)"مؤتمران" ،ص .(18يا له من وضوح ومن ترابط! ل نقف في وجهه ،ولكننا نعلن أنه ليس
في حينه -ونعلن بشكل يجعل "القرار" ل يشمل الرهاب الدفاعي وغير المنتظم .ول بد من
العتراف بأن هذا "القرار" ل ينطوي على أي خطر وهو معصوم من كل خطأ ،كما يعصم من
الخطأ من يتكلم لكي ل يقول تشيئا! ولوضع مثل هذا القرار ل يحتاج المرء إل لمر واحد :أن
يحسن التمسك بذيل الحركة .وعندما سخرت "اليسكرا" من إعلن "رابوتشييه يديلو" مسألة
الرهاب مسألة جديدة • ،غضبت آنئذ "رابوتشييه يديلو" وهاجمت "اليسكرا" متهمة إياها
قائلة" :إن "اليسكرا" تطمع بصورة ل يتصورها العقل في أن تفرض على المنظمة الحزبية
حل لمسائل تكتيكية وضعه فريق من الكتاب المهاجرين منذ خمس عشرة سنة ونيف" )ص
.( 24ويا له ،في الحقيقة ،من ايدعاء ،يا له من غلو في عنصر الوعي :حل المسائل سلفا من
الناحية النظرية لكيما يصار فيما بعد إقناع المنظمة والحزب والجماهير بصحة هذا الحل!•
وكم يختلف الحال إذا اقتصر المرء على اجترار أتشياء سبق قولها ،وعلى الخضوع لكل
21
"إنعطاف" سواء في اتجاه "القتصايدية" أو في اتجاه الرهابية ،يدون فرض أي تشيء على أحد.
ول تحجم "رابوتشييه يديلو" حتى عن تعميم هذه الوصية العظمى لحكمة الحياة وتتهم
"اليسكرا" و"زاريا" بأنهما "تعارضان الحركة ببرنامجهما بوصفه روحا تحوم فوق هيولى ل
صورة لها" )ص .(29فبم يتلخص ،إذن ،يدور التشتراكية-الديموقراطية إن لم يتلخص في أن
تكون "روحا" ل تحوم فوق الحركة العفوية وحسب ،بل ترفع هذه الحركة إلى مستوى
"برنامجها"؟ ل يمكنه على كل حال أن يتلخص في النجرار في ذيل الحركة :فهو أمر في
أحسن الحالت ل يفيد الحركة بشيء ،وفي أريدأ الحالت يسبب لها أكبر الضرر .أما
"رابوتشييه يديلو" ،فإنها ل تكتفي بالسير على هذا "التكتيك-الحركة" بل تجعل منه مبدأ بحيث
يصبح الوصف الصح لتجاهاتها ل النتهازية ،بل الذيلية )من كلمة ذيل( .ول بد من العتراف
بأن الناس المصممين كل التصميم على السير يدائما وأبدا خلف الحركة بصفة ذيل لها يأمنون
على أنفسهم بصورة أكيدة وإلى البد من "التقليل من أهمية عنصر التطور العفوي"* * * * .
*
وهكذا يتضح لنا أن الخطأ الساسي الذي يقترفه "التجاه الجديد" في التشتراكية-
الديموقراطية الروسية هو تقديس العفوية ،هو عدم فهمه أن عفوية الجماهير تتطلب منا
نحن التشتراكيين-الديموقراطيين قدرا كبيرا من الوعي .وكلما ارتفع نهوض الجماهير
العفوي واتسعت الحركة ،كلما ازيدايدت بأسرع بما ل يقاس الحاجة إلى قدر كبير من الوعي
في عمل التشتراكية-الديموقراطية النظري والسياسي والتنظيمي .وقد جرى نهوض
الجماهير العفوي في روسيا )وما يزال يجري( بسرعة ظهرت معها الشبيبة التشتراكية-
الديموقراطية غير مستعدة للقيام بهذه المهام العظمى .وعدم الستعدايد هذا هو مصيبتنا
العامة ،مصيبة جميع التشتراكيين-الديموقراطيين الروس .لقد تعاظم نهوض الجماهير واتسع
باستمرار واطرايد ،وهو فضل عن أنه لم يتوقف في الماكن التي بدأ فيها ،أخذ يشمل مناطق
جديدة وفئات جديدة من السكان )فتحت تأثير حركة العمال ،اتشتد الغليان بين الطلب
والمثقفين بوجه عام وحتى بين الفلحين( .أما الثوريون فقد تأخروا عن هذا النهوض:
ب"نظرياتـ"ـهم وبنشاطهم ،ولم يفلحوا في تشكيل منظمة يدائمة تعمل يدون انقطاع ،وقايدرة
على قيايدة الحركة بكاملها .لقد أتشرنا في الفصل الول إلى أن "رابوتشييه يديلو" قد حطت
من مهامنا النظرية وريديدت "عفويا" الشعار الشائع "-حرية النقد" :إن الذين ريديدوا هذا الشعار
لم يتحلوا بما يكفي من "الوعي" لن يفهموا التضايد التام بين موقف "النقايد" النتهازيين
وموقف الثوريين في ألمانيا وفي روسيا .وفي الفصول التالية سنبين كيف تجلى تقديس
العفوية هذا في نشاط التشتراكية-الديموقراطية التنظيمي وفي مهامها السياسية.
لنبدأ مرة أخرى بامتداح "رابوتشييه يديلو" .لقد نشر مارتينوف في العديد 10من "رابوتشييه
يديلو" مقال عن الخلفات مع "اليسكرا" بعنوان "أيدب التشهير والنضال البروليتاري" .وقد
22
صاغ جوهر هذه الخلفات بقوله" :ل يمكننا أن نقتصر على مجريد التشهير بالوضاع التي
تعترض طريق تطوره )تطور حزب العمال( .بل ينبغي علينا أن نستجيب كذلك لمصالح
البروليتاريا العاجلة والراهنة" )ص " ..." .(63اليسكرا" ...هي في الواقع جريدة للمعارضة
الثورية تشهر بأوضاعنا ،والسياسية منها بصورة رئيسية ...أما نحن فنعمل وسنعمل لقضية
العمال على صلة عضوية وثيقة بالنضال البروليتاري" )نفس المصدر( .ل يسعنا إل أن نعرب
لمارتينوف عن المتنان لصيغته هذه .فهي تكتسب أهمية عامة كبرى ،لنها ،في الجوهر ،ل
تشمل خلفاتنا مع "رابوتشييه يديلو" وحسب ،بل تشمل بوجه عام جميع الخلفات القائمة
بيننا وبين "القتصايديين" بصديد مسألة النضال السياسي .لقد بينا فيما سبق أن
"القتصايديين" ل ينكرون "السياسة" إنكارا مطلقا ،ولكنهم ينزلقون على الدوام من المفهوم
التشتراكي-الديموقراطي عن السياسة إلى المفهوم التريديونيوني .وبالصورة نفسها ينزلق
مارتينوف .ولذلك نريد نحن أن نأخذه هو بالذات نموذجا لخطاء "القتصايدية" في هذه
المسألة .وسنسعى لكي نبين أنه لن يحق ل لواضعي "الملحق الخاص لـ"رابوتشايا ميسل""
ول لواضعي بيان "جماعة التحرير الذاتي" ول لواضعي الرسالة "القتصايدية" المنشورة في
العديد 12من "اليسكرا" أن يلومنا لهذا الختيار.
أ( التحريض السياسي وتضييق القتصايديين له يعلم الجميع أن اتساع واتشتدايده قد سارا جنبا
إلى جنب مع نشوء "أيدب" التشهير نضال العمال الروس القتصايدي القتصايدي )الذي يتناول
حياة المعامل والحياة المهنية( .فالموضوع الرئيسي في "المناتشير" كان التشهير بالوضاع
السائدة في المعامل .وسرعان ما ظهر بين العمال تشغف حقيقي بالتشهير .وما أن رأى
العمال حلقات التشتراكيين-الديموقراطيين تريد وتستطيع أن تقدم لهم نوعا جديدا من
مناتشير تقول الحقيقة كاملة عن حياتهم البائسة وعن عملهم المرهق إلى حد ل يطاق وعن
حرمانهم من كل حق ،حتى أخذوا يمطرون الرسائل ،إن جاز التعبير ،من المعامل والمصانع.
وقد كان هذا "اليدب التشهيري" يحدث صدى عظيما ل يقتصر على المصنع الذي يشهر هذا
المنشور أو ذاك بأوضاعه ،بل يتعداه إلى جميع المعامل التي تبلغها أصداء الوقائع المشهر
بها .ونظرا لوجويد سمات كثيرة مشتركة بين احتياجات العمال ونكباتهم في مختلف المعامل
والمهن ،كانت "الحقيقة عن الحياة العمالية" تفتن لب الجميع .وقد نما بين أكثر العمال تأخرا
تشغف حقيقي بـ"طبع بنات أفكارهم" ،وهو تشغف نبيل بشكل جنيني من أتشكال الحرب ضد
النظام الجتماعي الراهن كله القائم على النهب والظلم .وفي معظم الحالت كانت هذه
"المناتشير" في الواقع إعلنا للحرب ،لن التشهير كان يثير العمال بشدة ويدفعهم إلى
المطالبة المشتركة بإزالة المظالم الفظيعة ويجعلهم على استعدايد لدعم مطالبهم هذه
بالضرابات .وقد اضطر أصحاب المصانع أنفسهم في نهاية المر إلى أن يروا في هذه
المناتشير إعلنا للحرب بحيث أفقدتهم في الكثير من الحالت الرغبة في انتظار الحرب
نفسها .وكان التشهير ،كما هو الحال يدائما ،يكتسب قوته لمجريد ظهوره ،ويحرز أهمية ضغط
معنوي كبير .فقد حدث غير مرة أن كان مجريد ظهور المنشور كافيا لتلبية جميع المطالب أو
بعضها .وبكلمة ،لقد كان التشهير القتصايدي )المعملي( وما يزال وسيلة هامة للنضال
القتصايدي .وسيحتفظ بأهميته هذه ما بقيت الرأسمالية التي تدفع العمال بالضرورة إلى
الدفاع عن أنفسهم .ففي أرقى البلدان الوروبية يحدث حتى الن أن يكون التشهير بظروف
عمل فظيعة في "مهنة" متلتشية أو في أي فرع من فروع العمل المنزلي ل يسترعي انتباه
أحد ،حافزا ليقظة الوعي الطبقي ولبدء النضال المهني وانتشار التشتراكية• .إن الكثرية
الكبرى من التشتراكيين الديموقراطيين الروس كانت في الونة الخيرة منصرفة بكليتها
تقريبا إلى تنظيم عمل التشهير هذا في المعامل .وحسبنا أن نتذكر "رابوتشايا ميسل" لكيما
نرى إلى أي حد بلغ انصرافهم هذا ،فقد نسوا أن هذا النشاط بحد ذاته ليس بعد ،من حيث
الساس ،نشاطا اتشتراكيا-يديموقراطيا ،بل نشاط تريديونيوني فقط .فالتشهير لم يشمل في
الجوهر غير العلقات بين العمال وأصحاب العمل في مهنة معينة ،ولم يسفر إل عن نتيجة
واحدة ،وهي أن الذين يبيعون قوة عملهم قد تعلموا كيف يبيعون هذه "البضاعة" بفائدة أكبر
وكيف يناضلون ضد المشتري على صعيد المساومة التجارية الصرف .وكان بالمكان أن يصبح
هذا التشهير )تشريطة أن تستفيد منه منظمة الثوريين بصورة ملئمة( نقطة انطلق للنشاط
التشتراكي-الديموقراطي وجزءا منه ل يتجزأ .ولكنه كان بالمكان أيضا أن يؤيدي )وفي ظروف
23
تقديس العفوية يؤيدي ل محالة( إلى النضال "المهني فقط" وإلى حركة عمالية غير
اتشتراكية-يديموقراطية .فالتشتراكية-الديموقراطية ل تقويد نضال الطبقة العاملة في سبيل
تشروط أفضل لبيع قوة العمل وحسب ،بل كذلك في سبيل القضاء على النظام الجتماعي
الذي يرغم المعدمين على بيع أنفسهم إلى الغنياء .إن التشتراكية-الديموقراطية تمثل
الطبقة العاملة ل في علقاتها مع فئة معينة من أصحاب العمال وحسب ،بل أيضا في
علقاتها مع جميع الطبقات في المجتمع الراهن ،ومع الدولة بوصفها قوة سياسية منظمة.
يتضح من ذلك أن التشتراكيين-الديموقراطيين ،فضل عن أنهم ل يستطيعون القتصار على
النضال القتصايدي ،ل يمكنهم أيضا أن يسمحوا بأن يستغرق تنظيم التشهير القتصايدي
القسم الكبر من نشاطهم .يجب علينا أن نعمل بنشاط على تربية الطبقة العاملة سياسيا،
على تنمية وعيها السياسي .والن ،بعد أول هجوم تشنه "زاريا" و"اليسكرا" على
"القتصايدية" "يوافق الجميع" على ذلك )وإن كانت موافقة البعض ل تتعدى القول كما سنرى
الن( .قد يسأل سائل :بم ينبغي أن تتلخص التربية السياسية؟ هل يمكن القتصار على
الدعاية إلى فكرة عداء الطبقة العاملة للحكم المطلق؟ كل ،طبعا .فليس يكفي أن نبين
للعمال ما يحيق بهم من ظلم سياسي )كما لم يكن كافيا أن نبين لهم التضايد بين مصالحهم
ومصالح أصحاب العمل( .إن من الضروري أن نقوم بالتحريض بصديد كل مظهر ملموس من
مظاهر هذا الظلم )كما كنا نتناول بتحريضنا مظاهر الظلم القتصايدي الملموسة( .ولما كان
هذا الظلم يمس تشتى طبقات المجتمع على اختلفها ،ولما كان يتجلى في مختلف ميايدين
الحياة والنشاط -المهنية والعامة والخاصة والعائلية والدينية والعلمية الخ ،.الخ ،.أفليس من
الواضح أننا لن نقوم بمهمتنا ،مهمة إنماء وعي العمال السياسي ،إن لم نأخذ على عاتقنا أمر
تنظيم التشهير بالحكم المطلق تشهيرا سياسيا تشامل؟ ذلك لننا إذا كنا نريد أن يتناول
تحريضنا هذا الظلم في مظاهره الملموسة ،فينبغي فضح هذه المظاهر )كما أن التحريض
القتصايدي كان يقتضي فضح الفظائع في المعامل(؟ المر واضح كما يبدو .ولكن يبدو هنا
بالذات أن ضرورة تطوير الوعي السياسي من كل النواحي ل يقرها "الجميع" إل بالقول.
وهنا بالذات يظهر أن "رابوتشييه يديلو" ،مثل ،عدا أنها لم تأخذ على عاتقها مهمة تنظيم )أو
المبايدرة إلى تنظيم( التشهير السياسي الشامل ،أخذت تجر إلى الوراء "اليسكرا" التي
بايدرت إلى القيام بهذه المهمة .اسمعوا هذا" :إن نضال الطبقة العاملة السياسي ل يعدو أن
يكون" )وفي الحقيقة يعدو أن يكون( "الشكل الكثر تطورا وسعة وفاعلية للنضال
القتصايدي" )برنامج "رابوتشييه يديلو"" ،رابوتشييه يديلو" ،العديد ،1ص " .(3تواجه
التشتراكيين-الديموقراطيين الن المهمة التالية :كيف نضفي على النضال القتصايدي نفسه،
بقدر المكان ،طابعا سياسيا" )مارتينوف في العديد ،10ص " .(42النضال القتصايدي هو
الوسيلة التي يمكن استعمالها بأوسع تشكل لجذب الجماهير إلى النضال السياسي النشيط"
)قرار مؤتمر "التحايد") (67و"التعديلت"" :مؤتمران" ،ص 11و .(17إن "رابوتشييه يديلو"،
كما يرى القارئ ،زاخرة بكل هذه الفكار منذ نشوئها حتى "التعليمات" الخيرة "إلى هيئة
التحرير" .وجميعها تعرب ،كما هو ظاهر ،عن نظرة واحدة إلى التحريض والنضال السياسيين.
انظروا إلى وجهة النظر هذه من زاوية الرأي السائد لدى جميع "القتصايديين" والقائل أنه
ينبغي للتحريض السياسي أن يتبع التحريض القتصايدي .فهل صحيح أن النضال القتصايدي
هو بوجه عام "الوسيلة التي يمكن استعمالها بأوسع تشكل" لجذب الجماهير إلى النضال
السياسي؟ كل ،ليس هذا بصحيح على الطلق .إن جميع مظاهر الضطهايد البوليسي
والطغيان الستبدايدي بشتى أتشكالها ،ل المظاهر المرتبطة بالنضال القتصايدي وحده ،هي
وسيلة لمثل هذا "الجذب يمكن استعمالها" بشكل ليس أقل سعة على الطلق .إن
"الزيمسكييه ناتشالنيكي") ،(68والقصاص الجسدي بالفلحين ،وارتشاء الموظفين ،ومعاملة
الشرطة "للعامة" في المدن ،ومكافحة الجياع ،وقمع مساعي الشعب إلى النور والمعرفة،
والتفنن في جباية الضرائب ،وملحقة الشيع الدينية ،وترويض الجنويد ومعاملة الطلب
والمثقفين الليبراليين معاملة الجنويد -إن جميع هذه المظاهر واللوف الخرى من مظاهر
الضطهايد المشابهة غير المرتبطة ارتباطا مباتشرا بالنضال "القتصايدي" ،لماذا ينبغي أن
تعتبر بوجه عام وسائل ومناسبات للتحريض السياسي ولجذب الجماهير إلى النضال السياسي
"ذات إمكانيات للستعمال" أقل سعة؟ الصحيح هو العكس تماما :فحالت الضطهايد البوليسي
الناتشئة عن النضال المهني بالضبط ليست يدون تشك غير قلة قليلة من مجموع حالت الحياة
24
التي يتألم فيها العامل )لنفسه أو لقريبه( من الستبدايد والطغيان والعنف .فلماذا إذن نضيق
سلفا إطار التحريض السياسي ونصف بـ"إمكان الستعمال على أوسع تشكل" ،وسيلة واحدة
من وسائله ينبغي أن توجد إلى جانبها -بالنسبة للتشتراكي-الديموقراطي -وسائل أخرى
"ذات إمكانيات للستعمال" ليست عموما بأقل سعة؟ لقد كتبت "رابوتشييه يديلو" منذ عهد
بعيد )منذ سنة خلت!…(" :أن المطالب السياسية المباتشرة تصبح في متناول فهم الجماهير
بعد إضراب واحد أو بعد بضعة إضرابات على الكثر"" ،أن تستخدم الحكومة الشرطة والدرك"
)العديد ،7ص ،15آب-أغسطس – سنة .(1900إن نظرية المراحل النتهازية هذه قد رفضت
الن من قبل "التحايد" الذي يتنازل أمامنا معلنا أنه "ل ضرورة إطلقا للقيام منذ البدء
بالتحريض السياسي على الصعيد القتصايدي وحده" )"مؤتمران" ،ص .(11إن هذا النكار
وحده من قبل "التحايد" لقسم من أخطائه السابقة سيبين لمؤرخ التشتراكية-الديموقراطية
الروسية المقبل بصورة أوضح من كل الشروح المطولة ،إلى أي يدرك من النحطاط يدفع
"إقتصايديونا" التشتراكية! ولكن أية سذاجة يبديها "التحايد" إذ يتصور أنه بتنازله عن تشكل من
أتشكال تضييق السياسة يحملنا على القبول بشكل آخر من أتشكال تضييقها! أل نكون أقرب
إلى المنطق إذا قلنا هنا أيضا أنه ينبغي القيام بالنضال القتصايدي على أوسع وجه ممكن،
وأنه ينبغي الستفايدة منه على الدوام للتحريض السياسي ،ولكن "ل ضرورة إطلقا" لعتبار
النضال القتصايدي الوسيلة التي يمكن استعمالها بأوسع تشكل لجذب الجماهير إلى النضال
السياسي النشيط؟ إن "التحايد" يرى أهمية في ما أقدم عليه من الستعاضة عن تعبير
"أفضل وسيلة" الواريد في القرار المعني من قرارات المؤتمر الرابع لتحايد العمال اليهويد
)البوند() (69بتعبير "الوسيلة التي يمكن استعمالها بأوسع تشكل" .ونحن في الحقيقة نجد
أنفسنا في موقف حرج لو طلب إلينا أن نقول أي القرارين أفضل :فإن القرارين في رأينا
هما كلهما من أريدأ ما يكون .فـ"التحايد" والبوند ينزلقان هنا )وربما كان ذلك جزئيا عن غير
وعي ،تحت تأثير العايدة( إلى التأويل القتصايدي ،التريديونيوني للسياسة .ول يتغير تشيء في
فحوى المر إذا تم ذلك بواسطة كلمة "أفضل" أو تعبير "يمكن استعمالها بأوسع تشكل" .ولو
قال "التحايد" أن "التحريض السياسي على الصعيد القتصايدي" هو الوسيلة التي تستخدم )ل
التي يمكن استعمالها( بأوسع تشكل لكان على حق بالنسبة لمرحلة معينة في تطور حركتنا
التشتراكية-الديموقراطية .ولكان على حق بالضبط حيال "القتصايديين" حيال الكثيرين )إن لم
نقل الكثرية( من المشتغلين في الميدان العملي في سنوات ،1901-1898لن هؤلء
"القتصايديين" المشتغلين في الميدان العملي قد استخدموا في الواقع التحريض السياسي
)هذا إذا كانوا يستخدمونه بوجه عام!( على الصعيد القتصايدي وحده تقريبا .وقد رأينا أن
"رابوتشايا ميسل" و"جماعة التحرير الذاتي" قد اعترفتا بل أوصتا بتحريض سياسي من هذا
النوع! وقد كان على "رابوتشييه يديلو" أن تشجب بحزم كون التحريض القتصايدي المفيد
يرافقه تضييق مضر للنضال السياسي .ولكنها أعلنت بدل من ذلك أن الوسيلة المستخدمة
بأوسع تشكل )من قبل "القتصايديين"( هي الوسيلة التي يمكن استخدامها بأوسع تشكل! ول
مجال للستغراب إذا لم يجد هؤلء الناس من سبيل ،عندما ندعوهم "بالقتصايديين" ،إل أن
يصمونا بأقبح النعوت ،من نوع "المشعوذين" ،وان يشكو أمام الجميع وأمام كل بمفريده
و"المخربين" و"سفراء البابا" و"المفترين" مدعين أننا وجهنا لهم إهانة يدامية ،وأن يصرخوا
على نمط من يقسم باليمان الغليظة . :يا لهؤلء "ل توجد اليوم أية منظمة اتشتراكية-
يديموقراطية مذنبة "بالقتصايدية" المفترين التشرار-الساسة! أل يحتمل أن يكونوا قد اخترعوا
"القتصايدية" كلها اختراعا لكي يوجهوا إلى الناس الهانات الدامية ل لشيء إل لحقدهم على
البشر؟ ما هو بلسان مارتينوف المعنى الواقعي الملموس للمهمة التي يضعها أمام
التشتراكية-الديموقراطية" :إضفاء الطابع السياسي على النضال القتصايدي نفسه"؟ إن
النضال القتصايدي هو نضال العمال الجماعي ضد أصحاب العمل بغية بيع قوة العمل بشروط
مفيدة ،بغية تحسين ظروف عمل العمال وظروف حياتهم .وهذا النضال هو بالضرورة نضال
مهني ،لن ظروف العمل تختلف اختلفا كبيرا باختلف المهن ،ولذا ل يمكن للنضال بغية
تحسين هذه الظروف أن يجري إل تبعا للمهن )النقابات في الغرب والتحايدات المهنية
المؤقتة والمناتشير في روسيا ،الخ .(.إذن ،إن إضفاء "الطابع السياسي على النضال
القتصايدي نفسه" يعني السعي إلى تحقيق المطالب المهنية نفسها ،وإلى التحسين نفسه
في ظروف العمل المهنية بواسطة "إجراءات تشريعية وإيدارية" )كما يقول مارتينوف في
25
الصفحة التالية من مقاله ،الصفحة .(43وهذا بالذات ما تقوم به وما قامت به على الدوام
جميع نقابات العمال .تصفحوا مؤلف العالمين الرصينين )والنتهازيين "الرصينين"( الزوجين
ويب ،تروا أن نقابات العمال النكليزية قد وعت وراحت تنفذ منذ عهد جد بعيد مهمة "إضفاء
الطابع السياسي على النضال القتصايدي نفسه" ،وأنها تناضل منذ عهد جد بعيد في سبيل
حرية الضراب ،في سبيل إزالة تشتى أتشكال العقبات الحقوقية القائمة في وجه الحركة
التعاونية والنقابية ،في سبيل إصدار قوانين لحماية النساء والطفال ،في سبيل تحسين
ظروف العمل بواسطة التشريع الصحي والصناعي ،الخ ..وهكذا ،إن هذه العبارة الطنانة،
"الرهيبة" بدويها العميق والثوري" :إضفاء الطابع السياسي على النضال القتصايدي نفسه"،
تخفي وراءها في الواقع النزوع التقليدي إلى الهبوط بالسياسة التشتراكية-الديموقراطية
حتى مستوى السياسة التريديونيونية! فبذريعة إصلح ضيق أفق "اليسكرا" التي تعتبر -ويا
للهول " -بث الروح الثورية في العقائد أعلى تشأنا من يعرضون علينا النضال من أجل
الصلحات القتصايدية على أنه تشيء بثها في الحياة" جديد .والواقع أن عبارة "إضفاء الطابع
السياسي على النضال القتصايدي نفسه" خالية من كل تشيء عدا النضال في سبيل
الصلحات القتصايدية .وكان بوسع مارتينوف أن يصل بنفسه إلى هذا الستنتاج البسيط لو
أعمل الفكر قليل في معنى كلماته .فقد قال موجها مدفعيته الثقيلة إلى "اليسكرا"" :إن
حزبنا يمكنه ويجب عليه أن يطالب الحكومة بإجراءات تشريعية وإيدارية ملموسة ضد الستثمار
القتصايدي ،ضد البطالة وضد الجوع ،الخ) ".ص ص 43-42من "رابوتشييه يديلو" ،العديد .(10
المطالبة بإجراءات ملموسة -أل يعني ذلك المطالبة بالصلحات الجتماعية؟ وها نحن نسأل
مرة أخرى القراء المنصفين :أنفتري على "الرابوتشييه يديلوويين" )وأرجو المعذرة على هذا
التعبير الفظ الشائع!( إذا وصفناهم ببرنشتينيين مستترين عندما يعلنون أن خلفاتـهم مع
"اليسكرا" تدور حول ضرورة النضال في سبيل الصلحات القتصايدية؟ إن التشتراكية-
الديموقراطية الثورية قد ضمنت نشاطها وتضمنه على الدوام النضال من أجل الصلحات.
ولكنها تستخدم التحريض "القتصايدي" ل لمطالبة الحكومة بمختلف الجراءات وحسب ،بل
لمطالبتها كذلك )وقبل كل تشيء( بأن تكف عن أن تكون حكومة استبدايدية .وهي ،عدا ذلك،
ترى من واجبها أن تقدم للحكومة هذا الطلب ل على صعيد النضال القتصايدي وحسب ،بل
كذلك على صعيد جميع مظاهر الحياة السياسية الجتماعية بوجه عام .إنها بكلمة ،تخضع
النضال من أجل الصلحات ،بوصفه جزءا من كل ،للنضال الثوري من أجل الحرية ومن أجل
التشتراكية .أما مارتينوف فيبعث نظرية المراحل بشكل آخر ،محاول أن يحصر تطور النضال
السياسي في طريق ،إن جاز القول ،اقتصايدي ،بكل تأكيد .إنه ،إذ ينايدي ،في مرحلة النهوض
الثوري ،بالنضال من أجل الصلحات على أنه "مهمة" خاصة كما يزعم ،يجر بذلك الحزب إلى
الوراء ويساعد النتهازية "القتصايدية" والنتهازية الليبرالية على حد سواء .ثم إن مارتينوف،
بعد أن ستر ،بحياء ،النضال من أجل الصلحات بالصيغة الطنانة" :إضفاء الطابع السياسي
على النضال القتصايدي نفسه" ،وضع في المقام الول وكشيء خاص الصلحات القتصايدية
وحدها )وحتى الصلحات في يداخل المعامل وحدها( .ونحن ل ندري لماذا فعل ذلك .ترى أعن
سهو؟ ولكنه إن كان لم يقصد الصلحات "المعملية" وحدها ،فإن كل صيغته التي ذكرناها للتو
تفقد عندئذ كل معنى .أو لعله فعل ذلك لنه يعتقد أن الحكومة ل يمكن ول يحتمل أن
"تتنازل" إل في الميدان القتصايدي وحده؟• ولئن كان المر كذلك فهذا ضلل غريب:
فالتنازلت محتملة وتحدث أيضا في ميايدين التشريع الذي يتناول السياط والجوازات
والتعويضات عن تشراء الراضي) (70والشيع الدينية والرقابة ،الخ .وهلم جرا .وواضح أن
التنازلت "القتصايدية" )أو التنازلت الكاذبة( هي الهون على الحكومة والكثر فائدة لها ،لن
الحكومة تأمل أن تكسب بذلك ثقة جماهير العمال .ولهذا بالذات ل ينبغي لنا نحن
التشتراكيين-الديموقراطيين أن نفسح بأي تشكل من التشكال أي مجال للعتقايد )أو للتوهم(
بأن الصلحات القتصايدية هي الغلى على قلوبنا أو أننا نعتبرها الهم ،الخ ..يقول مارتينوف
متحدثا عن الجراءات التشريعية واليدارية الملموسة التي تقدم بها أعله" :إن مثل هذه
المطالب ل تبقى كلما فارغا ،لنها ،إذ تبعث المل بنتائج حسية معينة ،يمكن أن تجد التأييد
النشيط لدى جماهير العمال" ...نحن لسنا "باقتصايديين" نستغفر الله! كل ما في المر أننا
نزحف أمام "حسية" النتائج ! ♥الملموسة بمثل خنوع السايدة برنشتين وبروكوبوفيتش
وستروفه ور .م .و tutti quantiكل ما في المر أننا نلمح )مع نارسيس توبوريلوف( إلى أن
26
كل ما ل "يبعث المل بنتائج حسية" هو "كلم فارغ"! كل ما في المر أننا نفصح بشكل يبدو
منه وكأن جماهير العمال ليست أهل )وأنها ،بالرغم من جميع الذين يلقون عليها تفاهاتهم،
لم تبرهن على أنها أهل( لن تؤيد بنشاط كل احتجاج على الحكم المطلق ،حتى الحتجاج
الذي ل يبعث فيها أي أمل بنتائج حسية! حسبنا أن نضرب المثلة التي ذكرها مارتينوف نفسه
عن "الجراءات" ضد البطالة والمجاعة .فبينما انهمكت "رابوتشييه يديلو" ،كما يؤخذ من
وعدها ،في وضع وتحضير "مطالب لجراءات تشريعية وإيدارية ملموسة" )بشكل مشاريع
قوانين؟(" ،تبعث المل بنتائج حسية" ،عملت "اليسكرا" التي "تفضل على الدوام بث الروح
الثورية في العقائد بدل من بثها في الحياة" على تبيان الصلة الوثقى التي تربط البطالة
بالنظام الرأسمالي بأكمله ونبهت إلى أن "المجاعة زاحفة" وتشهرت بالعمال التي تقوم بها
الشرطة "لمكافحة الجياع") (71وبفظاعة "الحكام المؤقتة للتشغال الشاقة") ،(72وأصدرت
"زاريا" في هذا الوقت في طبعة على حدة بصفة كراس من كراسات التحريض ،قسما من
"استعراض الوضع الداخلي" يتناول المجاعة .ولكن ،رباه ،كم كان هؤلء الرثوذكس،
المصابون بضيق الفق حتى مخ العظم ،كم كانوا في هذه الحالت "محدويدي التفكير" ،كم
كانوا متحجرين صما حيال مقتضيات "الحياة نفسها"! فهم لم يدرجوا في أي مقال من
مقالتهم -ويا للهول -أي مطلب -أتتصورون؟ أي "مطلب ملموس" "يبعث المل بنتائج
حسية"! يا لهم من جامدي العقيدة تعساء! أل فليذهبوا وليتتلمذوا على أمثال كريتشيفسكي
مارتينوف كي يتعلموا أن التكتيك هو سير النمو ،هي سير ما ينمو ،الخ ،.وأنه ينبغي إضفاء
الطابع السياسي على النضال القتصايدي نفسه! "إن لنضال العمال القتصايدي ضد أصحاب
العمال والحكومة )"النضال القتصايدي ضد الحكومة"!!( عدا أهميته الثورية المباتشرة ،أهمية
أخرى تتلخص في كونه يضع العمال على الدوام أمام مسألة حرمانهم من الحقوق السياسية"
)مارتينوف ،ص .(44نحن ل نثبت هذه العبارة لكيما نكرر للمرة المئة أو للمرة اللف ما سبق
لنا أن قلناه ،بل لكيما نقدم لمارتينوف بوجه خاص الشكر على هذه الصيغة الجديدة الرائعة:
"نضال العمال القتصايدي ضد أصحاب العمال والحكومة" .يا للروعة! بأي نبوغ ل يضارع،
وبأية مهارة ُتلغى جميع الخلفات الثانوية وجميع الختلفات في التلوين بين "القتصايديين"،
و ُيفصح هنا في عبارة مقتضبة واضحة عن جوهر "القتصايدية" كله ابتداء من يدعوة العمال
إلى "النضال ،ومرورا السياسي الذي يقومون به لمصلحتهم المشتركة بغية تحسين وضع
جميع العمال" بنظرية المراحل ،ثم انتهاء بقرار المؤتمر عن "الوسيلة التي يمكن استعمالها
بأوسع تشكل" ،الخ ..إن "النضال القتصايدي ضد الحكومة" هو بالضبط السياسة التريديونيونية
البعيدة جدا ،البعيدة منتهى البعد عن السياسة التشتراكية-الديموقراطية.
ب( حكاية عن كيف عمق مارتينوف بليخانوف "كم ظهر عندنا في الونة الخيرة من أمثال
للومونوسوف اتشتراكيين-يديموقراطيين!" -هذا ما قاله ذات مرة رفيق من الرفاق مشيرا إلى
الميل الغريب لدى الكثيرين من الميالين إلى "القتصايدية" ،إلى أن يكتشفوا "بعقولهم هم"
الحقائق العظمى )من نوع أن النضال القتصايدي يضع العمال أمام مسألة حرمانهم من
الحقوق( مغفلين في الوقت نفسه بعنجهية العباقرة الفذاذ ،كل ما أعطاه التطور السابق
للفكرة الثورية وللحركة الثورية .ومن هؤلء الفذاذ لومونوسوف-مارتينوف .ألقوا نظرة على
مقاله" :القضايا المباتشرة" تروا كيف يتوصل "بعقله هو" إلى ما سبق لكسيلرويد أن قاله منذ
أمد بعيد )والذي يصمت عنه كل الصمت طبعا هذا اللومونوسوف( ،وكيف يأخذ ،مثل ،يفهم أنه
ل يمكننا أن نتجاهل روح المعارضة لدى هذه أو تلك من فئات البرجوازية )"رابوتشييه يديلو"،
العديد ،9ص ص .71 ،62 ،61قارن ذلك بـ"جواب" هيئة تحرير "رابوتشييه يديلو" على
آكسيلرويد ،ص ص ،(24-23 ،22الخ ..ولكنه – واحسرتاه -لم يزيد على أن "يتوصل" ،على أن
"يأخذ" ،لنه ما يزال جد بعيد عن فهم أفكار آكسيلرويد إلى حد أنه يتكلم عن "النضال
القتصايدي ضد أصحاب العمال والحكومة" .طيلة ثلث سنوات ) (1901-1898حشدت
"رابوتشييه يديلو" قواها لفهم آكسيلرويد ،ومع ذلك… مع ذلك لم تفهمه بعد! ولعل منشأ ذلك
كون التشتراكية-الديموقراطية "كشأن البشرية" ل تضع نصب عينيها على الدوام إل المهام
الممكنة التحقيق؟ ولكن ميزة أمثال هذا اللومونوسوف ل تتلخص فقط في كونهم يجهلون
أتشياء كثيرة )ولو اقتصر المر على ذلك لكانت نصف مصيبة!( ،بل أنهم ل يعلمون أنهم
جاهلون ،وهذه مصيبة حقا ،وهذه المصيبة تحفزهم على أن يأخذوا على الفور بـ"تعميق"
27
بليخانوف .يقول لومونوسوف-مارتينوف" :لقد تغيرت أمور كثيرة مذ كتب بليخانوف الكتاب
المذكور )"مهام التشتراكيين في مكافحة المجاعة في روسيا"( .فالتشتراكيون-
الديموقراطيون الذين قايدوا نضال الطبقة العاملة القتصايدي طيلة عشر سنوات… لم يتسن
لهم بعد أن يقيموا تكتيك الحزب على أساس نظري واسع .أما الن فقد نضجت هذه المسألة.
وإذا ما أريدنا إقامة مثل هذا الساس النظري وجب علينا ،حتما ،أن نعمق لدرجة كبيرة تلك
المبايدئ التكتيكية التي طرحها بليخانوف فيما مضى… يجب علينا اليوم أن نحديد الفرق بين
الدعاية والتحريض بشكل يختلف عن تحديد بليخانوف" )وقد ذكر مارتينوف لتوه كلمات
بليخانوف" :الداعية يعطي كثرة من الفكار لشخص أو لعديد من التشخاص ،والمحرض يعطي
فكرة واحدة أو بضع أفكار ولكنه يعطيها بالمقابل لجمهور كبير من التشخاص"(" .وبويدنا أن
نفهم من الدعاية الشرح الثوري للنظام الحالي بأكمله أو لبعض مظاهره ،سواء جرى ذلك
بشكل يفهمه أفرايد أو جمهور كبير من الناس ،فل فرق .ونفهم من التحريض بمعنى الكلمة
الدقيق )كذا!( نداء الجماهير إلى بعض أعمال ملموسة ،مساعدة البروليتاريا على التدخل
الثوري المباتشر في الحياة الجتماعية" .إننا نهنئ التشتراكية-الديموقراطية الروسية –
والعالمية -باصطلحات جديدة ،مارتينوفية ،أكثر يدقة وعمقا .فقد كنا نعتقد حتى الن )مع
بليخانوف وجميع قايدة حركة العمال العالمية( أن الداعية ،إذا ما أخذ مثل مسألة البطالة
نفسها ،ينبغي له أن يشرح الزمات وطبيعتها الرأسمالية وأن يبين أسباب حتميتها في
المجتمع الراهن ،وأن يبين ضرورة تحويله إلى مجتمع اتشتراكي ،الخ ..وبكلمة ينبغي له أن
يعطي "كثرة من الفكار" كثيرة لدرجة ل يمكن أن يستوعبها بمجموعها ،يدفعة واحدة ،غير
عديد من التشخاص قليل )نسبيا( .أما المحرض فإنه ،إذ يتكلم عن المسألة نفسها ،يأخذ أبرز
مثل يعرفه مستمعوه أكثر من غيره من المثال ،لنقل مثل موت عائلة عامل عاطل عن العمل
بسبب المجاعة أو انتشار التسول الخ ،.ويوجه جميع جهويده استنايدا إلى هذا الواقع الذي
يعرفه الجميع ،لعطاء "الجمهور" فكرة واحدة :فكرة التناقض غير المعقول بين تزايد الغنى
وتزايد الفقر ،باذل َ جهده لكي يثير في الجمهور الستياء والسخط من هذا الظلم الفاضح،
تاركا للداعية مهمة الشرح الكامل لهذا التناقض .ولذلك يعمد الداعية بالدرجة الولى إلى
الكلمة المطبوعة ،ويعمد المحرض إلى الكلمة الحية .ول تتطلب من الداعية الصفات نفسها
التي تتطلب من المحرض .فنحن نصف مثل كاوتسكي ولفارغ بأنهما من الدعاة ،ونصف بيبل
وغيد بأنهما من المحرضين .وما تعيين ميدان ثالث ،وظيفة ثالثة للنشاط العملي ،وظيفة
تتلخص في "نداء الجماهير إلى بعض أعمال ملموسة" إل الحماقة الكبرى ،لن "النداء"
بوصفه عمل على حدة إما أن يكون ل محالة التتمة الطبيعية للبحث النظري ولكراس الدعاية
ولخطاب التحريض ،وإما أن يكون عمل تنفيذيا صرفا .وفي الحقيقة ،لنأخذ مثل نضال
التشتراكيين-الديموقراطيين اللمان الحالي ضد الرسوم الجمركية المفروضة على الحبوب.
النظريون يكتبون البحاث عن السياسة الجمركية "منايدين" ،مثل ،إلى النضال من أجل
المعاهدات التجارية ومن أجل حرية التجارة ،والداعية يقوم بالعمل نفسه في مجلة،
والمحرض في خطابات أمام الجمهور .و"العمال الملموسة" التي تقوم بها الجماهير في
هذه الحالة هي عبارة عن توقيع عرائض إلى الريخستاغ تطالب بعدم زيايدة الرسوم المفروضة
على الحبوب .والنداء إلى هذا العمل يصدر بصورة غير مباتشرة عن النظريين والدعاة
والمحرضين ،وبصورة مباتشرة عن العمال الذين يطوفون بهذه العرائض على المعامل
والبيوت .ويستنتج من "اصطلحات مارتينوف" أن كل من كاوتسكي وبيبل كليهما من الدعاة،
وأن حاملي العرائض من المحرضين .أليس كذلك؟ إن مثل اللمان هذا قد ذكرني بالكلمة
اللمانية “ ”Verballhornungأي حرفيا "البلهرة" من كلمة بالهورن .ويوحنا بالهورن ناتشر
عاش في القرن السايدس عشر في ليبزيغ .وقد قام بنشر كتاب اللفباء ،وفيه ،كالمعتايد،
رسوم بينها صورة يديك ،ولكن الديك ظهر في هذا الرسم بدون تشوكتين على رجليه ومع
بيضتين إلى جانبه .وقد أضاف الناتشر على الغلف كلمات" :طبعة منقحة ليوحنا بالهورن".
ومنذ ذلك الحين واللمان يصفون بالبلهرة كل "تنقيح" هو في الواقع نقيض التحسين.
ويتذكر المرء عفو الخاطر بالهورن هذا عندما يرى كيف "يعمق" أضراب مارتينوف بليخانوف…
م "اخترع" صاحبنا اللومونوسوف هذه البلبلة؟ ذلك لكيما يبين أن "اليسكرا"" ،كشأن لِ َ
بليخانوف منذ عقد ونصف من السنين ،ل ترى من التشياء غير وجه واحد" )ص " .(39في
"اليسكرا" نرى مهام الدعاية تدفع إلى المقام الثاني ،في الونة الحاضرة على القل ،مهام
28
التحريض" )ص .(52وإذا ما ترجمنا هذه العبارة الخيرة من لغة مارتينوف إلى لغة البشر )لنه
لم يتسن للبشرية بعد أن تتبنى الصطلحات التي اكتشفها مارتينوف حديثا( تكون النتيجة ما
يلي :في "اليسكرا" نرى مهام الدعاية السياسية والتحريض السياسي تدفع إلى المقام
الثاني مهمة "مطالبة الحكومة بإجراءات تشريعية وإيدارية ملموسة" "تبعث المل بنتائج حسية
معينة" )أو المطالبة بإصلحات إجتماعية ،إذا سمح لنا بأن نستخدم ولو مرة أخرى
الصطلحات القديمة للبشرية القديمة التي لم ترتفع بعد إلى مستوى مارتينوف( .ليقارن
القارئ هذه الفكرة بالقطعة البليغة التالية" :إن ما يثير استغرابنا في هذه البرامج" )برامج
التشتراكيين-الديموقراطيين الثوريين( "كونها تضع في المقام الول على الدوام مزايا عمل
العمال في البرلمان )غير الموجويد عندنا( وتهمل بصورة تامة )من جراء نيهيليتها الثورية(
أهمية اتشتراك العمال في المجالس التشريعية لرباب المعامل ،المختصة بشؤون المعامل،
وهي موجويدة عندنا… أو على القل اتشتراك العمال في المجالس البلدية…" .إن واضع هذه
القطعة البليغة يعرب بصورة أقرب إلى الصراحة والوضوح والجلء عن نفس الفكرة التي
توصل إليها لومونوسوف-مارتينوف بعقله هو .وواضع هذه القطعة البليغة هو ر.م .في
"الملحق الخاص ل"رابوتشايا ميسل"" )ص .(15
ج( التشهير السياسي و"تربية النشاط الثوري" عندما عارض مارتينوف "اليسكرا"
بـ"نظريتـ"ـه عن "رفع مستوى نشاط جماهير العمال" كشف في الواقع عن نزوعه إلى الحط
من مستوى هذا النشاط بإعلنه أن الوسيلة الفضل ،الوسيلة الهم ،الوسيلة "التي يمكن
استعمالها بأوسع تشكل" لثارة هذا النشاط ،أن ميدان هذا النشاط هو ذلك النضال القتصايدي
نفسه الذي يركع أمامه جميع "القتصايديين" .إنه خطأ نموذجي ،لنه أبعد من أن يختص به
مارتينوف وحده .والواقع أننا ل "نرفع مستوى نشاط جماهير العمال" إل إذا لم نكتف
بـ"التحريض السياسي على الصعيد القتصايدي" .ولما كان أحد الشروط الساسية لضرورة
توسيع التحريض السياسي هو تنظيم التشهير السياسي في جميع الميايدين لن تربية وعي
الجماهير السياسي ونشاطها الثوري ل تمكن إل عن طريق هذا التشهير - ،كان هذا النوع من
النشاط وظيفة من أهم وظائف التشتراكية-الديموقراطية العالمية بأكملها ،لن الحرية
السياسية هي الخرى ل تزيل هذا التشهير البتة ،بل تغير اتجاهه بعض الشيء .فالحزب
اللماني ،مثل ،يعزز مواقعه ويوسع نفوذه لدرجة كبيرة بفضل حملة التشهير السياسي
بالذات ،التي يشنها بنشاط ل يفتر .ول يمكن أن يكون وعي الطبقة العاملة وعيا سياسيا
حقا ،إذا لم يتعويد العمال الريد على كل حالة من حالت الطغيان والظلم والعنف وسوء
الستعمال على اختلفها وبصرف النظر عن الطبقة التي توجه إليها ،على أن يكون الريد من
وجهة النظر التشتراكية-الديموقراطية ،ل من أية وجهة نظر أخرى .ول يمكن أن يكون وعي
جماهير العمال وعيا طبقيا حقا إذا لم يتعلم العمال الستفايدة من الوقائع والحوايدث
السياسية الملموسة والعاجلة )الملحة( حتما في الوقت نفسه ،لمراقبة كل طبقة من
الطبقات الجتماعية الخرى في جميع مظاهر حياتها العقلية والخلقية والسياسية ،إذا لم
يتعلموا أن يطبقوا في العمل التحليل المايدي والتقدير المايدي لجميع أوجه نشاط وحياة جميع
طبقات السكان وفئاتهم وجماعاتهم .إن كل من يوجه انتباه الطبقة العاملة وقوة ملحظتها
ووعيها إلى نفسها فقط ،أو إلى نفسها بالدرجة الولى ،ليس باتشتراكي-يديموقراطي ،لن
معرفة الطبقة العاملة لنفسها مرتبط ارتباطا ل ينفصم بمعرفتها معرفة واضحة تامة
للعلقات المتبايدلة بين جميع طبقات المجتمع الراهن ،معرفة ليست نظرية وحسب… والصح
أن نقول :ليست نظرية بمقدار ما هي مبنية على تجربة الحياة السياسية .ولذلك فإن ما
ينايدي به "اقتصايديونا" من أن النضال القتصايدي هو الوسيلة التي يمكن استعمالها بأوسع
تشكل لجذب الجماهير إلى الحركة السياسية هو أمر ضار منتهى الضرر ورجعي منتهى
الرجعية من حيث نتائجه العملية .فلكيما يصبح العامل اتشتراكيا-يديموقراطيا ينبغي له أن يكون
لنفسه صورة واضحة عن الطبيعة القتصايدية والسيماء الجتماعية والسياسية للملك العقاري
والكاهن وصاحب الرفعة والفلح والطالب والصعلوك ،وأن يعرف نواحي قوتهم ونواحي
ضعفهم ،وأن يحسن فهم معاني مختلف العبارات الشائعة والسفسطات التي تخفي بها كل
طبقة وكل فئة مطامعها النانية وحقيقة "يدخيلتها" ،وأن يعرف ما هي المؤسسات والقوانين
التي تعكس هذه المصالح أو تلك وكيف تعكسها .وهذه "الصورة الواضحة" ل يستطيع العامل
29
أن يجدها في أي كتاب :ل يستطيع أن يستمدها إل من الصور الحية ،إل من التشهير الذي
يذاع مباتشرة إثر ما يجري حولنا في برهة ما ويصبح موضوعا يتحدث به الناس ،جماعات أو
أفرايدا ،أو يهمسون به على القل وما يتجلى في هذه أو تلك من الحداث والرقام والحكام
القضائية ،الخ ،.الخ ..إن هذا التشهير السياسي الذي يشمل جميع الميايدين هو تشرط أساسي
ل بد منه لتربية نشاط الجماهير الثوري .لماذا ل يظهر العامل الروسي حتى الن غير القليل
من النشاط الثوري حيال ما يلقاه الشعب من وحشية الشرطة ،حيال اضطهايد الشيع الدينية،
حيال ضرب الفلحين ،حيال فضائح الرقابة ،حيال تعذيب الجنويد ،حيال ملحقة المبايدرات
الثقافية حتى أضعفها ،وهلم جرا؟ أليس مريد ذلك إلى أن "النضال القتصايدي" ل "يدفعه"
إلى مثل هذا النشاط ،وأن هذه المور "تبعث فيه المل" بقلة من "النتائج الحسية" ،وتعطيه
قلة من النتائج "اليجابية"؟ ل .إن ايدعاء المرء بمثل هذا يعني ،ونكرر ذلك ،محاولة لعزو
أخطائه هو إلى الخرين ،عزو تفاهته )أي البرنشتينية( إلى جماهير العمال .إننا ،إذا كنا لم
نستطع حتى الن تنظيم التشهير بجميع هذه السفالت بما ينبغي من السعة والسرعة
والوضوح ،فسبب ذلك نحن ،سبب ذلك تأخرنا عن حركة الجماهير .إذا فعلنا ذلك )وهذا يجب
علينا ونستطيع أن نفعله( ،لرأينا حتى أكثر العمال تأخرا يدرك أو يحس أن الطالب وتابع
البدعة الدينية ،والفلح والكاتب ،يتلقى الهانات والطغيان من تلك القوة السويداء نفسها
التي تضغط عليه وتسحقه في كل خطوة من حياته ،وما أن يحس حتى يرغب ،حتى يرغب
أتشد الرغبة في أن يريد بنفسه ،ويستطيع عندئذ أن ينظم :اليوم عرضا صاخبا في وجه
المراقبين وغدا مظاهرة أمام يدار حاكم قمع انتفاضة فلحين ،وبعد غد إلقاء يدرس على
الدرك لبسي مسوح الكهان الذين يقيمون بأعمال محاكم التفتيش المقدسة ،الخ ..إننا لم
نعمل غير النزر القليل ،لم نعمل تقريبا أي تشيء للقاء تشهيرات بين جماهير العمال ،تتناول
مواضيع الساعة وتشمل جميع ميايدين الحياة .حتى أن الكثيرين منا لم يدركوا بعد واجبهم
هذا ،ويستمرون على زحفهم العفوي خلف "النضال الجاري المعتايد" ضمن إطار الحياة
المعملية الضيق .إن القول في مثل هذه الظروف بأن ""اليسكرا" تميل إلى التقليل من
أهمية تقدم النضال الجاري المعتايد بالقياس إلى الدعوة للفكار البراقة والمتبلورة"
)مارتينوف ،ص - (61يعني جر الحزب إلى الوراء والدفاع عن عدم استعدايدنا وعن تأخرنا،
والتشايدة بهما .أما نداء الجماهير إلى العمل فهو أمر يأتي من تلقاء نفسه متى وجد التحريض
السياسي النشيط والتشهير الواضح الحي .إن إلقاء القبض على مجرم متلبسا بالجريمة
والتشهير به على الفور أمام الجميع وفي كل مكان ،هو عمل يؤثر بحد ذاته تأثيرا أقوى من
كل "نداء" ،يؤثر في الغالب تأثيرا يتعذر معه فيما بعد معرفة الذي "نايدى" الجموع ،والذي
وضع مشروع هذه المظاهرة أو تلك ،الخ ..والنداء -بمعنى الكلمة الملموس ،ل بمعناها العام -
ل يمكن أن يحدث إل في ساحة العمل نفسه ،ول يمكن أن ينايدي إل السائر مباتشرة بنفسه
في الساحة .وواجبنا نحن الكتاب التشتراكيين-الديموقراطيين هو أن نعمق التشهير
والتحريض السياسيين وأن نوسعهما ونقويهما .وللمناسبة لنقل الن كلمة في "النداءات.
لقد كانت "اليسكرا" الجريدة الوحيدة التي نايدت العمال ،قبل حوايدث الربيع) ،(73إلى التدخل
النشيط في مسألة ل تبعث فيهم على الطلق أي أمل بنتائج حسية -هي مسألة تجنيد
الطلب الجباري .ففور إصدار قرار 11كانون الثاني )يناير( بصديد "تجنيد 183طالبا" وقبل
الشروع بأية مظاهرة ،نشرت "اليسكرا" مقال حول هذا المر )العديد ،2تشباط -ونايدت جهارا
"العامل إلى مساعدة الطالب" ،نايدت "الشعب" إلى الريد الصريح فبراير( على هذا التحدي
الفظ من قبل الحكومة .ونحن نسأل الجميع وكل بمفريده :كيف نفسر هذا الواقع البليغ في
يدللته -وهو أن مارتينوف الذي يتكلم عن "النداءات" بهذه الكثرة بل إنه يرفع "النداءات" إلى
تشكل خاص من أتشكال النشاط ،لم ينبس ببنت تشفة عن هذا النداء؟ أفليس من النفاق بعد
ذلك أن يعلن مارتينوف أن "اليسكرا" ل ترى إل ناحية واحدة لنها ل "تنايدي" بصورة كافية
إلى النضال من أجل مطالب "تبعث المل بنتائج حسية"؟ لقد أحرز "اقتصايديو"نا ،بما فيهم
"رابوتشييه يديلو" ،نجاحا لنهم تكيفوا تبعا للعمال المتأخرين .ولكن العامل التشتراكي-
الديموقراطي ،العامل الثوري )وعديد هؤلء العمال في تزايد مستمر( سيريد بسخط على جميع
هذه الحجج عن النضال من أجل مطالب "تبعث المل بنتائج حسية" ،الخ ،.لنه سيفهم أن ذلك
ليس غير تشكل جديد الغنية القديمة ،أغنية الكوبيك المضاف إلى الروبل .إن هذا العامل
سيقول لمن يسدون له النصائح في "رابوتشايا ميسل" و"رابوتشييه يديلو" :إنكم تخطئون أيها
30
السايدة في إزعاج أنفسكم هذا الزعاج بتدخلكم هكذا في أمور نعالجها بأنفسنا وبتهربكم من
واجباتكم الحقيقية .فليس من الفطنة إطلقا أن تقولوا أن واجب التشتراكيين-
الديموقراطيين هو إضفاء الطابع السياسي على النضال القتصايدي نفسه ،فذلك ليس إل
بداية ،وما هو بمهمة التشتراكيين-الديموقراطيين الرئيسية ،لنه ،في العالم كله ،بما في ذلك
روسيا ،ليس من النايدر أن تكون الشرطة هي البايدئة في إضفاء الطابع السياسي على
النضال .والواقع أن القتصايدي ،فيأخذ العمال أنفسهم في تبين الجانب الذي تسانده
الحكومة "نضال العمال القتصايدي ضد أصحاب العمال والحكومة" ،هذا النضال الذي
تمتدحونه كما لو كنتم قد اكتشفتم أمريكا ثانية ،يقوم به في المناطق الروسية المنسية
العمال أنفسهم ممن سمعوا عن الضرابات ولكنهم ،على ما يبدو ،يجهلون كل تشيء عن
التشتراكية .والواقع أن "نشاطـ"ـنا ،نحن العمال ،الذي تريدون أنتم جميعا أن تؤيدوه ،بوضع
المطالب الملموسة التي تبعث المل بنتائج حسية هو نشاط موجويد فينا .ونحن أنفسنا ،في
عملنا المهني اليومي الطفيف ،كثيرا ما نضع هذه المطالب الملموسة يدون أية مساعدة من
قبل المثقفين .ولكن مثل هذا النشاط ل يكفينا .فنحن لسنا بأطفال يمكن إطعامهم من
حساء السياسة "القتصايدية" وحدها؛ نحن نريد أن نعرف كل ما يعرفه الخرون ،نريد الطلع
على تفاصيل أوجه الحياة السياسية جميعها ،وأن نشترك بنشاط في كل حايدث سياسي ،وان
مهما كان .وهذا يتطلب من المثقفين أن يقللوا من تكرار ما نعرفه نحن أنفسنا يكثروا من
إعطائنا ما لم نتوصل إلى معرفته ،ما ل نستطيع أبدا أن نتوصل إلى معرفته من تجربتنا
المعملية و"القتصايدية" -ونعني المعرفة السياسية .تستطيعون أنتم ،معشر المثقفين ،أن
تحصلوا على هذه المعرفة ،وإنكم لملزمون بأن تقدموها لنا بأكثر مما فعلتم إلى اليوم بمئة
بل بألف مرة ،على أن ل تقدموها فقط بشكل محاكمات وكراريس ومقالت )هي في حالت
كثيرة -واعذرونا على صراحتنا! -مملة بعض الشيء( بل حتما بشكل تشهير حي بما تفعله
بالذات حكومتنا وطبقاتنا السائدة في هذا الظرف بالذات في جميع ميايدين الحياة .هلموا إذن
للقيام بواجبكم هذا بهمة أكبر وأقلوا من الكلم عن "رفع مستوى نشاط جماهير العمال".
فنشاطنا أكثر مما تظنون بكثير .فنحن نعرف كيف ندعم بالنضال السافر في الشارع حتى
المطالب التي ل تبعث المل بأية "نتائج حسية"! لستم أنتم المدعوين لـ"رفع مستوى"
نشاطنا ،لن النشاط بالذات هو ما ينقصكم أنتم .أقلوا من السجويد أمام العفوية وأكثروا من
التفكير برفع مستوى نشاطكم أنتم ،أيها السايدة!
يد?( ما هو مشترك بين القتصايدية والرهابية؟ جمعنا آنفا ،في زاوية الملحظات ،بين
"اقتصايدي" من جهة ،وإرهابي غير اتشتراكي-يديموقراطي من جهة أخرى ،فظهرا متضامنين
مصايدفة .ولكن ثمة صلة تربط بينهما بوجه عام ،صلة يداخلية ،ليست عرضية بل ضرورية.
وسنعويد إلى الحديث عنها فيما يأتي من البحث كما أنه من الضروري التطرق إليها فيما يخص
مسألة تربية النشاط الثوري بالذات .لدى "القتصايديين" وإرهابيي اليوم جذر مشترك :هو
بالضبط تقديس العفوية ،الذي تكلمنا عنه في الفصل السابق كظاهرة عامة والذي سنتناوله
الن من حيث تأثيره في ميدان النشاط السياسي والنضال السياسي .وقد يبدو زعمنا هذا
لول وهلة متناقضا ،إذ أن الفرق الظاهري كبير جدا بين أناس يضعون في المقام الول
"النضال الجاري المعتايد" وأناس يدعون الفرايد إلى نضال يتطلب الحد القصى من إنكار
الذات .ولكن ليس ثمة هنا من تناقض" .فالقتصايديون" والرهابيون يقدسون قطبين
مختلفين من التيار العفوي" :القتصايديون" يقدسون عفوية "الحركة العمالية الصرف"
والرهابيون يقدسون عفوية تشديد سخط المثقفين الذين ل يعرفون أو ل يستطيعون أن
يربطوا العمل الثوري بحركة العمال في كل واحد .وفي الحقيقة يصعب على من فقد إيمانه
بهذه المكانية أو الذي لم يؤمن بها قط ،أن يجد مخرجا لسخطه وهمته الثورية غير الرهاب.
وهكذا ،إن تقديس العفوية في التجاهين المذكورين ليس إل البدء بتحقيق برنامج ""Credo
المشهور :العمال ينصرفون إلى "نضالهم القتصايدي ضد أصحاب العمال والحكومة"
)وليعذرنا واضع " "Credoإذ نعرب عن أفكاره بكلمات مارتينوف! ونعتقد أن ذلك من حقنا ما
يدام " "Credoهو الخر يقول أن العمال "يصطدمون" في نضالهم القتصايدي "بالنظام
السياسي"(؛ أما المثقفون فيخوضون النضال السياسي بقواهم الخاصة ،عن طريق الرهاب
طبعا! وهو استنتاج منطقي ومحتوم تماما ل بد من اللحاح عليه ،ولو كان الذين يشرعون
31
بتحقيق هذا البرنامج ل يدركون هم أنفسهم حتميته .إن للنشاط السياسي منطقه المستقل
عن إيدراك الذين يدعون ،عن حسن نية ،إلى الرهاب أو إلى إضفاء الطابع السياسي على
النضال القتصايدي نفسه .إن جهنم مبلطة بالنوايا الطيبة ،وفي هذه الحالة أيضا ل تمنع
النوايا الطيبة من النجرار العفوي في اتجاه "أهون السبل" ،في اتجاه برنامج ""Credo
البرجوازي الصرف .كذلك ليس من قبيل المصايدفات أن نرى الكثيرين من الليبراليين الروس
-الليبراليين البينين أوالمقنعين بالماركسية -يحبذون الرهاب بكل جوارحهم ويسعون لدعم
نهوض الميول الرهابية في الظرف الحاضر .ونرى أن ظهور "جماعة سفوبويدا التشتراكية-
الثورية" التي وضعت نصب عينيها بالضبط مهمة مساعدة حركة العمال بكل الوسائل ،ولكنها
سجلت في برنامجها الرهاب وتحرير نفسها ،إن أمكن القول ،من التشتراكية-الديموقراطية -
إن هذا الواقع قد بين مرة أخرى وأخرى روعة نفاذ بصر ب.ب .آكسيلرويد الذي تنبأ بالمعنى
الحرفي للكلمة منذ أواخر سنة 1897نتيجة التريديد التشتراكي-الديموقراطي هذه )"حول
مسألة المهام الحالية والتكتيك"( ورسم "احتماليه" المشهورين .إن جميع المجايدلت
والخلفات التي حدثت بعد ذلك بين التشتراكيين-الديموقراطيين الروس يحتويها هذان
الحتمالن كما تحتوي البذرة النبتة• .ويتضح أيضا من وجهة النظر المذكورة أن "رابوتشييه
يديلو" التي لم تصمد أمام عفوية "القتصايدية" لم تستطع أن تصمد كذلك أمام عفوية
الرهابية .ومن المهم جدا أن نشير هنا إلى الحجج الفريدة في بابها والتي قدمتها
"سفوبويدا" يدفاعا عن الرهاب .فهي " تنكر بصورة تامة" يدور الرهاب التخويفي )"بعث
الثورية" ،ص ،(64ولكنها تشير في المقابل إلى "يدوره التهييجي" .وهذا بليغ الدللة ،أول،
بوصفه مرحلة من مراحل تفسخ وانحطاط يدائرة الفكار التقليدية )السابقة للتشتراكية-
الديموقراطية( التي كانت ترغم على التمسك بالرهاب .فالعتراف بأنه يستحيل الن
"تخويف" الحكومة بالرهاب ،وبالتالي بعث النحلل فيها يعني ،في الجوهر ،تشجب الرهاب
بصورة تامة بوصفه طريقة نضال ،بوصفه ميدانا للنشاط يكرسه برنامج .وهو ،ثانيا ،أبعد في
الدللة بوصفه نموذجا يبين عدم فهم مهامنا الملحة في قضية "تربية نشاط الجماهير
الثوري" .بيد أن "سفوبويدا" تبشر بالرهاب بوصفه وسيلة "تهييج" لحركة العمال ،بوصفه
"حافزا قويا" لها .إن من الصعب تصور حجة تدحض نفسها بنفسها بوضوح أكبر! إننا نسأل:
هل خلت الحياة الروسية من المساوئ لدرجة تحمل على اختراع وسائل خاصة "للتهييج"؟
أوليس من الواضح ،من الناحية الخرى ،أن الذي ل يهتاج ول يمكن أن يهتاج حتى من جراء
الطغيان الروسي ،سينظر كذلك إلى المبارزة الدائرة بين الحكومة وقبضة الرهابيين وهو
"ينكش أنفه"؟ والواقع أن تشناعات الحياة الروسية تهيج جماهير العمال لدرجة كبيرة ،ولكننا
ل نحسن ،إن أمكن التعبير ،جمع وتركيز كل قطرات وجداول التهيج الشعبي التي تنضح من
الحياة الروسية بكميات أكبر جدا مما نتصور ونحسب جميعا ،والتي ينبغي مع ذلك جمعها
بالضبط في سيل واحد جارف .وهي مهمة ممكنة التحقيق تماما ،يبرهن على ذلك بما ل يقبل
الدحض نهوض حركة العمال هذا النهوض الكبير وما أتشرنا إليه فيما تقدم من تشدة تعطش
العمال إلى المطبوعات السياسية .أما النداءات إلى الرهاب فإنها مثل النداءات إلى إضفاء
الطابع السياسي على النضال القتصايدي نفسه ،ليست إل أتشكال مختلفة للتهرب من ألح
واجبات الثوريين الروس :تنظيم التحريض السياسي بجميع أتشكاله .إن "سفوبويدا" تريد أن
تحل الرهاب محل التحريض ،معترفة صراحة بأن "يدوره التهييجي ينتهي منذ أن يبدأ التحريض
النشيط القوي بين الجماهير" )ص 68من "بعث الثورية"( .وهذا ما يدل بالضبط على أن
الرهابيين "والقتصايديين" على حد سواء يستصغرون نشاط الجماهير الثوري ،بالرغم من
الشهايدة ،فهؤلء يندفعون إلى البحث عن "مهيجات" مصطنعة ،الواضحة التي قدمتها حوايدث
الربيع وأولئك يتحدثون عن "المطالب الملموسة" .وهؤلء وأولئك ل يلتفون التفافا كافيا إلى
رفع نشاطهم هم في ميدان التحريض السياسي وتنظيم التشهير السياسي .مع أن تشيئا ل
يمكن أن يحل محل هذا المر ،ل في الوقت الحاضر ول في أي وقت آخر.
هـ( الطبقة العاملة مناضل طليعي من أجل الديموقراطية لقد رأينا أن القيام بالتحريض
السياسي بأوسع تشكل ،وبالتالي تنظيم التشهير السياسي الشامل ،هو مهمة ضرورية يدون
قيد أو تشرط ،هو مهمة النشاط ذات الضرورة الكثر إلحاحا ،إذا كان هذا النشاط إتشتراكيا-
يديموقراطيا حقا .ولكننا خلصنا إلى هذا الستنتاج منطلقين فقط من حاجة الطبقة العاملة
32
الملحة إلى المعرفة السياسية والتربية السياسية .إل أن طرح المسألة على هذا الشكل وحده
يكون ضيقا جدا ويغفل المهام الديموقراطية العامة التي تواجه كل اتشتراكية-يديموقراطية
بوجه عام والتشتراكية-الديموقراطية الروسية المعاصرة بوجه خاص .ولكيما نشرح هذا المر
بأوضح تشكل سنحاول تناول المسألة من الناحية "القرب" إلى "القتصايديين" ،من الناحية
العملية بالضبط .إن "كل الناس متفقون" على ضرورة إنماء وعي الطبقة العاملة السياسي.
والسؤال هو :كيف نقوم بذلك وماذا ينبغي للقيام بذلك؟ إن النضال القتصايدي ل "يصدم"
العمال إل بمسائل موقف الحكومة من الطبقة العاملة .ولذلك مهما بذلنا من جهد في "إضفاء
الطابع السياسي على النضال القتصايدي نفسه" ،ل نستطيع أبدا أن نصل إلى إنماء وعي
العمال السياسي )إلى يدرجة الوعي السياسي التشتراكي-الديموقراطي( ضمن إطار هذه
المهمة ،لن هذا الطار نفسه ضيق .إن صيغة مارتينوف ذات قيمة في نظرنا ،ل لنها تدل
على موهبة مارتينوف في التشويش ،بل لنها تدل بجلء على الخطأ الرئيسي الذي يقترفه
جميع "القتصايديين" ،ونعني العتقايد بأنه يمكن إنماء وعي العمال السياسي الطبقي من
يداخل نضالهم القتصايدي ،إن أمكن القول ،أي انطلقا من هذا النضال وحده )أو منه بصورة
رئيسية على القل( .وهذا الرأي مغلوط من أساسه ،وبما أن "القتصايديين" ،من غضبهم
علينا لجدالنا إياهم ،ل يريدون أن يعملوا الفكر في مصدر خلفاتنا ،يكون الحاصل أننا ل نفهم
بعضنا بعضا بالمعنى الحرفي للكلمة ونتكلم بلغات مختلفة .إن الوعي السياسي الطبقي ل
يمكن حمله إلى العامل إل من الخارج ،أي من خارج النضال القتصايدي ،من خارج يدائرة
العلقات بين العمال وأصحاب العمال .فالميدان الوحيد الذي يمكن أن نستمد منه هذه
المعرفة هو ميدان علقات جميع الطبقات والفئات تجاه الدولة والحكومة ،ميدان علقات
جميع الطبقات بعضها تجاه بعض .ولذلك ،على سؤال :ماذا ينبغي لحمل المعرفة السياسية
إلى العمال؟ ل يمكن تقديم ذلك الجواب الوحيد الذي يكتفي به في معظم الحالت
المشتغلون في الميدان العملي ،فضل عن أولئك الذين يميلون منهم إلى "القتصايدية"،
ونعني جواب" :التوجه إلى العمال" .فلكيما يحمل التشتراكيون-الديموقراطيون إلى العمال
المعرفة السياسية ينبغي لهم التوجه إلى جميع طبقات السكان ،ينبغي لهم أن يرسلوا
فصائل جيشهم إلى جميع الجهات .إذا كنا قد تعمدنا هذه الصيغة الخشنة ،إذا كنا قد تعمدنا
هذا التبسيط الجارح في التعبير ،فليس منشأ ذلك الرغبة في الغراب ،بل الرغبة في "صدم"
"القتصايديين" صدما بتلك المهام التي يغفلونها بشكل ل يغتفر ،بذلك الفرق الذي ل يريدون
فهمه ،والموجويد بين السياسة التريديونيونية والسياسة التشتراكية-الديموقراطية .ولذلك
نطلب إلى القارئ أن يتذرع بالصبر وأن يصغي إلينا بانتباه حتى النهاية .خذوا نموذج الحلقة
التشتراكية-الديموقراطية الوسع انتشارا في السنوات الخيرة وأمعنوا النظر في عملها .إن
لها "صلت بالعمال" وإنها لقانعة بذلك ،وهي تنشر المنشورات التي تنديد فيها بما يجري في
المعامل من التجاوزات وبسلوك الحكومة الممالئ للرأسماليين وبالطغيان البوليسي.
والحديث في اجتماعات العمال ل يخرج في المعتايد عن إطار المواضيع نفسها أو يكايد ل يخرج
عنها؛ أما المحاضرات والحايديث عن تاريخ الحركة الثورية وعن قضايا سياسة حكومتنا في
الحقلين الداخلي والخارجي وعن مسائل التطور القتصايدي في روسيا وفي أوروبا وعن
وضع هذه أو تلك من الطبقات في المجتمع الراهن ،الخ ،.فهي نايدرة جدا ،ول يخطر ببال أحد
أن يعقد وينمي الصلت بصورة يدائبة في طبقات المجتمع الخرى .والحق أن المثل العلى
للمناضل ،في نظر أعضاء مثل هذه الحلقة ،هو ،في معظم الحيان ،أتشبه كثيرا بسكرتير
التريديونيون منه بالتشتراكي ،الزعيم السياسي .وبالفعل ،إن سكرتير أي تريديونيون،
سكرتير تريديونيون إنكليزي ،مثل ،يساعد العمال يدائما على القيام بالنضال القتصايدي،
وينظم التشهير بالحياة في المعامل ،ويشرح الظلم الكامن في القوانين والتدابير التي تقيد
حرية الضراب وحرية إقامة مراكز الحراسة )لتنبيه الجميع وكل فريد إلى أن عمال هذا
المعمل أو ذاك مضربون( ويبين تحيز الحكم الذي ينتمي إلى طبقات الشعب البرجوازية ،الخ،.
الخ ..وباقتضاب ،إن كل سكرتير لتريديونيون يقوم ويساعد على القيام بـ"النضال القتصايدي
ضد أصحاب العمال والحكومة" .ولسنا نغالي مهما ألححنا في القول أن ذلك ليس بعد
بالتشتراكية-الديموقراطية ،وأن المثل العلى للتشتراكي-الديموقراطي ل ينبغي أن يكون
سكرتير التريديونيون ،بل الخطيب الشعبي الذي يحسن الريد على كل مظهر من مظاهر
الطغيان والظلم بصرف النظر عن مكان حدوثه وعن الفئة أو الطبقة التي يصيبها هذا
33
الطغيان والظلم ،يحسن تلخيص جميع هذه المظاهر ويخلق منها لوحة تامة للطغيان
البوليسي وللستثمار الرأسمالي ،يحسن الستفايدة من كل أمر تافه لكي يعرض أمام الجميع
عقائده التشتراكية ومطالبه الديموقراطية ولكي يشرح للجميع ولكل فريد الهمية التاريخية
العالمية لنضال البروليتاريا التحريري .قارنوا مثل بين روبرت نايت )السكرتير والقائد
المعروف لجمعية عمال المراجل ،وهي من أقوى التريديونيونات في إنكلترا( وولهلم
ليبكنخت ،وطبقوا عليهما المتضايدات التي لخص بها مارتينوف خلفاته مع "اليسكرا" ،تروا –
وإني لبدأ بتصفح مقال مارتينوف -أن ر .نايت قد تفوق جدا في "منايداة الجماهير إلى
أعمال معينة ملموسة" )ص (39وأن و .ليبكنخت قد تفوق "في النصراف إلى تشرح ثوري
للنظام الراهن بأكمله أو لمظاهره الجزئية" )ص ص (39-38؛ وأن ر .نايت قد "صاغ مطالب
البروليتاريا المباتشرة وبين طرق تحقيقها" )ص (41وأن و .ليبكنخت قد قام بذلك يدون أن
يستنكف من أن "يقويد في الوقت نفسه العمل النشيط لمختلف الفئات المعارضة" ومن أن
"يملي عليها برنامجا إيجابيا للعمل"• )ص (41؛ وأن ر .نايت قد بذل جهده على وجه الدقة
"ليضفي الطابع السياسي ،بقدر المكان ،على النضال القتصايدي نفسه" )ص (42وأنه كان
بارعا في "مطالبة الحكومة بإجراءات ملموسة تبعث المل ببعض النتائج الحسية" )ص ،(43
في حين أن و .ليبكنخت قد بذل جهدا أكبر بكثير في "التشهير" "الوحيد الجانب" )ص (40؛
وأن ر .نايت قد أضفى أهمية أكبر على "تقدم النضال الجاري المعتايد" )ص ،(61وأن و.
ليبكنخت قد أعار أهمية أكبر "للدعوة إلى الفكار البراقة المتبلورة )ص (61؛ وأن و .ليبكنخت
قد جعل من الجريدة التي يشرف عليها "جريدة للمعارضة الثورية تشهر بأوضاعنا ،ول سيما
بالوضاع السياسية ،ما يدامت تصطدم بمصالح مختلف فئات السكان" )ص ،(63في حين أن ر.
نايت قد "عمل لقضية العمال على صلة عضوية وثيقة بالنضال البروليتاري" )ص - ،(63إذا
فهمنا "الصلة العضوية الوثيقة" بمعنى تقديس العفوية الذي يدرسناه أعله استنايدا إلى مثل
كريتشيفسكي ومارتينوف -،و"ضيق ميدان تأثيره" متأكدا على غرار مارتينوف طبعا من أنه
"يزيد بذلك تركيز التأثير نفسه" )ص .(63وبكلمة ،ترون أن مارتينوف يهوي de facto
بالتشتراكية-الديموقراطية إلى مستوى التريديونيونية ،ل بالطبع لنه ل يريد الخير
للتشتراكية-الديموقراطية ،بل لنه يتسرع بعض الشيء في تعميق بليخانوف ،بدل من أن يبذل
جهده لفهمه .ولكن لنعد إلى بحثنا .لقد قلنا أنه يجب على التشتراكي-الديموقراطي ،إذا كان
اعترافه بضرورة إنماء وعي البروليتاريا السياسي الشامل ل يقف عند حد القول ،أن "يتوجه
إلى جميع طبقات السكان" .وهنا تطرح السئلة التالية :كيف نقوم بذلك؟ ألدينا من القوى ما
يكفي لذلك؟ هل من صعيد لمثل هذا العمل في جميع الطبقات الخرى؟ أل يعني هذا تراجعا،
أو يؤيدي إلى التراجع عن وجهة النظر الطبقية؟ لنتناول هذه المسائل .ينبغي لنا أن "نتوجه
إلى جميع طبقات السكان" بوصفنا نظريين وبوصفنا محرضين وبوصفنا منظمين .ل يشك
أحد في أنه ينبغي لعمل التشتراكيين-الديموقراطيين النظري أن يتجه لدراسة جميع خصائص
الوضع الجتماعي والسياسي لمختلف الطبقات .ولكن العمل في هذا التجاه قليل -قليل
جدا ،أقل بكثير من العمل الذي يجري لدراسة خصائص حياة المعامل ،إنكم تصايدفون في
اللجان والحلقات أناسا يتعمقون في تخصص في يدراسة هذا الميدان أو ذاك من ميايدين إنتاج
الحديد ،ولكنكم ل تصايدفون تقريبا مثل يستدل منه على أن أعضاء المنظمات )المضطرين كما
يحدث في كثير من الحالت إلى ترك النشاط العملي لسبب من السباب( ينصرفون بصورة
خاصة إلى جمع موايد حول قضية من قضايا الساعة في حياتنا الجتماعية والسياسية يمكن أن
تتيح للتشتراكية-الديموقراطية فرصة العمل بين فئات السكان الخرى .ونحن ،عندما نتكلم
عن ضعف الستعدايد لدى معظم قايدة حركة العمال الحاليين ،ل يسعنا إل أن نذكر التحضير
في هذا الحقل أيضا ،إذ أنه مرتبط كذلك بالمفهوم "القتصايدي" "للصلة العضوية الوثيقة
بالنضال البروليتاري" .ولكن المر الهم طبعا هو الدعاية والتحريض بين جميع فئات الشعب.
إن ما ييسر هذا الواجب على التشتراكي-الديموقراطي في أوروبا الغربية إنما هي
الجتماعات والتجمهرات العامة التي يحضرها كل راغب ،وييسره البرلمان الذي يتكلم فيه
أمام نواب من جميع الطبقات .أما نحن فليس لدينا برلمان ول حرية اجتماع .ولكننا نحسن مع
ذلك تنظيم إجتماعات للعمال الذين يريدون أن يصغوا إلى إتشتراكي-يديموقراطي .وينبغي لنا
أن نحسن كذلك تنظيم اجتماعات يحضرها ممثلو جميع طبقات السكان الذين يريدون أن
يصغوا إلى يديموقراطي .لنه ليس باتشتراكي-يديموقراطي من ينسى عمليا أن "الشيوعيين
34
يؤيدون كل حركة ثورية") ،(75وأننا تبعا لذلك ملزمون بأن نعرض أمام الشعب كله ونشديد
على المهام الديموقراطية العامة يدون أن نخفي لحظة واحدة عقائدنا التشتراكية .ليس
باتشتراكي-يديموقراطي من ينسى عمليا أنه ملزم بأن يكون أول من يطرح ويشحذ ويحل كل
مسألة من المسائل الديموقراطية العامة .قد يقاطعنا القارئ غير الصبور قائل" :إن الجميع
يدون استثناء متفقون على ذلك!" وإن التعليمات الجديدة إلى هيئة تحرير "رابوتشييه يديلو"،
هذه التعليمات التي اتخذت في آخر مؤتمر "للتحايد" ،تقول بصراحة" :ينبغي أن يستفايد ،من
أجل الدعاية والتحريض السياسيين ،من جميع ظواهر وأحداث الحياة الجتماعية والسياسية
التي تمس البروليتاريا إما مباتشرة بوصفها طبقة على حدة وإما بوصفها طليعة جميع القوى
الثورية في النضال من أجل الحرية" )"مؤتمران" ،ص .17حرف التأكيد لنا( .أجل ،إنها
لكلمات طيبة وصحيحة كل الصحة ،ونكون راضين كل الرضى لو فهمتها "رابوتشييه يديلو"،
ولو لم تقل إلى جانب هذه الكلمات ما يناقضها .إذ ل يكفي اتخاذ اسم "الطليعة" ،أو الفصيلة
المامية؛ بل ينبغي أن نعمل بشكل يحمل جميع الفصائل الخرى على أن ترى وعلى أن
تعترف بأننا نسير في المقدمة .ونحن نسائل القارئ :هل ممثلو "الفصائل" الخرى من
البلهة بحيث يصدقوننا لمجريد ايدعائنا بأننا "الطليعة"؟ بحسبكم أن تتصوروا هذا المشهد:
يذهب اتشتراكي-يديموقراطي إلى "فصيلة" الرايديكاليين الروس المثقفين أو الدستوريين
الليبراليين ويقول :نحن الطليعة؛ "وتواجهنا الن المهمة التالية :كيف نضفي الطابع
السياسي ،بقدر المكان ،على النضال القتصايدي نفسه" .وما أن يسمع هذا الخطاب
رايديكالي أو يدستوري ذكي لدرجة ما )والذكياء على كل حال كثيرون بين الرايديكاليين
والدستوريين الروس( حتى يبتسم ويقول )في نفسه طبعا ،لنه في معظم الحالت
يديبلوماسي خبير(" :كم هي ساذجة هذه "الطليعة"! إنها عاجزة حتى عن أن تفهم أن إضفاء
الطابع السياسي على نضال العمال القتصايدي نفسه هو مهمتنا ،مهمة ممثلي الديموقراطية
البرجوازية المتقدمين .فنحن أيضا كشأن جميع البرجوازيين في أوروبا الغربية ،نريد أن
نجذب العمال إلى السياسة ،ولكن السياسة التريديونيونية على وجه الضبط ،ل السياسة
التشتراكية-الديموقراطية .فالسياسة التريديونيونية لطبقة العمال هي على وجه الدقة
السياسة البرجوازية لطبقة العمال .وعندما تضع هذه "الطليعة" صيغة لمهمتها فهي بالضبط
تضع صيغة السياسة التريديونيونية! فليقولوا عن أنفسهم أنهم إتشتراكيون-يديموقراطيون ما
طاب لهم ذلك .فأنا لست في الحقيقة طفل أغضب لمجريد اللقاب! المهم أن ل ينجروا مع
هؤلء التشرار أصحاب العقيدة الجامدة ،الرثوذكس ،المهم أن يتركوا "حرية النقد" إلى الذين
يجرون التشتراكية-الديموقراطية عن غير وعي إلى المجرى التريديونيوني!" وتنقلب بسمة
هذا الدستوري الناعمة إلى قهقهة عاصفة عندما يعلم أن التشتراكيين-الديموقراطيين الذين
يتكلمون عن يدور التشتراكية-الديموقراطية الطليعي في هذا الوقت الذي تكايد فيه العفوية
تسيطر سيطرة تامة في حركتنا ل يخشون تشيئا كخشيتهم "النتقاص من تشأن العنصر
العفوي" ،كخشيتهم "التقليل من أهمية تقدم النضال الجاري المعتايد بالقياس إلى الدعوة
للفكار البراقة والمتبلورة" ،الخ ،.الخ !.أهي فصيلة "الطليعة" التي تخشى أن يسبق الوعي
العفوية ،التي تخشى وضع "مشروع" جرئ ينتزع اعتراف الجميع حتى من الذين يفكرون على
نمط آخر! أتراهم يخلطون بين كلمة الطليعة وكلمة المؤخرة؟ اعملوا الفكر حقا في حجة
مارتينوف التالية .إنه يقول في الصفحة 40أن تكتيك "اليسكرا" التشهيري ذو وجه واحد
وأننا "مهما بذرنا من بذور الحذر والحقد حيال الحكومة ،ل نبلغ الهدف ما لم يتيسر لنا تنمية
همة اجتماعية نشيطة لدرجة تكفي لسقاطها" .ونقول بين قوسين أن هذا هو ما قد عرفناه
من الهتمام بإنماء نشاط الجماهير مع النزوع إلى التقليل من نشاطهم أنفسهم .ولكن
القضية ل تكمن في هذا الن .إن مارتينوف يتحدث هنا ،إذن ،عن الهمة الثورية )"من أجل
السقاط"( .وإلى أي استنتاج يخلص؟ بما أن الفئات الجتماعية المختلفة تتجه حتما في
الوقت العايدي اتجاهات مختلفة" ،يتضح نظرا لذلك أننا نحن التشتراكيين-الديموقراطيين ل
نستطيع أن نقويد في وقت واحد العمل النشيط لمختلف الفئات المعارضة ،ل نستطيع أن
نملي عليها برنامجا إيجابيا للعمل ،ل نستطيع أن نبين لها الطرق التي ينبغي لها أن تتبعها
في نضالها اليومي من أجل مصالحها… أما الفئات الليبرالية فتهتم هي نفسها بالنضال
النشيط من أجل مصالحها المباتشرة ،ذلك النضال الذي يصدمها وجها لوجه بنظامنا
السياسي" )ص .(41وهكذا فإن مارتينوف ما إن بدأ بالكلم عن الهمة الثورية ،عن النضال
35
النشيط من أجل إسقاط الحكم المطلق ،حتى انزلق إلى الهمة المهنية ،إلى النضال النشيط
من أجل المصالح المباتشرة! غني عن القول أننا ل نستطيع أن نقويد نضال الطلب
والليبراليين وغيرهم ،من أجل "مصالحهم المباتشرة" ،ولكن الحديث لم يدر في هذا الموضوع
يا أيها "القتصايدي" المحترم! لقد تحدثنا عن اتشتراك مختلف الفئات الجتماعية الممكن
والضروري في إسقاط الحكم المطلق .وهذا "العمل النشيط لمختلف الفئات المعارضة" ل
نستطيع قيايدته وحسب ،بل يجب علينا أن نقويده حتما ،إذا كنا نريد أن نكون "الطليعة" .أما
"صدم" طلبنا وليبيراليينا وغيرهم "وجها لوجه بنظامنا السياسي" فهو أمر ل يهتمون هم به
وحسب ،بل إنه المر الذي تهتم به قبل الجميع وأكثر من الجميع ،الشرطة نفسها ،وموظفو
الحكومة الستبدايدية أنفسهم .ولكن ينبغي لنا "نحن" إذا كنا نريد أن نكون يديموقراطيين
طليعيين ،أن نهتم بصدم المستائين على وجه الخصوص من الحالة السائدة في الجامعات
وحدها ،أو في الزيمستفوات وحدها ،الخ ،.بفكرة أن النظام السياسي كله غير صالح .ينبغي
لنا أن نأخذ على عاتقنا مهمة تنظيم نضال سياسي تشامل تحت قيايدة حزبنا نحن بشكل يمكن
سائر الفئات المعارضة على اختلفها من أن تقدم لهذا النضال ولهذا الحزب ،ويجعلها تقدم
بالفعل ما في وسعها من مساعدة .ينبغي لنا أن نخلق من التشتراكيين-الديموقراطيين
المشتغلين في الميدان العملي ،قايدة سياسيين يحسنون قيايدة جميع مظاهر هذا النضال
الشامل ،يحسنون في اللحظة المناسبة "إملء برنامج إيجابي للعمل" على الطلبة الذين هم
في غليان ،وعلى الزيمستفويين الساخطين ،وعلى أتباع البدع الغاضبين وعلى المعلمين
الشعبيين المظلومين ،الخ ،.الخ ..ولذا ليس بصحيح على الطلق ما يزعمه مارتينوف من أننا
"ل نستطيع أن نبرز حيال هذه الفئات إل في يدور سلبي ،إل في يدور المشهر بالوضاع… ل
نستطيع سوى تبديد آمالها في مختلف اللجان الحكومية" )حرف التأكيد لنا( .إن مارتينوف
يبرهن بقوله هذا أنه ل يفهم أي تشيء على الطلق في مسألة يدور "الطليعة" الثورية
الحقيقي .وإذا ما أخذ القارئ ذلك بعين العتبار ،اتضح له المعنى الحقيقي لكلمات مارتينوف
هذه"" :اليسكرا" هي جريدة المعارضة الثورية وهي تشهر بأوضاعنا والسياسية منها بصورة
رئيسية ما يدامت تصطدم بمصالح مختلف فئات السكان .أما نحن فنعمل وسنعمل لقضية
العمال على صلة عضوية وثيقة بالنضال البروليتاري .ونحن بتضييقنا ميدان تأثيرنا نزيد بذلك
تركيز التأثير نفسه" )ص .(63إن المعنى الحقيقي لهذا الستنتاج هو أن اليسكرا" تريد رفع
مستوى السياسة التريديونيونية لطبقة العمال )التي يكتفي بها المشتغلون في الميدان
العملي عندنا في حالت كثيرة ،إما لسوء الفهم أو لعدم الستعدايد أو بسبب العتقايد( إلى
مستوى السياسة التشتراكية-الديموقراطية .أما "رابوتشييه يديلو" فتريد أن تهوي بالسياسة
التشتراكية-الديموقراطية إلى مستوى السياسة التريديونيونية .وهي في أثناء ذلك تؤكد
للجميع ولكل بمفريده أن هذين "موقفان قابلن للتفاق كليا في القضية العامة" )ص وبعد،
هل نملك من القوى ما يكفي لتوجيه يدعايتنا !63)O, sancta simplicitasوتحريضنا إلى
جميع طبقات السكان؟ نعم ،بكل تأكيد" .فاقتصايديو"نا الذين يميلون في كثير من الحيان إلى
إنكار ذلك ،يغفلون الخطوة الكبرى التي خطتها حركتنا إلى المام منذ سنة ) 1894تقريبا(
حتى سنة .1901فهم لكونهم "ذيليين" حقا يعيشون في الغالب بتصورات عهد بداية الحركة
الذي انصرم منذ وقت بعيد .في ذلك الحين كانت قوانا في الحقيقة قليلة جدا ،في ذلك
الحين كان من الطبيعي والمشروع أن نلح على النصراف بكل قوانا إلى العمل بين العمال
وأن نشجب بشدة كل انحراف عنه ،فقد كانت المهمة كلها تنحصر آنئذ في توطيد مواقعنا في
صفوف الطبقة العاملة .أما اليوم فقد انجذبت إلى الحركة قوى كبرى ،وإلينا تتجه نخبة
ممثلي الجيل الناتشئ من الطبقات المثقفة ،ويضطر يدائما وأبدا للقامة في جميع القاليم
أناس ساهموا في الحركة أو لديهم رغبة بالمساهمة فيها ،أناس يميلون إلى التشتراكية-
الديموقراطية )بينما كان التشتراكيون-الديموقراطيون الروس يعدون على أصابع اليد في
سنة .(1894إن أحد النواقص الساسية ،السياسية والتنظيمية ،في حركتنا ،هو كوننا ل
نحسن استخدام جميع هذه القوى وتكليف الجميع بالعمل الملئم لهم )وسنتكلم عن ذلك
بمزيد من التفصيل في الفصل التالي( .والكثرية الكبرى من هذه القوى محرومة تماما من
كل إمكانيات "التوجه إلى العمال" بشكل ل مجال معه إلى الحديث عن خطر تحويل القوى
عن قضيتنا الساسية .ولكيما نقدم للعمال المعرفة السياسية الحية الشاملة الحقيقية ،يجب
أن يكون لدينا "رجالنا" ،يجب أن يكون لدينا اتشتراكيون-يديموقراطيون في كل مكان ،في
36
جميع الفئات الجتماعية وفي جميع المواقع التي توفر إمكانية معرفة النوابض الداخلية للة
يدولتنا .ونحن بحاجة إلى هؤلء الناس ل للدعاية والتحريض وحسب ،بل أيضا ،وعلى وجه
الخصوص ،للتنظيم .وهل من صعيد للعمل بين جميع طبقات السكان؟ إن من ل يرى ذلك
يثبت مرة أخرى أن وعيه متخلف عن نهوض الجماهير العفوي .لقد أثارت الحركة العمالية ول
تزال تثير لدى بعضهم الستياء ،ولدى آخرين المل بتأييد المعارضة ،ولدى قسم ثالث إيدراك
تعذر الحكم المطلق وحتمية انهياره .إننا ل نكون "ساسة" واتشتراكيين-يديموقراطيين إل
بالقول )كثيرا جدا ما يحدث ذلك في الحياة( إذا لم ندرك أن من واجبنا أن نستفيد من جميع
مظاهر الستياء على اختلفها ،أن نجمع وندرس جميع بذور الحتجاج ولو كان في حالة
جنينية .ناهيك عن أن المليين والمليين من الفلحين الكايدحين والحرفيين وصغار المنتجين
وغيرهم ،ستصغي على الدوام بتعطش إلى يدعاية اتشتراكي-يديموقراطي ماهر إلى حد ما.
ولكن هل من الممكن أن نشير ولو إلى طبقة من طبقات السكان تخلو من أتشخاص
وجماعات وحلقات من الساخطين على الستبدايد والطغيان ،والقابلين بالتالي لدعاية
التشتراكي-الديموقراطي ،المفصح عن أتشد الماني الديموقراطية العامة إلحاحا؟ وإذا أرايد
أحد أن يك ّون لنفسه صورة ملموسة عن هذا التحريض السياسي للتشتراكي-الديموقراطي
بين جميع طبقات السكان وفئاتهم ،فنحن ندله على التشهير السياسي بمعنى الكلمة الواسع
بوصفه الوسيلة الرئيسية )ولكن ل الوحيدة طبعا( لهذا التحريض .لقد كتبت في مقالي "بم
نبدأ؟" )"اليسكرا" ،العديد ،4أيار -مايو -سنة ،(1901هذا المقال الذي سنتحدث عنه بتفصيل
فيما يأتي من البحث" :ينبغي لنا أن نوقظ الشغف إلى التشهير السياسي في جميع فئات
السكان الواعين بعض الشيء ول ينبغي أن نتهيب حيال ما نراه اليوم من ضعف وندرة ووجل
من الناحية السياسية في أصوات التشهير .فسبب ذلك ليس البتة تسليم الجميع بالطغيان
البوليسي ،سبب ذلك هو كون الناس القايدرين على التشهير والمستعدين له ،ل يجدون منبرا
يرفعون منه أصواتهم ،ل يجدون بيئة تصغي إلى الخطباء بانتباه وتشجعهم ،ل يرون هنا
وهناك في الشعب قوة تستحق جهد التوجه إليها بالشكاية من الحكومة الروسية "ذات الحول
والطول"… وفي وسعنا اليوم ومن واجبنا إنشاء منبر للتشهير بالحكومة القيصرية أمام
الشعب كله .وهذا المنبر ينبغي أن يكون الجريدة التشتراكية-الديموقراطية" .والبيئة المثلى
لهذا التشهير السياسي هي بالذات الطبقة العاملة التي تحتاج قبل كل تشيء وأكثر ما تحتاج
إلى المعرفة السياسية الحية والشاملة ،الطبقة العاملة التي تفوق الجميع في قدرتها على
تحويل هذه المعرفة إلى نضال نشيط وإن كان ل يبعث المل بأية "نتائج حسية" .أما منبر
التشهير أمام الشعب كله فل يمكن أن يكون غير جريدة لعامة روسيا" .فبدون جريدة سياسية
ل يمكن في أوروبا الراهنة تصور حركة جديرة بأن توصف بأنها سياسية" .وروسيا من وجهة
النظر هذه هي أيضا يدونما تشك من أوروبا الراهنة .فمنذ أمد بعيد غدت الصحافة عندنا قوة،
وإل لما أنفقت الحكومة عشرات اللوف من الروبلت لرتشوتها ولتمويل أناس من أمثال
كاتكوف وميشيرسكي .وليس بالحايدث الجديد في روسيا ذات الحكم المطلق أن تحطم
الصحف السرية حواجز الرقابة وتجبر الجرائد العلنية والمحافظة على التحدث عنها جهارا.
فقد حدث ذلك في سنوات العقد الثامن وحتى في سنوات العقد السايدس .ولكم ازيدايدت
اليوم سعة وعمقا الفئات الشعبية المستعدة لقراءة الصحف السرية وللتعلم منها "كيف تحيا
وكيف تموت" ،على حد تعبير عامل وجه رسالة إلى "اليسكرا" )العديد .(7إن التشهير
السياسي هو إعلن الحرب على الحكومة مثلما أن التشهير القتصايدي هو إعلن الحرب على
صاحب المعمل .ويكتسب إعلن الحرب هذا أهمية معنوية تزيدايد بمقدار ما تتسع وتقوى حملة
التشهير هذه ،وبمقدار ما تزيدايد عديدا وعزما الطبقة الجتماعية التي تعلن الحرب لتبدأ الحرب.
ولذلك فالتشهير السياسي هو بحد ذاته وسيلة قوية من وسائل تفسيخ النظام المعايدي،
وسائل فصل العدو عن حلفائه الطارئين أو المؤقتين ،وسائل بذر بذور العداء والحذر بين
المشتركين الدائمين في السلطة الستبدايدية .ل يمكن أن يصبح طليعة للقوى الثورية في
زمننا غير الحزب الذي ينظم تشهيرا يسترعي انتباه الشعب كله حقا .ولكلمة "الشعب كله"
مضمون كبير جدا .والكثرية الكبرى من المشهرين الذين ل ينتسبون إلى الطبقة العاملة
حصفاء )والحال أن من يريد أن يكون الطليعة ينبغي له أن يجذب الطبقات الخرى( هم ساسة ُ
وأناس عمليون رابطو الجأش ،يعرفون حق المعرفة مبلغ خطر "الشكوى" حتى من موظف
صغير ،ناهيك عن الحكومة الروسية "ذات الحول والطول" .وهم لن يتوجهوا إلينا بالشكوى،
37
إل عندما يرون أنها ستكون فعل ذات تأثير ،وأننا قوة سياسية .ولكيما نصبح مثل هذه القوة
في نظر الخرين ل يكفي أن نعلق لفتة "الطليعة" على نظرية المؤخرة وممارستها ،بل
ينبغي لنا أن نعمل بدأب وإصرار على رفع مستوى وعينا ومبايدرتنا وهمتنا .سيسألنا ،ولقد
سألنا بالفعل ،المتحمس حماسا يفوق المعقول "للصلة العضوية الوثيقة بالنضال
البروليتاري" - :ولكن إذا كان ينبغي لنا أن نأخذ على عاتقنا تنظيم تشهير بالحكومة يستدعي
انتباه الشعب كله حقا ،فبم يتجلى طابع حركتنا الطبقي؟ -إنه يتجلى في كون تنظيم هذا
التشهير الذي يسترعي انتباه الشعب كله يجري بالذات من قبلنا نحن التشتراكيين-
الديموقراطيين؛ -يتجلى في كون تشرح جميع القضايا التي يثيرها التحريض سيجري على
الدوام بالروح التشتراكية-الديموقراطية يدون أي تسامح بتشويه الماركسية عن قصد أو غير
قصد؛ -يتجلى في كون هذا التحريض السياسي الشامل سيجري من قبل حزب يوحد في كل
ل يتجزأ ،الهجوم على الحكومة باسم الشعب كله وتربية البروليتاريا تربية ثورية مع الحتفاظ
باستقللها السياسي ،وقيايدة نضال الطبقة العاملة القتصايدي والستفايدة من اصطداماتها
العفوية مع مستثمريها ،هذه الصطدامات التي تستنهض وتجذب إلى معسكرنا فئات جديدة
وجديدة من البروليتاريا! ولكن إحدى السمات المميزة جدا "للقتصايدية" هي بالضبط عدم
فهم هذه الصلة ،بل قل عدم فهم هذا التوافق بين ما تحتاج إليه البروليتاريا أتشد الحاجة
)التربية السياسية الشاملة عن طريق التحريض والتشهير السياسيين( وما تحتاج إليه الحركة
الديموقراطية العامة .وعدم الفهم هذا ل يتجلى في العبارات "المارتينوفية" وحسب ،بل
يتجلى أيضا في استشهايدات بوجهة نظر طبقية مزعومة ،استشهايدات يطابق معناها هذه
العبارات كل المطابقة .إليكم ،مثل ،كيف يفصح عن ذلك واضعو الرسالة "القتصايدية" في
العديد 12من " :إن نقص "اليسكرا" الساسي نفسه )المغالة في أهمية اليديولوجيا( هو
"اليسكرا" سبب عدم تماسكها في المسائل المتعلقة بموقف التشتراكية-الديموقراطية من
مختلف الطبقات والتجاهات الجتماعية .إن "اليسكرا" ،بعد أن حلت ،عن طريق الحسابات
النظرية…" )ل عن طريق "نمو المهام الحزبية النامية مع نمو الحزب…"( "مهمة النتقال
الفوري إلى النضال ضد الستبدايد ،وبما أنها تشعر ،في أكبر الظن ،بكل صعوباتها بالنسبة
للعمال في الوضاع الراهنة"… )إنها ل تشعر وحسب ،بل تعلم حق العلم أن هذه المهمة تبدو
للعمال أسهل مما هي بالنسبة للمثقفين "القتصايديين" المعتنين بالطفال الصغار ،لن
العمال مستعدون للنضال حتى من أجل مطالب ل تبعث ،إذا استعملنا تعابير مارتينوف الخالدة
الذكر ،أي أمل "بنتائج حسية"(… "وبما أنها ل تستطيع مع ذلك أن تصبر حتى يستجمعوا
القوى اللزمة لهذا النضال ،فنراها تأخذ في البحث عن حلفاء في صفوف الليبراليين
والمثقفين…" .أجل ،أجل .لم يعد في وسعنا حقا أن "نصبر" و"ننتظر" حلول ذلك الزمن
السعيد الذي وعدنا به منذ عهد بعيد "التوفيقيون" على اختلف مللهم ونحلهم ،ذلك الزمن
الذي يكف فيه "إقتصايديو"نا عن إلقاء تبعة تأخرهم هم على العمال وعن تبرير ضعف همتهم
بما يزعمونه من عدم كفاية قوى العمال .إننا نسأل "إقتصايدييـ"نا :بم ينبغي أن يتلخص "قيام
العمال بتجميع القوى اللزمة لهذا النضال"؟ أليس واضحا أن ذلك يتلخص في تربية العمال
السياسية ،في التشهير أمامهم بجميع مظاهر الحكم المطلق البغيض القائم عندنا ،أليس من
الواضح أننا ،من أجل القيام بهذا العمل بالذات ،بحاجة إلى "حلفاء في صفوف الليبراليين
والمثقفين" على استعدايد لمشاطرتنا ما عندهم من التشهير بالحملة السياسية التي تشن
على الزيمستفويين) (76وعلى المعلمين والحصائيين والطلب الخ.؟ هل من الصعب في
الحقيقة فهم هذا "المر العويص" المدهش؟ أولم يؤكد لكم ب.ب .آكسيلرويد منذ سنة 1897
أن" :مهمة اكتساب التشتراكيين-الديموقراطيين الروس للنصار والحلفاء من مباتشرين وغير
مباتشرين بين الطبقات غير البروليتارية يحديدها بالدرجة الولى وبصورة رئيسية طابع الدعاية
في البيئة البروليتارية نفسها"؟ ومع ذلك ما يزال مارتينوف وأضرابه وغيرهم من
"القتصايديين" يتصورون أنه ينبغي للعمال في البدء أن يجمعوا القوى )من أجل السياسة
التريديونيونية( "عن طريق النضال القتصايدي ضد أصحاب العمال والحكومة" ،لكي "ينتقلوا"
بعد ذلك فقط ،على ما يبدو ،من "تربية النشاط" التريديونيونية إلى النشاط التشتراكي-
الديموقراطي! ويضيف "القتصايديون" قائلين…" :إن "اليسكرا" في بحثها كثيرا ما تحيد عن
وجهة النظر الطبقية ،طامسة التناقضات الطبقية وواضعة في المقام الول تشيوع الستياء
من الحكومة ،وإن كانت يدواعي هذا الستياء ويدرجاته متفاوتة جدا لدى "الحلفاء" .وهذا هو،
38
مثل ،موقف "اليسكرا" من الزيمستفو"… فـ"اليسكرا" ،على حد زعمهم" ،تعد النبلء،
المستائين من صدقات الحكومة ،بأن الطبقة العاملة ستساعدهم ،وهي تفعل ذلك يدون أن
تنبس بكلمة عن التنافر الطبقي بين هاتين الفئتين من السكان" .وإذا ما رجع القارئ إلى
مقالي "الحكم المطلق والزيمستفو" )"اليسكرا" ،العديدان 2و ،(4المقالين اللذين يشير
إليهما ،في أكبر الظن ،واضعو الرسالة ،يرى أن هذين يتناولن موقف الحكومة من
"التحريض الرخو الذي تقوم به الزيمستفو المقالين البيروقراطية المراتبية" ومن "مبايدرة
الطبقات المالكة نفسها" .وقد جاء في المقال أن العامل ل يجوز له أن يقف موقف عدم
الكتراث من نضال الحكومة ضد الزيمستفو وأن الزيمستفويين مدعوون إلى ترك الخطابات
الرخوة وإلى قول كلمتهم بقوة وحزم عندما تقف التشتراكية-الديموقراطية الثورية في وجه
الحكومة بكل قامتها .ما هو المر الذي ل يوافق عليه هنا واضعو الرسالة؟ ل ندري .ترى هل
يحسبون أن العامل "لن يفهم" كلمات" :الطبقات المالكة" و"الزيمستفو البيروقراطية
المراتبية"؟ هل يحسبون أن يدفع الزيمستفويين إلى النتقال من الكلمات الرخوة إلى
الكلمات الحازمة "مغالة في أهمية اليديولوجيا؟" .هل يظنون أن العمال "سيجمعون القوى"
للنضال ضد الحكم المطلق إذا كانوا ل يعرفون موقف الحكم المطلق من الزيمستفو أيضا؟
كل هذه المور ل نعرفها .إنما هنالك أمر جلي :وهو أن واضعي الرسالة يتصورون المهام
السياسية التي تواجه التشتراكية-الديموقراطية تصورا غامضا جدا .ويظهر ذلك بجلء أكبر من
عبارتهم" :وهذا هو أيضا" )أي أنه "يطمس" أيضا "التناحرات الطبقية"( "موقف "اليسكرا"
من حركة الطلب" .فبدل من نداء العمال إلى أن يعلنوا بمظاهرة علنية أن المصدر الحقيقي
للعنف والطغيان والستهتار المنفلت ليس الطلب ،بل الحكومة الروسية )"اليسكرا" ( ،كان
علينا ،على ما يبدو ،أن ننشر حججا مستوحاة من "رابوتشايا ميسل"! ♥العديد 2وهذه الفكار
تصدر عن اتشتراكيين-يديموقراطيين في خريف سنة ،1901بعد أحداث تشباط )فبراير( وآذار
)مارس( ،وعلى أبواب نهضة طلبية جديدة تظهر أن "عفوية" الحتجاج على الحكم المطلق
تسبق في هذا الميدان أيضا القيايدة الواعية للحركة من قبل التشتراكية-الديموقراطية .إن
نزوع العمال العفوي إلى الدفاع عن الطلب الذين انهالت عليهم عصى الشرطة والقوزاق
يسبق نشاط المنظمة التشتراكية-الديموقراطية الواعي! ويستطريد واضعو الرسالة" :ومع
ذلك فـ"اليسكرا" تشجب بشدة في مقالت أخرى كل مساومة ،وتأخذ جانب الدفاع ،مثل ،عن
عدم تسامح الغيديين" .إننا ننصح الذين يدعون عايدة بغرور وخفة بالغين أن الخلفات
الموجويدة في بيئة التشتراكيين-الديموقراطيين الحاليين غير جوهرية وأنها ل تبرر النشقاق،
-بأن يمعنوا الفكر في هذه الكلمات .فهل يمكن أن يتعاون في منظمة واحدة ،تعاونا مثمرا،
أناس يؤكدون أننا لم نفعل غير النزر اليسير في تبيان عداء الحكم المطلق لمختلف الطبقات
وفي اطلع العمال على معارضة مختلف الفئات للحكم المطلق ،مع أناس يرون في هذا المر
"مساومة" ،مساومة ،على ما يبدو ،مع نظرية "النضال القتصايدي ضد أصحاب العمال
والحكومة"؟ لقد تحدثنا ،بمناسبة مرور أربعين سنة على تحرير الفلحين ،عن ضرورة إيدخال
النضال الطبقي في القرية )العديد ،(77)(3وتحدثنا بمناسبة مذكرة فيته) (78السرية عن
التضايد بين الستقلل اليداري الذاتي والحكم المطلق )العديد (4؛ وهاجمنا ،بمناسبة القانون
الجديد ،ما يظهره ملكو الراضي والحكومة التي تخدمهم من ميل إلى نظام القنانة )العديد (8
) (79ورحبنا بمؤتمر الزيمستفوات السري وتشجعنا الزيمستفويين على ترك السترحامات
المهينة والنتقال إلى النضال )العديد •(8؛ لقد تشجعنا الطلب الذين أخذوا يدركون ضرورة
النضال السياسي والذين تشرعوا بهذا النضال )العديد (3وقرعنا في الوقت نفسه "بليدة
الذهن الوحشية" التي أظهرها أنصار الحركة "الطلبية الصرف" الذين يدعوا الطلب إلى عدم
التشتراك في مظاهرات الشوارع )العديد ،3لمناسبة النداء الصايدر عن لجنة الطلب التنفيذية
بموسكو في 25تشباط -فبراير(؛ وقد فضحنا "الحلم الجوفاء" و"النفاق والكذب" من جانب
المحتالين الليبراليين في جريدة "روسيا")) (80العديد (5وأتشرنا في الوقت نفسه إلى جنون
السجن الحكومي الذي "ينكل بكتاب مسالمين وبأساتذة وعلماء تشيوخ ،وبزيمستفويين
ليبيراليين مرموقين" )العديد " :5غارة بوليسية على اليدب"(؛ لقد فضحنا جوهر برنامج "عناية
الدولة بتحسين ظروف حياة العمال" ورحبنا بـ"العتراف القيم" التالي" :يدرء المطالب النابعة
من أسفل ،بإصلحات من أعلى ،خير ؛ لقد تشجعنا الحصائيين المحتجين )العديد من انتظار
حدوث الحتمال الول" )العديد (7 (6ونديدنا بالحصائيين كاسري الضراب )العديد .(9إن من
39
يرى في هذا التكتيك تعمية لوعي البروليتاريا الطبقي ومساومة مع الليبرالية يثبت بالتالي
أنه ل ي
فهم على هذا البرنامج بالذات مهما الطلق المعنى الحقيقي لبرنامج " "Credoويطبق de
factoتبرأ منه! لنه يجر بذلك التشتراكية-الديموقراطية إلى "النضال القتصايدي ضد أصحاب
العمال والحكومة" ويتقهقر أمام الليبرالية بتخليه عن مهمة التدخل النشيط في كل مسألة
"ليبيرالية" وعن تحديد موقفه هو ،موقفه التشتراكي-الديموقراطي ،من هذه المسألة.
هذه الكلمات اللطيفة صدرت ،كما يذكر القارئ ،عن "رابوتشييه يديلو" التي أجابت بهذه
الصورة على اتهامنا لها "بتمهيد التربة بصورة غير مباتشرة لتحويل حركة العمال إلى أيداة
للديموقراطية البرجوازية" .وقد قررت "رابوتشييه يديلو" ،لسذاجة نفسها ،أن هذا التهام
ليس غير نزوة من نزوات الجدال .فقد خطر لها :أن جامدي العقيدة التشرار هؤلء قد صمموا
على أن ينسبوا لنا مختلف التشياء غير المستحبة ،وهل يمكن أن يكون هناك للمرء تشيء أتشد
إزعاجا من أن يكون أيداة للديموقراطية البرجوازية؟ وهكذا نشرت بالخط العريض "تكذيبا":
"إفتراء سافر" )"مؤتمران" ص ،(30تشعوذة" )ص " ،(31مسخرة" )ص .(33إن "رابوتشييه
يديلو" ،على غرار جوبيتر )وإن كانت قليلة الشبه به( ،تغضب بالضبط لنها على غير حق،
مبرهنة بإسراعها إلى الشتائم ،أنها عاجزة عن فهم مجرى تفكير خصومها .ومع ذلك ل يحتاج
المرء إلى تفكير طويل لكي يدرك السبب الذي يجعل بالضبط من كل تقديس لعفوية الحركة
الجماهيرية ،من كل هبوط بالسياسة التشتراكية-الديموقراطية إلى مستوى السياسة
التريديونيونية ،بمثابة تمهيد التربة لتحويل حركة العمال إلى أيداة للديموقراطية البرجوازية.
فالحركة العمالية العفوية بحد ذاتها تستطيع أن تنشئ )وهي تنشئ حتما( التريديونيونية
فقط؛ وما السياسة التريديونيونية للطبقة العاملة غير السياسة البرجوازية للطبقة العاملة.
واتشتراك الطبقة العاملة في النضال السياسي وحتى في الثورة السياسية ل يجعل إطلقا
بعد من سياستها سياسة اتشتراكية-يديموقراطية .ترى أل يخطر على بال "رابوتشييه يديلو" أن
تنكر ذلك؟ أل يخطر على بالها في النهاية أن تعرض أمام الجميع بصراحة ويدون لبس أو
إبهام ،مفهومها عن القضايا الملحة في التشتراكية-الديموقراطية العالمية والروسية؟ -كل،
لن يخطر لها أبدا ببال أي تشيء من هذا القبيل ،إذ أنها تتمشى بدقة مع الطريقة التي يمكن
أن تسمى بطريقة "ل عين رأت ول أذن سمعت" .يدعوني وتشأني ،ل علقة لي بالمر ،نحن
لسنا "باقتصايديين" ،إن "رابوتشايا ميسل" ليست "بالقتصايدية" ،و"القتصايدية" بوجه عام ل
وجويد لها في روسيا .وهي طريقة لبقة جدا و"سياسية" ليس فيها غير عيب واحد صغير :فقد
جرت العايدة أن يطلق على الجرائد التي تطبقها لقب" :أمر؟ خدمة؟") .(81يخيل إلى
"رابوتشييه يديلو" أن الديموقراطية البرجوازية بوجه عام ليست في روسيا غير "تشبح"
)"مؤتمران" ،ص .•(32ما أسعد هؤلء الناس! فهم كالنعامة يخبئون رؤوسهم تحت أجنحتهم
ويتصورون أن كل ما يحيط بهم يزول بذلك .كتاب ليبيراليون يعلنون على المل كل تشهر عن
فرحهم المظفر بانحلل الماركسية وحتى تلتشيها؛ جرائد ليبيرالية )"سانت بيتربورغسكيه
فيدوموستي") ،(82و"روسكيه فيدومستي") (83وجرائد أخرى كثيرة( تشجع أولئك
الليبراليين الذين يحملون إلى العمال المفهوم البرينتاني عن النضال الطبقي) (84والمفهوم
التريديونيوني عن السياسة؛ -كوكبة من نقايد الماركسية ،كشف " "Credoبوضوح عن حقيقة
اتجاهاتهم وانتشار بضاعتهم اليدبية وحدها في أرجاء روسيا بدون عائق ،بدون ضرائب ول
رسوم؛ -انتعاش التجاهات الثورية غير التشتراكية-الديموقراطية ول سيما بعد حوايدث تشباط
)فبراير( وآذار )مارس(؛ -كل ذلك ،على ما يبدو ،ليس غير تشبح! كل هذه أمور ل علقة لها
على الطلق بالديموقراطية البرجوازية! ينبغي لـ"رابوتشييه يديلو" كما ينبغي لواضعي
الرسالة "القتصايدية" في العديد 12من "اليسكرا" أن "يعملوا الفكر فيما يلي :لماذا أفضت
حوايدث الربيع إلى انتعاش التجاهات الثورية غير التشتراكية-الديموقراطية هذا النتعاش
الكبير ،بدل من أن تفضي إلى رفع نفوذ ومكانة التشتراكية-الديموقراطية"؟ -ذلك لننا لم
نكن أكفاء للمهمة ،لن نشاط جماهير العمال قد فاق نشاطنا ،لنه لم يكن لدينا قايدة
40
ومنظمون ثوريون ُمَعّدون إعدايدا كافيا ويعرفون حق المعرفة مزاج جميع الفئات المعارضة
ويحسنون الوقوف في رأس الحركة وتحويل المظاهرة العفوية إلى مظاهرة سياسية
وتوسيع طابعها السياسي ،الخ ..وإذا ما استمرت هذه الحال فسيستغل تأخرنا حتما الثوريون
غير التشتراكيين-الديموقراطيين ،التشد حركة والبعد همة؛ أما العمال ،فمهما أظهروا من
تفان وهمة في المعارك ضد الشرطة والجيش ومهما أظهروا من الروح الثورية ،سيبقون
مجريد قوة تساند هؤلء الثوريين ،سيبقون مؤخرة الديموقراطية البرجوازية ،ل الطليعة
التشتراكية-الديموقراطية .خذوا التشتراكية-الديموقراطية اللمانية التي ل يريد "إقتصايديو"نا
أن يقتبسوا منها غير جوانبها الضعيفة .لماذا ل يقع حايدث سياسي واحد في ألمانيا يدون أن
يقوي أكثر فأكثر من نفوذ التشتراكية-الديموقراطية ويرفع من مكانتها؟ ذلك لن التشتراكية-
الديموقراطية هي يدائما أول من يعطي التقدير الكثر ثورية لهذا الحايدث ،وأول من يسند كل
احتجاج على الستبدايد .فهي ل تعلل النفس بآراء مآلها أن النضال القتصايدي يصدم العمال
بمسألة حرمانهم من الحقوق ،وأن الظروف الملموسة تدفع حركة العمال بصورة جبرية إلى
الطريق الثوري .إنها تتدخل في جميع ميايدين وجميع قضايا الحياة الجتماعية والسياسية:
تتدخل عندما ل يصايدق غليوم على انتخاب رئيس بلدية من البرجوازيين التقدميين )لم يجد
"إقتصايديو"نا بعد الوقت الكافي لن يعلموا اللمان أن هذا في الجوهر مساومة مع
الليبرالية!( ،وعندما يصدر قانون ضد الكتب والصور "الخليعة" ،وعندما تمارس الحكومة
ضغطها أثناء انتخاب الساتذة الخ ،.وهلم جرا .في كل مكان يتقدم التشتراكيون-
الديموقراطيون الصفوف ،مستثيرين الستياء السياسي في جميع الطبقات ،هازين النيام
مستحثين المتأخرين ،مقدمين موايد تتناول جميع الميايدين بغية تنمية وعي البروليتاريا
السياسي ونشاطها السياسي .والنتيجة أن هذا المناضل السياسي السائر في الطليعة
يكتسب الحترام حتى من أعداء التشتراكية الواعين .وليس بنايدر أن نرى وثيقة هامة ل من
المحيط البرجوازي وحده ،بل وحتى من محيط الدواوين والبلط ،تقع ،ل ندري بأية معجزة،
في مكتب تحرير " •"Vorwârtsهنا سر "التناقض" الظاهري الذي يفوق يدرجة فهم
"رابوتشييه يديلو" بحيث يجعلها ترفع يديها إلى السماء وتصرخ" :مسخرة"! تصوروا من
فضلكم :نحن" ،رابوتشييه يديلو" ،نضع في المقام الول حركة العمال الجماهيرية )ونطبع ذلك
بالحرف العريض!( ونحذر الجميع وكل بمفريده من التقليل من أهمية العنصر العفوي!( نحن
نريد أن نضفي الطابع السياسي على النضال القتصايدي نفسه ،نفسه ،نفسه ،نحن نريد أن
نبقى على صلة عضوية وثقى بالنضال البروليتاري! فيقولون لنا أننا نمهد التربة لتحويل
حركة العمال إلى أيداة للديموقراطية البرجوازية .ومن يقول لنا ذلك؟ أناس "يساومون" مع
الليبرالية بتدخلهم في كل مسألة "ليبيرالية" )ويا له من عدم فهم "للصلة العضوية بالنضال
البروليتاري"! وباهتمامهم اهتماما كبيرا بالطلب وحتى )ويا للهول!( بالزيمستفويين! أناس
يريدون بوجه عام أن يكرسوا نسبة أكبر )بالقياس إلى "القتصايديين"( من قواهم إلى العمل
بين طبقات السكان غير البروليتارية! أل ترون أن هذه "مسخرة"؟؟ مسكينة "رابوتشييه
يديلو"! هل يسعفها الحظ في يوم فتكتشف سر هذا المر العويص؟
إن ما قمنا بتحليله من مزاعم "رابوتشييه يديلو" أن النضال القتصايدي هو الوسيلة التي يمكن
استعمالها بأوسع تشكل للتحريض السياسي ،وأن واجبنا الن هو إضفاء الطابع السياسي على
النضال القتصايدي نفسه ،الخ ،.يعرب عن فهم ضيق ل لمهامنا السياسية وحسب ،بل لمهامنا
التنظيمية أيضا .فـ"النضال القتصايدي ضد أصحاب العمال والحكومة" ل يتطلب على الطلق
-ولذلك ل يمكن أن تنشأ على أساس هذا النضال -منظمة متمركزة لعامة روسيا توحد في
ضغط واحد عام جميع مظاهر المعارضة السياسية والحتجاج والستياء على اختلفها ،منظمة
تتألف من ثوريين محترفين ،يقويدها زعماء سياسيون حقيقيون للشعب كله .وهذا المر
41
بديهي .فطابع تنظيم كل مؤسسة يحديده بصورة طبيعية محتومة مضمون نشاط هذه
المؤسسة .ولذلك تكرس "رابوتشييه يديلو" مزاعمها التي حللناها أعله وتصبغ بالصبغة
الشرعية ل ضيق النشاط السياسي وحسب ،بل ضيق العمل التنظيمي أيضا .فهي في هذه
الحالة أيضا ،كشأنها في جميع الحالت ،جريدة يقف وعيها عاجزا أمام العفوية .والحال أن
تقديس التشكال التنظيمية التي تتكون عفويا ،وعدم إيدراكنا لمدى ضيق عملنا التنظيمي
وطابعه البدائي ،وجهلنا إلى أي حد ما نزال "حرفيين" في هذا الميدان الهام ،أقول أن هذا
الجهل هو مرض حقيقي في حركتنا .بديهي أنه مرض نمو ،ل مرض انحطاط .ولكن ،في هذا
الوقت الذي تدفقت فيه موجة السخط العفوي ،ويمكن أن نقول ذلك ،علينا نحن قايدة الحركة
ومنظميها ،في هذا الوقت بالذات ل بد لنا بصفة خاصة أن نخوض نضال ل يعرف الهوايدة ضد
كل يدفاع عن التأخر ،ضد كل تسويغ لهذا الضيق ،ل بد لنا بصفة خاصة أن نوقظ في كل من
يساهم أو يهم فقط بالمساهمة في النشاط العملي ،روح الستياء من العمل الحرفي السائد
عندنا والتصميم والحزم على الخلص منه.
فلنحاول الجواب على هذا السؤال بإعطاء صورة صغيرة عن نشاط حلقة اتشتراكية-
يديموقراطية نموذجية في سنوات .1901-1894لقد أتشرنا إلى تشغف الطلبة العام في ذلك
العهد بالماركسية .وواضح أن هذا الشغف لم يستهدف الماركسية بوصفها نظرية وحسب،
وبالحرى لم يستهدفها بوصفها نظرية بمقدار ما استهدفها بوصفها جوابا على سؤال "ما
العمل؟" ،بوصفها نداء إلى تشن حملة على العدو .وقد نزل المقاتلون الجديد إلى الحملة
بتدريب وعتايد بدائيين لدرجة مدهشة .وفي معظم الحالت كان العتايد معدوما تقريبا
والستعدايد معدوما تماما .لقد توجهوا إلى الحرب كفلحين تركوا المحراث لتوهم ،يدون أن
يأخذوا معهم غير هراوة .حلقة طلب ل تربطها أي صلة بمناضلي الحركة القدماء ،ل تربطها
أي صلة بالحلقات القائمة في المناطق الخرى ،وحتى في الحياء الخرى من المدينة )أو في
المعاهد الخرى( ،يدون أي تنظيم لمختلف أجزاء العمل الثوري ،يدون أي منهاج عمل منتظم
لفترة طويلة لحد ما ،حلقة تقيم صلت مع العمال وتبدأ العمل .وتوسع الحلقة الدعاية
والتحريض تشيئا فشيئا وتكتسب بمجريد عملها تحبيذ فئات من العمال واسعة لحد ل بأس به،
وتحبيذ قسم من المجتمع المثقف يقدم لها النقويد ويضع تحت تصرف "اللجنة" جماعة من
الشبيبة بعد أخرى .وتزيدايد جاذبية اللجنة )أو اتحايد النضال( ،ويتسع ميدان نشاطها ،وهي
توسع هذا النشاط بصورة عفوية تماما :فنفس التشخاص الذين اتشتركوا منذ سنة أو عدة
أتشهر في حلقات الطلب وانكبوا على حل مسألة" :إلى أين نتجه؟" والذين أقاموا الصلت
بالعمال وحافظوا عليها وحضروا المناتشير وأصدروها ،يقيمون الصلت مع فرق من الثوريين
ويحصلون على المطبوعات ويشرعون بإصدار جريدة محلية ويأخذون بالحديث عن تنظيم
مظاهرة وينتقلون في النهاية إلى العمال الحربية المكشوفة )علما بأن هذه العمال الحربية
المكشوفة قد تكون حسب الظروف أول نشرة من نشرات التحريض أو أول عديد من أعدايد
الجريدة أو أول مظاهرة( .وفي المعتايد تفضي بداية هذه العمال بالذات إلى النهيار التام
على الفور ،تفضي على الفور إلى النهيار التام لن هذه العمال الحربية لم تأت على وجه
الدقة نتيجة لمنهاج منتظم ،وضع سلفا بعد تبصر وإعمال فكر ،لنضال مديد عنيد ،بل مجريد
تطور عفوي لعمل الحلقات الجاري حسب المعتايد؛ لن الشرطة كانت بطبيعة الحال تعرف
يدائما تقريبا جميع مناضلي الحركة المحلية الرئيسيين ،الذين "اتشتهر أمرهم" مذ كانوا طلبا
على مقاعد الدراسة ،ولم تكن تنتظر غير الظرف المناسب للقبض عليهم تاركة للحلقة عن
عمد إمكانية النمو وتوسيع نشاطها إلى حد يكفي لكي تحصل على ،تاركة يدائما عن عمد
بعض التشخاص الذين تعرفهم لستخدامهم "طعما") ♥corpus delictiحسب التعبير الفني
الذي يستعمله ،كما أعلم ،رفاقنا والدرك على السواء( .ومثل هذه الحرب ل يمكن أن يقارن
إل بحملة زمر من الفلحين مسلحين بالهراوى ضد جيش حديث .ول يسع المرء إل أن يدهش
لحيوية هذه الحركة التي كانت تتسع وتنمو وتحرز النتصارات بالرغم من انعدام التدريب
انعداما تاما لدى المقاتلين .صحيح أن بدائية العتايد لم تكن في البدء أمرا محتوما وحسب ،بل
كانت أيضا أمرا مشروعا من وجهة النظر التاريخية باعتبارها تشرطا من تشروط جذب
42
المقاتلين على نطاق واسع .ولكن مذ بدأت المعارك الحربية الخطيرة )وقد بدأت ،في
الساس ،بإضرابات صيف سنة (1896أخذت نواقص تنظيمنا الحربي تزيدايد وضوحا أكثر
فأكثر .فبعد صدمة المفاجأة في البداية واقتراف عديد من الخطاء )من نوع التوجه إلى الرأي
العام بوصف آثام التشتراكيين ونفي العمال من العاصمتين إلى المراكز الصناعية في
القاليم( تكيفت الحكومة بسرعة حسب ظروف النضال الجديدة واستطاعت أن تحشد في
الماكن المناسبة ما لديها من فصائل المخبرين والجواسيس والدرك المجهزين بجميع العتايد
الحديث .وأخذت الضربات تنهال بتواتر وتشمل جمهورا كبيرا جدا من التشخاص وتكنس
الحلقات المحلية إلى يدرجة أن كانت جماهير العمال تفقد ،بالمعنى الحرفي للكلمة ،جميع
قايدتها ،وتغدو الحركة في بلبلة تشديدة ول يعويد بإمكانها أن تبقي على أية استمرارية أو أي
تناسق في العمل .وقد كانت النتيجة المحتومة لهذه الظروف التي وصفناها أن انقسم
المناضلون المحليون انقساما مذهل ،وأصبح تركيب الحلقات عرضيا ،وانعدم الستعدايد ،وضاق
أفق النظر في ميايدين المسائل النظرية والسياسية والتنظيمية .وقد بلغ المر أن أصبح
العمال في بعض المناطق ،بسبب النقص في رباطة جأتشنا وفي سرية عملنا ،يفقدون ثقتهم
بالمثقفين ويتهربون منهم؛ ويقولون أن المثقفين يسببون الخفاقات من جراء طيشهم
المفرط! إن كل مطلع على الحركة ولو أقل اطلع يعلم أن جميع التشتراكيين-
الديموقراطيين المفكرين أخذوا في النهاية يرون في طريقة العمل الحرفي هذه مرضا
حقيقيا .ولكيل يحسب القارئ غير المطلع على الحركة أننا "ننشئ" بصورة مصطنعة مرحلة
خاصة أو مرضا خاصا في الحركة ،نستشهد بشاهد سبق لنا أن استشهدنا به .ونرجوا أن ل
نلم لقتباسنا هذه الفقرة الكبيرة .كتب ب -ف في العديد 6من "رابوتشييه يديلو"" :إذا كان
النتقال التدريجي إلى نشاط عملي أوسع -هذا النتقال المتعلق تعلقا مباتشرا بمرحلة
النتقال العامة التي تجتازها حركة العمال الروسية -سمة مميزة… فهناك سمة أخرى ل تقل
إثارة للهتمام في مجموع آلية ،الثورة العمالية الروسية .نعني النقص العام في القوى
الثورية القايدرة على العمل النقص الذي يشعر بوجويده في جميع أنحاء روسيا ،ل في
بطرسبورغ وحدها .وبمقدار ما تشتد حركة العمال بوجه عام ،وتنمو جماهير العمال بوجه
عام ،وتتزايد الضرابات ،ويصبح نضال العمال الجماهيري أكثر صراحة ،هذا النضال الذي يقوي
الملحقات الحكومية وحوايدث العتقال والبعايد والنفي - ،يصبح هذا النقص في القوى
الثورية ذات الكفاءات العالية أتشد بروزا ،ويترك يدونما تشك أثره في عمق الحركة وطابعها
العام .إن الكثير من الضرابات يجري يدون أن تؤثر فيه المنظمات الثورية تأثيرا قويا
ومباتشرا… إننا نشعر بالنقص في منشورات التحريض والمطبوعات السرية… إن حلقات
العمال تبقى يدون محرضين… وإلى جانب ذلك نشعر بالحاجة الدائمة إلى النقويد .وباختصار
نقول أن نمو حركة العمال يسبق نمو المنظمات الثورية وتطورها .إن الثوريين العاملين هم
من القلة بحيث ل يستطيعون أن يجمعوا في أيديهم التأثير في جميع جماهير العمال
المضطربة وأن يضفوا على جميع الضطرابات ولو ظل من النسجام والتنظيم… فالحلقات
المنفريدة ،والثوريون المنفريدون غير مجموعين ،غير موحدين ،ل يؤلفون منظمة موحدة قوية
تخضع لنظام معين وتتطور أجزاؤها حسب منهاج"… وبعد أن يتحفظ الكاتب قائل أن ظهور
الحلقات الجديدة فورا في مكان المنهارة "يبرهن على حيوية الحركة فقط… ولكنه ل يدل
على وجويد عديد كاف من القايدة الثوريين الصالحين تماما" ،يخلص إلى هذا الستنتاج" :إن عدم
الستعدايد العملي لدى ثوريي بطرسبورغ يؤثر أيضا في نتائج عملهم .فالمحاكمات الخيرة ول
سيما محاكمتا جماعتي "التحرير الذاتي" و"نضال العمل ضد رأس المال") ،(85قد أظهرت
بوضوح أن المحرض الشاب غير المطلع على تفاصيل ظروف العمل وبالتالي على ظروف
التحريض في هذا العمل أو ذاك والذي يجهل مبايدئ العمل السري والذي تعلم" )وهل تعلم؟(
"الراء التشتراكية-الديموقراطية العامة فقط ،قد يعمل أربعة أتشهر أو خمسة أو ستة .وبعد
ذلك تحل ساعة العتقال الذي يستتبع في الكثير من الحالت انهيار المنظمة كلها أو قسم
منها على القل .إذن ،هل تستطيع جماعة أن تعمل بصورة مثمرة وبنجاح إذا كانت حياتها ل
تزيد على أتشهر؟ واضح أن من غير الجائز أن تنسب جميع نواقص المنظمات الموجويدة إلى
مرحلة النتقال… واضح أن عديد أعضاء المنظمات العاملة ،وخصوصا صفاتهم ،يلعبان في ذلك
يدورا هاما ،وأن مهمة اتشتراكيينا-الديموقراطيين الولى… ينبغي أن تكون توحيد المنظمات
توحيدا فعليا مع اختيار أعضائها اختيارا يدقيقا".
43
ب .العمل الحرفي والقتصايدية
ينبغي لنا أن نتناول الن سؤال يدور في خلد كل قارئ بالتأكيد .هذا العمل الحرفي بوصفه
مرض نمو يلزم الحركة بمجموعها ،هل يمكن أن يقرن "بالقتصايدية" باعتبارها أحد تيارات
التشتراكية-الديموقراطية الروسية؟ نعتقد أن ذلك ممكن .إن نقص الستعدايد العملي ،إن عدم
المهارة في العمل التنظيمي هو في الحقيقة تشيء عام بالنسبة إلينا جميعا ،حتى الذين
تمسكوا منذ البدء بوجهة نظر الماركسية الثورية .ول يمكن لحد بطبيعة الحال أن يلوم
المشتغلين في الميدان العملي لنقص الستعدايد بحد ذاته .ولكن مفهوم "العمل الحرفي"
يتضمن ،فضل عن نقص الستعدايد ،تشيئا آخر :هو ضيق نطاق العمل الثوري كله بوجه عام،
وعدم فهم أن منظمة ثوريين جيدة ل يمكن أن تتكون على أساس هذا العمل الضيق ،وأخيرا،
وهو المر الهم ،محاولت تبرير هذا النطاق الضيق ورفعه إلى مقام "نظرية" خاصة ،أي
تقديس العفوية في هذا الميدان أيضا .ومذ ظهرت هذه المحاولت لم يبق تشك في أن العمل
الحرفي مرتبط "بالقتصايدية" وأننا لن نتخلص من ضيق نشاطنا التنظيمي إذا لم نتخلص من
"القتصايدية" عموما )أي من المفهوم الضيق للنظرية الماركسية ولدور التشتراكية-
الديموقراطية ولمهامها السياسية( .والواقع أن هذه المحاولت برزت في اتجاهين .فقد أخذ
بعضهم يقول :إن جمهور العمال لم يطرح هو نفسه بعد مهام كفاح سياسية واسعة كالتي
"يفرضها" عليه الثوريون ،ول يزال عليه أن يناضل من أجل المطالب السياسية المباتشرة وأن
يقوم )وهذا النضال الذي هو في "متناول" ∗بـ"النضال القتصايدي ضد أصحاب العمال
والحكومة" الحركة الجماهيرية تلئمه ،بصورة طبيعية ،منظمة هي في "متناول" حتى الشبيبة
القل إعدايدا( .وأخذ آخرون من الذين هم بعيدون عن كل "تدرجية" يقولون :يمكن ويجب
"القيام بالثورة السياسية" ،ولكن ذلك ل يتطلب البتة إنشاء منظمة ثوريين قوية تربي
البروليتاريا على النضال الحازم العنيد ،بل يكفينا لذلك أن نتشبث جميعنا بالهراوة المألوفة
التي في "متناولنا" ،وإذا لم نلجأ إلى التشابيه ،نقول أن علينا أن ننظم .هذان ،أو أن نهيج
بواسطة "إرهاب تهييجي" حركة العمال "الخاملة" Θالضراب العام التياران ،النتهازيون
و"الثورويون" ،يستسلمان أمام العمل الحرفي السائد ول يؤمنان بإمكان الخلص منه ول
يدركان مهمتنا العملية الولى التي ل تقبل التأجيل :إنشاء منظمة ثوريين قايدرة على أن
تؤمن للنضال السياسي القوة والثبات والستمرارية .لقد أثبتنا آنفا كلمات ب -ف" :نمو
حركة العمال يسبق نمو المنظمات الثورية وتطورها" .إن لهذا "النبأ القيم من مراقب عن
كثب" )من تقريظ هيئة تحرير "رابوتشييه يديلو" لمقالة ب -ف( أهمية مزيدوجة في نظرنا.
فهو يبين أننا كنا على حق عندما رأينا السبب الساسي لزمة التشتراكية-الديموقراطية
الروسية الحالية في تأخر القايدة )من "إيديولوجيين" ،وثوريين ،واتشتراكيين-يديموقراطيين
عن نهوض الجماهير العفوي .وهو يبرهن أن جميع هذه القوال لواضعي الرسالة
"القتصايدية" )"اليسكرا" ،العديد ،(12ب .كريتشيفسكي ومارتينوف ،بصديد خطر التقليل من
أهمية العنصر العفوي والنضال الجاري المعتايد والتكتيك-الحركة ،الخ ،.ليس غير تمجيد للعمل
الحرفي ويدفاع عنه .فهؤلء الناس الذين ل يستطيعون النطق بكلمة "نظري" يدون أن يكشروا
عن أنيابهم باحتقار ،والذين يطلقون على سجويدهم أمام نقص الستعدايد لمور الحياة ونقص
التطور اسم "حس الحياة" يكشفون في الواقع عن عدم فهم لمهامنا العملية الكثر إلحاحا.
إنهم يصرخون بالناس المتأخرين :وحدوا الخطى! ل تسبقوا! أما بالناس المصابين بنقص
الهمة والمبايدرة في العمل التنظيمي ،المصابين بنقص "المشاريع" للعمل الجريء الواسع،
فيصرخون :عليكم بـ"التكتيك-الحركة"! أن ذنبنا الساسي هو الهبوط بمهامنا السياسية
والتنظيمية إلى مستوى مصالح النضال القتصايدي الجاري المباتشرة "الملموسة" "الحسية"،
ومع ذلك ل يفتأون يتحفوننا بأغنية :ينبغي أن نضفي الطابع السياسي على النضال
القتصايدي نفسه! نكرر :إنه حقا "حس حياة" أتشبه بحس بطل السطورة الشعبية الذي أخذ
يصرخ وقد رأى موكب جنازة" :إن تشاء الله يدايمة!" تذكروا كيف أخذ هؤلء الحكماء يعظون
بليخانوف بعنجهية ل تضارعها غير عنجهية "نرسيس") ،(86قائلين" :إن المهام السياسية
بمعنى الكلمة الحقيقي ،العملي ،أي بمعنى النضال العملي المعقول والناجح من أجل
المطالب السياسية ،ليست بوجه عام )كذا!( في متناول حلقات العمال" )"جواب هيئة تحرير
44
"رابوتشييه يديلو"" ،ص .(24ثمة حلقات وحلقات ،يا سايدة! فالمهام السياسية ليست طبعا
في متناول حلقة من "الحرفيين" ،ما لم يدرك هؤلء الحرفيون أنهم يعملون على الطريقة
الحرفية ،وما لم يتخلصوا منها .وإذا ما أظهر هؤلء الحرفيون فضل عن ذلك ،هياما بطريقتهم
الحرفية ،وإذا ما أخذوا يكتبون كلمة "عملي" بالحرف العريض على الدوام ويتصورون أن
الروح العملية تتطلب منهم الهبوط بمهامهم إلى مستوى فهم أكثر فئات الجماهير تأخرا،
عندئذ يتضح أن مرض هؤلء الحرفيين مستعص وأن المهام السياسية بوجه عام ليست ،فعل،
في متناولهم .ولكن المهام السياسية بكل معنى هذه الكلمة الحقيقي ،بكل معناها العملي،
هي في متناول حلقة أقطاب من أمثال ألكسييف وميشكين وخالتورين وجيليابوف ،وذلك
بالضبط لن يدعايتهم الحارة تجد صدى في الجماهير المستيقظة بصورة عفوية ،وبقدر ما تجد
هذا الصدى؛ ولن همتهم المتأججة تؤيدها وتدعمها همة الطبقة الثورية ،وبمقدار ما تؤيدها
وتدعمها .لقد كان بليخانوف ألف مرة على حق عندما لم يكتف بالتشارة إلى وجويد هذه
الطبقة الثورية ،ولم تكتف بالبرهان على أن يقظتها العفوية أمر محتوم ل مفر منه ،بل وضع
أمام "حلقات العمال" مهمة سياسية سامية كبرى .أما أنتم فتستشهدون بالحركة الجماهيرية
التي انبثقت منذ ذلك الحين لكيما تهبطوا بهذه المهمة ،لكيما تضيقوا نطاق نشاط "حلقات
العمال" وتضعفوا همتها .وكيف نسمي ذلك إن لم نسمه بهيام الحرفي بطريقته الحرفية؟
تتبجحون بروحكم العملية ،ولكنكم ل ترون الواقع الذي يعرفه كل من ساهم في الحركة
الروسية ،ل ترون المعجزات التي تستطيع التيان بها في العمل الثوري همة أتشخاص
منفريدين فضل عن همة الحلقة بمجموعها .هل تحسبون أن حركتنا ل تستطيع أن تنجب
أقطابا كأقطاب سنوات العقد الثامن؟ ولماذا؟ ألن استعدايدنا قليل؟ ولكننا نستعد وسنستعد
وسنصبح مستعدين! حقا لقد نبت عندنا ،لسوء الحظ ،الطحلب على مستنقع "النضال
القتصايدي ضد أصحاب العمال والحكومة" ،لقد ظهر أناس يجثون على ركبهم ويتعبدون
العفوية ويتأملون بخشوع )حسب تعبير بليخانوف( "يدبر" البروليتاريا الروسية .ولكننا
سنستطيع الخلص من هذا الطحلب .فالثوري الروسي الذي يسترتشد بنظرية ثورية حقا
ويستند إلى طبقة ثورية حقا تستيقظ بصورة عفوية ،يستطيع في هذا الوقت بالذات،
يستطيع في النهاية -في النهاية! -أن ينتصب بكل قامته ويطلق كل قواه العملقة .وهذا ل
يتطلب غير تشيء واحد :هو أن تستقبل كل محاولة من محاولت الهبوط بمهامنا السياسية
وتضييق نطاق عملنا التنظيمي ببسمة سخرية واحتقار من قبل جمهور المشتغلين في
الميدان العملي ومن قبل الجمهور الوسع منه ،جمهور الذين يحلمون بالنشاط العملي منذ
أن كانوا على مقاعد الدراسة .سنتوصل إلى ذلك ،فاطمئنوا أيها السايدة! لقد كتبت ضد
"رابوتشييه يديلو" في مقال "بم نبدأ؟" قائل" :خلل 24ساعة يمكن تغيير تكتيك التحريض في
مسألة معينة من المسائل ،التكتيك الذي يرمي إلى تحقيق عنصر معين من عناصر التنظيم
الحزبي .أما أن يغير المرء نظراته ل في 24ساعة ،بل حتى في 24تشهرا ،بصديد ما إذا كانت
هنالك حاجة بوجه عام ،حاجة يدائمة وأكيدة ،لمنظمة كفاحية وللتحريض السياسي بين
الجماهير ،فهو أمر ل يستطيعه غير أناس ل مبايدئ لهم" .وقد أجابت "رابوتشييه يديلو" قائلة:
"إن اتهام "اليسكرا" هذا ،الوحيد من بين التهامات التي تدعي لنفسها بالطابع العملي ،ل
يقوم على أي أساس .فقراء "رابوتشييه يديلو" يعرفون حق المعرفة أننا منذ البدء لم نقتصر
على الدعوة إلى التحريض السياسي يدون أن ننتظر ظهور "اليسكرا""… )قائلين آنذاك أن
"إسقاط الحكم المطلق ل يمكن أن يوضع كمهمة سياسية أولى أمام حركة العمال
الجماهيرية" فضل عن حلقات العمال ،وأنه ل يمكن أن يوضع كمهمة سياسية أولى غير
النضال من أجل المطالب السياسية المباتشرة ،وأن "المطالب السياسية المباتشرة تصبح في
متناول الجماهير بعد إضراب أو عدة إضرابات على أكثر تقدير"(… "بل إننا أوصلنا كذلك من
الخارج بواسطة مطبوعاتنا مايدة التحريض السياسي التشتراكية-الديموقراطية الوحيدة إلى
الرفاق العاملين في روسيا"… )علما بأنكم ،في مايدتكم الوحيدة هذه ،لم تقتصروا على
ممارسة أوسع تحريض سياسي على صعيد النضال القتصايدي وحده ،بل لقد بلغ بكم تفكيركم
في النهاية حدا أعلنتم معه أن هذا التحريض الضيق هو الذي "يمكن استعماله بأوسع تشكل".
أل تلحظون ،أيها السايدة ،أن حججكم ل تبرهن إل على ضرورة ظهور "اليسكرا" -ما يدام هذا
هو نوع المايدة الوحيدة" -وإل على ضرورة نضال "اليسكرا" ضد "رابوتشييه يديلو"؟(… "ومن
الجهة الخرى ،إن نشاطنا بوصفنا ناتشرين قد مهد في الواقع لوحدة الحزب التكتيكية"…
45
)وحدة العتقايد بأن التكتيك هو سير نمو المهام الحزبية التي تنموا مع نمو الحزب؟ ما أثمنها
من وحدة!(… "ومهد بذلك لمكانية إنشاء "منظمة كفاحية" عمل "التحايد" كل ما في طاقة
منظمة في الخارج أن تبذله عموما لنشائها" )"رابوتشييه يديلو" ،العديد ،10ص .(15عبثا
تحاولون التملص! أما أنكم بذلتم كل ما في طاقتكم ،فهو أمر لم أفكر بإنكاره قط .فقد
أكدت وأؤكد أن حدويد "متناولـ"كم يضيقها قصر نظركم ،بل أنه من المضحك الحديث عن
"منظمة كفاحية" للنضال من أجل "المطالب السياسية المباتشرة" أو من أجل "النضال
القتصايدي ضد أصحاب العمال والحكومة" .ولكن إذا كان القارئ يريد أن يرى يدرر الهيام
"القتصايدي" بالعمل الحرفي فينبغي له أن يتوجه طبعا من "رابوتشييه يديلو" الختيارية وغير
الثابتة إلى "رابوتشايا ميسل" المستقيمة والحازمة .فقد كتب ر.م .في "الملحق الخاص" ،ص
" : 13سنتناول الن بكلمتين من يسمون بالمثقفين الثوريين بالذات :لقد برهنوا حقا غير مرة
من خلل العمل أنهم مستعدون كل الستعدايد "لخوض المعركة الفاصلة ضد القيصرية" .ولكن
المصيبة ،كل المصيبة ،هي في كون مثقفينا الثوريين الذين تلحقهم الشرطة السياسية يدون
رحمة ،قد حسبوا النضال ضد الشرطة السياسية نضال سياسيا ضد الحكم المطلق .ولذلك لم
يجدوا حتى الن الجواب الواضح على سؤال "من أين نستمد القوى للنضال ضد الحكم
المطلق؟"" .هذا الستخفاف الرائع بالنضال ضد الشرطة من قبل هائم )بأريدأ معاني الكلمة(
بالحركة العفوية ،أليس بديعا حقا؟ إنه مستعد لتبرير عدم مهارتنا في العمل السري بحجة أن
النضال ضد الشرطة السياسية ل أهمية له في جوهر المر بالنسبة لنا في حالة الحركة
الجماهيرية العفوية!! لن يوقع على هذا الستنتاج الفظيع غير قلة قليلة :فقد حز اللم
صميم أفئدة الجميع من جراء نواقص منظماتنا الثورية .ولكن إذا كان مارتينوف ،مثل ،يرفض
التوقيع عليه فما ذلك إل لنه ل يحسن التفكير بموضوعاته حتى نهايته المنطقية أو ل يجرؤ
على ذلك .وفي الحقيقة ،إذا ما وضعت الجماهير مطالب معينة تبعث المل بنتائج حسية،
فهل تتطلب هذه "المهمة" اهتماما خاصا بإنشاء منظمة ثوريين وطيدة ،متمركزة قايدرة على
الكفاح؟ أل يقوم بهذه المهمة جمهور ل "يناضل ضد الشرطة السياسية" على الطلق؟
وفوق ذلك :هل يمكن تنفيذ هذه المهمة إذا لم ينهض بها أيضا ،عدا القايدة القلئل ،عمال هم
)في أكثريتهم الكبرى( غير أهل على الطلق "للنضال ضد الشرطة السياسية"؟ فهؤلء
العمال ،هؤلء الناس المتوسطون من الجماهير يستطيعون إظهار فيض من الهمة والتفاني
في الضراب وفي نضال الشوارع ضد البوليس والجيش ،يستطيعون )وهم وحدهم الذين
يستطيعون( تقرير نتيجة حركتنا بأكملها -ولكن النضال ضد البوليس السياسي هو الذي
يتطلب صفات خاصة ،يتطلب ثوريين محترفين .وينبغي لنا أن نحرص ،ل على أن "يقدم"
الجمهور مطالب ملموسة وحسب ،بل على أن "يقدم" جمهور العمال كذلك أمثال هؤلء
الثوريين المحترفين بعديد متزايد على الدوام .وهكذا نصل إلى مسألة التناسب بين منظمة
الثوريين المحترفين وحركة العمال الصرف .إن هذه المسألة التي قلما وجدت لها مكانا في
المنشورات قد تشغلتنا كثيرا نحن "السياسيين" في الحايديث والجدال مع الرفاق الذين
يميلون إلى "القتصايدية" إلى هذا الحد أو ذاك .وهي مسألة تستحق الوقوف عندها بوجه
خاص .ولكن لنختتم أول ،باستشهايد آخر ،عرض رأينا في الصلة بين العمل الحرفي
و"القتصايدية" .لقد كتب السيد .N.Nفي مقاله "الجواب")" :(87إن فرقة "تحرير العمل"
تنايدي بالنضال المباتشر ضد الحكومة يدون أن تقدر أين تكمن القوة المايدية الضرورية لهذا
النضال ويدون أن تشير إلى طرق هذا النضال" .وقد وضع الكاتب بالخط العريض الكلمات
الخيرة ووضع تحت كلمة "طرق" الملحظة التالية" :هذا الواقع ل يمكن تفسيره بأهداف
العمل السري ،لن البرنامج ل يتحدث عن مؤامرة ،بل عن حركة جماهيرية .ول يمكن للجمهور
أن يسير في الطرق السرية .إذ هل يمكن وجويد إضراب سري؟ هل يمكن وجويد مظاهرة أو
عريضة سرية؟" )"" "Vademecumفايديميكوم" ،ص .(59لقد وقف الكاتب وجها لوجه أمام
هذه "القوة المايدية" )منظمو الضرابات والمظاهرات( وأمام "طرق النضال" .ولكنه يجد
نفسه مع ذلك في حيرة وبلبلة ،لنه "يقدس" الحركة الجماهيرية ،أي أنه ينظر إليها نظرته
إلى أمر يعفينا من نشاطنا الثوري ،ل إلى أمر من تشانه أن يشجع ويحفز نشاطنا
الثوري.الضراب السري مستحيل بالنسبة للمضربين وللتشخاص الذين لهم علقة مباتشرة به.
ولكن هذا الضراب قد يبقى )وإنه ليبقى في معظم الحالت( "سرا" بالنسبة لجمهور العمال
الروس ،لن الحكومة تعمل على أن تقطع كل صلة بالمضربين ،تعمل على أن تجعل من
46
المستحيل نشر أي نبأ عن الضراب .وهنا تظهر الحاجة إلى "النضال ضد الشرطة السياسية"،
وهو نضال خاص ل يمكن أن يقوم به بنشاط في أي حال من الحوال جمهور كبير كالجمهور
الذي يشترك في الضرابات .وينبغي أن ينظم هذا النضال "وفق جميع أصول الفن" من قبل
أناس يجعلون من النشاط الثوري مهنة لهم .ول تقل الحاجة إلى تنظيم هذا النضال من جراء
انجذاب الجمهور إلى الحركة بصورة عفوية .بل بالعكس ،فإن هذا الواقع يزيد الحاجة إلى هذا
التنظيم ،لننا نحن التشتراكيين ل نقوم بواجباتنا المباتشرة أمام الجمهور إذا كنا ل نستطيع
إعاقة الشرطة عن أن تبقي طي الكتمان )وإذا كنا ل نحضر نحن أحيانا في طي الكتمان( أي
إضراب أو أية مظاهرة .في طاقتنا أن نفعل هذا ،وذلك على وجه الضبط لن الجمهور
المستيقظ بصورة عفوية سيقدم أيضا من صفوفه "ثوريين محترفين" بعديد متزايد )هذا إذا لم
يخطر لنا أن ندعو العمال بمختلف النغمات إلى المراوحة في مكان واحد(.
ج( منظمة العمال ومنظمة الثوريين إذا كان مفهوم "النضال القتصايدي ضد أصحاب العمال
والحكومة" ،يطغى في نظر التشتراكي-الديموقراطي على مفهوم النضال السياسي،
فطبيعي أن نتوقع لمفهوم "منظمة العمال" أن يغطي في نظره إلى حد ما على مفهوم
"منظمة الثوريين" .وهذا ما يحدث في الواقع حتى أننا نجد أنفسنا حيال لغات تختلف كل
الختلف عندما يدور الحديث عن التنظيم .أذكر ،مثل ،حديثا جرى بيني وبين أحد
"القتصايديين" المستقيمين إلى حد ل بأس به لم تسبق لي به معرفة) .(88وقد تناول
الحديث كراس "من يقوم بالثورة السياسية؟" .وقد اتفقنا بسرعة على أن النقص الساسي
فيه هو إغفال مسألة التنظيم .وتصورنا أن وجهات نظرنا متفقة ،ولكن… عندما تابعنا الحديث
ظهر لنا أننا نتكلم عن أمور مختلفة .فمحدثي يتهم مؤلف الكراس بإغفال صنايديق الضرابات
ت أقصد منظمة الثوريين الضرورية "للقيام" وجمعيات تبايدل المساعدة الخ ،.في حين كن ُ
بالثورة السياسية .ول أذكر أني اتفقت مع هذا "القتصايدي" حول أية مسألة من المسائل
المبدئية بعد ظهور هذا الخلف! فما هو مصدر خلفاتنا؟ إنه يكمن في كون "القتصايديين"
ينزلقون على الدوام من التشتراكية-الديموقراطية إلى التريديونيونية إن في المهام
التنظيمية أم في المهام السياسية .فنضال التشتراكية-الديموقراطية السياسي أوسع جدا
وأكثر تعقيدا من نضال العمال القتصايدي ضد أصحاب العمال والحكومة .وكذلك )وتبعا لذلك(
ل بد لتنظيم الحزب التشتراكي-الديموقراطي الثوري من أن يكون من نوع آخر يختلف عن
تنظيم العمال للنضال القتصايدي .إذ ينبغي لمنظمة العمال أن تكون ،أول ،مهنية ،ثانيا،
واسعة ما أمكن؛ ثالثا ،علنية ما أمكن )هنا وفيما يأتي من البحث ل أعني بالطبع غير روسيا
الحكم المطلق( .وبالعكس ،ينبغي لمنظمة الثوريين أن تضم بالدرجة الولى وبصورة رئيسية
أناسا يكون النشاط الثوري مهنتهم )ولذلك أتحدث عن منظمة الثوريين ،وأنا أعني الثوريين-
التشتراكيين-الديموقراطيين( .وحيال هذه الصفة المشتركة بين أعضاء مثل هذه المنظمة
ينبغي أن يمحى بصورة تامة كل فرق بين العمال والمثقفين فضل عن الفروق بين مهن
هؤلء وأولئك على اختلفها .ينبغي لهذه المنظمة بالضرورة أن ل تكون واسعة جدا ،وأن
تكون على أكثر ما يمكن من السرية .فلنتناول الفروق الثلثة .إن الفرق بين التنظيم المهني
والتنظيم السياسي واضح تماما في البلدان التي تتمتع بحرية سياسية وضوح الفرق بين
التريديونيونات والتشتراكية-الديموقراطية .وطبيعي أن علقة التشتراكية-الديموقراطية
بالتريديونيونات تختلف حتما من بلد إلى آخر ،تبعا للظروف التاريخية والحقوقية وغيرها،
ويمكن أن تكون على جانب معين من القوة ،والتعقيد ،الخ) .وينبغي أن تكون حسب رأينا
قوية إلى أقصى حد وخالية من التعقيد ما أمكن(؛ ولكن ل يمكن بأي حال أن تعتبر المنظمة
النقابية ومنظمة الحزب التشتراكي-الديموقراطي في البلدان الحرة تشيئا واحدا .أما في
روسيا ،فإن طغيان الحكم المطلق يمحو لول وهلة كل فرق بين المنظمة التشتراكية-
الديموقراطية ونقابة العمال ،لن جميع نقابات العمال وجميع الحلقات ممنوعة ،لن المظهر
الساسي واليداة الساسية لنضال العمال القتصايدي -أي الضراب -يعتبر بوجه عام جريمة
يعاقب عليها قانون الجزاء )ويعتبر أحيانا جريمة سياسية!( .وهكذا "تصدم" الظروف عندنا
بشدة العمال الذين يخوضون النضال القتصايدي بالقضايا السياسية .هذا من جهة ،ومن جهة
أخرى "تصدم" التشتراكيين-الديموقراطيين بالخلط بين التريديونيونية والتشتراكية-
الديموقراطية )وإن أصحابنا كريتشيفسكي ومارتينوف وتشركاهما من الذين ل يفتأون
47
يتحدثون عن "الصدم" من النوع الول ل يلحظون "الصدم" من النوع الثاني( .وبالفعل،
تصوروا أناسا انهمكوا بنسبة 99بالمئة في "النضال القتصايدي ضد أصحاب العمال
والحكومة" .فثمة قسم منهم لن يصدم مرة واحدة طيلة فترة نشاطه كلها) 6-4أتشهر(
بمسألة منظمة للثوريين أكثر تعقيدا .وثمة آخرون "يصطدمون" في أكبر الظن بمطالعة
المنشورات البرنشتينية المنتشرة نسبيا ويستمدون منها العتقايد بالهمية البالغة التي يتسم
بها "تقدم النضال الجاري المعتايد" .وهناك ،أخيرا ،قسم ثالث يحتمل أن يهيم بفكرة مغرية
هي إعطاء العالم نموذجا جديدا عن "الصلة العضوية الوثيقة بالنضال البروليتاري" ،عن الصلة
بين الحركة المهنية والتشتراكية-الديموقراطية .وكأني بهؤلء الناس يفكرون على النحو
التالي :بمقدار ما يتأخر بلد من البلدان عن الدخول في مسرح الرأسمالية ،وبالتالي ،في
مسرح الحركة العمالية ،يزيدايد إمكان مساهمة التشتراكيين في الحركة المهنية ويدعمهم إياها،
ويقل إمكان ووجوب وجويد نقابات غير اتشتراكية-يديموقراطية .هذا التفكير ،إلى هنا ،صحيح
كل الصحة .ولكن المصيبة أنهم يسيرون إلى حد أبعد ويحلمون بمزج التشتراكية-
الديموقراطية والتريديونيونية مزجا تاما .وسنستشهد الن بـ"النظام الداخلي لتحايد النضال
في سانت بطرسبورغ" لكي نرى مبلغ ضرر تأثير هذه الحلم في مشاريعنا التنظيمية .يجب
أن تكون منظمات العمال الخاصة بالنضال القتصايدي منظمات مهنية ،ويجب على كل عامل
اتشتراكي-يديموقراطي أن يساعد هذه المنظمات على قدر الطاقة وأن يعمل فيها بنشاط.
هذا صحيح .ولكن ليس من مصلحتنا على الطلق أن نطالب بأن يكون أعضاء الجمعيات
"المهنية" من اتشتراكيين-يديموقراطيين وحدهم ،لن ذلك يسفر عن تقلص نفوذنا في
الجماهير .فليشترك في الجمعية المهنية كل عامل يدرك ضرورة التحايد للنضال ضد أصحاب
العمال والحكومة .فهدف الجمعيات المهنية ذاته ل يمكن بلوغه إن لم تضم هذه الجمعيات
جميع الذين يبلغون على القل هذه الدرجة البدائية من يدرجات الفهم ،إن لم تكن هذه
الجمعيات المهنية منظمات واسعة جدا .وبمقدار ما تتسع هذه المنظمات ،يتسع نفوذنا فيها،
وهو نفوذ ل ينشأ فقط عن التطور "العفوي" للنضال القتصايدي ،إنما ينشأ أيضا عن تأثير
أعضاء الجمعية التشتراكيين في رفاقهم تأثيرا مباتشرا واعيا .ولكن عندما يكون عديد المنتمين
إلى منظمة من المنظمات كبيرا تتعذر السرية الدقيقة )التي تتطلب استعدايدا أكبر جدا من
الستعدايد اللزم للنضال القتصايدي( .فكيف نحل هذا التناقض بين ضرورة سعة المنظمة
وضرورة السرية الدقيقة؟ كيف نعمل لتكون المنظمات المهنية سرية لقل حد ممكن؟ لبلوغ
ذلك ل يوجد بوجه عام غير سبيلين :أما جعل الجمعيات المهنية علنية )وقد حدث هذا في بعض
البلدان قبل أن تصبح الجمعيات التشتراكية والسياسية علنية( ،وإما إبقاء المنظمة سرية،
ولكن "حرة" وغير واضحة الحدويد ،أي loseكما يقول اللمان ،لدرجة تصبح معها الصفة
السرية بالنسبة لجمهور العضاء في حكم العدم تقريبا .لقد بدأ في روسيا انتقال جمعيات
العمال غير التشتراكية وغير السياسية إلى العلنية ،ول مجال لي تشك في أن كل خطوة
تخطوها حركتنا العمالية التشتراكية-الديموقراطية النامية بسرعة ستضاعف وتشجع محاولت
النتقال إلى هذه العلنية -وهي محاولت صايدرة بصورة رئيسية عن أنصار النظام القائم
ولكنها صايدرة أيضا بصورة جزئية عن العمال أنفسهم والمثقفين الليبيراليين .لقد رفع علم
العلنية أناس من أضراب فاسيلييف وزوباتوف ،وقد وعد السايدة من أضراب أوزيروف
وفورمس بالعمل على ذلك وبروا بوعدهم .ولقد ظهر بين العمال أتباع لهذا التجاه الجديد.
فل يمكننا من الن فصاعدا أل نحسب الحساب لهذا التيار .أما كيف نحسب له الحساب فهذا،
كما نعتقد ،ما ل يمكن أن يختلف عليه التشتراكيون-الديموقراطيون .نحن ملزمون بأن نفضح
على الدوام اتشتراك أمثال زوباتوف وفاسيلييف والدرك والكهنة في هذا التيار ،ملزمون بأن
نبين للعمال حقيقة أهداف هؤلء المشتركين .ونحن ملزمون كذلك بأن نفضح جميع النغمات
التوفيقية و"المنسجمة" التي ستكشف عنها خطابات الليبيراليين في اجتماعات العمال
العلنية -سواء أصدرت هذه النغمات عن ليبيراليين يعتقدون مخلصين بأن التعاون السلمي
بين الطبقات أمر مرغوب فيه ،أو عن ليبيراليين تحدوهم الرغبة في تملق الرؤساء أو في
النهاية عن ليبيراليين هم بكل بساطة غير حاذقين .ونحن ملزمون ،أخيرا ،بأن نحذر العمال
من الشرك الذي تنصبه لهم الشرطة في حالت كثيرة لتبحث في هذه الجتماعات العلنية
وفي الجمعيات المرخص لها عن "الناس الذين تتأجج النار في صدورهم" ولتدس في
المنظمات السرية أيضا المخبرين عن طريق المنظمات العلنية .ولكن قيامنا بكل ذلك ل يعني
48
البتة أننا ننسى أن جعل حركة العمال علنية سيعويد بالنفع في نهاية المر علينا نحن ،ل على
أمثال زوباتوف البتة .إن المر على العكس ،فبحملتنا التشهيرية نفصل نحن الزوان عن
الحنطة .وقد بينا الزوان .أما الحنطة فهي لفت أنظار أوسع فئات العمال وأكثرها تأخرا إلى
المسائل الجتماعية والسياسية ،هي تحريرنا ،نحن الثوريين ،من وظائف هي في الجوهر
علنية )نشر الكتب العلنية ،المساعدة المتبايدلة ،الخ ،(.وظائف يؤيدي تطورها حتما إلى إعطائنا
عديدا متزايدا على الدوام من الموايد للتحريض .وبهذا المعنى يمكننا وينبغي لنا أن نقول
لزوباتوف وأوزيروف وأضرابهما :اجتهدوا أيها السايدة ،اجتهدوا! فنحن لكم بالمرصايد
وسنفضحكم عندما تنصبون للعمال الشرك )عن طريق الستفزازات المباتشرة أو عن طريق
إفسايد العمال "الشريف" "بالستروفية"() .(89وإذا ما خطوتم حقا خطوة إلى أمام ،ولو
بشكل "انعطاف ضعيف جدا" ،ولكنها خطوة إلى أمام ،نقول لكم :إعملوا معروفا! إن فسح
المجال حقا أمام العمال مهما كان طفيفا هو وحده الذي يمكنه أن يشكل خطوة إلى أمام
حقا .وكل فسح لهذا المجال يخدمنا نحن ويعجل ظهور جمعيات علنية ل يصطايد فيها
المخبرون التشتراكيين ،بل يصطايد فيها التشتراكيون التباع لهم .إن مهمتنا الن هي،
باقتضاب ،مكافحة الزوان .فليس من اختصاصنا استنبات الحنطة في آنية بالغرف .فنحن ،إذ
نقتلع الزوان ،ننظف التربة ممهدين لنمو بذور الحنطة المحتمل .وأثناء انهماك أضراب
أفاناسي إيفانوفيتش وبولخيريا إيفانوفنا) (90بالزراعة في الغرف ينبغي لنا أن نعد حاصدين
يحسنون اجتثاث زوان اليوم وجني حصايد حنطة الغد• .وإذن ،ل نستطيع نحن عن طريق
العلنية أن نحل مسألة إنشاء منظمة مهنية تكون سرية لقل حد ممكن وواسعة لقصى حد
ممكن )ولكن نكون سعداء جدا إذا أعطانا أمثال زوباتوف وأوزيروف ولو جزئيا إمكانية هذا
الحل ،وللحصول على هذه المكانية ينبغي لنا أن نكافحهم بأكبر ما يمكن من الهمة!( .يبقى
طريق المنظمات المهنية السرية؛ وهنا يجب علينا أن نقدم كل مساعدة للعمال الذين أخذوا
)كما نعرف بدقة( يسلكون هذا الطريق .فالمنظمات المهنية ل يمكنها أن تقدم فائدة كبرى
في تطوير وتعزيز النضال القتصايدي وحسب ،بل يمكنها فضل عن ذلك أن تصبح عامل
مساعدا كبير الهمية للتحريض السياسي والتنظيم الثوري .ولبلوغ هذه النتيجة ،لتوجيه
الحركة المهنية المبتدئة إلى المجرى الذي تريده التشتراكية-الديموقراطية ،ينبغي قبل كل
تشيء أن نتبين بوضوح سخافة المشروع التنظيمي الذي يطبل ويزمر له "القتصايديون" في
بطرسبورغ منذ ما يقرب من خمس سنوات .وقد وريد هذا المشروع في "النظام الداخلي
لصندوق العمال" المؤرخ في تموز )يوليو( سنة ") 1897ليستوك "رابوتنيكا"" ،العديد ،10-9
ص ،46من العديد 1من "رابوتشايا ميسل"( وفي "النظام الداخلي لمنظمة العمال النقابية"
المؤرخ في تشرين الول )أكتوبر( سنة ) 1900صفحة على حدة طبعت في سانت بطرسبورغ
ووريد ذكرها في العديد 1من "اليسكرا"( .والخطأ الساسي في كل النظامين هو طرح جميع
التفاصيل المتعلقة بمنظمة عمالية واسعة وخلط منظمة الثوريين بها .فلنأخذ النظام
الداخلي الثاني ،باعتباره أكثر يدقة .إنه يتألف من اثنتين وخمسين فقرة ،منها 23فقرة
تتناول تنظيم "حلقات العمال" التي يجري تشكيلها في كل معمل )"على أن ل تزيد كل حلقة
على عشرة أتشخاص"( والتي تنتخب "الجماعات المركزية )في المعمل(" كما تتناول طريقة
تصريف أمورها ومدى صلحيتها .وقد جاء في الفقرة " :2تراقب الجماعة المركزية كل ما
يجري في مصنعها أو معملها وتسجل الحداث التي تجري فيه"" .تقدم الجماعة المركزية كل
تشهر تقريرا عن حالة الصندوق لجميع المشتركين" )الفقرة ،(17الخ ..وهناك 10فقرات
تتناول "منظمة الحي" و 19فقرة تتناول التشابك المعقد منتهى التعقيد بين "لجنة المنظمة
العمالية" و"لجنة اتحايد النضال في سانت بطرسبورغ" )منتدبون عن كل حي وعن "الجماعات
التنفيذية" " -جماعة من الدعاة ،جماعة للتصال بالقاليم ،جماعة للتصال بالخارج ،جماعة
ليدارة المستويدعات ،جماعة للمنشورات ،جماعة للصندوق"( .التشتراكية-الديموقراطية =
"الجماعات التنفيذية" بالنسبة إلى نضال العمال القتصايدي! لعل من الصعب أن نبين بأبرز
من ذلك كيف تنزلق فكرة "القتصايدي" من التشتراكية-الديموقراطية إلى التريديونيونية،
وكيف ل يستطيع إطلقا أن يتصور أن التشتراكي-الديموقراطي ملزم بأن يفكر قبل كل
تشيء بمنظمة ثوريين أكفاء لقيايدة نضال البروليتاريا التحريري كله .فالحديث عن "تحرير
الطبقة العاملة السياسي" ،وعن النضال ضد "الطغيان القيصري" وتحبير مثل هذه النظمة
الداخلية للمنظمة ،يعني عدم إيدراك أي تشيء على الطلق من المهام السياسية الحقيقية
49
التي تواجه التشتراكية-الديموقراطية .ليست ثمة أية فقرة بين الفقرات الخمسين تنم عن
بارقة إيدراك لضرورة القيام بأوسع تحريض سياسي بين الجماهير يكشف عن جميع نواحي
الستبدايد الروسي ،عن كل سيماء مختلف الطبقات الجتماعية في روسيا .وهذا النظام
الداخلي ،فضل عن أنه ل يمكن من بلوغ الهداف السياسية ،ل يمكن كذلك من بلوغ الهداف
التريديونيونية نفسها ،إذ أنها تتطلب تنظيما حسب المهن ،وهو ما ل يؤتى على ذكره إطلقا.
ولعل السمة البعد في الدللة هي مبلغ ثقل كل هذا "النظام" الذي يحاول أن يربط كل
مصنع إلى "اللجنة" برباط يدائم من قواعد متشابهة وتافهة لدرجة مضحكة وعلى أساس نظام
انتخابي ذي ثلث يدرجات .إن التفكير الذي يخنقه ضيق أفق "القتصايدية" ينطلق هنا إلى
تفاصيل تنز منها روائح المماطلة والدواوينية .والواقع أن ثلثة أرباع هذه الفقرات ل تطبق
أبدا ،ولكن هذا التنظيم "السري" الذي توجد جماعة مركزية له في كل مصنع ،يسهل بالمقابل
على الدرك تنظيم العتقالت على نطاق واسع إلى حد ل يصدق .لقد اجتاز الرفاق
البولونيون هذه المرحلة من مراحل الحركة ،حين تشغف الجميع بتشكيل صنايديق عمال على
نطاق واسع ،ولكنهم لم يلبثوا أن تخلوا عن هذه الفكرة إذ اتضح لهم أنهم بذلك ل يفعلون
أكثر من تقديم غلة كبيرة للدرك .وإذا كنا نريد منظمات عمال واسعة ،وإذا كنا ل نريد
اعتقالت واسعة ول نريد إيدخال المسرة إلى قلوب الدرك ،فيجب علينا أن نعمل لكي ل تتخذ
هذه المنظمات أي تشكل تنظيمي - .ولكن هل يمكن لمنظمات كهذه أن تقوم بوظائفها؟ -
لنلق نظرة على هذه الوظائف…" :مراقبة كل ما يجري بالمصنع وتسجيل الحداث التي تجري
فيه" )الفقرة 2من النظام الداخلي( .وهل تحتاج هذه الوظيفة حقا إلى تشكل تنظيمي؟ أل
يمكن تنفيذها بصورة أفضل عن طريق رسائل إلى الجرائد السرية يدون أن تنظم لهذا الغرض
أية جماعات خاصة؟ "…قيايدة نضال العمال من أجل تحسين حالتهم في العمل" )الفقرة 3
من النظام الداخلي( .وهذا أيضا ل يحتاج إلى أي تشكل تنظيمي .فمحايدثة بسيطة تكفي لن
يعرف المحرض ،بكل يدقة ،مهما كانت يدرجة ذكائه ،ما هي المطالب التي يريدها العمال؛
وعندما يعرفها يستطيع أن يرفعها إلى منظمة غير واسعة ،إلى منظمة ضيقة من الثوريين،
ليصال النشرة المناسبة.." .تنظيم صندوق… يكون رسم التشتراك فيه كوبيكين عن كل
روبل" )الفقرة (9ومن ثم إعطاء تقرير تشهري للجميع عن حالة الصندوق )الفقرة (17
وطريد العضاء الذين ل يدفعون اتشتراكاتهم )الفقرة ،(10الخ ..وهذا هو ،بالنسبة للشرطة،
الجنة عينها ،لنه ليس ثمة ما هو أسهل من التسلل إلى أعماق هذا السر ،سر "الصندوق
المركزي" في المعمل ومن مصايدرة النقويد واعتقال نخبة العضاء .أليس من الفضل إصدار
طوابع بكوبيك أو كوبيكين تحمل خاتم منظمة معينة )ضيقة جدا وسرية جدا( ،أو حتى جمع
تبرعات بدون أية طوابع تنشر جريدة سرية تقارير عنها بلغة متفق عليها؟ إن الهدف نفسه
يمكن بلوغه بذلك ،ولكن اكتشاف المنظمة يصبح أصعب على الدرك بمئة مرة .بوسعي أن
أستمر في تحليل فقرات النظام الداخلي ،ولكني أحسب أن في ما ذكرته الكفاية .إن نواة
صغيرة متراصة تتألف من أتشد العمال ثقة وحنكة وتمرسا بالنضال ،لها معتمدون في
المناطق الرئيسية وتتصل بمنظمة الثوريين على أساس مراعاة قواعد العمل السري بكل
يدقة ،تستطيع تماما ،استنايدا إلى أوسع تأييد من قبل الجمهور وبدون أي تشكل تنظيمي ،أن
تقوم بجميع الوظائف الملقاة على المنظمة المهنية ،وتستطيع فضل عن ذلك القيام بها على
وجه الضبط بالشكل الذي تريده التشتراكية-الديموقراطية .هذا هو الطريق الوحيد الذي يمكن
من تعزيز وتطوير الحركة المهنية التشتراكية-الديموقراطية بالرغم من الدرك كله.
وسيعترضون علي بقولهم أن إلى حد أنها ل تتخذ لنفسها أي تشكل معين وأعضاءها غير
معروفين وغير منظمة loseمسجلين ،ل يمكن أن تسمى بمنظمة - .ربما .لست ممن
يهتمون بالسماء .ولكن هذه "المنظمة بل أعضاء" ستقوم بكل ما يلزم وستؤمن منذ البدء
الصلة الوثقى بين تريديونيوناتنا المقبلة وبين التشتراكية .وكل من يريد في ظل الستبدايد
منظمة عمال واسعة تنتخب هيئاتها على أساس القتراع العام وتقدم التقارير والخ ،.فهو
بكل بساطة طوبوي ل يرجى له تشفاء .والعبرة التي تستخلص من ذلك بسيطة :إذا بدأنا
بتكوين منظمة ثوريين وطيدة قوية ،استطعنا أن نضمن الستقرار للحركة بمجموعها،
استطعنا أن نبلغ الهداف التشتراكية-الديموقراطية والهداف التريديونيونية الصرف أيضا.
أما إذا بدأنا بتكوين منظمة عمال واسعة ،منظمة ُيزعم أنها "أسهل منال" للجماهير )والواقع
أنها أسهل منال للدرك وأنها تجعل الثوريين أسهل منال للشرطة( ،فإننا لن نبلغ ل هذه
50
الهداف ول تلك ،ولن نتخلص من العمل الحرفي؛ بل إننا ،بانقساماتنا وانهياراتنا الدائمة،
نجعل طراز تريديونيون زوباتوف أو أوزيروف أسهل منال للجماهير .بم ينبغي أن تتلخص
وظائف منظمة الثوريين هذه؟ -سنتناول الن ذلك بالتفصيل .ولكننا سنبدأ بتحليل آراء
نموذجية أخرى لصاحبنا الرهابي الذي يظهر مرة أخرى )ويا لسوء الطالع!( متاخما
"للقتصايدي" .نجد في العديد 1من "سفوبويدا" ،وهي مجلة للعمال ،مقال تحت عنوان
"التنظيم" ،يحاول كاتبه أن يدافع فيه عن معارفه من العمال "القتصايديين" في إيفانوفو-
فوزنيسينسك .يقول" :ل خير في جموع صامتة ،غير واعية ،ل خير في حركة ل تأتي من
أسفل .أنظروا :عندما يعويد الطلب من مدينة جامعية إلى بيوتهم في أيام العيايد أو في
الصيف ،تتوقف حركة العمال .وهل يمكن لحركة عمال يدفعونها من خارجها أن تكون قوة
حقا؟ مطلقا… إنها لم تتعلم بعد المشي على قدميها ويسندونها كالطفال .وهكذا في كل
تشيء :يسافر الطلب فتقف الحركة .يلتقطون الكثر كفاءة من الزبدة فيفسد الحليب.
يعتقلون "اللجنة" فيسويد السكون إلى أن تتألف لجنة جديدة؛ ومن يدري كيف تكون الجديدة،
فقد تختلف عن السابقة كل الختلف :لجنة كانت تقول تشيئا والخرى ستقول العكس،
وتنقطع الصلة بين المس والغد ،ول تعويد خبرة الماضي مفيدة للمستقبل .وكل هذا من جراء
عدم وجويد جذور في العماق ،في الجموع؛ كل هذا لن العمل ل يجري من قبل مئة من
الحمقى ،بل من قبل يدستة من الذكياء .سهل يدائما على الحوت أن يبتلع عشرة أتشخاص،
ولكن إذا ما تشملت المنظمة الجموع ،إذا ما صدر كل تشيء عن الجموع ،فليس في وسع أي
جهد أن يقضي على القضية" )ص .(63لقد وصفت الوقائع وصفا صايدقا .فقد أعطى الكاتب
صورة ل بأس بها عن عملنا الحرفي .ولكن الستنتاجات خليقة بـ"رابوتشايا ميسل" سواء من
حيث الغباء أم من حيث انعدام الذوق السياسي .إنها الذروة في الغباء ،إذ أن الكاتب يخلط
بين مسألة "جذور" الحركة "في العماق" -وهي مسألة فلسفية واجتماعية تاريخية ،ومسألة
تحسين النضال ضد الدرك -وهي مسألة تكنيكية تنظيمية .إنها الذروة من انعدام الذوق
السياسي لن الكاتب ،بدل من أن يدعو إلى أن يحل القايدة الصالحون محل القايدة الريديئين،
يدعو إلى أن تحل "الجموع" محل القايدة عموما .إن هذه محاولة تجرنا إلى الوراء في الميدان
التنظيمي ،مثلما أن فكرة حلول الرهاب التهييجي محل التحريض السياسي تجرنا إلى الوراء
في الميدان السياسي .وإني والحق يقال في embarras de richessesل أيدري بما أبدأ
تحليل التشويش الذي أتحفتنا به "سفوبويدا" ∗ .سأحاول البدء بضرب مثل للوضوح .ولنأخذ
اللمان .وآمل أنكم لن تنكروا أن المنظمة عندهم تشمل الجموع وأن كل تشيء يصدر عن
الجموع وأن حركة العمال قد تعلمت المشي على قدميها .ولكن كم تحسن هذه الجموع
الغفيرة تقدير "الدستة" من قايدتها السياسيين المجربين ،وبأية قوة تتمسك بهم! فكم من
مرة وقف نواب الحزاب المعايدية في البرلمان لزعاج التشتراكيين وقالوا" :ما أجملكم من
يديموقراطيين! حركتكم هي حركة الطبقة العاملة في مجال القول فحسب ،ولكن في مجال
العمل تبرز على الدوام نفس الزمرة من القايدة .طيلة السنين وعشرات السنين نرى بيبل ل
يحول ول يزول ،نرى ليبكنخت ل يحول ول يزول .إن نوابكم الذين تدعون أنهم منتخبو العمال
هم أثبت في مناصبهم من الموظفين الذين يعينهم المبراطور!" غير أن اللمان قد استقبلوا
ببسمة ازيدراء هذه المحاولت الديماغوجية التي تستهدف معارضة "الزعماء" بـ"الجموع"،
وإثارة غرائز الغرور الريديئة في الجموع ،وحرمان الحركة متانتها وثباتها عن طريق تقويض
ثقة الجماهير بـ"يدستة الذكياء" .لقد بلغ اللمان من تطور الفكر السياسي واكتسبوا من
الخبرة السياسية ما جعلهم يفهمون أنه يتعذر في المجتمع الراهن على كل طبقة من
الطبقات أن تناضل بثبات بدون "يدستة" من الزعماء النوابغ )والنوابغ ل يولدون بالمئات(
المجربين والمتفقين في الرأي أروع التفاق والمحضرين مهنيا والذين حنكتهم تجارب اليام.
لقد عرف اللمان في بيئتهم كذلك يديماغوجيين تملقوا "المئات من الحمقى" ورفعوهم فوق
"يدستات الذكياء" ،تملقوا "قبضة" الجمهور "المفتولة العضل" مستثيرينه )على غرار موست
وهاسيلمان( إلى أعمال "ثورية" طائشة وباذرين الشك بالزعماء الرصينين الحازمين .وما
كانت التشتراكية اللمانية لتتوطد وتنمو هذا النمو لول نضالها في الداخل نضال عنيدا ل
هوايدة فيه ضد جميع العناصر الديماغوجية على اختلفها .أما حكماؤنا فإنهم ،في هذا الظرف
الذي تفسر فيه كل أزمة التشتراكية-الديموقراطية الروسية بكون الجماهير المستيقظة
بصورة عفوية ل تجد قايدة على قدر كاف من الستعدايد والتطور والتجربة ،يعلنون بعمق
51
تفكير الغبي" :ل خير في حركة ل تأتي من أسفل"! "لجنة الطلبة ل تصلح ،إنها غير ثابتة"- .
هذا صحيح كل الصحة .ولكن يستنتج منه أن المر يتطلب لجنة من ثوريين محترفين ،من أناس
ينمون في أنفسهم صفات الثوري المحترف ول يهم بعد ذلك أن يكونوا عمال أو طلبا .بينما
تستنتجون أنتم أنه ل ينبغي يدفع حركة العمال من خارجها! إنكم ل تلحظون ،بسبب سذاجتكم
السياسية ،أنكم تخدمون بذلك "اقتصايدييـ"نا وطريقتنا في العمل الحرفي .واسمحوا لنا بأن
نسألكم :بم تجلى "يدفع" طلبنا لعمالنا؟ المر الوحيد الذي تجلى فيه هذا الدفع هو كون
الطالب قد حمل للعامل تشذرات المعارف السياسية الموجويدة لديه وفتات الفكار التشتراكية
التي جمعها )لن طالب اليوم يجد غذاءه العقلي الرئيسي في الماركسية العلنية التي لم تكن
تستطيع أن تعطيه غير البجدية وغير الفتات( .إن مثل هذا "الدفع من الخارج" بالذات لم يكن
في حركتنا بالكثير ،بل بالعكس ،لقد كان قليل جدا ،قليل لحد مخجل ومشين ،لننا أفرطنا في
النطواء على أنفسنا ،أفرطنا في السجويد كالعبيد أمام "نضال العمال" البدائي "القتصايدي
ضد أصحاب العمال والحكومة" .ومثل هذا "الدفع" بالذات ينبغي لنا نحن الثوريين المحترفين
أن ننصرف إليه وسننصرف إليه بجهويد مضاعفة مئة مرة .بيد أنه ،نظرا لوقوع اختياركم
بالضبط على هذا التعبير الشنيع" ،الدفع من الخارج" ،هذا التعبير الذي يوحي للعامل حتما
)على القل للعامل المتأخر بمقدار تأخركم أنتم( عدم الثقة بجميع من يحملون إليه من
الخارج المعرفة السياسية والخبرة الثورية ،ويثير فيه غريزة الرغبة في صد جميع أمثال هؤلء
الناس ،نظرا لهذا الواقع بالضبط تكونون من الديماغوجيين ،والديماغوجيون هم تشر أعداء
الطبقة العاملة .نعم ،نعم! ل تتسرعوا في رفع عقيرتكم بالعويل حول "أساليبي غير
الرفاقية" في الجدال! فليس في نيتي أن أتشك في صفاء طويتكم .لقد سبق لي أن قلت أنه
يمكن أن يصبح المرء من الديماغوجيين لمجريد سذاجته السياسية .ولكني برهنت أنكم هويتم
إلى يدرك الديماغوجية .وسأكرر يدون كلل أن الديماغوجيين هم تشر أعداء الطبقة العاملة .هم
بالضبط تشر أعداء الطبقة العاملة لنهم يثيرون في الجموع الغرائز السيئة ،ولن العمال
المتأخرين ل يستطيعون تبين هؤلء العداء الذين يدعون أنهم أصدقاء لهم ،ويدعون ذلك
أحيانا مخلصين .هم تشر العداء إذ أنه ،في مرحلة التبعثر والتريديد ،في المرحلة التي ل تزال
فيها سيماء حركتنا في يدور التكوين ،ليس أيسر من جذب الجموع عن طريق الديماغوجية فل
يقنعها فيما بعد بخطئها غير المحن المريرة .ولذلك يجب على التشتراكي-الديموقراطي
الروسي اليوم أن يجعل تشعار الساعة النضال الحازم سواء ضد "سفوبويدا" التي تهوي إلى
يدرك الديماغوجية أو ضد "رابوتشييه يديلو" التي تهوي هي أيضا فيما يأتي من البحث(.
"اصطيايد يدستة إلى يدرك الديماغوجية )المر الذي سنبينه بتفصيل أذكياء أسهل من اصطيايد
مئة أحمق" .إن هذه الحقيقة الرائعة )التي تضمن لكم على الدوام التصفيق من مئة أحمق( ل
تبدوا جلية إل لنكم قد قفزتم في مجرى تفكيركم من مسألة إلى أخرى .لقد بدأتم الحديث
وما زلتم تتحدثون عن اصطيايد "اللجنة" ،عن اصطيايد "المنظمة" ،وقد قفزتم الن إلى مسألة
اصطيايد "جذور" الحركة "في العماق" .واضح أن حركتنا ل يمكن القبض عليها ولو بسبب أن
لها مئات ومئات اللوف من الجذور في العماق .ولكن المسألة ليست هنا .فحتى في الوقت
الحاضر ،وبالرغم من كل طريقتنا الحرفية في العمل ،يتعذر "اصطيايد"نا بمعنى اصطيايد
"جذورنا في العماق"؛ ولكننا جميعا نشكو مع ذلك ،ول بد لنا أن نشكو من هذا القبض على
"المنظمات" الذي يقوض كل استمرارية في الحركة .أما إذا طرحتم مسألة القبض على
المنظمات يدون أن تحيدوا عنها ،فإني أقول لكم أن القبض على يدستة من الذكياء أصعب جدا
من القبض على مئة أحمق .وسأيدافع عن هذا الرأي مهما أّلبتم علي الجموع بسبب موقفي
"المعايدي للديموقراطية" الخ ..ينبغي لنا أن نفهم من تعبير "الذكياء" في الميدان التنظيمي
-كما أتشرت غير مرة -الثوريين المحترفين فقط ،سواء ظهروا من بين الطلب أو العمال،
فل فرق .وها أنا ذا أجزم بأنه (1 :ل يمكن أن توجد أية حركة ثورية وطيدة بدون منظمة من
القايدة ثابتة تحافظ على الستمرارية؛ (2بمقدار ما يتسع الجمهور الذي ينهض بصورة عفوية
إلى النضال والذي يؤلف قاعدة الحركة ويساهم فيها ،تشتد الحاجة إلى مثل هذه المنظمة
وينبغي لها أن تكون أوطد )وإل سهل بنفس المقدار على كل يديماغوجي التغرير بفئات
الجمهور المتأخرة(؛ (3ينبغي لهذه المنظمة أن تتألف بصورة رئيسية من أناس يجعلون من
النشاط الثوري مهنة لهم؛ (4بمقدار ما نضيق ،في بليد يسويدها الستبدايد ،قوام أعضاء هذه
المنظمة بحيث ل يشترك فيها غير التشخاص الذين جعلوا من النشاط الثوري مهنة لهم
52
والذين تدربوا تدريبا مهنيا على فن النضال ضد الشرطة السياسية ،تزيدايد صعوبة "اصطيايد"
هذه المنظمة و (5يزيدايد عديد أبناء الطبقة العاملة والطبقات الجتماعية الخرى الذين تتاح
لهم إمكانية التشتراك في الحركة والعمل النشيط فيها .إني أطلب أن يدحضوا هذه إلى
أصحابنا "القتصايديين" والرهابيين و"القتصايديين-الرهابيين" الصيغ التي لن أتناول منها
الن غير الصيغتين الخيرتين .إن مسألة ما إذا كان القبض على "يدستة من الذكياء" أسهل
من القبض على "مئة من الحمقى" تؤول إلى المسألة التي حللناها :هل المنظمة الجماهيرية
ممكنة مع ضرورة المراعاة الدقيقة لقواعد العمل السري؟ لن نستطيع بحال من الحوال أن
نرفع منظمة واسعة إلى ذلك المستوى من السرية الذي ل يمكن بدونه حتى الحديث عن
نضال ضد الحكومة له صفة الثبات والستمرارية .إن تركيز جميع الوظائف السرية في أيدي
أقل عديد ممكن من الثوريين المحترفين ل يعني قط أن هؤلء "سيفكرون عوضا عن الجميع"
وأن الجموع لن تساهم في الحركة بنشاط .بل بالعكس ،فإن الجموع ستبرز هؤلء الثوريين
المحترفين بعديد يتزايد باستمرار ،لن الجموع ستعرف عندئذ أنه ل يكفي أن يجتمع عديد من
الطلب والعمال القائمين بالنضال القتصايدي ويشكلوا "اللجنة" ،إنما ينبغي للجموع أن تنفق
السنين على تنشئة ثوريين محترفين من صلبها ،وسينصرف "تفكير"ها إلى هذه التنشئة
بالذات ،ل إلى العمل الحرفي وحده .إن تركيز الوظائف السرية للمنظمة ل يعني إطلقا
تركيز جميع وظائف الحركة .فاتشتراك أوسع الجماهير اتشتراكا نشيطا في المنشورات
السرية ل يقل من جراء تركيز "يدستة" من الثوريين المحترفين للوظائف السرية في هذا
العمل ،بل ،بالعكس ،يزيدايد أضعافا مضاعفة .ليس من طريق غير هذا الطريق يوصلنا إلى
جعل أمر قراءة المنشورات السرية والمساهمة في تحريرها وحتى أمر توزيعها إلى حد معين
تكف تقريبا عن أن تكون أمرا سريا ،لن الشرطة ل تلبث أن تفهم أن من الحماقة
والمستحيل اللجوء إلى الجراءات القضائية واليدارية بصديد كل نسخة من ألوف النسخ
الموزعة .ول ينطبق ذلك على الصحافة وحسب ،إنما ينطبق أيضا على جميع وظائف الحركة
بما في ذلك المظاهرات .فاتشتراك الجمهور في المظاهرة أنشط اتشتراك وأوسعه ،عدا أنه ل
يصاب بأي ضرر ،يستفيد جدا إذا ما قامت "يدستة" من الثوريين المجربين والمدربين تدريبا
مهنيا ل يقل عن تدريب الشرطة عندنا بتركيز جميع النواحي السرية في العمل -تحضير
المناتشير ،وضع مشروع تقريبي ،تعيين هيئة قيايدة لكل حي من أحياء المدينة ،ولكل منطقة
من مناطق المعامل ولكل مدرسة الخ) .أعلم أنهم سيعترضون علي بأن نظراتي "غير
يديموقراطية" ،ولكني سأجيب بالتفصيل على هذا العتراض الخرق تماما فيما يأتي من
البحث( .إن تركيز منظمة الثوريين لكثر الوظائف سرية ل يضعف ،إنما يزيد سعة ومضمون
نشاط مجموعة كبرى من المنظمات الخرى المعدة للجمهور الواسع والتي تخلو بسبب ذلك
لقصى حد ممكن من الشكل التنظيمي والسرية :كنقابات العمال ،وحلقات العمال للدراسة
ولقراءة المنشورات السرية ،والحلقات التشتراكية وكذلك الحلقات الديموقراطية بين جميع
فئات السكان الخرى ،الخ ،.الخ ..إن هذه الحلقات والنقابات والمنظمات ضرورية في كل
مكان ،وبأكبر عديد ممكن وبوظائف متنوعة ما أمكن؛ ولكن من خطل الرأي ومن الضرر أن
نخلط بينها وبين منظمة الثوريين وأن نطمس الحد الفاصل بين هذه المنظمات ومنظمة
الثوريين وأن نطفئ في الجمهور نور اليدراك الذي سبق له وخبا إلى حد ل يصدق ،اليدراك
بأن الحركة الجماهيرية تحتاج "لخدمتها" إلى أناس يكرسون أنفسهم خصيصا وكليا للنشاط
التشتراكي-الديموقراطي ،وأنه ينبغي لهؤلء الناس أن يربوا من أنفسهم بصبر ومثابرة
ثوريين محترفين .أجل لقد خبا هذا اليدراك لدرجة يصعب تصورها .والخطيئة الرئيسية التي
اقترفناها في ميدان التنظيم هي كوننا ،بعملنا الحرفي ،قد أسأنا إلى سمعة الثوري في
روسيا .ثوري ضيق الفق ،ضعيف ومتريديد في القضايا النظرية ،يجعل من عفوية الجماهير
مبررا ً لرخاوته ،أتشبه بسكرتير تريديونيون منه إلى خطيب تشعبي ،غير كفء لعرض برنامج
واسع جريء ينتزع احترام الخصوم أنفسهم ،قليل الخبرة وأخرق في الفن الذي اتخذه لنفسه
مهنة -النضال ضد الشرطة السياسية -،هل هذا هو الثوري من فضلكم! ل ،إن هذا حرفي
يستحق الشفقة .أرجو أل يعتب علي أحد من المشتغلين في الميدان العملي لهذه الكلمة
الخشنة ،إذ أني أنسبها لنفسي قبل كل تشيء ما يدمنا نتحدث عن قلة الستعدايد .لقد عملت
في حلقة) (91وضعت نصب عينيها أهدافا واسعة تشاملة ،وقد تشعرنا جميعنا نحن أعضاء هذه
الحلقة باللم يحز في قلوبنا إذ أيدركنا أننا حرفيون في ظرف تاريخي يمكننا أن نقول فيه مع
53
بعض التغيير لعبارة من العبارات الشائعة :أعطونا منظمة من الثوريين ،نقلب روسيا رأسا
على عقب! وبمقدار ما وجب علي منذ ذلك الحين أن أتذكر تشعور الخجل الممض الذي كان
يحز في نفسي آنذاك ،كانت تمتلئ نفسي بالمرارة ضد أولئك التشتراكيين-الديموقراطيين
المزيفين الذين "يهينون لقب الثوري" بدعايتهم ،والذين ل يفهمون أن واجبنا ليس الدفاع
عن الهبوط بالثوري إلى مستوى الحرفي ،بل رفع الحرفيين إلى مستوى الثوريين.
سمعنا فيما تقدم من ب-ف عن "نقص القوى الثورية القايدرة على العمل ،النقص الذي يشعر
بوجويده في جميع أنحاء روسيا ،ل في بطرسبورغ وحدها" .ول أحسب أن هنالك أحدا ً يعارض
هذا الواقع ولكن القضية في كيفية تفسيره .يقول ب-ف" :لن نأخذ في تبيان السباب
التاريخية لهذه الظاهرة؛ حسبنا أن نقول أن المجتمع ،وقد أضعفت معنوياته رجعية سياسية
استمرت طويل وجزأته التغيرات القتصايدية التي جرت ول تزال تجري فيه ،ل يقدم من
صفوفه غير عديد محدويد جدا من التشخاص الصالحين للعمل الثوري ،وأن نقول أن الطبقة
العاملة بتقديمها عمال ثوريين ،تكمل جزئيا صفوف المنظمات السرية؛ ولكن عديد هؤلء
الثوريين ل يفي بمتطلبات الزمن .وهذا صحيح ل سيما وأن العامل المشغول في المعمل
111/2ساعة كل يوم ل يمكنه بحكم وضعه أن يقوم بصورة رئيسية بغير وظيفة التحريض .أما
وظائف الدعاية والتنظيم وإنتاج المنشورات السرية وإرسالها ،وإصدار المناتشير ،الخ ،.فيقع
ثقلها الكبر بالضرورة على كواهل عديد قليل جدا من المثقفين" )"رابوتشييه يديلو" ،العديد ،6
ص .(39-38نحن نوافق بـ -ف على رأيه هذا في نقاط كثيرة ول نوافقه بوجه خاص على
الكلمات التي طبعناها بالحرف العريض والتي تظهر بجلء خاص أن بـ -ف ،وقد عانى الكثير
من اللم )تشأن كل من مارس النشاط العملي وكان مفكرا إلى حد ما( بسبب عملنا الحرفي،
ل يستطيع ،لوجويده تحت ضغط "القتصايدية" ،تحسس مخرج من الوضع الذي ل يطاق .ل ،إن
المجتمع يقدم من صفوفه عديدا كبيرا جدا من التشخاص الكفاء "للعمل" ،ولكننا ل نحسن
الستفايدة منهم جميعا .إن وضع حركتنا الحرج ،وضعها النتقالي ،يمكن إجماله من هذه
الناحية كما يلي :ل يوجد ناس -وتوجد كثرة من الناس .كثرة من الناس لن الطبقة العاملة
وفئات من المجتمع متزايدة التنوع ،تقدم من سنة لخرى عديدا متعاظما من الساخطين
الراغبين في الحتجاج والمستعدين للمساهمة على قدر الطاقة في النضال ضد الستبدايد
الذي لم يدرك الجميع بعد أنه غدا ل يطاق ولكن يحس به مع ذلك جمهور كبير يتعاظم
باستمرار إحساسا يشتد باطرايد .وفي الوقت نفسه ل يوجد ناس ،وذلك لعدم وجويد قايدة،
لعدم وجويد زعماء سياسيين ،لعدم وجويد منظمين موهوبين أكفاء لتنظيم عمل واسع ،وفي
الوقت نفسه موحد ومنسجم ،يسمح بالستفايدة من كل القوى ،حتى أضعفها .إن "نمو وتطور
المنظمات الثورية" ل يتأخران عن نمو حركة العمال وحسب ،وهو المر الذي يعترف به ب -ف
أيضا ،بل يتأخران كذلك عن نمو الحركة الديموقراطية العامة في جميع فئات الشعب )إل أنه
من المحتمل أن يعتقد ب ـ ف اليوم أن هذا أيضا تتمة لستنتاجه( .إن نطاق العمل الثوري
ضيق جدا بالقياس إلى سعة أساس الحركة العفوي ،مضغوط جدا بالنظرية الفقيرة القائلة
بـ"النضال القتصايدي ضد أصحاب العمال والحكومة" .هذا في حين أن "التوجه إلى جميع
طبقات السكان"• ليس اليوم واجب المحرضين السياسيين وحدهم ،إنما هو كذلك واجب
المنظمين التشتراكيين-الديموقراطيين .ول أحسب أن أحدا ً من المشتغلين في الميدان
العمل يشك بأنه يمكن للتشتراكيين-الديموقراطيين أن يوزعوا اللوف من الوظائف الجزئية
في عملهم التنظيمي بين بعض ممثلي مختلف الطبقات .فانعدام التخصص - ،المر الذي
يشكو منه ب -ف بمرارة وبملء حق -هو نقص من أكبر النواقص في تكنيكنا .وبمقدار ما
تصغر مختلف "عمليات" العمل المشترك ،تزيدايد إمكانية إيجايد التشخاص القايدرين على القيام
بهذه العمليات )وغير القايدرين بتاتا في معظم الحالت على أن يصبحوا ثوريين محترفين(،
وتزيدايد بالنسبة إلى الشرطة صعوبة "اصطيايد" جميع هؤلء "القائمين بالجزئيات" وصعوبة
تلفيق "قضية" تبرر نفقات الدولة على "المن العام" من أجل القبض على تشخص وهو يقوم
بعمل تافه .أما فيما يخص عديد المستعدين لمساعدتنا ،فقد سبق لنا أن أتشرنا في الفصل
السابق إلى التغيرات الكبرى التي وقعت في هذا الحقل منذ نحو خمس سنوات على الكثر.
54
ولكن ،من جهة أخرى ،لكي نوحد جميع هذه الجزاء الصغيرة في كل واحد ،ولكيل تؤيدي تجربة
وظائف الحركة إلى تجزئة الحركة نفسها ،ولكي نوحي إلى القائم بالوظائف الجزئية اليمان
بضرورة وأهمية عمله ،اليمان الذي لن يعمل أبدا -لكل هذا يتطلب المر على وجه الدقة
منظمة قوية من الثوريين المجربين .وفي بدونه حالة وجويد هذه المنظمة يشتد اليمان بقوة
الحزب ويتسع بمقدار مراعاة هذه المنظمة لقواعد العمل السري .فمن المعروف أن أحد
المور الهامة منتهى الهمية في الحرب هو أن تشيع اليمان بقواك ل في جيشك وحسب ،بل
في العدو وفي جميع العناصر المحايدة أيضا؛ فالحيايد مع التحبيذ يقرر في بعض الحيان نتيجة
المعركة .وفي حالة وجويد منظمة كهذه تقف على قاعدة نظرية وطيدة وتحت تصرفها جريدة
اتشتراكية-يديموقراطية ،ل يخشى على الحركة من أن تخرجها عن طريقها العناصر "الخارجية"
الكثيرة المنجذبة إليها )بالعكس ،نلحظ الن بالضبط ،في ظل العمل الحرفي ،كيف ُيجّر
كثيرون من التشتراكيين-الديموقراطيين في خط " "Credoحاسبين أنهم وحدهم
التشتراكيون-الديموقراطيون( .وباختصار ،إن التخصص يفترض بالضرورة التمركز ويتطلبه
كأمر ل بد منه .ولكن ب -ف نفسه ،الذي بين بصورة رائعة ضرورة التخصص ،ل يقدره حسب
رأينا التقدير الكافي في القسم الثاني من المقطع الذي أثبتناه .إنه يقول أن عديد الثوريين
المنبثقين من العمال غير كاف .وهذا صحيح كل الصحة؛ ونحن نؤكد مرة أخرى أن "هذا النبأ
القيم من مراقب عن كثب" يثبت بصورة تامة صحة نظرتنا عن أسباب الزمة الراهنة في
التشتراكية-الديموقراطية ،وبالتالي ،عن وسائل الخروج منها .فالقضية ل تقتصر على تأخر
الثوريين بوجه عام عن مجاراة نهوض الجماهير العفوي :فالعمال الثوريون متأخرون هم أيضا
عن مجاراة نهوض جماهير العمال العفوي .وهذا الواقع يثبت بكل جلء ،حتى من وجهة النظر
"العملية" ،خطل "التربية" التي يكثرون من تقديمها لنا عند بحث مسألة واجباتنا حيال العمال
كما يثبت فضل عن ذلك طابعها السياسي الرجعي .فهذا الواقع يدل على أن واجبنا الول،
الواجب الذي يفرض نفسه فرضا ،هو المساعدة على تنشئة ثوريين عمال يقفون على صعيد
واحد مع الثوريين المثقفين من وجهة نظر النشاط الحزبي )ونحن نكتب بحرف عريض
كلمات :من وجهة نظر النشاط الحزبي ،لن بلوغ العمال هذا المستوى من وجهات النظر
الخرى أمر أقل سهولة بكثير وأقل إلحاحا بكثير وإن كان ضروريا( .ولذلك يجب علينا أن نضع
نصب عيوننا بصورة رئيسية رفع العمال إلى مستوى الثوريين ،ل الهبوط حتما بأنفسنا نحن
إلى مستوى "جماهير العمال" كما يريد القتصايديون" ،أو حتما إلى مستوى "العامل
المتوسط" كما تريد "سفوبويدا" )التي ترتفع في هذا الصديد إلى الدرجة الثانية من "التربية"
القتصايدية( .لم يخطر لي قط أن أنكر ضرورة إصدار منشورات للعمال بلغة مبسطة وضرورة
إصدار منشورات أخرى بلغة مبسطة جدا )على أن ل تكون مبتذلة طبعا( للعمال المتأخرين
جدا .ولكن ما يثيرني هو هذا الميل الدائم إلى لصق التربية بقضايا السياسة وقضايا التنظيم.
فأنتم أيها السايدة الوصياء على "العامل المتوسط" تهينون العامل في جوهر المر برغبتكم
الدائمة في النحناء إزاءه قبل أن تتحدثوا إليه عن السياسة العمالية والمنظمة العمالية.
ارفعوا رؤوسكم إذن لتتحدثوا عن المور الجدية ويدعوا التربية للمربين ،ل للسياسيين
والمنظمين! أل يوجد بين المثقفين أيضا مبرزون و"متوسطون" و"جمهور"؟ أل يعترف
الجميع بضرورة إصدار منشورات بلغة مبسطة للمثقفين أيضا ،أول تكتب مثل هذه
المنشورات؟ تصوروا أن كاتبا كتب مقال عن منظمة الطلبة الجامعيين أو الثانويين وأخذ يجتر
بلهجة من اكتشف اكتشافا عظيما ويقول أن أول ما يجب هو إيجايد منظمة "للطلبة
المتوسطين" .أكبر الظن أن الناس سيسخرون من هذا الكاتب بحق كامل .وسيقولون له :إن
كانت لديك أفكار تنظيمية فهاتها ،واتركنا نقرر حينذاك بأنفسنا من منا "المتوسط" ومن منا
العلى ومن منا اليدنى .أما إذا كان وفاضك خاليا من الفكار التنظيمية الخاصة بك ،فاعلم أن
جميع محاولتك العقيمة عما يخص "الجمهور" و"المتوسطين" تبدو مجريد لغو ممل .اعرف،
إذن ،أن قضايا "السياسة" و"التنظيم" هي بحد ذاتها قضايا خطيرة بحيث ل يجوز الكلم عنها
إل بجدية كاملة :يمكن ويجب إعدايد العمال )والطلبة الجامعيين والثانويين( لكي يصبح
بالمكان الحديث معهم عن هذه المسائل؛ ولكن ،ما يدمت قد تشرعت بالحديث ،فأعط الجوبة
الحقيقية ،ول تتقهقر تشطر "المتوسطين" أو تشطر "الجمهور" ،ول تحاول التملص بعبارات .
إن العامل الثوري ،لكي يكون على استعدايد تام للقيام بمهمته ،ينبغي له هو أو نكات أيضا أن
يصبح ثوريا محترفا .ولذا كان ب -ف على غير صواب إذ يقول أنه لما كان العامل مشغول في
55
المعمل 111/2ساعة فإن سائر الوظائف الثورية الخرى )عدا التحريض( "يقع ثقلها الكبر
بالضرورة على كواهل عديد قليل جدا من المثقفين" .كل ،ليس ذلك إطلقا "بالضرورة" ،بل
بحكم تأخرنا :إن ذلك يحدث لننا ل ندرك أننا ملزمون بمساعدة كل عامل موهوب على التحول
إلى محترف في الدعاية والتحريض وفي التنظيم والتوزيع الخ ،.الخ ..فنحن ،من هذه الناحية،
نبديد قوانا بصورة مشينة تماما ،ول نحسن صيانة ما ينبغي لنا أن ننميه وننشئه بكل عناية.
أنظروا إلى اللمان :قواهم أكثر من قوانا بمئة مرة ،ولكنهم يعرفون خير المعرفة أن صفوف
"المتوسطين" ل تقدم إطلقا في كثير جدا من الحالت محرضين أكفاء حقا .ولذلك يسعون
لكي يضعوا على الفور كل عامل موهوب في ظروف تضمن تفتح مواهبه على أحسن وجه
والستفايدة منه على أحسن وجه :يجعلون منه محرضا محترفا ويشجعونه على توسيع ميدان
نشاطه وجعله يتجاوز حدويد المعمل ليشمل المهنة كلها ،ويتجاوز حدويد المنطقة ليشمل البليد
كلها .فيحصل هذا العامل على الخبرة وعلى المهارة في مهنته ويوسع أفقه ومعارفه ،ويتتبع
عن كثب البارزين من الزعماء السياسيين في المناطق الخرى والحزاب الخرى ،ويسعى
للرتفاع إلى هذا المستوى ويعمل ليجمع في نفسه معرفة البيئة العمالية وطراوة العقائد
التشتراكية مع التدريب المهني الذي ل يمكن للبروليتاريا بدونه أن تقوم بنضال عنيد ضد
أعدائها المدربين على خير وجه .بهذا الشكل ،وبهذا الشكل وحده ينبثق من جمهور العمال
أمثال بيبل وآوير .ولكن ما يجري إلى حد كبير من تلقاء نفسه في بليد تتمتع بالحرية
السياسية ،ينبغي أن يحقق عندنا بصورة منتظمة من فبل منظماتنا .إن المحرض العامل ل
ينبغي أن يعمل في المعمل إحدى عشرة ساعة ،إذا كان موهوبا و"باعثا للمال" ولو إلى حد
ضئيل .ينبغي لنا أن نبذل جهدنا لكي يعيش على نفقة الحزب ،لكي ينتقل إلى السرية في
الوقت الملئم ،لكي يغير مكان نشاطه ،إذ أنه إن لم يفعل ذلك ل يمكنه أن يكتسب خبرة
كبيرة وأن يوسع أفقه وأن يصمد عدة سنوات على القل في النضال ضد الدرك .وكلما اتسع
نهوض جماهير العمال العفوي وازيدايد عمقا ،يبرز من صفوفها عديد أكبر ل من الموهوبين في
التحريض وحسب ،بل من الموهوبين كذلك في التنظيم وفي الدعاية ومن "المشتغلين في
الميدان العملي" ،بمعنى الكلمة الحسن )القلئل جدا عندنا بين مثقفينا الذين هم في
معظمهم على تشيء من الرخاوة والجمويد الروسيين( .وعندما تصبح لدينا فصائل من الثوريين
العمال المعدين إعدايدا خاصا والذين اجتازوا مدرسة نضال طويل )والختصاصيين طبعا في
"جميع السلحة"( عندئذ ل يمكن لية تشرطة سياسية في العالم أن تتغلب على هذه الفصائل،
لن هذه الفصائل المؤلفة من أناس مخلصين للثورة منتهى الخلص ستتمتع أيضا بثقة ل حد
لها بين أوسع جماهير العمال .وخطأنا الكيد هو كوننا قلما "ندفع" العمال إلى هذه الطريق
المشتركة بينهم وبين "المثقفين" ،طريق التدريب الثوري المهني ،ونكثر من جرهم إلى
الوراء بخطاباتنا البليدة عما هو "في متناول" جماهير العمال و"العمال المتوسطين" ،الخ..
إن ضيق نطاق العمل التنظيمي هو من هذه الناحية ،كما في النواحي الخرى ،على صلة ل
تنفصم عراها ول تشك فيها بتضييق نظريتنا ومهامنا السياسية )وإن كانت الغلبية الساحقة
من "القتصايديين" والمشتغلين في الميدان العملي المبتدئين ل يعون هذه الصلة( .فتقديس
العفوية يبعث فينا الخوف من أن نحيد ولو خطوة عما هو "في متناول" الجمهور ،الخوف من
أن نرتفع جدا عن مجريد إرضاء حاجاته الحالية المباتشرة .ل تخافوا ،أيها السايدة! تذكروا أن
مستوانا التنظيمي على يدرجة من النحطاط بحيث أن من السخف مجريد التفكير بأننا نستطيع
الرتفاع أكثر من اللزم!
وهذا بالذات ما يخافه منتهى الخوف أناس كثيرون جدا بيننا ،مرهفو السمع "لصوت الحياة"
إلى حد هذا الخوف ،وهم يتهمون الذين يتمسكون بالنظرات المعروضة هنا بالسير على خطى
"نارويدنايا فوليا" وبعدم فهم "الروح الديموقراطية" ،الخ ..وينبغي لنا أن نقف عند هذه
التهامات التي كانت "رابوتشييه يديلو" طبعا من مريديديها .إن كاتب هذه السطر يعلم حق
العلم أن "القتصايديين" في بطرسبورغ قد اتهموا "رابوتشايا غازيتا" كذلك بالسير على
خطى "نارويدنايا فوليا" )وهو أمر ل يستغرب إذا ما قورنت بـ"رابوتشايا ميسل"( .ولذلك لم
نستغرب أبدا عندما بلغنا أحد الرفاق فور صدور "اليسكرا" أن التشتراكيين-الديموقراطيين
56
في مدينة معينة يصفون "اليسكرا" بأنها جريدة جماعة "نارويدنايا فوليا" .وغني عن القول
أننا لم نر في هذا التهام غير نوع من المديح؛ فهل وجد اتشتراكي-يديموقراطي جدير بهذا
السم لم يتهمه "القتصايديون" بالسير على خطى "نارويدنايا فوليا"؟ إن هذه التهامات ناتشئة
عن سوء تفاهم مزيدوج .الول أن تاريخ الحركة الثورية مجهول عندنا لدرجة تنسب معها إلى
جماعة "نارويدنايا فوليا" كل فكرة عن منظمة كفاح متمركزة تعلن الحرب بحزم على
القيصرية .ولكن تلك المنظمة الرائعة التي كانت لدى الثوريين في العقد الثامن والتي ينبغي
لها أن تكون نموذجا نحتذيه جميعا ،لم تؤسسها جماعة "نارويدنايا فوليا" ،بل أسستها جماعة
"زيمليا إي فوليا") (92التي انشقت فيما بعد إلى جماعة "نشيورني بيريديل" و جماعة
"نارويدنايا فوليا" .فمن الحماقة إذن من وجهتي النظر التاريخية والمنطقية أن نرى في
منظمة الكفاح الثورية سمة من السمات التي اختصت بها جماعة "نارويدنايا فوليا" ،لن كل
اتجاه ثوري ،تشرط أن يستهدف فعل القيام بنضال جدي ،ل يمكنه أن يستغني عن مثل هذه
المنظمة .فجماعة "نارويدنايا فوليا" لم تخطئ إذ يدأبت على أن تجذب إلى منظمتها جميع
الساخطين وعلى أن توجه هذه المنظمة إلى النضال الحازم ضد الحكم المطلق ،بل إنما كان
ذلك ،بالعكس ،مأثرتها التاريخية العظمى .لقد كان خطأ هذه الجماعة أنها استندت إلى نظرية
ليست في الجوهر بثورية أصل ،وأنها لم تعرف أو لم تستطع ربط حركتها ربطا وثيقا بالنضال
الطبقي يداخل المجتمع الرأسمالي المتطور .إن الرأي القائل بأن نشوء حركة العمال
الجماهيرية العفوية يخلصنا من واجب تأسيس منظمة ثوريين جيدة كالمنظمة التي أسستها
جماعة "زيمليا إي فوليا" ،بل تفضلها جدا ،ل يمكن أن ينبثق إل على أساس عدم فهم
للماركسية فظ إلى أبعد حدويد الفظاظة )أو على أساس "فهمـ"ـها على نمط "الستروفية"(.
بالعكس ،إن هذه الحركة تفرض علينا بالذات هذا الواجب ،لن نضال البروليتاريا العفوي ل
يصبح "نضال طبقيا" حقا للبروليتاريا إل عندما توجهه منظمة ثوريين قوية .الثاني أن هناك
كثيرين ،ومنهم ب .كريتشيفسكي على ما يبدو )"رابوتشييه يديلو" ،العديد ،10ص ،(18ل
يفهمون على الوجه الصحيح ذلك الجدال الذي خاضه التشتراكيون-الديموقراطيون على
الدوام ضد المفهوم "التآمري" للنضال السياسي .لقد وقفنا وسنقف على الدوام طبعا في
وجه حصر النضال السياسي في نطاق التآمر• ،ولكن ذلك لم يعلن على الطلق أننا ننكر
ضرورة وجويد منظمة ثورية قوية .ففي الكراس المشار إليه في الملحظة ،مثل ،قد أعطينا،
إلى جانب الجدال ضد الهبوط بالنضال السياسي إلى مستوى التآمر ،خطوطا عامة لمنظمة
)معروضة كأنها المثل العلى التشتراكي-الديموقراطي( بالغة من القوة حدا تستطيع معه أن
"تلجأ ،من أجل توجيه الضربة القاضية للحكم المطلق" ،إلى "النتفاض" وإلى كل "طريقة
أخرى من طرق .ومن حيث الشكل يمكن وصف مثل هذه المنظمة الثورية القوية في بليد
يسويدها الهجوم" الحكم المطلق بأنها منظمة "تآمرية" ،لن كلمة " "conspirationالفرنسية
تعايدل الكلمة الروسية "زاغوفور" )"التآمر"( ،والتآمرية ضرورية لمثل هذه المنظمة إلى
أقصى حد .إن التآمرية تشرط ضروري جدا لهذه المنظمة بحيث ينبغي لجميع الشروط الخرى
)كعديد العضاء ،وطريقة اختيارهم ،ووظائفهم ،الخ (.أن تتلءم معه .ولذا ،من السذاجة كل
السذاجة أن نخاف نحن التشتراكيين-الديموقراطيين من أن نتهم بأننا نريد إنشاء منظمة
تآمرية .فمثل هذا التهام هو إطراء لكل عدو "للقتصايدية" كالتهام بالسير على خطى جماعة
"نارويدنايا فوليا" .يعترض علينا :إن منظمة قوية وسرية جدا تجمع في يديها جميع خيوط
النشاط السري وتقوم بالضرورة على المركزية يمكن لها أن تندفع بسهولة فائقة إلى
الهجوم قبل الوان ،يمكن لها أن توتر الحركة بطيش قبل أن يبلغ السخط السياسي
والفوران والنقمة في الطبقة العاملة الخ ،.حدا يجعل ذلك أمرا ممكنا وضروريا .ونحن نجيب
على ذلك قائلين :إذا تكلمنا بصورة مجريدة فل يصح طبعا أن ننكر أنه من المحتمل أن تشن
المنظمة الكفاحية يدونما تبصر معركة يحتمل أن تنتهي إلى هزيمة ليست محتمة أبدا في
ظروف أخرى .ولكن القتصار على العتبارات المجريدة في مثل هذه المسألة أمر مستحيل ،إذ
أن كل معركة تنطوي من الناحية المجريدة على احتمال الهزيمة ،وليس هناك وسيلة لتقليل
هذا الحتمال غير الستعدايد للمعركة بصورة منظمة .أما إذا طرحنا المسألة على الصعيد
الملموس ،على صعيد الظروف الروسية الراهنة ،فل بد من أن نخلص إلى استنتاج إيجابي،
وهو أن المنظمة الثورية القوية أمر ضروري تماما ،وذلك بالضبط لعطاء الحركة طابع الثبات
ولوقايتها من احتمال الهجمات الطائشة .فاليوم على وجه الدقة ،إذ تنقصنا هذه المنظمة وإذ
57
تنمو الحركة الثورية بصورة عفوية وسريعة ،نلحظ منذ الن قطبين متضايدين )"يلتقيان" كما
ينبغي لهما( :فمن ناحية" ،إقتصايدية" واهية تماما ،وتبشير بالعتدال؛ ومن ناحية أخرى،
"إرهاب تهييجي" يضاهي الولى في الوهي ،ويسعى إلى أن "يثير بصورة مصطنعة أعراض
النتهاء في حركة آخذة في النمو والتعزز ولكنها ما تزال أقرب إلى نقطة البداية منها إلى
نقطة النهاية" )ف .زاسوليتش" ،زاريا" ،العديد ،3-2ص .(353ويتبين من مثال "رابوتشييه
يديلو" أن هنالك في الواقع اتشتراكيين-يديموقراطيين يلقون السلح أمام كل القطبين .وهذه
الظاهرة ل تستدعي أي استغراب لسباب عديدة ،منها أن "النضال القتصايدي ضد أصحاب
العمال والحكومة" ل يمكن أبدا أن يرضي الثوري ،ولن القطاب المتضايدة ستنبثق على
الدوام تارة هنا وتارة هناك .إن منظمة كفاحية متمركزة تنتهج السياسة التشتراكية-
الديموقراطية يدون عوج ،وترضي ،إن أمكن القول ،جميع الغرائز والمطامح الثورية هي
وحدها القايدرة على حفظ الحركة من الهجمات الطائشة وعلى تحضير هجوم يبعث على المل
بالنجاح .ويعترض علينا أيضا أن وجهة النظر المعروضة بصديد المنظمة تتناقض و"المبدأ
الديموقراطي" .إن هذا التهام ذو طابع أجنبي بحت بمقدار ما يستمد التهام السابق جذوره
من الخصائص الروسية الصرف .وما كان يمكن إل لمنظمة تقيم في الخارج )"إتحايد
التشتراكيين-الديموقراطيين الروس"( أن توجه ،من جملة ما وجهت إلى هيئة تحريرها،
التعليمات التالية" :المبدأ التنظيمي .لجل تطوير وتوحيد التشتراكية-الديموقراطية بنجاح
ينبغي التشديد على المبدأ الديموقراطي الواسع في تنظيمها الحزبي وتطوير هذا المبدأ
والنضال في سبيله ،وهو أمر ضروري جدا نظرا لظهور ميول معايدية للديموقراطية في
صفوف حزبنا" )"مؤتمران" ،ص .(18كيف تناضل على وجه الدقة "رابوتشييه يديلو" ضد
"الميول المعايدية للديموقراطية" التي تظهرها "اليسكرا"؟ سنبين ذلك في الفصل التالي.
أما الن فلندرس عن كثب هذا "المبدأ" الذي يعرضه "القتصايديون" .نحسب أن الجميع
يوافقون على أن مفهوم "المبدأ الديموقراطي الواسع" ينطوي على الشرطين الضروريين
التاليين :أول ،العلنية التامة ،ثانيا ،النتخاب إلى جميع الوظائف .فمن المضحك الحديث عن
الديموقراطية بدون علنية تكون غير منحصرة في أعضاء المنظمة .نحن نصف الحزب
التشتراكي اللماني بأنه منظمة يديموقراطية ،لن جميع أعماله تجري علنا بما في ذلك
جلسات مؤتمر الحزب؛ ولكن ليس في وسع أحد أن يصف بالديموقراطية منظمة يسترها
غطاء السرية عن جميع الذين ليسوا من أعضائها .إننا نسأل :وأي معنى لوضع "المبدأ
الديموقراطي الواسع" إذا كان تشرطه الساسي غير ممكن التحقيق بالنسبة لمنظمة سرية؟
هذا "المبدأ الواسع" ليس أكثر من عبارة رنانة ،ولكنها فارغة .وفوق ذلك ،إن هذه العبارة تدل
على جهل تام بمهام الساعة في ميدان التنظيم .فالجميع يعلمون مبلغ عدم مراعاة جمهور
الثوريين "الواسع" عندنا لقواعد العمل السري .وقد رأينا بأي مرارة يشكو من ذلك بـ -ف
الذي يطالب بملء الحق بـ"اختيار العضاء اختيارا يدقيقا" )"رابوتشييه يديلو" ،العديد ،6ص .(42
وها نحن نرى أناسا يتبجحون بـ"تحسسهم بالحياة" يؤكدون في مثل هذه الوضاع ،ل ضرورة
المراعاة الدقيقة لقواعد العمل السري والختيار الدقيق )وبالتالي ،الضيق( للعضاء ،بل
"المبدأ الديموقراطي الواسع"! وهذا ما يسمى بالسخافة المطبقة! وليست الحالة أفضل
فيما يتعلق بالسمة الثانية من سمتي الديموقراطية ،بمبدأ النتخاب .إن هذا الشرط يعتبر
أمرا بديهيا في بلدان الحرية السياسية .فالفقرة الولى من النظام الداخلي للحزب
التشتراكي-الديموقراطي اللماني تنص على ما يلي" :يعتبر عضوا في الحزب كل من يعترف
بمبايدئ برنامج الحزب ويؤيد الحزب ويؤيد الحزب قدر الطاقة" .ولما كان الميدان السياسي
كله مكشوفا أمام الجميع كالمسرح أمام النظارة ،فإن الجميع يعرفون من الصحف
والجتماعات العامة ما إذا كان هذا الشخص أو ذاك يعترف أو ل يعترف ،يؤيد أو يعارض .ويعلم
الجميع أن هذا السياسي أو ذاك قد بدأ على هذا النحو أو ذاك ،وأنه سلك هذا التجاه أو ذاك
وأنه وقف في الساعات الحرجة هذا الموقف أو ذاك وأنه يمتاز على وجه العموم بهذه
الصفات أو تلك ،ولذلك يستطيع جميع أعضاء الحزب ،لعلمهم بحقائق المور ،أن ينتخبوا هذا
الرجل أو أن ل ينتخبوه لهذه الوظيفة الحزبية أو تلك .إن المراقبة العامة )بمعنى الكلمة
الحرفي( على كل خطوة يخطوها رجل الحزب في حياته السياسية تخلق آلية تعمل بصورة
أوتوماتيكية وتضمن ما يسمونه في علم الحياة بـ"بقاء الصلح" .وبفضل هذا "النتخاب
الطبيعي" الناتشئ عن العلنية التامة ،وبفضل المبدأ النتخابي والرقابة العامة ،يصبح كل عضو
58
من العضاء في نهاية المر "في المكان الذي خلق له" ويقوم بالعمل الذي يتناسب أحسن
التناسب مع قواه وكفاءاته ويتحمل بنفسه جميع تبعات أخطائه ويظهر أمام الجميع قدرته
على فهم أخطائه وتجنبها .جربوا إذن إيدخال هذه اللوحة في إطار الحكم المطلق السائد في
بليدنا! هل من المعقول في ظروفنا أن يقوم جميع "الذين يعترفون بمبايدئ برنامج الحزب
ويؤيدون الحزب قدر الطاقة" بمراقبة كل خطوة يخطوها الثوري السري؟ هل من المعقول
أن يختار جميع هؤلء أحدا من بين الثوريين السريين ،إذا كانت مصلحة العمل تلزم الثوري بأن
يخفي
هويته عن تسعة أعشار هؤلء "الجميع"؟ اعملوا الفكر ولو بعض الشيء في حقيقة معنى
الكلمات الطنانة التي ألقتها "رابوتشييه يديلو" ،يتضح لكم أن "الديموقراطية الواسعة" في
منظمة حزبية تعيش في يدياجير الحكم المطلق وفي ظل سيطرة نظام الختيار الذي يمارسه
الدرك ليست غير لغو فارغ وضار .إنها لغو فارغ ،لن الديموقراطية الواسعة لم تمارس قط
ول يمكن أن تمارس من قبل أية منظمة ثورية ،مهما بلغت رغبة هذه المنظمة في ذلك .وهي
لغو ضار ،لن محاولة تطبيق "المبدأ الديموقراطي الواسع" لن تكون نتيجتها غير مساعدة
الشرطة في تنظيم العتقالت الواسعة وغير تخليد الطريقة الحرفية المسيطرة وتحويل
أنظار القائمين بالنشاط العملي عن المهمة الخطيرة التي تواجههم بإلحاح ،مهمة تنمية
صفات الثوري المحترف في أنفسهم ،إلى تدبيج أنظمة مفصلة "على الورق" عن الطرق
النتخابية .إن هذا "اللعب بالديموقراطية" لم يكن من الممكن أن يتطور هنا وهناك وخصوصا
لدى الفرق الصغيرة ،إل في الخارج حيث ل يندر أن يجتمع أناس ممن ل يجدون إمكانية القيام
بعمل حقيقي وحي .ولكيما يتبين للقارئ مبلغ البشاعة في الوسيلة المفضلة التي تعمد إليها
"رابوتشييه يديلو" إذ تنايدي بـ"مبدأ" جميل المظهر كمبدأ الديموقراطية في العمل الثوري،
نلجأ مرة أخرى إلى تشهايدة تشاهد .وهذا الشاهد هو ي .سيريبرياكوف ،المحرر في المجلة
اللندنية "ناكانونيه" ،وهو من المغرمين بـ"رابوتشييه يديلو" والحاقدين على بليخانوف
و"البليخانوفيين"؛ فمجلة "ناكانونيه" في المقالت التي تناولت فيها انقسام "إتحايد
التشتراكيين-الديموقراطيين الروس" في الخارج ،قد وقفت بحزم إلى جانب "رابوتشييه
يديلو" وصبت على بليخانوف وابل من الكلمات الحقيرة .وهذا يجعل لهذه الشهايدة في هذه
المسألة قيمة أكبر في نظرنا .ففي مقال نشرته "ناكانونيه" في العديد ) 7تموز -يوليو -سنة
(1899عنوانه" :بصديد نداء جماعة تحرير العمال الذاتي" قال ي .سيريبرياكوف أن من "غير
اللئق" إثارة مسائل "الغرور والرئاسة وما يسمى بمجمع الحكماء العلى في حركة ثورية
جدية" وكتب فيما كتب" :إن ميشكين وروغاتشوف وجيليابوف وميخايلوف وبيروفسكايا
وفيغنر وغيرهم لم يعتبروا أنفسهم من الزعماء قط ،ولم ينتخبهم أو يعينهم أحد ،ومع ذلك
كانوا زعماء في الحقيقة ،لنهم في مرحلة الدعاية كما في مرحلة النضال ضد الحكومة قد
حملوا على عاتقهم العبء الكبر من أعباء العمل وتوجهوا إلى أتشد الماكن خطرا ،ولن
نشاطهم قد أعطىأحسن الثمرات .فزعامتهملم تكن نتيجة رغبتهم،بل كانت نتيجة الثقة
بعقولهم وهمتهم وإخلصهم ،الثقة التي أولهم إياها الرفاق المحيطون بهم .وعلى ذلك
فالخوف إذن من مجمع حكماء )لو لم يكن الخوف موجويدا فما الداعي للكتابة عنه( ينفريد في
إيدارة الحركة هو السذاجة عينها .فمن ذا الذي يطيعه؟" ونحن نسأل القارئ :ما الفرق بين
"مجمع الحكماء" و"الميول المعايدية للديموقراطية"؟ أفليس من الواضح أن مبدأ "رابوتشييه
يديلو" التنظيمي "الجميل المظهر" هو أيضا ساذج وغير لئق ،ساذج لنه لن يوجد أحد يطيع
"مجمع الحكماء" أو الناس ذوي "الميول المعايدية للديموقراطية" إذا لم توجد "الثقة بعقولهم
وهمتهم وإخلصهم من جانب الرفاق المحيطين بهم" .وهو غير لئق ،لنه نزوة يديماغوجية
تستغل غرور البعض وجهل البعض الثاني لحقيقة وضع حركتنا وعدم استعدايد البعض الثالث
أيضا وجهله لتاريخ الحركة الثورية .إن المبدأ التنظيمي الجدي الوحيد ينبغي أن يكون بالنسبة
للعاملين في حركتنا :المراعاة الدقيقة لقواعد العمل السري والختيار الدقيق للعضاء
وإعدايد الثوريين المحترفين .فإذا ما وجدت هذه الصفات حصلنا على تشيء أكثر من
"الديموقراطية" ،حصلنا بالضبط على الثقة الرفاقية التامة بين الثوريين .وهذا الشيء الكثر
هو أمر ل نستطيع أبدا الستغناء عنه ،لن الستعاضة عنه بالرقابة الديموقراطية العامة أمر ل
يمكن أن يطرح على بساط البحث عندنا في روسيا بأي وجه من الوجوه .ونخطئ أكبر الخطأ
59
إذا تصورنا أن استحالة تطبيق رقابة "يديموقراطية" حقا تجعل أعضاء المنظمة الثورية غير
خاضعين للرقابة؛ فليس لديهم من الوقت ما يسمح لهم بالتفكير في التشكال الديموقراطية
الصبيانية )يديموقراطية يداخل نواة متراصة من رفاق يثق أحدهم بالخر كل الثقة( ،ولكنهم
يشعرون بمسؤوليتهم أعمق الشعور ويعلمون في الوقت نفسه من تجربتهم أن منظمة
الثوريين الحقيقيين ل تحجم عن وسيلة للخلص من عضو فاسد .ولدينا فوق ذلك في الوسط
الثوري الروسي )والعالمي( رأي عام متطور بشكل كاف ومتأصل الجذور في أعماق الماضي
يعاقب أتشد العقاب على كل خروج عن واجبات الرفاقية )و"الديموقراطية" ،الديموقراطية
الحقيقية ل الصبيانية ،تدخل كجزء من كل في مفهوم الرفاقية!( .خذوا كل ذلك بعين
العتبار ،تدركوا مبلغ ما يفوح من هذه الخطابات والقرارات بصديد "الميول المعايدية
للديموقراطية" من نتن اللعب في الخارج بلعبة الجنرالت! وخليق بنا أن نشير إلى أن
السذاجة -وهي الينبوع الخر لهذه الخطابات -تتغذى من عدم وجويد فكرة واضحة عن
الديموقراطية أيضا .فكتاب الزوجين ويب عن التريديونيونات النكليزية يتضمن فصل طريفا
يسترعي النتباه" :الديموقراطية البدائية" .يقول المؤلفان في هذا الفصل أن العمال
النكليز ،في المرحلة الولى لوجويد نقاباتهم كانوا يعتبرون أن اتشتراك جميع العضاء في
جميع أعمال إيدارة النقابات سمة ضرورية من سمات الديموقراطية .فقد كانت جميع القضايا
تقرر بتصويت عام يشترك فيه جميع العضاء؛ وفضل عن ذلك كانت الوظائف نفسها تمارس
من قبل جميع العضاء بالتناوب .وقد تطلب المر تجربة تاريخية طويلة لكيما يدرك العمال
خراقة هذا المفهوم عن الديموقراطية وضرورة المؤسسات التمثيلية من جهة ووجويد
موظفين محترفين من الجهة الخرى .وقد تطلب المر إفلس صنايديق النقابات عدة مرات
لكيما يفهم العمال أن مسألة النسبة بين ما يدفعونه من اتشتراكات وبين ما يتلقونه من
مساعدات ل يمكن أن تحل بالتصويت الديموقراطي وحده ،وأنها تتطلب كذلك رأي اختصاصي
في تشؤون الضمان .خذوا بعد ذلك كتاب كاوتسكي عن البرلمانية والتشريع الشعبي ،تروا أن
استنتاجات النظري الماركسي تطابق الدرس الذي تعلمه ،من التجربة الطويلة ،العمال الذين
اتحدوا بصورة "عفوية" .فكاوتسكي يقف بحزم ضد فهم ريتينغهاوزن البدائي للديموقراطية
ويسخر من أناس يطلبون باسم هذه الديموقراطية أن "يحرر الشعب مباتشرة الجرائد
الشعبية" ويبرهن ضرورة الصحفيين والبرلمانيين المحترفين ،الخ ،.لقيايدة نضال البروليتاريا
الطبقي قيايدة اتشتراكية-يديموقراطية ،ويهاجم "اتشتراكية الفوضويين واليدباء" الذين ينايدون،
"سعيا وراء لفت النظر" ،بالتشريع الشعبي المباتشر ول يفهمون أن إمكانية تطبيقه في
المجتمع الراهن نسبية جدا .إن الذين ساهموا في النضال العملي في حركتنا يعرفون مبلغ
انتشار مفهوم الديموقراطية "البدائي" بين جماهير الطلب والعمال .فل غرو أن يتسرب هذا
المفهوم إلى النظمة الداخلية وإلى المطبوعات" .فالقتصايديون" ذوو الميول البرنشتينية قد
كتبوا في نظامهم الداخلي" :الفقرة .10جميع القضايا التي تخص المنظمة بمجموعها تقرر
بأكثرية أصوات جميع أعضائها" .ويريديد بعدهم "القتصايديون" ذوو المفاهيم الرهابية" :من
الضروري أن تمر قرارات اللجان بجميع الحلقات وحين ذاك فقط تصبح تشرعية" )"سفوبويدا"،
العديد ،1ص .(67لحظوا أن طلب التطبيق الواسع للستفتاء يقدم إضافة إلى المطالبة ببناء
المنظمة كلها على المبدأ النتخابي! ل يخطر لنا ببال طبعا أن نلوم على ذلك المشتغلين في
الحقل العملي الذين لم تتح لهم فرص كثيرة للطلع على نظرية وعمل المنظمات
دعي بدور القيايدة ،تكتفي الديموقراطية الحقيقية .ولكن عندما نرى "رابوتشييه يديلو" التي ت ّ
في مثل هذه الظروف بقرار عن المبدأ الديموقراطي الواسع ،هل نملك أنفسنا عن وصف
ذلك بأنه مجريد "سعي وراء لفت النظر"؟
إذا كانت العتراضات الموجهة إلى المشروع التنظيمي المعروض هنا والتي تدعي بأنه غير
يديموقراطي وذو طابع تآمري ،ل تقوم على أساس ،فهنالك مسألة أخرى كثيرا ما تثار ويجدر
بنا أن نتناولها بالتفصيل .وهي مسألة التناسب بين العمل في النطاق المحلي والعمل في
النطاق الروسي العام .يتساءلون بقلق :أل يؤيدي تشكيل منظمة متمركزة إلى انتقال مركز
الثقل من الول إلى الثاني؟ أل يضر ذلك بالحركة إذ يضعف متانة صلتنا بجمهور العمال
60
ويضعضع استقرار التحريض المحلي بوجه عام؟ ونحن نجيب على ذلك بقولنا :إن حركتنا في
السنوات الخيرة تشكو على وجه الدقة من كون العاملين في النطاق المحلي يفرطون في
النهماك بالعمل المحلي ،وإن من الضروري نظرا لذلك نقل مركز الثقل بعض الشيء إلى
العمل في النطاق الروسي العام ،وإن هذا النقل ل يضعف ،بل يعزز متانة صلتنا واستقرار
تحريضنا المحلي .فلنأخذ مسألة الجريدة المركزية والجرائد المحلية ،ونطلب إلى القارئ أن ل
ينسى أن مسألة الجرائد ليست في نظرنا أكثر من مثل يعطي صورة عن العمل الثوري
الواسع جدا والمتنوع جدا بوجه عام .عندما كانت الحركة الجماهيرية في عهدها الول )سنوات
(1898-1896قام العاملون في النطاق المحلي بمحاولة لصدار جريدة لعامة روسيا -
"رابوتشايا غازيتا"؛ وفي المرحلة الثانية )سنوات (1900-1898خطت الحركة خطوة كبرى
إلى المام ،ولكن الجرائد المحلية استنفدت انتباه القايدة بالجمال إصدار عديد الكامل .وإذا
أحصينا جميع هذه الجرائد المحلية يكون الحاصل واحد في كل تشهر .أليس هذا صورة واضحة
عن طريقتنا الحرفية؟ أل يظهر ذلك بكل وضوح تأخر منظمتنا الثورية عن نهوض الحركة
العفوي؟ وإذا ما صدر العديد نفسه من الجرائد ل عن جماعات محلية مبعثرة ،بل عن منظمة
واحدة ،فإننا ل نوفر الكثير من الجهويد وحسب ،بل نضمن أيضا لعملنا وضعا من الثبات
والستمرارية أفضل جدا .وهذا المر البسيط كثيرا جدا ما يغيب سواء عن نظر العاملين الذين
يبذلون جهويدهم بنشاط على الجرائد المحلية وحدها تقريبا )وبكل أسف ل يزال الوضع كما
هو حتى اليوم في معظم الحالت( أم عن نظر الكتاب الصحفيين الذين يظهرون في هذا
المر "يدونكيشوتية" مدهشة .إن المساهم في الميدان العملي يكتفي عايدة بالفكرة القائلة
بأن إصدار جريدة لعامة روسيا "أمر صعب"•على العاملين المحليين وبأن إصدار الجرائد
المحلية خير من عدم إصدار أية جريدة .والملحظة الخيرة صحيحة طبعا .ول يوجد أي مساهم
في الميدان العملي يمكن أن يسبقنا إلى العتراف بأن الجرائد المحلية هي ،بوجه عام ،ذات
أهمية قصوى وفائدة قصوى .ولكن الحديث ل يتناول هذه الناحية ،بل ناحية أخرى هي :أل
نستطيع الخلص من هذا التبعثر وهذا العمل الحرفي اللذين تجليا أوضح ما تجليا في ثلثين
عديدا من الجرائد المحلية صدرت في جميع أنحاء روسيا في غضون سنتين ونصف .ل ينبغي
لكم أن تكتفوا بالعتراف بفائدة الجرائد المحلية بوجه عام ،وهو أمر ل جدال فيه ،ولكنه عام
جدا ،بل ينبغي لكم أن تجدوا كذلك في أنفسكم الشجاعة على العتراف صراحة بما أظهرته
تجربة السنتين والنصف من نواحيها السلبية .فقد أظهرت هذه التجربة أن الجرائد المحلية
في ظروفنا الراهنة تكشف في أكثر الحالت عن عدم استقرار مبدئي ،وأنها غير ذات أهمية
من وجهة النظر السياسية وأن تكاليفها كبيرة جدا من وجهة نظر إنفاق القوى الثورية وأنها
غير مرضية قطعا من وجهة النظر التكنيكية )ل أقصد طبعا تكنيك الطبع ،بل أقصد تواتر
وانتظام صدورها( .وجميع هذه النواقص المذكورة ليست عرضية ،بل هي نتيجة محتومة لذلك
التبعثر الذي يفسر ،من جهة ،تفوق الجرائد المحلية في المرحلة التي نبحثها ،ويثبت أقدامه
من جهة أخرى من جراء هذا التفوق .وفي الحقيقة ليس بمستطاع أية منظمة محلية أن
تضمن لجريدتها الثبات المبدئي وأن ترفعها إلى مستوى الجريدة السياسية ،ليس بمستطاع
أية منظمة محلية أن تجمع الموايد الكافية وأن تستفيد منها للقاء الضوء على حياتنا السياسية
كلها .أما تلك الحجة التي يدعمون بها في المعتايد ضرورة الكثار من الجرائد المحلية في
البلدان الحرة -حجة قلة التكاليف بسبب أن عمال المنطقة هم الذين يطبعونها ،وتقديمها
للسكان المحليين أنباء أوفى وبسرعة أكبر ،هذه الحجة تنقلب عندنا ،كما تدل التجربة ،ضد
الجرائد المحلية .فهي غالية جدا من حيث إنفاق القوى الثورية ،وهي تصدر بين فترات
متباعدة جدا ،ومنشأ ذلك أنه ل بد للجريدة السرية ،مهما كانت صغيرة ،من جهاز سري كبير
يتطلب صناعة المعامل الضخمة ،لنه ل يمكن إنشاء هذا الجهاز في ورتشة حرفية .فالطابع
البدائي في الجهاز السري يؤيدي إلى أن الشرطة )وكل من مارس النشاط العملي يعرف
العديد من مثل هذه المثلة( كثيرا جدا ما تستغل صدور وتوزيع عديد أو عديدين للقيام
باعتقالت واسعة ل تبقي ول تذر ،فيتأتى البدء من جديد .إن الجهاز السري الجيد يتطلب من
الثوريين إعدايدا مهنيا طيبا ويتطلب تقسيما للعمل ينفذ بمنتهى الدقة ،وليس في طاقة أية
منظمة محلية مهما كانت قوية في هذا الظرف أن تضمن تحقيق هذين الشرطين .وحتى إذا
ضربنا صفحا عن مصالح حركتنا بمجموعها )تربية العمال تربية اتشتراكية وسياسية ومبدئية(
نرى الجرائد غير المحلية تخدم المصالح المحلية الصرف أيضا بصورة أفضل؛ ول يبدو ذلك
61
مستغربا إل لول وهلة ،فتجربة السنتين والنصف التي تحدثنا عنها تعطي في الحقيقة على
ذلك البرهان القاطع .واضح للجميع أن جميع هذه القوى المحلية التي أصدرت ثلثين عديدا من
الجرائد كان يمكنها فيما لو عملت في جريدة واحدة أن تصدر ستين عديدا إذا لم نقل مئة،
وكان يمكنها تبعا لذلك أن تفصح بصورة أوفى عن جميع خصائص الحركة ذات الطابع المحلي
الصرف .وما من تشك في أن بلوغ هذه الدرجة من التنظيم أمر ليس بالسهل؛ ولكن ينبغي لنا
أن ندرك ضرورتها ،وينبغي لكل حلقة محلية أن تفكر فيها وتعمل على تحقيقها بنشاط يدون
أن تنتظر يدافعا من الخارج ،يدون أن تستسلم لغراء سهولة الجريدة المحلية وكونها قريبة
المنال ،هذا القرب الذي يظهر ،كما تبرهن تجربتنا الثورية ،وهميا لحد كبير .ويقدم للنشاط
العملي خدمة ريديئة أولئك الصحفيون الذين يعتبرون أنفسهم قريبين جدا من المشتغلين في
الحقل العملي والذين ل يرون ما في هذا المر من الوهم والذين يتنصلون باعتبارات رخيصة
جدا وفارغة جدا :نحن بحاجة إلى جرائد محلية ،نحن بحاجة إلى جرائد منطقية ،نحن بحاجة
إلى جرائد لعامة روسيا .واضح أن كل هذا ضروري بوجه عام ،ولكن من الضروري أيضا
التفكير في ظروف الزمان والمكان ،ما يدمنا نواجه مسألة تنظيمية ملموسة .أفليس من
الدونكيشوتية حقا أن يقول المرء كما فعلت "سفوبويدا" )العديد ،1ص (68عندما "تناولت
مسألة الجريدة" بوجه خاص :باعتقايدنا أنه ينبغي لكل محلة تضم عديدا كبيرا من العمال لحد ما
أن تنشئ جريدتها العمالية الخاصة ،جريدة ل تستوريدها من مكان ما ،بل خاصة بها بالضبط".
وإذا كان هذا الكاتب ل يريد أن يفكر بمعنى كلماته ،ففكر عنه على القل أنت ،أيها القارئ:
كم في روسيا من عشرات إن لم نقل من مئات "المحلت التي تضم عديدا كبيرا من العمال
لحد ما" ،وكم يخلد عملنا الحرفي إذا ما أخذت كل منظمة محلية تصدر في الواقع جريدتها
الخاصة! وكم يسهل ذلك على الدرك عندنا صيد العاملين المحليين ويدون جهد "كبير لحد ما" -
في بدء عملهم وقبل أن يتسنى لهم أن يربوا في أنفسهم صفات الثوريين الحقيقيين!
يستطريد الكاتب ويقول :في جريدة لعامة روسيا ل يتشوق القراء إلى قراءة وصف ألعيب
أصحاب المعامل و"توافه حياة المعامل في مدن أخرى ليست بمدنهم" في حين أن "ساكن
اوريول ل يمل قراءة أنباء ما يجري في اوريول .ففي كل مرة يعلم من "قّرعوه" ومن
"أّنبوه" فيشتغل ذهنه")ص .(69أجل ،أجل ،إن ذهن ساكن اوريول يشتغل ،ولكن أفكار كاتبنا
"تشتغل" جدا هي الخرى .أمن اللئق الدفاع عن هذه التفاهة؟ يحسن كاتبنا صنعا لو فكر في
ذلك .نحن نعترف بضرورة وأهمية التشهير بما يجري في يداخل المعامل من مساوئ خيرا مما
يعترف بذلك أي تشخص آخر ،ولكن ينبغي لنا أن نتذكر أننا بلغنا حدا سئم معه ساكن
بطرسبورغ قراءة رسائل بطرسبورغ في جريدة "رابوتشايا ميسل" الصايدرة في بطرسبورغ.
إننا ،للتشهير بالمساوئ في حياة المعامل ،كنا نلجأ على الدوام وينبغي أن نلجأ على الدوام
إلى المناتشير .أما نوع الجريدة فينبغي لنا أن نرفع مستواه ،ل أن نهبط به إلى مستوى
منشور عن حياة معمل .إننا لسنا بحاجة ،من أجل "الجريدة" ،إلى التشهير بـ"التوافه" بقدر ما
نحن بحاجة إلى التشهير بالنواقص الكبيرة ،النموذجية في حياة المعامل ،إلى تشهير يستند
إلى أمثلة بارزة جدا ويستطيع لهذا السبب أن يسترعي اهتمام جميع العمال ،وجميع قايدة
الحركة ،ويستطيع أن يزيد معلوماتهم فعل ،وأن يوسع ُأفقهم ،وأن يوقظ منطقة جديدة،
وفئة مهنية جديدة من العمال" .وبعد ،ففي الجريدة المحلية يمكن تلقف جميع ألعيب إيدارة
المعمل أو السلطات الخرى على الفور ،قبل أن يبريد أثرها .أما الجريدة العامة فهي بعيدة،
يمر يدهر قبل أن يبلغها الخبر ،وقبل أن تصل يكون الحايدث قد نسي وتساءل القراء" :متى
حدث ذلك ،يا ترى؟ ليذكرنا الله!"" )نفس المصدر( .أجل ،ليذكرنا الله! فالعدايد الثلثون التي
صدرت خلل سنتين ونصف قد صدرت في ست مدن كما ينبئنا بذلك المصدر ذاته .ومعنى ذلك
أن كل مدينة قد أصدرت في المتوسط عديدا واحدا في كل ستة أتشهر! وإذا افترضنا أن كاتبنا
الطائش يضاعف مريدويد العمل المحلي إلى ثلثة أضعاف )وهو ما يكون خطأ أكيدا بالنسبة
لمدينة متوسطة ،لن زيايدة المريدويد زيايدة محسوسة في إطار العمل الحرفي أمر مستحيل(،
فالحاصل لن يكون أكثر من عديد واحد في كل تشهرين ،أي تشيئا ل يشبه بوجه من الوجوه
"التلقف قبل أن يبريد الثر" .هذا بينما يكفي أن تتحد عشر منظمات محلية وأن توفد مندوبيها
للعمل النشيط على تنظيم جريدة عامة ،حتى يصبح بإمكاننا أن "نتلقف" في روسيا من
أقصاها إلى أقصاها ل التوافه ،بل المساوئ الفاضحة حقا والنموذجية في كل أسبوعين مرة.
وكل من يعلم حقيقة الوضع في منظماتنا ل يشك في ذلك .أما القبض على العدو متلبسا
62
بالجريمة ،إذا فهمنا هذا التعبير فهما جديا ولم ننظر إليه من حيث أنه صيغة جميلة وحسب،
فهو أمر ل يسع الجريدة السرية حتى أن تفكر به ،إذ ل يمكن القيام بذلك إل بوسيلة المنشور
المدسوس خلسة ،لننا في معظم الحالت ل نجد تحت تصرفنا لمثل هذا القبض غير يوم أو
يومين على الكثر )مثل في حالت إضراب معتايد قصير ،أو تنكيل في معمل ،أو مظاهرة،
الخ .(.ويستطريد كاتبنا منتقل من الخاص إلى العام بمنطق صارم يشّرف بوريس
كريتشيفسكي نفسه" :ل يعيش العامل في المعمل وحسب ،ولكنه يعيش في المدينة أيضا".
ثم يشير إلى قضايا مجالس الدوما والمستشفيات والمدارس في المدن مطالبا بأن ل تغفل
الجريدة العمالية قضايا المدن بوجه عام .وهذا مطلب طيب بحد ذاته ،ولكنه يظهر بكل جلء
مبلغ التجريد الفارغ الذي كثيرا جدا ما يكتفون به عندما يتناولون الجرائد المحلية بالبحث.
فأول ،إذا ما ظهرت الجرائد فعل "في كل محلة تضم عديدا كبيرا من العمال لحد ما" ،وإذا ما
حوت هذه الجرائد بابا عن حياة المدينة مفصل كما تريد "سفوبويدا" ،فإن ذلك سيفضي حتما
في ظروفنا الروسية إلى تفاهات حقيقية ،إلى إضعاف إيدراكنا لهمية الهجوم الثوري
الروسي العام على الحكم المطلق القيصري ،إلى تقوية نبتات التجاه الشديدة الحيوية -تلك
التي لم تجتث جذورها وإنما هي في أكبر الظن مستترة أو مكبوتة -هذا التجاه الذي اتشتهر
بالعبارة المشهورة عن الثوريين الذين يتكلمون كثيرا جدا عن البرلمان غير الموجويد وقليل
جدا عن مجالس الدوما الموجويدة في المدن ) .(94قلنا :حتما ،لننا أريدنا أن نشديد بذلك على
أن "سفوبويدا" ل تريد هذا المر بالتأكيد ،بل تريد العكس .ولكن النوايا الطيبة وحدها ل تكفي.
فلكيما نشرح تشؤون المدن من زاوية تتناسب مع عملنا بأكمله ،ينبغي في البدء أن توضع هذه
الزاوية بصورة تامة ،وأن تحديد بصورة ثابتة ل بمجريد المحاكمات العقلية ،بل بمجموعة من
المثلة أيضا؛ ينبغي أن تكتسب متانة التقاليد .وما زلنا بعيدين جدا عن ذلك ،في حين ينبغي
البدء به ،قبل أن يصبح في المكان الشروع بالتفكير أو بالكلم عن الصحافة المحلية الواسعة
وثانيا ،لكيما يحسن المرء حقا الكتابة عن تشؤون المدن بصورة تسترعي الهتمام ،ينبغي له
أن يعرف هذه الشؤون معرفة جيدة ،ل عن طريق الكتب وحدها .وليس في روسيا كلها
تقريبا ،اتشتراكيون-يديموقراطيون يعرفون هذه المور .فللكتابة عن تشؤون المدن والدولة في
الجريدة )ل في كراس تشعبي( يتطلب المر معلومات جديدة ،متنوعة ،يجمعها ويدرسها تشخص
خبير .ولجمع ويدراسة هذه المعلومات ل تكفي "الديموقراطية البدائية" في حلقة بدائية يقوم
فيها الجميع بكل تشيء ويتسلون فيها بلعبة الستفتاءات .إن هذا يتطلب هيئة أركان من كتاب
اختصاصيين ،مراسلين اختصاصيين ،جيشا من مراسلين اتشتراكيين-يديموقراطيين يعقدون
الصلت في كل ناحية ويحسنون التسلل إلى جميع "أسرار الدولة" على اختلفها )التي طالما
يتباهى بها الموظف الروسي والتي يفشيها بفائق السهولة( والتغلغل في جميع
"الكواليس" ،جيشا من أناس تلزمهم "وظائفهم" بأن يكونوا في كل مكان ويعرفوا كل تشيء.
ونحن ،حزب النضال ضد كل ظلم ،اقتصايدي وسياسي واجتماعي وقومي ،يمكننا ويجب علينا
أن نجد ونجمع ونعلم ونعبئ وندفع للقتال مثل هذا الجيش من الناس الذين يعلمون كل
تشيء .ولكن ينبغي لنا أن نقوم بذلك! هذا ول يقتصر المر على أننا لم نخط أي خطوة في
هذا التجاه في الكثرية الساحقة من المناطق ،ولكننا أيضا ل ندرك في معظم الحيان
ضرورة ذلك .فتشوا في صحافتنا التشتراكية-الديموقراطية عن مقالت ورسائل حية ،تشيقة،
رسائل تشهر بالخطير والتافه من أمورنا الديبلوماسية والعسكرية والدينية والبلدية والمالية
الخ ،.الخ ..لن تجدوا من ذلك غير النزر اليسير ،أو لن تجدوا ..ولذلك "أغتاظ جدا على الدوام
عندما يأتيني تشخص تقريبا أي تشيء على الطلق ويتحفني بما عنده من أتشياء جميلة رائعة"
عن ضرورة وجويد جريدة "في كل محلة تضم عديدا كبيرا من العمال لحد ما" تشهر بالمساوئ
ة! إن تفوق الجرائد المحلية على الجريدة المركزية في حياة المعامل وحياة المدن وحياة الدول !
إما أن يكون يدليل الفقر أو يدليل البذخ .فهو يدليل الفقر ،إذا كانت الحركة لم تعد بعد القوى
اللزمة للنتاج الضخم ،وإذا كانت ما تزال تتسكع في الحرفية ،وإذا كانت غارقة تقريبا في
"توافه حياة المعامل" .وهو يدليل البذخ ،إذا كانت الحركة قد حققت بصورة تامة مهمة
التشهير الشامل والتحريض الشامل ،بشكل تنشأ معه ضرورة وجويد عديد كبير من الجرائد
المحلية إلى جانب الجريدة المركزية .فليقرر إذن كل بنفسه على أي تشيء يدل تفوق الجرائد
المحلية عندنا الن .أما أنا فسأقتصر على تحري الدقة في صياغة استنتاجي ،يدفعا لسوء
الفهم .حتى الن تقصر معظم المنظمات المحلية عندنا تفكيرها كله تقريبا على الجرائد
63
المحلية وحدها وتقصر نشاطها كله تقريبا على هذه الجرائد .هذا أمر غير طبيعي .ويجب أن
يكون العكس :ينبغي أن يتجه تفكير معظم المنظمات المحلية أول ما يتجه إلى الجريدة
الروسية العامة وأن توجه نشاطها إليها قبل غيرها .وما لم يحدث ذلك ،سنظل عاجزين عن
تنظيم أية جريدة تستطيع ،ولو لحد ما ،أن تخدم الحركة حقا بتحريض تشامل في الصحف.
وعندما يحدث ذلك نرى العلقة الطبيعية بين الجريدة المركزية الضرورية والجرائد المحلية
الضرورية تقوم من تلقاء نفسها.
******************
قد يبدو لول وهلة أن الستنتاج بصديد ضرورة نقل مركز الثقل من العمل المحلي إلى العمل
في النطاق الروسي العام غير قابل للتطبيق فيما يتعلق بميدان النضال القتصايدي المحض،
لن أعداء العمال المباتشرين في هذه الحالة هم أصحاب العمال منفريدين أو جماعات منهم
غير مرتبطين بمنظمة تشبه ولو أقل الشبه منظمة عسكرية صرفا ،متمركزة جدا ،توجهها
حتى في أصغر المور إرايدة موحدة ،كمنظمة الحكومة الروسية ،عدونا المباتشر في النضال
السياسي .ولكن المر ليس كذلك .فالنضال القتصايدي -وقد أتشرنا إلى ذلك مرارا -هو نضال
مهني ،وهو لذلك يتطلب اتحايد العمال حسب المهن ،ل تبعا لماكن عملهم وحسب .وهذا
التحايد حسب المهن يصبح أمرا ل مناص منه بمقدار ما يسرع أصحاب العمال عندنا إلى
التحايد في مختلف أنواع الجمعيات والنقابات .وما تبعثرنا وطريقة عملنا الحرفي إل عائق
مباتشر في طريق هذا التحايد الذي يتطلب منظمة ثوريين واحدة لعامة روسيا ،قايدرة على
قيايدة نقابات العمال في النطاق الروسي العام .لقد تكلمنا عن طراز التنظيم المرغوب فيه
لهذا الغرض .ونكتفي الن بإضافة بضع كلمات فيما يتعلق بمسألة صحافتنا .ل يشك أحد على
ما نحسب بوجوب وجويد باب للنضال المهني )القتصايدي( في كل جريدة اتشتراكية-
يديموقراطية .ولكن نمو الحركة المهنية يحمل على التفكير بالصحافة المهنية أيضا .ويخيل
إلينا مع ذلك أن مسألة الصحافة المهنية ل يمكن حتى أن تطرح الن في روسيا إل في حالت
نايدرة جدا :فهي يدليل البذخ ،في حين ل نجد في معظم الحالت خبزنا كفاية يومنا .فشكل
الصحافة المهنية المناسب لظروف العمل السري والضروري اليوم ينبغي أن يكون عندنا
الكراريس المهنية .ينبغي أن تجمع فيها وتصنف بصورة منتظمة وغير العلنية عن ظروف
العمل في مهنة بعينها ،وعن اختلف هذه الظروف الموايد العلنية في تشتى مناطق روسيا،
وعن المطالب الرئيسية لعمال مهنة من المهن ،وعن نواقص القوانين التي تتعلق بهذه
المهنة ،وعن حالت نضال العمال القتصايدي الهامة التي تحدث في هذه المهنة أو تلك وعن
المور الجنينية ووضع منظمتهم المهنية الراهن ،وحاجات هذه المنظمة ،الخ ..أول ،إن هذه
الكراريس تحرر صحافتنا التشتراكية-الديموقراطية من كثرة من التفاصيل المهنية التي ل
تهم غير عمال مهنة بعينها .وثانيا ،تسجل هذه الكراريس نتائج خبرتنا في النضال المهني
وتحفظ الموايد المجموعة التي تضيع اليوم بالمعنى الحرفي للكلمة في العديد الكبير من
المناتشير ومن الرسائل غير المنتظمة ،وتلخص هذه الموايد .وثالثا ،يمكن أن تكون نوعا من
موجه للمحرضين ،لن ظروف العمل تتغير بصورة بطيئة نسبيا ولن المطالب الساسية
لعمال مهنة معينة ،ثابتة جدا )قارن مطالب عمال النسيج في منطقة موسكو في سنة )1885
(97وفي منطقة بطرسبورغ في سنة .(1896ومجموعة هذه المطالب والحاجات يمكن أن
تكون ،طيلة سنوات ،يدليل رائعا للتحريض القتصايدي في المناطق المتأخرة أو بين الفئات
المتأخرة من العمال .إن أمثلة الضرابات الناجحة في منطقة من المناطق والمعلومات عن
وجويد مستوى معيشة أعلى وظروف عمل أحسن في منطقة من المناطق تشجع العمال في
المناطق الخرى على مواصلة النضال .رابعا ،إن التشتراكية-الديموقراطية ،إذ تبايدر إلى
تلخيص النضال المهني وتوثق بهذا الشكل الصلة بين الحركة المهنية الروسية وبين
التشتراكية ،تعمل في الوقت نفسه على أن يشغل عملنا التريديونيوني حيزا غير صغير جدا
وغير كبير جدا من مجمل عملنا التشتراكي-الديموقراطي .والمحافظة على النسبة الصحيحة
في ذلك أمر صعب يكايد يكون مستحيل في بعض الحيان إذا كانت المنظمة المحلية منقطعة
عن المنظمات في المدن الخرى )ومثال "رابوتشايا ميسل" ُيظهر إلى أي يدرك فظيع من
الفراط في المسير في اتجاه التريديونيونية يمكن أن يؤيدي ذلك( .ولكن منظمة من الثوريين
64
لعامة روسيا ل تحيد أبدا عن وجهة نظر الماركسية الثابتة وتقويد النضال السياسي بأكمله
ولها هيئة أركان من المحرضين المحترفين ،لن تجد أية صعوبة في تحديد هذه النسبة
الصحيحة.
65