You are on page 1of 3

‫دور التمويل البنكي في النموذج التنموي الجديد‬

‫سعيد الغماز‬
‫باحث في التنمية وتكنولوجيا الإعلام والتواصل‬
‫هسبريس‬

‫منذ الاستقلال عرف الاقتصاد المغربي ثلاث مراحل‪:‬‬


‫المرحلة الأولى من الاستقلال حتى ‪ :1980‬اتسمت هذه المرحلة بإرساء‬
‫المؤسسات الإدارية والاقتصادية لبلد حديث الاستقلال يسعى لبناء‬
‫اقتصاد مستقل‪ .‬وقد كانت الأوراش الأولى تهم إصدار العملة الوطنية‬
‫وخلق مؤسسات الوصاية والتوجيه‪ ،‬وإرساء نظام بنكي عصري‪.‬‬
‫المرحلة الثانية من ‪ 1980‬حتى ‪ :2000‬أهم ما ميز هذه المرحلة هو‬
‫تطبيق المغرب توصيات صندوق النقد الدولي الخاصة بسياسة التقويم‬
‫الهيكلي لمعالجة الاختلالات الماكرو اقتصادية التي يعاني منها الاقتصاد‬
‫الوطني‪ .‬كما عرفت هذه الفترة من تاريخ المغرب الاقتصادي سياسة‬
‫الخوصصة وتحرير الأسواق منذ ‪ 1993‬وبداية رفع الدولة يدها عن العديد‬
‫من القطاعات العمومية‪ ،‬وانفتاح أكبر للاقتصاد الوطني على الليبرالية‬
‫في الاقتصاد مع إطلاق مسلسل اتفاقيات التبادل الحر وعصرنة الأسواق‪.‬‬
‫المرحلة الثالثة من ‪ 2000‬إلى وقتنا الراهن‪ :‬عرفت هذه المرحلة اعتلاء‬
‫الملك الشاب محمد السادس لعرش المملكة‪ .‬العهد الجديد للملك محمد‬
‫سيعطي للاقتصاد المغربي دفعة قوية عنوانها البارز "سياسة‬
‫السادس ُ‬
‫الأوراش الكبرى"‪ .‬ما بين ‪ 2000‬و‪ 2009‬سيعرف المغرب ثورة حقيقية في‬
‫بنيته التحتية بتعميم الطرق السيارة وتحديث محطات القطارات واعتماد‬
‫أحدث ما توصل إليه قطاع البناء نذكر على الخصوص القناطر المعلقة‬
‫والأنفاق تحت أرضية‪ .‬في المجال السياحي سيعرف المغرب طفرة كبيرة‪،‬‬
‫ستحتل فيها مدينة مراكش موقعا رياديا ساهم فيه انفتاح المغرب على‬
‫شركات الطيران ذات التكلفة المنخفضة ومخطط تأهيل أغلب مطارات‬
‫المملكة‪ .‬في المجال الصناعي سينجح المغرب في جلب استثمارات كبيرة‬
‫هم ت على الخصوص صناعة السيارات والطائرات‪ .‬أما في مجالي‬
‫اللوجستيك والطاقة النظيفة فنشير إلى ميناء طنجة المتوسط الذي‬
‫عرف نجاحا فاق التوقعات وعرف في ظرف وجيز ثلاث توسعات‪ ،‬وإلى‬
‫محطتي نور ‪ 1‬و‪ 2‬للطاقة الشمسية في مدينة ورززات‪.‬‬
‫خلال هذه الفترة عرف المغرب طفرة تنموية وإقلاعا اقتصاديا جعله‬
‫يقترب من الدول الصاعدة التي تتوفر على نموذجها التنموي الخاص بها‪.‬‬
‫إلا أن الأزمة المالية التي شهدها العالم المتقدم انطلاقا من ‪،2009‬‬
‫ستلقي بظلالها على الاقتصاد المغربي المنخرط بشكل كبير في‬ ‫ُ‬
‫الاقتصاد العالمي‪ .‬النموذج التنموي المغربي سيتأثر بهذه الأزمة‬
‫وستعرف الكثير من الأوراش الكبرى تعثرا بسبب انسحاب رؤوس الأموال‬
‫والشركات العالمية المستثمرة في المملكة‪ .‬لكن رغم هذه الإكراهات‪،‬‬
‫سيتسلح المغرب بعزيمة قوية ورغبة جامحة لرفع التحدي‪ ،‬وسيعتمد‬
‫على إمكانياته الذاتية لمواصلة بناء المشاريع الكبرى بعد تعديل حجمها‬
‫لتناسب الإمكانيات المتاحة‪ ،‬فكأس نصف ممتلئ خير من كأس فارغ‪.‬‬
‫تعثر النموذج التنموي المغربي لا يرجع إلى أسباب خارجية فقط‪،‬‬
‫مرتبطة بالأزمة المالية العالمية والركود الاقتصادي الذي يعرفه المحيط‬
‫التجاري للملكة‪ ،‬بل يرجع كذلك إلى كثير من الأسباب الداخلية والتي‬
‫يجب على مهندسي النموذج التنموي الجديد تسليط الضوء عليها وعلى‬
‫رأسها طريقة اشتغال المؤسسات المالية خاصة الأبناك‪ .‬هذه الأخيرة لا‬
‫زالت تشتغل بطريقة تقليدية سمتها البارزة هي مصلحة البنك وحمايته‬
‫من أي مخاطر وهو الأمر الذي يجعل طالبي القروض مطالبين باستمرار‬
‫بضمانات للتصديق على القروض‪.‬‬
‫البنك التقليدي ينظر للجيوب والبنك الحديث ينظر للعقول‪ :‬بمعنى أن‬
‫الاشتغال بطريقة الضمانات مقابل القروض أصبح متجاوزا والأبناك‬
‫الحديثة والمنخرطة في التنمية تعتمد على دراسة جدوى المشروع ونسبة‬
‫نجاحه وكذلك أثره في النسيج التنموي (عدد فرص الشغل‪-‬استدامة‬
‫الفكرة‪-‬قابلية المشروع للتوسع وطنيا وعالميا‪ .)...‬فلا يعقل أن يكون‬
‫النموذج التنموي يسير في طريق الرقمنة ومجتمع المعرفة ويجعل من‬
‫التكنولوجية الحديثة رافعة للتنمية‪ ،‬وقطاعنا البنكي مازال بعيدا عن هذه‬
‫المفاهيم ويشتغل بطريقة تقليدية لا تساير مقومات النموذج التنموي‬
‫المنشود‪.‬‬
‫فالأبناك مطالبة بالانخراط التام في الديناميكية التنموية التي تعرفها‬
‫مطالبة أيضا بأن ُتنمي‬ ‫البلاد وتتخلى عن سياسة "صفر مخاطر"‪ .‬هي ُ‬
‫قدرات خبرائها لتكون لديها الكفاءة التي تمكنها من تمييز الأفكار المبدعة‬
‫والحس المقاولاتي لدى صاحبها ومدى قدرته على تطبيق فكرته وتنميتها‬
‫لتصبح عابرة للقارات‪ .‬والنموذج التنموي في حاجة لأبناك ُتمول المشاريع‬
‫على أساس قيمة الفكرة وفعالية المشروع وليس على أساس الضمانات‬
‫التي يضعها صاحب المشروع تحت وصاية البنك‪.‬‬
‫لن يحقق النموذج التنموي المنشود الأهداف المتوخاة منه إلا إذا بدأنا‬
‫نرى شبابا مقاولا يجد الطريق سالكا للتمويل بضمانات قائمة على‬
‫أساس قوة مشروعه‪ ،‬ونجاعة فكرته وإرادته الجامحة في النجاح‪ ،‬بدل‬
‫ضمانات الودائع والعقارات أو ضمانات شخص ثالث‪.‬‬

You might also like