You are on page 1of 65

‫ما العمل؟‬

‫المسائل الملحّة لحركتنا‬

‫فليديمير لينين‬

‫"‪ ...‬إن النضال الحزبي يعطي الحزب القوة والحيوية؛ والدليل القاطع على ضعف الحزب هو‬
‫الميوعة وطمس الحدويد المرسومة بخطوط واضحة؛ إن الحزب يقوى بتطهير نفسه‪) ."...‬من‬
‫رسالة وجهها لسال إلى ماركس في ‪ 24‬حزيران )يونيو( سنة ‪(1852‬‬
‫‪-------------------------------‬‬

‫‪1‬‬
‫مقدمة‬

‫هذا الكراس الموضوع بين أيدي القارئ كان يرايد له‪ ،‬بموجب مخطط المؤلف الول‪ ،‬أن يتناول‬
‫بالتفصيل تطور الفكار الواريدة في مقال "بم نبدأ؟")‪") (2‬اليسكرا")‪ ،(3‬العديد ‪ ،4‬أيار )مايو(‬
‫سنة ‪ .(1901‬ونرى لزاما علينا أن نبدأ بالعتذار للقارئ لتأخرنا في إنجاز الوعد الذي قطعناه‬
‫على أنفسنا في المقال المذكور )والذي أكدناه في أجوبتنا على الكثير من السئلة والرسائل‬
‫الخاصة(‪ .‬لقد كانت المحاولة التي جرت في حزيران )يونيو( السنة الماضية )سنة ‪(4)(1901‬‬
‫لتوحيد جميع المنظمات التشتراكية‪-‬الديموقراطية في الخارج سببا من أسباب هذا التأخر‪.‬‬
‫فقد كان من الطبيعي أن ننتظر نتائج هذه المحاولة‪ ،‬لنه كان من المحتمل‪ ،‬في حالة نجاحها‪،‬‬
‫أن نضطر إلى عرض نظرات "اليسكرا" التنظيمية من وجهة نظر تختلف بعض الشيء‪ ،‬ولن‬
‫هذا النجاح كان من تشأنه على كل حال أن يبعث المل في وضع حد بسرعة قصوى لوجويد‬
‫اتجاهين في التشتراكية‪-‬الديموقراطية الروسية‪ .‬وقد انتهت هذه المحاولة‪ ،‬كما يعلم القارئ‪،‬‬
‫إلى الخفاق‪ ،‬وكان لبد لها أن تنتهي إليه ‪ -‬وسنسعى للبرهان على ذلك فيما يلي من البحث‪-‬‬
‫بعد النعطاف الجديد نحو "القتصايدية")‪ (5‬من جانب "رابوتشييه يديلو")‪ (6‬في العديد العاتشر‪.‬‬
‫وقد ظهر أن خوض النضال الحازم ضد هذا التجاه المائع وغير الواضح المعالم‪ ،‬ولكنه‬
‫بالمقابل وبالتالي اتجاه ثابت وقايدر على النبعاث بشتى التشكال‪ ،‬إنما هو أمر ل مفر منه‪.‬‬
‫وتبعا لذلك تغير المخطط الول الموضوع للكراس واتسع جدا‪ .‬لقد كان من المقرر أن يكون‬
‫الموضوع الرئيسي للكراس المسائل الثلث الواريدة في مقال "بم نبدأ؟"‪ .‬وهي‪ :‬طابع‬
‫تحريضنا السياسي ومضمونه الرئيسي‪ ،‬ومهامنا التنظيمية‪ ،‬ومشروع إنشاء منظمة كفاحية‬
‫لعامة روسيا‪ ،‬إنشاء يجري في وقت واحد ومن تشتى الجوانب‪ .‬وهذه المسائل كانت منذ أمد‬
‫بعيد تستدعي اهتمام المؤلف الذي حاول إثارتها في "رابوتشايا غازيتا")‪ (7‬أثناء محاولة من‬
‫المحاولت غير الناجحة لبعثها )راجع الفصل الخامس(‪ .‬ولكن تبين لي أن تنفيذ الفكرة الولى‬
‫والقتصار على بحث هذه المسائل الثلث في الكراس وعرض وجهة نظري بشكل إيجابي‬
‫على قدر المكان‪ ،‬يدون اللجوء البتة إلى الجدال‪ ،‬أو يدون اللجوء إليه إل لماما‪ ،‬هو أمر غير‬
‫ممكن التحقيق على الطلق لسببين اثنين‪ .‬فقد اتضح‪ ،‬من جهة‪ ،‬أن "القتصايدية" هي أتشد‬
‫حيوية بكثير مما كنا نقدر )ونحن نستعمل كلمة "القتصايدية" بالمعنى الواسع‪ ،‬كما تشرحناها‬
‫في العديد ‪ 12‬من "اليسكرا" )كانون الول ‪ -‬يديسمبر سنة ‪ (1901‬في مقال "حديث مع أنصار‬
‫القتصايدية"‪ ،‬المقال الذي كان بمثابة رؤوس أقلم‪ ،‬إذا صح التعبير‪ ،‬لهذا الكراس الموضوع‬
‫بين يدي القارئ‪ .‬ولم يبق مجال للشك في أن اختلف وجهات النظر حول حل هذه المسائل‬
‫الثلث يفسره التضايد الجذري بين اتجاهي التشتراكية‪-‬الديموقراطية الروسية‪ ،‬أكثر بكثير مما‬
‫يفسره اختلف وجهات النظر حول الجزئيات‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬إن استغراب "القتصايديين"‬
‫لقيامنا عمليا في "اليسكرا" بعرض وجهات نظرنا قد أظهر بكل وضوح أننا كثيرا ما نتكلم‬
‫بلغات مختلفة بالمعنى الحرفي للكلمة‪ ،‬وأننا ل نستطيع بالتالي ‪ ،‬وأن من الضروري القيام‬
‫بمحاولة "توضيح" ∗التفاق حول أي أمر إذا لم نبدأ ‪ ab ovo‬منتظم مع جميع "القتصايديين"‬
‫حول جميع النقاط الجذرية في خلفاتنا‪" ،‬توضيح" مبسط‪ ،‬مشروح بأكثر ما يمكن من المثلة‬
‫الحسية‪ .‬ولقد عزمت على القيام بمحاولة كهذه "للتوضيح" مدركا كل اليدراك أن هذا يضخم‬
‫حجم الكراس لدرجة كبيرة ويؤخر صدوره‪ ،‬ولكني لم أر في الوقت نفسه سبيل آخر لتنفيذ ما‬
‫وعدت به في مقال "بم نبدأ؟"‪ .‬وهكذا ينبغي لي أن أضيف إلى العتذار على التأخر اعتذارا‬
‫آخر على النقص الكبير في يديباجة الكراس اليدبية‪ ،‬فقد اضطررت للكتابة بأقصى السرعة‪،‬‬
‫وفضل عن ذلك كانت تحملني على النقطاع عن الكتابة مختلف المشاغل الخرى‪ .‬وإذن‪ ،‬كان‬
‫بحث المسائل الثلث المذكورة أعله‪ ،‬كما في السابق‪ ،‬الموضوع الرئيسي للكراس؛ ولكن كان‬
‫علي أن أبدأ من مسألتين أعم‪ :‬لماذا نرى في تشعار "بريء" و"طبيعي" كشعار "حرية‬
‫النتقايد" إعلنا حقيقيا للنفير؟ لماذا ل نستطيع التفاق حتى حول المسألة الساسية –يدور‬
‫التشتراكية‪-‬الديموقراطية في الحركة الجماهيرية العفوية؟ وبعد‪ .‬إن عرض نظراتنا في طابع‬
‫التحريض السياسي ومضمونه قد تحول إلى تشرح للفرق بين السياسة التريديونيونية‬
‫‪2‬‬
‫والسياسة التشتراكية‪-‬الديموقراطية؛ أما عرض نظراتنا في المهام التنظيمية‪ ،‬فقد تحول إلى‬
‫تشرح للفرق بين الطريقة الحرفية التي ترضي "القتصايديين"‪ ،‬وتنظيم الثوريين الضروري‬
‫في رأينا‪ .‬وبعد‪ ،‬إني أتمسك "بمشروع" الجريدة السياسية لعامة روسيا بإصرار متزايد كلما‬
‫ازيدايد بطلن العتراضات المقدمة ضده والتهرب من الجواب على جوهر سؤالي المطروح في‬
‫مقال "بم نبدأ؟" ‪ -‬وهو‪ :‬كيف يمكننا أن نبدأ في وقت واحد ومن جميع الجوانب ببناء المنظمة‬
‫التي نحن بحاجة إليها‪ .‬وآمل‪ ،‬أخيرا‪ ،‬أن أبين في القسم الختامي من الكراس أننا بذلنا كل ما‬
‫في طاقتنا لدرء النفصال التام مع "القتصايديين"‪ .‬هذا النفصال الذي ظهر‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬أمرا ل‬
‫مفر منه‪ ،‬وأن جريدة "رابوتشييه يديلو" قد اكتسبت أهمية خاصة‪" ،‬تاريخية" إن تشئتم‪ ،‬بكونها‬
‫قد أعربت بأتم تشكل وأوضحه‪ ،‬ل عن "القتصايدية" المتماسكة‪ ،‬بل عن التشويش والتريديد‬
‫اللذين كانا الصفة المميزة لمرحلة كاملة من تاريخ التشتراكية‪-‬الديموقراطية الروسية‪ ،‬وأن‬
‫هذا الجدال مع "رابوتشييه يديلو"‪ ،‬الذي يبدو لول وهلة مفصل جدا‪ ،‬يكتسب لذلك أهمية أيضا‪،‬‬
‫ما يدمنا ل نستطيع متابعة السير إلى المام‪ ،‬يدون أن نصفي هذه المرحلة تصفية تامة‪ .‬ن ‪.‬‬
‫لينين تشباط )فبراير( سنة ‪.1902‬‬

‫‪-I‬الجمويد العقائدي و"حرية النقد"‬

‫أ?( ما معنى "حرية النقد"؟‬

‫إن تشعار"حرية النقد" هو‪ ،‬يدون تشك‪ ،‬الشعار الوسع انتشارا في الوقت الحاضر‪ ،‬الشعار‬
‫الكثر استعمال في الجدل بين التشتراكيين والديموقراطيين في جميع البلدان‪ .‬وإنه ليصعب‬
‫على المرء‪ ،‬لول وهلة‪ ،‬أن يتصور تشيئا أيدعى إلى الدهشة من تذرع أحد المتجايدلين‪ ،‬على‬
‫مسمع من المل‪ ،‬بحرية النقد‪ .‬هل ارتفعت‪ ،‬يا ترى‪ ،‬من بيئة الحزاب المتقدمة أصوات ضد‬
‫القانون الدستوري الذي يضمن في معظم البلدان الوروبية حرية العلم وحرية البحث‬
‫العلمي؟ "إن وراء الكمة ما وراءها" ‪ -‬هذا ما سيقوله لنفسه بالتأكيد كل إنسان غير متحيز‬
‫يسمع هذا الشعار الدارج يكرر في كل نايد ووايد‪ ،‬ولكنه لم يدرك بعد جوهر الخلف بين‬
‫المتجايدلين‪" .‬يبدو أن هذا الشعار من كلمات السر التي يكرسها الستعمال كما هي الحال في‬
‫اللقاب وتصبح أتشبه بأسماء الجناس"‪ .‬وفي الحقيقة الراهنة‪ ،‬ل يخفى على أحد أن‬
‫اتجاهين قد نبعا في التشتراكية‪-‬الديموقراطية العالمية اتجاهين يحتدم بينهما الصراع‬
‫ويضطرم أواره حينا‪ ،‬ويهدأ حينا آخر ويخمد تحت رمايد "قرارات عن الهدنة" مهيبة‪ .‬وقد أعلن‬
‫برنشتين وأظهر ميليران بما يكفي من الوضوح فحوى التجاه "الجديد" الذي يأخذ من‬
‫الماركسية "القديمة‪ ،‬الجامدة"‪ ،‬موقفا "نقديا"‪ .‬ينبغي للتشتراكية‪-‬الديموقراطية أن تتحول‬
‫من حزب للثورة الجتماعية إلى حزب يديموقراطي للصلحات الجتماعية‪ .‬هذا المطلب‬
‫السياسي أحاطه برنشتين بمجموعة كبيرة من البراهين والعتبارات "الجديدة" نسقها تنسيقا‬
‫ل بأس به‪ .‬فقد أنكر إمكانية يدعم التشتراكية علميا وإمكانية البرهان على ضرورتها وحتميتها‬
‫من وجهة نظر المفهوم المايدي للتاريخ؛ أنكر واقع تزايد البؤس والتحول إلى البروليتاريا‬
‫وتفاقم التناقضات الرأسمالية؛ أعلن أن مفهوم "الهدف النهائي" ذاته باطل ورفض فكرة‬
‫يديكتاتورية البروليتاريا رفضا قاطعا؛ أنكر التضايد المبدئي بين الليبرالية والتشتراكية؛ أنكر‬
‫نظرية الصراع الطبقي وزعم أنها ل تنطبق على مجتمع يديموقراطي صرف يدار وفق مشيئة‬
‫الكثرية‪ ،‬الخ‪ ..‬وهكذا فإن مطلب النعطاف الحاسم من التشتراكية‪-‬الديموقراطية الثورية إلى‬
‫الصلحية الجتماعية البرجوازية قد رافقه انعطاف ل يقل حسما نحو النقد البرجوازي لجميع‬
‫أفكار الماركسية الساسية‪ .‬ولما كان هذا النقد يساق ضد الماركسية منذ أمد بعيد من المنابر‬
‫السياسية ومنابر الجامعات‪ ،‬وفي مجموعة كبيرة من الكراريس وجملة من البحاث العلمية‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫ولما كان الجيل الناتشئ كله من الطبقات المتعلمة يتربى بانتظام وطيلة عشرات السنين‬
‫على هذا النقد ‪ -‬فل غرو أن ينبثق التجاه "النقدي الجديد" في التشتراكية‪-‬الديموقراطية‬
‫بشكله المتكامل يدفعة واحدة‪ ،‬كما انبثقت مينيرفا من رأس جوبيتر)‪ .(15‬لم يكن من‬
‫الضروري أن يتطور هذا التجاه ويتكون من حيث مضمونه‪ :‬فقد نقل نقل َ من المطبوعات‬
‫البرجوازية إلى المطبوعات التشتراكية‪ .‬وبعد‪ .‬إذا كان نقد برنشتين النظري ومطامعه‬
‫السياسية قد ظلت غامضة بالنسبة لبعضهم‪ ،‬فقد عنى الفرنسيون بتبيان "الطريقة الجديدة"‬
‫في التطبيق‪ .‬وفي هذه المرة أيضا أثبتت فرنسا أنها تستحق ما اتشتهرت به منذ القدم من‬
‫أنها "البليد التي كان يصل فيها صراع الطبقات‪ ،‬في تاريخها‪ ،‬أكثر مما في أية بليد أخرى‪ ،‬إلى‬
‫نهايته الفاصلة" )إنجلس‪ ،‬من مقدمة لمؤلف ماركس ‪ 18‬برومير لويس بونابرت(‪.‬‬
‫فالتشتراكيون الفرنسيون لم ينصرفوا إلى النظريات‪ ،‬بل إلى العمل المباتشر‪ ،‬ذلك لن‬
‫الظروف السياسية المتطورة في فرنسا تطورا أكبر من وجهة النظر الديموقراطية‪ ،‬قد‬
‫مكنتهم من النتقال رأسا إلى "البرنشتينية العملية" مع كل ما ينجم عنها من نتائج‪ .‬ولقد‬
‫أعطى ميليران مثل رائعا عن هذه البرنشتينية العملية‪ ،‬فليس عبثا إذن أن اندفع برنشتين‬
‫وفولمار للدفاع عن ميليران وامتداحه بمثل هذه الحماسة! وبالفعل‪ ،‬إذا كانت التشتراكية‪-‬‬
‫الديموقراطية ليست في جوهرها إل حزب الصلحات وإذا كان ينبغي لها أن تجد في نفسها‬
‫الجرأة على إعلن ذلك أمام المل ‪ -‬فعندئذ ل يحق للتشتراكي أن يشترك في الوزارة‬
‫البرجوازية وحسب‪ ،‬بل ينبغي له أن ينزع يدائما إلى ذلك‪ .‬وإذا كانت الديموقراطية تعني‪ ،‬في‬
‫جوهرها‪ ،‬إلغاء السيايدة الطبقية ‪ -‬فلماذا ل يعمد الوزير التشتراكي إلى إغراء العالم‬
‫البرجوازي كله بخطابات عن تعاون الطبقات؟ ولماذا ل يبقى في الوزارة ولو بعد أن جاءت‬
‫مصارع العمال على يد الدرك يدليل للمرة المئة بل اللف على حقيقة طابع التعاون‬
‫الديموقراطي بين الطبقات؟ ولماذا ل يشترك تشخصيا في تحية القيصر الذي ل ينعته‬
‫التشتراكيون الفرنسيون في الوقت الحاضر إل ببطل المشانق والسياط والمنافي )‬
‫‪(knouteur, pendeur et déportateur‬؟ وتعويضا عن هذا الحضيض من الهوان الذي‬
‫سقطت التشتراكية فيه والحتقار الذي جلبته لنفسها‪ ،‬أمام العالم كله‪ ،‬وتعويضا عن إفسايد‬
‫الوعي التشتراكي بين جماهير العمال ‪ -‬وهو الساس الوحيد الذي في وسعه أن يضمن لنا‬
‫النتصار ‪ -‬تعويضا عن كل ذلك نرى مشاريع طنانة لصلحات تافهة‪ ،‬تافهة بحيث أمكن‬
‫الحصول على أكثر منها من الحكومات البرجوازية! إن الذين ل يتعامون عن عمد يرون ل‬
‫محالة أن التجاه "النقدي" الجديد في التشتراكية ليس غير مظهر جديد من مظاهر النتهازية‪.‬‬
‫وإذا حكمنا على الناس ل على أساس الريداء البراق الذي يخلعونه على أنفسهم بأنفسهم‪ ،‬ل‬
‫على أساس اللقب الطنان الذي ينتحلونه لنفسهم‪ ،‬بل على أساس تصرفاتهم وعلى أساس‬
‫ما يدعون إليه في الواقع‪ ،‬اتضح أن "حرية النقد" تعني حرية التجاه النتهازي في‬
‫التشتراكية‪-‬الديموقراطية‪ ،‬حرية تحويل التشتراكية‪-‬الديموقراطية إلى حزب إصلحي‬
‫يديموقراطي‪ ،‬حرية إيدخال الفكار البرجوازية والعناصر البرجوازية إلى التشتراكية‪ .‬الحرية‬
‫كلمة عظيمة‪ ،‬لكن‪ ،‬تحت لواء حرية الصناعة تشنت أفظع حروب السلب والنهب‪ ،‬وتحت لواء‬
‫حرية العمل جرى نهب الشغيلة‪ .‬وكلمة "حرية النقد" في استخدامها الحالي تتضمن مثل هذا‬
‫الزيف‪ .‬إن الذين يؤمنون حقا بأنهم يدفعوا العلم إلى أمام ل يطلبون حرية وجويد المفاهيم‬
‫الجديدة إلى جانب المفاهيم القديمة‪ ،‬بل إبدال الجديدة بالقديمة‪ .‬أما الصرخة الحالية‪:‬‬
‫"عاتشت حرية النقد!" فتشبه تشديد الشبه حكاية الطبل الجوف‪ .‬نحن نسير جماعة متراصة‬
‫في طريق وعر صعب‪ ،‬متكاتفين بقوة‪ .‬ومن جميع الجهات يطوقنا العداء‪ ،‬وينبغي لنا أن‬
‫نسير على الدوام تقريبا ونحن عرضة لنيرانهم‪ .‬لقد اتحدنا بملء إرايدتنا‪ ،‬اتحدنا بغية مقارعة‬
‫العداء بالذات‪ ،‬ل للوقوع في المستنقع المجاور الذي لمنا سكانه منذ البدء لننا اتحدنا في‬
‫جماعة على حدة وفضلنا طريق النضال على طريق المهايدنة‪ .‬وإذا بعض منا يأخذ بالصياح‪:‬‬
‫هلموا إلى هذا المستنقع! وعندما يقال لهم‪ :‬أل تخجلون‪ ،‬يعترضون قائلين‪ :‬ما أجهلكم يا‬
‫هؤلء! أل تستحون أن تنكروا علينا حرية يدعوتكم إلى الطريق الحسن! ‪ -‬صحيح‪ ،‬صحيح أيها‬
‫السايدة! إنكم أحرار ل في أن تدعوا وحسب‪ ،‬بل أيضا في الذهاب إلى المكان الذي يطيب‬
‫لكم‪ ،‬إلى المستنقع إن تشئتم؛ ونحن نرى أن مكانكم أنتم هو المستنقع بالذات‪ ،‬ونحن على‬
‫استعدايد للمساعدة بقدر الطاقة على انتقالكم أنتم إليه‪ .‬ولكن رجاءنا أن تتركوا أيدينا‪ ،‬أن ل‬
‫تتعلقوا بأذيالنا‪ ،‬أن ل تلطخوا كلمة الحرية العظمى‪ ،‬ذلك لننا نحن أيضا "أحرار" في السير‬
‫‪4‬‬
‫إلى حيث نريد‪ ،‬أحرار في النضال ل ضد المستنقع وحسب بل أيضا ضد الذين يعرجون عليه!‬

‫ب( المدافعون الجديد عن "حرية النقد" وها هو ذا هذا الشعار )"حرية النقد"( الذي طرحه‬
‫بصورة مهيبة في الونة الخيرة لسان حال "إتحايد التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين الروس" في‬
‫الخارج)‪" (16‬رابوتشييه يديلو" )العديد ‪ ،(10‬ل كأمر مسلم به نظريا‪ ،‬بل كمطلب سياسي‪،‬‬
‫كجواب على سؤال‪" :‬هل يمكن توحيد المنظمات التشتراكية‪-‬الديموقراطية العاملة في‬
‫الخارج؟" ‪" -‬التحايد الوطيد يقتضي حرية النقد" )ص ‪ .(36‬من هذا القول يخلص المرء إلى‬
‫استنتاجين واضحين كل الوضوح‪" (1 :‬رابوتشييه يديلو" تأخذ على عاتقها الدفاع عن التجاه‬
‫النتهازي في التشتراكية‪-‬الديموقراطية العالمية بوجه عام؛ ‪" (2‬رابوتشييه يديلو" تطلب حرية‬
‫النتهازية في التشتراكية‪-‬الديموقراطية الروسية‪ .‬فلنبحث هذين الستنتاجين‪" .‬رابوتشييه‬
‫يديلو" غير راضية "بوجه خاص" من "ميل "اليسكرا" و"زاريا" إلى التنبؤ بالنفصال بين‬
‫الجبل ‪ .‬كتب محرر "رابوتشييه يديلو" ∗والجيروند)‪ (18‬في التشتراكية‪-‬الديموقراطية العالمية"‬
‫ب‪ .‬كريتشيفسكي يقول‪" :‬الكلم عن الجبل والجيروند في صفوف التشتراكية‪-‬الديموقراطية‬
‫يبدو لنا بوجه عام عبارة عن مقارنة تاريخية سطحية نستغرب صدورها عن قلم ماركسي؛‬
‫فالجبل والجيروند لم يمثل مزاجين أو تيارين فكريين مختلفين كما قد يخيل للمؤرخين‬
‫اليديولوجيين‪ ،‬بل كانا يمثلن طبقات أو فئات مختلفة ‪-‬البرجوازية المتوسطة من جهة‪،‬‬
‫والبرجوازية الصغيرة مع البروليتاريا من الجهة الخرى‪ .‬هذا بينما ل يوجد في الحركة‬
‫التشتراكية المعاصرة تصايدم بين المصالح الطبقية‪ ،‬فهي بمجموعها وبجميع )حرف التأكيد‬
‫لكريتشيفسكي( مظاهرها‪ ،‬بما في ذلك البرنشتينيون المتطرفون‪ ،‬تقف على صعيد مصالح‬
‫البروليتاريا الطبقية‪ ،‬على صعيد نضالها الطبقي في سبيل تحررها السياسي والقتصايدي"‬
‫)ص ‪ (33-32‬تأكيد جريء! أولم يسمع ب‪ .‬كريتشيفسكي بواقع لوحظ منذ أمد بعيد‪ ،‬ونعني به‬
‫أن اتشتراك فئة "الكايديميين" في الحركة التشتراكية خلل السنوات الخيرة على نطاق واسع‬
‫هو الذي ضمن انتشار البرنشتينية بمثل هذه السرعة؟ والمر الرئيسي‪ :‬بم يدعم كاتبنا رأيه إذ‬
‫يزعم أن "البرنشتينيين المتطرفين" يقفون هم أيضا على صعيد النضال الطبقي في سبيل‬
‫تحرير البروليتاريا السياسي والقتصايدي؟ ل ندري‪ .‬إنه يدافع بحزم عن البرنشتينيين‬
‫المتطرفين يدون أن يأتي بأية حجة أو أي يدليل لدعم ذلك‪ .‬إن واضع المقال يظن‪ ،‬على ما‬
‫يظهر‪ ،‬أن أقواله ل تحتاج إلى برهان إذا كرر ما يقوله البرنشتينيون المتطرفون عن أنفسهم‪.‬‬
‫ولكن هل يمكن للمرء أن يتصور"سطحية" تضارع سطحية هذا الحكم على اتجاه بأكمله‬
‫استنايدا إلى ما يقوله ممثلو هذا التجاه عن أنفسهم؟ هل يمكن تصور سطحية تضارع سطحية‬
‫"المواعظ" التي أتت بعد ذلك بصديد نموذجين أو طريقين للتطور الحزبي مختلفين أو حتى‬
‫متناقضين كل التناقض )ص ‪ 35-34‬من "رابوتشييه يديلو"(؟ التشتراكيون‪-‬الديموقراطيون‬
‫اللمان يعترفون ‪ -‬كذا!‪ -‬بحرية النقد كاملة‪ ،‬أما الفرنسيون فل يعترفون بها‪ ،‬ومثلهم بالذات‬
‫هو الذي يبين كل "ضرر عدم التسامح"‪ .‬ونجيب نحن على ذلك‪ :‬ان مثل ب‪ .‬كريتشيفسكي‬
‫بالذات هو الذي يبين أن هناك من يسمون أنفسهم أحيانا بالماركسيين‪ ،‬وينظرون مع ذلك‬
‫إلى التاريخ "على نمص ايلوفايسكي")‪ (22‬بالضبط‪ .‬لتفسير وحدة الحزب التشتراكي اللماني‬
‫وانقسام الحزب التشتراكي الفرنسي على نفسه ليس من يداع إلى البحث في خصائص تاريخ‬
‫البلدين ول إلى المقارنة بين ظروف الحكم العسكري تشبه المطلق وظروف البرلمانية‬
‫الجمهورية‪ ،‬ول إلى تقصي نتائج الكومونة)‪ (23‬والقانون الستثنائي بخصوص التشتراكيين)‬
‫‪ ( 24‬ول إلى مقارنة الحياة القتصايدية والتطور القتصايدي‪ ،‬ول إلى تذكر أن "نمو التشتراكية‪-‬‬
‫الديموقراطية اللمانية المنقطع النظير" قد رافقته همة في النضال منقطعة النظير في‬
‫تاريخ التشتراكية‪ ،‬ليس واتشتراكيو المنابر ‪‬فقط النضال ضد الخطاء النظرية )ميولبيرغر‬
‫ويدوهرينغ الجامعية)‪ ،((27‬بل كذلك ضد الخطاء التكتيكية )لسال( الخ‪ ،.‬الخ‪ ..‬كل هذا أمر ل‬
‫يداعي له! الفرنسيون يتشاجرون لنهم غير متسامحين‪ ،‬واللمان متحدون لنهم أوليد‬
‫عاقلون‪ .‬لحظوا جيدا أنهم بهذا العمق المنقطع النظير في التفكير "يريدون" واقعا يدحض‬
‫بصورة تامة يدفاع البرنشتينيين‪ .‬هل يقف هؤلء على صعيد نضال البروليتاريا الطبقي؟ إنه‬
‫سؤال ل يمكن لغير التجربة التاريخية أن تجيب عليه الجواب النهائي الفاصل‪ .‬وعلى ذلك‬
‫فالمر الهم هنا هو بالضبط مثل فرنسا باعتبارها البليد الوحيد التي جرب فيها البرنشتينيون‬
‫العمل بصورة مستقلة‪ ،‬بتحبيذ حار من زملئهم اللمان )وجزئيا من النتهازيين الروس‪ :‬أنظر‬
‫‪5‬‬
‫"رابوتشييه يديلو"‪ ،‬العديد ‪ ،3-2‬ص ص ‪ .(84-83‬إن الستشهايد "بعدم تسامح" الفرنسيين ‪-‬‬
‫بالضافة إلى قيمته "التاريخية" )بمعنى نوزيدريف)‪ -((28‬هو مجريد محاولة لطمس وقائع‬
‫مزعجة جدا بكلمات غاضبة‪ .‬وعلى كل حال‪ ،‬ليس في نيتنا البتة أن نقدم اللمان هدية‬
‫لكريتشيفسكي ولمثاله الكثيرين من المدافعين عن "حرية النقد"‪ .‬فإذا كان "البرنشتينيون‬
‫المتطرفون" ما يزالون يصبرون عليهم في صفوف الحزب اللماني‪ ،‬فما ذلك إل بمقدار ما‬
‫يخضعون لقرار هانوفر)‪ (29‬الذي يريد بحزم "تعديلت" برنشتين ولقرار لوبيك)‪ (30‬الذي‬
‫يتضمن )رغم كل ما فيه من يديبلوماسية( إنذارا صريحا لبرنشتين‪ .‬يمكن النقاش من وجهة‬
‫نظر مصلحة الحزب اللماني‪ ،‬حول مبلغ فائدة هذه الديبلوماسية؛ يمكن التساؤل عما إذا كان‬
‫السلم الظاهري في هذه الحالة خيرا من تشجار مكشوف‪ ،‬وبكلمة‪ ،‬يمكن أن تختلف وجهات‬
‫النظر حول فائدة هذه أو تلك من طرق رفض البرنشتينية ولكن ل يمكن للمرء أن ل يرى أن‬
‫الحزب اللماني قد رفض البرنشتينية مرتين‪ .‬ولذا فالتفكير بأن مثل اللمان يثبت يدعوى أن‬
‫"البرنشتينيين المتطرفين يقفون على صعيد نضال البروليتاريا الطبقي في سبيل تحررها‬
‫القتصايدي والسياسي" ‪ -‬يعني عدم فهم أي ‪ .‬وفوق ذلك‪ ،‬تنبري "رابوتشييه يديلو" ∗تشيء على‬
‫الطلق مما يجري أمام عيون الجميع أمام التشتراكية‪-‬الديموقراطية الروسية‪ ،‬كما سبق لنا‬
‫أن ذكرنا‪ ،‬وتطالب بـ"حرية النقد" وتدافع عن البرنشتينية‪ .‬ويظهر أنه تبين لها أن "النقايد"‬
‫والبرنشتينيين عندنا قد أهينوا ظلما‪ .‬ولكن أيهم بالذات؟ ومن الذي أهانهم؟ أين؟ ومتى؟ وبم‬
‫تجلى ذلك؟ إن "رابوتشييه يديلو" تلتزم الصمت في كل ذلك ول تذكر ولو مرة واحدة أي منتقد‬
‫أو أي برنشتيني روسي! ليس أمامنا من سبيل غير اختيار افتراض من افتراضين محتملين‪:‬‬
‫إما أن يكون الطرف المهان ظلما هو "رابوتشييه يديلو" بعينها )يؤكد ذلك أن المقالين‬
‫المنشورين في العديد ‪ 10‬ل يتناولن غير الهانات التي وجهتها "زاريا" و"اليسكرا" إلى‬
‫"رابوتشييه يديلو"(‪ .‬وفي هذه الحالة كيف نفسر هذا الواقع الغريب وهو أن "رابوتشييه يديلو"‬
‫التي كانت تتبرأ على الدوام بعنايد من كل تضامن مع البرنشتينية لم تكن تستطيع الدفاع عن‬
‫نفسها يدون أن تنبس ول بكلمة يدفاعا عن "البرنشتينيين المتطرفين" وعن حرية النقد؟ وإما‬
‫أن تكون الهانات قد وجهت إلى طرف ثالث‪ .‬وفي هذه الحالة ما هي السباب التي تدعو إلى‬
‫عدم ذكره؟ وهكذا نرى أن "رابوتشييه يديلو" تستمر في لعبة الغميضة التي بدأتها )كما سنبين‬
‫فيما يأتي( منذ ظهورها‪ .‬ومن ثم نلفت أنظاركم إلى هذا التطبيق العملي الول لـ"حرية‬
‫النقد" التي يكثرون حولها التطبيل والتزمير‪ .‬فلم يقتصر المر في الواقع على كون هذه‬
‫الحرية قد آلت رأسا إلى انعدام كل نقد‪ ،‬بل تعداه إلى انعدام أي رأي مستقل بوجه عام‪.‬‬
‫فهذه "رابوتشييه يديلو" نفسها التي تكتم وجويد البرنشتينية الروسية كما تكتم المراض‬
‫السرية )حسب تعبير موفق لستاروفر( تقترح لمداواة هذا المرض مجريد نقل الوصفة‬
‫اللمانية الخيرة الموصوفة لمداواة هذا المرض في مظهره اللماني! فبدل من حرية النقد ‪-‬‬
‫تقليد على نمط العبيد… أو‪ ،‬وهو السوأ‪ ،‬تقليد على نمط القرويد! إن المضمون الجتماعي‬
‫السياسي الواحد للنتهازية العالمية المعاصرة يتجلى في هذا المظهر أو ذاك تبعا للخصائص‬
‫الوطنية‪ .‬في هذه البليد تجمع النتهازيون منذ أمد طويل تحت لواء خاص‪ ،‬وفي تلك استخف‬
‫النتهازيون بالنظرية وانتهجوا عمليا سياسة التشتراكيين‪-‬الرايديكاليين‪ ،‬وفي بليد ثالثة فر عديد‬
‫من أعضاء الحزب الثوري إلى معسكر النتهازية وأخذوا يسعون إلى بلوغ أهدافهم ل عن‬
‫طريق نضال صريح في سبيل المبايدئ وفي سبيل تكتيك جديد‪ ،‬بل عن طريق إفسايد حزبهم‬
‫بصورة تدريجية غير ملحوظة‪ ،‬ل يعاقبون عليها‪ ،‬إن جاز القول‪ ،‬وفي بليد رابعة يعمد فاّرون‬
‫كهؤلء إلى نفس الحابيل في يدياجير العبويدية السياسية وفي ظروف تشابك فريد بين‬
‫النشاط "العلني" و"غير العلني"‪ ،‬الخ‪ ..‬أما أن ينبري المرء ويعلن أن حرية النقد وحرية‬
‫البرنشتينية هما تشرط لتحايد التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين الروس يدون أن يبين مظاهر‬
‫البرنشتينية الروسية والثمار الخاصة التي حملتها‪ ،‬فذلك أتشبه بمن يتكلم لكي ل يقول تشيئا‪.‬‬
‫فلنجرب نحن أنفسنا‪ ،‬إذن‪ ،‬ولنقل ولو في بضع كلمات ما لم ترغب في قوله )أو ربما لم‬
‫تستطع حتى فهمه( "رابوتشييه يديلو"‪.‬‬

‫ج( النقد في روسيا إن خاصة روسيا الساسية من الناحية التي نعنيها تتلخص في كون حركة‬
‫العمال العفوية‪ ،‬من جهة‪ ،‬وانعطاف الرأي العام التقدمي نحو الماركسية‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬قد‬
‫تميزا منذ بدئهما بالذات باتحايد عناصر غير متجانسة بتاتا تحت لواء مشترك ومن أجل النضال‬
‫‪6‬‬
‫ضد عدو مشترك )ضد عقيدة اجتماعية سياسية انقضى زمنها(‪ .‬ونحن نعني هنا "الماركسية‬
‫العلنية")‪ (32‬في تشهر العسل‪ .‬وقد كانت هذه‪ ،‬بوجه عام‪ ،‬ظاهرة على يدرجة من الصالة‬
‫بحيث لم يكن هنالك في العقد التاسع أو أوائل العقد العاتشر من يمكنه حتى أن يصدق ولو‬
‫بإمكانها‪ .‬ففي بليد يسويدها الحكم المطلق‪ ،‬في بليد ترزح صحافتها تحت أتشد القيويد‪ ،‬وفي‬
‫عهد رجعية سياسية حالكة تنقض على أقل نبتة من نباتات السخط والحتجاج السياسيين ‪-‬‬
‫تشق نظرية الماركسية الثورية فجأة لنفسها الطريق في المطبوعات الخاضعة للرقابة‪،‬‬
‫معروضة بلغة رمزية‪ ،‬ولكنها مفهومة لجميع الذين "يهمهم المر"‪ .‬فقد اعتايدت الحكومة أل‬
‫ترى الخطر إل في نظرية "نارويدنايا فوليا" )الثورية(‪ ،‬غير أن تلمح‪ ،‬كما يحدث في المعتايد‪،‬‬
‫مجرى تطورها الداخلي‪ ،‬ومبتهجة لكل انتقايد يوجه إليها‪ .‬وقد مر وقت طويل )طويل بالنسبة‬
‫إلينا‪ ،‬نحن الروس( قبل أن تنتبه الحكومة للمر وقبل أن يتمكن جيش الرقباء والدرك الثقيل‬
‫من اكتشاف العدو الجديد ومن النقضاض عليه‪ .‬وفي هذه الثناء كانت الكتب الماركسية‬
‫تصدر واحدا بعد آخر‪ ،‬والمجلت والجرائد الماركسية تؤسس‪ ،‬وغدا الجميع‪ ،‬بالمعنى الحرفي‬
‫للكلمة‪ ،‬ماركسيين‪ ،‬وغدا الماركسيون موضع الطراء والرعاية‪ ،‬وكان الناتشرون في ذروة‬
‫الحماسة من تشدة القبال على اقتناء الكتب الماركسية‪ .‬ومفهوم تماما أن يكون قد وجه أكثر‬
‫من "كاتب مغرور")‪ (33‬بين الماركسيين المبتدئين المأخوذين بنشوة النجاح… ويمكن اليوم‬
‫التحدث عن ذلك العهد بهدوء‪ ،‬كما يتحدث النسان عن أمور مضت‪ .‬ول يخفى على أحد أن‬
‫ازيدهار الماركسية المؤقت على هامش مطبوعاتنا‪ ،‬قد نشأ عن تحالف المتطرفين مع‬
‫المعتدلين جدا‪ ،‬وقد كان هؤلء الخيرون في جوهر المر يديموقراطيين برجوازيين‪ .‬وهذا‬
‫الستنتاج )الذي أثبته بجلء فيما بعد تطورهم "النقدي"( يفرض نفسه ‪ .‬ولكن إذا كان المر‬
‫كذلك‪ ،‬أفل ‪‬فرضا على بعضهم حين كان "التحالف" ل يزال سليما يحمل التشتراكيون‪-‬‬
‫الديموقراطيون الثوريون الذين عقدوا هذا التحالف مع "نقايد" الغد‪ ،‬القسط الكبر من‬
‫مسؤولية "الفتنة" التي وقعت بعد ذلك؟ هذا السؤال‪ ،‬مع الجواب عليه باليجاب‪ ،‬نسمعه في‬
‫بعض الحيان من أناس ينظرون إلى التشياء نظرة مغالية في الستقامة‪ .‬ولكن هؤلء الناس‬
‫مخطئون تماما‪ .‬إذ ل يمكن أن يخشى من الحلف المؤقتة‪ ،‬ولو مع أناس ل يركن إليهم‪ ،‬إل‬
‫الذين ل يثقون بأنفسهم‪ .‬ليس يمكن لي حزب سياسي أن يعيش بدون أحلف كهذه‪ .‬وقد‬
‫كان التحالف مع الماركسيين العلنيين بمثابة أول تحالف سياسي حقا تحققه التشتراكية‪-‬‬
‫الديموقراطية الروسية‪ .‬فبفضل هذا التحالف تم النتصار على الشعبية بسرعة خارقة‬
‫وانتشرت الفكار الماركسية انتشارا واسعا )ولو بشكل مبسط(‪ .‬هذا‪ ،‬والتحالف لم يعقد بدون‬
‫أي "تشرط"‪ .‬والبرهان‪ :‬المجموعة الماركسية "وثائق في مسألة التطور القتصايدي في‬
‫روسيا")‪ (34‬التي أحرقتها الرقابة في سنة ‪ .1895‬وإذا أمكن مقارنة التفاق مع الماركسيين‬
‫العلنيين في حقل المطبوعات بالتحالف السياسي‪ ،‬فإنه تمكن مقارنة هذا الكتاب بالمعاهدة‬
‫السياسية‪ .‬وواضح أن النفصال لم يحدث بسبب أن "الحلفاء" قد ظهروا يديموقراطيين‬
‫برجوازيين‪ .‬بل بالعكس‪ ،‬فممثلو هذا التجاه الخير هم حلفاء طبيعيون للتشتراكية‪-‬‬
‫الديموقراطية مرغوب فيهم ما يدامت القضية تتعلق بمهامها الديموقراطية التي يدفعها إلى‬
‫المقام الول الوضع الراهن في روسيا‪ .‬ولكن الشرط الذي ل بد منه لهذا التحالف هو أن يجد‬
‫التشتراكيون المكانية التامة ليبينوا للطبقة العاملة التضايد العدائي بين مصالحها ومصالح‬
‫البرجوازية‪ .‬هذا في حين أن البرنشتينية والتجاه "النقدي" اللذين اتجه إليهما أفواجا معظم‬
‫الماركسيين العلنيين كان من تشأنهما أن يسقطا هذه المكانية ويفسدا الوعي التشتراكي‬
‫بتحقيرهما الماركسية وتبشيرهما بنظرية طمس التناقضات الجتماعية وإعلنهما بطلن‬
‫نظرية الثورة الجتماعية ويديكتاتورية البروليتاريا وجعلهما حركة العمال والنضال الطبقي‬
‫تريديونيونية ضيقة ونضال "واقعيا" في سبيل إصلحات طفيفة وتدريجية‪ .‬وقد كان يعني هذا‬
‫تماما إنكار الديموقراطية البرجوازية على التشتراكية الحق في الستقلل‪ ،‬وبالتالي الحق في‬
‫الوجويد؛ وكان يعني هذا في الواقع النزوع إلى تحويل حركة العمال وهي في بدئها إلى ذيل‬
‫لليبراليين‪ .‬وطبيعي أن النفصال كان في مثل هذه الظروف أمرا لبد منه‪ .‬ولكن الخاصة‬
‫التي "تفريدت" بها روسيا تجلت في كون هذا النفصال قد آل إلى مجريد إبعايد التشتراكيين‪-‬‬
‫الديموقراطيين عن المطبوعات "العلنية" الوسع انتشارا والقرب إلى متناول الجمهور‪ .‬فقد‬
‫اعتصم فيها "الماركسيون السابقون" الذين تجمعوا "تحت تشعار النقد" وحصلوا على ما يشبه‬
‫الحتكار في "سحق" الماركسية‪ .‬وسرعان ما أصبحت و"فلتحيى حرية النقد" )الهتافات التي‬
‫‪7‬‬
‫تكررها الن ‪‬هتافات‪" :‬ضد الرثوذكسية" "رابوتشييه يديلو"( عبارات تطابق الموضة‪ .‬ولم يصمد‬
‫أمام هذه الموضة ل الرقباء ول الدرك‪ ،‬يدلنا على ذلك صدور ثلث طبعات روسية لكتاب‬
‫برنشتين)‪ (35‬الذائع الصيت )الذائع الصيت على طراز هيروسترات( أو امتداح زوباتوف لكتب‬
‫برنشتين والسيد بروكوبوفيتش وأضرابهما )"اليسكرا"‪ ،‬العديد ‪ .(10‬وتواجه التشتراكيين‪-‬‬
‫الديموقراطيين الن مهمة صعبة بحد ذاتها‪ ،‬زايدتها صعوبة إلى حد ل يتصور عقبات خارجية‬
‫صرف‪ ،‬هي مهمة النضال ضد التيار الجديد‪ .‬وهذا التيار لم يقتصر على ميدان المطبوعات‪.‬‬
‫فقد رافق النعطاف نحو "النقد" ميل مقابل من جانب التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين العاملين‬
‫في ميدان التطبيق نحو "القتصايدية"‪ .‬إن كيفية نشوء وتطور الصلة والتبعية المتبايدلة بين‬
‫النقد العلني و"القتصايدية" غير العلنية هي مسألة هامة يمكن أن تكون موضوع مقال‬
‫مستقل‪ .‬حسبنا أن نشير هنا إلى أن هذه الصلة موجويدة يدون تشك‪ .‬فالـ"‪ •"Credo‬المشهور‬
‫ما كان ليكتسب هذه الشهرة المستحقة لول أنه قد صاغ بصراحة هذه الصلة وكشف عن غير‬
‫عمد التجاه السياسي الساسي في "القتصايدية"‪ :‬ليقم العمال بالنضال القتصايدي )وكان‬
‫من اليدق أن يقال‪ :‬النضال التريديونيوني‪ ،‬لن التريديونيونية تشمل كذلك سياسة عمالية‬
‫صرفا(‪ ،‬وليندمج المثقفون الماركسيون مع الليبراليين من أجل "النضال" السياسي‪ .‬إن‬
‫النشاط التريديونيوني "في الشعب" قد ظهر تنفيذا للنصف الول من المهمة‪ ،‬والنقد العلني‬
‫تنفيذا للنصف الثاني‪ .‬وقد كان هذا التصريح سلحا ضد "القتصايدية" ممتازا لدرجة تحتم معها‬
‫اختراع "‪ "Credo‬لو لم يكن "‪ "Credo‬موجويدا‪ .‬لم يخترع "‪ "Credo‬اختراعا‪ ،‬ولكنه نشر بدون‬
‫موافقة واضعيه‪ ،‬وربما رغم إرايدة واضعيه‪ .‬وعلى كل حال فإن الجديد إلى وضح النهار‪ ،‬قد‬
‫تأتى له ‪‬كاتب هذه السطر الذي ساهم في إخراج "البرنامج" أن يسمع الشكاوي واللوم‬
‫بسبب أن نظرات الخطباء التي لخصوها على الورق قد وزعت في نسخ ولقبت بالـ "‪"Credo‬‬
‫ونشرت‪ ،‬فوق ذلك في الصحف في وقت واحد مع الحتجاج! نذكر هذا الحايدث لنه يكشف عن‬
‫سمة من سمات "القتصايدية" عندنا تسترعي انتباها كبيرا هي الخوف من العلنية‪ .‬إنها على‬
‫وجه الدقة سمة "القتصايدية" بوجه عام‪ ،‬ل سمة واضعي الـ "‪ "Credo‬وحدهم‪ :‬فقد أظهرتها‬
‫"رابوتشايا ميسل")‪ ،(37‬أتشرف أنصار "القتصايدية" وأكثرهم صراحة‪ ،‬كما أظهرتها‬
‫"رابوتشييه يديلو" )التي أغضبها نشر الوثائق "القتصايدية" في "‪(Vademecum"(38‬‬
‫وأظهرتها لجنة كييف التي لم ترغب منذ نحو سنتين بالسماح بنشر ‪ ،‬وأظهرها ‪‬عقيدتها "‬
‫‪ (Profession de foi"(39‬في وقت واحد مع الريد المكتوب ضدها كثيرون وكثيرون من‬
‫ممثلي "القتصايدية"‪ .‬إن هذا الخوف من النقد‪ ،‬الذي يظهره أنصار حرية النقد‪ ،‬ل يمكن‬
‫تفسيره بمجريد المكر )وإن كان المكر يلعب يدوره أحيانا‪ :‬فمن غير المعقول أن تعرض‬
‫لهجمات الخصوم نبتات اتجاه جديد لم يشتد عويدها بعد!(‪ .‬ل‪ .‬إن أكثرية "القتصايديين"‬
‫ينظرون مخلصين كل الخلص )وجوهر "القتصايدية" نفسه يحملهم على النظر( بعدم رضى‬
‫إلى كل مظهر من مظاهر المناقشات النظرية والخلفات بين الفرق والمسائل السياسية‬
‫الواسعة ومشاريع تنظيم الثوريين وما تشابه ذلك‪" .‬يحسنون صنعا لو أحالوا كل هذا إلى‬
‫الخارج!" ‪ -‬هذا ما قاله لي ذات يوم أحد "القتصايديين" المنسجمين إلى حد كاف‪ ،‬معربا بذلك‬
‫عن نظرة واسعة النتشار )ولنقل مرة أخرى أنها تريديونيونية صرف( مآلها‪ :‬تهمنا حركة‬
‫العمال‪ ،‬تهمنا منظمات العمال هنا في منطقتنا‪ ،‬وما عدا ذلك هو من اختلقات "المذهبيين"‪،‬‬
‫هو "مغالت في تقدير أهمية اليديولوجيا" حسب تعبير واضعي الرسالة المنشورة في العديد‬
‫‪ 12‬من "اليسكرا" تريديدا لما جاء في العديد ‪ 10‬من "رابوتشييه يديلو"‪ .‬نتساءل الن‪ :‬نظرا‬
‫لهذه الخصائص التي يتصف بها "النقد" الروسي والبرنشتينية الروسية‪ ،‬بم كان ينبغي أن‬
‫تتلخص مهمة الذين أرايدوا أن يكونوا خصوما للنتهازية فعل‪ ،‬ل قول فقط؟ كان ينبغي‪ ،‬أول‪،‬‬
‫الهتمام باستئناف ذلك العمل النظري الذي لم يكد يبتدئ في عهد الماركسية العلنية والذي‬
‫ألقي الن مرة أخرى على عاتق المناضلين السريين؛ فبدون هذا العمل لم يكن بالمكان نمو‬
‫الحركة بنجاح‪ .‬وكان من الضروري‪ ،‬ثانيا‪ ،‬القيام بنضال نشيط ضد "النقد" العلني الذي كان‬
‫يفسد العقول إفسايدا تشديدا‪ .‬وكان من الضروري‪ ،‬ثالثا‪ ،‬النضال النشيط ضد التبعثر والتريديد‬
‫في الحركة العملية بكشف ويدحض كل محاولة تبذل‪ ،‬بوعي أو بغير وعي‪ ،‬للحط من مكانة‬
‫برنامجنا وتكتيكنا‪ .‬أما أن "رابوتشييه يديلو" لم تقم بالواجب الول ول الثاني ول الثالث‪ ،‬فهو‬
‫أمر معروف‪ ،‬وسنبين فيما يأتي من البحث بالتفصيل ومن جميع الوجوه هذه الحقيقة‬
‫المعروفة‪ .‬وكل ما نريد أن نبينه الن هو مبلغ التناقض الصارخ بين مطلب "حرية النقد"‬
‫‪8‬‬
‫وخصائص نقدنا الوطني و"القتصايدية" الروسية‪ .‬فلنلق إذن نظرة على نص القرار الذي‬
‫اتخذه "اتحايد التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين الروس في الخارج" وأكد به وجهة نظر "رابوتشييه‬
‫يديلو"‪" :‬بغية استمرار تطور التشتراكية‪-‬الديموقراطية الفكري نعترف بأن حرية نقد النظرية‬
‫التشتراكية‪-‬الديموقراطية في المطبوعات الحزبية أمر ضروري تماما‪ ،‬ما يدام هذا النقد ل‬
‫ينافي طابع هذه النظرية الطبقي والثوري" )"مؤتمران"‪ ،‬ص ‪ .(10‬والحيثيات‪ :‬أن القرار "في‬
‫قسمه الول يطابق قرار مؤتمر الحزب في لوبك بصديد برنشتين"… إن "جماعة التحايد"‬
‫لطيبة قلوبهم ل يلحظون أي ‪) testimonium paupertatis‬تشهايدة فقر الحال( يسجلون‬
‫على أنفسهم بهذا النسخ!‪" ..‬ولكنه… في قسمه الثاني يقيد حرية النقد إلى حد أكبر مما‬
‫فعل مؤتمر الحزب في لوبك"‪ .‬وهكذا فإن قرار "التحايد" موجه ضد البرنشتينيين الروس؟ وإل‬
‫فإن الستشهايد بلوبك ليس له معنى على الطلق! ولكن ليس صحيحا أنه "يقيد إلى حد كبير‬
‫حرية النقد"‪ .‬فاللمان قد رفضوا بندا بندا بقرارهم في مؤتمر هانوفر تلك التعديلت التي‬
‫قدمها برنشتين بالذات‪ ،‬بينما بقرارهم في مؤتمر لوبك‪ ،‬وجهوا إنذارا تشخصيا لبرنشتين‬
‫ذاكرين اسمه في القرار‪ .‬هذا في حين أن المقلدين "الحرار" عندنا لم يشيروا ولو تلميحا‬
‫إلى أي مظهر من مظاهر "النقد" الروسي الخاص و"القتصايدية" الروسية الخاصة‪ .‬ونظرا‬
‫لهذا التكتم‪ ،‬يفسح التلميح المجريد إلى طابع النظرية الطبقي والثوري مجال أكبر بكثير‬
‫للتأويلت الكاذبة‪ ،‬ل سيما إذا كان "التحايد" يرفض إيدراج "ما يدعى بالقتصايدية" ضمن‬
‫النتهازية )"مؤتمران"‪ .‬ص ‪ ،8‬البند ‪ .(1‬ولكننا نقول هذا في سياق الحديث‪ .‬أما المر الرئيسي‬
‫فهو أن موقف النتهازيين حيال التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين الثوريين يختلف في ألمانيا عنه‬
‫في روسيا كل الختلف‪ .‬فمن المعروف أن التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين الثوريين في ألمانيا‬
‫يريدون المحافظة على ما هو كائن‪ ،‬يريدون المحافظة على البرنامج القديم والتكتيك القديم‬
‫المعروفين للجميع واللذين تشرحهما بجميع تفاصيلهما اختبار عشرات السنين‪ .‬أما "النقايد"‬
‫فيريدون إحداث تغيرات؛ ولما كان هؤلء النقايد أقلية ضئيلة وكانت مساعيهم التحريفية حيية‬
‫جدا‪ ،‬عرفنا السبب الذي يجعل الكثرية تكتفي بريد "البدعة" ببرويد‪ .‬ولكن النقايد‬
‫و"القتصايديين" عندنا‪ ،‬في روسيا‪ ،‬يريدون المحافظة على ما هو كائن‪ :‬يريد "النقايد" أن‬
‫يستمر الناس في اعتبارهم ماركسيين وأن تضمن لهم "حرية النقد" التي استغلوها من جميع‬
‫الوجوه )لنهم لم يعترفوا في الجوهر بأي ارتباط ‪ ،‬فضل عن أنه لم تكن عندنا أية هيئة حزبية‬
‫يعترف بها الجميع وتستطيع أن "تحد" ∗حزبي من حرية النقد ولو بالنصح(‪ ،‬ويريد‬
‫"القتصايديون" من الثوريين أن يعترفوا "بالحقوق الكاملة للحركة في وضعها الراهن"‬
‫)"رابوتشييه يديلو"‪ ،‬العديد ‪ ،10‬ص ‪ (25‬أي "بشرعية" وجويد ما هو موجويد‪ ،‬يريدون أن ل يحاول‬
‫"اليديولوجيون" "صرف" الحركة عن الطريق الذي "يحديده تفاعل العناصر المايدية والبيئة‬
‫المايدية" )"الرسالة" في العديد ‪ 12‬من "اليسكرا"(‪ ،‬أن ُيعترف بأن من المرغوب فيه القيام‬
‫بالنضال "الذي يمكن للعمال القيام به في الظروف الراهنة" وأن ُيعترف بأن النضال الممكن‬
‫هو ذلك النضال "الذي يقومون به في الواقع في الظرف الراهن" )"الملحق الخاص‬
‫لـ"رابوتشايا ميسل"")‪ ،(40‬ص ‪ .(14‬أما نحن‪ ،‬التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين الثوريين‪ ،‬فنحن‪،‬‬
‫على العكس‪ ،‬غير راضين عن هذا السجويد أمام العفوية‪ ،‬أي أمام ما هو كائن "في الظرف‬
‫الراهن"؛ نحن نطلب تغيير التكتيك الذي سايد في السنوات الخيرة‪ ،‬ونحن نعلن‪" :‬قبل أن‬
‫نتحد ولكيما نتحد ينبغي ‪⊗ .‬في البدء أن نعين بيننا التخوم بحزم ووضوح" )من إعلن عن‬
‫إصدار "اليسكرا"( وبكلمة‪ ،‬يتمسك اللمان بوضع المور الراهن ويرفضون التغييرات‪ ،‬ونحن‬
‫نطلب تغيير وضع المور الراهن‪ ،‬رافضين السجويد أمام الوضع الراهن والتسليم به‪ .‬إن هذا‬
‫الفرق "الصغير" هو المر الذي لم يلحظه نساخو القرارات اللمانية "الحرار"عندنا!‬

‫يد( إنجلس وأهمية النضال النظري "الجمويد العقائدي‪ ،‬الجمويد المذهبي"‪" ،‬تحجر الحزب ‪-‬‬
‫العقاب المحتوم لتقييد الفكر بالعنف"‪ -‬هؤلء هم العداء الذين ينقض عليهم كالفرسان‬
‫أنصار "حرية النقد" في "رابوتشييه يديلو"‪ .‬ويسرنا نحن أن تطرح هذه المسألة على بساط‬
‫البحث‪ ،‬وكل ما نقترحه هو أن نتممها بسؤال آخر‪ :‬من هم الحكام؟ أمامنا إعلنان عن صدور‬
‫مطبوعات‪ .‬أحدهما "برنامج صحيفة "رابوتشييه يديلو"‪ ،‬لسان حال اتحايد التشتراكيين‬
‫الديموقراطيين الروس" )نسخة من العديد الول من "رابوتشييه يديلو"(‪ .‬والثاني هو "إعلن‬
‫عن إستئناف إصدار مطبوعات فرقة "تحرير العمل"")‪ .(41‬وكلهما يحمل تاريخ سنة ‪،1899‬‬
‫‪9‬‬
‫أي حين كانت "أزمة الماركسية" قد طرحت على بساط البحث منذ زمان بعيد‪ .‬وماذا نرى؟‬
‫في النشرة الولى‪ ،‬نجهد أنفسنا عبثا في البحث عن إتشارة إلى هذه الظاهرة وعن عرض‬
‫واضح للموقف الذي تنوي أن تتخذه الصحيفة الجديدة من هذه المسألة‪ .‬ول نجد كلمة عن‬
‫العمل النظري ومهامه الملحة في الظرف الراهن ل في هذا البرنامج ول في ملحقه التي‬
‫أقرها المؤتمر الثالث لـ"ـلتحايد" في سنة ‪") (42)1901‬مؤتمران‪ :‬ص ص ‪ .(18-15‬لقد تجنبت‬
‫هيأة تحرير "رابوتشييه يديلو" المسائل النظرية طيلة هذا الوقت‪ ،‬مع أن هذه المسائل قد‬
‫استرعت اهتمام جميع التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين في العالم بأسره‪ .‬أما العلن الثاني‬
‫فعلى العكس من ذلك‪ :‬إنه يشير في البدء إلى ضعف الهتمام بالناحية النظرية خلل‬
‫السنوات الخيرة ويطلب بإلحاح "انتباها يقظا حيال الناحية النظرية في الحركة البروليتارية‬
‫الثورية" ويدعو إلى "توجيه نقد ل هوايدة فيه إلى الميول البرنشتينية وغيرها من الميول‬
‫المعايدية للثورة" في حركتنا‪ .‬والعدايد التي صدرت من "زاريا" توضح كيف ُنفذ هذا البرنامج‪.‬‬
‫وهكذا نرى أن العبارات الطنانة عن تحجر الفكر‪ ،‬وما إلى ذلك‪ ،‬تخفي وراءها عدم الهتمام‬
‫بتطوير الفكر النظري والعجز عن تطويره‪ .‬وما مثال التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين الروس إل‬
‫يدليل جلي على ظاهرة أوروبية عامة )أتشار إليها الماركسيون اللمان أيضا منذ أمد بعيد(‬
‫وهي أن حرية النقد الذائعة الصيت ل تعني استبدال نظرية بأخرى‪ ،‬بل تعني التحرر من كل‬
‫نظرية متكاملة ووليدة التفكير‪ ،‬تعني المذهب الختياري وانعدام المبايدئ‪ .‬ول بد لكل مطلع‬
‫على وضع حركتنا الواقعي‪ ،‬وإن جزئيا‪ ،‬من أن يلحظ أن انتشار الماركسية الواسع قد رافقه‬
‫بعض النحطاط في المستوى النظري‪ .‬فبسبب النجاحات العملية التي أحرزتها الحركة‬
‫وبسبب أهميتها العملية‪ ،‬انضم إليها كثيرون ضعيفون جدا أو صفر من حيث العدايد النظري‪.‬‬
‫ولذلك يمكننا أن نتبين مبلغ ما تظهر "رابوتشييه يديلو" من قلة ذوق عندما تستشهد‪ ،‬على‬
‫غرار المنتصرين‪ ،‬بعبارة ماركس‪" :‬إن كل خطوة تخطوها الحركة العملية أهم من يدستة من‬
‫البرامج")‪ .(43‬إن تكرار هذه الكلمات في مرحلة الضطراب النظري يشبه صراخ من يصرخ‪:‬‬
‫"إن تشاء الله يدايمه!" عند رؤية جنازة‪ .‬أضف إلى ذلك أن كلمات ماركس هذه مأخوذة من‬
‫رسالته بصديد برنامج غوتا)‪ (44‬حيث ينديد بشدة بالمذهب الختياري في صياغة المبايدئ‪ .‬فقد‬
‫كتب ماركس إلى زعماء الحزب‪ :‬إذا كانت هنالك من حاجة إلى التحايد‪ ،‬فاعقدوا معاهدات بغية‬
‫بلوغ أهداف عملية تقتضيها الحركة‪ ،‬ولكن إياكم والمساومة بالمبايدئ‪ ،‬إياكم و"التنازل"‬
‫النظري‪ .‬هذه هي فكرة ماركس‪ .‬وها نحن نجد بيننا أناسا يستغلون اسمه للتقليل من أهمية‬
‫النظرية! ل حركة ثورية بدون نظرية ثورية‪ .‬إننا ل نبالغ مهما تشديدنا على هذه الفكرة في‬
‫مرحلة يسير فيها التبشير الشائع بالنتهازية جنبا إلى جنب مع الميل إلى أتشكال النشاط‬
‫العملي الضيقة جدا‪ .‬وتزيدايد أهمية النظرية بالنسبة للتشتراكية‪-‬الديموقراطية الروسية لثلثة‬
‫أسباب كثيرا ما ينسونها‪ ،‬هي‪ :‬أول‪ ،‬أن حزبنا ما يزال في يدور التكوين‪ ،‬ما يزال في يدور‬
‫تشكيل سيماء وجهه وهو ما يزال بعيدا عن أن يصفي الحساب مع اتجاهات الفكر الثوري‬
‫الخرى التي تهديد بإخراج الحركة عن الطريق القويم‪ .‬ففي الونة الخيرة‪ ،‬على وجه الضبط‪،‬‬
‫نشاهد‪ ،‬بالعكس‪ ،‬انتعاش التجاهات الثورية غير التشتراكية‪-‬الديموقراطية )كما تنبأ اكسلرويد‬
‫بذلك "للقتصايديين" منذ أمد بعيد(‪ .‬وفي هذه الظروف يمكن لخطأ يبدو لول وهلة "غير ذي‬
‫تشأن" أن يسفر عن أوخم العواقب‪ ،‬وينبغي للمرء أن يكون قصير النظر حتى يعتبر الجدال‬
‫فَرق والتحديد الدقيق للفروق الصغيرة أمرا في غير أوانه أو ل يداعي له‪ .‬فعلى توطد‬ ‫بين ال ِ‬
‫هذا "الفرق الصغير" أو ذلك قد يتوقف مستقبل التشتراكية‪-‬الديموقراطية الروسية لسنوات‬
‫طويلة‪ ،‬طويلة جدا‪ .‬ثانيا‪ ،‬إن الحركة التشتراكية‪-‬الديموقراطية هي حركة أممية في جوهرها‪.‬‬
‫وذلك ل يعني فقط أنه يتعين علينا أن نناضل ضد الشوفينية في بليدنا‪ .‬بل ذلك يعني أيضا أن‬
‫الحركة المبتدئة في بليد فتية ل يمكن أن تكون ناجحة إل إذا استوعبت تجربة البلدان الخرى‪.‬‬
‫ولبلوغ ذلك ل يكفي مجريد الطلع على هذه التجربة أو مجريد نسخ القرارات الخيرة‪ .‬إنما‬
‫يتطلب هذا من المرء أن يمحص هذه التجربة وأن يتحقق منها بنفسه‪ .‬وكل من يستطيع أن‬
‫يتصور مبلغ اتساع وتشعب حركة العمال المعاصرة‪ ،‬يفهم مبلغ ما يتطلبه القيام بهذه المهمة‬
‫من احتياطي من القوى النظرية والتجربة السياسية )والثورية أيضا(‪ .‬ثالثا‪ ،‬لم يسبق أن‬
‫طرحت أمام أي حزب اتشتراكي في العالم مهام كالمهام الوطنية المطروحة أمام التشتراكية‪-‬‬
‫الديموقراطية الروسية‪ .‬وسنتناول فيما يأتي من البحث الواجبات السياسية والتنظيمية التي‬
‫تلقيها على عاتقنا مهمة تحرير الشعب كله من نير الحكم المطلق‪ .‬وبويدنا فقط أن نشير هنا‬
‫‪10‬‬
‫إلى أنه ل يستطيع القيام بدور مناضل الطليعة إل حزب يسترتشد بنظرية الطليعة‪ .‬وإذا تشاء‬
‫القارئ أن يكون لنفسه فكرة واضحة لحد ما عن معنى ذلك‪ ،‬فليتذكر أسلف التشتراكية‪-‬‬
‫الديموقراطية الروسية من أمثال هرتسين وبيلينسكي وتشيرنيشيفسكي والكوكبة الرائعة‬
‫من ثوريي العقد الثامن‪ ،‬فليفكر بالهمية العالمية التي يكتسبها اليدب الروسي في الوقت‬
‫الراهن‪ ،‬فليفكر… ولكن ذلك يكفي! ولنوريد هنا ملحظات كتبها إنجلس سنة ‪ 1874‬عن أهمية‬
‫النظرية في الحركة التشتراكية‪-‬الديموقراطية‪ .‬إن إنجلس ل يعترف بشكلين اثنين في نضال‬
‫التشتراكية‪-‬الديموقراطية العظيم )سياسي واقتصايدي( ‪ -‬كما جرت العايدة عندنا‪ -‬بل يعترف‬
‫بثلثة أتشكال واضعا في مصاف الشكلين المذكورين النضال النظري‪ .‬وما توصيته لحركة‬
‫العمال اللمانية التي كانت قد توطدت عمليا وسياسيا‪ ،‬إل بليغة العبرة من وجهة نظر‬
‫المشاكل والمناقشات الراهنة بحيث نحسب أن القارئ لن يلومنا إذا ذكرنا مقطعا طويل من‬
‫مقدمة لكراس "‪ Der deutsche‬الذي غدا منذ وقت طويل من الكتب النايدرة جدا‪" :‬يمتاز‬
‫العمال اللمان‪ "Bauernkrieg‬عن عمال بقية أوروبا‪ ،‬بميزتين هامتين‪ .‬الولى انتماؤهم إلى‬
‫أعرق تشعب أوروبي في النظرية واحتفاظهم بالملكة النظرية التي فقدتها تماما‪ ،‬أو كايدت‪،‬‬
‫الطبقات المدعوة "بالمثقفة" في ألمانيا‪ .‬فالتشتراكية العلمية اللمانية وهي التشتراكية‬
‫العلمية الوحيدة التي وجدت حتى الن‪ ،‬ما كانت لتوجد قط لول الفلسفة اللمانية التي‬
‫سبقتها‪ ،‬وبوجه خاص فلسفة هيغل‪ .‬ولول الملكة النظرية لدى العمال لما تغلغلت التشتراكية‬
‫العلمية في يدمائهم إلى هذا الحد الذي نراه الن‪ .‬ويبين لنا مبلغ عظمة هذه المزية‪ ،‬من جهة‪،‬‬
‫عدم الكتراث بأي نظرية‪ ،‬الذي هو سبب من السباب الرئيسية التي تجعل حركة العمال‬
‫النكليزية تتقدم بهذا البطء بالرغم من التنظيم الرائع في بعض الحرف؛ ويبين لنا ذلك‪ ،‬من‬
‫جهة أخرى‪ ،‬ما نراه من اضطراب وتريديد بذرتهما البرويدونية)‪ (45‬في تشكلها البدائي بين‬
‫الفرنسيين والبلجيكيين‪ ،‬وبشكلها الكاريكاتوري الذي أعطاها إياه باكونين بين السبانيين‬
‫واليطاليين‪ .‬والمزية الثانية هي كون اللمان قد اتشتركوا في حركة العمال بعد الجميع‬
‫تقريبا‪ .‬وكما أن التشتراكية اللمانية النظرية لن تنسى أبدا أنها تستند إلى سان سيمون‬
‫وفوريه وأوين ‪ -‬المفكرين الثلثة الذين يقفون‪ ،‬بالرغم من كل الطابع الخيالي الطوبوي في‬
‫تعاليمهم في مصاف أعظم اليدمغة التي عرفتها جميع الزمنة‪ ،‬والذين كانوا السابقين بصورة‬
‫عبقرية إلى كثرة كبيرة من الحقائق التي نبرهن نحن اليوم على صحتها عمليا‪ ،‬كذلك ينبغي‬
‫لحركة العمال اللمانية العملية أن ل تنسى أبدا أنها تطورت استنايدا إلى الحركتين النكليزية‬
‫والفرنسية وأنه أتيح لها بكل بساطة أن تستفيد مما اكتسبتاه من تجربة كلفتهما غاليا‪ ،‬وأن‬
‫تتلفى الن الخطاء التي كانت آنئذ أمرا ل مفر منه في معظم الحالت‪ .‬فأي وضع كنا فيه‬
‫الن لول نموذج التريديونيونات النكليزية ونضال العمال الفرنسيين السياسي‪ ،‬ولول الندفاع‬
‫العظيم الذي سببته كومونة باريس بوجه خاص؟ ل بد لنا من أن نعترف للعمال اللمان بأنهم‬
‫استفايدوا بمهارة فائقة من مزايا وضعهم‪ .‬فلول مرة منذ وجدت حركة العمال يجري النضال‬
‫بصورة منتظمة في جميع اتجاهاته الثلثة المنسجمة والمترابطة‪ :‬التجاه النظري والتجاه‬
‫السياسي والتجاه القتصايدي العملي )مقاومة الرأسماليين(‪ .‬وفي هذا الهجوم المركز‪ ،‬إن‬
‫أمكن القول‪ ،‬تكمن قوة الحركة اللمانية ومنعتها‪ .‬بفضل هذا الوضع المفيد‪ ،‬من جهة‪،‬‬
‫وبفضل خصائص الحركة النكليزية‪ ،‬التي تنجم من كونها تتطور في ظروف الجزيرة‪ ،‬وقمع‬
‫الحركة الفرنسية بالقوة‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬يقف العمال اللمان الن في طليعة النضال‬
‫حّتاَم تسمح لهم الحداث بملء هذا المركز المشرف؟ هذا ما ل يمكن التنبؤ به‪.‬‬ ‫البروليتاري‪َ .‬‬
‫ولكن ينبغي لنا أن نأمل بأنهم ما يداموا يشغلون هذا المركز‪ ،‬سيقومون كما يجب بالمهام‬
‫التي يفرضها عليهم‪ .‬وهذا يقتضي مضاعفة الجهويد المبذولة في جميع ميايدين النضال‬
‫والتحريض‪ .‬وسيكون واجب القايدة على وجه الخصوص أن يثقفوا أنفسهم أكثر فأكثر في‬
‫جميع المسائل النظرية وأن يتخلصوا أكثر فأكثر من تأثير العبارات التقليدية المستعارة من‬
‫العقيدة القديمة وأن يأخذوا يدائما بعين العتبار أن التشتراكية‪ ،‬مذ غدت علما‪ ،‬تتطلب أن‬
‫ُتعامل كما ُيعامل العلم‪ ،‬أي تتطلب أن تدرس‪ .‬والوعي الذي يكتسب بهذا الشكل ويزيدايد‬
‫وضوحا‪ ،‬ينبغي أن ينشر بين جماهير العمال بهمة مضاعفة أبدا‪ ،‬كما ينبغي أن يزيدايد على‬
‫الدوام تماسك صفوف منظمة الحزب ومنظمة النقابات… … وإذا استمر العمال اللمان في‬
‫التقدم بهذا الشكل‪ ،‬فإنهم ‪ -‬ل أريد أن أقول أنهم سيسيرون في طليعة الحركة‪ ،‬فليس من‬
‫مصلحة الحركة على الطلق أن يسير عمال أمة ما‪ ،‬يدون سائر المم‪ ،‬في طليعتها‪ -‬بل أريد‬
‫‪11‬‬
‫أن أقول أنهم سيشغلون مركزا مشرفا في صفوف المناضلين وسيجدون أنفسهم على أتم‬
‫الهبة إذا ما ظهرت على حين غرة محن قاسية أو حوايدث عظمى تتطلب منهم مزيدا من‬
‫الشجاعة والحزم والهمة"‪ .‬لقد ظهرت كلمات إنجلس وكأنها نبوءة‪ .‬فبعد مضي بضع سنوات‬
‫واجهت العمال اللمان على حين غرة محن قاسية هي القانون الستثنائي ضد التشتراكيين‪.‬‬
‫وقد استقبلها العمال اللمان فعل وهم على أتم الهبة وخرجوا منها ظافرين‪ .‬وستواجه‬
‫البروليتاريا الروسية محنا أفظع بما ل يقاس؛ ففي انتظارها صراع مع وحش ليس القانون‬
‫الستثنائي في بليد يدستورية بالنسبة إليه أكثر من قزم‪ .‬إن التاريخ يلقي على عاتقنا الن‬
‫مهمة مباتشرة هي أكثر ثورية من جميع المهمات المباتشرة الموضوعة أمام البروليتاريا في‬
‫أي قطر آخر‪ .‬وإن إنجاز هذه المهمة‪ ،‬أي تحطيم أقوى حصن للرجعية الوروبية بل )وهو‬
‫تشيء نستطيع قوله الن( للرجعية السيوية أيضا‪ ،‬سيجعل من البروليتاريا الروسية طليعة‬
‫البروليتاريا الثورية العالمية‪ .‬ويحق لنا أن نأمل بالحصول على هذا اللقب المشرف الذي‬
‫اكتسبه عن جدارة أسلفنا ثوريو العقد الثامن‪ ،‬وذلك إذا استطعنا أن نبث في حركتنا‪ ،‬وهي‬
‫أوسع وأعمق بألف مرة‪ ،‬مثلما بثوا من تصميم ومن همة ل يعرفان حدويدا‪.‬‬

‫‪-II‬عفوية الجماهير ووعي التشتراكية‪-‬الديموقراطية‬

‫لقد قلنا أن حركتنا أوسع وأعمق بكثير من حركة العقد الثامن‪ ،‬وأن من الضروري أن نبث‬
‫فيها ما اتصفت به الحركة في ذلك الحين من تصميم ومن همة ل يعرفان حدويدا‪ .‬والواقع أنه‬
‫لم يشك أحد حتى الن‪ ،‬كما يبدو‪ ،‬في أن قوة الحركة المعاصرة تكمن في استيقاظ الجماهير‬
‫)وبصورة رئيسية البروليتاريا الصناعية( وفي أن ضعفها يكمن في عدم كفاية وعي ومبايدرة‬
‫القايدة الثوريين‪ .‬بيد أنه قد ظهر في الونة الخيرة اكتشاف خارق يهديد بأن يقلب رأسا على‬
‫عقب جميع النظرات السائدة حتى الن بصديد هذه المسألة‪ .‬وهذا الكتشاف يعويد فضله إلى‬
‫"رابوتشييه يديلو"‪ ،‬التي لم تقتصر في جدالها مع "اليسكرا" و"زاريا" على اعتراضات حول‬
‫الجزئيات‪ ،‬بل حاولت أن تحصر "الخلف العام" في جذر أعمق‪ ،‬في "الختلف في تقدير‬
‫الهمية النسبية للعنصر العفوي وللعنصر "المنهاجي الواعي"‪ .‬وتصوغ "رابوتشييه يديلو"‬
‫التهام كما يلي‪":‬التقليل من أهمية العنصر الموضوعي أو العفوي في التطور"•‪ .‬ونحن نجيب‬
‫على ذلك‪ :‬إذا كان جدال "اليسكرا" و"زاريا" لم يعط البتة أية نتيجة غير حفز "رابوتشييه‬
‫يديلو" إلى أن تذهب بتفكيرها إلى هذا "الخلف العام"‪ ،‬فإن هذه النتيجة وحدها ترضينا كل‬
‫الرضى ما يدامت هذه الموضوعة عميقة في يدللتها‪ ،‬ما يدامت تظهر بهذا الوضوح كل جوهر‬
‫الخلفات النظرية والسياسية الحالية بين التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين الروس‪ .‬ولذا تسترعي‬
‫مسألة العلقة بين الوعي والعفوية هذا الهتمام الكبير العام‪ ،‬وينبغي تناول هذه المسألة‬
‫بكل تفصيل‪.‬‬

‫أ( بدء النهوض العفوي‬

‫أتشرنا في الفصل السابق إلى ولوع الشبيبة الروسية المتعلمة العام في منتصف العقد‬
‫العاتشر بالنظرية الماركسية‪ .‬وفي ذلك الحين نفسه تقريبا‪ ،‬اتخذت إضرابات العمال مثل هذا‬
‫الطابع العام بعد الحرب الصناعية المشهورة سنة ‪ 1896‬ببطرسبورغ)‪ .(46‬وكان انتشار هذه‬
‫الضرابات في روسيا من أقصاها إلى أقصاها يدليل جليا على مبلغ عمق الحركة الشعبية‬
‫‪12‬‬
‫الناهضة من جديد‪ .‬وإذا ما أريدنا الحديث عن "العنصر العفوي" فل بد طبعا من العتراف بأن‬
‫هذه الحركة الضرابية كانت عفوية بالدرجة الولى‪ .‬ولكن هناك عفوية وعفوية‪ .‬فقد حدثت‬
‫إضرابات في روسيا كذلك في العقد الثامن وفي العقد السابع )وحتى في النصف الول من‬
‫القرن التاسع عشر( ورافقها تحطيم "عفوي" للماكينات وغير ذلك‪ .‬وإذا قورنت إضرابات‬
‫العقد العاتشر بهذه "المشاغبات"‪ ،‬أمكن وصفها بـ"الوعي" لعظم الخطوة التي خطتها حركة‬
‫العمال إلى المام في هذه الفترة‪ .‬وهذا ما يوضح لنا أن "العنصر العفوي" ليس في الجوهر‬
‫غير الشكل الجنيني للوعي‪ .‬فالمشاغبات البدائية كانت تفصح منذ ذلك الحين عن نوع من‬
‫استيقاظ الوعي‪ :‬كان العمال يفقدون إيمانهم القديم بثبات الوضاع التي ترهقهم وأخذوا…‬
‫يحسون ‪ -‬ول أقول يفهمون‪ -‬ضرورة المقاومة الجماعية ويكفون بحزم عن الخنوع الذليل‬
‫لصحاب المر والنهي‪ .‬ولكن ذلك كان على كل حال مظهرا أتشبه باليأس والنتقام منه‬
‫بالنضال‪ .‬أما إضرابات العقد العاتشر فترينا من ومضات الوعي أكثر بكثير‪ :‬فقد وضعت مطالب‬
‫معينة وحسبت مسبقا اللحظة المناسبة وبحثت حوايدث وأمثلة معروفة من المناطق الخرى‬
‫الخ‪ ..‬ولئن كانت المشاغبات مجريد إنتفاضات أناس مظلومين‪ ،‬فإن الضرابات المتوالية كانت‬
‫مظهرا من مظاهر النضال الطبقي بشكله الجنيني‪ ،‬ولكن بشكله الجنيني ل أكثر ول أقل‪.‬‬
‫وإذا أخذنا هذه الضرابات بحد ذاتها‪ ،‬وجدنا أنها كانت نضال تريديونيونيا‪ ،‬ولم تصبح بعد نضال‬
‫إتشتراكيا‪-‬يديموقراطيا‪ .‬لقد أفصحت عن بروز التناحر بين العمال وأصحاب العمال‪ ،‬ولكن‬
‫العمال لم يعوا ولم يكن من الممكن أن يعوا التضايد المستعصي بين مصالحهم وبين كل‬
‫النظام السياسي والجتماعي القائم‪ ،‬أي أنهم لم يحصلوا على الوعي التشتراكي‪-‬‬
‫الديموقراطي‪ .‬وبهذا المعنى ظلت إضرابات العقد العاتشر حركة عفوية محضا بالرغم من‬
‫التقدم الكبير الذي تم بالقياس إلى "المشاغبات"‪ .‬قلنا أن الوعي التشتراكي‪-‬الديموقراطي‬
‫لم يكن في المكان أن يوجد آنئذ لدى العمال‪ ،‬إذ أنه ل يمكن للعمال أن يحصلوا على هذا‬
‫الوعي إل من خارج نطاقهم‪ .‬ولنا في تاريخ جميع البلدان تشاهد على أن الطبقة العاملة ل‬
‫تستطيع أن تكتسب بقواها الخاصة فقط غير الوعي التريديونيوني‪ ،‬أي القتناع بضرورة‬
‫النتظام في نقابات والنضال ضد أصحاب ‪‬العمال ومطالبة الحكومة بإصدار هذه أو تلك من‬
‫القوانين الضرورية للعمال‪ ،‬الخ‪ ..‬أما التعاليم التشتراكية‪ ،‬فقد انبثقت عن النظريات‬
‫الفلسفية والتاريخية والقتصايدية التي وضعها المتعلمون من ممثلي الطبقات المالكة‪،‬‬
‫وضعها المثقفون‪ .‬إن مؤسسي التشتراكية العلمية المعاصرة‪ ،‬ماركس وإنجلس‪ ،‬ينتسبان أيضا‬
‫من حيث وضعهما الجتماعي إلى المثقفين البرجوازيين‪ .‬وكذلك المر في روسيا‪ ،‬فقد انبثق‬
‫مذهب التشتراكية‪-‬الديموقراطية النظري بصورة مستقلة تماما عن النهوض العفوي لحركة‬
‫العمال‪ ،‬انبثق بوصفه نتيجة طبيعية محتومة لتطور الفكر لدى المثقفين التشتراكيين‬
‫الثوريين‪ .‬وفي الحقبة التي نتحدث عنها‪ ،‬أي بحلول منتصف العقد العاتشر‪ ،‬كان هذا المذهب‬
‫قد جذب إليه أكثرية الشبيبة الثورية في روسيا فضل عن أنه قد غدا برنامجا كامل التكوين‬
‫لفرقة "تحرير العمل"‪ .‬وهكذا كانت توجد في وقت واحد يقظة عفوية لجماهير العمال‪ ،‬يقظة‬
‫إلى الحياة الواعية وإلى النضال الواعي‪ ،‬وتشبيبة ثورية مسلحة بالنظرية التشتراكية‪-‬‬
‫الديموقراطية كانت تتحرق رغبة في التقرب من العمال‪ .‬هذا ومن الهام جدا أن نثبت هنا‬
‫واقعا‪ ،‬كثيرا ما ينسى )ول يعرفه إل القليل نسبيا(‪ ،‬وهو أن الرعيل الول من التشتراكيين‪-‬‬
‫الديموقراطيين الذين انصرفوا بحمية في تلك المرحلة إلى التحريض القتصايدي )آخذين بعين‬
‫العتبار الملحظات المفيدة حقا والواريدة في كراس "في التحريض" الذي كان ل يزال‬
‫مخطوطة آنئذ(‪ ،‬لم يعتبروه مهمتهم الوحيدة‪ ،‬بل لقد وضعوا أمام التشتراكية‪-‬الديموقراطية‬
‫الروسية منذ البدء أوسع المهام التاريخية بوجه عام ومهمة إسقاط الحكم المطلق بوجه‬
‫خاص‪ .‬ونقول على سبيل المثال أن جماعة التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين التي أسست في‬
‫بطرسبورغ "إتحايد النضال من أجل تحرير الطبقة العاملة")‪ (47‬قد أعدت منذ أواخر عام‬
‫‪ 1895‬العديد الول من جريدة اسمها "رابوتشييه يديلو"‪ .‬وكان هذا العديد جاهزا تماما للطبع‬
‫عندما صايدره الدرك أثناء غارة تشنها في ليلة ‪ 8‬إلى ‪ 9‬كانون الول )يديسمبر( سنة ‪ 1895‬من‬
‫عند أحد أعضاء الجماعة‪ ،‬وهو ‪ .‬ولم تستطع "رابوتشييه يديلو" في تشكلها الول أن ترى‬
‫‪ ‬أناتولي الكسييفيتش فانييف النور‪ .‬وقد رسمت افتتاحية هذه الجريدة )التي يحتمل أن‬
‫تنتشلها من محفوظات مديرية الشرطة بعد حوالي ثلثين سنة مجلة كمجلة "روسكايا‬
‫ستارينا")‪ ((48‬المهام التاريخية التي تواجه الطبقة العاملة في روسيا ووضعت على رأس‬
‫‪13‬‬
‫م يفكر وزراؤنا؟"‪،‬‬ ‫هذه المهام اكتساب الحرية السياسية‪ .‬ويأتي بعد هذه الفتتاحية مقال‪" :‬ب ِ َ‬
‫وقد تناول تحطيم الشرطة للجان مكافحة المية‪ ،‬ومجموعة من الرسائل ل من بطرسبورغ‬
‫وحدها‪ ،‬بل أيضا من مناطق أخرى في روسيا )مثل عن مذبحة العمال في محافظة‬
‫ياروسلفل)‪ .((49‬وهكذا فإن هذه "التجربة الولى" ‪ -‬إذا لم أخطئ ‪ -‬للتشتراكيين‪-‬‬
‫الديموقراطيين الروس في العقد العاتشر كانت عبارة عن جريدة ليس طابعها محليا ضيقا‪،‬‬
‫وبالحرى ليس "باقتصايدي"‪ ،‬وقد سعت وراء ربط النضال الضرابي بالحركة الثورية ضد‬
‫الحكم المطلق وإلى استنهاض كل من يعاني نير سياسة الظلمية الرجعية إلى تأييد‬
‫التشتراكية‪-‬الديموقراطية‪ .‬وليس من مجال للشك لدى كل مطلع على حالة الحركة في ذلك‬
‫العهد ولو بعض الطلع‪ ،‬في أنه كان ينتظر هذه الجريدة انتشار واسع جدا وتأييد تام لدى‬
‫عمال العاصمة والمثقفين الثوريين‪ .‬أما إخفاق القضية‪ ،‬فإن برهن على تشيء‪ ،‬فقد برهن‬
‫على أن التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين في ذلك العهد كانوا عاجزين عن الستجابة لمطلب‬
‫الساعة‪ ،‬بسبب قلة تجربتهم الثورية ونقص استعدايدهم العملي‪ .‬والشيء نفسه ينبغي أن‬
‫يقال عن "سانت بطرسبورغسكي رابوتشي ليستوك")‪ (50‬وبوجه خاص عن "رابوتشايا‬
‫غازيتا" وعن "بيان" حزب العمال التشتراكي‪-‬الديموقراطي في روسيا)‪ (51‬الذي تأسس في‬
‫ربيع ‪ .1898‬وغني عن القول أنه حتى ل يخطر ببالنا أن نلوم مناضلي ذلك العهد على عدم‬
‫الستعدايد هذا‪ .‬ولكن‪ ،‬لكيما نستفيد من تجربة الحركة ولكيما نستخلص من هذه التجربة‬
‫الدروس العملية‪ ،‬ينبغي لنا أن نفهم كل الفهم أسباب هذه النقيصة أو تلك ومغزاها‪ .‬ولذا من‬
‫الهمية بمكان أن نثبت أن قسما )وربما الكثرية( من التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين المناضلين‬
‫في سنوات ‪ 1898-1895‬كانوا يعتبرون‪ ،‬وهم في ذلك على حق‪ ،‬أن من الممكن آنئذ‪ ،‬في‬
‫د‬
‫مستهل الحركة "العفوية" ‪ .‬ولما كان عدم استعدايد أكثرية ‪‬بالذات‪ ،‬التقدم بأوسع برنامج وأح ّ‬
‫تكتيك للنضال الثوريين ظاهرة طبيعية تماما‪ ،‬لم يمكن لهذا المر أن يستدعي أي خشية جدية‪.‬‬
‫وبما أن تعيين المهام كان صحيحا‪ ،‬وبما أنه قد وجدت الهمة لتكرار المحاولت بهدف تحقيق‬
‫هذه المهام‪ ،‬فإن الخفاقات المؤقتة لم تكن أكثر من نصف مصيبة‪ .‬فالتجربة الثورية‬
‫والمهارة التنظيمية أمران يكتسبان اكتسابا‪ ،‬والمهم أن يرغب المرء في تربية نفسه على‬
‫الصفات المطلوبة! والمهم أن يعي المرء النواقص‪ ،‬وهو ما يعايدل في العمل الثوري أكثر من‬
‫نصف إصلح الخطأ! ولكن نصف المصيبة غدا مصيبة كاملة عندما أخذ هذا الوعي يخبو )وقد‬
‫كان هذا الوعي قويا جدا لدى العاملين في صفوف الجماعات المذكورة أعله(‪ ،‬وعندما ظهر‬
‫أناس ‪ -‬وحتى صحف إتشتراكية‪-‬يديموقراطية ‪ -‬مستعدون لن يجعلوا من النقيصة فضيلة‬
‫وحاولوا حتى أن يبرروا نظريا خضوعهم الذليل أمام العفوية وتقديسهم لها‪ .‬وقد آن لنا أن‬
‫حديد‪ ،‬بابتعايد كبير عن الدقة‪ ،‬بتعبير "القتصايدية" الذي هو أضيق‬ ‫نلخص نتائج هذا التجاه الذي ي ُ َ‬
‫من أن يعبر عن محتوى هذا التجاه‪.‬‬

‫ب( تقديس العفوية‪" .‬رابوتشايا ميسل"‬

‫قبل أن ننتقل إلى مظاهر هذا التقديس في المطبوعات نذكر الواقع التالي البليغ في يدللته‬
‫)وقد بلغنا من المصدر المذكور أعله( والذي يلقي بعض الضوء مبينا كيف ولد ونما بين‬
‫الرفاق العاملين في بطرسبورغ الخلف بين التجاهين اللذين ظهرا فيما بعد في التشتراكية‪-‬‬
‫الديموقراطية الروسية‪ .‬في أوائل سنة ‪ 1897‬أتيح لفانييف ولبعض رفاقه أن يشتركوا‪ ،‬قبل‬
‫إرسالهم إلى المنفى‪ ،‬في اجتماع خاص)‪ (52‬التقى فيه "الشيوخ" و"الشباب" من أعضاء‬
‫"إتحايد النضال من أجل تحرير الطبقة العاملة"‪ .‬وقد يدار الحديث بصورة رئيسية حول التنظيم‬
‫وبوجه خاص حول "النظام الداخلي لصندوق العمال"‪ ،‬النظام الذي نشر بصيغته النهائية في‬
‫العديد ‪ 10-9‬من ليستوك "رابوتنيكا")‪) (53‬ص ‪ .(46‬وقد ظهر على الفور خلف كبير واحتدم‬
‫الجدل بين "الشيوخ" )"الديسمبريين" كما كان يلقبهم آنذاك التشتراكيون‪-‬الديموقراطيون‬
‫في بطرسبورغ مازحين( وبين بعض "الشباب" )الذين تعاونوا فيما بعد بنشاط مع "رابوتشايا‬
‫ميسل"(‪ .‬وقد يدافع "الشباب" عن السس الرئيسية للنظام الداخلي بصيغته المنشورة‪ .‬وقال‬
‫"الشيوخ"‪ :‬ليس هذا ما نحتاج إليه قبل كل تشيء‪ ،‬إنما نحتاج إلى توطيد "إتحايد النضال" لكيما‬
‫يصبح منظمة ثوريين تخضع لها مختلف صنايديق العمال وحلقات الدعاية بين الشباب‪-‬الطلبة‪،‬‬
‫الخ‪ ..‬وغني عن القول أنه لم يخطر ببال المتجايدلين أن يروا في هذا الخلف فاتحة الفتراق‪،‬‬
‫‪14‬‬
‫بل اعتبروه على العكس تشيئا منعزل وطارئا‪ .‬ولكن هذا الواقع يبين أن نشوء "القتصايدية"‬
‫وانتشارها لم يحدثا في روسيا كذلك بدون نضال ضد التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين "الشيوخ"‬
‫)المر الذي كثيرا ما ينساه "القتصايديون" الحاليون(‪ .‬وإذا كان هذا النضال لم يترك في أكثر‬
‫الحالت آثارا "وثائقية"‪ ،‬فالسبب الوحيد في ذلك أن تركيب الحلقات العاملة كان يتغير‬
‫بسرعة كبيرة جدا وأنه لم تتكون أية استمرارية‪ ،‬فلم تسجل بالتالي اختلفات وجهات النظر‬
‫في أية وثيقة‪ .‬إن ظهور "رابوتشايا ميسل" قد أخرج "القتصايدية" إلى وضح النهار‪ ،‬ولكن‬
‫ليس يدفعة واحدة أيضا‪ .‬ينبغي للمرء أن يكّون فكرة واضحة عن ظروف عمل العديد من‬
‫الحلقات الروسية وقصر آجالها )ول يستطيع ذلك إل الذي جرب المر بنفسه( لكيما يفهم‬
‫مدى الصدفة في نجاح أو إخفاق التجاه الجديد في مختلف المدن‪ ،‬وكيف أن أنصار هذا‬
‫"الجديد" وخصومه على السواء‪ ،‬كانوا عاجزين مدة طويلة‪ ،‬عاجزين تماما عن تحديد ما إذا كان‬
‫هذا إتجاه ا ً أصيل حقا‪ ،‬أو أنه مجريد تعبير عن النقص في استعدايد بعض التشخاص‪ .‬ونقول على‬
‫سبيل المثال أن التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين بأكثريتهم الكبرى حتى لم يعرفوا تشيئا على‬
‫الطلق عن العدايد الولى من "رابوتشايا ميسل" المطبوعة على الرونيو؛ وإذا كنا نستطيع‬
‫الن أن نستشهد بافتتاحية عديدها الول‪ ،‬فما ذلك إل بفضل إعايدة نشرها في مقالة ف‪ .‬إ‪) .‬‬
‫‪") (54‬ليستوك "رابوتنيكا" العديد ‪ ،10-9‬ص ‪ 47‬وما يليها( الذي لم يلبث طبعا أن كال المديح‬
‫بإفراط ‪ -‬بإفراط تجاوز المعقول ‪ -‬للجريدة الجديدة التي تختلف اختلفا بينا عن الجرائد‬
‫ومشاريع الجرائد التي ذكرناها أعله•‪ .‬وخليق بنا أن نقف وقفة عند هذه الفتتاحية ما يدامت‬
‫قد أفصحت بمثل هذا الوضوح عن كامل روح "رابوتشايا ميسل" و"القتصايدية" بوجه عام‪ .‬بعد‬
‫أن قالت الفتتاحية أن ساعد صاحب الكم الزرق)‪ (55‬أعجز من أن يوقف تطور حركة العمال‬
‫تستطريد قائلة‪ ..." :‬إن حركة العمال مدينة بمثل هذه الحيوية لكون العامل نفسه قد أخذ في‬
‫النهاية مصيره على عاتقه بعد أن انتزعه من أيدي القايدة"؛ ومن ثم تعالج هذه الفكرة‬
‫الساسية من جميع الوجوه‪ .‬والواقع أن القايدة )أي التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين منظمي‬
‫"إتحايد النضال"( قد انتزعتهم ؛ هذا بينما توضع القضية بشكل يبدو منه أن ‪‬الشرطة‪ ،‬كما‬
‫يمكن القول‪ ،‬من أيدي العمال العمال قد ناضلوا ضد هؤلء القايدة وتحرروا من نيرهم! وبدل‬
‫من النداء للسير إلى أمام‪ ،‬إلى توطيد التنظيم الثوري‪ ،‬وتوسيع النشاط السياسي‪ ،‬ارتفعت‬
‫الدعوة للرتدايد إلى الوراء‪ ،‬إلى النضال التريديونيوني وحده‪ .‬وُأعلن أن " الساس القتصايدي‬
‫للحركة يحجبه النزوع إلى عدم نسيان المثل العلى السياسي على الطلق"‪ ،‬وأن تشعار‬
‫حركة العمال هو "النضال من أجل الحالة القتصايدية" )!( أو‪ ،‬وهو الحسن‪" ،‬العمال للعمال"؛‬
‫و ُأعلن أن صنايديق الضرابات هي "أهم بالنسبة للحركة من مئة منظمة أخرى" )قارنوا هذا‬
‫القول العائد لتشرين الول )أكتوبر( سنة ‪ 1897‬بجدال "الديسمبريين" و"الشباب" في أوائل‬
‫سنة ‪ (1897‬الخ‪ ..‬ثم إن صيغا َ من نوع‪ :‬ينبغي أن نضع في المقام الول ل "نخبة" العمال‪ ،‬بل‬
‫العامل "المتوسط"‪ ،‬العامل العايدي أو من نوع‪" :‬السياسة تسير يدائما الخ‪ ،..‬الخ‪ ،.‬قد غدت‬
‫على الموضة وأصبح لها تأثير ل يقهر في ‪‬بطواعية خلف القتصايد" الشبيبة التي انجرت إلى‬
‫الحركة والتي ل تعرف من الماركسية في أكثر الحالت غير فقرات في صياغتها العلنية‪ .‬وقد‬
‫كان هذا تحطيما تاما للوعي من قبل العفوية‪ ،‬من قبل عفوية أولئك "التشتراكيين‪-‬‬
‫الديموقراطيين" الذين كرروا "أفكار" السيد ف‪.‬ف‪ ،.‬من قبل عفوية أولئك العمال الذين‬
‫أغرتهم الحجة القائلة بأن زيايدة كوبيك على روبل أغلى وأعز من كل اتشتراكية وكل سياسة‬
‫وأنه ينبغي لهم أن يقوموا "بالنضال مدركين أنهم إنما يناضلون ل من أجل أجيال مقبلة ما‪،‬‬
‫بل من أجل أنفسهم ومن أجل أوليدهم" )افتتاحية العديد ‪ 1‬من "رابوتشايا ميسل"(‪ .‬إن أمثال‬
‫هذه العبارات قد كانت على الدوام السلح المحبب للبرجوازيين في أوروبا الغربية الذين ‪-‬‬
‫من كرههم للتشتراكية ‪ -‬انصرفوا بأنفسهم )على غرار "التشتراكي‪-‬السياسي" اللماني‬
‫غيرش( إلى غرس التريديونيونية هو نضال ‪‬النكليزية في تربتهم الوطنية قائلين للعمال أن‬
‫النضال النقابي فقط لنفسهم ولوليدهم‪ ،‬ل لجيال مقبلة ما مع اتشتراكية مقبلة ما‪ .‬وها‬
‫نحن نرى السايدة أضراب "ف‪.‬ف‪ .‬رجل التشتراكية‪-‬الديموقراطية الروسية" يكررون الن هذه‬
‫العبارات البرجوازية‪ .‬ومن الهام أن نشير هنا إلى ثلثة أمور ستفيدنا جدا في تحليلنا اللحق ‪.‬‬
‫أول‪ ،‬إن ما تحدثنا عنه بصديد تحطيم الوعي من قبل العفوية قد حدث ‪‬للخلفات الراهنة كذلك‬
‫بشكل عفوي‪ .‬ويبدو ذلك من قبيل التلعب باللفاظ‪ ،‬ولكنه ‪ -‬ويا للسف! ‪ -‬الحقيقة المرة‪.‬‬
‫إنه لم يجر عن طريق نضال سافر بين مفهومين متعارضين كل التعارض وانتصار أحدهما‬
‫‪15‬‬
‫على الخر‪ .‬بل عن طريق "انتزاع" الدرك للثوريين "الشيوخ" بعديد يتزايد باستمرار وعن‬
‫طريق بروز عديد يتزايد باستمرار من "الشباب" أضراب "ف‪.‬ف‪ .‬رجل التشتراكية‪-‬‬
‫الديموقراطية الروسية"‪ .‬إن كل من اتشتم هواء الحركة الروسية المعاصرة‪ ،‬ول أقول اتشترك‬
‫فيها‪ ،‬يعلم خير العلم أن المر كان كذلك على وجه الضبط‪ .‬وإذا كنا نلح مع ذلك إلحاحا خاصا‬
‫على أن يدرك القارئ إيدراكا تاما هذا الواقع المعروف من الجميع‪ ،‬وإذا كنا‪ ،‬قصد اليضاح‪ ،‬إن‬
‫جاز القول‪ ،‬نوريد معطيات عن "رابوتشييه يديلو" في طورها الول وعن الجدال الذي قام بين‬
‫"الشيوخ" و"الشباب" في أوائل سنة ‪ - 1897‬فما ذلك إل لوجويد أناس يتبجحون‬
‫بـ"يديموقراطيتـ"هم مستغلين جهل الجمهور الواسع )أو الشباب الحديثي السن( لهذه‬
‫الحقيقة‪ .‬ولنا عويدة إلى ذلك‪ .‬ثانيا‪ ،‬يمكننا‪ ،‬مذ ظهرت "القتصايدية" لول مرة في‬
‫المطبوعات‪ ،‬أن نلحظ ظاهرة فريدة وبليغة في يدللتها من حيث فهم جميع الخلفات القائمة‬
‫بين التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين في الوقت الحاضر‪ ،‬وهي أن أنصار "الحركة العمالية‬
‫الصرف"‪ ،‬أنصار أوثق الرتباط "العضوي" )تعبير "رابوتشييه يديلو"( بالنضال البروليتاري‪،‬‬
‫خصوم جميع المثقفين غير العمال )حتى ولو كانوا مثقفين اتشتراكيين( يضطرون في الدفاع‬
‫عن مواقفهم إلى اللتجاء إلى حجج "التريديونيونيين ‪ -‬فقط" البرجوازيين‪ .‬وهذا ما يبين لنا‬
‫أن "رابوتشايا ميسل" قد أخذت منذ ظهورها تطبق ‪ -‬عن غير وعي‪ -‬برنامج "‪"Credo‬‬
‫)"الكريدو"(‪ .‬كما يبين هذا )وهو ما ل تستطيع "رابوتشييه يديلو" أن تفهمه( أن كل تقديس‬
‫لعفوية حركة العمال‪ ،‬كل انتقاص من يدور "عنصر الوعي"‪ ،‬يدور التشتراكية‪-‬الديموقراطية‪،‬‬
‫يعني ‪ -‬سواء أرايد المنتقص أم لم يريد‪ ،‬فليس لذلك أقل أهمية‪ -‬تقوية نفوذ اليديولوجية‬
‫البرجوازية في العمال‪ .‬إن كل من ‪ ،‬عن المغالة في يدور عنصر ‪‬يتحدث عن "تقدير أهمية‬
‫اليديولوجية بأكثر مما تستحق" الوعي• الخ‪ ،.‬يتصور أن الحركة العمالية الصرف تستطيع بحد‬
‫ذاتها أن تصنع لنفسها وأنها ستصنع لنفسها بالتأكيد إيديولوجية مستقلة‪ ،‬وأن ذلك ل يتطلب‬
‫غير قيام العمال "بانتزاع مصيرهم من أيدي القايدة"‪ .‬ولكن هذا خطأ فاحش‪ .‬وبالضافة إلى‬
‫ما قلناه آنفا‪ ،‬نثبت هنا كلمات ك‪ .‬كاوتسكي التالية الهامة والعميقة في صدقها‪ ،‬هذه الكلمات‬
‫التي ‪" :‬يحسب ‪‬قالها بصديد مشروع البرنامج الجديد للحزب التشتراكي‪-‬الديموقراطي‬
‫النمساوي كثيرون من نقايدنا المحرفين أن ماركس قد أكد أن التطور القتصايدي والنضال‬
‫الطبقي ل يخلقان ظروف النتاج التشتراكي وحسب‪ ،‬بل يخلقان مباتشرة أيضا وعي )إتشارة‬
‫التأكيد لكاوتسكي( ضرورته‪ .‬وها هم هؤلء النقايد يعترضون بأن إنكلترا‪ ،‬البليد الكثر تطورا‬
‫من الناحية الرأسمالية‪ ،‬هي أبعد الجميع عن هذا الوعي‪ .‬إن مشروع البرنامج يفسح مجال‬
‫للظن بأن اللجنة التي وضعت البرنامج النمساوي تشارك وجهة النظر هذه‪ ،‬التي يزعم أنها‬
‫ماركسية أرثوذكسية‪ ،‬والتي يدحضها المثال المشار إليه‪ .‬فقد جاء في المشروع‪" :‬بمقدار ما‬
‫تتزايد البروليتاريا نتيجة للتطور الرأسمالي‪ ،‬تزيدايد اضطرارا إلى النضال ضد الرأسمالية‬
‫وتحصل على إمكانية هذا النضال‪ .‬وتصل البروليتاريا إلى إيدراك" إمكانية التشتراكية‬
‫وضرورتها‪ .‬وعلى هذا الساس يبدو الوعي التشتراكي نتيجة مباتشرة محتومة للنضال الطبقي‬
‫البروليتاري‪ .‬وهذا غير صحيح على الطلق‪ .‬صحيح أن التشتراكية‪ ،‬بوصفها مذهبا‪ ،‬تستمد‬
‫جذورها من العلقات القتصايدية الراهنة كشأن النضال الطبقي البروليتاري سواء بسواء‪،‬‬
‫وأنها كالنضال الطبقي البروليتاري تنبثق من النضال ضد ما تسببه الرأسمالية للجماهير من‬
‫فقر وبؤس‪ .‬غير أن التشتراكية والنضال الطبقي ينبثقان أحدهما إلى جانب الخر‪ ،‬ل أحدهما‬
‫من الخر‪ .‬إنهما ينبثقان من مقدمات مختلفة‪ .‬فالوعي التشتراكي الراهن ل يمكنه أن ينبثق‬
‫إل على أساس معارف علمية عميقة‪ .‬وبالفعل أن العلم القتصايدي الحديث هو تشرط من‬
‫تشروط النتاج التشتراكي‪ ،‬تشأنه‪ ،‬مثل‪ ،‬تشأن التكنيك الحديث سواء بسواء‪ .‬والحال أن‬
‫البروليتاريا‪ ،‬بالرغم من كل رغبتها‪ ،‬ل تستطيع أن تخلق ل هذا ول ذاك‪ ،‬فكلهما ينشأ عن‬
‫التطور الجتماعي الحديث‪ .‬هذا وان العلم ليس بيد البروليتاريا‪ ،‬بل بيد المثقفين البرجوازيين‬
‫)حرف التأكيد لكاوتسكي(‪ :‬فالتشتراكية الحديثة نفسها قد انبثقت هي أيضا في رؤوس بعض‬
‫أعضاء هذه الفئة‪ ،‬وقد نقلها هؤلء إلى أكثر البروليتاريين تطورا من الناحية الفكرية‪ ،‬الذين‬
‫أخذوا بعد ذلك يدخلونها في نضال البروليتاريا الطبقي حيث تسمح الظروف‪ .‬وعلى ذلك كان‬
‫الوعي التشتراكي عنصرا يؤخذ من الخارج )‪ (von auben Hineigetragenes‬وينقل إلى‬
‫نضال البروليتاريا الطبقي‪ ،‬ل تشيئا ينبثق منه بصورة عفوية )‪ .(urwûchsig‬ولهذا قيل في‬
‫برنامج هينفيلد القديم‪ ،‬بحق تماما‪ ،‬أن مهمة التشتراكية‪-‬الديموقراطية هي أن تحمل إلى‬
‫‪16‬‬
‫البروليتاريا )حرفيا‪ :‬تمل البروليتاريا( وعي وضعها ووعي رسالتها‪ .‬ولم تكن هناك من حاجة‬
‫إلى ذلك‪ ،‬لو كان هذا الوعي ينبثق من النضال الطبقي من تلقاء نفسه‪ .‬أما المشروع الجديد‬
‫فقد أخذ هذه الفكرة من البرنامج القديم وربطها بالصيغة المثبتة أعله‪ ،‬المر الذي قطع‬
‫بصورة تامة مجرى التفكير‪ ."...‬ولما كان من غير الممكن حتى أن تكون ثمة إيديولوجية‬
‫مستقلة تصنعها جماهير العمال نفسها في مجرى حركتها موضع بحث• فل يمكن أن تطرح‬
‫المسألة إل بالشكل التالي‪ :‬إما إيديولوجية برجوازية وإما إيديولوجية اتشتراكية‪ .‬وليس ثمة‬
‫وسط بينهما )لن البشرية لم تصنع إيديولوجية "ثالثة"‪ ،‬أضف إلى ذلك أنه في مجتمع تمزقه‬
‫التناقضات الطبقية‪ ،‬ل يمكن أن توجد على الطلق أية إيديولوجية خارج الطبقات أو فوق‬
‫الطبقات(‪ .‬ولذلك فإن كل انتقاص من اليديولوجية التشتراكية وكل ابتعايد عنها هو في حد‬
‫ذاته بمثابة تمكين لليديولوجية البرجوازية وتوطيد لها‪ .‬ويتحدثون عن العفوية‪ .‬ولكن التطور‬
‫العفوي لحركة العمال يسير على وجه الدقة في اتجاه إخضاعها لليديولوجية البرجوازية‪،‬‬
‫يسير على وجه الدقة وفق برنامج "‪") "Credo‬الكريدو"(‪ ،‬لن الحركة العمالية العفوية هي‬
‫التريديونيونية‪ .‬هي ‪ .Nur-Gewerkschaftlerei‬وما التريديونيونية غير إخضاع العمال فكريا‬
‫للبرجوازية‪ .‬ولذا فإن واجبنا‪ ،‬واجب التشتراكية‪-‬الديموقراطية‪ ،‬هو النضال ضد العفوية‪ ،‬هو‬
‫النضال من أجل صرف حركة العمال عن نزوع التريديونيونية العفوي إلى كنف البرجوازية‬
‫وجذبها إلى كنف التشتراكية‪-‬الديموقراطية الثورية‪ .‬ولذلك فإن عبارة واضعي الرسالة‬
‫"القتصايدية" في العديد ‪ 12‬من "اليسكرا"‪ ،‬هذه العبارة القائلة بأن جميع جهويد اليديولوجيين‬
‫الكثر إلهاما ل يمكنها أن تخرج حركة العمال عن الطريق الذي حديده لها تفاعل العناصر‬
‫المايدية والبيئة المايدية‪ ،‬تعايدل تماما التخلي عن التشتراكية‪ .‬ولو كان هؤلء الكتاب قايدرين‬
‫على إمعان الفكر فيما قالوه‪ ،‬حتى النهاية‪ ،‬بصورة منطقية وبدون خوف‪ ،‬كما ينبغي أن يفعل‬
‫كل من يبرز إلى مسرح النشاط اليدبي والجتماعي‪ ،‬لما بقي عليهم أن يفعلوا غير "وضع‬
‫أيديهم التي ل ضرورة لها على صدورهم الفارغة" و‪ ...‬ترك المسرح للسايدة أمثال ستروفه‬
‫وبروكوبوفيتش الذين يجرون حركة العمال في اتجاه "أهون السبل"‪ ،‬أي في اتجاه‬
‫التريديونيونية البرجوازية‪ ،‬أو للسايدة أمثال زوباتوف الذين يجرونها في اتجاه "إيديولوجية"‬
‫الكليروس والدرك‪ (59).‬تذكروا مثل ألمانيا‪ .‬ما هي الخدمة التاريخية التي أيداها لسال لحركة‬
‫العمال اللمانية؟ هي أنه صرف هذه الحركة عن طريق التريديونيونية التقدمية وطريق‬
‫التعاونية الذي كانت تتجه إليه بصورة عفوية )بمساعدة لطيفة ‪ -‬قدمها أمثال تشولتزه ‪-‬‬
‫يديليتش وأضرابهم‪ .‬وقد تطلب القيام بهذه المهمة تشيئا ل يشبه إطلقا النتقاص من أهمية‬
‫العنصر العفوي والتكتيك‪-‬الحركة وتفاعل العناصر والبيئة وهلم جرا‪ .‬لقد تطلب المر نضال ل‬
‫يعرف الهوايدة ضد العفوية‪ .‬ولم يمكن مثل تحويل سكان برلين من العمال من يدعامة للحزب‬
‫التقدمي إلى حصن من خير حصون التشتراكية‪-‬الديموقراطية إل نتيجة نضال كهذا استمر‬
‫سنين طويلة‪ ،‬وطويلة جدا‪ .‬وهذا النضال لم ينته أبدا حتى الن )كما قد يحسب الناس الذين‬
‫يأخذون تاريخ الحركة اللمانية عن بروكوبوفيتش وفلسفتها عن ستروفه(‪ .‬فالطبقة العاملة‬
‫اللمانية ما تزال حتى الن منقسمة‪ ،‬إن صح التعبير‪ ،‬بين بضع إيديولوجيات‪ :‬فثمة قسم من‬
‫العمال متحد في نقابات العمال الكاثوليكية والملكية‪ ،‬وثمة قسم آخر متحد في نقابات‬
‫هيرش‪-‬يدونكر)‪ (60‬التي أسسها البرجوازيون من أنصار التريديونيونية النكليزية‪ ،‬وقسم ثالث‬
‫متحد في النقابات التشتراكية‪-‬الديموقراطية‪ .‬وهذا القسم الثالث هو أكبر بما ل يقاس من‬
‫سائر القسام‪ .‬ولكن اليديولوجية التشتراكية‪-‬الديموقراطية لم تستطع أن تحصل على هذا‬
‫التفوق ول تستطيع أن تحتفظ به إل بالنضال المستمر ضد جميع اليديولوجيات الخرى‪ .‬وقد‬
‫يتساءل القارئ‪ :‬لماذا إذن كانت الحركة العفوية‪ ،‬حركة التجاه نحو أهون السبل‪ ،‬تؤيدي على‬
‫وجه الدقة إلى سيطرة اليديولوجية البرجوازية؟ ذلك لمجريد كون اليديولوجية البرجوازية‪،‬‬
‫من حيث منشؤها‪ ،‬أقدم من اليديولوجية التشتراكية بكثير‪ ،‬ولنها وضعت بصورة أكمل من‬
‫جميع الوجوه‪ ،‬ولنها تتصرف بوسائل للنشر أكثر بما ل ‪ .‬وكلما كانت الحركة التشتراكية حديثة‬
‫في بلد من البلدان‪ ،‬كلما كان ينبغي أن ‪‬يقاس يشتد تبعا لذلك‪ ،‬النضال ضد جميع المحاولت‬
‫لتوطيد اليديولوجية غير التشتراكية‪ ،‬كلما كان ينبغي أن يشتد الحزم في تحذير العمال من‬
‫نصحاء السوء الذين يصرخون ضد "المغالة في تقدير أهمية عنصر الوعي" الخ… إن واضعي‬
‫الرسالة "القتصايدية" يرعدون ويبرقون في جوقة واحدة مع "رابوتشييه يديلو" ضد عدم‬
‫التسامح الذي يميز الحركة في عهد طفولتها‪ .‬ونحن نجيب على ذلك‪ :‬أجل‪ ،‬إن حركتنا تجتاز‬
‫‪17‬‬
‫حقا عهد طفولتها‪ ،‬ولكيما يشتد ساعدها بسرعة‪ ،‬ينبغي لها أن ُتعدى حتما بعدوى عدم‬
‫التسامح حيال الناس الذين يعيقون نموها بتقديسهم العفوية‪ .‬ليس من تشيء أسخف وأكثر‬
‫ضررا من أن نجعل من أنفسنا تشيوخا اجتازوا منذ عهد بعيد جميع مراحل النضال الفاصلة!‬
‫ثالثا‪ ،‬يبين لنا العديد الول من "رابوتشايا ميسل" أن اسم "القتصايدية" )الذي ل نفكر طبعا‬
‫بالعدول عنه‪ ،‬لن هذا اللقب قد رسخ بشكل من التشكال( ل يفصح بالدقة الكافية عن جوهر‬
‫التجاه الجديد‪ .‬ذلك أن "رابوتشايا ميسل" ل تنكر النضال السياسي إنكارا تاما‪ :‬فالنظام‬
‫الداخلي للصندوق‪ ،‬النظام المنشور في العديد ‪ 1‬من "رابوتشايا ميسل"‪ ،‬يتحدث عن النضال‬
‫ضد الحكومة‪ .‬كل ما في المر أن "رابوتشايا ميسل" تحسب أن "السياسة تسير على الدوام‬
‫بخنوع في أثر القتصايد" )أما "رابوتشييه يديلو" فتغير هذه الصيغة مؤكدة في برنامجها أن‬
‫"النضال القتصايدي وثيق الصلة في روسيا‪ ،‬أكثر مما في أية بليد أخرى‪ ،‬بالنضال السياسي"(‪.‬‬
‫وصيغتا "رابوتشايا ميسل" و"رابوتشييه يديلو" هاتان غير صحيحتين بتاتا إذا فهمنا من كلمة‬
‫السياسة – السياسة التشتراكية‪-‬الديموقراطية‪ .‬فكثيرا ما يحدث لنضال العمال القتصايدي أن‬
‫يكون على صلة )وإن لم تكن وثيقة( بالسياسة البرجوازية‪ ،‬بالسياسة الدينية‪ ،‬الخ‪ ،.‬كما سبق‬
‫أن رأينا‪ .‬وتكون صيغة "رابوتشييه يديلو" صحيحة إذا فهمنا من كلمة السياسة –السياسة‬
‫التريديونيونية‪ ،‬أي الطموح المشترك بين جميع العمال إلى الحصول من الدولة على تدابير ما‬
‫للتخفيف من المصائب التي تلزم وضعهم‪ ،‬ولكنها ل تزيل هذا الوضع‪ ،‬أي أنها ل تقضي على‬
‫خضوع العمل لرأس المال‪ .‬وهذا الطموح هو في الحقيقة مشترك بين التريديونيونيين‬
‫النكليز الذين يقفون من التشتراكية موقف العداء وبين العمال الكاثوليك والعمال‬
‫"الزوباتوفيين" الخ‪ ..‬ثمة سياسة وسياسة‪ .‬وهكذا نرى أن موقف "رابوتشايا ميسل" من‬
‫النضال السياسي أيضا ليس موقف إنكار له بمقدار ما هو موقف تقديس لعفويته‪ ،‬تقديس‬
‫لعدم وعيه‪ .‬فهي إذ تعترف تماما بالنضال السياسي الذي ينبثق بصورة عفوية من حركة‬
‫العمال نفسها )أو الصح‪ :‬بتمنيات العمال ومطالبهم السياسية( ترفض كل الرفض أن تضع‬
‫بصورة مستقلة سياسة اتشتراكية‪-‬يديموقراطية خاصة تتفق والمهام العامة للتشتراكية‬
‫والظروف الروسية الراهنة‪ .‬وسنبين فيما يلي أن "رابوتشييه يديلو" تقترف كذلك هذا الخطأ‪.‬‬

‫ج( "جماعة التحرير الذاتي")‪ (61‬و"رابوتشييه يديلو"‬

‫إذا كنا حللنا بهذا التفصيل افتتاحية العديد الول من "رابوتشايا ميسل" التي ل يعرفها غير‬
‫القلئل والتي كايدت تنسى في الوقت الحاضر‪ ،‬فذلك لنها أفصحت قبل الجميع وبشكل أوضح‬
‫من الجميع عن ذلك السيل العام الذي خرج فيما بعد إلى وضح النهار جداول صغيرة ل تحصى‪.‬‬
‫لقد كان ف‪ .‬أ‪ .‬على تمام الحق عندما قال ممتدحا العديد الول من "رابوتشايا ميسل"‬
‫وافتتاحيتها أنها كتبت "بحمية وتشدة" )"ليستوك "رابوتنيكا""‪ ،‬العديد ‪ ،10-9‬ص ‪ .(49‬إن كل‬
‫إنسان واثق من رأيه ويعتقد أنه آت بجديد يكتب "بحمية"‪ ،‬يكتب بشكل يعرب عن نظراته‬
‫بجلء‪ .‬ول يخلو من "الحمية" غير الناس الذين اعتايدوا الجلوس بين كرسيين‪ .‬وليس غير هؤلء‬
‫من يستطيع أن يمتدح في المس حمية "رابوتشايا ميسل" وأن يهاجم اليوم خصومها‬
‫"لحميتهم في الجدال"‪ .‬ويدون أن نتوقف عند "الملحق الخاص لـ"رابوتشايا ميسل"" )وسيتأتى‬
‫علينا أن نستشهد فيما يأتي في تشتى المناسبات بهذا المؤلف الذي يفصح عن أفكار‬
‫"القتصايديين" بأكثر ما يمكن من النسجام( نتناول فقط باختصار "نداء جماعة تحرير العمال‬
‫الذاتي" )آذار‪ -‬مارس ‪ -‬سنة ‪ ،1899‬وقد أعيد نشره في "ناكانونيه")‪ (62‬بلندن‪ ،‬العديد ‪ 7‬تموز‪-‬‬
‫يوليو‪ -‬سنة ‪ .(1899‬يقول واضعو هذا النداء وهم على تمام الحق أن "روسيا العمال ل تفعل‬
‫الن غير أن تستيقظ وتتلفت حولها وتتناول بصورة غريزية أول وسيلة من وسائل النضال‬
‫تقع عليها يدها"؛ ولكنهم يخلصون من ذلك إلى نفس الستنتاج غير الصحيح الذي خلصت إليه‬
‫"رابوتشايا ميسل"‪ ،‬ناسين أن الغريزة هي عدم الوعي )العفوية( بالذات الذي ينبغي‬
‫للتشتراكيين أن يخفوا لمساعدته‪ ،‬وأن "أول وسيلة تقع عليها يدها" من وسائل النضال هي‬
‫على الدوام‪ ،‬في المجتمع الراهن‪ ،‬وسيلة النضال التريديونيونية‪ ،‬وأن أول إيديولوجية "تقع‬
‫عليها يدها" هي اليديولوجية البرجوازية )التريديونيونية(‪ .‬ثم إن واضعي هذا النداء ل‬
‫"ينكرون" كذلك السياسة‪ ،‬إنما هم يقولون فقط )فقط!( في أثر السيد ف‪.‬ف‪ .‬أن السياسة‬
‫هي بناء فوقي ولذلك "ينبغي للتحريض السياسي أن يكون بناء فوقيا للتحريض على النضال‬
‫‪18‬‬
‫القتصايدي‪ ،‬ينبغي أن ينمو على صعيد هذا النضال وأن يسير في أثره"‪ .‬أما "رابوتشييه يديلو"‬
‫فقد بدأت نشاطها مباتشرة بـ"الدفاع" عن "القتصايديين"‪ .‬فبعد أن نطقت "رابوتشييه يديلو"‬
‫بكذب جلي في عديدها الول بالذات )العديد ‪ ،1‬ص ص ‪ (142-141‬زاعمة أنها "ل تعلم عن أي‬
‫الرفاق الشباب تكلم آكسيلرويد" الذي حذر "القتصايديين" في كراسه المعروف•‪ ،‬اضطرت‬
‫في مجرى احتدام الجدال مع آكسيلرويد وبليخانوف بصديد هذا الكذب إلى العتراف بأنها‬
‫"أرايدت عن طريق التظاهر بالدهشة أن تدفع هذه التهمة الباطلة عن جميع التشتراكيين‪-‬‬
‫الديموقراطيين الحدث سنا في الخارج" )اتهام آكسيلرويد "للقتصايديين" بضيق الفق(‪.‬‬
‫والواقع أن هذا التهام كان صحيحا كل الصحة‪ ،‬وأن "رابوتشييه يديلو" كانت تعلم حق العلم أن‬
‫التهام ينال فيمن ينال عضو هيئة تحريرها ف‪ .‬ا‪ .‬وأقول في هذا الصديد أن آكسيلرويد كان‬
‫على تمام الحق في هذا الجدال وأن "رابوتشييه يديلو" كانت على تمام الخطأ في تفسير‬
‫كراسي‪" :‬مهام التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين الروس"‪ .‬فقد كتبت هذا الكراس سنة ‪ ،1897‬أي‬
‫قبل ظهور "رابوتشايا ميسل" وعندما كنت أعتقد وكان يحق لي آنذاك أن أعتقد أن التفوق‬
‫للتجاه الولي الذي اتجهه "إتحايد النضال" في سانت بطرسبورغ‪ ،‬والذي حديدت خصائصه آنفا‪.‬‬
‫وقد كان هذا التجاه متفوقا في الحقيقة حتى منتصف سنة ‪ 1898‬على القل‪ .‬ولذلك كان ل‬
‫يحق لـ"رابوتشييه يديلو" على الطلق أن تستشهد في يدحضها لوجويد "القتصايدية" وخطرها‪،‬‬
‫بكراس يعرض نظرات حلت محلها في سانت بطرسبورغ خلل سنتي ‪ 1898-1897‬النظرات ‪.‬‬
‫♣"القتصايدية"‬

‫بيد أن "رابوتشييه يديلو" لم تقتصر على "الدفاع" عن "القتصايديين"‪ ،‬ولكنها كانت هي نفسها‬
‫تنزلق على الدوام إلى أخطائهم الساسية‪ .‬ومصدر هذا النزلق هو الفهم الملتبس‬
‫للموضوعة التالية من برنامج "رابوتشييه يديلو"‪" :‬إن أهم ظاهرة في الحياة الروسية‪ ،‬الظاهرة‬
‫التي من تشأنها أن تكون العامل الرئيسي في تحديد مهام )حرف التأكيد لنا( التحايد وطابع‬
‫نشاطه في مضمار المطبوعات هي في رأينا حركة العمال الجماهيرية )حرف التأكيد‬
‫لـ"رابوتشييه يديلو"( التي ظهرت في السنوات الخيرة"‪ .‬ل مراء في أن الحركة الجماهيرية‬
‫ظاهرة في منتهى الهمية‪ .‬ولكن كل القضية هي في كيفية فهم "تحديد المهام" من قبل‬
‫هذه الحركة الجماهيرية‪ .‬إذ يمكن أن يفهم ذلك على وجهين‪ :‬يمكن أن يفهم إما بمعنى‬
‫تقديس عفوية هذه الحركة‪ ،‬أي جعل يدور التشتراكية‪-‬الديموقراطية مجريد يدور خايدم لحركة‬
‫العمال كما هي )هكذا تفهم ذلك "رابوتشايا ميسل" و"جماعة التحرير الذاتي"‬
‫و"القتصايديون" الخرون( وإما بمعنى أن الحركة الجماهيرية تفرض علينا مهام جديدة‪ ،‬نظرية‬
‫وسياسية وتنظيمية‪ ،‬أعقد بكثير من المهام التي كان يمكننا أن نكتفي بها في المرحلة التي‬
‫سبقت ظهور الحركة الجماهيرية‪ .‬وقد كانت "رابوتشييه يديلو" ول تزال تميل إلى المفهوم‬
‫الول بالضبط‪ ،‬لنها لم تقل قط تشيئا معينا عن أية مهام جديدة‪ ،‬بل كانت تحاكم على الدوام‬
‫كما لو كانت هذه "الحركة الجماهيرية " تخلصنا من ضرورة اليدراك الواضح لما تطرحه من‬
‫مهام ومن ضرورة القيام بهذه المهام‪ .‬وحسبنا أن نذكر بأن "رابوتشييه يديلو" كانت تعتبر من‬
‫غير الممكن أن توضع مهمة إسقاط الحكم المطلق كمهمة أولى لحركة العمال الجماهيرية‪،‬‬
‫وأنها هبطت بهذه المهمة )باسم الحركة الجماهيرية( إلى مستوى النضال من أجل أقرب‬
‫المطالب السياسية )"الجواب"‪ ،‬ص ‪ .(25‬لنترك جانبا مقال محرر "رابوتشييه يديلو" ب‪.‬‬
‫كريتشيفسكي في العديد ‪" - 7‬النضال القتصايدي والسياسي في الحركة الروسية"‪ ،‬هذا‬
‫المقال الذي كرر ‪ ،‬ولننتقل مباتشرة إلى العديد ‪ 10‬من "رابوتشييه يديلو"‪ .‬لن نحلل طبعا ‪‬نفس‬
‫الخطاء اعتراضات ب‪ .‬كريتشيفسكي ومارتينوف على "زاريا" و"اليسكرا" واحدا واحدا‪ ،‬إذ ل‬
‫يهمنا هنا إل الموقف المبدئي الذي وقفته "رابوتشييه يديلو" في العديد ‪ .10‬لن نحلل مثل‬
‫المر الغريب التالي وهو أن "رابوتشييه يديلو" ترى "تناقضا أساسيا" بين هذه الموضوعة‪" :‬إن‬
‫التشتراكية‪-‬الديموقراطية ل تقيد يديها‪ ،‬ل تقيد نشاطها بأي مشروع أو أسلوب يوضع سلفا‬
‫من مشاريع أو أساليب النضال السياسي‪ ،‬فهي تعترف بجميع وسائل النضال ‪ .‬وبين‬
‫الموضوعة ‪‬على أن تتلءم وقوى الحزب الواقعية" الخ‪") .‬اليسكرا"‪ ،‬العديد ‪ (1‬التالية‪" :‬إذا لم‬
‫توجد منظمة قوية متمرسة بالنضال السياسي وتحسن القيام به في جميع الظروف‬
‫والمراحل فل يمكن أن يكون موضع بحث أي مشروع للعمل‪ ،‬متماسك الجزاء‪ ،‬موضح بمبايدئ‬
‫ثابتة‪ ،‬وينفذ باستقامة‪ ،‬مشروع يستحق وحده من يدون سائر المشاريع تسميته ‪ .‬إن الخلط‬
‫‪19‬‬
‫بين العتراف المبدئي بجميع وسائل ‪‬بالتكتيك" )"اليسكرا"‪ ،‬العديد ‪ (4‬النضال‪ ،‬بجميع‬
‫المشاريع والساليب‪ ،‬على أن تكون ملئمة‪ ،‬وبين المطالبة في ظرف سياسي معين‬
‫بالسترتشايد بمشروع ينفذ باستقامة‪ - ،‬إن هذا الخلط‪ ،‬إذا كنا نريد الحديث عن التكتيك‪ ،‬هو‬
‫أتشبه بالخلط بين اعتراف الطب بجميع طرق العلج مع مطالبته باتباع طريقة معينة لمعالجة‬
‫مرض معين‪ .‬ولكن القضية كلها في كون "رابوتشييه يديلو" المصابة هي نفسها بالمرض الذي‬
‫سميناه نحن بتقديس العفوية‪ ،‬ل تريد أن تعترف بأية "طرق علج" لهذا المرض‪ .‬ولذلك‬
‫توصلت إلى اكتشاف فذ‪ ،‬وهو أن "التكتيك‪-‬المشروع ينافي روح الماركسية من أساسها"‬
‫)العديد ‪ ،10‬ص ‪ ،(18‬وأن التكتيك هو "سير نمو مهام الحزب التي تنمو مع نمو الحزب" )ص‬
‫‪ ،11‬حرف التأكيد لـ"رابوتشييه يديلو"(‪ .‬هنالك كل المكانيات لن تصبح هذه الحكمة الخيرة‬
‫من الحكم المشهورة‪ ،‬لن تصبح ذكرى "لتجاه" "رابوتشييه يديلو" يعجز الدهر عن محوها‪.‬‬
‫فعلى سؤال‪" :‬إلى أين نسير؟" تجيب الجريدة القائدة‪ :‬الحركة هي مجرى تغير المسافة بين‬
‫نقطة النطلق والنقطة التالية للحركة‪ .‬إن هذا التفكير العميق منتهى العمق ليس من‬
‫الطرائف وحسب )ولو كان المر كذلك لما كان خليقا بالوقوف عنده(‪ ،‬إنما هو أيضا برنامج‬
‫اتجاه بأكمله‪ :‬هو البرنامج الذي أعرب ر‪.‬م‪) .‬في "الملحق الخاص لـ"رابوتشايا ميسل""(‬
‫بكلمات‪ :‬المرغوب فيه هو النضال الممكن‪ ،‬والممكن هو الذي يجري في هذه البرهة‪ .‬إنه‬
‫بالضبط اتجاه النتهازية التي ل تعرف الحدويد والتي تتكيف بصورة سلبية تبعا للعفوية‪.‬‬
‫"التكتيك‪-‬المشروع ينافي روح الماركسية من أساسها!" ولكن هذا افتراء على الماركسية‪ ،‬إنه‬
‫تحويل لها إلى صورة تشوهاء تشبه تلك التي عارضنا بها الشعبيون)‪ (63‬في حربهم علينا‪ .‬إن‬
‫هذا بالضبط تثبيط لمبايدرة المناضلين الواعين وهمتهم‪ ،‬في حين أن الماركسية‪ ،‬على العكس‬
‫من ذلك‪ ،‬حافز هائل لمبايدرة التشتراكي‪-‬الديموقراطي وهمته‪ ،‬فهي تكشف أمامه أوسع‬
‫الفاق‪ ،‬واضعة تحت تصرفه )إن أمكن التعبير( القوى الهائلة‪ ،‬قوى المليين العديدة من أبناء‬
‫الطبقة العاملة الناهضين "بصورة عفوية" إلى النضال! إن تاريخ التشتراكية‪-‬الديموقراطية‬
‫العالمية بأكمله زاخر بالمشاريع التي وضعها هذا أو ذلك من القايدة السياسيين‪ ،‬مشاريع تبرز‬
‫بصيرة البعض وصحة نظراته السياسية والتنظيمية وتكشف عن قصر نظر البعض الخر‬
‫وأخطائه السياسية‪ .‬فعندما اجتازت ألمانيا انعطافا من أكبر النعطافات في تاريخها ‪ -‬تشكيل‬
‫المبراطورية وفتح الريخستاغ ومنح الحق النتخابي العام‪ -‬كان لدى ليبكنخت مشروع‬
‫للسياسة التشتراكية‪-‬الديموقراطية والعمل التشتراكي‪-‬الديموقراطي بوجه عام‪ ،‬وكان لدى‬
‫تشفيتزر مشروع آخر‪ .‬وعندما انقض على التشتراكيين اللمان القانون الستثنائي‪ ،‬كان ثمة‬
‫مشروع لدى موست وهاسيلمان المستعدين للدعوة صراحة إلى العنف والرهاب‪ ،‬وكان ثمة‬
‫مشروع آخر لدى هوخبيرغ وتشرام ولدى برنشتين )جزئيا( الذين حاولوا وعظ التشتراكيين‪-‬‬
‫الديموقراطيين بأن القانون جاء نتيجة لشدتهم غير المعقولة وثوريتهم‪ ،‬وبأنه ينبغي عليهم‬
‫أن ينالوا المغفرة بحسن السلوك؛ وكان ثمة مشروع ثالث لدى الذين أعدوا العدة لنشر جريدة‬
‫سرية وحققوا ذلك)‪ .(64‬وعندما يلقي المرء نظرة إلى الوراء بعد انقضاء سنوات عديدة على‬
‫انتهاء النضال حول مسألة اختيار الطريق الواجب اتباعه‪ ،‬وبعد أن قال التاريخ كلمته الخيرة‬
‫بصديد صحة الطريق الذي وقع عليه الختيار‪ ،‬ل يصعب عليه طبعا أن يبرهن على عمق تفكير‬
‫بقوله أن مهام الحزب تنمو مع نمو الحزب ‪ ،‬في الوقت الذي يهبط فيه ‪‬نفسه‪ .‬ولكن الكتفاء‬
‫بعمق التفكير هذا في وقت البلبلة "النقايد" و"القتصايديون" الروس بالتشتراكية‪-‬‬
‫الديموقراطية إلى مستوى التريديونيونية ويدعو فيه الرهابيون بقوة إلى قبول "تكتيك‪-‬‬
‫مشروع يكرر الخطاء السابقة‪ - ،‬أقول أن الكتفاء بمثل هذا العمق في التفكير في مثل هذا‬
‫الوقت‪ ،‬يعني تسجيل المرء على نفسه "تشهايدة فقر حال"‪ .‬وفي الوقت الذي أصيب فيه‬
‫كثيرون من التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين الروس بنقص المبايدرة والهمة على وجه الدقة‪،‬‬
‫بنقص "المدى في الدعاية السياسية ‪ ،‬بالنقص في "مشاريع" تنظيم العمل الثوري على‬
‫‪‬والتحريض السياسي والتنظيم السياسي" نطاق أوسع ‪ -‬إن القول في مثل هذا الوقت أن‬
‫"التكتيك‪-‬المشروع ينافي روح الماركسية من أساسها" ل يعني ابتذال الماركسية نظريا‬
‫وحسب‪ ،‬بل يعني أيضا جر الحزب عمليا إلى الوراء‪ .‬تعلمنا "رابوتشييه يديلو" بعد ذلك أن‬
‫"واجب التشتراكي‪-‬الديموقراطي الثوري ليس إل تعجيل التطور الموضوعي بعمله الواعي‪ ،‬ل‬
‫إلغاءه أو الستعاضة عنه بالمشاريع الذاتية‪ .‬و"اليسكرا" تعرف كل ذلك من الناحية النظرية‪.‬‬
‫ولكن الهمية الكبرى التي تعيرها الماركسية‪ ،‬بحق‪ ،‬للعمل الثوري الواعي تحملها عمليا‪،‬‬
‫‪20‬‬
‫نتيجة لنظرتها الجامدة إلى التكتيك‪ ،‬على التقليل من أهمية العنصر الموضوعي أو العفوي‬
‫في التطور" )ص ‪ .(18‬وها نحن مرة أخرى أمام تشويش نظري خارق خليق بالسيد ف‪ .‬ف‪.‬‬
‫وتشركائه‪ .‬بويدنا أن نسأل فيلسوفنا‪ :‬بم يمكن أن يتجلى "التقليل من أهمية" التطور‬
‫الموضوعي لدى واضع المشاريع الذاتية؟ واضح أن ذلك يتجلى في كونه يغفل أن هذا التطور‬
‫الموضوعي ينشئ أو يقوي‪ ،‬يهلك أو يضعف هذه أو تلك من الطبقات أو الفئات أو الجماعات‪،‬‬
‫من المم أو مجموعات المم الخ‪ ،.‬مشترطا بذلك هذه أو تلك من تكتلت القوى السياسية‬
‫العالمية ومواقف الحزاب الثورية الخ‪ ..‬ولكن خطأ مثل هذا الواضع ل يكون‪ ،‬والحالة هذه‪،‬‬
‫التقليل من أهمية العنصر العفوي‪ ،‬بل‪ ،‬بالعكس‪ ،‬التقليل من أهمية العنصر الواعي‪ ،‬إذ ينقصه‬
‫"الوعي" لفهم التطور الموضوعي فهما صحيحا‪ .‬ولذلك فإن مجريد الكلم عن "تقدير الهمية‬
‫النسبية" )حرف التأكيد لـ"رابوتشييه يديلو"( للعفوية والوعي يكشف عن انعدام "الوعي"‬
‫انعداما تاما‪ .‬فلئن كان الوعي النساني يستطيع بوجه عام فهم بعض "عناصر التطور‬
‫العفوية" فإن عدم تقديرها على الوجه الصحيح يعايدل "التقليل من أهمية عنصر الوعي"‪ .‬أما‬
‫إذا كان الوعي عاجزا عن فهمها‪ ،‬فنحن إذن ل نعرفها وليس بوسعنا أن نتكلم عنها‪ .‬فعم‬
‫يتكلم‪ ،‬إذن‪ ،‬ب‪ .‬كريتشيفسكي؟ إذا كان يعتبر "المشاريع الذاتية" التي وضعتها "اليسكرا"‬
‫مغلوطة )وهو يعلنها‪ ،‬على وجه الدقة‪ ،‬مغلوطة(‪ ،‬فقد كان عليه أن يبرز ما تغفله هذه‬
‫المشاريع بالضبط من الوقائع الموضوعية وأن يتهم "اليسكرا" لهذا الغفال بعدم كفاية‬
‫الوعي‪ ،‬بـ"التقليل من أهمية عنصر الوعي"‪ ،‬إذا استعملنا تعابيره‪ .‬أما إذا كان غير راض عن‬
‫المشاريع الذاتية ول توجد لديه براهين غير الكلم عن "التقليل من أهمية العنصر العفوي"‬
‫)!!( فهو ل يفعل أكثر من أن يبرهن بذلك أنه )‪ (1‬من الناحية كارييف وميخايلوفسكي‬
‫وأضرابهما الذين سخر منهم ‪‬النظرية يفهم الماركسية ‪ à la‬بلتوف)‪ (65‬بما فيه الكفاية‪ ،‬وأنه‬
‫)‪ ( 2‬من الناحية العملية راض كل الرضى عن "عناصر التطور العفوية" التي ساقت ماركسيينا‬
‫العلنيين إلى البرنشتينية واتشتراكيينا‪-‬الديموقراطيين إلى "القتصايدية" وأنه "مغيظ حانق"‬
‫على الناس المصممين على صرف التشتراكية‪-‬الديموقراطية الروسية عن طريق التطور‬
‫"العفوي" مهما كلفهم المر‪ .‬وتأتي بعد ذلك أتشياء مسلية جدا‪" .‬كما أن الناس سيستمرون‬
‫في التكاثر على طريقة الجدايد بالرغم من كل النجاحات التي توصلت إليها العلوم الطبيعية‪،‬‬
‫كذلك فإن وليدة نظام اجتماعي جديد ‪ -‬بالرغم من كل نجاحات العلوم الجتماعية ونمو‬
‫المناضلين الواعين‪ -‬ستظل في المستقبل أيضا وبالدرجة الولى نتيجة للنفجارات العفوية"‬
‫)ص ‪ .(19‬وكما جاء في حكمة الجدايد‪ :‬من ذا الذي نقصه العقل من أجل أن ينجب أطفال‪،‬‬
‫كذلك يقول "التشتراكيون المحدثون" )‪ à la‬نرسيس توبوريلوف)‪ ((66‬في حكمتهم‪ :‬لن ينقص‬
‫أحد العقل من أجل التشتراك في وليدة عفوية لنظام اجتماعي جديد‪ .‬ونحن نعتقد أيضا أن‬
‫أحدا لن ينقصه العقل‪ .‬فلمثل هذا التشتراك حسب المرء أن يستسلم "للقتصايدية" عندما‬
‫تسويد "القتصايدية" وأن يستسلم للرهابية عندما تنشأ الرهابية‪ .‬وهكذا‪ ،‬في ربيع هذه السنة‪،‬‬
‫عندما كان من الهام جدا التحذير من الولع بالرهاب‪ ،‬وقفت "رابوتشييه يديلو" وقفة الحائر‬
‫أمام مسألة "جديدة" بالنسبة إليها‪ .‬والن‪ ،‬بعد مضي نصف سنة‪ ،‬عندما فقدت المسألة حدتها‪،‬‬
‫تقدم لنا في وقت معا تصريحا‪" :‬نحن نعتقد أن مهمة التشتراكية‪-‬الديموقراطية ل يمكن ول‬
‫ينبغي أن تكون الوقوف في وجه تعاظم الميول الرهابية" )"رابوتشييه يديلو"‪ ،‬العديد ‪ ،10‬ص‬
‫‪ ،(23‬وقرار المؤتمر‪" :‬يعتقد المؤتمر أن الرهاب الهجومي المنتظم ليس في حينه"‬
‫)"مؤتمران"‪ ،‬ص ‪ .(18‬يا له من وضوح ومن ترابط! ل نقف في وجهه‪ ،‬ولكننا نعلن أنه ليس‬
‫في حينه ‪ -‬ونعلن بشكل يجعل "القرار" ل يشمل الرهاب الدفاعي وغير المنتظم‪ .‬ول بد من‬
‫العتراف بأن هذا "القرار" ل ينطوي على أي خطر وهو معصوم من كل خطأ‪ ،‬كما يعصم من‬
‫الخطأ من يتكلم لكي ل يقول تشيئا! ولوضع مثل هذا القرار ل يحتاج المرء إل لمر واحد‪ :‬أن‬
‫يحسن التمسك بذيل الحركة‪ .‬وعندما سخرت "اليسكرا" من إعلن "رابوتشييه يديلو" مسألة‬
‫الرهاب مسألة جديدة •‪ ،‬غضبت آنئذ "رابوتشييه يديلو" وهاجمت "اليسكرا" متهمة إياها‬
‫قائلة‪" :‬إن "اليسكرا" تطمع بصورة ل يتصورها العقل في أن تفرض على المنظمة الحزبية‬
‫حل لمسائل تكتيكية وضعه فريق من الكتاب المهاجرين منذ خمس عشرة سنة ونيف" )ص‬
‫‪ .( 24‬ويا له‪ ،‬في الحقيقة‪ ،‬من ايدعاء‪ ،‬يا له من غلو في عنصر الوعي‪ :‬حل المسائل سلفا من‬
‫الناحية النظرية لكيما يصار فيما بعد إقناع المنظمة والحزب والجماهير بصحة هذا الحل!•‬
‫وكم يختلف الحال إذا اقتصر المرء على اجترار أتشياء سبق قولها‪ ،‬وعلى الخضوع لكل‬
‫‪21‬‬
‫"إنعطاف" سواء في اتجاه "القتصايدية" أو في اتجاه الرهابية‪ ،‬يدون فرض أي تشيء على أحد‪.‬‬
‫ول تحجم "رابوتشييه يديلو" حتى عن تعميم هذه الوصية العظمى لحكمة الحياة وتتهم‬
‫"اليسكرا" و"زاريا" بأنهما "تعارضان الحركة ببرنامجهما بوصفه روحا تحوم فوق هيولى ل‬
‫صورة لها" )ص ‪ .(29‬فبم يتلخص‪ ،‬إذن‪ ،‬يدور التشتراكية‪-‬الديموقراطية إن لم يتلخص في أن‬
‫تكون "روحا" ل تحوم فوق الحركة العفوية وحسب‪ ،‬بل ترفع هذه الحركة إلى مستوى‬
‫"برنامجها"؟ ل يمكنه على كل حال أن يتلخص في النجرار في ذيل الحركة‪ :‬فهو أمر في‬
‫أحسن الحالت ل يفيد الحركة بشيء‪ ،‬وفي أريدأ الحالت يسبب لها أكبر الضرر‪ .‬أما‬
‫"رابوتشييه يديلو"‪ ،‬فإنها ل تكتفي بالسير على هذا "التكتيك‪-‬الحركة" بل تجعل منه مبدأ بحيث‬
‫يصبح الوصف الصح لتجاهاتها ل النتهازية‪ ،‬بل الذيلية )من كلمة ذيل(‪ .‬ول بد من العتراف‬
‫بأن الناس المصممين كل التصميم على السير يدائما وأبدا خلف الحركة بصفة ذيل لها يأمنون‬
‫على أنفسهم بصورة أكيدة وإلى البد من "التقليل من أهمية عنصر التطور العفوي"‪* * * * .‬‬
‫*‬

‫وهكذا يتضح لنا أن الخطأ الساسي الذي يقترفه "التجاه الجديد" في التشتراكية‪-‬‬
‫الديموقراطية الروسية هو تقديس العفوية‪ ،‬هو عدم فهمه أن عفوية الجماهير تتطلب منا‬
‫نحن التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين قدرا كبيرا من الوعي‪ .‬وكلما ارتفع نهوض الجماهير‬
‫العفوي واتسعت الحركة‪ ،‬كلما ازيدايدت بأسرع بما ل يقاس الحاجة إلى قدر كبير من الوعي‬
‫في عمل التشتراكية‪-‬الديموقراطية النظري والسياسي والتنظيمي‪ .‬وقد جرى نهوض‬
‫الجماهير العفوي في روسيا )وما يزال يجري( بسرعة ظهرت معها الشبيبة التشتراكية‪-‬‬
‫الديموقراطية غير مستعدة للقيام بهذه المهام العظمى‪ .‬وعدم الستعدايد هذا هو مصيبتنا‬
‫العامة‪ ،‬مصيبة جميع التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين الروس‪ .‬لقد تعاظم نهوض الجماهير واتسع‬
‫باستمرار واطرايد‪ ،‬وهو فضل عن أنه لم يتوقف في الماكن التي بدأ فيها‪ ،‬أخذ يشمل مناطق‬
‫جديدة وفئات جديدة من السكان )فتحت تأثير حركة العمال‪ ،‬اتشتد الغليان بين الطلب‬
‫والمثقفين بوجه عام وحتى بين الفلحين(‪ .‬أما الثوريون فقد تأخروا عن هذا النهوض‪:‬‬
‫ب"نظرياتـ"ـهم وبنشاطهم‪ ،‬ولم يفلحوا في تشكيل منظمة يدائمة تعمل يدون انقطاع‪ ،‬وقايدرة‬
‫على قيايدة الحركة بكاملها‪ .‬لقد أتشرنا في الفصل الول إلى أن "رابوتشييه يديلو" قد حطت‬
‫من مهامنا النظرية وريديدت "عفويا" الشعار الشائع ‪"-‬حرية النقد"‪ :‬إن الذين ريديدوا هذا الشعار‬
‫لم يتحلوا بما يكفي من "الوعي" لن يفهموا التضايد التام بين موقف "النقايد" النتهازيين‬
‫وموقف الثوريين في ألمانيا وفي روسيا‪ .‬وفي الفصول التالية سنبين كيف تجلى تقديس‬
‫العفوية هذا في نشاط التشتراكية‪-‬الديموقراطية التنظيمي وفي مهامها السياسية‪.‬‬

‫‪-III‬السياسة التريديونيونية والسياسة التشتراكية‪-‬الديموقراطية‬

‫لنبدأ مرة أخرى بامتداح "رابوتشييه يديلو"‪ .‬لقد نشر مارتينوف في العديد ‪ 10‬من "رابوتشييه‬
‫يديلو" مقال عن الخلفات مع "اليسكرا" بعنوان "أيدب التشهير والنضال البروليتاري"‪ .‬وقد‬
‫‪22‬‬
‫صاغ جوهر هذه الخلفات بقوله‪" :‬ل يمكننا أن نقتصر على مجريد التشهير بالوضاع التي‬
‫تعترض طريق تطوره )تطور حزب العمال(‪ .‬بل ينبغي علينا أن نستجيب كذلك لمصالح‬
‫البروليتاريا العاجلة والراهنة" )ص ‪" ..." .(63‬اليسكرا"‪ ...‬هي في الواقع جريدة للمعارضة‬
‫الثورية تشهر بأوضاعنا‪ ،‬والسياسية منها بصورة رئيسية‪ ...‬أما نحن فنعمل وسنعمل لقضية‬
‫العمال على صلة عضوية وثيقة بالنضال البروليتاري" )نفس المصدر(‪ .‬ل يسعنا إل أن نعرب‬
‫لمارتينوف عن المتنان لصيغته هذه‪ .‬فهي تكتسب أهمية عامة كبرى‪ ،‬لنها‪ ،‬في الجوهر‪ ،‬ل‬
‫تشمل خلفاتنا مع "رابوتشييه يديلو" وحسب‪ ،‬بل تشمل بوجه عام جميع الخلفات القائمة‬
‫بيننا وبين "القتصايديين" بصديد مسألة النضال السياسي‪ .‬لقد بينا فيما سبق أن‬
‫"القتصايديين" ل ينكرون "السياسة" إنكارا مطلقا‪ ،‬ولكنهم ينزلقون على الدوام من المفهوم‬
‫التشتراكي‪-‬الديموقراطي عن السياسة إلى المفهوم التريديونيوني‪ .‬وبالصورة نفسها ينزلق‬
‫مارتينوف‪ .‬ولذلك نريد نحن أن نأخذه هو بالذات نموذجا لخطاء "القتصايدية" في هذه‬
‫المسألة‪ .‬وسنسعى لكي نبين أنه لن يحق ل لواضعي "الملحق الخاص لـ"رابوتشايا ميسل""‬
‫ول لواضعي بيان "جماعة التحرير الذاتي" ول لواضعي الرسالة "القتصايدية" المنشورة في‬
‫العديد ‪ 12‬من "اليسكرا" أن يلومنا لهذا الختيار‪.‬‬

‫أ( التحريض السياسي وتضييق القتصايديين له يعلم الجميع أن اتساع واتشتدايده قد سارا جنبا‬
‫إلى جنب مع نشوء "أيدب" التشهير ‪‬نضال العمال الروس القتصايدي القتصايدي )الذي يتناول‬
‫حياة المعامل والحياة المهنية(‪ .‬فالموضوع الرئيسي في "المناتشير" كان التشهير بالوضاع‬
‫السائدة في المعامل‪ .‬وسرعان ما ظهر بين العمال تشغف حقيقي بالتشهير‪ .‬وما أن رأى‬
‫العمال حلقات التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين تريد وتستطيع أن تقدم لهم نوعا جديدا من‬
‫مناتشير تقول الحقيقة كاملة عن حياتهم البائسة وعن عملهم المرهق إلى حد ل يطاق وعن‬
‫حرمانهم من كل حق‪ ،‬حتى أخذوا يمطرون الرسائل‪ ،‬إن جاز التعبير‪ ،‬من المعامل والمصانع‪.‬‬
‫وقد كان هذا "اليدب التشهيري" يحدث صدى عظيما ل يقتصر على المصنع الذي يشهر هذا‬
‫المنشور أو ذاك بأوضاعه‪ ،‬بل يتعداه إلى جميع المعامل التي تبلغها أصداء الوقائع المشهر‬
‫بها‪ .‬ونظرا لوجويد سمات كثيرة مشتركة بين احتياجات العمال ونكباتهم في مختلف المعامل‬
‫والمهن‪ ،‬كانت "الحقيقة عن الحياة العمالية" تفتن لب الجميع‪ .‬وقد نما بين أكثر العمال تأخرا‬
‫تشغف حقيقي بـ"طبع بنات أفكارهم"‪ ،‬وهو تشغف نبيل بشكل جنيني من أتشكال الحرب ضد‬
‫النظام الجتماعي الراهن كله القائم على النهب والظلم‪ .‬وفي معظم الحالت كانت هذه‬
‫"المناتشير" في الواقع إعلنا للحرب‪ ،‬لن التشهير كان يثير العمال بشدة ويدفعهم إلى‬
‫المطالبة المشتركة بإزالة المظالم الفظيعة ويجعلهم على استعدايد لدعم مطالبهم هذه‬
‫بالضرابات‪ .‬وقد اضطر أصحاب المصانع أنفسهم في نهاية المر إلى أن يروا في هذه‬
‫المناتشير إعلنا للحرب بحيث أفقدتهم في الكثير من الحالت الرغبة في انتظار الحرب‬
‫نفسها‪ .‬وكان التشهير‪ ،‬كما هو الحال يدائما‪ ،‬يكتسب قوته لمجريد ظهوره‪ ،‬ويحرز أهمية ضغط‬
‫معنوي كبير‪ .‬فقد حدث غير مرة أن كان مجريد ظهور المنشور كافيا لتلبية جميع المطالب أو‬
‫بعضها‪ .‬وبكلمة‪ ،‬لقد كان التشهير القتصايدي )المعملي( وما يزال وسيلة هامة للنضال‬
‫القتصايدي‪ .‬وسيحتفظ بأهميته هذه ما بقيت الرأسمالية التي تدفع العمال بالضرورة إلى‬
‫الدفاع عن أنفسهم‪ .‬ففي أرقى البلدان الوروبية يحدث حتى الن أن يكون التشهير بظروف‬
‫عمل فظيعة في "مهنة" متلتشية أو في أي فرع من فروع العمل المنزلي ل يسترعي انتباه‬
‫أحد‪ ،‬حافزا ليقظة الوعي الطبقي ولبدء النضال المهني وانتشار التشتراكية•‪ .‬إن الكثرية‬
‫الكبرى من التشتراكيين الديموقراطيين الروس كانت في الونة الخيرة منصرفة بكليتها‬
‫تقريبا إلى تنظيم عمل التشهير هذا في المعامل‪ .‬وحسبنا أن نتذكر "رابوتشايا ميسل" لكيما‬
‫نرى إلى أي حد بلغ انصرافهم هذا‪ ،‬فقد نسوا أن هذا النشاط بحد ذاته ليس بعد‪ ،‬من حيث‬
‫الساس‪ ،‬نشاطا اتشتراكيا‪-‬يديموقراطيا‪ ،‬بل نشاط تريديونيوني فقط‪ .‬فالتشهير لم يشمل في‬
‫الجوهر غير العلقات بين العمال وأصحاب العمل في مهنة معينة‪ ،‬ولم يسفر إل عن نتيجة‬
‫واحدة‪ ،‬وهي أن الذين يبيعون قوة عملهم قد تعلموا كيف يبيعون هذه "البضاعة" بفائدة أكبر‬
‫وكيف يناضلون ضد المشتري على صعيد المساومة التجارية الصرف‪ .‬وكان بالمكان أن يصبح‬
‫هذا التشهير )تشريطة أن تستفيد منه منظمة الثوريين بصورة ملئمة( نقطة انطلق للنشاط‬
‫التشتراكي‪-‬الديموقراطي وجزءا منه ل يتجزأ‪ .‬ولكنه كان بالمكان أيضا أن يؤيدي )وفي ظروف‬
‫‪23‬‬
‫تقديس العفوية يؤيدي ل محالة( إلى النضال "المهني فقط" وإلى حركة عمالية غير‬
‫اتشتراكية‪-‬يديموقراطية‪ .‬فالتشتراكية‪-‬الديموقراطية ل تقويد نضال الطبقة العاملة في سبيل‬
‫تشروط أفضل لبيع قوة العمل وحسب‪ ،‬بل كذلك في سبيل القضاء على النظام الجتماعي‬
‫الذي يرغم المعدمين على بيع أنفسهم إلى الغنياء‪ .‬إن التشتراكية‪-‬الديموقراطية تمثل‬
‫الطبقة العاملة ل في علقاتها مع فئة معينة من أصحاب العمال وحسب‪ ،‬بل أيضا في‬
‫علقاتها مع جميع الطبقات في المجتمع الراهن‪ ،‬ومع الدولة بوصفها قوة سياسية منظمة‪.‬‬
‫يتضح من ذلك أن التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين‪ ،‬فضل عن أنهم ل يستطيعون القتصار على‬
‫النضال القتصايدي‪ ،‬ل يمكنهم أيضا أن يسمحوا بأن يستغرق تنظيم التشهير القتصايدي‬
‫القسم الكبر من نشاطهم‪ .‬يجب علينا أن نعمل بنشاط على تربية الطبقة العاملة سياسيا‪،‬‬
‫على تنمية وعيها السياسي‪ .‬والن‪ ،‬بعد أول هجوم تشنه "زاريا" و"اليسكرا" على‬
‫"القتصايدية" "يوافق الجميع" على ذلك )وإن كانت موافقة البعض ل تتعدى القول كما سنرى‬
‫الن(‪ .‬قد يسأل سائل‪ :‬بم ينبغي أن تتلخص التربية السياسية؟ هل يمكن القتصار على‬
‫الدعاية إلى فكرة عداء الطبقة العاملة للحكم المطلق؟ كل‪ ،‬طبعا‪ .‬فليس يكفي أن نبين‬
‫للعمال ما يحيق بهم من ظلم سياسي )كما لم يكن كافيا أن نبين لهم التضايد بين مصالحهم‬
‫ومصالح أصحاب العمل(‪ .‬إن من الضروري أن نقوم بالتحريض بصديد كل مظهر ملموس من‬
‫مظاهر هذا الظلم )كما كنا نتناول بتحريضنا مظاهر الظلم القتصايدي الملموسة(‪ .‬ولما كان‬
‫هذا الظلم يمس تشتى طبقات المجتمع على اختلفها‪ ،‬ولما كان يتجلى في مختلف ميايدين‬
‫الحياة والنشاط ‪ -‬المهنية والعامة والخاصة والعائلية والدينية والعلمية الخ‪ ،.‬الخ‪ ،.‬أفليس من‬
‫الواضح أننا لن نقوم بمهمتنا‪ ،‬مهمة إنماء وعي العمال السياسي‪ ،‬إن لم نأخذ على عاتقنا أمر‬
‫تنظيم التشهير بالحكم المطلق تشهيرا سياسيا تشامل؟ ذلك لننا إذا كنا نريد أن يتناول‬
‫تحريضنا هذا الظلم في مظاهره الملموسة‪ ،‬فينبغي فضح هذه المظاهر )كما أن التحريض‬
‫القتصايدي كان يقتضي فضح الفظائع في المعامل(؟ المر واضح كما يبدو‪ .‬ولكن يبدو هنا‬
‫بالذات أن ضرورة تطوير الوعي السياسي من كل النواحي ل يقرها "الجميع" إل بالقول‪.‬‬
‫وهنا بالذات يظهر أن "رابوتشييه يديلو"‪ ،‬مثل‪ ،‬عدا أنها لم تأخذ على عاتقها مهمة تنظيم )أو‬
‫المبايدرة إلى تنظيم( التشهير السياسي الشامل‪ ،‬أخذت تجر إلى الوراء "اليسكرا" التي‬
‫بايدرت إلى القيام بهذه المهمة‪ .‬اسمعوا هذا‪" :‬إن نضال الطبقة العاملة السياسي ل يعدو أن‬
‫يكون" )وفي الحقيقة يعدو أن يكون( "الشكل الكثر تطورا وسعة وفاعلية للنضال‬
‫القتصايدي" )برنامج "رابوتشييه يديلو"‪" ،‬رابوتشييه يديلو"‪ ،‬العديد ‪ ،1‬ص ‪" .(3‬تواجه‬
‫التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين الن المهمة التالية‪ :‬كيف نضفي على النضال القتصايدي نفسه‪،‬‬
‫بقدر المكان‪ ،‬طابعا سياسيا" )مارتينوف في العديد ‪ ،10‬ص ‪" .(42‬النضال القتصايدي هو‬
‫الوسيلة التي يمكن استعمالها بأوسع تشكل لجذب الجماهير إلى النضال السياسي النشيط"‬
‫)قرار مؤتمر "التحايد")‪ (67‬و"التعديلت"‪" :‬مؤتمران"‪ ،‬ص ‪ 11‬و ‪ .(17‬إن "رابوتشييه يديلو"‪،‬‬
‫كما يرى القارئ‪ ،‬زاخرة بكل هذه الفكار منذ نشوئها حتى "التعليمات" الخيرة "إلى هيئة‬
‫التحرير"‪ .‬وجميعها تعرب‪ ،‬كما هو ظاهر‪ ،‬عن نظرة واحدة إلى التحريض والنضال السياسيين‪.‬‬
‫انظروا إلى وجهة النظر هذه من زاوية الرأي السائد لدى جميع "القتصايديين" والقائل أنه‬
‫ينبغي للتحريض ‪‬السياسي أن يتبع التحريض القتصايدي‪ .‬فهل صحيح أن النضال القتصايدي‬
‫هو بوجه عام "الوسيلة التي يمكن استعمالها بأوسع تشكل" لجذب الجماهير إلى النضال‬
‫السياسي؟ كل‪ ،‬ليس هذا بصحيح على الطلق‪ .‬إن جميع مظاهر الضطهايد البوليسي‬
‫والطغيان الستبدايدي بشتى أتشكالها‪ ،‬ل المظاهر المرتبطة بالنضال القتصايدي وحده‪ ،‬هي‬
‫وسيلة لمثل هذا "الجذب يمكن استعمالها" بشكل ليس أقل سعة على الطلق‪ .‬إن‬
‫"الزيمسكييه ناتشالنيكي")‪ ،(68‬والقصاص الجسدي بالفلحين‪ ،‬وارتشاء الموظفين‪ ،‬ومعاملة‬
‫الشرطة "للعامة" في المدن‪ ،‬ومكافحة الجياع‪ ،‬وقمع مساعي الشعب إلى النور والمعرفة‪،‬‬
‫والتفنن في جباية الضرائب‪ ،‬وملحقة الشيع الدينية‪ ،‬وترويض الجنويد ومعاملة الطلب‬
‫والمثقفين الليبراليين معاملة الجنويد‪ -‬إن جميع هذه المظاهر واللوف الخرى من مظاهر‬
‫الضطهايد المشابهة غير المرتبطة ارتباطا مباتشرا بالنضال "القتصايدي"‪ ،‬لماذا ينبغي أن‬
‫تعتبر بوجه عام وسائل ومناسبات للتحريض السياسي ولجذب الجماهير إلى النضال السياسي‬
‫"ذات إمكانيات للستعمال" أقل سعة؟ الصحيح هو العكس تماما‪ :‬فحالت الضطهايد البوليسي‬
‫الناتشئة عن النضال المهني بالضبط ليست يدون تشك غير قلة قليلة من مجموع حالت الحياة‬
‫‪24‬‬
‫التي يتألم فيها العامل )لنفسه أو لقريبه( من الستبدايد والطغيان والعنف‪ .‬فلماذا إذن نضيق‬
‫سلفا إطار التحريض السياسي ونصف بـ"إمكان الستعمال على أوسع تشكل"‪ ،‬وسيلة واحدة‬
‫من وسائله ينبغي أن توجد إلى جانبها ‪ -‬بالنسبة للتشتراكي‪-‬الديموقراطي‪ -‬وسائل أخرى‬
‫"ذات إمكانيات للستعمال" ليست عموما بأقل سعة؟ لقد كتبت "رابوتشييه يديلو" منذ عهد‬
‫بعيد )منذ سنة خلت!…(‪" :‬أن المطالب السياسية المباتشرة تصبح في متناول فهم الجماهير‬
‫بعد إضراب واحد أو بعد بضعة إضرابات على الكثر"‪" ،‬أن تستخدم الحكومة الشرطة والدرك"‬
‫)العديد ‪ ،7‬ص ‪ ،15‬آب‪-‬أغسطس – سنة ‪ .(1900‬إن نظرية المراحل النتهازية هذه قد رفضت‬
‫الن من قبل "التحايد" الذي يتنازل أمامنا معلنا أنه "ل ضرورة إطلقا للقيام منذ البدء‬
‫بالتحريض السياسي على الصعيد القتصايدي وحده" )"مؤتمران"‪ ،‬ص ‪ .(11‬إن هذا النكار‬
‫وحده من قبل "التحايد" لقسم من أخطائه السابقة سيبين لمؤرخ التشتراكية‪-‬الديموقراطية‬
‫الروسية المقبل بصورة أوضح من كل الشروح المطولة‪ ،‬إلى أي يدرك من النحطاط يدفع‬
‫"إقتصايديونا" التشتراكية! ولكن أية سذاجة يبديها "التحايد" إذ يتصور أنه بتنازله عن تشكل من‬
‫أتشكال تضييق السياسة يحملنا على القبول بشكل آخر من أتشكال تضييقها! أل نكون أقرب‬
‫إلى المنطق إذا قلنا هنا أيضا أنه ينبغي القيام بالنضال القتصايدي على أوسع وجه ممكن‪،‬‬
‫وأنه ينبغي الستفايدة منه على الدوام للتحريض السياسي‪ ،‬ولكن "ل ضرورة إطلقا" لعتبار‬
‫النضال القتصايدي الوسيلة التي يمكن استعمالها بأوسع تشكل لجذب الجماهير إلى النضال‬
‫السياسي النشيط؟ إن "التحايد" يرى أهمية في ما أقدم عليه من الستعاضة عن تعبير‬
‫"أفضل وسيلة" الواريد في القرار المعني من قرارات المؤتمر الرابع لتحايد العمال اليهويد‬
‫)البوند()‪ (69‬بتعبير "الوسيلة التي يمكن استعمالها بأوسع تشكل"‪ .‬ونحن في الحقيقة نجد‬
‫أنفسنا في موقف حرج لو طلب إلينا أن نقول أي القرارين أفضل‪ :‬فإن القرارين في رأينا‬
‫هما كلهما من أريدأ ما يكون‪ .‬فـ"التحايد" والبوند ينزلقان هنا )وربما كان ذلك جزئيا عن غير‬
‫وعي‪ ،‬تحت تأثير العايدة( إلى التأويل القتصايدي‪ ،‬التريديونيوني للسياسة‪ .‬ول يتغير تشيء في‬
‫فحوى المر إذا تم ذلك بواسطة كلمة "أفضل" أو تعبير "يمكن استعمالها بأوسع تشكل"‪ .‬ولو‬
‫قال "التحايد" أن "التحريض السياسي على الصعيد القتصايدي" هو الوسيلة التي تستخدم )ل‬
‫التي يمكن استعمالها( بأوسع تشكل لكان على حق بالنسبة لمرحلة معينة في تطور حركتنا‬
‫التشتراكية‪-‬الديموقراطية‪ .‬ولكان على حق بالضبط حيال "القتصايديين" حيال الكثيرين )إن لم‬
‫نقل الكثرية( من المشتغلين في الميدان العملي في سنوات ‪ ،1901-1898‬لن هؤلء‬
‫"القتصايديين" المشتغلين في الميدان العملي قد استخدموا في الواقع التحريض السياسي‬
‫)هذا إذا كانوا يستخدمونه بوجه عام!( على الصعيد القتصايدي وحده تقريبا‪ .‬وقد رأينا أن‬
‫"رابوتشايا ميسل" و"جماعة التحرير الذاتي" قد اعترفتا بل أوصتا بتحريض سياسي من هذا‬
‫النوع! وقد كان على "رابوتشييه يديلو" أن تشجب بحزم كون التحريض القتصايدي المفيد‬
‫يرافقه تضييق مضر للنضال السياسي‪ .‬ولكنها أعلنت بدل من ذلك أن الوسيلة المستخدمة‬
‫بأوسع تشكل )من قبل "القتصايديين"( هي الوسيلة التي يمكن استخدامها بأوسع تشكل! ول‬
‫مجال للستغراب إذا لم يجد هؤلء الناس من سبيل‪ ،‬عندما ندعوهم "بالقتصايديين"‪ ،‬إل أن‬
‫يصمونا بأقبح النعوت‪ ،‬من نوع "المشعوذين" ‪ ،‬وان يشكو أمام الجميع وأمام كل بمفريده‬
‫‪‬و"المخربين" و"سفراء البابا" و"المفترين" مدعين أننا وجهنا لهم إهانة يدامية‪ ،‬وأن يصرخوا‬
‫على نمط من يقسم باليمان الغليظة‪ . :‬يا لهؤلء ‪"‬ل توجد اليوم أية منظمة اتشتراكية‪-‬‬
‫يديموقراطية مذنبة "بالقتصايدية" المفترين التشرار‪-‬الساسة! أل يحتمل أن يكونوا قد اخترعوا‬
‫"القتصايدية" كلها اختراعا لكي يوجهوا إلى الناس الهانات الدامية ل لشيء إل لحقدهم على‬
‫البشر؟ ما هو بلسان مارتينوف المعنى الواقعي الملموس للمهمة التي يضعها أمام‬
‫التشتراكية‪-‬الديموقراطية‪" :‬إضفاء الطابع السياسي على النضال القتصايدي نفسه"؟ إن‬
‫النضال القتصايدي هو نضال العمال الجماعي ضد أصحاب العمل بغية بيع قوة العمل بشروط‬
‫مفيدة‪ ،‬بغية تحسين ظروف عمل العمال وظروف حياتهم‪ .‬وهذا النضال هو بالضرورة نضال‬
‫مهني‪ ،‬لن ظروف العمل تختلف اختلفا كبيرا باختلف المهن‪ ،‬ولذا ل يمكن للنضال بغية‬
‫تحسين هذه الظروف أن يجري إل تبعا للمهن )النقابات في الغرب والتحايدات المهنية‬
‫المؤقتة والمناتشير في روسيا‪ ،‬الخ‪ .(.‬إذن‪ ،‬إن إضفاء "الطابع السياسي على النضال‬
‫القتصايدي نفسه" يعني السعي إلى تحقيق المطالب المهنية نفسها‪ ،‬وإلى التحسين نفسه‬
‫في ظروف العمل المهنية بواسطة "إجراءات تشريعية وإيدارية" )كما يقول مارتينوف في‬
‫‪25‬‬
‫الصفحة التالية من مقاله‪ ،‬الصفحة ‪ .(43‬وهذا بالذات ما تقوم به وما قامت به على الدوام‬
‫جميع نقابات العمال‪ .‬تصفحوا مؤلف العالمين الرصينين )والنتهازيين "الرصينين"( الزوجين‬
‫ويب‪ ،‬تروا أن نقابات العمال النكليزية قد وعت وراحت تنفذ منذ عهد جد بعيد مهمة "إضفاء‬
‫الطابع السياسي على النضال القتصايدي نفسه"‪ ،‬وأنها تناضل منذ عهد جد بعيد في سبيل‬
‫حرية الضراب‪ ،‬في سبيل إزالة تشتى أتشكال العقبات الحقوقية القائمة في وجه الحركة‬
‫التعاونية والنقابية‪ ،‬في سبيل إصدار قوانين لحماية النساء والطفال‪ ،‬في سبيل تحسين‬
‫ظروف العمل بواسطة التشريع الصحي والصناعي‪ ،‬الخ‪ ..‬وهكذا‪ ،‬إن هذه العبارة الطنانة‪،‬‬
‫"الرهيبة" بدويها العميق والثوري‪" :‬إضفاء الطابع السياسي على النضال القتصايدي نفسه"‪،‬‬
‫تخفي وراءها في الواقع النزوع التقليدي إلى الهبوط بالسياسة التشتراكية‪-‬الديموقراطية‬
‫حتى مستوى السياسة التريديونيونية! فبذريعة إصلح ضيق أفق "اليسكرا" التي تعتبر ‪ -‬ويا‬
‫للهول ‪" -‬بث الروح الثورية في العقائد أعلى تشأنا من يعرضون علينا النضال من أجل‬
‫الصلحات القتصايدية على أنه تشيء ‪‬بثها في الحياة" جديد‪ .‬والواقع أن عبارة "إضفاء الطابع‬
‫السياسي على النضال القتصايدي نفسه" خالية من كل تشيء عدا النضال في سبيل‬
‫الصلحات القتصايدية‪ .‬وكان بوسع مارتينوف أن يصل بنفسه إلى هذا الستنتاج البسيط لو‬
‫أعمل الفكر قليل في معنى كلماته‪ .‬فقد قال موجها مدفعيته الثقيلة إلى "اليسكرا"‪" :‬إن‬
‫حزبنا يمكنه ويجب عليه أن يطالب الحكومة بإجراءات تشريعية وإيدارية ملموسة ضد الستثمار‬
‫القتصايدي‪ ،‬ضد البطالة وضد الجوع‪ ،‬الخ‪) ".‬ص ص ‪ 43-42‬من "رابوتشييه يديلو"‪ ،‬العديد ‪.(10‬‬
‫المطالبة بإجراءات ملموسة ‪ -‬أل يعني ذلك المطالبة بالصلحات الجتماعية؟ وها نحن نسأل‬
‫مرة أخرى القراء المنصفين‪ :‬أنفتري على "الرابوتشييه يديلوويين" )وأرجو المعذرة على هذا‬
‫التعبير الفظ الشائع!( إذا وصفناهم ببرنشتينيين مستترين عندما يعلنون أن خلفاتـهم مع‬
‫"اليسكرا" تدور حول ضرورة النضال في سبيل الصلحات القتصايدية؟ إن التشتراكية‪-‬‬
‫الديموقراطية الثورية قد ضمنت نشاطها وتضمنه على الدوام النضال من أجل الصلحات‪.‬‬
‫ولكنها تستخدم التحريض "القتصايدي" ل لمطالبة الحكومة بمختلف الجراءات وحسب‪ ،‬بل‬
‫لمطالبتها كذلك )وقبل كل تشيء( بأن تكف عن أن تكون حكومة استبدايدية‪ .‬وهي‪ ،‬عدا ذلك‪،‬‬
‫ترى من واجبها أن تقدم للحكومة هذا الطلب ل على صعيد النضال القتصايدي وحسب‪ ،‬بل‬
‫كذلك على صعيد جميع مظاهر الحياة السياسية الجتماعية بوجه عام‪ .‬إنها بكلمة‪ ،‬تخضع‬
‫النضال من أجل الصلحات‪ ،‬بوصفه جزءا من كل‪ ،‬للنضال الثوري من أجل الحرية ومن أجل‬
‫التشتراكية‪ .‬أما مارتينوف فيبعث نظرية المراحل بشكل آخر‪ ،‬محاول أن يحصر تطور النضال‬
‫السياسي في طريق‪ ،‬إن جاز القول‪ ،‬اقتصايدي‪ ،‬بكل تأكيد‪ .‬إنه‪ ،‬إذ ينايدي‪ ،‬في مرحلة النهوض‬
‫الثوري‪ ،‬بالنضال من أجل الصلحات على أنه "مهمة" خاصة كما يزعم‪ ،‬يجر بذلك الحزب إلى‬
‫الوراء ويساعد النتهازية "القتصايدية" والنتهازية الليبرالية على حد سواء‪ .‬ثم إن مارتينوف‪،‬‬
‫بعد أن ستر‪ ،‬بحياء‪ ،‬النضال من أجل الصلحات بالصيغة الطنانة‪" :‬إضفاء الطابع السياسي‬
‫على النضال القتصايدي نفسه"‪ ،‬وضع في المقام الول وكشيء خاص الصلحات القتصايدية‬
‫وحدها )وحتى الصلحات في يداخل المعامل وحدها(‪ .‬ونحن ل ندري لماذا فعل ذلك‪ .‬ترى أعن‬
‫سهو؟ ولكنه إن كان لم يقصد الصلحات "المعملية" وحدها‪ ،‬فإن كل صيغته التي ذكرناها للتو‬
‫تفقد عندئذ كل معنى‪ .‬أو لعله فعل ذلك لنه يعتقد أن الحكومة ل يمكن ول يحتمل أن‬
‫"تتنازل" إل في الميدان القتصايدي وحده؟• ولئن كان المر كذلك فهذا ضلل غريب‪:‬‬
‫فالتنازلت محتملة وتحدث أيضا في ميايدين التشريع الذي يتناول السياط والجوازات‬
‫والتعويضات عن تشراء الراضي)‪ (70‬والشيع الدينية والرقابة‪ ،‬الخ‪ .‬وهلم جرا‪ .‬وواضح أن‬
‫التنازلت "القتصايدية" )أو التنازلت الكاذبة( هي الهون على الحكومة والكثر فائدة لها‪ ،‬لن‬
‫الحكومة تأمل أن تكسب بذلك ثقة جماهير العمال‪ .‬ولهذا بالذات ل ينبغي لنا نحن‬
‫التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين أن نفسح بأي تشكل من التشكال أي مجال للعتقايد )أو للتوهم(‬
‫بأن الصلحات القتصايدية هي الغلى على قلوبنا أو أننا نعتبرها الهم‪ ،‬الخ‪ ..‬يقول مارتينوف‬
‫متحدثا عن الجراءات التشريعية واليدارية الملموسة التي تقدم بها أعله‪" :‬إن مثل هذه‬
‫المطالب ل تبقى كلما فارغا‪ ،‬لنها‪ ،‬إذ تبعث المل بنتائج حسية معينة‪ ،‬يمكن أن تجد التأييد‬
‫النشيط لدى جماهير العمال"‪ ...‬نحن لسنا "باقتصايديين" نستغفر الله! كل ما في المر أننا‬
‫نزحف أمام "حسية" النتائج ! ♥الملموسة بمثل خنوع السايدة برنشتين وبروكوبوفيتش‬
‫وستروفه ور‪ .‬م ‪ .‬و ‪ tutti quanti‬كل ما في المر أننا نلمح )مع نارسيس توبوريلوف( إلى أن‬
‫‪26‬‬
‫كل ما ل "يبعث المل بنتائج حسية" هو "كلم فارغ"! كل ما في المر أننا نفصح بشكل يبدو‬
‫منه وكأن جماهير العمال ليست أهل )وأنها‪ ،‬بالرغم من جميع الذين يلقون عليها تفاهاتهم‪،‬‬
‫لم تبرهن على أنها أهل( لن تؤيد بنشاط كل احتجاج على الحكم المطلق‪ ،‬حتى الحتجاج‬
‫الذي ل يبعث فيها أي أمل بنتائج حسية! حسبنا أن نضرب المثلة التي ذكرها مارتينوف نفسه‬
‫عن "الجراءات" ضد البطالة والمجاعة‪ .‬فبينما انهمكت "رابوتشييه يديلو"‪ ،‬كما يؤخذ من‬
‫وعدها‪ ،‬في وضع وتحضير "مطالب لجراءات تشريعية وإيدارية ملموسة" )بشكل مشاريع‬
‫قوانين؟(‪" ،‬تبعث المل بنتائج حسية"‪ ،‬عملت "اليسكرا" التي "تفضل على الدوام بث الروح‬
‫الثورية في العقائد بدل من بثها في الحياة" على تبيان الصلة الوثقى التي تربط البطالة‬
‫بالنظام الرأسمالي بأكمله ونبهت إلى أن "المجاعة زاحفة" وتشهرت بالعمال التي تقوم بها‬
‫الشرطة "لمكافحة الجياع")‪ (71‬وبفظاعة "الحكام المؤقتة للتشغال الشاقة")‪ ،(72‬وأصدرت‬
‫"زاريا" في هذا الوقت في طبعة على حدة بصفة كراس من كراسات التحريض‪ ،‬قسما من‬
‫"استعراض الوضع الداخلي" يتناول المجاعة‪ .‬ولكن‪ ،‬رباه‪ ،‬كم كان هؤلء الرثوذكس‪،‬‬
‫المصابون بضيق الفق حتى مخ العظم‪ ،‬كم كانوا في هذه الحالت "محدويدي التفكير"‪ ،‬كم‬
‫كانوا متحجرين صما حيال مقتضيات "الحياة نفسها"! فهم لم يدرجوا في أي مقال من‬
‫مقالتهم ‪ -‬ويا للهول ‪ -‬أي مطلب ‪ -‬أتتصورون؟ أي "مطلب ملموس" "يبعث المل بنتائج‬
‫حسية"! يا لهم من جامدي العقيدة تعساء! أل فليذهبوا وليتتلمذوا على أمثال كريتشيفسكي‬
‫مارتينوف كي يتعلموا أن التكتيك هو سير النمو‪ ،‬هي سير ما ينمو‪ ،‬الخ‪ ،.‬وأنه ينبغي إضفاء‬
‫الطابع السياسي على النضال القتصايدي نفسه! "إن لنضال العمال القتصايدي ضد أصحاب‬
‫العمال والحكومة )"النضال القتصايدي ضد الحكومة"!!( عدا أهميته الثورية المباتشرة‪ ،‬أهمية‬
‫أخرى تتلخص في كونه يضع العمال على الدوام أمام مسألة حرمانهم من الحقوق السياسية"‬
‫)مارتينوف‪ ،‬ص ‪ .(44‬نحن ل نثبت هذه العبارة لكيما نكرر للمرة المئة أو للمرة اللف ما سبق‬
‫لنا أن قلناه‪ ،‬بل لكيما نقدم لمارتينوف بوجه خاص الشكر على هذه الصيغة الجديدة الرائعة‪:‬‬
‫"نضال العمال القتصايدي ضد أصحاب العمال والحكومة"‪ .‬يا للروعة! بأي نبوغ ل يضارع‪،‬‬
‫وبأية مهارة ُتلغى جميع الخلفات الثانوية وجميع الختلفات في التلوين بين "القتصايديين"‪،‬‬
‫و ُيفصح هنا في عبارة مقتضبة واضحة عن جوهر "القتصايدية" كله ابتداء من يدعوة العمال‬
‫إلى "النضال ‪ ،‬ومرورا ‪‬السياسي الذي يقومون به لمصلحتهم المشتركة بغية تحسين وضع‬
‫جميع العمال" بنظرية المراحل‪ ،‬ثم انتهاء بقرار المؤتمر عن "الوسيلة التي يمكن استعمالها‬
‫بأوسع تشكل"‪ ،‬الخ‪ ..‬إن "النضال القتصايدي ضد الحكومة" هو بالضبط السياسة التريديونيونية‬
‫البعيدة جدا‪ ،‬البعيدة منتهى البعد عن السياسة التشتراكية‪-‬الديموقراطية‪.‬‬

‫ب( حكاية عن كيف عمق مارتينوف بليخانوف "كم ظهر عندنا في الونة الخيرة من أمثال‬
‫للومونوسوف اتشتراكيين‪-‬يديموقراطيين!" ‪ -‬هذا ما قاله ذات مرة رفيق من الرفاق مشيرا إلى‬
‫الميل الغريب لدى الكثيرين من الميالين إلى "القتصايدية"‪ ،‬إلى أن يكتشفوا "بعقولهم هم"‬
‫الحقائق العظمى )من نوع أن النضال القتصايدي يضع العمال أمام مسألة حرمانهم من‬
‫الحقوق( مغفلين في الوقت نفسه بعنجهية العباقرة الفذاذ‪ ،‬كل ما أعطاه التطور السابق‬
‫للفكرة الثورية وللحركة الثورية‪ .‬ومن هؤلء الفذاذ لومونوسوف‪-‬مارتينوف‪ .‬ألقوا نظرة على‬
‫مقاله‪" :‬القضايا المباتشرة" تروا كيف يتوصل "بعقله هو" إلى ما سبق لكسيلرويد أن قاله منذ‬
‫أمد بعيد )والذي يصمت عنه كل الصمت طبعا هذا اللومونوسوف(‪ ،‬وكيف يأخذ‪ ،‬مثل‪ ،‬يفهم أنه‬
‫ل يمكننا أن نتجاهل روح المعارضة لدى هذه أو تلك من فئات البرجوازية )"رابوتشييه يديلو"‪،‬‬
‫العديد ‪ ،9‬ص ص ‪ .71 ،62 ،61‬قارن ذلك بـ"جواب" هيئة تحرير "رابوتشييه يديلو" على‬
‫آكسيلرويد‪ ،‬ص ص ‪ ،(24-23 ،22‬الخ‪ ..‬ولكنه – واحسرتاه ‪ -‬لم يزيد على أن "يتوصل"‪ ،‬على أن‬
‫"يأخذ"‪ ،‬لنه ما يزال جد بعيد عن فهم أفكار آكسيلرويد إلى حد أنه يتكلم عن "النضال‬
‫القتصايدي ضد أصحاب العمال والحكومة"‪ .‬طيلة ثلث سنوات )‪ (1901-1898‬حشدت‬
‫"رابوتشييه يديلو" قواها لفهم آكسيلرويد‪ ،‬ومع ذلك… مع ذلك لم تفهمه بعد! ولعل منشأ ذلك‬
‫كون التشتراكية‪-‬الديموقراطية "كشأن البشرية" ل تضع نصب عينيها على الدوام إل المهام‬
‫الممكنة التحقيق؟ ولكن ميزة أمثال هذا اللومونوسوف ل تتلخص فقط في كونهم يجهلون‬
‫أتشياء كثيرة )ولو اقتصر المر على ذلك لكانت نصف مصيبة!(‪ ،‬بل أنهم ل يعلمون أنهم‬
‫جاهلون‪ ،‬وهذه مصيبة حقا‪ ،‬وهذه المصيبة تحفزهم على أن يأخذوا على الفور بـ"تعميق"‬
‫‪27‬‬
‫بليخانوف‪ .‬يقول لومونوسوف‪-‬مارتينوف‪" :‬لقد تغيرت أمور كثيرة مذ كتب بليخانوف الكتاب‬
‫المذكور )"مهام التشتراكيين في مكافحة المجاعة في روسيا"(‪ .‬فالتشتراكيون‪-‬‬
‫الديموقراطيون الذين قايدوا نضال الطبقة العاملة القتصايدي طيلة عشر سنوات… لم يتسن‬
‫لهم بعد أن يقيموا تكتيك الحزب على أساس نظري واسع‪ .‬أما الن فقد نضجت هذه المسألة‪.‬‬
‫وإذا ما أريدنا إقامة مثل هذا الساس النظري وجب علينا‪ ،‬حتما‪ ،‬أن نعمق لدرجة كبيرة تلك‬
‫المبايدئ التكتيكية التي طرحها بليخانوف فيما مضى… يجب علينا اليوم أن نحديد الفرق بين‬
‫الدعاية والتحريض بشكل يختلف عن تحديد بليخانوف" )وقد ذكر مارتينوف لتوه كلمات‬
‫بليخانوف‪" :‬الداعية يعطي كثرة من الفكار لشخص أو لعديد من التشخاص‪ ،‬والمحرض يعطي‬
‫فكرة واحدة أو بضع أفكار ولكنه يعطيها بالمقابل لجمهور كبير من التشخاص"(‪" .‬وبويدنا أن‬
‫نفهم من الدعاية الشرح الثوري للنظام الحالي بأكمله أو لبعض مظاهره‪ ،‬سواء جرى ذلك‬
‫بشكل يفهمه أفرايد أو جمهور كبير من الناس‪ ،‬فل فرق‪ .‬ونفهم من التحريض بمعنى الكلمة‬
‫الدقيق )كذا!( نداء الجماهير إلى بعض أعمال ملموسة‪ ،‬مساعدة البروليتاريا على التدخل‬
‫الثوري المباتشر في الحياة الجتماعية"‪ .‬إننا نهنئ التشتراكية‪-‬الديموقراطية الروسية –‬
‫والعالمية ‪ -‬باصطلحات جديدة‪ ،‬مارتينوفية‪ ،‬أكثر يدقة وعمقا‪ .‬فقد كنا نعتقد حتى الن )مع‬
‫بليخانوف وجميع قايدة حركة العمال العالمية( أن الداعية‪ ،‬إذا ما أخذ مثل مسألة البطالة‬
‫نفسها‪ ،‬ينبغي له أن يشرح الزمات وطبيعتها الرأسمالية وأن يبين أسباب حتميتها في‬
‫المجتمع الراهن‪ ،‬وأن يبين ضرورة تحويله إلى مجتمع اتشتراكي‪ ،‬الخ‪ ..‬وبكلمة ينبغي له أن‬
‫يعطي "كثرة من الفكار" كثيرة لدرجة ل يمكن أن يستوعبها بمجموعها‪ ،‬يدفعة واحدة‪ ،‬غير‬
‫عديد من التشخاص قليل )نسبيا(‪ .‬أما المحرض فإنه‪ ،‬إذ يتكلم عن المسألة نفسها‪ ،‬يأخذ أبرز‬
‫مثل يعرفه مستمعوه أكثر من غيره من المثال‪ ،‬لنقل مثل موت عائلة عامل عاطل عن العمل‬
‫بسبب المجاعة أو انتشار التسول الخ‪ ،.‬ويوجه جميع جهويده استنايدا إلى هذا الواقع الذي‬
‫يعرفه الجميع‪ ،‬لعطاء "الجمهور" فكرة واحدة‪ :‬فكرة التناقض غير المعقول بين تزايد الغنى‬
‫وتزايد الفقر‪ ،‬باذل َ جهده لكي يثير في الجمهور الستياء والسخط من هذا الظلم الفاضح‪،‬‬
‫تاركا للداعية مهمة الشرح الكامل لهذا التناقض‪ .‬ولذلك يعمد الداعية بالدرجة الولى إلى‬
‫الكلمة المطبوعة‪ ،‬ويعمد المحرض إلى الكلمة الحية‪ .‬ول تتطلب من الداعية الصفات نفسها‬
‫التي تتطلب من المحرض‪ .‬فنحن نصف مثل كاوتسكي ولفارغ بأنهما من الدعاة‪ ،‬ونصف بيبل‬
‫وغيد بأنهما من المحرضين‪ .‬وما تعيين ميدان ثالث‪ ،‬وظيفة ثالثة للنشاط العملي‪ ،‬وظيفة‬
‫تتلخص في "نداء الجماهير إلى بعض أعمال ملموسة" إل الحماقة الكبرى‪ ،‬لن "النداء"‬
‫بوصفه عمل على حدة إما أن يكون ل محالة التتمة الطبيعية للبحث النظري ولكراس الدعاية‬
‫ولخطاب التحريض‪ ،‬وإما أن يكون عمل تنفيذيا صرفا‪ .‬وفي الحقيقة‪ ،‬لنأخذ مثل نضال‬
‫التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين اللمان الحالي ضد الرسوم الجمركية المفروضة على الحبوب‪.‬‬
‫النظريون يكتبون البحاث عن السياسة الجمركية "منايدين"‪ ،‬مثل‪ ،‬إلى النضال من أجل‬
‫المعاهدات التجارية ومن أجل حرية التجارة‪ ،‬والداعية يقوم بالعمل نفسه في مجلة‪،‬‬
‫والمحرض في خطابات أمام الجمهور‪ .‬و"العمال الملموسة" التي تقوم بها الجماهير في‬
‫هذه الحالة هي عبارة عن توقيع عرائض إلى الريخستاغ تطالب بعدم زيايدة الرسوم المفروضة‬
‫على الحبوب‪ .‬والنداء إلى هذا العمل يصدر بصورة غير مباتشرة عن النظريين والدعاة‬
‫والمحرضين‪ ،‬وبصورة مباتشرة عن العمال الذين يطوفون بهذه العرائض على المعامل‬
‫والبيوت‪ .‬ويستنتج من "اصطلحات مارتينوف" أن كل من كاوتسكي وبيبل كليهما من الدعاة‪،‬‬
‫وأن حاملي العرائض من المحرضين‪ .‬أليس كذلك؟ إن مثل اللمان هذا قد ذكرني بالكلمة‬
‫اللمانية “‪ ”Verballhornung‬أي حرفيا "البلهرة" من كلمة بالهورن‪ .‬ويوحنا بالهورن ناتشر‬
‫عاش في القرن السايدس عشر في ليبزيغ‪ .‬وقد قام بنشر كتاب اللفباء‪ ،‬وفيه‪ ،‬كالمعتايد‪،‬‬
‫رسوم بينها صورة يديك‪ ،‬ولكن الديك ظهر في هذا الرسم بدون تشوكتين على رجليه ومع‬
‫بيضتين إلى جانبه‪ .‬وقد أضاف الناتشر على الغلف كلمات‪" :‬طبعة منقحة ليوحنا بالهورن"‪.‬‬
‫ومنذ ذلك الحين واللمان يصفون بالبلهرة كل "تنقيح" هو في الواقع نقيض التحسين‪.‬‬
‫ويتذكر المرء عفو الخاطر بالهورن هذا عندما يرى كيف "يعمق" أضراب مارتينوف بليخانوف…‬
‫م "اخترع" صاحبنا اللومونوسوف هذه البلبلة؟ ذلك لكيما يبين أن "اليسكرا"‪" ،‬كشأن‬ ‫لِ َ‬
‫بليخانوف منذ عقد ونصف من السنين‪ ،‬ل ترى من التشياء غير وجه واحد" )ص ‪" .(39‬في‬
‫"اليسكرا" نرى مهام الدعاية تدفع إلى المقام الثاني‪ ،‬في الونة الحاضرة على القل‪ ،‬مهام‬
‫‪28‬‬
‫التحريض" )ص ‪ .(52‬وإذا ما ترجمنا هذه العبارة الخيرة من لغة مارتينوف إلى لغة البشر )لنه‬
‫لم يتسن للبشرية بعد أن تتبنى الصطلحات التي اكتشفها مارتينوف حديثا( تكون النتيجة ما‬
‫يلي‪ :‬في "اليسكرا" نرى مهام الدعاية السياسية والتحريض السياسي تدفع إلى المقام‬
‫الثاني مهمة "مطالبة الحكومة بإجراءات تشريعية وإيدارية ملموسة" "تبعث المل بنتائج حسية‬
‫معينة" )أو المطالبة بإصلحات إجتماعية‪ ،‬إذا سمح لنا بأن نستخدم ولو مرة أخرى‬
‫الصطلحات القديمة للبشرية القديمة التي لم ترتفع بعد إلى مستوى مارتينوف(‪ .‬ليقارن‬
‫القارئ هذه الفكرة بالقطعة البليغة التالية‪" :‬إن ما يثير استغرابنا في هذه البرامج" )برامج‬
‫التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين الثوريين( "كونها تضع في المقام الول على الدوام مزايا عمل‬
‫العمال في البرلمان )غير الموجويد عندنا( وتهمل بصورة تامة )من جراء نيهيليتها الثورية(‬
‫أهمية اتشتراك العمال في المجالس التشريعية لرباب المعامل‪ ،‬المختصة بشؤون المعامل‪،‬‬
‫وهي موجويدة عندنا… أو على القل اتشتراك العمال في المجالس البلدية…"‪ .‬إن واضع هذه‬
‫القطعة البليغة يعرب بصورة أقرب إلى الصراحة والوضوح والجلء عن نفس الفكرة التي‬
‫توصل إليها لومونوسوف‪-‬مارتينوف بعقله هو‪ .‬وواضع هذه القطعة البليغة هو ر‪.‬م‪ .‬في‬
‫"الملحق الخاص ل"رابوتشايا ميسل"" )ص ‪.(15‬‬

‫ج( التشهير السياسي و"تربية النشاط الثوري" عندما عارض مارتينوف "اليسكرا"‬
‫بـ"نظريتـ"ـه عن "رفع مستوى نشاط جماهير العمال" كشف في الواقع عن نزوعه إلى الحط‬
‫من مستوى هذا النشاط بإعلنه أن الوسيلة الفضل‪ ،‬الوسيلة الهم‪ ،‬الوسيلة "التي يمكن‬
‫استعمالها بأوسع تشكل" لثارة هذا النشاط‪ ،‬أن ميدان هذا النشاط هو ذلك النضال القتصايدي‬
‫نفسه الذي يركع أمامه جميع "القتصايديين"‪ .‬إنه خطأ نموذجي‪ ،‬لنه أبعد من أن يختص به‬
‫مارتينوف وحده‪ .‬والواقع أننا ل "نرفع مستوى نشاط جماهير العمال" إل إذا لم نكتف‬
‫بـ"التحريض السياسي على الصعيد القتصايدي"‪ .‬ولما كان أحد الشروط الساسية لضرورة‬
‫توسيع التحريض السياسي هو تنظيم التشهير السياسي في جميع الميايدين لن تربية وعي‬
‫الجماهير السياسي ونشاطها الثوري ل تمكن إل عن طريق هذا التشهير‪ - ،‬كان هذا النوع من‬
‫النشاط وظيفة من أهم وظائف التشتراكية‪-‬الديموقراطية العالمية بأكملها‪ ،‬لن الحرية‬
‫السياسية هي الخرى ل تزيل هذا التشهير البتة‪ ،‬بل تغير اتجاهه بعض الشيء‪ .‬فالحزب‬
‫اللماني‪ ،‬مثل‪ ،‬يعزز مواقعه ويوسع نفوذه لدرجة كبيرة بفضل حملة التشهير السياسي‬
‫بالذات‪ ،‬التي يشنها بنشاط ل يفتر‪ .‬ول يمكن أن يكون وعي الطبقة العاملة وعيا سياسيا‬
‫حقا‪ ،‬إذا لم يتعويد العمال الريد على كل حالة من حالت الطغيان والظلم والعنف وسوء‬
‫الستعمال على اختلفها وبصرف النظر عن الطبقة التي توجه إليها‪ ،‬على أن يكون الريد من‬
‫وجهة النظر التشتراكية‪-‬الديموقراطية‪ ،‬ل من أية وجهة نظر أخرى‪ .‬ول يمكن أن يكون وعي‬
‫جماهير العمال وعيا طبقيا حقا إذا لم يتعلم العمال الستفايدة من الوقائع والحوايدث‬
‫السياسية الملموسة والعاجلة )الملحة( حتما في الوقت نفسه‪ ،‬لمراقبة كل طبقة من‬
‫الطبقات الجتماعية الخرى في جميع مظاهر حياتها العقلية والخلقية والسياسية‪ ،‬إذا لم‬
‫يتعلموا أن يطبقوا في العمل التحليل المايدي والتقدير المايدي لجميع أوجه نشاط وحياة جميع‬
‫طبقات السكان وفئاتهم وجماعاتهم‪ .‬إن كل من يوجه انتباه الطبقة العاملة وقوة ملحظتها‬
‫ووعيها إلى نفسها فقط‪ ،‬أو إلى نفسها بالدرجة الولى‪ ،‬ليس باتشتراكي‪-‬يديموقراطي‪ ،‬لن‬
‫معرفة الطبقة العاملة لنفسها مرتبط ارتباطا ل ينفصم بمعرفتها معرفة واضحة تامة‬
‫للعلقات المتبايدلة بين جميع طبقات المجتمع الراهن‪ ،‬معرفة ليست نظرية وحسب… والصح‬
‫أن نقول‪ :‬ليست نظرية بمقدار ما هي مبنية على تجربة الحياة السياسية‪ .‬ولذلك فإن ما‬
‫ينايدي به "اقتصايديونا" من أن النضال القتصايدي هو الوسيلة التي يمكن استعمالها بأوسع‬
‫تشكل لجذب الجماهير إلى الحركة السياسية هو أمر ضار منتهى الضرر ورجعي منتهى‬
‫الرجعية من حيث نتائجه العملية‪ .‬فلكيما يصبح العامل اتشتراكيا‪-‬يديموقراطيا ينبغي له أن يكون‬
‫لنفسه صورة واضحة عن الطبيعة القتصايدية والسيماء الجتماعية والسياسية للملك العقاري‬
‫والكاهن وصاحب الرفعة والفلح والطالب والصعلوك‪ ،‬وأن يعرف نواحي قوتهم ونواحي‬
‫ضعفهم‪ ،‬وأن يحسن فهم معاني مختلف العبارات الشائعة والسفسطات التي تخفي بها كل‬
‫طبقة وكل فئة مطامعها النانية وحقيقة "يدخيلتها"‪ ،‬وأن يعرف ما هي المؤسسات والقوانين‬
‫التي تعكس هذه المصالح أو تلك وكيف تعكسها‪ .‬وهذه "الصورة الواضحة" ل يستطيع العامل‬
‫‪29‬‬
‫أن يجدها في أي كتاب‪ :‬ل يستطيع أن يستمدها إل من الصور الحية‪ ،‬إل من التشهير الذي‬
‫يذاع مباتشرة إثر ما يجري حولنا في برهة ما ويصبح موضوعا يتحدث به الناس‪ ،‬جماعات أو‬
‫أفرايدا‪ ،‬أو يهمسون به على القل وما يتجلى في هذه أو تلك من الحداث والرقام والحكام‬
‫القضائية‪ ،‬الخ‪ ،.‬الخ‪ ..‬إن هذا التشهير السياسي الذي يشمل جميع الميايدين هو تشرط أساسي‬
‫ل بد منه لتربية نشاط الجماهير الثوري‪ .‬لماذا ل يظهر العامل الروسي حتى الن غير القليل‬
‫من النشاط الثوري حيال ما يلقاه الشعب من وحشية الشرطة‪ ،‬حيال اضطهايد الشيع الدينية‪،‬‬
‫حيال ضرب الفلحين‪ ،‬حيال فضائح الرقابة‪ ،‬حيال تعذيب الجنويد‪ ،‬حيال ملحقة المبايدرات‬
‫الثقافية حتى أضعفها‪ ،‬وهلم جرا؟ أليس مريد ذلك إلى أن "النضال القتصايدي" ل "يدفعه"‬
‫إلى مثل هذا النشاط‪ ،‬وأن هذه المور "تبعث فيه المل" بقلة من "النتائج الحسية"‪ ،‬وتعطيه‬
‫قلة من النتائج "اليجابية"؟ ل‪ .‬إن ايدعاء المرء بمثل هذا يعني‪ ،‬ونكرر ذلك‪ ،‬محاولة لعزو‬
‫أخطائه هو إلى الخرين‪ ،‬عزو تفاهته )أي البرنشتينية( إلى جماهير العمال‪ .‬إننا‪ ،‬إذا كنا لم‬
‫نستطع حتى الن تنظيم التشهير بجميع هذه السفالت بما ينبغي من السعة والسرعة‬
‫والوضوح‪ ،‬فسبب ذلك نحن‪ ،‬سبب ذلك تأخرنا عن حركة الجماهير‪ .‬إذا فعلنا ذلك )وهذا يجب‬
‫علينا ونستطيع أن نفعله(‪ ،‬لرأينا حتى أكثر العمال تأخرا يدرك أو يحس أن الطالب وتابع‬
‫البدعة الدينية‪ ،‬والفلح والكاتب‪ ،‬يتلقى الهانات والطغيان من تلك القوة السويداء نفسها‬
‫التي تضغط عليه وتسحقه في كل خطوة من حياته‪ ،‬وما أن يحس حتى يرغب‪ ،‬حتى يرغب‬
‫أتشد الرغبة في أن يريد بنفسه‪ ،‬ويستطيع عندئذ أن ينظم‪ :‬اليوم عرضا صاخبا في وجه‬
‫المراقبين وغدا مظاهرة أمام يدار حاكم قمع انتفاضة فلحين‪ ،‬وبعد غد إلقاء يدرس على‬
‫الدرك لبسي مسوح الكهان الذين يقيمون بأعمال محاكم التفتيش المقدسة‪ ،‬الخ‪ ..‬إننا لم‬
‫نعمل غير النزر القليل‪ ،‬لم نعمل تقريبا أي تشيء للقاء تشهيرات بين جماهير العمال‪ ،‬تتناول‬
‫مواضيع الساعة وتشمل جميع ميايدين الحياة‪ .‬حتى أن الكثيرين منا لم يدركوا بعد واجبهم‬
‫هذا‪ ،‬ويستمرون على زحفهم العفوي خلف "النضال الجاري المعتايد" ضمن إطار الحياة‬
‫المعملية الضيق‪ .‬إن القول في مثل هذه الظروف بأن ""اليسكرا" تميل إلى التقليل من‬
‫أهمية تقدم النضال الجاري المعتايد بالقياس إلى الدعوة للفكار البراقة والمتبلورة"‬
‫)مارتينوف‪ ،‬ص ‪ - (61‬يعني جر الحزب إلى الوراء والدفاع عن عدم استعدايدنا وعن تأخرنا‪،‬‬
‫والتشايدة بهما‪ .‬أما نداء الجماهير إلى العمل فهو أمر يأتي من تلقاء نفسه متى وجد التحريض‬
‫السياسي النشيط والتشهير الواضح الحي‪ .‬إن إلقاء القبض على مجرم متلبسا بالجريمة‬
‫والتشهير به على الفور أمام الجميع وفي كل مكان‪ ،‬هو عمل يؤثر بحد ذاته تأثيرا أقوى من‬
‫كل "نداء"‪ ،‬يؤثر في الغالب تأثيرا يتعذر معه فيما بعد معرفة الذي "نايدى" الجموع‪ ،‬والذي‬
‫وضع مشروع هذه المظاهرة أو تلك‪ ،‬الخ‪ ..‬والنداء ‪ -‬بمعنى الكلمة الملموس‪ ،‬ل بمعناها العام ‪-‬‬
‫ل يمكن أن يحدث إل في ساحة العمل نفسه‪ ،‬ول يمكن أن ينايدي إل السائر مباتشرة بنفسه‬
‫في الساحة‪ .‬وواجبنا نحن الكتاب التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين هو أن نعمق التشهير‬
‫والتحريض السياسيين وأن نوسعهما ونقويهما‪ .‬وللمناسبة لنقل الن كلمة في "النداءات‪.‬‬
‫لقد كانت "اليسكرا" الجريدة الوحيدة التي نايدت العمال‪ ،‬قبل حوايدث الربيع)‪ ،(73‬إلى التدخل‬
‫النشيط في مسألة ل تبعث فيهم على الطلق أي أمل بنتائج حسية ‪ -‬هي مسألة تجنيد‬
‫الطلب الجباري‪ .‬ففور إصدار قرار ‪ 11‬كانون الثاني )يناير( بصديد "تجنيد ‪ 183‬طالبا" وقبل‬
‫الشروع بأية مظاهرة‪ ،‬نشرت "اليسكرا" مقال حول هذا المر )العديد ‪ ،2‬تشباط ‪ -‬ونايدت جهارا‬
‫"العامل إلى مساعدة الطالب"‪ ،‬نايدت "الشعب" إلى الريد الصريح ‪‬فبراير( على هذا التحدي‬
‫الفظ من قبل الحكومة‪ .‬ونحن نسأل الجميع وكل بمفريده‪ :‬كيف نفسر هذا الواقع البليغ في‬
‫يدللته ‪ -‬وهو أن مارتينوف الذي يتكلم عن "النداءات" بهذه الكثرة بل إنه يرفع "النداءات" إلى‬
‫تشكل خاص من أتشكال النشاط‪ ،‬لم ينبس ببنت تشفة عن هذا النداء؟ أفليس من النفاق بعد‬
‫ذلك أن يعلن مارتينوف أن "اليسكرا" ل ترى إل ناحية واحدة لنها ل "تنايدي" بصورة كافية‬
‫إلى النضال من أجل مطالب "تبعث المل بنتائج حسية"؟ لقد أحرز "اقتصايديو"نا‪ ،‬بما فيهم‬
‫"رابوتشييه يديلو"‪ ،‬نجاحا لنهم تكيفوا تبعا للعمال المتأخرين‪ .‬ولكن العامل التشتراكي‪-‬‬
‫الديموقراطي‪ ،‬العامل الثوري )وعديد هؤلء العمال في تزايد مستمر( سيريد بسخط على جميع‬
‫هذه الحجج عن النضال من أجل مطالب "تبعث المل بنتائج حسية"‪ ،‬الخ‪ ،.‬لنه سيفهم أن ذلك‬
‫ليس غير تشكل جديد الغنية القديمة‪ ،‬أغنية الكوبيك المضاف إلى الروبل‪ .‬إن هذا العامل‬
‫سيقول لمن يسدون له النصائح في "رابوتشايا ميسل" و"رابوتشييه يديلو"‪ :‬إنكم تخطئون أيها‬
‫‪30‬‬
‫السايدة في إزعاج أنفسكم هذا الزعاج بتدخلكم هكذا في أمور نعالجها بأنفسنا وبتهربكم من‬
‫واجباتكم الحقيقية‪ .‬فليس من الفطنة إطلقا أن تقولوا أن واجب التشتراكيين‪-‬‬
‫الديموقراطيين هو إضفاء الطابع السياسي على النضال القتصايدي نفسه‪ ،‬فذلك ليس إل‬
‫بداية‪ ،‬وما هو بمهمة التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين الرئيسية‪ ،‬لنه‪ ،‬في العالم كله‪ ،‬بما في ذلك‬
‫روسيا‪ ،‬ليس من النايدر أن تكون الشرطة هي البايدئة في إضفاء الطابع السياسي على‬
‫النضال ‪ .‬والواقع أن ‪‬القتصايدي‪ ،‬فيأخذ العمال أنفسهم في تبين الجانب الذي تسانده‬
‫الحكومة "نضال العمال القتصايدي ضد أصحاب العمال والحكومة"‪ ،‬هذا النضال الذي‬
‫تمتدحونه كما لو كنتم قد اكتشفتم أمريكا ثانية‪ ،‬يقوم به في المناطق الروسية المنسية‬
‫العمال أنفسهم ممن سمعوا عن الضرابات ولكنهم‪ ،‬على ما يبدو‪ ،‬يجهلون كل تشيء عن‬
‫التشتراكية‪ .‬والواقع أن "نشاطـ"ـنا‪ ،‬نحن العمال‪ ،‬الذي تريدون أنتم جميعا أن تؤيدوه‪ ،‬بوضع‬
‫المطالب الملموسة التي تبعث المل بنتائج حسية هو نشاط موجويد فينا‪ .‬ونحن أنفسنا‪ ،‬في‬
‫عملنا المهني اليومي الطفيف‪ ،‬كثيرا ما نضع هذه المطالب الملموسة يدون أية مساعدة من‬
‫قبل المثقفين‪ .‬ولكن مثل هذا النشاط ل يكفينا‪ .‬فنحن لسنا بأطفال يمكن إطعامهم من‬
‫حساء السياسة "القتصايدية" وحدها؛ نحن نريد أن نعرف كل ما يعرفه الخرون‪ ،‬نريد الطلع‬
‫على تفاصيل أوجه الحياة السياسية جميعها‪ ،‬وأن نشترك بنشاط في كل حايدث سياسي ‪ ،‬وان‬
‫‪‬مهما كان‪ .‬وهذا يتطلب من المثقفين أن يقللوا من تكرار ما نعرفه نحن أنفسنا يكثروا من‬
‫إعطائنا ما لم نتوصل إلى معرفته‪ ،‬ما ل نستطيع أبدا أن نتوصل إلى معرفته من تجربتنا‬
‫المعملية و"القتصايدية" ‪ -‬ونعني المعرفة السياسية‪ .‬تستطيعون أنتم‪ ،‬معشر المثقفين‪ ،‬أن‬
‫تحصلوا على هذه المعرفة‪ ،‬وإنكم لملزمون بأن تقدموها لنا بأكثر مما فعلتم إلى اليوم بمئة‬
‫بل بألف مرة‪ ،‬على أن ل تقدموها فقط بشكل محاكمات وكراريس ومقالت )هي في حالت‬
‫كثيرة ‪ -‬واعذرونا على صراحتنا!‪ -‬مملة بعض الشيء( بل حتما بشكل تشهير حي بما تفعله‬
‫بالذات حكومتنا وطبقاتنا السائدة في هذا الظرف بالذات في جميع ميايدين الحياة‪ .‬هلموا إذن‬
‫للقيام بواجبكم هذا بهمة أكبر وأقلوا من الكلم عن "رفع مستوى نشاط جماهير العمال"‪.‬‬
‫فنشاطنا أكثر مما تظنون بكثير‪ .‬فنحن نعرف كيف ندعم بالنضال السافر في الشارع حتى‬
‫المطالب التي ل تبعث المل بأية "نتائج حسية"! لستم أنتم المدعوين لـ"رفع مستوى"‬
‫نشاطنا‪ ،‬لن النشاط بالذات هو ما ينقصكم أنتم‪ .‬أقلوا من السجويد أمام العفوية وأكثروا من‬
‫التفكير برفع مستوى نشاطكم أنتم‪ ،‬أيها السايدة!‬

‫يد?( ما هو مشترك بين القتصايدية والرهابية؟ جمعنا آنفا‪ ،‬في زاوية الملحظات‪ ،‬بين‬
‫"اقتصايدي" من جهة‪ ،‬وإرهابي غير اتشتراكي‪-‬يديموقراطي من جهة أخرى‪ ،‬فظهرا متضامنين‬
‫مصايدفة‪ .‬ولكن ثمة صلة تربط بينهما بوجه عام‪ ،‬صلة يداخلية‪ ،‬ليست عرضية بل ضرورية‪.‬‬
‫وسنعويد إلى الحديث عنها فيما يأتي من البحث كما أنه من الضروري التطرق إليها فيما يخص‬
‫مسألة تربية النشاط الثوري بالذات‪ .‬لدى "القتصايديين" وإرهابيي اليوم جذر مشترك‪ :‬هو‬
‫بالضبط تقديس العفوية‪ ،‬الذي تكلمنا عنه في الفصل السابق كظاهرة عامة والذي سنتناوله‬
‫الن من حيث تأثيره في ميدان النشاط السياسي والنضال السياسي‪ .‬وقد يبدو زعمنا هذا‬
‫لول وهلة متناقضا‪ ،‬إذ أن الفرق الظاهري كبير جدا بين أناس يضعون في المقام الول‬
‫"النضال الجاري المعتايد" وأناس يدعون الفرايد إلى نضال يتطلب الحد القصى من إنكار‬
‫الذات‪ .‬ولكن ليس ثمة هنا من تناقض‪" .‬فالقتصايديون" والرهابيون يقدسون قطبين‬
‫مختلفين من التيار العفوي‪" :‬القتصايديون" يقدسون عفوية "الحركة العمالية الصرف"‬
‫والرهابيون يقدسون عفوية تشديد سخط المثقفين الذين ل يعرفون أو ل يستطيعون أن‬
‫يربطوا العمل الثوري بحركة العمال في كل واحد‪ .‬وفي الحقيقة يصعب على من فقد إيمانه‬
‫بهذه المكانية أو الذي لم يؤمن بها قط‪ ،‬أن يجد مخرجا لسخطه وهمته الثورية غير الرهاب‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬إن تقديس العفوية في التجاهين المذكورين ليس إل البدء بتحقيق برنامج "‪"Credo‬‬
‫المشهور‪ :‬العمال ينصرفون إلى "نضالهم القتصايدي ضد أصحاب العمال والحكومة"‬
‫)وليعذرنا واضع "‪ "Credo‬إذ نعرب عن أفكاره بكلمات مارتينوف! ونعتقد أن ذلك من حقنا ما‬
‫يدام "‪ "Credo‬هو الخر يقول أن العمال "يصطدمون" في نضالهم القتصايدي "بالنظام‬
‫السياسي"(؛ أما المثقفون فيخوضون النضال السياسي بقواهم الخاصة‪ ،‬عن طريق الرهاب‬
‫طبعا! وهو استنتاج منطقي ومحتوم تماما ل بد من اللحاح عليه‪ ،‬ولو كان الذين يشرعون‬
‫‪31‬‬
‫بتحقيق هذا البرنامج ل يدركون هم أنفسهم حتميته‪ .‬إن للنشاط السياسي منطقه المستقل‬
‫عن إيدراك الذين يدعون‪ ،‬عن حسن نية‪ ،‬إلى الرهاب أو إلى إضفاء الطابع السياسي على‬
‫النضال القتصايدي نفسه‪ .‬إن جهنم مبلطة بالنوايا الطيبة‪ ،‬وفي هذه الحالة أيضا ل تمنع‬
‫النوايا الطيبة من النجرار العفوي في اتجاه "أهون السبل"‪ ،‬في اتجاه برنامج "‪"Credo‬‬
‫البرجوازي الصرف‪ .‬كذلك ليس من قبيل المصايدفات أن نرى الكثيرين من الليبراليين الروس‬
‫‪ -‬الليبراليين البينين أوالمقنعين بالماركسية‪ -‬يحبذون الرهاب بكل جوارحهم ويسعون لدعم‬
‫نهوض الميول الرهابية في الظرف الحاضر‪ .‬ونرى أن ظهور "جماعة سفوبويدا التشتراكية‪-‬‬
‫الثورية" التي وضعت نصب عينيها بالضبط مهمة مساعدة حركة العمال بكل الوسائل‪ ،‬ولكنها‬
‫سجلت في برنامجها الرهاب وتحرير نفسها‪ ،‬إن أمكن القول‪ ،‬من التشتراكية‪-‬الديموقراطية ‪-‬‬
‫إن هذا الواقع قد بين مرة أخرى وأخرى روعة نفاذ بصر ب‪.‬ب‪ .‬آكسيلرويد الذي تنبأ بالمعنى‬
‫الحرفي للكلمة منذ أواخر سنة ‪ 1897‬نتيجة التريديد التشتراكي‪-‬الديموقراطي هذه )"حول‬
‫مسألة المهام الحالية والتكتيك"( ورسم "احتماليه" المشهورين‪ .‬إن جميع المجايدلت‬
‫والخلفات التي حدثت بعد ذلك بين التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين الروس يحتويها هذان‬
‫الحتمالن كما تحتوي البذرة النبتة•‪ .‬ويتضح أيضا من وجهة النظر المذكورة أن "رابوتشييه‬
‫يديلو" التي لم تصمد أمام عفوية "القتصايدية" لم تستطع أن تصمد كذلك أمام عفوية‬
‫الرهابية‪ .‬ومن المهم جدا أن نشير هنا إلى الحجج الفريدة في بابها والتي قدمتها‬
‫"سفوبويدا" يدفاعا عن الرهاب‪ .‬فهي " تنكر بصورة تامة" يدور الرهاب التخويفي )"بعث‬
‫الثورية"‪ ،‬ص ‪ ،(64‬ولكنها تشير في المقابل إلى "يدوره التهييجي"‪ .‬وهذا بليغ الدللة‪ ،‬أول‪،‬‬
‫بوصفه مرحلة من مراحل تفسخ وانحطاط يدائرة الفكار التقليدية )السابقة للتشتراكية‪-‬‬
‫الديموقراطية( التي كانت ترغم على التمسك بالرهاب‪ .‬فالعتراف بأنه يستحيل الن‬
‫"تخويف" الحكومة بالرهاب‪ ،‬وبالتالي بعث النحلل فيها يعني‪ ،‬في الجوهر‪ ،‬تشجب الرهاب‬
‫بصورة تامة بوصفه طريقة نضال‪ ،‬بوصفه ميدانا للنشاط يكرسه برنامج‪ .‬وهو‪ ،‬ثانيا‪ ،‬أبعد في‬
‫الدللة بوصفه نموذجا يبين عدم فهم مهامنا الملحة في قضية "تربية نشاط الجماهير‬
‫الثوري"‪ .‬بيد أن "سفوبويدا" تبشر بالرهاب بوصفه وسيلة "تهييج" لحركة العمال‪ ،‬بوصفه‬
‫"حافزا قويا" لها‪ .‬إن من الصعب تصور حجة تدحض نفسها بنفسها بوضوح أكبر! إننا نسأل‪:‬‬
‫هل خلت الحياة الروسية من المساوئ لدرجة تحمل على اختراع وسائل خاصة "للتهييج"؟‬
‫أوليس من الواضح‪ ،‬من الناحية الخرى‪ ،‬أن الذي ل يهتاج ول يمكن أن يهتاج حتى من جراء‬
‫الطغيان الروسي‪ ،‬سينظر كذلك إلى المبارزة الدائرة بين الحكومة وقبضة الرهابيين وهو‬
‫"ينكش أنفه"؟ والواقع أن تشناعات الحياة الروسية تهيج جماهير العمال لدرجة كبيرة ‪ ،‬ولكننا‬
‫ل نحسن‪ ،‬إن أمكن التعبير‪ ،‬جمع وتركيز كل قطرات وجداول التهيج الشعبي التي تنضح من‬
‫الحياة الروسية بكميات أكبر جدا مما نتصور ونحسب جميعا‪ ،‬والتي ينبغي مع ذلك جمعها‬
‫بالضبط في سيل واحد جارف‪ .‬وهي مهمة ممكنة التحقيق تماما‪ ،‬يبرهن على ذلك بما ل يقبل‬
‫الدحض نهوض حركة العمال هذا النهوض الكبير وما أتشرنا إليه فيما تقدم من تشدة تعطش‬
‫العمال إلى المطبوعات السياسية‪ .‬أما النداءات إلى الرهاب فإنها مثل النداءات إلى إضفاء‬
‫الطابع السياسي على النضال القتصايدي نفسه‪ ،‬ليست إل أتشكال مختلفة للتهرب من ألح‬
‫واجبات الثوريين الروس‪ :‬تنظيم التحريض السياسي بجميع أتشكاله‪ .‬إن "سفوبويدا" تريد أن‬
‫تحل الرهاب محل التحريض‪ ،‬معترفة صراحة بأن "يدوره التهييجي ينتهي منذ أن يبدأ التحريض‬
‫النشيط القوي بين الجماهير" )ص ‪ 68‬من "بعث الثورية"(‪ .‬وهذا ما يدل بالضبط على أن‬
‫الرهابيين "والقتصايديين" على حد سواء يستصغرون نشاط الجماهير الثوري‪ ،‬بالرغم من‬
‫الشهايدة ‪ ،‬فهؤلء يندفعون إلى البحث عن "مهيجات" مصطنعة‪ ،‬الواضحة التي قدمتها حوايدث‬
‫الربيع وأولئك يتحدثون عن "المطالب الملموسة"‪ .‬وهؤلء وأولئك ل يلتفون التفافا كافيا إلى‬
‫رفع نشاطهم هم في ميدان التحريض السياسي وتنظيم التشهير السياسي‪ .‬مع أن تشيئا ل‬
‫يمكن أن يحل محل هذا المر‪ ،‬ل في الوقت الحاضر ول في أي وقت آخر‪.‬‬

‫هـ( الطبقة العاملة مناضل طليعي من أجل الديموقراطية لقد رأينا أن القيام بالتحريض‬
‫السياسي بأوسع تشكل‪ ،‬وبالتالي تنظيم التشهير السياسي الشامل‪ ،‬هو مهمة ضرورية يدون‬
‫قيد أو تشرط‪ ،‬هو مهمة النشاط ذات الضرورة الكثر إلحاحا‪ ،‬إذا كان هذا النشاط إتشتراكيا‪-‬‬
‫يديموقراطيا حقا‪ .‬ولكننا خلصنا إلى هذا الستنتاج منطلقين فقط من حاجة الطبقة العاملة‬
‫‪32‬‬
‫الملحة إلى المعرفة السياسية والتربية السياسية‪ .‬إل أن طرح المسألة على هذا الشكل وحده‬
‫يكون ضيقا جدا ويغفل المهام الديموقراطية العامة التي تواجه كل اتشتراكية‪-‬يديموقراطية‬
‫بوجه عام والتشتراكية‪-‬الديموقراطية الروسية المعاصرة بوجه خاص‪ .‬ولكيما نشرح هذا المر‬
‫بأوضح تشكل سنحاول تناول المسألة من الناحية "القرب" إلى "القتصايديين"‪ ،‬من الناحية‬
‫العملية بالضبط‪ .‬إن "كل الناس متفقون" على ضرورة إنماء وعي الطبقة العاملة السياسي‪.‬‬
‫والسؤال هو‪ :‬كيف نقوم بذلك وماذا ينبغي للقيام بذلك؟ إن النضال القتصايدي ل "يصدم"‬
‫العمال إل بمسائل موقف الحكومة من الطبقة العاملة‪ .‬ولذلك مهما بذلنا من جهد في "إضفاء‬
‫الطابع السياسي على النضال القتصايدي نفسه"‪ ،‬ل نستطيع أبدا أن نصل إلى إنماء وعي‬
‫العمال السياسي )إلى يدرجة الوعي السياسي التشتراكي‪-‬الديموقراطي( ضمن إطار هذه‬
‫المهمة‪ ،‬لن هذا الطار نفسه ضيق‪ .‬إن صيغة مارتينوف ذات قيمة في نظرنا‪ ،‬ل لنها تدل‬
‫على موهبة مارتينوف في التشويش‪ ،‬بل لنها تدل بجلء على الخطأ الرئيسي الذي يقترفه‬
‫جميع "القتصايديين"‪ ،‬ونعني العتقايد بأنه يمكن إنماء وعي العمال السياسي الطبقي من‬
‫يداخل نضالهم القتصايدي‪ ،‬إن أمكن القول‪ ،‬أي انطلقا من هذا النضال وحده )أو منه بصورة‬
‫رئيسية على القل(‪ .‬وهذا الرأي مغلوط من أساسه‪ ،‬وبما أن "القتصايديين"‪ ،‬من غضبهم‬
‫علينا لجدالنا إياهم‪ ،‬ل يريدون أن يعملوا الفكر في مصدر خلفاتنا‪ ،‬يكون الحاصل أننا ل نفهم‬
‫بعضنا بعضا بالمعنى الحرفي للكلمة ونتكلم بلغات مختلفة‪ .‬إن الوعي السياسي الطبقي ل‬
‫يمكن حمله إلى العامل إل من الخارج‪ ،‬أي من خارج النضال القتصايدي‪ ،‬من خارج يدائرة‬
‫العلقات بين العمال وأصحاب العمال‪ .‬فالميدان الوحيد الذي يمكن أن نستمد منه هذه‬
‫المعرفة هو ميدان علقات جميع الطبقات والفئات تجاه الدولة والحكومة‪ ،‬ميدان علقات‬
‫جميع الطبقات بعضها تجاه بعض‪ .‬ولذلك‪ ،‬على سؤال‪ :‬ماذا ينبغي لحمل المعرفة السياسية‬
‫إلى العمال؟ ل يمكن تقديم ذلك الجواب الوحيد الذي يكتفي به في معظم الحالت‬
‫المشتغلون في الميدان العملي‪ ،‬فضل عن أولئك الذين يميلون منهم إلى "القتصايدية"‪،‬‬
‫ونعني جواب‪" :‬التوجه إلى العمال"‪ .‬فلكيما يحمل التشتراكيون‪-‬الديموقراطيون إلى العمال‬
‫المعرفة السياسية ينبغي لهم التوجه إلى جميع طبقات السكان‪ ،‬ينبغي لهم أن يرسلوا‬
‫فصائل جيشهم إلى جميع الجهات‪ .‬إذا كنا قد تعمدنا هذه الصيغة الخشنة‪ ،‬إذا كنا قد تعمدنا‬
‫هذا التبسيط الجارح في التعبير‪ ،‬فليس منشأ ذلك الرغبة في الغراب‪ ،‬بل الرغبة في "صدم"‬
‫"القتصايديين" صدما بتلك المهام التي يغفلونها بشكل ل يغتفر‪ ،‬بذلك الفرق الذي ل يريدون‬
‫فهمه‪ ،‬والموجويد بين السياسة التريديونيونية والسياسة التشتراكية‪-‬الديموقراطية‪ .‬ولذلك‬
‫نطلب إلى القارئ أن يتذرع بالصبر وأن يصغي إلينا بانتباه حتى النهاية‪ .‬خذوا نموذج الحلقة‬
‫التشتراكية‪-‬الديموقراطية الوسع انتشارا في السنوات الخيرة وأمعنوا النظر في عملها‪ .‬إن‬
‫لها "صلت بالعمال" وإنها لقانعة بذلك‪ ،‬وهي تنشر المنشورات التي تنديد فيها بما يجري في‬
‫المعامل من التجاوزات وبسلوك الحكومة الممالئ للرأسماليين وبالطغيان البوليسي‪.‬‬
‫والحديث في اجتماعات العمال ل يخرج في المعتايد عن إطار المواضيع نفسها أو يكايد ل يخرج‬
‫عنها؛ أما المحاضرات والحايديث عن تاريخ الحركة الثورية وعن قضايا سياسة حكومتنا في‬
‫الحقلين الداخلي والخارجي وعن مسائل التطور القتصايدي في روسيا وفي أوروبا وعن‬
‫وضع هذه أو تلك من الطبقات في المجتمع الراهن‪ ،‬الخ‪ ،.‬فهي نايدرة جدا‪ ،‬ول يخطر ببال أحد‬
‫أن يعقد وينمي الصلت بصورة يدائبة في طبقات المجتمع الخرى‪ .‬والحق أن المثل العلى‬
‫للمناضل‪ ،‬في نظر أعضاء مثل هذه الحلقة‪ ،‬هو‪ ،‬في معظم الحيان‪ ،‬أتشبه كثيرا بسكرتير‬
‫التريديونيون منه بالتشتراكي‪ ،‬الزعيم السياسي‪ .‬وبالفعل‪ ،‬إن سكرتير أي تريديونيون‪،‬‬
‫سكرتير تريديونيون إنكليزي‪ ،‬مثل‪ ،‬يساعد العمال يدائما على القيام بالنضال القتصايدي‪،‬‬
‫وينظم التشهير بالحياة في المعامل‪ ،‬ويشرح الظلم الكامن في القوانين والتدابير التي تقيد‬
‫حرية الضراب وحرية إقامة مراكز الحراسة )لتنبيه الجميع وكل فريد إلى أن عمال هذا‬
‫المعمل أو ذاك مضربون( ويبين تحيز الحكم الذي ينتمي إلى طبقات الشعب البرجوازية‪ ،‬الخ‪،.‬‬
‫الخ‪ ..‬وباقتضاب‪ ،‬إن كل سكرتير لتريديونيون يقوم ويساعد على القيام بـ"النضال القتصايدي‬
‫ضد أصحاب العمال والحكومة"‪ .‬ولسنا نغالي مهما ألححنا في القول أن ذلك ليس بعد‬
‫بالتشتراكية‪-‬الديموقراطية‪ ،‬وأن المثل العلى للتشتراكي‪-‬الديموقراطي ل ينبغي أن يكون‬
‫سكرتير التريديونيون‪ ،‬بل الخطيب الشعبي الذي يحسن الريد على كل مظهر من مظاهر‬
‫الطغيان والظلم بصرف النظر عن مكان حدوثه وعن الفئة أو الطبقة التي يصيبها هذا‬
‫‪33‬‬
‫الطغيان والظلم‪ ،‬يحسن تلخيص جميع هذه المظاهر ويخلق منها لوحة تامة للطغيان‬
‫البوليسي وللستثمار الرأسمالي‪ ،‬يحسن الستفايدة من كل أمر تافه لكي يعرض أمام الجميع‬
‫عقائده التشتراكية ومطالبه الديموقراطية ولكي يشرح للجميع ولكل فريد الهمية التاريخية‬
‫العالمية لنضال البروليتاريا التحريري‪ .‬قارنوا مثل بين روبرت نايت )السكرتير والقائد‬
‫المعروف لجمعية عمال المراجل‪ ،‬وهي من أقوى التريديونيونات في إنكلترا( وولهلم‬
‫ليبكنخت‪ ،‬وطبقوا عليهما المتضايدات التي لخص بها مارتينوف خلفاته مع "اليسكرا"‪ ،‬تروا –‬
‫وإني لبدأ بتصفح مقال مارتينوف ‪ -‬أن ر‪ .‬نايت قد تفوق جدا في "منايداة الجماهير إلى‬
‫أعمال معينة ملموسة" )ص ‪ (39‬وأن و‪ .‬ليبكنخت قد تفوق "في النصراف إلى تشرح ثوري‬
‫للنظام الراهن بأكمله أو لمظاهره الجزئية" )ص ص ‪(39-38‬؛ وأن ر‪ .‬نايت قد "صاغ مطالب‬
‫البروليتاريا المباتشرة وبين طرق تحقيقها" )ص ‪ (41‬وأن و‪ .‬ليبكنخت قد قام بذلك يدون أن‬
‫يستنكف من أن "يقويد في الوقت نفسه العمل النشيط لمختلف الفئات المعارضة" ومن أن‬
‫"يملي عليها برنامجا إيجابيا للعمل"• )ص ‪(41‬؛ وأن ر‪ .‬نايت قد بذل جهده على وجه الدقة‬
‫"ليضفي الطابع السياسي‪ ،‬بقدر المكان‪ ،‬على النضال القتصايدي نفسه" )ص ‪ (42‬وأنه كان‬
‫بارعا في "مطالبة الحكومة بإجراءات ملموسة تبعث المل ببعض النتائج الحسية" )ص ‪،(43‬‬
‫في حين أن و‪ .‬ليبكنخت قد بذل جهدا أكبر بكثير في "التشهير" "الوحيد الجانب" )ص ‪(40‬؛‬
‫وأن ر‪ .‬نايت قد أضفى أهمية أكبر على "تقدم النضال الجاري المعتايد" )ص ‪ ،(61‬وأن و‪.‬‬
‫ليبكنخت قد أعار أهمية أكبر "للدعوة إلى الفكار البراقة المتبلورة )ص ‪(61‬؛ وأن و‪ .‬ليبكنخت‬
‫قد جعل من الجريدة التي يشرف عليها "جريدة للمعارضة الثورية تشهر بأوضاعنا‪ ،‬ول سيما‬
‫بالوضاع السياسية‪ ،‬ما يدامت تصطدم بمصالح مختلف فئات السكان" )ص ‪ ،(63‬في حين أن ر‪.‬‬
‫نايت قد "عمل لقضية العمال على صلة عضوية وثيقة بالنضال البروليتاري" )ص ‪ - ،(63‬إذا‬
‫فهمنا "الصلة العضوية الوثيقة" بمعنى تقديس العفوية الذي يدرسناه أعله استنايدا إلى مثل‬
‫كريتشيفسكي ومارتينوف‪ -،‬و"ضيق ميدان تأثيره" متأكدا على غرار مارتينوف طبعا من أنه‬
‫"يزيد بذلك ‪‬تركيز التأثير نفسه" )ص ‪ .(63‬وبكلمة‪ ،‬ترون أن مارتينوف يهوي ‪de facto‬‬
‫بالتشتراكية‪-‬الديموقراطية إلى مستوى التريديونيونية‪ ،‬ل بالطبع لنه ل يريد الخير‬
‫للتشتراكية‪-‬الديموقراطية‪ ،‬بل لنه يتسرع بعض الشيء في تعميق بليخانوف‪ ،‬بدل من أن يبذل‬
‫جهده لفهمه‪ .‬ولكن لنعد إلى بحثنا‪ .‬لقد قلنا أنه يجب على التشتراكي‪-‬الديموقراطي‪ ،‬إذا كان‬
‫اعترافه بضرورة إنماء وعي البروليتاريا السياسي الشامل ل يقف عند حد القول‪ ،‬أن "يتوجه‬
‫إلى جميع طبقات السكان"‪ .‬وهنا تطرح السئلة التالية‪ :‬كيف نقوم بذلك؟ ألدينا من القوى ما‬
‫يكفي لذلك؟ هل من صعيد لمثل هذا العمل في جميع الطبقات الخرى؟ أل يعني هذا تراجعا‪،‬‬
‫أو يؤيدي إلى التراجع عن وجهة النظر الطبقية؟ لنتناول هذه المسائل‪ .‬ينبغي لنا أن "نتوجه‬
‫إلى جميع طبقات السكان" بوصفنا نظريين وبوصفنا محرضين وبوصفنا منظمين‪ .‬ل يشك‬
‫أحد في أنه ينبغي لعمل التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين النظري أن يتجه لدراسة جميع خصائص‬
‫الوضع الجتماعي والسياسي لمختلف الطبقات‪ .‬ولكن العمل في هذا التجاه قليل ‪ -‬قليل‬
‫جدا‪ ،‬أقل بكثير من العمل الذي يجري لدراسة خصائص حياة المعامل‪ ،‬إنكم تصايدفون في‬
‫اللجان والحلقات أناسا يتعمقون في تخصص في يدراسة هذا الميدان أو ذاك من ميايدين إنتاج‬
‫الحديد‪ ،‬ولكنكم ل تصايدفون تقريبا مثل يستدل منه على أن أعضاء المنظمات )المضطرين كما‬
‫يحدث في كثير من الحالت إلى ترك النشاط العملي لسبب من السباب( ينصرفون بصورة‬
‫خاصة إلى جمع موايد حول قضية من قضايا الساعة في حياتنا الجتماعية والسياسية يمكن أن‬
‫تتيح للتشتراكية‪-‬الديموقراطية فرصة العمل بين فئات السكان الخرى‪ .‬ونحن‪ ،‬عندما نتكلم‬
‫عن ضعف الستعدايد لدى معظم قايدة حركة العمال الحاليين‪ ،‬ل يسعنا إل أن نذكر التحضير‬
‫في هذا الحقل أيضا‪ ،‬إذ أنه مرتبط كذلك بالمفهوم "القتصايدي" "للصلة العضوية الوثيقة‬
‫بالنضال البروليتاري"‪ .‬ولكن المر الهم طبعا هو الدعاية والتحريض بين جميع فئات الشعب‪.‬‬
‫إن ما ييسر هذا الواجب على التشتراكي‪-‬الديموقراطي في أوروبا الغربية إنما هي‬
‫الجتماعات والتجمهرات العامة التي يحضرها كل راغب‪ ،‬وييسره البرلمان الذي يتكلم فيه‬
‫أمام نواب من جميع الطبقات‪ .‬أما نحن فليس لدينا برلمان ول حرية اجتماع‪ .‬ولكننا نحسن مع‬
‫ذلك تنظيم إجتماعات للعمال الذين يريدون أن يصغوا إلى إتشتراكي‪-‬يديموقراطي‪ .‬وينبغي لنا‬
‫أن نحسن كذلك تنظيم اجتماعات يحضرها ممثلو جميع طبقات السكان الذين يريدون أن‬
‫يصغوا إلى يديموقراطي‪ .‬لنه ليس باتشتراكي‪-‬يديموقراطي من ينسى عمليا أن "الشيوعيين‬
‫‪34‬‬
‫يؤيدون كل حركة ثورية")‪ ،(75‬وأننا تبعا لذلك ملزمون بأن نعرض أمام الشعب كله ونشديد‬
‫على المهام الديموقراطية العامة يدون أن نخفي لحظة واحدة عقائدنا التشتراكية‪ .‬ليس‬
‫باتشتراكي‪-‬يديموقراطي من ينسى عمليا أنه ملزم بأن يكون أول من يطرح ويشحذ ويحل كل‬
‫مسألة من المسائل الديموقراطية العامة‪ .‬قد يقاطعنا القارئ غير الصبور قائل‪" :‬إن الجميع‬
‫يدون استثناء متفقون على ذلك!" وإن التعليمات الجديدة إلى هيئة تحرير "رابوتشييه يديلو"‪،‬‬
‫هذه التعليمات التي اتخذت في آخر مؤتمر "للتحايد"‪ ،‬تقول بصراحة‪" :‬ينبغي أن يستفايد‪ ،‬من‬
‫أجل الدعاية والتحريض السياسيين‪ ،‬من جميع ظواهر وأحداث الحياة الجتماعية والسياسية‬
‫التي تمس البروليتاريا إما مباتشرة بوصفها طبقة على حدة وإما بوصفها طليعة جميع القوى‬
‫الثورية في النضال من أجل الحرية" )"مؤتمران"‪ ،‬ص ‪ .17‬حرف التأكيد لنا(‪ .‬أجل‪ ،‬إنها‬
‫لكلمات طيبة وصحيحة كل الصحة‪ ،‬ونكون راضين كل الرضى لو فهمتها "رابوتشييه يديلو"‪،‬‬
‫ولو لم تقل إلى جانب هذه الكلمات ما يناقضها‪ .‬إذ ل يكفي اتخاذ اسم "الطليعة"‪ ،‬أو الفصيلة‬
‫المامية؛ بل ينبغي أن نعمل بشكل يحمل جميع الفصائل الخرى على أن ترى وعلى أن‬
‫تعترف بأننا نسير في المقدمة‪ .‬ونحن نسائل القارئ‪ :‬هل ممثلو "الفصائل" الخرى من‬
‫البلهة بحيث يصدقوننا لمجريد ايدعائنا بأننا "الطليعة"؟ بحسبكم أن تتصوروا هذا المشهد‪:‬‬
‫يذهب اتشتراكي‪-‬يديموقراطي إلى "فصيلة" الرايديكاليين الروس المثقفين أو الدستوريين‬
‫الليبراليين ويقول‪ :‬نحن الطليعة؛ "وتواجهنا الن المهمة التالية‪ :‬كيف نضفي الطابع‬
‫السياسي‪ ،‬بقدر المكان‪ ،‬على النضال القتصايدي نفسه"‪ .‬وما أن يسمع هذا الخطاب‬
‫رايديكالي أو يدستوري ذكي لدرجة ما )والذكياء على كل حال كثيرون بين الرايديكاليين‬
‫والدستوريين الروس( حتى يبتسم ويقول )في نفسه طبعا‪ ،‬لنه في معظم الحالت‬
‫يديبلوماسي خبير(‪" :‬كم هي ساذجة هذه "الطليعة"! إنها عاجزة حتى عن أن تفهم أن إضفاء‬
‫الطابع السياسي على نضال العمال القتصايدي نفسه هو مهمتنا‪ ،‬مهمة ممثلي الديموقراطية‬
‫البرجوازية المتقدمين‪ .‬فنحن أيضا كشأن جميع البرجوازيين في أوروبا الغربية‪ ،‬نريد أن‬
‫نجذب العمال إلى السياسة‪ ،‬ولكن السياسة التريديونيونية على وجه الضبط‪ ،‬ل السياسة‬
‫التشتراكية‪-‬الديموقراطية‪ .‬فالسياسة التريديونيونية لطبقة العمال هي على وجه الدقة‬
‫السياسة البرجوازية لطبقة العمال‪ .‬وعندما تضع هذه "الطليعة" صيغة لمهمتها فهي بالضبط‬
‫تضع صيغة السياسة التريديونيونية! فليقولوا عن أنفسهم أنهم إتشتراكيون‪-‬يديموقراطيون ما‬
‫طاب لهم ذلك‪ .‬فأنا لست في الحقيقة طفل أغضب لمجريد اللقاب! المهم أن ل ينجروا مع‬
‫هؤلء التشرار أصحاب العقيدة الجامدة‪ ،‬الرثوذكس‪ ،‬المهم أن يتركوا "حرية النقد" إلى الذين‬
‫يجرون التشتراكية‪-‬الديموقراطية عن غير وعي إلى المجرى التريديونيوني!" وتنقلب بسمة‬
‫هذا الدستوري الناعمة إلى قهقهة عاصفة عندما يعلم أن التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين الذين‬
‫يتكلمون عن يدور التشتراكية‪-‬الديموقراطية الطليعي في هذا الوقت الذي تكايد فيه العفوية‬
‫تسيطر سيطرة تامة في حركتنا ل يخشون تشيئا كخشيتهم "النتقاص من تشأن العنصر‬
‫العفوي"‪ ،‬كخشيتهم "التقليل من أهمية تقدم النضال الجاري المعتايد بالقياس إلى الدعوة‬
‫للفكار البراقة والمتبلورة"‪ ،‬الخ‪ ،.‬الخ‪ !.‬أهي فصيلة "الطليعة" التي تخشى أن يسبق الوعي‬
‫العفوية‪ ،‬التي تخشى وضع "مشروع" جرئ ينتزع اعتراف الجميع حتى من الذين يفكرون على‬
‫نمط آخر! أتراهم يخلطون بين كلمة الطليعة وكلمة المؤخرة؟ اعملوا الفكر حقا في حجة‬
‫مارتينوف التالية‪ .‬إنه يقول في الصفحة ‪ 40‬أن تكتيك "اليسكرا" التشهيري ذو وجه واحد‬
‫وأننا "مهما بذرنا من بذور الحذر والحقد حيال الحكومة‪ ،‬ل نبلغ الهدف ما لم يتيسر لنا تنمية‬
‫همة اجتماعية نشيطة لدرجة تكفي لسقاطها"‪ .‬ونقول بين قوسين أن هذا هو ما قد عرفناه‬
‫من الهتمام بإنماء نشاط الجماهير مع النزوع إلى التقليل من نشاطهم أنفسهم‪ .‬ولكن‬
‫القضية ل تكمن في هذا الن‪ .‬إن مارتينوف يتحدث هنا‪ ،‬إذن‪ ،‬عن الهمة الثورية )"من أجل‬
‫السقاط"(‪ .‬وإلى أي استنتاج يخلص؟ بما أن الفئات الجتماعية المختلفة تتجه حتما في‬
‫الوقت العايدي اتجاهات مختلفة‪" ،‬يتضح نظرا لذلك أننا نحن التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين ل‬
‫نستطيع أن نقويد في وقت واحد العمل النشيط لمختلف الفئات المعارضة‪ ،‬ل نستطيع أن‬
‫نملي عليها برنامجا إيجابيا للعمل‪ ،‬ل نستطيع أن نبين لها الطرق التي ينبغي لها أن تتبعها‬
‫في نضالها اليومي من أجل مصالحها… أما الفئات الليبرالية فتهتم هي نفسها بالنضال‬
‫النشيط من أجل مصالحها المباتشرة‪ ،‬ذلك النضال الذي يصدمها وجها لوجه بنظامنا‬
‫السياسي" )ص ‪ .(41‬وهكذا فإن مارتينوف ما إن بدأ بالكلم عن الهمة الثورية‪ ،‬عن النضال‬
‫‪35‬‬
‫النشيط من أجل إسقاط الحكم المطلق‪ ،‬حتى انزلق إلى الهمة المهنية‪ ،‬إلى النضال النشيط‬
‫من أجل المصالح المباتشرة! غني عن القول أننا ل نستطيع أن نقويد نضال الطلب‬
‫والليبراليين وغيرهم‪ ،‬من أجل "مصالحهم المباتشرة"‪ ،‬ولكن الحديث لم يدر في هذا الموضوع‬
‫يا أيها "القتصايدي" المحترم! لقد تحدثنا عن اتشتراك مختلف الفئات الجتماعية الممكن‬
‫والضروري في إسقاط الحكم المطلق‪ .‬وهذا "العمل النشيط لمختلف الفئات المعارضة" ل‬
‫نستطيع قيايدته وحسب‪ ،‬بل يجب علينا أن نقويده حتما‪ ،‬إذا كنا نريد أن نكون "الطليعة"‪ .‬أما‬
‫"صدم" طلبنا وليبيراليينا وغيرهم "وجها لوجه بنظامنا السياسي" فهو أمر ل يهتمون هم به‬
‫وحسب‪ ،‬بل إنه المر الذي تهتم به قبل الجميع وأكثر من الجميع‪ ،‬الشرطة نفسها‪ ،‬وموظفو‬
‫الحكومة الستبدايدية أنفسهم‪ .‬ولكن ينبغي لنا "نحن" إذا كنا نريد أن نكون يديموقراطيين‬
‫طليعيين‪ ،‬أن نهتم بصدم المستائين على وجه الخصوص من الحالة السائدة في الجامعات‬
‫وحدها‪ ،‬أو في الزيمستفوات وحدها‪ ،‬الخ‪ ،.‬بفكرة أن النظام السياسي كله غير صالح‪ .‬ينبغي‬
‫لنا أن نأخذ على عاتقنا مهمة تنظيم نضال سياسي تشامل تحت قيايدة حزبنا نحن بشكل يمكن‬
‫سائر الفئات المعارضة على اختلفها من أن تقدم لهذا النضال ولهذا الحزب‪ ،‬ويجعلها تقدم‬
‫بالفعل ما في وسعها من مساعدة‪ .‬ينبغي لنا أن نخلق من التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين‬
‫المشتغلين في الميدان العملي‪ ،‬قايدة سياسيين يحسنون قيايدة جميع مظاهر هذا النضال‬
‫الشامل‪ ،‬يحسنون في اللحظة المناسبة "إملء برنامج إيجابي للعمل" على الطلبة الذين هم‬
‫في غليان‪ ،‬وعلى الزيمستفويين الساخطين‪ ،‬وعلى أتباع البدع الغاضبين وعلى المعلمين‬
‫الشعبيين المظلومين‪ ،‬الخ‪ ،.‬الخ‪ ..‬ولذا ليس بصحيح على الطلق ما يزعمه مارتينوف من أننا‬
‫"ل نستطيع أن نبرز حيال هذه الفئات إل في يدور سلبي‪ ،‬إل في يدور المشهر بالوضاع… ل‬
‫نستطيع سوى تبديد آمالها في مختلف اللجان الحكومية" )حرف التأكيد لنا(‪ .‬إن مارتينوف‬
‫يبرهن بقوله هذا أنه ل يفهم أي تشيء على الطلق في مسألة يدور "الطليعة" الثورية‬
‫الحقيقي‪ .‬وإذا ما أخذ القارئ ذلك بعين العتبار‪ ،‬اتضح له المعنى الحقيقي لكلمات مارتينوف‬
‫هذه‪"" :‬اليسكرا" هي جريدة المعارضة الثورية وهي تشهر بأوضاعنا والسياسية منها بصورة‬
‫رئيسية ما يدامت تصطدم بمصالح مختلف فئات السكان‪ .‬أما نحن فنعمل وسنعمل لقضية‬
‫العمال على صلة عضوية وثيقة بالنضال البروليتاري‪ .‬ونحن بتضييقنا ميدان تأثيرنا نزيد بذلك‬
‫تركيز التأثير نفسه" )ص ‪ .(63‬إن المعنى الحقيقي لهذا الستنتاج هو أن اليسكرا" تريد رفع‬
‫مستوى السياسة التريديونيونية لطبقة العمال )التي يكتفي بها المشتغلون في الميدان‬
‫العملي عندنا في حالت كثيرة‪ ،‬إما لسوء الفهم أو لعدم الستعدايد أو بسبب العتقايد( إلى‬
‫مستوى السياسة التشتراكية‪-‬الديموقراطية‪ .‬أما "رابوتشييه يديلو" فتريد أن تهوي بالسياسة‬
‫التشتراكية‪-‬الديموقراطية إلى مستوى السياسة التريديونيونية‪ .‬وهي في أثناء ذلك تؤكد‬
‫للجميع ولكل بمفريده أن هذين "موقفان قابلن للتفاق كليا في القضية العامة" )ص وبعد‪،‬‬
‫هل نملك من القوى ما يكفي لتوجيه يدعايتنا‪ !63)O, sancta simplicitas‬وتحريضنا إلى‬
‫جميع طبقات السكان؟ نعم‪ ،‬بكل تأكيد‪" .‬فاقتصايديو"نا الذين يميلون في كثير من الحيان إلى‬
‫إنكار ذلك‪ ،‬يغفلون الخطوة الكبرى التي خطتها حركتنا إلى المام منذ سنة ‪) 1894‬تقريبا(‬
‫حتى سنة ‪ .1901‬فهم لكونهم "ذيليين" حقا يعيشون في الغالب بتصورات عهد بداية الحركة‬
‫الذي انصرم منذ وقت بعيد‪ .‬في ذلك الحين كانت قوانا في الحقيقة قليلة جدا‪ ،‬في ذلك‬
‫الحين كان من الطبيعي والمشروع أن نلح على النصراف بكل قوانا إلى العمل بين العمال‬
‫وأن نشجب بشدة كل انحراف عنه‪ ،‬فقد كانت المهمة كلها تنحصر آنئذ في توطيد مواقعنا في‬
‫صفوف الطبقة العاملة‪ .‬أما اليوم فقد انجذبت إلى الحركة قوى كبرى‪ ،‬وإلينا تتجه نخبة‬
‫ممثلي الجيل الناتشئ من الطبقات المثقفة‪ ،‬ويضطر يدائما وأبدا للقامة في جميع القاليم‬
‫أناس ساهموا في الحركة أو لديهم رغبة بالمساهمة فيها‪ ،‬أناس يميلون إلى التشتراكية‪-‬‬
‫الديموقراطية )بينما كان التشتراكيون‪-‬الديموقراطيون الروس يعدون على أصابع اليد في‬
‫سنة ‪ .(1894‬إن أحد النواقص الساسية‪ ،‬السياسية والتنظيمية‪ ،‬في حركتنا‪ ،‬هو كوننا ل‬
‫نحسن استخدام جميع هذه القوى وتكليف الجميع بالعمل الملئم لهم )وسنتكلم عن ذلك‬
‫بمزيد من التفصيل في الفصل التالي(‪ .‬والكثرية الكبرى من هذه القوى محرومة تماما من‬
‫كل إمكانيات "التوجه إلى العمال" بشكل ل مجال معه إلى الحديث عن خطر تحويل القوى‬
‫عن قضيتنا الساسية‪ .‬ولكيما نقدم للعمال المعرفة السياسية الحية الشاملة الحقيقية‪ ،‬يجب‬
‫أن يكون لدينا "رجالنا"‪ ،‬يجب أن يكون لدينا اتشتراكيون‪-‬يديموقراطيون في كل مكان‪ ،‬في‬
‫‪36‬‬
‫جميع الفئات الجتماعية وفي جميع المواقع التي توفر إمكانية معرفة النوابض الداخلية للة‬
‫يدولتنا‪ .‬ونحن بحاجة إلى هؤلء الناس ل للدعاية والتحريض وحسب‪ ،‬بل أيضا‪ ،‬وعلى وجه‬
‫الخصوص‪ ،‬للتنظيم‪ .‬وهل من صعيد للعمل بين جميع طبقات السكان؟ إن من ل يرى ذلك‬
‫يثبت مرة أخرى أن وعيه متخلف عن نهوض الجماهير العفوي‪ .‬لقد أثارت الحركة العمالية ول‬
‫تزال تثير لدى بعضهم الستياء‪ ،‬ولدى آخرين المل بتأييد المعارضة‪ ،‬ولدى قسم ثالث إيدراك‬
‫تعذر الحكم المطلق وحتمية انهياره‪ .‬إننا ل نكون "ساسة" واتشتراكيين‪-‬يديموقراطيين إل‬
‫بالقول )كثيرا جدا ما يحدث ذلك في الحياة( إذا لم ندرك أن من واجبنا أن نستفيد من جميع‬
‫مظاهر الستياء على اختلفها‪ ،‬أن نجمع وندرس جميع بذور الحتجاج ولو كان في حالة‬
‫جنينية‪ .‬ناهيك عن أن المليين والمليين من الفلحين الكايدحين والحرفيين وصغار المنتجين‬
‫وغيرهم‪ ،‬ستصغي على الدوام بتعطش إلى يدعاية اتشتراكي‪-‬يديموقراطي ماهر إلى حد ما‪.‬‬
‫ولكن هل من الممكن أن نشير ولو إلى طبقة من طبقات السكان تخلو من أتشخاص‬
‫وجماعات وحلقات من الساخطين على الستبدايد والطغيان‪ ،‬والقابلين بالتالي لدعاية‬
‫التشتراكي‪-‬الديموقراطي‪ ،‬المفصح عن أتشد الماني الديموقراطية العامة إلحاحا؟ وإذا أرايد‬
‫أحد أن يك ّون لنفسه صورة ملموسة عن هذا التحريض السياسي للتشتراكي‪-‬الديموقراطي‬
‫بين جميع طبقات السكان وفئاتهم‪ ،‬فنحن ندله على التشهير السياسي بمعنى الكلمة الواسع‬
‫بوصفه الوسيلة الرئيسية )ولكن ل الوحيدة طبعا( لهذا التحريض‪ .‬لقد كتبت في مقالي "بم‬
‫نبدأ؟" )"اليسكرا"‪ ،‬العديد ‪ ،4‬أيار ‪ -‬مايو‪ -‬سنة ‪ ،(1901‬هذا المقال الذي سنتحدث عنه بتفصيل‬
‫فيما يأتي من البحث‪" :‬ينبغي لنا أن نوقظ الشغف إلى التشهير السياسي في جميع فئات‬
‫السكان الواعين بعض الشيء ول ينبغي أن نتهيب حيال ما نراه اليوم من ضعف وندرة ووجل‬
‫من الناحية السياسية في أصوات التشهير‪ .‬فسبب ذلك ليس البتة تسليم الجميع بالطغيان‬
‫البوليسي‪ ،‬سبب ذلك هو كون الناس القايدرين على التشهير والمستعدين له‪ ،‬ل يجدون منبرا‬
‫يرفعون منه أصواتهم‪ ،‬ل يجدون بيئة تصغي إلى الخطباء بانتباه وتشجعهم‪ ،‬ل يرون هنا‬
‫وهناك في الشعب قوة تستحق جهد التوجه إليها بالشكاية من الحكومة الروسية "ذات الحول‬
‫والطول"… وفي وسعنا اليوم ومن واجبنا إنشاء منبر للتشهير بالحكومة القيصرية أمام‬
‫الشعب كله‪ .‬وهذا المنبر ينبغي أن يكون الجريدة التشتراكية‪-‬الديموقراطية"‪ .‬والبيئة المثلى‬
‫لهذا التشهير السياسي هي بالذات الطبقة العاملة التي تحتاج قبل كل تشيء وأكثر ما تحتاج‬
‫إلى المعرفة السياسية الحية والشاملة‪ ،‬الطبقة العاملة التي تفوق الجميع في قدرتها على‬
‫تحويل هذه المعرفة إلى نضال نشيط وإن كان ل يبعث المل بأية "نتائج حسية"‪ .‬أما منبر‬
‫التشهير أمام الشعب كله فل يمكن أن يكون غير جريدة لعامة روسيا‪" .‬فبدون جريدة سياسية‬
‫ل يمكن في أوروبا الراهنة تصور حركة جديرة بأن توصف بأنها سياسية"‪ .‬وروسيا من وجهة‬
‫النظر هذه هي أيضا يدونما تشك من أوروبا الراهنة‪ .‬فمنذ أمد بعيد غدت الصحافة عندنا قوة‪،‬‬
‫وإل لما أنفقت الحكومة عشرات اللوف من الروبلت لرتشوتها ولتمويل أناس من أمثال‬
‫كاتكوف وميشيرسكي‪ .‬وليس بالحايدث الجديد في روسيا ذات الحكم المطلق أن تحطم‬
‫الصحف السرية حواجز الرقابة وتجبر الجرائد العلنية والمحافظة على التحدث عنها جهارا‪.‬‬
‫فقد حدث ذلك في سنوات العقد الثامن وحتى في سنوات العقد السايدس‪ .‬ولكم ازيدايدت‬
‫اليوم سعة وعمقا الفئات الشعبية المستعدة لقراءة الصحف السرية وللتعلم منها "كيف تحيا‬
‫وكيف تموت"‪ ،‬على حد تعبير عامل وجه رسالة إلى "اليسكرا" )العديد ‪ .(7‬إن التشهير‬
‫السياسي هو إعلن الحرب على الحكومة مثلما أن التشهير القتصايدي هو إعلن الحرب على‬
‫صاحب المعمل‪ .‬ويكتسب إعلن الحرب هذا أهمية معنوية تزيدايد بمقدار ما تتسع وتقوى حملة‬
‫التشهير هذه‪ ،‬وبمقدار ما تزيدايد عديدا وعزما الطبقة الجتماعية التي تعلن الحرب لتبدأ الحرب‪.‬‬
‫ولذلك فالتشهير السياسي هو بحد ذاته وسيلة قوية من وسائل تفسيخ النظام المعايدي‪،‬‬
‫وسائل فصل العدو عن حلفائه الطارئين أو المؤقتين‪ ،‬وسائل بذر بذور العداء والحذر بين‬
‫المشتركين الدائمين في السلطة الستبدايدية‪ .‬ل يمكن أن يصبح طليعة للقوى الثورية في‬
‫زمننا غير الحزب الذي ينظم تشهيرا يسترعي انتباه الشعب كله حقا‪ .‬ولكلمة "الشعب كله"‬
‫مضمون كبير جدا‪ .‬والكثرية الكبرى من المشهرين الذين ل ينتسبون إلى الطبقة العاملة‬
‫حصفاء‬ ‫)والحال أن من يريد أن يكون الطليعة ينبغي له أن يجذب الطبقات الخرى( هم ساسة ُ‬
‫وأناس عمليون رابطو الجأش‪ ،‬يعرفون حق المعرفة مبلغ خطر "الشكوى" حتى من موظف‬
‫صغير‪ ،‬ناهيك عن الحكومة الروسية "ذات الحول والطول"‪ .‬وهم لن يتوجهوا إلينا بالشكوى‪،‬‬
‫‪37‬‬
‫إل عندما يرون أنها ستكون فعل ذات تأثير‪ ،‬وأننا قوة سياسية‪ .‬ولكيما نصبح مثل هذه القوة‬
‫في نظر الخرين ل يكفي أن نعلق لفتة "الطليعة" على نظرية المؤخرة وممارستها‪ ،‬بل‬
‫ينبغي لنا أن نعمل بدأب وإصرار على رفع مستوى وعينا ومبايدرتنا وهمتنا‪ .‬سيسألنا‪ ،‬ولقد‬
‫سألنا بالفعل‪ ،‬المتحمس حماسا يفوق المعقول "للصلة العضوية الوثيقة بالنضال‬
‫البروليتاري"‪ - :‬ولكن إذا كان ينبغي لنا أن نأخذ على عاتقنا تنظيم تشهير بالحكومة يستدعي‬
‫انتباه الشعب كله حقا‪ ،‬فبم يتجلى طابع حركتنا الطبقي؟ ‪ -‬إنه يتجلى في كون تنظيم هذا‬
‫التشهير الذي يسترعي انتباه الشعب كله يجري بالذات من قبلنا نحن التشتراكيين‪-‬‬
‫الديموقراطيين؛ ‪ -‬يتجلى في كون تشرح جميع القضايا التي يثيرها التحريض سيجري على‬
‫الدوام بالروح التشتراكية‪-‬الديموقراطية يدون أي تسامح بتشويه الماركسية عن قصد أو غير‬
‫قصد؛ ‪ -‬يتجلى في كون هذا التحريض السياسي الشامل سيجري من قبل حزب يوحد في كل‬
‫ل يتجزأ‪ ،‬الهجوم على الحكومة باسم الشعب كله وتربية البروليتاريا تربية ثورية مع الحتفاظ‬
‫باستقللها السياسي‪ ،‬وقيايدة نضال الطبقة العاملة القتصايدي والستفايدة من اصطداماتها‬
‫العفوية مع مستثمريها‪ ،‬هذه الصطدامات التي تستنهض وتجذب إلى معسكرنا فئات جديدة‬
‫وجديدة من البروليتاريا! ولكن إحدى السمات المميزة جدا "للقتصايدية" هي بالضبط عدم‬
‫فهم هذه الصلة‪ ،‬بل قل عدم فهم هذا التوافق بين ما تحتاج إليه البروليتاريا أتشد الحاجة‬
‫)التربية السياسية الشاملة عن طريق التحريض والتشهير السياسيين( وما تحتاج إليه الحركة‬
‫الديموقراطية العامة‪ .‬وعدم الفهم هذا ل يتجلى في العبارات "المارتينوفية" وحسب‪ ،‬بل‬
‫يتجلى أيضا في استشهايدات بوجهة نظر طبقية مزعومة‪ ،‬استشهايدات يطابق معناها هذه‬
‫العبارات كل المطابقة‪ .‬إليكم‪ ،‬مثل‪ ،‬كيف يفصح عن ذلك واضعو الرسالة "القتصايدية" في‬
‫العديد ‪ 12‬من ‪" :‬إن نقص "اليسكرا" الساسي نفسه )المغالة في أهمية اليديولوجيا( هو‬
‫‪"‬اليسكرا" سبب عدم تماسكها في المسائل المتعلقة بموقف التشتراكية‪-‬الديموقراطية من‬
‫مختلف الطبقات والتجاهات الجتماعية‪ .‬إن "اليسكرا"‪ ،‬بعد أن حلت‪ ،‬عن طريق الحسابات‬
‫النظرية…" )ل عن طريق "نمو المهام الحزبية النامية مع نمو الحزب…"( "مهمة النتقال‬
‫الفوري إلى النضال ضد الستبدايد‪ ،‬وبما أنها تشعر‪ ،‬في أكبر الظن‪ ،‬بكل صعوباتها بالنسبة‬
‫للعمال في الوضاع الراهنة"… )إنها ل تشعر وحسب‪ ،‬بل تعلم حق العلم أن هذه المهمة تبدو‬
‫للعمال أسهل مما هي بالنسبة للمثقفين "القتصايديين" المعتنين بالطفال الصغار‪ ،‬لن‬
‫العمال مستعدون للنضال حتى من أجل مطالب ل تبعث‪ ،‬إذا استعملنا تعابير مارتينوف الخالدة‬
‫الذكر‪ ،‬أي أمل "بنتائج حسية"(… "وبما أنها ل تستطيع مع ذلك أن تصبر حتى يستجمعوا‬
‫القوى اللزمة لهذا النضال‪ ،‬فنراها تأخذ في البحث عن حلفاء في صفوف الليبراليين‬
‫والمثقفين…"‪ .‬أجل‪ ،‬أجل‪ .‬لم يعد في وسعنا حقا أن "نصبر" و"ننتظر" حلول ذلك الزمن‬
‫السعيد الذي وعدنا به منذ عهد بعيد "التوفيقيون" على اختلف مللهم ونحلهم‪ ،‬ذلك الزمن‬
‫الذي يكف فيه "إقتصايديو"نا عن إلقاء تبعة تأخرهم هم على العمال وعن تبرير ضعف همتهم‬
‫بما يزعمونه من عدم كفاية قوى العمال‪ .‬إننا نسأل "إقتصايدييـ"نا‪ :‬بم ينبغي أن يتلخص "قيام‬
‫العمال بتجميع القوى اللزمة لهذا النضال"؟ أليس واضحا أن ذلك يتلخص في تربية العمال‬
‫السياسية‪ ،‬في التشهير أمامهم بجميع مظاهر الحكم المطلق البغيض القائم عندنا‪ ،‬أليس من‬
‫الواضح أننا‪ ،‬من أجل القيام بهذا العمل بالذات‪ ،‬بحاجة إلى "حلفاء في صفوف الليبراليين‬
‫والمثقفين" على استعدايد لمشاطرتنا ما عندهم من التشهير بالحملة السياسية التي تشن‬
‫على الزيمستفويين)‪ (76‬وعلى المعلمين والحصائيين والطلب الخ‪.‬؟ هل من الصعب في‬
‫الحقيقة فهم هذا "المر العويص" المدهش؟ أولم يؤكد لكم ب‪.‬ب‪ .‬آكسيلرويد منذ سنة ‪1897‬‬
‫أن‪" :‬مهمة اكتساب التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين الروس للنصار والحلفاء من مباتشرين وغير‬
‫مباتشرين بين الطبقات غير البروليتارية يحديدها بالدرجة الولى وبصورة رئيسية طابع الدعاية‬
‫في البيئة البروليتارية نفسها"؟ ومع ذلك ما يزال مارتينوف وأضرابه وغيرهم من‬
‫"القتصايديين" يتصورون أنه ينبغي للعمال في البدء أن يجمعوا القوى )من أجل السياسة‬
‫التريديونيونية( "عن طريق النضال القتصايدي ضد أصحاب العمال والحكومة"‪ ،‬لكي "ينتقلوا"‬
‫بعد ذلك فقط‪ ،‬على ما يبدو‪ ،‬من "تربية النشاط" التريديونيونية إلى النشاط التشتراكي‪-‬‬
‫الديموقراطي! ويضيف "القتصايديون" قائلين‪…" :‬إن "اليسكرا" في بحثها كثيرا ما تحيد عن‬
‫وجهة النظر الطبقية‪ ،‬طامسة التناقضات الطبقية وواضعة في المقام الول تشيوع الستياء‬
‫من الحكومة‪ ،‬وإن كانت يدواعي هذا الستياء ويدرجاته متفاوتة جدا لدى "الحلفاء"‪ .‬وهذا هو‪،‬‬
‫‪38‬‬
‫مثل‪ ،‬موقف "اليسكرا" من الزيمستفو"… فـ"اليسكرا"‪ ،‬على حد زعمهم‪" ،‬تعد النبلء‪،‬‬
‫المستائين من صدقات الحكومة‪ ،‬بأن الطبقة العاملة ستساعدهم‪ ،‬وهي تفعل ذلك يدون أن‬
‫تنبس بكلمة عن التنافر الطبقي بين هاتين الفئتين من السكان"‪ .‬وإذا ما رجع القارئ إلى‬
‫مقالي "الحكم المطلق والزيمستفو" )"اليسكرا"‪ ،‬العديدان ‪ 2‬و ‪ ،(4‬المقالين اللذين يشير‬
‫إليهما‪ ،‬في أكبر الظن‪ ،‬واضعو الرسالة‪ ،‬يرى أن هذين يتناولن موقف الحكومة من‬
‫"التحريض الرخو الذي تقوم به الزيمستفو ‪‬المقالين البيروقراطية المراتبية" ومن "مبايدرة‬
‫الطبقات المالكة نفسها"‪ .‬وقد جاء في المقال أن العامل ل يجوز له أن يقف موقف عدم‬
‫الكتراث من نضال الحكومة ضد الزيمستفو وأن الزيمستفويين مدعوون إلى ترك الخطابات‬
‫الرخوة وإلى قول كلمتهم بقوة وحزم عندما تقف التشتراكية‪-‬الديموقراطية الثورية في وجه‬
‫الحكومة بكل قامتها‪ .‬ما هو المر الذي ل يوافق عليه هنا واضعو الرسالة؟ ل ندري‪ .‬ترى هل‬
‫يحسبون أن العامل "لن يفهم" كلمات‪" :‬الطبقات المالكة" و"الزيمستفو البيروقراطية‬
‫المراتبية"؟ هل يحسبون أن يدفع الزيمستفويين إلى النتقال من الكلمات الرخوة إلى‬
‫الكلمات الحازمة "مغالة في أهمية اليديولوجيا؟"‪ .‬هل يظنون أن العمال "سيجمعون القوى"‬
‫للنضال ضد الحكم المطلق إذا كانوا ل يعرفون موقف الحكم المطلق من الزيمستفو أيضا؟‬
‫كل هذه المور ل نعرفها‪ .‬إنما هنالك أمر جلي‪ :‬وهو أن واضعي الرسالة يتصورون المهام‬
‫السياسية التي تواجه التشتراكية‪-‬الديموقراطية تصورا غامضا جدا‪ .‬ويظهر ذلك بجلء أكبر من‬
‫عبارتهم‪" :‬وهذا هو أيضا" )أي أنه "يطمس" أيضا "التناحرات الطبقية"( "موقف "اليسكرا"‬
‫من حركة الطلب"‪ .‬فبدل من نداء العمال إلى أن يعلنوا بمظاهرة علنية أن المصدر الحقيقي‬
‫للعنف والطغيان والستهتار المنفلت ليس الطلب‪ ،‬بل الحكومة الروسية )"اليسكرا" (‪ ،‬كان‬
‫علينا‪ ،‬على ما يبدو‪ ،‬أن ننشر حججا مستوحاة من "رابوتشايا ميسل"! ♥العديد ‪ 2‬وهذه الفكار‬
‫تصدر عن اتشتراكيين‪-‬يديموقراطيين في خريف سنة ‪ ،1901‬بعد أحداث تشباط )فبراير( وآذار‬
‫)مارس(‪ ،‬وعلى أبواب نهضة طلبية جديدة تظهر أن "عفوية" الحتجاج على الحكم المطلق‬
‫تسبق في هذا الميدان أيضا القيايدة الواعية للحركة من قبل التشتراكية‪-‬الديموقراطية‪ .‬إن‬
‫نزوع العمال العفوي إلى الدفاع عن الطلب الذين انهالت عليهم عصى الشرطة والقوزاق‬
‫يسبق نشاط المنظمة التشتراكية‪-‬الديموقراطية الواعي! ويستطريد واضعو الرسالة‪" :‬ومع‬
‫ذلك فـ"اليسكرا" تشجب بشدة في مقالت أخرى كل مساومة‪ ،‬وتأخذ جانب الدفاع‪ ،‬مثل‪ ،‬عن‬
‫عدم تسامح الغيديين"‪ .‬إننا ننصح الذين يدعون عايدة بغرور وخفة بالغين أن الخلفات‬
‫الموجويدة في بيئة التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين الحاليين غير جوهرية وأنها ل تبرر النشقاق‪،‬‬
‫‪ -‬بأن يمعنوا الفكر في هذه الكلمات‪ .‬فهل يمكن أن يتعاون في منظمة واحدة‪ ،‬تعاونا مثمرا‪،‬‬
‫أناس يؤكدون أننا لم نفعل غير النزر اليسير في تبيان عداء الحكم المطلق لمختلف الطبقات‬
‫وفي اطلع العمال على معارضة مختلف الفئات للحكم المطلق‪ ،‬مع أناس يرون في هذا المر‬
‫"مساومة"‪ ،‬مساومة‪ ،‬على ما يبدو‪ ،‬مع نظرية "النضال القتصايدي ضد أصحاب العمال‬
‫والحكومة"؟ لقد تحدثنا‪ ،‬بمناسبة مرور أربعين سنة على تحرير الفلحين‪ ،‬عن ضرورة إيدخال‬
‫النضال الطبقي في القرية )العديد ‪ ،(77)(3‬وتحدثنا بمناسبة مذكرة فيته)‪ (78‬السرية عن‬
‫التضايد بين الستقلل اليداري الذاتي والحكم المطلق )العديد ‪(4‬؛ وهاجمنا‪ ،‬بمناسبة القانون‬
‫الجديد‪ ،‬ما يظهره ملكو الراضي والحكومة التي تخدمهم من ميل إلى نظام القنانة )العديد ‪(8‬‬
‫)‪ (79‬ورحبنا بمؤتمر الزيمستفوات السري وتشجعنا الزيمستفويين على ترك السترحامات‬
‫المهينة والنتقال إلى النضال )العديد ‪•(8‬؛ لقد تشجعنا الطلب الذين أخذوا يدركون ضرورة‬
‫النضال السياسي والذين تشرعوا بهذا النضال )العديد ‪ (3‬وقرعنا في الوقت نفسه "بليدة‬
‫الذهن الوحشية" التي أظهرها أنصار الحركة "الطلبية الصرف" الذين يدعوا الطلب إلى عدم‬
‫التشتراك في مظاهرات الشوارع )العديد ‪ ،3‬لمناسبة النداء الصايدر عن لجنة الطلب التنفيذية‬
‫بموسكو في ‪ 25‬تشباط ‪ -‬فبراير(؛ وقد فضحنا "الحلم الجوفاء" و"النفاق والكذب" من جانب‬
‫المحتالين الليبراليين في جريدة "روسيا")‪) (80‬العديد ‪ (5‬وأتشرنا في الوقت نفسه إلى جنون‬
‫السجن الحكومي الذي "ينكل بكتاب مسالمين وبأساتذة وعلماء تشيوخ‪ ،‬وبزيمستفويين‬
‫ليبيراليين مرموقين" )العديد ‪" :5‬غارة بوليسية على اليدب"(؛ لقد فضحنا جوهر برنامج "عناية‬
‫الدولة بتحسين ظروف حياة العمال" ورحبنا بـ"العتراف القيم" التالي‪" :‬يدرء المطالب النابعة‬
‫من أسفل‪ ،‬بإصلحات من أعلى‪ ،‬خير ؛ لقد تشجعنا الحصائيين المحتجين )العديد ‪‬من انتظار‬
‫حدوث الحتمال الول" )العديد ‪ (7 (6‬ونديدنا بالحصائيين كاسري الضراب )العديد ‪ .(9‬إن من‬
‫‪39‬‬
‫يرى في هذا التكتيك تعمية لوعي البروليتاريا الطبقي ومساومة مع الليبرالية يثبت بالتالي‬
‫أنه ل ي‬

‫فهم على هذا البرنامج بالذات مهما ‪‬الطلق المعنى الحقيقي لبرنامج "‪ "Credo‬ويطبق ‪de‬‬
‫‪ facto‬تبرأ منه! لنه يجر بذلك التشتراكية‪-‬الديموقراطية إلى "النضال القتصايدي ضد أصحاب‬
‫العمال والحكومة" ويتقهقر أمام الليبرالية بتخليه عن مهمة التدخل النشيط في كل مسألة‬
‫"ليبيرالية" وعن تحديد موقفه هو‪ ،‬موقفه التشتراكي‪-‬الديموقراطي‪ ،‬من هذه المسألة‪.‬‬

‫و( مرة أخرى "مفترون"‪ ،‬مرة أخرى "مشعوذون"‬

‫هذه الكلمات اللطيفة صدرت‪ ،‬كما يذكر القارئ‪ ،‬عن "رابوتشييه يديلو" التي أجابت بهذه‬
‫الصورة على اتهامنا لها "بتمهيد التربة بصورة غير مباتشرة لتحويل حركة العمال إلى أيداة‬
‫للديموقراطية البرجوازية"‪ .‬وقد قررت "رابوتشييه يديلو"‪ ،‬لسذاجة نفسها‪ ،‬أن هذا التهام‬
‫ليس غير نزوة من نزوات الجدال‪ .‬فقد خطر لها‪ :‬أن جامدي العقيدة التشرار هؤلء قد صمموا‬
‫على أن ينسبوا لنا مختلف التشياء غير المستحبة‪ ،‬وهل يمكن أن يكون هناك للمرء تشيء أتشد‬
‫إزعاجا من أن يكون أيداة للديموقراطية البرجوازية؟ وهكذا نشرت بالخط العريض "تكذيبا"‪:‬‬
‫"إفتراء سافر" )"مؤتمران" ص ‪ ،(30‬تشعوذة" )ص ‪" ،(31‬مسخرة" )ص ‪ .(33‬إن "رابوتشييه‬
‫يديلو"‪ ،‬على غرار جوبيتر )وإن كانت قليلة الشبه به(‪ ،‬تغضب بالضبط لنها على غير حق‪،‬‬
‫مبرهنة بإسراعها إلى الشتائم‪ ،‬أنها عاجزة عن فهم مجرى تفكير خصومها‪ .‬ومع ذلك ل يحتاج‬
‫المرء إلى تفكير طويل لكي يدرك السبب الذي يجعل بالضبط من كل تقديس لعفوية الحركة‬
‫الجماهيرية‪ ،‬من كل هبوط بالسياسة التشتراكية‪-‬الديموقراطية إلى مستوى السياسة‬
‫التريديونيونية‪ ،‬بمثابة تمهيد التربة لتحويل حركة العمال إلى أيداة للديموقراطية البرجوازية‪.‬‬
‫فالحركة العمالية العفوية بحد ذاتها تستطيع أن تنشئ )وهي تنشئ حتما( التريديونيونية‬
‫فقط؛ وما السياسة التريديونيونية للطبقة العاملة غير السياسة البرجوازية للطبقة العاملة‪.‬‬
‫واتشتراك الطبقة العاملة في النضال السياسي وحتى في الثورة السياسية ل يجعل إطلقا‬
‫بعد من سياستها سياسة اتشتراكية‪-‬يديموقراطية‪ .‬ترى أل يخطر على بال "رابوتشييه يديلو" أن‬
‫تنكر ذلك؟ أل يخطر على بالها في النهاية أن تعرض أمام الجميع بصراحة ويدون لبس أو‬
‫إبهام‪ ،‬مفهومها عن القضايا الملحة في التشتراكية‪-‬الديموقراطية العالمية والروسية؟ ‪ -‬كل‪،‬‬
‫لن يخطر لها أبدا ببال أي تشيء من هذا القبيل‪ ،‬إذ أنها تتمشى بدقة مع الطريقة التي يمكن‬
‫أن تسمى بطريقة "ل عين رأت ول أذن سمعت"‪ .‬يدعوني وتشأني‪ ،‬ل علقة لي بالمر‪ ،‬نحن‬
‫لسنا "باقتصايديين"‪ ،‬إن "رابوتشايا ميسل" ليست "بالقتصايدية"‪ ،‬و"القتصايدية" بوجه عام ل‬
‫وجويد لها في روسيا‪ .‬وهي طريقة لبقة جدا و"سياسية" ليس فيها غير عيب واحد صغير‪ :‬فقد‬
‫جرت العايدة أن يطلق على الجرائد التي تطبقها لقب‪" :‬أمر؟ خدمة؟")‪ .(81‬يخيل إلى‬
‫"رابوتشييه يديلو" أن الديموقراطية البرجوازية بوجه عام ليست في روسيا غير "تشبح"‬
‫)"مؤتمران"‪ ،‬ص ‪ .•(32‬ما أسعد هؤلء الناس! فهم كالنعامة يخبئون رؤوسهم تحت أجنحتهم‬
‫ويتصورون أن كل ما يحيط بهم يزول بذلك‪ .‬كتاب ليبيراليون يعلنون على المل كل تشهر عن‬
‫فرحهم المظفر بانحلل الماركسية وحتى تلتشيها؛ جرائد ليبيرالية )"سانت بيتربورغسكيه‬
‫فيدوموستي")‪ ،(82‬و"روسكيه فيدومستي")‪ (83‬وجرائد أخرى كثيرة( تشجع أولئك‬
‫الليبراليين الذين يحملون إلى العمال المفهوم البرينتاني عن النضال الطبقي)‪ (84‬والمفهوم‬
‫التريديونيوني عن السياسة؛ ‪ -‬كوكبة من نقايد الماركسية‪ ،‬كشف "‪ "Credo‬بوضوح عن حقيقة‬
‫اتجاهاتهم وانتشار بضاعتهم اليدبية وحدها في أرجاء روسيا بدون عائق‪ ،‬بدون ضرائب ول‬
‫رسوم؛ ‪ -‬انتعاش التجاهات الثورية غير التشتراكية‪-‬الديموقراطية ول سيما بعد حوايدث تشباط‬
‫)فبراير( وآذار )مارس(؛ ‪ -‬كل ذلك‪ ،‬على ما يبدو‪ ،‬ليس غير تشبح! كل هذه أمور ل علقة لها‬
‫على الطلق بالديموقراطية البرجوازية! ينبغي لـ"رابوتشييه يديلو" كما ينبغي لواضعي‬
‫الرسالة "القتصايدية" في العديد ‪ 12‬من "اليسكرا" أن "يعملوا الفكر فيما يلي‪ :‬لماذا أفضت‬
‫حوايدث الربيع إلى انتعاش التجاهات الثورية غير التشتراكية‪-‬الديموقراطية هذا النتعاش‬
‫الكبير‪ ،‬بدل من أن تفضي إلى رفع نفوذ ومكانة التشتراكية‪-‬الديموقراطية"؟ ‪ -‬ذلك لننا لم‬
‫نكن أكفاء للمهمة‪ ،‬لن نشاط جماهير العمال قد فاق نشاطنا‪ ،‬لنه لم يكن لدينا قايدة‬
‫‪40‬‬
‫ومنظمون ثوريون ُمَعّدون إعدايدا كافيا ويعرفون حق المعرفة مزاج جميع الفئات المعارضة‬
‫ويحسنون الوقوف في رأس الحركة وتحويل المظاهرة العفوية إلى مظاهرة سياسية‬
‫وتوسيع طابعها السياسي‪ ،‬الخ‪ ..‬وإذا ما استمرت هذه الحال فسيستغل تأخرنا حتما الثوريون‬
‫غير التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين‪ ،‬التشد حركة والبعد همة؛ أما العمال‪ ،‬فمهما أظهروا من‬
‫تفان وهمة في المعارك ضد الشرطة والجيش ومهما أظهروا من الروح الثورية‪ ،‬سيبقون‬
‫مجريد قوة تساند هؤلء الثوريين‪ ،‬سيبقون مؤخرة الديموقراطية البرجوازية‪ ،‬ل الطليعة‬
‫التشتراكية‪-‬الديموقراطية‪ .‬خذوا التشتراكية‪-‬الديموقراطية اللمانية التي ل يريد "إقتصايديو"نا‬
‫أن يقتبسوا منها غير جوانبها الضعيفة‪ .‬لماذا ل يقع حايدث سياسي واحد في ألمانيا يدون أن‬
‫يقوي أكثر فأكثر من نفوذ التشتراكية‪-‬الديموقراطية ويرفع من مكانتها؟ ذلك لن التشتراكية‪-‬‬
‫الديموقراطية هي يدائما أول من يعطي التقدير الكثر ثورية لهذا الحايدث‪ ،‬وأول من يسند كل‬
‫احتجاج على الستبدايد‪ .‬فهي ل تعلل النفس بآراء مآلها أن النضال القتصايدي يصدم العمال‬
‫بمسألة حرمانهم من الحقوق‪ ،‬وأن الظروف الملموسة تدفع حركة العمال بصورة جبرية إلى‬
‫الطريق الثوري‪ .‬إنها تتدخل في جميع ميايدين وجميع قضايا الحياة الجتماعية والسياسية‪:‬‬
‫تتدخل عندما ل يصايدق غليوم على انتخاب رئيس بلدية من البرجوازيين التقدميين )لم يجد‬
‫"إقتصايديو"نا بعد الوقت الكافي لن يعلموا اللمان أن هذا في الجوهر مساومة مع‬
‫الليبرالية!(‪ ،‬وعندما يصدر قانون ضد الكتب والصور "الخليعة"‪ ،‬وعندما تمارس الحكومة‬
‫ضغطها أثناء انتخاب الساتذة الخ‪ ،.‬وهلم جرا‪ .‬في كل مكان يتقدم التشتراكيون‪-‬‬
‫الديموقراطيون الصفوف‪ ،‬مستثيرين الستياء السياسي في جميع الطبقات‪ ،‬هازين النيام‬
‫مستحثين المتأخرين‪ ،‬مقدمين موايد تتناول جميع الميايدين بغية تنمية وعي البروليتاريا‬
‫السياسي ونشاطها السياسي‪ .‬والنتيجة أن هذا المناضل السياسي السائر في الطليعة‬
‫يكتسب الحترام حتى من أعداء التشتراكية الواعين‪ .‬وليس بنايدر أن نرى وثيقة هامة ل من‬
‫المحيط البرجوازي وحده‪ ،‬بل وحتى من محيط الدواوين والبلط‪ ،‬تقع‪ ،‬ل ندري بأية معجزة‪،‬‬
‫في مكتب تحرير "‪ •"Vorwârts‬هنا سر "التناقض" الظاهري الذي يفوق يدرجة فهم‬
‫"رابوتشييه يديلو" بحيث يجعلها ترفع يديها إلى السماء وتصرخ‪" :‬مسخرة"! تصوروا من‬
‫فضلكم‪ :‬نحن‪" ،‬رابوتشييه يديلو"‪ ،‬نضع في المقام الول حركة العمال الجماهيرية )ونطبع ذلك‬
‫بالحرف العريض!( ونحذر الجميع وكل بمفريده من التقليل من أهمية العنصر العفوي!( نحن‬
‫نريد أن نضفي الطابع السياسي على النضال القتصايدي نفسه‪ ،‬نفسه‪ ،‬نفسه‪ ،‬نحن نريد أن‬
‫نبقى على صلة عضوية وثقى بالنضال البروليتاري! فيقولون لنا أننا نمهد التربة لتحويل‬
‫حركة العمال إلى أيداة للديموقراطية البرجوازية‪ .‬ومن يقول لنا ذلك؟ أناس "يساومون" مع‬
‫الليبرالية بتدخلهم في كل مسألة "ليبيرالية" )ويا له من عدم فهم "للصلة العضوية بالنضال‬
‫البروليتاري"! وباهتمامهم اهتماما كبيرا بالطلب وحتى )ويا للهول!( بالزيمستفويين! أناس‬
‫يريدون بوجه عام أن يكرسوا نسبة أكبر )بالقياس إلى "القتصايديين"( من قواهم إلى العمل‬
‫بين طبقات السكان غير البروليتارية! أل ترون أن هذه "مسخرة"؟؟ مسكينة "رابوتشييه‬
‫يديلو"! هل يسعفها الحظ في يوم فتكتشف سر هذا المر العويص؟‬

‫‪-VI‬عمل القتصايديين الحرفي وتنظيم الثوريين‬

‫إن ما قمنا بتحليله من مزاعم "رابوتشييه يديلو" أن النضال القتصايدي هو الوسيلة التي يمكن‬
‫استعمالها بأوسع تشكل للتحريض السياسي‪ ،‬وأن واجبنا الن هو إضفاء الطابع السياسي على‬
‫النضال القتصايدي نفسه‪ ،‬الخ‪ ،.‬يعرب عن فهم ضيق ل لمهامنا السياسية وحسب‪ ،‬بل لمهامنا‬
‫التنظيمية أيضا‪ .‬فـ"النضال القتصايدي ضد أصحاب العمال والحكومة" ل يتطلب على الطلق‬
‫‪ -‬ولذلك ل يمكن أن تنشأ على أساس هذا النضال ‪ -‬منظمة متمركزة لعامة روسيا توحد في‬
‫ضغط واحد عام جميع مظاهر المعارضة السياسية والحتجاج والستياء على اختلفها‪ ،‬منظمة‬
‫تتألف من ثوريين محترفين‪ ،‬يقويدها زعماء سياسيون حقيقيون للشعب كله‪ .‬وهذا المر‬

‫‪41‬‬
‫بديهي‪ .‬فطابع تنظيم كل مؤسسة يحديده بصورة طبيعية محتومة مضمون نشاط هذه‬
‫المؤسسة‪ .‬ولذلك تكرس "رابوتشييه يديلو" مزاعمها التي حللناها أعله وتصبغ بالصبغة‬
‫الشرعية ل ضيق النشاط السياسي وحسب‪ ،‬بل ضيق العمل التنظيمي أيضا‪ .‬فهي في هذه‬
‫الحالة أيضا‪ ،‬كشأنها في جميع الحالت‪ ،‬جريدة يقف وعيها عاجزا أمام العفوية‪ .‬والحال أن‬
‫تقديس التشكال التنظيمية التي تتكون عفويا‪ ،‬وعدم إيدراكنا لمدى ضيق عملنا التنظيمي‬
‫وطابعه البدائي‪ ،‬وجهلنا إلى أي حد ما نزال "حرفيين" في هذا الميدان الهام‪ ،‬أقول أن هذا‬
‫الجهل هو مرض حقيقي في حركتنا‪ .‬بديهي أنه مرض نمو‪ ،‬ل مرض انحطاط‪ .‬ولكن‪ ،‬في هذا‬
‫الوقت الذي تدفقت فيه موجة السخط العفوي‪ ،‬ويمكن أن نقول ذلك‪ ،‬علينا نحن قايدة الحركة‬
‫ومنظميها‪ ،‬في هذا الوقت بالذات ل بد لنا بصفة خاصة أن نخوض نضال ل يعرف الهوايدة ضد‬
‫كل يدفاع عن التأخر‪ ،‬ضد كل تسويغ لهذا الضيق‪ ،‬ل بد لنا بصفة خاصة أن نوقظ في كل من‬
‫يساهم أو يهم فقط بالمساهمة في النشاط العملي‪ ،‬روح الستياء من العمل الحرفي السائد‬
‫عندنا والتصميم والحزم على الخلص منه‪.‬‬

‫أ( ما هو العمل الحرفي؟‬

‫فلنحاول الجواب على هذا السؤال بإعطاء صورة صغيرة عن نشاط حلقة اتشتراكية‪-‬‬
‫يديموقراطية نموذجية في سنوات ‪ .1901-1894‬لقد أتشرنا إلى تشغف الطلبة العام في ذلك‬
‫العهد بالماركسية‪ .‬وواضح أن هذا الشغف لم يستهدف الماركسية بوصفها نظرية وحسب‪،‬‬
‫وبالحرى لم يستهدفها بوصفها نظرية بمقدار ما استهدفها بوصفها جوابا على سؤال "ما‬
‫العمل؟"‪ ،‬بوصفها نداء إلى تشن حملة على العدو‪ .‬وقد نزل المقاتلون الجديد إلى الحملة‬
‫بتدريب وعتايد بدائيين لدرجة مدهشة‪ .‬وفي معظم الحالت كان العتايد معدوما تقريبا‬
‫والستعدايد معدوما تماما‪ .‬لقد توجهوا إلى الحرب كفلحين تركوا المحراث لتوهم‪ ،‬يدون أن‬
‫يأخذوا معهم غير هراوة‪ .‬حلقة طلب ل تربطها أي صلة بمناضلي الحركة القدماء‪ ،‬ل تربطها‬
‫أي صلة بالحلقات القائمة في المناطق الخرى‪ ،‬وحتى في الحياء الخرى من المدينة )أو في‬
‫المعاهد الخرى(‪ ،‬يدون أي تنظيم لمختلف أجزاء العمل الثوري‪ ،‬يدون أي منهاج عمل منتظم‬
‫لفترة طويلة لحد ما‪ ،‬حلقة تقيم صلت مع العمال وتبدأ العمل‪ .‬وتوسع الحلقة الدعاية‬
‫والتحريض تشيئا فشيئا وتكتسب بمجريد عملها تحبيذ فئات من العمال واسعة لحد ل بأس به‪،‬‬
‫وتحبيذ قسم من المجتمع المثقف يقدم لها النقويد ويضع تحت تصرف "اللجنة" جماعة من‬
‫الشبيبة بعد أخرى‪ .‬وتزيدايد جاذبية اللجنة )أو اتحايد النضال(‪ ،‬ويتسع ميدان نشاطها‪ ،‬وهي‬
‫توسع هذا النشاط بصورة عفوية تماما‪ :‬فنفس التشخاص الذين اتشتركوا منذ سنة أو عدة‬
‫أتشهر في حلقات الطلب وانكبوا على حل مسألة‪" :‬إلى أين نتجه؟" والذين أقاموا الصلت‬
‫بالعمال وحافظوا عليها وحضروا المناتشير وأصدروها‪ ،‬يقيمون الصلت مع فرق من الثوريين‬
‫ويحصلون على المطبوعات ويشرعون بإصدار جريدة محلية ويأخذون بالحديث عن تنظيم‬
‫مظاهرة وينتقلون في النهاية إلى العمال الحربية المكشوفة )علما بأن هذه العمال الحربية‬
‫المكشوفة قد تكون حسب الظروف أول نشرة من نشرات التحريض أو أول عديد من أعدايد‬
‫الجريدة أو أول مظاهرة(‪ .‬وفي المعتايد تفضي بداية هذه العمال بالذات إلى النهيار التام‬
‫على الفور‪ ،‬تفضي على الفور إلى النهيار التام لن هذه العمال الحربية لم تأت على وجه‬
‫الدقة نتيجة لمنهاج منتظم‪ ،‬وضع سلفا بعد تبصر وإعمال فكر‪ ،‬لنضال مديد عنيد‪ ،‬بل مجريد‬
‫تطور عفوي لعمل الحلقات الجاري حسب المعتايد؛ لن الشرطة كانت بطبيعة الحال تعرف‬
‫يدائما تقريبا جميع مناضلي الحركة المحلية الرئيسيين‪ ،‬الذين "اتشتهر أمرهم" مذ كانوا طلبا‬
‫على مقاعد الدراسة‪ ،‬ولم تكن تنتظر غير الظرف المناسب للقبض عليهم تاركة للحلقة عن‬
‫عمد إمكانية النمو وتوسيع نشاطها إلى حد يكفي لكي تحصل على ‪ ،‬تاركة يدائما عن عمد‬
‫بعض التشخاص الذين تعرفهم لستخدامهم "طعما"‪) ♥corpus delicti‬حسب التعبير الفني‬
‫الذي يستعمله‪ ،‬كما أعلم‪ ،‬رفاقنا والدرك على السواء(‪ .‬ومثل هذه الحرب ل يمكن أن يقارن‬
‫إل بحملة زمر من الفلحين مسلحين بالهراوى ضد جيش حديث‪ .‬ول يسع المرء إل أن يدهش‬
‫لحيوية هذه الحركة التي كانت تتسع وتنمو وتحرز النتصارات بالرغم من انعدام التدريب‬
‫انعداما تاما لدى المقاتلين‪ .‬صحيح أن بدائية العتايد لم تكن في البدء أمرا محتوما وحسب‪ ،‬بل‬
‫كانت أيضا أمرا مشروعا من وجهة النظر التاريخية باعتبارها تشرطا من تشروط جذب‬
‫‪42‬‬
‫المقاتلين على نطاق واسع‪ .‬ولكن مذ بدأت المعارك الحربية الخطيرة )وقد بدأت‪ ،‬في‬
‫الساس‪ ،‬بإضرابات صيف سنة ‪ (1896‬أخذت نواقص تنظيمنا الحربي تزيدايد وضوحا أكثر‬
‫فأكثر‪ .‬فبعد صدمة المفاجأة في البداية واقتراف عديد من الخطاء )من نوع التوجه إلى الرأي‬
‫العام بوصف آثام التشتراكيين ونفي العمال من العاصمتين إلى المراكز الصناعية في‬
‫القاليم( تكيفت الحكومة بسرعة حسب ظروف النضال الجديدة واستطاعت أن تحشد في‬
‫الماكن المناسبة ما لديها من فصائل المخبرين والجواسيس والدرك المجهزين بجميع العتايد‬
‫الحديث‪ .‬وأخذت الضربات تنهال بتواتر وتشمل جمهورا كبيرا جدا من التشخاص وتكنس‬
‫الحلقات المحلية إلى يدرجة أن كانت جماهير العمال تفقد‪ ،‬بالمعنى الحرفي للكلمة‪ ،‬جميع‬
‫قايدتها‪ ،‬وتغدو الحركة في بلبلة تشديدة ول يعويد بإمكانها أن تبقي على أية استمرارية أو أي‬
‫تناسق في العمل‪ .‬وقد كانت النتيجة المحتومة لهذه الظروف التي وصفناها أن انقسم‬
‫المناضلون المحليون انقساما مذهل‪ ،‬وأصبح تركيب الحلقات عرضيا‪ ،‬وانعدم الستعدايد‪ ،‬وضاق‬
‫أفق النظر في ميايدين المسائل النظرية والسياسية والتنظيمية‪ .‬وقد بلغ المر أن أصبح‬
‫العمال في بعض المناطق‪ ،‬بسبب النقص في رباطة جأتشنا وفي سرية عملنا‪ ،‬يفقدون ثقتهم‬
‫بالمثقفين ويتهربون منهم؛ ويقولون أن المثقفين يسببون الخفاقات من جراء طيشهم‬
‫المفرط! إن كل مطلع على الحركة ولو أقل اطلع يعلم أن جميع التشتراكيين‪-‬‬
‫الديموقراطيين المفكرين أخذوا في النهاية يرون في طريقة العمل الحرفي هذه مرضا‬
‫حقيقيا‪ .‬ولكيل يحسب القارئ غير المطلع على الحركة أننا "ننشئ" بصورة مصطنعة مرحلة‬
‫خاصة أو مرضا خاصا في الحركة‪ ،‬نستشهد بشاهد سبق لنا أن استشهدنا به‪ .‬ونرجوا أن ل‬
‫نلم لقتباسنا هذه الفقرة الكبيرة‪ .‬كتب ب‪ -‬ف في العديد ‪ 6‬من "رابوتشييه يديلو"‪" :‬إذا كان‬
‫النتقال التدريجي إلى نشاط عملي أوسع ‪ -‬هذا النتقال المتعلق تعلقا مباتشرا بمرحلة‬
‫النتقال العامة التي تجتازها حركة العمال الروسية‪ -‬سمة مميزة… فهناك سمة أخرى ل تقل‬
‫إثارة للهتمام في مجموع آلية ‪ ،‬الثورة العمالية الروسية‪ .‬نعني النقص العام في القوى‬
‫الثورية القايدرة على العمل النقص الذي يشعر بوجويده في جميع أنحاء روسيا‪ ،‬ل في‬
‫بطرسبورغ وحدها‪ .‬وبمقدار ما تشتد حركة العمال بوجه عام‪ ،‬وتنمو جماهير العمال بوجه‬
‫عام‪ ،‬وتتزايد الضرابات‪ ،‬ويصبح نضال العمال الجماهيري أكثر صراحة‪ ،‬هذا النضال الذي يقوي‬
‫الملحقات الحكومية وحوايدث العتقال والبعايد والنفي‪ - ،‬يصبح هذا النقص في القوى‬
‫الثورية ذات الكفاءات العالية أتشد بروزا‪ ،‬ويترك يدونما تشك أثره في عمق الحركة وطابعها‬
‫العام‪ .‬إن الكثير من الضرابات يجري يدون أن تؤثر فيه المنظمات الثورية تأثيرا قويا‬
‫ومباتشرا… إننا نشعر بالنقص في منشورات التحريض والمطبوعات السرية… إن حلقات‬
‫العمال تبقى يدون محرضين… وإلى جانب ذلك نشعر بالحاجة الدائمة إلى النقويد‪ .‬وباختصار‬
‫نقول أن نمو حركة العمال يسبق نمو المنظمات الثورية وتطورها‪ .‬إن الثوريين العاملين هم‬
‫من القلة بحيث ل يستطيعون أن يجمعوا في أيديهم التأثير في جميع جماهير العمال‬
‫المضطربة وأن يضفوا على جميع الضطرابات ولو ظل من النسجام والتنظيم… فالحلقات‬
‫المنفريدة‪ ،‬والثوريون المنفريدون غير مجموعين‪ ،‬غير موحدين‪ ،‬ل يؤلفون منظمة موحدة قوية‬
‫تخضع لنظام معين وتتطور أجزاؤها حسب منهاج"… وبعد أن يتحفظ الكاتب قائل أن ظهور‬
‫الحلقات الجديدة فورا في مكان المنهارة "يبرهن على حيوية الحركة فقط… ولكنه ل يدل‬
‫على وجويد عديد كاف من القايدة الثوريين الصالحين تماما"‪ ،‬يخلص إلى هذا الستنتاج‪" :‬إن عدم‬
‫الستعدايد العملي لدى ثوريي بطرسبورغ يؤثر أيضا في نتائج عملهم‪ .‬فالمحاكمات الخيرة ول‬
‫سيما محاكمتا جماعتي "التحرير الذاتي" و"نضال العمل ضد رأس المال")‪ ،(85‬قد أظهرت‬
‫بوضوح أن المحرض الشاب غير المطلع على تفاصيل ظروف العمل وبالتالي على ظروف‬
‫التحريض في هذا العمل أو ذاك والذي يجهل مبايدئ العمل السري والذي تعلم" )وهل تعلم؟(‬
‫"الراء التشتراكية‪-‬الديموقراطية العامة فقط‪ ،‬قد يعمل أربعة أتشهر أو خمسة أو ستة‪ .‬وبعد‬
‫ذلك تحل ساعة العتقال الذي يستتبع في الكثير من الحالت انهيار المنظمة كلها أو قسم‬
‫منها على القل‪ .‬إذن‪ ،‬هل تستطيع جماعة أن تعمل بصورة مثمرة وبنجاح إذا كانت حياتها ل‬
‫تزيد على أتشهر؟ واضح أن من غير الجائز أن تنسب جميع نواقص المنظمات الموجويدة إلى‬
‫مرحلة النتقال… واضح أن عديد أعضاء المنظمات العاملة‪ ،‬وخصوصا صفاتهم‪ ،‬يلعبان في ذلك‬
‫يدورا هاما‪ ،‬وأن مهمة اتشتراكيينا‪-‬الديموقراطيين الولى… ينبغي أن تكون توحيد المنظمات‬
‫توحيدا فعليا مع اختيار أعضائها اختيارا يدقيقا"‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫ب‪ .‬العمل الحرفي والقتصايدية‬

‫ينبغي لنا أن نتناول الن سؤال يدور في خلد كل قارئ بالتأكيد‪ .‬هذا العمل الحرفي بوصفه‬
‫مرض نمو يلزم الحركة بمجموعها‪ ،‬هل يمكن أن يقرن "بالقتصايدية" باعتبارها أحد تيارات‬
‫التشتراكية‪-‬الديموقراطية الروسية؟ نعتقد أن ذلك ممكن‪ .‬إن نقص الستعدايد العملي‪ ،‬إن عدم‬
‫المهارة في العمل التنظيمي هو في الحقيقة تشيء عام بالنسبة إلينا جميعا‪ ،‬حتى الذين‬
‫تمسكوا منذ البدء بوجهة نظر الماركسية الثورية‪ .‬ول يمكن لحد بطبيعة الحال أن يلوم‬
‫المشتغلين في الميدان العملي لنقص الستعدايد بحد ذاته‪ .‬ولكن مفهوم "العمل الحرفي"‬
‫يتضمن‪ ،‬فضل عن نقص الستعدايد‪ ،‬تشيئا آخر‪ :‬هو ضيق نطاق العمل الثوري كله بوجه عام‪،‬‬
‫وعدم فهم أن منظمة ثوريين جيدة ل يمكن أن تتكون على أساس هذا العمل الضيق‪ ،‬وأخيرا‪،‬‬
‫وهو المر الهم‪ ،‬محاولت تبرير هذا النطاق الضيق ورفعه إلى مقام "نظرية" خاصة‪ ،‬أي‬
‫تقديس العفوية في هذا الميدان أيضا‪ .‬ومذ ظهرت هذه المحاولت لم يبق تشك في أن العمل‬
‫الحرفي مرتبط "بالقتصايدية" وأننا لن نتخلص من ضيق نشاطنا التنظيمي إذا لم نتخلص من‬
‫"القتصايدية" عموما )أي من المفهوم الضيق للنظرية الماركسية ولدور التشتراكية‪-‬‬
‫الديموقراطية ولمهامها السياسية(‪ .‬والواقع أن هذه المحاولت برزت في اتجاهين‪ .‬فقد أخذ‬
‫بعضهم يقول‪ :‬إن جمهور العمال لم يطرح هو نفسه بعد مهام كفاح سياسية واسعة كالتي‬
‫"يفرضها" عليه الثوريون‪ ،‬ول يزال عليه أن يناضل من أجل المطالب السياسية المباتشرة وأن‬
‫يقوم )وهذا النضال الذي هو في "متناول" ∗بـ"النضال القتصايدي ضد أصحاب العمال‬
‫والحكومة" الحركة الجماهيرية تلئمه‪ ،‬بصورة طبيعية‪ ،‬منظمة هي في "متناول" حتى الشبيبة‬
‫القل إعدايدا(‪ .‬وأخذ آخرون من الذين هم بعيدون عن كل "تدرجية" يقولون‪ :‬يمكن ويجب‬
‫"القيام بالثورة السياسية"‪ ،‬ولكن ذلك ل يتطلب البتة إنشاء منظمة ثوريين قوية تربي‬
‫البروليتاريا على النضال الحازم العنيد‪ ،‬بل يكفينا لذلك أن نتشبث جميعنا بالهراوة المألوفة‬
‫التي في "متناولنا"‪ ،‬وإذا لم نلجأ إلى التشابيه‪ ،‬نقول أن علينا أن ننظم ‪ .‬هذان ‪ ،‬أو أن نهيج‬
‫بواسطة "إرهاب تهييجي" حركة العمال "الخاملة" ‪Θ‬الضراب العام التياران‪ ،‬النتهازيون‬
‫و"الثورويون"‪ ،‬يستسلمان أمام العمل الحرفي السائد ول يؤمنان بإمكان الخلص منه ول‬
‫يدركان مهمتنا العملية الولى التي ل تقبل التأجيل‪ :‬إنشاء منظمة ثوريين قايدرة على أن‬
‫تؤمن للنضال السياسي القوة والثبات والستمرارية‪ .‬لقد أثبتنا آنفا كلمات ب‪ -‬ف‪" :‬نمو‬
‫حركة العمال يسبق نمو المنظمات الثورية وتطورها"‪ .‬إن لهذا "النبأ القيم من مراقب عن‬
‫كثب" )من تقريظ هيئة تحرير "رابوتشييه يديلو" لمقالة ب‪ -‬ف( أهمية مزيدوجة في نظرنا‪.‬‬
‫فهو يبين أننا كنا على حق عندما رأينا السبب الساسي لزمة التشتراكية‪-‬الديموقراطية‬
‫الروسية الحالية في تأخر القايدة )من "إيديولوجيين"‪ ،‬وثوريين‪ ،‬واتشتراكيين‪-‬يديموقراطيين‬
‫عن نهوض الجماهير العفوي‪ .‬وهو يبرهن أن جميع هذه القوال لواضعي الرسالة‬
‫"القتصايدية" )"اليسكرا"‪ ،‬العديد ‪ ،(12‬ب‪ .‬كريتشيفسكي ومارتينوف‪ ،‬بصديد خطر التقليل من‬
‫أهمية العنصر العفوي والنضال الجاري المعتايد والتكتيك‪-‬الحركة‪ ،‬الخ‪ ،.‬ليس غير تمجيد للعمل‬
‫الحرفي ويدفاع عنه‪ .‬فهؤلء الناس الذين ل يستطيعون النطق بكلمة "نظري" يدون أن يكشروا‬
‫عن أنيابهم باحتقار‪ ،‬والذين يطلقون على سجويدهم أمام نقص الستعدايد لمور الحياة ونقص‬
‫التطور اسم "حس الحياة" يكشفون في الواقع عن عدم فهم لمهامنا العملية الكثر إلحاحا‪.‬‬
‫إنهم يصرخون بالناس المتأخرين‪ :‬وحدوا الخطى! ل تسبقوا! أما بالناس المصابين بنقص‬
‫الهمة والمبايدرة في العمل التنظيمي‪ ،‬المصابين بنقص "المشاريع" للعمل الجريء الواسع‪،‬‬
‫فيصرخون‪ :‬عليكم بـ"التكتيك‪-‬الحركة"! أن ذنبنا الساسي هو الهبوط بمهامنا السياسية‬
‫والتنظيمية إلى مستوى مصالح النضال القتصايدي الجاري المباتشرة "الملموسة" "الحسية"‪،‬‬
‫ومع ذلك ل يفتأون يتحفوننا بأغنية‪ :‬ينبغي أن نضفي الطابع السياسي على النضال‬
‫القتصايدي نفسه! نكرر‪ :‬إنه حقا "حس حياة" أتشبه بحس بطل السطورة الشعبية الذي أخذ‬
‫يصرخ وقد رأى موكب جنازة‪" :‬إن تشاء الله يدايمة!" تذكروا كيف أخذ هؤلء الحكماء يعظون‬
‫بليخانوف بعنجهية ل تضارعها غير عنجهية "نرسيس")‪ ،(86‬قائلين‪" :‬إن المهام السياسية‬
‫بمعنى الكلمة الحقيقي‪ ،‬العملي‪ ،‬أي بمعنى النضال العملي المعقول والناجح من أجل‬
‫المطالب السياسية‪ ،‬ليست بوجه عام )كذا!( في متناول حلقات العمال" )"جواب هيئة تحرير‬
‫‪44‬‬
‫"رابوتشييه يديلو""‪ ،‬ص ‪ .(24‬ثمة حلقات وحلقات‪ ،‬يا سايدة! فالمهام السياسية ليست طبعا‬
‫في متناول حلقة من "الحرفيين"‪ ،‬ما لم يدرك هؤلء الحرفيون أنهم يعملون على الطريقة‬
‫الحرفية‪ ،‬وما لم يتخلصوا منها‪ .‬وإذا ما أظهر هؤلء الحرفيون فضل عن ذلك‪ ،‬هياما بطريقتهم‬
‫الحرفية‪ ،‬وإذا ما أخذوا يكتبون كلمة "عملي" بالحرف العريض على الدوام ويتصورون أن‬
‫الروح العملية تتطلب منهم الهبوط بمهامهم إلى مستوى فهم أكثر فئات الجماهير تأخرا‪،‬‬
‫عندئذ يتضح أن مرض هؤلء الحرفيين مستعص وأن المهام السياسية بوجه عام ليست‪ ،‬فعل‪،‬‬
‫في متناولهم‪ .‬ولكن المهام السياسية بكل معنى هذه الكلمة الحقيقي‪ ،‬بكل معناها العملي‪،‬‬
‫هي في متناول حلقة أقطاب من أمثال ألكسييف وميشكين وخالتورين وجيليابوف‪ ،‬وذلك‬
‫بالضبط لن يدعايتهم الحارة تجد صدى في الجماهير المستيقظة بصورة عفوية‪ ،‬وبقدر ما تجد‬
‫هذا الصدى؛ ولن همتهم المتأججة تؤيدها وتدعمها همة الطبقة الثورية‪ ،‬وبمقدار ما تؤيدها‬
‫وتدعمها‪ .‬لقد كان بليخانوف ألف مرة على حق عندما لم يكتف بالتشارة إلى وجويد هذه‬
‫الطبقة الثورية‪ ،‬ولم تكتف بالبرهان على أن يقظتها العفوية أمر محتوم ل مفر منه‪ ،‬بل وضع‬
‫أمام "حلقات العمال" مهمة سياسية سامية كبرى‪ .‬أما أنتم فتستشهدون بالحركة الجماهيرية‬
‫التي انبثقت منذ ذلك الحين لكيما تهبطوا بهذه المهمة‪ ،‬لكيما تضيقوا نطاق نشاط "حلقات‬
‫العمال" وتضعفوا همتها‪ .‬وكيف نسمي ذلك إن لم نسمه بهيام الحرفي بطريقته الحرفية؟‬
‫تتبجحون بروحكم العملية‪ ،‬ولكنكم ل ترون الواقع الذي يعرفه كل من ساهم في الحركة‬
‫الروسية‪ ،‬ل ترون المعجزات التي تستطيع التيان بها في العمل الثوري همة أتشخاص‬
‫منفريدين فضل عن همة الحلقة بمجموعها‪ .‬هل تحسبون أن حركتنا ل تستطيع أن تنجب‬
‫أقطابا كأقطاب سنوات العقد الثامن؟ ولماذا؟ ألن استعدايدنا قليل؟ ولكننا نستعد وسنستعد‬
‫وسنصبح مستعدين! حقا لقد نبت عندنا‪ ،‬لسوء الحظ‪ ،‬الطحلب على مستنقع "النضال‬
‫القتصايدي ضد أصحاب العمال والحكومة"‪ ،‬لقد ظهر أناس يجثون على ركبهم ويتعبدون‬
‫العفوية ويتأملون بخشوع )حسب تعبير بليخانوف( "يدبر" البروليتاريا الروسية‪ .‬ولكننا‬
‫سنستطيع الخلص من هذا الطحلب‪ .‬فالثوري الروسي الذي يسترتشد بنظرية ثورية حقا‬
‫ويستند إلى طبقة ثورية حقا تستيقظ بصورة عفوية‪ ،‬يستطيع في هذا الوقت بالذات‪،‬‬
‫يستطيع في النهاية ‪ -‬في النهاية! ‪ -‬أن ينتصب بكل قامته ويطلق كل قواه العملقة‪ .‬وهذا ل‬
‫يتطلب غير تشيء واحد‪ :‬هو أن تستقبل كل محاولة من محاولت الهبوط بمهامنا السياسية‬
‫وتضييق نطاق عملنا التنظيمي ببسمة سخرية واحتقار من قبل جمهور المشتغلين في‬
‫الميدان العملي ومن قبل الجمهور الوسع منه‪ ،‬جمهور الذين يحلمون بالنشاط العملي منذ‬
‫أن كانوا على مقاعد الدراسة‪ .‬سنتوصل إلى ذلك‪ ،‬فاطمئنوا أيها السايدة! لقد كتبت ضد‬
‫"رابوتشييه يديلو" في مقال "بم نبدأ؟" قائل‪" :‬خلل ‪ 24‬ساعة يمكن تغيير تكتيك التحريض في‬
‫مسألة معينة من المسائل‪ ،‬التكتيك الذي يرمي إلى تحقيق عنصر معين من عناصر التنظيم‬
‫الحزبي‪ .‬أما أن يغير المرء نظراته ل في ‪ 24‬ساعة‪ ،‬بل حتى في ‪ 24‬تشهرا‪ ،‬بصديد ما إذا كانت‬
‫هنالك حاجة بوجه عام‪ ،‬حاجة يدائمة وأكيدة‪ ،‬لمنظمة كفاحية وللتحريض السياسي بين‬
‫الجماهير‪ ،‬فهو أمر ل يستطيعه غير أناس ل مبايدئ لهم"‪ .‬وقد أجابت "رابوتشييه يديلو" قائلة‪:‬‬
‫"إن اتهام "اليسكرا" هذا‪ ،‬الوحيد من بين التهامات التي تدعي لنفسها بالطابع العملي‪ ،‬ل‬
‫يقوم على أي أساس‪ .‬فقراء "رابوتشييه يديلو" يعرفون حق المعرفة أننا منذ البدء لم نقتصر‬
‫على الدعوة إلى التحريض السياسي يدون أن ننتظر ظهور "اليسكرا""… )قائلين آنذاك أن‬
‫"إسقاط الحكم المطلق ل يمكن أن يوضع كمهمة سياسية أولى أمام حركة العمال‬
‫الجماهيرية" فضل عن حلقات العمال‪ ،‬وأنه ل يمكن أن يوضع كمهمة سياسية أولى غير‬
‫النضال من أجل المطالب السياسية المباتشرة‪ ،‬وأن "المطالب السياسية المباتشرة تصبح في‬
‫متناول الجماهير بعد إضراب أو عدة إضرابات على أكثر تقدير"(… "بل إننا أوصلنا كذلك من‬
‫الخارج بواسطة مطبوعاتنا مايدة التحريض السياسي التشتراكية‪-‬الديموقراطية الوحيدة إلى‬
‫الرفاق العاملين في روسيا"… )علما بأنكم‪ ،‬في مايدتكم الوحيدة هذه‪ ،‬لم تقتصروا على‬
‫ممارسة أوسع تحريض سياسي على صعيد النضال القتصايدي وحده‪ ،‬بل لقد بلغ بكم تفكيركم‬
‫في النهاية حدا أعلنتم معه أن هذا التحريض الضيق هو الذي "يمكن استعماله بأوسع تشكل"‪.‬‬
‫أل تلحظون‪ ،‬أيها السايدة‪ ،‬أن حججكم ل تبرهن إل على ضرورة ظهور "اليسكرا" ‪ -‬ما يدام هذا‬
‫هو نوع المايدة الوحيدة" ‪ -‬وإل على ضرورة نضال "اليسكرا" ضد "رابوتشييه يديلو"؟(… "ومن‬
‫الجهة الخرى‪ ،‬إن نشاطنا بوصفنا ناتشرين قد مهد في الواقع لوحدة الحزب التكتيكية"…‬
‫‪45‬‬
‫)وحدة العتقايد بأن التكتيك هو سير نمو المهام الحزبية التي تنموا مع نمو الحزب؟ ما أثمنها‬
‫من وحدة!(… "ومهد بذلك لمكانية إنشاء "منظمة كفاحية" عمل "التحايد" كل ما في طاقة‬
‫منظمة في الخارج أن تبذله عموما لنشائها" )"رابوتشييه يديلو"‪ ،‬العديد ‪ ،10‬ص ‪ .(15‬عبثا‬
‫تحاولون التملص! أما أنكم بذلتم كل ما في طاقتكم‪ ،‬فهو أمر لم أفكر بإنكاره قط‪ .‬فقد‬
‫أكدت وأؤكد أن حدويد "متناولـ"كم يضيقها قصر نظركم‪ ،‬بل أنه من المضحك الحديث عن‬
‫"منظمة كفاحية" للنضال من أجل "المطالب السياسية المباتشرة" أو من أجل "النضال‬
‫القتصايدي ضد أصحاب العمال والحكومة"‪ .‬ولكن إذا كان القارئ يريد أن يرى يدرر الهيام‬
‫"القتصايدي" بالعمل الحرفي فينبغي له أن يتوجه طبعا من "رابوتشييه يديلو" الختيارية وغير‬
‫الثابتة إلى "رابوتشايا ميسل" المستقيمة والحازمة‪ .‬فقد كتب ر‪.‬م‪ .‬في "الملحق الخاص"‪ ،‬ص‬
‫‪" : 13‬سنتناول الن بكلمتين من يسمون بالمثقفين الثوريين بالذات‪ :‬لقد برهنوا حقا غير مرة‬
‫من خلل العمل أنهم مستعدون كل الستعدايد "لخوض المعركة الفاصلة ضد القيصرية"‪ .‬ولكن‬
‫المصيبة‪ ،‬كل المصيبة‪ ،‬هي في كون مثقفينا الثوريين الذين تلحقهم الشرطة السياسية يدون‬
‫رحمة‪ ،‬قد حسبوا النضال ضد الشرطة السياسية نضال سياسيا ضد الحكم المطلق‪ .‬ولذلك لم‬
‫يجدوا حتى الن الجواب الواضح على سؤال "من أين نستمد القوى للنضال ضد الحكم‬
‫المطلق؟""‪ .‬هذا الستخفاف الرائع بالنضال ضد الشرطة من قبل هائم )بأريدأ معاني الكلمة(‬
‫بالحركة العفوية‪ ،‬أليس بديعا حقا؟ إنه مستعد لتبرير عدم مهارتنا في العمل السري بحجة أن‬
‫النضال ضد الشرطة السياسية ل أهمية له في جوهر المر بالنسبة لنا في حالة الحركة‬
‫الجماهيرية العفوية!! لن يوقع على هذا الستنتاج الفظيع غير قلة قليلة‪ :‬فقد حز اللم‬
‫صميم أفئدة الجميع من جراء نواقص منظماتنا الثورية‪ .‬ولكن إذا كان مارتينوف‪ ،‬مثل‪ ،‬يرفض‬
‫التوقيع عليه فما ذلك إل لنه ل يحسن التفكير بموضوعاته حتى نهايته المنطقية أو ل يجرؤ‬
‫على ذلك‪ .‬وفي الحقيقة‪ ،‬إذا ما وضعت الجماهير مطالب معينة تبعث المل بنتائج حسية‪،‬‬
‫فهل تتطلب هذه "المهمة" اهتماما خاصا بإنشاء منظمة ثوريين وطيدة‪ ،‬متمركزة قايدرة على‬
‫الكفاح؟ أل يقوم بهذه المهمة جمهور ل "يناضل ضد الشرطة السياسية" على الطلق؟‬
‫وفوق ذلك‪ :‬هل يمكن تنفيذ هذه المهمة إذا لم ينهض بها أيضا‪ ،‬عدا القايدة القلئل‪ ،‬عمال هم‬
‫)في أكثريتهم الكبرى( غير أهل على الطلق "للنضال ضد الشرطة السياسية"؟ فهؤلء‬
‫العمال‪ ،‬هؤلء الناس المتوسطون من الجماهير يستطيعون إظهار فيض من الهمة والتفاني‬
‫في الضراب وفي نضال الشوارع ضد البوليس والجيش‪ ،‬يستطيعون )وهم وحدهم الذين‬
‫يستطيعون( تقرير نتيجة حركتنا بأكملها ‪ -‬ولكن النضال ضد البوليس السياسي هو الذي‬
‫يتطلب صفات خاصة‪ ،‬يتطلب ثوريين محترفين‪ .‬وينبغي لنا أن نحرص‪ ،‬ل على أن "يقدم"‬
‫الجمهور مطالب ملموسة وحسب‪ ،‬بل على أن "يقدم" جمهور العمال كذلك أمثال هؤلء‬
‫الثوريين المحترفين بعديد متزايد على الدوام‪ .‬وهكذا نصل إلى مسألة التناسب بين منظمة‬
‫الثوريين المحترفين وحركة العمال الصرف‪ .‬إن هذه المسألة التي قلما وجدت لها مكانا في‬
‫المنشورات قد تشغلتنا كثيرا نحن "السياسيين" في الحايديث والجدال مع الرفاق الذين‬
‫يميلون إلى "القتصايدية" إلى هذا الحد أو ذاك‪ .‬وهي مسألة تستحق الوقوف عندها بوجه‬
‫خاص‪ .‬ولكن لنختتم أول‪ ،‬باستشهايد آخر‪ ،‬عرض رأينا في الصلة بين العمل الحرفي‬
‫و"القتصايدية"‪ .‬لقد كتب السيد ‪ .N.N‬في مقاله "الجواب")‪" :(87‬إن فرقة "تحرير العمل"‬
‫تنايدي بالنضال المباتشر ضد الحكومة يدون أن تقدر أين تكمن القوة المايدية الضرورية لهذا‬
‫النضال ويدون أن تشير إلى طرق هذا النضال"‪ .‬وقد وضع الكاتب بالخط العريض الكلمات‬
‫الخيرة ووضع تحت كلمة "طرق" الملحظة التالية‪" :‬هذا الواقع ل يمكن تفسيره بأهداف‬
‫العمل السري‪ ،‬لن البرنامج ل يتحدث عن مؤامرة‪ ،‬بل عن حركة جماهيرية‪ .‬ول يمكن للجمهور‬
‫أن يسير في الطرق السرية‪ .‬إذ هل يمكن وجويد إضراب سري؟ هل يمكن وجويد مظاهرة أو‬
‫عريضة سرية؟" )"‪" "Vademecum‬فايديميكوم"‪ ،‬ص ‪ .(59‬لقد وقف الكاتب وجها لوجه أمام‬
‫هذه "القوة المايدية" )منظمو الضرابات والمظاهرات( وأمام "طرق النضال"‪ .‬ولكنه يجد‬
‫نفسه مع ذلك في حيرة وبلبلة‪ ،‬لنه "يقدس" الحركة الجماهيرية‪ ،‬أي أنه ينظر إليها نظرته‬
‫إلى أمر يعفينا من نشاطنا الثوري‪ ،‬ل إلى أمر من تشانه أن يشجع ويحفز نشاطنا‬
‫الثوري‪.‬الضراب السري مستحيل بالنسبة للمضربين وللتشخاص الذين لهم علقة مباتشرة به‪.‬‬
‫ولكن هذا الضراب قد يبقى )وإنه ليبقى في معظم الحالت( "سرا" بالنسبة لجمهور العمال‬
‫الروس‪ ،‬لن الحكومة تعمل على أن تقطع كل صلة بالمضربين‪ ،‬تعمل على أن تجعل من‬
‫‪46‬‬
‫المستحيل نشر أي نبأ عن الضراب‪ .‬وهنا تظهر الحاجة إلى "النضال ضد الشرطة السياسية"‪،‬‬
‫وهو نضال خاص ل يمكن أن يقوم به بنشاط في أي حال من الحوال جمهور كبير كالجمهور‬
‫الذي يشترك في الضرابات‪ .‬وينبغي أن ينظم هذا النضال "وفق جميع أصول الفن" من قبل‬
‫أناس يجعلون من النشاط الثوري مهنة لهم‪ .‬ول تقل الحاجة إلى تنظيم هذا النضال من جراء‬
‫انجذاب الجمهور إلى الحركة بصورة عفوية‪ .‬بل بالعكس‪ ،‬فإن هذا الواقع يزيد الحاجة إلى هذا‬
‫التنظيم‪ ،‬لننا نحن التشتراكيين ل نقوم بواجباتنا المباتشرة أمام الجمهور إذا كنا ل نستطيع‬
‫إعاقة الشرطة عن أن تبقي طي الكتمان )وإذا كنا ل نحضر نحن أحيانا في طي الكتمان( أي‬
‫إضراب أو أية مظاهرة‪ .‬في طاقتنا أن نفعل هذا‪ ،‬وذلك على وجه الضبط لن الجمهور‬
‫المستيقظ بصورة عفوية سيقدم أيضا من صفوفه "ثوريين محترفين" بعديد متزايد )هذا إذا لم‬
‫يخطر لنا أن ندعو العمال بمختلف النغمات إلى المراوحة في مكان واحد(‪.‬‬

‫ج( منظمة العمال ومنظمة الثوريين إذا كان مفهوم "النضال القتصايدي ضد أصحاب العمال‬
‫والحكومة"‪ ،‬يطغى في نظر التشتراكي‪-‬الديموقراطي على مفهوم النضال السياسي‪،‬‬
‫فطبيعي أن نتوقع لمفهوم "منظمة العمال" أن يغطي في نظره إلى حد ما على مفهوم‬
‫"منظمة الثوريين"‪ .‬وهذا ما يحدث في الواقع حتى أننا نجد أنفسنا حيال لغات تختلف كل‬
‫الختلف عندما يدور الحديث عن التنظيم‪ .‬أذكر‪ ،‬مثل‪ ،‬حديثا جرى بيني وبين أحد‬
‫"القتصايديين" المستقيمين إلى حد ل بأس به لم تسبق لي به معرفة)‪ .(88‬وقد تناول‬
‫الحديث كراس "من يقوم بالثورة السياسية؟"‪ .‬وقد اتفقنا بسرعة على أن النقص الساسي‬
‫فيه هو إغفال مسألة التنظيم‪ .‬وتصورنا أن وجهات نظرنا متفقة‪ ،‬ولكن… عندما تابعنا الحديث‬
‫ظهر لنا أننا نتكلم عن أمور مختلفة‪ .‬فمحدثي يتهم مؤلف الكراس بإغفال صنايديق الضرابات‬
‫ت أقصد منظمة الثوريين الضرورية "للقيام"‬ ‫وجمعيات تبايدل المساعدة الخ‪ ،.‬في حين كن ُ‬
‫بالثورة السياسية‪ .‬ول أذكر أني اتفقت مع هذا "القتصايدي" حول أية مسألة من المسائل‬
‫المبدئية بعد ظهور هذا الخلف! فما هو مصدر خلفاتنا؟ إنه يكمن في كون "القتصايديين"‬
‫ينزلقون على الدوام من التشتراكية‪-‬الديموقراطية إلى التريديونيونية إن في المهام‬
‫التنظيمية أم في المهام السياسية‪ .‬فنضال التشتراكية‪-‬الديموقراطية السياسي أوسع جدا‬
‫وأكثر تعقيدا من نضال العمال القتصايدي ضد أصحاب العمال والحكومة‪ .‬وكذلك )وتبعا لذلك(‬
‫ل بد لتنظيم الحزب التشتراكي‪-‬الديموقراطي الثوري من أن يكون من نوع آخر يختلف عن‬
‫تنظيم العمال للنضال القتصايدي‪ .‬إذ ينبغي لمنظمة العمال أن تكون‪ ،‬أول‪ ،‬مهنية‪ ،‬ثانيا‪،‬‬
‫واسعة ما أمكن؛ ثالثا‪ ،‬علنية ما أمكن )هنا وفيما يأتي من البحث ل أعني بالطبع غير روسيا‬
‫الحكم المطلق(‪ .‬وبالعكس‪ ،‬ينبغي لمنظمة الثوريين أن تضم بالدرجة الولى وبصورة رئيسية‬
‫أناسا يكون النشاط الثوري مهنتهم )ولذلك أتحدث عن منظمة الثوريين‪ ،‬وأنا أعني الثوريين‪-‬‬
‫التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين(‪ .‬وحيال هذه الصفة المشتركة بين أعضاء مثل هذه المنظمة‬
‫ينبغي أن يمحى بصورة تامة كل فرق بين العمال والمثقفين فضل عن الفروق بين مهن‬
‫هؤلء وأولئك على اختلفها‪ .‬ينبغي لهذه المنظمة بالضرورة أن ل تكون واسعة جدا‪ ،‬وأن‬
‫تكون على أكثر ما يمكن من السرية‪ .‬فلنتناول الفروق الثلثة‪ .‬إن الفرق بين التنظيم المهني‬
‫والتنظيم السياسي واضح تماما في البلدان التي تتمتع بحرية سياسية وضوح الفرق بين‬
‫التريديونيونات والتشتراكية‪-‬الديموقراطية‪ .‬وطبيعي أن علقة التشتراكية‪-‬الديموقراطية‬
‫بالتريديونيونات تختلف حتما من بلد إلى آخر‪ ،‬تبعا للظروف التاريخية والحقوقية وغيرها‪،‬‬
‫ويمكن أن تكون على جانب معين من القوة‪ ،‬والتعقيد‪ ،‬الخ‪) .‬وينبغي أن تكون حسب رأينا‬
‫قوية إلى أقصى حد وخالية من التعقيد ما أمكن(؛ ولكن ل يمكن بأي حال أن تعتبر المنظمة‬
‫النقابية ومنظمة الحزب التشتراكي‪-‬الديموقراطي في البلدان الحرة تشيئا واحدا‪ .‬أما في‬
‫روسيا‪ ،‬فإن طغيان الحكم المطلق يمحو لول وهلة كل فرق بين المنظمة التشتراكية‪-‬‬
‫الديموقراطية ونقابة العمال‪ ،‬لن جميع نقابات العمال وجميع الحلقات ممنوعة‪ ،‬لن المظهر‬
‫الساسي واليداة الساسية لنضال العمال القتصايدي ‪ -‬أي الضراب‪ -‬يعتبر بوجه عام جريمة‬
‫يعاقب عليها قانون الجزاء )ويعتبر أحيانا جريمة سياسية!(‪ .‬وهكذا "تصدم" الظروف عندنا‬
‫بشدة العمال الذين يخوضون النضال القتصايدي بالقضايا السياسية‪ .‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة‬
‫أخرى "تصدم" التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين بالخلط بين التريديونيونية والتشتراكية‪-‬‬
‫الديموقراطية )وإن أصحابنا كريتشيفسكي ومارتينوف وتشركاهما من الذين ل يفتأون‬
‫‪47‬‬
‫يتحدثون عن "الصدم" من النوع الول ل يلحظون "الصدم" من النوع الثاني(‪ .‬وبالفعل‪،‬‬
‫تصوروا أناسا انهمكوا بنسبة ‪ 99‬بالمئة في "النضال القتصايدي ضد أصحاب العمال‬
‫والحكومة"‪ .‬فثمة قسم منهم لن يصدم مرة واحدة طيلة فترة نشاطه كلها)‪ 6-4‬أتشهر(‬
‫بمسألة منظمة للثوريين أكثر تعقيدا‪ .‬وثمة آخرون "يصطدمون" في أكبر الظن بمطالعة‬
‫المنشورات البرنشتينية المنتشرة نسبيا ويستمدون منها العتقايد بالهمية البالغة التي يتسم‬
‫بها "تقدم النضال الجاري المعتايد"‪ .‬وهناك‪ ،‬أخيرا‪ ،‬قسم ثالث يحتمل أن يهيم بفكرة مغرية‬
‫هي إعطاء العالم نموذجا جديدا عن "الصلة العضوية الوثيقة بالنضال البروليتاري"‪ ،‬عن الصلة‬
‫بين الحركة المهنية والتشتراكية‪-‬الديموقراطية‪ .‬وكأني بهؤلء الناس يفكرون على النحو‬
‫التالي‪ :‬بمقدار ما يتأخر بلد من البلدان عن الدخول في مسرح الرأسمالية‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬في‬
‫مسرح الحركة العمالية‪ ،‬يزيدايد إمكان مساهمة التشتراكيين في الحركة المهنية ويدعمهم إياها‪،‬‬
‫ويقل إمكان ووجوب وجويد نقابات غير اتشتراكية‪-‬يديموقراطية‪ .‬هذا التفكير‪ ،‬إلى هنا‪ ،‬صحيح‬
‫كل الصحة‪ .‬ولكن المصيبة أنهم يسيرون إلى حد أبعد ويحلمون بمزج التشتراكية‪-‬‬
‫الديموقراطية والتريديونيونية مزجا تاما‪ .‬وسنستشهد الن بـ"النظام الداخلي لتحايد النضال‬
‫في سانت بطرسبورغ" لكي نرى مبلغ ضرر تأثير هذه الحلم في مشاريعنا التنظيمية‪ .‬يجب‬
‫أن تكون منظمات العمال الخاصة بالنضال القتصايدي منظمات مهنية‪ ،‬ويجب على كل عامل‬
‫اتشتراكي‪-‬يديموقراطي أن يساعد هذه المنظمات على قدر الطاقة وأن يعمل فيها بنشاط‪.‬‬
‫هذا صحيح‪ .‬ولكن ليس من مصلحتنا على الطلق أن نطالب بأن يكون أعضاء الجمعيات‬
‫"المهنية" من اتشتراكيين‪-‬يديموقراطيين وحدهم‪ ،‬لن ذلك يسفر عن تقلص نفوذنا في‬
‫الجماهير‪ .‬فليشترك في الجمعية المهنية كل عامل يدرك ضرورة التحايد للنضال ضد أصحاب‬
‫العمال والحكومة‪ .‬فهدف الجمعيات المهنية ذاته ل يمكن بلوغه إن لم تضم هذه الجمعيات‬
‫جميع الذين يبلغون على القل هذه الدرجة البدائية من يدرجات الفهم‪ ،‬إن لم تكن هذه‬
‫الجمعيات المهنية منظمات واسعة جدا‪ .‬وبمقدار ما تتسع هذه المنظمات‪ ،‬يتسع نفوذنا فيها‪،‬‬
‫وهو نفوذ ل ينشأ فقط عن التطور "العفوي" للنضال القتصايدي‪ ،‬إنما ينشأ أيضا عن تأثير‬
‫أعضاء الجمعية التشتراكيين في رفاقهم تأثيرا مباتشرا واعيا‪ .‬ولكن عندما يكون عديد المنتمين‬
‫إلى منظمة من المنظمات كبيرا تتعذر السرية الدقيقة )التي تتطلب استعدايدا أكبر جدا من‬
‫الستعدايد اللزم للنضال القتصايدي(‪ .‬فكيف نحل هذا التناقض بين ضرورة سعة المنظمة‬
‫وضرورة السرية الدقيقة؟ كيف نعمل لتكون المنظمات المهنية سرية لقل حد ممكن؟ لبلوغ‬
‫ذلك ل يوجد بوجه عام غير سبيلين‪ :‬أما جعل الجمعيات المهنية علنية )وقد حدث هذا في بعض‬
‫البلدان قبل أن تصبح الجمعيات التشتراكية والسياسية علنية(‪ ،‬وإما إبقاء المنظمة سرية‪،‬‬
‫ولكن "حرة" وغير واضحة الحدويد‪ ،‬أي ‪ lose‬كما يقول اللمان‪ ،‬لدرجة تصبح معها الصفة‬
‫السرية بالنسبة لجمهور العضاء في حكم العدم تقريبا‪ .‬لقد بدأ في روسيا انتقال جمعيات‬
‫العمال غير التشتراكية وغير السياسية إلى العلنية‪ ،‬ول مجال لي تشك في أن كل خطوة‬
‫تخطوها حركتنا العمالية التشتراكية‪-‬الديموقراطية النامية بسرعة ستضاعف وتشجع محاولت‬
‫النتقال إلى هذه العلنية ‪ -‬وهي محاولت صايدرة بصورة رئيسية عن أنصار النظام القائم‬
‫ولكنها صايدرة أيضا بصورة جزئية عن العمال أنفسهم والمثقفين الليبيراليين‪ .‬لقد رفع علم‬
‫العلنية أناس من أضراب فاسيلييف وزوباتوف‪ ،‬وقد وعد السايدة من أضراب أوزيروف‬
‫وفورمس بالعمل على ذلك وبروا بوعدهم‪ .‬ولقد ظهر بين العمال أتباع لهذا التجاه الجديد‪.‬‬
‫فل يمكننا من الن فصاعدا أل نحسب الحساب لهذا التيار‪ .‬أما كيف نحسب له الحساب فهذا‪،‬‬
‫كما نعتقد‪ ،‬ما ل يمكن أن يختلف عليه التشتراكيون‪-‬الديموقراطيون‪ .‬نحن ملزمون بأن نفضح‬
‫على الدوام اتشتراك أمثال زوباتوف وفاسيلييف والدرك والكهنة في هذا التيار‪ ،‬ملزمون بأن‬
‫نبين للعمال حقيقة أهداف هؤلء المشتركين‪ .‬ونحن ملزمون كذلك بأن نفضح جميع النغمات‬
‫التوفيقية و"المنسجمة" التي ستكشف عنها خطابات الليبيراليين في اجتماعات العمال‬
‫العلنية ‪ -‬سواء أصدرت هذه النغمات عن ليبيراليين يعتقدون مخلصين بأن التعاون السلمي‬
‫بين الطبقات أمر مرغوب فيه‪ ،‬أو عن ليبيراليين تحدوهم الرغبة في تملق الرؤساء أو في‬
‫النهاية عن ليبيراليين هم بكل بساطة غير حاذقين‪ .‬ونحن ملزمون‪ ،‬أخيرا‪ ،‬بأن نحذر العمال‬
‫من الشرك الذي تنصبه لهم الشرطة في حالت كثيرة لتبحث في هذه الجتماعات العلنية‬
‫وفي الجمعيات المرخص لها عن "الناس الذين تتأجج النار في صدورهم" ولتدس في‬
‫المنظمات السرية أيضا المخبرين عن طريق المنظمات العلنية‪ .‬ولكن قيامنا بكل ذلك ل يعني‬
‫‪48‬‬
‫البتة أننا ننسى أن جعل حركة العمال علنية سيعويد بالنفع في نهاية المر علينا نحن‪ ،‬ل على‬
‫أمثال زوباتوف البتة‪ .‬إن المر على العكس‪ ،‬فبحملتنا التشهيرية نفصل نحن الزوان عن‬
‫الحنطة‪ .‬وقد بينا الزوان‪ .‬أما الحنطة فهي لفت أنظار أوسع فئات العمال وأكثرها تأخرا إلى‬
‫المسائل الجتماعية والسياسية‪ ،‬هي تحريرنا‪ ،‬نحن الثوريين‪ ،‬من وظائف هي في الجوهر‬
‫علنية )نشر الكتب العلنية‪ ،‬المساعدة المتبايدلة‪ ،‬الخ‪ ،(.‬وظائف يؤيدي تطورها حتما إلى إعطائنا‬
‫عديدا متزايدا على الدوام من الموايد للتحريض‪ .‬وبهذا المعنى يمكننا وينبغي لنا أن نقول‬
‫لزوباتوف وأوزيروف وأضرابهما‪ :‬اجتهدوا أيها السايدة‪ ،‬اجتهدوا! فنحن لكم بالمرصايد‬
‫وسنفضحكم عندما تنصبون للعمال الشرك )عن طريق الستفزازات المباتشرة أو عن طريق‬
‫إفسايد العمال "الشريف" "بالستروفية"()‪ .(89‬وإذا ما خطوتم حقا خطوة إلى أمام‪ ،‬ولو‬
‫بشكل "انعطاف ضعيف جدا"‪ ،‬ولكنها خطوة إلى أمام‪ ،‬نقول لكم‪ :‬إعملوا معروفا! إن فسح‬
‫المجال حقا أمام العمال مهما كان طفيفا هو وحده الذي يمكنه أن يشكل خطوة إلى أمام‬
‫حقا‪ .‬وكل فسح لهذا المجال يخدمنا نحن ويعجل ظهور جمعيات علنية ل يصطايد فيها‬
‫المخبرون التشتراكيين‪ ،‬بل يصطايد فيها التشتراكيون التباع لهم‪ .‬إن مهمتنا الن هي‪،‬‬
‫باقتضاب‪ ،‬مكافحة الزوان‪ .‬فليس من اختصاصنا استنبات الحنطة في آنية بالغرف‪ .‬فنحن‪ ،‬إذ‬
‫نقتلع الزوان‪ ،‬ننظف التربة ممهدين لنمو بذور الحنطة المحتمل‪ .‬وأثناء انهماك أضراب‬
‫أفاناسي إيفانوفيتش وبولخيريا إيفانوفنا)‪ (90‬بالزراعة في الغرف ينبغي لنا أن نعد حاصدين‬
‫يحسنون اجتثاث زوان اليوم وجني حصايد حنطة الغد•‪ .‬وإذن‪ ،‬ل نستطيع نحن عن طريق‬
‫العلنية أن نحل مسألة إنشاء منظمة مهنية تكون سرية لقل حد ممكن وواسعة لقصى حد‬
‫ممكن )ولكن نكون سعداء جدا إذا أعطانا أمثال زوباتوف وأوزيروف ولو جزئيا إمكانية هذا‬
‫الحل‪ ،‬وللحصول على هذه المكانية ينبغي لنا أن نكافحهم بأكبر ما يمكن من الهمة!(‪ .‬يبقى‬
‫طريق المنظمات المهنية السرية؛ وهنا يجب علينا أن نقدم كل مساعدة للعمال الذين أخذوا‬
‫)كما نعرف بدقة( يسلكون هذا الطريق‪ .‬فالمنظمات المهنية ل يمكنها أن تقدم فائدة كبرى‬
‫في تطوير وتعزيز النضال القتصايدي وحسب‪ ،‬بل يمكنها فضل عن ذلك أن تصبح عامل‬
‫مساعدا كبير الهمية للتحريض السياسي والتنظيم الثوري‪ .‬ولبلوغ هذه النتيجة‪ ،‬لتوجيه‬
‫الحركة المهنية المبتدئة إلى المجرى الذي تريده التشتراكية‪-‬الديموقراطية‪ ،‬ينبغي قبل كل‬
‫تشيء أن نتبين بوضوح سخافة المشروع التنظيمي الذي يطبل ويزمر له "القتصايديون" في‬
‫بطرسبورغ منذ ما يقرب من خمس سنوات‪ .‬وقد وريد هذا المشروع في "النظام الداخلي‬
‫لصندوق العمال" المؤرخ في تموز )يوليو( سنة ‪") 1897‬ليستوك "رابوتنيكا""‪ ،‬العديد ‪،10-9‬‬
‫ص ‪ ،46‬من العديد ‪ 1‬من "رابوتشايا ميسل"( وفي "النظام الداخلي لمنظمة العمال النقابية"‬
‫المؤرخ في تشرين الول )أكتوبر( سنة ‪) 1900‬صفحة على حدة طبعت في سانت بطرسبورغ‬
‫ووريد ذكرها في العديد ‪ 1‬من "اليسكرا"(‪ .‬والخطأ الساسي في كل النظامين هو طرح جميع‬
‫التفاصيل المتعلقة بمنظمة عمالية واسعة وخلط منظمة الثوريين بها‪ .‬فلنأخذ النظام‬
‫الداخلي الثاني‪ ،‬باعتباره أكثر يدقة‪ .‬إنه يتألف من اثنتين وخمسين فقرة‪ ،‬منها ‪ 23‬فقرة‬
‫تتناول تنظيم "حلقات العمال" التي يجري تشكيلها في كل معمل )"على أن ل تزيد كل حلقة‬
‫على عشرة أتشخاص"( والتي تنتخب "الجماعات المركزية )في المعمل(" كما تتناول طريقة‬
‫تصريف أمورها ومدى صلحيتها‪ .‬وقد جاء في الفقرة ‪" :2‬تراقب الجماعة المركزية كل ما‬
‫يجري في مصنعها أو معملها وتسجل الحداث التي تجري فيه"‪" .‬تقدم الجماعة المركزية كل‬
‫تشهر تقريرا عن حالة الصندوق لجميع المشتركين" )الفقرة ‪ ،(17‬الخ‪ ..‬وهناك ‪ 10‬فقرات‬
‫تتناول "منظمة الحي" و ‪ 19‬فقرة تتناول التشابك المعقد منتهى التعقيد بين "لجنة المنظمة‬
‫العمالية" و"لجنة اتحايد النضال في سانت بطرسبورغ" )منتدبون عن كل حي وعن "الجماعات‬
‫التنفيذية" ‪" -‬جماعة من الدعاة‪ ،‬جماعة للتصال بالقاليم‪ ،‬جماعة للتصال بالخارج‪ ،‬جماعة‬
‫ليدارة المستويدعات‪ ،‬جماعة للمنشورات‪ ،‬جماعة للصندوق"(‪ .‬التشتراكية‪-‬الديموقراطية =‬
‫"الجماعات التنفيذية" بالنسبة إلى نضال العمال القتصايدي! لعل من الصعب أن نبين بأبرز‬
‫من ذلك كيف تنزلق فكرة "القتصايدي" من التشتراكية‪-‬الديموقراطية إلى التريديونيونية‪،‬‬
‫وكيف ل يستطيع إطلقا أن يتصور أن التشتراكي‪-‬الديموقراطي ملزم بأن يفكر قبل كل‬
‫تشيء بمنظمة ثوريين أكفاء لقيايدة نضال البروليتاريا التحريري كله‪ .‬فالحديث عن "تحرير‬
‫الطبقة العاملة السياسي"‪ ،‬وعن النضال ضد "الطغيان القيصري" وتحبير مثل هذه النظمة‬
‫الداخلية للمنظمة‪ ،‬يعني عدم إيدراك أي تشيء على الطلق من المهام السياسية الحقيقية‬
‫‪49‬‬
‫التي تواجه التشتراكية‪-‬الديموقراطية‪ .‬ليست ثمة أية فقرة بين الفقرات الخمسين تنم عن‬
‫بارقة إيدراك لضرورة القيام بأوسع تحريض سياسي بين الجماهير يكشف عن جميع نواحي‬
‫الستبدايد الروسي‪ ،‬عن كل سيماء مختلف الطبقات الجتماعية في روسيا‪ .‬وهذا النظام‬
‫الداخلي‪ ،‬فضل عن أنه ل يمكن من بلوغ الهداف السياسية‪ ،‬ل يمكن كذلك من بلوغ الهداف‬
‫التريديونيونية نفسها‪ ،‬إذ أنها تتطلب تنظيما حسب المهن‪ ،‬وهو ما ل يؤتى على ذكره إطلقا‪.‬‬
‫ولعل السمة البعد في الدللة هي مبلغ ثقل كل هذا "النظام" الذي يحاول أن يربط كل‬
‫مصنع إلى "اللجنة" برباط يدائم من قواعد متشابهة وتافهة لدرجة مضحكة وعلى أساس نظام‬
‫انتخابي ذي ثلث يدرجات‪ .‬إن التفكير الذي يخنقه ضيق أفق "القتصايدية" ينطلق هنا إلى‬
‫تفاصيل تنز منها روائح المماطلة والدواوينية‪ .‬والواقع أن ثلثة أرباع هذه الفقرات ل تطبق‬
‫أبدا‪ ،‬ولكن هذا التنظيم "السري" الذي توجد جماعة مركزية له في كل مصنع‪ ،‬يسهل بالمقابل‬
‫على الدرك تنظيم العتقالت على نطاق واسع إلى حد ل يصدق‪ .‬لقد اجتاز الرفاق‬
‫البولونيون هذه المرحلة من مراحل الحركة‪ ،‬حين تشغف الجميع بتشكيل صنايديق عمال على‬
‫نطاق واسع‪ ،‬ولكنهم لم يلبثوا أن تخلوا عن هذه الفكرة إذ اتضح لهم أنهم بذلك ل يفعلون‬
‫أكثر من تقديم غلة كبيرة للدرك‪ .‬وإذا كنا نريد منظمات عمال واسعة‪ ،‬وإذا كنا ل نريد‬
‫اعتقالت واسعة ول نريد إيدخال المسرة إلى قلوب الدرك‪ ،‬فيجب علينا أن نعمل لكي ل تتخذ‬
‫هذه المنظمات أي تشكل تنظيمي‪ - .‬ولكن هل يمكن لمنظمات كهذه أن تقوم بوظائفها؟ ‪-‬‬
‫لنلق نظرة على هذه الوظائف‪…" :‬مراقبة كل ما يجري بالمصنع وتسجيل الحداث التي تجري‬
‫فيه" )الفقرة ‪ 2‬من النظام الداخلي(‪ .‬وهل تحتاج هذه الوظيفة حقا إلى تشكل تنظيمي؟ أل‬
‫يمكن تنفيذها بصورة أفضل عن طريق رسائل إلى الجرائد السرية يدون أن تنظم لهذا الغرض‬
‫أية جماعات خاصة؟ "…قيايدة نضال العمال من أجل تحسين حالتهم في العمل" )الفقرة ‪3‬‬
‫من النظام الداخلي(‪ .‬وهذا أيضا ل يحتاج إلى أي تشكل تنظيمي‪ .‬فمحايدثة بسيطة تكفي لن‬
‫يعرف المحرض‪ ،‬بكل يدقة‪ ،‬مهما كانت يدرجة ذكائه‪ ،‬ما هي المطالب التي يريدها العمال؛‬
‫وعندما يعرفها يستطيع أن يرفعها إلى منظمة غير واسعة‪ ،‬إلى منظمة ضيقة من الثوريين‪،‬‬
‫ليصال النشرة المناسبة‪.." .‬تنظيم صندوق… يكون رسم التشتراك فيه كوبيكين عن كل‬
‫روبل" )الفقرة ‪ (9‬ومن ثم إعطاء تقرير تشهري للجميع عن حالة الصندوق )الفقرة ‪(17‬‬
‫وطريد العضاء الذين ل يدفعون اتشتراكاتهم )الفقرة ‪ ،(10‬الخ‪ ..‬وهذا هو‪ ،‬بالنسبة للشرطة‪،‬‬
‫الجنة عينها‪ ،‬لنه ليس ثمة ما هو أسهل من التسلل إلى أعماق هذا السر‪ ،‬سر "الصندوق‬
‫المركزي" في المعمل ومن مصايدرة النقويد واعتقال نخبة العضاء‪ .‬أليس من الفضل إصدار‬
‫طوابع بكوبيك أو كوبيكين تحمل خاتم منظمة معينة )ضيقة جدا وسرية جدا(‪ ،‬أو حتى جمع‬
‫تبرعات بدون أية طوابع تنشر جريدة سرية تقارير عنها بلغة متفق عليها؟ إن الهدف نفسه‬
‫يمكن بلوغه بذلك‪ ،‬ولكن اكتشاف المنظمة يصبح أصعب على الدرك بمئة مرة‪ .‬بوسعي أن‬
‫أستمر في تحليل فقرات النظام الداخلي‪ ،‬ولكني أحسب أن في ما ذكرته الكفاية‪ .‬إن نواة‬
‫صغيرة متراصة تتألف من أتشد العمال ثقة وحنكة وتمرسا بالنضال‪ ،‬لها معتمدون في‬
‫المناطق الرئيسية وتتصل بمنظمة الثوريين على أساس مراعاة قواعد العمل السري بكل‬
‫يدقة‪ ،‬تستطيع تماما‪ ،‬استنايدا إلى أوسع تأييد من قبل الجمهور وبدون أي تشكل تنظيمي‪ ،‬أن‬
‫تقوم بجميع الوظائف الملقاة على المنظمة المهنية‪ ،‬وتستطيع فضل عن ذلك القيام بها على‬
‫وجه الضبط بالشكل الذي تريده التشتراكية‪-‬الديموقراطية‪ .‬هذا هو الطريق الوحيد الذي يمكن‬
‫من تعزيز وتطوير الحركة المهنية التشتراكية‪-‬الديموقراطية بالرغم من الدرك كله‪.‬‬
‫وسيعترضون علي بقولهم أن إلى حد أنها ل تتخذ لنفسها أي تشكل معين وأعضاءها غير‬
‫معروفين وغير ‪‬منظمة ‪ lose‬مسجلين‪ ،‬ل يمكن أن تسمى بمنظمة‪ - .‬ربما‪ .‬لست ممن‬
‫يهتمون بالسماء‪ .‬ولكن هذه "المنظمة بل أعضاء" ستقوم بكل ما يلزم وستؤمن منذ البدء‬
‫الصلة الوثقى بين تريديونيوناتنا المقبلة وبين التشتراكية‪ .‬وكل من يريد في ظل الستبدايد‬
‫منظمة عمال واسعة تنتخب هيئاتها على أساس القتراع العام وتقدم التقارير والخ‪ ،.‬فهو‬
‫بكل بساطة طوبوي ل يرجى له تشفاء‪ .‬والعبرة التي تستخلص من ذلك بسيطة‪ :‬إذا بدأنا‬
‫بتكوين منظمة ثوريين وطيدة قوية‪ ،‬استطعنا أن نضمن الستقرار للحركة بمجموعها‪،‬‬
‫استطعنا أن نبلغ الهداف التشتراكية‪-‬الديموقراطية والهداف التريديونيونية الصرف أيضا‪.‬‬
‫أما إذا بدأنا بتكوين منظمة عمال واسعة‪ ،‬منظمة ُيزعم أنها "أسهل منال" للجماهير )والواقع‬
‫أنها أسهل منال للدرك وأنها تجعل الثوريين أسهل منال للشرطة(‪ ،‬فإننا لن نبلغ ل هذه‬
‫‪50‬‬
‫الهداف ول تلك‪ ،‬ولن نتخلص من العمل الحرفي؛ بل إننا‪ ،‬بانقساماتنا وانهياراتنا الدائمة‪،‬‬
‫نجعل طراز تريديونيون زوباتوف أو أوزيروف أسهل منال للجماهير‪ .‬بم ينبغي أن تتلخص‬
‫وظائف منظمة الثوريين هذه؟ ‪ -‬سنتناول الن ذلك بالتفصيل‪ .‬ولكننا سنبدأ بتحليل آراء‬
‫نموذجية أخرى لصاحبنا الرهابي الذي يظهر مرة أخرى )ويا لسوء الطالع!( متاخما‬
‫"للقتصايدي"‪ .‬نجد في العديد ‪ 1‬من "سفوبويدا"‪ ،‬وهي مجلة للعمال‪ ،‬مقال تحت عنوان‬
‫"التنظيم"‪ ،‬يحاول كاتبه أن يدافع فيه عن معارفه من العمال "القتصايديين" في إيفانوفو‪-‬‬
‫فوزنيسينسك‪ .‬يقول‪" :‬ل خير في جموع صامتة‪ ،‬غير واعية‪ ،‬ل خير في حركة ل تأتي من‬
‫أسفل‪ .‬أنظروا‪ :‬عندما يعويد الطلب من مدينة جامعية إلى بيوتهم في أيام العيايد أو في‬
‫الصيف‪ ،‬تتوقف حركة العمال‪ .‬وهل يمكن لحركة عمال يدفعونها من خارجها أن تكون قوة‬
‫حقا؟ مطلقا… إنها لم تتعلم بعد المشي على قدميها ويسندونها كالطفال‪ .‬وهكذا في كل‬
‫تشيء‪ :‬يسافر الطلب فتقف الحركة‪ .‬يلتقطون الكثر كفاءة من الزبدة فيفسد الحليب‪.‬‬
‫يعتقلون "اللجنة" فيسويد السكون إلى أن تتألف لجنة جديدة؛ ومن يدري كيف تكون الجديدة‪،‬‬
‫فقد تختلف عن السابقة كل الختلف‪ :‬لجنة كانت تقول تشيئا والخرى ستقول العكس‪،‬‬
‫وتنقطع الصلة بين المس والغد‪ ،‬ول تعويد خبرة الماضي مفيدة للمستقبل‪ .‬وكل هذا من جراء‬
‫عدم وجويد جذور في العماق‪ ،‬في الجموع؛ كل هذا لن العمل ل يجري من قبل مئة من‬
‫الحمقى‪ ،‬بل من قبل يدستة من الذكياء‪ .‬سهل يدائما على الحوت أن يبتلع عشرة أتشخاص‪،‬‬
‫ولكن إذا ما تشملت المنظمة الجموع‪ ،‬إذا ما صدر كل تشيء عن الجموع‪ ،‬فليس في وسع أي‬
‫جهد أن يقضي على القضية" )ص ‪ .(63‬لقد وصفت الوقائع وصفا صايدقا‪ .‬فقد أعطى الكاتب‬
‫صورة ل بأس بها عن عملنا الحرفي‪ .‬ولكن الستنتاجات خليقة بـ"رابوتشايا ميسل" سواء من‬
‫حيث الغباء أم من حيث انعدام الذوق السياسي‪ .‬إنها الذروة في الغباء‪ ،‬إذ أن الكاتب يخلط‬
‫بين مسألة "جذور" الحركة "في العماق" ‪ -‬وهي مسألة فلسفية واجتماعية تاريخية‪ ،‬ومسألة‬
‫تحسين النضال ضد الدرك ‪ -‬وهي مسألة تكنيكية تنظيمية‪ .‬إنها الذروة من انعدام الذوق‬
‫السياسي لن الكاتب‪ ،‬بدل من أن يدعو إلى أن يحل القايدة الصالحون محل القايدة الريديئين‪،‬‬
‫يدعو إلى أن تحل "الجموع" محل القايدة عموما‪ .‬إن هذه محاولة تجرنا إلى الوراء في الميدان‬
‫التنظيمي‪ ،‬مثلما أن فكرة حلول الرهاب التهييجي محل التحريض السياسي تجرنا إلى الوراء‬
‫في الميدان السياسي‪ .‬وإني والحق يقال في ‪ embarras de richesses‬ل أيدري بما أبدأ‬
‫تحليل التشويش الذي أتحفتنا به "سفوبويدا"‪ ∗ .‬سأحاول البدء بضرب مثل للوضوح‪ .‬ولنأخذ‬
‫اللمان‪ .‬وآمل أنكم لن تنكروا أن المنظمة عندهم تشمل الجموع وأن كل تشيء يصدر عن‬
‫الجموع وأن حركة العمال قد تعلمت المشي على قدميها‪ .‬ولكن كم تحسن هذه الجموع‬
‫الغفيرة تقدير "الدستة" من قايدتها السياسيين المجربين‪ ،‬وبأية قوة تتمسك بهم! فكم من‬
‫مرة وقف نواب الحزاب المعايدية في البرلمان لزعاج التشتراكيين وقالوا‪" :‬ما أجملكم من‬
‫يديموقراطيين! حركتكم هي حركة الطبقة العاملة في مجال القول فحسب‪ ،‬ولكن في مجال‬
‫العمل تبرز على الدوام نفس الزمرة من القايدة‪ .‬طيلة السنين وعشرات السنين نرى بيبل ل‬
‫يحول ول يزول‪ ،‬نرى ليبكنخت ل يحول ول يزول‪ .‬إن نوابكم الذين تدعون أنهم منتخبو العمال‬
‫هم أثبت في مناصبهم من الموظفين الذين يعينهم المبراطور!" غير أن اللمان قد استقبلوا‬
‫ببسمة ازيدراء هذه المحاولت الديماغوجية التي تستهدف معارضة "الزعماء" بـ"الجموع"‪،‬‬
‫وإثارة غرائز الغرور الريديئة في الجموع‪ ،‬وحرمان الحركة متانتها وثباتها عن طريق تقويض‬
‫ثقة الجماهير بـ"يدستة الذكياء"‪ .‬لقد بلغ اللمان من تطور الفكر السياسي واكتسبوا من‬
‫الخبرة السياسية ما جعلهم يفهمون أنه يتعذر في المجتمع الراهن على كل طبقة من‬
‫الطبقات أن تناضل بثبات بدون "يدستة" من الزعماء النوابغ )والنوابغ ل يولدون بالمئات(‬
‫المجربين والمتفقين في الرأي أروع التفاق والمحضرين مهنيا والذين حنكتهم تجارب اليام‪.‬‬
‫لقد عرف اللمان في بيئتهم كذلك يديماغوجيين تملقوا "المئات من الحمقى" ورفعوهم فوق‬
‫"يدستات الذكياء"‪ ،‬تملقوا "قبضة" الجمهور "المفتولة العضل" مستثيرينه )على غرار موست‬
‫وهاسيلمان( إلى أعمال "ثورية" طائشة وباذرين الشك بالزعماء الرصينين الحازمين‪ .‬وما‬
‫كانت التشتراكية اللمانية لتتوطد وتنمو هذا النمو لول نضالها في الداخل نضال عنيدا ل‬
‫هوايدة فيه ضد جميع العناصر الديماغوجية على اختلفها‪ .‬أما حكماؤنا فإنهم‪ ،‬في هذا الظرف‬
‫الذي تفسر فيه كل أزمة التشتراكية‪-‬الديموقراطية الروسية بكون الجماهير المستيقظة‬
‫بصورة عفوية ل تجد قايدة على قدر كاف من الستعدايد والتطور والتجربة‪ ،‬يعلنون بعمق‬
‫‪51‬‬
‫تفكير الغبي‪" :‬ل خير في حركة ل تأتي من أسفل"! "لجنة الطلبة ل تصلح‪ ،‬إنها غير ثابتة"‪- .‬‬
‫هذا صحيح كل الصحة‪ .‬ولكن يستنتج منه أن المر يتطلب لجنة من ثوريين محترفين‪ ،‬من أناس‬
‫ينمون في أنفسهم صفات الثوري المحترف ول يهم بعد ذلك أن يكونوا عمال أو طلبا‪ .‬بينما‬
‫تستنتجون أنتم أنه ل ينبغي يدفع حركة العمال من خارجها! إنكم ل تلحظون‪ ،‬بسبب سذاجتكم‬
‫السياسية‪ ،‬أنكم تخدمون بذلك "اقتصايدييـ"نا وطريقتنا في العمل الحرفي‪ .‬واسمحوا لنا بأن‬
‫نسألكم‪ :‬بم تجلى "يدفع" طلبنا لعمالنا؟ المر الوحيد الذي تجلى فيه هذا الدفع هو كون‬
‫الطالب قد حمل للعامل تشذرات المعارف السياسية الموجويدة لديه وفتات الفكار التشتراكية‬
‫التي جمعها )لن طالب اليوم يجد غذاءه العقلي الرئيسي في الماركسية العلنية التي لم تكن‬
‫تستطيع أن تعطيه غير البجدية وغير الفتات(‪ .‬إن مثل هذا "الدفع من الخارج" بالذات لم يكن‬
‫في حركتنا بالكثير‪ ،‬بل بالعكس‪ ،‬لقد كان قليل جدا‪ ،‬قليل لحد مخجل ومشين‪ ،‬لننا أفرطنا في‬
‫النطواء على أنفسنا‪ ،‬أفرطنا في السجويد كالعبيد أمام "نضال العمال" البدائي "القتصايدي‬
‫ضد أصحاب العمال والحكومة"‪ .‬ومثل هذا "الدفع" بالذات ينبغي لنا نحن الثوريين المحترفين‬
‫أن ننصرف إليه وسننصرف إليه بجهويد مضاعفة مئة مرة‪ .‬بيد أنه‪ ،‬نظرا لوقوع اختياركم‬
‫بالضبط على هذا التعبير الشنيع‪" ،‬الدفع من الخارج"‪ ،‬هذا التعبير الذي يوحي للعامل حتما‬
‫)على القل للعامل المتأخر بمقدار تأخركم أنتم( عدم الثقة بجميع من يحملون إليه من‬
‫الخارج المعرفة السياسية والخبرة الثورية‪ ،‬ويثير فيه غريزة الرغبة في صد جميع أمثال هؤلء‬
‫الناس‪ ،‬نظرا لهذا الواقع بالضبط تكونون من الديماغوجيين‪ ،‬والديماغوجيون هم تشر أعداء‬
‫الطبقة العاملة‪ .‬نعم‪ ،‬نعم! ل تتسرعوا في رفع عقيرتكم بالعويل حول "أساليبي غير‬
‫الرفاقية" في الجدال! فليس في نيتي أن أتشك في صفاء طويتكم‪ .‬لقد سبق لي أن قلت أنه‬
‫يمكن أن يصبح المرء من الديماغوجيين لمجريد سذاجته السياسية‪ .‬ولكني برهنت أنكم هويتم‬
‫إلى يدرك الديماغوجية‪ .‬وسأكرر يدون كلل أن الديماغوجيين هم تشر أعداء الطبقة العاملة‪ .‬هم‬
‫بالضبط تشر أعداء الطبقة العاملة لنهم يثيرون في الجموع الغرائز السيئة‪ ،‬ولن العمال‬
‫المتأخرين ل يستطيعون تبين هؤلء العداء الذين يدعون أنهم أصدقاء لهم‪ ،‬ويدعون ذلك‬
‫أحيانا مخلصين‪ .‬هم تشر العداء إذ أنه‪ ،‬في مرحلة التبعثر والتريديد‪ ،‬في المرحلة التي ل تزال‬
‫فيها سيماء حركتنا في يدور التكوين‪ ،‬ليس أيسر من جذب الجموع عن طريق الديماغوجية فل‬
‫يقنعها فيما بعد بخطئها غير المحن المريرة‪ .‬ولذلك يجب على التشتراكي‪-‬الديموقراطي‬
‫الروسي اليوم أن يجعل تشعار الساعة النضال الحازم سواء ضد "سفوبويدا" التي تهوي إلى‬
‫يدرك الديماغوجية أو ضد "رابوتشييه يديلو" التي تهوي هي أيضا فيما يأتي من البحث(‪.‬‬
‫"اصطيايد يدستة ‪‬إلى يدرك الديماغوجية )المر الذي سنبينه بتفصيل أذكياء أسهل من اصطيايد‬
‫مئة أحمق"‪ .‬إن هذه الحقيقة الرائعة )التي تضمن لكم على الدوام التصفيق من مئة أحمق( ل‬
‫تبدوا جلية إل لنكم قد قفزتم في مجرى تفكيركم من مسألة إلى أخرى‪ .‬لقد بدأتم الحديث‬
‫وما زلتم تتحدثون عن اصطيايد "اللجنة"‪ ،‬عن اصطيايد "المنظمة"‪ ،‬وقد قفزتم الن إلى مسألة‬
‫اصطيايد "جذور" الحركة "في العماق"‪ .‬واضح أن حركتنا ل يمكن القبض عليها ولو بسبب أن‬
‫لها مئات ومئات اللوف من الجذور في العماق‪ .‬ولكن المسألة ليست هنا‪ .‬فحتى في الوقت‬
‫الحاضر‪ ،‬وبالرغم من كل طريقتنا الحرفية في العمل‪ ،‬يتعذر "اصطيايد"نا بمعنى اصطيايد‬
‫"جذورنا في العماق"؛ ولكننا جميعا نشكو مع ذلك‪ ،‬ول بد لنا أن نشكو من هذا القبض على‬
‫"المنظمات" الذي يقوض كل استمرارية في الحركة‪ .‬أما إذا طرحتم مسألة القبض على‬
‫المنظمات يدون أن تحيدوا عنها‪ ،‬فإني أقول لكم أن القبض على يدستة من الذكياء أصعب جدا‬
‫من القبض على مئة أحمق‪ .‬وسأيدافع عن هذا الرأي مهما أّلبتم علي الجموع بسبب موقفي‬
‫"المعايدي للديموقراطية" الخ‪ ..‬ينبغي لنا أن نفهم من تعبير "الذكياء" في الميدان التنظيمي‬
‫‪ -‬كما أتشرت غير مرة ‪ -‬الثوريين المحترفين فقط‪ ،‬سواء ظهروا من بين الطلب أو العمال‪،‬‬
‫فل فرق‪ .‬وها أنا ذا أجزم بأنه‪ (1 :‬ل يمكن أن توجد أية حركة ثورية وطيدة بدون منظمة من‬
‫القايدة ثابتة تحافظ على الستمرارية؛ ‪ (2‬بمقدار ما يتسع الجمهور الذي ينهض بصورة عفوية‬
‫إلى النضال والذي يؤلف قاعدة الحركة ويساهم فيها‪ ،‬تشتد الحاجة إلى مثل هذه المنظمة‬
‫وينبغي لها أن تكون أوطد )وإل سهل بنفس المقدار على كل يديماغوجي التغرير بفئات‬
‫الجمهور المتأخرة(؛ ‪ (3‬ينبغي لهذه المنظمة أن تتألف بصورة رئيسية من أناس يجعلون من‬
‫النشاط الثوري مهنة لهم؛ ‪ (4‬بمقدار ما نضيق‪ ،‬في بليد يسويدها الستبدايد‪ ،‬قوام أعضاء هذه‬
‫المنظمة بحيث ل يشترك فيها غير التشخاص الذين جعلوا من النشاط الثوري مهنة لهم‬
‫‪52‬‬
‫والذين تدربوا تدريبا مهنيا على فن النضال ضد الشرطة السياسية‪ ،‬تزيدايد صعوبة "اصطيايد"‬
‫هذه المنظمة و ‪ (5‬يزيدايد عديد أبناء الطبقة العاملة والطبقات الجتماعية الخرى الذين تتاح‬
‫لهم إمكانية التشتراك في الحركة والعمل النشيط فيها‪ .‬إني أطلب أن يدحضوا هذه ‪‬إلى‬
‫أصحابنا "القتصايديين" والرهابيين و"القتصايديين‪-‬الرهابيين" الصيغ التي لن أتناول منها‬
‫الن غير الصيغتين الخيرتين‪ .‬إن مسألة ما إذا كان القبض على "يدستة من الذكياء" أسهل‬
‫من القبض على "مئة من الحمقى" تؤول إلى المسألة التي حللناها‪ :‬هل المنظمة الجماهيرية‬
‫ممكنة مع ضرورة المراعاة الدقيقة لقواعد العمل السري؟ لن نستطيع بحال من الحوال أن‬
‫نرفع منظمة واسعة إلى ذلك المستوى من السرية الذي ل يمكن بدونه حتى الحديث عن‬
‫نضال ضد الحكومة له صفة الثبات والستمرارية‪ .‬إن تركيز جميع الوظائف السرية في أيدي‬
‫أقل عديد ممكن من الثوريين المحترفين ل يعني قط أن هؤلء "سيفكرون عوضا عن الجميع"‬
‫وأن الجموع لن تساهم في الحركة بنشاط‪ .‬بل بالعكس‪ ،‬فإن الجموع ستبرز هؤلء الثوريين‬
‫المحترفين بعديد يتزايد باستمرار‪ ،‬لن الجموع ستعرف عندئذ أنه ل يكفي أن يجتمع عديد من‬
‫الطلب والعمال القائمين بالنضال القتصايدي ويشكلوا "اللجنة"‪ ،‬إنما ينبغي للجموع أن تنفق‬
‫السنين على تنشئة ثوريين محترفين من صلبها‪ ،‬وسينصرف "تفكير"ها إلى هذه التنشئة‬
‫بالذات‪ ،‬ل إلى العمل الحرفي وحده‪ .‬إن تركيز الوظائف السرية للمنظمة ل يعني إطلقا‬
‫تركيز جميع وظائف الحركة‪ .‬فاتشتراك أوسع الجماهير اتشتراكا نشيطا في المنشورات‬
‫السرية ل يقل من جراء تركيز "يدستة" من الثوريين المحترفين للوظائف السرية في هذا‬
‫العمل‪ ،‬بل‪ ،‬بالعكس‪ ،‬يزيدايد أضعافا مضاعفة‪ .‬ليس من طريق غير هذا الطريق يوصلنا إلى‬
‫جعل أمر قراءة المنشورات السرية والمساهمة في تحريرها وحتى أمر توزيعها إلى حد معين‬
‫تكف تقريبا عن أن تكون أمرا سريا‪ ،‬لن الشرطة ل تلبث أن تفهم أن من الحماقة‬
‫والمستحيل اللجوء إلى الجراءات القضائية واليدارية بصديد كل نسخة من ألوف النسخ‬
‫الموزعة‪ .‬ول ينطبق ذلك على الصحافة وحسب‪ ،‬إنما ينطبق أيضا على جميع وظائف الحركة‬
‫بما في ذلك المظاهرات‪ .‬فاتشتراك الجمهور في المظاهرة أنشط اتشتراك وأوسعه‪ ،‬عدا أنه ل‬
‫يصاب بأي ضرر‪ ،‬يستفيد جدا إذا ما قامت "يدستة" من الثوريين المجربين والمدربين تدريبا‬
‫مهنيا ل يقل عن تدريب الشرطة عندنا بتركيز جميع النواحي السرية في العمل ‪ -‬تحضير‬
‫المناتشير‪ ،‬وضع مشروع تقريبي‪ ،‬تعيين هيئة قيايدة لكل حي من أحياء المدينة‪ ،‬ولكل منطقة‬
‫من مناطق المعامل ولكل مدرسة الخ‪) .‬أعلم أنهم سيعترضون علي بأن نظراتي "غير‬
‫يديموقراطية"‪ ،‬ولكني سأجيب بالتفصيل على هذا العتراض الخرق تماما فيما يأتي من‬
‫البحث(‪ .‬إن تركيز منظمة الثوريين لكثر الوظائف سرية ل يضعف‪ ،‬إنما يزيد سعة ومضمون‬
‫نشاط مجموعة كبرى من المنظمات الخرى المعدة للجمهور الواسع والتي تخلو بسبب ذلك‬
‫لقصى حد ممكن من الشكل التنظيمي والسرية‪ :‬كنقابات العمال‪ ،‬وحلقات العمال للدراسة‬
‫ولقراءة المنشورات السرية‪ ،‬والحلقات التشتراكية وكذلك الحلقات الديموقراطية بين جميع‬
‫فئات السكان الخرى‪ ،‬الخ‪ ،.‬الخ‪ ..‬إن هذه الحلقات والنقابات والمنظمات ضرورية في كل‬
‫مكان‪ ،‬وبأكبر عديد ممكن وبوظائف متنوعة ما أمكن؛ ولكن من خطل الرأي ومن الضرر أن‬
‫نخلط بينها وبين منظمة الثوريين وأن نطمس الحد الفاصل بين هذه المنظمات ومنظمة‬
‫الثوريين وأن نطفئ في الجمهور نور اليدراك الذي سبق له وخبا إلى حد ل يصدق‪ ،‬اليدراك‬
‫بأن الحركة الجماهيرية تحتاج "لخدمتها" إلى أناس يكرسون أنفسهم خصيصا وكليا للنشاط‬
‫التشتراكي‪-‬الديموقراطي‪ ،‬وأنه ينبغي لهؤلء الناس أن يربوا من أنفسهم بصبر ومثابرة‬
‫ثوريين محترفين‪ .‬أجل لقد خبا هذا اليدراك لدرجة يصعب تصورها‪ .‬والخطيئة الرئيسية التي‬
‫اقترفناها في ميدان التنظيم هي كوننا‪ ،‬بعملنا الحرفي‪ ،‬قد أسأنا إلى سمعة الثوري في‬
‫روسيا‪ .‬ثوري ضيق الفق‪ ،‬ضعيف ومتريديد في القضايا النظرية‪ ،‬يجعل من عفوية الجماهير‬
‫مبررا ً لرخاوته‪ ،‬أتشبه بسكرتير تريديونيون منه إلى خطيب تشعبي‪ ،‬غير كفء لعرض برنامج‬
‫واسع جريء ينتزع احترام الخصوم أنفسهم‪ ،‬قليل الخبرة وأخرق في الفن الذي اتخذه لنفسه‬
‫مهنة ‪ -‬النضال ضد الشرطة السياسية‪ -،‬هل هذا هو الثوري من فضلكم! ل‪ ،‬إن هذا حرفي‬
‫يستحق الشفقة‪ .‬أرجو أل يعتب علي أحد من المشتغلين في الميدان العملي لهذه الكلمة‬
‫الخشنة‪ ،‬إذ أني أنسبها لنفسي قبل كل تشيء ما يدمنا نتحدث عن قلة الستعدايد‪ .‬لقد عملت‬
‫في حلقة)‪ (91‬وضعت نصب عينيها أهدافا واسعة تشاملة‪ ،‬وقد تشعرنا جميعنا نحن أعضاء هذه‬
‫الحلقة باللم يحز في قلوبنا إذ أيدركنا أننا حرفيون في ظرف تاريخي يمكننا أن نقول فيه مع‬
‫‪53‬‬
‫بعض التغيير لعبارة من العبارات الشائعة‪ :‬أعطونا منظمة من الثوريين‪ ،‬نقلب روسيا رأسا‬
‫على عقب! وبمقدار ما وجب علي منذ ذلك الحين أن أتذكر تشعور الخجل الممض الذي كان‬
‫يحز في نفسي آنذاك‪ ،‬كانت تمتلئ نفسي بالمرارة ضد أولئك التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين‬
‫المزيفين الذين "يهينون لقب الثوري" بدعايتهم‪ ،‬والذين ل يفهمون أن واجبنا ليس الدفاع‬
‫عن الهبوط بالثوري إلى مستوى الحرفي‪ ،‬بل رفع الحرفيين إلى مستوى الثوريين‪.‬‬

‫يد( سعة العمل التنظيمي‬

‫سمعنا فيما تقدم من ب‪-‬ف عن "نقص القوى الثورية القايدرة على العمل‪ ،‬النقص الذي يشعر‬
‫بوجويده في جميع أنحاء روسيا‪ ،‬ل في بطرسبورغ وحدها"‪ .‬ول أحسب أن هنالك أحدا ً يعارض‬
‫هذا الواقع ولكن القضية في كيفية تفسيره‪ .‬يقول ب‪-‬ف‪" :‬لن نأخذ في تبيان السباب‬
‫التاريخية لهذه الظاهرة؛ حسبنا أن نقول أن المجتمع‪ ،‬وقد أضعفت معنوياته رجعية سياسية‬
‫استمرت طويل وجزأته التغيرات القتصايدية التي جرت ول تزال تجري فيه‪ ،‬ل يقدم من‬
‫صفوفه غير عديد محدويد جدا من التشخاص الصالحين للعمل الثوري‪ ،‬وأن نقول أن الطبقة‬
‫العاملة بتقديمها عمال ثوريين‪ ،‬تكمل جزئيا صفوف المنظمات السرية؛ ولكن عديد هؤلء‬
‫الثوريين ل يفي بمتطلبات الزمن‪ .‬وهذا صحيح ل سيما وأن العامل المشغول في المعمل‬
‫‪ 111/2‬ساعة كل يوم ل يمكنه بحكم وضعه أن يقوم بصورة رئيسية بغير وظيفة التحريض‪ .‬أما‬
‫وظائف الدعاية والتنظيم وإنتاج المنشورات السرية وإرسالها‪ ،‬وإصدار المناتشير‪ ،‬الخ‪ ،.‬فيقع‬
‫ثقلها الكبر بالضرورة على كواهل عديد قليل جدا من المثقفين" )"رابوتشييه يديلو"‪ ،‬العديد ‪،6‬‬
‫ص ‪ .(39-38‬نحن نوافق بـ‪ -‬ف على رأيه هذا في نقاط كثيرة ول نوافقه بوجه خاص على‬
‫الكلمات التي طبعناها بالحرف العريض والتي تظهر بجلء خاص أن بـ‪ -‬ف‪ ،‬وقد عانى الكثير‬
‫من اللم )تشأن كل من مارس النشاط العملي وكان مفكرا إلى حد ما( بسبب عملنا الحرفي‪،‬‬
‫ل يستطيع‪ ،‬لوجويده تحت ضغط "القتصايدية"‪ ،‬تحسس مخرج من الوضع الذي ل يطاق‪ .‬ل‪ ،‬إن‬
‫المجتمع يقدم من صفوفه عديدا كبيرا جدا من التشخاص الكفاء "للعمل"‪ ،‬ولكننا ل نحسن‬
‫الستفايدة منهم جميعا‪ .‬إن وضع حركتنا الحرج‪ ،‬وضعها النتقالي‪ ،‬يمكن إجماله من هذه‬
‫الناحية كما يلي‪ :‬ل يوجد ناس‪ -‬وتوجد كثرة من الناس‪ .‬كثرة من الناس لن الطبقة العاملة‬
‫وفئات من المجتمع متزايدة التنوع‪ ،‬تقدم من سنة لخرى عديدا متعاظما من الساخطين‬
‫الراغبين في الحتجاج والمستعدين للمساهمة على قدر الطاقة في النضال ضد الستبدايد‬
‫الذي لم يدرك الجميع بعد أنه غدا ل يطاق ولكن يحس به مع ذلك جمهور كبير يتعاظم‬
‫باستمرار إحساسا يشتد باطرايد‪ .‬وفي الوقت نفسه ل يوجد ناس‪ ،‬وذلك لعدم وجويد قايدة‪،‬‬
‫لعدم وجويد زعماء سياسيين‪ ،‬لعدم وجويد منظمين موهوبين أكفاء لتنظيم عمل واسع‪ ،‬وفي‬
‫الوقت نفسه موحد ومنسجم‪ ،‬يسمح بالستفايدة من كل القوى‪ ،‬حتى أضعفها‪ .‬إن "نمو وتطور‬
‫المنظمات الثورية" ل يتأخران عن نمو حركة العمال وحسب‪ ،‬وهو المر الذي يعترف به ب‪ -‬ف‬
‫أيضا‪ ،‬بل يتأخران كذلك عن نمو الحركة الديموقراطية العامة في جميع فئات الشعب )إل أنه‬
‫من المحتمل أن يعتقد ب ـ ف اليوم أن هذا أيضا تتمة لستنتاجه(‪ .‬إن نطاق العمل الثوري‬
‫ضيق جدا بالقياس إلى سعة أساس الحركة العفوي‪ ،‬مضغوط جدا بالنظرية الفقيرة القائلة‬
‫بـ"النضال القتصايدي ضد أصحاب العمال والحكومة"‪ .‬هذا في حين أن "التوجه إلى جميع‬
‫طبقات السكان"• ليس اليوم واجب المحرضين السياسيين وحدهم‪ ،‬إنما هو كذلك واجب‬
‫المنظمين التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين‪ .‬ول أحسب أن أحدا ً من المشتغلين في الميدان‬
‫العمل يشك بأنه يمكن للتشتراكيين‪-‬الديموقراطيين أن يوزعوا اللوف من الوظائف الجزئية‬
‫في عملهم التنظيمي بين بعض ممثلي مختلف الطبقات‪ .‬فانعدام التخصص‪ - ،‬المر الذي‬
‫يشكو منه ب ‪ -‬ف بمرارة وبملء حق‪ -‬هو نقص من أكبر النواقص في تكنيكنا‪ .‬وبمقدار ما‬
‫تصغر مختلف "عمليات" العمل المشترك‪ ،‬تزيدايد إمكانية إيجايد التشخاص القايدرين على القيام‬
‫بهذه العمليات )وغير القايدرين بتاتا في معظم الحالت على أن يصبحوا ثوريين محترفين(‪،‬‬
‫وتزيدايد بالنسبة إلى الشرطة صعوبة "اصطيايد" جميع هؤلء "القائمين بالجزئيات" وصعوبة‬
‫تلفيق "قضية" تبرر نفقات الدولة على "المن العام" من أجل القبض على تشخص وهو يقوم‬
‫بعمل تافه‪ .‬أما فيما يخص عديد المستعدين لمساعدتنا‪ ،‬فقد سبق لنا أن أتشرنا في الفصل‬
‫السابق إلى التغيرات الكبرى التي وقعت في هذا الحقل منذ نحو خمس سنوات على الكثر‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫ولكن‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬لكي نوحد جميع هذه الجزاء الصغيرة في كل واحد‪ ،‬ولكيل تؤيدي تجربة‬
‫وظائف الحركة إلى تجزئة الحركة نفسها‪ ،‬ولكي نوحي إلى القائم بالوظائف الجزئية اليمان‬
‫بضرورة وأهمية عمله‪ ،‬اليمان الذي لن يعمل أبدا ‪ -‬لكل هذا يتطلب المر على وجه الدقة‬
‫منظمة قوية من الثوريين المجربين‪ .‬وفي ‪‬بدونه حالة وجويد هذه المنظمة يشتد اليمان بقوة‬
‫الحزب ويتسع بمقدار مراعاة هذه المنظمة لقواعد العمل السري‪ .‬فمن المعروف أن أحد‬
‫المور الهامة منتهى الهمية في الحرب هو أن تشيع اليمان بقواك ل في جيشك وحسب‪ ،‬بل‬
‫في العدو وفي جميع العناصر المحايدة أيضا؛ فالحيايد مع التحبيذ يقرر في بعض الحيان نتيجة‬
‫المعركة‪ .‬وفي حالة وجويد منظمة كهذه تقف على قاعدة نظرية وطيدة وتحت تصرفها جريدة‬
‫اتشتراكية‪-‬يديموقراطية‪ ،‬ل يخشى على الحركة من أن تخرجها عن طريقها العناصر "الخارجية"‬
‫الكثيرة المنجذبة إليها )بالعكس‪ ،‬نلحظ الن بالضبط‪ ،‬في ظل العمل الحرفي‪ ،‬كيف ُيجّر‬
‫كثيرون من التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين في خط "‪ "Credo‬حاسبين أنهم وحدهم‬
‫التشتراكيون‪-‬الديموقراطيون(‪ .‬وباختصار‪ ،‬إن التخصص يفترض بالضرورة التمركز ويتطلبه‬
‫كأمر ل بد منه‪ .‬ولكن ب ‪ -‬ف نفسه‪ ،‬الذي بين بصورة رائعة ضرورة التخصص‪ ،‬ل يقدره حسب‬
‫رأينا التقدير الكافي في القسم الثاني من المقطع الذي أثبتناه‪ .‬إنه يقول أن عديد الثوريين‬
‫المنبثقين من العمال غير كاف‪ .‬وهذا صحيح كل الصحة؛ ونحن نؤكد مرة أخرى أن "هذا النبأ‬
‫القيم من مراقب عن كثب" يثبت بصورة تامة صحة نظرتنا عن أسباب الزمة الراهنة في‬
‫التشتراكية‪-‬الديموقراطية‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬عن وسائل الخروج منها‪ .‬فالقضية ل تقتصر على تأخر‬
‫الثوريين بوجه عام عن مجاراة نهوض الجماهير العفوي‪ :‬فالعمال الثوريون متأخرون هم أيضا‬
‫عن مجاراة نهوض جماهير العمال العفوي‪ .‬وهذا الواقع يثبت بكل جلء‪ ،‬حتى من وجهة النظر‬
‫"العملية"‪ ،‬خطل "التربية" التي يكثرون من تقديمها لنا عند بحث مسألة واجباتنا حيال العمال‬
‫كما يثبت فضل عن ذلك طابعها السياسي الرجعي‪ .‬فهذا الواقع يدل على أن واجبنا الول‪،‬‬
‫الواجب الذي يفرض نفسه فرضا‪ ،‬هو المساعدة على تنشئة ثوريين عمال يقفون على صعيد‬
‫واحد مع الثوريين المثقفين من وجهة نظر النشاط الحزبي )ونحن نكتب بحرف عريض‬
‫كلمات‪ :‬من وجهة نظر النشاط الحزبي‪ ،‬لن بلوغ العمال هذا المستوى من وجهات النظر‬
‫الخرى أمر أقل سهولة بكثير وأقل إلحاحا بكثير وإن كان ضروريا(‪ .‬ولذلك يجب علينا أن نضع‬
‫نصب عيوننا بصورة رئيسية رفع العمال إلى مستوى الثوريين‪ ،‬ل الهبوط حتما بأنفسنا نحن‬
‫إلى مستوى "جماهير العمال" كما يريد القتصايديون"‪ ،‬أو حتما إلى مستوى "العامل‬
‫المتوسط" كما تريد "سفوبويدا" )التي ترتفع في هذا الصديد إلى الدرجة الثانية من "التربية"‬
‫القتصايدية(‪ .‬لم يخطر لي قط أن أنكر ضرورة إصدار منشورات للعمال بلغة مبسطة وضرورة‬
‫إصدار منشورات أخرى بلغة مبسطة جدا )على أن ل تكون مبتذلة طبعا( للعمال المتأخرين‬
‫جدا‪ .‬ولكن ما يثيرني هو هذا الميل الدائم إلى لصق التربية بقضايا السياسة وقضايا التنظيم‪.‬‬
‫فأنتم أيها السايدة الوصياء على "العامل المتوسط" تهينون العامل في جوهر المر برغبتكم‬
‫الدائمة في النحناء إزاءه قبل أن تتحدثوا إليه عن السياسة العمالية والمنظمة العمالية‪.‬‬
‫ارفعوا رؤوسكم إذن لتتحدثوا عن المور الجدية ويدعوا التربية للمربين‪ ،‬ل للسياسيين‬
‫والمنظمين! أل يوجد بين المثقفين أيضا مبرزون و"متوسطون" و"جمهور"؟ أل يعترف‬
‫الجميع بضرورة إصدار منشورات بلغة مبسطة للمثقفين أيضا‪ ،‬أول تكتب مثل هذه‬
‫المنشورات؟ تصوروا أن كاتبا كتب مقال عن منظمة الطلبة الجامعيين أو الثانويين وأخذ يجتر‬
‫بلهجة من اكتشف اكتشافا عظيما ويقول أن أول ما يجب هو إيجايد منظمة "للطلبة‬
‫المتوسطين"‪ .‬أكبر الظن أن الناس سيسخرون من هذا الكاتب بحق كامل‪ .‬وسيقولون له‪ :‬إن‬
‫كانت لديك أفكار تنظيمية فهاتها‪ ،‬واتركنا نقرر حينذاك بأنفسنا من منا "المتوسط" ومن منا‬
‫العلى ومن منا اليدنى‪ .‬أما إذا كان وفاضك خاليا من الفكار التنظيمية الخاصة بك‪ ،‬فاعلم أن‬
‫جميع محاولتك العقيمة عما يخص "الجمهور" و"المتوسطين" تبدو مجريد لغو ممل‪ .‬اعرف‪،‬‬
‫إذن‪ ،‬أن قضايا "السياسة" و"التنظيم" هي بحد ذاتها قضايا خطيرة بحيث ل يجوز الكلم عنها‬
‫إل بجدية كاملة‪ :‬يمكن ويجب إعدايد العمال )والطلبة الجامعيين والثانويين( لكي يصبح‬
‫بالمكان الحديث معهم عن هذه المسائل؛ ولكن‪ ،‬ما يدمت قد تشرعت بالحديث‪ ،‬فأعط الجوبة‬
‫الحقيقية‪ ،‬ول تتقهقر تشطر "المتوسطين" أو تشطر "الجمهور"‪ ،‬ول تحاول التملص بعبارات ‪.‬‬
‫إن العامل الثوري‪ ،‬لكي يكون على استعدايد تام للقيام بمهمته‪ ،‬ينبغي له هو ‪‬أو نكات أيضا أن‬
‫يصبح ثوريا محترفا‪ .‬ولذا كان ب ‪ -‬ف على غير صواب إذ يقول أنه لما كان العامل مشغول في‬
‫‪55‬‬
‫المعمل ‪ 111/2‬ساعة فإن سائر الوظائف الثورية الخرى )عدا التحريض( "يقع ثقلها الكبر‬
‫بالضرورة على كواهل عديد قليل جدا من المثقفين"‪ .‬كل‪ ،‬ليس ذلك إطلقا "بالضرورة"‪ ،‬بل‬
‫بحكم تأخرنا‪ :‬إن ذلك يحدث لننا ل ندرك أننا ملزمون بمساعدة كل عامل موهوب على التحول‬
‫إلى محترف في الدعاية والتحريض وفي التنظيم والتوزيع الخ‪ ،.‬الخ‪ ..‬فنحن‪ ،‬من هذه الناحية‪،‬‬
‫نبديد قوانا بصورة مشينة تماما‪ ،‬ول نحسن صيانة ما ينبغي لنا أن ننميه وننشئه بكل عناية‪.‬‬
‫أنظروا إلى اللمان‪ :‬قواهم أكثر من قوانا بمئة مرة‪ ،‬ولكنهم يعرفون خير المعرفة أن صفوف‬
‫"المتوسطين" ل تقدم إطلقا في كثير جدا من الحالت محرضين أكفاء حقا‪ .‬ولذلك يسعون‬
‫لكي يضعوا على الفور كل عامل موهوب في ظروف تضمن تفتح مواهبه على أحسن وجه‬
‫والستفايدة منه على أحسن وجه‪ :‬يجعلون منه محرضا محترفا ويشجعونه على توسيع ميدان‬
‫نشاطه وجعله يتجاوز حدويد المعمل ليشمل المهنة كلها‪ ،‬ويتجاوز حدويد المنطقة ليشمل البليد‬
‫كلها‪ .‬فيحصل هذا العامل على الخبرة وعلى المهارة في مهنته ويوسع أفقه ومعارفه‪ ،‬ويتتبع‬
‫عن كثب البارزين من الزعماء السياسيين في المناطق الخرى والحزاب الخرى‪ ،‬ويسعى‬
‫للرتفاع إلى هذا المستوى ويعمل ليجمع في نفسه معرفة البيئة العمالية وطراوة العقائد‬
‫التشتراكية مع التدريب المهني الذي ل يمكن للبروليتاريا بدونه أن تقوم بنضال عنيد ضد‬
‫أعدائها المدربين على خير وجه‪ .‬بهذا الشكل‪ ،‬وبهذا الشكل وحده ينبثق من جمهور العمال‬
‫أمثال بيبل وآوير‪ .‬ولكن ما يجري إلى حد كبير من تلقاء نفسه في بليد تتمتع بالحرية‬
‫السياسية‪ ،‬ينبغي أن يحقق عندنا بصورة منتظمة من فبل منظماتنا‪ .‬إن المحرض العامل ل‬
‫ينبغي أن يعمل في المعمل إحدى عشرة ساعة‪ ،‬إذا كان موهوبا و"باعثا للمال" ولو إلى حد‬
‫ضئيل‪ .‬ينبغي لنا أن نبذل جهدنا لكي يعيش على نفقة الحزب‪ ،‬لكي ينتقل إلى السرية في‬
‫الوقت الملئم‪ ،‬لكي يغير مكان نشاطه‪ ،‬إذ أنه إن لم يفعل ذلك ل يمكنه أن يكتسب خبرة‬
‫كبيرة وأن يوسع أفقه وأن يصمد عدة سنوات على القل في النضال ضد الدرك‪ .‬وكلما اتسع‬
‫نهوض جماهير العمال العفوي وازيدايد عمقا‪ ،‬يبرز من صفوفها عديد أكبر ل من الموهوبين في‬
‫التحريض وحسب‪ ،‬بل من الموهوبين كذلك في التنظيم وفي الدعاية ومن "المشتغلين في‬
‫الميدان العملي"‪ ،‬بمعنى الكلمة الحسن )القلئل جدا عندنا بين مثقفينا الذين هم في‬
‫معظمهم على تشيء من الرخاوة والجمويد الروسيين(‪ .‬وعندما تصبح لدينا فصائل من الثوريين‬
‫العمال المعدين إعدايدا خاصا والذين اجتازوا مدرسة نضال طويل )والختصاصيين طبعا في‬
‫"جميع السلحة"( عندئذ ل يمكن لية تشرطة سياسية في العالم أن تتغلب على هذه الفصائل‪،‬‬
‫لن هذه الفصائل المؤلفة من أناس مخلصين للثورة منتهى الخلص ستتمتع أيضا بثقة ل حد‬
‫لها بين أوسع جماهير العمال‪ .‬وخطأنا الكيد هو كوننا قلما "ندفع" العمال إلى هذه الطريق‬
‫المشتركة بينهم وبين "المثقفين"‪ ،‬طريق التدريب الثوري المهني‪ ،‬ونكثر من جرهم إلى‬
‫الوراء بخطاباتنا البليدة عما هو "في متناول" جماهير العمال و"العمال المتوسطين"‪ ،‬الخ‪..‬‬
‫إن ضيق نطاق العمل التنظيمي هو من هذه الناحية‪ ،‬كما في النواحي الخرى‪ ،‬على صلة ل‬
‫تنفصم عراها ول تشك فيها بتضييق نظريتنا ومهامنا السياسية )وإن كانت الغلبية الساحقة‬
‫من "القتصايديين" والمشتغلين في الميدان العملي المبتدئين ل يعون هذه الصلة(‪ .‬فتقديس‬
‫العفوية يبعث فينا الخوف من أن نحيد ولو خطوة عما هو "في متناول" الجمهور‪ ،‬الخوف من‬
‫أن نرتفع جدا عن مجريد إرضاء حاجاته الحالية المباتشرة‪ .‬ل تخافوا‪ ،‬أيها السايدة! تذكروا أن‬
‫مستوانا التنظيمي على يدرجة من النحطاط بحيث أن من السخف مجريد التفكير بأننا نستطيع‬
‫الرتفاع أكثر من اللزم!‬

‫هـ( المنظمة "التآمرية" و"الروح الديموقراطية"‬

‫وهذا بالذات ما يخافه منتهى الخوف أناس كثيرون جدا بيننا‪ ،‬مرهفو السمع "لصوت الحياة"‬
‫إلى حد هذا الخوف‪ ،‬وهم يتهمون الذين يتمسكون بالنظرات المعروضة هنا بالسير على خطى‬
‫"نارويدنايا فوليا" وبعدم فهم "الروح الديموقراطية"‪ ،‬الخ‪ ..‬وينبغي لنا أن نقف عند هذه‬
‫التهامات التي كانت "رابوتشييه يديلو" طبعا من مريديديها‪ .‬إن كاتب هذه السطر يعلم حق‬
‫العلم أن "القتصايديين" في بطرسبورغ قد اتهموا "رابوتشايا غازيتا" كذلك بالسير على‬
‫خطى "نارويدنايا فوليا" )وهو أمر ل يستغرب إذا ما قورنت بـ"رابوتشايا ميسل"(‪ .‬ولذلك لم‬
‫نستغرب أبدا عندما بلغنا أحد الرفاق فور صدور "اليسكرا" أن التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين‬
‫‪56‬‬
‫في مدينة معينة يصفون "اليسكرا" بأنها جريدة جماعة "نارويدنايا فوليا"‪ .‬وغني عن القول‬
‫أننا لم نر في هذا التهام غير نوع من المديح؛ فهل وجد اتشتراكي‪-‬يديموقراطي جدير بهذا‬
‫السم لم يتهمه "القتصايديون" بالسير على خطى "نارويدنايا فوليا"؟ إن هذه التهامات ناتشئة‬
‫عن سوء تفاهم مزيدوج‪ .‬الول أن تاريخ الحركة الثورية مجهول عندنا لدرجة تنسب معها إلى‬
‫جماعة "نارويدنايا فوليا" كل فكرة عن منظمة كفاح متمركزة تعلن الحرب بحزم على‬
‫القيصرية‪ .‬ولكن تلك المنظمة الرائعة التي كانت لدى الثوريين في العقد الثامن والتي ينبغي‬
‫لها أن تكون نموذجا نحتذيه جميعا‪ ،‬لم تؤسسها جماعة "نارويدنايا فوليا"‪ ،‬بل أسستها جماعة‬
‫"زيمليا إي فوليا")‪ (92‬التي انشقت فيما بعد إلى جماعة "نشيورني بيريديل" و جماعة‬
‫"نارويدنايا فوليا"‪ .‬فمن الحماقة إذن من وجهتي النظر التاريخية والمنطقية أن نرى في‬
‫منظمة الكفاح الثورية سمة من السمات التي اختصت بها جماعة "نارويدنايا فوليا"‪ ،‬لن كل‬
‫اتجاه ثوري‪ ،‬تشرط أن يستهدف فعل القيام بنضال جدي‪ ،‬ل يمكنه أن يستغني عن مثل هذه‬
‫المنظمة‪ .‬فجماعة "نارويدنايا فوليا" لم تخطئ إذ يدأبت على أن تجذب إلى منظمتها جميع‬
‫الساخطين وعلى أن توجه هذه المنظمة إلى النضال الحازم ضد الحكم المطلق‪ ،‬بل إنما كان‬
‫ذلك‪ ،‬بالعكس‪ ،‬مأثرتها التاريخية العظمى‪ .‬لقد كان خطأ هذه الجماعة أنها استندت إلى نظرية‬
‫ليست في الجوهر بثورية أصل‪ ،‬وأنها لم تعرف أو لم تستطع ربط حركتها ربطا وثيقا بالنضال‬
‫الطبقي يداخل المجتمع الرأسمالي المتطور‪ .‬إن الرأي القائل بأن نشوء حركة العمال‬
‫الجماهيرية العفوية يخلصنا من واجب تأسيس منظمة ثوريين جيدة كالمنظمة التي أسستها‬
‫جماعة "زيمليا إي فوليا"‪ ،‬بل تفضلها جدا‪ ،‬ل يمكن أن ينبثق إل على أساس عدم فهم‬
‫للماركسية فظ إلى أبعد حدويد الفظاظة )أو على أساس "فهمـ"ـها على نمط "الستروفية"(‪.‬‬
‫بالعكس‪ ،‬إن هذه الحركة تفرض علينا بالذات هذا الواجب‪ ،‬لن نضال البروليتاريا العفوي ل‬
‫يصبح "نضال طبقيا" حقا للبروليتاريا إل عندما توجهه منظمة ثوريين قوية‪ .‬الثاني أن هناك‬
‫كثيرين‪ ،‬ومنهم ب‪ .‬كريتشيفسكي على ما يبدو )"رابوتشييه يديلو"‪ ،‬العديد ‪ ،10‬ص ‪ ،(18‬ل‬
‫يفهمون على الوجه الصحيح ذلك الجدال الذي خاضه التشتراكيون‪-‬الديموقراطيون على‬
‫الدوام ضد المفهوم "التآمري" للنضال السياسي‪ .‬لقد وقفنا وسنقف على الدوام طبعا في‬
‫وجه حصر النضال السياسي في نطاق التآمر•‪ ،‬ولكن ذلك لم يعلن على الطلق أننا ننكر‬
‫ضرورة وجويد منظمة ثورية قوية‪ .‬ففي الكراس المشار إليه في الملحظة‪ ،‬مثل‪ ،‬قد أعطينا‪،‬‬
‫إلى جانب الجدال ضد الهبوط بالنضال السياسي إلى مستوى التآمر‪ ،‬خطوطا عامة لمنظمة‬
‫)معروضة كأنها المثل العلى التشتراكي‪-‬الديموقراطي( بالغة من القوة حدا تستطيع معه أن‬
‫"تلجأ‪ ،‬من أجل توجيه الضربة القاضية للحكم المطلق"‪ ،‬إلى "النتفاض" وإلى كل "طريقة‬
‫أخرى من طرق ‪ .‬ومن حيث الشكل يمكن وصف مثل هذه المنظمة الثورية القوية في بليد‬
‫يسويدها ‪‬الهجوم" الحكم المطلق بأنها منظمة "تآمرية"‪ ،‬لن كلمة "‪ "conspiration‬الفرنسية‬
‫تعايدل الكلمة الروسية "زاغوفور" )"التآمر"(‪ ،‬والتآمرية ضرورية لمثل هذه المنظمة إلى‬
‫أقصى حد‪ .‬إن التآمرية تشرط ضروري جدا لهذه المنظمة بحيث ينبغي لجميع الشروط الخرى‬
‫)كعديد العضاء‪ ،‬وطريقة اختيارهم‪ ،‬ووظائفهم‪ ،‬الخ‪ (.‬أن تتلءم معه‪ .‬ولذا‪ ،‬من السذاجة كل‬
‫السذاجة أن نخاف نحن التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين من أن نتهم بأننا نريد إنشاء منظمة‬
‫تآمرية‪ .‬فمثل هذا التهام هو إطراء لكل عدو "للقتصايدية" كالتهام بالسير على خطى جماعة‬
‫"نارويدنايا فوليا"‪ .‬يعترض علينا‪ :‬إن منظمة قوية وسرية جدا تجمع في يديها جميع خيوط‬
‫النشاط السري وتقوم بالضرورة على المركزية يمكن لها أن تندفع بسهولة فائقة إلى‬
‫الهجوم قبل الوان‪ ،‬يمكن لها أن توتر الحركة بطيش قبل أن يبلغ السخط السياسي‬
‫والفوران والنقمة في الطبقة العاملة الخ‪ ،.‬حدا يجعل ذلك أمرا ممكنا وضروريا‪ .‬ونحن نجيب‬
‫على ذلك قائلين‪ :‬إذا تكلمنا بصورة مجريدة فل يصح طبعا أن ننكر أنه من المحتمل أن تشن‬
‫المنظمة الكفاحية يدونما تبصر معركة يحتمل أن تنتهي إلى هزيمة ليست محتمة أبدا في‬
‫ظروف أخرى‪ .‬ولكن القتصار على العتبارات المجريدة في مثل هذه المسألة أمر مستحيل‪ ،‬إذ‬
‫أن كل معركة تنطوي من الناحية المجريدة على احتمال الهزيمة‪ ،‬وليس هناك وسيلة لتقليل‬
‫هذا الحتمال غير الستعدايد للمعركة بصورة منظمة‪ .‬أما إذا طرحنا المسألة على الصعيد‬
‫الملموس‪ ،‬على صعيد الظروف الروسية الراهنة‪ ،‬فل بد من أن نخلص إلى استنتاج إيجابي‪،‬‬
‫وهو أن المنظمة الثورية القوية أمر ضروري تماما‪ ،‬وذلك بالضبط لعطاء الحركة طابع الثبات‬
‫ولوقايتها من احتمال الهجمات الطائشة‪ .‬فاليوم على وجه الدقة‪ ،‬إذ تنقصنا هذه المنظمة وإذ‬
‫‪57‬‬
‫تنمو الحركة الثورية بصورة عفوية وسريعة‪ ،‬نلحظ منذ الن قطبين متضايدين )"يلتقيان" كما‬
‫ينبغي لهما(‪ :‬فمن ناحية‪" ،‬إقتصايدية" واهية تماما‪ ،‬وتبشير بالعتدال؛ ومن ناحية أخرى‪،‬‬
‫"إرهاب تهييجي" يضاهي الولى في الوهي‪ ،‬ويسعى إلى أن "يثير بصورة مصطنعة أعراض‬
‫النتهاء في حركة آخذة في النمو والتعزز ولكنها ما تزال أقرب إلى نقطة البداية منها إلى‬
‫نقطة النهاية" )ف‪ .‬زاسوليتش‪" ،‬زاريا"‪ ،‬العديد ‪ ،3-2‬ص ‪ .(353‬ويتبين من مثال "رابوتشييه‬
‫يديلو" أن هنالك في الواقع اتشتراكيين‪-‬يديموقراطيين يلقون السلح أمام كل القطبين‪ .‬وهذه‬
‫الظاهرة ل تستدعي أي استغراب لسباب عديدة‪ ،‬منها أن "النضال القتصايدي ضد أصحاب‬
‫العمال والحكومة" ل يمكن أبدا أن يرضي الثوري‪ ،‬ولن القطاب المتضايدة ستنبثق على‬
‫الدوام تارة هنا وتارة هناك‪ .‬إن منظمة كفاحية متمركزة تنتهج السياسة التشتراكية‪-‬‬
‫الديموقراطية يدون عوج‪ ،‬وترضي‪ ،‬إن أمكن القول‪ ،‬جميع الغرائز والمطامح الثورية هي‬
‫وحدها القايدرة على حفظ الحركة من الهجمات الطائشة وعلى تحضير هجوم يبعث على المل‬
‫بالنجاح‪ .‬ويعترض علينا أيضا أن وجهة النظر المعروضة بصديد المنظمة تتناقض و"المبدأ‬
‫الديموقراطي"‪ .‬إن هذا التهام ذو طابع أجنبي بحت بمقدار ما يستمد التهام السابق جذوره‬
‫من الخصائص الروسية الصرف‪ .‬وما كان يمكن إل لمنظمة تقيم في الخارج )"إتحايد‬
‫التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين الروس"( أن توجه‪ ،‬من جملة ما وجهت إلى هيئة تحريرها‪،‬‬
‫التعليمات التالية‪" :‬المبدأ التنظيمي‪ .‬لجل تطوير وتوحيد التشتراكية‪-‬الديموقراطية بنجاح‬
‫ينبغي التشديد على المبدأ الديموقراطي الواسع في تنظيمها الحزبي وتطوير هذا المبدأ‬
‫والنضال في سبيله‪ ،‬وهو أمر ضروري جدا نظرا لظهور ميول معايدية للديموقراطية في‬
‫صفوف حزبنا" )"مؤتمران"‪ ،‬ص ‪ .(18‬كيف تناضل على وجه الدقة "رابوتشييه يديلو" ضد‬
‫"الميول المعايدية للديموقراطية" التي تظهرها "اليسكرا"؟ سنبين ذلك في الفصل التالي‪.‬‬
‫أما الن فلندرس عن كثب هذا "المبدأ" الذي يعرضه "القتصايديون"‪ .‬نحسب أن الجميع‬
‫يوافقون على أن مفهوم "المبدأ الديموقراطي الواسع" ينطوي على الشرطين الضروريين‬
‫التاليين‪ :‬أول‪ ،‬العلنية التامة‪ ،‬ثانيا‪ ،‬النتخاب إلى جميع الوظائف‪ .‬فمن المضحك الحديث عن‬
‫الديموقراطية بدون علنية تكون غير منحصرة في أعضاء المنظمة‪ .‬نحن نصف الحزب‬
‫التشتراكي اللماني بأنه منظمة يديموقراطية‪ ،‬لن جميع أعماله تجري علنا بما في ذلك‬
‫جلسات مؤتمر الحزب؛ ولكن ليس في وسع أحد أن يصف بالديموقراطية منظمة يسترها‬
‫غطاء السرية عن جميع الذين ليسوا من أعضائها‪ .‬إننا نسأل‪ :‬وأي معنى لوضع "المبدأ‬
‫الديموقراطي الواسع" إذا كان تشرطه الساسي غير ممكن التحقيق بالنسبة لمنظمة سرية؟‬
‫هذا "المبدأ الواسع" ليس أكثر من عبارة رنانة‪ ،‬ولكنها فارغة‪ .‬وفوق ذلك‪ ،‬إن هذه العبارة تدل‬
‫على جهل تام بمهام الساعة في ميدان التنظيم‪ .‬فالجميع يعلمون مبلغ عدم مراعاة جمهور‬
‫الثوريين "الواسع" عندنا لقواعد العمل السري‪ .‬وقد رأينا بأي مرارة يشكو من ذلك بـ‪ -‬ف‬
‫الذي يطالب بملء الحق بـ"اختيار العضاء اختيارا يدقيقا" )"رابوتشييه يديلو"‪ ،‬العديد ‪ ،6‬ص ‪.(42‬‬
‫وها نحن نرى أناسا يتبجحون بـ"تحسسهم بالحياة" يؤكدون في مثل هذه الوضاع‪ ،‬ل ضرورة‬
‫المراعاة الدقيقة لقواعد العمل السري والختيار الدقيق )وبالتالي‪ ،‬الضيق( للعضاء‪ ،‬بل‬
‫"المبدأ الديموقراطي الواسع"! وهذا ما يسمى بالسخافة المطبقة! وليست الحالة أفضل‬
‫فيما يتعلق بالسمة الثانية من سمتي الديموقراطية‪ ،‬بمبدأ النتخاب‪ .‬إن هذا الشرط يعتبر‬
‫أمرا بديهيا في بلدان الحرية السياسية‪ .‬فالفقرة الولى من النظام الداخلي للحزب‬
‫التشتراكي‪-‬الديموقراطي اللماني تنص على ما يلي‪" :‬يعتبر عضوا في الحزب كل من يعترف‬
‫بمبايدئ برنامج الحزب ويؤيد الحزب ويؤيد الحزب قدر الطاقة"‪ .‬ولما كان الميدان السياسي‬
‫كله مكشوفا أمام الجميع كالمسرح أمام النظارة‪ ،‬فإن الجميع يعرفون من الصحف‬
‫والجتماعات العامة ما إذا كان هذا الشخص أو ذاك يعترف أو ل يعترف‪ ،‬يؤيد أو يعارض‪ .‬ويعلم‬
‫الجميع أن هذا السياسي أو ذاك قد بدأ على هذا النحو أو ذاك‪ ،‬وأنه سلك هذا التجاه أو ذاك‬
‫وأنه وقف في الساعات الحرجة هذا الموقف أو ذاك وأنه يمتاز على وجه العموم بهذه‬
‫الصفات أو تلك‪ ،‬ولذلك يستطيع جميع أعضاء الحزب‪ ،‬لعلمهم بحقائق المور‪ ،‬أن ينتخبوا هذا‬
‫الرجل أو أن ل ينتخبوه لهذه الوظيفة الحزبية أو تلك‪ .‬إن المراقبة العامة )بمعنى الكلمة‬
‫الحرفي( على كل خطوة يخطوها رجل الحزب في حياته السياسية تخلق آلية تعمل بصورة‬
‫أوتوماتيكية وتضمن ما يسمونه في علم الحياة بـ"بقاء الصلح"‪ .‬وبفضل هذا "النتخاب‬
‫الطبيعي" الناتشئ عن العلنية التامة‪ ،‬وبفضل المبدأ النتخابي والرقابة العامة‪ ،‬يصبح كل عضو‬
‫‪58‬‬
‫من العضاء في نهاية المر "في المكان الذي خلق له" ويقوم بالعمل الذي يتناسب أحسن‬
‫التناسب مع قواه وكفاءاته ويتحمل بنفسه جميع تبعات أخطائه ويظهر أمام الجميع قدرته‬
‫على فهم أخطائه وتجنبها‪ .‬جربوا إذن إيدخال هذه اللوحة في إطار الحكم المطلق السائد في‬
‫بليدنا! هل من المعقول في ظروفنا أن يقوم جميع "الذين يعترفون بمبايدئ برنامج الحزب‬
‫ويؤيدون الحزب قدر الطاقة" بمراقبة كل خطوة يخطوها الثوري السري؟ هل من المعقول‬
‫أن يختار جميع هؤلء أحدا من بين الثوريين السريين‪ ،‬إذا كانت مصلحة العمل تلزم الثوري بأن‬
‫يخفي‬

‫هويته عن تسعة أعشار هؤلء "الجميع"؟ اعملوا الفكر ولو بعض الشيء في حقيقة معنى‬
‫الكلمات الطنانة التي ألقتها "رابوتشييه يديلو"‪ ،‬يتضح لكم أن "الديموقراطية الواسعة" في‬
‫منظمة حزبية تعيش في يدياجير الحكم المطلق وفي ظل سيطرة نظام الختيار الذي يمارسه‬
‫الدرك ليست غير لغو فارغ وضار‪ .‬إنها لغو فارغ‪ ،‬لن الديموقراطية الواسعة لم تمارس قط‬
‫ول يمكن أن تمارس من قبل أية منظمة ثورية‪ ،‬مهما بلغت رغبة هذه المنظمة في ذلك‪ .‬وهي‬
‫لغو ضار‪ ،‬لن محاولة تطبيق "المبدأ الديموقراطي الواسع" لن تكون نتيجتها غير مساعدة‬
‫الشرطة في تنظيم العتقالت الواسعة وغير تخليد الطريقة الحرفية المسيطرة وتحويل‬
‫أنظار القائمين بالنشاط العملي عن المهمة الخطيرة التي تواجههم بإلحاح‪ ،‬مهمة تنمية‬
‫صفات الثوري المحترف في أنفسهم‪ ،‬إلى تدبيج أنظمة مفصلة "على الورق" عن الطرق‬
‫النتخابية‪ .‬إن هذا "اللعب بالديموقراطية" لم يكن من الممكن أن يتطور هنا وهناك وخصوصا‬
‫لدى الفرق الصغيرة‪ ،‬إل في الخارج حيث ل يندر أن يجتمع أناس ممن ل يجدون إمكانية القيام‬
‫بعمل حقيقي وحي‪ .‬ولكيما يتبين للقارئ مبلغ البشاعة في الوسيلة المفضلة التي تعمد إليها‬
‫"رابوتشييه يديلو" إذ تنايدي بـ"مبدأ" جميل المظهر كمبدأ الديموقراطية في العمل الثوري‪،‬‬
‫نلجأ مرة أخرى إلى تشهايدة تشاهد‪ .‬وهذا الشاهد هو ي‪ .‬سيريبرياكوف‪ ،‬المحرر في المجلة‬
‫اللندنية "ناكانونيه"‪ ،‬وهو من المغرمين بـ"رابوتشييه يديلو" والحاقدين على بليخانوف‬
‫و"البليخانوفيين"؛ فمجلة "ناكانونيه" في المقالت التي تناولت فيها انقسام "إتحايد‬
‫التشتراكيين‪-‬الديموقراطيين الروس" في الخارج‪ ،‬قد وقفت بحزم إلى جانب "رابوتشييه‬
‫يديلو" وصبت على بليخانوف وابل من الكلمات الحقيرة‪ .‬وهذا يجعل لهذه الشهايدة في هذه‬
‫المسألة قيمة أكبر في نظرنا‪ .‬ففي مقال نشرته "ناكانونيه" في العديد ‪) 7‬تموز ‪ -‬يوليو ‪ -‬سنة‬
‫‪ (1899‬عنوانه‪" :‬بصديد نداء جماعة تحرير العمال الذاتي" قال ي‪ .‬سيريبرياكوف أن من "غير‬
‫اللئق" إثارة مسائل "الغرور والرئاسة وما يسمى بمجمع الحكماء العلى في حركة ثورية‬
‫جدية" وكتب فيما كتب‪" :‬إن ميشكين وروغاتشوف وجيليابوف وميخايلوف وبيروفسكايا‬
‫وفيغنر وغيرهم لم يعتبروا أنفسهم من الزعماء قط‪ ،‬ولم ينتخبهم أو يعينهم أحد‪ ،‬ومع ذلك‬
‫كانوا زعماء في الحقيقة‪ ،‬لنهم في مرحلة الدعاية كما في مرحلة النضال ضد الحكومة قد‬
‫حملوا على عاتقهم العبء الكبر من أعباء العمل وتوجهوا إلى أتشد الماكن خطرا‪ ،‬ولن‬
‫نشاطهم قد أعطىأحسن الثمرات‪ .‬فزعامتهملم تكن نتيجة رغبتهم‪،‬بل كانت نتيجة الثقة‬
‫بعقولهم وهمتهم وإخلصهم‪ ،‬الثقة التي أولهم إياها الرفاق المحيطون بهم‪ .‬وعلى ذلك‬
‫فالخوف إذن من مجمع حكماء )لو لم يكن الخوف موجويدا فما الداعي للكتابة عنه( ينفريد في‬
‫إيدارة الحركة هو السذاجة عينها‪ .‬فمن ذا الذي يطيعه؟" ونحن نسأل القارئ‪ :‬ما الفرق بين‬
‫"مجمع الحكماء" و"الميول المعايدية للديموقراطية"؟ أفليس من الواضح أن مبدأ "رابوتشييه‬
‫يديلو" التنظيمي "الجميل المظهر" هو أيضا ساذج وغير لئق‪ ،‬ساذج لنه لن يوجد أحد يطيع‬
‫"مجمع الحكماء" أو الناس ذوي "الميول المعايدية للديموقراطية" إذا لم توجد "الثقة بعقولهم‬
‫وهمتهم وإخلصهم من جانب الرفاق المحيطين بهم"‪ .‬وهو غير لئق‪ ،‬لنه نزوة يديماغوجية‬
‫تستغل غرور البعض وجهل البعض الثاني لحقيقة وضع حركتنا وعدم استعدايد البعض الثالث‬
‫أيضا وجهله لتاريخ الحركة الثورية‪ .‬إن المبدأ التنظيمي الجدي الوحيد ينبغي أن يكون بالنسبة‬
‫للعاملين في حركتنا‪ :‬المراعاة الدقيقة لقواعد العمل السري والختيار الدقيق للعضاء‬
‫وإعدايد الثوريين المحترفين‪ .‬فإذا ما وجدت هذه الصفات حصلنا على تشيء أكثر من‬
‫"الديموقراطية"‪ ،‬حصلنا بالضبط على الثقة الرفاقية التامة بين الثوريين‪ .‬وهذا الشيء الكثر‬
‫هو أمر ل نستطيع أبدا الستغناء عنه‪ ،‬لن الستعاضة عنه بالرقابة الديموقراطية العامة أمر ل‬
‫يمكن أن يطرح على بساط البحث عندنا في روسيا بأي وجه من الوجوه‪ .‬ونخطئ أكبر الخطأ‬
‫‪59‬‬
‫إذا تصورنا أن استحالة تطبيق رقابة "يديموقراطية" حقا تجعل أعضاء المنظمة الثورية غير‬
‫خاضعين للرقابة؛ فليس لديهم من الوقت ما يسمح لهم بالتفكير في التشكال الديموقراطية‬
‫الصبيانية )يديموقراطية يداخل نواة متراصة من رفاق يثق أحدهم بالخر كل الثقة(‪ ،‬ولكنهم‬
‫يشعرون بمسؤوليتهم أعمق الشعور ويعلمون في الوقت نفسه من تجربتهم أن منظمة‬
‫الثوريين الحقيقيين ل تحجم عن وسيلة للخلص من عضو فاسد‪ .‬ولدينا فوق ذلك في الوسط‬
‫الثوري الروسي )والعالمي( رأي عام متطور بشكل كاف ومتأصل الجذور في أعماق الماضي‬
‫يعاقب أتشد العقاب على كل خروج عن واجبات الرفاقية )و"الديموقراطية"‪ ،‬الديموقراطية‬
‫الحقيقية ل الصبيانية‪ ،‬تدخل كجزء من كل في مفهوم الرفاقية!(‪ .‬خذوا كل ذلك بعين‬
‫العتبار‪ ،‬تدركوا مبلغ ما يفوح من هذه الخطابات والقرارات بصديد "الميول المعايدية‬
‫للديموقراطية" من نتن اللعب في الخارج بلعبة الجنرالت! وخليق بنا أن نشير إلى أن‬
‫السذاجة ‪ -‬وهي الينبوع الخر لهذه الخطابات ‪ -‬تتغذى من عدم وجويد فكرة واضحة عن‬
‫الديموقراطية أيضا‪ .‬فكتاب الزوجين ويب عن التريديونيونات النكليزية يتضمن فصل طريفا‬
‫يسترعي النتباه‪" :‬الديموقراطية البدائية"‪ .‬يقول المؤلفان في هذا الفصل أن العمال‬
‫النكليز‪ ،‬في المرحلة الولى لوجويد نقاباتهم كانوا يعتبرون أن اتشتراك جميع العضاء في‬
‫جميع أعمال إيدارة النقابات سمة ضرورية من سمات الديموقراطية‪ .‬فقد كانت جميع القضايا‬
‫تقرر بتصويت عام يشترك فيه جميع العضاء؛ وفضل عن ذلك كانت الوظائف نفسها تمارس‬
‫من قبل جميع العضاء بالتناوب‪ .‬وقد تطلب المر تجربة تاريخية طويلة لكيما يدرك العمال‬
‫خراقة هذا المفهوم عن الديموقراطية وضرورة المؤسسات التمثيلية من جهة ووجويد‬
‫موظفين محترفين من الجهة الخرى‪ .‬وقد تطلب المر إفلس صنايديق النقابات عدة مرات‬
‫لكيما يفهم العمال أن مسألة النسبة بين ما يدفعونه من اتشتراكات وبين ما يتلقونه من‬
‫مساعدات ل يمكن أن تحل بالتصويت الديموقراطي وحده‪ ،‬وأنها تتطلب كذلك رأي اختصاصي‬
‫في تشؤون الضمان‪ .‬خذوا بعد ذلك كتاب كاوتسكي عن البرلمانية والتشريع الشعبي‪ ،‬تروا أن‬
‫استنتاجات النظري الماركسي تطابق الدرس الذي تعلمه‪ ،‬من التجربة الطويلة‪ ،‬العمال الذين‬
‫اتحدوا بصورة "عفوية"‪ .‬فكاوتسكي يقف بحزم ضد فهم ريتينغهاوزن البدائي للديموقراطية‬
‫ويسخر من أناس يطلبون باسم هذه الديموقراطية أن "يحرر الشعب مباتشرة الجرائد‬
‫الشعبية" ويبرهن ضرورة الصحفيين والبرلمانيين المحترفين‪ ،‬الخ‪ ،.‬لقيايدة نضال البروليتاريا‬
‫الطبقي قيايدة اتشتراكية‪-‬يديموقراطية‪ ،‬ويهاجم "اتشتراكية الفوضويين واليدباء" الذين ينايدون‪،‬‬
‫"سعيا وراء لفت النظر"‪ ،‬بالتشريع الشعبي المباتشر ول يفهمون أن إمكانية تطبيقه في‬
‫المجتمع الراهن نسبية جدا‪ .‬إن الذين ساهموا في النضال العملي في حركتنا يعرفون مبلغ‬
‫انتشار مفهوم الديموقراطية "البدائي" بين جماهير الطلب والعمال‪ .‬فل غرو أن يتسرب هذا‬
‫المفهوم إلى النظمة الداخلية وإلى المطبوعات‪" .‬فالقتصايديون" ذوو الميول البرنشتينية قد‬
‫كتبوا في نظامهم الداخلي‪" :‬الفقرة ‪ .10‬جميع القضايا التي تخص المنظمة بمجموعها تقرر‬
‫بأكثرية أصوات جميع أعضائها"‪ .‬ويريديد بعدهم "القتصايديون" ذوو المفاهيم الرهابية‪" :‬من‬
‫الضروري أن تمر قرارات اللجان بجميع الحلقات وحين ذاك فقط تصبح تشرعية" )"سفوبويدا"‪،‬‬
‫العديد ‪ ،1‬ص ‪ .(67‬لحظوا أن طلب التطبيق الواسع للستفتاء يقدم إضافة إلى المطالبة ببناء‬
‫المنظمة كلها على المبدأ النتخابي! ل يخطر لنا ببال طبعا أن نلوم على ذلك المشتغلين في‬
‫الحقل العملي الذين لم تتح لهم فرص كثيرة للطلع على نظرية وعمل المنظمات‬
‫دعي بدور القيايدة‪ ،‬تكتفي‬ ‫الديموقراطية الحقيقية‪ .‬ولكن عندما نرى "رابوتشييه يديلو" التي ت ّ‬
‫في مثل هذه الظروف بقرار عن المبدأ الديموقراطي الواسع‪ ،‬هل نملك أنفسنا عن وصف‬
‫ذلك بأنه مجريد "سعي وراء لفت النظر"؟‬

‫و( العمل في النطاق المحلي والروسي العام‬

‫إذا كانت العتراضات الموجهة إلى المشروع التنظيمي المعروض هنا والتي تدعي بأنه غير‬
‫يديموقراطي وذو طابع تآمري‪ ،‬ل تقوم على أساس‪ ،‬فهنالك مسألة أخرى كثيرا ما تثار ويجدر‬
‫بنا أن نتناولها بالتفصيل‪ .‬وهي مسألة التناسب بين العمل في النطاق المحلي والعمل في‬
‫النطاق الروسي العام‪ .‬يتساءلون بقلق‪ :‬أل يؤيدي تشكيل منظمة متمركزة إلى انتقال مركز‬
‫الثقل من الول إلى الثاني؟ أل يضر ذلك بالحركة إذ يضعف متانة صلتنا بجمهور العمال‬
‫‪60‬‬
‫ويضعضع استقرار التحريض المحلي بوجه عام؟ ونحن نجيب على ذلك بقولنا‪ :‬إن حركتنا في‬
‫السنوات الخيرة تشكو على وجه الدقة من كون العاملين في النطاق المحلي يفرطون في‬
‫النهماك بالعمل المحلي‪ ،‬وإن من الضروري نظرا لذلك نقل مركز الثقل بعض الشيء إلى‬
‫العمل في النطاق الروسي العام‪ ،‬وإن هذا النقل ل يضعف‪ ،‬بل يعزز متانة صلتنا واستقرار‬
‫تحريضنا المحلي‪ .‬فلنأخذ مسألة الجريدة المركزية والجرائد المحلية‪ ،‬ونطلب إلى القارئ أن ل‬
‫ينسى أن مسألة الجرائد ليست في نظرنا أكثر من مثل يعطي صورة عن العمل الثوري‬
‫الواسع جدا والمتنوع جدا بوجه عام‪ .‬عندما كانت الحركة الجماهيرية في عهدها الول )سنوات‬
‫‪ (1898-1896‬قام العاملون في النطاق المحلي بمحاولة لصدار جريدة لعامة روسيا ‪-‬‬
‫"رابوتشايا غازيتا"؛ وفي المرحلة الثانية )سنوات ‪ (1900-1898‬خطت الحركة خطوة كبرى‬
‫إلى المام‪ ،‬ولكن الجرائد المحلية استنفدت انتباه القايدة بالجمال إصدار عديد ‪‬الكامل‪ .‬وإذا‬
‫أحصينا جميع هذه الجرائد المحلية يكون الحاصل واحد في كل تشهر‪ .‬أليس هذا صورة واضحة‬
‫عن طريقتنا الحرفية؟ أل يظهر ذلك بكل وضوح تأخر منظمتنا الثورية عن نهوض الحركة‬
‫العفوي؟ وإذا ما صدر العديد نفسه من الجرائد ل عن جماعات محلية مبعثرة‪ ،‬بل عن منظمة‬
‫واحدة‪ ،‬فإننا ل نوفر الكثير من الجهويد وحسب‪ ،‬بل نضمن أيضا لعملنا وضعا من الثبات‬
‫والستمرارية أفضل جدا‪ .‬وهذا المر البسيط كثيرا جدا ما يغيب سواء عن نظر العاملين الذين‬
‫يبذلون جهويدهم بنشاط على الجرائد المحلية وحدها تقريبا )وبكل أسف ل يزال الوضع كما‬
‫هو حتى اليوم في معظم الحالت( أم عن نظر الكتاب الصحفيين الذين يظهرون في هذا‬
‫المر "يدونكيشوتية" مدهشة‪ .‬إن المساهم في الميدان العملي يكتفي عايدة بالفكرة القائلة‬
‫بأن إصدار جريدة لعامة روسيا "أمر صعب"•على العاملين المحليين وبأن إصدار الجرائد‬
‫المحلية خير من عدم إصدار أية جريدة‪ .‬والملحظة الخيرة صحيحة طبعا‪ .‬ول يوجد أي مساهم‬
‫في الميدان العملي يمكن أن يسبقنا إلى العتراف بأن الجرائد المحلية هي‪ ،‬بوجه عام‪ ،‬ذات‬
‫أهمية قصوى وفائدة قصوى‪ .‬ولكن الحديث ل يتناول هذه الناحية‪ ،‬بل ناحية أخرى هي‪ :‬أل‬
‫نستطيع الخلص من هذا التبعثر وهذا العمل الحرفي اللذين تجليا أوضح ما تجليا في ثلثين‬
‫عديدا من الجرائد المحلية صدرت في جميع أنحاء روسيا في غضون سنتين ونصف‪ .‬ل ينبغي‬
‫لكم أن تكتفوا بالعتراف بفائدة الجرائد المحلية بوجه عام‪ ،‬وهو أمر ل جدال فيه‪ ،‬ولكنه عام‬
‫جدا‪ ،‬بل ينبغي لكم أن تجدوا كذلك في أنفسكم الشجاعة على العتراف صراحة بما أظهرته‬
‫تجربة السنتين والنصف من نواحيها السلبية‪ .‬فقد أظهرت هذه التجربة أن الجرائد المحلية‬
‫في ظروفنا الراهنة تكشف في أكثر الحالت عن عدم استقرار مبدئي‪ ،‬وأنها غير ذات أهمية‬
‫من وجهة النظر السياسية وأن تكاليفها كبيرة جدا من وجهة نظر إنفاق القوى الثورية وأنها‬
‫غير مرضية قطعا من وجهة النظر التكنيكية )ل أقصد طبعا تكنيك الطبع‪ ،‬بل أقصد تواتر‬
‫وانتظام صدورها(‪ .‬وجميع هذه النواقص المذكورة ليست عرضية‪ ،‬بل هي نتيجة محتومة لذلك‬
‫التبعثر الذي يفسر‪ ،‬من جهة‪ ،‬تفوق الجرائد المحلية في المرحلة التي نبحثها‪ ،‬ويثبت أقدامه‬
‫من جهة أخرى من جراء هذا التفوق‪ .‬وفي الحقيقة ليس بمستطاع أية منظمة محلية أن‬
‫تضمن لجريدتها الثبات المبدئي وأن ترفعها إلى مستوى الجريدة السياسية‪ ،‬ليس بمستطاع‬
‫أية منظمة محلية أن تجمع الموايد الكافية وأن تستفيد منها للقاء الضوء على حياتنا السياسية‬
‫كلها‪ .‬أما تلك الحجة التي يدعمون بها في المعتايد ضرورة الكثار من الجرائد المحلية في‬
‫البلدان الحرة ‪ -‬حجة قلة التكاليف بسبب أن عمال المنطقة هم الذين يطبعونها‪ ،‬وتقديمها‬
‫للسكان المحليين أنباء أوفى وبسرعة أكبر‪ ،‬هذه الحجة تنقلب عندنا‪ ،‬كما تدل التجربة‪ ،‬ضد‬
‫الجرائد المحلية‪ .‬فهي غالية جدا من حيث إنفاق القوى الثورية‪ ،‬وهي تصدر بين فترات‬
‫متباعدة جدا‪ ،‬ومنشأ ذلك أنه ل بد للجريدة السرية‪ ،‬مهما كانت صغيرة‪ ،‬من جهاز سري كبير‬
‫يتطلب صناعة المعامل الضخمة‪ ،‬لنه ل يمكن إنشاء هذا الجهاز في ورتشة حرفية‪ .‬فالطابع‬
‫البدائي في الجهاز السري يؤيدي إلى أن الشرطة )وكل من مارس النشاط العملي يعرف‬
‫العديد من مثل هذه المثلة( كثيرا جدا ما تستغل صدور وتوزيع عديد أو عديدين للقيام‬
‫باعتقالت واسعة ل تبقي ول تذر‪ ،‬فيتأتى البدء من جديد‪ .‬إن الجهاز السري الجيد يتطلب من‬
‫الثوريين إعدايدا مهنيا طيبا ويتطلب تقسيما للعمل ينفذ بمنتهى الدقة‪ ،‬وليس في طاقة أية‬
‫منظمة محلية مهما كانت قوية في هذا الظرف أن تضمن تحقيق هذين الشرطين‪ .‬وحتى إذا‬
‫ضربنا صفحا عن مصالح حركتنا بمجموعها )تربية العمال تربية اتشتراكية وسياسية ومبدئية(‬
‫نرى الجرائد غير المحلية تخدم المصالح المحلية الصرف أيضا بصورة أفضل؛ ول يبدو ذلك‬
‫‪61‬‬
‫مستغربا إل لول وهلة‪ ،‬فتجربة السنتين والنصف التي تحدثنا عنها تعطي في الحقيقة على‬
‫ذلك البرهان القاطع‪ .‬واضح للجميع أن جميع هذه القوى المحلية التي أصدرت ثلثين عديدا من‬
‫الجرائد كان يمكنها فيما لو عملت في جريدة واحدة أن تصدر ستين عديدا إذا لم نقل مئة‪،‬‬
‫وكان يمكنها تبعا لذلك أن تفصح بصورة أوفى عن جميع خصائص الحركة ذات الطابع المحلي‬
‫الصرف‪ .‬وما من تشك في أن بلوغ هذه الدرجة من التنظيم أمر ليس بالسهل؛ ولكن ينبغي لنا‬
‫أن ندرك ضرورتها‪ ،‬وينبغي لكل حلقة محلية أن تفكر فيها وتعمل على تحقيقها بنشاط يدون‬
‫أن تنتظر يدافعا من الخارج‪ ،‬يدون أن تستسلم لغراء سهولة الجريدة المحلية وكونها قريبة‬
‫المنال‪ ،‬هذا القرب الذي يظهر‪ ،‬كما تبرهن تجربتنا الثورية‪ ،‬وهميا لحد كبير‪ .‬ويقدم للنشاط‬
‫العملي خدمة ريديئة أولئك الصحفيون الذين يعتبرون أنفسهم قريبين جدا من المشتغلين في‬
‫الحقل العملي والذين ل يرون ما في هذا المر من الوهم والذين يتنصلون باعتبارات رخيصة‬
‫جدا وفارغة جدا‪ :‬نحن بحاجة إلى جرائد محلية‪ ،‬نحن بحاجة إلى جرائد منطقية‪ ،‬نحن بحاجة‬
‫إلى جرائد لعامة روسيا‪ .‬واضح أن كل هذا ضروري بوجه عام‪ ،‬ولكن من الضروري أيضا‬
‫التفكير في ظروف الزمان والمكان‪ ،‬ما يدمنا نواجه مسألة تنظيمية ملموسة‪ .‬أفليس من‬
‫الدونكيشوتية حقا أن يقول المرء كما فعلت "سفوبويدا" )العديد ‪ ،1‬ص ‪ (68‬عندما "تناولت‬
‫مسألة الجريدة" بوجه خاص‪ :‬باعتقايدنا أنه ينبغي لكل محلة تضم عديدا كبيرا من العمال لحد ما‬
‫أن تنشئ جريدتها العمالية الخاصة‪ ،‬جريدة ل تستوريدها من مكان ما‪ ،‬بل خاصة بها بالضبط"‪.‬‬
‫وإذا كان هذا الكاتب ل يريد أن يفكر بمعنى كلماته‪ ،‬ففكر عنه على القل أنت‪ ،‬أيها القارئ‪:‬‬
‫كم في روسيا من عشرات إن لم نقل من مئات "المحلت التي تضم عديدا كبيرا من العمال‬
‫لحد ما"‪ ،‬وكم يخلد عملنا الحرفي إذا ما أخذت كل منظمة محلية تصدر في الواقع جريدتها‬
‫الخاصة! وكم يسهل ذلك على الدرك عندنا صيد العاملين المحليين ويدون جهد "كبير لحد ما" ‪-‬‬
‫في بدء عملهم وقبل أن يتسنى لهم أن يربوا في أنفسهم صفات الثوريين الحقيقيين!‬
‫يستطريد الكاتب ويقول‪ :‬في جريدة لعامة روسيا ل يتشوق القراء إلى قراءة وصف ألعيب‬
‫أصحاب المعامل و"توافه حياة المعامل في مدن أخرى ليست بمدنهم" في حين أن "ساكن‬
‫اوريول ل يمل قراءة أنباء ما يجري في اوريول‪ .‬ففي كل مرة يعلم من "قّرعوه" ومن‬
‫"أّنبوه" فيشتغل ذهنه")ص ‪ .(69‬أجل‪ ،‬أجل‪ ،‬إن ذهن ساكن اوريول يشتغل‪ ،‬ولكن أفكار كاتبنا‬
‫"تشتغل" جدا هي الخرى‪ .‬أمن اللئق الدفاع عن هذه التفاهة؟ يحسن كاتبنا صنعا لو فكر في‬
‫ذلك‪ .‬نحن نعترف بضرورة وأهمية التشهير بما يجري في يداخل المعامل من مساوئ خيرا مما‬
‫يعترف بذلك أي تشخص آخر‪ ،‬ولكن ينبغي لنا أن نتذكر أننا بلغنا حدا سئم معه ساكن‬
‫بطرسبورغ قراءة رسائل بطرسبورغ في جريدة "رابوتشايا ميسل" الصايدرة في بطرسبورغ‪.‬‬
‫إننا‪ ،‬للتشهير بالمساوئ في حياة المعامل‪ ،‬كنا نلجأ على الدوام وينبغي أن نلجأ على الدوام‬
‫إلى المناتشير‪ .‬أما نوع الجريدة فينبغي لنا أن نرفع مستواه‪ ،‬ل أن نهبط به إلى مستوى‬
‫منشور عن حياة معمل‪ .‬إننا لسنا بحاجة‪ ،‬من أجل "الجريدة"‪ ،‬إلى التشهير بـ"التوافه" بقدر ما‬
‫نحن بحاجة إلى التشهير بالنواقص الكبيرة‪ ،‬النموذجية في حياة المعامل‪ ،‬إلى تشهير يستند‬
‫إلى أمثلة بارزة جدا ويستطيع لهذا السبب أن يسترعي اهتمام جميع العمال‪ ،‬وجميع قايدة‬
‫الحركة‪ ،‬ويستطيع أن يزيد معلوماتهم فعل‪ ،‬وأن يوسع ُأفقهم‪ ،‬وأن يوقظ منطقة جديدة‪،‬‬
‫وفئة مهنية جديدة من العمال‪" .‬وبعد‪ ،‬ففي الجريدة المحلية يمكن تلقف جميع ألعيب إيدارة‬
‫المعمل أو السلطات الخرى على الفور‪ ،‬قبل أن يبريد أثرها‪ .‬أما الجريدة العامة فهي بعيدة‪،‬‬
‫يمر يدهر قبل أن يبلغها الخبر‪ ،‬وقبل أن تصل يكون الحايدث قد نسي وتساءل القراء‪" :‬متى‬
‫حدث ذلك‪ ،‬يا ترى؟ ليذكرنا الله!"" )نفس المصدر(‪ .‬أجل‪ ،‬ليذكرنا الله! فالعدايد الثلثون التي‬
‫صدرت خلل سنتين ونصف قد صدرت في ست مدن كما ينبئنا بذلك المصدر ذاته‪ .‬ومعنى ذلك‬
‫أن كل مدينة قد أصدرت في المتوسط عديدا واحدا في كل ستة أتشهر! وإذا افترضنا أن كاتبنا‬
‫الطائش يضاعف مريدويد العمل المحلي إلى ثلثة أضعاف )وهو ما يكون خطأ أكيدا بالنسبة‬
‫لمدينة متوسطة‪ ،‬لن زيايدة المريدويد زيايدة محسوسة في إطار العمل الحرفي أمر مستحيل(‪،‬‬
‫فالحاصل لن يكون أكثر من عديد واحد في كل تشهرين‪ ،‬أي تشيئا ل يشبه بوجه من الوجوه‬
‫"التلقف قبل أن يبريد الثر"‪ .‬هذا بينما يكفي أن تتحد عشر منظمات محلية وأن توفد مندوبيها‬
‫للعمل النشيط على تنظيم جريدة عامة‪ ،‬حتى يصبح بإمكاننا أن "نتلقف" في روسيا من‬
‫أقصاها إلى أقصاها ل التوافه‪ ،‬بل المساوئ الفاضحة حقا والنموذجية في كل أسبوعين مرة‪.‬‬
‫وكل من يعلم حقيقة الوضع في منظماتنا ل يشك في ذلك‪ .‬أما القبض على العدو متلبسا‬
‫‪62‬‬
‫بالجريمة‪ ،‬إذا فهمنا هذا التعبير فهما جديا ولم ننظر إليه من حيث أنه صيغة جميلة وحسب‪،‬‬
‫فهو أمر ل يسع الجريدة السرية حتى أن تفكر به‪ ،‬إذ ل يمكن القيام بذلك إل بوسيلة المنشور‬
‫المدسوس خلسة‪ ،‬لننا في معظم الحالت ل نجد تحت تصرفنا لمثل هذا القبض غير يوم أو‬
‫يومين على الكثر )مثل في حالت إضراب معتايد قصير‪ ،‬أو تنكيل في معمل‪ ،‬أو مظاهرة‪،‬‬
‫الخ‪ .(.‬ويستطريد كاتبنا منتقل من الخاص إلى العام بمنطق صارم يشّرف بوريس‬
‫كريتشيفسكي نفسه‪" :‬ل يعيش العامل في المعمل وحسب‪ ،‬ولكنه يعيش في المدينة أيضا"‪.‬‬
‫ثم يشير إلى قضايا مجالس الدوما والمستشفيات والمدارس في المدن مطالبا بأن ل تغفل‬
‫الجريدة العمالية قضايا المدن بوجه عام‪ .‬وهذا مطلب طيب بحد ذاته‪ ،‬ولكنه يظهر بكل جلء‬
‫مبلغ التجريد الفارغ الذي كثيرا جدا ما يكتفون به عندما يتناولون الجرائد المحلية بالبحث‪.‬‬
‫فأول‪ ،‬إذا ما ظهرت الجرائد فعل "في كل محلة تضم عديدا كبيرا من العمال لحد ما"‪ ،‬وإذا ما‬
‫حوت هذه الجرائد بابا عن حياة المدينة مفصل كما تريد "سفوبويدا"‪ ،‬فإن ذلك سيفضي حتما‬
‫في ظروفنا الروسية إلى تفاهات حقيقية‪ ،‬إلى إضعاف إيدراكنا لهمية الهجوم الثوري‬
‫الروسي العام على الحكم المطلق القيصري‪ ،‬إلى تقوية نبتات التجاه الشديدة الحيوية ‪ -‬تلك‬
‫التي لم تجتث جذورها وإنما هي في أكبر الظن مستترة أو مكبوتة‪ -‬هذا التجاه الذي اتشتهر‬
‫بالعبارة المشهورة عن الثوريين الذين يتكلمون كثيرا جدا عن البرلمان غير الموجويد وقليل‬
‫جدا عن مجالس الدوما الموجويدة في المدن )‪ .(94‬قلنا‪ :‬حتما‪ ،‬لننا أريدنا أن نشديد بذلك على‬
‫أن "سفوبويدا" ل تريد هذا المر بالتأكيد‪ ،‬بل تريد العكس‪ .‬ولكن النوايا الطيبة وحدها ل تكفي‪.‬‬
‫فلكيما نشرح تشؤون المدن من زاوية تتناسب مع عملنا بأكمله‪ ،‬ينبغي في البدء أن توضع هذه‬
‫الزاوية بصورة تامة‪ ،‬وأن تحديد بصورة ثابتة ل بمجريد المحاكمات العقلية‪ ،‬بل بمجموعة من‬
‫المثلة أيضا؛ ينبغي أن تكتسب متانة التقاليد‪ .‬وما زلنا بعيدين جدا عن ذلك‪ ،‬في حين ينبغي‬
‫البدء به‪ ،‬قبل أن يصبح في المكان الشروع بالتفكير أو بالكلم عن الصحافة المحلية الواسعة‬
‫وثانيا‪ ،‬لكيما يحسن المرء حقا الكتابة عن تشؤون المدن بصورة تسترعي الهتمام‪ ،‬ينبغي له‬
‫أن يعرف هذه الشؤون معرفة جيدة‪ ،‬ل عن طريق الكتب وحدها‪ .‬وليس في روسيا كلها‬
‫تقريبا‪ ،‬اتشتراكيون‪-‬يديموقراطيون يعرفون هذه المور‪ .‬فللكتابة عن تشؤون المدن والدولة في‬
‫الجريدة )ل في كراس تشعبي( يتطلب المر معلومات جديدة‪ ،‬متنوعة‪ ،‬يجمعها ويدرسها تشخص‬
‫خبير‪ .‬ولجمع ويدراسة هذه المعلومات ل تكفي "الديموقراطية البدائية" في حلقة بدائية يقوم‬
‫فيها الجميع بكل تشيء ويتسلون فيها بلعبة الستفتاءات‪ .‬إن هذا يتطلب هيئة أركان من كتاب‬
‫اختصاصيين‪ ،‬مراسلين اختصاصيين‪ ،‬جيشا من مراسلين اتشتراكيين‪-‬يديموقراطيين يعقدون‬
‫الصلت في كل ناحية ويحسنون التسلل إلى جميع "أسرار الدولة" على اختلفها )التي طالما‬
‫يتباهى بها الموظف الروسي والتي يفشيها بفائق السهولة( والتغلغل في جميع‬
‫"الكواليس"‪ ،‬جيشا من أناس تلزمهم "وظائفهم" بأن يكونوا في كل مكان ويعرفوا كل تشيء‪.‬‬
‫ونحن‪ ،‬حزب النضال ضد كل ظلم‪ ،‬اقتصايدي وسياسي واجتماعي وقومي‪ ،‬يمكننا ويجب علينا‬
‫أن نجد ونجمع ونعلم ونعبئ وندفع للقتال مثل هذا الجيش من الناس الذين يعلمون كل‬
‫تشيء‪ .‬ولكن ينبغي لنا أن نقوم بذلك! هذا ول يقتصر المر على أننا لم نخط أي خطوة في‬
‫هذا التجاه في الكثرية الساحقة من المناطق‪ ،‬ولكننا أيضا ل ندرك في معظم الحيان‬
‫ضرورة ذلك‪ .‬فتشوا في صحافتنا التشتراكية‪-‬الديموقراطية عن مقالت ورسائل حية‪ ،‬تشيقة‪،‬‬
‫رسائل تشهر بالخطير والتافه من أمورنا الديبلوماسية والعسكرية والدينية والبلدية والمالية‬
‫الخ‪ ،.‬الخ‪ ..‬لن تجدوا من ذلك غير النزر اليسير‪ ،‬أو لن تجدوا ‪ ..‬ولذلك "أغتاظ جدا على الدوام‬
‫عندما يأتيني تشخص ‪‬تقريبا أي تشيء على الطلق ويتحفني بما عنده من أتشياء جميلة رائعة"‬
‫عن ضرورة وجويد جريدة "في كل محلة تضم عديدا كبيرا من العمال لحد ما" تشهر بالمساوئ‬
‫ة! إن تفوق الجرائد المحلية على الجريدة المركزية‬ ‫في حياة المعامل وحياة المدن وحياة الدول !‍‬
‫إما أن يكون يدليل الفقر أو يدليل البذخ‪ .‬فهو يدليل الفقر‪ ،‬إذا كانت الحركة لم تعد بعد القوى‬
‫اللزمة للنتاج الضخم‪ ،‬وإذا كانت ما تزال تتسكع في الحرفية‪ ،‬وإذا كانت غارقة تقريبا في‬
‫"توافه حياة المعامل"‪ .‬وهو يدليل البذخ‪ ،‬إذا كانت الحركة قد حققت بصورة تامة مهمة‬
‫التشهير الشامل والتحريض الشامل‪ ،‬بشكل تنشأ معه ضرورة وجويد عديد كبير من الجرائد‬
‫المحلية إلى جانب الجريدة المركزية‪ .‬فليقرر إذن كل بنفسه على أي تشيء يدل تفوق الجرائد‬
‫المحلية عندنا الن‪ .‬أما أنا فسأقتصر على تحري الدقة في صياغة استنتاجي‪ ،‬يدفعا لسوء‬
‫الفهم‪ .‬حتى الن تقصر معظم المنظمات المحلية عندنا تفكيرها كله تقريبا على الجرائد‬
‫‪63‬‬
‫المحلية وحدها وتقصر نشاطها كله تقريبا على هذه الجرائد‪ .‬هذا أمر غير طبيعي‪ .‬ويجب أن‬
‫يكون العكس‪ :‬ينبغي أن يتجه تفكير معظم المنظمات المحلية أول ما يتجه إلى الجريدة‬
‫الروسية العامة وأن توجه نشاطها إليها قبل غيرها‪ .‬وما لم يحدث ذلك‪ ،‬سنظل عاجزين عن‬
‫تنظيم أية جريدة تستطيع‪ ،‬ولو لحد ما‪ ،‬أن تخدم الحركة حقا بتحريض تشامل في الصحف‪.‬‬
‫وعندما يحدث ذلك نرى العلقة الطبيعية بين الجريدة المركزية الضرورية والجرائد المحلية‬
‫الضرورية تقوم من تلقاء نفسها‪.‬‬

‫******************‬

‫قد يبدو لول وهلة أن الستنتاج بصديد ضرورة نقل مركز الثقل من العمل المحلي إلى العمل‬
‫في النطاق الروسي العام غير قابل للتطبيق فيما يتعلق بميدان النضال القتصايدي المحض‪،‬‬
‫لن أعداء العمال المباتشرين في هذه الحالة هم أصحاب العمال منفريدين أو جماعات منهم‬
‫غير مرتبطين بمنظمة تشبه ولو أقل الشبه منظمة عسكرية صرفا‪ ،‬متمركزة جدا‪ ،‬توجهها‬
‫حتى في أصغر المور إرايدة موحدة‪ ،‬كمنظمة الحكومة الروسية‪ ،‬عدونا المباتشر في النضال‬
‫السياسي‪ .‬ولكن المر ليس كذلك‪ .‬فالنضال القتصايدي ‪ -‬وقد أتشرنا إلى ذلك مرارا‪ -‬هو نضال‬
‫مهني‪ ،‬وهو لذلك يتطلب اتحايد العمال حسب المهن‪ ،‬ل تبعا لماكن عملهم وحسب‪ .‬وهذا‬
‫التحايد حسب المهن يصبح أمرا ل مناص منه بمقدار ما يسرع أصحاب العمال عندنا إلى‬
‫التحايد في مختلف أنواع الجمعيات والنقابات‪ .‬وما تبعثرنا وطريقة عملنا الحرفي إل عائق‬
‫مباتشر في طريق هذا التحايد الذي يتطلب منظمة ثوريين واحدة لعامة روسيا‪ ،‬قايدرة على‬
‫قيايدة نقابات العمال في النطاق الروسي العام‪ .‬لقد تكلمنا عن طراز التنظيم المرغوب فيه‬
‫لهذا الغرض‪ .‬ونكتفي الن بإضافة بضع كلمات فيما يتعلق بمسألة صحافتنا‪ .‬ل يشك أحد على‬
‫ما نحسب بوجوب وجويد باب للنضال المهني )القتصايدي( في كل جريدة اتشتراكية‪-‬‬
‫يديموقراطية‪ .‬ولكن نمو الحركة المهنية يحمل على التفكير بالصحافة المهنية أيضا‪ .‬ويخيل‬
‫إلينا مع ذلك أن مسألة الصحافة المهنية ل يمكن حتى أن تطرح الن في روسيا إل في حالت‬
‫نايدرة جدا‪ :‬فهي يدليل البذخ‪ ،‬في حين ل نجد في معظم الحالت خبزنا كفاية يومنا‪ .‬فشكل‬
‫الصحافة المهنية المناسب لظروف العمل السري والضروري اليوم ينبغي أن يكون عندنا‬
‫الكراريس المهنية‪ .‬ينبغي أن تجمع فيها وتصنف بصورة منتظمة وغير العلنية عن ظروف‬
‫العمل في مهنة بعينها‪ ،‬وعن اختلف هذه الظروف ‪‬الموايد العلنية في تشتى مناطق روسيا‪،‬‬
‫وعن المطالب الرئيسية لعمال مهنة من المهن‪ ،‬وعن نواقص القوانين التي تتعلق بهذه‬
‫المهنة‪ ،‬وعن حالت نضال العمال القتصايدي الهامة التي تحدث في هذه المهنة أو تلك وعن‬
‫المور الجنينية ووضع منظمتهم المهنية الراهن‪ ،‬وحاجات هذه المنظمة‪ ،‬الخ‪ ..‬أول‪ ،‬إن هذه‬
‫الكراريس تحرر صحافتنا التشتراكية‪-‬الديموقراطية من كثرة من التفاصيل المهنية التي ل‬
‫تهم غير عمال مهنة بعينها‪ .‬وثانيا‪ ،‬تسجل هذه الكراريس نتائج خبرتنا في النضال المهني‬
‫وتحفظ الموايد المجموعة التي تضيع اليوم بالمعنى الحرفي للكلمة في العديد الكبير من‬
‫المناتشير ومن الرسائل غير المنتظمة‪ ،‬وتلخص هذه الموايد‪ .‬وثالثا‪ ،‬يمكن أن تكون نوعا من‬
‫موجه للمحرضين‪ ،‬لن ظروف العمل تتغير بصورة بطيئة نسبيا ولن المطالب الساسية‬
‫لعمال مهنة معينة‪ ،‬ثابتة جدا )قارن مطالب عمال النسيج في منطقة موسكو في سنة ‪)1885‬‬
‫‪ (97‬وفي منطقة بطرسبورغ في سنة ‪ .(1896‬ومجموعة هذه المطالب والحاجات يمكن أن‬
‫تكون‪ ،‬طيلة سنوات‪ ،‬يدليل رائعا للتحريض القتصايدي في المناطق المتأخرة أو بين الفئات‬
‫المتأخرة من العمال‪ .‬إن أمثلة الضرابات الناجحة في منطقة من المناطق والمعلومات عن‬
‫وجويد مستوى معيشة أعلى وظروف عمل أحسن في منطقة من المناطق تشجع العمال في‬
‫المناطق الخرى على مواصلة النضال‪ .‬رابعا‪ ،‬إن التشتراكية‪-‬الديموقراطية‪ ،‬إذ تبايدر إلى‬
‫تلخيص النضال المهني وتوثق بهذا الشكل الصلة بين الحركة المهنية الروسية وبين‬
‫التشتراكية‪ ،‬تعمل في الوقت نفسه على أن يشغل عملنا التريديونيوني حيزا غير صغير جدا‬
‫وغير كبير جدا من مجمل عملنا التشتراكي‪-‬الديموقراطي‪ .‬والمحافظة على النسبة الصحيحة‬
‫في ذلك أمر صعب يكايد يكون مستحيل في بعض الحيان إذا كانت المنظمة المحلية منقطعة‬
‫عن المنظمات في المدن الخرى )ومثال "رابوتشايا ميسل" ُيظهر إلى أي يدرك فظيع من‬
‫الفراط في المسير في اتجاه التريديونيونية يمكن أن يؤيدي ذلك(‪ .‬ولكن منظمة من الثوريين‬
‫‪64‬‬
‫لعامة روسيا ل تحيد أبدا عن وجهة نظر الماركسية الثابتة وتقويد النضال السياسي بأكمله‬
‫ولها هيئة أركان من المحرضين المحترفين‪ ،‬لن تجد أية صعوبة في تحديد هذه النسبة‬
‫الصحيحة‪.‬‬

‫‪65‬‬

You might also like

  • مدخل إلى الاشتراكية العلمية إرنست ماندل
    مدخل إلى الاشتراكية العلمية إرنست ماندل
    Document98 pages
    مدخل إلى الاشتراكية العلمية إرنست ماندل
    أرشيف جريدة المناضل-ة
    No ratings yet
  • Untitled
    Untitled
    Document60 pages
    Untitled
    مركز أفاق اشتراكية للدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية
    No ratings yet
  • حول الجدل المادى سلامة كيلة
    حول الجدل المادى سلامة كيلة
    Document25 pages
    حول الجدل المادى سلامة كيلة
    مركز أفاق اشتراكية للدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية
    No ratings yet
  • الثقافة والثورة
    الثقافة والثورة
    Document4 pages
    الثقافة والثورة
    مركز أفاق اشتراكية للدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية
    No ratings yet
  • شهدى عطية سيرة
    شهدى عطية سيرة
    Document7 pages
    شهدى عطية سيرة
    مركز أفاق اشتراكية للدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية
    100% (1)
  • الاحزاب عبد الغفار شكر
    الاحزاب عبد الغفار شكر
    Document42 pages
    الاحزاب عبد الغفار شكر
    مركز أفاق اشتراكية للدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية
    No ratings yet
  • نساء منسيات
    نساء منسيات
    Document162 pages
    نساء منسيات
    مركز أفاق اشتراكية للدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية
    100% (1)