You are on page 1of 3

‫مقدمة‬

‫ال شك ّّ‬
‫أن دين اإلسالم دين توسّط واعتدال‪ ،‬ال غلو فيه وال جفاء‪ ،‬وال إفراط وال تفريط‪ ،‬وشريعته خاتمة الديانات والشرائع‬
‫السماوية‪ ،‬التي أنزلها هللا على الناس جميعاّ في مشارق األرض ومغاربها‪ ،‬و للذكر واألنثى‪ ،‬وللقوي والضعيف‪ ،‬وللغني‬
‫والفقير‪ ،‬وللجاهل والعالم ّ‪ ،‬وللمريض والصحيح وفي هذّا المقال سوف نتناول الحديث عن مفهوم الوسطيّة واالعتدال في‬
‫‪.‬اإلسالم‬

‫مفهوم التوسط واالعتدال ‪1.‬‬


‫االعتدال هو االستقامة‪ ،‬والتزكية واالستواء‪ ،‬والتوسّط بين حالين ّ‪ ،‬وهما مجاوزة الح ّّد المطلوب والقصور عنه‪ ،‬كما ّ‬
‫يعرف‬
‫‪.‬االعتدال على أنّ ّه التوسط واالقتصاد ف ّ‬
‫ي األمور‪ ،‬وهو أفضل طريقة يتبعها المسلم من أجل تأدي ّة واجباته اتجاه ربّه ونفسه‬

‫ل أمور الحياة‬ ‫تعرف على أنّها االعتدال ف ّ‬


‫ي ك ّّ‬ ‫الوسطية هي العدل والخيار‪ ،‬وهي أفضل األمور وأنفعها للناس‪ ،‬كما ّ‬
‫ومنهاجها‪ ،‬ومواقفها‪ ،‬وتصرافاتها‪ ،‬فالوسطية ليست مجرد موقف بين التشديد واالنحالل بل تعتبر موقفاّ سلوكياّ وأخالقياّ‬
‫ومنهجاّ فكرياّ‬

‫شروط الوسطية واالعتدال ‪2.‬‬


‫التوسط واالعتدال يكون باالستقامة على طاعة هللا والخضوع ألوامره ونواهيه‪ ،‬والبعد عن معاصيه باطناّ وظاهراّ دون‬
‫ي ال‬
‫الغلو وال التقصير وال اإلفراط وال التفريط ‪.‬و يكون بلزوم الصراط المستقيم‪ ،‬فالدين الوسط هو الصراط المستقيم الذ ّ‬
‫ّّ‬
‫‪.‬انحراف فيه وال اعوجاج‪ ،‬وال يتردد فيه سالكه وال يتحيّر‪ ،‬وال يضل‬

‫معالم الوسطية واالعتدال ‪3.‬‬

‫‪ -‬التيسير على الناس والرفق بهم‬

‫مقصدّ من مقاصد هذا الدين‪ ،‬وصفة عا ّم ّة للشريعة في عقائدها وأحكامها‪ ،‬ومعامالتها وفروعها‪ ،‬فاهلل سبحانه‬ ‫التيسير ِ‬
‫ويشق عليهم‪ ،‬ولم يرد بهم الحرج‪ ،‬بل أنز عليهم ديناّ ميسّراّ وسهال‪ ،‬قال‬‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بكرمِ ه وفضله لم يك ِلف عبا َده بما يتعبهم‬ ‫وتعالى َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ال ي ُِري ُّد بِّك ُّم العُس َْرّ[ )البقرة ‪]185:‬‬‫ْر َو ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫َللا بِك ُّم اليُس َّ‬
‫‪.‬تعالى ‪:‬قال تعالى( ‪:‬ي ُِري ُّد ُّّ‬

‫‪ -‬الموازنة بين متطّلبات الروح والبدن‬

‫يتقرب إلى هللا بفعل المأمور به والمباح‪ ،‬واإلنسان جسد‬


‫ن ّ‬ ‫ال يجوز ألحد أن يَحْ رم نفسه م ّما أحل ّه هللا تعالى له‪ ،‬ب ّل علي ّه أ ّ‬
‫ل ذي حق حقهّ‬ ‫‪.‬وروح‪ ،‬وللبدن حقه‪ ،‬وللروح حقها‪ ،‬وللبدن حقه‪ ،‬فليعطِّ ك ّّ‬

‫الوسطية واالعتدال في االعتقاد‬ ‫‪-‬‬

‫ل ما وراء الحس وال يسمعون‬ ‫يجب أن يكون التوسط واالعتدال بين الماديّين الذين ينكرون ك ّّ‬
‫ي تصديق االعتقادات‪ ،‬من غير أدلة قاطع ّة وال‬‫إلى العقل وبين متبعي الخرافات الذين يغلون ف ّ‬
‫براهين‪ ،‬وبين ‪ ،‬فاإلسالم يدعو الى اإليمان واالعتقاد‪ ،‬بشرط أن يكون هناك الدليل واإلثبات‬
‫ي في ك ّّ‬
‫ل شي ّء‬ ‫القطع ّّ‬
‫مجاالت التوسط واالعتدال ‪4.‬‬

‫‪:‬من مجاالت التوسط واالعتدال‪ ،‬نذكر‬

‫ط واالعتدال فر أصل خلق البشر‬


‫‪ -‬التوس ر‬

‫ال َرُّب َك ِل ْل َمال ِئ َك ِة إ ّن َخ ِالق َب ََ ً‬


‫شا‬ ‫وذلك أن هللا خلق اإلنسان من طي األرض ونفخة من روحه‪ ،‬فقال تعاىل ‪﴿:‬إذ َق َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت فيه من ُّروح َف َق ُعوا َل ُه َساجد َ‬
‫ين﴾‪ ،‬فدل هذا عىل أن التوازن واالعتدال بي المادة‬
‫َ َ َ َّ ُ ُ َ َ َ ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ي ف ِإذا سويته ونفخ ِ ِ ِ‬ ‫ِمن ِط ن‬

‫‪.‬والروح أمر ضوري ِف حياة اإلنسان‬

‫ط واالعتدال بير العمل والعبادة‬


‫‪ -‬التوس ر‬
‫َّ ُ‬ ‫َ َ ُ‬
‫الصالة‬ ‫فاهلل تعاىل أمر عباده بالموازنة بي العبادة والعمل ِف عدد من اآليات‪ ،‬منها قوله تعاىل ‪﴿:‬ف ِإذا ق ِض َي ِت‬
‫َ‬ ‫َ َُ ُ‬ ‫ََ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫اّلل ك ِث ًيا ل َعلكم تف ِل ُحون‬ ‫اّلل َواذك ُروا‬ ‫انت َِ ُ‬
‫شوا ِ ِف األرض وابتغوا ِمن فض ِل ِ‬ ‫‪﴾.‬ف‬

‫ط واالعتدال فر كسب المال ورصفه‬


‫‪ -‬التوس ر‬
‫َ َ َ َ َ َ ُ َ ُ ُ َ َ َ ُُ َ َ َ َ َ َ َ َ‬
‫ي ذ ِلك ق َو ًاما‬‫‪﴾.‬أمر هللا سبحانه وتعاىل بالتوسط ِف اإلنفاق فقال جل شأنه ‪﴿:‬وال ِذين ِإذا أنفقوا لم يشفوا ولم يقيوا وكان ب‬

‫ط واالعتدال بير الحقوق والواجبات‬


‫‪ -‬التوس ر‬
‫ًّ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ ًّ‬ ‫َّ َ ّ َ‬ ‫َ‬
‫وإن ِلنف ِسك عليك َحقا‪،‬‬
‫الفارس« ‪ِ :‬إن ِلربك عليك حقا‪ِ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ومن النصوص الدالة عىل ذلك قول أ ِن الدرداء لسلمان‬
‫َّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ًّ َ َ‬ ‫َ‬
‫‪».‬وأله ِلك عليك َحقا ‪.‬فأع ِط ك َّل ِذي َحق َحقه‬

‫ط واالعتدال فر أداء العبادات‬


‫‪ -‬التوس ر‬

‫وبالتاىل إىل تركها جملة‪ ،‬قال‬ ‫ع إال أن الغلو والمبالغة فيها قد يؤدي إىل الملل والضجر‪،‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫إن أداء العبادات واجب ش ِ‬
‫َْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ين َأ َحد إ َّل َغ َل َب ُه ‪َ ،‬ف َس ّد ُدوا َو َقارُبوا َو َأب َِ ُ‬
‫شوا ‪َ ،‬واست ِعينوا ِبالغد َو ِة‬
‫َ َ ُ َ َّ ّ‬
‫الد َ‬ ‫ين ُيش ‪ ،‬ولن يشاد‬
‫َّ ّ‬
‫الد َ‬ ‫رسول هللا ﷺ« ‪ِ :‬إن‬
‫ِ‬
‫ُّ ْ‬ ‫َ‬
‫الرو َح ِة َو َسء ِم َن الدل َج ِة‬
‫‪َ ».‬و َّ‬
‫أثر التزام التوسط واالعتدال ومخاطر االبتعاد عنهم ‪5.‬‬
‫‪ -‬آثار التزام منهج التوسط واالعتدال‬

‫‪:‬لاللتزام منهج التوسط واالعتدال آثار كثيرة‪ ،‬منها‬

‫‪.‬أداء العمل والعبادة على الدوام‪ ،‬وضمان استمرارية أدائهما‬

‫‪.‬االقتصاد في الجهود والطاقات‬

‫‪.‬تجنب الملل والسآمة‬

‫‪.‬القيام بمختلف الواجبات وأداء كل المسؤوليات‪ ،‬وإعطاء لكل ذي حق حقه‬

‫‪.‬خلق التوازن بين مطالب الروح والجسد‬

‫‪ -‬مخاطر االبتعاد عن منهج التوسط واالعتدال‬

‫‪:‬من مخاطر االبتعاد عن منهج التوسط واالعتدال‬

‫اس فَ ْليَتَ َج َّو ْز‪ ،‬فَإِ َّن فِي ِه ُم‬


‫صلَّى بِالنَّ ِ‬
‫اس إِ َّن مِ ْن ُك ْم ُمنَف ِِرينَ ‪ ،‬فَأَيُّ ُك ْم َما َ‬
‫تنفير الناس من الدين‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪« :‬يَا أَيُّ َها النَّ ُ‬

‫ير َوذَا ْال َحا َج ِة‬


‫يض َو ْال َكبِ َ‬ ‫ْ‬
‫‪«.‬ال َم ِر َ‬

‫اربُوا َوأَ ْبش ُِروا‪،‬‬ ‫ولن يشادَّ الدِي ُن إالَّ َ‬


‫غلَبه ِ‬
‫فسددُوا وقَ ِ‬ ‫الفتور أو االنقطاع عن العمل‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪« :‬إِ َّن الدِينَ يُس ٌْر‪ْ ،‬‬

‫ش ْيء مِ ن الد ُّْلج ِة‬ ‫‪».‬واسْتعِينُوا بِ ْالغدْوةِ َّ‬


‫والر ْوح ِة و َ‬

‫ين‪ ،‬فَإِنَّهُ أَ ْه َلكَ َم ْن َكانَ قَ ْبلَ ُك ُم ْالغُلُ ُّو فِي‬


‫الوقوع في الغلو والتطرف واالنحراف‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪ِ « :‬إيَّا ُك ْم َو ْالغُلُ َّو فِي ال ِد ِ‬

‫ين‬
‫‪«.‬ال ِد ِ‬

‫خاتمة‬

‫لقد وهبنا هللا دين االسالم وجعله دين توسط وعتدال وتلك رحمة من هللا‬

‫ورفق منه على عباده فما مفهوم الرحمة والرفق ? ذلك ما سنكتشفه مع‬

‫المجموعة التالية‬

You might also like