You are on page 1of 576

‫ت�صنيف ًا ومعنى‬

‫ت�صنيف وبحث و�إعداد‬

‫ماجد بن عبداهلل �آل عبداجلبار‬

‫طريقة ُم َي َّ�س َر ٌة‪ُ ,‬ت�س ِّهل عليك حفظ �أ�سماء اهلل احل�سنى‪،‬‬
‫وفهم معانيها‪ ،‬واختيار املنا�سب منها عند الدعاء‬
‫ماجد عبداهلل عبدالعزيز العبداجلبار‪ 1433 ،‬هـ‬ ‫ح‬
‫فهر�سة مكتبة امللك فهد الوطنية �أثناء الن�شر‬
‫العبداجلبار‪ ،‬ماجد عبداهلل عبدالعزيز‬
‫الأ�سماء احل�سنى‪ :‬ت�صنيف ًا ومعنى ‪ /‬ماجد عبداهلل‬
‫عبدالعزيز العبداجلبار ‪ -‬ط‪ - 2‬الريا�ض‪ 1433 ،‬هـ‬
‫‪� 576‬ص؛ ‪� 16.5‬سم * ‪� 24‬سم‬
‫ردمك‪978 - 603 - 02 - 7757 - 5 :‬‬
‫‪ -1‬الأ�سماء وال�صفات �أ‪ .‬العنوان‬
‫‪1439 / 10406‬‬ ‫ديوي ‪241‬‬

‫رقم الإيداع‪1439/10406 :‬‬


‫ردمك‪978 - 603 - 02 - 7757 - 5 :‬‬

‫حقوق الطباعة حمفوظة‬


‫الطبعة الثانية ‪� -‬إلكرتونية‬
‫‪ 1440‬هـ ‪ 2018 -‬م‬
‫مقدمة الطبعة الثانية‬ ‫‪5‬‬

‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫مقدمة الطبعة الثانية‬

‫احلمد هلل وكفى ‪ ..‬وال�صالة وال�سالم على عبده امل�صطفى ‪ ..‬وبعد‬


‫ثمة حقيقة لدى اجلميع‪� ،‬أنه مهما حاول الإن�سان االعتماد على نف�سه وقدراته؛ فلن يتميز يف طرحه‪،‬‬
‫�إال بتوفيق من اهلل ثم بالتفاعل الإيجابي من القراء والأحباب يف تقدمي الن�صيحة‪ ،‬وطرح الآراء‬
‫اجلديدة‪ ،‬والنقد الب َّناء؛ فهو الأ�سا�س الذي ُت�ش ّيد عليه �أولى خطوات التح�سني والتجويد‪ ،‬وهو‬
‫البو�صلة التي تدل ال�سائر على االجتاه ال�صحيح‪ ،‬ورحم اهلل �أمر�أً �أهدى �إلينا عيوبنا‪.‬‬
‫منذ �صدور الطبعة الأولى من الكتاب يف �أواخر عام ‪ 1433‬هـ‪ ،‬وال زال الربيد الإلكرتوين يحمل �إلينا‬
‫�آراءكم ومقرتحاتكم ‪ ..‬متدحون فنخجل‪ ،‬وتنتقدون ف ُن�سر‪ ،‬وتف�سرون مدحكم ونقدكم فن�ستب�شر‪،‬‬
‫ونحمد اهلل �إليكم �أن كانت �أكرث الآراء عن الكتاب �إيجابية‪ ،‬و�أنه �أ�سهم يف و�ضع طريقة مي�سرة حلفظ‬
‫�أ�سماء اهلل احل�سنى‪ ،‬وفهم معانيها‪.‬‬
‫�سعيت �إلى مراجعة وتدقيق كل ما جادت به قرائحكم من �آراءٍ ومقرتحات‪ ،‬وح�صرتُ �أفكارها‬
‫وخل�صت م�ضامينها فوجدت مدارها على امللحوظات الأربع التالية‪:‬‬
‫الأولى‪َ :‬‬
‫توقف البع�ض عند فكرة الكتاب‪ ،‬وطريقة ت�صنيف الأ�سماء يف جمموعات‪،‬‬
‫وو�ضع مفتاح م�شرتك لكل جمموعة؛ و�أنه م�سلك غري م�سبوق‪ ،‬ولي�س له �سلف‪ ،‬وقد يوهم ترادف‬
‫معاين الأ�سماء يف كل جمموعة ‪ ..‬و�أح�سب �أن هذا الر�أي غري دقيق‪ ،‬وقد �أ�شرت �إلى ذلك وبينته‬
‫يف املقدمة التمهيدية للطبعة الأولى‪ ،‬و�أو�ضحت �أن �إدراج عدة �أ�سماء يف جمموعة واحدة ال‬
‫يعني الرتادف يف املعاين‪ ،‬و�إمنا وجود وحدة مو�ضوعية وعالقة م�شرتكة بني هذه الأ�سماء‪،‬‬
‫ومعرفة هذه العالقة �سوف ي�ساعد يف حفظ �أ�سماء اهلل احل�سنى‪ ،‬وفهم معانيها‪ ،‬والفروق التي‬
‫‪6‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫بينها‪ ،‬و�سرعة ا�ستح�ضارها يف �أغرا�ض الدعاء املتنوعة‪ ،‬واحلكم ــة �ضالة امل�ؤمن �أ ّنى وجدها‬
‫قد جمع يف كتابه بني عدة �أ�سماء لوجود رابط بينها دون �أن يعني‬ ‫فهو �أحق بهــا‪ ،‬واهلل‬
‫ذلك الرتادف يف معانيها‪ ،‬كقوله تعالى‪ } :‬ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﯼ ﯽ{[احلديد‪ ،]3:‬قال ابن القيم م�شريا �إلى العالقة بينها‪« :‬فمدار هذه الأ�سماء على‬
‫الإحاطة‪ ،‬وهي �إحاطتان‪ :‬زمانية ومكانية»(‪ ،)1‬وكقوله تعالى‪} :‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧ{[احل�شر‪ ،]24:‬قال ابن عا�شور‪« :‬و�إمنا ذكرت هذه ال�صفات متتابعة لأن من‬
‫جمموعها يح�صل ت�صور الإبداع الإلهي للإن�سان»(‪ ،)2‬كما جمع نبيه ‪ ¤‬بني بع�ض الأ�سماء‬
‫ري‪ ،‬يحب احلياء وال�سرت‪ ،‬ف�إذا اغت�سل‬ ‫ِيم َح ِي ٌّي �سِ ِّت ٌ‬
‫َحل ٌ‬ ‫كقوله ‪�( :¤‬إن اهلل‬
‫�أحدكم‪ ،‬فلي�سترت)(‪ ،)3‬وتطرقنا لهذه العالقة امل�شرتكة يف حمور منفرد عند حديثنا عن كل‬
‫جمموعة‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬التقدمي والت�أخري يف الرتتيب بني املجموعات �أو بني الأ�سماء يف كل جمموعة‪،‬‬
‫وكذلك م�سمى مفاتيح بع�ض املجموعات‪ ،‬وبعد الت�أمل والبحث فقد �أجريت تغيريا طفيفا يف‬
‫ترتيب بع�ض املجموعات‪� ،‬أو م�سمياتها‪� ،‬أو يف ترتيب الأ�سماء داخلها‪ ،‬ولعل املجموعة الوحيدة‬
‫التي اقت�صرت عليها امللحوظات يف مدى تنا�سب الأ�سماء املدرجة فيها هي جمموعة (ال�شكر)‬
‫والتي ا�شتملت على الأ�سماء الثالثة‪( :‬ال�شاكر وال�شكور والن�صري) و�أن ا�سم (الن�صري) ال‬
‫يتنا�سب مع مو�ضوع املجموعة ولعله �أقرب �إلى جمموعة (العزة) ‪( :‬القوي – املتني – العزيز‬
‫– الأعز)‪ ،‬وهذا يف عمومه �صحيح‪ ،‬ولكن بالت�أمل الدقيق جند �أن �صفات «القوة» و«املتانة»‬
‫مت�صف ًا بها‪ ،‬ولها تعلق بكثري‬ ‫و«العزة» تعد من ال�صفات الذاتية التي مل يزل وال يزال اهلل‬
‫من �أحوال الب�شر املختلفة‪ ،‬ولي�ست مقت�صرة على ن�صر امل�ؤمنني و�إهالك املجرمني فح�سب‪،‬‬
‫بل تتجاوزه �إلى �أمور ال عالقة لها بالن�صر كالرزق مثال‪ ،‬قال تعالى‪} :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ{[الذاريات‪ ،]58:‬فكان من الأن�سب �إدراج ا�سم (الن�صري) يف جمموعة‬
‫ي�شكر من‬ ‫(ال�شكر) لكون الن�صرة من �آحاده و�أفراده‪ ،‬وهي من �صفات الأفعال‪ ،‬واهلل‬
‫(‪( )1‬طريق الهجرتني وباب ال�سعادتني) البن القيم (�ص‪.)24 :‬‬
‫(‪ )2‬تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور (احل�شر – الآية (‪.))24‬‬
‫(‪ )3‬رواه �أبو داود والن�سائي واللفظ له و�صححه الألباين يف �صحيح الن�سائي برقم (‪ )404‬و�صحيح اجلامع برقم (‪.)1756‬‬
‫مقدمة الطبعة الثانية‬ ‫‪7‬‬

‫ن�صر دينه وكتابه ونبيه ‪ ¤‬بالن�صر والتمكني يف الدنيا والآخرة‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ{[حممد‪ ،]7:‬ولقائل �أن يقول‪� :‬ألي�ست املغفرة والتوبة من �شكر اهلل لعباده؟‪ ،‬نقول‪:‬‬
‫بلى!‪ ،‬ولكن «الن�صرة» �أخ�ص من «املغفرة»‪ ،‬ومتعلقة بحالة وفئة خم�صو�صة‪ ،‬بينما «املغفرة»‬
‫تعد من املطالب العامة التي تتعلق بحياة كل م�سلم‪ ،‬وهي مطلب حلظي وم�ستمر وت�ستحق �أن‬
‫ُيخ�ص�ص لها جمموعة‪ .‬كما �أنه ال مينع �أن تكون جمموعة مرتبطة ب�أخرى كارتباط جمموعة‬
‫«الكرم واجلود» مبجموعة «الغنى وال�سعة»‪� ،‬أو جمموعة «املغفرة» مبجموعة «الرحمة والر�أفة»‪،‬‬
‫و«ال�شكر» بـ«الوالية»‪ ،‬وغريها من املجموعات‪� ،‬إال �أن لها خ�صو�صية ت�ستحق �أن تفرد لأجلها‬
‫يف جمموعة‪ ،‬و�إن كانت بالعموم جز ًء من جمموعة �أخرى‪� ،‬أو متعلقة بها‪ ،‬وهذا يظهر جليا يف‬
‫االقرتانات‪ ،‬كاقرتان «املغفرة» و«التوبة» بـ«الرحمة» يف قوله تعالى ‪ }:‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ{ [البقرة‪ ,]192:‬وقوله تعالى‪ } :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ{[التوبة‪,]104:‬‬
‫للإ�شارة �إلى �أن املغفرة والتوبة للعبد املذنب ‪ -‬امل�ستحق للعقوبة مبقت�ضى العدل ‪ -‬ما هي �إال �أث ٌر‬
‫من �آثار رحمة اهلل ‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬رغبة الكثري من الإخوة يف زيادة اللطائف والق�ص�ص املعربة التي تتنا�سب‬
‫مع مو�ضوع كل جمموعة من جماميع الأ�سماء احل�سنى‪ ،‬وقد �سعيت كثريا يف حتقيق ذلك‪،‬‬
‫و�سرب الكثري من �أمهات الكتب بحثا عن الق�ص�ص والأقوال املنا�سبة‪ ،‬حتى ت�ضاعفت يف‬
‫معظم املجموعات‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬عدم منا�سبة «املحور العا�شر» اخلا�ص بالق�صائد واالبتهاالت ملو�ضوع الكتاب‪ ،‬ومن‬
‫باب �أولى ملو�ضوع كل جمموعة على حدة‪ ،‬ونزوال عند هذه الرغبة فقد �ألغينا هذا املحور واقت�صرنا‬
‫على املحاور الت�سعة الباقية‪.‬‬
‫لعل التغري الكبري الذي �سوف تالحظونه يف الطبعة الثانية؛ يتمثل يف الزيادة الكبرية‬
‫يف املحور التا�سع (اللطائف) والذي ُا�ستبدل م�سماه �إلى (لطائف و�أقوال) لي�ضاف‬
‫�إليه الكثري من �أقوال ال�سلف ال�صالح التي تتنا�سب مع مو�ضوع كل جمموعة‪ ،‬كما عوجلت‬
‫الأخطاء املطبعية والإمالئية‪� ،‬إلى جانب بع�ض التعديالت والإ�ضافات هنا وهناك ال�سيما‬
‫املحور ال�ساد�س (فوائد االقرتانات)‪.‬‬
‫تكاد الطبعة الأولى �أن تنفد من الأ�سواق‪ ،‬ورغبة يف ن�شر هذا الكتاب‪ ،‬ونزوال عند رغبة‬
‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الكثريين بن�شره على الإنرتنت وال �سيما من خارج اململكة‪ ،‬فقد خ�ص�صت الطبعة الثانية‬
‫للن�شر الإلكرتوين على هيئة ملف (‪ ،)PDF‬و�س�أتريث يف طباعته حلني ا�ستقبال جميل‬
‫�أفكاركم وملحوظاتكم‪ ،‬فال تبخلوا بها على �أخيكم‪ ،‬فهي ‪-‬كما ذكرت‪ -‬الو�سيلة الوحيدة يف‬
‫�إحداث االرتقاء النوعي لهذا الكتاب وجعله �أكرث من جمرد رقم ي�ضاف �إلى قائمة الكتب‬
‫التي متتلئ بها �أرفف املكتبات‪ ،‬مع رجائي اخلا�ص لكل من وجد فائدة منا�سبة �أو قو ًال م�أثورا‬
‫�أو حكمة خفية �أو ق�صة معربة تتنا�سب مع �أي حمور من حماور املجموعات �أن يرا�سلني بها‬
‫على بريدي الإلكرتوين‪.‬‬
‫�أ�س�أل اهلل الواحد الأحد‪ ،‬ال�سيد ال�صمد �أن يجعل هذا العمل خال�ص ًا لوجهه الكرمي و�أن ينفع به‬
‫امل�سلمني‪� ،‬إنه جواد كرمي واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬
‫ �أبو �أحمد‬
‫غرة �صفر ‪ 1440 -‬هـ‬ ‫ ‬
‫‪MajidAbduljabbar@gmail.com‬‬
‫‪9‬‬

‫متهيــد‬
‫‪10‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫مقدمة الطبعة الأولى‬


‫�إن احلمد هلل‪ ،‬نحمده ون�ستعينه ون�ستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من �شرور �أنف�سنا‪ ،‬ومن �سيئات‬
‫�أعمالنا‪ ،‬من يهده اهلل فال م�ضل له‪ ،‬ومن ي�ضلل فال هادي له‪ ،‬و�أ�شهد �أن ال �إله �إال اهلل وحده‬
‫ال �شريك له‪ ،‬و�أ�شهد �أن حممد ًا عبده ور�سوله‪ } ،‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ{[�آل عمران‪ } ،]102:‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ{[الأحزاب‪� .. ]71– 70:‬أما بعد‪:‬‬
‫ف�إن الغاية التي ُخلق الإن�سان من �أجلها‪ ,‬و�أوجد يف الأر�ض ب�سببها؛ عبادة اهلل كما‬
‫قال �سبحانه‪} :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ{[الذاريات‪ ،]56:‬وعبادته ال تت�أتى �إال‬
‫والعلم بـ «�أ�سماء‬
‫ُ‬ ‫مبعرفته‪ ،‬وكلما عظمت معرفة العبد ربه؛ عظمت عبادته له‪ ،‬ولذا كان الفق ُه‬
‫هّ‬
‫الل احل�سنى و�صفاته العلى» �أج�� َّل املقا�صـد‪ ،‬و�أزك��ى الغايات‪ ،‬و�أنف َع العلوم‪ ،‬و� َ‬
‫أ�شرف الفقه‬
‫و�أعاله‪ ،‬وهو «الفقه الأكرب» ‪-‬كما �سماه بع�ض العلماء(‪ -)1‬ويعد من الأ�سباب الرئي�سة للدخول‬
‫يف اخلريية التي �أ�شار �إليها النبي ‪ ¤‬بقوله‪(:‬من يرد اهلل به خري ًا يفقهه يف الدين(‪)2‬؛ لأنه‬
‫ُيع ِّرف النا�س بربهم ‪�-‬سبحانه‪ -‬الذي هو �أ�شرف معلوم‪ ،‬و�أج ُّل مق�صود‪ ،‬و�أعظم حممود‪ ،‬و�أحق‬
‫ممدوح‪ ،‬ال نح�صي ثناء عليه‪ ،‬هو كما �أثنى على نف�سه ‪�-‬سبحانه‪ -‬يقول ابن القيم‪�« :‬إن �شرف‬
‫العلم تابع ل�شرف معلومه‪ ،‬لوثوق النف�س ب�أدلة وج��وده وبراهينه‪ ،‬ول�شدة احلاجة �إلى‬
‫معرفته‪ ،‬وعظم النفع بها‪ ،‬وال ريب �أن �أج َّل معلوم‪ ،‬و�أعظمه‪ ،‬و�أكربه؛ هو اهلل الذي ال �إله‬
‫(‪ )1‬قال الإمام ابن �أبي العز احلنفـي يف مقدمة �شرحه للعقيدة الطحاوية ‪« :‬ملا كان علم �أ�صول الدين �أ�شرف العلوم؛ �إذ �شرف‬
‫العلم ب�شرف املعلوم‪ ،‬وهو الفقه الأكرب بالن�سبة �إلى فقه الفروع ‪ ..‬وحاجة العباد �إليه فوق كل حاجة‪ ،‬و�ضرورتهم �إليه فوق كل‬
‫�ضرورة‪ ،‬لأنه ال حياة للقلوب‪ ،‬وال نعيم وال طم�أنينة �إال ب�أن تعرف ربها ومعبودها وفاطرها‪ ،‬ب�أ�سمائه و�صفاته و�أفعاله»‪ ،‬وقال ال�شيخ‬
‫�سفر بن عبدالرحمن احلوايل يف �شرحه لهذه العقيدة‪�« :‬إن �شرف العلم ب�شرف املعلوم‪ ،‬فمعرفة اهلل ‪-‬تبارك وتعالى‪ -‬هي‬
‫الفقه الأكرب‪ ،‬وهي �أعظم العلوم والغايات‪ ،‬و�أ�شرف ما ي�سعى �إليه امل�ؤمنون جميعاً‪ ،‬فال يجوز لأحد �أن ُيه ِّو َن من �أمرها‬
‫�أو ي�شكك فيها‪� ،‬أو يقول‪ :‬لي�س هناك دا ٍع �إِ َلى معرفة توحيد الأ�سماء وال�صفات‪ .‬لو قال رجل‪ :‬لي�س هناك داع �أن يعلم‬
‫النا�س ال�صالة والزكاة لأنكر عليه جميع امل�سلمني‪ ،‬فكيف بالتوحيد؟! وهو �أعظم؛ لأن معرفة اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬يف ذاته‬
‫�أعظم من معرفة حقه‪ ،‬فاعتقادنا فيه �أعظم من فعلنا له» امل�صدر‪ :‬كتاب (�شرح العقيدة الطحاوية) لل�شيخ �سفر بن عبد‬
‫الرحمن احلوايل (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)15-14:‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ :‬رواه البخاري برقم (‪ ،)71‬ورواه م�سلم برقم (‪.)1037‬‬
‫تمهيد‬ ‫‪11‬‬

‫�إال هو رب العاملني»(‪ ،)3‬ويقول ابن العربي‪�« :‬شرف العلم ب�شرف املعلوم‪ ،‬والبارئ �أ�شرف‬
‫املعلومات؛ فالعلم ب�أ�سمائه �أ�شرف العلوم»(‪ ،)4‬ويقول الرازي‪�« :‬أ�شرف اللذات لذة العلم‬
‫واملعرفة‪ ،‬و�أ�شرف العلم العلم الإلهي؛ ل�شرف معلومه‪ ،‬و�شدة احلاجة �إليه»(‪.)5‬‬
‫أ�سا�س والقاعد َة ال�صلبة التي يعتلي عليها بنيان‬
‫ول�شرف هذا العلم و�أهميته كان ال َ‬
‫الدين و�أركانه‪ ،‬وعلى قدر توثيق الأ�سا�س و�إحكامه يعلو البنيان وت�سلم الأركان‪ .‬يقول ابن‬
‫القيم‪« :‬من �أراد علو بنيانه فعليه بتوثيق �أ�سا�سه و�إحكامه‪ ،‬و�شدة االعتناء به‪،‬‬
‫ف�إن علو البنيان على قدر توثيق الأ�سا�س و�إحكامه‪ ،‬فالأعمال والدرجات بنيان‪،‬‬
‫و�أ�سا�سها الإميان‪ ,‬ومتى كان الأ�سا�س وثيقا حمل البنيان واعتلى عليه‪ ،‬و�إذا تهدم‬
‫�شيء من البنيان �سهل تداركه‪ ,‬و�إذا كان الأ�سا�س غري وثيق مل يرتفع البنيان ومل‬
‫يثبت ‪ ..‬وهذا الأ�سا�س �أمران‪ ،‬الأول‪� :‬صحة املعرفة باهلل و�أمره و�أ�سمائه و�صفاته‪،‬‬
‫والثاين‪ :‬جتريد االنقياد له ولر�سوله دون ما �سواه»(‪.)6‬‬
‫ومما يدل على �شرف هذا العلم و�أهميته �أنه ال تكاد تخلو منه �آية من �آيات الذكر احلكيم‪،‬‬
‫و�أعظم �آية يف القر�آن الكرمي (�آية الكر�سي) ت�ضمنت ذكر �أ�سماء اهلل و�صفاته‪ ،‬و�أف�ضل �سور‬
‫وعدَ َلت �سورة (الإخال�ص)‬ ‫القر�آن (الفاحتة) ا�شتملت على ذكر اهلل‪ ،‬وذكر �أ�سمائه و�صفاته‪َ ،‬‬
‫ثلث القر�آن؛ لأن فيها �صفة الرحمن‪ ،‬وجاء يف ال�صحيح ق�صة ال�صحابي اجلليل الذي �أُر�سل يف‬
‫�سرية‪ ،‬فكان ي�صلي ب�أ�صحابه‪ ،‬ويختم قر�آءته يف كل ركعة ب�سورة الإخال�ص‪ ،‬وعلل فعله بقوله‪:‬‬
‫فب�شره النبي ‪ ¤‬وقال‪�( :‬أخربوه �أن اهلل‬ ‫«لأنها �صفة الرحمن‪ ،‬و�أنا �أُحِ ُّب �أن �أقر�أ بها»‪ّ ،‬‬
‫ُي ِح ُّبه)(‪ ،)7‬فاهلل يحب �أ�سماءه و�صفاته‪ ،‬ويحب من يحب ذكرها‪ ،‬ويحب ظهور �آثارها على‬
‫مي يحب �أهل الكرم‪ ،‬جوا ٌد يحب �أهل‬ ‫العبد‪ ،‬ف�إنه جمي ٌل يحب اجلمال‪ ،‬عف ٌو يحب �أهل العفو‪ ،‬كر ٌ‬
‫قوي يحب امل�ؤمن القوي‪,‬‬
‫والب‪ٌ ،‬‬‫اجلود‪ ،‬علي ٌم يحب �أهل العلم‪ ،‬حم�سنٌ ب ٌر يحب �أهل الإح�سان رِ‬
‫طيب يحب الطيبني والطيبات‪ ،‬والطيب من كل �شيء هو خمتاره تعالى‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫(‪( )3‬مفتاح دار ال�سعادة) البن القيم (جـ‪� – 1 :‬ص‪.)111 – 110 :‬‬
‫(‪�( )4‬أحكام القر�آن) البن العربي (جـ‪� - 2 :‬ص‪.)993 :‬‬
‫(‪( )5‬ال�صواعق املر�سلة) البن القيم (جـ‪� - 2:‬ص‪ )665 :‬وعزاه للرازي يف كتابه (اق�سام اللذات)‪.‬‬
‫(‪( )6‬الفوائد) البن القيم (�ص‪.)156 - 155 :‬‬
‫(‪ )7‬متفق عليه (رواه البخاري برقم (‪ ،)7375‬ورواه م�سلم برقم (‪.))813‬‬
‫‪12‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫والإميانُ ‪ -‬كما هو مقرر عند �أهل ال�سنة واجلماعة ‪ -‬اعتقا ٌد بالقلب‪ ،‬وقو ٌل بالل�سان‪،‬‬
‫وعم ٌل باجلوارح والأركان‪ ،‬فهناك تالزم بني االعتقاد وبني القول والعمل‪ ،‬فالأول �أ�سا�س‪،‬‬
‫والثاين ثمرة له‪ ،‬ومن مقت�ضياته وموجباته‪ ،‬و�أعظم ما ُعمرت به القلوب‪ ،‬و�أُن�يرت به‬
‫ال�صدور؛ العلم واليقني ب�أ�سماء اهلل احل�سنى‪ ،‬و�صفاته العلى؛ ذلك �أن العلم باهلل يورث‬
‫عبادته وحده‪ ،‬وخ�شيته وتعظيمه و�إجالله وحمبته والتوكل عليه‪ ،‬وتفوي�ض الأمور كلها �إليه‪،‬‬
‫وكلما حقق العبد معاين �أ�سماء اهلل احل�سنى اعتقاد ًا وذكر ًا وعم ًال؛ كان �أكمل النا�س توحيد ًا‬
‫و�إميان ًا‪ ،‬و�أ�شدهم هلل تعظيما و�إجالال‪ ،‬و�أ�صدقهم ت�سليما واتباعا‪.‬‬
‫ومع �أهمية املو�ضوع‪ ،‬و�أثره الكبري يف عقيدة امل�ؤمن وثباته‪ ،‬ونظرته �إلى احلياة والكون‬
‫والدنيا برمتها‪ ،‬ودوره العظيم يف بث روح الطم�أنينة والأم��ل‪ ،‬ال �سيما يف ظل الفنت التي‬
‫تعي�شها الأمة اليوم‪� ،‬إال �أن الكثريين غفلوا عنه‪ ،‬لأ�سباب عديدة‪ ،‬لي�س هذا جمال ذكرها‬
‫وا�ستق�صائها‪ ،‬ولكني �أح�سب �أن الرتابة التي �صاحبت ُطرق عر�ض وطرح مو�ضوع �أ�سماء اهلل‬
‫احل�سنى كان له �أكرب الأثر يف عزوف الكثريين عنه‪ ،‬ف�ض ًال عن ا�ست�صحابه يف دروب احلياة‬
‫التي ال غنى مل�سلم يرجو النجاة فيها �إال به‪.‬‬
‫ولأجل هذا كله‪ ،‬وللحاجة املا�سة لإعادة طرح املو�ضوع من جديد‪ ،‬وب�أ�سلوب‬
‫بديع مبتكر‪ ،‬جنمع فيه ما اف�ترق‪ ،‬ونرتب منه ما تناثر واختلط‪ ،‬ج��اءت فكرة‬
‫�إ��ص��دار ه��ذا الكتاب ال��ذي كانت ب��داي��ات��ه منذ م��ا يزيد ع��ن رب��ع ق��رن‪� ،‬أ��س��أل اهلل‬
‫الكرمي‪ ،‬رب العر�ش العظيم‪� ،‬أن ينفع به كاتبه وقارئه ‪� ..‬إن��ه ويل ذلك والقادر‬
‫عليه‪ ،‬واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬
‫�أبو �أحمد‬
‫غرة رجب ‪ 1433 -‬هـ‬
‫‪MajidAbduljabbar@gmail.com‬‬
‫تمهيد‬ ‫‪13‬‬

‫منهجية الكتاب‬
‫�أو ًال‪ :‬للكتاب ق�صة‪:‬‬
‫خالل �أيام ال�صبا طرق م�سامعي حديث ر�سول اهلل ‪�(:¤‬إن هلل ت�سعة وت�سعني‬
‫ا�سم ًا؛ مائة �إال واحد ًا‪ ،‬من �أح�صاها دخل اجلنة)(‪ ،)8‬ففرحت به فرح ًا عظيم ًا‪ ،‬وعقدت‬
‫العزم على حفظ �أ�سماء اهلل احل�سنى‪ ،‬ومعرفة معانيها‪ ،‬والدعاء بها يف مقا�صد الدعاء‬
‫املتنوعة‪ ،‬كما �أمرنا ‪�-‬سبحانه‪ -‬يف قوله تعالى‪ } :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ{[الأعراف‪ ،]180:‬ف�ش ّمرت عن‬
‫�ساعد اجلد‪ ،‬وجمعت العديد من امل�ؤلفات امل�صنفة يف هذا الباب‪ ،‬وكان منها القدمي ومنها‬
‫احلديث‪ ،‬وقمت ببحث الأ�سماء احل�سنى الثابتة‪ ،‬وتلخي�صها يف مذكرة ال زلت �أحتفظ بها‬
‫�إلى اليوم‪ ،‬وبعد البحث والتلخي�ص واجهتني خم�س مع�ضالت‪:‬‬
‫الأولى‪ :‬تن ّوع تعداد وح�صر �أ�سماء اهلل احل�سنى بني امل�صنفات امل�ؤلفة يف هذا‬
‫الباب؛ فما جتده هنا ال جتده هناك!‪ ،‬وتف�سري معنى اال�سم هناك يختلف عن معناه هنا!‪،‬‬
‫ناهيك عن �سرد �أ�سماء م�شتقة باجتهادات وا�ستدالالت حتتاج �إلى مراجعة وحترير‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬الذهول عن �أ�سماء اهلل احل�سنى املنا�سبة للدعاء‪ ،‬ون�سيانها عند احلاجة‪،‬‬
‫وعدم وجود قاعدة �أو طريقة ُت�س ِّهل حفظ �أ�سماء اهلل احل�سنى عن ظهر قلب‪ ،‬وا�ستح�ضار‬
‫املنا�سب منها يف �أغرا�ض الدعاء املتنوعة‪ ،‬ال �سيما غري امل�شتهر منها على الأل�سن‪ ،‬وقد ثبت‬
‫الن�ص بوروده نحو‪( :‬احلق املبني املتني الد َّيان املنان الوا�سع الوارث) وغريها‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬التقارب يف املعاين بني بع�ض �أ�سماء اهلل احل�سنى املتباينة يف اال�شتقاق‪،‬‬
‫نحو‪( :‬الواحد والأحد)‪( ،‬البا�سط واملعطي والوهاب)‪(،‬الواحد والوتر)‪( ،‬اجلبار‬
‫وال �ق �ه��ار)‪( ،‬ال��رح �ي��م وال� � ��ر�ؤوف)‪( ،‬ال �ك��رمي واجل � ��واد)‪( ،‬املحيط واملهيمن)‪،‬‬
‫(‪ )8‬متفق عليه؛ رواه البخاري برقم (‪ ،)2736‬ورواه م�سلم برقم (‪.)2677‬‬
‫‪14‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫(احلميد والطيب)‪( ،‬العليم واخلبري)‪( ،‬القدير والقوي)‪( ،‬الغني والوا�سع)‪،‬‬


‫(الرفيق واللطيف)‪( ،‬الرقيب وال�شهيد)‪( ،‬الرازق واملقيت)‪( ،‬ال�سيد وال�صمد)‪،‬‬
‫(العفو والغفور) وغريها‪ ،‬ولعل هذا ما دعا بع�ض العلماء �إلى تف�سري بع�ض الأ�سماء‬
‫ببع�ضها‪ ،‬كمن يف�سر (املهيمن) بـ(الرقيب)‪ ،‬و(الرقيب) بـ(احلافظ)‪ ،‬و(احلافظ)‬
‫بـ(العليم) ‪ ..‬وهكذا‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬ال�صعوبة يف التفريق بني �أ�سماء اهلل احل�سنى امل�شتقة م��ن �صفة‬
‫واحدة‪ ،‬نحو‪( :‬الل(‪ )9‬والإله)‪( ،‬احلافظ واحلفيظ)‪( ،‬الكرمي والأكرم)‪( ،‬اخلالق‬
‫واخلالّ ق)‪( ،‬القادر والقدير واملقتدر)‪( ،‬امللك واملليـك واملالك)‪( ،‬العلي والأعلى‬
‫واملتعال)‪( ،‬الغفور والغفار)‪( ،‬الرحمن والرحيم)‪( ،‬العزيز والأع ��ز)‪( ،‬العامل‬
‫والعليـــم)‪( ،‬ال��رازق والـــر ّزاق)‪( ،‬ال��ويل واملولى)‪( ،‬ال�شاكر وال�شكور) (القاهر‬
‫والقهار)‪ ،‬وهل هي متباينة يف الألفاظ‪ ،‬ومرتادفة يف املعاين‪� ,‬أم �أنها متغايرة‪ ،‬وبع�ضها‬
‫يزيد بخ�صو�صية يف املعنى عن الآخر؟‪.‬‬
‫اخلام�سة‪ :‬احلكمة من االقرتانات بني �أ�سماء اهلل احل�سنى‪ ،‬وهي كثرية يف القر�آن‬
‫الكرمي‪ ،‬ونحن ن�ؤمن ب�أن كل ا�سمني اقرتنا‪ ،‬ف�إن هلل �صفة كمال من كل ا�سم على حدة‪،‬‬
‫وله ‪�-‬أي�ض ًا‪� -‬صفة كمال �أخرى من اقرتانهما‪ ،‬ومن الإعجاز يف هذا الباب �أننا جند بع�ض‬
‫االقرتانات تتكرر �أكرث من مرة‪ ،‬مع االختالف يف التقدمي والت�أخري؛ كقوله تعالى‪{ :‬ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ}[البقرة‪ ]32:‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫{ ﮦﮧﮨﮩﮪ ﮫﮬ ﮭﮮﮯ ﮰﮱ}[الزخرف‪ ،]84:‬وكقوله‬
‫تعالى‪{ :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ}[�سب�أ‪ ،]2:‬وقوله تعالى‪{ :‬ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ ﭹ}[يو�سف‪ ،]98:‬وكقوله تعالى‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫(‪ )9‬على قول من يرى �أن ا�سم (اهلل) م�شتقٌ‪ ،‬ولي�س ا�سم علم غري م�شتق‪ ،‬كما �سي�أتي‪.‬‬
‫تمهيد‬ ‫‪15‬‬

‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ{ [البقرة‪ ،]225:‬وقول تعالى‪ }:‬ﮒ ﮓ ﮔ‬


‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨ{ [الإ�سراء‪ ،]44:‬فما ُقدِّ م هنا �أُ ِّخر هناك‪ ,‬مما ي�شري �إلى �أن هنالك حكمة بالغة‬
‫من ذلك‪ .‬فما هي؟!‪.‬‬
‫كنت �أمتنى �أن �أجد مرجع ًا دقيق ًا و�شام ًال يف هذا الباب‪ ،‬يعالج هذه املع�ضالت‪،‬‬
‫ويك�شف خباياها‪ ،‬ومع �أن املكتبات مليئة بامل�ؤلفات اجلميلة‪ ،‬ال �سيما من املت�أخرين‪� ،‬إال‬
‫�أنه يالحظ على معظمها عدم الإف�صاح عن �ضوابط حتديد �أ�سماء اهلل احل�سنى‪ ،‬مع‬
‫ا�ستخدام الطريقة املعتادة يف �شرح كل ا�سم على حدة‪ ،‬والتو�سع والإ�سهاب يف احلديث عن‬
‫املعاين اللغوية وال�شرعية‪ ،‬وربطها بواقع النا�س واخللق والكون‪ ،‬دون الإجابة عن الت�سا�ؤالت‬
‫املبا�شرة واملتعلقة بالعالقة التي تربط الأ�سماء بع�ضها ببع�ض‪� ،‬إلى جانب �إيجاد طرق‬
‫وقواعد لت�سهيل حفظها‪ ،‬وفهم معانيها‪ ،‬وا�ستح�ضارها عند احلاجة‪ ،‬مع حتديد مقا�صد‬
‫الدعاء التي تنا�سبها‪.‬‬
‫توقف املو�ضوع عند هذا احلد ملدة (‪� 25‬سنة)‪ ،‬ويف بدايات عام (‪ 1431‬هـ) وقعت‬
‫عيني على مذكرة ال�صبا‪ ،‬التي خل�صت فيها �أ�سماء اهلل احل�سنى‪ ،‬فعاودين ال�شوق واحلنني‬
‫من جديد‪ ،‬ونازعتني نف�سي �أن �أجد �أجوبة �شافية لتلك الت�سا�ؤالت‪ ،‬وبعد طول ت�أمل وتفكري‪،‬‬
‫عزمت على بحث املو�ضوع مرة �أخ��رى‪ ،‬وب�آلية مبتكرة‪ ،‬تعالج تلك املع�ضالت‪ ،‬وتك ّمل ما‬
‫ومتوخي ًا التي�سري‬
‫ّ‬ ‫ب��د�أه وقام به الآخ��رون‪ ،‬متح ّري ًا يف ذلك منهج �أهل ال�سنة واجلماعة‪،‬‬
‫فو�ضعت اخلطة‪ ،‬و�صغت املحاور‪ ،‬وجمعت املراجع‪ ،‬وبد�أ‬
‫ُ‬ ‫واالخت�صار والو�ضوح يف ال�شرح ‪..‬‬
‫البحث‪ ،‬وكان هذا الكتاب‪.‬‬
‫‪16‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ثاني ًا‪ :‬ما اجلديد؟‬


‫�إن �أرفف املكتبات مليئة بامل�صنفات التي عاجلت مو�ضوع �أ�سماء اهلل احل�سنى‪ ،‬و�إن‬
‫مل يتميز جديد هذا الباب ب�شيء مبدع وم�شوق ‪-‬ي�ساعد امل�سلم يف حتقيق معنى الإح�صاء‬
‫الوارد يف حديث النبي ‪ -¤‬فل�سنا يف حاجة �إلى زيادة عدد تلك امل�ؤلفات بكتاب جديد؛ لذا‬
‫�سعيت يف هذا الكتاب �إلى الت�شويق يف طريقة عر�ض �أ�سماء اهلل احل�سنى‪ ،‬والتجديد يف‬
‫�أ�سلوب �إخراجها‪ ،‬و�إعادة ترتيبها‪ ،‬مبا ي�ساعد على فهمها وحفظها و�سرعة ا�ستح�ضارها‪،‬‬
‫دون التدخل يف م�ضمونها �أو حمتواها‪ ،‬فما �أنا �سوى ناقل لأق��وال ال�سلف ال�صالح‪ ،‬متبع‬
‫لهم‪ ..‬وكما قيل يف �أغرا�ض الت�أليف‪ ،‬ومنها‪ :‬جتميع ما افرتق‪ ،‬وما تناثر منه واختلط ‪ ..‬واهلل‬
‫امل�ستعان وعليه التكالن‪.‬‬
‫لقد �أوتي النبي ‪ ¤‬جوامع الكلم فقال ‪(:¤‬ن�صرت بالرعب‪ ،‬و�أوتيت جوامع الكلم)(‪،)10‬‬
‫قال الإمام النووي‪ « :‬وكالمه ‪ ¤‬كان باجلوامع‪ :‬قليل اللفظ كثري املعاين»(‪ ،)11‬ومن‬
‫جوامعه ‪ ¤‬ما رواه �أن�س بن مالك ‹ قال‪ :‬كنت �أ�سمع النبي ‪ ¤‬يكرث �أن يقول ‪( :‬اللهم‬
‫حل َ��زن‪ ،‬والعجز والك�سل‪ ،‬والبخل واجلنب‪ ،‬و�ضلع الدين‪،‬‬‫الهم وا َ‬
‫�إين �أعوذ بك من ِّ‬
‫وغلبة الرجال)(‪ ،)12‬قال الإمام ابن القيم معلق ًا على هذا احلديث املعجز‪ ،‬وما جمعه‬
‫من املعاين العظيمة ‪�« :‬أ�شياء ثمانية ا�ستعاذ منها النبي ‪ ،¤‬وكل اثنني منها قرينان‪،‬‬
‫فـ (الهم واحلزن) قرينان؛ ف�إن املكروه الوارد على القلب �إن كان من �أمر م�ستقبل‬
‫يتوقعه �أحدث الهم‪ ،‬و�إن كان من �أمر ما�ض قد وقع �أحدث احلزن‪ ،‬و(العجز والك�سل)‬
‫قرينان؛ ف�إن تخلف العبد عن �أ�سباب اخلري والفالح �إن كان لعدم قدرته فهو العجز‪،‬‬
‫و�إن كان لعدم �إرادته فهو الك�سل‪ ،‬و(اجلنب والبخل) قرينان! ف�إن عدم النفع منه �إن‬
‫كان ببدنه فهو اجلنب‪ ،‬و�إن كان مباله فهو البخل‪ ،‬و(�ضلع الدين وغلبة الرجال)‬
‫قرينان؛ ف�إن ا�ستعالء الغري عليه �إن كان بحق فهو من �ضلع الدين‪ ،‬و�إن كان بباطل‬
‫فهو غلبة الرجال»(‪.)13‬‬
‫(‪�( )11‬شرح م�سلم) للنووي (�ص‪.)403:‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )10‬رواه م�سلم برقم (‪.)523‬‬
‫(‪( )13‬اجلواب الكايف) البن القيم (�ص‪.)85 - 84:‬‬ ‫ ‬
‫(‪ )12‬رواه البخاري برقم (‪.)2893‬‬
‫تمهيد‬ ‫‪17‬‬

‫توقفت كثري ًا عند تعليق ابن القيم ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬على هذا احلديث العظيم‪ ،‬وكيف‬
‫جمع النبي ‪ ¤‬ب�ألفاظه القليلة هذه املعاين العظيمة ال�شاملة‪ ،‬التي قد ال تتحرك بها خواطر‬
‫أنى وجدها فهو �أحق‬
‫كثري ممن ي�ستعيذ من هذه الأ�شياء الثمانية!‪ ،‬واحلكمة �ضالة امل�ؤمن � ّ‬
‫بها!‪ ،‬لتنقدح يف ذهني فكرة هذا الكتاب يف اال�ستفادة من هذا املنهج اجلميل يف حماولة‬
‫ترتيب وت�صنيف �أ�سماء اهلل احل�سنى املتقاربة يف معانيها‪ ،‬ويجمعها مو�ضوع واحد‪ ،‬بحيث‬
‫ترتبط �أ�سماء كل جمموعة بعامل م�شرتك‪ ،‬ويعد هذا العامل مفتاح املجموعة‪ ،‬ومن خالل‬
‫املفاتيح تت�شكل يف عقل القارئ خارطة ذهنية لكل املجموعات‪ ،‬ت�سهل على امل�سلم حفظ‬
‫�أ�سماء اهلل احل�سنى عن ظهر قلب مع ا�ستح�ضار املنا�سب منها عند الدعاء‪ ،‬مع معرفته‬
‫ب�أ�سماء كل جمموعة‪ ،‬وفهم معانيها‪ ،‬والفروق التي بينها‪.‬‬
‫لدي بعد درا�سة الأ�سماء احل�سنى املح�صاة يف هذا الكتاب وعددها (‪107‬‬
‫جت َّمع َّ‬
‫�أ�سماء) ثالثون جمموعة كالتايل‪:‬‬
‫جماميع الأ�سماء‬ ‫ ‬
‫املفتاح‬ ‫املجموعة ‬
‫‪ُ :‬‬
‫اهلل ‪ -‬ال َّر ُّب ‪ -‬الإِ َل ُه‬ ‫ ‬ ‫وه َّي ُة‬‫الأُ ُل ِ‬ ‫ ‬
‫‪1.1‬‬
‫‪ :‬ال َو ِاح ُد ‪ -‬ال َأح ُد ‪ -‬ال ِوت ُر‬ ‫ال َو ْح َدا ِن َّي ُة ‬ ‫‪ 2.2‬‬
‫الظ ِاه ُر ‪ -‬ال َب ِاطنُ‬ ‫‪ :‬الأ َّو ُل ‪ -‬ال ِآخ ُر ‪َّ -‬‬ ‫ ‬ ‫اط ُة‬ ‫ال َإح َ‬ ‫ ‬
‫‪3.3‬‬
‫اجلمِ ي ُل ‪َّ -‬‬
‫الط ِّي ُب‬ ‫احلمي ُد ‪َ -‬‬ ‫‪َ :‬‬ ‫ ‬ ‫احل ْم ُد‬ ‫َ‬ ‫‪4.‬‬
‫‪ 4‬‬
‫الم ‪ -‬املُ َت َكبِرّ ُ‬‫ال�س ُ‬ ‫و�س ‪َّ -‬‬ ‫بوح ‪ -‬ال ُق ُّد ُ‬‫ال�س ُ‬‫‪ُّ :‬‬ ‫ ‬ ‫ال َت ْن ِـزي ُه‬ ‫ ‬‫‪5.5‬‬
‫‪ :‬ال َك ِب ُري ‪ -‬ال َع ِظ ُيم ‪ -‬ا َملجي ُد‬ ‫ ‬ ‫ا ْل َع َظ َم ُة‬ ‫ ‬
‫‪6.6‬‬
‫‪ :‬ال َع ِل ُّي ‪ -‬ال ْأعلى ‪ -‬املت َع ُال‬ ‫ ‬ ‫ا ْل ُع ُل ُّو‬ ‫ ‬
‫‪7.7‬‬
‫ال�سمِ ي ُع ‪ -‬ال َب ِ�ص ُري‬ ‫‪َ :‬‬
‫احل ُّي ‪َّ -‬‬ ‫ ‬ ‫الحْ َ َيا ُة‬ ‫‪8.‬‬
‫ ‬ ‫‪8‬‬
‫‪ :‬ال َعالمِ ُ ‪ -‬الع ِل ُيم ‪ -‬اخل ِب ُري ‪ -‬الحْ َ ِك ُيم‬ ‫ ‬ ‫الحِْ ْك َم ُة‬ ‫ ‬
‫‪9.9‬‬
‫‪ :‬ال َّر ْح َمنُ ‪ -‬ال َّر ِح ُيم ‪ -‬ال َّر� ُ‬
‫ؤوف‬ ‫ ‬ ‫ال َّر ْح َم ُة‬ ‫ ‬
‫‪1010‬‬
‫‪18‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪ :‬ال َقا ِد ُر ‪ -‬ال َق ِدي ُر ‪ِ -‬‬


‫املقتد ُر‬ ‫ ‬ ‫ا ْل ُق ْد َر ُة‬ ‫‪1111‬‬
‫ ‬
‫ني ‪ -‬ال َع ِزي ُز ‪ -‬ال ّأع ُز‬ ‫‪ :‬ال َق ِو ُّي ‪ -‬ا َمل ِت ُ‬ ‫ ‬ ‫ا ْل ِع َّز ُِة‬ ‫ ‬
‫‪1212‬‬
‫‪ :‬ال َغ ِن ُّي ‪ -‬ال َوا�سِ ُع ‪ -‬ال َق ُّي ُ‬
‫وم‬ ‫ ‬ ‫ال َق ُّي ْو ِم َّي ُة‬ ‫ ‬
‫‪1313‬‬
‫يك‬ ‫‪ :‬ا َمل ِل ُك ‪ -‬ا َملا ِل ُك ‪ -‬ا َمل ِل ُ‬ ‫ ‬ ‫املُ ْل ُك‬ ‫ ‬
‫‪1414‬‬
‫اجل َوا ُد ‪ -‬البرَ ُّ‬ ‫‪ :‬ال َكر ُمي ‪ -‬الأَ ْك َر ُم ‪َ -‬‬ ‫ ‬ ‫ا ْل َك َر ُم‬ ‫ ‬‫‪1515‬‬
‫يف ‪ -‬ال َّرفيقُ‬ ‫‪ :‬ال َّل ِط ُ‬ ‫ ‬ ‫اللُّ ْط ُف‬ ‫‪ 1616‬‬
‫خل َّال ُق ‪ -‬ال َبار ُِئ ‪ -‬املُ َ�ص ِّو ُر ‪ -‬املُ ْح�سِ نُ‬ ‫خلا ِلقُ ‪ -‬ا َ‬ ‫‪:‬ا َ‬ ‫ ‬ ‫الخْ َ ْلقُ‬ ‫ ‪17‬‬
‫‪17‬‬
‫فيظ ‪ -‬املُ َه ْيمِ نُ‬ ‫احل ُ‬ ‫افظ ‪َ -‬‬ ‫احل ُ‬ ‫يط ‪َ -‬‬ ‫‪ :‬المْ ُ ِح ُ‬ ‫ ‬ ‫ا ْل َه ْي َم َن ُة‬ ‫‪1818‬‬
‫ ‬
‫‪ :‬ال َّراز ُِق ‪ -‬ال َّر َّز ُاق ‪ -‬املُقيتُ‬ ‫ ‬ ‫ال ِّر ْز ُق‬ ‫‪1919‬‬
‫ ‬
‫اب ‪ -‬ا َمل َّنانُ ‪ -‬ال َقا ِب ُ�ض ‪ -‬ال َبا�سِ ُط‬ ‫طي ‪ -‬ال َو َّه ُ‬ ‫‪ :‬املُ ْع ُ‬ ‫ ‬ ‫ا ْل َع َطا ُء‬ ‫ ‬‫‪2020‬‬
‫كم ‪ -‬ال َفت َُّاح‬ ‫احل ُ‬ ‫ني ‪ -‬ا ْل َها ِدي ‪َ -‬‬ ‫احل ُّق ‪ -‬املُ ِب ُ‬ ‫‪َ :‬‬ ‫ ‬ ‫ا ْلهِ َدا َي ُة‬ ‫ ‬
‫‪2121‬‬
‫ال�شهي ُد ‪ -‬الحْ َ ا�سِ ُب ‪ -‬الد َّيانُ‬ ‫قيب ‪َّ -‬‬ ‫‪ :‬ال َّر ُ‬ ‫ ‬ ‫ا�س َب ُة‬ ‫املُ َح َ‬ ‫ ‪22‬‬‫‪22‬‬
‫�سيب‬
‫احل ُ‬‫كيل ‪َ -‬‬ ‫‪ :‬ال َوليِ ُّ ‪ -‬ا َمل ْو َلى ‪ -‬ال َودو ُد ‪ -‬املُ�ست َعانُ ‪ -‬ال َو ُ‬ ‫ ‬ ‫ا ْلوِال َي ُة‬ ‫ ‬
‫‪2323‬‬
‫جيب‬‫يب ‪ -‬املُ ُ‬ ‫ال�ص َم ُد ‪ -‬ال َق ِر ُ‬ ‫ال�س ِّي ُد ‪َّ -‬‬ ‫‪َّ :‬‬ ‫ ‬ ‫ا ِلإ َجا َب ُة‬ ‫ ‬
‫‪2424‬‬
‫ال�ش ُكو ُر ‪ -‬ال َّن ِ�ص ُري‬ ‫ال�ش ِاك ُر ‪َّ -‬‬ ‫‪َّ :‬‬ ‫ ‬ ‫ال�ش ْك ُر‬ ‫ُّ‬ ‫ ‬
‫‪2525‬‬
‫ال�شايف ‪ -‬املُ َ�س ِّع ُر‬ ‫‪ :‬املُ�ؤ ِْمنُ ‪َّ -‬‬ ‫الط َم�أ ِني َن ُة ‬ ‫ُّ‬ ‫‪ 2626‬‬
‫احل ِي ُّي ‪ -‬ال�سِ ِّت ُري‬ ‫احل ِل ُيم ‪َ -‬‬ ‫‪َ :‬‬ ‫ ‬ ‫الحِِْ ْل ُم‬ ‫ ‬
‫‪2727‬‬
‫اب‬ ‫‪ :‬ال َعف ُّو ‪ -‬ال َغ ُفور ‪ -‬ال َغ َّفا ُر ‪ -‬ال َّت َّو ُ‬ ‫ ‬ ‫المْ َ ْغ ِف َر ُة‬ ‫ ‬
‫‪2828‬‬
‫‪ :‬ال َق ِاه ُر ‪ -‬ال َق َّها ُر ‪َ -‬‬
‫اجل َّبا ُر‬ ‫ ‬ ‫ا ْل َق ْه ُر‬ ‫ ‬
‫‪2929‬‬
‫‪ :‬املُ َقدِّ ُم ‪ -‬املُ� ِّؤخ ُر ‪ -‬ال َوار ُِث‬ ‫ ‬ ‫ال ِو َرا َث ُة‬ ‫ ‬
‫‪3030‬‬

‫وبعد ت�صميم اخلارطة الذهنية‪ ،‬وحفظ مفاتيح املجموعات‪ ،‬ف�إننا نح�سب �أن كل م�سلم �سيكون‬
‫قادر ًا على حفظ �أ�سماء اهلل احل�سنى‪ ،‬وفهم معانيها‪ ،‬والفروق التي بينها‪ ،‬وا�ستح�ضارها عند‬
‫احلاجة �إليها يف �أغرا�ض الدعاء الكثرية‪.‬‬
‫تمهيد‬ ‫‪19‬‬

‫فمجموعة (الهداية) ‪ -‬مث ًال ‪ -‬حتوي خم�سة �أ�سماء من �أ�سماء اهلل احل�سنى ‪( :‬ا َ‬
‫حل ُّق‬
‫حلك ُم ‪ -‬ال َف َّتا ُح)‪ ،‬وهي مرتبطة فيما بينها مبو�ضوع الهداية للحق‪،‬‬ ‫ني ‪ -‬ا ْلهَادِي ‪ -‬ا َ‬
‫‪ -‬امل ُ ِب ُ‬
‫حل ُّق) هو املتحقق كونه ووجوده‪ ،‬وهو ذو احلق يف �أمره‬ ‫والتحاكم �إليه‪ ،‬والثبات عليه‪ .‬فاهلل (ا َ‬
‫ني) الذي وعد‬ ‫ونهيه‪ ،‬ووعده ووعيده‪ ،‬وجميع ما �أنزل على ل�سان ر�سله و�أنبيائه‪ ،‬وهو (امل ُ ِب ُ‬
‫عباده �أن يبني لهم هذا احلق وال يكتمه‪ ،‬و�أن يقيم عليهم احلجة ببيانه‪ ،‬كما قال �سبـ ـحـ ــان ـ ـ ــه‪:‬‬
‫}ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ‬
‫ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕﰖ ﰗ ﰘ ﰙ{البقرة‪ .]256:‬ومن‬
‫رحمته بعباده �أن ن ّوع بيانه لهذا احلق من خالل الفطـرة الـتي فطـر النـا�س عليهــا‪ ،‬ومن‬
‫خـ ـ ــالل �آيـ ـ ـ ـ ـ ــات الكون واخللق‪ ،‬كم ــا قـال �سبحان ــه‪} :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ{[ف�صلت‪ ،]53:‬ومن خالل �إر�سال الر�سل و�إنزال‬
‫الكتب‪ ،‬كما قال �سبحانه‪ } :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ{[النحل‪ ،]44:‬حتى بان احلق من الباطل بيان ًا �شافي ًا‪ ،‬تقوم به احلجة؛ وهذا‬
‫البيان هو ما �أطلق عليه العلماء (هداية البيان والإر�شاد)‪ ،‬التي ع َّرف اهلل مبوجبها طريقي‬
‫اخلري وال�شر‪ ،‬و�سبيلي النجاة والهالك‪ ،‬وهو مقت�ضى ا�سمه ‪�-‬سبحانه‪( -‬ا ْلهَادِي) كما قال‬
‫�سبحانه‪ } :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ{ [�آل عمران‪ .]103:‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫}ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ{ [الن�ساء‪ ،]26:‬وهذه‬
‫�سبب و�شرط ال موجب‪ ،‬و�أما الهداية امل�ستلزمة لالهتداء‬
‫ت�ستلزم الهدى التام‪ ،‬ف�إنها ٌ‬
‫ُ‬ ‫الهداية ال‬
‫فهي (هداية التوفيق والإلهام)‪ ،‬كما يف قوله تعالى‪ } :‬ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ‬
‫ﮜ{ [فاطر‪ .]8:‬وقوله تعالى‪ } :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ{[الأحزاب‪]4:‬‬
‫والقلوب ُم َع َّر َ�ض ٌة لل�شهوات وال�شبهات ّ‬
‫والعي‪ ،‬وقد يخفى عليها هذا احلق بعد البيان املعجز‪،‬‬
‫والداللة الوا�ضحة‪ ،‬فيكون ال�ضالل‪ ،‬ويحدث االختالف‪ ،‬وعندئذ فاهلل هو (ا َ‬
‫حلك َم)‪،‬‬
‫وهو �أولى من يتحاكم النا�س �إلى قوله الف�صل املحكم‪ ،‬كما قال �سبحانه‪} :‬ﯯ ﯰ‬
‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ{ [ال�شــورى‪ ،]10:‬وق ـ ــوله �سبحانه‪ } :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ{‬
‫[الأنبياء‪ .]112:‬وملا جبلت عليه بع�ض الأنف�س من الظلم واجلهل والكِبرْ واحل�سد ف�إنها قد‬
‫‪20‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ت�أبى االنقياد حلكم اهلل‪ ،‬وال تقبل احلق‪ ،‬وتعادي �أهله‪ ،‬وهنا ال بد من جميء احلق وظهوره‪،‬‬
‫فيق�ضي اهلل (ال َف َّتا ُح) بحكمه‪ ،‬ويفتح على امل�ؤمنني برحمته ون�صره‪ ،‬ب�إظهار �أثر ر�ضاه على‬
‫�أوليائه‪ ،‬وغ�ضبه على �أعدائه‪ ،‬قال تعالى‪} :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ{[�سب�أ‪ ،]26:‬وقـ ــال ‪-‬تعالى‪ -‬حكاي ـ ــة عن �شعيــب ‪}:‬ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛﯜﯝﯞﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣﯤﯥ‬
‫ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓﮔﮕﮖ{[الأعراف‪.]89-87:‬‬
‫�أح�سب �أن العالقة التي ربطت الأ�سماء اخلم�سة يف جمموعة الهداية �ش ّكلت لدى‬
‫القارئ خارطة ذهنية جتمع هذه الأ�سماء �ضمن جمموعة واحدة‪ ،‬ي�سهل ا�ستح�ضارها عند‬
‫احلاجة �إليها‪ ،‬ال �سيما يف �أغرا�ض الدعاء املنا�سبة ملعاين هذه الأ�سماء‪ ،‬كحال امل�سلم الذي‬
‫عجز عن بيان حجته‪� ،‬أو �أ�شكل عليه فهم م�س�ألته‪� ،‬أو �ضاع عليه دليل براءته‪� ،‬أو احتاج ل�سند‬
‫لتنفيذ ما ُح ِك َم له‪� ،‬أو الدعاء بالهداية للطريق امل�ستقيم‪ ,‬وغريها من املنا�سبات ‪ ..‬وما قيل‬
‫هنا يقال عن بقية املجموعات كما �سي�أتي معنا يف الكتاب‪.‬‬
‫يف حالة وجود �أكرث من تف�سري ملعنى اال�سم ف�إن االختيار يقت�صر عند الفرز والت�صنيف‬
‫على املعنى الأقوى والأ�شهر والأقرب الذي جاء به الن�ص‪� ،‬أو ورد عن ال�سلف ال�صالح‪ ،‬مع‬
‫الإ�شارة ‪-‬ما �أمكن‪� -‬إلى املعاين الأخرى – التي حتتملها اللغة ‪ -‬عند احلديث عن اال�سم‬
‫يف معناه اللغوي وال�شرعي‪ .‬فا�سم اهلل (الباطن) ‪ -‬مث ًال ‪ -‬ورد يف الن�ص مبعنى (القرب‬
‫والدنو)‪ ،‬لقوله ‪ ..( :¤‬و�أنت الباطنُ َفلي�س دونك �شيء ‪ ،)14() ..‬وجاء عن بع�ض‬
‫(‪ )14‬رواه م�سلم برقم (‪.)2713‬‬
‫تمهيد‬ ‫‪21‬‬

‫مف�سري الأ�سماء مبعنى (املحتجب)‪ ،‬وهو معنى يحتمله املعنى اللغوي لال�سم‪ ،‬ف ُقدم املعنى‬
‫الذي ورد به الن�ص عند فرز وت�صنيف الأ�سماء‪ ،‬دون النظر للمعاين الأخرى؛ لكون الهدف‬
‫من ت�صنيف الأ�سماء يف جمموعات هو ت�سهيل حفظها وتي�سري ا�ستح�ضارها عند احلاجة‬
‫�إليها يف مقا�صد الدعاء املتنوعة‪ ،‬ولي�س املق�صد ح�صر معنى اال�سم يف املعنى امل�شرتك‬
‫الذي يجمع الأ�سماء يف كل جمموعة‪.‬‬
‫نوع العالقة امل�شرتكة التي تربط الأ�سماء فيما بينها يف كل جمموعة‪ ،‬تختلف من‬
‫جمموعة �إلى �أخرى‪ ،‬فبع�ض املجموعات تت�شارك �أ�سما�ؤها يف اال�شتقاق من �صفة واحدة؛‬
‫كما هو احلال ‪-‬مث ًال‪ -‬يف جمموعة (امللك ‪ -‬املالك ‪ -‬املليك)‪ ،‬وا�شرتاكها يف اال�شتقاق من‬
‫�صفة (امل ُ ْلك)‪ ،‬وهذا لي�س بجديد يف هذا الكتاب‪ ،‬بل �إن معظم امل�ؤلفات التي ُ�صنفت يف‬
‫�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى ت�ضم عادة بني الأ�سماء امل�شتقة من �صفة واحدة‪.‬‬
‫وقد تكون العالقة يف تقارب املعنى‪ ،‬وهو يف �أكرث املجموعات؛ كما هو احلال –مث ًال‪-‬‬
‫يف جمموعة (الواحد ‪ -‬الأحد ‪ -‬الوتر) وتقاربهم يف معنى الوحدانية‪� ،‬أو يف جمموعة‬
‫(املعطي ‪ -‬الوهاب ‪ -‬املنان ‪ -‬القاب�ض ‪ -‬البا�سط) وا�شرتاكها يف معنى العطاء‪� ،‬أو‬
‫يف جمموعة (العفو ‪ -‬الغفور ‪ -‬الغفار ‪ -‬التواب) وا�شرتاكها يف معنى مغفرة الذنوب‬
‫وحموها‪ ،‬والوقاية من �شرها‪.‬‬
‫خا�ص ًا‪،‬‬ ‫وقد تكون العالقة يف تكامل املعنى العام للمجموعة‪ ،‬حيث يفيد ك ُّل ا�سم ً‬
‫معنى ّ‬
‫وبا�شرتاك �أ�سماء املجموعة جميعها يت�ضح املعنى العام؛ كما هو احلال – مث ًال‪ -‬يف جمموعة‬
‫(الأول ‪ -‬الآخر ‪ -‬الظاهر ‪ -‬الباطن) وداللتها على الإحاطة العامة الزمانية واملكانية‪،‬‬
‫وهكذا يف بقية املجموعات‪.‬‬
‫خالل مراحل الفرز كنت �أبحث عن املعنى اللغوي وال�شرعي لكل ا�سم‪ ،‬ومن ثم �إحلاقه‬
‫علي �إحلاق بع�ض الأ�سماء لعدم وجود رابط بينها‬ ‫باملجموعة التي تنا�سبه‪ ،‬وقد ي�ستع�صي َّ‬
‫وبني الأ�سماء الأخرى يف بقية املجموعات‪ ،‬ف�أجتاوزها �إلى غريها‪ ،‬ومع التقدم يف البحث‬
‫تظهر جمموعة جديدة‪ُ ،‬يلحق بها ما مت جتاوزه‪.‬‬
‫‪22‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫علي يف نهاية البحث ثالثة �أ�سماء مل يجمعها �أي رابط بالأ�سماء احل�سنى‬ ‫ا�ستع�صى َّ‬
‫الأخرى يف جميع املجموعات امل�صنفة‪ ،‬وهي (امل�ؤمن ‪ -‬ال�شايف ‪ -‬امل�س ّعر)‪ ،‬ول�صعوبة �إدراج‬
‫كل ا�سم منها يف جمموعة على حدة؛ اجتهدت كثري ًا يف درا�سة معانيها على �أمل �إحلاقها‬
‫ببقية املجموعات‪ ،‬ولكن دون �أن �أ�صل لرابط م�شرتك يطمئن �إليه القلب‪ ،‬وبعد طول ت�أمل‬
‫وبحث؛ وقعت عيني على حديث ر�سول اهلل ‪( :¤‬من �أ�صبح منكم �آمنا يف �سربه‪ ،‬معافى‬
‫يف ج�سده‪ ،‬عنده قوت يومه‪ ،‬فك�أمنا حيزت له الدنيا بحذافريها)(‪ ،)15‬لتن�ضم‬
‫الأ�سماء الثالثة مع بع�ضها البع�ض يف جمموعة واحدة‪ ،‬وترتبط �آثارها باملقومات الأ�سا�سية‬
‫للمجتمعات امل�ستقرة ال�سعيدة‪( :‬الأم��ن – ال�صحة – الرخاء)‪ ،‬والكل يكاد �أن ُيجمع‬
‫على �أن عوامل الأمل وال�شقاء التي تهدد �سعادة الب�شر وا�ستقرار املجتمعات تتمثل يف امل َث َّلث‬
‫املرعب‪( :‬اخلوف ‪ -‬املر�ض ‪ -‬اجلوع)؛ ولذا �أ�شار الر�سول ‪� ¤‬إلى هذه العوامل الثالثة‪،‬‬
‫و�أن من عافاه اهلل منها؛ فك�أمنا ملك الدنيا برمتها‪ .‬وهو م َث َّلثٌ ال يكاد يفرتق‪ ،‬فمتى ما وقع‬
‫�أحدهم حلق به �صاحباه‪ ،‬كما هو احلال يف الدول التي انت�شرت فيها الفنت واحلروب‪ ،‬فقد‬
‫ابتليت بلبا�س اخلوف‪ ،‬وتف�شي الأمرا�ض‪ ،‬وارتفاع الأ�سعار ‪ ..‬واهلل امل�ستعان‪.‬‬
‫يظل اختيار الأ�سماء وتوزيعها يف كل جمموعة‪ ،‬وترتيب املجموعات‪� ،‬أم��راً‬
‫ال للإ�صابة واخلط�أ‪ ،‬فقد يكون من الأن�سب نقل هذا‪ ،‬وتقدمي ذاك‪،‬‬ ‫اجتهاديا قاب ً‬
‫�أو تغيري ا�سم هذه املجموعة‪ ،‬وتقدميها �أو ت�أخريها‪ ،‬وغريها من املقرتحات التي ال‬
‫غنى لهذا البحث عنها؛ ولذا �آمل من كل قارئ �أن يرا�سلني مبقرتحاته وملحوظاته‬
‫على بريدي الإلكرتوين التايل‪:‬‬
‫‪MajidAbduljabbar@gmail.com‬‬

‫(‪ )15‬رواه الرتمذي وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)6042‬‬


‫تمهيد‬ ‫‪23‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬عدد الأ�سماء‪:‬‬


‫لقد و�ضعت خطة البحث وفق ًا للآلية التالية‪:‬‬
‫حتديد �أ�سماء اهلل احل�سنى وفق ال�ضوابط ال�شرعية‪ ،‬والقواعد العلمية املعتربة‪.‬‬
‫بحث كل ا�سم من الناحية اللغوية وال�شرعية‪.‬‬
‫فرز الأ�سماء احل�سنى املتقاربة يف معنى م�شرتك‪ ،‬وت�صنيفها �ضمن جمموعات‪.‬‬
‫ا�ستكمال البحث لكل جمموعة حمددة وفقاً للمحاور املختارة واملقررة‪.‬‬
‫وحيث �إن حتديد �أ�سماء اهلل احل�سنى و�إح�صاءها يعد اخلطوة الرئي�سة يف هذا‬
‫البحث‪ ،‬فقد ا�ستغرق وقت ًا طوي ًال يف مراجعة وتدقيق الأ�سماء الواردة يف معظم امل�ؤلفات‪،‬‬
‫وعر�ضها على ال�ضوابط ال�شرعية والقواعد العلمية امل�ستندة لقوله تعالى‪ } :‬ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ{‬
‫[الأعراف‪ ،]180:‬ومن خالل البحث واملراجعة وقع االختيار على ثالثة م�ؤلفات‪� ،‬أح�سب‬
‫�أنها من �أجود ما كتب يف باب �إح�صاء وح�صر �أ�سماء اهلل احل�سنى؛ العتمادها يف منهج‬
‫الإح�صاء على تتبع ما ورد يف القر�آن الكرمي‪ ،‬و�صحيح ال�سنة‪ ،‬ب�صورة اال�سم دون ا�شتقاق‬
‫�أو �إ�ضافة �أو تقييد‪ ،‬عدا الكتاب الثالث للدكتور الر�ضواين‪ ،‬الذي زاد على ذلك بتقريره‬
‫و�إف�صاحه عن �شروط دقيقة‪ ،‬و�ضوابط حمددة‪ ،‬وقواعد منهجية‪ ،‬لعملية الإح�صاء‪ ،‬وهذه‬
‫الكتب هي‪:‬‬
‫(القواعد املثلى يف �صفات اهلل و�أ�سمائه احل�سنى) لل�شيخ حممد بن �صالح بن‬
‫عثيمني ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪.‬‬
‫(�صفات اهلل الواردة يف الكتاب وال�سنة) لل�شيخ علوي ال�سقاف‪.‬‬
‫(�أ�سماء اهلل احل�سنى الثابتة يف الكتاب وال�سنة) للدكتور حممد عبدالرزاق الر�ضواين‪.‬‬
‫�أح�صى ال�شيخ ابن عثيمني ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬يف كتابة (‪ )99‬ا�سم ًا مع لفظ اجلاللة (الل)‪،‬‬
‫مع تردده يف ا�سم (ا َ‬
‫حلف ِّي) الذي �أدخله �ضمن الأ�سماء احل�سنى‪ ،‬وقال‪ « :‬و�إن كان عندنا‬
‫‪24‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫حلف ِّي)؛ لأنه �إمنا ورد مقيداً يف قوله ‪-‬تعالى‪ -‬عن �إبراهيـم ‪ } :‬ﯞ‬
‫تر ّدد يف �إدخال (ا َ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ{ [مرمي‪.)16(»]47:‬‬
‫و�أح�صى ال�شيخ علوي ال�سقاف يف كتابه (‪ 101‬ا�سماً) مبا فيها لفظ اجلاللة (الل)‪،‬‬
‫مع توقفه يف �إدخال ا�سمني‪( :‬العامل) و(ال��وارث)‪ ،‬وقال‪ « :‬فقد �أ�ضفت ثالثة �أ�سماء‬
‫وهي‪( :‬ال َّد َّيان) و(املقيت) و(الهادي)‪،‬‬ ‫ترجح يل بالدليل �أنها من �أ�سماء اهلل‬
‫َّ‬
‫وتوقفت يف ا�سمني فلم �أُوردهما يف هذه الطبعة وهما‪( :‬العامل) و(الوارث)»(‪.)17‬‬
‫و�أح�صى ال�شيخ الر�ضواين (‪ 100‬ا�سم) مع لفظ اجلاللة (الل)‪ ،‬وقد �أح�سن يف كتابه‬
‫ب�إف�صاحه عن �ضوابط حمددة‪ ،‬وقواعد منهجية لعملية الإح�صاء‪ ،‬وقرر يف بحثه �أن الأ�سماء‬
‫احل�سنى التي تع َّرف اهلل بها �إلى عباده (‪ 99‬ا�سماً) فقط‪ ،‬فقال‪« :‬وم��ا نود التنبيه‬
‫�إليه مما جتتمع الأدلة عليه يف هذه الق�ضية‪ ،‬ومن خالل اعتقاد ال�سلف ‪-‬املبني على‬
‫الن�صو�ص القر�آنية والنبوية‪� -‬أنه ال �شك يف �أن جملة �أ�سماء اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬الكلية تعد‬
‫�أم��راً من الأم��ور الغيبية التي ا�ست�أثر اهلل بها‪ ،‬و�أنها غري حم�صورة يف عدد معني‪،‬‬
‫وه��ذا ن�ص ظاهر يف رواي��ة ابن م�سعود ‹‪ ،‬وال يفهم من حديث �أب��ي هريرة ‹‬
‫الذي ورد فيه الن�ص على ت�سعة وت�سعني ا�سما ح�صرها جميعها مبجموعها الكلي؛‬
‫لأن املق�صود ب�إح�صاء هذا العدد �إح�صاء الأ�سماء احل�سنى التي تع َّرف اهلل بها‬
‫�إلى عباده يف كتابه ويف �سنة ر�سوله ‪ ،¤‬وال يدل على ح�صر �أ�سماء اهلل الكلية يف هذا‬
‫العدد‪ ،‬ولو كان املراد احل�صر لقال النبي ‪� : ¤‬إن �أ�سماء اهلل ت�سعة وت�سعون ا�سما من‬
‫�أح�صاها دخل اجلنة �أو نحو ذلك؛ فمعنى احلديث �أن هذا العدد الذي تع َّرف اهلل به‬
‫�إلى عباده يف كتابه ويف �سنة ر�سوله ‪ ¤‬من جملة �أ�سماء اهلل ومن �ش�أنه �أن من‬
‫�أح�صاه دخل اجلنة»(‪ ،)18‬و�سي�أتي احلديث عن منهج العلماء يف تعداد �أ�سماء اهلل احل�سنى‪.‬‬
‫(‪( )16‬القواعد املثلى) لل�شيخ ابن عثيمني (�ص‪.)25:‬‬
‫(‪�( )17‬صفات اهلل ) لل�شيخ ال�سقاف (�ص‪ - 8:‬الطبعة الثانية ‪ -‬دار الهجرة بالريا�ض ‪1422‬هـ)‪.‬‬
‫(‪�( )18‬أ�سماء اهلل احل�سنى الثابتة يف الكتاب وال�سنة) للدكتور حممود عبدالرازق الر�ضواين (�ص‪.)32 :‬‬
‫تمهيد‬ ‫‪25‬‬

‫بلغ جمموع الأ�سماء التي �أح�صوها جميع ًا (‪ 105‬ا�سماء) دون ا�سم (ا َ‬


‫حلف ِّي)‪ ،‬اتفقوا‬
‫جميع ًا يف (‪ 94‬ا�سماً) منها‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪       )77‬ال�شاكر‬ ‫‪       )58‬املقيت‬ ‫‪       )39‬القيوم‬ ‫‪       )20‬املتكرب‬ ‫‪            )1‬اهلل‬


‫‪       )78‬ال�شكور‬ ‫‪       )59‬القاب�ض‬ ‫‪       )40‬القادر‬ ‫‪       )21‬احلي‬ ‫‪            )2‬الرب‬
‫‪       )79‬الن�صري‬ ‫‪       )60‬البا�سط‬ ‫‪       )41‬القدير‬ ‫‪       )22‬ال�سميع‬ ‫‪            )3‬الإله‬
‫‪       )80‬القاهر‬ ‫‪       )61‬املعطي‬ ‫‪       )42‬املقتدر‬ ‫‪       )23‬الب�صري‬ ‫‪            )4‬الواحد‬
‫‪       )81‬القهار‬ ‫‪       )62‬الوهاب‬ ‫‪       )43‬امللك‬ ‫‪       )24‬احلكيم‬ ‫‪            )5‬الأحد‬
‫‪       )82‬اجلبار‬ ‫‪       )63‬املنان‬ ‫‪       )44‬املليك‬ ‫‪       )25‬العليم‬ ‫‪            )6‬الوتر‬
‫‪       )83‬الرقيب‬ ‫‪       )64‬الويل‬ ‫‪       )45‬القوي‬ ‫‪       )26‬اخلبري‬ ‫‪            )7‬الأول‬
‫‪       )84‬ال�شهيد‬ ‫‪       )65‬املولى‬ ‫‪       )46‬املتني‬ ‫‪       )27‬الرحمن‬ ‫‪            )8‬الآخر‬
‫‪       )85‬امل�ؤمن‬ ‫‪       )66‬الودود‬ ‫‪       )47‬العزيز‬ ‫‪       )28‬الرحيم‬ ‫‪           )9‬الظاهر‬
‫‪       )86‬ال�شايف‬ ‫‪       )67‬الوكيل‬ ‫‪       )48‬اللطيف‬ ‫‪       )29‬الر�ؤوف‬ ‫‪       )10‬الباطن‬
‫‪       )87‬احلليم‬ ‫‪       )68‬احل�سيب‬ ‫‪       )49‬الرفيق‬ ‫‪       )30‬احلميد‬ ‫‪       )11‬الكبري‬
‫‪       )88‬احليي‬ ‫‪       )69‬ال�سيد‬ ‫‪       )50‬احلفيظ‬ ‫‪       )31‬اجلميل‬ ‫‪       )12‬العظيم‬
‫‪       )89‬العفو‬ ‫‪       )70‬ال�صمد‬ ‫‪       )51‬املهيمن‬ ‫‪       )32‬الطيب‬ ‫‪       )13‬املجيد‬
‫‪       )90‬الغفور‬ ‫‪       )71‬القريب‬ ‫‪       )52‬اخلالق‬ ‫‪       )33‬الكرمي‬ ‫‪       )14‬العلي‬
‫‪       )91‬الغفار‬ ‫‪       )72‬املجيب‬ ‫‪       )53‬اخلالق‬ ‫‪       )34‬الأكرم‬ ‫‪       )15‬الأعلى‬
‫‪       )92‬التواب‬ ‫‪       )73‬احلق‬ ‫‪       )54‬البارئ‬ ‫‪       )35‬اجلواد‬ ‫‪       )16‬املتعال‬
‫‪       )93‬املقدم‬ ‫‪       )74‬املبني‬ ‫‪       )55‬امل�صور‬ ‫‪       )36‬الرب‬ ‫‪       )17‬ال�سبوح‬
‫‪       )94‬امل�ؤخر‬ ‫‪       )75‬احلكم‬ ‫‪       )56‬املح�سن‬ ‫‪       )37‬الغني‬ ‫‪       )18‬القدو�س‬
‫‪ ‬‬ ‫‪       )76‬الفتاح‬ ‫‪       )57‬الرزاق‬ ‫‪       )38‬الوا�سع‬ ‫‪       )19‬ال�سالم‬
‫‪26‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫وتخالفوا يف (‪ 11‬ا�سماً) ح�سب ما يلي‪:‬‬


‫‪11‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫اال�سم‬
‫الأعز‬ ‫الهادي‬ ‫املالك‬ ‫امل�سعر‬ ‫الرازق‬ ‫الديان‬ ‫ال�ستري‬ ‫العامل‬ ‫احلافظ‬ ‫املحيط‬ ‫الوارث‬
‫ابن‬
‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪P‬‬ ‫‪P‬‬ ‫‪P‬‬ ‫‪P‬‬
‫عثيمني‬

‫‪P‬‬ ‫‪P‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪P‬‬ ‫‪P‬‬ ‫‪P‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪P‬‬ ‫‪P‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫ال�سقاف‬

‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪P‬‬ ‫‪P‬‬ ‫‪P‬‬ ‫‪P‬‬ ‫‪P‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪P‬‬ ‫الر�ضواين‬

‫بعد مراجعة وتدقيق جميع هذه الأ�سماء البالغة (‪ 105‬ا�سماء)‪ ،‬وعر�ضها على ال�ضوابط‬
‫ال�شرعية والقواعد العلمية التي �سن�شري �إليها الحق ًا‪ ،‬تبني لنا ما يلي‪:‬‬
‫ورود ((‪ )97‬ا�سماً) منها على �سبيل الإطالق‪ ،‬دالة على ذات اهلل ومراد ًا به ال َع َلمية‪،‬‬
‫ودالة على الو�صفية وكمالها‪.‬‬
‫�أما بقية الأ�سماء وهي‪� 8( :‬أ�سماء) فلم ترد مطلقة‪ ،‬و�إمنا وردت مقيدة كما يلي‪:‬‬
‫ال�شهيدُ ) يف قوله تعالى‪ }:‬ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ{[الن�ساء‪]33:‬‬ ‫‪َّ (1.1‬‬
‫وقوله تعالى‪ } :‬ﰓ ﰔ ﰕﰖ ﰗ ﰘ ﰙ{[الن�ساء‪.]79:‬‬
‫�سيب) يف قوله تعالى‪} :‬ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ‬ ‫حل ُ‬‫‪(2.2‬ا َ‬
‫ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ{[الن�ساء‪ ،]86:‬وقوله تعالى‪ } :‬ﰅ ﰆ ﰇ‬
‫ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ{[الن�ساء‪.]6:‬‬
‫‪(3.3‬املُقيتُ ) يف قوله تعالى‪ } :‬ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ{[الن�ساء‪.]85:‬‬
‫فيظ) يف قوله تعالى‪ } :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ‬
‫حل ُ‬‫‪(4.4‬ا َ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ{[هود‪.]57:‬‬
‫يط) يف قوله تعالى‪} :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ‬
‫(املح ُ‬
‫‪ُ 5.5‬‬
‫ﮭ ﮮ ﮯ{[الن�ساء‪.]126:‬‬
‫تمهيد‬ ‫‪27‬‬

‫‪(6.6‬ال َعالمِ ُ ) يف قوله تعالى‪ } :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ{ [الأنبياء‪.]81:‬‬


‫‪(7.7‬ا ْل َها ِد ُي) يف قوله تعالى‪ } :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ{[الفرقان‪.]31:‬‬
‫‪(8.8‬احلافظ) يف قوله تعالى‪ } :‬ﭝﭞ ﭟﭠﭡ ﭢﭣ{[يو�سف‪.]64:‬‬
‫واحل ُ‬
‫فيظ‬ ‫قيت َ‬ ‫�سيب واملُ ُ‬ ‫(ال�شهي ُد َ‬
‫واحل ُ‬ ‫ويالحظ يف �ستة من الأ�سماء الثمانية وهي‪َّ :‬‬
‫واملح ُ‬
‫يط وال�� َع��المِ ُ ) �أن التقييد فيها �أ�شبه ب��الإط�لاق؛ لكون التقييد غري مرتبط ب�شيء‬ ‫ُ‬
‫خم�صو�ص‪� ،‬أو مكان وزم��ان معني‪ ،‬بل ه��و يف معنى املطلق‪ ،‬ومرتبط بكل �شيء‪ ،‬مما‬
‫ذكر يف كتابه بع�ض‬ ‫يزيد اال�سم �إطالق ًا على الإط�لاق‪ ،‬وكما ًال فوق الكمال‪ .‬واهلل‬
‫�أ�سمائه على �سبيل الإط�لاق ت��ارة‪ ،‬ومقيدة تقييد ًا هو �أ�شبه بالإطالق تارة �أخ��رى؛ ففي‬
‫(ال َع ِليم) ق��ال تعالى‪ }:‬ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ{[البقرة‪،]137:‬‬
‫وق��ال كذلك �سبحانه‪ } :‬ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ‬
‫ﯾ ﯿ{[البقرة‪ ،]29ٍ:‬ويف (ال َب ِ�صري) قال تعالى‪ } : :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ‬
‫ﯱ ﯲ ﯳ{[الن�ساء‪ ،]58:‬وقال كذلك �سبحانه‪ } :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ‬
‫ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ{[امللك‪ ،]19:‬ويف (ال َق ِدير) قال‬
‫تعالى‪ } :‬ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ{[الروم‪ ،]54:‬وقال كذلك �سبحانه‪ } :‬ﭑ‬
‫(املقتدر) قال تعالى‪} :‬ﭪ‬‫ِ‬ ‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ{[امللك‪ ،]1:‬ويف‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ{[القمر‪ ،]55،54:‬وقال‬
‫كذلك �سبحانه‪} :‬ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ‬
‫ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ{[الكهف‪،]45:‬‬
‫ويف (ال َوكيل) قال تعالى‪ } :‬ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ‬
‫ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ{[�آل عمران‪ ،]173:‬وق��ال كذلك‬
‫�سبحانه‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ‬
‫‪28‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ﭠ ﭡﭢ ﭣ{[الأنعام‪ ،]102:‬ويف (ال َّرقيب) قال تعالى‪ } :‬ﯢ ﯣ ﯤ‬


‫ﯥ ﯦ ﯧ{[املائدة‪ ،]117:‬وقال كذلك �سبحانه‪ } :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ{[الأحزاب‪ ،]52:‬وهذا ي�شري �إلى �أن التقييد املقرتن بـ (كل‬
‫�شيء) هو يف احلقيقة �إطالق ولي�س تقييد ًا‪ ،‬وتعد هذه اللفظة من �أ�شمل �ألفاظ العموم‪ ،‬وال‬
‫ي�شذ عنها �شيء‪ ،‬وقد �أورد ال�شيخ ابن عثيمني هذه الأ�سماء يف تعداده‪ ،‬ومل ي�شر �إلى تقييدها‬
‫كما فعل مع ا�سم (احلفي)؛ مما ي�شعر �أنه كان يرى �أنها �أ�سماء مطلقة غري مقيدة‪ ،‬وهو‬
‫العامل اجلهبذ النحرير ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪.‬‬
‫كذلك ا�سم اهلل (احلافظ)‪� ،‬أورده ال�شيخ ابن عثيمني يف تعداده رغم التقييد‪ ،‬ومل‬
‫يرتدد يف ذلك‪ .‬يقول ابن جرير الطربي‪ }« :‬ﭝ ﭞ ﭟ{[يو�سف‪ ،]64:‬املعنى‪ :‬فاهلل‬
‫خريكم حافظاً‪ ،‬ثم حذفت الكاف وامليم»(‪ .)19‬وقال القرطبي عند تف�سري قول اهلل تعالى‪:‬‬
‫} ﭜﭝ ﭞﭟﭠﭡ{[الطارق‪« :]4:‬وقيل‪ :‬احلافظ هو اهلل ‪�-‬سبحانه‪ -‬فلوال حفظه‬
‫لها مل تبق‪ .‬وقيل‪ :‬احلافظ عليه عقله‪ ،‬ير�شده �إلى م�صاحله‪ ،‬ويكفه عن م�ضا ّره‪.‬‬
‫قلـــت‪ :‬العقــــل وغيـــره و�سائــــط‪ ،‬واحلافــــظ يف احلقيقـــة هــــو اهلل ‪-‬جـــل وعــز‪ -‬قــال‬
‫اهلل ‪ } :‬ﭝ ﭞ ﭟﭠ{ [يو�سف‪ ،)20(»]64:‬ويقول تعالى‪} :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜ ﮝ{[احلجر‪ ،]9:‬وممن �أدرجه من العلماء يف �أ�سماء اهلل احل�سنى‪ :‬احلافظ ابن‬
‫حجر(‪ ،)21‬والإمام القرطبي(‪ ،)22‬والإمامني احلليمي والبيهقي(‪ ،)23‬رحمهم اهلل �أجمعني‪،‬‬
‫وال�شيخ عبداهلل بن �صالح الغ�صن(‪ ،)24‬وال�شيخ عبدالرزاق البدر(‪ ،)25‬حفظهم اهلل‪.‬‬
‫(‪ )19‬تف�سري (جامع البيان يف تف�سري القر�آن) للطربي عند تف�سري [يو�سف – الآية‪.]64 :‬‬
‫(‪ )20‬تف�سري (اجلامع الحكام القر�آن) للقرطبي عند تف�سري [الطارق – الآية‪.]4:‬‬
‫(‪( )21‬فتح الباري �شرح �صحيح البخاري) البن حجر الع�سقالين (�ص‪ - 2806:‬رقم احلديث‪.)6410 :‬‬
‫(‪( )22‬الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي ‪ -‬حتقيق‪ :‬حممد ح�سن جبل وطارق �أحمد حممد (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)307 :‬‬
‫(‪( )23‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪ - ١ :‬جـ‪� - ١ :‬ص‪ )175:‬ونقل فيه قول احلليمي‪.‬‬
‫(‪�( )24‬أ�سماء اهلل احل�سنى) لل�شيخ عبداهلل بن �صالح الغ�صن (�ص ‪.)176 :‬‬
‫(‪( )25‬فقه الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالرزاق البدر (�ص ‪.)195 :‬‬
‫تمهيد‬ ‫‪29‬‬

‫�أما اال�سم الأخري (ا ْل َها ِدي) فقد ذكره ال�شيخ ال�سقاف �ضمن تعداده‪ ،‬و�أ�شار ّ‬
‫الزجاج‬
‫�إلى �أن التقييد يف مثل هذه الآيات �إمنا هو لت�أكيد ال�صفة‪ ،‬وح�صر كمالها فيه ‪�-‬سبحانه‪-‬‬
‫الزجاج‪ }« :‬ﭕ ﭖ ﭗ {[الن�ساء‪ ]45:‬وما‬ ‫مبعنى‪ :‬ا ْك َت ُفوا باهلل هَادِياً َو َن ِ�صرياً‪ .‬قال ّ‬
‫�أَ�شبهه يف القر�آن‪ :‬معنى الباء لل َّتوكيد‪ ،‬واملعنى‪ :‬كفى اهلل ولياً‪� ،‬إِال �أَن الباء دخلت يف‬
‫ا�سم الفاعل؛ لأَن معنى الكالم الأَم ُر‪ ،‬واملعنى‪ :‬ا ْك َت ُفوا باهلل ولياً»(‪ ،)26‬وممن �أدرجه‬
‫يف �أ�سماء اهلل احل�سنى من العلماء‪َّ :‬‬
‫اخلطابي(‪ ،)27‬واحلليمي والبيهقي(‪ ،)28‬والقرطبي(‪،)29‬‬
‫وابن حجر(‪ ،)30‬وال�شيخ ال�سعدي(‪ ،)31‬وال�شيخان ابن باز وابن جربين(‪ ،)32‬رحمهم اهلل‬
‫�أجمعني‪ ،‬وال�شيخان عبداهلل الغ�صن(‪ ،)33‬و عبدالرزاق البدر(‪ ،)34‬حفظهم اهلل‪.‬‬
‫ومن خالل تتبعي لأ�سماء اهلل احل�سنى يف امل�صنفات الأخرى تبني يل ثبوت‬
‫ا�سمني‪ ،‬مل يدرجا يف تعداد الكتب الثالثة املختارة �آنفاً‪ ،‬وهما (املُ�ست َعا ُن) و(الحْ َ ا�سِ ُب)‪،‬‬
‫وفقاً ملا يلي‪:‬‬
‫(املُ�ست َعانُ )‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (مرتني) مقيد ًا ب�شيء خم�صو�ص يف طلب‬
‫العون على ق�ضاء حاجة خم�صو�صة‪ ،‬يف قول اهلل تعالى‪ }:‬ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ{[يو�سف‪ ،]18:‬وقوله تعالى‪ } :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ{[الأنبياء‪ ،]112:‬وورد مطلق ًا‪ ،‬وم��راد ًا به ال َع َلمية‪ ،‬يف �صحيح ال�سنة من قول‬
‫ال�صحابي اجلليل عثمان بن عفان ‹‪ ،‬عندما فتح له �أبو مو�سى الأ�شعري ‹ باب احلائط‪،‬‬
‫و�أخربه بقول النبي ‪( :¤‬افتح له‪ ،‬وب�شره باجلنة‪ ،‬على بلوى ت�صيبه) فقال عثمان‪« :‬اهلل‬
‫(‪( )26‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ‪� - 15 :‬ص‪ )226:‬مادة (كفى)‪.‬‬
‫(‪�( )27‬ش�أن الدعاء) للخطابي (�ص‪.)95 :‬‬
‫(‪( )28‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪ )202:‬ونقل فيه قول احلليمي‪.‬‬
‫(‪( )29‬الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي ‪ -‬حتقيق‪ :‬حممد ح�سن جبل وطارق �أحمد حممد (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)376 :‬‬
‫(‪( )30‬فتح الباري �شر ح �صحيح البخاري) البن حجر الع�سقالين (�ص‪ - 2806:‬رقم احلديث‪.)6410 :‬‬
‫(‪ )31‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)20 :‬‬
‫(‪�( )32‬شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى يف �ضوء الكتاب وال�سنة) مل�ؤلفه �سعيد القحطاين (�ص‪.)2:‬‬
‫(‪�( )33‬أ�سماء اهلل احل�سنى) لل�شيخ عبداهلل بن �صالح الغ�صن (�ص ‪.)185 :‬‬
‫(‪( )34‬فقه الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالرزاق البدر (�ص ‪.)137 :‬‬
‫‪30‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫امل�ستعان»(‪ ،)35‬وورد ‪�-‬أي�ض ًا‪ -‬من حديث قتادة بن النعمان ‹‪ ،‬وفيه قوله‪ .. « :‬ف�أتيت ر�سول‬
‫اهلل ‪ ¤‬فكلمته‪ ،‬فقال‪َ ( :‬ع َم َ‬
‫دت �إلى �أهل بيت‪ُ ،‬ذ ِك َ��ر منهم �إ�سالم و�صالح‪ ،‬ترميهم‬
‫بال�سرقة على غري ثبت وبينة؟!) ‪ ..‬قال قتادة‪ :‬فرجعت‪ ،‬ول��وددت �أين خرجت من‬
‫بع�ض م��ايل ومل �أكلم ر�سول اهلل ‪ ¤‬يف ذل��ك‪ ،‬ف�أتاين عمي رفاعة بن زيد ‹‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫يا ابن �أخي ما �صنعت؟ ‪ ..‬ف�أخربته مبا قال يل ر�سول اهلل ‪ ،¤‬فقال‪ :‬اهلل امل�ستعان‪ ،‬فلم‬
‫يلبث �أن نزل القر�آن‪ .)36(»..‬وممن عده و�أدرجه �ضمن �أ�سماء اهلل احل�سنى‪ :‬احلافظ ابن‬
‫حجر(‪ ،)37‬والإمام القرطبي(‪ ،)38‬وال�شيخ عبدالعزيز بن باز(‪ ،)39‬رحمهم اهلل �أجمعني‪.‬‬
‫ا�س ُب)‪ :‬ورد اال�سم يف القر�آن الكرمي‪ ،‬يف قوله تعالى‪}:‬ﭪ ﭫ ﭬ‬ ‫(الحْ َ ِ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ{[الأنبياء‪ ،]47:‬ويقال يف �إثباته ما قيل يف ا�سم اهلل (ا ْل َها ِدي)‪.‬‬
‫وممن عده و�أدرجه �ضمن �أ�سماء اهلل احل�سنى‪ :‬القرطبي(‪ ،)40‬وال�شيخ عبداهلل بن �صالح‬
‫الغ�صن(‪ ،)41‬وال�شيخ حممد احلمود النجدي(‪ ,)42‬والأكرث مل يدرجه �ضمن الأ�سماء‪ ،‬و�إن‬
‫ُاعترب معناه �ضمن معاين ا�سمه ‪�-‬سبحانه‪( -‬احل�سيب)‪.‬‬
‫وبذلك يكون عدد الأ�سماء احل�سنى التي �سنتطرق �إليها ون�شرحها يف هذا الكتاب ‪-‬ب�إذن‬
‫اهلل تعالى‪� 107( -‬أ�سماء) موزعة وم�صنفة ح�سب معانيها املتقاربة �إلى (‪ 30‬جمموعة)‬
‫كالتايل‪:‬‬
‫(‪ )35‬رواه البخاري برقم (‪.)6216‬‬
‫(‪� )36‬أخرجه الرتمذي واحلاكم والطرباين وح�سنه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (‪ )3036‬باعتبار ترقيم (جامع‬
‫الرتمذي) و برقم (‪ )2432‬باعتبار ال�صحيح منه‪.‬‬
‫(‪( )37‬فتح الباري �شرح �صحيح البخاري) البن حجر الع�سقالين (�ص‪ - 2806:‬رقم احلديث‪.)6410 :‬‬
‫(‪( )38‬الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي ‪ -‬حتقيق‪ :‬حممد ح�سن جبل وطارق �أحمد حممد (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)544 :‬‬
‫(‪�( )39‬شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى يف �ضوء الكتاب وال�سنة) مل�ؤلفه �سعيد القحطاين (�ص‪.)2:‬‬
‫(‪( )40‬الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي ‪ -‬حتقيق‪ :‬حممد ح�سن جبل وطارق �أحمد حممد (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)207 :‬‬
‫(‪�( )41‬أ�سماء اهلل احل�سنى) لل�شيخ عبداهلل بن �صالح الغ�صن (�ص ‪.)176 :‬‬
‫(‪( )42‬النهج الأ�سمى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للنجدي (�ص‪.)258 :‬‬
‫تمهيد‬ ‫‪31‬‬

‫جماميع الأ�سماء‬ ‫مفتاح املجموعة �أرقام الأ�سماء‬ ‫رقم املجموعة‬


‫اهلل ‪ -‬ال َّر ُّب ‪ -‬ا ِلإ َل ُه‬ ‫ُ‬ ‫‪3-1‬‬ ‫وه َّي ُة‬ ‫ا ألُ ُل ِ‬ ‫املجموعـ‪1‬ـة‬
‫ال َو ِاح ُد ‪ -‬ال َأح ُد ‪ -‬ال ِوت ُر‬ ‫‪6-4‬‬ ‫ال َو ْحدَ ا ِن َّي ُة‬ ‫املجموعـ‪2‬ـة‬
‫الظ ِاه ُر ‪ -‬ال َب ِاطنُ‬ ‫الأ َّو ُل ‪ -‬ال ِآخ ُر ‪َّ -‬‬ ‫‪10 -7‬‬ ‫اط ُة‬ ‫ال َإح َ‬ ‫املجموعـ‪3‬ـة‬
‫الط ِّي ُب‬ ‫اجلمِ ي ُل ‪َّ -‬‬ ‫احلمي ُد ‪َ -‬‬ ‫َ‬ ‫‪13 - 11‬‬ ‫احل ْم ُد‬ ‫َ‬ ‫املجموعـ‪4‬ـة‬
‫الم ‪ -‬املُ َت َكبِرّ ُ‬ ‫ال�س ُ‬ ‫و�س ‪َّ -‬‬ ‫بوح ‪ -‬ال ُق ُّد ُ‬ ‫ال�س ُ‬ ‫ُّ‬ ‫‪17 - 14‬‬ ‫ال َت ْن ِـزي ُه‬ ‫املجموعـ‪5‬ـة‬
‫ال َك ِب ُري ‪ -‬ال َع ِظ ُيم ‪ -‬ا َملجي ُد‬ ‫‪20 - 18‬‬ ‫ا ْل َع َظ َم ُة‬ ‫املجموعـ‪6‬ـة‬
‫ال َع ِل ُّي ‪ -‬ال ْأعلى ‪ -‬املت َع ُال‬ ‫‪23 - 21‬‬ ‫ا ْل ُع ُل ُّو‬ ‫املجموعـ‪7‬ـة‬
‫ال�سمِ ي ُع ‪ -‬ال َب ِ�ص ُري‬ ‫احل ُّي ‪َّ -‬‬ ‫َ‬ ‫‪26 - 24‬‬ ‫الحْ َ َيا ُة‬ ‫املجموعـ‪8‬ـة‬
‫ال َعالمِ ُ ‪ -‬الع ِل ُيم ‪ -‬اخل ِب ُري ‪ -‬الحْ َ ِك ُيم‬ ‫‪30 - 27‬‬ ‫الحِْ ْك َم ُة‬ ‫املجموعـ‪9‬ـة‬
‫ال َّر ْح َمنُ ‪ -‬ال َّر ِح ُيم ‪ -‬ال َّر� ُ‬
‫ؤوف‬ ‫‪33 - 31‬‬ ‫ال َّر ْح َم ُة‬ ‫املجموعـ‪10‬ـة‬
‫ال َقا ِد ُر ‪ -‬ال َق ِدي ُر ‪ِ -‬‬
‫املقتد ُر‬ ‫‪36 - 34‬‬ ‫ا ْل ُق ْد َر ُة‬ ‫املجموعـ‪11‬ـة‬
‫ني ‪ -‬ال َع ِزي ُز ‪ -‬ال ّأع ُز‬ ‫ال َق ِو ُّي ‪ -‬ا َمل ِت ُ‬ ‫‪40 - 37‬‬ ‫ا ْل ِع َّز ُِة‬ ‫املجموعـ‪12‬ـة‬
‫ال َغ ِن ُّي ‪ -‬ال َوا�سِ ُع ‪ -‬ال َق ُّي ُ‬
‫وم‬ ‫‪43 - 41‬‬ ‫ال َق ُّي ْو ِم َّي ُة‬ ‫املجموعـ‪13‬ـة‬
‫يك‬‫ا َمل ِل ُك ‪ -‬ا َملا ِل ُك ‪ -‬ا َمل ِل ُ‬ ‫‪46 - 44‬‬ ‫املُ ْل ُك‬ ‫املجموعـ‪14‬ـة‬
‫اجل َوا ُد ‪ -‬البرَ ُّ‬ ‫ال َكر ُمي ‪ -‬الأَ ْك َر ُم ‪َ -‬‬ ‫‪50 - 47‬‬ ‫ا ْل َك َر ُم‬ ‫املجموعـ‪15‬ـة‬
‫يف ‪ -‬ال َّرفيقُ‬ ‫ال َّل ِط ُ‬ ‫‪52 - 51‬‬ ‫اللُّ ْط ُف‬ ‫املجموعـ‪16‬ـة‬
‫خل َّال ُق ‪ -‬ال َبا ِر ُئ ‪ -‬املُ َ�ص ِّو ُر ‪ -‬املُ ْح�سِ نُ‬ ‫خلا ِل ُق ‪ -‬ا َ‬ ‫ا َ‬ ‫‪57 - 53‬‬ ‫الخْ َ ْلقُ‬ ‫املجموعـ‪17‬ـة‬
‫فيظ ‪ -‬املُ َه ْيمِ نُ‬ ‫احل ُ‬ ‫افظ ‪َ -‬‬ ‫احل ُ‬ ‫يط ‪َ -‬‬ ‫المْ ُ ِح ُ‬ ‫‪61 - 58‬‬ ‫ا ْل َه ْي َم َن ُة‬ ‫املجموعـ‪18‬ـة‬
‫ال َّراز ُِق ‪ -‬ال َّر َّز ُاق ‪ -‬املُقيتُ‬ ‫‪64 - 62‬‬ ‫ال ِّر ْز ُق‬ ‫املجموعـ‪19‬ـة‬
‫اب ‪ -‬ا َمل َّنانُ ‪ -‬ال َقا ِب ُ�ض ‪ -‬ال َبا�سِ ُط‬ ‫طي ‪ -‬ال َو َّه ُ‬ ‫املُ ْع ُ‬ ‫‪69 - 65‬‬ ‫ا ْل َع َطا ُء‬ ‫املجموعـ‪20‬ـة‬
‫كم ‪ -‬ال َفت َُّاح‬ ‫احل ُ‬ ‫ني ‪ -‬ا ْل َها ِدي ‪َ -‬‬ ‫احل ُّق ‪ -‬املُ ِب ُ‬ ‫َ‬ ‫‪74 - 70‬‬ ‫ا ْلهِ دَ ا َي ُة‬ ‫املجموعـ‪21‬ـة‬
‫ال�شهي ُد ‪ -‬الحْ َ ا�سِ ُب ‪ -‬الد َّيانُ‬ ‫قيب ‪َّ -‬‬ ‫ال َّر ُ‬ ‫‪78 - 75‬‬ ‫ا�س َب ُة‬ ‫املُ َح َ‬ ‫املجموعـ‪22‬ـة‬
‫�سيب‬
‫حل ُ‬ ‫‪ 84 - 79‬ال َوليِ ُّ ‪ -‬ا َمل ْو َلى‪ -‬ال َودودُ‪ -‬املُ�ست َعانُ ‪ -‬ال َوكي ُل‪ -‬ا َ‬ ‫ا ْلوِال َي ُة‬ ‫املجموعـ‪23‬ـة‬
‫يب ‪ -‬املُ ُ‬
‫جيب‬ ‫ال�ص َم ُد ‪ -‬ال َق ِر ُ‬ ‫ال�س ِّي ُد ‪َّ -‬‬ ‫َّ‬ ‫‪88 - 85‬‬ ‫الإِ َجا َب ُة‬ ‫املجموعـ‪24‬ـة‬
‫ال�ش ُكو ُر ‪ -‬ال َّن ِ�ص ُري‬ ‫ال�ش ِاك ُر ‪َّ -‬‬ ‫َّ‬ ‫‪91 - 89‬‬ ‫ال�ش ْك ُر‬ ‫ُّ‬ ‫املجموعـ‪25‬ـة‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫امل�ؤ ِْمنُ ‪ -‬ال�شايف ‪ -‬امل َ�س ِّع ُر‬ ‫ُ‬ ‫‪94 - 92‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الط َم�أ ِنينة‬ ‫ُّ‬ ‫املجموعـ‪26‬ـة‬
‫احل ِي ُّي ‪ -‬ال�سِ ِّت ُري‬ ‫احل ِل ُيم ‪َ -‬‬ ‫َ‬ ‫‪97 - 95‬‬ ‫الحِِْ ْل ُم‬ ‫املجموعـ‪27‬ـة‬
‫اب‬ ‫ال َعف ُّو ‪ -‬ال َغ ُفور ‪ -‬ال َغ َّفا ُر ‪ -‬ال َّت َّو ُ‬ ‫‪101 - 98‬‬ ‫المْ َ ْغ ِف َر ُة‬ ‫املجموعـ‪28‬ـة‬
‫اجل َّبا ُر‬ ‫ال َق ِاه ُر ‪ -‬ال َق َّها ُر ‪َ -‬‬ ‫‪104 -102‬‬ ‫ا ْل َق ْه ُر‬ ‫املجموعـ‪29‬ـة‬
‫املُ َقدِّ ُم ‪ -‬املُ� ِّؤخ ُر ‪ -‬ال َوار ُِث‬ ‫‪107 -105‬‬ ‫ال ِو َرا َث ُة‬ ‫املجموعـ‪30‬ـة‬
‫‪32‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫رابع ًا‪ :‬اخلطة الرئي�سة للبحث‪:‬‬


‫احل ْ�س َنى ‪ ..‬ت�صنيف ًا ومعنى» م��وزع�اً على مقدمة ‪-‬متهيدية‪-‬‬
‫اء ُ‬‫ج��اء كتاب «الأَ ْ�س َم ُ‬
‫وثالثة �أبواب‪:‬‬
‫املقدمة التمهيدية‪ :‬وا�شتملت على مقدمة الكتاب ومنهجيته‪.‬‬
‫الباب الأول‪� :‬ضوابط �إح�صاء الأ�سماء احل�سنى‪ :‬وا�شتمل على مبحثني‪:‬‬
‫ •املبحث الأول‪ :‬تف�سري قول اهلل تعالى‪ } :‬وَللهَِّ الأَ ْ�س َم�آ ُء الحْ ُ ْ�س َنى{‪.‬‬
‫ •املبحث الثاين‪� :‬ضوابط حتديد الأ�سماء‪.‬‬
‫الباب الثاين‪ :‬عدد �أ�سماء اهلل احل�سنى‪ :‬وا�شتمل على خم�سة مباحث‪:‬‬
‫ •املبحث الأول‪ :‬الأحاديث الواردة يف حتديد عدد الأ�سماء‪.‬‬
‫ •املبحث الثاين‪ :‬مناهج العلماء يف تتبع �أ�سماء اهلل احل�سنى‪.‬‬
‫ •املبحث الثالث‪ :‬مراتب الإح�صاء‪.‬‬
‫ •املبحث الرابع‪� :‬أحاديث �سرد الأ�سماء‪.‬‬
‫ •املبحث اخلام�س‪ :‬احلكمة من تخ�صي�ص العدد (‪ )99‬ال�ستحقاق ثواب الإح�صاء‪.‬‬
‫الباب الثالث‪� :‬شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى‪:‬‬
‫وهو الباب الرئي�س للكتاب؛ حيث ا�شتمل على �شرح عدد (‪ 30‬جمموعة) حتوي‬
‫(‪� 107‬أ�سماء) من �أ�سماء اهلل احل�سنى الثابتة يف الكتاب وال�سنة‪ ،‬ومت التطرق �شرحاً‬
‫وتو�ضيحاً لأ�سماء كل جمموعة على حدة‪ ،‬من خالل املحاور الت�سعة التالية‪:‬‬
‫املحور الأول‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫يهتم بعدد مرات ورود كل ا�سم كرمي يف القر�آن العظيم‪ ،‬مع اال�ست�شهاد ب�أمثلة من الآيات‪ ،‬وكان املرجع‬
‫الأ�سا�سي لإح�صاء عدد مرات الورود (املعجم املفهر�س لألفاظ القر�آن الكرمي) مل�ؤلفه حممد ف�ؤاد‬
‫عبدالباقي ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬بالإ�ضافة �إلى بع�ض املراجع احلا�سوبية للت�أكيد‪ ،‬ومت االقت�صار على �صحيح‬
‫ال�سنة يف اال�ست�شهاد ب�أحاديث الر�سول ‪ ¤‬لإثبات �أ�سماء اهلل احل�سنى‪ ،‬مع عزو كل حديث �إلى مرجعه‪.‬‬
‫املحور الثاين‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬
‫خ�ص�ص للجوانب اللغوية املتعلقة بكل ا�سم‪ ،‬وتو�ضيح جذوره اللغوية‪ ،‬و�أ�صل ا�شتقاقه‪،‬‬
‫ومعناه وتف�سريه عند �أهل اللغة‪ ،‬مع الإ�شارة �إلى مراجع الأقوال واال�ست�شهادات‪.‬‬
‫تمهيد‬ ‫‪33‬‬

‫املحور الثالث‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬


‫يهتم بتف�سري معاين الأ�سماء من خالل اال�ست�شهاد ب�أقوال ال�سلف ال�صالح وعباراتهم يف‬
‫�شرح معنى اال�سم وتف�سريه‪ ،‬مع الإ�شارة �إلى القائل ومرجع القول‪ .‬وا�ستفدت كثري ًا من �أقوال الأئمة‬
‫الذين اهتموا بهذا اجلانب؛ كابن القيم‪ ،‬واخلطابي‪ ،‬واحلليمي‪ ،‬والبيهقي‪ ،‬وال�شيخ عبدالرحمن‬
‫ال�سعدي ‪-‬رحمهم اهلل �أجمعني‪ -‬وال يكاد يخلو تف�سري ا�سم من �أ�سماء اهلل احل�سنى من �أقوالهم‪.‬‬
‫كما �أورد �أحيانا عبارات و�أقوال �أئمة التف�سري املبثوثة هنا وهناك يف تفا�سريهم؛ كالإمام الطربي‪،‬‬
‫والقرطبي‪ ،‬وابن كثري‪ ،‬وال�شوكاين وغريهم ‪ ..‬ولكي يت�سنى لكل قاريء الفهم ال�سريع ملعنى اال�سم‬
‫وحفظه ‪-‬قبل ال�شروع يف قراءة �أقوال ال�سلف املتو�سعة يف ذلك‪ -‬اخرتت �أحد الأقوال الق�صرية‬
‫ال�سهلة اجلامعة يف تف�سري اال�سم‪ ،‬و�أدرجته بعده مبا�شرة‪ ،‬مع ذكر قائله يف احلا�شية‪.‬‬
‫املحور الرابع‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬
‫حتدثت فيه عن الفروق الدقيقة بني الأ�سماء املتقاربة يف معانيها‪ ،‬والعالقة فيما بينها‪،‬‬
‫واحلكمة من �إدراجها �ضمن جمموعة واحدة‪ ،‬مع اال�ست�شهاد ب�أقوال �أهل االخت�صا�ص يف ذلك‪،‬‬
‫ال �سيما �أهل اللغة والتف�سري‪.‬‬
‫املحور اخلام�س‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬
‫خ�ص�ص لذكر ال�صفات امل�شتقة من الأ�سماء‪ ،‬وكان املرجع الأ�سا�س كتاب ال�شيخ علوي بن‬
‫عبدالقادر ال�سقاف (�صفات اهلل الواردة يف الكتاب وال�سنة)‪ ،‬وكتاب الدكتور حممد عبدالرازق‬
‫الر�ضواين (�أ�سماء اهلل احل�سنى الثابتة يف الكتاب وال�سنة)‪� ،‬إ�ضافة �إلى مراجع �أخرى‪ ،‬و�أُ�شري‬
‫�إلى ذلك يف احلوا�شي‪ ،‬مع اال�ست�شهاد ب�أدلة من الكتاب و�صحيح ال�سنة على ورود ال�صفة‪.‬‬
‫املحور ال�ساد�س‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬
‫ويهتم باحلديث عن احلكم والفوائد والعرب من اقرتان �أ�سماء اهلل احل�سنى مع بع�ضها‬
‫البع�ض‪ .‬وكما هو مقرر ف�إن كل ا�سمني اقرتنا ف�إن هلل �صفة كمال من كل ا�سم على حده‪ ،‬وله‬
‫‪�-‬أي�ض ًا‪� -‬صفة كمال �أخرى من اقرتانهما‪ ،‬فخ�ص�ص هذا املحور للحديث عن الكمال يف االقرتان‪،‬‬
‫مع الإ�شارة �إلى �أن العربة يف �إيراد االقرتان ‪�-‬ضمن �أي جمموعة‪ -‬هو اال�سم الأول املقرتَن به‪،‬‬
‫ولي�س الثاين املق ِرتن معه؛ مبعنى �أن اقرتان (الغفور الرحيم) ن�شري �إليه عند احلديث عن‬
‫‪34‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫املجموعة املت�ضمنة ال�سم اهلل (الغفور)‪ ،‬و(العزيز الغفور) نذكره عند احلديث عن املجموعة‬
‫املت�ضمنة ال�سم اهلل (العزيز)‪.‬‬
‫ولعله من املنا�سب �أن ن�شري �إلى �أن هذا املحور مقت�صر على احلديث عن احلكمة العامة من‬
‫اقرتان اال�سمني مع بع�ضهما دون التطرق �إلى مطابقة االقرتان ملقت�ضى املقام يف كل �آية من �آيات‬
‫القر�آن الكرمي �إال يف �أ�ضيق احلدود وما تقت�ضيه احلاجة؛ لأن هذا يطول ويحتاج �إلى بحث منفرد‪،‬‬
‫وبع�ض االقرتانات تكررت ع�شرات املرات‪ ،‬ولو تتبعنا كل �آية للحديث عن منا�سبة االقرتان ملو�ضوع الآية‬
‫لطالت ال�صفحات‪ ،‬وت�ضاعف حجم الكتاب‪.‬‬
‫املحور ال�سابع‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫وخ�ص�ص للحديث عن دعاء العبادة ب�شقية االعتقادي والعملي املتعلق بالأ�سماء احل�سنى‬
‫املدرجة يف كل جمموعة‪ .‬ويف جانب الثمرة العملية للإميان بهذه الأ�سماء؛ ا�ستفدت كثري ًا من‬
‫الآثار الإميانية التي ذكرها ال�شيخ عبدالعزيز بن نا�صر اجلل ّيل يف كتابة اجلميل (وهلل الأ�سماء‬
‫احل�سنى فادعوه بها)‪ ،‬فجزاه اهلل خري ًا وحفظه وبارك فيه‪.‬‬
‫املحور الثامن‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫وخ�ص�ص للحديث عن دعاء امل�س�ألة‪ ،‬وحاجات الب�شر التي ينا�سبها متجيد اهلل‬
‫والثناء عليه بالأ�سماء احل�سنى املدرجة يف كل جمموعة‪ ،‬مع اال�ست�شهاد مبا ينا�سبها من الأدعية‬
‫الواردة يف كتاب اهلل‪ ،‬و�صحيح �سنة نبيه ‪.¤‬‬
‫املحور التا�سع‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬
‫وهو يهتم بذكر ق�ص�ص معربة‪ ،‬ولطائف م�ؤثرة‪ ،‬ومواقف و�أقوال منا�سبة ملعاين الأ�سماء‬
‫احل�سنى املدرجة يف كل جمموعة‪ ،‬وكان الهدف من و�ضع هذا املحور ذكر �أمثلة عملية ومواقف‬
‫تطبيقية لدعاء العبادة‪ ،‬وكيفية ت�أثري �أ�سماء اهلل احل�سنى يف حياة الب�شر‪.‬‬

‫هذا ما تي�سر بحثه‪ ،‬وكتابته ‪ ..‬ف�أ�س�أل اهلل الكرمي‪ ،‬رب العر�ش العظيم‪� ،‬أن‬
‫يجعله خال�ص ًا لوجهه اجلليل‪ ،‬و�أن ينفع به كاتبه وقارئه يف الدنيا والآخرة‪� ،‬إنه �سميع‬
‫الدعاء‪ ،‬و�أهل الرجاء‪ ،‬وهو ح�سبنا ونعم الوكيل‪.‬‬
‫‪35‬‬

‫الباب الأول‬
‫�ضوابط �إح�صاء �أ�سماء اهلل احل�سنى‬
‫‪36‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الباب الأول‬
‫�ضوابط �إح�صاء �أ�سماء اهلل احل�سنى‬
‫املبحث الأول‪ :‬تف�سري قول اهلل تعالى‪ } :‬ﭳ ﭴ ﭵ{‪:‬‬
‫امتدح اهلل �أ�سماءه العظيمة‪ ،‬وو�صفها ب�أنها ح�سنى‪ ،‬وتكرر ذلك يف �أربعة‬
‫موا�ضع من القر�آن الكرمي‪:‬‬
‫• يف قوله تعالى‪ } :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ{[الأعراف‪.]180:‬‬
‫• وقوله تعالى‪ }:‬ﮊﮋ ﮌﮍ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮕﮖ{[الأ�سراء‪.]110 :‬‬
‫• وقوله تعالى‪ } :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ{[طه‪.]8:‬‬
‫• وقوله تعالى‪} :‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ{[احل�شر‪.]24:‬‬
‫وحيث �إن معني الآيات متقارب يف و�صف �أ�سماء اهلل الكرمية ب�أنها ح�سنى‪،‬‬
‫ف�إننا �سنكتفي بتف�سري �آية الأعراف‪ ،‬ونذكر �أقوال العلماء يف تف�سريها‪:‬‬
‫• قوله تعالى‪ } :‬ﭳﭴ{‪� :‬أي �أن هلل �أ�سماء‪ ،‬هي �أح�سن الأ�سماء؛ لداللتها على �أح�سن‬
‫م�سمى‪ ،‬و�أ�شرف مدلول‪ .‬يقول ال�شيخ ال�سعدي‪« :‬هذا بيان لعظيم جالله‪ ،‬و�سعة �أو�صافه‪ ،‬ب�أن له‬
‫الأ�سماء احل�سنى‪� ،‬أي‪ :‬له كل ا�سم ح�سن»(‪ ،)1‬والألف والالم يف لفظ } ﭴ{ للعهد؛ مبعنى‬
‫�أنها معهودة موجودة‪ ،‬ومبثوثة يف الكتاب وال�سنة‪ .‬يقول ابن حزم‪« :‬والأ�سماء احل�سنى بالألف والالم‬
‫ال تكون �إال معهودة‪ ،‬وال معروف يف ذلك �إال ما ن�ص اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬عليه ‪ ..‬وهي الأ�سماء املذكورة يف‬
‫القر�آن وال�سنة»(‪ .)2‬وقال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية‪« :‬الأ�سماء احل�سنى املعروفة هي التي يدعى‬
‫اهلل بها‪ ،‬وهي التي جاءت يف الكتاب وال�سنة‪ ،‬وهي التي تقت�ضي املدح والثناء بنف�سها»(‪.)3‬‬
‫• قوله تعالى‪ } :‬ﮫ{‪� :‬أي �أح�سن الأ�سماء و�أج ّلها؛ لأنها تنبئ عن �أ�سمى املعاين‬
‫(‪( )1‬تف�سري ال�سعدي) عند تف�سري (�سورة‪ :‬الأعراف – الآية‪.)180 :‬‬
‫(‪( )2‬املحلى) البن حزم (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)30 - 29:‬‬
‫(‪�( )3‬شرح العقيدة الأ�صفهانية) ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية (�ص‪.)19 :‬‬
‫الباب األول‪ :‬ضوابط إحصاء األسماء الحسنى‬ ‫‪37‬‬

‫حل َ�سن‪ ،‬وحتت هذا‬ ‫و�أ�شرفها‪ .‬قال ال�سيد املرت�ضى‪ }« :‬ﮫ{‪ :‬جمع الأَ ْح َ�سن ال جمع ا َ‬
‫حل َ�سن من �صفات الألفاظ‪ ،‬ومن �صفات املعاين‪ ،‬فكل لفظ له‬ ‫�سر نفي�س‪ :‬وذلك �أن ا َ‬
‫معنيان‪َ :‬ح َ�سن و�أَ ْح َ�سن‪ ،‬فاملراد الأَ ْح َ�سن منهما حتى ي�صبح جمعه ُح ْ�س َنى‪ ،‬وال يف�سر‬
‫حل َ�سن منهما �إال الأح�سن بهذا الوجه»(‪ .)4‬وقال ابن الوزير اليماين‪« :‬اعلم �أن ا ُ‬
‫حل ْ�س َنى‬ ‫با َ‬
‫حل َ�سن‪ ،‬ف�إن جمعه ح�سان وح�سنة‪ ،‬ف�أ�سماء اهلل‬ ‫يف اللغة‪ :‬هو جمع الأَ ْح َ�سن‪ ،‬ال جمع ا َ‬
‫التي ال تحُ �صى ك ُّلها ُح ْ�س َنى؛ �أي‪� :‬أح�سن الأ�سماء‪ ،‬وهو مثل قوله تعالى‪ } :‬ﭷﭸ‬
‫ﭹﭺﭻ ﭼ{[الروم‪� ،]27 :‬أي‪ :‬الكمال الأعظم يف ذاته و�أ�سمائه ونعوته‪،‬‬
‫فلذلك وجب �أن تكون �أ�سما�ؤه �أح�سن الأ�سماء‪ ،‬ال �أن تكون ح�سنة وح�سا ًنا ال �سوى‪ ،‬وكم‬
‫ال و�شرعاً؛ ولغة وعرفاً؟!»(‪.)5‬‬ ‫بني احل�سن والأح�سن من التفاوت العظيم عق ً‬
‫يقول ابن القيم‪�« :‬أ�سما�ؤه كلها �أ�سماء مدح وحمد وثناء ومتجيد؛ ولذلك كانت‬
‫ح�سنى‪ ،‬و�صفاته كلها �صفات كمال‪ ،‬ونعوته كلها نعوت جالل‪ ،‬و�أفعاله كلها حكمة‬
‫ورحمة وم�صلحة وعدل»(‪ ،)6‬ويقول يف مو�ضع �آخر‪« :‬واملق�صود �أن الرب �أ�سما�ؤه كلها‬
‫ح�سنى‪ ،‬لي�س فيها ا�سم �سوء‪ ،‬و�أو�صافه كلها كمال‪ ،‬لي�س فيها �صفة نق�ص‪ ،‬و�أفعاله‬
‫كلها حكمة‪ ،‬لي�س فيها فعل خال عن احلكمة وامل�صلحة‪ ،‬وله املثل الأعلى يف ال�سماوات‬
‫والأر�ض وهو العزيز احلكيم‪ ،‬مو�صوف ب�صفة الكمال‪ ،‬مذكور بنعوت اجلالل‪ ،‬من ّزه‬
‫عن ال�شبيه واملثال‪ ،‬ومن ّزه عما ي�ضاد �صفات كماله؛ فمن ّزه عن املوت امل�ضاد للحياة‪،‬‬
‫وعن ال�سِ َن ِة والنوم وال�سهو والغفلة امل�ضاد للقيومية‪ ،‬ومو�صوف بالعلم‪ ،‬من ّزه عن‬
‫�أ� �ض��داده كلها م��ن الن�سيان وال��ذه��ول وع��زوب �شيء ع��ن علمه‪ ،‬مو�صوف بالقدرة‬
‫التامة‪ ،‬من ّزه عن �ضدها من العجز واللغوب والإعياء‪ ،‬مو�صوف بالعدل من ّزه عن‬
‫الظلم‪ ،‬مو�صوف باحلكمة من ّزه عن العبث‪ ،‬مو�صوف بال�سمع والب�صر من ّزه عن‬
‫�أ�ضدادهما من ال�صمم والبكم‪ ،‬مو�صوف بالعلو والفوقية من ّزه عن �أ�ضداد ذلك‪،‬‬
‫(‪ )4‬تف�سري (حما�سن الت�أويل) جلمال الدين القا�سمي (جـ‪� - 16 :‬ص‪ ،)116 :‬عند تف�سري (�سورة‪ :‬احل�شر – الآية‪.)24 :‬‬
‫(‪( )5‬العوا�صم والقوا�صم يف الذب عن �سنة �أبي القا�سم ‪ )¤‬البن الوزير اليماين (جـ‪� - 7 :‬ص‪.)228 :‬‬
‫(‪( )6‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ‪� - 1:‬ص‪.)125 :‬‬
‫‪38‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫مو�صوف بالغنى التام من ّزه عما ي�ضاده بوجه من الوجوه‪ ،‬وم�ستحق للحمد كله‪،‬‬
‫في�ستحيل �أن يكون غري حممود»(‪.)7‬‬
‫ووجه كون �أ�سماء اهلل ح�سنى جاء من طريقني‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫الأولى‪ :‬لداللتها على �أح�سن و�أعظم و�أ�شرف و�أجل و�أقد�س م�سمى وهو (الل)‬
‫الثانية‪� :‬أنها مت�ضمنة ل�صفات كاملة‪ ،‬ال نق�ص فيها وال عيب بوجه من الوجوه‪.‬‬
‫قال ال�شيخ عبد العزيز ال�سلمان‪« :‬كانت �أ�سماء اهلل ح�سنى؛ لداللتها على �أح�سن‬
‫م�سمى‪ ،‬و�أ�شرف مدلول»(‪.)8‬‬
‫ • قوله تعالى‪ } :‬ﭶ ﭷ{‪ :‬والدعاء ي�شمل دعاء الطلب وامل�س�ألة‪ ،‬ودعاء الثناء‬
‫والعبادة‪ .‬يقول ابن القيم‪ « :‬وال��دع��اء بها يتناول دع��اء امل�س�ألة ودع��اء الثناء‪ ،‬ودع��اء‬
‫التعبد‪ ،‬وهو ‪�-‬سبحانه‪ -‬يدعو عباده �إلى �أن يعرفوه ب�أ�سمائه و�صفاته‪ ،‬ويثنوا عليه‬
‫بها‪ ،‬وي�أخذوا بحظهم من عبوديتها‪ ،‬وهو ‪�-‬سبحانه‪ -‬يحب موجب �أ�سمائه و�صفاته‪،‬‬
‫فهو (عليم) يحب كل عليم‪( ،‬جواد) يحب كل جواد‪( ،‬وتر) يحب الوتر‪( ،‬جميل) يحب‬
‫اجلمال‪( ،‬عفو) يحب العفو و�أهله‪( ،‬حيي) يحب احلياء و�أهله‪( ،‬ب ّر) يحب الأبرار‪،‬‬
‫(�شكور) يحب ال�شاكرين ‪ ،)9(»..‬ويقول ال�شيخ ال�سعدي‪« :‬ومن متام كونها (ح�سنى) �أنه‬
‫ال يدعى �إال بها‪ ،‬ولذلك قال‪ } :‬ﭶﭷ{ وهذا �شامل لدعاء العبادة‪ ،‬ودعاء امل�س�ألة‪،‬‬
‫فيدعى يف كل مطلوب مبا ينا�سب ذلك املطلوب‪ ،‬فيقول الداعي ‪-‬مثال‪ -‬ال ّلهم اغفر‬
‫يل وارحمني‪� ،‬إنك �أنت (الغفور الرحيم)‪ ،‬وتب َعلَ َّي يا (تواب)‪ ،‬وارزقني يا (رزاق)‪،‬‬
‫والطف بي يا (لطيف)‪ ،‬ونحو ذلك»(‪.)10‬‬
‫والدعاء هو‪« :‬ا�ستدعاء العبدِ ر َّبه العناية‪ ،‬وا�ستمدادُه منه املعونة‪ ،‬وحقيقته �إظهار‬
‫االفتقار �إلى اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬والتربّ�ؤ من احلول والقوة‪ ،‬وهو �سمة العبودية وا�ست�شعا ُر‬
‫(‪( )7‬طريق الهجرتني) البن القيم ( �ص‪.)98 - 97 :‬‬
‫(‪( )8‬الأ�سئلة والأجوبة الأ�صولية على العقيدة الوا�سطية) لل�شيخ عبدالعزيز بن حممد ال�سلمان (�ص‪.)51 :‬‬
‫(‪( )9‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ‪� - 1:‬ص‪.)420 :‬‬
‫(‪( )10‬تف�سري ال�سعدي) عند تف�سري (�سورة‪ :‬الأعراف – الآية‪.)180 :‬‬
‫الباب األول‪ :‬ضوابط إحصاء األسماء الحسنى‬ ‫‪39‬‬

‫الذلة الب�شر َّية‪ ،‬وفيه معنى الثناء على اهلل‪ ،‬و�إ�ضافة اجلود والكرم �إليه»(‪ ،)11‬وهو نوعان‪:‬‬
‫الأول‪ :‬دعاء م�س�ألة‪ :‬وهو طلب الداعي بل�سان املقال ما ينفعه من جلب منفعة �أو‬
‫دفع م�ضرة‪ ،‬في�س�أل اهلل ويثني عليه‪ ،‬ويتو�سل �إليه ب�أ�سمائه احل�سنى التي تنا�سب حاجته‬
‫ومطلبه‪ ،‬مع ا�ستح�ضار ما ت�ضمنته تلك الأ�سماء احل�سنى من كمال الأو�صاف وجاللها‪.‬‬
‫يقول ابن القيم‪« :‬دعاء امل�س�ألة‪ :‬هو طلب ما ينفع الداعي‪ ،‬وطلب ك�شف ما ي�ضره �أو‬
‫دفعه‪ ،‬وكل من ميلك ال�ضر والنفع ف�إنه هو املعبود حقاً‪ ،‬واملعبود ال بد �أن يكون مالكاً‬
‫للنفع وال�ضرر‪ ،‬ولهذا �أنكر اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬على من عبد من دونه ماال ميلك �ضراً وال‬
‫نفعاً»(‪ ،)12‬ويقول القرطبي‪ }« :‬ﭶ ﭷ{ �أي‪ :‬اطلبوا منه ب�أ�سمائه؛ فيطلب بكل‬
‫ا�سم ما يليق به‪ ،‬تقول‪ :‬يا (رحيم) ارحمني‪ ،‬يا (حكيم) احكم يل‪ ،‬يا (رازق) ارزقني‪،‬‬
‫يا (هادي) اهدين‪ ،‬يا (ف ّتاح) افتح يل‪ ،‬يا (ت ّواب) تب ّ‬
‫علي؛ وهكذا»(‪.)13‬‬
‫الثاين‪ :‬دعاء عبادة‪ :‬ويكون بل�سان احلال‪ ،‬وهو كما قال الدكتور الر�ضواين‪« :‬ظهور �أثر‬
‫�أ�سماء اهلل على اعتقاد العبد و�أقواله و�أفعاله‪ ،‬بحيث يراعي يف �سلوكه توحيد العبودية هلل يف‬
‫كل ا�سم �أو و�صف على حدة‪ ،‬فهو دعاء بل�سان احلال‪� ،‬أو دعاء �سلوكي ومظهر �أخالقي وحال‬
‫�إمياين‪ ،‬يبدو فيه امل�سلم موحداً هلل يف كل ا�سم من الأ�سماء احل�سنى بحيث تنطق �أفعاله �أنه‬
‫ال معبود بحق �سواه‪ ،‬و�أنه بفعله هذا ي�شهد �أال �إله �إال اهلل»(‪ .)14‬يقول ابن القيم‪« :‬لكل �صفة‬
‫عبودية خا�صة‪ ،‬هي من موجباتها ومقت�ضياتها‪� ،‬أعني من موجبات العلم بها‪ ،‬والتحقق‬
‫مبعرفتها‪ ،‬وهذا مطرد يف جميع �أن��واع العبودية التي على القلب واجل��وارح‪ ،‬ف ِع ْلم العبد‬
‫بتف ُّرد الربِّ ‪-‬تعالى‪ -‬بال�ض ِّر والنفع‪ ،‬والعطاء واملنع‪ ،‬واخللق والرزق‪ ،‬والإحياء والإماتة‪،‬‬
‫يثمر له عبودية التوكل عليه باطناً‪ ،‬ولوازم التوكل وثمراته ظاهرا‪ ،‬وعلمه ب�سمعه ‪-‬تعالى‪-‬‬
‫وب�صره وعلمه‪ ،‬و�أنه ال يخفى عليه مثقال ذرة يف ال�سماوات وال يف الأر�ض‪ ،‬و�أنه يعلم ال�سر‬
‫و�أخفى‪ ،‬ويعلم خائنة الأعني وما تخفي ال�صدور‪ ،‬يثمر له حفظ ل�سانه وجوارحه وخطرات‬
‫(‪�( )11‬ش�أن الدعاء) للخطابي (�ص‪.)4 :‬‬
‫(‪( )12‬بدائع الفوائد) البن القيم (جـ‪� - 3:‬ص‪.)2 :‬‬
‫(‪ )13‬تف�سري القرطبي (اجلامع لأحكام القر�آن) عند تف�سري الآية (‪ )180‬من �سورة الأعراف‪.‬‬
‫(‪�( )14‬أ�سماء اهلل احل�سنى الثابتة يف الكتاب وال�سنة) للدكتور حممود عبدالرازق الر�ضواين (�ص‪.)180 :‬‬
‫‪40‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫قلبه عن كل ما ال ير�ضي اهلل‪ ،‬و�أن يجعل تعلق هذه الأع�ضاء مبا يحبه اهلل وير�ضاه‪ ،‬فيثمر‬
‫له ذلك احلياء باطناً‪ ،‬ويثمر له احلياء اجتناب املحرمات والقبائح‪ ،‬ومعرفته بغناه وجوده‬
‫وكرمه وب��ره و�إح�سانه ورحمته؛ توجب له �سعة ال��رج��اء‪ ،‬وتثمر له من �أن��واع العبودية‬
‫الظاهرة والباطنة بح�سب معرفته وعلمه‪ ،‬وكذلك معرفته بجالل اهلل وعظمته وعزه‪،‬‬
‫تثمر له اخل�ضوع واال�ستكانة واملحبة‪ ،‬وتثمر له تلك الأحوال الباطنة �أنواعاً من العبودية‬
‫الظاهرة هي موجباتها‪ ،‬وكذلك علمه بكماله وجماله و�صفاته العلى‪ ،‬يوجب له حمبة‬
‫خا�صة‪ ،‬مبنزلة �أنواع العبودية‪ ،‬فرجعت العبودية كلها �إلى مقت�ضى الأ�سماء وال�صفات»(‪،)15‬‬
‫ال�سلمي‪« :‬ف�إن اهلل ذكر �صفاته لعباده ليعرفوها‪ ،‬ويعاملوه مبا ينا�سبها من الأحوال‬ ‫ويقول َّ‬
‫والأق��وال والأع�م��ال‪ ،‬فو�صف نف�سه بالربوبية ليعبدوه‪ ،‬وبالكمال ليمجدوه‪ ،‬وباجلالل‬
‫ليوقروه‪ ،‬وبالإف�ضال لي�شكروه‪ ،‬وباجلمال ليحبوه‪ ،‬وبالكربياء ليهابوه‪ ،‬وبالقرب منهم‬
‫لرياقبوه‪ ،‬وب�سعة الرحمة لريجوه‪ ،‬وب�شدة النقمة ليخافوه‪ ،‬وبالعظمة ليخ�ضعوا لعظمته‪،‬‬
‫وبالعزة ليتذللوا لعزته‪ ،‬وبالإح�سان �إليهم لري�ضوا عنه‪ ،‬وباالطالع عليهم لي�ستحوا منه‪،‬‬
‫وبالتفرد بالإلهية لئال يعبدوا �سواه‪ ،‬وبالتوحد بالنفع وال�ضر لئال يعتمدوا �إال عليه‪ ،‬وال‬
‫ي�ستندوا �إال �إليه‪ ،‬فتجلى لهم يف كتابه ب�صفاته ليحثهم مبعرفتها على التم�سك بكتابه‪،‬‬
‫والتخلق ب�آدابه»(‪ ,)16‬وقال ال�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل‪�« :‬إن التعبد هلل �سبحانه با�سمه (الرقيب)‬
‫يثمر يف القلب مراقبة اهلل يف ال�سر والعلن‪ ،‬يف الليل والنهار‪ ،‬يف اخللوة واجللوة‪ ،‬لأنه‬
‫‪�-‬سبحانه‪ -‬مع عبده ال تخفى عليه خافية؛ ي�سمع كالمنا وي��رى مكاننا‪ ،‬ويعلم خائنة‬
‫الأعني وما تخفي ال�صدور‪ ،‬ف�إذا �أيقن العبد بهذه احلقائق �سعى �إلى حفظ قلبه و�سمعه‬
‫وب�صره ول�سانه وجوارحه كلها من �أن يكون منها �أو فيها ما ي�سخط اهلل»(‪.)17‬‬
‫ • قوله تعالى‪ } :‬ﭹﭺﭻﭼ ﭽ{‪ :‬يقول ابن القيم ‪« :‬والإحلاد‬
‫يف �أ�سمائه؛ هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن احلق الثابت لها‪ ،‬وهو م�أخوذ‬
‫(‪( )15‬مفتاح دار ال�سعادة) البن القيم (جـ‪� - 2 :‬ص‪.)492 - 491 :‬‬
‫(‪( )16‬الإ�شارة �إلى الإيجاز يف بع�ض �أنواع املجاز) لعز الدين عبد العزيز بن عبد ال�سالم ال�سلمي (�ص‪.)206 :‬‬
‫(‪( )17‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلليل (�ص‪.)640 :‬‬
‫الباب األول‪ :‬ضوابط إحصاء األسماء الحسنى‬ ‫‪41‬‬

‫من امليل‪ ،‬كما يدل عليه مادته (ل ح د) فمنه اللحد‪ ،‬وهو ال�شق يف جانب القرب‪ ،‬الذي‬
‫قد مال عن الو�سط ‪� ..‬إذا عرف هذا فالإحلاد يف �أ�سمائه ‪-‬تعالى‪� -‬أنواع‪:‬‬
‫�أحدها‪ :‬ت�سمية الأ�صنام بها؛ كت�سميتهم الالت من الإلهية‪ ،‬والعزى من العزيز‪ ،‬وت�سميتهم‬
‫ال�صنم �إالهاً‪ ،‬وهذا �إحلاد حقيقة‪ ،‬ف�إنهم عدلوا ب�أ�سمائه �إلى �أوثانهم و�آلهتهم الباطلة‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬ت�سميته مبا ال يليق بجالله‪ ،‬كت�سمية الن�صارى له �أبا‪ ،‬وت�سمية الفال�سفة‬
‫له موجباً بذاته‪� ،‬أو علة فاعلة بالطبع‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬و�صفه مبا يتعالى عنه ويتقد�س من النقائ�ص‪ ،‬كقول �أخبث اليهود‪� :‬إنه‬
‫فقري‪ ،‬وقولهم‪� :‬إنه ا�سرتاح بعد �أن خلق خلقه‪ ،‬وقولهم‪ } :‬ﯥ ﯦ ﯧ{[املائدة‪.]64:‬‬
‫راب�ع�ه��ا‪ :‬تعطيل الأ��س�م��اء ع��ن معانيها‪ ،‬وجحد حقائقها‪ ،‬كقول م��ن يقول من‬
‫اجلهمية و�أتباعهم‪� :‬إنها �ألفاظ جمردة‪ ،‬ال تت�ضمن �صفات وال معاين‪ ،‬فيطلقون عليه‬
‫ا�سم ال�سميع والب�صري واحلي والرحيم واملتكلم واملريد‪ ،‬ويقولون‪ :‬ال حياة له‪ ،‬وال‬
‫�سمع‪ ،‬وال ب�صر‪ ،‬وال كالم‪ ،‬وال �إرادة تقوم به‪ ،‬وهذا من �أعظم الإحلاد فيها عقال و�شرعا‬
‫ولغة وفطرة‪ ،‬وهو يقابل �إحلاد امل�شركني‪ ،‬ف�إن �أولئك �أعطوا �أ�سماءه و�صفاته لآلهتهم‪،‬‬
‫وه�ؤالء �سلبوه �صفات كماله‪ ،‬وجحدوها وعطلوها‪ ،‬فكالهما ملحد يف �أ�سمائه‪.‬‬
‫خام�سها‪ :‬ت�شبيه �صفاته ب�صفات خلقه تعالى اهلل عما يقول امل�شبهون علوا كبريا»(‪.)18‬‬
‫مبا مل ي�سم به نف�سه يف كتابه‬ ‫عد بع�ض العلماء من الإحل��اد ت�سمية اهلل‬‫وقد َّ‬
‫�أو على ل�سان ر�سوله ‪ ،¤‬قال الإمام البغوي‪« :‬قال �أهل املعاين‪ :‬الإحل��اد يف �أ�سماء اهلل‬
‫ت�سميته مبا مل يت�سم به‪ ،‬ومل ينطق به كتاب اهلل‪ ،‬وال �سنة ر�سوله»(‪ ،)19‬وقال ابن‬
‫حجر‪« :‬قال �أهل التف�سري‪ :‬من الإحلاد يف �أ�سمائه ت�سميته مبا مل يرد يف الكتاب �أو‬
‫ال�سنة ال�صحيحة»(‪ ،)20‬وقال ابن حزم‪« :‬ف َم َن َع ‪-‬تعالى‪� -‬أن ي�سمى �إال ب�أ�سمائه احل�سنى‪،‬‬
‫و�أخرب �أن من �سماه بغريها فقد �أحلد»(‪.)21‬‬
‫(‪( )18‬بدائع الفوائد) البن القيم (جـ‪� - 1:‬ص‪.)170 - 169 :‬‬
‫(‪ )19‬تف�سري (معامل التنزيل) للبغوي عند تف�سري [�سورة‪ :‬الأعراف – الآية‪.]180 :‬‬
‫(‪( )20‬فتح الباري) البن حجر الع�سقالين (�ص‪ - 2807:‬رقم احلديث‪.)6410 :‬‬
‫(‪( )21‬املحلى) البن حزم (جـ‪� - 1 :‬ص‪.) 29:‬‬
‫‪42‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫املبحث الثاين‪� :‬ضوابط حتديد �أ�سماء اهلل احل�سنى‪:‬‬


‫املتتبع للكثري من امل�ؤلفات التي ُ�صنفت يف ح�صر و�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى يجد‬
‫�أنها مل تن�ص على معايري منهجية حمددة‪� ،‬أو ُتف�صح عن �ضوابط علمية دقيقة لعملية العد‬
‫والإح�صاء‪ ،‬بل يلحظ �أنها ت�سارع �إلى الدخول يف �سرد الأ�سماء و�شرحها دون التطرق �إلى‬
‫ال�ضوابط التي حكمت هذا الإح�صاء؛ ولذا تنوعت مناهج العلماء يف م�صنفاتهم يف �شرح‬
‫�أ�سماء اهلل احل�سنى بني �أربعة مناهج(‪:)22‬‬
‫املنهج الأول‪ :‬االعتماد على العد الوارد يف حديث �أبي هريرة ‹ العتقادهم ب�صحة‬
‫ما �أُدرج فيه من �سرد الأ�سماء‪ ،‬و�أنه من كالم النبي ‪ ¤‬و�سي�أتي بيانه‪ ،‬والكالم عن �صحته‪.‬‬
‫املنهج الثاين‪ :‬االقت�صار على ما ورد مطلق ًا من الأ�سماء يف الن�صو�ص‪ ،‬مع ا�ستبعاد ما‬
‫ورد م�ضاف ًا مثل (البديع) يف قوله تعالى‪} :‬ﯖ ﯗ ﯘ {[البقرة‪،]117:‬‬
‫�أو ما ي�ؤخذ باال�شتقاق من ال�صفات والأفعال‪ ،‬مثل (الباقي) يف قوله تعالى‪ } :‬ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ{[الرحمن‪ .]27:‬و قوله تعالى‪ } :‬ﯴ ﯵ ﯶ{ [طه‪. ]73 :‬‬
‫املنهج الثالث‪ :‬التو�سع يف ا�شتقاق الأ�سماء من كل �صفة وفعل‪.‬‬
‫املنهج الرابع‪ :‬التو�سط بني املنهج الثاين والثالث‪ ،‬فال ُيقت�صر على ما ورد ب�صيغة اال�سم‬
‫فقط‪ ،‬وال ُيتو�سع يف اال�شتقاق من كل �صفة �أو فعل‪ ،‬و�إمنا ا�شرتطوا لإطالق اال�سم من ال�صفة‬
‫الثابتة �أن تكون ال�صفة يف حال �إطالقها غري منق�سمة �إلى كمال ونق�ص‪� ،‬أو مدح وذم‪� ،‬أو خري‬
‫و�شر‪ ،‬بل ال بد يف حال �إطالقها �أن تكون مدح ًا مطلق ًا‪ ،‬مثل (اجلليل والباعث والرافع‪� ..‬إلخ)‪.‬‬
‫لي�س الهدف من الإ�شارة �إلى هذه املناهج الإ�سهاب يف تو�ضيحها‪ ،‬وبيان ما لها وما عليها‪،‬‬
‫و�إمنا لتف�سري �أ�سباب التفاوت الكبري يف عدد �أ�سماء اهلل احل�سنى املدرجة يف م�صنفات‬
‫العلماء‪ ،‬حتى ال تكاد جتد م�صنفني مت�ساويني يف العدد ومتفقني يف الأ�سماء املدرجة‪� ،‬إلى‬
‫(‪ )22‬ينظر(معتقد �أهل ال�سنة واجلماعة يف �أ�سماء اهلل احل�سنى) للدكتور حممد بن خليفة التميمي (�ص‪ )84 - 83 :‬بت�صرف‪.‬‬
‫الباب األول‪ :‬ضوابط إحصاء األسماء الحسنى‬ ‫‪43‬‬

‫جانب ت�أكيد �أهمية حتديد ال�ضوابط املنهجية‪ ،‬والقواعد العلمية‪ ،‬وفائدتها العظيمة يف‬
‫�إحكام عملية الإح�صاء‪ ،‬وتعيني �أ�سماء اهلل احل�سنى قبل البدء ب�شرحها واحلديث عنها‪.‬‬
‫وقد اهتم بع�ض العلماء ب�ضوابط حتديد �أ�سماء اهلل احل�سنى‪ ،‬وم�ستندهم‬
‫يف ذلك قول اهلل تعالى ‪ }:‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ{[الأعراف‪ ،]180:‬وتتمثل �أهم ال�ضوابط الرئي�سة‬
‫يف حتديد �أ�سماء اهلل احل�سنى فيما يلي‪:‬‬
‫• ال�ضابط الأول‪� :‬أ�سماء اهلل احل�سنى توقيفية‪:‬‬
‫�أ�سماء اهلل احل�سنى توقيفية؛ �أي ال بد من ثبوت وروده��ا بن�ص القر�آن الكرمي �أو‬
‫�صحيح ال�سنة‪ ،‬فهي تتلقى عن طريق اخلرب (ال�سمع) ال بالآراء واالجتهادات‪ ،‬ويجب الوقوف‬
‫عند ذلك وعدم جت��اوزه‪ ،‬فال ُيزاد عليه وال ُينق�ص‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪ } :‬ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ{ فالألف والالم يف لفظ } ﭴ{ للعهد؛ مبعنى �أنها معهودة موجودة‪ ،‬ومبثوثة‬
‫يف الكتاب وال�سنة‪ ،‬وهو ما �أ�شار �إليه ابن حزم يف قوله‪« :‬والأ�سماء احل�سنى بالألف والالم‬
‫ال تكون �إال معهودة‪ ،‬وال معروف يف ذلك �إال ما ن�ص اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬عليه ‪ ..‬وهي الأ�سماء‬
‫املذكورة يف القر�آن وال�سنة»(‪ ،)23‬يقول �أبو �سليمان اخلطابي‪« :‬ومن علم هذا الباب ‪� -‬أعني‬
‫الأ�سماء وال�صفات ‪ -‬وما يدخل يف �أحكامه‪ ،‬ويتعلق به من �شرائط‪� ،‬أنه ال يتجاوز فيها‬
‫التوقيف»(‪ ،)24‬وقال ابن القي ــم تعليق ًا على ق ــول الر�سول ‪ ¤‬يف حديــث ابن م�سعــود‹‪:‬‬
‫(‪� ..‬أ�س�ألك بكل ا�سم هو لك‪� ،‬سميت به نف�سك ‪« :)25()..‬فاحلديث �صريح يف �أن �أ�سماءه‬
‫لي�ست من فعل الآدم�ي�ين وت�سمياتهم»(‪ ،)26‬ويقول ال�شيخ ابن عثيمني‪�« :‬أ�سماء اهلل‬
‫‪-‬تعالى‪ -‬توقيفية ال جمال للعقل فيها‪ ،‬وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء‬
‫(‪( )23‬املحلى) البن حزم (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)30 - 29:‬‬
‫(‪�( )24‬ش�أن الدعاء) للخطابي (�ص‪.)111 :‬‬
‫(‪ )25‬رواه الإمام �أحمد والطرباين وابن حبان واحلاكم‪ ،‬و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة برقم (‪.)199‬‬
‫(‪�( )26‬شفاء العليل) البن القيم (جـ‪� - 3:‬ص‪ - 1355 :‬الباب ال�سابع والع�شرون‪ :‬يف دخول الإميان بالق�ضاء والقدر والعدل‬
‫والتوحيد واحلكمة حتت قوله ‪( : ¤‬ما�ض َّيف حكمك‪ ،‬عدل َّيف ق�ضا�ؤك)‪.‬‬
‫‪44‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫به الكتاب وال�سنة فال يزاد فيها وال ينق�ص؛ لأن العقل ال ميكنه �إدراك ما ي�ستحقه‬
‫‪-‬تعالى‪ -‬من الأ�سماء‪ ،‬فوجب الوقوف يف ذلك على الن�ص ‪ ..‬ولأن ت�سميته ‪-‬تعالى‪ -‬مبا‬
‫مل ي�سم به نف�سه �أو �إنكار ما �س ّمى به نف�سه جناية يف حقه ‪-‬تعالى»(‪ ،)27‬ويقول ال�شيخ بكر‬
‫�أبو زيد عند حديثه عن ا�سم (ال�صانع)‪ ..« :‬هذا على ر�أي من اكتفى يف �إطالق الأ�سماء‬
‫بورود الفعل‪ ،‬وقد غ َّلط املحققون هذا ال��ر�أي يف مباحث مطولة نفي�سة‪ ،‬وق��رروا �أن‬
‫�أ�سماء اهلل توقيفية»(‪.)28‬‬
‫ومن امل�سائل اخلالفية املتعلقة بهذا ال�ضابط‪ :‬هل امل��راد بالتوقف يف �أ�سماء اهلل‬
‫احل�سنى ا�شرتاط ورود اال�سم ن�صاً‪� ،‬أم �أن امل��راد كون �أ�صل اال�سم امل�شتق توقيفياً؟‪،‬‬
‫�أي ثبوت (ال�صفة) التي �أُ�شتق منها اال�سم‪ .‬فا�سما (العزيز) و(الوهاب) ‪-‬مث ًال‪ -‬وردا ن�ص ًا يف‬
‫قوله تعالى‪ } :‬ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ{[�ص‪ ،]9 :‬بينما ا�سما (الباقي)‬
‫و(اجلليل) – وهما من الأ�سماء التي وردت يف اجلمع املدرج بحديث �أبي هريرة ‹‪ -‬مل‬
‫ترد ن�ص ًا يف الكتاب �أوال�سنة الثابتة‪ ،‬و�إمنا ا�شتقت من �صفات (ا ْل َب َقا ُء) و(الجْ َ ُ‬
‫الل) الثابتة‬
‫يف قوله تعالى‪ } :‬ﯴ ﯵ ﯶ{ [طه‪ ]73 :‬ويف قوله تعالى‪ } :‬ﮄ ﮅ‬ ‫هلل‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ{ [الرحمن‪ ،]27 :‬ف�أجاز كثري من املتقدمني ا�شتقاق الأ�سماء من‬
‫ال�صفات‪ ،‬وا�شرتطوا لذلك ثبوت ال�صفة بورودها يف الكتاب �أو ال�سنة‪ ،‬و�أن تقت�ضي الكمال‬
‫املطلق الذي يحمد عليه الرب ومي��دح‪ ،‬وال يوهم نق�ص ًا بوجه من الوجوه‪ .‬يقول الدكتور‬
‫حممد خليفة التميمي عن منهج ا�شتقاق الأ�سماء من ال�صفات الثابتة‪« :‬وهذا ال ّنهج نا�صره‬
‫وعا�ضده �أكرث العلماء الذين اهت ّموا بجمع الأ�سماء احل�سنى‪ ،‬وبخا�صة املتقدّمني‬
‫منهم‪ ,‬فمن خالل ا�ستقرائي جلميع العلماء وج��دت �أن الكثري منهم يراعي ذلك‬
‫ال�شرط عند ذكره للأ�سماء في�أخذون بع�ض الأ�سماء بطريق اال�شتقاق‪ ،‬ولكن مع‬
‫ونق�ص‪ ،‬ومد ٍح وذم‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ري منق�سم ٍة �إلى كمالٍ‬
‫التق ّيد ب�أن تكون ال�صفة يف حال �إطالقها غ َ‬
‫ري و�شرٍّ‪ ,‬فالب ّد يف حال �إطالقها �أن تكون مدحا مطلقا»(‪ ،)29‬وقد خالف هذا الر�أي‬
‫�أو خ ٍ‬
‫(‪( )27‬القواعد املثلى) لل�شيخ ابن عثيمني يرحمه اهلل (�ص‪.)12 :‬‬
‫(‪( )28‬معجم املناهي اللفظية) لل�شيخ بكر بن عبداهلل �أبو زيد يرحمه اهلل (�ص‪.)207 :‬‬
‫(‪( )29‬معتقد �أهل ال�سنة واجلماعة يف �أ�سماء اهلل احل�سنى) للدكتور حممد خليفة التميمي (�ص‪.)127 - 126 :‬‬
‫الباب األول‪ :‬ضوابط إحصاء األسماء الحسنى‬ ‫‪45‬‬

‫بع�ض العلماء‪ ،‬واحتجوا ب�أن اهلل اخت�ص بالأ�سماء احل�سنى التي �أطلقها على نف�سه يف‬
‫حمكم كتابه‪ ،‬وفيما �أوحاه �إلى ر�سوله ‪ ،¤‬ولي�س لأحد �أن ي�سميه مبا مل ي�سم به نف�سه‪ ،‬وهو‬
‫‪�-‬سبحانه‪� -‬أعلم مبا يليق بجالله‪ ،‬ومر معنا قول ابن القيم‪�« :‬أن �أ�سماء اهلل لي�ست من‬
‫فعل الآدميني وت�سمياتهم»(‪ ،)30‬واهلل �أطلق على نف�سه �أ�سما ًء كـ (الرحمن) فقال‬
‫�سبحانه‪ } :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ{[الإ�سراء‪،]110:‬‬
‫وو�صف نف�سه بـ (الرحمة) فقال تعالى‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗ{[الأنعام‪ ،]147:‬وذكر من �أفعاله �أنه يرحم فقال �سبحانه‪ } :‬ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ{[يو�سف‪ ،]53:‬ومع ذلك �أمر عباده ب�أن يتعبدوه ويدعوه ب�أ�سمائه‬
‫التي �سمى بها نف�سه دون �صفاته‪ ،‬فيقال‪ :‬عبدالرحمن‪ ،‬ويدعى (يا رحمن ارحمنا)‪ ،‬لكن ال‬
‫ُيتعبد ب�صفاته وال يدعى بها‪ ،‬فال يقال عبد الرحمة‪ ،‬وال يدعى‪ :‬يا رحمة اهلل ارحمينا؛ ومهما‬
‫بلغت عقول الب�شر من توقد الذهن وعل ِّو العلم ف�إنها تظل عاجزة عن �إدراك ما ي�ستحقه اهلل‬
‫‪�-‬سبحانه وتعالى‪ -‬من الأ�سماء احل�سنى وال�صفات العلى‪ ،‬وهو ‪�-‬سبحانه‪� -‬أعلم مبا يليق‬
‫بجالله وعظمته كما قال ‪..( :¤‬ال �أح�صي ثناء عليك‪� ،‬أنت كما �أثنيت على نف�سك)(‪،)31‬‬
‫فالأولى الوقوف عند ذلك دون زيادة �أو نق�صان‪ ،‬فنثبت هلل ما �أثبته لنف�سه يف كتابه‬
‫�أو على ل�سان ر�سوله ‪ ¤‬من الأ�سماء‪ ،‬وال نزيد على ذلك با�شتقاق �أو قيا�س �أو غريه‪ ،‬وقد‬
‫�أ�شارت �إلى ذلك اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء يف جوابها على �س�ؤال �أحد ال�سائلني‬
‫عن ا�سم (الف�ضيل)‪ :‬وهل هو من �أ�سماء اهلل احل�سنى؟ ‪ ..‬فقالت‪� .. « :‬أخرب ‪�-‬سبحانه‪-‬‬
‫عن نف�سه ب�أنه اخت�ص بالأ�سماء احل�سنى املت�ضمنة لكمال �صفاته‪ ،‬ولعظمته وجالله‪،‬‬
‫و�أمر عباده �أن يدعوه بها ت�سمية له مبا �سمى به نف�سه‪ ،‬و�أن يدعوه بها ت�ضرعاً وخفية‬
‫يف ال�سراء وال�ضراء‪ ،‬ونهاهم عن الإحلاد فيها بجحدها �أو �إنكار معانيها‪� ،‬أو بت�سميته‬
‫ي�سم به نف�سه‪� ،‬أو بت�سمية غريه بها‪ ،‬وتوعد من خالف يف ذلك ب�سوء العذاب‪.‬‬‫مبا مل ِّ‬
‫وقد �سمى اهلل نف�سه ب�أ�سماء يف حمكم كتابه‪ ،‬وفيما �أوحاه �إلى ر�سوله ‪ ¤‬من ال�سنة‬
‫الثابتة ولي�س من بينها ا�سم (الف�ضيل)‪ ،‬ولي�س لأحد �أن ي�سميه بذلك؛ لأن �أ�سماءه‬
‫(‪�( )30‬شفاء العليل) البن القيم (جـ‪� - 3:‬ص‪.)1355 :‬‬
‫(‪ )31‬رواه م�سلم برقم (‪.)486‬‬
‫‪46‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪-‬تعالى‪ -‬توقيفية‪ ،‬ف�إنه ‪�-‬سبحانه‪ -‬هو �أعلم مبا يليق بجالله‪ ،‬وغ�يره قا�صر عن‬
‫ذلك‪ ،‬فمن �سماه بغري ما �سمى به نف�سه �أو �سماه به ر�سوله ‪ ¤‬فقد �أحلد يف �أ�سمائه‬
‫وانحرف عن �سواء ال�سبيل ‪ ..‬و�أ�سماء اهلل توقيفية فال ي�سمى ‪�-‬سبحانه‪� -‬إال مبا‬
‫�سمى به نف�سه �أو �سماه به ر�سوله ‪ ¤‬وال يجوز �أن ي�سمى با�سم عن طريق القيا�س‬
‫�أو اال�شتقاق من فعل ونحوه خالفاً للمعتزلة والك َّرامية‪ ،‬فال يجوز ت�سميته ب ّنا ًء‪،‬‬
‫وال ماكراً‪ ،‬وال م�ستهزئاً‪� ،‬أخذاً من قوله تعالى‪} :‬ﯰ ﯱ ﯲ{[الذاريات‪،]47:‬‬
‫وق��ول��ه‪} :‬ﭛﭜﭝ{ [�آل عمران‪ ،]54:‬وقوله تعالى‪} :‬ﯬ ﯭ‬
‫ﯮ{[البقرة‪ ،]15:‬وال يجوز ت�سميته زارع�اً‪ ،‬وال ماهداً‪ ،‬وال فالقاً‪ ،‬وال من�شئـــــاً‪ ،‬وال‬
‫ـــــــــال‪ ،‬وال �شديداً‪ ،‬ونحــــو ذلـــــك �أخــــــذاً مـن قولـــه تعالى‪} :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫قـــاب ً‬
‫ﮟ {[الواقعة‪ ،]64:‬وقوله تعالى‪ } :‬ﯸ ﯹ{[الذاريات‪ ،]48:‬وقوله‪:‬‬
‫} ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ{[الأنعام‪ ،]95:‬وقوله‪} :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﯮ{[الواقعة‪ ،]72:‬وقوله‪ } :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ{[غافر‪]3:‬؛ لأنها مل‬
‫ت�ستعمل يف هذه الن�صو�ص �إال م�ضافة‪ ،‬ويف �إخبا ٍر على غري طريق الت�سمي‪ ،‬ال مطلقة‪،‬‬
‫فال يجوز ا�ستعمالها �إال على ال�صفة التي وردت عليها يف الن�صو�ص ال�شرعية‪ ،‬فيجب‬
‫�أال يع َّبد يف الت�سمية �إال ال�سم من الأ�سماء التي �سمى بها نف�سه �صريحاً يف القر�آن‪،‬‬
‫�أو �سماه بها ر�سوله ‪ ¤‬فيما ثبت عنه من الأحاديث»(‪ ،)32‬ومن الفوائد التي �أ�شار �إليها‬
‫ال�شيخ ابن عثيمني عند تف�سريه لقوله تعالى‪ } :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ{[البقرة‪،]260:‬‬
‫قوله‪ « :‬ومنها‪� :‬إثبات ا�سمني من �أ�سماء اهلل؛ وهما‪( :‬العزيز) و(احلكيم)‪ ،‬و�إثبات ما‬
‫ت�ضمناه من ال�صفة؛ وهي (العزة)‪ ،‬و(احلكمة)؛ لأن كل ا�سم من �أ�سماء اهلل فهو‬
‫مت�ضمن ل�صفة وال عك�س؛ يعني‪ :‬لي�س كل �صفة ي�ؤخذ منها ا�سم‪ ،‬لكن كل ا�سم‬
‫ي�ؤخذ منه �صفة؛ لأن �أ�سماء اهلل �أعالم‪ ،‬و�أو�صاف‪ ،‬فكل ا�سم من �أ�سمائه مت�ضمن‬
‫(‪( )32‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واالفتاء) (جـ‪� -11:‬ص‪ ،)458 - 454 :‬رقم الفتوى (‪ )3862‬برئا�سة رئي�س‬
‫اللجنة ال�شيخ عبدالعزيز بن عبداهلل بن باز وم�شاركة نائبه ال�شيخ عبدالرزاق عفيفي وع�ضوية كل من ال�شيخ عبداهلل بن قعود‬
‫وال�شيخ عبداهلل بن غديان رحمهم اهلل �أجمعني‪.‬‬
‫الباب األول‪ :‬ضوابط إحصاء األسماء الحسنى‬ ‫‪47‬‬

‫لل�صفة التي دل عليها ا�شتقاقه‪� ،‬أو لوازمها»(‪ ،)33‬وقال ال�شيخ بكر �أبو زيد عند تعداده لأوجه‬
‫الأ�سماء التي يحرم ت�سمية املولود بها‪ .. « :‬ومن هذا‪ :‬الغلط يف التعبيد لأ�سما ٍء ُي ُّ‬
‫ظن �أنها‬
‫من �أ�سماء اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬ولي�ستْ كذلك؛ مثل‪ :‬عبد املق�صود‪ ،‬عبد ال�ستار‪ ،‬عبد املوجود‪،‬‬
‫عبد املعبود‪ ،‬عبد الهوه‪ ،‬عبد امل ْر�سل‪ ،‬عبد الوحيد‪ ،‬عبد الطالب‪ ،‬عبد النا�صر‪ ،‬عبد‬
‫القا�ضي‪ ،‬عبد اجلامع‪ ،‬عبد احلنان‪ ،‬عبد ال�صاحب – للحديث ال�صحيح‪( :‬ال�صاحب يف‬
‫ال�سفر)(‪ – )34‬عبد الويف ‪ ..‬فهذه يكون اخلط�أ فيها من جهتني‪ :‬من جهة ت�سمية اهلل مبا‬
‫مل ير ْد به ال�سمع‪ ،‬و�أ�سما�ؤه ‪�-‬سبحانه‪ -‬توقيفي ٌة على الن�ص من كتابٍ �أو �سنةٍ‪ ،‬واجلهة‬
‫الثانية‪ :‬التعبيد مبا مل ي�سم اهلل به نف�سه وال ر�سوله ‪ ،¤‬وكثري منها من �صفات اهلل‬
‫ال ُعلى‪ ،‬لكن قد غلط غلطاً بيناً من جعل هلل من كل �صفة ا�سماً‪ ،‬وا�شتق له منها‪ ،‬فقــول‬
‫اهلل تعالى‪} :‬ﭹ ﭺ ﭻ{[غافر‪ ،]20:‬ال ي�شتق هلل منها ا�سم القا�ضي‪ ،‬لهذا فال‬
‫يقال‪ :‬عبد القا�ضي‪ ،‬وهكذا»(‪ ،)35‬وقال ال�شيخ عبداهلل الغ�صن‪� « :‬إن �أ�سماء اهلل م�شتقة‪ ،‬لكن‬
‫ال يجوز لنا �أن ن�شتق من الفعل‪� ،‬أو من ال�صفة ا�سماً؛ لأن �أ�سماء اهلل – وهي التي وردت‬
‫ب�صيغة اال�سم – توقيفية‪ ،‬فال ن�سمي اهلل �إال مبا �سمى به نف�سه‪� ،‬أو �سماه به ر�سوله ‪،¤‬‬
‫ال �إذا كان الفعل متعدياً‪� ،‬أو‬
‫ف�إذا ثبت اال�سم بالن�ص‪ ،‬جاز لنا �أن ن�شتق منه �صفة وفع ً‬
‫كل فامل�س�ألة لي�س هذا حمل ب�سطها‬‫�صفة فقط �إذا كان الفعل الزماً ‪-‬واهلل �أعلم»(‪ ،)36‬وعلى ٍ‬
‫وحترير النزاع فيها‪ ،‬و�إمنا الإ�شارة �إلى �سبب �إيراد الأ�سماء امل�شتقة يف م�صنفات الكثري من‬
‫العلماء املتقدمني‪.‬‬
‫وخروجاً من اخل�لاف فقد اقت�صرنا يف هذا الكتاب على الأ�سماء التي ثبت‬
‫ورودها ب�صورة اال�سم دون اال�شتقاق‪.‬‬
‫وعليه ف�إن �أ�سماء اهلل احل�سنى ن�صية توقيفية‪ ،‬تعتمد يف �إثباتها على ورودها ب�صورة‬
‫اال�سم يف الكتاب و�صحيح ال�سنة‪ ،‬وال ُت�ستنبط عن طريق القيا�س �أو اال�شتقاق‪.‬‬
‫(‪( )33‬تف�سري �سورة البقرة) لل�شيخ ابن عثيمني [البقرة‪. 260:‬‬
‫(‪ )34‬رواه م�سلم برقم (‪.)1342‬‬
‫(‪( )35‬معجم املناهي اللفظية) لل�شيخ بكر بن عبداهلل �أبو زيد عند احلديث عن ا�سم (عبد املطلب)‪.‬‬
‫(‪�( )36‬أ�سماء اهلل احل�سنى) لل�شيخ عبداهلل الغ�صن (�ص‪ )147 :‬بت�صرف ي�سري‪.‬‬
‫‪48‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫• ال�ضابط الثاين‪�« :‬صحة الإطالق ب�أن يفيد اال�سم املدح والثناء بنف�سه دون‬
‫متعلق �أو قيد»(‪:)37‬‬
‫�أي ال بد �أن يرد اال�سم يف �سياق الن�ص مفردا مطلقا‪ ،‬يفيد املدح والثناء على اهلل‬
‫حل ْ�سن والكمال‪ ،‬ويخ�ص�ص كمال‬ ‫بنف�سه؛ ودون قـيد �أو �إ�ضافة؛ لأن التقييد يحد من �إطالق ا ُ‬
‫اال�سم مبا قيد به‪� ،‬أو �أ�ضيف �إليه‪ ،‬واهلل ‪� -‬سبحانه ‪ -‬و�صف �أ�سماءه باحل�سنى؛ �أي البالغة‬
‫مطلق احل�سن بال حد وال قيد‪ .‬قال الإمام ابن القيم‪« :‬فعليك مبراعاة ما �أطلقه ‪�-‬سبحانه‪-‬‬
‫على نف�سه من الأ�سما ِء وال�صفات‪ ،‬والوقوف معها‪ ،‬وعدم �إطالق ما مل يطلقه على‬
‫نف�سه ما مل يكن مطابقاً ملعنى �أ�سمائه و�صفاته‪ ،‬وحينئذ فيطلق املعنى ملطابقته له‪،‬‬
‫ال‪� ،‬أو منق�سماً �إلى ما ميدح به وغريه‪ ،‬ف�إنه ال‬
‫دون اللفظ‪ ،‬وال �سيما �إذا كان جمم ً‬
‫يجوز �إطالقه �إال مقيداً‪ ،‬وهذا كلفظ الفاعل وال�صانع‪ ،‬ف�إنه ال يطلق عليه فى �أ�سمائه‬
‫احل�سنى �إال �إطالقاً مقيداً‪� ،‬أطلقه على نف�سه كقوله تعالى‪ } :‬ﯗﯘﯙ{[الربوج‪،]16:‬‬
‫} ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ{[�إبراهيم‪ ،]27:‬وقوله‪ } :‬ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ{[النمل‪:‬‬
‫‪ ،)38(»]88‬ومما جاء يف فتوى اللجنة الدائمة‪ .. « :‬وال يجوز ت�سميته زارعاً‪ ،‬وال ماهداً‪،‬‬
‫ال‪ ،‬وال �شديداً‪ ،‬ونحو ذلك �أخذاً من قوله تعالى‪} :‬ﮛ‬
‫وال فالقاً‪ ،‬وال من�شئاً‪ ،‬وال قاب ً‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ{[الواقعة‪ ،]64:‬وقوله تعالى‪ } :‬ﯸ ﯹ{[الذاريات‪،]48:‬‬
‫وقوله‪ } :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ{[الأنعام‪ ،]95:‬وقوله‪} :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮ{[الواقعة‪ ،]72:‬وقوله‪ } :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ{[غافر‪]3:‬؛ لأنها‬
‫مل ت�ستعمل يف هذه الن�صو�ص �إال م�ضافة‪ ،‬ويف �إخبا ٍر على غري طريق الت�سمي‪ ،‬ال‬
‫مطلقة‪ ،)39(»..‬ويقول الدكتور الر�ضواين‪« :‬من ال�شروط الأ�سا�سية الالزمة لإح�صاء‬
‫الأ�سماء احل�سنى �أن يرد اال�سم يف �سياق الن�ص مفردا مطلقا دون �إ�ضافة ُم َقـ ِّيدة �أو قرينة‬
‫ظاهرة حتد من الإطالق؛ وذلك ب�أن يفيد املدح والثناء على اهلل بنف�سه؛ لأن الإ�ضافة‬
‫(‪( )37‬معتقد �أهل ال�سنة واجلماعة يف �أ�سماء اهلل احل�سنى) للدكتور حممد خليفة التميمي (�ص‪.)55 :‬‬
‫(‪( )38‬طريق الهجرتني) البن القيم ( �ص‪.)271:‬‬
‫(‪( )39‬فتاوى اللجنة الدائمة)‪� ،‬سبق الإ�شارة �إلى م�صدرها انظر �ص‪.48:‬‬
‫الباب األول‪ :‬ضوابط إحصاء األسماء الحسنى‬ ‫‪49‬‬

‫حل ْ�سن والكمال على قدر ما �أ�ضيف �إليه اال�سم �أو ُق ِّيد به‪،‬‬
‫والتقييد يحدان من �إطالق ا ُ‬
‫واهلل ذكر �أ�سماءه بالالنهائية يف احل�سن‪ ،‬وهذا يعني الإطالق التام الذي يتناول جالل‬
‫الذات وال�صفات والأفعال»(‪ ،)40‬وخالف جم ٌع من �أهل العلم هذا الر�أي‪ ،‬وذهبوا �إلى اعتبار‬
‫وعدها من �أ�سماء اهلل احل�سنى‪ ،‬و�أن ُح�سن اال�سم وكماله يظهر‬
‫الأ�سماء املقيدة وامل�ضافة‪ِّ ,‬‬
‫بالتقييد والإ�ضافة‪ ،‬واحتجوا بدعاء النبي ‪ ¤‬بهذه الأ�سماء املقيدة‪ ،‬كقوله ‪( :¤‬اللهم منزل‬
‫الكتاب‪ ،‬وجمري ال�سحاب‪ ،‬وهازم الأحزاب‪ ،‬اهزمهم وان�صرنا عليهم)(‪ ،)41‬يقول �شيخ‬
‫الإ�سالم ابن تيمية‪« :‬وكذلك �أ�سما�ؤه امل�ضافة مث ‏ل ‏‪� :‬أرحم الراحمني‪ ،‬وخري الغافرين‪،‬‬
‫ورب العاملني‪ ،‬ومالك يوم الدين‪ ،‬و�أح�سن اخلالقني‪ ،‬وجامع النا�س ليوم ال ريب فيه‪،‬‬
‫ومقلب القلوب‪ ،‬وغري ذلك مما ثبت يف الكتاب وال�سنة‪ ،‬وثبت يف الدعاء بها ب�إجماع‬
‫امل�سلمني»‏(‪ ،)42‬ويقول ال�شيخ ابن عثيمني‪« :‬ومن �أ�سماء اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬ما يكون م�ضافاً‪،‬‬
‫مثل‪( :‬مالك امللك) و (ذي اجلالل والإكرام)»(‪ ،)43‬وهي كثرية يف القر�آن وال�سنة(‪ ,)44‬وينبغي‬
‫مراعاة التقييد والإ�ضافة الواردة يف الن�ص‪ ،‬والوقوف عنده‪ ،‬وعدم اطالق املقيد �أو ف�صل امل�ضاف‪.‬‬
‫وحيث وقع اخلالف يف اعتبار الأ�سماء املقيدة وامل�ضافة‪ ،‬وهل تعد من �أ�سماء اهلل‬
‫احل�سنى؟ فقد اقت�صرنا يف هذا الكتاب على �إح�صاء الأ�سماء احل�سنى التي وردت ب�صيغة‬
‫اال�سم املطلق الذي يفيد املدح والثناء بنف�سه دون قيد �أو �إ�ضافة‪.‬‬
‫(‪�( )40‬أ�سماء اهلل احل�سنى الثابتة يف الكتاب وال�سنة) للدكتور حممود عبدالرازق الر�ضواين (�ص‪.)65 :‬‬
‫(‪ )41‬متفق عليه‪ :‬رواه البخاري برقم (‪ )2965‬وم�سلم برقم (‪.)1742‬‬
‫(‪( )42‬جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية) جمع عبدالرحمن بن قا�سم‪( :‬جـ‪� - 22 :‬ص‪.)485 :‬‬
‫(‪( )43‬القواعد املثلى) لل�شيخ ابن عثيمني (�ص‪.)25:‬‬
‫(‪ )44‬ومن �أمثلة الأ�سماء املقيدة الواردة يف الكتاب وال�سنة‪� :‬أرحم الراحمني‪َ } :‬وهُ َو �أَ ْر َح ُم ال َّر ِاحمِ نيَ{[يو�سف‪ - 92:‬بديع‬
‫احل ِاكمِ نيَ{[يو�سف‪- 80:‬‬ ‫ال�س َما َو ِات َوا َلأ ْر ِ�ض{[البقرة‪ - 117:‬خري احلاكمني‪َ } :‬وهُ َو َخيرْ ُ َ‬ ‫ال�سماوات والأر�ض‪} :‬بَدِ ي ُع َّ‬
‫خري الغافرين‪َ } :‬و�أَ ْنتَ َخيرْ ُ ال َغا ِف ِرينَ {[الأعراف‪ - 155:‬خري الفاحتني‪َ } :‬و�أَ ْنتَ َخيرْ ُ ال َفاتحِِ نيَ{[الأعراف‪ - 89:‬خري‬
‫الل َخيرْ ُ ا َمل ِاك ِرينَ {[الأنفال‪ - 30:‬رفيع الدرجات‪:‬‬ ‫ا�ص ِرينَ {[�آل عمران‪ - 150:‬خري املاكرين‪َ } :‬و َهّ ُ‬ ‫النا�صرين‪َ } :‬وهُ َو َخيرْ ُ ال َّن ِ‬
‫الم‬ ‫َ‬ ‫هّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اب{[�إبراهيم‪ - 51:‬عالم الغيوب‪َ } :‬و�أ َّن الل َع ُ‬ ‫َ‬ ‫هّ‬ ‫َ‬
‫ات{[غافر‪� - 15:‬سريع احل�ساب‪�} :‬إِ َّن الل َ�س ِري ُع ِ‬
‫احل َ�س ِ‬ ‫الد َر َج ِ‬
‫} َر ِفي ُع َّ‬
‫الل َوالإ ْك َر ِام{[الرحمن‪ - 78:‬غافر الذنب وقابل التوب و�شديد‬ ‫}ذي الجْ َ ِ‬ ‫وب{[التوبة‪ - 78:‬ذو اجلالل والإكرام‪ِ :‬‬ ‫ا ْل ُغ ُي ِ‬
‫الطول{[غافر‪ - 3:‬فاطر ال�سماوات والأر�ض‪َ } ::‬ف ِاط ِر‬ ‫اب ِذي َّ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ع‬ ‫ال‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫�ش‬
‫ِ َ ِ ِ ْ ِ دِ ُ ِ ِ‬ ‫ب‬‫و‬‫ت‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫ب‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫و‬ ‫ب‬‫ن‬‫ْ‬ ‫ّ‬
‫الذ‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫ِِ‬‫ف‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫}غ‬ ‫الطول‪:‬‬ ‫وذو‬ ‫العقاب‬
‫احل ِّب َوال َّن َوى{[الأنعام‪ - 95:‬حميي املوتى‪�} :‬إِ َّن ا َّل ِذي‬ ‫ال�س َما َو ِات َوالأَ ْر ِ�ض{[فاطر‪ - 1:‬فالق احلب والنوى‪�} :‬إِ َّن َهّ َ‬
‫الل َفا ِلقُ َ‬ ‫َّ‬
‫ال�س َما َو ِات َوالأَ ْر ِ�ض{[النور‪ – 35:‬ومما جاء يف‬ ‫�أَ ْح َياهَ ا لمَ ُ ْح ِيي ا َمل ْوتَى{[ف�صلت‪ - 39:‬نور ال�سماوات والأر�ض‪َ :‬هّ ُ‬
‫}الل ُنو ُر َّ‬
‫ال�سنة ال�صحيحة‪ :‬جمري ال�سحاب ‪ -‬منزل الكتاب ‪ -‬هازم الأحزاب ‪ -‬مقلب القلوب – مذهب الب�أ�س ‪ ..‬وغريها الكثري‪.‬‬
‫‪50‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫• ال�ضابط الثالث‪ :‬داللة اال�سم على الكمال املطلق يف الو�صف‪:‬‬


‫�أ�سماء اهلل (ح�سنى) كما و�صفها ‪�-‬سبحانه‪ -‬يف كتابه‪ ،‬وعلى ل�سان ر�سوله ‪ ،¤‬ومعنى‬
‫�أن تكون (ح�سنى) �أن يكون الو�صف واملعنى الذي ت�ضمنه كل ا�سم يف غاية ا ُ‬
‫حل ْ�سن واجلمال‬
‫والكمال‪ ،‬وال يحتمل �أي معنى من معاين النق�ص‪ .‬يقول �شيخ الإ�سالم ابن تيمية‪« :‬ولي�س‬
‫يف �أ�سمائه احل�سنى �إال ا�سم مي��دح ب��ه؛ ولهذا كانت كلها ح�سنى‪ ،‬واحل�سنى بخالف‬
‫ال�سو�أى فكلها ح�سنة‪ ،‬واحل�سن حمبوب مم ��دوح»(‪ ،)45‬وكما �أن �أ�سماء اهلل مرتادفة يف‬
‫داللتها على الذات‪ ،‬كما قال �سبحانه‪ } :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ{[الإ�سراء‪ ،]110:‬فهي متباينة يف داللتها على ال�صفات؛ ولذا يختلف كل ا�سم يف معناه‬
‫عن الآخر‪ ،‬كما �أ�شار ابن القيم بقوله ‪�« :‬إن �أ�سماء اهلل احل�سنى لها اعتباران‪ :‬اعتبار من‬
‫حيث ال��ذات‪ ،‬واعتبار من حيث ال�صفات‪ ،‬فهي باالعتبار الأول مرتادفة‪ ،‬وباالعتبار‬
‫الثاين متباينة»(‪ .)46‬يقول الدكتور الر�ضواين‪ « :‬قال تعالى‪ } :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ{[الإ�سراء‪ ،]110:‬فكلها تدل على م�سمى واحد‪ ،‬وال فرق‬
‫بني (الرحمن) �أو (الرحيم) �أو (امللك) �أو (القدو�س) ‪� ..‬إلى �آخر ما ُذكِر من �أ�سمائه‬
‫احل�سنى يف الداللة على ذاته‪ ،‬فهي من جهة العلمية مرتادفة‪� ،‬أما من جهة داللتها‬
‫على الو�صفية فهي متنوعة وخمتلفة‪ ،‬قال ‪-‬تعالى‪ -‬يف الداللة على و�صفيتها‪ } :‬ﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ{ [الأعراف‪ ،]180:‬ووجه اال�ستدالل �أن دعاء اهلل بها مرتبط‬
‫بحال العبد ومطلبه وما ينا�سب حاجته وا�ضطراره‪ ،‬من �ضعف �أو فقر‪� ،‬أو ظلم �أو قهر‪،‬‬
‫�أو مر�ض �أو جهل‪� ،‬أو غري ذلك من �أحوال العباد‪ ،‬فال�ضعيف يدعو اهلل با�سمه (القادر‬
‫القدير املقتدر القوي)‪ ،‬والفقري يدعوه با�سمه (املعطي املقيت الرزاق الغني)‪ ،‬واملقهور‬
‫املظلوم يدعوه با�سمه (احلي القيوم) �إلى غري ذلك مما ينا�سب �أحوال العباد»(‪.)47‬‬
‫وعليه فال بد �أن يكون الو�صف الذي يدل عليه كل ا�سم من �أ�سماء اهلل احل�سنى يف‬
‫غاية اجلمال والكمال‪ ،‬وال يحتمل �أي معنى من معاين النق�ص‪.‬‬
‫(‪( )45‬منهاج ال�سنة النبوية) ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية (جـ‪.)409 - 5 :‬‬
‫(‪( )46‬بدائع الفوائد) البن القيم (جـ‪� - 1:‬ص‪.)162 :‬‬
‫(‪�( )47‬أ�سماء اهلل احل�سنى الثابتة يف الكتاب وال�سنة) للدكتور حممود عبدالرازق الر�ضواين (�ص‪.)180 :‬‬
‫الباب األول‪ :‬ضوابط إحصاء األسماء الحسنى‬ ‫‪51‬‬

‫• مثال تطبيقي‪:‬‬
‫لتو�ضيح هذه ال�ضوابط‪� ،‬سوف نناق�شها من خالل �أمثلة تطبيقية‪ ،‬لالحتماالت‬
‫ال�ستة(‪ )48‬لإمكانية حتققها‪:‬‬
‫• االحتمال الأول‪ :‬حتقق كل ال�ضوابط الثالثة‪:‬‬
‫بورود اال�سم ن�ص ًا يف القر�آن �أو �صحيح ال�سنة‪ ،‬و�أن يراد به ال َع َلمِية دون قيد �أو‬
‫�إ�ضافة‪ ،‬و�أن يكون دا ًال على الكمال املطلق‪.‬‬
‫وحتقق ذلك يف جميع �أ�سماء اهلل احل�سنى الثابتة يف الكتاب و�صحيح ال�سنة‪ ،‬ومثال‬
‫ري) الذي حتققت فيه كل ال�ضوابط الثالثة؛ بورود اال�سم على‬ ‫ذلك ا�سم اهلل (ا َ‬
‫خل ِب ُ‬
‫�سبيل الإطالق‪ ،‬ومراداً به ال َعلَمية‪ ،‬ودا ًال على الو�صفية وكمالها؛ كما يف قوله تعالى‪:‬‬
‫} ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ{[التحرمي‪ ،]3:‬وكذلك‬
‫يف الخْ َ ِب ُري)(‪)49‬؛ ولذا عده كل العلماء �ضمن‬ ‫قوله‪َ ( :¤‬لتُخْ برِ ِ ي ِني �أَ ْو َل ُيخْ برِ َ يِّن ِ‬
‫اللط ُ‬
‫ري)‪ :‬العامل بكنه‬ ‫�أ�سماء اهلل احل�سنى‪ ،‬و�شرحوه يف م�صنفاتهم‪ ،‬يقول اخلطابي‪(« :‬ا َ‬
‫خل ِب ُ‬
‫ري)‪ :‬ال��ذي انتهى علمه‬ ‫ال�شيء‪ ،‬املطلع على حقيقته»(‪ ،)50‬ويقول ابن القيم‪(« :‬ا َ‬
‫خل ِب ُ‬
‫�إلى الإحاطة ببواطن الأ�شياء وخفاياها كما �أحاط بظواهرها‪ ،‬فكيف يخفى على‬
‫(اللطيف اخلبري) ما حتويه ال�ضمائر وتخفيه ال�صدور؟!»(‪.)51‬‬
‫• االحتمال الثاين‪ :‬حتقق ال�ضابط الأول والثاين دون الثالث‪:‬‬
‫بورود اال�سم ن�صا يف القر�آن �أو �صحيح ال�سنة‪ ،‬و مرادا به ال َع َلمِية دون قيد او‬
‫�إ�ضافة‪ ،‬ولكن دون الداللة على الكمال املطلق‪.‬‬
‫ويتحقق مث ًال يف ا�سم (الدهر) فهذا اال�سم ورد يف �صحيح ال�سنة من حديث �أبي‬
‫(‪)48‬هي يف احلقيقة ثمانية احتماالت‪ ،‬ولكن اثنني منها يدخالن من باب الأولى �ضمن �أحد االحتماالت ولذا ُاخت�صرت‬
‫االحتماالت �إلى �ستة‪ ،‬و�سوف ي�شار �إلى ذلك عند احلديث عن االحتمال اخلام�س‪.‬‬
‫(‪ )49‬رواه م�سلم برقم (‪.)974‬‬
‫(‪�( )50‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)63 :‬‬
‫(‪( )51‬ال�صواعق املر�سلة) البن القيم (جـ‪� - 2 :‬ص‪.)492:‬‬
‫‪52‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫هريرة ‹ قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ‪( :¤‬قال اهلل ‪-‬تعالى‪ :‬ي�ؤذيني ابن �آدم‪ ،‬ي�سب الدهر‪،‬‬
‫و�أنا الدهر‪ ،‬بيدي الأمر‪� ،‬أُ َق ِّلب الليل والنهار)(‪ ،)52‬فال�ضابط الأول متحقق يف ورود‬
‫اال�سم ب�سند �صحيح عن النبي ‪ ،¤‬وال�ضابط الثاين كذلك متحقق يف ورود اال�سم على‬
‫�سبيل الإطالق دون قيد �أو �إ�ضافة‪ ،‬ومراد ًا به ال َع َل ِمية‪� ،‬أما ال�ضابط الثالث فغري متحقق‬
‫لكون (الدهر) ا�سم جامد ال يت�ضمن و�صفا يفيد املدح والثناء على اهلل بنف�سه‪ ،‬يقول ال�شيخ‬
‫ابن عثيمني‪(« :‬الدهر) لي�س من �أ�سماء اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬لأنه ا�سم جامد ال يت�ضمن معنى‬
‫يلحقه بالأ�سماء احل�سنى‪ ،‬ولأنه ا�سم للوقت والزمن‪ ،‬قال اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬عن منكري‬
‫ال�ب�ع�ـ��ث‪ } :‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ{ [اجلاثية‪،]24:‬‬
‫يريدون مرور الليايل والأيام‪ ،‬ف�أما قوله ‪( : ¤‬قال اهلل ‪ :‬ي�ؤذيني ابن �آدم ي�سب‬
‫الدهر‪ ،‬و�أنا الدهر‪ ،‬بيدي الأمر‪� ،‬أُ َق ِّلب الليل والنهار)‪ ،‬فال يدل على �أن الدهر من‬
‫�أ�سماء اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬وذلك �أن الذين ي�سبون الدهر �إمنا يريدون الزمان الذي هو‬
‫حمل احلوادث‪ ،‬ال يريدون اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬فيكون معنى قوله‪( :‬و�أنا الدهر) ما ف�سره‬
‫بقوله‪( :‬بيدي الأمر �أُ َق ِّلب الليل والنهار) فهو ‪�-‬سبحانه‪ -‬خالق الدهر وما فيه‪ ،‬وقد‬
‫بني �أنه يق ِّلب الليل والنهار وهما الدهر‪ ،‬وال ميكن �أن يكون املق ِّلب هو املق َّلب‪ ،‬وبهذا‬
‫يتبني �أنه ميتنع �أن يكون الدهر يف هذا احلديث مراداً به اهلل تعالى»(‪.)53‬‬
‫• االحتمال الثالث‪ :‬حتقق ال�ضابط الأول والثالث دون الثاين‪:‬‬
‫بورود اال�سم ن�صا يف القر�آن �أو �صحيح ال�سنة‪ ،‬وداللته على الكمال املطلق‪ ،‬دون �أن‬
‫يراد به ال َع َلمِية ب�سبب التقييد �أو الإ�ضافة‪.‬‬
‫ويتحقق يف �أ�سماء كثرية جد ًا‪ ،‬ال �سيما امل�ضافة منها‪ ،‬نحو ا�سم (ال�سريع) فال�ضابط‬
‫الأول متحقق لوروده يف قوله تعالى‪ } :‬ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ{[املائدة‪ ،]4:‬وقوله‬
‫تعالى‪ } :‬ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ{[الأنعام‪ ،]165:‬وال�ضابط الثالث متحقق ‪�-‬أي�ض ًا‪ -‬يف‬
‫ال�س ْرعَة)(‪ )54‬له ‪�-‬سبحانه‪ -‬يقول ابن جرير‬
‫داللته على كمال الو�صفية‪ ،‬وثبوت �صفة ( ُّ‬
‫(‪ )52‬متفق عليه‪ :‬رواه البخاري برقم (‪ )7491‬ورواه م�سلم برقم (‪.)2246‬‬
‫(‪( )53‬القواعد املثلى) لل�شيخ ابن عثيمني (�ص‪.)12 :‬‬
‫(‪�( )54‬صفات اهلل عز و جل الواردة يف الكتاب و ال�سنة) لل�سقاف (�ص‪.)144 :‬‬
‫الباب األول‪ :‬ضوابط إحصاء األسماء الحسنى‬ ‫‪53‬‬

‫الطربي‪« :‬و�إنـما و�صف ‪-‬ج��ل ث�ن��ا�ؤه‪ -‬نف�سه ب�سرعة الـح�ساب؛ لأن��ه ‪ -‬جل ذك��ره ‪-‬‬
‫ُي ْح�صي ما ُي ْح�صى من �أعمال عبـاده بغري عقد �أ�صابع‪ ،‬وال فكر‪ ،‬وال روية فعل العجزة‬
‫ال�ضعفة من الـخـلق‪ ،‬ولكنه ال يخفـى علـيه �شيء فـي الأر�ض وال فـي ال�سماء‪ ،‬وال يعزب‬
‫عنه مثقال ذ ّرة فـيهما‪ ،‬ثم هو مـجا ٍز عبـاده علـى كل ذلك؛ فلذلك ‪-‬جل ذكره‪ -‬اُ ْم ُتدِ َح‬
‫ب�سرعة الـح�ساب»(‪ ،)55‬ويقول الزجاجي‪�« :‬إنه �سريع احل�ساب لعباده‪ ،‬و�أن �أفعاله ت�سرع‬
‫فال يبطئ منها �شيء عما �أراد؛ لأنه بغري مبا�شرة وال عالج‪ ،‬وال كلفة‪ ،‬و�إمنا �أمره‬
‫ل�شيء �إذا �أراده �أن يقول له كن فيكون»(‪� ،)56‬أما ال�ضابط الثاين فهو غري متحقق لكون‬
‫ال�س ْرعَة) يف الآيتني قد قيدت باحل�ساب والعقاب ومل تطلق‪ ،‬وهذا يجعل ح�سن اال�سم مقرون ًا‬
‫( ُّ‬
‫بالتقييد والإ�ضافة الظاهرة يف الن�ص‪ ،‬يقول ال�شيخ الر�ضواين‪« :‬من ال�شروط الأ�سا�سية‬
‫الالزمة لإح�صاء الأ�سماء احل�سنى �أن َي ِر َد اال�سم يف �سياق الن�ص مفرداً مطلقاً دون‬
‫�إ�ضافة ُم َقـ ِّيدة �أو قرينة ظاهرة حتد من الإط�لاق؛ وذل��ك ب��أن يفيد امل��دح والثناء‬
‫حل ْ�س ِن والكمال على‬‫على اهلل بنف�سه؛ لأن الإ�ضافة والتقييد يحدان من �إط�لاق ا ُ‬
‫قدر ما �أ�ضيف �إليه اال�سم �أو قيد به‪ ،‬واهلل ذكر �أ�سماءه بالالنهائية يف ا ُ‬
‫حل ْ�س ِن‪ ،‬وهذا‬
‫يعني الإطالق التام الذي يتناول جالل الذات وال�صفات والأفعال ‪ ...‬ور�سول اهلل ‪¤‬‬
‫دعا يوم الأحزاب على امل�شركني فقال يف دعائه‪( :‬اللهم منزل الكتاب‪� ،‬سريع احل�ساب‪،‬‬
‫اللهم اهزم الأح��زاب)(‪ ،)57‬فهذا كله تقييد يجعل ح�سن اال�سم مقروناً بالإ�ضافة‬
‫الظاهرة يف الن�ص‪ ،‬ولو �أطلق ال ي�صح»(‪ ،)58‬ومن الأ�سماء التي وردت م�ضافة ‪�-‬أي�ض ًا‪-‬‬
‫ا�سما (ال�شديد) و(الفالق) يف قوله تعالى‪ } :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ{[غافر‪،]3:‬‬
‫وقوله تعالى‪ } :‬ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ {[غافر‪ ،]3:‬وقوله‪ } :‬ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ{[الأنعام‪ ،]95:‬وقوله تعالى‪ } :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ{[الأنعام‪ ،]96:‬وقد �أ�شارت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بعدم جواز‬
‫(‪ )55‬تف�سري (جامع البيان يف تف�سري القر�آن) للطربي عند تف�سري (�سورة‪ :‬البقرة – الآية‪.)202 :‬‬
‫(‪( )56‬ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) البي القا�سم الزجاجي (�ص‪.)127 :‬‬
‫(‪ )57‬متفق عليه‪ :‬رواه البخاري برقم (‪ )2933‬وم�سلم برقم (‪.)1742‬‬
‫(‪�( )58‬أ�سماء اهلل احل�سنى الثابتة يف الكتاب وال�سنة) للدكتور حممود عبدالرازق الر�ضواين (�ص‪ 65 :‬و ‪.)67‬‬
‫‪54‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫�إطالقها ك�أ�سماء ب�سبب التقييد بالإ�ضافة فقالت‪« :‬وال يجوز ت�سميته زارعاً‪ ،‬وال ماهداً‪ ،‬وال‬
‫ال‪ ،‬وال �شديداً‪ ،‬ونحو ذلك �أخذاً من قوله‪} :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬ ‫فالقاً‪ ،‬وال من�شئاً‪ ،‬وال قاب ً‬
‫ﮟ {[الواقعة‪ ،]64:‬وقوله‪ } :‬ﯸ ﯹ{[الذاريات‪ ،]48:‬وقوله‪ } :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ{[الأنعام‪ ،]95:‬وقوله‪} :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ{[الواقعة‪،]72:‬‬
‫وقوله‪ } :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ{[غافر‪]3:‬؛ لأنها مل ت�ستعمل يف هذه الن�صو�ص �إال‬
‫م�ضافة‪ ،‬ويف �إخبار على غري طريق الت�سمي‪ ،‬ال مطلقة ‪.)59(» ..‬‬

‫• االحتمال الرابع‪ :‬حتقق ال�ضابط الأول دون الثاين والثالث‪:‬‬


‫بورود اال�سم ن�صا يف القر�آن �أو �صحيح ال�سنة‪ ،‬ولكن دون �أن يراد به ال َع َلمِية ب�أن‬
‫يكون مقيد ًا �أو م�ضاف ًا‪� ،‬إلى جانب عدم داللته على الكمال املطلق‪.‬‬
‫�لا‪ -‬يف ا���س��م (امل ��اك ��ر) ف��ه��ذا اال���س��م ورد يف ق��ول��ه ت��ع��ال��ى‪} :‬ﮐ‬
‫ويتحقق ‪-‬م��ث ً‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡ{[الأنفال‪ ،]30:‬ولكن ال�ضابط الثاين يف �صحة �إط�لاق اال�سم غري متحقق‪،‬‬
‫لتقييد اال�سم مبقام املدح والكمال‪ ،‬وهو يف مقابلة مكر الكافرين؛ لأن �صفة املكر حتتمل‬
‫النق�ص والكمال‪ ،‬فجاء تقييد �إطالق ال�صفة‪ ،‬وتخ�صي�صها باملقام الذي تكون فيه مدح ًا‪ ،‬وهو‬
‫يف مقابلة مكر الكافرين واملجرمني‪ ،‬يقول ال�شيخ ابن عثيمني‪�« :‬إن امل َ ْكر يف حمله حممود‪،‬‬
‫يدل على قوة املاكر‪ ،‬و�أنه غالب على خ�صمه؛ ولذلك ال يو�صف اهلل به على الإطالق‪،‬‬
‫فال يجوز �أن تقول‪� :‬إ َّن اهلل ماكر‪ ،‬و�إمن��ا تذكر ه��ذه ال�صفة يف مقام يكون مدحاً؛‬
‫مثل قولـه تعالى‪ } :‬ﮛ ﮜ ﮝ{[الأنفال‪ ،]30:‬وقولـه تعالى‪} :‬ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ{[النمل‪ ،]50:‬ومثـل قوله تعالى‪ } :‬ﭸ ﭹ‬
‫ﭺ{[الأعراف‪ ،]99:‬وال ُتنفى عنه هذه ال�صفة على �سبيل الإط�لاق‪ ،‬بل �إنها يف املقام‬
‫(‪( )59‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واالفتاء) (جـ‪� -11:‬ص‪ ،)458 - 454 :‬رقم الفتوى (‪ ،)3862‬برئا�سة رئي�س‬
‫اللجنة ال�شيخ عبدالعزيز بن عبداهلل بن باز وم�شاركة نائبه ال�شيخ عبدالرزاق عفيفي وع�ضوية كل من ال�شيخ عبداهلل بن قعود‬
‫وال�شيخ عبداهلل بن غديان ‪-‬رحمهم اهلل �أجمعني‪.‬‬
‫الباب األول‪ :‬ضوابط إحصاء األسماء الحسنى‬ ‫‪55‬‬

‫التي تكون مدحاً يو�صف بها‪ ،‬ويف املقام التي ال تكون مدحاً ال يو�صف بها‪ ،‬وكذلك ال‬
‫ي�سمى اهلل به فال يقال‪� :‬إ َّن من �أ�سماء اهلل املاكر»(‪ ،)60‬وبالتايل ف�إن ال�ضابط الثالث غري‬
‫متحقق ‪�-‬أي�ض ًا‪ -‬لعدم �إطالق ال�صفة كما �أ�شار ال�شيخ ابن عثيمني ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪.‬‬
‫• االحتمال اخلام�س‪ :‬حتقق ال�ضابط الثاين والثالث دون الأول(‪:)61‬‬
‫ب�أن يكون اال�سم مرادا به ال َع َلمِية دون قيد او �إ�ضافة‪ ،‬ودا ًال على الكمال املطلق‪،‬‬
‫ولكن دون وروده ن�صا يف القر�آن �أو �صحيح ال�سنة‪.‬‬
‫ويتحقق مث ًال يف ا�سم (الر�شيد) فال�ضابط الثاين متحقق يف وروده ب�صيغة اال�سم‬
‫دون قيد يف حديث �سرد الأ�سماء عند الرتمذي‪ ،‬وال�ضابط الثالث متحقق ‪�-‬أي�ض ًا‪ -‬لداللته‬
‫بال�سنة ال�صحيحة‪ ،‬لقول‬ ‫على كمال الو�صفية يف (ال ُّر ْ�شد)‪ ،‬وهي �صفة ثابتة هلل‬
‫النبي‪( :¤‬الإمام �ضامن‪ ،‬وامل�ؤذن م�ؤمتن‪ ،‬اللهم �أر�شد الأئمة‪ ،‬واغفر للم�ؤذنني)(‪،)62‬‬
‫قوله ُر ْ�شد‪ ،‬وفعله ُر ْ�شد‪ ،‬و�أحكامه ُر ْ�شد‪ ،‬وهو الذي �أر�شد اخللق �إلى م�صاحلهم‪،‬‬ ‫فاهلل‬
‫وير�شد احلريان ال�ضال ويهديه �إلى ال�صراط امل�ستقيم‪� ،‬إال �أن ال�ضابط الأول غري متحقق‬
‫لعدم ورود اال�سم يف القر�آن الكرمي �أو �صحيح ال�سنة‪ ،‬و�إمنا ورد يف �إحدى روايات حديث �أبي‬
‫هريرة ‹(‪ )63‬والذي �أ�شار فيه النبي ‪� ¤‬إلى عدد �أ�سماء اهلل احل�سنى‪ ،‬حيث اجتهد �أحد‬
‫رواة احلديث (الوليد بن م�سلم) يف جمع هذه الأ�سماء؛ كي يف�سر بها احلديث‪ ،‬و�أدرجه‬
‫(‪( )60‬املجموع الثمني) لل�شيخ ابن عثيمني (جـ‪� - 2 :‬ص‪.)65 :‬‬
‫(‪ )61‬ومن باب الأولى دخل �ضمن هذا املعنى احتماالن مل يذكرا �ضمن االحتماالت ال�ستة وهما‪:‬‬
‫• �أن يراد باال�سم ال َع َلمِ ية دون قيد �أو �إ�ضافة‪ ،‬ولكن دون وروده ن�ص ًا يف القر�آن �أو �صحيح ال�سنة‪ ،‬ودون داللته على الكمال‬
‫املطلق‪ ،‬ومثاله ا�سم (ال�ضار)‪ ،‬فهذا اال�سم مل يرد ا�سم ًا وال و�صف ًا وال فع ًال يف القر�آن �أو يف �صحيح ال�سنة ‪ ،‬و�إمنا ورد ب�صيغة‬
‫اال�سم يف حديث (ال�سرد) الذي رواه الرتمذي‪ ،‬وهي رواية �ضعيفة كما �سيتبني‪� ،‬إ�ضافة �إلى عدم داللته على الكمال املطلق‪.‬‬
‫• �أن يكون اال�سم دا ًال على الكمال املطلق‪ ،‬ولكن دون وروده ن�ص ًا يف القر�آن �أو يف �صحيح ال�سنة‪ ،‬ودون �أن يراد به ال َع َلمِ ية‪ :‬مثل‬
‫ا�سم (املق�صود)‪ ،‬فهو يدل على الكمال املطلق هلل رب العاملني الذي تق�صده اخلالئق يف الرغائب‪ ،‬وعند حلول امل�صائب وال�شدائد‪،‬‬
‫ولكن هذا اال�سم مل يرد ن�صا يف القر�آن وال يف ال�سنة‪ ،‬و�إمنا �أ�شتقه بع�ضهم من قوله تعالى ‪ } :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ{[النحل‪ ، 9:‬وعلى �صحة اال�ست�شهاد فهو فع ٌل ولي�س ا�سم ًا مراد ًا به ال َع َلمِ ية‪،‬‬
‫(‪ )62‬رواه �أبو داود والرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)2787‬‬
‫(‪ )63‬وهي الرواية التي �أخرجها الرتمذي يف كتاب الدعوات وحكم الألباين ب�ضعفها يف �ضعيف اجلامع برقم (‪.)1943‬‬
‫‪56‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫فيه‪ ،‬وهو لي�س من كالم النبي‪¤‬؛ فظن الكثريون �أنه منه‪ ،‬يقول �شيخ الإ�سالم ابن تيمية‪:‬‬
‫«�أن الت�سعة والت�سعني ا�س ًما مل يرد يف تعيينها حديث �صحيح عن النبي ‪ ،¤‬و�أ�شهر‬
‫ما عند النا�س فيها حديث الرتمذي الذي رواه الوليد بن م�سلم عن �شعيب عن �أبي‬
‫حمزة‪ ،‬وحفاظ �أهل احلديث يقولو ‏ن‪:‬‏ هذه الزيادة مما جمعه الوليد بن م�سلم عن‬
‫�شيوخه من �أهل احلديث»(‪.)64‬‬
‫واالحتمال اخلام�س ينطبق على جميع الأ�سماء التي يجوز الإخبار بها عن‬
‫اهلل ‪ ،‬ال �سيما امل�شتقة من �أفعاله ‪�-‬سبحانه‪ -‬ودلت على الكمال املطلق يف الو�صف‪،‬‬
‫يقول ابن القيم‪�« :‬إن ما يدخل يف باب الإخبار عنه ‪-‬تعالى‪� -‬أو�سع مما يدخل يف باب‬
‫�أ�سمائه و�صفاته‪ ،‬كال�شيء واملوجود والقائم بنف�سه‪ ،‬ف�إنه يخرب به عنه‪ ،‬وال يدخل يف‬
‫�أ�سمائه احل�سنى و�صفاته العليا»(‪ ،)65‬وقال يف مو�ضع �آخر‪« :‬وكذلك باب الإخبار عنه‬
‫باال�سم �أو�سع من ت�سميته به‪ ،‬ف�إنه يخرب عنه ب�أنه �شيء‪ ،‬وموجود‪ ،‬ومذكور‪ ،‬ومعلوم‪،‬‬
‫ومراد‪ ،‬وال ي�سمى بذلك»(‪.)66‬‬

‫• االحتمال ال�ساد�س‪ :‬عدم حتقق كل ال�ضوابط الثالثة‪:‬‬

‫ب�أن ال يرد اال�سم ن�صا يف القر�آن �أو �صحيح ال�سنة‪ ،‬و مل ُيرد به ال َع َلمِية‪ ،‬وال يدل‬
‫على الكمال املطلق يف الو�صفية‪.‬‬
‫وحتقق ذل��ك مث ًال يف ا�سم (امل�ستهزئ)‪ ،‬وه��و ا�سم مل ي��رد يف ال��ق��ر�آن الكرمي �أو‬
‫�صحيح ال�سنة كا�سم مراد ًا به ال َع َلمية‪ ،‬و�إمنا ورد كفعل من �أفعال اهلل يف مقابلة ا�ستهزاء‬
‫املنافقني بامل�ؤمنني‪ ،‬يف قوله تعالى‪} :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬

‫(‪( )64‬جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية) جمع عبدالرحمن بن قا�سم (جـ‪� – 22 :‬ص‪.)482 :‬‬
‫(‪( )65‬بدائع الفوائد) البن القيم (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)161 :‬‬
‫(‪( )66‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ‪� - 3 :‬ص‪.)415 :‬‬
‫الباب األول‪ :‬ضوابط إحصاء األسماء الحسنى‬ ‫‪57‬‬

‫ﯤﯥﯦ ﯧﯨ ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯰﯱ‬


‫ﯲ{[البقرة‪ ،]15-14:‬فا�شتق بع�ضهم هلل – �سبحانه وتعالى ‪ -‬ا�سم ًا من هذا الفعل!‪.‬‬
‫فال�ضابط الأول والثاين مل يتحققا لعدم وروده يف القر�آن الكرمي �أو �صحيح ال�سنة‬
‫ب�صيغة اال�سم‪ ،‬وكذلك ال�ضابط الثالث غري متحقق ‪�-‬أي�ض ًا‪ -‬لأن اال�ستهزاء يكون كما ًال‬
‫يف مو�ضع ونق�ص ًا يف �آخر‪ ،‬فال ي�صح �إطالقه يف حق اهلل دون تقييد‪ ،‬ولكن ي�صح القول ب�أن‬
‫اهلل ي�ستهزئ باملنافقني يف مقابل ا�ستهزائهم بامل�ؤمنني‪ .‬يقول ابن القيم‪�« :‬إن اهلل ‪-‬تعالى‪-‬‬
‫مل ي�صف نف�سه بالكيد واملكر واخلداع واال�ستهزاء مطلقاً‪ ،‬وال ذلك داخل يف �أ�سمائه‬
‫احل�سنى‪ ،‬ومن ظن من اجلهال امل�صنفني يف �شرح الأ�سماء احل�سنى �أن من �أ�سمائه‬
‫‪-‬تعالى‪ -‬املاكر‪ ،‬املخادع‪ ،‬امل�ستهزئ ‪ ،‬الكائد‪ ،‬فقد فاه ب�أمر عظيم‪ ،‬تق�شعر منه اجللود‪،‬‬
‫وتكاد الأ�سماع ت�صم عند �سماعه‪ ،‬وغ َّر هذا اجلاهل �أنه ‪�-‬سبحانه وتعالى‪� -‬أطلق على‬
‫نف�سه هذه الأفعال‪ ،‬فا�شتق له منها �أ�سماء‪ ،‬و�أ�سما�ؤه ‪-‬تعالى‪ -‬كلها ح�سنى‪ ،‬ف�أدخلها‬
‫يف الأ�سماء احل�سنى وقرنها بـ (الرحيم‪ ،‬الودود‪ ،‬احلكيم‪ ،‬الكرمي)‪ ،‬وهذا جهل عظيم‪،‬‬
‫ف�إن هذه الأفعال لي�ست ممدوحة مطلقاً‪ ،‬بل متدح يف مو�ضع‪ ،‬وتذم يف مو�ضع‪ ،‬فال‬
‫يجوز �إطالق �أفعالها على اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬مطلقاً»(‪.)67‬‬
‫بتطبيق ال�ضوابط الثالثة لإح�صاء �أ�سماء اهلل احل�سنى على كل ما جت ّمع لدينا‬
‫من الأ�سماء املفردة‪� ،‬سواء من رواي��ات �أحاديث �سرد الأ�سماء امللحقة مع حديث �أبي‬
‫هريرة‹‪�  ،‬أو من الكتب القدمية �أو احلديثة التي اهتمت ب�إح�صاء الأ�سماء احل�سنى‪،‬‬
‫فقد حتققت تلك ال�ضوابط يف (‪� )107‬أ�سماء‪ ،‬وهي التي قمنا ب�إح�صائها و�شرحها يف‬
‫هذا الكتاب‪ ،‬و�سعينا �إلى ت�سهيل حفظها وفهم معانيها من خالل ت�صنيفها يف ثالثني‬
‫جمموعة على النحو التايل‪:‬‬

‫(‪( )67‬خمت�صر ال�صواعق) البن القيم (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)291 :‬‬


‫‪58‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫جماميع الأ�سماء‬ ‫مفتاح املجموعة �أرقام الأ�سماء‬ ‫رقم املجموعة‬


‫اهلل ‪ -‬ال َّر ُّب ‪ -‬الإِ َل ُه‬ ‫ُ‬ ‫‪3-1‬‬ ‫وه َّي ُة‬ ‫ا ألُ ُل ِ‬ ‫املجموعـ‪1‬ـة‬
‫ال َو ِاح ُد ‪ -‬ال َأح ُد ‪ -‬ال ِوت ُر‬ ‫‪6-4‬‬ ‫ال َو ْحدَ ا ِن َّي ُة‬ ‫املجموعـ‪2‬ـة‬
‫الظ ِاه ُر ‪ -‬ال َب ِاطنُ‬ ‫الأ َّو ُل ‪ -‬ال ِآخ ُر ‪َّ -‬‬ ‫‪10 -7‬‬ ‫اط ُة‬ ‫ال َإح َ‬ ‫املجموعـ‪3‬ـة‬
‫الط ِّي ُب‬ ‫اجلمِ ُيل ‪َّ -‬‬ ‫احلمي ُد ‪َ -‬‬ ‫َ‬ ‫‪13 - 11‬‬ ‫احل ْم ُد‬ ‫َ‬ ‫املجموعـ‪4‬ـة‬
‫الم ‪ -‬املُ َت َكبِرّ ُ‬ ‫ال�س ُ‬ ‫و�س ‪َّ -‬‬ ‫بوح ‪ -‬ال ُق ُّد ُ‬ ‫ال�س ُ‬ ‫ُّ‬ ‫‪17 - 14‬‬ ‫ال َت ْن ِـزي ُه‬ ‫املجموعـ‪5‬ـة‬
‫ال َك ِب ُري ‪ -‬ال َع ِظ ُيم ‪ -‬ا َملجي ُد‬ ‫‪20 - 18‬‬ ‫ا ْل َع َظ َم ُة‬ ‫املجموعـ‪6‬ـة‬
‫ال َع ِل ُّي ‪ -‬ال ْأعلى ‪ -‬املت َع ُال‬ ‫‪23 - 21‬‬ ‫ا ْل ُع ُل ُّو‬ ‫املجموعـ‪7‬ـة‬
‫ال�سمِ ي ُع ‪ -‬ال َب ِ�ص ُري‬ ‫احل ُّي ‪َّ -‬‬ ‫َ‬ ‫‪26 - 24‬‬ ‫الحْ َ َيا ُة‬ ‫املجموعـ‪8‬ـة‬
‫ال َعالمِ ُ ‪ -‬الع ِل ُيم ‪ -‬اخل ِب ُري ‪ -‬الحْ َ ِك ُيم‬ ‫‪30 - 27‬‬ ‫الحِْ ْك َم ُة‬ ‫املجموعـ‪9‬ـة‬
‫ال َّر ْح َمنُ ‪ -‬ال َّر ِح ُيم ‪ -‬ال َّر� ُ‬
‫ؤوف‬ ‫‪33 - 31‬‬ ‫ال َّر ْح َم ُة‬ ‫املجموعـ‪10‬ـة‬
‫ال َقا ِد ُر ‪ -‬ال َق ِدي ُر ‪ِ -‬‬
‫املقتد ُر‬ ‫‪36 - 34‬‬ ‫ا ْل ُق ْد َر ُة‬ ‫املجموعـ‪11‬ـة‬
‫ال َق ِو ُّي ‪ -‬ا َمل ِت ُني ‪ -‬ال َع ِزي ُز ‪ -‬ال ّأع ُز‬ ‫‪40 - 37‬‬ ‫ا ْل ِع َّز ُِة‬ ‫املجموعـ‪12‬ـة‬
‫ال َغ ِن ُّي ‪ -‬ال َوا�سِ ُع ‪ -‬ال َق ُّي ُ‬
‫وم‬ ‫‪43 - 41‬‬ ‫ال َق ُّي ْو ِم َّي ُة‬ ‫املجموعـ‪13‬ـة‬
‫يك‬‫ا َمل ِل ُك ‪ -‬ا َملا ِل ُك ‪ -‬ا َمل ِل ُ‬ ‫‪46 - 44‬‬ ‫املُ ْل ُك‬ ‫املجموعـ‪14‬ـة‬
‫اجل َوا ُد ‪ -‬البرَ ُّ‬ ‫ال َكر ُمي ‪ -‬الأَ ْك َر ُم ‪َ -‬‬ ‫‪50 - 47‬‬ ‫ا ْل َك َر ُم‬ ‫املجموعـ‪15‬ـة‬
‫يف ‪ -‬ال َّرفيقُ‬ ‫ال َّل ِط ُ‬ ‫‪52 - 51‬‬ ‫اللُّ ْط ُف‬ ‫املجموعـ‪16‬ـة‬
‫خل َّال ُق ‪ -‬ال َبا ِر ُئ ‪ -‬املُ َ�ص ِّو ُر ‪ -‬املُ ْح�سِ نُ‬ ‫خلا ِل ُق ‪ -‬ا َ‬ ‫‪ 57 - 53‬ا َ‬ ‫الخْ َ ْلقُ‬ ‫املجموعـ‪17‬ـة‬
‫فيظ ‪ -‬املُ َه ْيمِ نُ‬ ‫احل ُ‬ ‫افظ ‪َ -‬‬ ‫احل ُ‬ ‫يط ‪َ -‬‬ ‫المْ ُ ِح ُ‬ ‫‪61 - 58‬‬ ‫ا ْل َه ْي َم َن ُة‬ ‫املجموعـ‪18‬ـة‬
‫ال َّراز ُِق ‪ -‬ال َّر َّز ُاق ‪ -‬املُقيتُ‬ ‫‪64 - 62‬‬ ‫ال ِّر ْز ُق‬ ‫املجموعـ‪19‬ـة‬
‫اب ‪ -‬ا َمل َّنانُ ‪ -‬ال َقا ِب ُ�ض ‪ -‬ال َبا�سِ ُط‬ ‫طي ‪ -‬ال َو َّه ُ‬ ‫‪ 69 - 65‬املُ ْع ُ‬ ‫ا ْل َع َطا ُء‬ ‫املجموعـ‪20‬ـة‬
‫كم ‪ -‬ال َفت َُّاح‬ ‫احل ُ‬ ‫ني ‪ -‬ا ْل َها ِدي ‪َ -‬‬ ‫احل ُّق ‪ -‬املُ ِب ُ‬ ‫َ‬ ‫‪74 - 70‬‬ ‫ا ْلهِ دَ ا َي ُة‬ ‫املجموعـ‪21‬ـة‬
‫ال�شهي ُد ‪ -‬الحْ َ ا�سِ ُب ‪ -‬الد َّيانُ‬ ‫قيب ‪َّ -‬‬ ‫ال َّر ُ‬ ‫‪78 - 75‬‬ ‫ا�س َب ُة‬ ‫املُ َح َ‬ ‫املجموعـ‪22‬ـة‬
‫�سيب‬
‫حل ُ‬ ‫‪ 84 - 79‬ال َوليِ ُّ ‪ -‬ا َمل ْو َلى‪ -‬ال َودودُ‪ -‬املُ�ست َع ُان‪ -‬ال َوكي ُل‪ -‬ا َ‬ ‫ا ْلوِال َي ُة‬ ‫املجموعـ‪23‬ـة‬
‫يب ‪ -‬املُ ُ‬
‫جيب‬ ‫ال�ص َم ُد ‪ -‬ال َق ِر ُ‬ ‫ال�س ِّي ُد ‪َّ -‬‬ ‫َّ‬ ‫‪88 - 85‬‬ ‫الإِ َجا َب ُة‬ ‫املجموعـ‪24‬ـة‬
‫ال�ش ُكو ُر ‪ -‬ال َّن ِ�ص ُري‬ ‫ال�ش ِاك ُر ‪َّ -‬‬ ‫َّ‬ ‫‪91 - 89‬‬ ‫ال�ش ْك ُر‬ ‫ُّ‬ ‫املجموعـ‪25‬ـة‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫امل�ؤ ِْمنُ ‪ -‬ال�شايف ‪ -‬امل َ�س ِّع ُر‬ ‫ُ‬ ‫‪94 - 92‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الط َم�أ ِنينة‬ ‫ُّ‬ ‫املجموعـ‪26‬ـة‬
‫احل ِي ُّي ‪ -‬ال�سِ ِّت ُري‬ ‫احل ِل ُيم ‪َ -‬‬ ‫َ‬ ‫‪97 - 95‬‬ ‫الحِِْ ْل ُم‬ ‫املجموعـ‪27‬ـة‬
‫اب‬ ‫ال َعف ُّو ‪ -‬ال َغ ُفور ‪ -‬ال َغ َّفا ُر ‪ -‬ال َّت َّو ُ‬ ‫‪101 - 98‬‬ ‫المْ َ ْغ ِف َر ُة‬ ‫املجموعـ‪28‬ـة‬
‫اجل َّبا ُر‬ ‫ال َق ِاه ُر ‪ -‬ال َق َّها ُر ‪َ -‬‬ ‫‪104 -102‬‬ ‫ا ْل َق ْه ُر‬ ‫املجموعـ‪29‬ـة‬
‫املُ َقدِّ ُم ‪ -‬املُ� ِّؤخ ُر ‪ -‬ال َوار ُِث‬ ‫‪107 -105‬‬ ‫ال ِو َرا َث ُة‬ ‫املجموعـ‪30‬ـة‬
‫الباب الثاني ‪ :‬عدد أسماء اهلل الحسنى‬ ‫‪59‬‬

‫الباب الثاين‬
‫عدد �أ�سماء اهلل احل�سنى‬
‫‪60‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الباب الثاين‬
‫عدد �أ�سماء اهلل احل�سنى‬

‫املبحث الأول‪ :‬الأحاديث الواردة يف حتديد عدد الأ�سماء‪:‬‬

‫ورد عن الر�سول ‪ ¤‬حديثان �صحيحان ي�شريان �إلى عدد �أ�سماء اهلل احل�سنى؛ وهما‪:‬‬
‫• ما رواه �أبو هريرة ‹ قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ‪�( :¤‬إن هلل ت�سعة وت�سعني‬
‫ا�سم ًا‪ ،‬مائة �إال واحداً‪ ،‬من �أح�صاها دخل اجلنة)(‪ ،)1‬ويف رواية‪( :‬هلل ت�سعة‬
‫وت�سعون ا�سم ًا‪ ،‬مائة �إال واحداً‪ ،‬ال يحفظها �أحد �إال دخل اجلنة‪ ،‬وهو وتر يحب‬
‫الوتر)(‪.)2‬‬

‫• ما رواه عبداهلل بن م�سعود ‹ ق��ال‪ :‬قال ر�سول اهلل ‪( :¤‬ما �أ�صاب‬


‫�أح��د ًا قط َه ٌّ��م و ال َح��زَ ن‪ ,‬فقال‪ :‬اللهم �إين عبدك‪ ،‬واب��ن عبدك‪ ،‬وابن‬
‫يف حكمك‪ ،‬عدل َّ‬
‫يف ق�ضا�ؤك‪� ,‬أ�س�ألك بكل ا�سم‬ ‫�أمتك‪ ،‬نا�صيتي بيدك‪ ،‬ما�ض َّ‬
‫هو لك‪� ،‬سميت به نف�سك‪� ,‬أو علمته �أحد ًا من خلقك‪� ,‬أو �أنزلته يف كتابك‪,‬‬
‫�أو ا�ست�أثرت به يف علم الغيب عندك‪� ،‬أن جتعل القر�آن ربيع قلبي‪ ،‬و نور‬
‫�صدري‪ ،‬وجالء حزين‪ ،‬وذهاب َه ّمي؛ �إال �أذهب اهلل َه ّمه وحزنه‪ ،‬و�أبدله‬
‫مكانه فرج ًا)‪ ،‬قال‪ :‬فقيل‪ :‬يا ر�سول اهلل ‪� ¤‬أال نتعلمها؟ فقال‪( :‬بلى‪ ،‬ينبغي‬
‫ملن �سمعها �أن يتعلمها)(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬رواه البخاري برقم (‪ ،)2736‬ورواه م�سلم برقم (‪.)2677‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري برقم (‪ ،)6410‬ورواه م�سلم برقم (‪ )2677‬ون�ص م�سلم‪( :‬هلل ت�سعة وت�سعون ا�سما‪ ،‬من حفظها دخل اجلنة‪،‬‬
‫و�إن اهلل وتر يحب الوتر)‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الإمام �أحمد والطرباين وابن حبان واحلاكم‪ ،‬و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة برقم (‪.)199‬‬
‫الباب الثاني ‪ :‬عدد أسماء اهلل الحسنى‬ ‫‪61‬‬

‫• املبحث الثاين‪ :‬مناهج العلماء يف تتبع �أ�سماء اهلل احل�سنى‪:‬‬


‫كان للعلماء يف م�س�ألة‬ ‫ا�ستد ً‬
‫الال بحديثي �أبي هريرة‪ ،‬وعبداهلل بن م�سعود‬
‫حتديد عدد �أ�سماء اهلل احل�سنى ثالثة �أقوال‪:‬‬
‫القول الأول‪� :‬أن �أ�سماء اهلل احل�سنى حم�صورة يف ت�سعة وت�سعني ا�سماً فقط‪،‬‬
‫ا�ستناد ًا ملا جاء يف حديث �أبي هريرة ‹‪ ،‬وهو قول ابن حزم وطائفة معه‪ ،‬واحتجوا على‬
‫قولهم بتعقيب الر�سول ‪ ¤‬لعدد الأ�سماء بقوله‪( :‬مائة �إال واحد ًا)‪ ،‬وقالوا‪ :‬لو جاز �أن‬
‫يكون له ا�سم زائد على العدد املذكور للزم �أن يكون له مائة ا�سم‪ ،‬فيبطل قوله (مائة �إال‬
‫واحد ًا) وهذا حمال‪ ،‬قال ابن حزم‪« :‬و�صح �أن �أ�سماءه ال تزيد على ت�سعة وت�سعني‬
‫�شيئاً‪ ،‬لقوله ‪( :¤‬مائة �إال واحد ًا)؛ فنفى الزيادة و�أبطلها‪ ،‬لكن ُيخرب عنه مبا يفعل‬
‫‪-‬تعالى‪ -‬وجاءت �أحاديث يف �إح�صاء الت�سعة والت�سعني ا�سماً م�ضطربة ال ي�صح منها‬
‫�شيء �أ�صال‪ ،‬ف�إمنا ت�ؤخذ من ن�ص القر�آن‪ ،‬ومما �صح عن النبي ‪ ،¤‬وقد بلغ �إح�صا�ؤنا‬
‫منها �إلى ما نذكر»(‪ ،)4‬وحاول ‪ -‬رحمه اهلل ‪� -‬أن ي�ستخرجها من الكتاب وال�سنة فلم يتمكن‬
‫من حتديدها كلها‪ ،‬و�إمنا اقت�صر ح�صره على �أربعة وثمانني ا�سم ًا فقط‪.‬‬
‫القول الثاين‪� :‬أن �أ�سماء اهلل احل�سنى غري حم�صورة بعدد معني‪ ،‬كما جاء يف‬
‫حديث ابن م�سعود ‹‪ ،‬وحيث ال توجد �ضوابط علمية حمددة ومتفق عليها‪ ،‬فقد متاوجت‬
‫قل ومكرث؛ فمنهم من اجتهد وا�شتق �أ�سما ًء من �أفعال اهلل ‪�-‬سبحانه‬ ‫�أعداد الأ�سماء بني ُم ٍّ‬
‫وتعالى‪ -‬و�أو�صافه الثابتة‪ ،‬والتي ال حتتمل نق�ص ًا بوجه من الوجوه‪ ،‬حتى �أو�صلها �إلى ما يقرب‬
‫من ثالثمائة ا�سم!‪ ،‬ومنهم من �أطلق لعقله العنان‪ ،‬وتو�سع تو�سع ًا كبري ًا يف تعداد الأ�سماء‬
‫وا�شتقاقها‪ ،‬حتى �أو�صلها �إلى الآالف امل�ؤلفة!‪ .‬يقول ابن حجر ‪« :‬ونقل الفخر ال��رازي‬
‫عن بع�ضهم �أن هلل �أربعة �آالف ا�سم‪ ،‬ا�ست�أثر بعلم �ألف منها‪ ،‬و�أعلم املالئكة بالبقية‪،‬‬
‫والأنبياء ب�ألفني منها‪ ،‬و�سائر النا�س ب�ألف!‪ ،‬وهذه دعوى حتتاج �إلى دليل»(‪ ،)5‬وقال‬
‫(‪()4‬املحلى) البن حزم (جـ‪� - 8 :‬ص‪.)31 :‬‬
‫(‪()5‬فتح الباري) البن حجر الع�سقالين (‪ - 2807 – 2806‬رقم احلديث‪..)6410 :‬‬
‫‪62‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الدكتور حممد التميمي‪« :‬من قال‪� :‬إنها ثالثمائة‪� ،‬أو �ألف‪� ،‬أو �ألف وواحد‪� ،‬أو �أربعة �آالف‪،‬‬
‫�أو مائة �ألف و�أربعة وع�شرون �ألفا‪ ،‬فهي �أقوال عارية عن البينة‪ ،‬وهي لي�ست �إال جمرد‬
‫دعوى ال دليل وال برهان عليها‪ ،‬وهي من جن�س الأقوال التي ال زمام لها وال خطام‪،‬‬
‫فال يلتفت �إليها‪ ،‬وقد حرم اهلل علينا �أن نتقول عليه‪� ،‬أو �أن نقفوا ما لي�س لنا به علم‪،‬‬
‫فقد قال تعالى‪} :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ{[الإ�سراء‪.)6(»]36:‬‬
‫القول الثالث‪ :‬وهو القول الو�سط الذي عليه جمهور العلماء‪ ،‬وم�ضى عليه �سلف الأمة‬
‫و�أئمتها‪ ،‬يف �أن �أ�سماء اهلل احل�سنى غري حم�صورة بعدد معني‪ ،‬وا�ست�شهدوا بحديث‬
‫عبداهلل ابن م�سعود ‪ ،‬مع التوقف يف حتديد الأ�سماء‪ ،‬وتعيينها على الكتاب وال�سنة‪،‬‬
‫وفق �ضوابط حمددة‪ ،‬و�أن حديث �أبي هريرة ‹ يفيد الإخبار عن دخول اجلنة ب�إح�صائها‪،‬‬
‫ال الإخبار بح�صر الأ�سماء‪ ،‬يقول ابن تيمية عند �س�ؤاله عن ح�صر الدعاء بالت�سعة والت�سعني‬
‫ا�سم ًا فقط ‪« :‬هذا القول و�إن كان قد قاله طائفة من املت�أخرين ك�أبي حممد ابن حزم‬
‫وغريه‪ ،‬ف�إن جمهور العلماء على خالفه‪ ،‬وعلى ذلك م�ضى �سلف الأمة و�أئمتها‪ ،‬وهو‬
‫ال�صواب»(‪ ،)7‬وقال يف مو�ضع �آخر‪ « :‬وال�صواب الذي عليه جمهور العلماء �أن قول النبي‪:¤‬‬
‫(�إن هلل ت�سعة وت�سعني ا�سما ‪-‬مائة �إال واحدا‪ -‬من �أح�صاها دخل اجلنة) معناه �أن من‬
‫�أح�صى الت�سعة والت�سعني من �أ�سمائه دخل اجلنة‪ ،‬ولي�س مراده �أنه لي�س له �إال ت�سعة‬
‫وت�سعون ا�سماً»(‪ ،)8‬وقال ابن القيم‪�« :‬أن الأ�سماء احل�سنى ال تدخل حتت ح�صرٍ‪ ،‬وال تحُ دُّ‬
‫ملك‬ ‫بعددٍ‪ ،‬ف�إن هلل ‪-‬تعالى‪� -‬أ�سماء و�صفات ا�ست�أثر بها يف علم الغيب عنده‪ ،‬ال يعلمها ٌ‬
‫بكل ا�سم هو لك‪� ،‬سميت به نف�سك‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫مر�سل‪ ،‬كما يف احلديث ال�صحيح‪�( :‬أ�س�ألك ِّ‬ ‫نبي‬
‫مقرب‪ ،‬وال ٌ‬
‫ٌ‬
‫�أو �أنزلته يف كتابك‪� ،‬أو ا�ست�أثرت به يف علم الغيب عندك)‪ ،‬فجعل �أ�سماءه ثالثة �أق�سام‪:‬‬
‫ق�سم‪� :‬س َّمى به نف�سه؛ ف�أظهره ملن �شاء من مالئكته �أو غريهم‪ ،‬ومل ينزل به كتابه‪.‬‬
‫وق�سم‪� :‬أنزل به كتابه‪ ،‬فتعرف به �إلى عباده‪.‬‬
‫(‪()6‬معتقد �أهل ال�سنة واجلماعة يف �أ�سماء اهلل احل�سنى) للدكتور حممد بن خليفة التميمي (�ص‪.)75:‬‬
‫(‪( )7‬جمموع فتاوى ابن تيمية) جمع عبدالرحمن بن قا�سم (جـ‪� - 22 :‬ص‪.)442 - 441 :‬‬
‫(‪()8‬درء تعار�ض العقل والنقل) (جـ‪� - 3 :‬ص‪.)332 :‬‬
‫الباب الثاني ‪ :‬عدد أسماء اهلل الحسنى‬ ‫‪63‬‬

‫وق�سم‪ :‬ا�ست�أثر به يف علم غيبه‪ ،‬فلم ُيطلع عليه �أحدًا من خلقه»(‪.)9‬‬


‫وقال احلافظ ابن كثري ‪-‬وهو ي�ست�شهد بحديث ابن م�سعود ‹‪« :‬ثم ِل ُي ْعلَم �أن‬
‫الأ�سماء احل�سنى غري منح�صرة يف ت�سعة وت�سعني»(‪ ،)10‬وقال النووي‪« :‬لي�س يف احلديث‬
‫ح�صر لأ�سمائه ‪�-‬سبحانه وتعالى‪ -‬فلي�س معناه‪� :‬أنه لي�س له �أ�سماء غري هذه الت�سعة‬
‫والت�سعني‪ ،‬و�إمنا مق�صود احلديث �أن هذه الت�سعة والت�سعني من �أح�صاها دخل اجلنة‪،‬‬
‫فاملراد‪ :‬الإخبار عن دخول اجلنة ب�إح�صائها‪ ،‬ال الإخبار بح�صر الأ�سماء»(‪ ،)11‬وقال‬
‫ال�شيخ ابن عثيمني‪�« :‬أ�سماء اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬غري حم�صورة بعدد معني ‪ ..‬وم��ا ا�ست�أثر‬
‫اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬به يف علم الغيب ال ميكن �أحداً ح�صره وال الإحاطة به‪ ،‬ف�أما قوله ‪:¤‬‬
‫(�إن هلل ت�سعة وت�سعني ا�سم ًا ‪-‬مائة �إال واحد ًا‪ -‬من �أح�صاها دخل اجلنة) فال يدل‬
‫على ح�صر الأ�سماء بهذا العدد‪ ،‬ولو كان املراد احل�صر لكانت العبارة‪� :‬إن �أ�سماء اهلل‬
‫ت�سعة وت�سعون ا�سماً من �أح�صاها دخل اجلنة‪� ،‬أو نحو ذلك‪� .‬إذاً فمعنى احلديث �أن‬
‫هذا العدد من �ش�أنه �أن من �أح�صاه دخل اجلنة‪ ،‬وعلى هذا فيكون قوله (من �أح�صاها‬
‫دخل اجلنة) جملة مكملة ملا قبلها‪ ،‬ولي�ست م�ستقلة؛ ونظري هذا �أن تقول‪ :‬عندي‬
‫مئة درهم �أعددتها لل�صدقة‪ ،‬ف�إنه ال مينع �أن يكون عندك دراه��م �أخ��رى مل تعدها‬
‫علي‬
‫لل�صدقة»(‪ ،)12‬وا�ستدلوا كذلك بحديث ال�شفاعة وفيه قوله ‪ ..( :¤‬ثم يفتح اهلل َّ‬
‫من حمامده‪ ،‬وح�سن الثناء عليه �شيئ ًا مل يفتحه على �أحد قبلي ‪ ،)13()..‬ومن تلك‬
‫املحامد وح�سن الثناء‪� ،‬أ�سماء من �أ�سماء اهلل احل�سنى‪ ،‬مل َي ّط ِلع عليها �أحد من قبل‪ ،‬يقول‬
‫ابن القيم ‪« :‬وتلك املحامد تفي ب�أ�سمائه و�صفاته»(‪ ،)14‬ويقول يف مو�ضع �آخر ‪« :‬ومن‬
‫ا�ستقر�أ الأ�سماء احل�سنى وجدها مدائح وثنا ًء تق�صر بالغات الوا�صفني عن بلوغ‬
‫كنهها‪ ،‬وتعجز الأوهام عن الإحاطة بالواحد منها‪ ،‬ومع ذلك فلله ‪�-‬سبحانه‪ -‬حمامد‬
‫(‪( )9‬بدائع الفوائد) البن القيم (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)166:‬‬
‫(‪ )10‬تف�سري (القر�آن الكرمي) البن كثري عند تف�سري [�سورة‪ :‬الأعراف ‪ -‬الآية‪.]182 :‬‬
‫(‪�( )11‬شرح م�سلم) للنووي (�ص‪.)1585 :‬‬
‫(‪( )12‬القواعد املثلى) البن عثيمني (�ص‪.)17 :‬‬
‫(‪ )13‬متفق عليه‪ :‬رواه البخاري برقم (‪ ،)4712‬وم�سلم برقم (‪.)194‬‬
‫(‪( )14‬بدائع الفوائد) البن القيم (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)166:‬‬
‫‪64‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ومدائح و�أنواع من الثناء مل تتحرك بها اخلواطر‪ ،‬وال هج�ست يف ال�ضمائر‪ ،‬وال الحت‬
‫ملتو�سم‪ ،‬وال �سنحت يف فكر ‪ ..‬ويف ال�صحيح عنه ‪ ¤‬يف حديث ال�شفاعة ملا ي�سجد بني‬ ‫ِّ‬
‫يدى ربه قال‪َ ( :‬ف َي ْف َت ُح َقل ِبي ِم ْن محَ َ ا ِمد ِه ِب َ�ش ْيءٍ ال �أُ ْح ِ�سنُهُ الآن)(‪ ،)15‬وكان يقول يف‬
‫�سجوده‪( :‬اللهم �أعوذ بر�ضاك من �سخطك‪ ،‬وبعفوك من عقوبتك‪ ،‬و�أعوذ بك منك‪ ،‬ال‬
‫�أح�صي ثناء عليك‪� ،‬أنت كما �أثنيت على نف�سك)(‪ ،)16‬فال يح�صي �أَحد من خلقه ثنا ًء‬
‫عليه البتة‪ ،‬وله �أ�سما ٌء و�أو�صاف وحمد وثنا ٌء ال يعلمه ملك مقرب وال نبي مر�سل‪،‬‬
‫ون�سبة ما يعلم العباد من ذلك �إلى ما ال يعلمونه كنقرة ع�صفور يف بحر»(‪.)17‬‬
‫تتبعنا يف هذا الكتاب (‪� 107‬أ�سماء) من �أ�سماء اهلل احل�سنى الثابتة يف الكتاب وال�سنة‪،‬‬
‫باعتبار التغاير يف الأ�سماء امل�شتقة من �صفة واحدة(‪ )18‬نحو‪( :‬ال َقا ِد ُر وال َقدِ ي ُر وامل َ ْق َتدِ ُر)‬
‫ال ُق) و(ال َّراز ُِق وال َّر َّز ُاق) وغريها‪ ،‬و�أن بع�ضها يزيد بخ�صو�صي ٍة يف املعنى‬ ‫خل َّ‬
‫خلال ُِق وا َ‬
‫و(ا َ‬
‫عن الآخر‪ ،‬يقول ابن حجر‪« :‬وال يبقى بعد ذلك �إال النظر يف الأ�سماء امل�شتقة من �صف ٍة‬
‫واحد ٍة مثل‪( :‬ال َقدِ ي ُر وامل َ ْق َتدِ ُر وال َقا ِد ُر) و(الغفور والغفار والغافر) و(العلي والأعلى‬
‫واملتعال) و(امللك واملليك واملالك) و(الكرمي والأكرم) و(القاهر والقهار) و(اخلالق‬
‫(‪ )15‬حديث ال�شفاعة مروي عن كثري من ال�صحابة‪ ،‬وهذا اللفظ من حديث �أن�س ‹ ب�صيغة‪( :‬ويلهمني حمامد �أحمده بها‬
‫ال حت�ضرين الآن) البخاري برقم (‪.)7510‬‬
‫(‪( )17‬طريق الهجرتني) البن القيم (�ص‪.)114:‬‬ ‫ ‬ ‫(‪ )16‬رواه م�سلم برقم (‪.)486‬‬
‫(‪ )18‬الذي ذهب �إليه �أكرث املحققني �أن التماثل والرتادف يف اللغة قليل جد ًا‪ ،‬وهو يف القر�آن نادر �أو �شبه معدوم‪ ،‬يقول �شيخ الإ�سالم‬
‫ابن تيمية‪« :‬الرتادف يف اللغة قليل‪ ،‬و�أما يف �ألفاظ القر�آن ف�إما نادر و�إما معدوم « (جمموع فتاوى ابن تيمية (جـ‪� – 13 :‬ص‪،))341 :‬‬
‫والأ�سماء امل�شتقة من �صفة واحدة تندرج �ضمن ذلك نحو (اخلالق واخل ّالق) و(الغفور والغفار) وغريها‪ ،‬فهي تعد متغايرة لكون بع�ضها‬
‫يزيد بخ�صو�صية عن الآخر‪ ،‬والأ�سماء املتقاربة يف معانيها واملتباينة يف ا�شتقاقها هي �أي�ض ًا متغايرة من باب �أولى نحو (املعطي والوهاب)‬
‫�أو (اخلالق والبارئ) وغريها و�سي�أتي بيان الفروق بينها‪ ،‬وال يبقى �إال التو�ضيح ب�أن تعدد الأ�سماء امل�شتقة من �صفة واحد ال يوجب لل�صفة‬
‫زيادة وال للفعل �أكرث مما له‪ ،‬لأن �صفات اهلل تعالى قد تناهت يف الكمال‪ ،‬وهي منزهة عن قبول الزيادة والنق�صان‪ ،‬فالتغاير يف معاين‬
‫الأ�سماء امل�شتقة من �صفة واحدة يتوجه كمالها �إلى كرثة املتعلق وتعدد املفعوالت ولي�س �إلى الو�صف و�أ�صل الفعل نف�سه‪ ،‬فالفروق بني‬
‫ال�صيغ �إمنا هي من حيث تعلقها باملخلوقني‪ ،‬ولي�س من حيث تعلقها باهلل �سبحانه‪ ،‬فـ(اخلالق) مثال يدل على �صفة (اخللق) و�أن اهلل‬
‫تعالى مبدع للأ�شياء من غري مثال �سابق‪ ،‬وا�سم (اخلالق) يدل كذلك على �صفة (اخللق) �إلى جانب الإ�شارة �إلى وجه الكمال والإبداع‬
‫يف تكرار اخللق وتكثريه مبا ال حتيط به الأوهام وال تدركه العقول والأفهام‪ ،‬و(املغفرة) من ال�صفات الثابتة هلل تعالى‪ ،‬وهي �سرت الذنب‬
‫وحموه‪ ،‬و�إزالة �أثره‪ ،‬والوقاية من �شره‪ّ ،‬‬
‫ودل عليها ا�سماه �سبحانه (ال َغ ُفور وال َغفَّار)‪ ،‬ومع �أنهما م�شتقان من �صفة واحدة �إال �أن الفرق بني‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫اال�سمني هو من حيث تعلقهما باملذنبني وبالذنوب‪ ،‬وهما يدالن على ِعظم (املغفرة) وكمالها‪ ،‬فا�سم (الغفور) ال يدل على الزيادة يف �صفة‬
‫(املغفرة)‪ ،‬و�إمنا ي�شري لقوتها‪ ،‬و�أنه �سبحانه يغفر الذنوب الكبرية‪ ،‬وال يتعاظمه ذنب �أن يغفره‪ ،‬وال تعجزه مع�صية وال كبرية �أن ي�سرتها‬
‫ويتجاوز عنها‪ ،‬و�أما ا�سمه �سبحانه (ال َغفَّار) في�شري �إلى �أنه �سبحانه يغفر الذنوب الكثرية على �سبيل التكرار‪� ،‬أي يغفر ذنوب عباده مرة‬
‫بعد �أخرى‪ ،‬وكلما تكررت ذنوبهم تكررت مغفرته‪ ،‬واهلل �أعلم‪.‬‬
‫الباب الثاني ‪ :‬عدد أسماء اهلل الحسنى‬ ‫‪65‬‬

‫واخلالق) و(ال�شاكر وال�شكور) و(العامل والعليم)‪ ،‬ف�أما �أن يقال‪ :‬ال مينع ذلك من‬
‫عدها‪ ،‬ف�إن فيها التغاير يف اجلملة‪ ،‬ف�إن بع�ضها يزيد بخ�صو�صي ٍة على الآخر لي�ست‬
‫فيه‪ ،‬وقد وقع االتفاق على �أن (ال َّر ْح َم ُن وال َّرحِ ي ُم) ا�سمان مع كونهما م�شتقني من‬
‫�صف ٍة واحدةٍ‪ ،‬ولو منع من عد ذلك للزم �أن ال يعد ما ي�شرتك اال�سمان فيه مثال من‬
‫حيث املعنى؛ مثل (اخلالق البارئ امل�صور) لكنها عدت؛ لأنها ولو ا�شرتكت يف معنى‬
‫الإيجاد واالخرتاع فهي مغايرة من جه ٍة �أخرى‪ ،‬وهي �أن (اخلالق) يفيد القدرة على‬
‫الإيجاد‪ ،‬و(البارئ) يفيد املوجد جلوهر املخلوق‪ ،‬و(امل�صور) يفيد خالق ال�صورة يف‬
‫تلك الذات املخلوقة‪ ،‬و�إذا كان ذلك ال مينع املغايرة مل ميتنع عدها �أ�سماء مع ورودها‬
‫‪-‬والعلم عند اهلل تعالى»(‪ ،)19‬مع التوقف يف �إدراج خم�سة �أ�سماء؛ حلاجتها �إلى بحث‬
‫وت�أمل ونظر‪ ،‬ومعرفة مدى حتقق �شروط و�ضوابط الإح�صاء فيها‪� ,‬إلى جانب اخلالف البني‬
‫بني العلماء يف �إدراجها �ضمن �أ�سماء اهلل احل�سنى وهي‪( :‬الكفيل(‪ – )20‬الغالب(‪– )21‬‬
‫ال�صادق(‪ – )22‬الطبيب(‪ – )23‬ال�صانع(‪.))24‬‬
‫ف�أ�س�أل اهلل الكرمي‪ ،‬الفتاح العليم‪ ،‬رب العر�ش العظيم‪� ،‬أن يفتح علينا من وا�سع‬
‫رحمته‪ ،‬وخزائن علمه‪� ،‬إنه ويل ذلك والقادر عليه‪ ،‬واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬
‫(‪( )19‬فتح الباري) البن حجر الع�سقالين (�ص‪ – 2806 :‬رقم احلديث‪.)6410 :‬‬
‫(‪ )20‬الكفيل‪ :‬لقوله تعالى‪ } :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ{[النحل‪ ]91:‬ومن ال�سنة قوله ‪�( :¤‬أنه ذكر رج ً‬
‫ال‬
‫من بني �إ�سرائيل‪� ،‬س�أل بع�ض بني �إ�سرائيل �أن ي�سلفه �ألف دينار‪ ،‬فقال ‪ :‬ائتني بال�شهداء �أ�شهدهم‪ ،‬فقال ‪ :‬كفى‬
‫باهلل �شهيداً‪ ،‬قال ف�أئتني بالكفيل‪ ،‬قال‪ :‬كفى باهلل كفي ً‬
‫ال‪ ،‬قال‪� :‬صدقت ‪ )..‬احلديث رواه البخاري برقم (‪ ،)2291‬ويف‬
‫حالة ثبوت اال�سم �سيدرج يف جمموعة الوالية بعد ا�سم اهلل (الوكيل)‪.‬‬
‫(‪ )21‬الغالب‪ :‬لقوله تعالى } ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ{ [يو�سف‪ ،]21:‬ويف حالة ثبوت‬
‫اال�سم �سيدرج يف جمموعة العزّة بعد ا�سم اهلل (املتني)‪.‬‬
‫(‪ )22‬ال�صادق‪ :‬لقوله تعالى‪ } :‬ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ{[الأنعام‪ ،]146:‬وقوله تعالى‪} :‬ﮉ ﮊ ﮋﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ {[�آل عمران‪ ،]95:‬وقوله تعالى‪ } :‬ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﭧ{[الن�ساء‪ ،]122:‬ويف حالة ثبوت اال�سم �سيدرج يف جمموعة احلمد بعد ا�سم اهلل (الطيب)‪.‬‬
‫(‪ )23‬الطبيب‪ :‬لقوله ‪( :¤‬اهلل الطبيب‪ ،‬بل �أنت رجل رفيق‪ ،‬طبيبها الذي خلقها) رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف‬
‫�صحيح �أبي داود برقم (‪ )4207‬ويف حالة ثبوت اال�سم �سيدرج يف جمموعة الطم�أنينة بعد ا�سم اهلل (ال�شايف)‪.‬‬
‫(‪ )24‬ال�صانع‪ :‬لقوله ‪ .. ( :¤‬ف�إن اهلل �صانع ما �شاء‪ ،‬ال مكره له) رواه م�سلم برقم (‪ ،)2679‬و قوله ‪�( :¤‬إن اهلل‬
‫�صانع كل �صانع و�صنعته) رواه البيهقي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪ )1777‬ويف حالة ثبوت اال�سم �سيدرج يف‬
‫جمموعة اخللق بعد ا�سم اهلل (امل�صور)‪.‬‬
‫‪66‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫املبحث الثالث‪ :‬مراتب الإح�صاء‪:‬‬


‫ورد يف حديث �أبي هريرة ‹‪ :‬قول الر�سول ‪..( :¤‬من �أح�صاها دخل اجلنة)‪..‬‬
‫فما معنى الإح�صاء؟‪.‬‬
‫ذكر �أهل العلم �أن معاين الإح�صاء بالنظر ال�شتقاقه اللغوي يدور حول ثالثة معان‪:‬‬
‫املعنى الأول‪ :‬العدُّ‪ ،‬كما يف قوله �سبحانه‪ } :‬ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ{[اجلن‪ ،]28:‬قال‬
‫اخلطابي‪« :‬وهو �أظهر معاين الإح�صاء‪ ،‬ومعناه‪� :‬أنه يعدُّها لي�ستوفيها حفظاً‪ ،‬فيدعو ربه‬
‫بها»(‪ ،)25‬وا�س ُتدل على �صحة هذا الت�أويل بالرواية الأخرى حلديث �أبي هريرة ‹ وفيه‪..( :‬ال‬
‫يحفظها �أحد �إال دخل اجلنة)‪ ،‬وقال النوويُّ ‪ « :‬قال البخاري وغريه من املحققني‪ :‬معناه‬
‫حفظها‪ ،‬وهذا هو الأظهر؛ لأنه جاء مف�سراً يف الرواية الأخرى‪( :‬مَنْ َح ِف َظ َها)»(‪.)26‬‬
‫املعنى ال��ث��اين‪ :‬الطاقة‪ ،‬كما يف قوله تعالى‪ } :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ{[املزمل‪،]20:‬‬
‫�أي‪ :‬لن تطيقوه‪ ،‬قال اخلطابي‪« :‬واملعنى‪� :‬أن يطيقها‪ُ ،‬يح�سن املراعاة لها‪ ،‬واملحافظة‬
‫على حدودها يف معاملة الرب ‪�-‬سبحانه‪ -‬بها‪ ،‬وذلك مثل �أن يقول‪ :‬يا (رحمن)‪ ،‬يا‬
‫(رحيم)؛ فيخطر بقلبه الرحمة‪ ،‬ويعتقدها �صفة هلل فريجو رحمته وال يي�أ�س‬
‫من مغفرته‪ ،‬كقوله تعالى‪ } :‬ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ{[الزمر‪ ،]53:‬و�إذا قال‪( :‬ال�سميع الب�صري) علم �أنه ال يخفى على اهلل‬
‫خافية‪ ،‬و�أنه مبر�أى منه وم�سمع؛ فيخافه يف �س ِّره وعلنِه‪ ،‬ويراقبه يف كافة �أحواله‪،‬‬
‫و�إذا قال‪( :‬ال َّر َّزاق) اعتقد �أنه املتك ِّفل برزقه‪ ،‬ي�سوقه �إليه يف وقته‪ ،‬فيثق بوعده‪ ،‬ويعلم‬
‫�أنه ال رازق له غريه‪ ،‬وال كايف‪ ،‬له �سواه»(‪ ،)27‬وقال ابن حجر‪« :‬واملعنى‪ :‬من �أطاق القيام‬
‫بحق هذه الأ�سماء‪ ،‬والعمل مبقت�ضاها؛ وهو �أن يعترب معانيها‪ ،‬فيلزم نف�سه بواجبها‪،‬‬
‫ف�إذا قال‪( :‬الرازق) وثق بالرزق‪ ،‬وكذا �سائر الأ�سماء»(‪.)28‬‬
‫املعنى الثالث‪ :‬املعرفة بها‪ ،‬وفهم معانيها‪ ،‬قال اخلطابي‪�« :‬أن يكون الإح�صاء مبعنى‬
‫(‪�( )25‬ش�أن الدعاء) للخطابي (�ص‪.)26 :‬‬
‫(‪�( )26‬شرح م�سلم) للنووي (�ص‪.)1585 :‬‬
‫(‪�( )27‬ش�أن الدعاء) للخطابي (�ص‪.)28 - 27 :‬‬
‫(‪( )28‬فتح الباري) البن حجر الع�سقالين (�ص‪ - 2808:‬رقم احلديث‪.)6410 :‬‬
‫الباب الثاني ‪ :‬عدد أسماء اهلل الحسنى‬ ‫‪67‬‬

‫العقل واملعرفة‪ ،‬والعرب تقول‪ :‬فالن ذو ح�صاة؛ �أي ذو عقل ومعرفة بالأمور‪ ،‬وهذا‬
‫املعنى م�أخوذ من احل�صاة وهي العقل‪ ،‬فيكون معنى «�أح�صاها»‪� :‬أن من عرفها وعقل‬
‫معانيها‪ ،‬و�آم��ن بها دخ��ل اجل �ن��ة»(‪ ،)29‬وقال ابن حجر‪ « :‬امل��راد بالإح�صاء‪ :‬الإحاطة‬
‫مبعانيها»(‪.)30‬‬
‫وال�صواب �أن الإح�صاء �شامل جلميع هذه املعاين علم ًا وعم ًال‪ ،‬فهو يبد�أ من العلم والإميان‬
‫بها‪ ،‬من خالل حفظها‪ ،‬و�ضبطها‪ ،‬مع فهم معانيها‪ ،‬وا�ستظهارها عن ظهر قلب‪ ،‬وينتهي بالعمل‪،‬‬
‫من خالل دعاء اهلل والثناء عليه بها‪ ،‬وظهور �آثارها يف حياة امل�ؤمن؛ ولذا «ذكر �أهل العلم‬
‫�أن �إح�صاء �أ�سماء اهلل احل�سنى ي�شمل مراتب عظيمة‪ ،‬ال ي�صدق على �أحد ب�أنه �أح�صاها‬
‫على وجه التمام والكمال‪� ،‬أو حفظها‪ ،‬حتى ي�أتي بها‪ ،‬وهذه املراتب تتمثل فيما يلي‪:‬‬
‫�أو ًال‪ :‬عدها وحفظها وا�ستح�ضارها‪ ،‬و�أخذها من �أدلتها‪� ،‬سواء ما ورد منها يف الكتاب �أو ال�سنة‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬فهم معانيها‪ ,‬ومعرفة مدلوالتها‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬معرفة �آثارها يف الكون واحلياة والقلب قدر الطاقة؛ لأن هذا ميدان يتفاوت‬
‫النا�س يف حتقيقه‪.‬‬
‫بها‪ ,‬والتعبد له ‪�-‬سبحانه‪ -‬بها‪ ،‬و�شهود �آثارها يف القلب‪،‬‬ ‫رابعاً‪ :‬دع��اء اهلل‬
‫والل�سان‪ ،‬واجلوارح‪ ،‬والعمل بها»(‪ .)31‬يقول ابن القيم ‪« :‬مراتب �إح�صاء �أ�سمائه التي من‬
‫�أح�صاها دخل اجلنة ثالث مراتب‪ ,‬وهذا هو قطب ال�سعادة ومدار النجاة والفالح‪:‬‬
‫املرتبة الأولى‪� :‬إح�صاء �ألفاظها وعددها‪.‬‬
‫املرتبة الثانية‪ :‬فهم معانيها ومدلولها‪.‬‬
‫املرتبة الثالثة‪ :‬دعا�ؤه بها كما قال تعالى‪َ } :‬وللِهَّ ِ الأ�سماء الحْ ُ ْ�س َنى َفا ْدعُو ُه ِبهَا{‪ ,‬وهو مرتبتان‪:‬‬
‫�إحداهما‪ :‬دعاء ثناء وعبادة‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬دعاء طلب وم�س�ألة‪ ,‬فال يثنى عليه �إال ب�أ�سمائه احل�سنى و�صفاته‬
‫العلى‪ ,‬وكذلك ال ي�س�أل �إال بها»(‪.)32‬‬
‫(‪�( )29‬ش�أن الدعاء) للخطابي (�ص‪.)29 - 28 :‬‬
‫(‪( )30‬فتح الباري) البن حجر الع�سقالين (�ص‪ - 2806:‬رقم احلديث‪.)6410 :‬‬
‫(‪( )31‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلليل ( �ص‪.)46 - 45 :‬‬
‫(‪( )32‬بدائع الفوائد) البن القيم (جـ‪� – 1 :‬ص‪.)164:‬‬
‫‪68‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫املبحث الرابع‪� :‬أحاديث �سرد الأ�سماء‪:‬‬


‫جاء يف بع�ض روايات حديث �أبي هريرة ‹‪ ،‬تف�صيل و�سرد لأ�سماء اهلل احل�سنى‬
‫الت�سعة والت�سعني‪ ،‬كما هو عند الرتمذي وابن ماجة واحلاكم‪ ،‬وجميع الروايات التي �أدرجت‬
‫فيها قائمة الأ�سماء �ضعيفة‪ ،‬وال يحتج بها‪ ،‬كما بني ذلك �أئمة احلديث‪ ،‬و�أ�صحاب الدراية‬
‫بهذا العلم‪ ،‬الذين �صرحوا ب�ضعف هذه الروايات‪ ،‬وعدم �صالحيتها لالحتجاج‪ ،‬و�أن قائمة‬
‫�سرد الأ�سماء لي�ست من كالم النبي ‪ ،¤‬و�إمن��ا من كالم بع�ض ال�سلف‪ ،‬جمعه ت�سهي ًال‬
‫للنا�س‪ ،‬ف�أدرجه بع�ضهم يف احلديث‪ ،‬حتى ظن الكثريون �أنه منه‪ ،‬يقول �شيخ الإ�سالم ابن‬
‫تيمية ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪�« :‬إن الت�سعة والت�سعني ا�سماً مل يرد يف تعيينها حديث �صحيح‬
‫عن النبي ‪ ،¤‬و�أ�شهر ما عند النا�س فيها حديث الرتمذي‪ ،‬الذي رواه الوليد بن‬
‫م�سلم عن �شعيب عن �أبي حمزة‪ ،‬وحفاظ �أهل احلديث يقولون‏ ‏‪ :‬هذه الزيادة مما‬
‫جمعه الوليد بن م�سلم عن �شيوخه من �أه��ل احلديث‪ ،‬وفيها حديث ثان �أ�ضعف‬
‫من هذا‏ رواه ابن ماجه‏»(‪ ،)33‬وقال يف مو�ضع �آخر‪« :‬فاحلديث الذي فيه ذكر ذلك هو‬
‫حديث الرتمذي‪ ،‬روى الأ�سماء احل�سنى يف‏‏جامع ‏ه من حديث الوليد بن م�سلم‪ ،‬عن‬
‫�شعيب عن �أبي ال ِّز َناد‪ ،‬عن الأعرج‪ ،‬عن �أبي هريرة‪ ،‬ورواها ابن ماجة يف �سننه من‬
‫طريق مخَ ْ لَد بن زياد ال َق َطواين‪ ،‬عن ه�شام بن ح�سان‪ ،‬عن حممد بن �سريين عن‬
‫�أبي هريرة ‹‏‪،‬‏ وقد اتفق �أهل املعرفة باحلديث على �أن هاتني الروايتني لي�ستا‬
‫من كالم النبي ‪ ،¤‬و�إمن��ا كل منهما من كالم بع�ض ال�سلف‪ ،‬فالوليد ذكرها عن‬
‫بع�ض �شيوخه ال�شاميني‪ ،‬كما جاء مف�سراً يف بع�ض طرق حديثه‏»(‪ ،)34‬ويقول ابن‬
‫كثري‪« :‬والذي عول عليه جماعة من احلفاظ �أن �سرد الأ�سماء يف هذا احلديث مدرج‬
‫فيه»(‪.)35‬‬

‫(‪( )33‬جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية) جمع عبدالرحمن بن قا�سم (جـ‪� – 22 :‬ص‪.)482 :‬‬
‫(‪( )34‬جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية) جمع عبدالرحمن بن قا�سم (جـ‪� – 6 :‬ص‪.)379 :‬‬
‫(‪ )35‬تف�سري (القر�آن الكرمي) البن كثري عند تف�سري [�سورة‪ :‬الأعراف ‪ -‬الآية‪.]182 :‬‬
‫الباب الثاني ‪ :‬عدد أسماء اهلل الحسنى‬ ‫‪69‬‬

‫املبحث اخلام�س‪ :‬احلكمة من تخ�صي�ص العدد (‪ )99‬ال�ستحقاق ثواب الإح�صاء‪:‬‬


‫اختلف العلماء يف حتديد احلكمة من ح�صر ثواب الإح�صاء يف هذا العدد املخ�صو�ص‬
‫�إلى عدة �أقوال‪:‬‬
‫القول الأول‪ :‬تخ�صي�ص هذا العدد يعد �أمر ًا تعبدي ًا‪ ،‬ال يعقل معناه؛ كما قيل يف عدد‬
‫ال�صلوات وغريها‪ ،‬وهو قول الفخر الرازي‪ ،‬ون�سبه �إلى �أكرث العلماء‪ ،‬كما نقله عنه ابن حجر‬
‫الع�سقالين بقوله‪« :‬فذكر الفخر الرازي عن الأكرث �أنه تعبد‪ ،‬ال يعقل معناه كما قيل‬
‫يف عدد ال�صلوات وغريها»(‪.)36‬‬
‫القول الثاين‪ :‬املق�صود به احل�صر‪ ،‬ف�أ�سماء اهلل احل�سنى ت�سعة وت�سعون ا�سم ًا‬
‫فقط‪ ،‬وهو قول ابن حزم وطائفة معه‪ ،‬واحتجوا على قولهم بتعقيب الر�سول ‪ ¤‬لعدد‬
‫الأ�سماء بقوله‪( :‬مائة �إال واح��د ًا)‪ .‬قال ابن حزم‪« :‬و�صح �أن �أ�سماءه ال تزيد على‬
‫ت�سعة وت�سعني �شيئاً‪ ،‬لقوله ‪( :¤‬مائة �إال واح��د ًا)‪ ،‬فنفى الزيادة و�أبطلها»(‪،)37‬‬
‫وقريب من هذا القول من يرى �أن تعداد �أ�سماء اهلل احل�سنى بجملتها الكلية يعد �أمر ًا‬
‫غيبي ًا‪ ،‬ا�ست�أثر اهلل بعلمه‪ ،‬كما �أ�شار �إليه النبي ‪ ¤‬يف حديث ابن م�سعود ‹‪ .‬وما تعرف‬
‫اهلل به �إلى عباده من �أ�سمائه احل�سنى هي ت�سعة وت�سعون ا�سم ًا فقط‪ ،‬وهو ما �أ�شار �إليه‬
‫النبي ‪ ¤‬يف حديث �أبي هريرة‹(‪.)38‬‬
‫القول الثالث‪ :‬من يرى �أن قائمة �سرد الأ�سماء املدرجة يف حديث �أبي هريرة ‹‬
‫من كالم النبي ‪ ،¤‬و�أن الأ�سماء الت�سعة والت�سعني املدرجة يف احلديث قد حوت كل معاين‬
‫�أ�سماء اهلل احل�سنى‪ ،‬قال ابن حجر الع�سقالين‪ « :‬وقيل �أن معاين الأ�سماء ولو كانت‬
‫كثرية جداً‪ ،‬فهي موجودة يف الت�سعة والت�سعني املذكورة»(‪.)39‬‬
‫القول الرابع‪« :‬ما ُن ِق َل عن �أبي خلف حممد بن عبد امللك الطربي ال�سلمي‬
‫(‪( )36‬فتح الباري) البن حجر الع�سقالين (�ص‪ - 2807:‬رقم احلديث‪.)6410 :‬‬
‫(‪( )37‬املحلى) البن حزم (جـ‪� - 8 :‬ص‪.)31 :‬‬
‫(‪ )38‬وهو قول الدكتور الر�ضواين كما �أ�شرنا �إليه يف (�ص‪.)24 :‬‬
‫(‪( )39‬فتح الباري) البن حجر الع�سقالين (�ص‪ - 2807:‬رقم احلديث‪.)6410 :‬‬
‫‪70‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ق��ال‪� :‬إمن��ا خ�ص هذا العدد �إ�شارة �إل��ى �أن الأ�سماء ال ت�ؤخذ قيا�سا»(‪ ،)40‬مبعنى �أنها‬
‫معدودة‪ ،‬ولي�ست مرتوكة لعقول الب�شر ي�شتقونها بقيا�س �أو غريه‪ ،‬فال يقا�س على ا�سم اهلل‬
‫(اجلواد) ا�سم (ال�سخي) مث ًال‪� ،‬أو ا�سم (العارف) على ا�سم اهلل (العامل)؛ لأن �أ�سماء‬
‫اهلل احل�سنى توقيفية‪ ،‬وال بد من ثبوت الن�ص بورودها يف القر�آن الكرمي‪� ،‬أو �صحيح ال�سنة‪،‬‬
‫ويجب الوقوف عند ذلك‪ ،‬فال يزاد عليه وال ينق�ص‪.‬‬
‫القول اخلام�س‪� :‬أن العدد (‪ )99‬هو منتهى الأعداد الفردية من غري تكرار‪ ،‬والعدد‬
‫احدُ‬ ‫الفرد �أف�ضل من الزوج‪ ،‬وال ِوت ُر �أف�ضل من ال�شفع؛ لأن اهلل ‪�-‬سبحانه‪ -‬هو (ال ِو ُ‬
‫تر ال َو ِ‬
‫ال َأحدُ )‪ ،‬قال ابن حجر الع�سقالين‪ « :‬وقيل �إن العدد زوج وفرد‪ ،‬والفرد �أف�ضل من الزوج‪،‬‬
‫ومنتهى الأفراد من غري تكرار ت�سعة وت�سعون‪ ،‬لأن مائة وواحدا يتكرر فيه الواحد‪.‬‬
‫و�إمنا كان الفرد �أف�ضل من الزوج لأن الوتر �أف�ضل من ال�شفع؛ لكون الوتر من �صفة‬
‫اخلالق‪ ،‬وال�شفع من �صفة املخلوق‪ ،‬وال�شفع يحتاج للوتر من غري عك�س»(‪.)41‬‬
‫القول ال�ساد�س‪� :‬أن العدد (‪ )100‬هو حد الكمال يف الأعداد‪ ،‬و�أ�سماء اهلل (‪ )99‬ا�سم ًا‪،‬‬
‫وبا�سم اجلاللة (الل) تكمل املائة‪ ،‬وكما هو مقرر ف�أجنا�س الأعداد ثالثة‪� :‬آحاد وع�شرات‬
‫ومئات‪ ،‬ومن بعده مبتد�أ لآحاد �آخر جديد‪ ،‬قال ابن حجر الع�سقالين‪ « :‬وقيل �إن الكمال‬
‫يف العدد حا�صل يف املائة؛ لأن الأعداد ثالثة �أجنا�س‪� :‬آحاد وع�شرات ومئات‪ ،‬والألف‬
‫مبتد�أ لآحاد �آخر‪ ،‬ف�أ�سماء اهلل مائة ا�ست�أثر اهلل منها بواحد‪ ،‬وهو اال�سم الأعظم فلم‬
‫يطلع عليه �أحداً فك�أنه قيل مائة لكن واحد منها عند اهلل‪ ،‬وقال غريه‪ :‬لي�س اال�سم‬
‫الذي يكمل املائة خمفياً بل هو ا�سم اجلاللة (الل)‪ ،‬وممن جزم بذلك ال�سهيلي‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫الأ�سماء احل�سنى مائة على عدد درجات اجلنة‪ ،‬والذي يكمل املائة‪( :‬الل)‪ ،‬وي�ؤيده قوله‬
‫تعالى‪َ } :‬وللِهَّ ِ الأ�سماء الحْ ُ ْ�س َنى َفا ْدعُو ُه ِبهَا {‪ ،‬فالت�سعة والت�سعون هلل فهي زائدة عليه‪،‬‬
‫وبه تكمل املائة»(‪.)42‬‬
‫واهلل �أعلم ‪،،‬‬

‫(‪()40‬فتح الباري) البن حجر الع�سقالين (�ص‪ - 2807:‬رقم احلديث‪.)6410 :‬‬


‫(‪ )41‬املرجع ال�سابق‪ .‬‬
‫(‪ )42‬املرجع ال�سابق‪.‬‬
‫‪71‬‬

‫الباب الثالث‬
‫�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى‬
‫المجموعة األولى ‪ :‬اهلل ‪ -‬الرب ‪ -‬اإلله‬ ‫‪73‬‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ‪1‬ـــــــــة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬الأُ ُل ِ‬
‫وه َّي ُة‬
‫(‪)3 - 2 - 1‬‬
‫ُ‬
‫اهلل‪ -‬ال َّر ُّب ‪ -‬ا ِ‬
‫لإ َلهُ‬
‫‪74‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الــمــجــمــوعـــ‪1‬ـــة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬الأُ ُل ِ‬
‫وه َّي ُة‬
‫(‪)3 - 2 - 1‬‬
‫ُ‬
‫اهلل ‪ -‬ال َّر ُّب ‪ -‬الإِ َلهُ‬
‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫‪ æ‬اهلل‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 2707‬مرات)‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ{[الق�ص�ص‪ ،]30:‬منها (‪ 5‬مرات) ب�صيغة الدعاء (ال َّل ُه َّم) قال تعالى‪:‬‬
‫} ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ{[املائدة‪ ،]114:‬ومن ال�سنة‬
‫قوله ‪�( :¤‬إن اهلل ال ينام‪ ،‬وال ينبغي له �أن ينام‪َ ،‬يرفع الق�سط ويخف�ضه‪ ،‬و ُيرفع‬
‫�إليه عمل النهار بالليل‪ ،‬وعمل الليل بالنهار)(‪.)1‬‬
‫‪ æ‬ال َّر ُّب‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي �أكرث من (‪ 871‬مرة) منها قوله تعالى‪}:‬ﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ{[ي�س‪ ،]58:‬وقوله تعالى‪ } :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ{[�سب�أ‪،]15:‬‬
‫ومن ال�سنة قوله ‪( :¤‬يقال جلهنم‪ :‬هل امتلأت؟ وتقول‪ :‬هل من مزيد؟ في�ضع ال َّر ُّب‬
‫‪-‬تبارك وتعالى‪ -‬قدمه عليها‪ ،‬فتقول‪ :‬قط قط)(‪.)2‬‬
‫‪ æ‬الإِ َلهُ ‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي �أكرث من (‪ 31‬مرة) منها قوله تعالى‪ }:‬ﯽ‬
‫ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ{[البقرة‪ ،]163:‬وقوله تعالى } ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ{[الن�ساء‪ ،]171:‬ومن ال�سنة ق�صة �صحابة ر�سول اهلل ‪،¤‬‬
‫الذين غدر بهم الأعراب عند بئر الرجيع‪ ،‬وفيه قول ال�صحابي اجلليل خبيب بن عدي ‹‬
‫للم�شركني قبل ا�ست�شهاده‪( :‬ذروين �أركع ركعتني‪ ،‬فرتكوه فركع ركعتني‪ ،‬ثم قال‪ :‬لوال‬
‫�أن تظنوا �أن ما بي جزع لطولتها‪ ،‬اللهم �أح�صهم عددا‪:‬‬
‫على �أي �شق كان هلل م�صرعي‬ ‫ول�ست �أبايل حني �أقتل م�سلم ًا‬
‫يبارك على �أو�صال �شلو ممزع‬ ‫وذلك يف ذات الإله و�إن ي�شـــ�أ‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري برقم (‪.)4849‬‬ ‫ ‬
‫(‪ )1‬رواه م�سلم برقم (‪.)179‬‬
‫المجموعة األولى ‪ :‬اهلل ‪ -‬الرب ‪ -‬اإلله‬ ‫‪75‬‬

‫‪ ..‬ف�أخرب النبي ‪� ¤‬أ�صحابه خربهم وما �أ�صيبوا‪ ،)3()..‬قال ابن حجر الع�سقالين‪:‬‬
‫«و�سمعه النبي ‪ ¤‬فلم ينكره فكان جائزا»(‪.)4‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬
‫‪ æ‬اهلل‪ :‬اختلف العلماء يف �أ�صل هذا اال�سم‪ :‬هل هو ا�سم علم‪ ،‬و� ٌ‬
‫أ�صل بنف�سه‪،‬‬
‫ال ا�شتقاق له‪� ،‬أم �أنه ا�سم م�شتق‪ ،‬وله �أ�صل م�شتق منه؟‪:‬‬
‫‪ -‬القول الأول‪( :‬اهلل) ا�سم علم غري م�شتق‪ ،‬وهو علم للذات املقد�سة‪« ،‬يجري‬
‫يف العبارة عنه ‪�-‬سبحانه‪ -‬جمرى الأ�سماء الأعالم يف املخلوقني‪ ،‬وهي قولنا‪ :‬زيد‬
‫وعمرو‪ ،‬والألف والالم الزمة له‪ ،‬ال لتعريف وال لغريه‪ ،‬واختار هذا القول ال�شافعي‪،‬‬
‫واحلليمي‪ ،‬واخلطابي‪ ،‬والغزايل‪ ،‬و�أبو املعايل‪ ،‬والقا�ضي �أبو بكر بن العربي‪،‬‬
‫و�أبو احل�سن بن احل�صار‪ ،‬وكثري من املحققني»(‪ ،)5‬وكذلك هو قول «اخلليل بن‬
‫�أحمد الفراهيدي مع حكاية القول الآخر عنه‪ ،‬وابن مالك النحوي ال�شهري»(‪،)6‬‬
‫والزجاج(‪ )7‬وغريهم‪ .‬وقالوا‪� :‬إن الألف والالم يف (اهلل) من بنية هذا اال�سم‪ ،‬ومل يدخال‬
‫للتعريف؛ ولذا ال يجوز حذفهما عند دخول حرف النداء عليه‪ ،‬وحرف النداء ال يجتمع مع‬
‫�ألف والم التعريف‪ ،‬ف�أنت تقول‪ :‬يا (اهلل)‪ ،‬وال تقول‪ :‬يا (الرحمن) �أو يا (الب�صري)‪ ،‬و�إمنا‬
‫تقول‪ :‬يا (رحمن) و يا (ب�صري)‪ ،‬وا�ستدلوا على ذلك ‪�-‬أي�ض ًا‪ -‬ب�أن ا�سم (اهلل) َ‬
‫يو�صف وال‬
‫يو�صف به؛ ولذا ُجعل �أمام �سائر الأ�سماء‪ ،‬فيقال‪( :‬امللك القدو�س) من �أ�سماء (اهلل)‪ ،‬وال‬
‫يقال‪( :‬اهلل) من �أ�سماء (امللك)‪.‬‬
‫‪ -‬القول الثاين‪( :‬اهلل) ا�سم م�شتق‪ ،‬واختلفوا يف �أ�صل ا�شتقاقه‪ ،‬والأكرثون �أنه‬
‫م�شتق من (الإله)‪ ،‬وقالوا‪�« :‬أ�صله (الإله)‪ ،‬ثم حذفت الهمزة تخفيفاً‪ ،‬فاجتمعت المان‪،‬‬
‫ف�أدغمت الالم الأولى يف الثانية‪ ،‬فقيل‪( :‬اهلل)‪ ،‬ف�إله (فِعال) مبعنى (مفعول) ك�أنه‬
‫م�ألوه �أي معبود‪ ،‬م�ستحق للعبادة؛ يعبده اخللق وي�ؤلهونه»(‪ ،)8‬قال ابن القيم‪« :‬القول‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري برقم (‪.)3045‬‬
‫(‪( )4‬فتح الباري) البن حجر الع�سقالين (جـ‪� - 3 :‬ص‪.)3307 :‬‬
‫(‪( )5‬الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي (�ص‪.)276:‬‬
‫(‪ )6‬تف�سري (جواهر التف�سري) للخليلي عند تف�سري (الآية‪� - 1:‬سورة الفاحتة)‪.‬‬
‫(‪( )7‬تف�سري الأ�سماء) للزجاج (�ص‪.)25:‬‬
‫(‪( )8‬ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص‪ .)24- 23 :‬‬
‫‪76‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ال�صحيح �أن (الل) �أ�صله (الإله)‪ ،‬كما هو قول �سيبويه‪ ،‬وجمهور �أ�صحابه‪� ،‬إال من‬
‫�شذ منهم»(‪.)9‬‬
‫رب‪ ،‬فعله َر َّب َي ُر ّب ر ّباً‪ ،‬فهو ّ‬
‫راب‪ ،‬واملفعول َمربوب وربيب‪.. ،‬‬ ‫‪ æ‬ال َّر ُّب‪« :‬م�صدر َّ‬
‫والرب‪ :‬ال�سيد ومالك ال�شيء»(‪ ،)10‬قال الأ�صفهاين‪« :‬الرب يف الأ�صل‪ :‬الرتبية‪ ،‬وهو‬ ‫ُّ‬
‫�إن�شاء ال�شيء حاال فحاال �إلى حد التمام ‪ ..‬فالرب‪ :‬م�صدر م�ستعار للفاعل‪ ،‬وال يقال‬
‫(ال َّر ُّب) مطلقا �إال هلل ‪-‬تعالى‪ -‬املتكفل مب�صلحة املوجودات»(‪.)11‬‬
‫لوه ًة و�أُ ِ‬
‫لوه َي ًة‪ ،‬قال‬ ‫‪ æ‬الإِ َلهُ ‪� :‬صفة م�شبهة للمو�صوف بالألوهية‪ ،‬فعله �أ َل َه َي�أ َل ُه �إ َل َه ًة و�أُ َ‬
‫الألو�سي‪�(« :‬إله) �صفة م�شبهة مبعنى م�ألوه‪ ،‬وا�شتقاقه من �أله كعبد‪� ،‬إالهة كعبادة‪،‬‬
‫وكل ما‬ ‫و�ألوهة كعبودة‪ ،‬و�ألوهية كعبودية»(‪ ،)12‬قال يف الل�سان‪(« :‬الإله)‪ :‬اهلل‬
‫ا ُتخذ من دونه معبوداً فهو �إ َل ٌه عند متخذه‪ ،‬واجلمع �آ ِل َه ٌة‪ ،‬والآ ِل َه ُة‪ :‬الأَ�صنام‪� ،‬سموها‬
‫ت ُّق لها‪ ،‬و�أَ�سما�ؤُهم َت ْت َب ُع اعتقاداتهم‪ ،‬ال ما عليه‬ ‫بذلك؛ العتقادهم �أَن العبادة حَ ُ‬
‫ال�شيء يف نف�سه»(‪.)13‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬
‫«عل ٌم على الرب ‪-‬تبارك وتعالى»(‪« )14‬الذي َي�أْ َلهه كل �شيء‪ ،‬ويعبده كل‬
‫‪ æ‬اهلل‪َ :‬‬
‫خـلق»(‪ ،)15‬قال ابن القيم‪(« :‬الل) امل�ألوه املعبود الذي ت�ألهه اخلالئق حمبة وتعظيما‬
‫وخ�ضوعا‪ ،‬وفزعا �إليه يف احلوائج والنوائب»(‪ ،)16‬وقال ال�شيخ ال�سعدي‪(« :‬الل) هو‬
‫امل�ألوه املعبود‪ ،‬ذو الألوهية‪ ،‬والعبودية على خلقه �أجمعني‪ ،‬ملا ات�صف به من �صفات‬
‫الألوهية التي هي �صفات الكمال»(‪.)17‬‬
‫(‪( )9‬بدائع الفوائد) البن القيم (جـ‪� - 2 :‬ص‪.)250 :‬‬
‫(‪ )10‬معجم اللغة العربية املعا�صرة للدكتور �أحمد خمتار (مادة‪ :‬رب ب)‪.‬‬
‫(‪( )11‬املفردات) للراغب الأ�صفهاين (�ص‪.)245 :‬‬
‫(‪ )12‬تف�سري (روح املعاين) لاللو�سي (الفاحتة‪ - :‬الآية‪.)1 :‬‬
‫(‪( )13‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ ‪� - 13:‬ص‪( )467 :‬مادة‪� :‬أله)‪.‬‬
‫(‪( )14‬تف�سري القر�آن الكرمي) البن كثري‪ ،‬عند تف�سري (الفاحتة‪ - :‬الآية‪.)1 :‬‬
‫(‪ )15‬تف�سري (جامع البيان) للطربي عند تف�سري (�سورة الفاحتة‪ :‬الآية (‪ ،))1‬والقول للإمام الطربي وعزاه البن عبا�س‪.‬‬
‫(‪( )16‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)33 - 32 :‬‬
‫(‪ )17‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)16 :‬‬
‫المجموعة األولى ‪ :‬اهلل ‪ -‬الرب ‪ -‬اإلله‬ ‫‪77‬‬

‫‪ æ‬ال َّر ُّب‪« :‬الذي يربينا بنعمه و�إح�سانه‪ ،‬وهو مالك ذواتنا ورقابنا و�أنف�سنا»(‪،)18‬‬
‫قال ابن جرير‪(« :‬ال َّر ُّب) ال�سيد الذي ال �شِ ْبه له‪ ,‬وال مثل فـي �س�ؤدده‪ ،‬والـم�صلـح‬
‫�أمر خـلقه بـما �أ�سبغ علـيهم من نعمه‪ ،‬والـمالك الذي له الـخـلق والأمر»(‪ ،)19‬ويقول‬
‫ابن القيم ‪-‬رحمه اهلل‪ }« :‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ{[الفاحتة‪ ,]2:‬ربوبيته للعامل‬
‫تت�ض َّمن ت�صرفه فيه‪ ،‬وتدبريه له‪ ،‬ونفاذ �أمره ك َّل وقتٍ فيه‪ ،‬وكونه معه ك َّل �ساع ٍة يف‬
‫�ش�أنٍ ‪ ،‬يخلق ويرزق‪ ،‬ويمُ يت و ُيحيي‪ ،‬ويخف�ض ويرفع‪ ،‬و ُيعطي ومينع‪ ،‬و ُي ِع ُّز و ُيذٍ ُّل‪،‬‬
‫و ُي�ص ِّرف الأمور مب�شيئته و�إرادته»(‪ .)20‬ويقول ال�شيخ ال�سعدي‪(« :‬ال َّر ُّب) املربي جميع‬
‫عباده بالتدبري و�أ�صناف النعم‪ ،‬و�أَ َخ ُّ�ص من هذا تربيته لأ�صفيائه ب�إ�صالح قلوبهم‬
‫و�أرواحهم‪ ،‬و�أخالقهم»(‪.)21‬‬
‫‪ æ‬الإِ َلهُ ‪« :‬املعبود املحبوب‪ ،‬الذي ال ت�صلح العبادة والذل واخل�ضوع واحلب �إال له»(‪،)22‬‬
‫قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪(« :‬الإِ َل ُه) هو امل�ألوه؛ �أي‪ :‬امل�ستحق لأن‬
‫ي�ؤله؛ �أي يعبد‪ ،‬وال ي�ستحق �أن ي�ؤله ويعبد �إال اهلل وحده‪ ،‬وكل معبود �سواه من لدن‬
‫عر�شه �إلى قرار �أر�ضه باطل»(‪ .)23‬ويقول ابن القيم‪(« :‬الإِ َل ُه) هو امل�ستحق ل�صفات‬
‫الكمال‪ ،‬املنعوت بنعوت اجلالل‪ ،‬وهو الذي ت�ألهه القلوب‪ ،‬وت�صمد �إليه باحلب‬
‫واخلوف والرجاء»(‪.)24‬‬
‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬
‫لإ َلهُ ‪ :‬باعتبار القول الأول يف لفظ اجلاللة (الل) �أنه ا�سم ٍ‬
‫علم غري م�شتق‬ ‫‪ æ‬اهلل ‪ -‬ا ِ‬
‫الإله) يتوجه �إلى �أن (الل) عل ٌم للذات املقد�سة املت�صفة بجميع‬
‫ف�إن الفرق بني (الل) و( ِ‬
‫(‪( )18‬بدائع الفوائد) البن القيم (جـ‪� - 4 :‬ص‪.)132 :‬‬
‫(‪( )19‬تف�سري الطربي) عند تف�سري (الفاحتة‪ -‬الآية‪.)2 :‬‬
‫(‪( )20‬ال�صواعق املر�سلة) البن القيم (جـ‪� - 4 :‬ص‪.)1223 :‬‬
‫(‪ )21‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)16 :‬‬
‫(‪( )22‬بدائع الفوائد) البن القيم (جـ‪� - 4 :‬ص‪.)132 :‬‬
‫(‪( )23‬جمموع فتاوى ابن تيمية) جمع عبدالرحمن القا�سم (جـ‪� - 13 :‬ص‪.)202 :‬‬
‫(‪�( )24‬شفاء العليل) البن القيم (جـ‪� - 2:‬ص‪.)830 :‬‬
‫‪78‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫�صفات الكمال‪ ،‬املنزهة عن جميع �صفات النق�ص‪ ،‬و(الإِله) هو امل�ألوه املعبود الذي َي ْ�أ َلهه كل‬
‫�شيء‪ ،‬قال تعالى‪} :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ{ [�ص‪.]65:‬‬
‫وباعتبار القول الثاين يف لفظ اجلاللة (الل) �أنه ا�سم م�شتق؛ ف�إن الفرق بني‬
‫الإله) يتوجه �إلى �أن �أ�صل و�ضع لفظ اجلاللة (الل) هو للمعبود الإله احلق؛ ولذا‬
‫(الل) و( ِ‬
‫مل يطلق يف جاهلية وال �إ�سالم على غري اخلالق ‪�-‬سبحانه‪ -‬وهو �أحد �أوجه تف�سري قوله تعالى‪:‬‬
‫} ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ{[مرمي‪ ،]65:‬واملعنى‪ :‬هل تعلم �أحد ًا ُي�سمى (الل) غري احلق تبارك‬
‫وتعالى؟!‪� ،‬أو يقال له (الل) �إال (الل) �سبحانه؟‪ ،‬و�أما (الإِله) ف�أ�صل و�ضعه ملطلق املعبود‪،‬‬
‫ولكنه ُخ َّ�ص باملعبود بحق‪ ،‬يقول اخلليلي‪�« :‬إذا �أُطلق ا�سم اجلاللة (الل) مل يتبادر �إلى ذهن‬
‫�أي �أحد ‪-‬من �أي ملة كان‪� -‬إال �أ َّن املراد به احلي الدائم خالق كل �شيء‪ ،‬و�أما (الإِله)‬
‫�ص يف الإِ�سالم باملعبود باحلق ‪�-‬سبحانه وتعالى‪-‬‬ ‫فهو يطلق على املعبود‪ ،‬و�إمنا ُخ َّ‬
‫ولذلك �إذا �أطلقه غري امل�سلم قد يتبادر �أن املراد به غري اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬واهلل ‪�-‬سبحانه‪-‬‬
‫قد حكى يف كتابه عن امل�شركني قولهم‪ } :‬ﮄ ﮅ ﮆ{[ ﭑ‪ ،]6:‬ومل يحك‬
‫عنهم ما يدل على �أنهم يطلقون ا�سم اجلاللة (الل) على غريه ‪-‬تعالى‪ -‬بل حكى‬
‫عنهم ما يدل على �أنهم يخ�صونه به ‪�-‬سبحانه‪ -‬فقد قال تعالى‪ } :‬ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ{[لقمان‪ ،]25:‬ويف هذا ما يدل على اختالف مفهوم‬
‫الكلمتني عندهم‪ ،‬فـ (ا ِلإله) هو املعبود و(الل) هو اخلالق القادر على كل �شيء‪ ،‬و�إمنا‬
‫انح�صر معنى (الإِله) عند امل�سلمني يف اهلل ‪�-‬سبحانه‪ -‬لأنه املعبود بحق‪ ،‬وكل ما يعبد‬
‫�سواه فهو معبود بباطل‪ ،‬وبهذا يت�ضح �أن (الإِله) معناه كلي ينح�صر يف فرد»(‪.)25‬‬
‫‪ æ‬اهلل والرب‪( :‬اللهّ و ِ‬
‫الإ َل ُه) هو امل�ستحق للعبادة‪ ،‬امل�ألوه الذي تعظمه القلوب‪ ،‬وتعبده‬
‫عن حمبة وتعظيم وطاعة وت�سليم‪ ،‬و�أما (ال َّر ُّب) فهو القائم باخللق والتدبري‪ ،‬يتكفل بخلق‬
‫املوجودات و�إن�شائها‪ ،‬ويقوم على هدايتها و�إ�صالحها وحفظها‪ ،‬قال الر�ضواين‪ « :‬وحقيقة‬
‫معنى الربوبية تقوم على ركنني كما قال ‪-‬تعالى‪ -‬عن مو�سى وهو يبني حقيقة‬
‫(‪ )25‬تف�سري (جواهر التف�سري) للخليلي (الآية‪� - 2:‬سورة الفاحتة)‪.‬‬
‫المجموعة األولى ‪ :‬اهلل ‪ -‬الرب ‪ -‬اإلله‬ ‫‪79‬‬

‫الربوبية لفرعون‪ } :‬ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ‬


‫ﰖ{[طه‪ ،]50-49:‬ف�أجاب عن الربوبية بح�صر معانيها يف معنيني جامعني‪:‬‬
‫الأول‪� :‬إفراد اهلل بتخليق الأ�شياء وتكوينها و�إن�شائها من العدم‪ ،‬حيث �أعطى‬
‫كل �شيء خلقه وكمال وجوده‪.‬‬
‫والثاين‪� :‬إفراد اهلل بتدبري الأمر يف خلقه‪ ،‬كهدايتهم والقيام على �ش�ؤونهم‬
‫وت�صريف �أحوالهم والعناية بهم»(‪.)26‬‬
‫يقول ابن القيم‪�« :‬صفات اجلالل واجلمال �أخ�ص با�سم (الل)‪ ،‬و�صفات الفعل‬
‫والقدرة‪ ،‬والتفرد بال�ضر والنفع‪ ،‬والعطاء واملنع‪ ،‬ونفوذ امل�شيئة وكمال القوة‬
‫وتدبري �أمر اخلليقة �أخ�ص با�سم (ال َّر ّب) ‪ ..‬وا�سم (ال َّر ّب) له اجلمع اجلامع جلميع‬
‫املخلوقات؛ فهو رب كل �شيء وخالقه والقادر عليه‪ ،‬ال يخرج �شيء عن ربوبيته‪،‬‬
‫وكل من يف ال�سماوات والأر�ض عبد له يف قب�ضته وحتت قهره‪ ،‬فاجتمعوا ب�صفة‬
‫الربوبية‪ ،‬وافرتقوا ب�صفة الإلهية‪ ،‬ف�أ َّلهه وحده ال�سعداء‪ ،‬و�أقروا له طوعاً ب�أنه‬
‫اهلل الذي ال �إله �إال هو‪ ،‬الذي ال تنبغي العبادة والتوكل والرجاء واخلوف واحلب‬
‫والإنابة والإخبات واخل�شية والتذلل واخل�ضوع �إ َّال له‪ ،‬وهنا افرتق النا�س‪ ،‬و�صاروا‬
‫فريقني‪ :‬فريقاً م�شركني يف ال�سعري‪ ،‬وفريقاً موحدين يف اجلنة‪ ،‬فالإلهية هي التي‬
‫فرقتهم كما �أ َّن الربوبية هي التي جمعتهم»(‪ ،)27‬ولعل ذلك يف�سر احلكمة يف جميء‬
‫مع عر�ش ملكة �سب�أ‪ } :‬ﮜ‬ ‫ا�سم (ال َّر ّب) يف قوله ‪-‬تعالى‪ -‬حكاية عن ق�صة �سليمان‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ{[النمل‪ ،]40:‬بينما جاء ا�سم (اهلل) يف قوله �سبحانه‬
‫عن لقمان وما �آتاه من احلكمة‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ{[لقمان‪ ،]12:‬ف�أتى يف الأولى با�سم‬
‫(ال َّر ّب) ملنا�سبته مو�ضوع الآية يف كمال القدرة والقوة يف نقل هذا العر�ش العظيم يف �أقل‬
‫(‪�( )26‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)692:‬الرب)‬
‫(‪( )27‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ ‪� :1‬ص‪.)44 - 42 :‬‬
‫‪80‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫من ملح الب�صر من اليمن �إلى فل�سطني‪ ،‬بينما يف الآية الثانية كان احلديث عن احلكمة‬
‫والعلم والهداية‪ ،‬فكان من املنا�سب الإتيان با�سم اجلاللة (الل)‪.‬‬
‫و�أ�سماء (اللهّ والإله) مع ا�سم (ال َّر ّب) من الأ�سماء التي جتتمع معانيها عند‬
‫االفرتاق‪ ،‬وتفرتق عند االجتماع‪ ،‬بحيث «�إذا اجتمع (ال َّر ُّب) و (الإل ُه) يف مو�ضع ون�ص‬
‫واحد ف�إنهما يفرتقان يف املعنى؛ حيث يتوجه معنى (ال َّر ُّب) �إلى املالك املت�صرف القادر‬
‫اخلالق املحيي املميت املتفرد بخ�صائ�ص الربوبية‪ ،‬و(الإله) يتوجه �إلى املعبود امل�ألوه‬
‫الذي يجب �أن يوحده العباد ب�أفعالهم‪� ،‬أما �إذا افرتقا حيث ذكر كل منهما يف مو�ضع‬
‫ف�إنهما يجتمعان بحيث يدل �أحدهما على معناه كما يت�ضمن معنى الآخر»(‪.)28‬‬
‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬
‫‪ æ‬اهلل والإله‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سميه ‪�-‬سبحانه‪( -‬اللهّ والإِ َل ُه) «�صفة (الإِ َل ِه َّي ُة‬
‫والأُ ُلوهِ َّي ُة) وهي من �صفات اهلل الثابتة بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)29‬قال تعالى‪ } :‬ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ{[البقرة‪،]133:‬‬
‫ومن ال�سنة دعا�ؤه ‪ ..( :¤‬فاغفر يل ما قدمت وما �أخرت‪ ،‬وما �أ�سررت وما �أعلنت‪� ،‬أنت‬
‫�إلهي‪ ،‬ال �إله �إال �أنت)(‪« ،)30‬وا�سما (اللهّ والإله) دال على �صفة من �صفات الذات»(‪.)31‬‬
‫‪ æ‬ال َّر ُّب‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه‪( -‬ال َّر ّب) «�صفة (ال ُّر ُبو ِب َّي ُة) وهي‬
‫من �صفات اهلل الذاتية الثابتة بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)32‬قال تعالى‪} :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰ ﭱ{[هود‪ ،]56:‬ومن ال�سنة ق�صة الغالم امل�ؤمن وفيه قوله ‪..( :¤‬ف�سمع جلي�س‬
‫للملك كان قد عمي‪ ،‬ف�أتاه بهدايا كثرية‪ ،‬فقال‪ :‬ما ههنا لك �أجمع‪� ،‬إن �أنت �شفيتني‪.‬‬
‫فقال‪� :‬إين ال �أ�شفي �أحدا! �إمنا ي�شفي اهلل‪ .‬ف�إن �أنت �آمنت باهلل؛ دعوت اهلل ف�شفاك‪،‬‬
‫ف�آمن باهلل‪ ،‬ف�شفاه اهلل‪ ،‬ف�أتى امللك فجل�س �إليه كما كان يجل�س‪ ،‬فقال له املل ـ ــك‪ :‬من‬
‫(‪( )28‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪.)95:‬‬
‫(‪�( )29‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)56:‬‬
‫(‪ )30‬رواه البخاري برقم (‪.)7499‬‬
‫(‪�( )31‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)701:‬الإله)‪.‬‬
‫(‪�( )32‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)122:‬‬
‫المجموعة األولى ‪ :‬اهلل ‪ -‬الرب ‪ -‬اإلله‬ ‫‪81‬‬

‫ر ّد عليك ب�صرك؟ قال‪ :‬ربي‪ .‬قال‪ :‬ولـــك رب غريي؟! قـ ــال‪ :‬ربي وربك اهلل ‪.)33()..‬‬
‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬
‫‪ æ‬اقرتان معظم �أ�سماء اهلل احل�سنى مع ا�سم (اهلل)‬
‫اقرتنت معظم �أ�سماء اهلل احل�سنى مع ا�سميه ‪�-‬سبحانه‪( -‬الل) و (الإِ َله)‪ ،‬و�سر ذلك‬
‫‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬للإ�شارة �إلى �أن الألوهية م�ستلزمة جلميع معاين الأ�سماء احل�سنى‪ ،‬ودالة عليها‬
‫بالإجمال‪ ،‬يقول اهلل تعالى‪ } :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ{[طه‪ ،]8:‬وقال تعالى‪:‬‬
‫}ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ{[البقرة‪ ،]255:‬وقال تعالى‪} :‬ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ‬
‫ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ{[البقرة‪ ،]163:‬وقال تعالى‪} :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ{[�آل عمران‪ ،]6:‬وقال تعالى‪} :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ{[�ص‪ ،]65:‬وقال تعالى‪} :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡ{[احل�شر‪ .]23:‬يقول ابن القيم‪« :‬ا�سم (الل) دال على جميع الأ�سماء‬
‫احل�سنى وال�صفات العليا ‪ ..‬ولهذا ي�ضيف اهلل ‪-‬تعالى‪� -‬سائر الأ�سماء احل�سنى �إلى هذا‬
‫اال�سم العظيم كقوله تعالى‪ } :‬ﭳ ﭴ ﭵ{[الأعراف‪ ]180:‬ويقال‪( :‬الرحمن‬
‫والرحيم والقدو�س وال�سالم والعزيز واحلكيم) من �أ�سماء (الل)‪ ،‬وال يقال‪( :‬الل) من‬
‫�أ�سماء (الرحمن) وال من �أ�سماء (العزيز) ونحو ذلك‪َ .‬ف ُع ِل َم �أن ا�سمه (الل) م�ستلزم‬
‫جلميع معاين الأ�سماء احل�سنى‪ ،‬دال عليها بالإجمال‪ ،‬والأ�سماء احل�سنى تف�صيل وتبيني‬
‫ل�صفات الإلهية التي ا�شتق منها ا�سم (الل)‪ ،‬وا�سم (الل) دال على كونه م�ألوها معبوداً‪،‬‬
‫ت�ألهه اخلالئق حمبة وتعظيما وخ�ضوعا‪ ،‬وفزعا �إليه يف احلوائج والنوائب»(‪.)34‬‬
‫‪ æ‬اقرتان معظم �أ�سماء اهلل احل�سنى مع ا�سم (ال َّر ّب)‬
‫اقرتن مع ا�سم اهلل (ال َّر ّب) معظم �أ�سماء اهلل احل�سنى‪� ،‬إذ �إن من �صفات الرب‬
‫(‪ )33‬رواه م�سلم برقم (‪.)3005‬‬
‫(‪( )34‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ ‪� :1‬ص‪.)41 :‬‬
‫‪82‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪�-‬سبحانه‪ -‬كونه قاد ًرا‪ ،‬خال ًقا‪ ،‬بار ًئا‪ ،‬م�صو ًرا‪ ،‬ح ًيا‪ ،‬قيو ًما‪ ،‬علي ًما‪� ،‬سمي ًعا‪ ،‬ب�ص ًريا‪،‬‬
‫ميا‪ ،‬معط ًيا‪� ،‬إلى غريها من ال�صفات‪ ،‬فمن ذلك قوله تعالى‪ } :‬ﰗ‬ ‫حم�س ًنا‪ ،‬جوادًا‪ ،‬كر ً‬
‫ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ{[الأنعام‪ ،]165:‬وقوله تعالى‪ } :‬ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟﭠ{[الأنعام‪ ،]133:‬وقوله تعالى‪ } :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜ{[يو�سف‪ ،]100:‬وقوله تعالى‪ }:‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ{[هود‪ ،]66:‬وقوله‬
‫تعالى‪} :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ{[احلجر‪ ،]86:‬وقوله تعالى‪ } :‬ﰆ ﰇ ﰈ‬
‫ﰉ ﰊ ﰋ{[الإ�سراء‪ ،]17:‬وقوله تعالى‪ } :‬ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ{[�ص‪ ،]9:‬وقوله تعالى‪ } :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ{[االنفطار‪ ،]6:‬وقوله‬
‫تعالى‪} :‬ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ{[الدخان‪ ،]6:‬وغريها من الآيات‪ .‬واملت�أمل‬
‫يف معاين هذه الأ�سماء‪ ،‬يجد �أنها من م�ستلزمات الربوبية‪ ،‬القائمة على اخللق والتدبري‪ ،‬ويف‬
‫ذلك يقول ال�شيخ عبدالعزيز اجلليل‪« :‬من �أخ�ص �صفات (ال َّر ّب) الرحمة والر�أفة‬
‫بعباده‪ ،‬و�أنها من موجبات ربوبيته‪ .‬ومن ذلك تربيته لعباده‪ ،‬و�إنعامه عليهم‪ ،‬و�إر�ساله‬
‫الر�سل �إليهم و�إنذارهم وتب�شريهم‪ .‬وهذه هي من لوازم الرتبية العامة‪ ،‬و�أما الرتبية‬
‫اخلا�صة من اهلل لأوليائه بتوفيقهم‪ ،‬وحفظهم‪ ،‬ورعايتهم‪ ،‬وتربيتهم‪ .‬فالرحمة‪،‬‬
‫والر�أفة‪ ،‬واملغفرة وا�ضحة جلية يف ذلك ‪-‬واهلل �أعلم»(‪.)35‬‬
‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية للإميان بهذه الأ�سماء ومقت�ضياتها العملية‪:‬‬
‫‪ æ‬الأثر العلمي االعتقادي‪:‬‬
‫اهلل – �سبحانه وتعالى – ذو الألوهية على اخللق �أجمعني‪ ،‬فهو امل�ستحق للعبادة وحده‬
‫دون غريه‪ ،‬امل�ألوه الذي تعظمه القلوب‪ ،‬وتخ�ضع له وتعبده‪ ،‬عن حمبة وتعظيم‪ ،‬وطاعة وت�سليم‬
‫ملا ات�صف به من ال�صفات العلى والأ�سماء احل�سنى‪ ،‬وهو (ال َّر ُّب) املتكفل بخلق املوجودات‬
‫و�إن�شائها‪ ،‬املدبر لها والقائم على هدايتها و�إ�صالحها‪ ،‬وهو املربي لأوليائه‪ ،‬املوفقهم للإميان‬
‫به‪ ،‬الذي يحفظهم وين�صرهم ويدفع عنهم ال�صوارف والعوائق احلائلة بينهم وبينه‪.‬‬
‫(‪( )35‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪.)103-102 :‬‬
‫المجموعة األولى ‪ :‬اهلل ‪ -‬الرب ‪ -‬اإلله‬ ‫‪83‬‬

‫‪ æ‬الآثار العملية‪:‬‬
‫‪ -1‬الإقرار ب�ألوهية وربوبية اهلل يقت�ضي وي�ستلزم توحيد اهلل ب�أفعاله‪ ،‬وتوحيده‬
‫ب�أفعال العباد‪� ،‬إذ �إن اخلالق لهذا الكون وما فيه‪ ،‬واملت�صرف فيه بالإحياء‪ ،‬والإماتة‪،‬‬
‫واخللق‪ ،‬والرزق‪ ،‬والتدبري‪ ،‬هو امل�ستحق للعبادة وحـده‪� ،‬إذ كيف ُيعبد خملوق �ضعيف‪،‬‬
‫و ُيجعل ندً ا هلل ‪-‬تعالى‪ -‬يف املحبة والتعظيم والعبادة وهو مل َي ْخ ُلق؟!‪ ،‬وال ميلك لنف�سه تدب ًريا‬
‫ف�ض ًال عن �أن ميلكه لغريه!‪ ..‬وهـذا ما احتج اهلل به على امل�شركني الذين �أقروا بربوبيته‬
‫‪�-‬سبحانه‪ -‬ولكنهم مل يعبدوه وحده‪ ،‬قال تعالى‪} :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ{[الزمر‪.]38 :‬‬
‫‪ -2‬حمبة اهلل حمبة عظيمة تتقدم على حمبة النف�س‪ ،‬والأهل‪ ،‬والولد‪ ،‬والدنيا‬
‫جمي ًعا؛ لأنه امل�ألوه املعبود وحده‪ ،‬الذي يربي عباده وينقلهم من طور �إلى طور‪ ،‬وينعم عليهم‬
‫مبا يقيم حياتهم ومعا�شهم‪ ،‬وهذا ي�ستلزم حمبة من يحبه اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬وما يحبه‪ ،‬وبغ�ض‬
‫ما يبغ�ضه ‪�-‬سبحانه‪ -‬ومن يبغ�ضه‪ ،‬واملواالة واملعاداة فيه‪ ،‬وامل�سارعة يف مر�ضاته‪ ،‬وتعظيمه‬
‫و�إجالله و�شكره وحمده احلمد الالئق بجالله وعظمته و�سلطانه و�إنعامه‪.‬‬
‫‪ -3‬التوكل على اهلل ‪�-‬سبحانه‪ -‬يف جلب املنافع‪ ،‬ودفع امل�ضار‪ ،‬ويف ت�صريف جميع �أموره‪،‬‬
‫فال يتعلق �إال باهلل ‪-‬تعالى‪ -‬وال يرجو �إال هو‪ ،‬وال يخاف �إال منه ‪�-‬سبحانه‪� -‬إذ كيف يتعلق مبخلوق‬
‫�ضعيف مثله‪ ،‬ال ميلك لنف�سه نف ًعا وال �ض ًرا وال مو ًتا وال حياة وال ن�شو ًرا‪ .‬ف�ض ًال عن �أن ميلكه لغريه؟‪.‬‬
‫‪ -4‬ال�شـعور بالعـزة به ‪�-‬سـبحانه‪ -‬والتعلق به وحده‪ ،‬و�سقوط اخلوف والهيبة من‬
‫اخللق والتعلق بهم؛ فهـو اهلل ‪�-‬سـبحانه‪ -‬رب كل �شيء وخالقه‪ ،‬ورازق كل حي‪ ،‬وهو املدبر‬
‫لكـل �شيء‪ ،‬والقاهـر لكل �شيء‪ ،‬فال ُيعـتز �إال به‪ ،‬وال ُيتوكل �إال عليه‪ ،‬وال ُيل ِتج�أ وال ُيت�ضرع �إال‬
‫�إليه‪ ،‬وكلما عرف العبد �إلهه وربه ب�أ�سمائه و�صفاته �أ ّث َر هذا يف دعائه‪ ،‬وقوة رجائه‪ ،‬وجلوئه‪،‬‬
‫وت�ضرعه لربه ‪�-‬سبحانه‪ ،‬والوثوق بكفايته ‪�-‬سبحانه‪ -‬وقدرته على ق�ضاء حوائج عباده‪.‬‬
‫‪84‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪ -5‬طم�أنينة القلب و�سعادته و�أن�سه باهلل وحده‪ ،‬ويف ذلك يقول �شيخ الإ�سالم ابن‬
‫تيمية رحمه اهلل تعالى‪« :‬ف�إن اللذة والفرحة وال�سرور وطيب الوقت والنعيم الذي ال‬
‫ميكن التعبري عنه‪� ،‬إمنا هو يف معرفة اهلل ‪� -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬وتوحيده والإميان‬
‫به‪ ،‬وانفتاح احلقائق الإميانية واملعارف القر�آنية‪ ،‬كما قال بع�ض ال�شيوخ‪ :‬لقد‬
‫كنت يف حال �أقول فيها‪� :‬إن كان �أهل اجلنة يف هذه احلال �إنهم لفي عي�ش طيب‪،‬‬
‫وقال �آخر‏‪:‬‏ لتمر على القلب �أوقات يرق�ص فيها طرباً‪ ،‬ولي�س يف الدنيا نعيم ي�شبه‬
‫نعيم الآخرة �إال نعيم الإميان واملعرفة‏ ‪ ..‬ولي�س للقلوب �سرور‪ ،‬وال لذة تامة‪� ،‬إال‬
‫ت َّكن حمبته �إال بالإعرا�ض عن كل‬ ‫يف حمبة اهلل‪ ،‬والتقرب �إليه مبا يحبه‪ ،‬وال مُ َ‬
‫حمبوب �سواه‪ ،‬وهذه حقيقة ال �إله �إال اهلل»(‪.)36‬‬
‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫(اهلل ‪ -‬الإِ َلهُ ‪ -‬ال َّر ُّب) من �أ�سماء الذات الدالة على �صفات اهلل الذاتية (الإِ َل ِه َّي ُة‬
‫والأُ ُل ِ‬
‫وه َّي ُة وال ُّر ُبو ِب َّي ُة)‪ ،‬وهي �صفات جامعة لكل معاين الأ�سماء احل�سنى وال�صفات الإلهية العلى؛‬
‫ولذا اقرتن بهذه الأ�سماء الثالثة العظيمة عامة الأذكار والأدعية امل�أثورة؛ فالتهليل والتكبري‬
‫والتحميد والت�سبيح واحلوقلة واحل�سبلة واال�سرتجاع والب�سملة وغريها من الأذكار مقرتنة‬
‫بهذه الأ�سماء غري منفكة عنها ‪ ..‬يقول ابن القيم عن ا�سم (اهلل) ‪« :‬فما ذكر هذا اال�سم يف‬
‫كثه‪ ،‬وال عند خوف �إال �أزاله‪ ،‬وال عند كرب �إال ك�شفه‪ ،‬وال عند َغ ٍم وه ٍَم‬ ‫قليل �إال رّ‬
‫و�سعه‪ ،‬وال تعلق به �ضعيف �إال �أفاده القوة‪ ،‬وال ذليل �إال‬‫�إال ف َّرجه‪ ،‬وال عند �ضيق �إال َّ‬
‫�أناله العز‪ ،‬وال فقري �إال �صريه غنيا‪ ،‬وال م�ستوح�ش �إال �آن�سه‪ ،‬وال مغلوب �إال �أيده‬
‫ون�صره‪ ،‬وال م�ضطر �إال ك�شف �ضره‪ ،‬وال �شريد �إال �آواه‪ ،‬فهو اال�سم الذي تك�شف‬
‫به الكربات‪ ،‬وت�ستنزل به الربكات والدعوات‪ ،‬وتقال به العرثات‪ ،‬وت�ستدفع به‬
‫ال�سيئات‪ ،‬وت�ستجلب به احل�سنات ‪ ،)37(»..‬ويقول ال�شيخ ال�سعدي‪(« :‬الرب) هو املربي‬
‫جميع عباده بالتدبري و�أ�صناف النعم‪ .‬و�أَ َخ ُّ�ص من هذا تربيته لأ�صفيائه ب�إ�صالح‬
‫(‪ )36‬جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية (املجلد‪� - 28 :‬ص‪.)32 - 31 :‬‬
‫(‪� )37‬أورده ال�شيخ �سليمان بن عبداهلل يف كتابه (تي�سري العزيز احلميد)(�ص‪ )15 - 14 :‬ومل �أجده فيما بني يدي من م�ؤلفات ابن القيم‪.‬‬
‫المجموعة األولى ‪ :‬اهلل ‪ -‬الرب ‪ -‬اإلله‬ ‫‪85‬‬

‫قلوبهم و�أرواحهم‪ ،‬و�أخالقهم؛ ولهذا كرث دعا�ؤهم له بهذا اال�سم اجلليل؛ لأنهم‬
‫يطلبون منه هذه الرتبية اخلا�صة»(‪ ،)38‬ومن �أمثلة هذه الأدعية قوله ‪-‬تعالى‪ -‬عن‬
‫‪ } :‬ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ ﭗﭘﭙﭚ‬ ‫�أبوينا (�آدم وحواء)‬
‫ﭛ ﭜ{[الأعراف‪ ،]23:‬وقوله تعالى عن نوح ‪} :‬ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ‬
‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ{ [نوح‪ ،]28:‬وقوله‬
‫تعالى عـ ــن مو�سى ‪} :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ‬
‫‪ } :‬ﭑﭒﭓﭔ‬ ‫ﮆ ﮇ{[الأعراف‪ ،]151:‬وقوله عن عي�سى‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ{[املائدة‪ ]114:‬وقوله تعالى عن يو�سف ‪} :‬ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ{[يو�سف‪ ،]33:‬وغريها من الآيات‪.‬‬
‫و�أما ال�سنة النبوية فقلما يخلو ذكر م�أثور �أو دعاء جامع من هذه الأ�سماء‪ ،‬ولذا‬
‫ُع َّد ْت هذه الأ�سماء الثالثة �أ�شهر �أ�سمائه و�أعالها حم ًال يف جوامع الكلم والذكر‬
‫والدعاء عنه ‪ ،¤‬ولعلنا نكتفي بحديث �سيد اال�ستغفار‪ ،‬يف قوله ‪�( :¤‬سيد اال�ستغفار‬
‫�أن تقول‪ :‬اللهم �أنت ربي ال �إله �إال �أنت‪ ،‬خلقتني و�أنا عبدك‪ ،‬و�أنا على عهدك‬
‫ووعدك ما ا�ستطعت‪� ،‬أعوذ بك من �شر ما �صنعت‪� ،‬أبوء لك بنعمتك علي‪ ،‬و�أبوء‬
‫لك بذنبي فاغفر يل‪ ،‬ف�إنه ال يغفر الذنوب �إال �أنت‪ .‬قال‪ :‬ومن قالها من النهار‬
‫موقنا بها‪ ،‬فمات من يومه قبل �أن مي�سي‪ ،‬فهو من �أهل اجلنة‪ ،‬ومن قالها من الليل‬
‫وهو موقن بها‪ ،‬فمات قبل �أن ي�صبح‪ ،‬فهو من �أهل اجلنة)(‪.)39‬‬

‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬


‫‪ æ‬عن �أن�س بن مالك ‹ قال‪ُ :‬نهينا �أن ن�س�أل ر�سول اهلل ‪ ¤‬عن �شيء‪ ،‬فكان يعجبنا‬
‫�أن يجيء الرجل من �أهل البادية العاقل في�س�أله ونحن ن�سمع!‪ ،‬فجاء رجل من �أهل البادية‪،‬‬
‫(‪ )38‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)16 :‬‬
‫(‪ )39‬رواه البخاري برقم (‪.)6306‬‬
‫‪86‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫فقال‪ :‬يا حممد‪� ،‬أتانا ر�سولك‪ ،‬فزعم لنا �أنك تزعم �أن (الل) �أر�سلك‪ .‬قال‪�( :‬صدق)‪ .‬قال‪:‬‬
‫فمن خلق ال�سماء؟ قال‪( :‬الل)‪ .‬قال‪ :‬فمن خلق الأر�ض؟ قال‪( :‬الل)‪ .‬قال‪ :‬فمن ن�صب‬
‫هذه اجلبال‪ ،‬وجعل فيها ما جعل؟ قال‪( :‬الل)‪ .‬قال‪ :‬فبالذي خلق ال�سماء‪ ،‬وخلق الأر�ض‪،‬‬
‫ون�صب هذه اجلبال‪ ،‬اللهّ �أر�سلك؟! قال‪( :‬نعم)‪ .‬قال‪ :‬وزعم ر�سولك �أن علينا خم�س �صلوات‬
‫يف يومنا وليلتنا؟ قال‪�( :‬صدق)‪ ،‬قال‪ :‬فبالذي �أر�سلك‪ ،‬الل �أمرك بهذا؟ قال‪( :‬نعم)‪ .‬قال‪:‬‬
‫وزعم ر�سولك �أن علينا زكاة �أموالنا؟ قال‪�( :‬صدق)‪ .‬قال‪ :‬فبالذي �أر�سلك‪ ،‬الل �أمرك بهذا؟‬
‫قال‪( :‬نعم)‪ .‬قال‪ :‬وزعم ر�سولك �أن علينا �صوم �شهر رم�ضان يف �سنتنا؟ قال‪�( :‬صدق)‪ .‬قال‪:‬‬
‫فبالذي �أر�سلك‪ ،‬الل �أمرك بهذا؟ قال‪( :‬نعم)‪ .‬قال‪ :‬وزعم ر�سولك �أن علينا حج البيت من‬
‫ا�ستطاع �إليه �سبيال؟ قال‪�( :‬صدق)‪ .‬قال‪ :‬ثم ولى‪ ،‬قال‪ :‬والذي بعثك باحلق‪ ،‬ال �أزيد عليهن‬
‫وال �أنق�ص منهن‪ .‬فقال النبي ‪( :¤‬لئن �صدق ليدخلن اجلنة)(‪.)40‬‬
‫ؤو�س اخلالئقِ يوم القيامةِ‪،‬‬ ‫‪ æ‬قال النبي ‪�( :¤‬إ َّن اهلل �س ُي َخ ِّل ُ�ص رجلاً من �أمتي على ر� ِ‬
‫كل �سج ٍّل مث ُل م ِّد الب�ص ِر‪ ،‬ثم يقول‪� :‬أتنك ُر من هذا‬ ‫�سجل‪ُّ ،‬‬
‫ني اًّ‬ ‫فين�ش ُر عليه ت�سع ًة وت�سع َ‬
‫ُ‬
‫�شي ًئا؟‪� ،‬أظلمك كتبتي احلافِظون؟‪ ،‬يقول‪ :‬ال يا ربِّ ‪ ،‬فيقول‪� :‬أفلَ َك عذر؟‪ ،‬فيقول‪ :‬ال يا ربِّ ‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬بلَى!‪� ،‬إ َّن لك عندنا ح�سن ًة‪ ،‬و�إ َّنه ال ُظلم عليك اليوم‪ ،‬فيخر ُج بطاق ًة فيها �أ�شهد �أن‬
‫ال �إله �إال اهلل‪ ،‬و�أ�شهد �أ َّن حممدًا عبدُه ور�سوله‪ ،‬فيقول‪ :‬اح�ضر وزنك فيقول يا ربِّ !‪ ،‬ما‬
‫ال�سجلاَّ ُت يف ك َّفة‪،‬‬ ‫ال�سجلاَّ ت؟ فقال‪ :‬ف�إ َّن َك ال ُتظلَ ُم‪ ،‬قال‪َ :‬‬
‫فتو�ض ُع ِّ‬ ‫هذه البطاق ُة مع هذه ِّ‬
‫ال�سجلاَّ ُت وث ُقلتِ البطاق ُة!‪ ،‬وال يثق ُل مع ا�س ِم اهلل �شي ٌء)(‪.)41‬‬
‫والبطاق ُة يف ك َّف ٍة فطا�شت ِّ‬
‫أمام‬
‫ر�سول اهلل‪َ � ¤‬‬‫بدَوي‪ ،‬فجل�س ُ‬ ‫�ضيف ٌّ‬‫‪ æ‬قال ثوبان ‹ مولى ر�سول اهلل ‪ « :¤‬نزل بنا ٌ‬
‫فرحهم بالإ�سال ِم؟‪ ،‬وكيف حدَ ُبهم(‪ )42‬على ال�صال ِة؟‪ ،‬فما‬ ‫النا�س‪ ،‬كيف ُ‬ ‫بيو ِته‪ ،‬فجعل ي�س�أ ُله عن ِ‬
‫هلل ‪َ ¤‬ن ِ�ضر ًا(‪ ،)43‬فلما انت�صف النها ُر‬ ‫زال ُيخ ُربه من ذلك بالذي َي�س ُّره حتى ر�أيتُ وج َه ِ‬
‫ر�سول ا ِ‬
‫(‪ )40‬رواه م�سلم برقم (‪.)12‬‬
‫(‪ )41‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)1776‬‬
‫(‪ )42‬حدَ ُبهم على ال�صال ِة‪ :‬حر�صهم عليها‪ ،‬وتعلقهم بها‪ ،‬ومالزمتهم لها‪.‬‬
‫(‪َ )43‬ن ِ�ضر ًا‪� :‬أي �أ�شرق وجهه ‪ ¤‬و�أ�سفر و�أ�ضاء بهج ًة و�سرورا وفرح ًا مبا �سمع‪.‬‬
‫المجموعة األولى ‪ :‬اهلل ‪ -‬الرب ‪ -‬اإلله‬ ‫‪87‬‬

‫هلل ‪� ¤‬ضي ًفا‪،‬‬ ‫لر�سول ا ِ‬


‫ِ‬ ‫َ‬
‫عائ�شة ف�أخبرِ ْ ها �أنَّ‬ ‫الطعام دعاين ُم�ستخف ًيا ال ي�ألو‪ِ � :‬أن ِ‬
‫ائت‬ ‫ِ‬ ‫وحان �أك ُل‬
‫احلق ما �أ�صبح يف يدي �شي ٌء ي�أك ُله �أح ٌد من ِ‬
‫النا�س!‪ ،‬فر َّدين �إلى‬ ‫فقالت‪ :‬والذي بعثه بال ُهدى ود ِي ِن ِّ‬
‫ر�سول اهلل ِ ‪ُ ¤‬خ ِ�س َف!‪ ،‬فقال‬ ‫ن�سا ِئه ك ِّلهنَ يعتذ ْرنَ مبا اعتذرتْ به عائ�ش ُة ‪ ،‬فر�أيت َبونَ (‪ِ )44‬‬
‫احل�ضر‪ ،‬ف�إمنا يكفي القب�ض ُة من الت ِ‬
‫َّمر‬ ‫ِ‬ ‫البدوي‪� :‬إنا �أه ُل البادي ِة ُمعا ُنونَ على زما ِننا‪ ،‬ل�سنا ب� ِ‬
‫أهل‬ ‫ُّ‬
‫�صب‪ ،‬فم َّرتْ عند ذلك َعن ٌز لنا قد اح ُت ِل َب ْت كنا ُن�س ِّميها‬ ‫اخل ُ‬ ‫ُي�ش َر ُب عليها من ا َّلل ِنب �أو املا ِء فذلك ِ‬
‫با�سم اهللِ‪،‬‬
‫مح ُم ف�أخذ ِبرج ِلها ِ‬ ‫أقبلت �إليه تحُ َ ِ‬
‫با�سمها‪ :‬ثم َرا ثم َرا!‪ ،‬ف� ْ‬ ‫هلل ‪ِ ¤‬‬ ‫ثم َرا َء فدعا ُ‬
‫ر�سول ا ِ‬
‫با�سم اهللِ‪ ،‬فح َف ْلت(‪ ،)45‬فدعاين ِمب ْح َل ٍب ف�أتي ُته به‪ ،‬فحلب‬ ‫با�سم اهللِ‪ ،‬ثم م�سح ُ�س َّر َتها ِ‬ ‫ثم اعت َقلها ِ‬
‫يف ف�شرب منه َ�شرب ٍة �ضخم ٍة‪ ،‬ثم �أراد �أن ي�ض َعه‪ ،‬فقال ُ‬
‫ر�سول‬ ‫ال�ض ِ‬‫با�سم اهللِ‪ ،‬فملأه فدفعه �إلى َّ‬
‫حلب‬‫هلل ‪ُ :¤‬عدْ !‪ ،‬ثم �أراد �أن ي�ض َعه‪ ،‬فقال له‪ُ :‬عدْ !‪ ،‬فك َّرره عليه حتى امتلأ و�شرب ما �شاء‪ ،‬ثم َ‬ ‫ا ِ‬
‫فحلب فيه با�سم اهللِ‪ ،‬ثم‬ ‫ف�شربت منه ما بدا بها �إليه‪َ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫عائ�شة هذا!‪،‬‬ ‫هلل وملأه‪ ،‬وقال‪� :‬أبل ْغ‬
‫با�سم ا ِ‬
‫�أر�س َلني به �إلى ن�سا ِئه‪ ،‬كلما �شربت امر�أة ردين �إلى الأخرى‪ ،‬وقال‪ :‬با�سم اهللِ‪ ،‬حتى ردهن كلهن‪،‬‬
‫هلل ف�شرب منه‬ ‫هلل فملأه‪ ،‬وقال‪ :‬ارفع � َّإلى‪ ،‬فرفع ُته �إليه‪ ،‬فقال‪ :‬با�سم ا ِ‬ ‫ثم ردد ُته �إليه فحلب با�سم ا ِ‬
‫اهلل‪ ،‬ثم �أعطاين‪ ،‬فلم � ُآل �أن �أ�ض َع �ش َف َتي على د َر ِج �شف ِته(‪ )46‬ف�شربتُ �شرا ًبا �أحلى من‬ ‫ما �شاء ُ‬
‫اللهم با ِر ْك لأه ِلها فيه)» (‪.)47‬‬
‫امل�سك ثم قال‪َّ ( :‬‬ ‫أطيب من ِ‬ ‫الع�سل و� َ‬‫ِ‬
‫النبي ‪ ¤‬فقال‪ :‬يا حممدُ ! ا�شتكيتَ ؟‪،‬‬ ‫ربيل َّ‬ ‫‪ æ‬عن �أبو �سعيد اخلدري ‹ قال‪� :‬أتى ِج ُ‬
‫ني‬
‫نف�س �أو ع ِ‬ ‫�شر كل ٍ‬ ‫ؤذيك‪ ،‬من ِّ‬ ‫�شيء ُي� َ‬ ‫كل ٍ‬ ‫أرقيك‪ ،‬من ِّ‬‫هلل � َ‬ ‫(با�سم ا ِ‬
‫ِ‬ ‫فقال‪( :‬نعم) قال‪:‬‬
‫هلل �أَ ْر ِق َ‬
‫يك)(‪.)48‬‬ ‫با�سم ا ِ‬ ‫َ‬
‫ي�شفيك‪ِ ،‬‬ ‫حا�سد‪ ،‬اهلل‬
‫ٍ‬
‫‪ æ‬قال النبي ‪( :¤‬ملا كانت الليلة التي �أُ ْ�س ِريَ بي فيها‪� ،‬أتت ع َل َّي رائحة َط ِّي َب ٌة‪،‬‬
‫ال�صدر ‪ ،‬وخ�سفها �أي هبوطها بعد خروج ال َن َف�س والهواء املحبو�س فيها ملدة‪ ،‬وهي �إ�شارة لل َت َنهُّدِ ب�سبب‬ ‫(‪ )44‬ال َبونَ ‪ْ � :‬أ�ضالع َّ‬
‫امل�شقة واحلرج لفقد ما ُيطعم به ال�ضيف‪ ،‬ويف رواية الآجري (حتى ر�أيت لون ر�سول اهلل ‪ُ ¤‬ك�سف) وهو ي�شري لنف�س املعنى يف‬
‫تغري اللون عند احلرج والهم‪.‬‬
‫(‪ )45‬ح َف ْلت‪� :‬أي امتلأ ال َّل ُ‬
‫نب يف َّ�ض ْرعها‪.‬‬
‫َ‬
‫(‪ )46‬درج �شفته‪� :‬أي مو�ضع �شفتيه ‪ ¤‬بعد �شربه من امل ِْحلب (القدح)‪.‬‬
‫(‪� )47‬أخرجه الآجرى يف (ال�شريعة) برقم (‪1048‬‏) وكذلك �أخرجه �أ�سلم بن �سهل الرزاز الوا�سطي املعروف بـ (بح�شل) يف‬
‫(تاريخ وا�سط) (�ص‪ )55 – 54 :‬و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة (جـ‪� – 4 :‬ص‪ – 625 :‬برقم‪.)1977 :‬‬
‫(‪ )48‬رواه م�سلم برقم (‪.)2186‬‬
‫‪88‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ا�ش َط ِة ا ْب َن ِة فرعون‬ ‫بة؟‪ ،‬فقال‪ :‬هذه رائحة‏‏ َم ِ‬ ‫الط ِّي ُ‬


‫فقلت‪ :‬يا جربيل! ما هذه ال َّرائحة َّ‬
‫و�أوالدها‪ ،‬قلت‪ :‬وما �ش�أنها؟‪ ،‬قال‪َ :‬ب ْي َنا هي تمُ َ ِّ�ش ُط ابنة فرعون ذات يوم‪� ،‬إذ �سقطت‬
‫المْ ِدْ َرى(‪ )49‬من َيدَ ْي َها‪ ،‬فقالت‪ِ :‬ب ْ�س ِم اهلل‪ ،‬فقالت لها ابنة فرعون‪� :‬أبي؟ قالت‪ :‬ال!‪ ،‬ولكن ربي‬
‫ورب �أبيك‪ :‬اهلل‪ ،‬قالت‪� :‬أُ ْخبرِ ُ ُه بذلك؟ قالت‪ :‬نعم!‪ ،‬ف�أخربته‪ ،‬فدعاها‪ ،‬فقال‪ :‬يا فالنة‪ ،‬و�إنَّ‬
‫َل ِك َر ًّبا غريي؟!‪ ،‬قالت‪ :‬نعم‪ ،‬ربي وربك اهلل!‪ ،‬ف�أمر ِب َب َق َر ٍة(‪ )50‬من ُنحا�س‪َ ،‬ف�أُ ْح ِم َيتْ ‪،‬‬
‫ثم �أمر بها �أن ‏ ُت ْل َقى هي و�أوالدها فيها!‪ ،‬قالت له‪� :‬إن يل �إليك حاجة‪ ،‬قال‪ :‬وما‬
‫حاج ُتك؟ قالت‪� :‬أُ ِح ُّب �أن جتمع ِع َظا ِمي َو ِع َظا َم َو َل ِدي يف ثوب واحد َو َت ْد ِف َن َنا‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫َ‬
‫ذلك َل ِك علينا من الحْ َ قِّ !‪ ،‬قال‪ :‬ف�أمر ب�أوالدها َف�أُ ْل ُقوا بني يديها؛ واحد ًا واحد ًا‪� ،‬إلى‬
‫اق َت ِحمِي؛‬ ‫�أن انتهى ذلك �إلى َ�ص ِب ٍّي لها ُم ْر َ�ض ٍع‪ ،‬وك�أنها تقاع�ست من �أجله‪ ،‬قال‪ :‬يا �أُ َّمهْ ‪ْ ،‬‬
‫الد ْن َيا �أَ ْه َونُ من عذاب الآخرة‪َ ،‬ف ْاق َت َح َم ْت)(‪.)51‬‬
‫ف�إن عذاب ُّ‬
‫‪ æ‬قال تعالى‪} :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬
‫ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ{[طه‪ ،]73-72 :‬قال ابن عبا�س‪« :‬كانت ال�سحرة �سبعني رجال‪،‬‬
‫�أ�صبحوا �سحرة و�أم�سوا �شهداء!‪ ،‬ويف لفظ‪ :‬كانوا �سحرة يف �أول النهار و�شهداء �آخر النهار‬
‫حني قتلوا»(‪ .)52‬ورُويَ �أن احل�سن الب�صري كان �إذا بلغ �إلى هذه الآية قال‪« :‬عجبا لقوم كافرين‬
‫خ�شب على �شكل �أ�سنان امل�شط ُي�س َّوى و ُي�س َّرح به �شعر ال َّر�أ�س‪.‬‬ ‫(‪ )49‬امل ِْد َرى‪� :‬أداة تُ�صنع من حديدٍ �أو ٍ‬
‫ف�سميت بذلك (النهاية‬ ‫(‪)50‬ب َب َقرة من ُنحا�س‪ :‬م�أخوذ من التَّب ُّقر‪� :‬أي التو�سع‪� ،‬أي ِقدرا كبري ًة وا�سعة تَ�س ُع ب َقرة تا َّمة ِبتَوا ِب ِلها ِّ‬
‫يف غريب احلديث والأثر البن الأثري (جـ‪� – 1:‬ص‪ ،)145:‬وعزاه للحافظ �أبي مو�سى الأ�صفهاين)‪.‬‬
‫(‪�)51‬أخرجه الإمام �أحمد يف «امل�سند« برقم (‪ ،)2747‬والطرباين يف «املعجم الكبري» برقم (‪ ،)12279‬وابن حبان يف‬
‫�صحيحه برقم (‪ ،)2903‬واحلاكم يف «امل�ستدرك» برقم (‪ ،)3793‬وقال عنه الذهبي‪« :‬حديث ح�سن الإ�سناد» ( كتاب«العلو«‬
‫�ص‪ ،)47-46:‬وقال ابن كثري‪�« :‬إ�سناده ال ب�أ�س به» (تف�سري ابن كثري‪ :‬الإ�سراء‪-‬الآية‪ ،)1:‬و�صحح �إ�سناده العالمة �أحمد �شاكر‬
‫يف تعليقه على امل�سند (برقم (‪ :)2822‬الطبعة الأولى ‪ -‬دار احلديث ‪-‬القاهرة ‪ 1416‬هـ)‪ ،‬وقال عنه الأرنا�ؤوط‪� « :‬إ�سناده‬
‫ح�سن‪ ،‬فقد �سمع حماد بن �سلمة من عطاء قبل االختالط عند جمع من الأئمة» (يف تخريجه للم�سند برقم (‪ :)2820‬الطبعة‬
‫الأولى ‪ -‬م�ؤ�س�سة الر�سالة ‪ 1421 -‬هـ)‪ ،‬و�ضعف الألباين احلديث يف («الإ�سراء واملعراج وذكر �أحاديثهما وتخريجها»‪� :‬ص‪:‬‬
‫‪ )80-78‬وقال عن احلديث‪(:‬فيه �ضعف الختالط عطاء بن ال�سائب)‪ ،‬ومل يتبني هل كانت الرواية عنه قبل اختالطه �أم بعده؛‬
‫فوجب التوقف فيه‪.‬‬
‫(‪ )52‬تف�سري ال�سيوطي (الدر املنثور يف التف�سري بامل�أثور) (جـ‪� – 3:‬ص‪ )513 :‬عند تف�سري �سورة (طه) الآيات (‪.)73 - 72‬‬
‫المجموعة األولى ‪ :‬اهلل ‪ -‬الرب ‪ -‬اإلله‬ ‫‪89‬‬

‫�سحرة‪ ،‬من �أ�شد ال َّنا�س كفرا‪ ،‬ر�سخ الإميان فيِ ُقلوبهم حني قالوا ما قالوا‪ ،‬ومل يبالوا بعذاب‬
‫فرعون‪ ،‬وترى الرجل من ه�ؤالء ي�صحب الإميان �س ِّتني �سنة‪ ،‬ثم يَبيع ُه ِبثمن ي�سري»(‪.)53‬‬
‫‪ æ‬قال �سفيان الثوري‪« :‬لي�س �شيء �أقطع لظهر �إبلي�س من قول‪ :‬ال �إله �إال اهلل»(‪.)54‬‬
‫‪ æ‬قال ابن رجب‪« :‬كان ب�شر بن احلايف يخطو يف داره‪ ،‬ويقول‪« :‬كفى بي ع ّزا �أين لك‬
‫رب»(‪.)55‬‬
‫عبد‪ ،‬وكفى بي فخرا �أنك يل ّ‬
‫‪ æ‬كان �أبو احل�سن الكان�شي يقول‪« :‬وعزتك وجاللك ما ع�صيتك ا�ستخفافاً بحقك‪،‬‬
‫وال جحوداً لربوبيتك‪ ،‬لكن ح�ضرين جهلي‪ ،‬وغاب عني حلمي‪ ،‬وا�ستفزين عدوي‪ ،‬و�إين‬
‫عليها يا �إلهي لنادم»(‪.)56‬‬
‫‪ æ‬قال ابن القيم‪ :‬قر�أ قارئ‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ{[التكوير‪ ]3-1:‬ويف احلا�ضرين �أبو الوفاء بن عقيل‪ ،‬فقال له قائل‪:‬‬
‫يا �سيدي‪ ،‬هب �أنه �أن�شر املوتى للبعث واحل�ساب‪ ،‬وزوج النفو�س بقرنائها بالثواب والعقاب‪،‬‬
‫فلم هدم الأبنية‪ ،‬و�سري اجلبال‪ ،‬ودك الأر�ض‪ ،‬وفطر ال�سماء‪ ،‬ونرث النجوم‪ ،‬وكور ال�شم�س؟!‪،‬‬
‫فقال �أبو الوفاء‪�« :‬إمنا بنى لهم الدار لل�سكنى والتمتع‪ ،‬وجعلها وجعل ما فيها لالعتبار‬
‫والتفكر واال�ستدالل عليه بح�سن الت�أمل والتذكر‪ ،‬فلما انق�ضت مدة ال�سكنى‪،‬‬
‫و�أجالهم من الدار‪ ،‬خربها النتقال ال�ساكن منها‪ ،‬ف�أراد �أن يعلمهم ب�أن الكون كان‬
‫معموراً بهم‪ ،‬ويف �إحالة الأحوال‪ ،‬و�إظهار تلك الأهوال‪ ،‬وبيان املقدرة بعد بيان العزة‪،‬‬
‫وتكذيب لأهل الإحلاد وزنادقة املنجمني وعباد الكواكب وال�شم�س والقمر والأوثان‪،‬‬
‫فيعلم الذين كفروا �أنهم كانوا كاذبني‪ ،‬ف�إذا ر�أوا �آلهتهم قد انهدمت‪ ،‬و�أن معبوداتهم‬
‫قد انترثت وانفطرت‪ ،‬وحمالها قد ت�شققت‪ ،‬ظهرت ف�ضائحهم‪ ،‬وتبني كذبهم‪،‬‬
‫وظهر �أن العامل مربوب حمدث مدبر‪ ،‬له رب ي�صرفه كيف ي�شاء‪ ،‬تكذيبا ملالحدة‬
‫(‪ )53‬تف�سري ال�سمعاين (جـ‪� – 3:‬ص‪)343 :‬عند تف�سري �سورة (طه) الآيات (‪.)73 - 72‬‬
‫(‪�( )54‬سري �أعالم النبالء) للإمام الذهبي (�ص‪ )1846 :‬يف ترجمة الإمام �سفيان الثوري‪.‬‬
‫(‪�()55‬شرح حديث لبيك اللهم لبيك) للحافظ ابن رجب احلنبلي (�ص‪.)67:‬‬
‫(‪()56‬الديباج املذهب يف معرفة �أعيان علماء املذهب) البن فرحون (جـ‪� - 1:‬ص‪.)327 :‬‬
‫‪90‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الفال�سفة؛ القائلني بال ِقدَم‪ ،‬فكم هلل ‪-‬تعالى‪ -‬من حكمة يف هدم هذه الدار‪ ،‬وداللة‬
‫على عظم عزته وقدرته و�سلطانه وانفراده بالربوبية‪ ،‬وانقياد املخلوقات ب�أ�سرها‬
‫لقهره‪ ،‬و�إذعانها مل�شيئته‪ ،‬فتبارك اهلل رب العاملني» (‪.)57‬‬
‫‪ æ‬خرج عمر بن ذر �إلى مكة‪ ،‬فلما اتى احلرم دعا‪« :‬اللهم �إنا قد �أطعناك يف �أحب‬
‫اال�شياء �إليك �أن تطاع فيه‪ :‬االميان بك واالقرار بك‪ ،‬ومل نع�صك يف �أبغ�ض اال�شياء‬
‫�أن ُتع�صى فيه‪ :‬الكفر واجلحد بك‪ ،‬اللهم فاغفر لنا بينهما‪ ،‬و�أنت قلت‪} :‬ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ{[النحل‪ ،]38:‬ونحن نق�سم باهلل جهد‬
‫ثن من ميوت!‪� ،‬أفرتاك جتمع بني �أهل الق�سمني يف دار واحدة؟»(‪.)58‬‬ ‫�أمياننا ل َت ْب َع َّ‬
‫‪ æ‬قال ابن تيمية‪« :‬فالقلب ال ي�صلح‪ ،‬وال يفلح‪ ،‬وال يلتذ‪ ،‬وال ُي�س ّر‪ ،‬وال يطيب‪،‬‬
‫وال ي�سكن‪ ،‬وال يطمئن‪� ،‬إال بعبادة ربه‪ ،‬وحبه والإنابة �إليه‏‪،‬‏ ولو ح�صل له كل ما‬
‫يلتذ به من املخلوقات مل يطمئن ومل ي�سكن‪� ،‬إذ فيه فقر ذاتي �إلى ربه‪ ،‬ومن حيث‬
‫هو معبوده وحمبوبه ومطلوبه‪ ،‬وبذلك يح�صل له الفرح وال�سرور واللذة والنعمة‬
‫وال�سكون والطم�أنينة»‏(‪.)59‬‬
‫‪ æ‬قال ابن القيم‪« :‬يف القلب خلة وفاقه ال ي�سدها �شيء البته �إال ذكر اهلل ‪ ،‬ف�إذا‬
‫�صار �شعار القلب بحيث يكون هو الذاكر بطريق الأ�صالة‪ ،‬والل�سان تبع له‪ ،‬فهذا‬
‫هو الذكر الذي ي�سد اخللة‪ ،‬و ُيفني الفاقة‪ ،‬فيكون �صاحبه غنيا بال مال‪ ،‬عزيزا بال‬
‫ع�شرية‪ ،‬مهيبا بال �سلطان»(‪ .)60‬وقال يف مو�ضع �آخر‪« :‬متى كان العبد باهلل‪ ،‬هانت‬
‫عليه امل�شاق‪ ،‬وانقلبت املخاوف يف حقه �أمانا‪ ،‬فباهلل يهون كل �صعب‪ ،‬وي�سهل كل‬
‫ع�سري‪ ،‬ويقرب كل بعيد‪ ،‬وباهلل تزول الأحزان والهموم والغموم‪ ،‬فال هم مع اهلل‪،‬‬
‫وال غم مع اهلل‪ ،‬وال حزن مع اهلل»(‪.)61‬‬
‫(‪( )57‬بدائع الفوائد) البن القيم (جـ‪� - 3 :‬ص‪.)189 :‬‬
‫(‪�()58‬سري �أعالم النبالء) للإمام الذهبي (�ص‪ )2900 :‬يف ترجمة الإمام الزاهد عمر بن ذر الكويف‪.‬‬
‫(‪( )59‬جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية (املجلد‪� – 10 :‬ص‪.)194:‬‬
‫(‪( )60‬الوابل ال�صيب) للإمام �أبن القيم (�ص‪ ،)92-91:‬عند حديثه عن فوائد الذكر (الفائدة الثامنة والثالثون)‪.‬‬
‫(‪( )61‬اجلواب الكايف ملن �س�أل عن الدواء ال�شايف) للإمام �أبن القيم (�ص‪.)222 :‬‬
‫المجموعة الثانية ‪ :‬الواحد ‪ -‬األحد ‪ -‬الوتر‬ ‫‪91‬‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ‪2‬ـــــــــة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ال َو ْحدَ ا ِن َّي ُة‬
‫(‪)6 - 5 - 4‬‬
‫تر‬
‫اح ُد ‪ -‬ال َأح ُد ‪ -‬ال ِو ُ‬ ‫ال َو ِ‬
‫‪92‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ‪2‬ـــــــــة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ال َو ْحدَ ا ِن َّي ُة‬
‫(‪)6 - 5 - 4‬‬
‫تر‬
‫احدُ ‪ -‬ال َأحدُ ‪ -‬ال ِو ُ‬ ‫ال َو ِ‬
‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫احدُ ‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 22‬مرة) منها قوله تعالى‪ }:‬ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ‬ ‫‪ æ‬ال َو ِ‬
‫ﯽ ﯾ{[غافر‪ ،]16:‬ويف ال�سنة ق�صة ال�صحابي الذي ق�ضى �صالته فقال‪« :‬الله َّم �إين‬
‫مل َي ُكن له ُكفواً �أح ٌد‬‫مل ُيول ْد و ْ‬
‫مل َيل ْد و ْ‬
‫ال�ص َم ُد الذِي ْ‬ ‫ألك َيا اهلل ب� َ‬
‫أنك الواحِ ُد الأح ُد َّ‬ ‫�أ�س� َ‬
‫الثا)(‪.)1‬‬ ‫قد ُغ ِف َر له ث َ‬
‫إنك �أنت الغفو ُر ال َّرحِ يم»‪ ,‬فقال النبي ‪ْ (:¤‬‬ ‫�أن تغ ِف َر يل ذنوبي‪َ � ،‬‬
‫‪ æ‬ال َأحدُ ‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة يف قوله تعالى‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ{‬
‫[الإخال�ص‪ ،]1:‬ويف ال�سنة ما جاء يف احلديث القد�سي‪ ..( :‬و�أما �شتمه �إياي فقوله اتخذ‬
‫اهلل ولدا‪ ،‬و�أنا الأحد ال�صمد‪ ،‬مل �ألد ومل �أولد‪ ،‬ومل يكن يل كفئا �أحد)(‪.)2‬‬
‫تر‪ :‬مل يرد ذكر هذا اال�سم الكرمي يف القر�آن العظيم‪ ،‬و�إمنا ورد يف ال�سنة‬ ‫‪ æ‬ال ِو ُ‬
‫واحدً ا‪َ ،‬‬
‫ال َي ْحفظ َها‬ ‫النبوية‪ ،‬يف قول النبي ‪( :¤‬هلل ِت�س َعة و ِت�س ُعون ا�س ًما؛ ِما َئة �إال ِ‬
‫وتر ُي ِح ُّب الوتر)(‪.)3‬‬ ‫�أحدٌ �إِال َدخل ا َ‬
‫جلنة‪ ،‬وهو ٌ‬

‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬


‫يوحد‬ ‫احدُ ‪« :‬ا�سم فاعل للمو�صوف بالواحدية �أو الوحدانية‪ ،‬فعله ُ‬
‫وح َد ُ‬ ‫‪ æ‬ال َو ِ‬
‫وحادة وتوحيدا»(‪ ،)4‬فهو واحد ووحيد‪ ،‬ووحدت اهلل‪� :‬أي اعتقدت �أن اهلل واح ٌد ال �شريك له‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف �صحيح �أبي داود برقم (‪.)869‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري برقم (‪.)4974‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري برقم (‪.)6410‬‬
‫(‪�( )4‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)381 :‬الواحد)‪.‬‬
‫المجموعة الثانية ‪ :‬الواحد ‪ -‬األحد ‪ -‬الوتر‬ ‫‪93‬‬

‫‪ æ‬ال َأحدُ ‪« :‬ا�سم فاعل‪� ،‬أو �صفة م�شبهة للمو�صوف بالأحدية‪ ،‬فعله � َّأحد ي� ِّؤحد‬
‫ت�أحيدا وتوحيدا‪� ،‬أي حقق الوحدانية ملن وحده»(‪ ،)5‬والأحد‪ :‬الواحد الذي ال نظري له‪.‬‬
‫تر‪ :‬م�صدر و َت َر‪ ،‬وقيل‪� :‬أوتَر‪ ،‬فعله و َت َر يَترِ ُ َوتر ًا و ِوتر ًا‪ ،‬فهو وا ِتر‪ ،‬واملفعول‬ ‫‪ æ‬ال ِو ُ‬
‫َم ْوتور‪ ،‬وقيل‪� :‬أوتَر ُيو ِتر وتر ًا‪ ،‬وال ِو ْت ُر �ضد ال�شفع‪ ،‬قال يف الل�سان‪(« :‬ال ِو ْت ُر)‪ :‬ال َف ْر ُد �أَو ما مل‬
‫َي َت َ�ش َّف ْع من ال َع َد ِد»(‪ ،)6‬قال عطاء‪(« :‬ال ِو ْت ُر) اهلل الواحد‪ ،‬وال�شفع جميع اخللق خلقوا‬
‫�أَزواجاً»(‪.)7‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬
‫احدُ ‪ :‬ال َف ْرد «الذي ال �شريك له وال عديل»(‪ ,)8‬قال اخلطابي‪(« :‬ال َو ِاحدُ) ال َف ْرد‬
‫‪ æ‬ال َو ِ‬
‫وحدَه‪ ،‬ومل يكن معه � َآخ ُر»(‪ ،)9‬وقال البيهقي‪(« :‬ال َو ِاحدُ) الفرد الذي‬ ‫الذي مل َيزل ْ‬
‫مل يزل وحده بال �شريك»(‪ ،)10‬وقال ال�سعدي‪(« :‬ال َو ِاح ُد ال َأحدُ) الذي توحد بجميع‬
‫الكماالت‪ ،‬بحيث ال ي�شاركه فيها م�شارك‪ ،‬ويجب على العبيد توحيده‪ ،‬عقدا‪ ،‬وقوال‪،‬‬
‫وعمال‪ ،‬ب�أن يعرتفوا بكماله املطلق‪ ،‬وتفرده بالوحدانية‪ ،‬ويفردوه ب�أنواع العبادة»(‪.)11‬‬
‫‪ æ‬ال َأحدُ ‪ :‬ال َف ْرد «الذي ال �شبيه له وال نظري»(‪ ،)12‬قال ابن الأثري‪(« :‬ال َأحدُ) ال َف ْرد‬
‫الذي مل َيزل وحدَه‪ ،‬ومل يكن معه �آخ ُر»(‪ ،)13‬وقال القرطبي‪(« :‬ال َأحدُ) الواحد الوِتر‪،‬‬
‫الذي ال �شبيه له‪ ،‬وال نظري‪ ،‬وال �صاحبة‪ ،‬وال ولد‪ ،‬وال �شريك»(‪ ،)14‬وقال ابن كثري‪:‬‬
‫«(ال َأحدُ) الذي ال نظري له وال وزير‪ ،‬وال نديد وال �شبيه وال عديل»(‪.)15‬‬
‫(‪�( )5‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)468:‬الأحد)‪.‬‬
‫(‪( )6‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ ‪� - 5 :‬ص‪( )273 :‬مادة‪ :‬وتر)‪.‬‬
‫(‪( )7‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ ‪� - 5 :‬ص‪( )273 :‬مادة‪ :‬وتر)‪.‬‬
‫(‪( )8‬االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص‪.)47:‬‬
‫(‪�( )9‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)82 :‬‬
‫(‪( )10‬االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص‪.)44:‬‬
‫(‪( )11‬تف�سري ال�سعدي) ف�صل (ملحق الأ�سماء) (�ص‪.)16:‬‬
‫(‪( )12‬االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص‪.)47:‬‬
‫(‪( )13‬النهاية يف غريب احلديث) البن الأثري (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)27 :‬‬
‫(‪ )14‬تف�سري (اجلامع لأحكام القر�آن) للقرطبي (الآية‪� - 1 :‬سورة الإخال�ص)‪.‬‬
‫(‪ )15‬تف�سري (القر�آن الكرمي) البن كثري (الآية‪� - 1 :‬سورة الإخال�ص)‪.‬‬
‫‪94‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫تر‪« :‬ال َف ْرد الذي ال �شريك له وال نظري»(‪ ,)16‬قال اخلطابي‪(« :‬ال ِوت ُر) الفرد ‪..‬‬
‫‪ æ‬ال ِو ُ‬
‫وهو الواحد الذي ال �شريك له‪ ،‬وال نظري له‪ ،‬املتفرد عن خلقه‪ ،‬البائن منهم ‪ ..‬فهو‬
‫‪�-‬سبحانه‪ -‬وتر‪ ،‬وجميع خلقه �شفع‪ُ ،‬خلقوا �أزواجاً»(‪.)17‬‬
‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬
‫تر)‪( :‬ال َواحِ ُد) املو�صوف بالوحدانية التي ال تقبل‬ ‫احدُ ‪ -‬ال َأحدُ ‪ -‬ال ِو ُ‬
‫(ال َو ِ‬
‫تعدد الذات‪ ،‬وما يف الوجود �شيء من جن�س الإله �أ�ص ًال �إال �إله واحد ال ثاين له ‪� -‬سبحانه ‪-‬‬
‫وال �شريك وال نديد‪ .‬و(ال َأح ُد) هو املو�صوف بالأحدية التي ال تقبل ال�شبيه واملثيل والنظري‪،‬‬
‫يقول اخلطابي‪(« :‬ال َواحِ د) املنفرد بالذات‪ ،‬ال ي�ضامه �آخر‪ ،‬و(ال َأحد) املنفرد باملعنى‬
‫ال ي�شاركه فيه �أحد»(‪ ،)18‬ويقول النابل�سي‪« :‬للأعداد معنى كمي و�آخر نوعي‪ ،‬فقولنا‪:‬‬
‫فالن ترتيبه الرابع على زمالئه؛ ال يفهم منه �أنهم �أربعة �أ�شخا�ص فقط‪ ،‬وهذا ما‬
‫يو�صف باملعنى النوعي للعدد‪ ،‬و�أما قولنا‪ :‬جاء �أربعة �أ�شخا�ص‪ ،‬فيق�صد �أنهم �أربعة‬
‫�أ�شخا�ص فقط‪ ،‬وهذا هو املعنى الكمي‪ ،‬وا�سم اهلل (ال َواحِ د) ي�شري �إلى املعنى الكمي يف‬
‫�أنه ‪�-‬سبحانه‪ -‬متفرد يف ربوبيته و�إلهيته فال �شريك له‪ ،‬وا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال َأحد)‬
‫ي�شري �إلى املعنى النوعي يف �أنه متفرد يف �صفاته فال مثيل له‪ ،‬فـ (ال َواحِ دُ) ال �شريك‬
‫له‪ ،‬و(ال َأحدُ) ال مثيل له»(‪� .)19‬أما (الوِت ُر) فهو املو�صوف بالوترية التي ال تقبل ال�شفعية‬
‫والزوجية‪ ،‬فلي�ست له – �سبحانه وتعالى‪� -‬صاحبة وال ولد كما و�صف نف�سه ‪�-‬سبحانه‪ -‬يف‬
‫كتابه‪ ،‬فقال تعالى‪ } :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ{[اجلن‪ ،]3:‬وخلق جميع‬
‫اخلالئق على الزوجية‪ ،‬قال تعالى ‪} :‬ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ{ [الذاريات‪ ،]49:‬قال‬
‫جماهد‪(« :‬ال ِو ْت ُر) اهلل‪ ،‬وما خلق اهلل من �شيء فهو �شفع»‪.)20(.‬‬
‫(‪( )16‬االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص‪.)48 :‬‬
‫(‪�( )17‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص ‪.)30-29‬‬
‫(‪�( )18‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)83 :‬‬
‫(‪( )19‬مو�سوعة �أ�سماء اهلل احل�سنى) للنابل�سي (جـ ‪� :2‬ص ‪.)314 -313‬‬
‫(‪ )20‬تف�سري (جامع البيان يف تف�سري القر�آن) للطربي عند تف�سري الآية (‪ )3‬من �سورة (الفجر)‪.‬‬
‫المجموعة الثانية ‪ :‬الواحد ‪ -‬األحد ‪ -‬الوتر‬ ‫‪95‬‬

‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬


‫احدُ ال َأحدُ ‪ :‬ال�صفات امل�شتقة من �أ�سمائه ‪�-‬سبحانه (الوَاحِ د ‪ -‬ال َأحد) �صفات‬
‫‪ æ‬ال َو ِ‬
‫«ال َو ْحدَا ِن َّية والأحدية ‪ ..‬وهما من �صفات الذات»(‪ ،)21‬الثابتة بالكتاب وال�سنة‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫}ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜ{[الزمر‪ ،]4:‬ومن ال�سنة قوله ‪ ¤‬ملعاذ بن جبل ‹ ملا بعثه �إلى اليمن ‪ ..(:‬فليكن �أول‬
‫ما تدعوهم �إلى �أن يوحدوا اهلل ‪-‬تعالى ‪ ،)22()..‬قال ال�شيخ عبدالعزيز ال�سلمان‪« :‬مثال‬
‫�صفات الذات‪ :‬النف�س‪ ،‬العلم‪ ،‬احلياة‪ ،‬القدرة‪ ... ،‬اخلربة‪ ،‬الوحدانية‪ ،‬اجلالل‪ ،‬وهي التي‬
‫ال تنفك عن اهلل»(‪ ،)23‬وقال البيهقي‪(« :‬الوَاحِ ُد) الفرد الذي مل يزل وحده بال �شريك‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬الذي ال ق�سيم لذاته وال �شبيه له وال �شريك‪ ،‬وهذه �صفة ي�ستحقها بذاته»(‪.)24‬‬
‫تر‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (الوِتر) �صفة «ا ْلوِترية ‪ ..‬وهي‬
‫‪ æ‬ال ِو ُ‬
‫�صفة من �صفات الذات»(‪ ،)25‬الثابتة بال�سنة ال�صحيحة‪ ،‬فعن عبداهلل بن م�سعود ‹‬
‫وتر يحب الوتر‪ ،‬ف�إذا ا�ستجمرت ف�أوتر)(‪ ،)26‬قال البيهقي‪:‬‬
‫قال‪ :‬قال‪�( :¤‬إن اهلل ٌ‬
‫«(الوِت ُر) الفرد الذي ال �شريك له وال نظري‪ ،‬وهذه �صفة ي�ستحقها بذاته»(‪.)27‬‬
‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬
‫‪ æ‬ا ْل َق َّها ُر‪ :‬ورد االقرتان (‪ 6‬مرات) مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال َواحِ د) منها قوله تعالى‪:‬‬
‫} ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ{[غافر‪ ،]16 :‬وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪� -‬أن من‬
‫موجبات ا�سمه (ال َواحِ د) �أن يكون قاه ًرا قها ًرا غال ًبا لكل �شيء‪ ،‬يقول ال�شيخ ال�سعدي‪:‬‬
‫(‪�( )21‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪ .)469 -382:‬بت�صرف ي�سري‬
‫(‪ )22‬رواه البخاري (‪.)7372‬‬
‫(‪( )23‬الكوا�شف اجللية) لل�شيخ عبدالعزيز ال�سلمان (�ص‪.)429 :‬‬
‫(‪( )24‬االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص‪.)44:‬‬
‫(‪�( )25‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)359 :‬الوتر)‬
‫(‪ )26‬رواه �أبو يعلى و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)1830‬‬
‫(‪( )27‬االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص‪.)48 :‬‬
‫‪96‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫«ف�إن القهر مالزم للوحدة‪ ،‬فال يكون اثنان قهاران مت�سـاويني يف قهرهما �أبدًا‪،‬‬
‫فالذي يقهر جـميع الأ�شـياء هو الواحد الذي ال نظري له‪ ،‬وهو الذي ي�ستحق �أن‬
‫يعبد وحده كما كان قاه ًرا وحده»(‪ ،)28‬ويف �إ�شارة ملعنى لطيف يف االقرتان يقول �أبو‬
‫العبا�س احللبي‪« :‬وغلب ازدواج هاتني ال�صفتني وهما (الوحدانية) و(القهر)‪ ،‬وذلك‬
‫بديع وهو �أن الغلبة والإذالل من ملوك الدنيا �إمنا يكون ب�أعوانهم وجندهم‬ ‫ملعنى ٍ‬
‫م�ستغن‬
‫ٍ‬ ‫و َعددَهم و ُعددِهم‪ .‬واهلل تعالى يقهر كل اخللق وهو واحد �أحد‪ ،‬فرد �صمد‬
‫ري �سبحانه»(‪.)29‬‬
‫عن ظه ٍ‬
‫‪ æ‬الرحمن الرحيم‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سميه �سبحانه (الإله الواحد) مرة واحدة‬
‫يف قول اهلل تعالى‪} :‬ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ{[البقرة‪،]163:‬‬
‫واحلكمة يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم – �إما لإثبات وحدانية اهلل و�إلهيته لكونه �سبحانه هو مولى‬
‫النعم كلها‪� ،‬أ�صولها وفروعها‪ ،‬وما ذلك �إال �أثر من �آثار رحمته التي و�سعت كل �شيء‪،‬‬
‫و�إما للإ�شارة �إلى �أنه مع كونه �سبحانه �إله ًا واحد ًا قاهر ًا غالب ًا لكل �شيء‪ ،‬فال ينفي �أن‬
‫يكون رحيم ًا ر�ؤوف ًا ودود ًا‪ ،‬و�أن رحمته �سبقت غ�ضبه‪ ،‬فعن املعنى الأول يقول البي�ضاوي‪:‬‬
‫«}ﯽ ﯾ ﯿ{ خطاب عام‪� ،‬أي امل�ستحق منكم العبادة‪ ،‬واح ٌد ال �شريك له‬
‫ي�صح �أن ُيعبد �أو ُي�سمى �إلها } ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ{ تقرير للوحدانية ‪ } ...‬ﰅ‬
‫ﰆ{ كاحلجة عليها‪ ،‬ف�إنه ملا كان مولى النعم كلها �أ�صولها وفروعها وما �سواه‬
‫�إما نعمة �أو منعم عليه مل ي�ستحق العبادة �أحد غريه»(‪ ،)30‬ويقول ال�شيخ ال�سعدي‪:‬‬
‫«يخرب تعالى ‪ -‬وهو �أ�صدق القائلني ‪� -‬أنه } ﯾ ﯿ { �أي‪ :‬متوحد منفرد يف ذاته‪،‬‬
‫و�أ�سمائه‪ ،‬و�صفاته‪ ،‬و�أفعاله‪ ،‬فلي�س له �شريك يف ذاته‪ ،‬وال �سمي له وال كفو‪ ،‬وال مثل‪،‬‬
‫وال نظري‪ ،‬وال خالق‪ ،‬وال مدبر غريه‪ ،‬ف�إذا كان كذلك‪ ،‬فهو امل�ستحق لأن ي�ؤله ويعبد‬
‫بجميع �أنواع العبادة‪ ،‬وال ي�شرك به �أحد من خلقه‪ ،‬لأنه } ﰅ ﰆ{ املت�صف‬
‫(‪( )28‬تف�سري ال�سعدي) عند تف�سري الآية (‪ )65‬من (�سورة‪� :‬ص) (�ص‪.)662 :‬‬
‫(‪( )29‬عمدة احلفاظ يف تف�سري �أ�شرف الألفاظ) لأبي العبا�س ال�سمني احللبي‪ ،‬مادة (ق هـ ر) (جـ‪� – 3:‬ص‪.)344 :‬‬
‫(‪ )30‬تف�سري البي�ضاوي (�أنوار التنزيل و�أ�سرار الت�أويل) عند تف�سري الآية (‪ )163‬من �سورة البقرة‪.‬‬
‫المجموعة الثانية ‪ :‬الواحد ‪ -‬األحد ‪ -‬الوتر‬ ‫‪97‬‬

‫بالرحمة العظيمة‪ ،‬التي ال مياثلها رحمة �أحد‪ ،‬فقد و�سعت كل �شيء وعمت كل‬
‫حي‪ ،‬فربحمته ِوجدت املخلوقات‪ ،‬وبرحمته ح�صلت لها �أنواع الكماالت‪ ،‬وبرحمته‬
‫اندفع عنها كل نقمة‪ ،‬وبرحمته ع ّرف عباده نف�سه ب�صفاته و�آالئه‪ ،‬وبينَّ لهم كل‬
‫ما يحتاجون �إليه من م�صالح دينهم ودنياهم‪ ،‬ب�إر�سال الر�سل‪ ،‬و�إنزال الكتب‪ .‬ف�إذا‬
‫ُعلم �أن ما بالعباد من نعمة‪ ،‬فمن اهلل‪ ،‬و�أن �أحدا من املخلوقني‪ ،‬ال ينفع �أحدا‪،‬‬
‫ُعلم �أن اهلل هو امل�ستحق جلميع �أنواع العبادة‪ ،‬و�أن ُيفرد باملحبة واخلوف‪ ،‬والرجاء‪،‬‬
‫والتعظيم‪ ،‬والتوكل‪ ،‬وغري ذلك من �أنواع الطاعات‪ .‬و�أن من �أظلم الظلم‪ ،‬و�أقبح‬
‫القبيح‪� ،‬أن ُيعدل عن عبادته �إلى عبادة العبيد‪ ،‬و�أن ُي�شرك املخلوق من تراب‪ ،‬برب‬
‫الأرباب‪� ،‬أو ُيعبد املخلوق املد َبر العاجز من جميع الوجوه‪ ،‬مع اخلالق املد ِبر القادر‬
‫القوي‪ ،‬الذي قهر كل �شيء ودان له كل �شيء‪ .‬ففي هذه الآية‪� ،‬إثبات وحدانية الباري‬
‫و�إلهيته‪ ،‬وتقريرها بنفيها عن غريه من املخلوقني وبيان �أ�صل الدليل على ذلك‬
‫وهو �إثبات رحمته التي من �آثارها وجود جميع النعم‪ ،‬واندفاع جميع النقم‪ ،‬فهذا‬
‫دليل �إجمايل على وحدانيته»(‪ ،)31‬وما يقوي هذا املعنى ما �أ�شارت �إليه الآية التالية‬
‫لآية االقرتان من التذكري بنعم اهلل العظيمة فقال تعالى} ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖﭗﭘ ﭙﭚﭛﭜﭝ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭤ‬
‫ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭯﭰﭱﭲﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ{‪.‬‬
‫و�أما املعنى الثاين فقد �أ�شار �إليه الرازي بقوله‪« :‬واعلم �أ ّنه �سبحانه �إنمّ ا ّ‬
‫خ�ص‬
‫ال�صفتني} ﰅ ﰆ{؛ ل ّأن ذكر الإله ّية الفردان ّية‬ ‫هذا املو�ضع بذكر هاتني ّ‬
‫ُيفيد القهر والعل ّو‪ ،‬فع ّقبهما بذكر هذه املبالغة يف ال ّرحمة ترويحا للقلوب عن هيبة‬
‫الإله ّية‪ ،‬وع ّزة الفردان ّية‪ ،‬و�إ�شعاراً ب� ّأن رحمته �سبقت غ�ضبه‪ ،‬و�أ ّنه ما خلق اخللق �إلاّ‬
‫لل ّرحمة والإح�سان»(‪.)32‬‬
‫(‪ )31‬تف�سري (ال�سعدي) عند تف�سري الآية (‪ )163‬من �سورة البقرة (�ص‪.)60:‬‬
‫(‪ )32‬تف�سري الرازي (التف�سري الكبري) عند تف�سري الآية (‪ )163‬من �سورة البقرة‪.‬‬
‫‪98‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الوكيل‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه �سبحانــه (الواحد) مرة واح ــدة يف قوله تعالى‪:‬‬ ‫‪æ‬‬
‫}ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ{[الن�ساء‪ ،]171:‬واحلكمة يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬للإ�شارة �إلى �أن من‬
‫لوازم الوحدانية اال�ستقالل والكفاية يف احلفظ والتدبري‪ ،‬واهلل الواحد �سبحانه هو (الوكيل)‬
‫الغني عنهم من كل وجه‪ ،‬وهم املحتاجون �إليه يف‬ ‫اخللق �أُمو َرهم �إليه وحده‪ ،‬فهو ُّ‬ ‫الذي َي ِك ُل كل ِ‬
‫كل �شيء‪ ،‬وهو �سبحانه منز ٌه عن كل �صور العجز والق�صور واحلاجة كاتخاذ الولد‪� ،‬أو ال�شريك‬
‫يف امللك‪� ،‬أو الويل من الذل‪� ،‬سبحانه وتعالى عما يقول الظاملون علوا كبريا‪ ،‬قال القا�سمي‪:‬‬
‫«} ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ{ �أيْ ‪ِ :‬بال ّذاتِ ‪ ،‬ال َت َعدُّ َد فِي ِه ِب َو ْج ٍه ما ‪ ..‬وقوله تعالى‪ } :‬ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ{ تعليل لتنزهه مما ن�سب �إليه‪ ،‬مبعنى �أن كل ما فيهما َخلقه‬
‫و ُملكه‪ ،‬فكيف يكون بع�ض ملكه جزءا منه؟‪� ،‬إذ البنوة وامللك ال يجتمعان!‪ } .‬ﮋ‬
‫ﮌ ﮍ{ �أي‪� :‬إليه يكل كل اخللق �أمورهم‪ ،‬وهو غني عنهم‪ ،‬ف�أنى يت�صور يف‬
‫حقه اتخاذ الولد‪ ،‬الذي هو �ش�أن العجزة املحتاجني يف تدبري �أمورهم �إلى من يخلفهم‬
‫ويقوم مقامهم»(‪ ،)33‬وقال �أبو حيان‪ }« :‬ﮋ ﮌ ﮍ{ �أي‪ :‬كافيا يف تدبري‬
‫خملوقاته وحفظها‪ ،‬فال حاجة �إلى �صاحبة وال ولد وال معني»(‪.)34‬‬
‫ال�ص َمدُ ‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال َأحد) مرة واحدة يف قول اهلل تعالى يف‬
‫‪َّ æ‬‬
‫�سورة الإخال�ص‪ }:‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ{[الإخال�ص‪ ،]2-1:‬ويف ال�سنة ما‬
‫جاء يف احلديث القد�سي‪..(:‬و�أما �شتمه �إياي فقولـه ‪ :‬اتخذ اهلل ولد ًا‪ ،‬و�أنا اهلل الأحد‬
‫ال�صمد‪ ،‬مل �ألد‪ ،‬ومل �أولد‪ ،‬ومل يكن يل كفو ًا �أحد)(‪ ،)35‬وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪� -‬أن‬
‫ال�ص َمد) هو الذي تق�صده وحده اخلالئق كلها‪ ،‬وت�صمد �إليه يف حاجاتها‪ ،‬و�ضروراتها‬ ‫«( َّ‬
‫ملا له ‪�-‬سبحانه‪ -‬من الكمال املطلق يف ذاته و�أ�سمائه و�صفاته و�أفعاله؛ لأن من معاين‬
‫(ال َأحد) الكامل املطلق املتفرد يف ذاته و�أ�سمائه‪ ،‬و�صفاته‪ ،‬و�أفعاله‪ ،‬وربوبيته‪ ،‬و�إلهيته‪،‬‬
‫(ال�ص َمد) �إال على من هذه �صفاته (الوَاحِ د ال َأحد)»(‪.)36‬‬
‫وال ي�صدق ا�سم َّ‬
‫(‪ )33‬تف�سري القا�سمي (حما�سن الت�أويل) (جـ‪� - 5:‬ص‪ )680-679:‬عند تف�سري الآية (‪ )171‬من �سورة الن�ساء‪.‬‬
‫(‪ )34‬تف�سري �أبي حيان (البحر املحيط) عند تف�سري الآية (‪ )171‬من �سورة الن�ساء‪.‬‬
‫(‪ )35‬رواه البخاري برقم (‪.)4974‬‬
‫(‪( )36‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪.)114 - 113 :‬‬
‫المجموعة الثانية ‪ :‬الواحد ‪ -‬األحد ‪ -‬الوتر‬ ‫‪99‬‬

‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪:‬‬


‫‪ æ‬الأثر العلمي االعتقادي‪:‬‬
‫اهلل ‪� -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬هو (ال َواحِ ُد ‪ -‬ال َأح ُد ‪ -‬الوِت ُر) الفرد الذي مل يزل وحده‪،‬‬
‫ومل يكن معه �شريك‪ ،‬املتفرد يف ربوبيته؛ فهو اخلالق الرازق الذي ت�صمد �إليه اخلالئق يف‬
‫حاجاتها و�ضروراتها‪ ،‬وهو املحيي املميت املالك املت�صرف يف خلقه كيف ي�شاء‪ ،‬واملتفرد يف‬
‫�ألوهيته ‪ -‬فال �إله �إال هو وحده – له اخللق والأمر‪ ،‬واملتفرد يف �أ�سمائه و�صفاته‪.‬‬
‫‪ æ‬الأثر العملي‪:‬‬
‫بالت�أله‪ ،‬والدعاء‪ ،‬واملحبة‪،‬‬ ‫‪1.1‬كمال التوحيد من العبد‪ ،‬بتحقق �إفراده وحده‬
‫والتعظيم‪ ،‬والإجالل‪ ،‬واخلوف‪ ،‬والرجاء‪ ،‬والتوكل وجميع �أنواع العبادة ‪ ..‬قال‬
‫تعالى‪ }:‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ{[الأنبياء‪.]25:‬‬
‫‪2.2‬تعلق القلب بخالقه‪ ،‬وتوحيد وجهته وطلبه وق�صده خلالقه (الواحد الأحد)‪،‬‬
‫في�سرتيح ويطمئن؛ لأنه �أ�سلم وجهه وقلبه هلل وحده‪ ،‬ومل يتوجه لوجهات متعددة‬
‫و�شركاء مت�شاك�سني يعي�ش بينهم يف حرية وعذاب‪ ،‬قال تعالى‪}:‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ{[ال�شعراء‪.]213:‬‬
‫‪�3.3‬إفراد اهلل بالت�شريع والتلقي والقبول‪ ،‬وكل تكليف يوجه �إلى العبد يجب �أن‬
‫يكون يف �إطار ما �شرعه اهلل ‪ ،‬وال ميلك �أحد من العباد �أن يزيد �أو ينق�ص �أو‬
‫ما مل ي�أذن به اهلل ‪-‬تعالى‪.‬‬ ‫يبدل يف �شرع اهلل‬
‫‪4.4‬احلر�ص يف الأقوال والأعمال على �إيقاعها وت ًرا‪ ،‬ملا ورد يف ال�سنة من احلث على �إنهاء بع�ض‬
‫الأقوال والأعمال وترا؛ قال ‪( :¤‬يا �أهل القر�آن �أوتروا‪ ،‬ف�إن اهلل وتر يحب الوتر)(‪.)37‬‬
‫‪5.5‬مطالعة مظاهر الإعجاز يف خملوقات اهلل ‪�-‬سبحانه‪ ،‬ففي حني كان اهلل ‪-‬وال يزال‪-‬‬
‫واحد َا وتر ًا‪ ،‬فقد خلق املخلوقات �شفع ـ ـ ًا؛ بحيث ال ت�ستقر �إال بالزوجية‪ ،‬ق ـ ــال‬
‫�سبحانه‪}:‬ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ{[الذاريات‪ ]49:‬حتى يف تكوين �أدق الأ�شيـ ــاء‬
‫(‪ )37‬رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف �صحيح �أبي داود (‪.)1256‬‬
‫‪100‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫التي مل نعلمه ـ ــا �إال مـ ــن قريب‪ ،‬وهــو م�ص ـ ــداق لقولـ ـ ــه تعالى‪} :‬ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ{[ي�س‪.]36:‬‬
‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫تر) من �أ�سماء الذات الدالة على �صفات اهلل الذاتية‬ ‫احدُ ‪ -‬ال َأحدُ ‪ -‬ال ِو ُ‬
‫(ال َو ِ‬
‫(ال َو ْحدَا ِن َّية والأحدية وا ْلوِترية) وهي �صفات ذات‪ ،‬مل يزل وال يزال اهلل مت�صف ًا بها‪،‬‬
‫وال تعلق لها بامل�شيئة؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل‪ ،‬والتو�سل �إليه‪ ،‬والثناء عليه‪ ،‬بها يف‬
‫جميع �أغرا�ض الدعاء وحاجات العبد ‪ ..‬ومما ورد يف ال�سنة بخ�صو�ص الثناء على اهلل‬
‫بهذه الأ�سماء‪ ،‬ما جاء عن النبي ‪� :¤‬أنه �سمع رج ًال يقول‪(:‬الله َّم �إين �أ�س� َ‬
‫ألك َيا اهلل‪ ،‬ب� َ‬
‫أنك‬
‫مل َي ُكن له ُكفوا �أح ٌد �أن تغف َر يل‬ ‫مل ُيولدْ‪ ،‬و ْ‬
‫مل َيل ْد و ْ‬
‫ال�ص َم ُد الذِ ي ْ‬
‫الواحِ ُد الأحد َّ‬
‫قد غ ِف َر له ‪-‬ث َالثا)(‪ ،)38‬ويف رواية �أنه �سمع‬ ‫ذنوبي‪َ � ،‬‬
‫إنك �أنت الغفو ُر ال َّرحِ يم) قال له‪ْ (:‬‬
‫مل َيل ْد و ْ‬
‫مل ُيول ْد‬ ‫ال�ص َم ُد الذِ ي ْ‬
‫ألك ب�أنك �أنت اهلل الأحد َّ‬ ‫رج ًال يقول‪( :‬الله َّم �إين �أ�س� َ‬
‫الذي �إذا ُ�س ِئل به‬
‫اهلل با�سمِه الأعظم ِ‬ ‫لقد َ�س�أل َ‬
‫مل َيكن له كفوا �أح ٌد)‪ ،‬فقال ‪ْ ( :¤‬‬ ‫و ْ‬
‫اب)(‪.)39‬‬
‫� ْأعطى‪ ،‬و�إذا ُد ِع َي به � َأج َ‬
‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬
‫‪ æ‬قال ر�سول اهلل ‪ ¤‬للح�صني اخلزاعي قبل �إ�سالمه‪(:‬يا �أبا عمران‪ ،‬كم �إله ًا تعبد؟‬
‫قال‪� :‬أعبد �سبعة‪� ،‬ستة يف الأر�ض‪ ،‬وواحداً يف ال�سماء‪ .‬قال‪ :‬ف�إذا هلك املال من تدعو؟!‬
‫قال‪� :‬أدعو الذي يف ال�سماء‪ .‬قال‪ :‬ف�إذا انقطع القطر من تدعو؟ قال‪� :‬أدعو الذي يف‬
‫ال�سماء‪ .‬قال‪ :‬ف�إذا جاع العيال من تدعو؟ قال‪� :‬أدعو الذي يف ال�سماء‪ .‬قال‪ :‬في�ستجيب‬
‫لك وحده �أم ي�ستجيبون لك كلهم؟ قال‪ :‬بل ي�ستجيب وحده‪ .‬فقال‪ :‬ي�ستجيب لك‬
‫وحده‪ ،‬وينعم عليك وحده‪ ،‬وت�شركهم يف ال�شكر‪� ،‬أم �أنك تخاف �أن يغلبوه عليك؟‬
‫قال ح�صني‪ :‬ال‪ ،‬ما يقدرون عليه‪ .‬فقال‪ :‬يا ح�صني‪� ،‬أَ ْ�س ِل ْم �أع ّل ْمك كلمات ينفعك اهلل‬
‫بهن) فلما �أ�سلم قال ‪ :‬يا ر�سول اهلل علمني الكلمتني التي وعدتني‪ ،‬قال ‪( :‬قل‪ :‬اللهم‬
‫(‪ )38‬رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف �صحيح �أبي داود برقم (‪.)869‬‬
‫(‪ )39‬رواه ابن ماجة و�صححه الألباين يف �صحيح ابن ماجة برقم (‪.)3111‬‬
‫المجموعة الثانية ‪ :‬الواحد ‪ -‬األحد ‪ -‬الوتر‬ ‫‪101‬‬

‫�ألهمني ر�شدي‪ ،‬و�أعذين من �شر نف�سي)(‪.)40‬‬


‫‪ æ‬قال تعالى‪ } :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ{ [الأنفال‪ ،]38:‬قال يحيى بن معاذ الرازي‪�« :‬إين‬
‫لأرجو �أن يكون توحي ٌد مل يعجز عن هدم ما قبله من كف ٍر‪ ،‬ال يعجز عن حمو ما بعده‬
‫من ذنب»‪.)41(.‬‬
‫‪ æ‬قال تعالى‪} :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔﮕﮖﮗ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ{ [الأنعام‪ ،]64-63:‬قال ابن الق ِّيم‪« :‬التوحيد مفزع �أعدائه و�أوليائه؛‬
‫ف�أما �أعدا�ؤه فينجيهم من كرب الدنيا و�شدائدها‪} :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ{ [العنكبوت‪ ،]65 :‬و�أما �أوليا�ؤه‬
‫فنجاه اهلل‬
‫ّ‬ ‫فينجيهم من كربـ ــات الدني ــا والآخرة و�شدائدها‪ ،‬ولذلك فزع �إليه يون�س‬
‫من تلك الظلمات‪ ,‬وفزع �إليه �أتباع الر�سل فنجوا به مما عُذب به امل�شركون ‪ ..‬هذه �سنة‬
‫اهلل يف عباده‪ ،‬فما دفعت �شدائد الدنيا مبثل التوحيد ‪ ..‬وهو مفزع اخلليقة وملج�ؤها‬
‫وح�صنها وغياثها»(‪.)42‬‬
‫‪ æ‬قال علي بن الف�ضيل لأبيه «الف�ضيل بن العيا�ض»‪« :‬يا �أبت! ما �أحلى كالم �أ�صحاب‬
‫حممد‪ ،!¤‬فقال �أبوه‪ :‬يا بني! وتدري مل حال؟! قال‪ :‬ال يا �أبت! قال‪ :‬لأنهم �أرادوا اهلل به»(‪.)43‬‬
‫قال الأ�صمعي ر�أيت �أعرابيا متعلقا ب�أ�ستار الكعبة رافعا يديه �إلى ال�سماء وهو‬ ‫‪æ‬‬
‫يقول‪« :‬رب �أتراك معذبنا وتوحيدك يف قلوبنا؟! وما �إخالك تفعل! ولئن فعلت لتجمعنا‬
‫(‪ُ )40‬روي احلديث من طريقني‪ ،‬وكالهما �ضعيف كما قال حمقق كتاب (الأ�سماء وال�صفات للبيهقي) (جـ‪� - 2 :‬ص‪:)329 :‬‬
‫(الطريق الأول �أخرجه الرتمذي والبيهقي والدارمي والطرباين من طريق �شبيب بن �شيبة وهو �ضعيف‪ .‬والطريق الثاين‬
‫�أخرجه ابن خزمية يف (التوحيد) وابن قدامه يف (اثبات �صفة العلو) من طريق عمران بن خالد بن طليق وهو �ضعيف �أي�ض ًا)‪،‬‬
‫و�ضعف الألباين احلديث وقال‪� :‬أن اجلملة الأخرية (اللهم �ألهمني ر�شدي‪ ،‬و�أعذين من �شر نف�سي) لها طريق �آخر ب�إ�سناد‬
‫�صحيح على �شرط ال�شيخني من رواية ابن حبان واالمام �أحمد بلفظ‪( :‬اللهم قني �شر نف�سي‪ ،‬واعزم يل على �أر�شد �أمري)‬
‫(مقدمة ريا�ض ال�صاحلني بتحقيق الألباين)‪.‬‬
‫(‪� )41‬أخرجه البيهقي يف (�شعب الإميان) (جـ‪� – 2 :‬ص‪ )349 :‬برقم (‪.)1042‬‬
‫(‪( )42‬الفوائد) للإمام �أبن القيم (�ص‪.)53 :‬‬
‫(‪( )43‬حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ‪� – 10 :‬ص‪.)23 :‬‬
‫‪102‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫مع قوم طاملا �أبغ�ضناهم لك»(‪ .)44‬وقال �سليمان بن احلكم بن عوانة‪« :‬دعا رجل بعرفات‬
‫فقال‪ :‬ربنا ال تعذبنا بالنار بعد �أن �أ�سكنت توحيدك قلوبنا‪ ،‬قال‪ :‬ثم بكى!‪ ،‬وقال‪ :‬ما‬
‫�إخالك تفعل بعفوك‪ ،‬ثم بكى!‪ ،‬وقال‪ :‬ولئن فعلت فبذنوبنا لتجمعن بيننا وبني قوم‬
‫طاملا عاديناهم فيك»(‪.)45‬‬
‫‪ æ‬قيل لأعرابي‪« :‬هل حتدث نف�سك بدخول اجلنة؟ قال‪ :‬واهلل ما �شككت قط �أين‬
‫�سوف �أخطو يف ريا�ضها‪ ،‬و�أ�شرب من حيا�ضها‪ ،‬و�أ�ستظل ب�أ�شجارها‪ ،‬و�آكل من ثمارها‪،‬‬
‫و�أتفي�أ بظاللها‪ ،‬و�أتر�شف من قاللها‪ ،‬و�أ�ستمتع بحورها يف غرفها وق�صورها! قيل له‪:‬‬
‫�أفبح�سن ٍة قدمتها؟ �أم ب�صاحل ٍة �أ�سلفتها؟ قال‪ :‬و�أي ح�سن ٍة �أعلى �شرفا‪ ،‬و�أعظم خطرا‬
‫من �إمياين باهلل تعالى‪ ،‬وجحودي لكل معبود �سوى اهلل تبارك وتعالى؟! قيل له‪� :‬أفال‬
‫تخ�شى الذنوب؟ قال‪ :‬جعل اهلل املغفرة للذنوب‪ ،‬والرحمة للخط�أ‪ ،‬والعفو للجرم‪ ،‬وهو‬
‫�أكرم من �أن يعذب حمبيه يف نار جهنم!‪ ،‬فكان النا�س يف م�سجد الب�صرة يقولون‪ :‬لقد‬
‫ح�سن ظن الأعرابي بربه‪ ،‬وكانوا ال يذكرون حديثه �إال اجنلت غمامة الي�أ�س عنهم‪،‬‬
‫وغلب �سلطان الرجاء عليهم»(‪.)46‬‬
‫‪ æ‬مدح �أحد ال�شعراء �أمري طرب�ستان (احل�سن بن زيد العلوي) فقال‪« :‬اهلل فرد‪ ،‬وابن‬
‫قلت‪ :‬اهلل فرد‪ ،‬وابن زيد عبد!‪ ،‬ثم نزل عن‬
‫زيد فرد! فقال احل�سن‪ :‬ويلك!‪ ،‬ال تقل!‪ ،‬هال َ‬
‫�سريره‪ ،‬وخ ّر هلل �ساجدا‪ ،‬و�أل�صق خده بالرتاب‪ ،‬ومل يعط ذلك ال�شاعر �شيئا!‪.)47(».‬‬
‫�صاف(‪ )48‬قتيبة بن م�سلم الترّ ك‪ ،‬وهاله �أم ُرهم‪� ،‬س�أل عن‬‫‪ æ‬قال الأ�صمعي‪« :‬ملا ّ‬
‫ب�صب�ص(‪ )50‬ب�أ�صبعه‬
‫ُ‬ ‫حممد بن وا�سع‪ .‬فقيل‪ :‬هو ذاك يف امليمنة جانح(‪ )49‬على قو�سه‪ُ ،‬ي‬
‫ري(‪ ،)51‬و�شابٍ‬
‫�سيف �شه ٍ‬
‫يل من مئة �ألف ٍ‬ ‫أحب �إ َّ‬
‫نحو ال�سماء‪ ،‬فقال قتيبة‪ :‬لتلك الإ�صبع � ُّ‬
‫طرير(‪.)53( »)52‬‬
‫(‪( )44‬جمهرة خطب العرب) لأحمد زكي �صفوت (جـ‪� – 3 :‬ص‪)329 :‬‬
‫(‪( )45‬ح�سن الظن باهلل) البن �أبي الدنيا (�ص‪ )19 :‬رقم الأثر (‪.)12‬‬
‫(‪( )46‬الب�صائر والذخائر) لأبي حيان التوحيدي (جـ‪� – 8 :‬ص‪.)146 :‬‬
‫(‪( )47‬البداية والنهاية) للإمام �أبن كثري (�ص‪ )1650 :‬يف �أحدث �سنة (‪ 270‬هـ)‪� )48( .‬صاف‪ :‬واجههم يف املعركة‪.‬‬
‫ب�صب�ص ب�أ�صبعه‪� :‬أي يحرك ب�إ�صبعه نحو ال�سماء‪.‬‬
‫ُ‬ ‫(‪ُ )50‬ي‬ ‫(‪ )49‬جانح على قو�سه‪� :‬أي مائ ًال ومتكئ ًا عليه‪.‬‬
‫(‪� )51‬سيف �شهري‪� :‬أي م�سلول من غمده‪ ،‬ومرفوع يف وجه العدو‪.‬‬
‫�شاب طرير‪ :‬يعني ال�شاب املجاهد ذو املنظر والرواء والهيئة احل�سنة‪ ،‬وقيل‪ :‬و�صف لل�سيف ال�شهري ب�أنه حاد وقاطع‪.‬‬ ‫(‪ٍ )52‬‬
‫(‪�( )53‬سري �أعالم النبالء) للذهبي (�ص‪ )3754 :‬يف ترجمة (حممد بن وا�سع الأزدي) برقم (‪.)5948‬‬
‫المجموعة الثالثة ‪ :‬األول ‪ -‬اآلخر ‪ -‬الظاهر ‪ -‬الباطن‬ ‫‪103‬‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ‪3‬ـــــــــة‬
‫اط ُة العامة‬ ‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ال َإح َ‬
‫(‪)10 -9 - 8 - 7‬‬
‫اط ُن‬
‫اه ُر ‪ -‬ال َب ِ‬ ‫الأ َّو ُل ‪ -‬ال ِآخ ُر ‪َّ -‬‬
‫الظ ِ‬
‫‪104‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الـمــجـمـوعــ‪3‬ــة‬
‫اط ُة العامة‬‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ال َإح َ‬
‫(‪)10 -9 - 8 - 7‬‬
‫اط ُن‬
‫اه ُر ‪ -‬ال َب ِ‬ ‫الأ َّو ُل ‪ -‬ال ِآخ ُر ‪َّ -‬‬
‫الظ ِ‬
‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫اطنُ ‪ :‬وردت هذه الأ�سماء يف القر�آن الكرمي‬‫اه ُر وال َب ِ‬ ‫‪ æ‬الأ َّو ُل وال ِآخ ُر َّ‬
‫والظ ِ‬
‫مرة واحدة يف قول اهلل تعالى‪ } :‬ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽ{[احلديد‪ ،]3:‬ويف ال�سنة من حديث �أبي هريرة ‹ قال‪ :‬كان ر�سول اهلل ‪ ¤‬ي�أ ُم ُرنا‬
‫ورب العر�ش العظيم‪،‬‬ ‫ورب الأر�ض َّ‬
‫رب ال�سماوات َّ‬‫�إذا �أخذنا م�ضجعنا �أن نقول‪( :‬اللَّهم َّ‬
‫احلب والنَّوى و ُمنزِّ َل التورا ِة والإجنيل والفرقان‪� ،‬أعو ُذ‬
‫ِّ‬ ‫كل �شيء‪َ ،‬‬
‫فالق‬ ‫ورب ِّ‬‫ر َّبنا َّ‬
‫�شيء‪ ،‬و�أنتَ‬ ‫آخذ بنا�صيته‪ ،‬اللهم �أنت ال ُ‬
‫أول فلي�س قبلك ٌ‬ ‫كل �شيء �أنت � ٌ‬
‫�شر ِّ‬‫بك من ِّ‬
‫اهر فلي�س فوقك �شيء‪ ،‬و�أنت الباطنُ َفلي�س‬ ‫آخر فلي�س بعدَ َك �شيء‪ ،‬و�أنتَ َّ‬
‫الظ ُ‬ ‫ال ُ‬
‫�ض عنا الدَّ ين و�أغْ ِننا من الفقر)(‪.)1‬‬ ‫دونك �شيء‪ْ ،‬‬
‫اق ِ‬
‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬
‫‪ æ‬الأ َّو ُل‪« :‬على وزن �أفعل‪ ،‬فعله �آل ي�ؤول �أ ْوال‪ ،‬وهو �صفة م�شبهة للمو�صوف‬
‫بالأولية‪ ،‬وهو الذي يرتتب عليه غريه»(‪ ،)2‬قال الراغب‪(« :‬الأ َّو ُل) هو الذي يرتتب‬
‫الزجاج‪(« :‬الأ َّو ُل) هو مو�ضع التقدم وال�سبق»(‪.)4‬‬
‫عليه غريه»(‪ ،)3‬وقال ّ‬
‫‪ æ‬ال ِآخ ُر‪« :‬ا�سم فاعل ملن ات�صف بالآخرية‪ ،‬فعله �أَ َخر َي�أْخر �أخراً‪ ،‬والآخِ ُر ما‬
‫يقابل الأَ َّول»(‪ ،)5‬قال الزجاج‪(« :‬الآخِ ُر) هو املت�أخر عن الأ�شياء كلها ويبقى بعدها»(‪.)6‬‬
‫(‪ )1‬رواه م�سلم برقم (‪.)2713‬‬
‫(‪�( )2‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)298 :‬الأول)‬
‫(‪( )3‬مفردات �ألفاظ القر�آن) للراغب الأ�صفهاين (�ص ‪)40 - 39 :‬‬
‫(‪( )4‬تف�سري �أ�سماء اهلل احل�سنى) لأبي �إ�سحاق الزجاج (�ص ‪.)59‬‬
‫(‪�( )5‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)304 :‬الآخر)‬
‫(‪( )6‬تف�سري �أ�سماء اهلل احل�سنى) لأبي �إ�سحاق الزجاج (�ص ‪.)60‬‬
‫المجموعة الثالثة ‪ :‬األول ‪ -‬اآلخر ‪ -‬الظاهر ‪ -‬الباطن‬ ‫‪105‬‬

‫اه ُر‪« :‬ا�سم فاعل ملن ات�صف بالظهور‪ ،‬و(الظاهِ ُر) خالف (الباطن)‪،‬‬ ‫‪َّ æ‬‬
‫الظ ِ‬
‫فعله َظ َه َر َي ْظ َه ُر ُظهُوراً فهو ظاهر وظهري‪ ،‬والظهور العلو واالرتفاع‪ ،‬يقال‪:‬‬
‫ال�س ْطح يعني �صار فوقه‪ ،‬قال تعالى‪}:‬ﰛ ﰜ ﰝ‬ ‫َظهَر على احلائط وعلى َّ‬
‫ﰞ{[الكهف‪� ،]97:‬أَي ما َق َد ُروا �أَن َي ْعلوا عليه»(‪.)7‬‬
‫اطنُ ‪« :‬ا�سم فاعل ملن ات�صف بالبطون‪ ،‬والبطون خالف الظهور‪ ،‬فعله‬ ‫‪ æ‬ال َب ِ‬
‫طن بطوناً»(‪ ،)8‬يقال‪« :‬بطنت هذا الأمر‪ :‬عرفت باطنه‪ ،‬ومنه الباطن يف �صفة‬ ‫طن َي ْب ُ‬
‫َب َ‬
‫اهلل »(‪ ،)9‬قال الزجاج‪(« :‬ال َباطِ ُن) هو العامل ببطانة ال�شيء»(‪ ،)10‬وقال ابن جرير‪:‬‬
‫«(ال َباطِ ُن) هو الباطن جلميع الأ�شياء‪ ،‬فال �شيء �أقرب �إلى �شيء منه»(‪.)11‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬


‫‪ æ‬الأ َّو ُل‪« :‬الذي لي�س قبله �شيء»(‪ ،)12‬وهو تف�سري �أعلم الب�شر باهلل ‪-‬تعالى‪،‬‬
‫أول فلي�س قبلك �شيء‪ ،)13()..‬قال ابن جرير‪:‬‬ ‫وخريهم‪ ،¤‬يف قوله‪ ..( :‬اللهم �أنت ال ُ‬
‫«(الأ َّو ُل) قبل كل �شيء بغري ح ّد»(‪ ،)14‬وقال َّ‬
‫اخلطابي‪(« :‬الأ َّو ُل) ال�سابق للأ�شياء‬
‫كلها‪ ،‬الكائن الذي مل يزل قبل وجود اخللق‪ ،‬فا�ستح َّق الأولية �إذ كان موجوداً وال‬
‫�شيء قبله»(‪ ،)15‬وقال البيهقي‪(« :‬الأ َّو ُل) الذي ال ابتداء لوجوده»(‪.)16‬‬
‫‪ æ‬ال ِآخ ُر‪« :‬الذي لي�س بعده �شيء»(‪ ،)17‬كما قال النبي ‪ ..( :¤‬و�أنت الآخر فلي�س‬
‫(‪�( )7‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)308:‬الظاهر)‪.‬‬
‫(‪�( )8‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)312 :‬الباطن)‬
‫(‪( )9‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ ‪� - 13 :‬ص‪( )55 :‬مادة‪ :‬بطن)‪.‬‬
‫(‪( )10‬تف�سري �أ�سماء اهلل احل�سنى) لأبي �إ�سحاق الزجاج (�ص ‪.)61‬‬
‫(‪ )11‬تف�سري الطربي (احلديد‪ -‬الآية‪.)2:‬‬
‫(‪( )12‬جمموع فتاوى ابن تيمية) جمع عبدالرحمن القا�سم (جـ‪� - 2:‬ص‪.)406 :‬‬
‫(‪ )13‬رواه م�سلم برقم (‪.)2713‬‬
‫(‪ )14‬تف�سري الطربي (احلديد‪ -‬الآية‪.)3:‬‬
‫(‪�( )15‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)87 :‬‬
‫(‪( )16‬االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص ‪.)44‬‬
‫(‪( )17‬جمموع فتاوى ابن تيمية) جمع عبدالرحمن القا�سم (جـ‪� - 2:‬ص‪.)406:‬‬
‫‪106‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫بعدك �شيء ‪ ،)18()..‬قال ابن جرير‪(« :‬الآخِ ُر) بعد كل �شيء بغري نهاية»(‪ ،)19‬وقال‬
‫اخلطابي‪(« :‬الآخِ ُر) الباقي بعد فناء اخللق»(‪ ،)20‬وقال البيهقي‪(« :‬الآخِ ُر) هو الذي‬
‫ال انتهاء لوجوده»(‪.)21‬‬
‫اه ُر‪« :‬الذي لي�س فوقه �شيء»(‪ ،)22‬كما ف�سرها خري الب�شر بقوله ‪..( :¤‬و�أنتَ‬ ‫‪َّ æ‬‬
‫الظ ِ‬
‫اهر فلي�س فوقك �شيء ‪)23()..‬؛ ولذا قال ابن القيم‪« :‬ا�سمه (الظاهر) من لوازمه‬ ‫َّ‬
‫الظ ُ‬
‫�أن ال يكون فوقه �شيء كما يف ال�صحيح‪( :‬و�أنت الظاهر فلي�س فوقك �شيء)‪ ،‬بل هو‬
‫‪�-‬سبحانه‪ -‬فوق كل �شيء‪ ،)24(»..‬ويقول ابن جرير‪َّ (« :‬‬
‫الظاهِ ُر) عال كل �شيء دونه‪،‬‬
‫وهو العايل فوق كل �شيء‪ ،‬فال �شيء �أعلى منه»(‪.)25‬‬
‫اطنُ ‪« :‬الذي لي�س دونه �شيء»(‪ ،)26‬وهو تف�سري النبي ‪ ¤‬بقوله‪ .. ( :‬و�أنت‬
‫‪ æ‬ال َب ِ‬
‫الباطنُ َفلي�س دونك �شيء ‪ .. ،)27()..‬يقول ابن جرير‪(« :‬ال َباطِ ُن) يقول‪ :‬وهو‬
‫الباطن جلميع الأ�شياء‪ ،‬فال �شيء �أقرب �إلى �شيء منه»(‪ ،)28‬ويقول ابن القيم‪« :‬و�أما‬
‫التعبد با�سمه (ال َباطِ ن) ف�إذا �شهدت �إحاطته بالعوامل وقرب البعيد منه‪ ،‬وظهور‬
‫البواطن له‪ ،‬وبدو ال�سرائر‪ ،‬و�أنه ال �شيء بينه وبينها‪ ،‬فعامله مبقت�ضى هذا ال�شهود‪،‬‬
‫وطهر له �سريرتك ف�إنها عنده عالنية‪ ،‬و�أ�صلح له غيبك ف�إنه عنده �شهادة‪ّ ،‬‬
‫وزك له‬
‫باطنك ف�إنه عنده ظاهر»(‪ ،)29‬ويقول ال�شيخ ال�سعدي‪(« :‬ال َباطِ ُن) يدل على اطالعه‬
‫(‪ )18‬رواه م�سلم برقم (‪.)2713‬‬
‫(‪ )19‬تف�سري الطربي (احلديد‪ -‬الآية‪.)3:‬‬
‫(‪�( )20‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)88 :‬‬
‫(‪( )21‬االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص ‪.)44‬‬
‫(‪( )22‬جمموع فتاوى ابن تيمية) جمع عبدالرحمن القا�سم (جـ‪� - 2:‬ص‪.)406 :‬‬
‫(‪ )23‬رواه م�سلم برقم (‪.)2713‬‬
‫(‪( )24‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ ‪� - 1 :‬ص‪.)31 :‬‬
‫(‪ )25‬تف�سري الطربي (احلديد‪ -‬الآية‪.)3:‬‬
‫(‪( )26‬جمموع فتاوى ابن تيمية) جمع عبدالرحمن القا�سم (جـ‪� - 2:‬ص‪.)406:‬‬
‫(‪ )27‬رواه م�سلم برقم (‪.)2713‬‬
‫(‪ )28‬تف�سري الطربي (احلديد‪ -‬الآية‪.)3:‬‬
‫(‪( )29‬طريق الهجرتني وباب ال�سعادتني) البن القيم (�ص‪.)25 :‬‬
‫المجموعة الثالثة ‪ :‬األول ‪ -‬اآلخر ‪ -‬الظاهر ‪ -‬الباطن‬ ‫‪107‬‬

‫على ال�سرائر‪ ،‬وال�ضمائر‪ ،‬واخلبايا‪ ،‬واخلفايا‪ ،‬ودقائق الأ�شياء‪ ،‬كما يدل على كمال‬
‫قربه ودنوه‪ ،‬وال يتنافى الظاهر والباطن؛ لأن اهلل لي�س كمثله �شيء يف كل النعوت‪،‬‬
‫فهو العلي يف دنوه‪ ،‬القريب يف علوه»(‪.)30‬‬
‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬
‫خل�ص ابن القيم ‪ -‬رحمه اهلل تعالى ‪ -‬الفروق بني هذه الأ�سماء الأربعة‪( :‬الأ َّو ُل‬
‫والظاهِ ُر وال َباطِ ُن) واحلكمة من اقرتانها جميع ًا؛ فقال‪ ..« :‬فمدار هذه الأ�سماء‬
‫والآخِ ُر َّ‬
‫الأربعة على الإحاطة‪ ،‬وهي �إحاطتان‪ :‬زمان َّية‪ ،‬ومكان َّية‪ ،‬ف�أحاطت �أول َّي ُته و�آخر َّي ُته‬
‫بال َق ْبلِ وال َب ْعدِ ‪ ،‬فكل �سابق انتهى �إلى �أول َّيتِه‪ ،‬وك ُل �آخرٍ انتهى �إلى �آخر َّيتِه‪ ،‬ف�أحاطت‬
‫�أول َّي ُته و�آخر َّي ُته بالأوائل والأواخر‪ ،‬و�أحاطت ظاهر َّي ُته وباطن َّي ُته بك ِّل ظاه ٍر وباطن‪،‬‬
‫فما من ظاهرٍ �إال واهلل فوقه‪ ،‬وما من باطن �إال واهلل دونه‪ ،‬وما من �أولٍ �إال واهلل‬
‫قبله‪ ،‬وما من �آخرٍ �إال واهلل بعده‪ ،‬فالأ َّو ُل ِق َد ُمه‪ ،‬والآخ ُر دوامه وبقا�ؤه‪ ،‬والظاهر‬
‫كل �شيء‬ ‫علوه وعظمته‪ ،‬والباطن قربه ودنوه‪ ،‬ف�سبق ك َّل �شيء ب�أول َّيته‪ ،‬وبقي بعد ُّ‬
‫ب�آخر َّيتِه‪ ،‬وعال على كل �شيء بظهوره‪ ،‬ودنا من كل �شيء ببطونه»(‪.)31‬‬
‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬
‫‪ æ‬الأ َّو ُل وال ِآخ ُر‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (الأ َّول) �صفة « (الأ َّولية)‬
‫ثابتة بالكتاب وال�سنة‪ ،‬ومعناه‪ :‬الذي لي�س قبله �شيء»(‪،)32‬‬ ‫وهي �صفة ذاتيـة هلل‬
‫وال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (الآخِ ر) �صفة « (الآخِ ِر َّية) وهي �صف ٌة ذاتي ٌة هلل‬
‫وج ّل َ‪ -‬ثابتة بالكتاب وال�سنة ‪ ..‬ومعناه‪ :‬الذي لي�س بعده �شيء»(‪ ،)33‬قال تعالى‪:‬‬ ‫‪َ -‬ع َّز َ‬
‫} ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ{[احل ــديد‪ ،]3:‬ويف احلديث‬
‫(‪( )30‬تف�سري �أ�سماء اهلل احل�سنى) لل�شيخ ال�سعدي (�ص‪.)170:‬‬
‫(‪( )31‬طريق الهجرتني وباب ال�سعادتني) البن القيم (�ص‪.)24 :‬‬
‫(‪�( )32‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)37 :‬‬
‫(‪�( )33‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)284 - 283 :‬‬
‫‪108‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫آخر فلي�س بعدَ َك �شيء ‪،)34()..‬‬ ‫�شيء‪ ،‬و� َ‬


‫أنت ال ُ‬ ‫أول فلي�س قبلك ٌ‬ ‫قوله‪( :¤‬اللهم �أنت ال ُ‬
‫يقول ابن القيم‪« :‬ف�أحاطت �أَوليته و�آخريته بالقبل والبعد‪ ،‬فكل �سابق انتهى ِ�إلى‬
‫�أَوليته‪ ،‬وكل �آخر انتهى ِ�إلى �آخريته‪ ،‬ف�أَحاطت �أَوليته و�آخريته بالأَوائل والأَواخر ‪..‬‬
‫وما من �أول �إال واهلل قبله‪ ،‬وما من �آخر �إال واهلل بعده‪ ،‬فالأَول قدمه‪ ،‬والآخر دوامه‬
‫وبقا�ؤه‪ .. ،‬ف�سبق كل �شيء ب�أَوليته وبقى بعد كل �شيء ب�آخريته»(‪ ،)35‬ويقول البيهقي‪:‬‬
‫«(الأ َّو ُل) الذي ال ابتداء لوجوده‪( ،‬الآخِ ُر) الذي ال انتهاء لوجوده‪ ،‬وهما �صفتان‬
‫ي�ستحقهما بذاته»(‪.)36‬‬
‫اطنُ ‪ :‬ال�صفات امل�شتقة من ا�سميه ‪�-‬سبحانه ( َّ‬
‫الظاهِ ُر وال َباطِ ُن)‬ ‫اه ُر وال َب ِ‬ ‫‪َّ æ‬‬
‫الظ ِ‬
‫�صفتا (الظهور)(‪ )37‬و(البطون)(‪ ،)38‬وهما من �صفات اهلل الذاتية الثابتة بالكتاب‬
‫وال�سنــة‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ{[احلديد‪،]3:‬‬
‫اهر فلي�س فوقك �شيء‪ ،‬و�أنت الباطنُ َفلي�س دونك‬ ‫أنت َّ‬
‫الظ ُ‬ ‫ويف احلديث قوله ‪..( :¤‬و� َ‬
‫�شيء)(‪ .)39‬يقول ابن القيم‪« :‬وظاهريته ‪�-‬سبحانه‪ -‬فوقيته وعلوه على كل �شيء‪،‬‬
‫ومعنى الظهور يقت�ضى العلو‪ ،‬وظاهر ال�شيء هو ما عال منه و�أحاط بباطنه‪.‬‬
‫وبطونه ‪�-‬سبحانه‪�ِ -‬إحاطته بكل �شيء بحيث يكون �أقرب �إليه من نف�سه‪ ،‬وهذا قرب‬
‫غري قرب املحب من حبيبه‪ ،‬هذا لون وهذا لون ‪ ..‬و�أَحاطت ظاهريته وباطنيته‬
‫بكل ظاهر وباطن‪ ،‬فما من ظاهر �إال واهلل فوقه‪ ،‬وما من باطن ِ�إال واهلل دونه ‪..‬‬
‫فعال على كل �شيء بظهوره‪ ،‬ودنا من كل �شيء ببطونه »(‪ ،)40‬وقال البيهقي عن ا�سميه‬
‫الظاهِ ر َوال َباطِ ن)‪« :‬وهما من �صفات الذات»(‪.)41‬‬
‫‪�-‬سبحانه ( َّ‬
‫(‪ )34‬رواه م�سلم برقم (‪.)2713‬‬
‫(‪( )35‬طريق الهجرتني وباب ال�سعادتني) البن القيم (�ص‪.)25 :‬‬
‫(‪( )36‬االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص ‪.)44‬‬
‫(‪�( )37‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)310:‬الظاهر)‬
‫(‪�( )38‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)314 :‬الباطن)‬
‫(‪ )39‬رواه م�سلم برقم (‪.)2713‬‬
‫(‪( )40‬طريق الهجرتني وباب ال�سعادتني) البن القيم (�ص‪.)24 :‬‬
‫(‪( )41‬االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص ‪.)44‬‬
‫المجموعة الثالثة ‪ :‬األول ‪ -‬اآلخر ‪ -‬الظاهر ‪ -‬الباطن‬ ‫‪109‬‬

‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬


‫‪ æ‬ال ِآخ ُر ‪ :‬اقرتن مع ا�سمه (الأ َّول) يف قوله تعالى‪ } :‬ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ{[احلديد‪ ،]3:‬وذلك للداللة على الإحاطة الزمانية‪ ،‬وكما قال‬
‫ابن القيم عنهما‪« :‬ا�سمان لأزل الرب تعالى و�أبده»(‪ .. )42‬وقال يف مو�ضع �آخر‪« :‬ف�أحاطت‬
‫�أوليته و�آخريته بالقبل والبعد‪ ،‬فكل �سابق انتهى �إلى �أوليته‪ ،‬وكل �آخر انتهى �إلى‬
‫�آخريته‪ ،‬ف�أحاطت �أوليته و�آخريته بالأوائل والأواخر ‪ ..‬وما من �أول �إال واهلل قبله‪،‬‬
‫وما من �آخر �إال واهلل بعده‪ ،‬فالأول قِدمه‪ ،‬والآخِ ر دوامه وبقا�ؤه»(‪ ،)43‬ويقول يف مو�ضع‬
‫�آخر‪..« :‬قال اهلل تعالى‪ } :‬ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ{[حممد‪،]17 :‬‬
‫فهداهم �أو ً‬
‫ال فاهتدوا فزادهم هدى ثان ًيا‪ ...‬وهذا من �سر ا�سميه (الأ َّو ُل والآخِ ُر)‪:‬‬
‫فهو املعد وهو املمد‪ ،‬ومنه ال�سبب واملُ�س َّبب‪ ,‬وهو الذي يعيذ من نف�سه بنف�سه‪ ,‬كما‬
‫قال �أعرف اخللق به ‪( :¤‬و�أعوذ بك منك)(‪.)45(»)44‬‬
‫اطنُ ‪ :‬اقرتن مع ا�سمه ( َّ‬
‫الظاهِ ر)‪ ،‬للداللة على الإحاطة املكانية‪ ،‬وكما قال ابن‬ ‫‪ æ‬ال َب ِ‬
‫القيم عنهما‪« :‬ا�سمان لعلوه وقربه»(‪ .. )46‬وقال يف مو�ضع �آخر‪ ..« :‬و�أحاطت ظاهريته‬
‫وباطنيته بكل ظاهر وباطن‪ ،‬فما من ظاهر �إال واهلل فوقه‪ ،‬وما من باطن �إال واهلل‬
‫دونه‪ ..‬والظاهر علوه وعظمته‪ ،‬والباطن قربه ودنوه ‪ ..‬وعال على كل �شيء بظهوره‪،‬‬
‫أر�ضاً‪ ،‬وال يحجب‬ ‫ودنا من كل �شيء ببطونه‪ ،‬فال تواري منه �سما ٌء �سما ًء وال � ٌ‬
‫أر�ض � ً‬
‫عنه ظاهر باط ًنا‪ ،‬بل الباطن له ظاهر‪ ،‬والغيب عنده �شهادة‪ ،‬والبعيد منه قريب‪،‬‬
‫وال�سر عنده عالنية»(‪.)47‬‬
‫(‪( )42‬املرتع الأ�سنى ‪ ..‬من كتب ابن القيم) لعبد العزيز الداخل (�ص‪.)403 :‬‬
‫(‪( )43‬طريق الهجرتني وباب ال�سعادتني) البن القيم (�ص‪.)24 :‬‬
‫(‪ )44‬رواه م�سلم برقم (‪.)486‬‬
‫(‪( )45‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ ‪� :1‬ص‪.)313 :‬‬
‫(‪( )46‬املرتع الأ�سنى ‪ ..‬من كتب ابن القيم) لعبد العزيز الداخل (�ص‪.)403 :‬‬
‫(‪( )47‬طريق الهجرتني وباب ال�سعادتني) البن القيم (�ص‪.)24 :‬‬
‫‪110‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪� ‬سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪:‬‬


‫‪ æ‬الأثر العلمي االعتقادي‪:‬‬
‫تفرد اهلل العظيم بالكمال املطلق والإحاطة املطلقة الزمانية يف (الأ َّول والآخِ ر) و�أن‬
‫آخر لي�س‬
‫كل املخلوقات يف ابتدائها تنتهي �إلى � ٍأول لي�س قبله �شيء‪ ،‬كما تنتهي يف �آخرها �إلى � ٍ‬
‫بعده �شيء‪ ،‬كما تفرد ‪�-‬سبحانه‪ -‬بالإحاطة املكانية يف ( َّ‬
‫الظاهِ ر وال َباطِ ن)‪ ،‬و�أن ظهوره هو‬
‫العلو الذي لي�س فوقه �شيء‪ ،‬وبطونه هو كمال قربه ودنوه و�إحاطته التي ال يكون دونه فيها �شيء‪.‬‬
‫‪ æ‬الأثر العملي‪:‬‬
‫‪1.1‬الت�سليم املطلق هلل ‪-‬تعالى‪ -‬والإميان مبا جاء يف كتابه‪ ،‬وعلى ل�سان ر�سوله ‪،¤‬‬
‫و�أنه ال مدخل للعقل يف ذلك بحال من الأحوال‪ ،‬و�أن اهلل ‪�-‬سبحانه‪ -‬له من الكمال‬
‫واجلمال وال�صفات العليا ما ال يدركه عقل‪ ،‬و�أن ذلك من �أعظم و�سائل دفع‬
‫الو�ساو�س‪ ،‬وما يلقيه ال�شيطان اخلنا�س يف �صدور النا�س‪ .‬يقول �شيخ الإ�سالم ابن‬
‫تيمية‪« :‬والرب ‪-‬تعالى‪ -‬ال يكون �شيء �أعلى منه قط‪ ،‬بل هو العلي الأعلى‪،‬‬
‫وال يزال هو العلي الأعلى مع �أنه يقرب �إلى عباده ويدنو منهم‪ ،‬وينزل‬
‫�إلى حيث �شاء‪ ،‬وي�أتي كما �شاء‪ ،‬وهو يف ذلك العلي الأعلى‪ ،‬الكبري املتعال‪،‬‬
‫قريب يف علوه‪ ،‬فهذا و�إن مل يت�صف به غريه؛ فلعجز املخلوق‬ ‫علي يف دنوه‪ٌ ،‬‬‫ٌّ‬
‫�أن يجمع بني هذا وهذا‪ ،‬كما يعجز �أن يكون هو الأول والآخر‪ ،‬والظاهر‬
‫والباطن‏‪ ،‬ولهذا قيل لأبي �سعيد ا َ‬
‫خل َّراز‏‪:‬‏ مب عرفت اهلل‏؟‪ ،‬قال‏‪:‬‏‏باجلمع بني‬
‫النقي�ضني‏؛ و�أراد �أنه يجتمع له ‪� -‬سبحانه ‪ -‬ما يتناق�ض يف حق اخللق»(‪.)48‬‬
‫‪2.2‬التوكل على اهلل وحده‪ ،‬ودوام الفقر �إليه دون كل �شيء �سواه‪ ،‬و�أن الأمر ابتد�أ‬
‫منه و�إليه يرجع‪ ،‬فهو املبتدئ بالف�ضل والإح�سان حيث ال �سبب وال و�سيلة‪ ،‬و�إليه‬
‫تنتهي الأ�سباب والو�سائل‪ ،‬فهو �أول كل �شيء و�آخره‪ ،‬وكما �أنه رب كل �شيء وفاعله‬
‫(‪( )48‬جمموع فتاوى ابن تيمية) جمع عبدالرحمن القا�سم (جـ‪� - 16:‬ص‪.)425-424:‬‬
‫المجموعة الثالثة ‪ :‬األول ‪ -‬اآلخر ‪ -‬الظاهر ‪ -‬الباطن‬ ‫‪111‬‬

‫وخالقه وبارئه‪ ،‬فهو �إلهه وغايته التي ال �صالح له‪ ،‬وال فالح‪ ،‬وال كمال �إال ب�أن‬
‫يكون وحده غايته ونهايته ومق�صوده‪.‬‬
‫‪3.3‬توجه القلب �إليه‪ ،‬ومتام الذل بني يديه‪ ،‬واخل�ضوع جلنابه وعظمته‪ ،‬وال�ضراعة‬
‫�إليه وحده دون �سواه‪ ،‬مع تزكية النف�س و�إ�صالحها‪ ،‬وتطهري الباطن وتنقية القلب‬
‫وعمارته بالإميان والتقى‪ ،‬فهو ‪�-‬سبحانه‪ -‬حميط بالعوامل‪ ،‬وعليم بالبواطن‬
‫وال�سرائر‪ ،‬وكما ق ـ ــال عن نف�سه �سبحانـ ـ ــه‪ } :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ{[طه‪]7:‬‬
‫‪4.4‬الإخال�ص يف العمل و�أن خري ما يدخره املرء لنف�سه هو ما �أريد به وجه اهلل‬
‫‪-‬تبارك وتعالى‪ ،‬فهو ‪�-‬سبحانه‪ -‬املتفرد بالبقاء الأبدي ال�سرمدي‪ ،‬وقد ذكر ابن‬
‫القيم �أن التعبد هلل با�سمه (الآخر) �أن جتعله وحده غايتك‪ ،‬فكما انتهت �إليه‬
‫الأواخر‪ ،‬وكان بعد كل �آخر فكذلك اجعل نهايتك �إليه‪.‬‬
‫‪5.5‬حمبة الأولية يف طلب اخلري‪ ،‬وطلب الأ�سبقية يف التزام الأمر‪ ،‬قال ‪-‬تعالى‪-‬‬
‫يف و�صف عباده املوحدين‪ } :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ{‬
‫[امل�ؤمنون‪ ،]61:‬فليحر�ص املرء على اال�ستزادة من الأعمال ال�صاحلة‪ ،‬واال�ستكثار‬
‫منها‪ ،‬و�أن ف�ضل اهلل وجوده ال نهاية له‪ ،‬يقول ابن القيم ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪..« :‬‬
‫الغايات والنهايات ك ُّلها �إليه تنتهي‪} :‬ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ{[النجم‪]42 :‬؛‬
‫فانتهت �إليه الغايات والنهايات‪ ،‬ولي�س له ‪�-‬سبحانه‪ -‬غاي ٌة والنهاي ٌة؛ ال‬
‫يف وجوده‪ ،‬وال يف مزيد جوده‪� ،‬إذ هو الأول الذي لي�س قبله �شيء‪ ،‬والآخر‬
‫الذي لي�س بعده �شيء‪ ،‬وال نهاية حلمده وعطائه؛ بل ك َّلما ازداد له العبد‬
‫ال‪ ،‬وك َّلما ازداد له طاعة؛ زاده ملجده مثوبة‪ ،‬وك َّلما ازداد منه‬
‫�شك ًرا زاده ف�ض ً‬
‫قر ًبا الح له من جالله وعظمته ما مل ي�شاهده قبل ذلك‪ ،‬وهكذا �أبدًا ال‬
‫يقف على غاية وال نهايةٍ؛ ولهذا جاء‪�( :‬إ َّن �أهل اجلنة يف مزيدٍ ٍ‬
‫دائم بال‬
‫انتهاء)»(‪.)49‬‬
‫(‪( )49‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ ‪� :2‬ص ‪.)268‬‬
‫‪112‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫اط ُن)‪ :‬من �أ�سماء الذات الدالة على �صفات‬ ‫اه ُر وال َب ِ‬ ‫َّ‬
‫والظ ِ‬ ‫(الأ َّو ُل وال ِآخ ُر‬
‫والظهور والبطون) وهي �صفات ذات‪ ،‬مل يزل ‪-‬وال‬ ‫اهلل الذاتية (الأ َّولية والآخرية َّ‬
‫يزال‪ -‬اهلل مت�صف ًا بها‪ ،‬وال َت َعلُّقَ لها بامل�شيئة؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل‪ ،‬والتو�سل‬
‫�إليه‪ ،‬والثناء عليه‪ ،‬وتعظيمه ومتجيده بها يف جميع �أغرا�ض الدعاء وحاجات العبد الدينية‬
‫والدنيوية؛ ك�س�ؤال اهلل مغفرة الذنوب‪ ،‬والنجاة من عذاب القرب‪ ،‬وق�ضاء ال َّدين واال�ستعاذة‬
‫�شيء‪ ،‬و�أنتَ ال ُ‬
‫آخر‬ ‫أول فلي�س قبلك ٌ‬ ‫من الفقر‪ ،‬ومن ذلك قوله ‪ .. ( :¤‬اللهم �أنت ال ُ‬
‫الباطن َفلي�س دونك‬
‫ُ‬ ‫اهر فلي�س فوقك �شيء‪ ،‬و�أنت‬ ‫فلي�س بعدَ َك �شيء‪ ،‬و�أنتَ َّ‬
‫الظ ُ‬
‫�أن النبي ‪¤‬‬ ‫الدين و�أغْ ِننا من الفقر)(‪ ،)50‬ومن حديث �أم �سلمة‬
‫�ض عنا َّ‬ ‫�شيء‪ْ ،‬‬
‫اق ِ‬
‫كان يدعو به�ؤالء الكلمات ‪(:‬اللهم �أنت الأ َّو ُل فال �شيء قبلك‪ ،‬و�أنت ال ِآخ ُر فال �شيء‬
‫بعدك‪� ،‬أعوذ بك من �شر كل دابة نا�صيتها بيدك‪ ،‬و�أعوذ بك من الإثم‪ ،‬والك�سل‪،‬‬
‫وعذاب القرب‪ ،‬وفتنة الغنى‪ ،‬وفتنة الفقر‪ ،‬و�أعوذ بك من امل�أثم واملغرم‪ ،‬اللهم نقني‬
‫من اخلطايا كما نقيت الثوب الأبي�ض من الدن�س‪ ،‬اللهم باعد بيني وبني خطاياي‬
‫كما باعدت بني امل�شرق واملغرب)(‪.)51‬‬
‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬
‫‪ æ‬قال ر�سول اهلل ‏ ‏‪�(:¤‬إن ال�شيطان ي�أتي �أحدكم فيقول‪ :‬من خلق ال�سماء؟‬
‫فيقول‪ :‬اهلل‪ .‬فيقول من خلق الأر�ض؟ فيقول‪ :‬اهلل‪ .‬فيقول‪ :‬من خلق اهلل؟! ف�إذا‬
‫وجد ذلك �أحدكم فليقل‪� :‬آمنت باهلل و ر�سوله)(‪.)52‬‬
‫(‪ )50‬رواه م�سلم برقم (‪.)2713‬‬
‫(‪� )51‬أخرجه احلاكم يف (امل�ستدرك) (جـ‪� – 1 :‬ص‪ – 705 :‬برقم‪ )1922 :‬وقال‪ :‬هذا حديث �صحيح الإ�سناد‪ ،‬و�أخرجه‬
‫الطرباين يف (املعجم الكبري) (جـ‪� – 23 :‬ص‪ 316 :‬برقم‪ ،)717 :‬والأو�سط (جـ‪� – 6 :‬ص‪ 213 :‬برقم‪ ،)6218 :‬وابن عبد الرب‬
‫يف (التمهيد) (جـ‪� – 24 :‬ص‪ ،)54-53 :‬و�أخرجه الهيثمي يف جممع الزوائد (جـ‪� – 10:‬ص‪ )176:‬وقال‪ :‬رواه الطرباين يف‬
‫الأو�سط‪ ،‬ورجاله رجال ال�صحيح غري حممد بن زنبور‪ ،‬وعا�صم بن عبيد‪ ،‬وهما ثقتان‪.‬‬
‫(‪ )52‬رواه الطرباين و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)1656‬‬
‫المجموعة الثالثة ‪ :‬األول ‪ -‬اآلخر ‪ -‬الظاهر ‪ -‬الباطن‬ ‫‪113‬‬

‫‪ æ‬عن �أبي هريرة ‹ قال‪ :‬قال يل ر�سول اهلل ‪( :¤‬ال يزال ي�س�ألونك يا �أبا‬
‫هريرة‪ ،‬حتى يقولوا‪ :‬هذا اهلل‪ ،‬فمن خلق اهلل؟!) قال‪ :‬فبينا �أنا يف امل�سجد؛ �إذ جاءين‬
‫نا�س من الأعراب‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا �أبا هريرة‪ ،‬هذا اهلل‪ ،‬فمن خلق اهلل؟ قال‪« :‬ف�أخذ ح�صى‬
‫بكفه فرماهم‪ .‬قال‪ :‬قوموا‪ ،‬قوموا‪� ،‬صدق خليلي»(‪.)53‬‬
‫‪ æ‬عن �أبي زميل قال‪�« :‬س�ألت ابن عبا�س فقلت‪ :‬ما �شيء �أجده يف �صدري؟‬
‫قال‪ :‬ما هو؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬واهلل ال �أتكلم به‪ .‬قال‪ :‬فقال يل‪� :‬أ�شي ٌء من �شك؟ قلت‪ :‬بلى!‬
‫فقال يل‪ :‬ما جنا من ذلك �أحد! حتى �أنز َل اهلل‪} :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫وجدت يف نف�سك �شي ًئا‪َ ،‬ف ُق ْل‪ } :‬ﯴ ﯵ‬
‫َ‬ ‫ﯤ{[يون�س‪ ،]94 :‬قال‪ :‬فقال يل‪ :‬ف�إذا‬
‫ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ{[احلديد‪.)54(»]3:‬‬
‫‪ æ‬قال �أبو حف�ص لأبي عثمان الني�سابوري‪� :‬إذا جل�ست للنا�س فكن ً‬
‫واعظا لقلبك‬
‫ونف�سك‪ ،‬وال يغرنك اجتماعهم عليك‪ ،‬ف�إنهم يراقبون ظاهرك‪ ،‬واهلل يراقب‬
‫باطنك»(‪.)55‬‬
‫‪ æ‬قال تعالى عن �أهل اجلنة ونعيمها وخلود �أهلها‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ {[الن�ساء‪ ،]122:‬وقال تعالى عن �أهل النار‬
‫وعذابهم ودوام �شقائهم‪ } :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫{[اجلن‪ ،]23:‬قد يبدو يف الظاهر �أن بقاء �أهل اجلنة والنار متعار�ض مع �إفراد اهلل بالبقاء‬
‫و�أنه الآخر الذي لي�س بعده �شيء!‪ ،‬لكن هذا التعار�ض يزول �إذا علمنا �أن (البقاء) �صفة ذاتية‬
‫هلل مالزمة للذات‪ ،‬كما �أن الأزلية (الأولية) �صفة ذاتية له �أي�ضا‪� ،‬أما بقاء املخلوقات‬
‫(‪ )53‬رواه م�سلم برقم (‪.)135‬‬
‫(‪ )54‬رواه �أبو ادود وح�سنه الألباين يف �صحيح �أبي داود برقم (‪.)5110‬‬
‫(‪( )55‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ ‪� - 2 :‬ص‪.)66 :‬‬
‫‪114‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫يف اجلنة والنار وخلودهم و�أبدي ِتهم فهو لي�س من طبيعتها وال من خ�صائ�صها الذاتية‪ ،‬بل‬
‫من طبيعتها جميعا الفناء‪ ،‬ولكن ُكتب لها اخللود ب�إرادة اهلل و�إبقائه‪ ،‬قال د‪.‬الر�ضواين‪:‬‬
‫«ال بد �أن نفرق يف ق�ضية البقاء والآخرية بني ما يبقى ببقاء اهلل وما يبقي ب�إبقاء‬
‫اهلل‪� ،‬أو نفرق بني بقاء الذات وال�صفات الإلهية وبقاء املخلوقات التي �أوجدها اهلل‬
‫كاجلنة والنار وما فيهما‪ ،‬فاجلنة مثال باقية ب�إبقاء اهلل‪ ،‬وما يتجدد فيها من نعيم‬
‫متوقف يف وجوده على م�شيئة اهلل‪� ،‬أما ذاته و�صفاته فباقية ببقائه‪ ،‬و�شتان بني ما‬
‫يبقي ببقاء اهلل وما يبقي ب�إبقائه‪ ،‬فاجلنة خملوقة خلقها اهلل وكائنة ب�أمره وهي‬
‫رهن م�شيئته وحكمه؛ فم�شيئة اهلل حاكمة على ما يبقى فيها وما ال يبقى‪ ،‬ومن ثم‬
‫ف�إن ال�سلف ال�صالح يعتربون خلد اجلنة و�أهلها �إلى ما ال نهاية �إمنا هو ب�إبقاء اهلل‬
‫و�إرادته‪ ،‬فالبقاء عندهم لي�س من طبيعة املخلوقات وال من خ�صائ�صها الذاتية‪ ،‬بل‬
‫من طبيعتها جميعا الفناء‪ ،‬فاخللود لي�س لذات املخلوق �أو طبيعته‪ ،‬و�إمنا هو مبدد‬
‫دائم من اهلل تعالى و�إبقاء م�ستمر ال ينقطع»(‪.)56‬‬

‫(‪�( )56‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪(.)271 :‬الآخر)‪،‬‬


‫المجموعة الرابعة ‪ :‬الحميد ‪ -‬الجميل ‪ -‬الطيب‬ ‫‪115‬‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ‪4‬ـــــــــة‬
‫حل ْم ُد وال َث َن ُ‬
‫اء‬ ‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ا َ‬
‫(‪)13 - 12 - 11‬‬
‫يل ‪َّ -‬‬
‫الط ِّي ُب‬ ‫ميد ‪ -‬ا َ‬
‫جل ِم ُ‬ ‫حل ُ‬ ‫ا َ‬
‫‪116‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الـمـجـمـوعــ‪4‬ـــة‬
‫حل ْمدُ وال َث َن ُ‬
‫اء‬ ‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ا َ‬
‫(‪)13 - 12 - 11‬‬
‫حلميدُ ‪ -‬ا َ‬
‫جلم ُ‬
‫ِيل ‪َّ -‬‬
‫الط ِّي ُب‬ ‫ا َ‬
‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫حلميدُ ‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 17‬مرة)‪ ،‬منها قوله تعالى‪ }:‬ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫‪æ‬ا َ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ{ [فاطر‪ ،]15:‬ومن ال�سنة حديث كعب بن ُعجرة‹‬
‫يف الت�شهد‪ ،‬وفيه قوله ‪ ..( :¤‬قولوا‪ :‬اللهم ِّ‬
‫�صل على حممد وعلى �آل حممد‪ ،‬كما �صليت‬
‫على �إبراهيم وعلى �آل �إبراهيم‪� ،‬إنك حميد جميد)(‪.)1‬‬
‫ِيل‪ :‬مل يرد ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ا َ‬
‫جلمِ يل) يف القر�آن الكرمي‪ ،‬و�إمنا ورد يف‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫جلم ُ‬
‫ال�سنة النبوية من حديث عبداهلل بن م�سـعود ‹‪ :‬عن النبي ‪ ¤‬قال‪( :‬ال يدخل اجلنة‬
‫من كان يف قلبه مثقال ذرة من كرب) ‪ ..‬قال رجل‪� :‬إن الرجل يحب �أن يكون ثوبه‬
‫ٌ‬
‫جميل يحب اجلمال‪ ،‬الكرب بطر احلق‬ ‫ح�س ًنا‪ ،‬ونعله ح�س ًنا‪ ،‬فقال ‪�( :¤‬إن اهلل‬
‫وغمط النا�س)(‪.)2‬‬
‫‪َّ æ‬‬
‫الط ِّي ُب‪ :‬مل يرد ا�سمه ‪�-‬سبحانه ( َّ‬
‫الط ِّي ُب) يف القر�آن الكرمي‪ ،‬و�إمنا ورد يف ال�سنة‬
‫طيب وال‬
‫النبوية من حديث �أبي هريرة ‹‪� :‬أن ر�سول اهلل ‪ ¤‬قال‪�( :‬أيها النا�س‪� ،‬إن اهلل ٌ‬
‫يقبل �إال طي ًبا ‪.)3()..‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬
‫‪æ‬ا َ‬
‫حلميدُ ‪�« :‬صيغة مبالغة على وزن فعيل مبعنى ا�سم املفعول وهو املحمود‪،‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬رواه البخاري برقم (‪ )3370‬وم�سلم برقم (‪.)406‬‬
‫(‪ )2‬رواه م�سلم برقم (‪.)91‬‬
‫(‪ )3‬رواه م�سلم برقم (‪.)1015‬‬
‫المجموعة الرابعة ‪ :‬الحميد ‪ -‬الجميل ‪ -‬الطيب‬ ‫‪117‬‬

‫فعله َحمِ َد َيح َم ُد ح ْمداً‪ ،‬واحلمد نقي�ض الذم‪ ،‬مبعنى ال�شكر والثناء ‪ ..‬و(احلميد)‬
‫فعيل» من‬‫حلمي ُد) « ٌ‬ ‫‪�-‬سبحانه‪ -‬هو امل�ستحق للحمد والثناء»(‪ ،)4‬قال ابن القيم‪(« :‬ا َ‬
‫ال» �إذا عدل به عن‬ ‫احلمد‪ ،‬وهو مبعنى حممود ‪ ..‬وهو �أبلغ من املحمود‪ ،‬ف�إن «فعي ً‬
‫«مفعول» دل على �أن تلك ال�صفة قد �صارت مثل ال�سجية الغريزية‪ ،‬واخللق الالزم ‪..‬‬
‫ولهذا كان حبيب �أبلغ من حمبوب؛ لأن احلبيب الذي ح�صلت فيه ال�صفات والأفعال‬
‫التي ُيحب لأجلها‪ ،‬فهو حبيب يف نف�سه و�إن ُقدِّر �أن غريه ال يحبه لعدم �شعوره به‪� ،‬أو‬
‫ملانع منعه من حبه‪ ،‬و�أما املحبوب فهو الذي تعلق به حب املحب‪ ،‬ف�صار حمبوباً بحب‬
‫الغري له‪ ،‬و�أما احلبيب فهو حبيب بذاته و�صفاته‪ ،‬تعلق به حب الغري �أو مل يتعلق ‪..‬‬
‫حلمي ُد) الذي له من ال�صفات و�أ�سباب احلمد ما يقت�ضي �أن يكون حمموداً و�إن‬ ‫فـ(ا َ‬
‫مل يحمده غريه‪ ،‬فهو حميد يف نف�سه‪ ،‬واملحمود من تعلق به حمد احلامدين»(‪.)5‬‬
‫جلمال‪ ،‬فعله َج ُم َل َيج ُمل َجما ًال‪ ،‬فهو‬ ‫ِيل‪�« :‬صفة م�شبهة للمو�صوف با َ‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫جلم ُ‬
‫جلمِ ي ُل)‬
‫حل ْ�س ُن والبهاء‪ ،‬وهو نقي�ض القبح»(‪ .)6‬قال اله َّرا�س‪(« :‬ا َ‬ ‫جميل‪ ،‬واجلمال‪ :‬ا ُ‬
‫هو ا�سم له ‪�-‬سبحانه‪ -‬من اجلمال‪ ،‬وهو احل�سن الكثري»(‪.)7‬‬
‫يب طِ يباَ‬ ‫‪ æ‬الطَّ ِّي ُب‪�« :‬صفة م�شبهة للمو�صوف بالطِ يب‪ ،‬فعله َ‬
‫طاب يطِ ُ‬
‫خلبيث‪ ،‬والط ِّي ُب من كل �شي ٍء‬ ‫الط ِّي ُب خالف ا َ‬ ‫وطِ يبة‪ ،‬فهو ط ِّيب»(‪ ،)8‬و« َّ‬
‫ف�ض ُله و�أَح�سنُه ‪ ..‬و َب ْل َدة َط ِّيبة �أَي �آمن ٌة كثري ُة‬
‫والط ِّيباتُ من الكالم �أَ َ‬ ‫�أَ َ‬
‫ف�ض ُله‪َّ ،‬‬
‫الط ِّي ُب مبعنى الطاهر»(‪ .)9‬وقال النووي‪�« :‬أ�صل الطيب‬ ‫اخلري ‪ ..‬وقد َي ِر ُد َّ‬
‫الزكاة والطهارة وال�سالمة من اخلبث»(‪.)10‬‬
‫(‪�( )4‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)501:‬احلميد)‬
‫(‪( )5‬جالء الأفهام) البن القيم (‪.)244 - 243‬‬
‫(‪ )6‬معجم اللغة العربية املعا�صرة للدكتور �أحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ج م ل)‪.‬‬
‫(‪�( )7‬شرح الق�صيدة النونية) للدكتور حممد خليل هرا�س (جـ‪� - 2:‬ص‪.)69 :‬‬
‫(‪ )8‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ط ي ب)‪.‬‬
‫(‪( )9‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ‪� - 1 :‬ص‪ 563 :‬و ‪.)566‬‬
‫(‪�( )10‬شرح م�سلم) للنووي (جـ‪� - 7:‬ص ‪.)100‬‬
‫‪118‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬


‫‪æ‬ا َ‬
‫حلميدُ ‪« :‬املحمود يف جميع �أفعاله و�أقواله‪ ،‬و�شرعه وقدره»(‪ ،)11‬قال ابن جرير‪:‬‬
‫حلمي ُد) املحمود عند خلقه مبا �أوالهم من نعمه‪ ،‬وب�سط لهم من ف�ضله»(‪ ،)12‬وقال‬ ‫«(ا َ‬
‫حلمي ُد) املحمود الذي ا�ستحق احلمد بفعاله ‪..‬الذي ُيحمد يف ال�سراء‬ ‫اخلطابي‪(« :‬ا َ‬
‫وال�ضراء‪ ،‬ويف ال�شدة والرخاء؛ لأنه حكيم ال يجري يف �أفعاله الغلط‪ ،‬وال يعرت�ضه‬
‫حلمي ُد) املحمود على‬ ‫اخلط�أ‪ ،‬فهو حممود على كل حال»(‪ ،)13‬ويقول ابن القيم‪( ..« :‬ا َ‬
‫كل حال‪ ،‬ويف كل �آن و َن َف ٍ�س‪ ،‬وعلى كل ما فعل‪ ،‬وكل ما �شرع‪ ،‬وعلى كل ما هو مت�صف به‪،‬‬
‫وعلى كل ما هو منزه عنه‪ ،‬وعلى كل ما يف الوجود من خري و�شر‪ ،‬ولذة و�أمل‪ ،‬وعافية‬
‫وبالء ‪ ..‬وما َع َم َرت الدنيا �إال بحمده‪ ،‬وال اجلنة �إال بحمده‪ ،‬وال النار �إال بحمده‪،‬‬
‫حتى �أن �أهلها ليحمدونه‪ ،‬كما قال احل�سن‪( :‬لقد دخل �أهل النا ِر النا َر‪ ،‬و�إن قلوبهم‬
‫لتحمده‪ ،‬ما وجدوا عليه من حجة وال �سبيل)»(‪ ،)14‬ويقول ال�شيخ ال�سعدي‪(« :‬ا َ‬
‫حلمي ُد)‬
‫يف ذاته و�أ�سمائه و�صفاته و�أفعاله‪ ،‬فله من الأ�سماء �أح�سنها‪ ،‬ومن ال�صفات �أكملها‪،‬‬
‫ومن الأفعال �أمتها و�أح�سنها‪ ،‬ف�إن �أفعاله ‪-‬تعالى‪ -‬دائرة بني الف�ضل والعدل»(‪.)15‬‬
‫‪ æ‬ا َ‬
‫جلم ُ‬
‫ِيل‪« :‬من له نعوت احل�سن والإح�سان‪ ،‬اجلميل يف ذاته و�أ�سمائه و�صفاته‬
‫جلمِ ي ُل) الذي له اجلمال التام الكامل من جميع‬ ‫و�أفعاله»(‪ ،)16‬قال ابن القيم‪(« :‬ا َ‬
‫الوجوه؛ جمال الذات‪ ،‬وجمال ال�صفات‪ ،‬وجمال الأفعال‪ ،‬وجمال الأ�سماء‪ ،‬و�إذا ُجمع‬
‫جمال املخلوقات كله على �شخ�ص واحد‪ ،‬وكانت جميعها على جمال ذلك ال�شخ�ص‪،‬‬
‫ثم ن�سب هذا اجلمال �إلى جمال الرب ‪-‬تبارك وتعالى‪ -‬كان �أق َّل من ن�سبة �سراج‬
‫�ضعيف �إلى عني ال�شم�س»(‪ ،)17‬وقال اله َّرا�س‪« :‬والثابت له ‪�-‬سبحانه‪ -‬من هذا الو�صف‬
‫(‪( )11‬تف�سري القر�آن الكرمي) البن كثري (البقرة‪()267 :‬جـ‪�-1:‬ص‪.)321‬‬
‫(‪( )12‬تف�سري الطربي) عند تف�سري (البقرة‪.)267 :‬‬
‫(‪�( )13‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)78 :‬‬
‫(‪( )14‬املرتع الأ�سنى‪..‬من كتب ابن القيم) لعبد العزيز الداخل (‪.)420-419‬‬
‫(‪ )15‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)17 :‬‬
‫(‪( )16‬تو�ضيح الكافية ال�شافية) لل�شيخ ال�سعدي (�ص‪.)117‬‬
‫(‪( )17‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ ‪� - 3:‬ص‪.)288 :‬‬
‫المجموعة الرابعة ‪ :‬الحميد ‪ -‬الجميل ‪ -‬الطيب‬ ‫‪119‬‬

‫هو اجلمال املطلق‪ ،‬الذي هو اجلمال على احلقيقة؛ ف�إ َّن جمال هذه املوجودات على‬
‫كرثة �ألوانه وتعدد فنونه هو من بع�ض �آثار جماله‪ ،‬فيكون هو ‪�-‬سبحانه‪� -‬أولى بذلك‬
‫الو�صف من كل جميل‪ ،‬ف�إ َّن واهب اجلمال للموجودات الب َّد �أ َّن يكون بالغاً من هذا‬
‫الو�صف �أعلى الغايات‪ ،‬وهو ‪�-‬سبحانه (اجلميل) بذاته و�أ�سمائه و�صفاته و�أفعاله»(‪.)18‬‬
‫الط ِّي ُب‪« :‬املنزه عن النقائ�ص‪ ،‬املقد�س عن الآفات»(‪ ،)19‬قال ابن القيم‪« :‬فهو‬ ‫‪َّ æ‬‬
‫طيب و�أفعاله طيبة‪ ،‬و�صفاته �أطيب �شيء‪ ،‬و�أ�سما�ؤه �أطيب الأ�سماء‪ ،‬وا�سمه َّ‬
‫(الط ِّي ُب)‪،‬‬
‫وال ي�صدر عنه �إال طيب‪ ،‬وال ي�صعد �إليه �إال طيب‪ ،‬وال يقرب منه �إال طيب‪ ،‬فكله‬
‫طيب‪ ،‬و�إليه ي�صعد الكلم الطيب‪ ،‬وفعله طيب‪ ،‬والعمل الطيب يعرج �إليه‪ ،‬فالطيبات‬
‫كلها له‪ ،‬وم�ضافة �إليه‪� ،‬صادرة عنه‪ ،‬ومنتهية �إليه ‪ ...‬ف�إذا كان هو ‪�-‬سبحانه َّ‬
‫(الط ِّي ُب)‬
‫على الإطالق فالكلمات الطيبات‪ ،‬والأفعال الطيبات‪ ،‬وال�صفات الطيبات‪ ،‬والأ�سماء‬
‫الطيبات؛ كلها له ‪�-‬سبحانه‪ ،‬ال ي�ستحقها �أحد �سواه‪ ،‬بل ما طاب �شيء قط �إال بطيبته‬
‫‪�-‬سبحانه‪ ،‬فطيب ك ِّل ما �سواه من �آثار طيبته»(‪.)20‬‬

‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬


‫ِيل ‪َّ -‬‬
‫الط ِّي ُب‪( :‬ا َ‬
‫حلمي ُد) امل�ستحق للحمد وال�شكر والثناء‪ ،‬فهو‬ ‫حلميدُ ‪ -‬ا َ‬
‫جلم ُ‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫‪�-‬سبحانه‪ -‬املحمود على كل حال‪ ،‬ولذا كان احلم ُد كما يقول ابن القيم‪�« :‬أو�سع ال�صفات‬
‫و�أع ّم املدائح‪ ،‬والطرق �إلى العلم به يف غاية الكرثة‪ ،‬وال�سبيل �إلى اعتباره يف ذ ّرات العامل‬
‫وجزئياته‪ ،‬وتفا�صيل الأمر والنهي وا�سعة جدًا؛ لأ َّن جميع �أ�سمائه ‪ -‬تبارك وتعالى ‪-‬‬
‫حمد‪ ،‬و�صفاته حمد‪ ،‬و�أفعاله حمد‪ ،‬و�أحكامه حمد‪ ،‬وعدله حمد‪ ،‬وانتقامه من �أعدائه‬
‫جلمِ ي ُل) ذو اجلمال وا ُ‬
‫حل ْ�سن‬ ‫حمد‪ ،‬وف�ضله يف �إح�سانه �إلى �أوليائه حمد ‪ ،)21(»..‬و(ا َ‬
‫(‪�( )18‬شرح الق�صيدة النونية) للدكتور حممد خليل هرا�س (جـ‪� - 2:‬ص‪.)69 :‬‬
‫(‪( )19‬حتفة الأحوذي) للمباركفوري (ج‪� - 8 :‬ص‪.)334 :‬‬
‫(‪( )20‬املرتع الأ�سنى‪..‬من كتب ابن القيم) لعبد العزيز الداخل (�ص‪.)524 :‬‬
‫(‪�( )21‬أ�سماء اهلل احل�سنى) البن القيم جمع يو�سف بديوي (‪.)213 - 209‬‬
‫‪120‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ح�سن‬ ‫الكثري‪ ،‬يف ذاته و�أ�سمائه و�صفاته و�أفعاله‪ ،‬و( َّ‬


‫الط ِّي ُب) الطاهر احل�سن‪ ،‬الذي له من كل ٍ‬
‫�أف�ضله و�أكمله‪ ،‬املنزه عن كل و�صف خال من كمال �أو طيب ثناء‪ ،‬وكالهما من مقت�ضيات‬
‫حمده‪ ،‬وكمال الثناء عليه ‪�-‬سبحانه‪ ،‬يقول ابن القيم‪�« :‬إن احلمد ي�ستلزم الثناء واملحبة‬
‫للمحمود‪ ،‬فمن �أحببته ومل ُت ْثن عليه مل تكن حامدًا له‪ ،‬وكذا من �أثنيت عليه ٍ‬
‫لغر�ض‬
‫ما ومل حُتبه مل تكن حامدًا له حتى تكو َن مثن ًيا عليه حم ًبا له‪ ،‬وهذا الثناء واحلب‬
‫َت َب ٌع للأ�سباب املقت�ضية له‪ ،‬وهو ما عليه املحمود من �صفات الكمال‪ ،‬ونعوت اجلالل‬
‫والإح�سان �إلى الغري»(‪ ،)22‬ويقول اله َّرا�س‪ ..« :‬و�أما جمال الأ�سماء ف�إنها كلها ح�سنى‪ ،‬بل‬
‫هي �أح�سن الأ�سماء و�أجملها على الإطالق‪ ،‬فكلها دالة على كمال احلمد واملجد واجلمال‬
‫واجلالل‪ ،‬لي�س فيها �أبداً ما لي�س بح�سن وال جميل‪ ،‬و�أما جمال ال�صفات ف�إ َّن �صفاته‬
‫كلها �صفات كمال وجمد‪ ،‬ونعوت ثناء وحمد‪ ،‬بل هي �أو�سع ال�صفات و�أعمها‪ ،‬و�أكملها‬
‫�آثاراً وتعلقات ‪ ..‬و�أما جمال الأفعال ف�إنها دائرة بني �أفعال الرب والإح�سان التي يحمد‬
‫عليها وي�شكر‪ ،‬وبني �أفعال العدل التي يحمد عليها ملوافقتها للحكمة واحلمد»(‪.)23‬‬
‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬
‫حلميد) «�صفة (ا َ‬
‫حل ْمد)‪،‬‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫حلميدُ ‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سم اهلل ‪�-‬سبحانه (ا َ‬
‫وهي من �صفات اهلل الذاتية»(‪ ،)24‬قال تعالى‪ } :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ{ [اجلاثية‪ ،]36:‬ومن ال�سنة قوله ‪( :¤‬من قال‪� :‬سبحان اهلل وبحمده‪ ،‬يف‬
‫يوم مائة مرة‪ ،‬حطت خطاياه و�إن كانت مثل زبد البحر)(‪.)25‬‬
‫ِيل‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ا َ‬
‫جلمِ يل) «�صفة (الجْ َ َمال)‪،‬‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫جلم ُ‬
‫وهي من �صفات اهلل الذاتية الثابتة بال�سنة ال�صحيحة»(‪ ،)26‬لقوله ‪�( :¤‬إن اهلل‬
‫ٌ‬
‫جميل يحب اجلمال‪ ،‬الكرب بطر احلق‪ ،‬وغمط النا�س)(‪ ،)27‬قال القا�ضي �أبو يعلى‬
‫(‪( )22‬جالء الأفهام) البن القيم (�ص‪.)244 :‬‬
‫(‪�( )23‬شرح الق�صيدة النونية) للدكتور حممد خليل هرا�س (جـ‪� - 2:‬ص‪.)70 :‬‬
‫(‪�( )24‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)501:‬احلميد)‬
‫(‪ )25‬رواه البخاري برقم (‪.)6405‬‬
‫(‪�( )26‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)129 :‬‬
‫(‪ )27‬رواه م�سلم برقم (‪.)91‬‬
‫المجموعة الرابعة ‪ :‬الحميد ‪ -‬الجميل ‪ -‬الطيب‬ ‫‪121‬‬

‫الفراء‪« :‬اعلم �أنه غري ممتنع و�صفه تعالى باجلمال و�أن ذلك �صف ٌة راجعة �إلى الذات‪،‬‬
‫حل ْ�سن»(‪.)28‬‬
‫لأ َّن اجلمال يف معنى ا ُ‬
‫‪َّ æ‬‬
‫الط ِّي ُب‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه ( َّ‬
‫الط ِّيب) «�صفة (الطِ يبة) وهي‬
‫�صفة من �صفات الذات والفعل معاً»(‪ ،)29‬لقوله ‪�( :¤‬أيها النا�س‪� ،‬إن اهلل ٌ‬
‫طيب وال‬
‫يقبل �إال طي ًبا‪.)30( )..‬‬

‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬


‫حلميد) مرة واحدة يف قول اهلل‬ ‫يد‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ا َ‬
‫‪ æ‬امل َِّج ُ‬
‫تعالى‪} :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ{ [هود‪ ،]73:‬واحلكمة يف ذلك – واهلل �أعلم ‪ -‬للتعليل والبيان يف �أنه �سبحانه كان‬
‫(حميد ًا) لكونه (جميد ًا)‪ ،‬و(املجيد) هو الذي بلغ من الكمال والعظمة وال�سعة وال�س�ؤدد‬
‫يف ذاته و�صفاته و�أفعاله �أكمل الكمال و�أعمه و�أمته الذي ال نق�ص فيه بوجه من الوجوه‪،‬‬
‫ولذا كان حممود ًا يف كل �شيء‪ ،‬وعلى كل حال‪ ،‬ويف كل �آن‪ ،‬ف�أ�سما�ؤه ُح�سنى‪ ،‬و�صفاته‬
‫ُعلى‪ ،‬و�أفعاله كلها حمد وثناء‪ ،‬و�أحكامه حمد‪ ،‬و�شرعه حمد‪ ،‬وعدله حمد‪ ،‬وانتقامه من‬
‫�أعدائه حمد‪ ،‬وما يف الوجود من �شيء �إال دل على �أنه (حميد جميد)‪ ،‬يقول ابن القيم‪:‬‬
‫«و�أما املجد فهو م�ستلزم للعظمة وال�سعة واجلالل‪ ،‬كما يدل عليه مو�ضوعه يف‬
‫اللغة‪ ،‬فهو َد ٌّال على �صفات العظمة واجلالل‪ ،‬واحلمد يدل على �صفات الإكرام‬
‫واهلل ‪�-‬سبحانه‪ -‬ذو اجلالل والإكرام»(‪ ،)31‬ويقول ال�شيخ ال�سعدي‪� }« :‬إِ َّن ُه َحمِ ي ٌد‬
‫مجَّ ِ يد{ �أي حميد ال�صفات؛ لأن �صفاته �صفات كمال‪ ،‬حميد الأفعال‪ ،‬لأن �أفعاله‬
‫�إح�سان وجود‪ ،‬وبر‪ ،‬وحكمة‪ ،‬وعدل‪ ،‬وق�سط‪ } ،‬مجَّ ِ ي ٌد{ واملجد‪ :‬هو عظمة ال�صفات‬
‫و�سعتها‪ ،‬فله �صفات الكمال‪ ،‬وله من كل �صفة كمال �أكملها و�أمتها و�أعمها»(‪.)32‬‬
‫(‪( )28‬النهج الأ�سمى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للنجدي (�ص‪.)573-572:‬‬
‫(‪�( )29‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)648 :‬الطيب)‬
‫(‪ )30‬رواه م�سلم برقم (‪.)1015‬‬
‫(‪( )31‬املرتع الأ�سنى‪..‬من كتب ابن القيم) لعبد العزيز الداخل (�ص‪.)278 :‬‬
‫(‪( )32‬تف�سري ال�سعدي) عند تف�سري (الآية‪� - 73 :‬سورة هود) (�ص‪.)341:‬‬
‫‪122‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪:‬‬


‫‪ æ‬الأثر العلمي االعتقادي‪:‬‬
‫جلمِ ي ُل) الذي له اجلمال التام الكامل من جميع الوجوه‪،‬‬ ‫اهلل ‪� -‬سبحانه ‪ :-‬هو (ا َ‬
‫جمال الذات‪ ،‬وجمال ال�صفات‪ ،‬وجمال الأفعال‪ ،‬وجمال الأ�سماء‪ ،‬وهو ( َّ‬
‫الط ِّي ُب) ذو الأفعال‬
‫الطيبات‪ ،‬وال�صفات الطيبات‪ ،‬والأ�سماء الطيبات‪ ،‬الذي ال ي�ستحقها �أحد �سواه‪ ..‬وجلمال‬
‫حلمي ُد) امل�ستحق للمحامد الكاملة‬ ‫�صفاته‪ ،‬وطيبها‪ ،‬وكمالها وجاللها‪ ،‬فهو ‪�-‬سبحانه (ا َ‬
‫ب�أ�سرها على الإطالق‪ ،‬ولي�س ذلك لأحد �إال هلل ‪-‬تعالى‪ ،‬وال نح�صي ثنا ًء عليه‪ ،‬هو كما �أثنى‬
‫على نف�سه‪ ،‬فهو احلميد يف ذاته و�صفاته ويف �أ�سمائه و�أفعاله‪ ،‬فله احلمد على كل حال‪ ،‬يف‬
‫كل زمان ومكان‪ ،‬يف ال�شدة والرخاء‪ ،‬والع�سر والي�سر‪ ،‬وفيما نحب ونكره‪.‬‬
‫‪ æ‬الأثر العملي‪:‬‬
‫‪1.1‬حمبة اهلل ملا له من كمال اجلمال والطيبة يف ذاته و�أ�سمائه و�صفاته و�أفعاله‪،‬‬
‫وما ُيرى من جمال وطيبة يف خلقه ‪�-‬سبحانه‪ -‬هو من �آثار جماله وطيبته‪،‬‬
‫فحقيق مبن هذا و�صفه �أن يحب لذاته؛ فلي�س يف �أ�سمائه وال يف �صفاته‪ ،‬وال يف‬
‫�أفعاله �صفة نق�ص وذم‪ ،‬بل هي جميلة وح�سنى‪ ،‬وطيبة وخري كلها‪ .‬وهذه املحبة‬
‫بدورها تثمر عبوديات �أخرى؛ كالإخال�ص هلل ‪-‬تعالى‪ ،‬واحلياء منه‪ ،‬والأدب معه‬
‫‪�-‬سبحانه‪ ،‬وكرثة اللهج بذكره وحمده‪ ،‬والثناء عليه‪ ،‬وال�شكر واملدح له بالل�سان‬
‫واجلوارح‪ ،‬والقيام ب�أوامره‪ ،‬واجتناب نواهيه‪ ،‬والتقرب �إليه بطاعته‪ ،‬قال ‪:¤‬‬
‫(�إن مما تذكرون من جالل اهلل‪ ،‬الت�سبيح والتهليل والتحميد‪ ،‬ينعطفن‬
‫حول العر�ش‪ ،‬لهن دوي كدوي النحل‪ُ ،‬ت َذ ِّك ُر ب�صاحبها‪� ،‬أما يحب �أحدكم‬
‫�أن يكون له ‪� -‬أو ال يزال له ‪ -‬من ُي َذ ِّك ُر به)(‪.)33‬‬
‫‪2.2‬اليقني ب�أن اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬هو اجلميل الطيب احلميد يف ذاته‪ ،‬و�أ�سمائه‪ ،‬و�صفاته‪،‬‬
‫و�أفعاله‪ ،‬امل�ستحق للحمد كله‪ ،‬الذي له جميع املحامد ب�أ�سرها‪ ،‬ولي�س ذلك �إال هلل‬
‫وحده‪ ،‬يقول �شيخ الإ�سالم ابن تيمية‪« :‬ومعلوم �أن كل ما يحمد ف�إمنا يحمد‬
‫(‪ )33‬رواه ابن ماجة و�صححه الألباين يف �صحيح ابن ماجة برقم (‪.)3071‬‬
‫المجموعة الرابعة ‪ :‬الحميد ‪ -‬الجميل ‪ -‬الطيب‬ ‫‪123‬‬

‫على ما له من �صفات الكمال‪ ،‬فكل ما يحمد به اخللق فهو من اخلالق‪،‬‬


‫والذي منه ما يحمد عليه هو �أحق باحلمد‪ ،‬فثبت �أنه امل�ستحق للمحامد‬
‫الكاملة‪ ،‬وهو �أحق من كل حممود باحلمد‪ ،‬والكمال من كل كامل وهو‬
‫املطلوب»(‪ .)34‬وهذا اليقني يثمر يف قلب امل�سلم القبول التام‪ ،‬واال�ست�سالم‬
‫املطلق لأحكام اهلل ال�شرعية‪ ،‬و�أنها كلها خري وم�صلحة وحكمة‪ ،‬ولو مل ندرك‬
‫حكمة بع�ضها‪ .‬والر�ضا مبا يقدره اهلل ويق�ضيه من امل�صائب واملكدرات؛ لأنه‬
‫‪�-‬سبحانه‪ -‬ال يفعل �إال ما فيه احلكمة واخلري لعبده امل�ؤمن؛ لأن كل �أفعاله حميدة‬
‫وجميلة وطيبة‪ ،‬وما ين�ش�أ من الفعل اجلميل �إال جميل‪ ،‬وهذا يثمر يف قلب امل�ؤمن‬
‫الطم�أنينة �إلى �أقدار اهلل امل�ؤملة‪ ،‬وح�سن الظن به ‪�-‬سبحانه‪.‬‬
‫‪3.3‬ال�شوق �إلى �أعظم نعيم اجلنة؛ وهو ر�ؤية اهلل الذي له اجلمال كله‪ ،‬واال�ستعداد‬
‫بالعمل ال�صالح املقرب �إلى جنته‪ ،‬وقد كان الر�سول ‪ ¤‬يكرث �أن يقول يف دعائه‪:‬‬
‫(و�أ�س�ألك لذة النظر �إلى وجهك الكرمي‪ ،‬وال�شوق �إلى لقائك يف غري �ضراء‬
‫م�ضرة وال فتنة م�ضلة)(‪.)35‬‬
‫‪ 4.4‬احلر�ص على املال والك�سب الطيب‪ ،‬تناو ًال وتقرب ًا �إلى اهلل ‪ ،‬ف�إن اهلل‬
‫طيب‪ ،‬وال يقبل �إال طي ًبا‪ ،‬وال ينبغي �أن يتقرب �إليه العبد �إال بالطيب من الأقوال‬
‫والأعمال املنبعثة من املقا�صد الطيبة‪ ،‬يقول النبي ‪َ ( :¤‬م ْن ت�صدَّ ق ب َع ْدل مترة‬
‫من ك�سب طيب ‪ -‬وال يقبل اهلل �إال الطيب ‪ -‬ف�إن اهلل يتق َّبلها بيمينه‪ ،‬ثم‬
‫ُيربيها ل�صاحبها كما ُير ِّبي �أحدُ كم َف ُل َّوه‪ ،‬حتى تكون مثل اجلبل)(‪.)36‬‬
‫‪5.5‬احلر�ص على جمال الظاهر يف الأخالق والهيئة واللبا�س من غري �إ�سراف‪ ،‬وجمال‬
‫الباطن؛ وما ينطوي عليه من �أعمال القلب اجلميلة كالإخال�ص واملحبة وال�سالمة‬
‫من كل ما يدن�س ويكدر‪ ،‬واحلر�ص على حمبة و�إيثار كل طيب من الطيبات التي‬
‫�أحبها اهلل واختارها من العقائد والأقوال‪ ،‬والأعمال والأخالق‪ ،‬واملطاعم وامل�شارب‪،‬‬
‫(‪ )34‬جمموع فتاوى ابن تيمية (جـ‪� - 6 :‬ص‪.)84 :‬‬
‫(‪ )35‬رواه الن�سائي و�صححه الألباين يف (�صحيح اجلامع) برقم (‪.)1301‬‬
‫(‪ )36‬متفق عليه‪ :‬رواه البخاري برقم (‪ )1410‬وم�سلم برقم (‪.)1014‬‬
‫‪124‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫والأ�صحاب واملناكح‪ .‬يقول ابن القيم‪�« :‬إن اهلل ‪�-‬سبحانه وتعالى‪ -‬اختار من كل‬
‫جن�س من �أجنا�س املخلوقات �أطيبه‪ ،‬واخت�صه لنف�سه وارت�ضاه دون غريه‪،‬‬
‫ف�إنه ‪-‬تعالى‪ -‬طيب ال يحب �إال الطيب‪ ،‬وال يقبل من العمل والكالم‬
‫وال�صدقة �إال الطيب‪ ،‬فالطيب من كل �شيء هو خمتاره ‪-‬تعالى»(‪.)37‬‬
‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫الط ِّي ُب) من �أ�سماء الذات الدالة على �صفات اهلل الذاتية‬ ‫جلمِي ُل ‪َّ -‬‬
‫حلمي ُد ‪ -‬ا َ‬ ‫(ا َ‬
‫حل ْمد ‪ -‬الجْ َ َمال ‪ -‬الطِ يبة)‪ ،‬التي مل يزل ‪-‬وال يزال‪ -‬اهلل مت�صف ًا بها‪ ،‬وال تعلق لها بامل�شيئة؛‬
‫(ا َ‬
‫ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل ‪ ،‬والتو�سل �إليه‪ ،‬والثناء عليه‪ ،‬وتعظيمه ومتجيده بها؛ يف جميع‬
‫�أغرا�ض الدعاء وحاجات العبد ‪ ..‬ومما جاء يف ال�سنة النبوية بخ�صو�ص الثناء على اهلل ‪،‬‬
‫والدعاء بهذه الأ�سماء وال�صفات قوله ‪(:¤‬من جل�س يف جمل�س‪ ،‬فكرث فيه لغطه‪ ،‬فقال‬
‫قبل �أن يقوم من جمل�سه ذلك‪� :‬سبحانك اللهم ربنا وبحمدك‪� ،‬أ�شهد �أن ال �إله �إال �أنت‪،‬‬
‫�أ�ستغفرك و �أتوب �إليك‪� ،‬إال غفر له ما كان يف جمل�سه ذلك)(‪ ،)38‬وكان ‪ ¤‬يقول يف ركوعه‬
‫و�سجوده‪�(:‬سبحانك اللهم ربنا وبحمدك‪ ،‬اللهم اغفر يل)(‪ ،)39‬ودعائه ‪( :¤‬اللهم �إين‬
‫�أ�س�ألك الطيبات وترك املنكرات‪ ،‬وحب امل�ساكني‪ ،‬و�أن تغفر يل وترحمني وتتوب علي‪،‬‬
‫و�إذا �أردت فتنة يف قوم فتوفني غري مفتون)(‪ ،)40‬وجاء عنه ‪� ¤‬أنه كان �إذا �س ّلم من �صالته‬
‫قال‪( :‬اللهم �إين �أ�س�ألك علما نافعا ورزقا طيبا وعمال متقبال)(‪.)41‬‬
‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬
‫‪ æ‬عن �صهيب الرومي ‹ قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ‪�( :¤‬إذا دخل �أهل اجلنة اجلنة‪،‬‬
‫قال‪ :‬يقول اهلل ‪-‬تبارك وتعالى‪ :‬تريدون �شيئ ًا �أزيدكم؟ فيقولون‪� :‬أمل تبي�ض وجوهنا؟!‪,‬‬
‫�أمل تدخلنا اجلنة وتنجنا من النار؟!‪ ,‬قال‪ :‬ف ُيك�شف احلجاب!‪ ،‬فما �أعطوا �شيئا‬
‫�أحب �إليهم من النظر �إلى ربهم )(‪.)42‬‬
‫(‪( )37‬زاد املعاد يف هدي خري العباد) البن القيم (جـ‪� - 1:‬ص‪.)65:‬‬
‫(‪ )38‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)6192‬‬
‫(‪ )39‬رواه البخاري برقم (‪.)794‬‬
‫(‪ )40‬رواه الإمام �أحمد و�صححه الألباين يف (تخريج كتاب ال�سنة برقم‪.)388:‬‬
‫(‪ )41‬رواه ابن ماجة و�صححه الألباين يف (�صحيح ابن ماجة) برقم (‪.)753‬‬
‫(‪ )42‬رواه م�سلم برقم (‪.)181‬‬
‫المجموعة الرابعة ‪ :‬الحميد ‪ -‬الجميل ‪ -‬الطيب‬ ‫‪125‬‬

‫‪ æ‬قالت عائ�شة ‪« :‬كان لأبي بكر ال�صديق غالم يخرج له اخلراج‪ ,‬وكان �أبو‬
‫بكر ي�أكل من خراجه‪ ,‬فجاء يوما ب�شيء ف�أكل منه �أبو بكر‪ ،‬فقال له الغالم‪ :‬تدري‬
‫ما هذا؟ فقال �أبو بكر‪ :‬ما هو؟ قال‪ :‬كنت تكهنت لإن�سان يف اجلاهلية ‪-‬وما �أح�سن‬
‫الكهانة �إال �أين خدعته‪ -‬فلقيني ف�أعطاين بذلك هذا الذي �أكلت منه‪ .‬ف�أدخل �أبو‬
‫بكر يده فقاء كل �شيء يف بطنه»(‪.)43‬‬
‫‪ æ‬قال تعالى‪ } :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ {[الزمر‪ ،]75:‬قال‬
‫ابن كثري‪� :‬أي نطق الكون �أجمعه؛ ناطقه وبهيمه‪ ،‬هلل رب العاملني‪ ،‬باحلمد يف حكمه‬
‫وعدله‪ ،‬ولهذا مل ي�سند القول �إلى قائل‪ ،‬بل �أطلقه فدل على �أن جميع املخلوقات‬
‫�شهدت له باحلمد»(‪ .)44‬وقال احل�سن الب�صري‪« :‬لقد دخل �أهل النا ِر النا َر‪ ،‬و�إن حمده‬
‫لفي قلوبهم ما وجدوا عليه �سبيال»(‪.)45‬‬
‫‪ æ‬قال تعالى‪} :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ {[النحل‪ ،]97 :‬قال‬
‫ابن القيم‪« :‬امل�ؤمن املخل�ص هلل من �أطيب النا�س عي�شاً‪ ،‬و�أنعمهم با ًال‪ ،‬و�أ�شرحهم‬
‫�صدراً‪ ،‬و�أ�سرهم قلباً‪ ،‬وهذه جنة عاجلة قبل اجلنة الآجلة»(‪.)46‬‬
‫‪ æ‬قال تعالى‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ{‏ ‏[‏الواقعة‏‪:‬‏ ‪ ،]79-77‬قال ابن تيمية‪« :‬ف�إذا كان ورقه ال مي�سه �إال املطهرون‪،‬‬
‫فمعانيه ال يهتدي بها �إال القلوب الطاهرة»(‪.)47‬‬
‫‪ æ‬قيل للح�سن الب�صري‪ :‬ما بال املتهجدين بالليل من �أح�سن النا�س وجوها؟‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ف�ألب�سهم من نوره»(‪.)48‬‬ ‫«لأنهم خلوا بالرحمن‬
‫(‪ )43‬رواه البخاري برقم (‪.)3842‬‬
‫(‪( )44‬تف�سري القر�آن الكرمي) البن كثري عند تف�سري الآية (‪ )75‬من �سورة (الزمر)‪.‬‬
‫(‪�( )45‬شفاء العليل) البن القيم (جـ‪� – 3:‬ص‪ ،)1135:‬الباب الثاين والع�شرين (يف �إثبات حكمة الرب تعالى يف خلقه و�أمره)‪.‬‬
‫(‪( )46‬اجلواب الكايف ملن �س�أل عن الدواء ال�شايف) للإمام �أبن القيم (�ص‪.)235 :‬‬
‫(‪( )47‬جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية (املجلد‪� – 5 :‬ص‪.)552 - 551:‬‬
‫(‪( )48‬خمت�صر منهاج القا�صدين) البن قدامة املقد�سي (�ص‪ )67:‬عند حديثه عن (قيام الليل وف�ضله)‪.‬‬
‫‪126‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪ æ‬قال �أبو الفي�ض ذو النون بن �إبراهيم امل�صري‪« :‬ما طابت الدنيا �إال بذكره‪ ،‬وال‬
‫طابت الآخرة �إال بعفوه‪ ،‬وال طابت اجلنان �إال بر�ؤيته»(‪.)49‬‬
‫‪ æ‬قال الأ�صمعي‪ :‬قيل لأعرابي‪�« :‬إنك متوت‪ ،‬قال‪ :‬و�إلى �أين يذهب بي؟ قالوا‪� :‬إلى‬
‫اهلل تعالى!‪ ،‬قال‪ :‬فما �أكره �أن �أذهب �إلى من مل �أر اخلري قط �إال منه»(‪.)50‬‬
‫ال�صالحِ َ ة فيِ ا ْلقلب؛‬ ‫الَ ْع َمال َّ‬
‫‪ æ‬قال ابن تيمية‪« :‬الحْ �سن َوالجْ مال ا َّلذِي يكون عَن ْ أ‬
‫ال ْع َمال ا ْل َفا�سِ دَة فيِ ا ْلقلب؛ ي�سري‬ ‫ي�سري �إِ َلى ا ْل َو ْجه‪ ،‬والقبح وال�شني ا َّلذِي يكون عَن َْ أ‬
‫ال�صالحِ َ ة والأعمال ا ْل َفا�سِ دَة‪،‬‬ ‫الَ ْع َمال َّ‬‫�إلى الوجه َك َما تقدم‪ ،‬ث َّم �إِن َذلِك يقوى ِب ُق َّوة ْ أ‬
‫ال ْثم والعدوان؛ قوى‬ ‫َفكلما كرث ا ْلرب َوال َّتقوى؛ قوى الحْ �سن َوالجْ مال‪َ ،‬وكلما قوى ْ إِ‬
‫ا ْلق ْبح وال�شني‪َ ،‬ح َّتى ي ْن َ�سخ َذلِك مَا َكا َن لل�صورة من ح�سن وقبح‪ ،‬فكم ممِ َّ ن مل تكن‬
‫ال�صالحِ َ ة مَا عظم ِب ِه جماله وبها�ؤه َح َّتى ظهر َذلِك‬ ‫الَ ْع َمال َّ‬
‫�صورته َح َ�س َنة َو َلكِن له من ْ أ‬
‫ال ْ�ص َرار على القبائح فيِ �آخر ا ْل ُعمر عِ ْند‬ ‫على �صورته‪َ ،‬و ِل َه َذا ظهر َذلِك ظهورا َبينا عِ ْند ِْ إ‬
‫الطاعَة كلما كربوا ا ْزدَا َد ح�سنها وبها�ؤها‪َ ،‬ح َّتى‬ ‫ال�سنة َو َّ‬
‫قرب المْ َ ْوت‪ ،‬فرنى ُو ُجوه �أهل ّ‬
‫يكون �أحدهم فيِ كربه �أح�سن و�أجمل مِ ْن ُه فيِ �صغره!‪ ،‬وجند ُو ُجوه �أهل ا ْل ِب ْدعَة َوالمْ َ ْع ِ�ص َية‬
‫كلما كربوا عظم قبحها و�شينها‪َ ،‬ح َّتى لاَ َي ْ�س َتطِ يع ال ّنظر �إِ َل ْيهَا من َكا َن منبهرا بهَا فيِ‬
‫َحال ال�صغر جلمال �صورتهَا‪َ ،‬و َه َذا َظاهر لكل اُ ْح ُد فِي َمن يعظم بدعته وفجوره»(‪.)51‬‬
‫‪ æ‬قال الفقيه عبد الرحمن بن �أبي ليلى‪�« :‬إين لأ�ساير رج ًال‪� ،‬إذ مر بح ّمال معه رمان‪ ،‬فتناول‬
‫منه رمانة ‪� -‬أي �سرقها ‪ -‬فجعلها يف كمه‪ ،‬فعجبت من ذلك!‪ ،‬ثم رجعت �إلى نف�سي وكذبت‬
‫ب�صرى‪ ،‬حتى مر ب�سائل فقري‪ ،‬ف�أخرجها فناوله �إياها‪ ،‬فعلمت �أين ر�أيتها‪ ،‬فقلت له‪ :‬ر�أيتك قد‬
‫فعلت عجبا!‪ ،‬قال‪ :‬وما هو؟ قلت‪ :‬ر�أيتك �أخذت رمانة من حمال و�أعطيتها �سائال؟ فقال‪� :‬أما‬
‫علمت �أين �أخذتها وكانت �سيئة و�أعطيتها فكانت ع�شر ح�سنات؟! فقال له ابن �أبي ليلى‪� :‬أما علمت‬
‫�أنك �أخذتها فكانت �سيئة و�أعطيتها فلم تقبل منك؟»(‪ ،)52‬فاهلل طيب وال يقبل �إال طيبا!‪.‬‬
‫(‪( )49‬حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ‪� – 9 :‬ص‪.)372 :‬‬
‫(‪( )50‬الب�صائر والذخائر) لأبي حيان التوحيدي (جـ‪� – 4 :‬ص‪.)242 :‬‬
‫(‪( )51‬اال�ستقامة) البن تيمية (جـ‪� – 1 :‬ص‪.)365 - 364 :‬‬
‫(‪( )52‬احليوان) للجاحظ (جـ‪� – 3:‬ص‪ )17 :‬و(ربيع الأبرار) للزخم�شري (جـ‪� – 2:‬ص‪.)30 - 29 :‬‬
‫المجموعة الرابعة ‪ :‬الحميد ‪ -‬الجميل ‪ -‬الطيب‬ ‫‪127‬‬

‫‪ « æ‬قال عبداهلل بن �أبي نوح‪ :‬قال يل رجل على بع�ض ال�سواحل‪ :‬كم عاملته ‪-‬تبارك‬
‫ا�سمه‪ -‬مبا يكره فعاملك مبا حتب؟ قلت‪ :‬ما �أُح�صي ذلك كرثة‪ .‬قال‪ :‬فهل ق�صدت‬
‫يل و�أعانني‪ .‬قال‪ :‬فهل �س�ألته‬ ‫�إليه يف �أمر كربك فخذلك؟ قلت‪ :‬ال‪ ،‬واهلل ولكنه �أح�سن �إ َّ‬
‫�شي ًئا قط فلم يعطكه؟ قلت‪ :‬وهل منعني �شي ًئا �س�ألته؟ وما �س�ألته �شي ًئا قط �إال �أعطاين‪ ،‬وال‬
‫ا�ستعنت به �إال �أعانني‪ .‬قال‪� :‬أر�أيت لو �أن بع�ض بني �آدم فعل بك بع�ض هذه اخلالل ما‬
‫كان جزا�ؤه عندك؟ قلت‪ :‬ما كنت �أقدر له مكاف�أة وال جزاء‪ .‬قال‪ :‬فربك �أحق و�أحرى �أن‬
‫ميا وحدي ًثا �إليك‪ ،‬واهلل ل�شكره �أي�سر‬
‫تد�أب نف�سك له يف �أداء �شكره وهو املح�سن قد ً‬
‫من مكاف�أة عباده‪� ،‬إنه ‪ -‬تبارك وتعالى ‪ -‬ر�ضي من العباد باحلمد �شك ًرا!»(‪.)53‬‬
‫احلارث احلايف»‪ :‬ما كان بد ُء � ْأم ِرك‪ ،‬ل َّأن‬
‫ِ‬ ‫‪ æ‬قال حممد بن الدينوري‪� :‬سئل « ِب ْ�ش ٌر بنَ‬
‫ال ع ّياراً(‪)54‬‬ ‫ا�سمك بني النا�س ك�أنه ا�سم نبي؟!‪ ،‬فقال‪« :‬هذا من َف ْ�ضل اهلل‪ ،‬كنت رج ً‬
‫�صاحب َع َ�ص َب ٍة (‪َ ،)55‬ف ُج ْز ُت يوماً‪ ،‬ف�إذا �أنا بقرطا�س يف الطريق‪ ،‬فرفعته ف�إذا فيه‪ِ :‬ب ْ�س ِم‬
‫َ‬
‫يم‪ ،‬ف َم َ�سحته وجعلته يف جيبي‪ ،‬وكان عندي درهمان ما كنت �أملك‬ ‫هَّ ِ‬
‫الل ال َّر ْح َم ِن ال َّرحِ ِ‬
‫العطارين‪ ،‬فا�شرتيت بهما غالية(‪ )56‬و َم َ�س ْحته يف القرطا�س‪،‬‬ ‫غريهما‪ ،‬فذ َه ْبتُ �إلى َّ‬
‫ال يقول‪( :‬يا ب�شر بن احلارث؛ َر َف ْعتَ ْا�س َمنا‬
‫َفن ْمتُ تلك الليلـة‪ ،‬فر�أيتُ يف املنام ك�أن قائ ً‬
‫ا�س َمك يف الدنيا والآخرة)‪ ،‬ثم كان ما كان!»(‪.)57‬‬ ‫ب ْ‬‫عن الطريق وطـ َّيبته‪ ،‬لأُ َطـ ِّي نَ َّ‬
‫‪ æ‬قال يحي بن معاذ‪�« :‬سبحان من ط ّيب الدنيا للعارفني مبعرفته‪ ،‬و�سبحان من‬
‫ط ّيب لهم الآخرة مبغفرته‪ ،‬فتلذذوا �أيام احلياة بالذكر يف جمال�س معرفته‪ ،‬وغداً يتلذذون‬
‫يف ريا�ض القد�س ب�شراب مغفرته‪ ،‬فلهم الدنيا زر ُع ِذ ِكر‪ ،‬ولهم يف الآخرة ربيع ِبر‪� ،‬ساروا‬
‫على املطايا من �شكره‪ ،‬حتى و�صلوا �إلى العطايا من ُذخ ِره‪ ،‬ف�إنه ملك كرمي» (‪.)58‬‬
‫ف�ضربت �أعنا ُقهم‪ ،‬و�أقيمت �صال ُة املغرب وقد‬ ‫«�أُتي ّ‬
‫احلج ُاج بقوم ممن خرجوا عليه‪ ،‬ف�أمر بهم ُ‬ ‫‪æ‬‬
‫(‪( )53‬عدة ال�صابرين وذخرية ال�شاكرين) البن القيم (�ص‪.)137 :‬‬
‫(‪ )54‬الع َّيار‪ :‬هو كثري احلركة والتطواف‪ ،‬واملجيء والذهاب‪.‬‬
‫(‪�)55‬صاحب َع َ�ص َبة‪� :‬أي رج ٌل ُ�ص ْلب البدن �شدي ٌد يف اكتناز اللحم‪.‬‬
‫وع ْنبرَ ٍ ُ‬
‫وع ٍود ود ُْه ٍن‪.‬‬ ‫(‪)56‬الغا ِل َية‪ :‬نو ٌع من ِّ‬
‫الطيب؛ َم َر َّك ٌب من ِم ْ�س ٍك َ‬
‫(‪()57‬حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) للأ�صفهاين (جـ‪� - 8:‬ص‪.)336:‬‬
‫‪128‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫بقي من القوم واحد‪ ،‬فقال لقتيبة بن م�سلم‪ :‬ان�صرف به معك حتى ت ْغدُو به َّ‬
‫علي‪ .‬قال ُقتيبة‪ :‬فخرجتُ‬
‫والرج ُل معي‪ ،‬فلما ك َّنا ببع�ض الطريق قال يل‪ :‬هل لك يف خري؟! قلت‪ :‬وما ذاك؟! قال‪� :‬إين واهلل ما‬
‫ِيت مبا ترى‪ ،‬وعندي ودائع و�أموال‪،‬‬ ‫خرجت على امل�سلمني‪ ،‬وال ا�ستحللت قِتالهم‪ ،‬ولكن ابتـُل ُ‬ ‫ُ‬
‫حق ح َّقه‪ ،‬و�أُو�صي‪،‬‬ ‫فهل لك �أن تـ ُ َخ َّل َي �سبيلي‪ ،‬وت�أذ َن يل حتى �آت َي �أهلي‪ ،‬و�أ ُر َّد على كل ذي ٍّ‬
‫وت�ضاح ْكتُ لقوله‪ ،‬و َم َ�ضينا هُ نيه ًة‪ ،‬ثم �أعا َد‬
‫َ‬ ‫علي �أن �أرج َع حتى �أ�ض َع يدي يف يدك؟! فعجبتُ له‪،‬‬ ‫ولك َّ‬
‫علي �أن �أعو َد �إليك‪ .‬فما ملكتُ نف�سي حتى قلت له‪ :‬اذهب!‬ ‫علي القول‪ ،‬وقال‪� :‬إين �أعاهدُك اهلل‪ ،‬لك ِّ‬ ‫ّ‬
‫�صنعت بنف�سي؟! و�أتيتُ �أهلي مهمو ًما مغمو ًما‪ ،‬ف�س�ألوين‬ ‫ُ‬ ‫خ�صه �أُ�س ِق َط يف يدي‪ ،‬فقلت‪ :‬ماذا‬
‫فلما توارى َ�ش ُ‬
‫أطول ليلة‪ ،‬فلما كان عند � َأذان الفجر‬ ‫عن �ش�أين ف�أخربتهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬لقد اجرت� َأت على ّ‬
‫احلجاج‪ .‬فبتنا ب� ِ‬
‫جعلت لك عه َد اهلل‬ ‫رجعت؟! قال‪� :‬سبحان اهلل! ُ‬ ‫�إذا الباب ُيط َرق‪ ،‬فخرجتُ ف�إذا �أنا بالرجل‪ ،‬فقلت‪� :‬أَ َ‬
‫ا�ستطعت لأنفع َّنك‪ .‬وانطلقتُ به حتى �أجل�س ُته على‬ ‫ُ‬ ‫علي‪ ،‬ف�أخو ُنك وال �أرجع! فقلت‪� :‬أما واهلل �إن‬ ‫ّ‬
‫ريك؟! قلت‪� :‬أ�صلح اهلل الأمري‪ ،‬هو بالباب‪،‬‬ ‫باب احلجاج‪ ،‬ودخلت! فلما ر�آين قال‪ :‬يا ُقتيبة‪� ،‬أين �أ�س ُ‬
‫وقد ا َّتفق يل معه ق�ص ٌة عجيبة‪ ،‬قال‪ :‬ما هي؟! فحدثتـُه احلديث‪ ،‬ف�أَذن له فدخل‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا قتيب ُة‪،‬‬
‫أحتب �أن �أه َبه لك؟! قلت‪ :‬نعم‪ .‬فقال‪ :‬هو لك‪ ،‬فان�صرف به معك!‪ .‬فلما خرجتُ به قلت له‪ :‬خذ �أيَّ‬ ‫� ُّ‬
‫طريقٍ �شئت‪ ،‬فرفع طرفه �إلى ال�سماء وقال‪ :‬لك احلم ُد يا رب‪ ،‬وما ك ّلمني بكلمة‪ ،‬وال قال يل �أح�سنتَ وال‬
‫ريا‪،‬‬ ‫�أ�س�أتَ ! فقلت يف نف�سي‪ :‬هو جمنون واهلل! فلما كان بعد ثالثة �أيام جاءين‪ ،‬وقال يل‪ :‬جزاك اهلل خ ً‬
‫كرهت �أن �أُ�ش ِرك مع َحمدِ اهلل حم َد �أحد»(‪.)59‬‬ ‫ذهب عني ما �صنعت‪ ،‬ولكن ُ‬ ‫�أما واهلل ما َ‬
‫‪ æ‬قال تعالى‪} :‬ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ{[الزمر‪ ،]73:‬قال الن�سفي‪� :‬أي‬
‫يب‬ ‫جل َّنة مُ�سَ بَّباً عن ِ‬
‫الط ِ‬ ‫ِّرت من َخب َِث اخلطايا ‪ ..‬وجعل دخو َل ا َ‬ ‫« ِط ْب ُت ْم من َد َن�س املعا�صي‪ُ ،‬‬
‫وطه مُ‬
‫وط َّيبَها من ك ِّل‬ ‫ني‪ ،‬ومثوى الطاهرين‪ ،‬قد طهَّرها اهلل من ك ِّل َد َن ٍ�س‪َ ،‬‬ ‫والطها َر ِة‪ ،‬لأنها دا ُر َ‬
‫الط ِّي ِب َ‬ ‫َ‬
‫يدخ ُلها �إال منا�سب لها‪ ،‬مو�صوف ب�صفتها»(‪ ،)60‬وقال ابن القيم‪« :‬ح ّرم اهلل �سبحانه‬ ‫قذ ٍر‪ ،‬فال ُ‬
‫وطهره ف�إنها دار َ‬
‫الط ِّي ِبني»(‪،)61‬‬ ‫وخبَث‪ ،‬وال يدخلها �إال بعد ِطيبه ُ‬ ‫اجلنة على من يف قلبه جنا�سة َ‬
‫ويقول يف مو�ضع �آخر‪�« :‬إن اجلنة َط َّيبَة‪ ،‬ال يدخلها �إال َط َّيب‪ ،‬ولهذا تقول املالئكة لأهلها‪:‬‬
‫}ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ{[الزمر‪ ،]73:‬فلي�س يف اجلنة ذرة َخبث‪ ،‬وعلى‬
‫(‪( )58‬حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) للأ�صفهاين (جـ‪� - 10:‬ص‪.)58 - 57:‬‬
‫(‪( )59‬غرر اخل�صائ�ص الوا�ضحة) لأبي �إ�سحاق جمال الدين حممد بن �إبراهيم بن يحيى الكتبي املعروف بالوطواط (جـ‪� 1:‬ص‪.)16:‬‬
‫(‪ )60‬تف�سري الن�سفي (مدارك التنزيل) عند تف�سري الآية (‪ )73‬من �سورة (الزمر)‪.‬‬
‫(‪�( )61‬إغاثة اللهفان من م�صايد ال�شيطان ) البن القيم (جـ‪� - 1:‬ص‪.)56:‬‬
‫المجموعة الرابعة ‪ :‬الحميد ‪ -‬الجميل ‪ -‬الطيب‬ ‫‪129‬‬

‫امل�ؤمن مطالعة َخبَث جنايته‪ ،‬والوقوف على اخلطر فيها‪ ،‬والت�شمري لتداركها‪ ،‬والتخل�ص من‬
‫ِر ِّقها‪ ،‬وطلب النجاة بتمحي�صها‪ ،‬كتمحي�ص الذهب والف�ضة وهو تخلي�صهما من َخ َب ِثهما»(‪،)62‬‬
‫ولقد �أ�شار الكتاب وال�سنة �إلى �أن متحي�ص امل�ؤمن وتطهريه من َد َن ِ�س ذنوبه ومعا�صيه‪َ ،‬وخ َب ِث �سيئاته‬
‫َوخطاياه مير ب�أربع مراحل متتالية‪� ،‬إن مل ِتف مرحلة بالتمحي�ص ُك ِّله انتقل للتي بعدها حتى ي�صل‬
‫طيبا طاهر ًا ً‬
‫نقيا‬ ‫�إلى املرحلة الأخرية والتي ال بد �أن يُه َّذب خاللها ويتطهر من كل َخ َب ِثه ليخرج منها ً‬
‫الط ِّي ِبني‪ ،‬ومثوى الطاهرين‪ ،‬يف جنة رب العاملني والتي ال يدخلها �إال طيب‪:‬‬ ‫ً‬
‫�صاحلا لدخول دار َ‬
‫املرحلة الأولى‪ :‬دار الدنيا‪ ،‬ويكون التمحي�ص فيها بخم�سة �أمور‪:‬‬
‫‪ )1‬التوبة الن�صوح‪ :‬وهي رجوع العبد �إلى اهلل تعالى بالإقالع عن الذنب‪ ،‬والندم على ما‬
‫احلق �إنْ كان الذنب متعلق ًا‬
‫فات‪ ،‬والعزم على �أال يعاوده يف امل�ستقبل‪ ،‬مع التحلل من �صاحب ِّ‬
‫بحق �آدمي‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ{[التحدمي‪،]8:‬‬
‫‪ )2‬اال�ستغفار ال�صادق امل�صحوب مبفارقة الذنب‪ ،‬والندم عليه‪ ،‬قال تعالى‪} :‬ﭭ‬
‫ﭮ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭷﭸﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ{[عمران‪.]135:‬‬
‫‪ )3‬عمل احل�سنات املاحية قال تعالى‪ } :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ{[هود‪،]114:‬‬
‫متحها ‪.)63()..‬‬ ‫َ‬
‫احل�سنة ُ‬ ‫َ‬
‫ال�سيئة‬ ‫وقال ‏‪¤‬‏‪ ..( :‬و�أتبع‬
‫امل�سلم �إال َك َّف َر اهلل بها عنه‪ ،‬ح َّتى‬
‫َ‬ ‫�صيبة ُت�صيب‬
‫‪ )4‬امل�صائب املكفرة‪ ،‬لقوله ‏‪( :¤‬ما من ُم ٍ‬
‫وكة ُي�شا ُكها)(‪ ،)64‬وهذه امل�صائب م�صاحبة للم�سلم يف حياته وحتى �سكرات موته‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ال�ش ِ‬
‫‪ )5‬دعاء امل�سلم لأخيه امل�سلم يف ظهر الغيب‪ ،‬ودعاء املالئكة وا�ستغفارهم للم�ؤمنني‪.‬‬
‫ف�إن محُ ِّ َ�ص و َت َطهَّر كان من َ‬
‫الط ِّي ِبني الذين تتوفاهم املالئكة وهم يب�شرونه باجلنة‪ ،‬و�إن مل‬
‫تف هذه الأمور بتمحي�صه وتخلي�صه‪ ،‬فلم تكن التوبة �شاملة وتامة‪� ،‬أو مل يكن اال�ستغفار‬ ‫ِ‬
‫�صادقاً وم�صحوبا مبفارقة الذنب‪� ،‬أو مل تكن احل�سنات يف كميتها وكيفيتها وافية بالتكفري‪،‬‬
‫وال امل�صائب كذلك‪� ،‬إما ل ِع َظم اجلناية‪� ،‬أو ل�ضعف املُمَحَّ �ص انتقل للمرحلة الثانية‪.‬‬
‫(‪( )62‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ‪� - 1:‬ص‪ )143 - 141:‬بت�صرف‪.‬‬
‫(‪ )63‬رواه الرتمذي والإمام �أحمد وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)97‬‬
‫(‪ )64‬رواه البخاري برقم (‪ )5640‬واللفظ له‪ ،‬ورواه م�سلم برقم (‪.)2572‬‬
‫‪130‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫املرحلة الثانية‪ :‬البرَ ْ َز ُخ‪ ،‬ويكون التمحي�ص فيه ب�أربعة �أمور‪:‬‬


‫‪� )1‬صالة �أهل الإميان اجلنازة عليه‪ ،‬وا�ستغفارهم له‪ ،‬و�شفاعتهم فيه‪.‬‬
‫‪ )2‬ما يح�صل له يف القرب من الفتنة‪ ،‬وال�ضغطة‪ ،‬والروعة‪ ،‬والعذاب‪.‬‬
‫‪ )3‬الأعمال ال�صاحلة امل�ستمرة التي �أوقفها يف حياته كال�صدقة اجلارية والعلم النافع‪ .‬‬
‫‪ )4‬دعاء �أقاربه و�إخوانه له‪ ،‬وما يهدونه �إياه من هدايا الأعمال كال�صدقة واحلج عنه‪.‬‬
‫خلب َِث و�ش َّدته‪� ،‬أو َت َع ُّل ِقه بحقوق �آخرين‪ ،‬انتقل للمرحلة الثالثة‪.‬‬
‫تف هذه بالتمحي�ص لكرثة ا َ‬
‫ف�إن مل ِ‬
‫املرحلة الثالثة‪ :‬يوم القيامة‪ ،‬والوقوف بني يدي اجل َّبار ‪ ،‬ويكون التمحي�ص فيه بخم�سة �أمور‪:‬‬
‫‪� )1‬أهوال يوم القيامة التي �أ�شار �إليها املولى �سبحانه يف كتابه‪ .‬فهو يو ٌم ي�شيب من هوله‬
‫الوليد‪ ،‬و َت ْذهَ ُل الأم احلنون عن طفلها‪ ،‬و ُت�سقط فيه احلامل َحملها‪ ،‬وقد اقت�ضى عدله‬
‫�سبحانه �أال ُيظلم �أحد من خلقه‪ ،‬فم�شاهدة هذه الأهوال‪ ،‬والتغري العام يف الكون؛ من‬
‫تبعرث القبور‪ ،‬وتناثر النجوم‪ ،‬وان�شقاق ال�سماء‪ ،‬وتزلزل الأر�ض‪ ،‬وتفتت اجلبال‪ ،‬وتفجر‬
‫البحار‪ ،‬وغريها من الأحوال املرعب ٍة وغري املعتادة؛ كل ذلك يكفر الذنوب‪.‬‬
‫وكرب عظيم‪ ،‬كطول الوقوف‪،‬‬ ‫هول �شديد‪ٍ ،‬‬ ‫‪ )2‬احل�شر وما ي�صيب امل�سلم فيه من ٍ‬
‫واحل�ساب‪ ،‬وتطاير ال�صحف‪ ،‬وامليزان‪ ،‬وال�صراط‪ ،‬والوقوف بني يدي اهلل ‪.‬‬
‫‪� )3‬شفاعة ال�شفعاء‪ :‬ك�شفاعته ‏‏‪¤‬‏‪ ،‬و�شفاعة ال�شهداء‪ ،‬وامل�ؤمنني‪ ،‬واملالئكة وغريهم‪.‬‬
‫قذفه �أو اغتابه �أو ظ َلمه و�أكل حقه‪.‬‬
‫‪ )4‬احلقوق عند الآخرين‪ :‬ممن َ‬
‫‪)5‬عفو اهلل وهو �أعظم حمطات التمحي�ص والتطهري والتنقية‪.‬‬
‫تف هذه بتمحي�صه‪� ،‬أو مل ُ‬
‫يعف اهلل عنه كانت املرحلة الرابعة والأخرية‪.‬‬ ‫ف�إن مل ِ‬
‫تف تلك املراحل بتمحي�صه وتطهريه‪ ،‬وهي دخول‬ ‫املرحلة الرابعة‪ :‬وال بد منها ملن مل ِ‬
‫ويتمح�ص‪ ،‬فتكون النار ُطهرة له‪ ،‬ومتحي�ص ًا َ‬
‫خل َب ِثه‪،‬‬ ‫نار املوحدين رحمة يف حقه؛ ليتخل�ص ّ‬
‫و�صفى‬ ‫خل َب ِث و ِق َلته‪ ،‬و�ش َّدته و�ضعفه‪ ،‬ف�إذا خرج َخ َب ُثه‪َ ،‬‬
‫ويكون ُمك ُثه فيها على ح�سب َكرثة ا َ‬
‫َذه ُبه؛ حتى �صار طاهر ًا نقي ًا خال�ص ًا طيب ًا؛ �أُخرج من النار و�أدخل اجلنة خالدا فيها‪)65(.‬‬

‫جعلنا اهلل و�إياكم من �أهلها الطيبني الطاهرين ‪..‬‬


‫باال�س ِتقْراء وال َت َت ُّبع للن�صو�ص ولقد �أ�شار �إليها ابن القيم يف كتابه (مدارج ال�سالكني) (جـ‪- 1:‬‬
‫(‪ )65‬هذه املراحل ا�ستنبطت ْ‬
‫�ص‪ )143 - 142:‬و�أعيد ترتيبها هنا مع بع�ض الإ�ضافات‪.‬‬
‫المتَ َك ِّب ُر‬
‫الم ‪ُ -‬‬
‫الس ُ‬
‫وس ‪َّ -‬‬ ‫ُّوح ‪ُ -‬‬
‫القدُّ ُ‬ ‫السب ُ‬
‫المجموعة الخامسة ‪ُ :‬‬ ‫‪131‬‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ‪5‬ـــــــــة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ال َتن ِْـز ْيهُ‬
‫(‪)17 - 16 - 15 - 14‬‬
‫ال�سال ُم ‪ -‬املُ َت َكبرِّ ُ‬ ‫وح ‪ -‬ال ُق ُّد ُ‬
‫و�س ‪َّ -‬‬ ‫ال�س ُّب ُ‬
‫ُ‬
‫‪132‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الـمجـمـوعـ‪5‬ـة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ال َتن ِْـزيهُ‬
‫(‪)17 - 16 - 15 - 14‬‬
‫الم ‪ -‬املُ َت َك رِّ ُ‬
‫ب‬ ‫ال�س ُ‬ ‫بوح ‪ -‬ال ُق ُّد ُ‬
‫و�س ‪َّ -‬‬ ‫ال�س ُ‬ ‫ُّ‬
‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫وح‪ :‬مل يرد هذا اال�سم الكرمي يف القر�آن العظيم‪ ،‬و�إمنا ورد يف ال�سنة النبوية‪،‬‬
‫ال�س ُّب ُ‬
‫‪ُ æ‬‬
‫وح ُق ُّد ُ‬
‫و�س‬ ‫‪� :‬أن ر�سول اهلل ‪ ،¤‬كان يقول يف ركوعه و�سجوده‪�ُ ( :‬س ُّب ٌ‬ ‫من حديث عائ�شة‬
‫رب املالئكة والروح)(‪.)1‬‬
‫و�س‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي مرتني‪ ،‬منها قوله تعالى‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ال ُق ُّد ُ‬ ‫‪æ‬‬

‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ{[ اجلمعة‪ ،]1:‬ومن ال�سنة حديث �أُبي‬


‫بن كعب ‹ قال‪ :‬كان ر�سول اهلل ‪� ¤‬إذا �سلم يف الوتر قال‪�( :‬سبحان امللك ال ُق ُّدو�س)(‪.)2‬‬
‫ال�سال ُم‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة‪ ،‬يف قوله تعالى‪}:‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫َّ‬ ‫‪æ‬‬

‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ{[احل�شر‪ ،]23:‬ومن ال�سنة دعاء النبي ‪ ¤‬بعد ال�صالة‪:‬‬


‫(ال َّلهم �أنت ال�سالم ومنك ال�سالم‪ ،‬تباركت ياذا اجلالل والإكرام)(‪ ،)3‬كما جاء عنه ‪¤‬‬

‫أر�ض‪ ،‬ف�أَ ْف�شوا َّ‬


‫ال�سال َم بينكم)(‪.)4‬‬ ‫هلل تعالى‪ُ ،‬و ِ�ض َع يف ال ِ‬
‫ا�سم من �أ�سماءِ ا ِ‬
‫قوله‪�( :‬إنَّ ال�سال َم ٌ‬
‫‪ æ‬املُ َتكبرِّ ُ ‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة‪ ،‬يف قوله تعالى‪ } :‬ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ{[احل�شر ‪ ،]23 :‬ويف ال�سنة يف‬
‫نف�سه)(‪.)5‬‬ ‫امللك‪� ،‬أنا املت َع ُ‬
‫ال‪ ،‬يمُ َ ِّجدُ َ‬ ‫قوله ‪َ ( :¤‬يقول اهلل ‪� :‬أنا ا َ‬
‫جل َّبا ُر‪� ،‬أنا املتكبرِّ ُ ‪� ،‬أنا ُ‬
‫(‪ )1‬رواه م�سلم (‪.)487‬‬
‫(‪ )2‬رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف �صحيح �أبي داود برقم (‪.)1430‬‬
‫(‪ )3‬رواه م�سلم (‪.)591‬‬
‫(‪�)4‬أخرجه البخاري يف (الأدب املفرد)‪ ،‬و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)1639‬‬
‫(‪ )5‬رواه الإمام �أحمد و�صححه �أحمد �شاكر برقم (‪.)5608‬‬
‫المتَ َك ِّب ُر‬
‫الم ‪ُ -‬‬
‫الس ُ‬
‫وس ‪َّ -‬‬ ‫ُّوح ‪ُ -‬‬
‫القدُّ ُ‬ ‫السب ُ‬
‫المجموعة الخامسة ‪ُ :‬‬ ‫‪133‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬


‫وح‪« :‬من �أبنية املبالغة على وزن ُف ُّعول‪ ،‬فعله �سبح ُي�سب ُح ت�سبيحاً‪،‬‬ ‫ال�س ُّب ُ‬
‫‪ُ æ‬‬
‫والت�سبيح تنزيه اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬عن كل ما ال ينبغي �أن يو�صف به»(‪ ،)6‬قال ابن قتيبة‪:‬‬
‫وح) مبني على ُف ُّعول‪ ،‬من (�س َّبح اهلل) �إذا َن َّزهه وب َّر�أه من كل عيب‪ ،‬ومنه قيل‪:‬‬ ‫«( ُ�س ُّب ٌ‬
‫�سبحان اهلل �أي َت ْنزيهاً هلل وتربئة له من ذلك»(‪.)7‬‬

‫‪ æ‬ال ُق ُّد ُ‬
‫و�س‪�« :‬صيغة مبالغة‪ ،‬فعله قدُ�س َيقدُ�س ُقدْ�ساً‪ ،‬فهو ق ِِدّي�س و ُقدُّ و�س‪،‬‬
‫و�س)‪ :‬املُق َدّ�س‪ ،‬الطاهر‪ ،‬املنزه عن النقائ�ص»(‪ ،)8‬وقال ابن قتيبة‪ُ (« :‬ق ُّد ٌ‬
‫و�س)‬ ‫و(ال ُق ُّد ُ‬
‫مبني على ( ُف ُّعول)‪ ،‬من (القد�س)‪ ،‬وهو الطهارة»(‪.)9‬‬ ‫ٌّ‬
‫ال�سال ُم‪« :‬م�صدر َ�س ِل َم َي�سلَ ُم �سالماً و�سالمة‪ ،‬اُ�س ُتعمِ ل ا�سماً للمو�صوف‬
‫‪َّ æ‬‬
‫بال�سالمة‪ ،‬وال�سالمة الأمن والرباءة من كل �آفة ظاهرة وباطنة»(‪ .)10‬قال ابن‬
‫القيم‪« :‬حقيقة هذه اللفظة‪ ..‬الرباءة واخلال�ص والنجاة من ال�شر والعيوب‪ ،‬وعلى‬
‫هذا املعنى تدور ت�صاريفها»(‪.)11‬‬

‫تكبرّاً‪ ،‬فهو ُمت َكبرِّ ‪ ،‬وهو‬


‫يتكب ُ‬
‫تكب رَّ ُ‬ ‫ب‪« :‬ا�سم فاعل من رَّ َ‬
‫تكب‪ ،‬فعله رَّ َ‬ ‫‪ æ‬املُ َت َك رِّ ُ‬
‫العظيم املتعايل‪ ،‬املتفرد بالعظمة والكربياء»(‪ ،)12‬وقال ابن قتيبة‪« :‬وكربياء اهلل‬
‫�شرفه‪ ،‬وهو من (تكب) �إذا �أعلى نف�سه»(‪.)13‬‬

‫(‪�( )6‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)685-684 :‬ال�سبوح)‪ .‬‬


‫(‪( )7‬تف�سري غريب القر�آن) البن قتيبة (�ص‪.)8 :‬‬
‫(‪ )8‬معجم اللغة العربية املعا�صرة للدكتور �أحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ق د �س)‪.‬‬
‫(‪( )9‬تف�سري غريب القر�آن) البن قتيبة (�ص ‪.)8‬‬
‫(‪�( )10‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)254:‬ال�سالم)‪.‬‬
‫(‪( )11‬بدائع الفوائد) البن القيم (جـ‪� - 2 :‬ص‪.)133 :‬‬
‫(‪ )12‬معجم اللغة العربية املعا�صرة للدكتور �أحمد خمتار (مادة‪ :‬ك ب ر)‪.‬‬
‫(‪( )13‬تف�سري غريب القر�آن) البن قتيبة (�ص ‪.)18‬‬
‫‪134‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬


‫وح‪« :‬الذي ُي َن َزّه عن كل ُ�سوء»(‪ .)14‬قال النووي‪�ُ (« :‬س ُّب ٌ‬
‫وح)‪ :‬املرب�أ من النقائ�ص‬ ‫ال�س ُّب ُ‬
‫‪ُ æ‬‬
‫وال�شريك وكل ما ال يليق بالإلهية»(‪ ،)15‬وقال احلليمي‪�ُ ( « :‬س ُّب ٌ‬
‫وح) املنزه عن املعائب‪.. ،‬‬
‫وح)‪ :‬امل َن َّزه عن كل عيب»(‪.)17‬‬ ‫والت�سبيح‪ :‬التنزيه»(‪ ،)16‬وقال اخلطابي‪ُ (« :‬‬
‫ال�س ُّب ُ‬
‫و�س‪« :‬الطاهر‪ ،‬املُ َن َزّه عن ال ُعيوب وال َّنقائ�ص»(‪ .)18‬قال ابن القيم‪:‬‬ ‫‪ æ‬ال ُق ُّد ُ‬
‫و�س)‪ :‬املن َّزه عن كل �شر ونق�ص وعيب‪ ،‬كما قال �أهل التف�سري‪ :‬هو الطاهر‬ ‫«(ال ُقدُّ ُ‬
‫من كل عيب‪ ،‬املن َّزه عما ال يليق به»(‪ ،)19‬وقال ال�سعدي‪(« :‬ال ُقدُّ ُ‬
‫و�س ال�سال ُم)‪ :‬امل ُ َع َّظ ُم‬
‫املنزه عن �صفات النق�ص كلها‪ ،‬وعن �أن مياثله �أحد من اخللق‪ ،‬فهو املتنزه عن جميع‬
‫العيوب‪ ،‬واملتنزه عن �أن يقاربه‪� ،‬أو مياثله �أحـد يف �شيء مـن الكمــال»(‪.)20‬‬
‫الم‪« :‬الذي َي�س َل ُم اخللق من ظلمه»(‪ ،)21‬قال ابن القيم‪َّ (« :‬‬
‫ال�سال ُم) ‪ ..‬ال�سامل‬ ‫ال�س ُ‬
‫‪َّ æ‬‬
‫من كل �آفة وعيب ونق�ص وذم‪ ،‬ف�إن له الكمال املطلق من جميع الوجوه‪ ،‬وكماله من‬
‫ال�سال ُم) يت�ضمن �سالمة �أفعاله من العبث والظلم‬ ‫لوازم ذاته فال يكون �إال كذلك‪ ،‬و( َّ‬
‫وخالف احلكمة‪ ،‬و�سالمة �صفاته من م�شابهة �صفات املخلوقني‪ ،‬و�سالمة ذاته من‬
‫كل نق�ص وعيب‪ ،‬و�سالمة �أ�سمائه من كل ذم»(‪ ،)22‬وقال ال�شوكاين‪َّ (« :‬‬
‫ال�سال ُم) الذي‬
‫�سلم من كل نق�ص وعيب‪ ،‬وقيل‪ :‬امل ُ َ�س ِّل ُم على عباده يف اجلنة‪ ،‬كما قال‪} :‬ﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ{[ي�س‪ ]58:‬وقيل‪ :‬الذي َ�س ِل َم اخللق من ظلمه‪ ،‬وبه قال الأكرث‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫امل�سلم لعباده»(‪.)23‬‬
‫(‪( )14‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ ‪� - 2:‬ص‪( )472 :‬مادة �سبح) وعزا القول لأبي �إ�سحاق‪.‬‬
‫(‪� )15‬صحيح م�سلم ب�شرح النووي (جـ‪� - 4 :‬ص‪.)205:‬‬
‫(‪( )16‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪ )104:‬ونقل فيه قول احلليمي‪.‬‬
‫(‪�( )17‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)154 :‬‬
‫َ‬
‫(‪( )18‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ ‪� - 6:‬ص‪( )168 :‬مادة قد�س) وعزا القول للأزهري‪.‬‬
‫(‪�( )19‬شفاء العليل) البن القيم (جـ‪� - 3 :‬ص‪.)977 :‬‬
‫(‪ )20‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)17 :‬‬
‫(‪ )21‬تف�سري (جامع البيان) للطربي‪[ :‬احل�شر‪. 23:‬‬
‫(‪( )22‬املرتع الأ�سنى ‪ ..‬من كتب ابن القيم) لعبد العزيز الداخل (�ص‪ .)477 :‬‬
‫(‪ )23‬تف�سري (فتح القدير) لل�شوكاين عند تف�سري الآية (‪ )23‬من �سورة احل�شر‪.‬‬
‫المتَ َك ِّب ُر‬
‫الم ‪ُ -‬‬
‫الس ُ‬
‫وس ‪َّ -‬‬ ‫ُّوح ‪ُ -‬‬
‫القدُّ ُ‬ ‫السب ُ‬
‫المجموعة الخامسة ‪ُ :‬‬ ‫‪135‬‬

‫‪ æ‬املُ َت َكبرِّ ُ ‪« :‬الذي تكرب عن كل نق�ص‪ ،‬وتعظم عما ال يليق به»(‪ ،)24‬قال قتادة‪:‬‬
‫«(امل ُ َت َكبرِّ ُ )‪ :‬الذي تكرب عن ك ّل �شر»(‪ ،)25‬وقال ال�شيخ ال�سعدي‪(« :‬امل ُ َت َكبرِّ ُ ) عن ال�سوء‪،‬‬
‫والنق�ص‪ ،‬والعيوب‪ ،‬لعظمته وكربيائه»(‪ ،)26‬وقال اخلطابي‪(« :‬امل ُ َت َكبرِّ ُ ) املتعايل عن‬
‫�صفات اخللق‪ ،‬ويقال‪ :‬الذي يتكرب على عتاة خلقه �إذا نازعوه العظمة فيق�صمهم»(‪.)27‬‬
‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬
‫وح ‪ -‬ال ُق ُّد ُ‬
‫و�س‪ :‬يرجع الت�سبيح والتقدي�س �إلى معنى واحد‪ ،‬وهو تبعيد اهلل‬ ‫ال�س ُّب ُ‬
‫‪ُ æ‬‬
‫‪� -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬عن ال�سوء على وجه التعظيم‪ .‬والتبعيد معناه‪ :‬التنزيه‪ ،‬وف َّرق بع�ضهم‬
‫و�س)‬
‫ال�س ُّبوح) ت�صريح بالتنزيه هلل‪ ،‬وذلك يت�ضمن التعظيم‪ ،‬ببنما (ال ُقدُّ ُ‬‫بينهما ب�أن ( ُ‬
‫ت�صريح بالعظمة‪ ،‬وذلك يت�ضمن التنزيه‪ ،‬قال احلليمي‪« :‬التقدي�س ُم َ�ض َّم ٌن يف �صريح‬
‫الت�سبيح‪ ،‬والت�سبيح ُم َ�ض َّم ٌن يف �صريح التقدي�س؛ لأن نفي املذا ِّم �إثبات للمدائح ‪..‬‬
‫�إال �أن قولنا (هو كذا) ظاهره التقدي�س‪ ،‬وقولنا (لي�س بكذا) ظاهره الت�سبيح‪.. ،‬‬
‫وقد جمع اهلل ‪-‬تبارك وتعالى‪ -‬بينهما يف �سورة الإخال�ص‪ ،‬ف َقا َل تعالى‪ }:‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ{ فهذا تقدي�س‪ ،‬ثم قال‪ } :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ{ فهذا ت�سبيح»(‪ ،)28‬وقال �إ�سماعيل حقي‪« :‬قال‬
‫يف التي�سري‪ :‬الت�سبيح نفي ما ال يليق به‪ ،‬والتقدي�س �إثبات ما يليق به»(‪ ،)29‬وعلى‬
‫هذا فالت�سبيح تنزيه اهلل – تعالى ‪ -‬عن كل ما ال يليق به يف ذاته و�صفاته و�أفعاله‪ ،‬و�إثبات‬
‫املحا�سن والكمال املقابل‪ ،‬يقول ابن تيمية‪« :‬والأمر بت�سبيحه يقت�ضي تنزيهَه عن كل عيب‬
‫إثبات �صفاتِ الكمال له‪ ،‬ف�إ َّن ال َت�سب ِي َح يقت�ضي التنزيه والتعظي َم»(‪� .)30‬أما‬
‫و�سوءٍ‪ ،‬و� َ‬
‫(‪ )24‬تف�سري (فتح القدير) لل�شوكاين عند تف�سري الآية (‪ )23‬من �سورة احل�شر‪.‬‬
‫(‪( )25‬تف�سري الطربي) عند تف�سري الآية (‪ )23‬من �سورة احل�شر‪ .‬‬
‫(‪ )26‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪ .)17 :‬‬
‫(‪�( )27‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)48 :‬‬
‫(‪( )28‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪.)108 - 107:‬‬
‫(‪ )29‬تف�سري (روح البيان) لإ�سماعيل حقي عند تف�سري‪( :‬الآية‪ - 30 :‬البقرة)‪.‬‬
‫(‪ )30‬فتاوى ابن تيمية (جـ ‪� – 16‬ص‪.)126 – 125 :‬‬
‫‪136‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫التقدي�س‪ :‬فهو تطهري اهلل ‪� -‬سبحانه ‪ -‬ب�إثبات الكمال له يف كل و�صف اخت�ص به‪ ،‬مع التنزيه‬
‫و�س‪ ،‬ال�سالم)‪ :‬املعظم املنزه عن‬ ‫البليغ عما يوجب نق�صان ًا‪ ،‬يقول ال�شيخ ال�سعدي‪(« :‬ال ُقدُّ ُ‬
‫�صفات النق�ص كلها»(‪ .)31‬وقيل‪� :‬إن الت�سبيح باعتبار االعتقادات يف تنزيه اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬عن‬
‫كل ما ال يليق به ‪�-‬سبحانه‪ ،‬والتقدي�س باعتبار الطاعات البدنية يف تنزيه اهلل ب�أفعال العباد‬
‫بتزكيتها و�إخال�صها هلل وحده‪ ،‬كما قال ‪�-‬سبحانه‪ -‬عن مالئكته‪ } :‬ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﭧ{ [البقرة‪ ،]30:‬قال اخلليلي‪�« :‬إن الت�سبيح باعتبار االعتقادات‪ ،‬والتقدي�س‬
‫باعتبار الطاعات البدنية ‪ ..‬والتقدي�س مبعنى التطهري‪ ،‬ومرادهم به تطهريهم‬
‫لأنف�سهم من معا�صي اهلل لأجله ‪-‬تعالى»(‪.)32‬‬
‫و�س) املنزه‪ ،‬الذي برئ من كل عيب ونق�ص‬ ‫الم‪ :‬قيل‪� :‬إن (ال ُقدُّ َ‬
‫ال�س ُ‬ ‫‪ æ‬ال ُق ُّد ُ‬
‫و�س ‪َّ -‬‬
‫ال�سالم) الذي ال يلحقه نق�ص يف امل�ستقبل‪ .‬قال الرازي‪« :‬كونه‬ ‫يف املا�ضي واحلا�ضر‪ ،‬و( َّ‬
‫قدو�ساً‪� ،‬إ�شارة �إلى براءته عن جميع العيوب يف املا�ضي واحلا�ضر‪ ،‬وكونه �سليماً‪،‬‬
‫�إ�شارة �إلى �أنه ال يطر�أ عليه �شيء من العيوب يف الزمان امل�ستقبل‪ ،‬ف�إن الذي يطر�أ‬
‫عليه �شيء من العيوب ف�إنه تزول �سالمته وال يبقى �سليماً»(‪ .)33‬وقيل �إن ( َّ‬
‫ال�سالم)‬
‫املنزه عن الظلم واجلور‪ ،‬وهو �أخ�ص من (ال ُقدُّ و�س)‪ .‬قال ابن عا�شور عند تف�سري قول‬
‫اهلل تعالى‪ } :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ{ [احل�شر‪:]23:‬‬
‫«بعد �أن ُع ِّق َب بـ } ﯖ{ للداللة على نزاهة ذاته‪ُ ،‬ع ِّق َب بـ } ﯗ{ للداللة‬
‫على العدل يف معاملته اخللق ‪ ..‬ونزاه ُة ت�صرفاته الظاهر ِة عن اجلور والظلم»(‪،)34‬‬
‫ف�أفعال اهلل – �سبحانه – �ساملة ومنزهة عن ال�شر‪ ،‬وهو م�صداق لقوله ‪ ..(:¤‬واخلري كله‬
‫يف يديك‪ ،‬وال�شر لي�س �إليك)(‪ ،)35‬يقول ابن القيم‪ ..« :‬ف�إن ال�شر ال يدخل يف �شيء من‬
‫�صفاته‪ ،‬وال يف �أفعاله‪ ،‬كما ال يلحق ذاته ‪-‬تبارك وتعالى‪ ،‬ف�إن ذاته لها الكمال املطلق‬
‫الذي ال نق�ص فيه بوجه من الوجوه‪ ،‬و�أو�صافه كذلك لها الكمال املطلق‪ ،‬واجلالل‬
‫(‪ )31‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪ .)17 :‬‬
‫(‪( )32‬جواهر التف�سري) للخليلي [البقرة‪. 30:‬‬
‫(‪ )33‬تف�سري مفاتيح الغيب للرازي عند تف�سري الآية (‪ )23‬من �سورة احل�شر‪ .‬‬
‫(‪ )34‬تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور (احل�شر ‪ -‬الآية (‪.)23‬‬
‫(‪ )35‬رواه م�سلم برقم (‪.)771‬‬
‫المتَ َك ِّب ُر‬
‫الم ‪ُ -‬‬
‫الس ُ‬
‫وس ‪َّ -‬‬ ‫ُّوح ‪ُ -‬‬
‫القدُّ ُ‬ ‫السب ُ‬
‫المجموعة الخامسة ‪ُ :‬‬ ‫‪137‬‬

‫التام‪ ،‬وال عيب فيها وال نق�ص بوجه ما‪ ،‬وكذلك �أفعاله كلها خريات حم�ضة ال �شر‬
‫ال ‪ ،)36(»..‬وقال يف مو�ضع �آخر‪ ..« :‬وكذلك عذابه وانتقامه و�شدة بط�شه‬ ‫فيها �أ�ص ً‬
‫و�سرعة عقابه؛ �سالم من �أن يكون ظلماً �أو ت�شفياً �أو غلظ ًة �أو ق�سو ًة بل هو حم�ض‬
‫حكمته وعدله وو�ضعه الأ�شياء موا�ضعها‪ ،‬وهو مما ي�ستحق عليه احلمد والثناء‬
‫كما ي�ستحقه على �إح�سانه وثوابه ونعمه‪ ،‬بل لو و�ضع الثواب مو�ضع العقوبة لكان‬
‫مناق�ضا حلكمته ولعزته‪ ،‬فو�ضعه العقوبة مو�ضعها هو من عدله وحكمته وعزته‪،‬‬
‫فهو �سالم مما يتوهم �أعدا�ؤه واجلاهلون به من خالف حكمته‪ ،‬وق�ضا�ؤه وقدره‬
‫�سالم من العبث واجلور والظلم‪.)37(»..‬‬

‫ال�سالم) على معنيني‪« :‬الأول‪ :‬ال�سالمة‬ ‫ال�سال ُم – املُ َت َكبرِّ ُ ‪ :‬تدور معاين ( َّ‬
‫‪َّ æ‬‬
‫والرباءة من كل عيب ونق�ص يف ذاته ‪�-‬سبحانه‪� -‬أو �أفعاله �أو �أ�سمائه و�صفاته‪ .‬والثاين‪:‬‬
‫�أنه ‪�-‬سبحانه‪ -‬م�صدر ال�سالم والأمن»(‪ ،)38‬و�أما (امل ُ َت َكبرِّ ُ ) ففيه وجهان؛ �أحدهما‪ :‬الذي‬
‫العظيم املتعايل القاه ُر لعتاة خلقه‪ .‬فباعتبار‬‫ُ‬ ‫تكرب عن كل �سوء ونق�ص و�شر وظلم‪ ،‬والثاين‪:‬‬
‫ال�سالم) �إلى الأمن‬
‫املعنى الثاين يف كال اال�سمني؛ فالفرق َبينِّ ٌ وا�ضح‪ ،‬حيث يتوجه معنى ( َّ‬
‫واالطمئنان وال�سالمة للخلق‪ ،‬و(امل ُ َت َكب) �إلى القاهر القا�صم لعتاة خلقه‪ .‬وباعتبار‬
‫املعنى الأول‪ :‬ف�إن الفرق يتوجه �إلى �أن (امل ُ َت َكب) �أخ�ص يف معناه من ( َّ‬
‫ال�سالم)‪ ،‬ويتوجه‬
‫�إلى تنزيه اهلل ‪�-‬سبحانه وتعالى‪ -‬من �أن يكون عذابه – �سبحانه ‪ -‬وانتقامه و�شدة بط�شه‪،‬‬
‫و�سرعة عقابه؛ ظل ًما �أو ت�شف ًيا �أو غلظة �أو ق�سوة‪ ،‬بل هو حم�ض حكمته وعدله وو�ضعه الأ�شياء‬
‫ال�سال ُم) فهو �أعم‪ ،‬ويت�ضمن تنزيه‬ ‫يف موا�ضعها‪ ،‬وهو مما ي�ستحق عليه احلمد والثناء‪ ،‬و �أما ( َّ‬
‫اهلل عن كل �سوء يف ذاته و�صفاته و�أفعاله‪ ،‬يقول ابن عا�شور‪« :‬فكانت هذه ال�صفات } المْ ُ َه ْيمِ ُن‬
‫ا ْل َعزِي ُز الجْ َ َّبا ُر المْ ُ َت َكب{ يف جانب التخويف كما كانت ال�صفات قبلها‪ } :‬املَل ُِك ال ُقدُّ ُ‬
‫و�س‬
‫ال�سال ُم المْ ُ�ؤْمِ ُن{ يف جانب الإِطم ـ ــاع»(‪ ،)39‬و يق ـ ــول ابن القيم عن ا�سم اهلل ( َّ‬
‫ال�سالم)‪:‬‬ ‫َّ‬
‫(‪( )36‬الفوائد) البن القيم (ج‪� - 2 :‬ص‪.)210 :‬‬
‫(‪( )37‬بدائع الفوائد) البن القيم(جـ‪� - 2 :‬ص‪.)136 - 135:‬‬
‫(‪( )38‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪ .)206:‬‬
‫(‪ )39‬تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور (احل�شر ‪ -‬الآية (‪.))23‬‬
‫‪138‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫«‪ ..‬هذا هو حقيقة التنزيه الذي نزه اهلل به نف�سه‪ ،‬ونزهه به ر�سوله ‪ ،¤‬فهو ال�سالم‬
‫من ال�صاحبة والولد‪ ،‬وال�سالم من الكفء والنظري ‪ ..‬و�إذا �أنت نظرت �إلى �أفراد �صفات‬
‫كماله وجدت كل �صفة �سال ًما مما ي�ضاد كما َلها؛ فحياته �سالم من املوت‪ ،‬ومن ال�سِ َن ِة‬
‫والنوم‪ ،‬وكذلك قيوميته وقدرته �سالم من التعب واللغوب‪ ،‬وعلمه �سالم من عزوب‬
‫�شيء عنه‪� ،‬أو عرو�ض ن�سيان �أو حاجة �إلى تذكر وتفكر‪ ،‬و�إرادته �سالم من خروجها‬
‫عن احلكمة وامل�صلحة‪ ،‬وكلماته �سالم من الكذب والظلم ‪ ..‬وغناه �سالم من احلاجة‬
‫�إلى غريه بوجه ‪ ..‬وملكه �سالم من منازع فيه‪� ،‬أو م�شارك‪� ،‬أو معاون‪� ،‬أو �شافع عنده‬
‫بدون �إذنه ‪ ..‬و�إلهيته �سالم من م�شارك له فيها ‪ ..‬وحلمه وعفوه و�صفحه ومغفرته‬
‫وجتاوزه �سالم من �أن تكون عن حاجة منه �أو ذل ‪ ..‬كذلك عذاب اهلل وانتقامه و�شدة‬
‫بط�شه‪ ،‬و�سرعة عقابه �سالم من �أن يكون ظل ًما �أو ت�شف ًيا �أو غلظة �أو ق�سوة ‪ ..‬وق�ضا�ؤه‬
‫وقدره �سالم من العبث واجلور والظلم‪ ،‬و�شرعه ودينه �سالم من التناق�ض واالختالف‬
‫واال�ضطراب ‪ ..‬وعطا�ؤه �سالم من كونه معاو�ضة �أو حلاجة �إلى املعطى‪ ،‬ومنعه �سالم‬
‫حمتاجا‬
‫ً‬ ‫من البخل وخوف الإمالق ‪ ..‬وا�ستوا�ؤه وعلوه على عر�شه �سالم من �أن يكون‬
‫�إلى ما يحمله �أو ي�ستوي عليه‪ ،‬بل العر�ش حمتاج �إليه‪ ،‬وحملته حمتاجون �إليه‪،‬‬
‫فهو الغني عن العر�ش‪ ،‬وعن حملته‪ ،‬وعن كل ما �سواه ‪ ..‬فت�أمل كيف ت�ضمن ا�سمه‬
‫ال�سال ُم) كل ما ُن ِّزه عنه ‪-‬تبارك وتعالى‪ .‬وكم ممن حفظ هذا اال�سم ال يدري ما‬ ‫( َّ‬
‫ت�ضمنه من هذه الأ�سرار واملعاين؟!»(‪.)40‬‬
‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬
‫وح)‪ ،‬وهذا ثابت بال�سنة‬
‫(ال�س ُّب ُ‬ ‫وح‪« :‬يو�صف اهلل ‪َ -‬ع َّز َ‬
‫وج َّل‪ -‬ب�أنه ُ‬ ‫ال�س ُّب ُ‬
‫‪ُ æ‬‬
‫ال�صحيحة»(‪ ،)41‬ومن ال�سنة ما روته عائ�شة ‪� :‬أن ر�سول اهلل ‪ ،¤‬كان يقول يف ركوعه‬
‫وح ُق ُّد ٌ‬
‫و�س رب املالئكة والروح)(‪.)42‬‬ ‫و�سجوده‪�ُ ( :‬س ُّب ٌ‬
‫(‪( )40‬بدائع الفوائد) البن القيم (جـ‪� - 2 :‬ص‪ )137 – 135:‬بت�صرف ي�سري‪.‬‬
‫(‪�( )41‬صفات اهلل ‪ ) -‬لل�سقاف (�ص‪.)139 :‬‬
‫(‪ )42‬رواه م�سلم (‪ .)487‬‬
‫المتَ َك ِّب ُر‬
‫الم ‪ُ -‬‬
‫الس ُ‬
‫وس ‪َّ -‬‬ ‫ُّوح ‪ُ -‬‬
‫القدُّ ُ‬ ‫السب ُ‬
‫المجموعة الخامسة ‪ُ :‬‬ ‫‪139‬‬

‫و�س)‪ ،‬وهي �صف ٌة ذاتي ٌة ثابتة‬ ‫‪ æ‬ال ُقدُّ ُ‬


‫و�س‪« :‬يو�صف اهلل‬
‫ب�أنه (ال ُقدُّ ُ‬
‫بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)43‬قال تعالى‪}:‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ{[احل�شر‪ ،]23:‬ومن ال�سنة حديث عائ�شة الآنف‪� :‬أن ر�سول اهلل ‪ ،¤‬كان يقول‬
‫وح ُق ُّد ٌ‬
‫و�س رب املالئكة والروح)(‪.)44‬‬ ‫يف ركوعه و�سجوده‪�ُ ( :‬س ُّب ٌ‬
‫ال�سال ُم‪« :‬يو�صف اهلل ‪َ -‬ع َّز َ‬
‫وج َّل‪ -‬ب�أنه (ال�سالم)‪ ،‬وهو ا�سم له ثابت‬ ‫‪َّ æ‬‬
‫بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)45‬قال تعالى‪} :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ{[احل�شر‪ ،]23:‬ومن ال�سنة الدعاء امل�أثور عن الر�سول ‪ ¤‬بعد ال�صالة‪( :‬ال َّلهم �أنت‬
‫«(ال�سال ُم)‬
‫َّ‬ ‫ال�سالم‪ ،‬ومنك ال�سالم‪ ،‬تباركت ياذا اجلالل والإكرام)(‪ .)46‬قال البيهقي‪:‬‬
‫هو الذي �سلم من كل عيب‪ ،‬وبرئ من كل �آفة‪ ،‬وهذه �صفة ي�ستحقها بذاته»(‪ ،)47‬وقال‬
‫الر�ضواين‪« :‬هذا اال�سم يدل على ذات اهلل وعلى �صفة ال�سالمة كو�صف ذات ‪ ..‬فال�سالمة‬
‫و�صف ذاته ل�سالمته من النقائ�ص والعيوب»(‪.)48‬‬
‫‪ æ‬املُ َت َكبرِّ ُ ‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه �سبحانه (امل ُ َت َكب) «�صفة (ا ْل ِكبرْ وا ْل ِكبرْ ِ يَاء)‬
‫بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)49‬قال تعالى‪ } :‬ﮇ ﮈ‬ ‫وهي �صف ٌة ذاتي ٌة خرب َّي ٌة ثابت ٌة هلل‬
‫ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ{[اجلاثية‪ ،]37:‬ومن ال�سنة �أن ر�سول اهلل ‪ ¤‬كان‬
‫ي�سبح ربه ويثني عليه يف ركوعه و�سجوده بهذا الدعاء‪�( :‬سبحان ذي اجلربوت وامللكوت‬
‫والكربياء والعظمة)(‪ ،)50‬وقوله ‪ ¤‬يف احلديث القد�سي‪( :‬قال اهلل ‪-‬تعالى‪ :‬الكربياء‬
‫ردائي‪ ،‬والعظمة �إزاري‪ ،‬فمن نازعني واحد ًا منهما قذفته يف النار)(‪.)51‬‬
‫) لل�سقاف (�ص‪.)202 :‬‬ ‫(‪�( )43‬صفات اهلل ‪-‬‬
‫(‪ )44‬رواه م�سلم (‪ .)487‬‬
‫(‪�( )45‬صفات اهلل ‪ ) -‬لل�سقاف (�ص‪.)147 :‬‬
‫(‪ )46‬رواه م�سلم (‪.)591‬‬
‫(‪( )47‬االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص‪.)38:‬‬
‫(‪�( )48‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪.)255:‬‬
‫(‪�( )49‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)208 :‬‬
‫(‪ )50‬رواه الن�سائي و�صححه الألباين يف امل�شكاة برقم (‪.)882‬‬
‫(‪ )51‬رواه �أبوداود و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)4311‬‬
‫‪140‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬


‫ال�س ُّبوح) مرة واحدة يف قوله ‪:¤‬‬ ‫و�س‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه ( ُ‬ ‫‪ æ‬الق ُُّد ُ‬
‫و�س رب املالئكة والروح)(‪ ،)52‬وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬لرجوع معنى اال�سمني‬ ‫وح ُق ُّد ٌ‬
‫( ُ�س ُّب ٌ‬
‫وح)‬
‫ال�س ُّب ُ‬
‫�إلى معنى واحد‪ ،‬وهو تنزيه اهلل ‪� -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬عن ال�سوء على وجه التعظيم‪ ،‬فـ ( ُ‬
‫ُّو�س) ت�صريح بالعظمة هلل‪ ،‬وذلك يت�ضمن‬ ‫ت�صريح بالتنزيه‪ ،‬وذلك يت�ضمن التعظيم‪ ،‬و(ال ُقد ُ‬
‫التنزيه‪ ،‬يقول احلليمي‪« :‬التقدي�س م َُ�ض ّمن يف �صريح الت�سبيح‪ ،‬والت�سبيح م َُ�ض ّم ٌن يف �صريح‬
‫التقدي�س؛ لأن نفي املذا ِّم �إثبات للمدائح ‪� ..‬إال �أن قولنا (هو كذا) ظاهره التقدي�س‪،‬‬
‫وقولنا (لي�س بكذا) ظاهره الت�سبيح‪ .. ،‬وقد جمع اهلل ‪-‬تبارك وتعالى‪ -‬بينهما يف �سورة‬
‫الإخال�ص‪ ،‬ف َقا َل تعالى‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ{ فهذا تقدي�س‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫} ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ{ فهذا ت�سبيح»(‪.)53‬‬
‫الم‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه (القدو�س) مرة واحدة‪ ،‬يف قوله‬ ‫ال�س ُ‬
‫‪َّ æ‬‬
‫تعالى‪} :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ{[احل�شر‪،]23:‬‬
‫وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬كما يقول ابن عا�شور‪« :‬وبهذا ظهر تعقيب و�صف‬
‫(امللك) بو�صف (ال�سالم) ف�إنه بعد �أن ُعقب بـ (القدو�س) للداللة على نزاهة ذاته‪،‬‬
‫ُعقب بـ (ال�سالم) للداللة على نزاهة ت�صرفاته الظاهر ِة عن اجلور والظلم‪ ،‬و�أنها‬
‫قائمة على العدل يف معاملته اخللق»(‪.)54‬‬
‫‪ æ‬ال َع ِز ُ‬
‫يز‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال ُقدُّ و�س) مرة واحدة‪ ،‬يف مطلع‬
‫�سورة اجلمعة‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ{[اجلمعة‪ ،]1:‬و�سر ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬كما يقول �سيد قطب‪« :‬هذا املطلع يقرر حقيقة‬
‫الت�سبيح امل�ستمرة من كل ما يف الوجود هلل‪ ،‬وي�صفه ‪�-‬سبحانه‪ -‬ب�صفات ذات عالقة‬
‫لطيفة مبو�ضوع ال�سورة التي ا�سمها «اجلمعة»‪ ،‬وفيها تعليم عن �صالة اجلمعة‪ ،‬وعن‬
‫(‪ )52‬رواه م�سلم (‪.)487‬‬
‫(‪( )53‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪.)108 - 107:‬‬
‫(‪ )54‬تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور (احل�شر ‪ -‬الآية (‪ ))23‬بت�صرف‪ .‬‬
‫المتَ َك ِّب ُر‬
‫الم ‪ُ -‬‬
‫الس ُ‬
‫وس ‪َّ -‬‬ ‫ُّوح ‪ُ -‬‬
‫القدُّ ُ‬ ‫السب ُ‬
‫المجموعة الخامسة ‪ُ :‬‬ ‫‪141‬‬

‫التفرغ لذكر اهلل يف وقتها‪ ،‬وترك اللهو والتجارة‪ ،‬وابتغاء ما عند اهلل‪ ،‬وهو خري من‬
‫اللهو ومن التجارة‪ .‬ومن ثم تذكر‪ } :‬ﯕ{ ‪ ..‬الذي ميلك كل �شيء مبنا�سبة‬
‫التجارة التي ي�سارعون �إليها ابتغاء الك�سب‪ ،‬وتذكر } ﯖ{ الذي يتقد�س‬
‫ويتنزه ويتوجه �إليه بالتقدي�س والتنزيه كل ما يف ال�سماوات والأر�ض‪ ،‬مبنا�سبة اللهو‬
‫الذي ين�صرفون �إليه عن ذكره‪ ،‬وتذكر} ﮎ{‪ ..‬مبنا�سبة املباهلة التي يدعى‬
‫�إليها اليهود واملوت الذي ال بد �أن يالقي النا�س جميعاً والرجعة �إليه واحل�ساب‪،‬‬
‫وتذكر } ﭜ{ ‪ ..‬مبنا�سبة اختياره الأميني ليبعث فيهم ر�سو ًال يتلو عليهم �آياته‬
‫ويزكيهم ويعلمهم الكتاب واحلكمة‪ ..‬وكلها منا�سبات لطيفة املدخل واالت�صال»(‪.)55‬‬
‫وميكن �أن يقال‪� :‬إن } ﭙ{ هو احلاكم ب�أمره ونهيه‪ ،‬وتقرر �أن كمال امللك واحلكم‪،‬‬
‫يكمن يف ثالثة �أمور‪ :‬الأول‪ :‬نزاهة وطهارة احلاكم يف ذاته و�صفاته و�أفعاله‪ ،‬و�أنه لي�س كامللوك‬
‫املعروفني بالنقائ�ص والعيوب‪ ،‬واملت�صفني عادة بالهوى واجلهل والظلم‪ .‬وثاني ًا‪ :‬قدرة احلاكم‬
‫وقوته يف نفاذ �أمره ونهيه‪ ،‬و�أنه ال راد لق�ضائه‪ ،‬وال معقب حلكمه‪ .‬وثالث ًا‪ِ :‬حكمة احلاكم‪،‬‬
‫و�سالمة �أمره ونهيه وت�صرفاته من ال�شر والعبث‪ ،‬و�أنه ال يفعل �إال ال�صواب؛ ف�أفعاله �سديدة‪،‬‬
‫وحكمه مت َقن‪ ،‬وي�ضع الأ�شياء يف موا�ضعها الالئقة بها؛ ولذا ورد ذكر الأ�سماء} ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ{ بعد ا�سم } ﭙ{ لطم�أنة العباد بعناية ربهم بهم‪ ،‬وهدايته ‪� -‬سبحانه ‪ -‬ملا فيه‬
‫�صالحهم يف الدنيا والآخرة‪ ،‬ف�أفيد ‪�-‬أو ًال‪ -‬نزاهة ذاته و�صفاته و�أفعاله و�أوامره ونواهيه‬
‫و�س{‪ ،‬ثم نزاهة قدرته وقوته يف نفاذ حكمه و�أوامره ونواهيه‪ ،‬و�أنه ال‬ ‫بو�صف } ال ُقدُّ ِ‬
‫غالب له ‪�-‬سبحانه‪ -‬بو�صف } ﭛ{‪ ،‬و�أخري ًا نزاهة حكمه و�أوامره من اجلور وال�شر‬
‫والعبث‪ ،‬و�أنه مطلع على مبادئ الأمور وعواقبها‪ ،‬الذي ي�ضع الأ�شياء موا�ضعها‪ ،‬فال‬
‫يتوجه �إليه �س�ؤال‪ ،‬وال يقدح يف حكمته مقال بو�صف } ﭜ{ واهلل �أعلم‪.‬‬
‫‪ æ‬المْ ُ�ؤْمِنُ ‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه ( َّ‬
‫ال�سالم) مرة واحدة‪ ،‬يف قوله تعالى‪}:‬ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ {[احل�شر‪ ،]23:‬وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل‬
‫(‪ )55‬تف�سري (يف ظالل القر�آن) ل�سيد قطب (اجلمعة ‪ -‬الآية (‪( ))1‬جـ‪� - 6 :‬ص‪.)3564 :‬‬
‫‪142‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫�أعلم ‪ -‬كما يقول ابن عا�شور‪« :‬وذكر و�صف } ﯘ { عقب الأو�صاف التي قبله‪� ،‬إمتام‬
‫لالحرتا�س من توهّم و�صفه ‪-‬تعالى‪ -‬بـ } ﯕ{ �أنه كامللوك املعروفني بالنقائ�ص‪ ،‬ف�أفيد‬
‫‪�-‬أو ًال‪ -‬نزاهة ذاته بو�صف } ﯖ{‪ ،‬ونزاهة ت�صرفاته املغ َّيبة عن الغدر وال َكيد بو�صف‬
‫} ﯘ{‪ ،‬ونزاه ُة ت�صرفاته الظاهر ِة عن اجلور والظلم بو�صف } ﯗ{»(‪.)56‬‬
‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫‪ æ‬الأثر العلمي االعتقادي‪:‬‬
‫رب) يف ذاته و�أ�سمائه و�صفاته و�أفعاله‪،‬‬ ‫اهلل ‪ -‬تعالى ‪�ُ ( -‬س ُّبو ٌح ُقدُّ ٌ‬
‫و�س �سال ٌم متك ٌ‬
‫ف�أ�سما�ؤه كلها ُح�سنى ال عيب فيها‪ ،‬و�صفاته كلها عليا ال نق�ص فيها‪ ،‬و�أفعاله كلها حكمة وعزة‬
‫ال خلل فيها وال �شر‪ ،‬وهو ‪�-‬سبحانه‪ -‬منزه عن كل النقائ�ص والعيوب‪ ،‬مرب�أ عن كل الآفات‬
‫واخللل‪ ،‬متكرب عن كل �شر و�سوء ‪ ..‬وله الكمال املطلق يف �ألوهيته وربوبيته و�أ�سمائه و�صفاته‬
‫و�أفعاله كما قال �سبحانه‪ } :‬ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ{[ال�شورى‪.]11:‬‬
‫‪ æ‬الأثر العملي‪:‬‬
‫‪1.1‬حمبة اهلل ‪� -‬سبحانه ‪ -‬وتعظيمه و�إجالله؛ لأنه ‪�-‬سبحانه‪ -‬املت�صف ب�صفات‬
‫الكمال واجلالل‪ ،‬واملنزه عن النقائ�ص والعيوب؛ ومن كان هذا و�صفه ف�إن‬
‫النفو�س جمبولة على حبه وتعظيمه‪ ،‬وهذه املحبة تورث حالوة يف القلب‪ ،‬ونو ًرا‬
‫يف ال�صدر‪ ،‬وهذا هو النعيم الدنيوي احلقيقي‪.‬‬
‫لنف�سه �أو �أثبته له ر�سوله ‪ ¤‬من الأ�سماء احل�سنى‬ ‫‪�2.2‬إثبات ما �أثبته اهلل‬
‫وال�صفات العلى‪ ،‬من غري حتريف وال تعطيل‪ ،‬وال تكييف وال متثيل‪ ،‬كما‬
‫قال اهلل ‪�-‬سبحانه‪ -‬عن نف�سه‪ } :‬ﭡ ﭢﭣﭤ ﭥﭦ‬
‫ﭧ{[ال�شورى‪.]11:‬‬
‫‪3.3‬تنزيه اهلل – تعالى ‪ -‬يف �أقواله و�أفعاله و�أ�سمائه و�صفاته عن كل نق�ص وعيب‪،‬‬
‫ويت�ضمن ذلك تنزيهه ‪� -‬سبحانه ‪ -‬عن ال�شريك وال�صاحبة والولد‪ ،‬وتقدي�سه‬
‫وتعظيمه‪ ،‬فهو اهلل الواحد الأحد ال�صمد الذي مل يلد‪ ،‬ومل يولد‪ ،‬ومل يكن له كف ًوا‬
‫(‪ )56‬تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور (احل�شر ‪ -‬الآية (‪.))23‬‬
‫المتَ َك ِّب ُر‬
‫الم ‪ُ -‬‬
‫الس ُ‬
‫وس ‪َّ -‬‬ ‫ُّوح ‪ُ -‬‬
‫القدُّ ُ‬ ‫السب ُ‬
‫المجموعة الخامسة ‪ُ :‬‬ ‫‪143‬‬

‫�أحد ‪ ..‬وتنزيه حكمه و�شرعه عن النق�ص والعيب واجلور وعدم منا�سبته للواقع؛‬
‫و�أن امل�صلحة يف غريه من القوانني الو�ضعية‪ ،‬وتعظيم اهلل وتقدي�سه من خالل‬
‫التحاكم �إلى �شرعه‪ ،‬واحلكم به‪ ،‬والت�سليم له ‪.‬‬
‫‪4.4‬كرثة ذكره ‪�-‬سبحانه‪ -‬وت�سبيحه وحتميده �آناء الليل‪ ،‬و�أطراف النهار‪ ،‬وال�شعور‬
‫بالأن�س وال َروح باالن�ضمام �إلى بقية العوامل يف هذا الكون العظيم التي ت�سبح‬
‫وت�سجد له‪ ،‬كما قال �سبحانه‪ } :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬ ‫اهلل‬
‫ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ{[الإ�سراء‪.]44:‬‬
‫‪ ،‬والثقة بوعده ال�صادق‪ ،‬و�أن اهلل – �سبحانه – عند ظن‬ ‫‪5.5‬ح�سن الظن باهلل‬
‫عبده كما قال ‪( :¤‬قال اهلل ‪-‬تعالى‪� :‬أنا عند ظن عبدي بي‪� ،‬إن ظن خريا‬
‫فله‪ ،‬و�إن ظن �شرا فله)(‪ ،)57‬والبعد عن ظن ال�سوء برب العاملني؛ لأن ظن ال�سوء‬
‫باهلل ‪-‬تعالى‪ -‬يقدح يف تنزيهه ‪�-‬سبحانه‪ ،‬كما قال تعالى‪ } :‬ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣﮤ{[الفتح‪ ،]6:‬فمن ظنَّ ب�أن اهلل ‪� -‬سبحانه ‪ -‬ال ين�ص ُر ر�سو َله ودينه‪ ،‬وال‬
‫ظن �أن اهلل ‪-‬‬‫يتم �أمره‪ ،‬وال ي�ؤيده‪ ،‬وي�ؤيد حزبه؛ فقد ظن باهلل ظن ال�سوء‪ ،‬ومن َّ‬
‫معطل َني عن الأمر والنهي‪ ،‬وال ُير�سل �إليهم ر�سله‪،‬‬ ‫�سبحانه ‪ -‬ي ُرتك خلقه ُ�سدى‪َّ ،‬‬
‫ينزل عليهم كتبه‪ ،‬بل يرتكهم هَ َم ًال كالأنعام‪ ،‬فقد َظ َّن باهلل ظن ال�سوء‪ ،‬ومن‬ ‫وال ِّ‬
‫ظن �أن اهلل لن يجمع عبيده بعد موتهم للثواب والعقاب يف دار يجازي املح�سنَ فيها‬
‫َ‬
‫و�صدق ر�سله‪ ،‬و�أن �أعداءه‬ ‫ب�إح�سانه‪ ،‬وامل�سي َء ب�إ�ساءته ويظه ُر للعاملني ك ِّلهم �صد َقه‬
‫ظن به ظن ال�سوءِ‪ ،‬ومن ظن باهلل �أن يكون يف ملكه ما ال‬ ‫كانوا هم الكاذبني‪ ،‬فقد َّ‬
‫ظن باهلل �أنه ال‬
‫ظن به ظن ال�سوء‪ ،‬ومن َّ‬ ‫ي�شاء وال َي ْق ِد ُر على �إيجاده وتكوينه‪ ،‬فقد َّ‬
‫أر�ض‪ ،‬وال النجوم‪ ،‬وال‬
‫ال�سماوات وال ِ‬
‫ِ‬ ‫ب�ص ُر‪ ،‬وال يعلم املوجودات‪ ،‬وال َعدد‬ ‫َي�سمع وال ُي ِ‬
‫آدم وحركاتهم و�أفعالهم‪ ،‬وال يعلم �شي ًئا من املوجودات يف الأعيان‪ ،‬فقد ظن به‬ ‫بني � َ‬
‫(‪ )57‬رواه الإمام �أحمد و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)4315‬‬
‫‪144‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ظن باهلل خالف ما و�صف به نف�سه وو�صفه به ر�سوله‬ ‫ظن ال�سوء‪ ،‬وباجلملة‪ ،‬فمن َّ‬
‫‪� ،¤‬أو عطل حقائق ما و�صف به نف�سه‪ ،‬وو�صفته به ُر�سله‪ ،‬فقد ظن به ظن ال�سوء‪.‬‬
‫‪6.6‬االعتقاد واليقني ب�أن من �أراد الأمن وال�سالم �سواء يف نف�سه‪� ،‬أو يف بيته‪� ،‬أو يف‬
‫والأن�س به‪ ،‬وااللتزام ب�أحكامه‬ ‫جمتمعه ف�إنه ال يكون �إال يف الإميان باهلل‬
‫و�شريعته التي كلها �أمن و�سالم على الفرد والأ�سرة واملجتمع‪.‬‬
‫‪7.7‬التوا�ضع هلل ‪-‬تعالى‪ -‬بتوحيده وعبادته‪ ،‬واالنقياد للحق الذي جاء يف كتابه ‪�-‬سبحانه‪-‬‬
‫وعلى ل�سان ر�سوله ‪ ،¤‬والتوا�ضع لعباد اهلل وعدم التكرب عليهم‪ ،‬والبعد عن ظلمهم‬
‫وه�ضم حقوقهم‪ ،‬كما قال ‪( :¤‬الكرب بطر احلق وغمط النا�س)(‪ ،)58‬والبن القيم‬
‫كالم نفي�س يف التوا�ضع للحق و�أ�صناف النا�س الأربعة يف تكربهم عليه ومعار�ضتهم‬
‫له‪ ،‬فقال‪� ..« :‬أن ال يعار�ض �شي ًئا مما جاء به الر�سول ‪ ¤‬ب�شيء من املعار�ضات‬
‫الأربعة ال�سارية يف العامل‪ ،‬امل�سماة باملعقول‪ ،‬والقيا�س‪ ،‬والذوق‪ ،‬وال�سيا�سة‪:‬‬
‫الأول‪ :‬للمنحرفني ‪� -‬أهل الكرب من املتكلمني ‪ -‬الذين عار�ضوا ن�صو�ص‬
‫الوحي مبعقوالتهم الفا�سدة‪ ،‬وقالوا‪� :‬إذا تعار�ض العقل والنقل قدمنا العقل‬
‫وعزلنا النقل؛ �إما َع ْزل تفوي�ض‪ ،‬و�إما َع ْزل ت�أويل‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬للمتكربين ‪ -‬من املنت�سبني �إلى الفقه ‪ -‬قالوا‪� :‬إذا عار�ض القيا�س‬
‫والر�أي الن�صو�ص‪ ،‬قدمنا القيا�س على الن�ص‪ ،‬ومل نلتفت �إليه‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬للمتكربين املنحرفني ‪ -‬من املنت�سبني �إلى الت�صوف والزهد ‪ -‬ف�إذا‬
‫تعار�ض عندهم الذوق والأمر‪ ،‬ق َدّموا الذوق واحلال ومل يعب�ؤوا بالأمر‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬للمتكربين املنحرفني من الوالة والأمراء اجلائرين �إذا تعار�ضت عندهم‬
‫ال�شريعة وال�سيا�سة‪ ،‬قدموا ال�سيا�سة ومل يلتفتوا �إلى حكم ال�شريعة»(‪.)59‬‬
‫يف الدنيا �أو يف الآخرة‪،‬‬‫‪8.8‬اليقني ب�أنه ما من متكرب وطاغية �إال و�سيق�صمه اهلل‬
‫قال النبي ‪( :¤‬يح�شر املتكربون يوم القيامة �أمثال الذر يف �صور الرجال‪،‬‬
‫يغ�شاهم الذل من كل مكان‪ ،‬ي�ساقون �إلى �سجن يف جهنم ي�سمى ُبو ُل�س‪،‬‬
‫(‪ )58‬رواه م�سلم برقم (‪.)91‬‬
‫(‪( )59‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ ‪� :2‬ص‪.)347 :‬‬
‫المتَ َك ِّب ُر‬
‫الم ‪ُ -‬‬
‫الس ُ‬
‫وس ‪َّ -‬‬ ‫ُّوح ‪ُ -‬‬
‫القدُّ ُ‬ ‫السب ُ‬
‫المجموعة الخامسة ‪ُ :‬‬ ‫‪145‬‬

‫تعلوهم نار الأنيار‪ ،‬ي�سقون من ع�صارة �أهل النار‪ ،‬طينة اخلبال)(‪ ،)60‬وهذا‬
‫يثمر يف قلب امل�ؤمن عدم االغرتار بقوة الأعداء وجربوتهم؛ ف�إن اهلل فوقهم‬
‫وقا�صمهم متى �أخذ امل�ؤمنون ب�أ�سباب الن�صر و�شروطه‪.‬‬
‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫ب) من �أ�سماء الذات الدالة على‬ ‫الم ‪ -‬املُ َت َك رِّ ُ‬
‫ال�س ُ‬
‫و�س ‪َّ -‬‬
‫وح ‪ -‬الق ُُّد ُ‬
‫(ال�س ُّب ُ‬
‫ُ‬
‫ال�سبوح ‪-‬ال ُقدُّ و�س ‪ -‬ال�سالمة ‪ -‬ا ْل ِكبرْ وا ْل ِكبرْ ِ َياء) ‪ ..‬ولذا‬‫�صفات اهلل الذاتية ( ُّ‬
‫كان من املنا�سب دعاء اهلل ‪� -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬والثناء عليه‪ ،‬بهذه الأ�سماء‪ ،‬يف جميع‬
‫حاجات العبد‪ ،‬بل �إن �أحب الكالم �إلى اهلل تنزيهه وت�سبيحه‪ ،‬وذكر حمامده‪ ،‬كما جاء‬
‫عنه ‪�( :¤‬إن �أحب الكالم �إلى اهلل‪� ،‬سبحان اهلل وبحمده)(‪ ،)61‬ومما جاء يف ال�سنة‬
‫بخ�صو�ص الدعاء والثناء على اهلل ‪� -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬بهذه الأ�سماء وال�صفات‪� :‬أن‬
‫النبي ‪ ¤‬كان يقول يف ركوعه و�سجوده‪�( :‬سبحانك اللهم ربنا وبحمدك‪ ،‬اللهم اغفر‬
‫يل)(‪ ،)62‬وكان ‪� ¤‬إذا هب من الليل‪( :‬كرب ع�شراً‪ ،‬وحمد ع�شراً‪ ،‬وقال‪� :‬سبحان‬
‫اهلل وبحمده ع�شراً‪ ،‬وقال‪� :‬سبحان امللك القدو�س ع�شراً‪ ،‬وا�ستغفر ع�شراً‪ ،‬وهلل‬
‫ع�شراً‪ ،‬ثم قال‪ :‬اللهم �إين �أعوذ بك من �ضيق الدنيا و�ضيق يوم القيامة ع�شراً‪،‬‬
‫جمل�س �إال قال‪�( :‬سبحانك اللهم ربي‬
‫ٍ‬ ‫ثم يفتتح ال�صالة)(‪ ،)63‬وكان ‪ :¤‬ال يقوم من‬
‫و بحمدك‪ ،‬ال �إله �إال �أنت‪� ،‬أ�ستغفرك و �أتوب �إليك‪ ،‬وقال‪ :‬ال يقولهن �أحد حيث‬
‫يقوم من جمل�سه �إال غفر له‪ ،‬ما كان منه يف ذلك املجل�س)(‪ ،)64‬ومما ورد من‬
‫ال�سال ُم) قوله ‪ ¤‬يف حديث ــه عن يــوم القيامة‪:‬‬‫الدعاء بالو�صف الذي دل عليه ا�سم ( َّ‬
‫( ‪ ..‬ونبيكم قائم على ال�صراط يقول‪ :‬رب �سلِّم �سلِّم‪ ،‬حتى تعجز �أعمال العباد‪،‬‬
‫حتى يجيء الرجل فال ي�ستطيع ال�سري �إال زحف ًا ‪.)65() ..‬‬
‫(‪ )60‬رواه الإمام �أحمد والرتمذي وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع (‪.)8040‬‬
‫(‪ )61‬رواه م�سلم برقم (‪.)2731‬‬
‫(‪ )62‬رواه البخاري برقم (‪ ،)794‬وم�سلم برقم (‪.)484‬‬
‫(‪ )63‬رواه �أبو داود وح�سنه الألباين يف �صحيح �أبي داود برقم (‪.)5085‬‬
‫(‪ )64‬رواه احلاكم و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)4867‬‬
‫(‪ )65‬رواه م�سلم برقم (‪.)195‬‬
‫‪146‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬


‫‪ æ‬ملا َق ِدم جعفر بن �أبي طالب ‹ من �أر�ض احلب�شة لقيه ر�سول اهلل ‪ ¤‬فقال‪:‬‬
‫(حدثني ب�أعجب �شيء ر�أيته ب�أر�ض احلب�شة) قال جعفر‪َ :‬م ّر ْت امر�أة على ر�أ�سها‬
‫مِ ْكتل فيه طعام‪ ،‬فمر بها رجل على فر�س ف�أ�صابها فرمى به‪ ،‬فجعلت تنظر �إليه‪ ،‬وهي‬
‫تعيده يف مكتلها‪ ،‬وهي تقول‪ :‬ويل لك من يوم ي�ضع امللك كر�سيه في�أخذ للمظلوم‬
‫من الظامل‪ ,‬ف�ضحك ر�سول اهلل ‪ ¤‬حتى بدت نواجذه فقال‪( :‬كيف ُي َقدِّ ُ�س اهلل �أمة ال‬
‫ي�ؤخذ ل�ضعيفها من �شديدها حقه وهو غري متعتع؟(‪.)67())66‬‬
‫‪ æ‬قال �أبو الأ�سود الد�ؤيل‪ :‬قال يل عمران بن ح�صني ‹‪�« :‬أر�أيت ما يعمل النا�س‬
‫اليوم ويكدحون فيه‪� ،‬أ�شيء ُق�ضي عليهم وم�ضى عليهم من قدر ما �سبق‪� ،‬أو فيما‬
‫ي�ستقبلون به مما �أتاهم به نبيهم‪ ،‬وثبتت احلجة عليهم؟»‪ ،‬فقلت‪ :‬بل �شيء ق�ضي عليهم‪،‬‬
‫وم�ضى عليهم‪ .‬فقال عمران‪�« :‬أفال يكون ظلما؟!» قال �أبو الأ�سود‪ :‬ففزعت من ذلك‬
‫فزعا �شديد ًا!‪ ،‬وقلت‪ :‬كل �شيء خلق اهلل وملك يده‪ ،‬فال ي�س�أل عما يفعل وهم ي�س�ألون‪.‬‬
‫فقال يل عمران‪« :‬يرحمك اهلل!‪� ،‬إين مل �أرد مبا �س�ألتك �إال لأحزر عقلك(‪.)69(»)68‬‬
‫‪ æ‬قال تعالى‪} :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ{[ال�صافات‪ ،]87:‬قال ابن م�سعود ‹‪« :‬واهلل‬
‫الذي ال �إله غريه‪ ،‬ال يُح�سن �أحد الظن باهلل �إال �أعطاه اهلل ظ َنه‪ ،‬وذلك �أن اخلري بيده»(‪.)70‬‬
‫‪ æ‬قال تعالى‪ } :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ{[الإ�سراء‪ ،]44:‬قال ابن كثري‪�« :‬أي‪ :‬وما من �شيء‬
‫من املخلوقات �إال ي�سبح بحمد اهلل‪ ،‬ولكن ال تفقهون ت�سبيحهم �أيها النا�س؛ لأنها بخالف‬
‫لغاتكم‪ ،‬وهذا عام يف احليوانات واجلمادات والنباتات‪ ..‬وثبت يف ال�صحيح من حديث ابن‬
‫م�سعود ‹ �أنه قال‪( :‬كنا ن�سمع ت�سبيح الطعام وهو ي�ؤكل)(‪ ،)71‬ومن حديث �أبي ذر ‹‪� :‬أن‬
‫(‪ )66‬متعتع‪ :‬بفتح التاء‪� ،‬أَي من غري �أَن ُي ِ�صيب ال�ضعيف �أَ ًذى ُي ْق ِل ُقه و ُيزْ ِع ُجه‪ ،‬فيرتدد بكالمه‪ ،‬و َي َت َب َّل ُد فيه ل�سا ُنه‪.‬‬
‫(‪ )67‬رواه البيهقي و�صححه الألباين يف تخريج كتاب ال�سنة برقم (‪.)582‬‬
‫(‪ )68‬لأحزر عقلك‪� :‬أي لأمتحن عقلك‪ ،‬و�أخترب فهمك ومعرفتك‪.‬‬
‫(‪ )69‬رواه م�سلم برقم (‪.)2650‬‬
‫(‪( )70‬التذكرة يف �أحوال املوتى و�أمور الآخرة) للإمام القرطبي (جـ‪� - 1:‬ص‪ )90:‬باب‪( :‬ال ميوت �أحد �إال وهو يح�سن باهلل‬
‫الظن) وقال حمقق الكتاب‪� :‬أخرجه ابن �أبي الدنيا يف ح�سن الظن باهلل‪ ،‬و�سنده ال ب�أ�س به‪.‬‬
‫(‪ )71‬رواه البخاري برقم (‪.)3579‬‬
‫المتَ َك ِّب ُر‬
‫الم ‪ُ -‬‬
‫الس ُ‬
‫وس ‪َّ -‬‬ ‫ُّوح ‪ُ -‬‬
‫القدُّ ُ‬ ‫السب ُ‬
‫المجموعة الخامسة ‪ُ :‬‬ ‫‪147‬‬

‫ف�سمع لهن ت�سبيح كحنني النحل)(‪ ،)72‬ومن حديث عبد اهلل‬ ‫النبي ‪�( : ¤‬أخذ يف يده ح�صيات‪ُ ،‬‬
‫بن عمرو قال‪ :‬نهى ر�سول اهلل ‪ ¤‬عن قتل ال�ضفدع‪ ،‬وقال‪( :‬نقيقها ت�سبيح)(‪.)74(»)73‬‬
‫‪ æ‬كان «خالد بن الريان املحاربي» �صاحب حر�س عبد امللك بن مروان وابنيه الوليد‬
‫و�سليمان‪ ،‬فلما ا�ستُخ ِلف عمر بن عبد العزيز؛ ور�أى خالد بن الريان قادما عليه من بعيد قال‬
‫عمر ملن عنده‪�« :‬أترون هذا املقبل؟!‪ ،‬واهلل �إن كنت لأ�سري يف مركب الوليد و�سليمان‬
‫جلدَد(‪ ،)75‬ف�إن كان يفعل بي ذلك‬ ‫ويل من قرابتهم‪ ،‬ف ُيلقي دابتي يف الوحل‪ ،‬ويركب ا َ‬
‫فهو لغريي �أ�شد احتقارا! فلما دنا و�سلم‪ ،‬قال له عمر‪� :‬إنك قد ق�ضيت من هذا ال�سيف‬
‫وطرا‪ ،‬فتفرغ لنف�سك‪ ،‬وان�صرف �إلى �أهلك‪ ،‬وخذ يا غالم �سيفه‪ ،‬فقال خالد‪� :‬أن�شدك‬
‫اهلل يا �أمري امل�ؤمنني! و�إن هذا مل يكن رجائي فيك!‪ ،‬فعزله عمر‪ ،‬وقال‪ :‬اللهم �إين قد‬
‫ب�شر حتى مات!‪ ،‬قال نوفل‬‫و�ضعت لك خالد بن الريان‪ ،‬اللهم ال ترفعه �أبدا!‪ ،‬فلم يزل ٍ‬
‫بن الفرات‪ :‬ما ر�أيت �شريفا خمد ذكره حتى ال يذكر مثله! �إن كان النا�س ليقولون‪:‬‬
‫ما فعل خالد �أحي �أو قد مات؟!»(‪.)76‬‬
‫‪ æ‬نقل �أبو طالب املكي قول �سفيان الثوري‪« :‬من �أذنب ذنباً‪ ،‬فعلم �أن اللهّ تعالى قدّره‬
‫عليه‪ ،‬ورجى غفران ـ ـ ــه؛ غف ـ ــر اللهّ لـ ـ ــه ذنبـ ــه‪ ،‬لأن اللهّ تــعالى عيرّ قوماً فقال تع ــالى‪:‬‬
‫}ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ {[ف�صلت‪ ،]23:‬وقد قال �سبحانه وتعالى يف‬
‫مثله‪ } :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ {[الفتح‪� ،]12:‬أي هلكى‪ ،‬ثم قال �أبو‬
‫طالب املكي‪ :‬ففي الآيتني دليل على � ّأن من ظنّ ح�سناً كان من �أهل النجاة»(‪.)77‬‬
‫(‪ )72‬قال عنه ابن كثري يف تف�سريه‪( :‬حديث م�شهور يف امل�سانيد)‪ ،‬واحلديث رواه الهيثمي يف جممع الزوائد وقال‪ :‬روي ب�إ�سنادين‬
‫ورجال �أحدهما ثقات ويف بع�ضهم �ضعف‪ ،‬و�صحح الألباين مثله يف تخريج (كتاب ال�سنة) برقم (‪ )1146‬من حديث �أبي ذر‬
‫أر�ض َف َخ َر ْ�سنَ )‪.‬‬ ‫(وح َ�صياتٌ مو�ضوع ٌة بني يديه ف�أخذهن يف ِيد ِه َ‬
‫ف�س َّب ْحنَ يف ِيد ِه ثم �أخذهن فو�ضعهن على ال ِ‬ ‫الغفاري وفيه‪َ :‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫(‪ )73‬رواه البيهقي يف ال�سنن و�صححه موقوفا‪ ،‬وقال عنه النووي‪� :‬صح موقوفا على عبداهلل بن عمرو بن العا�ص‪ ،‬وقال‬
‫ال�شنقيطي يف �أ�ضواء البيان [الأنعام‪ : 141:‬الظاهر يف مثل هذا الذي �صح عن عبد اهلل بن عمرو ‪� ..‬أنه يف حكم املرفوع‪ ،‬لأنه‬
‫ال جمال للر�أي فيه‪ ،‬لأن علم ت�سبيح ال�ضفدع ‪ ..‬ال يكون بالر�أي‪.‬‬
‫(‪ )74‬تف�سري(القر�آن الكرمي) البن كثري عند تف�سري [الإ�سراء‪. 44 :‬‬
‫ال�ص ْلبة‪ ،‬امل�ستوية‪.‬‬ ‫اجلدَ د‪� :‬أي يخ�ص نف�سه بالأَر�ض الغليظة‪ُّ ،‬‬
‫(‪ )75‬يركب َ‬
‫(‪( )76‬تاريخ دم�شق) البن ع�ساكر (جـ‪� – 16:‬ص‪.)30 - 29 :‬‬
‫(‪( )77‬قوت القلوب) لأبي طالب املكي (جـ‪.)362 – 1:‬‬
‫‪148‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪ æ‬كان الإمام «عبداهلل بن حممد الأن�صاري الهروي» نا�صر ًا للدين وال�سنة‪،‬‬


‫من غري مداهنة لأمري وال وزير‪ ،‬ف َع ُظ َم �ش�أنه‪ ،‬وارتفعت مكانته عند النا�س مما جعله‬
‫هدف ًا ومق�صد ًا للح�ساد من املبتدعة واملغر�ضني‪ ،‬ومن ذلك �أنه ملا َقدِ َم ال�سلطان «�ألب‬
‫�آر�سالن»(‪ )78‬مدينة «هراة»(‪ ،)79‬ق�صده العلماء والر�ؤ�ساء والوجهاء للتحية وال�سالم‪،‬‬
‫وكان بع�ض املبتدعة قد ذهبوا �إلى الإمام الهروي يف بيته وقالوا له‪ :‬قد جاء ال�سلطان‬
‫ونحن على عزم �أن نخرج �إليه ون�سلم عليه ف�أحببنا �أن نبد�أك بال�سالم!‪ ،‬وكانوا قد‬
‫تواط�ؤوا على �إخفاء �صنم ٍ �صغ ٍري من نحا�س ٍ يف حمراب الإمام وحتت �سجادته دون‬
‫علمه!‪ ،‬فخرجوا من عنده‪ ،‬وذهبوا �إلى ال�سلطان‪ ،‬وا�ستغاثوا به من الإمام الهروي‪،‬‬
‫و�أنه مجُ ِّ�سم‪ ،‬و�أنه يرتك يف حمرابه �صنما يزعم �أن اهلل تعالى على �صورته!‪ ،‬ف َع ُظ َم‬
‫ذلك على ال�سلطان‪ ،‬وبعث جماعة؛ فدخلوا بيت الإمام‪ ،‬وق�صدوا حمرابه‪ ،‬وا�ستخرجوا‬
‫ال�صنم‪ ،‬و�أح�ضروه �إلى ال�سلطان!‪ ،‬فلما راه بعث من �أح�ضر �إليه الإمام الهروي‪ ،‬فدخل‬
‫الإمام‪ ،‬ور�أى ال�صنم والوجهاء وقد ا�شتد غ�ضب ال�سلطان!‪ ،‬فقال له ال�سلطان‪« :‬ما‬
‫ال�صفْر(‪� )80‬شبه اللعبة)!‪ ،‬قال‪ :‬ل�ست عن‬ ‫هذا؟!‪ ،‬قال الإمام‪�( :‬صن ٌم ُيعمل من ُ‬
‫ذا �أ�س�ألك!‪ ،‬قال‪ :‬فع َّم ي�س�ألني ال�سلطان؟‪ ،‬قال‪� :‬إن ه�ؤالء يزعمون �أنك تعبد هذا‪،‬‬
‫ري‪�( :‬سبحانك‬ ‫و�أنك تقول‪� :‬إن اهلل على �صورته!‪ ،‬فقال الإمام ب�صولة و�صوت َج ْه َو ّ‬
‫هذا بهتان عظيم)!‪ ،‬فوقع يف قلب ال�سلطان �أنهم كذبوا عليه‪ ،‬ف�أمر به ف�أخرج �إلى‬
‫ا�صدقوين!‪ ،‬وهددهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬نحن يف يد هذا الرجل يف بلية‬ ‫داره ُمك ّرم ًا‪ ،‬وقال لهم‪ُ :‬‬
‫من ا�ستيالئه علينا بالعامة‪ ،‬ف�أردنا �أن نقطع �ش ّره عنا!‪ ،‬فن َّكل بهم ال�سلطان‪ ،‬و�أهانهم‪،‬‬
‫و�صادر جزء ًا من �أموالهم»(‪.)81‬‬

‫(‪ )78‬ال�سلطان �ألب �آر�سالن‪ :‬ال�سلطان الثاين للدولة ال�سلجوقية‪ ،‬وكان والي ًا على خر�سان قبل �أن يتولى حكم ال�سالجقة بعد‬
‫وفاة عمه ال�سلطان ُطغ ُرل بك‪ ،‬وهو قائد معركة (مالذكرد) ال�شهرية مع البيزنطيني �سنة ‪463‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )79‬هراة‪ :‬مدينة قدمية من �أهم مدن خرا�سان‪ ،‬فتحها امل�سلمون بقيادة الأحنف بن قي�س عام ‪ 22‬هـ‪ ،‬وتقع اليوم يف �شمال غربي �أفغان�ستان‪.‬‬
‫ال�صفْر‪ :‬النحا�س الأ�صفر‪.‬‬
‫(‪ُ )80‬‬
‫(‪�( )81‬سري �أعالم النبالء) للذهبي (�ص‪ )2510-2509 :‬يف ترجمة العامل عبداهلل بن حممد الأن�صاري الهروي برقم (‪.)3406‬‬
‫جيد‬
‫ُ‬ ‫الم‬
‫يم ‪َ -‬‬
‫ظ ُ‬‫الع ِ‬
‫ير ‪َ -‬‬ ‫المجموعة السادسة ‪َ :‬‬
‫الك ِب ُ‬ ‫‪149‬‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ‪6‬ـــــــــة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ا ْل َع َظ َم ُة‬
‫(‪)20 - 19 - 18‬‬
‫يم ‪ -‬املَ ُ‬
‫جيد‬ ‫ال َك ِب ُ‬
‫ري ‪ -‬ال َع ِظ ُ‬
‫‪150‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الــمــجــمــوعـــ‪6‬ــــة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ا ْل َع َظ َم ُة‬
‫(‪)20 - 19 - 18‬‬
‫يم ‪ -‬املَجيدُ‬ ‫ال َك ِب ُ‬
‫ري ‪ -‬ال َع ِظ ُ‬
‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫ري‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 6‬مرات)‪ ،‬منها قوله تعالى‪}:‬ﮋ ﮌ‬ ‫‪ æ‬ال َك ِب ُ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ{[الرعد‪ ،]9:‬ومن ال�سنة قوله ‪�(:¤‬إذا ق�ضى اهلل الأمر‬
‫يف ال�سماء‪� ،‬ضربت املالئكة ب�أجنحتها خ�ضعانا لقوله‪ ،‬كال�سل�سة على �صفوان‪،‬‬
‫ف�إذا فزع عن قلوبهم‪ ،‬قالوا‪ :‬ماذا قال ربكم؟‪ ،‬قالوا للذي قال‪ :‬ا َ‬
‫حلقَّ َو ْه َو ال َع ِل ُّى‬
‫ري )(‪.)1‬‬‫ال َك ِب ُ‬
‫يم‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 6‬مرات) منها قوله تعالى‪ }:‬ﯷ ﯸ ﯹﯺ‬ ‫‪ æ‬ال َع ِظ ُ‬
‫ﯻ ﯼ ﯽ{[البقرة‪ ،]255:‬ومن ال�سنة كان ر�سول اهلل ‪� ¤‬إذا دخل امل�سجد قال‪:‬‬
‫(�أعوذ باهلل العظيم‪ ،‬و بوجهه الكرمي‪ ،‬و �سلطانه القدمي‪ ،‬من ال�شيطان الرجيم‪،‬‬
‫وقال‪� :‬إذا قال ذلك حفظ منه �سائر اليوم)(‪.)2‬‬
‫‪ æ‬املَجيدُ ‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي مرتني يف قوله تعالى‪} :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ{[هود‪ ]73:‬وقوله تعالى‪ }:‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ{[الربوج‪ ،]15-14:‬ومن ال�سنة تعليم الر�سول ‪ ¤‬ل�صحابته كيفية ال�سالم وال�صالة‬
‫عليه بقوله‪(:‬قولوا‪ :‬اللهم �صل على حممد وعلى �آل حممد‪ ،‬كما �صليت على �إبراهيم‪،‬‬
‫وعلى �آل �إبراهيم‪� ،‬إنك حميد جميد ‪.)3()..‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري برقم (‪.)4701‬‬
‫(‪ )2‬رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)4715‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري برقم (‪.)3370‬‬
‫جيد‬
‫ُ‬ ‫الم‬
‫يم ‪َ -‬‬
‫ظ ُ‬‫الع ِ‬
‫ير ‪َ -‬‬ ‫المجموعة السادسة ‪َ :‬‬
‫الك ِب ُ‬ ‫‪151‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬


‫يكب ك رَِباً فهو كبري‪..‬‬ ‫‪ æ‬ال َك ِب ُري‪�« :‬صفة م�شبهة للمو�صوف بالك رَِب‪ ،‬فعله َك رُ َ‬
‫ب رُ‬
‫ال�ش�أن‪ ،‬وكمال ال َّذات»(‪)4‬؛ «والك رَِب نقي�ض ال�صغر‪،‬‬ ‫وهو املو�صوف باجلالل‪ ،‬وعِ ظم َّ‬
‫يكب؛ �أي عظم ‪ ..‬ويكون الك رَِب يف ات�ساع الذات وعظمة ال�صفات ويف التعايل‬ ‫كب رُ‬ ‫رُ‬
‫باملنزلة والرفعة»(‪.)5‬‬
‫يم‪�« :‬صفة م�شبهة ملن ات�صف بالعظمة‪ ،‬فعله َع ُظ َم َي ْع ُظم عِ ظماً‪ ،‬فهو‬ ‫‪ æ‬ال َع ِظ ُ‬
‫ال�ش�أن‪ ،‬كبري القدر»(‪..« ،)6‬يعني‬ ‫كب‪ ،‬و َف ُخم‪ ،‬وعلت مكانته‪ ،‬فهو عظيم َّ‬ ‫عَظِ يم‪� ،‬أي رُ‬
‫ب وات�سع وعال �ش�أنه وارتفع‪ .. ،‬والتعظِ يم ال َّت ْبجِ يل‪ .. ،‬وال َعظ َمة‪ :‬الك رِْبِياء‪ ،‬واهلل‬‫َك رُ َ‬
‫هو العظيم الذي جا َو َز قد ُره حدود العقل‪ ،‬وجل عن َت�صور الإِحاط ُة بك ْنهِه َ‬
‫وحقِيقتِه‪،‬‬
‫فهو العظيم الوا�سع‪ ،‬الكبري يف ذاته و�صفته»(‪.)7‬‬
‫ميجد جَما َد ًة‪ ،‬فهو جَميد‪..‬‬ ‫مد ُ‬ ‫مد‪ ،‬فعله جَُ‬ ‫‪ æ‬املَجيدُ ‪�« :‬صفة م�شبهة من جَُ‬
‫كامل‪ ،‬متناه يف‬‫مبعنى كرمي‪� ،‬شريف‪ ،‬ح�سن الفعال واخل�صال وال�شمائل‪ ،‬تا ٌم‪ٌ ،‬‬
‫ال�شرف»(‪ ،)8‬يقول ابن القيم‪« :‬و(ا َمل ْج ُد) يف لغة العرب‪ :‬كرثة �أو�صاف الكمال‪ ،‬وكرثة‬
‫�أفعال اخلري»(‪.)9‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬
‫‪ æ‬ال َك ِب ُ‬
‫ري‪ :‬الذي هو «�أكرب من كل �شيء يف ذاته و�أو�صافه و�أفعاله»(‪ ،)10‬قال ابن‬
‫جرير‪(« :‬ال َك ِب ُري)‪ :‬العظيم الذي كل �شيء دونه‪ ،‬وال �شيء �أعظم منه»(‪ ،)11‬وقال‬
‫(‪ )4‬معجم اللغة العربية املعا�صرة للدكتور �أحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ك ب ر)‪.‬‬
‫(‪�( )5‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)374 :‬الكبري)‪.‬‬
‫(‪ )6‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ع ظ م)‪.‬‬
‫(‪�( )7‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)423 :‬العظيم)‪.‬‬
‫(‪ )8‬معجم اللغة العربية املعا�صرة للدكتور �أحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬م ج د)‪.‬‬
‫(‪( )9‬التبيان يف �أميان القر�آن) البن القيم (�ص‪.)147:‬‬
‫(‪�( )10‬شفاء العليل) البن القيم (جـ‪� -3:‬ص‪.)1010 :‬‬
‫(‪( )11‬تف�سري الطربي) عند تف�سري الآية (‪ )62‬من �سورة احلج‪.‬‬
‫‪152‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫اخلطابي‪(« :‬ال َك ِب ُري)‪ :‬املو�صوف باجلالل‪ ،‬وكرب ال�ش�أن‪ ،‬ف�صغر دون جالله كل كبري‪،‬‬
‫ويقال‪ :‬هو الذي كرب عن �شبه املخلوقني»(‪ ،)12‬وقال الزجاجي‪(« :‬ال َك ِب ُري)‪ :‬العظيم‬
‫اجلليل»(‪ ،)13‬ويقول ابن القيم‪« :‬فاهلل ‪�-‬سبحانه‪� -‬أكرب من كل �شيء‪ ،‬ذا ًتا وقد ًرا ومعنى‬
‫وعزة وجاللة‪ ،‬فهو �أكرب من كل �شيء يف ذاته و�صفاته و�أفعاله»(‪.)14‬‬
‫يم‪« :‬الذي له العظمة ‪ ..‬فهو ‪-‬تعالى‪� -‬أعظم من كل �شيء‪ ،‬يف ذاته و�صفاته‬ ‫‪ æ‬ال َع ِظ ُ‬
‫يم)‪ :‬ذو العظـمة واجلالل يف ملكه و�سلطانه»(‪،)16‬‬ ‫و�أفعاله»(‪ ،)15‬قال الزجاجي‪(« :‬ال َع ِظ ُ‬
‫وقال ال�شيخ ال�سعدي‪ ..« :‬واعلم �أن معاين التعظيم الثابتة هلل وحده نوعان؛ �أحدهما‪:‬‬
‫�أنه مو�صوف بكل �صفة كمال‪ ،‬وله من ذلك الكمال �أكمله‪ ،‬و�أعظمه و�أو�سعه‪ ،‬فله‬
‫العلم املحيط‪ ،‬والقدرة النافذة‪ ،‬والكربياء‪ ،‬والعظمة‪ .. ،‬والثاين‪� :‬أنه ال ي�ستحق �أحد‬
‫يعظموه بقلوبهم‪،‬‬‫عظم اهلل؛ في�ستحق من عباده �أن ّ‬ ‫عظم كما ُي ّ‬‫من اخللق �أن ُي ّ‬
‫و�أل�سنتهم‪ ،‬وجوارحهم؛ وذلك ببذل اجلهد يف معرفته‪ ،‬وحمبته‪ ،‬والذل له‪ ،‬واالنك�سار‬
‫له‪ ،‬واخل�ضوع لكربيائه‪ ،‬واخلوف منه‪ ،‬و�إعمال الل�سان بالثناء عليه‪ ،‬وقيام اجلوارح‬
‫ب�شكره وعبوديته» (‪.)17‬‬
‫‪ æ‬املَجيدُ ‪« :‬وا�سع ال�صفات عظيمها‪ ،‬كثري ال ّنعوت كرميها»(‪ ،)18‬قال ابن جرير‪ :‬جَ‬
‫«(ميدٌ)‪:‬‬
‫متجد بفعاله‪ ،‬وجمده خلقه‬ ‫ذو جمد ومدح وثناء كرمي»(‪ ،)19‬وقال الأزهري‪(« :‬ا َملجي ُد)‪َّ :‬‬
‫لعظمته»(‪ ،)20‬ويقول ابن القيم‪(« :‬ا َملجي ُد)‪ :‬هو املت�ضمن لكرثة �صفات كماله و�سعتها‪ ،‬وعدم‬
‫�إح�صاء اخللق لها‪ ،‬و�سَ َع ِة �أفعاله وكرثة خريه ودوامه»(‪ ،)21‬ويقول ال�شيخ ال�سعدي‪« :‬واملجد‪:‬‬
‫هو عظمة ال�صفات و�سعتها‪ ،‬فله �صفات الكمال‪ ،‬وله من كل �صفة كمال �أكملها و�أمتها‬
‫و�أعمها»(‪.)22‬‬
‫(‪�( )12‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)66 :‬‬
‫(‪( )13‬ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص‪.)155 :‬‬
‫(‪( )14‬ال�صواعق املر�سلة) البن القيم (جـ‪� - 4:‬ص‪.)1379 :‬‬
‫(‪( )15‬املرتع الأ�سنى ‪ ..‬من كتب ابن القيم) لعبد العزيز الداخل (�ص‪.)552 :‬‬
‫(‪( )16‬ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص‪.)111 :‬‬
‫(‪( )17‬احلق الوا�ضح املبني) لل�شيخ ال�سعدي (�ص‪ )28 - 27 :‬بت�صرف ي�سري‪.‬‬
‫(‪( )18‬فقه الأ�سماء احل�سنى) للبدر (�ص‪.)237 :‬‬
‫(‪( )19‬تف�سري الطربي) عند تف�سري الآية (‪ )73‬من �سورة هود‪.‬‬
‫(‪( )20‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ‪� - 3:‬ص‪ )395:‬ون�سبه للأزهري يف (التهذيب)‪.‬‬
‫(‪( )21‬التبيان يف �أميان القر�آن) البن القيم (�ص‪.)147 :‬‬
‫(‪ )22‬تف�سري ال�سعدي عند تف�سري الآية (‪ )73‬من �سورة هود‪.‬‬
‫جيد‬
‫ُ‬ ‫الم‬
‫يم ‪َ -‬‬
‫ظ ُ‬‫الع ِ‬
‫ير ‪َ -‬‬ ‫المجموعة السادسة ‪َ :‬‬
‫الك ِب ُ‬ ‫‪153‬‬

‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬


‫يم ‪ -‬املَجيدُ )‪ :‬قال ال�شيخ ال�سعدي‪(« :‬ال َك ِب ُري) يف ذاته‪ ،‬ويف‬ ‫(ال َك ِب ُ‬
‫ري ‪ -‬ال َع ِظ ُ‬
‫�أ�سمائه‪ ،‬ويف �صفاته‪ ،‬الذي من عظمته وكربيائه �أن الأر�ض قب�ضته يوم القيامة‪،‬‬
‫وال�سماوات مطويات بيمينه‪ ،‬ومن كربيائه �أن كر�سيه و�سع ال�سماوات والأر�ض ‪..‬‬
‫وهذا يدل على كمال عظمته و�سعة �سلطانه‪� ،‬إذا كان هذه حالة الكر�سي �أنه ي�سع‬
‫ال�سماوات والأر�ض على عظمتهما وعظمة من فيهما‪ ،‬والكر�سي لي�س �أكرب خملوقات‬
‫اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬بل هنا ما هو �أعظم منه وهو العر�ش‪ ،‬وما ال يعلمه �إال هو‪ ،‬ويف عظمة هذه‬
‫املخلوقات حتري الأفكار وتكل الأب�صار‪ ،‬وتقلقل اجلبال وتكع عنها فحول الرجال‪،‬‬
‫فكيف بعظمة خالقها ومبدعها؟!‪( .‬ال َعظِ ي ُم) الذي تت�ضاءل عند عظمته جربوت‬
‫اجلبابرة‪ ،‬وت�صغر يف جانب جالله �أنوف امللوك القاهرة‪ .. ،‬ومن عظمته وكربيائه‬
‫�أن نوا�صي العباد بيده‪ ،‬فال يت�صرفون �إال مب�شيئته‪ ،‬وال يتحركون وي�سكنون �إال‬
‫ب�إرادته‪ .. ،‬ف�سبحان من له العظمة العظيمة والكربياء اجل�سيمة والقهر والغلبة‬
‫لكل �شيء»(‪ ،)23‬وبذلك يتبني �أن الكربياء �أكمل من العظمة؛ لأنه يت�ضمنها‪ ،‬ويزيد عليها‬
‫يف املعنى‪ ،‬يقول �شيخ الإ�سالم ابن تيمية‪« :‬ويف قوله‪( :‬اهلل �أكرب) �إثبات عظمته؛ ف� ّإن‬
‫الكربياء تت�ض ّمن العظمة‪ ،‬ولكن الكربياء �أكمل؛ ولهذا جاءت الألفاظ امل�شروعة يف‬
‫ال�صالة والأذان بقول‪( :‬اهلل �أكرب) ف� ّإن ذلك �أكمل من قول (اهلل �أعظم) كما ثبت‬
‫يف ال�صحيح عن النبي ‪� ¤‬أ ّنه قال‪( :‬يقول اهلل ‪-‬تعالى‪ :‬الكربياء ردائي والعظمة‬
‫عذبته) (‪ ،)24‬فجعل العظمة كالإزار‪ ،‬والكربياء‬ ‫�إزاري‪ ،‬فمن نازعني واحد ًا منهما ّ‬
‫ري �أبل َغ من التعظيم �ص ّرح بلفظه‪،‬‬
‫كالرداء‪ ،‬ومعلوم � ّأن الرداء �أ�شرف‪ ،‬فل ّما كان التكب ُ‬
‫وت�ض ّمن ذلك التعظيم»(‪� .)25‬أما (املَجي ُد) فهو «يرجع �إلى كرثة �أو�صافه و�سعتها‪،‬‬
‫املمجد يف ذاته و�صفاته و�أفعاله و�أقواله»(‪.)26‬‬
‫وبلوغ النهاية يف عظمتها‪َّ ،‬‬
‫(‪ )23‬تف�سري ال�سعدي عند تف�سري الآيات‪[ :‬البقرة‪ 255:‬ـ [احلج‪ 62 :‬بت�صرف ي�سري‪.‬‬
‫(‪ )24‬رواه �أبوداود‪ ،‬و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع (‪.)4311‬‬
‫(‪ )25‬جمموع الفتاوى (جـ‪� - 10:‬ص‪.)253:‬‬
‫(‪( )26‬فقه الأ�سماء احل�سنى) لعبدالرزاق البدر (�ص‪.)237:‬‬
‫‪154‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬


‫الكب) وهي من‬ ‫‪ æ‬ال َك ِب ُ‬
‫ري‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال َك ِبري) «�صفة ( ِ‬
‫�صفات اهلل الذاتية»(‪ ،)27‬الثابتة بالكتاب وال�سنة قال تعالى‪} :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ{[الإ�سراء‪،]111:‬‬
‫قوم‬
‫ومن ال�سنة قوله ‪( :¤‬اهلل �أكرب‪ ،‬اهلل �أكرب‪ ،‬خربت خيرب‪� ،‬إنا �إذا نزلنا ب�ساحة ٍ‬
‫ف�ساء �صباح املنذرين)(‪.)28‬‬
‫يم‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال َع ِظيم) «�صفة (ا ْل َع َظ َمة)‬
‫‪ æ‬ال َعظِ ُ‬
‫وهي من �صفات اهلل الذاتية الثابتة بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)29‬قال تعالى‪ } :‬ﰋ ﰌ‬
‫ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ{[احلاقة‪ ،]33:‬ومن ال�سنة قوله ‪( :¤‬فيقال يل‪ :‬يا حممد‪،‬‬
‫ارفع ر�أ�سك‪ ،‬وقل ي�سمع لك‪ ،‬و�سل تعطه‪ ،‬وا�شفع ت�شفع‪ .‬ف�أقول‪ :‬يا رب‪ ،‬ائذن‬
‫يل فيمن قال‪ :‬ال �إله �إال اهلل‪ ،‬فيقول‪ :‬وعزتي وجاليل وكربيائي وعظمتي؛‬
‫لأُ ْخ ِر َج َّن منها من قال‪ :‬ال �إله �إال اهلل)(‪.)30‬‬
‫‪ æ‬املَجيدُ ‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ا َملجيد) «�صفة (المَْ ْجد) وهي‬
‫من �صفات اهلل الذاتية الثابتة بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)31‬قال تعالى‪} :‬ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ{[هود‪ ،]73:‬ومن ال�سنة‪� :‬أن ر�سول اهلل ‪ ¤‬كان �إذا رفع‬
‫ر�أ�سه من الركوع قال‪( :‬ربنا لك احلمد ملء ال�سماوات والأر�ض وملء ما �شئت من‬
‫�شيء بعد‪� ،‬أهل الثناء واملجد ‪.)32()..‬‬
‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬
‫�ٱلمْ ُ َت َع ِ‬
‫ــال‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سم ـ ــه ‪�-‬سبحان ــه (ال َك ِبري) مرة واحدة يف قوله‬ ‫‪æ‬‬

‫(‪�( )27‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)375-374 :‬الكبري)‪.‬‬


‫(‪ )28‬رواه البخاري برقم (‪.)364‬‬
‫(‪�( )29‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)182 :‬‬
‫(‪ )30‬رواه البخاري (‪ ،)7510‬وم�سلم (‪.)193‬‬
‫(‪�( )31‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)228:‬‬
‫(‪ )32‬رواه م�سلم (‪.)471‬‬
‫جيد‬
‫ُ‬ ‫الم‬
‫يم ‪َ -‬‬
‫ظ ُ‬‫الع ِ‬
‫ير ‪َ -‬‬ ‫المجموعة السادسة ‪َ :‬‬
‫الك ِب ُ‬ ‫‪155‬‬

‫تعالى‪} :‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ{[الرعد‪ ،]9:‬وال�سر يف ذلك‬


‫‪ -‬واهلل �أعلم ‪� -‬أن اهلل ‪�-‬سبحانه وتعالى‪ -‬هو امل�ستعلي على كل �شيء بقدرته و َق ْهره؛‬
‫لأنه ‪�-‬سبحانه‪ -‬ذو العظمة والكربياء‪ ،‬فهو ‪� -‬سبحانه ‪ -‬كبري يف ذاته و�صفاته‪ ،‬يقول‬
‫القرطبي‪(« :‬ا ْل َك ِب ُري) الذي كل �شيء دونه‪( ،‬المْ ُ َت َع ِال) عما يقول امل�شركون‪ ،‬امل�ستعلي‬
‫على كل �شيء بقدرته و َق ْهره»(‪ ،)33‬ويقول ال�شيخ ال�سعدي‪َ }« :‬وهُ َو ا ْل َع ِلي{ بذاته‪ ،‬فوق‬
‫جميع خملوقاته وقهره لهم‪ ،‬وعلو قدره‪ ،‬مبا له من ال�صفات العظيمة‪ ،‬جليلة‬
‫املقدار }ا ْل َك ِب ُري{ يف ذاتـ ـ ــه و�صفاته»(‪)34‬؛ ولذا كانت �صفة العلو تنا�سبها الكربياء‬
‫والعظم ـ ـ ــة } العلي الكبري{ و}العلي العظيم{‪.‬‬
‫‪ æ‬احلليم‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال َع ِظيم) يف حديث الكرب‪ ،‬يف‬
‫قوله ‪( :¤‬ال �إله �إال اهلل العظيم احلليم ‪ ،)35()..‬وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪� -‬أن‬
‫اهلل ‪�-‬سبحانه وتعالى‪« -‬على عظمته وكربيائه وقوته؛ ف�إنه حليم بعباده‪ ،‬وحلمه‬
‫عن قوة وعظمة‪ ،‬ولي�س عن عجز وحاجة ‪ ..‬فعظمته ‪�-‬سبحانه‪ -‬يزينها احللم؛‬
‫لأن الغالب يف عظماء الب�شر وملوكهم �ضعف احللم عندهم؛ لأنهم يغرتون‬
‫بعظمتهم‪ ،‬ويبط�شون مبن خالفهم وال يحلمون عنه»(‪.)36‬‬
‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫‪ æ‬الأثر العلمي االعتقادي‪:‬‬
‫يم املَجيدُ ) املو�صوف ب�صفات املجد‬ ‫اهلل ‪� -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬هو (ال َك ِب ُ‬
‫ري ال َع ِظ ُ‬
‫املمجد يف ذاته و�صفاته و�أفعاله و�أقواله‪ ،‬الذي هو �أكرب‬ ‫والكربياء‪ ،‬والعظمة واجلالل‪َّ ،‬‬
‫من كل �شيء‪ ،‬و�أعظم من كل �شيء‪ ،‬و� َأج ُّل و�أعلى‪ ،‬وله التعظيم والإجالل يف قلوب �أوليائه‬
‫و�أ�صفيائه‪ ،‬قد ُم ِل َئ ْت قلوبهم من تعظيمه و�إجالله واخل�ضوع له والتذلل لكربيائه‪.‬‬
‫(‪ )33‬تف�سري القرطبي (الآية‪ - 9 :‬ال�سورة‪:‬الرعد)‪.‬‬
‫(‪ )34‬تف�سري ال�سعدي عند تف�سري الآية (‪ )23‬من �سورة �سب�أ‪.‬‬
‫(‪ )35‬رواه البخاري (‪ )6345‬وم�سلم (‪.)2730‬‬
‫(‪( )36‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪.)566 :‬‬
‫‪156‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪ æ‬الأثر العملي‪:‬‬
‫‪1.1‬اخلوف من اهلل واحلياء منه‪ ،‬واخل�شوع واخل�ضوع له‪ ،‬واال�ستكانة والتذلل‬
‫لعظمته وجربوته وحمبته‪ ،‬و�إفراده وحده بالعبادة‪ ،‬وظهور �أثر ذلك يف املبادرة‬
‫�إلى طاعته فيما �أمر به‪ ،‬واجتناب ما نهى عنه وزجر‪ ،‬والإخال�ص له ‪�-‬سبحانه‪-‬‬
‫يف ذلك‪ ،‬وتعظيم �أمره‪ ،‬واالنقياد حلكمه‪.‬‬
‫‪�2.2‬إثبات ما �أثبته لنف�سه �أو �أثبته له ر�سوله ‪ ¤‬من الأ�سماء وال�صفات اجلليلة‬
‫وتنزيهه وتعظيمه ‪�-‬سبحانه‪ -‬من م�شابهة �أحد من خلقه كما يف قوله �سبحانه‪:‬‬
‫} ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ{[ال�شورى‪ ،]11 :‬ومن نفى‬
‫عنه ‪�-‬سبحانه‪� -‬صفاته �أو �أ ّولها �أو فو�ض معانيها بدعوى �أن �إثباتها يوهم ت�شبيهه‬
‫باملخلوقني فقد �ضل �ضال ًال مبي ًنا‪ ،‬ومل يعظم ربه ‪�-‬سبحانه‪.‬‬
‫‪3.3‬تعظيم �أمره ‪�-‬سبحانه‪ -‬ونهيه‪ ،‬وتعظيم ن�صو�ص الكتاب وال�سنة واال�ست�سالم لها‬
‫وعدم التقدم بني يدي اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬ور�سوله ‪ ¤‬بر�أي �أو اجتهاد‪.‬‬
‫‪4.4‬تعظيم �شعائر اهلل وحرماته؛ قال اهلل تعالى‪}:‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ{[احلج‪ ،]32 :‬ومن تعظيم �شعائر اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬تعظيم‬
‫احلج و�شعائره‪ ،‬وتعظيم �شعرية ال�صالة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬وال�صيام‪ ،‬واجلهاد‪ ،‬والأمر‬
‫باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬وغريها من �شعائر اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬وفرائ�ضه‪ ،‬ومن‬
‫تعظيم حرمات اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬تعظيم مناهيه واجتنابها‪ ،‬كالربا والزنا و�شرب اخلمر‬
‫و�سائر الكبائر واملحرمات‪ ،‬فاجتناب حمارم اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬دليل على تعظيم اهلل‬
‫‪-‬تعالى‪ -‬وتوقريه‪ ،‬ولتعظيم �أوامر اهلل ‪-‬تعالى‪ ،‬يقول ابن القيم‪« :‬تعظيم الأمر‬
‫والنهي نا�شئ عن تعظيم الآمر والناهي ف�إن اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬ذم من ال يعظم‬
‫�أمره ونهيه‪ ،‬وقال ‪�-‬سبحانه وتعالى‪ } :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ {[نوح‪،]13 :‬‬
‫قالوا يف تف�سريها‪ :‬ما لكم ال تخافون هلل تعالى عظمة‪.)37( »...‬‬
‫(‪( )37‬الوابل ال�صيب) البن القيم (�ص ‪.)26‬‬
‫جيد‬
‫ُ‬ ‫الم‬
‫يم ‪َ -‬‬
‫ظ ُ‬‫الع ِ‬
‫ير ‪َ -‬‬ ‫المجموعة السادسة ‪َ :‬‬
‫الك ِب ُ‬ ‫‪157‬‬

‫‪5.5‬متجيده ‪�-‬سبحانه‪ -‬واللهج بذكره‪ ،‬والثناء عليه بالتهليل والتحميد والت�سبيح‬


‫والتكبري و�س�ؤاله ب�أ�سمائه احل�سنى؛ لأن كل �أ�سمائه و�صفاته هي من باب التمجيد‬
‫هلل رب العاملني‪ ،‬فقولنا‪ :‬هو اهلل الواحد الأحد‪ ،‬ال�صمد‪ ،‬العزيز‪ ،‬الوهاب‪ ،‬احلميد‪،‬‬
‫ال�سميع‪ ،‬الب�صري؛ كل هذا من باب التمجيد هلل ‪�-‬سبحانه‪.‬‬
‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫(الكبرَ‬
‫جيد) من �أ�سماء الذات الدالة على �صفات اهلل الذاتية ِ‬ ‫(ال َك ِب ُري ال َع ِظ ُ‬
‫يم ا َمل ُ‬
‫وا ْل َع َظ َمة والمْ َ ْجد)؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل ‪� -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬والثناء عليه‪،‬‬
‫بهذه الأ�سماء‪ ،‬يف جميع �أغرا�ض الدعاء وحاجات العبد‪ ،‬ال �سيما �أن هذه الأ�سماء اجلليلة‬
‫‪ -‬كما ذكر ابن القيم ‪ -‬تدل على جملة �أو�صاف عديدة ال تخت�ص ب�صفة معينة ‪ ..‬ومما‬
‫ورد يف ال�سنة‪� :‬أنه جاء �أعرابي �إلى ر�سول اهلل ‪ ،¤‬فقال‪ :‬ع ّل ْمني كالما �أقوله‪ ،‬قال‪( :‬قل‬
‫ال �إله �إال اهلل وحده ال �شريك له‪ ،‬اهلل �أكرب كبريا‪ ،‬واحلمد هلل كثريا‪� ،‬سبحان‬
‫اهلل رب العاملني‪ ،‬ال حول وال قوة �إال باهلل العزيز احلكيم)‪ ،‬قال‪ :‬فه�ؤالء لربي‪،‬‬
‫فما يل؟ قال‪( :‬قل اللهم اغفر يل وارحمني واهدين وارزقني)(‪ ،)38‬ومن حديث ابن‬
‫عمر قال‪( :‬مل يكن ر�سول اهلل ‪ ¤‬يدع ه�ؤالء الدعوات حني مي�سي وحني ي�صبح‪:‬‬
‫اللهم �إين �أ�س�ألك العافية يف الدنيا والآخرة‪ ،‬اللهم �إين �أ�س�ألك العفو والعافية يف‬
‫ديني ودنياي و�أهلي ومايل‪ ،‬اللهم ا�سرت عوراتي و�آمن روعاتي‪ ،‬اللهم احفظني من‬
‫بني يدي ومن خلفي وعن مييني وعن �شمايل ومن فوقي‪ ،‬و�أعوذ بعظمتك �أن �أغتال‬
‫من حتتي) (‪ ،)39‬قال ابن القيم يف منا�سبة جميء ا�سم (ا َملجيد) مقرتن ًا بطلب ال�صالة‬
‫من اهلل على ر�سوله ‪ ¤‬يف �آخر ال�صالة‪« :‬لأنه يف مقام طلب املزيد والتعر�ض ل�سعة‬
‫العطاء‪ ،‬وكرثته‪ ،‬ودوامه‪ ،‬ف�أتى يف هذا املطلوب با�سم تقت�ضيه»(‪ ،)40‬واهلل �أعلم‪.‬‬
‫(‪ )38‬رواه م�سلم (‪.)2696‬‬
‫(‪ )39‬رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف �صحيح �أبي داود (‪.)5074‬‬
‫(‪( )40‬بدائع الفوائد) البن القيم (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)160:‬‬
‫‪158‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬


‫ال�سماء(‪،)41‬‬
‫ُ‬ ‫أ�سمع ما ال ت�سمعونَ ‪َّ � ،‬أط ِت‬
‫‪ æ‬قال النبي ‪�( :¤‬إِنيَّ �أرى ما ال ترونَ ‪ ،‬و� ُ‬
‫وا�ضع جب َه َتهُ ِ‬
‫هلل تعالى‬ ‫ٌ‬ ‫مو�ضع �أرب ِع �أ�صا ِب َع‪ � ،‬اَّإل وم َل ٌك‬
‫ُ‬ ‫وحقَّ لها � ْأن َت ِئ َّط‪ ،‬ما فيها‬
‫ُ‬
‫مُ‬
‫تلذذت‬ ‫ريا‪ ،‬وما‬ ‫ل�ض ِحك ُتم قليلاً ‪ ،‬ولبكي ُتم كث ً‬ ‫هلل لو تعلمونَ ما �أع َل ُم‪َ ،‬‬ ‫�ساجدً ا‪ ،‬وا ِ‬
‫هلل)(‪.)42‬‬ ‫دات جَ ْ‬
‫ت�أرونَ �إلى ا ِ‬ ‫ال�ص ُع ِ‬‫وخلرج ُت ْم �إلى ُ‬
‫ْ‬ ‫بالن�ساءِ على ال ُف ُر ِ�ش‪،‬‬
‫‪ æ‬عن �أبي رزين لقيط بن عامر ‹‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا ر�سول اهلل‪� :‬أَ ُك ُّلنا نرى اهلل‬
‫خملياً به؟‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬وما �آية ذلك يف خلق اهلل؟‪ ،‬قال‪�(:‬ألي�س كلكم يرى القمر‬
‫ليلة البدر؟‪ ،‬و�إمنا هو خلق من خلق اهلل‪ ،‬فاهلل �أجل و�أعظم)(‪.)43‬‬
‫‪ æ‬قال النبي ‪�( :¤‬أُ ِذنَ يل �أن �أُ َحدِّ َث عن َم َل ٍك من مالئكة اهلل من َح َم َل ِة ا ْل َع ْر ِ�ش‪،‬‬
‫�إِنَّ ما بني َ�ش ْح َم ِة �أُ ُذ ِن ِه(‪� )44‬إلى َعا ِت ِق ِه(‪ )45‬م�سرية �سبعمائة عام)(‪.)46‬‬
‫رج ً‬
‫ال ي�سرقُ !‪ ،‬فقال له‪:‬‬ ‫مي‬
‫بن مر َ‬
‫‪ æ‬قال النبي ‪( :¤‬ر�أى عي�سى ُ‬
‫آمنت باهللِ‪،‬‬
‫هلل الذي ال �إله �إال هو!‪ ،‬فقال عي�سى‪ُ � :‬‬‫�أ�سرقتَ ؟! قال‪ :‬كال‪ ،‬وا ِ‬
‫وكذبت عيني)(‪ .)47‬وعلق الإمام ابن القيم على الق�صة فقال‪« :‬كان اهلل �سبحانه‬
‫ْ‬
‫أجل و�أعظم من �أن َيحلف به �أحد كاذبا‪ ،‬فلما حلف‬ ‫وتعالى يف قلب امل�سيح � ُّ‬
‫له ال�سارق دار الأمر بني تهمته وتهمة ب�صره‪ ،‬فر َّد التهمة �إلى ب�صره ملا اجتهد‬
‫له يف اليمني‪ ،‬كما ظن �آدم �صدق �إبلي�س ملا حلف له باهلل ‪} :‬ﯰ ﯱ‬
‫(‪َّ � )41‬أط ِت ال�سما ُء‪� :‬أي �صاحت و�أ َّنت و�صوتت من ثقل ما عليها من ازدحام املالئكة‪ ،‬وكرثة ال�ساجدين منهم‪ ،‬من الأطيط‪،‬‬
‫وهو �صوت الرحل والإبل من ثقل �أحمالها‪.‬‬
‫(‪ )42‬رواه الرتمذي وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)2449‬‬
‫(‪ )43‬رواه �أبو داود وح�سنه الألباين يف �صحيح �أبي داود برقم (‪.)4731‬‬
‫(‪� )44‬شحمة الأذن‪ :‬ما الن من �أ�سفل الأذن وهو ُم َع َّلقُ ال ُق ْر ِط‪.‬‬
‫(‪ )45‬العا ِتقُ ‪ :‬ما بني ا َمل ْنكب وال ُع ُن ِق‪.‬‬
‫(‪ )46‬رواه �أبو داود والطرباين و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة برقم (‪( )151‬جـ‪� - 1 :‬ص‪.)283 - 282 :‬‬
‫(‪ )47‬متفق عليه‪ :‬رواه البخاري برقم (‪ )3444‬واللفظ له‪ ،‬ورواه م�سلم برقم (‪.)2368‬‬
‫جيد‬
‫ُ‬ ‫الم‬
‫يم ‪َ -‬‬
‫ظ ُ‬‫الع ِ‬
‫ير ‪َ -‬‬ ‫المجموعة السادسة ‪َ :‬‬
‫الك ِب ُ‬ ‫‪159‬‬

‫ﯲ ﯳ ﯴ {[الأعراف‪ ،]21:‬وقال‪ :‬ما ظننت �أحدا يحلف باهلل تعالى‬


‫كاذبا»(‪.)48‬‬
‫‪ æ‬قال تعالى‪} :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ{[الأعراف‪ .]143:‬قال ابن القيم‪:‬‬
‫من كمال عظمته وجالله ما يعلم به‬ ‫«�أراد اهلل �سبحانه وتعالى �أن ُيري مو�سى‬
‫�أن القوة الب�شرية يف هذه الدار ال تثبت لر�ؤيته وم�شاهدته عيانا؛ ل�صريورة اجلبل‬
‫دكا عند جتلي ربه �سبحانه �أدنى جتل‪ ،‬كما رواه ابن جرير يف تف�سريه من حديث حماد‬
‫بن �سلمة �أخربنا ثابت عن �أن�س عن النبي ‪�( :¤‬أنه قر�أ قوله تعالى‪} :‬ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬ ﯭ ﯮ(‪{)49‬قال ‪ ¤‬هكذا‪ :‬وو�ضع الإبهام على مف�صل اخلن�صر‬
‫الأمين)(‪ )50‬واملق�صود �أن اهلل �سبحانه �أمر مو�سى �أن ينظر �إلى اجلبل حني جتلى‬
‫له ربه فر�أى �أثر التجلي يف اجلبل دكا فخر مو�سى �صعقا»(‪.)51‬‬
‫على حلقة لبع�ض �أ�صحاب املراء واجلدل فقال‬ ‫‪ æ‬وقف عبداهلل بن العبا�س‬
‫لهم‪�« :‬أما علمتم �أن هلل عباداً �أ�صمتهم خ�شيته من غري ّ‬
‫عي(‪)52‬وال ُب ْكم؟!‪ ،‬و�إنهم‬
‫َل ُه ُم العلماء الف�صحاء النبالء الطلقاء؛ غري �أنهم �إذا تذكروا عظمة اهلل طا�شت‬
‫لذلك ُع ُقو ُلهم‪ ،‬وانك�سرت ُقلو ُبهم‪ ،‬وانقطعت �أل�سن ُتهم‪ ،‬حتى �إذا ا�ستفاقوا من ذلك‪،‬‬
‫ت�سارعوا �إلى اهلل بالأعمال الزاكية‪ ،‬ف�أين �أنتم منهم؟!»(‪.)53‬‬
‫(‪�( )48‬إغاثة اللهفان من م�صايد ال�شيطان) للإمام �أبن القيم (جـ‪� - 1:‬ص‪ )115 :‬عند حديثه عن كيد �إبلي�س لآدم بالأميان الكاذبة‪.‬‬
‫(‪ )49‬دكا‪� :‬أي �ساخ يف الأر�ض و�صار رم ًال وتراب ًا‪.‬‬
‫(‪ )50‬رواه الرتمذي واحلاكم و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (‪ ،)3074‬وتخريج كتاب ال�سنة برقم (‪ )481‬و (‪.)482‬‬
‫(‪( )51‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ‪� – 3:‬ص‪ )100:‬يف حديثه عن منزلة (اللحظ)‪.‬‬
‫(‪ )52‬العي‪ :‬العجز عن الكالم‪.‬‬
‫(‪( )53‬ذم الكالم و�أهله) للهروي (جـ‪� – 4 :‬ص‪.)19 :‬‬
‫‪160‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪ æ‬روى البيهقي �أن عبد امللك بن مروان وقع منه فل�س يف بئر قذرة‪ ،‬فاكرتى(‪ )54‬عليه‬
‫رج ًال بثالثة ع�شر دينار ًا حتى �أخرجه منها‪ ،‬فقيل له يف ذلك! فقال‪� :‬إنه كان منقو�ش عليه‬
‫ا�سم اهلل »(‪.)55‬‬
‫‪ æ‬قال الإمام ال�شافعي‪�« :‬إذا خفت على عملك ال ُعجب‪ ،‬فاذكر ر�ضى من تطلب‪،‬‬
‫ويف �أي نعيم ترغب‪ ،‬ومن �أي عقاب ترهب‪ ،‬فمن ف ّكر يف ذلك �ص ُغر عنده عمله»(‪.)56‬‬
‫‪ æ‬قال ب�شر احلايف‪« :‬لو تفكر النا�س يف عظمة اهلل؛ ملا ع�صوا اهلل»(‪.)57‬‬
‫‪ æ‬كان �أهل العلم يعظمون ربهم‪ ،‬ويقدرونه حق قدره‪ ،‬ومن ذلك تعظيم كل ما‬
‫له عالقة به �سبحانه‪ ،‬كتعظيم كالمه وتعظيم بيوته ‪ ،‬حتى قال �سعيد بن امل�سيب‪« :‬ال‬
‫تقولوا م�صيحيف وال م�سيجيد‪ ,‬ما كان هلل هو عظيم ح�سن جميل»(‪.)58‬‬
‫‪ æ‬قال الأعم�ش‪ :‬قال يل مطرف بن عبداهلل‪« :‬وجدت الغفلة التي �ألقاها اللهَّ فيِ‬
‫قلوب ال�صديقني من خلقه رحمة رحمهم بها‪ ،‬ولو �ألقى فيِ قلوبهم اخلوف َعلَى قدر‬
‫معرفتهم ِب ِه َما هن�أهم العي�ش»(‪.)59‬‬
‫‪ æ‬ومن تعظيم اهلل تعالى تعظيم ر�سوله ‪ ¤‬وتوقريه‪ ،‬وتعظيم �سنته وحديثه‪ ،‬قال عبد‬
‫اهلل بن املبارك‪« :‬كنت عند الإمام مالك بن �أن�س وهو يحدثنا حديث ر�سول اهلل ‪،¤‬‬
‫فلدغته عقرب �ست ع�شرة مرة!‪ ،‬ومالك يتغري لونه وي�صفر‪ ،‬وال يقطع حديث ر�سول‬
‫اهلل ‪ ،¤‬فلما فرغ من املجل�س وتفرق النا�س‪ ،‬قلت‪ :‬يا �أبا عبداهلل‪ ،‬لقد ر�أيت منك‬
‫عجباً!‪ ،‬فقال‪ :‬نعم!‪� ،‬إمنا �صربت �إجال ًال حلديث ر�سول اهلل ‪.)60(»¤‬‬
‫(‪� )54‬أي �أ�ست�أجر‪.‬‬
‫(‪( )55‬البداية والنهاية) للإمام �أبن كثري (�ص‪ )1374 :‬يف �أحدث �سنة (‪ 86‬هـ)‪.‬‬
‫(‪�( )56‬سري �أعالم النبالء) للذهبي (�ص‪.)3286 :‬‬
‫(‪( )57‬حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ‪� – 8 :‬ص‪.)337 :‬‬
‫(‪�( )58‬سري �أعالم النبالء) للذهبي (�ص‪.)1828 :‬‬
‫(‪( )59‬حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ‪� – 2 :‬ص‪.)210 :‬‬
‫(‪( )60‬الديباج املذهب) البن فرحون (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)104 :‬‬
‫جيد‬
‫ُ‬ ‫الم‬
‫يم ‪َ -‬‬
‫ظ ُ‬‫الع ِ‬
‫ير ‪َ -‬‬ ‫المجموعة السادسة ‪َ :‬‬
‫الك ِب ُ‬ ‫‪161‬‬

‫‪ æ‬قال �أبو الوفاء ابن عقيل‪« :‬لقد عظم اهلل �سبحانه احليوان‪ ،‬ال �سيما ابن �آدم‪ ،‬حيث‬
‫�أباحه ال�شرك عند الإكراه‪ ،‬وخوف ال�ضرر على نف�سه‪ ،‬فقال تعالى‪} :‬ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ{ [النحل‪ ،]106:‬من‬
‫قدَّم حرمة نف�سك على حرمته‪ ،‬حتى �أباحك �أن تتوقى وحتامي عن نف�سك بذكره‪،‬‬
‫مبا ال ينبغي له �سبحانه‪ ،‬حلقيق �أن تعظم �شعائره‪ ،‬وتوقر �أوامره وزواجره‪ ،‬وع�صم‬
‫عر�ضك ب�إيجاب احل ّد بقذفك‪ ،‬و َع َ�صم مالك بقطع م�سلم يف �سرقته‪ ،‬و�أ�سقط �شطر‬
‫ال�صالة لأجل م�شقتك‪ ،‬و�أقام م�سح اخلف مقام غ�سل ال ِّرجل �إ�شفا ًقا عليك من م�شقة‬
‫وحفظا ل�صحتك‪ ،‬وزجرك عن م�ضارك‬ ‫ً‬ ‫اخللع واللب�س‪ ،‬و�أباحك امليتة �سدًّا لرمقك‪،‬‬
‫بحد عاجلٍ ‪ ،‬ووعيد �آجل‪َ ،‬و َخرق العوائد لأجلك‪ ،‬و�أنزل الكتب �إليك‪� .‬أيح�سن بك‬
‫‪ -‬مع هذا الإكرام ‪� -‬أن ُترى على ما نهاك منهم ًكا‪ ،‬وعما �أمرك متنك ًبا‪ ،‬وعن داعيه‬
‫معر�ضا‪ ،‬ول�سنته هاج ًرا‪ ،‬ولداعي عدوك فيه مطي ًعا؟‪ ،‬يعظمك وهُ َو هُ و‪ ،‬وتهمل �أمره‬ ‫ً‬
‫أهبط �إلى الأر�ض من امتنع من �سجدة‬ ‫حط رتب عباده لأجلك‪ ،‬و� َ‬ ‫و�أنت �أنت!‪ .‬هو ّ‬
‫ي�سجدها لك ‪ ..‬ما �أوح�ش ما تالعب ال�شيطان بالإن�سان بينا يكون بح�ضرة احلق‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ومالئك ُة ال�سماء �سجو ٌد له‪ ،‬ترتامى به الأحوال واجلهاالت باملبد�أ وامل�آل‪� ،‬إلى �أن‬
‫ل�شم�س �أو لقمر ‪ ..‬ما‬‫ٍ‬ ‫يوجد �ساجدًا ل�صورة يف حجر‪� ،‬أو ل�شجرة من ال�شجر‪� ،‬أو‬
‫�أوح�ش زوال النعم‪ ،‬وتغيرّ الأحوال‪ ،‬واحل ْو َر بعد الكور!»(‪.)61‬‬
‫‪� æ‬أو�ضح �شيخ الإ�سالم ابن تيمية العالقة الرا�سخة والوثيقة بني الإميان وبني تعظيم‬
‫اهلل ‪ ،‬وتعظيم ر�سوله ‪ ،¤‬فقال ‪« :‬وال فرق بني من يعتقد �أن اهلل ربه‪ ،‬و�أن اهلل‬
‫�أمره بهذا الأمر‪ ،‬ثم يقول‪� :‬إنه ال يطيعه!‪ ،‬لأن �أمره لي�س ب�صواب وال �سداد‪ ،‬وبني‬
‫من يعتقد �أن حممدا ر�سول اهلل ‪ ،¤‬و�أنه �صادق واجب االتباع يف خربه و�أمره‪ ،‬ثم‬
‫ي�سبه �أو يعيب �أمره �أو �شيئا من �أحواله‪� ،‬أو ينتق�صه انتقا�صا ال يجوز �أن ي�ستحقه‬
‫(‪( )61‬الذيل على طبقات احلنابلة) البن رجب احلنبلي (جـ‪� – 1 :‬ص‪.)153 :‬‬
‫‪162‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫قول وعمل‪ ،‬فمن اعتقد الوحدانية يف الألوهية هلل‬ ‫الر�سول‪ ،¤‬وذلك �أن الإميان ٌ‬
‫�سبحانه وتعالى‪ ،‬والر�سالة لعبده ور�سوله ‪ ،¤‬ثم مل ُيتبع هذا االعتقاد موجبه‬
‫من الإجالل والإكرام ‪ -‬والذي هو حال يف القلب‪ ،‬يظهر �أثره على اجلوارح‪ ،‬بل‬
‫قارنه اال�ستخفاف والت�سفيه واالزدراء بالقول �أو بالفعل ‪ -‬كان وجود ذلك االعتقاد‬
‫كعدمه‪ ،‬وكان ذلك موجبا لف�ساد ذلك االعتقاد‪ ،‬ومزيال ملا فيه من املنفعة وال�صالح‪،‬‬
‫�إذ االعتقادات الإميانية تزكي النفو�س وت�صلحها‪ ،‬فمتى مل توجب زكاة النف�س وال‬
‫�صالحها‪ ،‬فما ذاك �إال لأنها مل تر�سخ يف القلب‪ ،‬ومل َت ِ�صر �صفة ونعتاً للنف�س»(‪.)62‬‬
‫‪ æ‬ويقول تلميذه ابن الق ّيم يف بداية حديثه عن منزلة (التعظيم)‪« :‬هذه املنزلة تابعة‬
‫الرب تعالى يف القلب‪ ،‬و�أعرف النا�س به‬ ‫للمعرفة‪ ،‬فعلى قدر املعرفة يكون تعظيم ّ‬
‫�أ�شدهم له تعظي ّماً و�إجال ًال‪ ،‬وقد ذم اهلل تعالى من مل يعظمه حق عظمته‪ ،‬وال عرفه‬
‫حق معرفته‪ ،‬وال و�صفه حق �صفته‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ {[نوح‪ ،]13:‬قال‬
‫ابن عبا�س وجماهد‪« :‬ال ترجون هلل عظمة»‪ ،‬وقال �سعيد بن جبري‪« :‬ما لكم ال تعظمون‬
‫اهلل حق عظمته‪ ،‬وقال الكلبي‪ :‬ال تخافون هلل عظمة»(‪.)63‬‬
‫‪ æ‬قال الباجي‪ :‬طلع �شيخنا عز الدين بن عبدال�سالم مرة �إلى ال�سلطان يف يوم‬
‫عيد �إلى القلعة‪ ،‬ف�شاهد الع�ساكر م�صطفني بني يديه‪ ،‬وجمل�س اململكة‪ ،‬وما ال�سلطان فيه‬
‫يوم العيد من الأبهة‪ ،‬وقد خرج على قومه يف زينته على عادة �سالطني الديار امل�صرية‪،‬‬
‫و�أخذت الأمراء تقبل الأر�ض بني يدي ال�سلطان‪ ،‬فالتفت ال�شيخ �إلى ال�سلطان وناداه‪ :‬يا‬
‫�أيوب!‪ ،‬ما حجتك عند اهلل �إذا قال لك‪� :‬أمل �أبوئ لك ملك م�صر ثم تبيح اخلمور؟!‬
‫فقال‪ :‬هل جرى هذا؟! فقال‪ :‬نعم! احلانة الفالنية يباع فيها اخلمور! وغريها‬
‫من املنكرات‪ ،‬و�أنت تتقلب يف نعمة هذه اململكة!‪ .‬يناديه كذلك ب�أعلى �صوته‪،‬‬
‫والع�ساكر واقفون! فقال‪ :‬يــا �سيدي‪ ،‬هذا ما عملتـ ــه �أن ـ ــا‪ ،‬بل كان م ـ ــن زمـ ــان‬
‫(‪( )62‬ال�صارم امل�سلول علي �شامت الر�سول) ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية (جـ‪� – 3:‬ص‪.)701 - 700 :‬‬
‫(‪( )63‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ‪� – 2:‬ص‪ )495:‬يف حديثه عن منزلة (التعظيم)‪.‬‬
‫جيد‬
‫ُ‬ ‫الم‬
‫يم ‪َ -‬‬
‫ظ ُ‬‫الع ِ‬
‫ير ‪َ -‬‬ ‫المجموعة السادسة ‪َ :‬‬
‫الك ِب ُ‬ ‫‪163‬‬

‫�أبي! فقال‪� :‬أنت من الذين يقولون‪ } :‬ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬


‫ﰄ{[الزخرف‪ ،]22 :‬فر�سم ال�سلطان ب�إبطال تلك احلانة‪ .‬قال الباجي‪� :‬س�ألت‬
‫ال�شيخ ملا جاء من عند ال�سلطان وقد �شاع هذا اخلرب‪ :‬يا �سيدي‪ ،‬كيف احلال؟ فقال‪ :‬يا‬
‫بني ر�أيته يف تلك العظمة ف�أردت �أن �أهينه لئال تكرب نف�سه فت�ؤذيه‪ .‬فقلت‪ :‬يا �سيدي‪،‬‬
‫�أما خفته؟! فقال‪ :‬واهلل يا بني‪ ،‬ا�ستح�ضرت هيبة اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬ف�صار ال�سلطان‬
‫قدامي كالقط»(‪.)64‬‬
‫‪ æ‬قال ابن اجلوزي‪�« :‬إنه بقدر �إجال ِل ُكم هلل عزوجل يُجِ ُّلكم‪ ،‬ومبقدار تعظيم‬
‫وحر َمتكم‪ ،‬ولقد ر�أيت واهلل من �أنفق ُع ُم َره يف‬ ‫َقدره واحرتامه ُي َع ِّظم �أقداركم ُ‬
‫العلم �إلى �أن َك رِبت �سِ ُّنه‪ ،‬ثم تعدى احلدود‪ ،‬فهان عند اخللق‪ ،‬وكانوا ال يلتفتون‬
‫�إليه مع َغزارة علمه‪ ،‬وقوة جُماهدته‪ ،‬ولقد ر�أيت من كان يراق ُِب اهلل يف‬
‫َ�ص ْب َوته ‪ -‬مع ُق�صوره بالإ�ضافة �إلى ذلك العامل ‪َ -‬ف َع َّظم اهلل َق ْد َره يف القلوب حتى‬
‫َع ِل َق ْت ُه النفو�س(‪ ،)65‬وو�صفته مبا يزيد على ما فيه من اخلري‪ ،‬ور�أيت من كان يرى‬
‫اال�ستقام َة �إذا ا�ستقام(‪ ،)66‬ف�إذا زاغ مال عنه اللطف‪ ،‬ولوال عمو ُم َّ‬
‫ال�سترْ ‪ ،‬و�شُ ُ‬
‫مول‬
‫رحمة الكرمي؛ الفت�ضح ه�ؤالء املذكورون»(‪.)67‬‬
‫‪ æ‬ح ّدث اللواء حممود �شيت خطاب عن نف�سه فقال‪« :‬بعد تخرجي �ضابطا �سنة‬
‫ُ‬
‫و�شهدت احلفلة مع‬ ‫‪1937‬م‪ ،‬كان من تقاليد اجلي�ش �أن تومل وليمة لل�ضباط اجلدد‪،‬‬
‫زمالئي‪ ،‬فجاء قائد الكتيبة وقد ملأ ك�أ�سا من اخلمر‪ ،‬و�أمرين �أن �أبد�أ حياتي ب�شرب‬
‫اخلمر‪ ،‬وكان الليل قد �أرخى �سدوله‪ ،‬وكانت ال�سماء �صافية تتلألأ فيها النجوم‪،‬‬
‫وكان قائد الكتيبة برتبة عقيد يحمل على كتفيه رتبته الع�سكرية وهي بح�ساب‬
‫(‪( )64‬طبقات ال�شافعية الكربى) لل�سبكي (جـ‪� - 8 :‬ص‪.)212 - 211 :‬‬
‫(‪َ )65‬ع ِل َق ْت ُه النفو�س‪� :‬أحبته وتعلقت به‪.‬‬
‫(‪� )66‬أي كلما �صلحت عالقة املرء بربه؛ �صلحت �أحواله‪ ،‬وتي�سرت �أموره‪ ،‬وا�ستقامت �أفعاله‪.‬‬
‫(‪�( )67‬صيد اخلاطر) لأبي الفرج عبد الرحمن بن اجلوزي (�ص‪ )337 - 336 :‬يف ف�صل (يف �أن اجلزاء من جن�س العمل) برقم (‪.)135‬‬
‫‪164‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫النجوم اثنتا ع�شرة جنمة‪ ،‬فقلت له‪� :‬إين �أطيعك يف �أوامرك الع�سكرية‪ ،‬و�أطيع اهلل‬
‫يف �أوامره‪ ،‬فال طاعة ملخلوق يف مع�صية اخلالق‪� ،‬إنك حتمل على كتفيك اثنتي ع�شرة‬
‫جنمة‪ ،‬فانظر �إلى �سماء اهلل لرتى كم حتمل من النجوم؟!‪ ،‬فبهت القائد وردد‪:‬‬
‫ال�سماء‪ ..‬ال�سماء‪ ..‬جنوم ال�سماء! وم�ضى غ�ضبان �أ�سِ فا»(‪.)68‬‬

‫(‪( )68‬علماء ومفكرون عرفتهم) ملحمد املجذوب (جـ‪� – 1:‬ص‪.)331 :‬‬


‫المجموعة السابعة ‪ :‬العلي ‪ -‬األعلى ‪ -‬المتعال‬ ‫‪165‬‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ‪7‬ـــــــــة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ا ْل ُع ُل ُّو وا ْل َف ْو ِق َّي ُة‬
‫(‪)23 - 22 - 21‬‬
‫ال َع ِل ُّي ‪ -‬ال ْأعلى ‪ -‬املت َع ُ‬
‫ال‬
‫‪166‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الـمجـمـوعـ‪7‬ـة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ا ْل ُع ُل ُّو وا ْل َف ْو ِق َّي ُة‬
‫(‪)23 - 22 - 21‬‬
‫ال َع ِل ُّي ‪ -‬ال ْأعلى ‪ -‬املت َع ُ‬
‫ال‬
‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫‪ æ‬ال َع ِل ُّي‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 8‬مرات) منها قوله تعالى‪ } :‬ﯷ ﯸ ﯹﯺ‬
‫ﯻ ﯼ ﯽ{[البقرة‪ ،]255:‬ويف ال�سنة من حديث عبد اهلل بن عبا�س ‪� :‬أَنَّ‬
‫ول اللهَّ ِ ‪ ¤‬قال‪( :‬كلمات الفرج‪ :‬ال �إله �إال اهلل احلليم الكرمي‪ ،‬ال �إله �إال اهلل‬
‫َر ُ�س َ‬
‫العلي العظيم‪ ،‬ال �إله �إال اهلل رب ال�سماوات ال�سبع ورب العر�ش الكرمي)(‪. )1‬‬
‫‪ æ‬ال ْأعلى‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي مرتني‪ ،‬يف قول اهلل تعالى‪ } :‬ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ{[ال ْأعلى‪ ]1:‬وقوله تعالى‪ } :‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ{[الليل‪ ]20:‬وجاء عن النبي ‪� ¤‬أنه‬
‫كان �إذا قر�أَ‪ } :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ{[القيامة‪ ،]40:‬قال‪�( :‬سبحا َن َك فبلى!)‬
‫و�إذا قر�أَ‪ } :‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ{[الأعلى‪ ،]1:‬قال‪�( :‬سبحانَ ر ِّب َي ال ْأعلى)(‪.)2‬‬
‫ال‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة‪ ،‬يف قوله تعالى‪}:‬ﮋ ﮌ‬
‫املت َع ُ‬ ‫‪æ‬‬

‫‪� :‬أنا‬ ‫ﮍ ﮎ ﮏ{[الرعد‪ ]9:‬ومن ال�سنة قوله ‪َ (: ¤‬يقول اهلل‬


‫نف�سه)(‪.)3‬‬
‫ال‪ ،‬يمُ َ ِّجدُ َ‬ ‫رب‪� ،‬أنا ُ‬
‫امللك‪� ،‬أنا املت َع ُ‬ ‫ا َ‬
‫جل َّبا ُر‪� ،‬أنا املتك ُ‬

‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬


‫ال َع ِل ُّي‪ :‬فعيل مبعنى فاعل‪ ،‬وهو «�صفة م�شبهة للمو�صوف بالعلو‪ ،‬فعله عال‬ ‫‪æ‬‬

‫(‪ )1‬رواه ابن �أبي الدنيا و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)4571‬‬
‫(‪ )2‬رواه �أبو داود والبيهقي و�صححه الألباين يف (�صفة �صالة النبي ‪�( )¤‬ص‪.)105 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه الإمام �أحمد و�صححه �أحمد �شاكر برقم (‪.)5608‬‬
‫المجموعة السابعة ‪ :‬العلي ‪ -‬األعلى ‪ -‬المتعال‬ ‫‪167‬‬

‫َيع ُلو عل ّواً‪ ،‬فهو عالٍ ‪ ،‬والعلو‪ :‬الرفعة والعظمة»(‪ ،)4‬قال يف الل�سان‪ُ « :‬علو ك ّل �شيء‪:‬‬
‫�أَ ْر َف ُعه ‪ ..‬وعال ال�شي ُء ُع ُل ًّوا فهو َع ٌّلي ‪ ..‬وال َع ُّ‬
‫لي‪ :‬ال َّرفي ُع ‪ ..‬قال الأزهري‪( :‬ال َعل ُِّي)‬
‫ال�شريف‪ ،‬فعيل من َعال َي ْع ُلو‪ ،‬وهو مبعنى العايل‪ ،‬وهو الذي لي�س فوقه �شيء»(‪.)5‬‬
‫‪ æ‬ال ْأعلى‪« :‬ا�سم تف�ضيل‪ ،‬من عال يعلو‪� ،‬أي‪� :‬أكرث ارتفاعاً‪ ،‬و(ال ْأعلى) رفيع‬
‫القدر واملنزلة‪ ،‬الذي بلغ الغاية يف علو الرتبة‪ ،‬فال رتبة لغريه �إال وهي منحطة‬
‫عنه»(‪ ،)6‬قال يف الل�سان‪(« :‬الأَ ْعلى)‪ :‬هو اهلل الذي هو �أَ ْعلى من كل عالٍ ‪ ،‬وا�سمه‬
‫ال�شرف‪ ،‬وذو ال ُعال‪� :‬صاحب ال�صفات‬ ‫ُ‬ ‫(الأَ ْعلى) �أَي �صفته �أَعلى ال�صفات‪ ،‬وال َعال ُء‪:‬‬
‫ال ُعال‪ ،‬وال ُعال‪ :‬جمع ال ُع ْليا �أَي جمع ال�صفة ال ُعليا والكلمة الع ْليا»(‪.)7‬‬
‫ال‪« :‬ا�سم فاعل من تعالى‪ ،‬فعله َتعالى َيتعالى َتعالياً‪ ،‬فهو ُمتعالٍ ‪،‬‬ ‫‪ æ‬املت َع ُ‬
‫والتمجد‪ ،‬و(املت َع ُال)‪ :‬ال ّرفيع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والتعظم‪ ،‬والتقدّ�س‪،‬‬ ‫والتعايل‪ :‬الت�سامي‪ ،‬والرت ّفع‪،‬‬
‫القدر‪ ،‬امل�ستعلي على كل �شي ٍء بقدرته وقهره»(‪ ،)8‬قال الر�ضواين‪(« :‬املُت َعايل) القاه ُر‬
‫خللقه بقدرته التامة‪ ،‬و�أغلب املف�سرين جعلوا اال�سم دا ًال على علو القهر‪ ،‬وهو �أحد‬
‫معاين العلو‪ ،‬فـ (املُت َعايل) هو امل�ستعلي على كل �شيء بقدرته»(‪.)9‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬
‫جميع �أنواع العلو الثالثة‪:‬‬ ‫الذي عليه ال�سلف ال�صالح‪� ،‬أن هلل‬
‫‪ æ‬فله علو الذات من ا�سمه (ال َعل ِّي)‪ ،‬و�أنه ‪�-‬سبحانه‪ -‬م�ستو على عر�شه‪ ،‬فوق جميع‬
‫خلقه‪ ،‬بائن منهم‪ ،‬منف�صل عنهم‪ ،‬يعلم �أعمالهم‪ ،‬وي�سمع �أقوالهم‪ ،‬ويرى حركاتهم و�سكناتهم ال‬
‫تخفى عليه خافية‪ ،‬كما قال ‪�-‬سبحانه‪ -‬عن مالئكته‪}:‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ{ [النحل‪.]50:‬‬
‫(‪ )4‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ع ل و)‪.‬‬
‫(‪( )5‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ ‪� - 15:‬ص‪ 83 :‬و ‪( ) 85‬مادة‪ :‬عال)‪.‬‬
‫(‪ )6‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ع ل و)‪.‬‬
‫(‪( )7‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ ‪� - 15:‬ص‪( )85 :‬مادة‪ :‬عال)‪.‬‬
‫(‪ )8‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ع ل و)‪.‬‬
‫(‪�( )9‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪.)378 :‬‬
‫‪168‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪ æ‬وله علو القدر وال�صفات من ا�سمه (ال ْأعلى) فله – �سبحانه ‪ -‬ال�صفات العلى‬
‫التي ال ي�ستحقها غريه‪ ،‬وهو ‪�-‬سبحانه‪ -‬منزه عن جميع النقائ�ص والعيوب املنافية لإلهيته‬
‫وربوبيته و�أ�سمائه و�صفاته‪ ،‬كما قال �سبحانه عن نف�سه‪ } :‬ﮘ ﮙ ﮚ{ [النحل‪.]60:‬‬
‫‪ æ‬وله علو القهر من ا�سمه (املت َعال)‪ ،‬الذي لي�س فوقه �شيء يف قهره وقوته‪ ،‬فال‬
‫غالب له وال منازع بل كل �شيء حتت قهره و�سلطانه‪ ،‬قال تعالى ‪ }:‬ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ‬
‫ﰇ ﰈ ﰉ{[الأنعام‪.]18:‬‬
‫يقول ابن القيم ‪« :‬ف�إن من لوازم ا�سم (ال َعل ٌِّي) العلو املطلق بكل اعتبار فله العلو‬
‫املطلق من جميع الوجوه‪ :‬علو القدر‪ ،‬وعلو القهر‪ ،‬وعلو الذات‪ ،‬فمن جحد علو‬
‫الذات فقد جحد لوازم ا�سمه (ال َعل ٌِّي)»(‪ ،)10‬ويقول ال�شيخ ال�سعدي‪(« :‬ال َعل ٌِّي ال ْأعلى)‬
‫هو الذي له العلو املطلق من جميع الوجوه‪ :‬علو الذات‪ ،‬وعلو القدر وال�صفات‪ ،‬وعلو‬
‫القهر‪ ،‬فهو الذي على العر�ش ا�ستوى‪ ،‬وعلى امللك احتوى‪ ،‬وبجميع �صفات العظمة‬
‫والكربياء واجلالل واجلمال وغاية الكمال ات�صف‪ ،‬و�إليه فيها املنتهى»(‪.)11‬‬
‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬
‫دلت هذه الأ�سماء الثالثة امل�شتقة من �صفة (ال ُع ْلو) على معاين العلو الثالثة‪:‬‬
‫‪ )1‬فله ‪�-‬سبحانه‪ -‬علو الذات من ا�سمه (ال َعل ِّي)‪ ،‬قال ابن جرير يف قوله تعالى‪ } « :‬ﭨ‬
‫ﭩ ﭪ{ [ال�شورى‪ ،]4:‬ذو عل ّو وارتفاع على ك ّل �شيء‪ ،‬والأ�شياء كلها دونه»(‪.)12‬‬
‫‪ )2‬وله علو القدر وال�صفات من ا�سمه (ال ْأعلى)‪ ،‬قال القا�سمي‪(« :‬ال ْأعلى) هو‬
‫الأرفع يف كل �شيء‪ ،‬قدرة وملكاً و�سلطاناً»(‪.)13‬‬
‫‪ )3‬وله علو القهر والغلبة من ا�سمه (املت َعال)‪ ،‬قال ابن كثري‪(« :‬املت َع ُال) على كل �شيء‬
‫قد �أحاط بكل �شيء علما‪ ،‬وقهر كل �شيء‪ ،‬فخ�ضعت له الرقاب‪ ،‬ودان له العباد طوعا‬
‫وكرها»(‪.)14‬‬
‫(‪( )10‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ ‪� :1‬ص‪.)31 :‬‬
‫(‪ )11‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)16 :‬‬
‫(‪( )12‬تف�سري الطربي) عند تف�سري الآية (‪ )4‬من �سورة ال�شورى‪.‬‬
‫(‪ )13‬تف�سري القا�سمي (حما�سن الت�أويل) (جـ ‪� :10‬ص ‪ )125‬عند تف�سري الآية (‪ )1‬من �سورة الأعلى‪.‬‬
‫(‪( )14‬تف�سري ابن كثري) عند تف�سري الآية (‪ )9‬من �سورة الرعد‪.‬‬
‫المجموعة السابعة ‪ :‬العلي ‪ -‬األعلى ‪ -‬المتعال‬ ‫‪169‬‬

‫قال الر�ضواين‪« :‬والثابت ال�صحيح �أن معاين العلو عند ال�سلف ال�صالح ثالثة‬
‫معان دلت عليها �أ�سماء اهلل امل�شتقة من �صفة العلو‪ ،‬فا�سم اهلل (ال َعل ِّي) دل على علو‬
‫ال) دل على علو القهر»(‪.)15‬‬ ‫الذات‪ ،‬وا�سمه (ال ْأعلى) دل على علو ال�ش�أن‪ ،‬وا�سمه (املت َع ُ‬
‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬
‫ال�صفة امل�شتقة من �أ�سمائه ‪�-‬سبحانه (ال َعل ُِّي وال ْأعلى واملت َع ُال) «�صفة (ا ْل ُع ُل ّو‬
‫وال�س َّنة»(‪ ،)16‬قال اهلل تعالى‪:‬‬ ‫وا ْل َف ْو ِق َّي ُة)‪ ،‬وهي من �صفــات اهلل الذاتية الثابتة بالكتاب ُّ‬
‫‪ ،]16:‬وجاء عنه ‪¤‬‬ ‫}ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ{[امللك‬
‫قوله‪�(:‬أال ت�أمنوين‪ ،‬و�أنا �أمني َمن يف ال�سماء؟!)(‪ ،)17‬ولل�صحابة والتابعني ومن �سار على‬
‫نهجهم من �أهل ال�سنة واجلماعة �آثار كثرية عن ُع ُل ِو اهلل وفو ِق َّي ِته‪ ،‬و�أنه ‪� -‬سبحانه وتعالى ‪-‬‬
‫«فوق جميع خملوقاته‪ ،‬م�ست ٍو على عر�شه يف �سمائه‪ ،‬عايل على خلقه‪ ،‬بائن منهم‪ ،‬يعلم‬
‫�أعمالهم‪ ،‬وي�سمع �أقوالهم‪ ،‬ويرى حركاتهم و�سكناتهم‪ ،‬ال تخفى عليه خافية»(‪.)18‬‬

‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬


‫‪ æ‬الكبري‪ :‬ورد االقرتان (‪ 5‬مرات) منها قوله تعالى‪ } :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ{‬
‫[غافر‪ ،]12:‬وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪� -‬أن اهلل ‪�-‬سبحانه وتعالى‪ -‬له علو الذات‪ ،‬فوق‬
‫جميع املخلوقات‪ ،‬لأنه ‪�-‬سبحانه‪ -‬كبري يف ذاته و�صفاته‪ ،‬يقول ال�شيخ ال�سعدي‪َ }« :‬وهُ َو‬
‫ا ْل َعل ُِّي{ بذاته‪ ،‬فوق جميع خملوقاته‪ ،‬وقهره لهم‪ ،‬وعلو قدره‪ ،‬مبا له من ال�صفات‬
‫العظيمة‪ ،‬جليلة املقدار } ﮠ{ يف ذاته و�صفاته»(‪)19‬؛ ولذا كانت �صفة العلو‬
‫تنا�سبها الكربياء والعظمة (العلي الكبري) و (العلي العظيم)‪.‬‬
‫(‪�( )15‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪.)418 :‬‬
‫(‪�( )16‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)186 :‬‬
‫(‪ )17‬رواه البخاري (‪ )4351‬وم�سلم (‪.)1064‬‬
‫(‪�( )18‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)186 :‬‬
‫(‪ )19‬تف�سري ال�سعدي عند تف�سري الآية (‪ )23‬من �سورة �سب�أ‪.‬‬
‫‪170‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪ æ‬العظيم‪ :‬ورد االقرتان مرتني منها قوله تعالى‪}:‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ‬


‫ﭨ ﭩ ﭪ{ [ال�شورى‪ ،]4 :‬وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪� -‬أن اهلل ‪�-‬سبحانه‪ -‬وتعالى‬
‫له علو الذات‪ ،‬فوق جميع املخلوقات‪ ،‬ملا له من ال�صفات العظيمة‪ ،‬اجلليلة املقدار‪ ،‬فهو عظي ٌم‬
‫عال يف عظمته ‪�-‬سبحانه قد حاز العلو بكل �أنواعه‪ ،‬وجمع العظمة بكل �صورها‪،‬‬ ‫يف علوه‪ٍ ،‬‬
‫ريا ما يقرن يف و�صفه بني هذين اال�سمني يثبت‬ ‫يقول ابن القيم‪« :‬وهو ‪�-‬سبحانه‪ -‬كث ً‬
‫بذلك علوه على املخلوقات وعظمته‪ ،‬فالعلو‪ :‬رفعتـ ــه‪ ،‬والعظمة‪ :‬عظم ــة قدره ‪ -‬ذا ًتا‬
‫وو�ص ًفا»(‪ ،)20‬ويقول ال�شيخ ال�سعدي‪َ }« :‬و ُه َو ا ْل َعل ُِّي{ بذاته‪ ،‬فوق جميع خملوقاته‪،‬‬
‫وقهره لهم‪ ،‬وعلو قدره‪ ،‬مبا له من ال�صفات العظيمة‪ ،‬جليلة املقدار»(‪ ،)21‬ويالحظ يف‬
‫�سياق الآيات التي ورد فيها اقرتان ا�سما (العظيم) و(الكبري) مع ا�سمه �سبحانه (العلي)‬
‫�أنها تتناول وجوه عظمة اهلل �سبحانه وتعالى‪ ،‬وجاللة قدره‪ ،‬وما ي�ستحقه من التوحيد‬
‫والإجالل‪ ،‬مع الرتهيب من الكفر وال�شرك‪ ،‬وجميعها مقامات تدعو العباد �أال «يقفوا يف‬
‫تعظيمه وتقدي�سه عند حد‪ ،‬لأن هذا هو م�ضمار التناف�س‪ ،‬وميدان ال�سباق احلق‪ ،‬فما‬
‫خلقهم �إال ليعبدوه‪ ،‬وما ا�ستخلفهم يف الأر�ض �إال ليوحدوه ‪ ..‬و�أنهم مهما بالغوا يف‬
‫تعظيمه فلن يقدروه قدره‪ ،‬ولن يوفوه حقه‪ ،‬فقدره �أعلى و�أعظم‪ ،‬وحقه �أجل و�أكرب‬
‫‪ ..‬فكان ختام هذه الآيات بـ(العلي العظيم) و(العلي الكبري) هو م�سك اخلتام لكونها‬
‫عظيم‬
‫ٍ‬ ‫�أليق الأ�سماء باملقام‪ ،‬و�أنه ال علو وال عظمة وال ك رَِب �إال هلل وحده‪ ،‬و�أن كل‬
‫ري وعالٍ فهو ي�ستمد العظمة والك رَِب والعلو من اهلل وحده» (‪.)22‬‬‫وكب ٍ‬
‫‪ æ‬احلكيم‪ :‬ورد االقرتان مرة واحدة يف قوله تعالى‪ } :‬ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ‬
‫ﰍ ﰎ ﰏ{[ال�شورى‪ ،]51:‬وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬كما قال ابن عا�شور‪:‬‬
‫(العلي) عل ّو عظمة فائقة ال تنا�سبها النفو�س الب�شرية القا�صرة؛ ولذا اقت�ضت‬
‫ّ‬ ‫«�أن‬
‫(‪( )20‬املرتع الأ�سنى ‪ ..‬من كتب ابن القيم) لعبد العزيز الداخل (�ص‪.)277 :‬‬
‫(‪ )21‬تف�سري ال�سعدي عند تف�سري الآية (‪ )23‬من �سورة �سب�أ‪.‬‬
‫(‪( )22‬مطابقة �أ�سماء اهلل احل�سنى) للدكتورة جنالء كردي (�ص‪ )487 :‬بت�صرف ‪.‬‬
‫المجموعة السابعة ‪ :‬العلي ‪ -‬األعلى ‪ -‬المتعال‬ ‫‪171‬‬

‫حكمته ‪�-‬سبحانه‪� -‬أال تتلقى النفو�س الب�شرية مراد اهلل منه مبا�شرة‪ ،‬و�إمنا بتوجيه‬
‫خطابه بو�سائط يف�ضي بع�ضها �إلى بع�ض وبكيفيات ثالث (طرق الوحي) لتي�سري‬
‫تل ّقي خطابه‪ ،‬ووعيه دون اختالل فيه وال خروج عن طاقة املتل ِّقني»(‪.)23‬‬
‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫‪ æ‬الأثر العلمي االعتقادي‪:‬‬
‫هلل العلو املطلق بجميع الوجوه واالعتبارات‪ ،‬فهو (ال َع ِل ّي) علو الذات‪ ،‬قد ا�ستوى على‬
‫عر�شه‪ ،‬وعال على جميع خلقه‪ ،‬عل ّو ًا يليق بجالله وعظمته ‪�-‬سبحانه‪ .‬وهو (الأعلى)علو القدر‬
‫وال�صفات‪ ،‬املو�صوف ب�صفات الكمال‪ ،‬املنعوت بنعوت اجلالل‪ ،‬املنزّه عن العيوب والنقائ�ص‬
‫ال) علو القهر‪ ،‬لي�س فوقه �شيء يف قهره وقوته‪ ،‬فال غالب له وال منازع‪ ،‬بل‬ ‫واملثال‪ .‬وهو (املت َع ُ‬
‫كل �شيء حتت قهره و�سلطانه‪ ،‬ما �شاء كان‪ ،‬وما مل ي�ش�أ مل يكن وهو ‪�-‬سبحانه‪ -‬فعال ملا يريد‪.‬‬
‫‪ æ‬الأثر العملي‪:‬‬
‫‪1.1‬حمبة اهلل وتعظيمه وتنزيهه عن النقائ�ص والعيوب مع اخل�ضوع والتذلل له‬
‫‪�-‬سبحانه‪ ،‬وهذان هما ركنا العبودية‪� ،‬إذ �إن حقيقة العبودية �إمنا تن�ش�أ من غاية‬
‫احلب هلل تعالى مع غاية التذلل له ‪�-‬سبحانه‪.‬‬
‫‪2.2‬التوا�ضع هلل ‪-‬تعالى‪ -‬وقبول ما �أنزل من احلق‪ ،‬والر�ضى ب�أحكامه ونواهيه‪ ،‬و�إذا‬
‫كانت املالئكة يف ال�سماء تخ�شع عند �سماع قوله و�إلقاء وحيه كما جاء ذلك يف‬
‫قوله تعالى‪ } :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ{[�سب�أ‪� ،]23:‬إذا كان هذا �أمرها وهذا قولها وفعلها‪ ،‬فحري بالعبد �أن‬
‫يخ�شع ل�سماع كالم ربه‪ ،‬ويطمئن قلبه عند ذكره‪ ،‬ويطيع �أوامره ويبتعد عن نواهيه‪.‬‬
‫‪3.3‬احلذر من العلو يف الأر�ض بغري احلق‪ ،‬وجتنب ظلم العباد‪ ،‬والتكرب عليهم‪ ،‬و�أن‬
‫العبد مهما تكرب وعال وظلم؛ ف�إن اهلل (العلي املتعال) فوقه‪.‬‬
‫(‪ )23‬تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور عند تف�سري الآية ‪ 51‬من �سورة ال�شورى (بت�صرف)‪.‬‬
‫‪172‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪4.4‬اخلوف من اهلل وحده‪ ،‬وتخلي�ص القلب من اخلوف من املخلوق ال�ضعيف‪ ،‬و�أن‬


‫العبد مهما �أوتي من ملك وقوة وعلو يف الأر�ض؛ ف�إن اهلل فوقه مكان ًا وقدر ًا وقهر ًا‪،‬‬
‫وبذلك ي�ؤمر باملعروف وينهى عن املنكر وترفع الرايات يف �سبيل اهلل دون خوف‬
‫من ال�شيطان و�أوليائه‪� ،‬إن كيد ال�شيطان كان �ضعيفا‪.‬‬

‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫(ال َع ِل ُّي ‪ -‬ال ْأعلى ‪ -‬املت َع ُال) من �أ�سماء الذات الدالة على �صفات اهلل الذاتية (ا ْل ُع ُل ّو‬
‫وا ْل َف ْو ِق َّية) وهي �صفات ذات‪ ،‬مل يزل ‪-‬وال يزال‪ -‬اهلل مت�صف ًا بها‪ ،‬وال تعلق لها بامل�شيئة؛‬
‫ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل‪ ،‬والتو�سل �إليه‪ ،‬والثناء عليه‪ ،‬وتعظيمه ومتجيده بها يف جميع‬
‫�أغرا�ض الدعاء وحاجات العبد ‪ ..‬وهي بال �شك �أ�سماء عظيمة تدعو العبد �إلى ا�ست�شعار عظمة‬
‫ربه يف علوه على خلقه‪ ،‬فيقف بني يديه وقوف العبد الذليل‪ ،‬الذي اعرتف بذنبه و�أقر بعجزه‪،‬‬
‫وهو يعلم �أن دعاءه وكالمه �صاعد �إليه‪ ،‬معرو�ض عليه ‪ ..‬ونح�سب �أن عبد ًا ا�ست�شعر هذا امل�شهد‬
‫العظيم حري ب�إجابة دعوته وحتقيق مطلبه ‪ ..‬ومما جاء يف ال�سنة النبوية من متجيد اهلل‬
‫بهذه الأ�سماء قول النبي ‪َ (:¤‬من تعا َّر(‪ِ )24‬من الل ْيل فقال ِحني َي�ستي ِقظ‪ :‬ال � َ‬
‫إله �إال اهلل‬
‫ير‪�ُ ،‬س ْبحان اهلل‪ ،‬واحل ْمدُ‬
‫قد ٌ‬
‫يك له‪ ،‬له امللك وله احل ْمدُ وهو على كل �شيء ِ‬ ‫وحدَ ه ال �ش ِر َ‬
‫ْ‬
‫ثم َدعا‪:‬‬ ‫يم‪َّ ،‬‬ ‫إله �إال اهلل‪ ،‬واهلل �أ ْكبرَ ُ ‪ ،‬وال حول وال قوة �إال باهلل ال َع ِل ٌّي ِ‬
‫العظ ِ‬ ‫هلل وال � َ‬
‫َرب اغ ِفر يل‪ُ :‬غ ِف َر له)(‪ ،)25‬وجاء رجل �إلى النبي ‪ ¤‬فقال‪� :‬إين ال �أ�ستطيع �أن �آخذ من‬
‫القر�آن �شيئاً‪ ،‬فعلمني ما يجزئني منه‪ .‬قال‪(:‬قل‪� :‬سبحان اهلل واحلمد هلل وال �إله‬
‫�إال اهلل واهلل �أكرب وال حول وال قوة �إال باهلل العلي العظيم) ‪ ..‬قال يا ر�سول اهلل‪ :‬هذا‬
‫هلل فما يل؟ ‪ ..‬قال‪( :‬قل اللهم ارحمني وارزقني وعافني واهدين) فلما قام قال‬
‫هكذا بيده‪ .‬فقال ر�سول اهلل ‪�( :¤‬أما هذا فقد ملأ يده من اخلري)(‪.)26‬‬
‫(‪( )24‬تعار) ‪� :‬أي ا�ستيقظ من نومه من الليل‪.‬‬
‫(‪ )25‬رواه ابن ماجه و�صححه الألباين يف �صحيح ابن ماجة برقم (‪.)3128‬‬
‫(‪ )26‬رواه �أبو داود وح�سنه الألباين يف �صحيح �أبي داود برقم (‪.)742‬‬
‫المجموعة السابعة ‪ :‬العلي ‪ -‬األعلى ‪ -‬المتعال‬ ‫‪173‬‬

‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬


‫هلل على خل ِق ِه من ال�صفات الظاهرة التي توا َت َر ْت بها الأدل ُة العقلية والنقلية‪،‬‬ ‫‪ æ‬عل ُّو ا ِ‬
‫ودلت عليها ال ِف َطر ال�سليمة‪ ،‬والآيات الدالة على ذلك من الوح َيينْ قد ا�ستفا�ضت يف اثبات‬
‫عل ِّو اهلل بذاته و َق ْه ِره و َق ْد ِره‪ ،‬و�أنه فوق عر�شه‪ ،‬بائن من خلقه‪ ،‬ال يخفى عليه �شيء يف‬
‫الأر�ض وال يف ال�سماء‪ ،‬ومن �أمثلة �أدلة العل ِّو ما يلي‪:‬‬
‫تنوعت �أدل��ة ال��ق��ر�آن الكرمي يف داللتها على عل ِّو اهلل ‪ ،‬فتارة تكون بذكر العل ِّو‬
‫مبا�شرة كقوله ت��ع��ال��ى‪ } :‬ﯻ ﯼ ﯽ{[البقرة‪ ،]255:‬و} ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ{[الأعلى‪ ،]1:‬وتارة بذكر الفوقية كقوله تعالى‪ } :‬ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ‬
‫ﰈ ﰉ{[الأنعام‪ ،]18:‬وقوله تعالى‪ } :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ{[النحل‪ ،]50-49:‬وتارة بذكر نزول الأ�شياء من‬
‫و�أ�صحابه‬ ‫عنده �أو �صعودها �إليه كقوله تعالى عن املائدة التي �أنزلها على عي�سى‬
‫من احلواريني‪} :‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ{[املائدة‪ ،]115:‬وقوله تعالى‪ } :‬ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣﮤ{[الأنعام‪ ،]114:‬ويف ال�صعود والعروج يقول اهلل تعالى‪ } :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫‪ } :‬ﮒﮓ‬ ‫ﯪ ﯫ ﯬ{[فاطر‪ ،]10:‬وقوله تعالى عـ ــن عي�سى‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ{[الن�ساء‪ ،]158-157:‬وقوله تعالى ‪:‬‬
‫} ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ{[املعارج‪ ]4:‬وتارة بكونه �سبحانه يف ال�سماء كقوله‬
‫تعالى‪ } :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ{[امللك‪.]16:‬‬
‫�أما �أدلة ال�سنة وما ورد عن ال�صحابة وال�سلف ال�صالح فهي �أكرث من �أن تحُ �صى‪ ،‬فعن‬
‫معاوية بن احلكم ال�سلمي ‹ قال‪( :‬كانت يل جارية ترعى غنما يل قِبل �أحد واجلوانية‪،‬‬
‫فاطلعت ذات يوم ف�إذا الذئب قد ذهب ب�شاة من غنمها‪ ،‬و�أنا رجل من بني �آدم ‪� ..‬آ�سف‬
‫علي‪ ،‬قلت‪ :‬يا‬
‫فعظم ذلك َّ‬ ‫كما ي�أ�سفون(‪ ،)27‬لكني �صككتها �صكة‪ ،‬ف�أتيت ر�سول اهلل ‪َّ ¤‬‬
‫ر�سول اهلل‪� ،‬أفال �أعتقها؟ قال‪ :‬ائتني بها‪ ،‬ف�أتيته بها‪ ،‬فقال لها‪� :‬أين اهلل؟ قالت‪ :‬يف‬
‫(‪� )27‬أي �أغ�ضب كما يغ�ضبون‪.‬‬
‫‪174‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ال�سماء‪ ،‬قال‪ :‬من �أنا؟‪ ،‬قالت‪� :‬أنت ر�سول اهلل‪ .‬قال‪� :‬أعتقها‪ ،‬ف�إنها م�ؤمنة)(‪.)28‬‬
‫قال تعالى‪} :‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕﮖ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮞ‬
‫ﮟ{[الأحزاب‪ ،]27-26:‬بعد اخليانة العظمى ليهود بني قريظة يف غزوة الأحزاب‪،‬‬
‫حا�صرهم النبي ‪ ¤‬فنزلوا على حكمه‪ ،‬فطلبت «الأو�س» �أن ُيح ّكم فيهم زعيمهم �سعد بن‬
‫معاذ ‹ ‪ -‬وكانت بنو قريظة حليف ًا للأو�س يف اجلاهلية ‪ -‬فوافق النبي ‪ ،¤‬وحكم فيهم‬
‫�سعد بن معاذ ‹‪ :‬ب�أن ُيقتل الرجال‪ ،‬و ُت�سبى الذرية‪ ،‬و ُتق�سم الأموال‪ ،‬فقال النبي ‪:¤‬‬
‫( َل َق ْد َح َك ْمتَ ِفي ِه ْم ِب ُحك ِْم المْ َ ِل ِك ِم ْن َف ْو ِق َ�س ْب ِع َ�س َما َوات)(‪.)29‬‬
‫كان زيد بن احلارثة ‹ قد تبناه النبي ‪ ¤‬قبل الهجرة‪ ،‬وكان يدعى «زيد بن حممد» ف�أراد‬
‫اهلل �أن ُي�ش ّرع �شرع ًا عام ًا يف �أن الأدعياء لي�سوا يف حكم الأبناء حقيقة‪ ،‬و�أنه ال جناح على من‬
‫تبناهم يف نكاح �أزواجهم‪ ،‬فل ّما ط ّلق زيد بن احلارثة ‹ زينب بنت جح�ش ‪ ،‬ز ّوجها اهلل‬
‫لنبيه ‪ ،¤‬ويف ذلك يقول املولى ‪ } :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ{[الأحزاب‪ ]37:‬فدخل عليها النبي ‪ ¤‬من دون � ٍ‬
‫إذن‬
‫وال خطبة وال �شهود وال جتديد عقد وال تقرير �صداق‪ ،‬فكانت زينب تفخر على �أزواج‬
‫وزوجني ُ‬
‫اهلل تعالى من فوقِ �سب ِع �سماواتٍ »(‪.)30‬‬ ‫زوج ُك َّن �أهالي ُك َّن‪َ ،‬‬ ‫النبي ‪ ¤‬وتقول ‪َ « :‬‬
‫يف مر�ض موت �أم امل�ؤمنني ال�ص ّديقة بنت ال�ص ّديق عائ�شة ‪ ،‬دخل عليها عبداهلل بن‬
‫يحب �إال طيباً‪،‬‬
‫أحب ن�ساء ر�سول اهلل ‪� ¤‬إليه‪ ،‬ومل يكنْ ُّ‬ ‫عبا�س وقال لها‪ُ « :‬ك ْنتِ � َّ‬
‫و�أنزل اهلل َب َرا َء َتكِ من فوق �سبع �سماوات»(‪ ،)31‬ي�شري ‹ �إلى حادثة الإفك وتربئة‬
‫لعائ�شة يف قوله تعالى ‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ‬ ‫اهلل‬
‫ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ{[النور‪.]11:‬‬
‫‪ æ‬قال تعالى‪} :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ(‪ )32‬ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ‬
‫(‪ )28‬رواه م�سلم (‪.)537‬‬
‫(‪� )29‬أخرجه الن�سائي والبيهقي واللفظ له‪ ،‬وح�سنه الألباين يف (خمت�صر العلو) (�ص‪ )87:‬وبرقم (‪.)15‬‬
‫(‪ )30‬رواه البخاري برقم (‪.)7420‬‬
‫(‪� )31‬أخرجه الإمام �أحمد واحلاكم والهيثمي والدارمي واللفظ له و�صححه الألباين يف (خمت�صر العلو) (�ص‪ )130:‬وبرقم‬
‫(‪ )106‬وقال‪� :‬سنده �صحيح على �شرط م�سلم‪.‬‬
‫الوحي ِبتح ِو ِيل القبلة من بيت املقد�س �إلى البيت احلرام (الكعبة)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫نزول‬
‫ِ‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫ُّفا‬
‫و‬ ‫َ‬
‫�ش‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ء‬
‫ِ‬ ‫ما‬ ‫ال�س‬
‫َّ‬ ‫يف‬ ‫(‪َ )32‬ت َق ُّلبَ و َْج ِه َك‪� :‬أي َت َر ُّد َد ْوج ِه َك و َت َ�ص ُّر َف َن َظ ِر َك‬
‫المجموعة السابعة ‪ :‬العلي ‪ -‬األعلى ‪ -‬المتعال‬ ‫‪175‬‬

‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ{[البقرة‪ ,]144:‬قال ال�شيخ ابن عثيمني‪« :‬من فوائد‬


‫الآية �إثبات علو اهلل؛ لأن الر�سول ‪ُ ¤‬يقلب وجهَه يف ال�سماء؛ لأن الوحي ي�أتيه‬
‫من ال�سماء»(‪ ،)33‬ويف حديث املقداد بن الأ�سود ‹ قال‪« :‬فرفع النبي ‪ ¤‬ر�أ�سَ ه �إلى‬
‫فقلت‪ :‬الآن يدعو ‪.)34(»..‬‬
‫ال�سماءِ‪ُ ،‬‬
‫‪ æ‬عن احلافظ �أبي جعفر بن �أبي علي الهمداين‪ ،‬قال‪� « :‬سمعت �أبا املعايل‬
‫اجلويني وقد ُ�سئل عن قوله تعالى‪ } :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ{[طه‪ ]5:‬؟ فقال‪ :‬كان‬
‫اهلل وال عر�ش وجعل يتخبط يف الكالم!‪ .‬فقلت‪ :‬قد علمنا ما �أ�شرت �إليه‪ ،‬فهل‬
‫عندك لل�ضرورات من حيلة؟ فقال‪ :‬ما تريد بهذا القول‪ ،‬وما تعني بهذه الإ�شارة؟‬
‫فقلت‪ :‬ما قال عارف قط‪( :‬يا رباه) �إال قبل �أن يتحرك ل�سانه‪ ،‬قام من باطنه‬
‫ق�صد ال يلتفت مينة وال ي�سرة يق�صد الفوق ويطلب العلو‪ ،‬فهل لهذا الق�صد‬
‫ال�ضروري عندك من حيلة؟ فنبئنا نتخل�ص من الفوق والتحت؟ ف�ضرب الأ�ستاذ‬
‫بكمه على ال�سرير و�صاح‪ :‬يا للحرية! حريين الهمداين!‪ .‬قال الألباين‪ :‬ويبدو يل �أن‬
‫هذه احلرية كانت قبل ا�ستقرار عقيدة �أبي املعايل اجلويني على املذهب ال�سلفي‪،‬‬
‫بل لعلها كانت املنطلق �إلى هذا اال�ستقرار»(‪.)35‬‬
‫‪ æ‬قال الإمام �أبو يو�سف �صاحب �أبي حنيفة رحمهما اهلل تعالى‪�« :‬أريدوا بعلمكم اهلل‬
‫تعالى‪ ،‬ف�إين مل �أجل�س يف جمل�س قط �أنوي فيه �أن �أتوا�ضع �إال مل �أقم حتى �أعلوهم‪،‬‬
‫ومل �أجل�س جمل�ساً قط �أنوي فيه �أن �أعلوهم �إال مل �أقم حتى �أفت�ضح»(‪.)36‬‬
‫‪ æ‬عن حمزة بن دهقان‪ ،‬قال‪ « :‬قلت لب�شر بن احلارث احلايف‪� :‬أحب �أن �أخلو معك!‪،‬‬
‫قال‪� :‬إذا �شئت‪ .‬فبكرت يوم ًا‪ ،‬فر�أيته قد دخل قبة‪ ،‬ف�صلى فيها �أربع ركعات ال �أُح�سن �أ�صلى‬
‫مثلها‪ ،‬ف�سمعته يقول يف �سجوده‪ :‬اللهم �إنك تعلم فوق عر�شك �أن الذل �أحب �إ َّ‬
‫يل من‬
‫يل من الغنى‪ ،‬اللهم �إنك تعلم‬ ‫ال�شرف‪ ،‬اللهم �إنك تعلم فوق عر�شك �أن الفقر �أحب �إ َّ‬
‫فوق عر�شك �أين ال �أ�ؤثر على حبك �شيئاً!‪ ،‬فلما �سمعته �أخذين ال�شهيق والبكاء!‪ ،‬فلما‬
‫(‪( )33‬تف�سري الفاحتة والبقرة) لل�شيخ حممد بن �صالح العثيمني (جـ‪� - 2 :‬ص‪.)126 :‬‬
‫(‪ )34‬رواه الإمام م�سلم يف �صحيحه برقم (‪.)2055‬‬
‫(‪� )35‬أوردها الذهبي يف (العلو) وقال الألباين يف (خمت�صر العلو) (�ص‪� :)277 - 276 :‬إ�سنادها �صحيح م�سل�سل باحلفاظ‪.‬‬
‫(‪( )36‬ب�ستان العارفني) البن �شرف الدين النووي (�ص‪.)54:‬‬
‫‪176‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫�سمعني‪ ،‬قال‪ :‬اللهم �أنت تعلم �أين لو �أعلم �أن هذا هاهنا مل �أتكلم!»(‪.)37‬‬
‫‪ æ‬قال الف�ضيل بن عيا�ض‪« :‬عاملوا اهلل بال�صدق يف ال�سر‪ ,‬ف�إن الرفيع من‬
‫رفعه اهلل‪ ،‬و�إذا �أحب اهلل عبدا �أ�سكن حمبته يف قلوب العباد»(‪.)38‬‬
‫قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية وهو يتحدث عن املُ ِنكرين ل�صفة ال ُع ُل ِّو هلل تعالى‪:‬‬ ‫‪æ‬‬
‫«لهذا جتد املُنكِر لهذه الق�ضية ُي ِق ُّر بها عند ال�ضرورة وال يلتفت �إلى ما اعتقدوه‬
‫من املعار�ض لها‪ ،‬فالنفاة لعل ِّو اهلل �إذا َح َز َب �أحدهم �شِ ّد ٌة؛ َو َّج َه قل َبه �إلى العل ِّو يدعو‬
‫اهلل!‪ ،‬ولقد كان عندي من ه�ؤالء النافني لهذا من هو من م�شايخهم وهو يطلب‬
‫مني حاجة‪ ،‬و�أنا �أخاطبه يف هذا املذهب ك�أين غري منكر له‪ ،‬و� ّأخرت ق�ضاء حاج َته‬
‫حتى �ضاق �صدره؛ فرفع طرفه ور�أ�سه �إلى ال�سماء وقال‪ :‬يا اهلل!‪ ،‬فقلت له‪� :‬أنت‬
‫حمق!‪ ،‬ملن ترفع َط َر َفك ور�أ�سك؟!‪ ،‬وهل فوق عندك �أحد؟!‪ ،‬فقال‪� :‬أ�ستغفر اهلل‪،‬‬
‫ورجع عن ذلك ملّا تبني له �أن اعتقادَه ُيخالف ف ِْط َر َته‪ ،‬ثم بي ّنت له ف�ساد هذا القول؛‬
‫فتاب من ذلك‪ ،‬ورجع �إلى قول امل�سلمني امل�ستقر يف ف َِطرهم»(‪.)39‬‬
‫‪} æ‬ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ{[غافر‪ ،]37-36:‬قال ال�شيخ عبدالعزيز‬
‫رث مِ ن � ْأن تحُ �صى؛ ف ِْطر ّي ًة وعقل َّي ًة ونقل َّية‪ ،‬وهذا‬ ‫الطريفي‪« :‬الدالئل على عل ِّو اهلل �أك ُ‬
‫حل َيوان التي ال عقل لها َتعرف عل َّو ر ِّبها؛ ف�إنها � ّإن‬ ‫ال يقت�ص ُر على العقول‪ ،‬بل ف َِط ُر ا َ‬
‫�ش َكتْ ؛ �س َمتْ ورفعت َب َ�ص َرها �إلى ال�سماء‪ ،‬حتى �إ َّن فرعون ـ مع عنا ِد ِه وكف ِر ِه وا�ستهزا ِئ ِه‬
‫توجه �إلى العل ِّو؛ ُيرِي ُد االطالع �إلى �إل ِه مو�سى‪ ،‬وما يكو ُن هذا �إال لأ َّنه يُ�ؤمِ ُن �أ َّن الإل َه‬
‫َّ‬
‫جح ُدهُ‪ْ � :‬إن ُوجِ دَ‪ ،‬فلن يكون �إال يف ال�سماء‪ ،‬و�أن مو�سى قال له ذلك‪ ،‬وما �أنكر‬ ‫الذي َي َ‬
‫على مو�سى مكا َنه‪ ،‬ولك َّنه �أن َك َر وجودَه؛ لأنه لو كان موجوداً‪ ،‬فلن يكون يف غري ال ُع ُل ِّو‪.‬‬
‫وج َد يف ف ِْط َر ِت ِه َرغب ًة ِّ‬
‫ببث‬ ‫وما من �إن�سانٍ مهما كان دِي ُنه ا�شتكى الظل َم والقه َر‪� ،‬إال َ‬
‫�شكوا ُه �إلى ال�سماء‪ ،‬ومناجا ِة م َْن فيها‪ ،‬ولو كان قد تد َّين بخالف ذلك»(‪.)40‬‬
‫(‪�( )37‬سري �أعالم النبالء) للإمام الذهبي (�ص‪.)1205 :‬‬
‫(‪( )38‬حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ‪� – 8 :‬ص‪.)88 :‬‬
‫(‪( )39‬درء تعار�ض العقل والنقل) ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية (جـ‪� – 6:‬ص‪.)344 – 343 :‬‬
‫(‪( )40‬املغربية يف �شرح العقيدة القريوانية) لل�شيخ عبدالعزيز الطريفي (�ص‪.)106 - 105 :‬‬
‫ير‬
‫ص ُ‬‫يع ‪ -‬ال َب ِ‬
‫السمِ ُ‬ ‫الح ُّ‬
‫ي ‪َّ -‬‬ ‫المجموعة الثامنة ‪َ :‬‬ ‫‪177‬‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ ‪ 8‬ـــــــــة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬الحْ َ َيا ُة‬
‫(‪)26 - 25 - 24‬‬
‫ري‬
‫يع ‪ -‬ال َب ِ�ص ُ‬ ‫ال�س ِم ُ‬ ‫ا َ‬
‫حل ُّي ‪َّ -‬‬
‫‪178‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الـمجـمـوعـ‪8‬ـة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬الحْ َ َيا ُة‬
‫(‪)26 - 25 - 24‬‬
‫ري‬
‫ِيع ‪ -‬ال َب ِ�ص ُ‬
‫ال�سم ُ‬ ‫ا َ‬
‫حل ُّي ‪َّ -‬‬
‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫حل ُّي‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 5‬مرات)‪ ،‬منها قوله تعالى‪ }:‬ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫ﭙ{[�آل عمران‪ ،]2:‬وقوله تعالى‪}:‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ{ [الفرقان‪،]58:‬‬
‫اللهم لك �أ�سلمت وبك‬ ‫ومن ال�سنة حديث ابن عبا�س �أن ر�سول اهلل ‪ ¤‬كان يقول‪ّ ( :‬‬
‫�آمنت‪ ،‬وعليك تو ّكلت‪ ،‬و�إليك �أنبت‪ ،‬وبك خا�صمت‪ّ ،‬‬
‫اللهم �إنيّ �أعوذ بعزّ تك‪ ،‬ال �إله �إ ّال‬
‫واجلن والإن�س ميوتون)(‪.)1‬‬‫ّ‬ ‫�أنت؛ �أن ت�ضلني‪� ،‬أنت الحْ َ ُّي الذي ال ميوت‪،‬‬
‫ِيع‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 45‬مرة)‪ ،‬منها قوله تعالى‪ } :‬ﭡ ﭢ‬ ‫ال�سم ُ‬ ‫‪َّ æ‬‬
‫ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ{[ال�شورى ‪ ،] 11 :‬ومن ال�سنة قوله ‪�( :¤‬أيها النا�س‪،‬‬
‫ولكن تدعون �سميع ًا ب�صري ًا)(‪.)2‬‬‫أ�صم وال غائب ًا‪ْ ،‬‬
‫ار َبعوا على �أن ُف ِ�سكم ف�إنكم ال َت ْدعونَ � َّ‬
‫ري‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 42‬مرة)‪ ،‬منها قوله تعالى‪ }:‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬ ‫‪ æ‬ال َب ِ�ص ُ‬
‫ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ{[الن�ساء‪ .]58:‬ومن ال�سنة قوله ‪�( :¤‬أيها النا�س‪ ،‬ار َبعوا على‬
‫ولكن تدعون �سميع ًا ب�صري ًا)(‪.)3‬‬
‫أ�صم وال غائب ًا‪ْ ،‬‬
‫�أن ُف ِ�سكم ف�إنكم ال َت ْدعونَ � َّ‬
‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬
‫‪æ‬ا َ‬
‫حل ُّي‪�« :‬صفة م�شبهة للمو�صوف باحلياة‪ ،‬فعله َح َّي َي َح ُّي حياة‪ ،‬وا َ‬
‫حل ُّي من‬
‫نقي�ض امليت»(‪ ،)4‬قال الزجاجي‪« :‬فاهلل احلي الباقي الذي ال يجوز عليه‬ ‫كل �شيء ُ‬
‫(‪ )1‬رواه م�سلم برقم (‪.)2717‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري برقم (‪.)2830‬‬
‫(‪ )3‬املرجع ال�سابق‪.‬‬
‫(‪�( )4‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪.)406 :‬‬
‫ير‬
‫ص ُ‬‫يع ‪ -‬ال َب ِ‬
‫السمِ ُ‬ ‫الح ُّ‬
‫ي ‪َّ -‬‬ ‫المجموعة الثامنة ‪َ :‬‬ ‫‪179‬‬

‫ريا»(‪.)5‬‬
‫وتعالى عن ذلك عل ًوا كب ً‬ ‫املوت وال الفناء‪،‬‬
‫ِيع ‪« :‬من �أ ْبنِي ِة املُبالغة‪ ،‬فعله �سَ مِ َع ي�سَ ْمع �سَ معا»(‪ ،)6‬وال�سمع يراد به‬
‫ال�سم ُ‬
‫‪َّ æ‬‬
‫ال�سمِ ي ُع) املدرك للأ�صوات التي يدركها املخلوقون‬ ‫�إدراك الأ�صوات‪ ،‬قال احلليمي‪َّ (« :‬‬
‫ب�آذانهم»(‪.)7‬‬
‫‪ æ‬ال َب ِ�ص ُري‪�« :‬صفة م�شبهة للمو�صوف بال َب َ�صر‪ ،‬فعله َب ُ�ص َر ُي ِ‬
‫ب�ص ُر َب َ�صراً فهو‬
‫ب�صري»(‪« ،)8‬والب�صري ‪�-‬سبحانه‪ -‬هو املت�صف بالب�صر‪ ،‬والب�صر �صفة من �صفات‬
‫ذاته‪ ،‬تليق بجالله‪ ،‬يجب �إثباتها هلل دون متثيل �أو تكييف‪� ،‬أو تعطيل �أو حتريف‪ ،‬فهو‬
‫الذي يب�صر جميع املوجودات يف عامل الغيب وال�شهادة‪ ،‬ويرى الأ�شياء كلها مهما‬
‫خفيت �أو ظهرت ومهما دقت �أو عظمت»(‪ ،)9‬يقول ابن القيم‪« :‬الذي لكمال ب�صره يرى‬
‫تفا�صيل خلق الذرة ال�صغرية‪ ،‬و�أع�ضاءها وحلمها ودمها وخمها وعروقها‪ ،‬ويرى‬
‫دبيبها على ال�صخرة ال�صماء‪ ،‬يف الليلة الظلماء‪ ،‬ويرى ما حتت الأر�ضني ال�سبع‪ ،‬كما‬
‫يرى ما فوق ال�سموات ال�سبع»(‪.)10‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬
‫حل ُّي‪« :‬الدائم الذي ال ميوت‪ ،‬وال يبيد‪ ،‬وال يفنى»(‪ ،)11‬قال ابن جرير‪:‬‬ ‫‪ æ‬ا َ‬
‫«(ا َ‬
‫حل ُّي)‪ ،‬الذي له احلياة الدائمة‪ ،‬والبقاء الذي ال �أول له بحد‪ ،‬وال �آخر له ب�أمد‪� ،‬إذ‬
‫كان كل ما �سواه ف�إنه و�إن كان حيا فلحياته �أول حمدود‪ ،‬و�آخر ممدود‪ ،‬ينقطع بانقطاع‬
‫�أمدها‪ ،‬وينق�ضي بانق�ضاء غايتها»(‪ ،)12‬وقال اخلطابي‪(« :‬ا َ‬
‫حل ُّي) الذي مل يزل موجوداً‪،‬‬
‫(‪( )5‬ا�شتقاق الأ�سماء) للزجاجي (�ص‪.)102 :‬‬
‫(‪�( )6‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪.)318 :‬‬
‫(‪( )7‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪.)120 :‬‬
‫(‪ )8‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ب �ص ر)‪.‬‬
‫(‪�( )9‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪.)326 :‬‬
‫(‪( )10‬طريق الهجرتني وباب ال�سعادتني) البن القيم (�ص‪.)107 :‬‬
‫(‪( )11‬تف�سري الطربي) عند تف�سري الآية (‪ )1‬من �سورة �آل عمران‪ ،‬والقول البن جرير الطربي‪.‬‬
‫(‪( )12‬جامع البيان يف ت�أويل القر�آن) البن جرير الطربي عند تف�سري الآية (‪ )255‬من �سورة (البقرة)‪.‬‬
‫‪180‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫وباحلياة مو�صوفاً‪ ،‬مل حتدث له حياة بعد موت‪ ،‬وال يعرت�ضه املوت بعد احلياة‪ ،‬و�سائر‬
‫الأحياء َي ْعرتيهم املوت �أو العدم يف �أحد طريف احلياة �أو فيهما معاً ‪ }:‬ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫حل ُ ّي) الذي له جميع معاين‬ ‫ﮙ ﮚ{ [الق�ص�ص‪ ،)13(»]88:‬وقال ال�شيخ ال�سعدي‪(« :‬ا َ‬
‫احلياة الكاملة‪ ،‬من ال�سمع والب�صر والقدرة والإرادة وغريها‪ ،‬وال�صفات الذاتية»(‪،)14‬‬
‫حل ُّي) املو�صوف باحلياة الكاملة الأبدية‪ ،‬التي ال يلحقها موت وال فناء؛‬ ‫وقال الهرا�س‪(« :‬ا َ‬
‫لأنها ذاتية له ‪�-‬سبحانه»(‪.)15‬‬
‫ِيع‪« :‬ال�سميع ملا تنطق به خلقه من قول»(‪ ،)16‬قال ابن القيم‪:‬‬ ‫ال�سم ُ‬‫‪َّ æ‬‬
‫ال�سمِ ي ُع) الذي ي�سمع �ضجيج الأ�صوات‪ ،‬باختالف اللغات‪ ،‬على تفنن احلاجات‪،‬‬ ‫«( َّ‬
‫يف �أقطار الأر�ض وال�سماوات‪ ،‬فال ي�شتبه عليه‪ ،‬وال يختلط‪ ،‬وال يلتب�س‪ ،‬وال ُي ُ‬
‫غلط ُه‬
‫ال�سمِ ي ُع) الذي ي�سمع ال�سر والنجوى‪� ،‬سوا ٌء عنده‬ ‫�سمع»(‪ ،)17‬ويقول اخلطابي‪َّ (« :‬‬
‫اجلهر واخلفوت‪ ،‬والنطق وال�سكوت‪ ،‬وقد يكون ال�سماع مبعنى القبول والإجابة»(‪.)18‬‬
‫ال�سمِ ي ُع) الذي ي�سمع جميع الأ�صوات باختالف اللغات على‬ ‫وقال ال�شيخ ال�سعدي‪َّ (« :‬‬
‫تفنن احلاجات»(‪.)19‬‬
‫ري ‪« :‬الذي �أحاط ب�صره بجميع املب�صرات»(‪ ،)20‬قال ابن القيم‪:‬‬ ‫‪ æ‬ال َب ِ�ص ُ‬
‫ري) الذي يرى دبيب النملة ال�سوداء‪ ،‬على ال�صخرة ال�صماء‪ ،‬حتت �أطباق‬ ‫«(ال َب ِ�ص ُ‬
‫ري) املدرك للأ�شخا�ص‬ ‫الأر�ض‪ ،‬يف الليلة الظلماء»(‪ ،)21‬وقال احلليمي‪(« :‬ال َب ِ�ص ُ‬
‫ري) الذي‬‫والألوان التي يدركها املخلوقون ب�أب�صارهم»(‪ .)22‬وقال ال�سعدي‪(« :‬ال َب ِ�ص ُ‬
‫يب�صر كل �شيء و�إن رق �أو �صغر ‪ ،)23(»..‬وقال الهرا�س‪( « :‬الب�صري) املدرك جلميع‬
‫(‪�( )13‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)80:‬‬
‫(‪ )14‬تف�سري ال�سعدي عند تف�سري الآية (‪ )254‬من �سورة البقرة‪.‬‬
‫(‪�( )15‬شرح الق�صيدة النونية) للدكتور حممد خليل هرا�س (جـ‪� - 2:‬ص‪.)112 :‬‬
‫(‪()16‬تف�سري الطربي) عند تف�سري الآية (‪ )11‬من �سورة ال�شورى‪.‬‬
‫(‪( )17‬ال�صواعق املر�سلة) البن القيم (جـ‪� - 3 :‬ص‪.)1083 :‬‬
‫(‪�( )18‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)59:‬‬
‫(‪ )19‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)17 :‬‬
‫(‪( )20‬املرتع الأ�سنى ‪ ..‬من كتب ابن القيم) لعبد العزيز الداخل (�ص‪.)445 :‬‬
‫(‪( )21‬ال�صواعق املر�سلة) البن القيم (جـ‪� - 3 :‬ص‪.)1083 :‬‬
‫(‪( )22‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪.)122 :‬‬
‫(‪ )23‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)17 :‬‬
‫ير‬
‫ص ُ‬‫يع ‪ -‬ال َب ِ‬
‫السمِ ُ‬ ‫الح ُّ‬
‫ي ‪َّ -‬‬ ‫المجموعة الثامنة ‪َ :‬‬ ‫‪181‬‬

‫املرئيات من الأ�شخا�ص والألوان مهما لطفت �أو بعدت‪ ،‬فال ت�ؤثر على ر�ؤيته‬
‫احلواجز والأ�ستار» (‪.)24‬‬
‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬
‫ِيع ال َب ِ�ص ُري‪ :‬الفروق وا�ضحة بني الأ�سماء‪ ،‬فـ (ا َ‬
‫حل ُّي) الذي له جميع‬ ‫ال�سم ُ‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫حل ُّي َّ‬
‫ال�سمِ ي ُع) املدرك جلميع امل�سموعات‪ ،‬الذي‬
‫معاين احلياة‪ ،‬التي ال يلحقها موت وال فناء‪ ،‬و( َّ‬
‫ري) املدرك‬
‫�أحاط �سمعه بجميع الأ�صوات‪ ،‬على اختالف اللغات‪ ،‬وتفنن احلاالت‪ ،‬و(ال َب ِ�ص ُ‬
‫جلميع املب�صرات‪ ،‬الذي �أحاط ب�صره بكل �شيء من خلقه‪.‬‬
‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬
‫‪æ‬ا َ‬
‫حل ُّي‪ :‬ال�صفات امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ا َ‬
‫حل ّي) «�صفة (الحَْ َياة) وهي‬
‫�صف ٌة ذات َّي ٌة ثابت ٌة هلل ‪َ -‬ع َّز وج َّل‪ -‬بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)25‬قال تعالى‪} :‬ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ{[الفرقان‪ ،]58:‬ومن ال�سنة قوله ‪� ...(:¤‬أنت احلي الذي ال ميوت‪،‬‬
‫واجلن والإن�س ميوتون)(‪.)26‬‬
‫ِيع‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه ( َّ‬
‫ال�سمِ يع) «�صفة ( َّ‬
‫ال�س ْم ِع) وهي‬ ‫ال�سم ُ‬
‫‪َّ æ‬‬
‫�صف ٌة ذات َّي ٌة ثابت ٌة هلل ‪َ -‬ع َّز وج َّل‪ -‬بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)27‬قال تعالى‪ }:‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ{[املجادلة‪،]1:‬‬
‫ومن ال�سنة قوله ‪ ..( :¤‬فناداين ملك اجلبال‪ ،‬ف�سلم علي‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا حممد‪� ،‬إن اهلل‬
‫قد �سمع قول قومك‪ ،‬و�أنا ملك اجلبال ‪.)28()..‬‬
‫‪ æ‬ال َب ِ�ص ُري‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال َب ِ�صري) «�صفة (ال َب َ�صرِ) وهي‬
‫(‪�( )24‬شرح العقيدة الوا�سطية) ملحمد بن خليل ه ّرا�س (�ص‪.)97 :‬‬
‫(‪�( )25‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)109 :‬‬
‫(‪ )26‬رواه م�سلم برقم (‪.)2717‬‬
‫(‪�( )27‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)149 :‬‬
‫(‪ )28‬متفق عليه‪ :‬رواه البخاري برقم (‪ ،)3231‬وم�سلم برقم (‪.)1795‬‬
‫‪182‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫�صف ٌة ذات َّي ٌة ثابت ٌة هلل َع َّز وج َّل بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)29‬قال تعالى‪ }:‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ{[احلديد‪ ،]4:‬ومن ال�سنة قوله ‪ ¤‬للنا�س‪( :‬يا �أيها النا�س‪ ،‬اربعــوا‬
‫أ�صم وال غائب ًا‪ ،‬ولكن تدعون �سميع ًا َب�صري ًا‪.)30()...‬‬
‫على �أنف�سكم‪� ،‬إنكم ال تدعون � َّ‬
‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬
‫حل ّي) (‪ 3‬مرات) منها قوله تعالى‪:‬‬ ‫‪ æ‬ال َق ُّي ُ‬
‫وم‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ا َ‬
‫} ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ{[طه ‪ ،]111 :‬وال�سر يف ذلك‬
‫‪ -‬واهلل �أعلم‪ -‬لت�ضمن هذين اال�سمني الكرميني معاين �أ�سماء اهلل و�صفاته و�أفعاله‪،‬‬
‫يقول ال�شيخ ال�سعدي‪(« :‬ا َ‬
‫حل ُّي) اجلامع ل�صفات الذات‪ ،‬و(ال َق ُّيو ُم) اجلامع ل�صفات‬
‫الأفعال»(‪ ،)31‬ويقول ابن القيم‪�« :‬إن احلياة مت�ضمنة جلميع �صفات الكمال‪ ،‬م�ستلزم ٌة‬
‫لها‪ ،‬و�صفة القيومية مت�ضمنة جلميع �صفات الأفعال؛ ولهذا كان ا�سم اهلل الأعظم‬
‫حل ُّي ال َق ُّيو ُم)»(‪ ،)32‬ويقول يف‬
‫الذي �إذا دُعي به �أجاب‪ ،‬و�إذا �سئل به �أعطى هو ا�سم (ا َ‬
‫مو�ضع �آخر‪�« :‬إن احلياة م�ستلزمة جلميع �صفات الكمال‪ ،‬وال يتخلف عنها �صفة منها‬
‫�إال ل�ضعف احلياة‪ ،‬ف�إذا كانت حياته �أكمل حياة و�أمتها ا�ستلزم �إثباتها �إثبات ك ِّل كمال‬
‫ُي�ضاد نفي كمال احلياة ‪ ..‬و�أما (ال َق ُّيو ُم) فهو مت�ضمن كمال غناه وكمال قدرته‪،‬‬
‫ف�إنه القائم بنف�سه‪ ،‬ال يحتاج �إلى من يقيمه بوجه من الوجوه‪ ،‬وهذا من كمال غناه‬
‫بنف�سه عما �سواه‪ ،‬وهو املقيم لغريه‪ ،‬فال قيام لغريه �إال ب�إقامته‪ ،‬وهذا من كمال‬
‫َ‬
‫امل�ستغيث‬ ‫قدرته وعزته‪ ،‬فانتظم هذان اال�سمان �صفات الكمال والغنى التام‪ ،‬فك�أن‬
‫م�ستغيث بكل ا�سم من �أ�سماء الرب ‪-‬تعالى‪ ،‬وبكل �صفة من �صفاته‪ ،‬فما �أولى‬ ‫ٌ‬ ‫بهما‬
‫اال�ستغاثة بهذين اال�سمني �أن يكونا يف مظنة تفريج الكربات‪ ،‬و�إغاثة اللهفان‪ ،‬و�إنالة‬
‫الطلبات»(‪.)33‬‬
‫(‪�( )29‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)69 :‬‬
‫(‪ )30‬رواه البخاري برقم (‪.)2830‬‬
‫(‪ )32‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)19 :‬‬
‫(‪( )32‬املرتع الأ�سنى ‪ ..‬من كتب ابن القيم) لعبد العزيز الداخل (�ص‪.)275 :‬‬
‫(‪( )33‬بدائع الفوائد) البن القيم (جـ‪� - 2 :‬ص‪.)184 :‬‬
‫ير‬
‫ص ُ‬‫يع ‪ -‬ال َب ِ‬
‫السمِ ُ‬ ‫الح ُّ‬
‫ي ‪َّ -‬‬ ‫المجموعة الثامنة ‪َ :‬‬ ‫‪183‬‬

‫ري‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه �سبحانه ( َّ‬


‫ال�سمِ يع) (‪ 10‬مرات) منها قول اهلل‬ ‫ال َب ِ�ص ُ‬ ‫‪æ‬‬
‫تعالى‪}:‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ{[احلج‪ ،]75:‬وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬للإ�شارة �إلى «�إحكام الرقابة‪ ،‬على‬
‫الأقوال والأفعال‪ ،‬والإحاطة التامة للمخلوقات كلها‪ ،‬و�أن اهلل حميط بها‪ ،‬ال يفوته‬
‫�شيء منهم‪ ،‬وال يخفى عليه من �أمورهم �شيء‪ ،‬بل هم حتت �سمعه وب�صره»(‪ ،)34‬يقول‬
‫ابن القيم‪« :‬جرت عادة القر�آن بتهديد املخاطبني وحتذيرهم مبا يذكر ُه من �صفاتِه‬
‫التي تقت�ضي احلذ َر واال�ستقامة ‪ ..‬كقوله تعالى‪} :‬ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ{[الن�ساء‪ ،]134:‬والقر�آن مملو ٌء من‬
‫فيكون يف �ضمن ذلك‪� :‬أين �أ�سم ُع ما َير ّدون به َ‬
‫عليك‪ ،‬وما يقابلون به‬ ‫ُ‬ ‫هذا‪ ،‬وعلى هذا‬
‫ر�ساالتي‪ ،‬و�أب�ص ُر ما يفعلون»(‪.)35‬‬
‫يم‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه ( َّ‬
‫ال�سمِ يع) (‪ 32‬مرة) منها قوله تعالى‪:‬‬ ‫‪ æ‬ال َع ِل ُ‬
‫} ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ{[البقرة‪ ،]127:‬وال�سر يف ذلك ‪-‬واهلل �أعلم‪� -‬أن‬
‫«�صفة (ال�سمع) تنبئ ب�إحاطة ال�سمع بكل امل�سموعات ‪ ..‬و�صفة (العلم) تنبئ بتجاوز‬
‫(ال�سمع) حدود البعد املادي للم�سموعات ‪ -‬و�إن بلغ يف �إدراكها الغاية كما تقدم ‪-‬‬
‫فح�صل من اقرتان اال�سمني (ال�سميع العليم) �صفة كمال �أخرى‪ ،‬ود َُّل بهما على‬
‫�إحاطة �أمت ملا تقدم من �أن متعلق �صفة (العلم) �أو�سع من متعلق �صفة (ال�سمع)‪.‬‬
‫واملالحظ �أن ا�سم (ال�سميع) حيثما ورد مع ا�سم (العليم) ُق ِّد َم عليه‪ ،‬فالن�سق دائ ًما‪:‬‬
‫(ال�سميع العليم) وال عك�س‪ ،‬فال بد �أن يكون من وراء ذلك حكمة‪ُ ،‬ذكِر منها �أن‬
‫ال�سمع يتعلق بالأ�صوات‪ ،‬ومن �سمع �صوتك فهذا �أقرب �إليك يف العادة ممن يقال‬
‫لك �أنه يعلم ‪ -‬مهما بلغت درجة علمه ‪ -‬فذكر (ال�سميع) �أوقع يف التخويف من ذكر‬
‫(العليم) فهو �أولى بالتقدمي‪ ،‬وال يقت�صر الأمر على مقام التخويف‪ ،‬ف�إن لتقدمي‬
‫�صفة (ال�سميع) يف مقام الدعاء �أثره يف انطالق الل�سان بالدعاء والطلب وال�شكوى‬
‫(‪( )34‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪ ،)623 :‬وانظر (مطابقة �أ�سماء اهلل احل�سنى) د جنالء كردي (�ص‪.)283 :‬‬
‫(‪( )35‬بدائع الفوائد) البن القيم (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)73 :‬‬
‫‪184‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫حني ي�ست�شعر الداعي �أنه يخاطب من ي�سمعه وي�صغي �إلى جنواه»(‪ .)36‬ويقول ابن‬
‫القيم عن اقرتان (العليم) بـ (ال�سميع) يف قول اهلل تعالى‪} :‬ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ومعنى ُيق�صد‪ ،‬عقب ُه با�سم‬
‫ً‬ ‫ﭵ ﭶ{[البقرة‪« :]227:‬ف�إن الطالق ملَّا كان لفظاً ُي�سمع‪،‬‬
‫(ال�سميع) لل ُّنطق به (العليم) مب�ضمونه»(‪ ،)37‬وقال الرازي عند تف�سري قول اهلل تعالى‪:‬‬
‫}ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ‬
‫ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ{[البقرة‪ « :]137:‬ثم �إن اهلل تعالى ملا وعد نبيه ‪ ¤‬بالن�صرة‬
‫واملعونة على امل�شركني �أتبعه مبا يدل على �أن ما ي�سرون وما يعلنون من هذا الأمر‬
‫ال يخفى عليه تعالى فقال‪ } :‬ﮖ ﮗ ﮘ{ وفيه وجهان‪ ،‬الأول‪� :‬أنه وعيد‬
‫لهم‪ ،‬واملعنى �أنه يدرك ما ي�ضمرون ويقولون وهو عليم بكل �شيء فال يجوز لهم �أن‬
‫يقع منهم �أمر �إال وهو قادر على كفايته �إياهم فيه‪ ،‬والثاين‪� :‬أنه وعد للر�سول ‪،¤‬‬
‫يعني‪ :‬ي�سمع دعاءك ويعلم نيتك وهو ي�ستجيب لك ويو�صلك �إلى مرادك» (‪.)38‬‬
‫ال�سمِ يع) مرة واحدة يف قوله‬‫يب‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه ( َّ‬ ‫‪ æ‬ال َق ِر ُ‬
‫تعالى‪} :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ{ [�سب�أ‪ ،]50:‬وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬كما يقول القرطبي‪ }«:‬ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ{‪� :‬أي �سميع ممن دعاه‪ ،‬قريب الإجابة»(‪ ،)39‬ويقول ال�شيخ حممد متويل‬
‫ال�شعراوي‪ }«:‬ﭩ ﭪ ﭫ{ (�سَ مِ ي ٌع) �أي‪ :‬يعرف مطلوبي‪ ،‬وي�سمع مني كل‬
‫علي يف الإجابة»(‪.)40‬‬ ‫َن َف�س‪ ،‬وهو ‪�-‬سبحانه‪ -‬مع �سمعه ( َقر ٌ‬
‫ِيب) منى ال يبطئ ّ‬
‫‪� ‬سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫‪ æ‬الأثر االعتقادي‪:‬‬
‫هو احلي الباقي‪ ،‬الذي له جميع معاين احلياة الكاملة‪ ،‬وهي حياة غري م�سبوقة‬ ‫اهلل‬
‫(‪( )36‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪ ،)350- 349 :‬وانظر (مطابقة �أ�سماء اهلل احل�سنى) د جنالء‬
‫(‪( )37‬جالء الأفهام) البن القيم (�ص‪.)135 :‬‬ ‫كردي (�ص‪.)248 - 247 :‬‬
‫(‪ )38‬تف�سري (مفاتيح الغيب) للرازي عند تف�سري الآية (‪ )137‬من �سورة البقرة (بت�صرف ي�سري)‪.‬‬
‫(‪( )39‬تف�سري القرطبي) عند تف�سري االية (‪ )50‬من �سورة �سب�أ‪.‬‬
‫(‪ )40‬تف�سري (خواطر حممد متويل ال�شعراوي) (�سورة �سب�أ ‪ -‬الآية ‪.) 50‬‬
‫ير‬
‫ص ُ‬‫يع ‪ -‬ال َب ِ‬
‫السمِ ُ‬ ‫الح ُّ‬
‫ي ‪َّ -‬‬ ‫المجموعة الثامنة ‪َ :‬‬ ‫‪185‬‬

‫بعدم‪ ،‬وال يلحقها زوال وفناء‪ ،‬وال يعرتيها نق�ص وال عيب‪ ،‬وت�ستلزم كمال �صفاته ‪�-‬سبحانه؛ من‬
‫علمه و�سمعه وب�صره وقدرته و�إرادته ورحمته وفعله ما ي�شاء‪� ،‬إلى غري ذلك من �صفات كماله‪.‬‬
‫‪ æ‬الأثر العملي‪:‬‬
‫‪1.1‬حمبة اهلل و�إجالله وتوحيده‪ ،‬ليقني العبد ب�أن ربه له احلياة الكاملة التي‬
‫تت�ضمن جميع �صفات الكمال من ال�سمع والب�صر والقدرة والعلم وغريها‪ ،‬وما‬
‫يثمره ذلك يف القلب من االبتهاج واللذة وال�سرور‪ ،‬الذي ُت ْد َف ُع به الكروب‪،‬‬
‫والهموم‪ ،‬والغموم‪.‬‬
‫‪2.2‬التوكل ال�صادق على اهلل احلي ال�سميع الب�صري ‪ ،‬الذي له احلياة الكاملة‪ ،‬كما قال‬
‫�سبحانه‪} :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ{[الفرقان‪ ،]58:‬وقوله تعالى‪} :‬ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ{[ال�شعراء‪217:‬‬
‫‪ ،]219-‬واحلي الذي ال ميوت �أبدًا وال ت�أخذه �سنة وال نوم‪ ،‬هو اهلل ال�سميع الب�صري‬
‫�سبحانه‪ ،‬فال يكون التوكل ال�صادق �إال عليه وحده �سبحانه‪ ،‬فهو ذخر العبد وملج�أه‬
‫يف كل حني‪ ،‬وبالتايل يقطع امل�ؤمن تعلقه ورجاءه يف املخلوقني ال�ضعفاء‪ ،‬الذين ميوتون‬
‫وينامون ويغفلون وين�سون‪ ،‬وال ميلكون لأنف�سهم �ض ًرا وال نف ًعا ف�ض ًال عن �أن ميلكوه‬
‫لغريهم‪.‬‬
‫‪3.3‬الإخال�ص هلل ‪-‬تعالى‪ -‬يف جميع الأعمال‪ ،‬واللجوء �إليه يف حاجات الدنيا‬
‫والآخرة‪ ،‬لأنه ‪�-‬سبحانه‪ -‬ي�سمع كالمنا‪ ،‬ويرى مكاننا‪ ،‬ويعلم خائنـ ــة الأعني‬
‫ومـ ــا تخفي ال�صـ ــدور‪ ،‬كما قال �سبحانه‪} :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ {[ال�شعراء‪ ،]218:‬وكما قال ‪( :¤‬ثكلتك �أمك يا معاذ!‪،‬‬
‫وهل يكب النا�س يف النار على وجوههم �إال ح�صائد �أل�سنتهم)(‪.)41‬‬
‫واخلوف منه‪ ،‬حيث ال تخفى عليه خافية يف ليل �أو نهار‪ ،‬يف �سر �أو‬ ‫‪4.4‬مراقبة اهلل‬
‫(‪ )41‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)5136‬‬
‫‪186‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫�إعالن‪ ،‬يف باطن الأر�ض �أو على ظهرها‪ ،‬وهذا يثمر يف قلب امل�ؤمن خو ًفا من اهلل ‪،‬‬
‫ترتجمه الأع�ضاء واجلوارح �إلى عمل �صالح‪ ،‬فال ي�سمع وال يب�صر �إال ما يحبه اهلل‬
‫وير�ضاه‪ ،‬قال ‪ ¤‬فيما يرويه عن ربه‪( :‬وما تقرب �إيل عبدي ب�شيء �أحب �إيل‬
‫مما افرت�ضت عليه‪ ،‬وما يزال عبدي يتقرب �إيل بالنوافل حتى �أحبه‪ ،‬ف�إذا‬
‫�أحببته‪ ،‬كنت �سمعه الذي ي�سمع به‪ ،‬وب�صره الذي يب�صر به‪ ،‬ويده التي‬
‫يبط�ش بها‪ ،‬ورجله التي مي�شي بها ‪.)42()..‬‬
‫‪5.5‬ال�صرب على ما يالقيه العبد من �أذى اخللق وخا�صة من الكافرين واملنافقني‬
‫والفا�سقني؛ لأن اهلل ي�سمع كالمهم‪ ،‬ويرى مكانهم‪ ،‬وال يخفى عليه �أمرهم‪،‬‬
‫‪} :‬ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ‬ ‫كما قال ‪�-‬سبحانه‪ -‬ملو�سى وهارون‬
‫ﯣ ﯤ{[طه‪ ،]46 :‬والإميان بهذا يثمر يف القلب ال�صرب والر�ضى‬
‫والطم�أنينة واال�ستعانة به ‪�-‬سبحانه‪ ،‬وانتظار فرجه ون�صره‪ ،‬وعدم ا�ستبطاء‬
‫ذلك؛لأن اهلل ‪�-‬سبحانه‪ -‬ي�سمع ويرى ويعلم‪ ،‬ولكنه ميهل وال يهمل‪.‬‬
‫‪ ‬ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫ري) من الأ�سماء الدالة على �صفات اهلل الذاتية‬ ‫ال�سمِ ي ُع ‪ -‬ال َب ِ�ص ُ‬ ‫(ا َ‬
‫حل ُّي ‪َّ -‬‬
‫وال�س ْمع وال َب َ�صر)‪ ،‬وهي �صفات ذات‪ ،‬مل يزل ‪-‬وال يزال‪ -‬اهلل مت�صف ًا بها‪ ،‬وال‬
‫(الحَْ َياة َّ‬
‫تعلق لها بامل�شيئة؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل‪ ،‬والتو�سل �إليه‪ ،‬والثناء عليه بها‪ ،‬يف‬
‫جميع �أغرا�ض الدعاء وحاجات العبد ‪..‬وقد حفل القر�آن الكرمي بنماذج كثرية للدعاء‬
‫والثناء بهذه الأ�سماء؛ قال ‪-‬تعالى‪ -‬داعي ًا عباده �إلى دعائه‪} :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ{[غافر‪ ،]65:‬وقال تعالى‪:‬‬
‫} ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ{[البقرة‪ ،]127:‬وقوله تعالى‪ } :‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ‬
‫(‪ )42‬رواه البخاري برقم (‪.)6502‬‬
‫ير‬
‫ص ُ‬‫يع ‪ -‬ال َب ِ‬
‫السمِ ُ‬ ‫الح ُّ‬
‫ي ‪َّ -‬‬ ‫المجموعة الثامنة ‪َ :‬‬ ‫‪187‬‬

‫ﭠ ﭡ{[�آل عمران‪ ،]38:‬وقوله تعالى‪} :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬


‫ﯟﯠﯡﯢﯣ ﯤ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ‬
‫ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ{[طه‪،]36 -25 :‬‬
‫ومما جاء عن نبينا ‪ ¤‬قوله ‪( :‬من قال �أ�ستغفر اهلل الذي ال �إله �إال هو احلي القيوم‬
‫و�أتوب �إليه ُغفر له و�إن كان قد فر من الزحف)(‪ ،)43‬وق�صة الرجل الذي �صلى ثم‬
‫دعا بقوله‪« :‬ال َّلهم �إين �أ�س�ألك ب�أن لك احلمد ال �إله �إال �أنت املنان‪ ،‬بديع ال�سماوات‬
‫والأر�ض‪ ،‬ياذا اجلالل والإكرام‪ ،‬يا (حي) يا (قيوم)»‪ ،‬فقال النبي ‪( :¤‬لقد دعا‬
‫اهلل با�سمه الأعظم‪ ،‬الذي �إذا ُدعي به �أجاب‪ ،‬و�إذا ُ�سئل به �أعطى)(‪.)44‬‬
‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬
‫‪ æ‬عن عائ�شة قالت‪« :‬تبارك الذي و�سع �سمعه كل �شيء‪� ،‬إين لأ�سمع كالم‬
‫علي بع�ضه‪ ،‬وهي ت�شتكي زوجها �إلى ر�سول اهلل ‪ ¤‬وهي‬ ‫خولة بنت ثعلبة ويخفى َّ‬
‫تقول‪ :‬يا ر�سول اهلل‪� ،‬أكل �شبابي‪ ،‬ونرثت له بطني‪ ،‬حتى �إذا كربت �سني‪ ،‬وانقطع‬
‫ولدي‪ ،‬ظاهر مني‪ ،‬اللهـ ــم �إين �أ�شكـ ــو �إليـ ـ ــك‪ .‬فم ـ ــا برحت حتى نزل جربائيل به�ؤالء‬
‫الآيات‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ{[املجادلة‪.)45(»]1:‬‬
‫‪ æ‬كان علبة بن زيد بن عمرو الأن�صاري ‹‪ ،‬رج ًال من �أ�صحاب النبي ‪ ¤‬وكان من‬
‫لنا�س على ال�صدقة‪ ،‬قال علبة بن زيد ‪ :‬اللهم �إنه‬
‫فقراء الأن�صار‪ ،‬فلما ح�ض النبي ‪ ¤‬ا َ‬
‫لي�س عندي ما �أت�صدق به �إال و�سادة ح�شوها ليف ودلو �أ�ستقي به‪ ،‬اللهم �إين �أت�صدق‬
‫بعر�ضي على من ناله من خلقك‪ .‬ف�أمر النبي ‪ ¤‬مناديا فنادى‪� :‬أين املت�صدق بعر�ضه‬
‫(‪ )43‬رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف �صحيح �أبي داود برقم (‪.)1517‬‬
‫(‪ )44‬رواه الرتمـذي و�صـححـه الألباين يف �صـحيح الرتمـذي برقم (‪.)2763‬‬
‫(‪ )45‬رواه ابن ماجة و�صححه الألباين يف �صحيح ابن ماجة برقم (‪.)1691‬‬
‫‪188‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫البارحة؟‪ ،‬فقام علبة بن زيد‪ ،‬فقال له ر�سول اهلل ‪�( :¤‬إن اهلل قد َق ِبل �صدَ َقتك)(‪.)46‬‬

‫‪ æ‬عن قتادة قال‪ :‬خرج عمر بن اخلطاب ‹ من امل�سجد ومعه اجلارود العبدي‪،‬‬
‫ف�إذا بامر�أة َب ِرزة على ظهر الطريق‪ ،‬ف�سلم عليها عمر فردت عليه ال�سالم‪ .‬فقالت ‪ :‬هيها‬
‫يا عمر!‪ ،‬عهدتك و�أنت ت�سمى عمرياً يف �سوق عكاظ ترع ال�صبيان بع�صاك‪ ،‬فلم‬
‫تذهب الأيام حتى �سُ ميت عمر‪ ،‬ثم مل تذهب الأيام حتى �سميت �أمري امل�ؤمنني‪،‬‬
‫فاتق اهلل يف الرعية‪ ،‬واعلم �أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد‪ ،‬ومن خاف‬
‫أكرثت على �أمري امل�ؤمنني �أيتها املر�أة!‪ .‬فقال عمر‪:‬‬
‫املوت خ�شي الفوت‪ .‬فقال اجلارود‪ :‬قد � ِ‬
‫دعها‪� ،‬أما تعرفها؟! هذه خولة بنت حكيم امر�أة عبادة بن ال�صامت ‪ ،‬التي �سمع‬
‫اهلل قولها من فوق �سبع �سماوات‪ ،‬ف�أنزل فيها‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ{[املجادلة‪ ،]1:‬فعمر‬
‫�أحق واهلل �أن ي�سمع لها»(‪.)47‬‬

‫‪ æ‬ورد يف بع�ض الإ�سرائيليات‪ :‬يقول اهلل ‪�« :‬أي�ؤمل غريي لل�شدائد‪ ،‬وال�شدائد‬
‫بيدي و�أنا احلي القيوم؟!‪ ،‬ويرجى غريي‪ ،‬ويطرق بابه بالبكرات‪ ،‬وبيدي مفاتيح‬
‫اخلزائن‪ ،‬وبابي مفتوح ملن دعاين؟!‪ ،‬من ذا الذي �أ َّملني لنائبة فقطعت به؟!‪� ،‬أو‬
‫من ذا الذي رجاين لعظيم فقطعت رجاءه؟!‪� ،‬أو من ذا الذي طرق بابي فلم �أفتحه‬
‫فيبخ ُلني عبدي؟!‪،‬‬ ‫له؟!‪� ،‬أنا غاية الآمال‪ ،‬فكيف تنقطع الآمال دوين؟!‪� ،‬أبخيل �أنا ِّ‬
‫�ألي�س الدنيا والآخرة والكرم والف�ضل كله يل؟!‪ ،‬فما مينع امل�ؤ ِّملني �أن ي�ؤ َّملوين؟!‪ ،‬لو‬
‫جمعت �أهل ال�سموات والأر�ض‪ ،‬ثم �أعطيت كل واحد منهم ما �أعطيت اجلميع‪ ،‬وبلَّغت‬
‫واحد �أم َله‪ ،‬مل ينق�ص ذلك من ملكي ع�ضو ذرة‪ ،‬فكيف ينق�ص ملك �أنا ق ِّي ُمه؟!‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬
‫فيا ب�ؤ�س ًا للقانطني من رحمتي‪ ،‬ويا ب�ؤ�س ًا ملن ع�صاين وتو َّثب على حمارمي»(‪.)48‬‬
‫(‪ )46‬رواه ابن حجر الع�سقالين يف (نتائج الأفكار يف تخريج �أحاديث الأذكار)‪.‬‬
‫(‪ )47‬رواه ابن القيم يف (خمت�صر ال�صواعق)‪ ,‬واحلافظ بن حجر يف الإ�صابة و�ضعفه الألباين يف (�شرح الطحاوية) برقم (‪.)284‬‬
‫(‪( )48‬جامع العلوم احلكم) البن رجب احلنبلي (�ص‪( & )526:‬حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) للأ�صفهاين (جـ‪– 10:‬‬
‫�ص‪.)187:‬‬
‫ير‬
‫ص ُ‬‫يع ‪ -‬ال َب ِ‬
‫السمِ ُ‬ ‫الح ُّ‬
‫ي ‪َّ -‬‬ ‫المجموعة الثامنة ‪َ :‬‬ ‫‪189‬‬

‫‪ æ‬قر�أ �سليمان اخلوا�ص قول اهلل تعالى‪} :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬


‫ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ {[الفرقان‪ ،]58:‬فقال‪« :‬ما ينبغي‬
‫للعبد بعد هذه الآية �أن يلج�أ �إلى �أحد غري اهلل تعالى»(‪.)49‬‬
‫‪ æ‬قال حامت الأ�صم‪« :‬تعاهد نف�سك يف ثالث موا�ضع‪� :‬إذا عملت فاذكر نظر اهلل‬
‫‪-‬تعالى‪� -‬إليك‪ ،‬و�إذا تكلمت فاذكر �سمع اهلل منك‪ ،‬و�إذا �سكت فاذكر علم اهلل فيك»(‪.)50‬‬
‫‪� æ‬سئل اجلنيد‪ :‬مب ي�ستعان على غ�ض الب�صر؟ قال‪« :‬بعلمك �أن نظر اهلل �إليك‬
‫أ�سبق من نظرك �إلى ما تنظر»(‪.)51‬‬ ‫� ُ‬
‫‪ æ‬كان �صلة بن �أ�شيم ي�أكل يوما‪ ،‬فجاءه رجل وقال له‪ :‬مات �أخوك! فقال‪« :‬هيهات‪،‬‬
‫إلى!‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬ما �سبقني �إليك �أحد! فقال‪ :‬قال اهلل‪} :‬ﰁ ﰂ ﰃ‬ ‫قد نعى � َّ‬
‫ﰄ{[الزمر‪.)52(»]30:‬‬
‫‪ æ‬كان بكر بن عبداهلل املزين يدعو ملن يلقى من �إخوانه فيقول له‪« :‬زهدنا اهلل و�إياك زهادة‬
‫من �أمكنه احلرام والذنوب يف اخللوات فعلم �أن اهلل �سبحانه وتعالى يراه فرتكه»(‪.)53‬‬
‫‪ æ‬قال احل�سن بن علي الدامغاين الواعظ‪� :‬سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول‪« :‬ومن يل مبثل‬
‫أدبرت ناداين‪ ،‬و�إن �أقبلتُ ناجاين‪ ،‬و�إن ُ‬
‫دعوت ل َّباين‪ ،‬ح�سبي ربي‪ ،‬و�أن�ش�أ َي ُق ُ‬
‫ول‪:‬‬ ‫ربي؟ �إن � ُ‬
‫وح�سبي بقا ُء اهلل من ك ِّل هالكِ‬ ‫ ‬ ‫ح�سبي حيا ُة اهلل من ك ِّل َميت‬
‫ف�إن �سرو َر النف�س فيما هنالك»(‪)54‬‬ ‫ ‬ ‫�إذا ما لقيتُ اهلل عني را�ض ًيا‬
‫‪ æ‬قال ابن تيمية‪ « :‬كلما قويَ طمع العبد يف ف�ضل اللهّ ورحمته‪ ،‬ورجائه لق�ضاء‬
‫حاجته‪ ،‬ودفع �ضرورته؛ قويت عبوديته له وحريته مما �سواه‪ ،‬فكما �أن طمعه يف‬
‫(‪�( )49‬إحياء علوم الدين)لأبي حامد الغزايل (جـ‪� – 4 :‬ص‪ )239 :‬يف بيان ف�ضيلة التوكل‪.‬‬
‫(‪( )50‬حلية الأولياء) للأ�صفهاين (جـ‪� - 8 :‬ص‪.)75 :‬‬
‫(‪( )51‬كتاب التوحيد) للإمام ابن رجب احلنبلي (�ص‪.)77 :‬‬
‫(‪( )52‬رو�ضة العقالء ونزهة الف�ضالء) لأبي حامت حممد بن حبان الب�ستي (�ص‪.)163 :‬‬
‫(‪( )53‬حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ‪� – 6 :‬ص‪.)303 :‬‬
‫(‪()54‬تاريخ بغداد) للخطيب البغدادي (جـ‪� – 14:‬ص‪.)211-210:‬‬
‫‪190‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫املخلوق يوجب عبوديته له‪ ،‬في�أ�سه منه يوجب غنى قلبه عنه‏‪ ،‬كما قيل‏‪ :‬ا�ستغن‬
‫عمن �شئت تكن نظريه‪ ،‬و�أف�ضل على من �شئت تكن �أمريه‪ ،‬واحتج �إلى من �شئت تكن‬
‫�أ�سريه‪،‬‏ فكذلك طمع العبد يف ربه‪ ،‬ورجا�ؤه له يوجب عبوديته له‪ ،‬و�إعرا�ض قلبه‬
‫عن الطلب من غري اللهّ ‪ ،‬والرجاء له يوجب ان�صراف قلبه عن العبودية للهّ ‪ ،‬ال�سيما‬
‫من كان يرجو املخلوق وال يرجو اخلالق‪ ،‬بحيث يكون قلبه معتمدًا �إما على رئا�سته‬
‫وجنوده و�أتباعه ومماليكه‪ ،‬و�إما على �أهله و�أ�صدقائه‪ ،‬و�إما على �أمواله وذخائره‪،‬‬
‫و�إما على �ساداته وكربائه‪ ،‬كمالكه وملكه‪ ،‬و�شيخه وخمدومه وغريهم‪ ،‬ممن هو‬
‫قد مات �أو ميوت‏‪.‬‏ قال تعالى‏‪:‬‏}ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ {[الفرقان‪]58:‬‏‏‪ ،‬وكل من ع ّلق قلبه باملخلوقات‬
‫�أن ين�صروه‪� ،‬أو يرزقوه‪� ،‬أو �أن يهدوه خ�ضع قلبه لهم‪ ،‬و�صار فيه من العبودية لهم‬
‫ريا لهم مدب ًرا لهم مت�صر ًفا بهم‪ ،‬فالعاقل ينظر‬
‫بقدر ذلك‪ ،‬و�إن كان يف الظاهر �أم ً‬
‫�إلى احلقائق ال �إلى الظواهر»(‪.)55‬‬
‫يا من يرى مد البعو�ض جناحها(‪)56‬‬

‫يف ظلمة ِ ال��ل��ي��ل ِ البهيم ِ الأل��ي��ل ِ‬ ‫ي��ا َم���نْ َي���رى َم��� ّد البعو�ض جناحها‬
‫وامل�����خّ م���ن ت��ل��ك ال��ع��ظ��ام ال��ن ّ��ح��ل ِ‬ ‫وي� ��رى م �ن��اط ع��روق �ه��ا يف ن�ح��ره��ا‬
‫�لا م���ن م��ف�����ص��ل يف م��ف�����ص��ل ِ‬ ‫م��ت��ن��ق ً‬ ‫وي����رى خ���ري��� َر ال����دم ِ يف �أوداج���ه���ا‬
‫يف ظ��ل��م��ة الأح�������ش���ا ب���غ�ي�ر مت���ق���ل ِ‬ ‫وي���رى و���ص��ول غ��ذا اجل��ن�ين ببطنها‬
‫يف ���س�يره��ا وح��ث��ي��ث��ه��ا امل�����س��ت��ع��ج��ل ِ‬ ‫وي���رى م �ك��ان ال� ��وطء م��ن �أق��دام �ه��ا‬
‫يف ق�����اع ب���ح���ر ٍ م��ظ��ل��م ٍ م���ت���ه���ول ِ‬ ‫وي����رى وي�����س��م��ع ح�����س م���ا ه���و دون��ه��ا‬
‫م���ا ك�����انَ م��ن��ي يف ال����زم����ان الأول‬ ‫���ي ب���ت���وب���ة ٍ مت���ح���و ب��ه��ا‬ ‫ام نُ ْ‬
‫����ُن��� ع���ل َّ‬

‫(‪()55‬جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية) (جـ‪� – 10 :‬ص‪=.)185 -184 :‬‬
‫(‪ )56‬لأبي العالء املعري‬
‫يم‬
‫ك ُ‬ ‫ير ‪ -‬ا ْل َ‬
‫ح ِ‬ ‫ِيم ‪َ -‬‬
‫الخ ِب ُ‬ ‫العل ُ‬
‫ِم ‪َ -‬‬
‫العال ُ‬
‫المجموعة التاسعة ‪َ :‬‬ ‫‪191‬‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ‪9‬ـــــــــة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬الحْ ِ ْك َم ُة‬
‫(‪)30 - 29 - 28 - 27‬‬
‫ري ‪� -‬ٱلحْ َ ِك ُ‬
‫يم‬ ‫يم ‪ -‬ا َ‬
‫خل ِب ُ‬ ‫ال َعالمِ ُ ‪ -‬ال َع ِل ُ‬
‫‪192‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الـمجـمـوعـ‪9‬ـة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ا ْل ِع ْل ُم والحْ ِ ك ُ‬
‫ْمة‬
‫(‪)30 - 29 - 28 - 27‬‬
‫ري ‪� -‬ٱلحْ ِك ُ‬
‫يم‬ ‫العالمِ ُ ‪ -‬الع ِل ُ‬
‫يم ‪ -‬اخل ِب ُ‬
‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫‪ æ‬العالمِ ُ ‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 15‬مرة) منها قوله تعالى‪ } :‬ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ{[الأنبياء‪ ،]81:‬و�أ�ضيف يف ع�شر منها �إلى الغيب وال�شهادة كقوله تعالى‪}:‬ﯨ‬
‫‪ :‬كان نبي اهلل‪¤‬‬ ‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ{[التغابن‪ ،]18:‬ومن ال�سنة قول عائ�شة‬
‫�إذا قام من الليل افتتح �صالته فقال‪( :‬اللهم رب جربائيل وميكائيل و�إ�سرافيل‪ ،‬فاطر‬
‫ال�سماوات والأر�ض‪ ،‬عامل الغيب وال�شهادة‪� ،‬أنت حتكم بني عبادك فيما كانوا فيه‬
‫يختلفون‪ ،‬اهدين ملا اختلف فيه من احلق ب�إذنك‪� ،‬إنك تهدي من ت�شاء �إلى �صراط‬
‫م�ستقيم)(‪.)1‬‬
‫يم‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 154‬مرة) منها قوله تعالى‪ } :‬ﮓ‬ ‫‪ æ‬الع ِل ُ‬
‫ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ {[البقرة‪ ،]137:‬ومن ال�سنة حديث �أبي �سعيد اخلدري ‹ قال‪:‬‬
‫كان ر�سول اهلل ‪� ¤‬إذا قام �إلى ال�صالة بالليل كرب ثم يقول‪�( :‬سبحانك اللهم وبحمدك‪،‬‬
‫وتبارك ا�سمك‪ ،‬وتعالى جدك‪ ،‬وال �إله غريك‪ ،‬ثم يقول‪ :‬اهلل �أكرب كبريا‪ ،‬ثم يقول‬
‫�أعوذ باهلل ال�سميع العليم من ال�شيطان الرجيم‪ ،‬من همزه ونفخه ونفثه)(‪.)2‬‬
‫ري‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 45‬مرة) منها قوله تعالى‪ } :‬ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬ ‫‪ æ‬اخل ِب ُ‬
‫�أن‬ ‫ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ{[التحرمي‪ ،]3:‬ومن ال�سنة حديث عائ�شة‬
‫ري)(‪.)3‬‬ ‫اللط ُ‬
‫يف الخْ ِب ُ‬ ‫ِ‬ ‫النبي ‪ ¤‬قال لها‪( :‬لتُخْ برِ ِ ي ِني �أ ْو ل ُيخْ برِنيِّ‬
‫(‪ )1‬رواه م�سلم برقم (‪.)770‬‬
‫(‪ )2‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (‪.)201‬‬
‫(‪ )3‬رواه م�سلم برقم (‪.)974‬‬
‫يم‬
‫ك ُ‬ ‫ير ‪ -‬ا ْل َ‬
‫ح ِ‬ ‫ِيم ‪َ -‬‬
‫الخ ِب ُ‬ ‫العل ُ‬
‫ِم ‪َ -‬‬
‫العال ُ‬
‫المجموعة التاسعة ‪َ :‬‬ ‫‪193‬‬

‫يم‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 91‬مرة) منها قوله تعالى‪ }:‬ﰂ ﰃ ﰄ‬ ‫‪ æ‬الحْ ِك ُ‬
‫ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ{[الأنعام‪ ،]18:‬ومن ال�سنة ق�صة الأعرابي الذي جاء �إلى النبي ‪،¤‬‬
‫فقال‪ :‬علمني كالما �أقوله‪ .‬قال‪« :‬قل‪ :‬ال �إله �إال اهلل وحده ال �شريك له‪ ،‬اهلل �أكرب‬
‫كبريا‪ ،‬واحلمد هلل كثريا‪� ،‬سبحان اهلل رب العاملني‪ ،‬ال حول وال قوة �إال باهلل العزيز‬
‫احلكيم»(‪.)4‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬


‫نقي�ض اجلهل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ æ‬العالمِ ُ ‪« :‬ا�سم فاعل‪ ،‬من علِم يعلم عِ ْلماً‪ ،‬فهو عالمِ ‪ ،‬والعِل ُم‬
‫والعالمِ هو املت�صف بالعلم‪ ،‬الذي ال يخفى عليه �شيء يف الأر�ض وال يف ال�سماء‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪} :‬ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ {‬
‫[فاطر‪ ،)5(»]38:‬وقال الراغب‪« :‬العلم‪� :‬إدراك ال�شيء بحقيقته»(‪.)6‬‬
‫يم‪�« :‬صيغة مبالغة‪ ،‬على وزن فعيل‪ ،‬من ا�سم الفاعل (العال)‪ ،‬فعله علِم‬ ‫‪ æ‬الع ِل ُ‬
‫يعلم علماً‪ ،‬واهلل (علي ٌم) مبا كان‪ ،‬وما هو كائن‪ ،‬وما �سيكو ُن‪ ،‬وال يخفى عليه خافية‬
‫يف الأر�ض وال يف ال�سماء‪� ،‬سبحانه‪� -‬أحاط عِ ل ُمه بجميع الأ�شياء ظاهرها وباطِ نِها‪ ،‬دقِيقها‬
‫وجليلها»(‪.)7‬‬
‫خب خِ رْب ًة‪ ،‬فهو‬ ‫ب َي رُ‬ ‫‪ æ‬اخل ِب ُري‪�« :‬صفة م�شبهة للمو�صوف باخل رِْبة‪ ،‬فعله َخ رَ َ‬
‫أحاط بتفا�صيله‬ ‫خبري»(‪« ،)8‬واخل رِْبة علم وزيادة‪ ،‬واخلبري بال�شيء من َع ِل َم ُه و� َ‬
‫الدقيقة‪ ،‬و�ألمَ َّ بكيفية و�صفه على احلقيقة»(‪.)9‬‬
‫يم‪�« :‬صفة م�شبهة للمو�صوف باحلِ ْكمة‪ ،‬فعله َح ُكم َي ْح ُكم ُح ْكماً وحِ ْكم ًة‪،‬‬ ‫‪ æ‬الحْ ِك ُ‬
‫(‪ )4‬رواه م�سلم برقم (‪.)2696‬‬
‫(‪ )5‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ع ل م)‪.‬‬
‫(‪( )6‬معجم مفردات �ألفاظ القر�آن) للراغب الأ�صفهاين (مادة علم) (�ص‪.)446:‬‬
‫(‪�( )7‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( )441 :‬العليم)‪.‬‬
‫(‪ )8‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬خ ب ر)‪.‬‬
‫(‪�( )9‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( )353 :‬اخلبري)‪.‬‬
‫‪194‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫فهو حكيم‪ ،‬واحلكيم من الب�شر من ت�صدر �أعماله و�أقواله عن رو ّية �سديدة‪ ،‬ور�أي‬
‫�سليم‪ ،‬واحلكمة‪� :‬صواب الأمر و�سداده‪ ،‬وو�ضع ال�شيء يف مو�ضعه»(‪ ،)10‬وقال الراغب‪:‬‬
‫«احلكمة �إ�صابة احلق بالعلم والعقل‪ ،‬فاحلكمة من اهلل تعالى معرفة الأ�شياء‬
‫و�إيجادها على غاية الإحكام‪ ،‬ومن الإن�سان معرفة املوجودات وفعل اخلريات‪ ،‬وهذا‬
‫�صف به لقمان يف قوله ‪} :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ{[لقمان‪)11( ،»]12:‬‬ ‫هو الذي ُو ِ‬
‫ويقول ابن جرير‪(« :‬الحْ كِي ُم)‪ :‬هو فيما يدبر من �أمر خلقه‪ ،‬حكيم ال يدخل تدبريه‬
‫خلل»(‪ ،)12‬ويقول ابن القيم‪(« :‬الحْ كِي ُم) الذي ال ي�ضع ال�شيء �إال يف مو�ضعه»(‪.)13‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬


‫‪ æ‬العالمِ ُ الع ِل ُ‬
‫يم‪« :‬الذي يعلم ما كان‪ ،‬وما يكون‪ ،‬وما مل يكن لو كان كيف كان يكون»(‪،)14‬‬
‫قال اخلطابي‪(« :‬العلِي ُم)‪ :‬العامل بال�سرائر واخلفيات التي ال يدركها علم اخللق»(‪،)15‬‬
‫ويقول ابن القيم‪( ..« :‬العلِي ُم) الذي له العلم ‪( ..‬العالمُِ ) بكل �شيء‪ ،‬الذي لكمال علمه‬
‫يعلم ما بني �أيدي اخلالئق وما خلفهم‪ ،‬فال ت�سقط ورقة �إال بعلمه‪ ،‬وال تتحرك ذرة‬
‫�إال ب�إذنه‪ ،‬يعلم دبيب اخلواطر يف القلوب حيث ال يطلع عليها ُ‬
‫امللك‪ ،‬ويعلم ما �سيكون‬
‫منها حيث ال يطلع عليه القلب»(‪ .)16‬ويقول ال�شيخ ال�سعدي‪(« :‬العلِي ُم‪ )..‬هو الذي‬
‫�أحاط علمه بالظواهر والبواطن‪ ،‬والإ�سرار والإعالن‪ ،‬وبالواجبات وامل�ستحيالت‬
‫واملمكنات‪ ،‬وبالعامل العلوي وال�سفلي‪ ،‬وباملا�ضي واحلا�ضر وامل�ستقبل‪ ،‬فال يخفى عليه‬
‫�شيء من الأ�شياء»(‪.)17‬‬
‫(‪ )10‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ح ك م)‪.‬‬
‫(‪( )11‬املفردات يف غريب القر�آن) للراغب الأ�صفهاين (�ص‪.)168 - 167 :‬‬
‫(‪( )12‬تف�سري الطربي) عند تف�سري الآية (‪ )49‬من �سورة الأنفال‪.‬‬
‫(‪�( )13‬شفاء العليل) البن القيم (جـ‪� - 3 :‬ص‪.)984 :‬‬
‫(‪( )14‬املرتع الأ�سنى ‪ ..‬من كتب ابن القيم) لعبد العزيز الداخل (�ص‪.)446 :‬‬
‫(‪�( )15‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)57 :‬‬
‫(‪( )16‬املرتع الأ�سنى ‪ ..‬من كتب ابن القيم) لعبد العزيز الداخل (�ص‪.)446 :‬‬
‫(‪ )17‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)16 :‬‬
‫يم‬
‫ك ُ‬ ‫ير ‪ -‬ا ْل َ‬
‫ح ِ‬ ‫ِيم ‪َ -‬‬
‫الخ ِب ُ‬ ‫العل ُ‬
‫ِم ‪َ -‬‬
‫العال ُ‬
‫المجموعة التاسعة ‪َ :‬‬ ‫‪195‬‬

‫ري‪« :‬العامل بدقائق الأمور املعقولة واملح�سو�سة والظاهرة واخلفية»(‪ ،)18‬قال‬


‫‪ æ‬اخل ِب ُ‬
‫ري) العامل بكنه ال�شيء‪ ،‬املطلع على حقيقته»(‪ ،)19‬ويقول ابن القيم‪:‬‬ ‫اخلطابي‪(« :‬اخل ِب ُ‬
‫ري)‪ :‬الذي انتهى علمه �إلى الإحاطة ببواطن الأ�شياء وخفاياها كما �أحاط‬ ‫«‪( ..‬اخل ِب ُ‬
‫ري) الذي ال تعزب عنه الأخبار الباطنة‪ ،‬وال‬ ‫بظواهرها»(‪ .)20‬ويقول الغزايل‪(« :‬اخل ِب ُ‬
‫نف�س وال‬
‫يجري يف امللك وامللكوت �شيء‪ ،‬وال تتحرك ذرة وال ت�سكن‪ ،‬وال ي�ضطرب ٌ‬
‫يطمئن‪� ،‬إال ويكون عنده خربه»(‪.)21‬‬
‫‪ æ‬الحْ ِك ُ‬
‫يم‪« :‬املُحكم خللق الأ�شياء‪ ،‬امل�صيب يف �أفعاله»(‪ ،)22‬قال احلليمي‪(« :‬الحْ كِي ُم)‬
‫الذي ال يقول وال يفعل �إال ال�صواب‪ ،‬و�إمنا ينبغي �أن يو�صف بذلك؛ لأن �أفعاله �سديدة‪،‬‬
‫و�صنعه متقن»(‪ ،)23‬يقول ابن القيم‪« :‬ف�إنه ‪�-‬سبحانه (حكِي ٌم) ال يفعل �شيئاً عبثاً‪ ،‬وال‬
‫لغري معنى وم�صلحة وحكمة؛ هي الغاية املق�صودة بالفعل‪ ،‬بل �أفعاله ‪�-‬سبحانه‪-‬‬
‫�صادرة عن حكمة بالغة لأجلها فعل»(‪ .)24‬ويقول ال�شيخ ال�سعدي‪(« :‬الحْ كِي ُم) املو�صوف‬
‫بكمال احلكمة‪ ،‬وبكمال احلكم بني املخلوقات‪ ،‬فاحلكيم هو وا�سع العلم‪ ،‬واالطالع‬
‫على مبادئ الأمور وعواقبها‪ ،‬وا�سع احلمد‪ ،‬تام القدرة‪ ،‬غزير الرحمة ‪ ..‬الذي ي�ضع‬
‫الأ�شياء موا�ضعها‪ ،‬وينزلها منازلها الالئقة بها يف خلقه و�أمره‪ ،‬فال يتوجه �إليه �س�ؤال‬
‫وال يقدح يف حكمته مقال»(‪.)25‬‬

‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬


‫‪ æ‬العالمِ ُ ‪ -‬الع ِل ُ‬
‫يم ‪ :‬قيل‪� :‬إن (العالمِ والعلِيم) مبعنى واحد‪ ،‬وقيل‪� :‬إن (العال)‪:‬‬
‫(‪ )18‬تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور عند تف�سري الآية ‪ 31‬من �سورة فاطر‪.‬‬
‫(‪�( )19‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)63 :‬‬
‫(‪( )20‬ال�صواعق املر�سلة) البن القيم) (جـ‪� - 2 :‬ص‪.)492 :‬‬
‫(‪( )21‬املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص‪.)93 :‬‬
‫(‪( )22‬االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص‪.)42 :‬‬
‫(‪( )23‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص ‪.)67‬‬
‫(‪�( )24‬شفاء العليل) البن القيم (جـ‪� - 3 :‬ص‪.)1025 :‬‬
‫(‪( )25‬احلق الوا�ضح املبني) لل�شيخ ال�سعدي (�ص‪.)50:‬‬
‫‪196‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫مبا كان‪ ،‬و(العلِيم)‪ :‬مبا يكون‪ ،‬فمن الأول علم غيب املا�ضي كقوله تعالى‪ }:‬ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ{[هود‪ ،]49:‬وعلم غيب احلا�ضر كقوله تعالى‪ }:‬ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽﭾ{[التوبة‪ ،]101:‬ومن الثاين علم غيب امل�ستقبل‬
‫كقوله تعالى‪}:‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ{‬
‫[لقمان‪ ،]34:‬قال ال�سمعاين‪« :‬قيل‪ :‬العليم والعامل مبعنى واحد‪ ،‬ومنهم من فرق‬
‫بني العليم والعامل‪ ،‬فقال‪ :‬العامل‪ :‬مبا كان‪ ،‬والعليم‪ :‬مبا يكون»(‪ ،)26‬وقال ّ‬
‫الزجاج‪:‬‬
‫«(العلِي ُم) فيه �صفة زائدة على ما يف (العال)‪ ،‬وحكي عن قطرب �أن قولنا (علِي ٌم) يف‬
‫ا�سم اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬يفيد العلم بالغيوب»(‪.)27‬‬
‫ري‪( :‬العلِيم) هو العامل بظواهر الأ�شياء بينما (اخل ِبري) لبواطن‬
‫يم ‪ -‬اخل ِب ُ‬
‫‪ æ‬الع ِل ُ‬
‫ري) الذي انتهى علمه �إلى الإحاطة ببواطن‬ ‫الأ�شياء وخفاياها‪ ،‬يقول ابن القيم‪(« :‬اخل ِب ُ‬
‫الأ�شياء وخفاياها كما �أحاط بظواهرها»(‪ ،)28‬ويقول الغزايل‪« :‬العلم �إذا �أ�ضيف �إلى‬
‫ريا»(‪ ،)29‬وقال �أبو هالل الع�سكري‪:‬‬
‫اخلفايا الباطنة �سمي خربة و�سمي �صاحبها خب ً‬
‫«الفرق بني اخلرب والعلم‪� :‬أن اخلرب هو العلم بكنه املعلومات على حقائقها ففيه‬
‫معنى زائد على العلم»(‪.)30‬‬
‫يم‪ :‬احلكمة �أخ�ص من العلم‪� ،‬إذ هي �إجراء العلم على نحو خا�ص‬‫يم ‪ -‬الحْ ِك ُ‬
‫‪ æ‬الع ِل ُ‬
‫يحقق �أ�سمى الغايات‪ ،‬قال اخلازن‪« :‬الفرق بني (الحْ كِيم) و(العال) �أن (العال) هو‬
‫الذي يعلم الأ�شياء بحقائقها و(الحْ كِي ُم) هو الذي يعمل مبا يوجبه العلم»(‪ ،)31‬ويقول‬
‫(‪( )26‬تف�سري ال�سمعاين) لأبي املظفر من�صور ال�سمعاين (الآية ‪ - 247‬البقرة)‪.‬‬
‫(‪( )27‬تف�سري �أ�سماء اهلل احل�سنى) لأبي �إ�سحاق الزجاج (�ص‪.)101:‬‬
‫(‪( )28‬ال�صواعق املر�سلة) البن القيم) (جـ‪� - 2 :‬ص‪.)492 :‬‬
‫(‪( )29‬املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص‪.)93 :‬‬
‫(‪( )30‬معجم الفروق اللغوية) لأبي هالل الع�سكري (�ص ‪.)95:‬‬
‫(‪( )31‬تف�سري لباب الت�أويل) للخازن الآية (‪ )22‬من �سورة يو�سف‪.‬‬
‫يم‬
‫ك ُ‬ ‫ير ‪ -‬ا ْل َ‬
‫ح ِ‬ ‫ِيم ‪َ -‬‬
‫الخ ِب ُ‬ ‫العل ُ‬
‫ِم ‪َ -‬‬
‫العال ُ‬
‫المجموعة التاسعة ‪َ :‬‬ ‫‪197‬‬

‫ابن القيم‪« :‬احلكمة تت�ضمن كمال علمه وخربته‪ ،‬و�أنه �أمر ونهى‪ ،‬وخلق وقدّر‪ ،‬ملا له‬
‫يف ذلك من احلكم والغايات احلميدة؛ التي ي�ستحق عليها كمال احلمد»(‪ ،)32‬ويقول‬
‫ابن عا�شور‪« :‬تعقيب (العلِيم) بـ (الحْ كِيم) من �إتباع الو�صف ب�أخ�ص منه‪ ،‬ف�إن مفهوم‬
‫احلكمة زائد على مفهوم العلم؛ لأن احلكمة كمال يف العلم فهو كقولهم خطيب م�صقع‪،‬‬
‫و�شاعر مفلق‪ ،‬ويف «معارج النور» لل�شيخ لطف اهلل الأر�ضرومي‪ :‬ويف (الحْ كِيم) ذو احلكمة‬
‫وهي العلم بال�شيء و�إتقان عمله»(‪ ،)33‬ويقول ال�شيخ ال�سعدي‪( ..« :‬الحْ كِي ُم) هو وا�سع‬
‫العلم‪ ،‬واالطالع على مبادئ الأمور وعواقبها»(‪.)34‬‬
‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬
‫يم والعالمِ ُ ‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سميه ‪�-‬سبحانه (العلِيم والعال) «�صفة‬ ‫‪ æ‬الع ِل ُ‬
‫(ا ْل ِع ْلم) وهي �صف ٌة ذاتي ٌة ثابت ٌة هلل ‪-‬ع ّز وج ّل‪ -‬بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)35‬قال تعالى‪}:‬ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ{[البقرة ‪ .]255 :‬ومن ال�سنة قوله ‪ ¤‬يف اال�ستخارة‪:‬‬
‫(اللهم �إين �أ�ستخريك بعلمك)(‪.)36‬‬
‫‪ æ‬اخل ِب ُري‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (اخل ِبري) «�صفة (اخلربة) وهي‬
‫�صف ٌة ذاتي ٌة ثابت ٌة هلل ع ّز وج ّل بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)37‬قال تعالى‪ } :‬ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫�أن النبي ‪ ¤‬قال لها‪( :‬لتُخْ برِ ِ ي ِني‬ ‫ﮎ{ [التحرمي ‪ ،]3 :‬ومن ال�سنة حديث عائ�شة‬
‫ري)(‪.)38‬‬ ‫اللط ُ‬
‫يف الخْ ِب ُ‬ ‫ِ‬ ‫�أ ْو ل ُيخْ برِنيِّ‬
‫‪ æ‬الحْ ِك ُ‬
‫يم‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (الحْ كِيم) «�صفة (الحْ ِ ْكمة) وهي‬
‫�صف ٌة ذاتي ٌة ثابت ٌة هلل ‪-‬ع ّز وج ّل‪ -‬بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)39‬قال تعالى‪ } :‬ﰎ ﰏ‬
‫(‪( )32‬مدارج ال�سالكني) البن القيم) (جـ‪� - 3 :‬ص‪.)460 - 459 :‬‬
‫(‪ )33‬تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور عند تف�سري (الآية‪ 32:‬من البقرة)‪.‬‬
‫(‪( )34‬احلق الوا�ضح املبني) لل�شيخ ال�سعدي (�ص‪.)50:‬‬
‫(‪�( )35‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)184 :‬‬
‫(‪ )36‬رواه البخاري برقم (‪.)6382‬‬
‫(‪�( )37‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( ) :‬اخلبري)‪.‬‬
‫(‪ )38‬رواه م�سلم برقم (‪.)974‬‬
‫(‪�( )39‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)100 :‬‬
‫‪198‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ{ [الذاريات‪ ،]30:‬ومن ال�سنــة قوله ‪� ( :¤‬إنكم‬


‫حم�شورون حفاة عراة غرال‪ ،‬ثم قر�أ‪ } :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ{[الأنبياء‪ ،]104:‬و�أول من يك�سى يوم القيامة �إبراهيم‪ ،‬و�إن �أنا�سا من‬
‫�أ�صحابي ي�ؤخذ بهم ذات ال�شمال‪ ،‬ف�أقول‪� :‬أ�صحابي �أ�صحابي!‪ ،‬فيقول‪� :‬إنهم مل يزالوا‬
‫مرتدين على �أعقابهم منذ فارقتهم‪ ،‬ف�أقول كما قال العبد ال�صالح‪ } :‬ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ{[املائدة‪.)40()]118 - 117:‬‬

‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬


‫‪� æ ‬ٱلحْ ِك ُ‬
‫يم ‪ :‬احلكمة �أخ�ص من العلم‪ ،‬وهي جريان العلم على �أح�سن الوجوه و�أكملها‬
‫مما يحقق �أ�سمى الغايات و�أعظم املقا�صد‪ ،‬يقول ابن القيم‪ « :‬العلم واحلكمة مت�ضمنان‬
‫جلميع �صفات الكمال‪ ،‬فالعلم يت�ضمن احلياة ولوازم كمالها من القيومية والقدرة‬
‫والبقاء‪ ،‬وال�سمع والب�صر‪ ،‬و�سائر ال�صفات التي ي�ستلزمها العلم التام‪ ،‬واحلكمة‬
‫تت�ضمن كمال الإرادة والعدل‪ ،‬والرحمة والإح�سان‪ ،‬واجلود والرب‪ ،‬وو�ضع الأ�شياء‬
‫يف موا�ضعها على �أح�سن وجوهها»(‪ ،)41‬وقد ورد االقرتان بني ا�سميه �سبحانه (العلِي ُم)‬
‫ِيم) (‪ 29‬مرة)‪ ،‬و ُق ِّدم (الحْ كِي ُم) على‬‫و(الحْ كِي ُم) (‪ 36‬مرة)‪ُ ،‬ق ِّدم (العلِي ُم) على (الحْ ك ِ‬
‫(العلِيم) (‪ 7‬مرات)‪ ،‬وبالنظر والت�أمل يف �سياق الآيات التي ورد فيها االقرتان بني اال�سمني‬
‫العلم)‬
‫ِيم) هي مقامات منوطة بـ( ِ‬ ‫نلحظ �أن املقامات التي تقدم فيها (العلِي ُم) على (الحْ ك ِ‬
‫ِيم)‬‫�أو ًال ثم ت�أتي (احلكم ُة) مكملة له‪ ،‬بينما املقامات التي تقدم فيها (الحْ كِي ُم) على (العل ِ‬
‫هي مقامات متعلقة بـ(احلكم ِة) ابتدا ًء‪ ،‬ثم ي�أتي (العل ُم) م�ؤكد ًا لها ودا ًال عليها‪ ،‬ويف ذلك‬
‫ِيم) يف �أربعة مقامات‪:‬‬ ‫ِيم) على ا�سم (الحْ ك ِ‬
‫تقول الدكتورة جنالء كردي‪ « :‬تقدم ا�سم (العل ِ‬
‫‪ )1‬مقام االعرتاف بالعجز وق�صور العلم‪ ،‬كقوله تعالى‪} :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫(‪ )40‬رواه البخاري برقم (‪.)3349‬‬
‫(‪( )41‬املرتع الأ�سنى ‪ ..‬من كتب ابن القيم) لعبد العزيز الداخل (�ص‪.)271 :‬‬
‫يم‬
‫ك ُ‬ ‫ير ‪ -‬ا ْل َ‬
‫ح ِ‬ ‫ِيم ‪َ -‬‬
‫الخ ِب ُ‬ ‫العل ُ‬
‫ِم ‪َ -‬‬
‫العال ُ‬
‫المجموعة التاسعة ‪َ :‬‬ ‫‪199‬‬

‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ{[البقرة‪ ،]32 :‬وهذا االعرتاف يقابله – وال بد‬


‫‪ -‬الإقرار والت�سليم هلل العليم‪ ،‬ف�إذا كان (العلي ُم) هو (احلكي ُم) فذلك هو العلم البالغ‬
‫حد الكمال‪ ،‬فيكون االعرتاف م�صحو ًبا بغاية الر�ضا والت�سليم‪.‬‬
‫‪ )2‬مقام ال�صرب وانتظار الفرج‪ ،‬كقوله تعالى‪ } :‬ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ{ [يو�سف‪ ،]83 :‬وهو ٌ‬
‫حال يرتبط‬
‫عادة با�سم (العليم) ارتباطاً قوياً‪ ،‬وذلك �أن العبد �إذا كان عظيم الإميان‪ ،‬عميق ال�صلة‬
‫بربه‪ ،‬وا�ستلبث عليه الفرج مل يتزعزع يقينه؛ لأنه معتمد على علم اهلل يف اختيار‬
‫الزمان الأن�سب ملا يرجوه من الفرج‪ ،‬مع ِّول على حكمته يف تهيئة الأ�سباب له؛ ليقع‬
‫على �أح�سن ما يكون‪.‬‬
‫‪ )3‬مقام التوا�ضع والتحدث بنعمة اهلل وف�ضله‪ ،‬كقوله تعالى‪ } :‬ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ{[يو�سف‪ ،]6 :‬لأن ذلك كله يرجع �إلى علم (العليم) وحكمة (احلكيم)‪.‬‬
‫‪ )4‬مقام الت�شريع و�إقرار احلكم‪ ،‬كقوله تعالى‪ } :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ‬
‫ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ{[التحرمي‪ ،]2 :‬فالأمر فيه راجع �إلى العلم ال�شامل ‪�-‬أو ًال؛‬
‫ل ّأن العلم هو �أ�سا�س بناء الأحكام‪ ،‬ثم ت�أتي احلكمة ِل ُتنزل احلكم على الواقع‪.‬‬
‫ِيم) فكان يف مقامني‪ ،‬هما‪:‬‬ ‫�أما تقدم ا�سم (الحْ ك ِ‬
‫ِيم) على ا�سم (العل ِ‬
‫‪ )1‬مقام التوحيد‪ ،‬كقوله تعالى‪} :‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ {[الزخرف‪ ،]84 :‬وذلك �أن م�ضمون الألوهية قهر وقوة وغلبة يقابلها‬
‫من العباد طاعة وعبادة وخ�ضوع‪ ،‬فتقدمي احلكمة يف هذا املقام ل ُيعلم �أن �ألوهيته‬
‫ال�سارية على من يف ال�سماء والأر�ض م�سارها احلكمة‪ ،‬ولعله ملا كان العلم ال�شامل هو‬
‫رافد احلكمة‪ ،‬وعلى �أ�سا�سه تنزل الأ�شياء منازلها‪ ،‬وتو�ضع الأمور يف موا�ضعها التي‬
‫ِيم)‪.‬‬ ‫بها ت�ستقيم‪� ،‬أُتبع ا�سم (الحْ ك ِ‬
‫ِيم) با�سم (العل ِ‬
‫‪ )2‬مقام �إجراء املعجزات‪ ،‬كقوله تعالى‪} :‬ﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ ﰕ‬
‫‪200‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ﰖ {[الذاريات‪ ،]30 :‬فهو كذلك راجع �إلى القوة الغالبة‪ ،‬وامل�شيئة الطليقة التي‬
‫تعلو على �سنن الكون ونوامي�سه‪ ،‬واقرتان القوة باحلكمة هو �ضمان انتظام الأمور‪ ،‬و�أال‬
‫تتحول �إلى عبث يف�ضي �إلى اختالل ال�سنن وف�ساد الكون‪ ،‬فاحلكمة هنا لها ال�صدارة‪،‬‬
‫يليها العلم الذي على �أ�سا�سه يكون �إجراء ال�سنن على ما قدر لها‪� ،‬أو تعطيلها حلكمة‬
‫ترجع لعلـم (العليم)»(‪.)42‬‬
‫ري‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه (العلِيم) (‪ 4‬مرات) منها قول اهلل‬ ‫‪ æ‬الخْ ِب ُ‬
‫تعالى‪ } :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ{[الن�ساء‪ ،]35:‬وكما �أ�شرنا يف الفرق بني (العليم)‬
‫و(اخلبري) يف حالة اجتماعهما‪ ،‬فـ(العليم) يدل على �شمول علمه وعمومه لكل �شيء‪،‬‬
‫و(اخلبري) يدل على تغلغل علمه �سبحانه �إلى اخلفايا وبواطن الأمور‪ ،‬وبذلك يكون العلم‬
‫ببواطن الأمور وخفاياها ودقائقها مذكور ًا مرتني‪ :‬مرة بطريق العموم يف (العليم)‪ ،‬ومرة‬
‫بطريق اخل�صو�ص يف (اخلبري)‪ ،‬يقول ال�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل‪(« :‬العليم اخلبري) �إذا‬
‫اجتمعا افرتقا‪ ،‬و�إذا افرتقا اجتمعا؛ مبعنى �أنه �إذا ذكر ا�سمه ‪�-‬سبحانه (العليم)‬
‫مفر ًدا ف�إنه ي�شمل �إحاطة علم اهلل بالظواهر والبواطن‪ ،‬وكذلك لو ذكر ا�سمه‬
‫‪�-‬سبحانه (اخلبري) مفر ًدا‪� .‬أما �إذا اجتمعا يف �آية واحدة ف�إن (العليم) يفيد الإحاطة‬
‫العلمية بالعامل امل�شهود‪ ،‬و(اخلبري) بعامل الغيب والبواطن»(‪.)43‬‬
‫ير‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه (العلِيم) (‪ 4‬مرات) منها قوله تعالى‪:‬‬ ‫القد ُ‬
‫‪ِ æ‬‬
‫}ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ{[ال�شورى‪،]50:‬‬
‫وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬للداللة على «كمال اهلل يف الو�صفية؛ لأن العلم بدون‬
‫قدرة عجز‪ ،‬والقدرة بدون علم مظنة الإف�ساد والظلم والطغيان»(‪ ،)44‬وكذلك ف�إن‬
‫تقدير اهلل وما يفعله بعبادة منوط بالعلم واحلكمة‪ ،‬وما ُي�شاهد من تنوع �أحوال العباد‬
‫وتقلبهم بني احلرمان والعطاء‪ ،‬والفقر والغنى‪ ،‬وال�صحة واملر�ض‪ ،‬والقوة وال�ضعف‪ ،‬وطول‬
‫العمر وق�صره؛ كله �أ�سا�سه (العلم)‪ ،‬ومبناه (القدرة)‪ ،‬و�أنه �سبحانه عليم مبا ي�صلح عباده‬
‫وما يف�سدهم‪ ،‬و�أن وراء ذلك حكمة بالغة ي�ستحق عليها احلمد وال�شكر‪.‬‬
‫(‪( )42‬مطابقة �أ�سماء اهلل احل�سنى) للدكتورة جنالء كردي (�ص‪ )556 - 555 :‬بت�صرف ي�سري يف التقدمي والت�أخري‪.‬‬
‫(‪( )43‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪ ,)353 :‬وانظر (مطابقة �أ�سماء اهلل احل�سنى) د جنالء كردي (�ص‪.)433 :‬‬
‫(‪( )44‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪.)354 :‬‬
‫يم‬
‫ك ُ‬ ‫ير ‪ -‬ا ْل َ‬
‫ح ِ‬ ‫ِيم ‪َ -‬‬
‫الخ ِب ُ‬ ‫العل ُ‬
‫ِم ‪َ -‬‬
‫العال ُ‬
‫المجموعة التاسعة ‪َ :‬‬ ‫‪201‬‬

‫يم‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبح ــانه (العلِيم) (‪ 3‬مرات) منها قوله تعالى‪:‬‬
‫‪ æ‬احل ِل ُ‬
‫} ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ{[الأحزاب‪ ،]51:‬وال�سر يف ذلك ‪-‬‬
‫واهلل �أعلم ‪ -‬بيان «�أن اهلل لو يعامل عباده ويجازيهم مبا يعلمه ‪�-‬سبحانه‪ -‬من‬
‫ذنوبهم الظاهرة‪ ،‬وما تخفيه قلوبهم من املعا�صي الباطنة‪ ،‬لهلكوا‪ ،‬ولكنه ‪�-‬سبحانه‪-‬‬
‫حليم عمن ع�صاه‪ ،‬يغفر له وميهله‪ ،‬وال يعاجله بالعقوبة‪ ،‬لعله يتوب وينيب»(‪،)45‬‬
‫يقول ابن القيم‪« :‬ف�إن املخلوق يحلم عن جهل‪ ،‬ويعفو عن عجز‪ ،‬والرب ‪-‬تعالى‪ -‬يحلم‬
‫مع كمال علمه‪ ،‬ويعفو مع متام قدرته‪ ،‬وما �أ�ضيف �شيء �إلى �شيء �أزين من حلم �إلى‬
‫علم‪ ،‬ومن عفو �إلى اقتدار»(‪.)46‬‬
‫ري‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمـ ــه ‪�-‬سبحانه (الخْ ِبري) (‪ 5‬مرات) منها قوله‬
‫الب�ص ُ‬
‫ِ‬ ‫‪æ‬‬
‫تعالى‪ } :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ{[فاطر‪ ،]31:‬وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬الإ�شارة‬
‫�إلى «�شمول علم اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬للبواطن واحلقائق‪ ،‬وكذلك للذوات وامل�شاهدات‬
‫واملب�صرات»(‪ ،)47‬يقول ابن عا�شور‪(« :‬اخلبري) العامل بدقائق الأمور املعقولة‬
‫واملح�سو�سة والظاهرة واخلفية‪ ،‬و(الب�صري) العامل بالأمور املب�صرة‪ ،‬وتقدمي‬
‫اخلبري على الب�صري لأنه �أ�شمل‪ ،‬وذكر الب�صري َع ِق َبه للعناية بالأعمال التي هي من‬
‫املب�صرات‪ ،‬وهي غالب �شرائع الإِ�سالم»(‪.)48‬‬
‫ري‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه (الحْ كِيم) (‪ 4‬مرات) منها قوله تعالى‪:‬‬
‫‪ æ‬اخل ِب ُ‬
‫} ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ{[�سب�أ‪ ،]1:‬وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬كما‬
‫يقول ابن القيم‪« :‬ثم عقب هذا احلمد وامللك با�سم } ﭡ ﭢ{ الدالني على‬
‫كمال الإرادة‪ ،‬و�أنها ال تتعلق مبرا ٍد �إال حلكمة بالغة وعلى كمال العلم‪ ،‬و�أنه كما‬
‫يتعلق بظواهر املعلومات؛ فهو متعلق ببواطنها التي ال تدرك �إال بخربة‪ ،‬فن�سبة‬
‫احلكمة �إلى الإرادة كن�سبة اخلربة �إلى العلم‪ ،‬فاملراد ظاهر‪ ،‬واحلكمة باطنة‪ ،‬والعلم‬
‫(‪( )45‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪.)352 - 351 :‬‬
‫(‪( )46‬عدة ال�صابرين وذخرية ال�شاكرين) البن القيم (�ص‪.)276:‬‬
‫(‪( )47‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪.)396 :‬‬
‫(‪ )48‬تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور عند تف�سري (الآية‪ 31:‬من فاطر)‪.‬‬
‫‪202‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ظاهر واخلربة باطنة‪ ،‬فكمال الإرادة �أن تكون واقعة على وجه احلكمة‪ ،‬وكمال العلم‬
‫�أن يكون كا�ش ًفا عن اخلربة‪ ،‬فاخلربة باطن العلم وكماله‪ ،‬واحلكمة باطن الإرادة‬
‫وكمالها»(‪ ،)49‬كما يدل اقرتان (احلكيم اخلبري) على «جريان ت�صرفه و�سلطانه –‬
‫�سبحانه على مقت�ضى الإ�صالح‪ ،‬واخلري وال�سداد‪ ،‬ومنع الف�ساد‪ ،‬ف�إذا وقع للعبد من‬
‫�أقداره ما يكره؛ فليوقن �أن وراءه حكمة بالغة ال يدركها �إال (اخلبري) الذي‬
‫تغلغل علمه �إلى اخلفايا وبواطن الأمور‪ ،‬فتطمئن النفو�س من خوف‪ ،‬وت�سكن‬
‫القلوب من قلق وا�ضطراب»(‪.)50‬‬
‫‪ æ‬احلميد‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه (الحْ كِيم) مرة واحدة يف قوله تعالى‪:‬‬
‫} ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ{[ف�صلت‪ ،]42:‬وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬الإ�شارة �إلى �أن هذا‬
‫القر�آن منزل من حكيم متقن يف فعله‪ ،‬ال ي�شوب فعله خلل وال زلل‪ ،‬حممود على الإِطالق‪،‬‬
‫يقول ال�شيخ ال�سعدي‪ } « :‬ﮝ ﮞ ﮟ{ يف خلقه و�أمره ي�ضع كل �شيء مو�ضعه‪،‬‬
‫وينزله منازله‪ }،‬ﮠ{ على ما له من �صفات الكمال‪ ،‬ونعوت اجلالل‪ ،‬وعلى ما له‬
‫ال على متام احلكمة‪ ،‬وعلى حت�صيل‬ ‫من العدل والإف�ضال‪ ،‬فلهذا كان كتابه م�شتم ً‬
‫امل�صالح واملنافع‪ ،‬ودفع املفا�سد وامل�ضار‪ ،‬التي يحمد عليها»(‪.)51‬‬
‫‪� ‬سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫‪ æ‬الأثر العلمي االعتقادي‪:‬‬
‫�شمول علم اهلل لكل �شيء يف ال�سماوات والأر�ض‪ ،‬فاهلل – �سبحانه ‪ -‬يعلم ما‬
‫كان من الأمور املا�ضية التي وقعت‪ ،‬ويعلم ما يكون من الأمور امل�ستقبلية التي مل تقع بعد‪،‬‬
‫ويعلم ما مل يكن‪ ،‬لو كان كيف يكون ‪ ..‬وعلمه – �سبحانه ‪� -‬شمل جليل الأمور وحقريها‪،‬‬
‫و�صغريها وكبريها‪ ،‬ويعلم ‪-‬تعالى‪ -‬ظواهر الأ�شياء وبواطنها‪ ،‬غيبها و�شهادتها‪ ،‬ويعلم‬
‫(‪( )49‬بدائع الفوائد) (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)79 :‬‬
‫(‪( )50‬مطابقة �أ�سماء اهلل احل�سنى) للدكتورة جنالء كردي (�ص‪.)508 - 507 :‬‬
‫(‪ )51‬تف�سري ال�سعدي عند تف�سري (االية ‪� - 42‬سورة ف�صلت)‪.‬‬
‫يم‬
‫ك ُ‬ ‫ير ‪ -‬ا ْل َ‬
‫ح ِ‬ ‫ِيم ‪َ -‬‬
‫الخ ِب ُ‬ ‫العل ُ‬
‫ِم ‪َ -‬‬
‫العال ُ‬
‫المجموعة التاسعة ‪َ :‬‬ ‫‪203‬‬

‫‪-‬تعالى‪ -‬جزئيات الأمور وخبايا ال�صدور‪ ،‬وخفايا ما وقع ويقع؛ فهو الذي �أحاط علمه‬
‫بجميع الأ�شياء يف كل الأوقات‪ ،‬وعلمه ‪�-‬سبحانه‪ -‬غري م�سبوق بجهل‪ ،‬وال ملحوق بن�سيان‪،‬‬
‫قال تعالى‪ }:‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ‬
‫ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﰂﰃﰄﰅﰆﰇ ﰈﰉﰊ‬
‫ﰋ ﰌ{[الأنعام‪.]59:‬‬
‫الأثر العملي‪:‬‬ ‫‪æ‬‬

‫‪1.1‬اخلوف من اهلل وخ�شيته‪ ،‬وتعظيمه و�إجالله‪ ،‬ومراقبته يف ال�سر والعلن؛ لأن‬


‫العبد �إذا �أيقن �أن اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬عامل بحاله مطلع على باطنه وظاهره‪ ،‬ف�إن‬
‫ذلك يدفعه �إلى اال�ستقامة على �أمر اهلل ظاه ًرا وباط ًنا‪ ،‬فتزكو �أعمال قلبه‬
‫وجوارحه‪ ،‬وي�صل �إلى مرتبة الإح�سان الذي قال عنه النبي ‪�( :¤‬أن تعبد اهلل‬
‫ك�أنك تراه‪ ،‬ف�إن مل تكن تراه ف�إنه يراك)(‪.)52‬‬
‫‪2.2‬الطم�أنينة وال�سكينة �إزاء ما يق�ضيه اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬من الأحكام القدرية كامل�صائب‪،‬‬
‫واملكروهات التي مل حتدث �إال بعلم اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬وحكمته‪ ،‬و�أنها لي�ست عب ًثا‬
‫ولع ًبا‪ ،‬كما قال �سبحانه‪ }:‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶ{[احلديد‪.]23-22 :‬‬
‫‪3.3‬الت�سليم لأحكام اهلل ال�شرعية‪ ،‬والر�ضى والفرح واالغتباط بها‪ ،‬حيث �إنها من‬
‫لدن عليم حكيم‪ ،‬عليم مبا ي�صلح لعباده ويجلب لهم اخلري وال�سعادة يف الدارين‬
‫في�أمرهم به‪ ،‬وعليم مبا يجلب لعباده ال�شر وال�شقاء يف الدارين فينهاهم عنه‪،‬‬
‫ويحذرهم منه‪ ،‬فهو ‪�-‬سبحانه‪� -‬أعلم بخلقه ‪-‬وما ي�صلح لهم‪ -‬من �أنف�سهم‪.‬‬
‫(‪ )52‬رواه البخاري برقم (‪.)50‬‬
‫‪204‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪4.4‬تثبيت امل�ؤمنني يف ميدان ال�صراع والنزال مع الباطل و�أهله‪ .‬ف�إذا ق�صر علم الب�شر‬
‫عن العلم والإحاطة بكيد الكافرين ومكرهم ف�إن اهلل ال تخفى عليه من �أمورهم‬
‫خافية‪ ،‬وهو من ورائهم حميط وعليهم قدير‪ .‬وهذا الإميان يطمئن قلب امل�ؤمن‪،‬‬
‫ويقوي �ضعفه‪ ،‬يف مواجهة اخل�صوم وكيدهم‪ ،‬ويجعله قادر ًا على مقارعة عدوه‬
‫غري هياب وال وجل‪ ،‬قال تعالى‪}:‬ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ{[ي�س‪.]76:‬‬
‫‪5.5‬الرجاء والأن�س باهلل ‪-‬تعالى‪ -‬ودفع الي�أ�س والقنوط من القلب؛ لأن العبد �إذا‬
‫�أيقن �أن ربه يعلم حاله‪ ،‬وال تخفى عليه خافية يف ليل �أو نهار‪ ،‬يف بر �أو بحر �أو‬
‫�سماء‪ ،‬ف�إن ذلك يثمر يف قلب امل�ؤمن تعلقه بربه ‪-‬تعالى‪ ،‬العامل ب�أحوال عباده‪،‬‬
‫فيت�ضرع بني يديه‪ ،‬ويوجه �شكواه �إليه‪ ،‬ويلقي بحاجته عند بابه‪ .‬ف�إذا وافق هذا‬
‫االنطراح واالنك�سار ح�سن ظن باهلل ‪-‬تعالى‪ -‬وقوة ا�ضطرار‪ ،‬مل تتخلف الإجابة‪،‬‬
‫وجاءه الفرج من ربه العليم احلكيم‪ ،‬الرب الرحيم‪.‬‬
‫‪6.6‬اال�ست�سالم والر�ضا مبا يقدره اهلل من الأحكام الكونية القدرية من م�صائب‬
‫و�أمرا�ض وغريها‪ ،‬مما ال ن�ستطيع دفعه بالأ�سباب ال�شرعية‪ ،‬مع اليقني ب�أن كل ما‬
‫يكتبه اهلل علينا من م�صائب وغريها فهي خري لنا �إما عاج ًال �أو �آج ًال‪ ،‬ولقد‬
‫كان �أنبياء اهلل يدركون ما يف �أ�سماء اهلل من العبوديات وما يلزم عليها‬
‫من الر�ضا والت�سليم والطم�أنينة لق�ضاء اهلل وقدره‪ ،‬فهذا نبي اهلل يعقوب ‪ -‬عليه‬
‫ال�صالة وال�سالم ‪ -‬عندما جاءه اخلرب بحب�س ابنه الثاين عند عزيز م�صر ‪-‬‬
‫‪ -‬توجه برجائه ودعائه هلل ‪} :‬ﮧ ﮨ‬ ‫وقد �سبق ذلك فقده ليو�سف ‪-‬‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ‬
‫‪-‬‬ ‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ{[يو�سف‪ ،]83:‬وكذلك احلال ليو�سف ‪-‬‬
‫عندما جمعه اهلل ب�أبويه‪ ،‬حيث قال‪ } :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ‬
‫يم‬
‫ك ُ‬ ‫ير ‪ -‬ا ْل َ‬
‫ح ِ‬ ‫ِيم ‪َ -‬‬
‫الخ ِب ُ‬ ‫العل ُ‬
‫ِم ‪َ -‬‬
‫العال ُ‬
‫المجموعة التاسعة ‪َ :‬‬ ‫‪205‬‬

‫ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ{[يو�سف‪.]100:‬‬
‫‪7.7‬احلر�ص على التزود من العلم النافع‪ ،‬والتوا�ضع هلل ‪-‬تعالى‪ -‬وللخلق بهذا العلم‪،‬‬
‫وعدم التكرب والفخر به‪ ،‬وهــذا �إمنا يت ـ�أتى باليقني ب�أنه ال علم من علوم الدين‬
‫والدنيــا �إال من اهلل قال تعالى‪}:‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ{[البقرة‪.]32 :‬‬
‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫يم) من �أ�سماء الذات الدالة على �صفات‬ ‫ري ‪� -‬ٱلحْ ِك ُ‬ ‫(العالمِ ُ ‪ -‬الع ِل ُ‬
‫يم ‪ -‬اخل ِب ُ‬
‫اهلل الذاتية (ا ْل ِعلْم واخلربة والحْ ِ كْمة)‪ ،‬وهي �صفات ذات‪ ،‬مل يزل ‪-‬وال يزال‪ -‬اهلل‬
‫مت�صف ًا بها؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل ‪� -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬والثناء عليه‪ ،‬والتو�سل‬
‫�إليه‪ ،‬بهذه الأ�سماء يف جميع حاجات العبد‪ .‬والقر�آن الكرمي مليء بالأمثلة يف دعاء اهلل‬
‫‪�-‬سبحانه‪ ،‬والثناء عليه بهذه الأ�سماء‪ ،‬قال ‪-‬تعالى‪ -‬عن دعاء �إبراهيم و�إ�سماعيل ‪-‬عليهما‬
‫ال�سالم‪ ،‬يف طلب قبول العمل‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ{[البقرة‪ ،]127:‬وقوله ‪-‬تعالى‪ -‬عن دعاء امر�أة عمران يف‬
‫قبول نذرها‪}:‬ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ{[�آل عمران‪ ،]35:‬وقوله ‪-‬تعالى‪ -‬عن دعاء يعقوب ‪} :‬ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜ{[يو�سـف‪ ،]83:‬وقوله ‪-‬تعالى‪ -‬عن ا�ستجابته لدعـاء يو�سف ‪} :‬ﮜ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ{ [يو�سف‪ ،]34:‬وقوله ‪-‬تعالى‪ -‬عن‬
‫املالئكة يف دعائها للم�ؤمنني‪ }:‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ{[غافر‪ ،]8:‬وغريها‬
‫كثري‪ .‬ويت�أكد الدعاء والثناء بهذه الأ�سماء عند �س�ؤال اهلل العلم والفهم واحلكمة‪ ،‬ومن‬
‫قال‪�« :‬ضمني النبي‪� ¤‬إلى �صدره‪ ،‬وقال‪( :‬اللهم ع ِّلمه‬ ‫ذلك حديث ابن عبا�س‬
‫‪206‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫احلكمة)(‪ ،)53‬وكذلك يت�أكد الدعاء بهذه الأ�سماء وال�صفات حال اال�ستخارة‪ ،‬كما جاء عنه‬
‫‪�( :¤‬إذا هَ ّم �أحدكم بالأمر فلريكع ركعتني من غري الفري�ضة‪ ،‬ثم ليقل‪ :‬اللهم �إين‬
‫�أ�ستخريك بعلمك‪ ،‬و�أ�ستقدرك بقدرتك‪ ،‬و�أ�س�ألك من ف�ضلك العظيم؛ ف�إنك تقدر وال‬
‫�أقدر‪ ،‬وتعلم وال �أعلم‪ ،‬و�أنت عالم الغيوب‪.)54()..‬‬
‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬
‫ير�ضع من‬
‫ُ‬ ‫‪ æ‬من حديث الثالثة الذين تكلموا يف املهد قوله ‪ ..( :¤‬وبينا �صبي‬
‫ْ‬
‫اجعل ابني‬ ‫اللهم‬
‫ح�سنة‪ ،‬فقالت �أ ُّمه‪َّ :‬‬ ‫ٍ‬ ‫و�شارة‬
‫ٍ‬ ‫فارهة‬
‫ٍ‬ ‫دابة‬
‫راكب على ٍ‬ ‫رجل ٌ‬ ‫�أ ِّمه‪ ،‬فم َّر ٌ‬
‫اللهم ال جتعلني مث َله!‪ ،‬ثم‬ ‫مثل هذا! فرتك الثدي و�أقبل �إليه فنظر �إليه فقال‪َّ :‬‬ ‫َ‬
‫ر�سول اهلل ‪ ¤‬وهو يحكي‬ ‫يرت�ضع!) قال الراوي‪ :‬فك�أين �أنظ ُر �إلى ِ‬
‫ُ‬ ‫�أقبل على ثديه فجعل‬
‫بجارية وهم ي�ضربونها‬ ‫ٍ‬ ‫مي�صها! قال‪( :‬ومروا‬
‫فمه‪ ،‬فجعل ُّ‬ ‫ارت�ضاعه ب�إ�صب ِعه ال�سباب ِة يف ِ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫الوكيل! فقالت �أ ُّمه‪ :‬اللهم‬ ‫تقول‪ :‬ح�سبي اهلل ونعم‬‫ُ‬ ‫�سرقت! وهي‬ ‫ِ‬ ‫زنيت‪،‬‬‫ويقولون‪ِ :‬‬
‫اللهم اجعلني مث َلها! فهناك‬ ‫جتعل ابني مث َلها! فرتك الر�ضا َع ونظر �إليها‪ ،‬فقال‪َّ :‬‬ ‫ْ‬ ‫ال‬
‫الهيئة فقلتُ ‪ :‬اللهم اجعل ابني‬ ‫ِ‬ ‫احلديث‪ ،‬فقالت‪َ :‬ح ْل َقى(‪ !)55‬مر ٌ‬
‫رجل ح�سنُ‬ ‫َ‬ ‫تراجعا‬
‫مث َله‪ ،‬فقلت‪ :‬اللهم ال جتعلني مث َله!‪ ،‬ومروا بهذه الأ َم ِة وهم ي�ضربونها ويقولون‪:‬‬
‫اللهم اجعلني مث َلها!‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫جتعل ابني مث َلها‪ ،‬فقلت‪َّ :‬‬ ‫ْ‬ ‫�سرقت‪ ،‬فقلتُ ‪َّ :‬‬
‫اللهم ال‬ ‫ِ‬ ‫زنيت‪،‬‬
‫ِ‬
‫اللهم ال جتعلني مث َله‪ ،‬و�إن هذه يقولون لها‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫الرجل كان جبا ًرا! فقلت‪:‬‬ ‫َ‬ ‫�إن ذاك‬
‫اللهم اجعلني مث َلها)(‪.)56‬‬ ‫و�سرقت‪ ،‬ومل ت�سرقْ ! فقلت‪َّ :‬‬
‫ِ‬ ‫زنيت‪ ،‬ومل تزنِ !‬ ‫ِ‬
‫‪ æ‬قال عدي بن حامت الطائي ‹‪ « :‬قال يل النبي ‪( :¤‬يا عدي بن حامت‪� ،‬أ�سلم‬
‫ت�سلم) فقلت‪� :‬إين على دين‪ ،‬قال‪�( :‬أنا �أعلم بدينك منك!)‪ ،‬قلت‪� :‬أنت �أعلم بديني‬
‫(‪ )53‬رواه البخاري برقم (‪.)3756‬‬
‫(‪ )54‬رواه البخاري برقم (‪.)6382‬‬
‫(‪َ )55‬ح ْل َقى‪ :‬كلمة مبعنى الدعاء‪� ،‬أي �أ�صابه اهلل بوجع يف َحلقه‪ ،‬وهي جتري على الل�سان وتقال على �سبيل العتب والتعجب ال‬
‫ْ‬
‫على نية وقوع ذلك وهو مذهب م�شهور يف الدعاء على ال�شيء من غري �إرادة وقوعه كقولهم‪ :‬قاتلك اهلل‪ ،‬وتربت يداك وغريه‪.‬‬
‫(‪ )56‬متفق عليه‪ :‬البخاري برقم (‪ ،)3436‬وم�سلم برقم (‪ ،)2550‬من حديث �أبي هريرة‪.‬‬
‫يم‬
‫ك ُ‬ ‫ير ‪ -‬ا ْل َ‬
‫ح ِ‬ ‫ِيم ‪َ -‬‬
‫الخ ِب ُ‬ ‫العل ُ‬
‫ِم ‪َ -‬‬
‫العال ُ‬
‫المجموعة التاسعة ‪َ :‬‬ ‫‪207‬‬

‫مني؟!‪ ،‬قال‪( :‬نعم ‪-‬قالها ثالث ًا‪ -‬قال‪�( :‬أل�ست َر ُك ِ‬


‫و�س َّي ًا؟(‪ ،))57‬قلت‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪�( :‬أل�ست‬
‫تر�أ�س قومك؟)‪ ،‬قلت‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪�( :‬أل�ست ت�أخذ املرباع؟(‪ ،))58‬قلت‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪( :‬ف�إن ذلك‬
‫علي غ�ضا�ضة!(‪ ،)59‬ويف رواية‪ :‬قلت‪� :‬أجل واهلل‪،‬‬ ‫ال يحل لك يف دينك!)‪ ،‬قال‪ :‬فوجدت بها َّ‬
‫وعرفت �أنه نبي مر�سل‪ ،‬يعلم ما ُيجهل‪ ،‬ثم قال‪�( :‬إنه لعله �أن مينعك �أن ُت�سلم �أن ترى‬
‫مبن عندنا خ�صا�صة(‪ ،)60‬وترى النا�س علينا �إلب ًا واحد ًا؟(‪ ،)61‬هل ر�أيت احلرية؟)‪،‬‬
‫قلت‪ :‬مل �أرها‪ ،‬وقد علمت مكانها‪ ،‬قال‪( :‬ف�إن الظعينة(‪� )62‬سرتحل من احلرية تطوف‬
‫بالبيت بغري جوار(‪ ،)63‬ولتفتحن علينا كنوز ك�سرى بن هرمز)‪ ،‬قلت‪ :‬كنوز ك�سرى بن‬
‫هرمز؟! قال‪( :‬كنوز ك�سرى بن هرمز!‪ ،‬وليفي�ضن املال حتى َي ُه َّم الرجل من يقبل ماله‬
‫منه �صدقة)‪ ،‬قال‪ :‬فقد ر�أيت الظعينة ترحل من احلرية بغري جوار‪ ،‬وكنت يف �أول‬
‫خيل �أغارت على املدائن‪ ،‬وواهلل لتكونن الثالثة‪� ،‬إنه حلديث ر�سول ‪.)64(»¤‬‬
‫‪ æ‬من ال�صعوبة مبكان ح�صر الن�صو�ص ال�شرعية التي حتدثت عن علم الغيب يف املا�ضي‬
‫واحلا�ضر وامل�ستقبل‪ ،‬و�سرية الر�سول ‪ ¤‬مليئة ب�أخبار الغيب التي كان لها الأثر الكبري يف‬
‫و�س َّية‪ ،‬وهم قوم دينهم بني دين الن�صارى ودين ع ّباد الكواكب من ال�صابئة‪.‬‬ ‫و�سي‪ :‬من ال َّر ُك ِ‬
‫(‪ )57‬ال َّر ُك ِ‬
‫ ‬ ‫(‪ )58‬املرباع‪� :‬أي ربع الغنيمة‪ ،‬وكان �أهل اجلاهلية �إذا �أغاروا فغنموا �أعطوا �سيدهم ربع الغنيمة‪.‬‬
‫ْ�ص وا ْنك�سا ٌر ُ‬
‫وذ ٌّل‪.‬‬ ‫(‪ )59‬غ�ضا�ضة‪� :‬أي َنق ٌ‬
‫(‪ )60‬خ�صا�صة‪ :‬الفق ُر واحلاجة و�سو ُء احلال‪ .‬‬
‫(‪� )61‬إلب ًا واحد ًا‪� :‬أي ت�ضافر النا�س و تجَ َ َّم َعوا على عداوة الر�سول ‪ ¤‬و�أ�صحابه‪.‬‬
‫(‪ )62‬الظعينة‪ :‬ال َه ْودج تكون فيه املر�أَة‪.‬‬
‫(‪ )63‬اجلوار‪� :‬أي حماية ومنعة‪.‬‬
‫(‪� )64‬أخرجه الإمام �أحمد وابن حبان واحلاكم والبيهقي وابن ع�ساكر وغريهم‪ ،‬وقال احلافظ ابن عبد الرب عند ترجمته‬
‫لل�صحابي اجلليل عدي بن حامت يف «اال�ستيعاب» (حديث ح�سن �صحيح) وقال الأرنا�ؤوط‪� :‬إ�سناده قوي‪ ،‬يف حتقيقه لكتاب‬
‫(الإح�سان يف تقريب �صحيح ابن حبان‪ :‬جـ‪� – 15 :‬ص‪ – 73 :‬برقم‪ ،)6679 :‬و�ضعف الألباين هذا احلديث يف (�سل�سلة‬
‫الأحاديث ال�ضعيفة واملو�ضوعة‪ :‬جـ‪� – 13‬ص‪ – 1104 :‬برقم‪ )6488 :‬بحجة وجود رجل جمهول يف �سنده بني راوي احلديث‬
‫�أبى عبيدة بن حذيفة وال�صحابي عدي بن حامت ‹ فقال‪�« :‬إن مدار �إ�سناد هذه الق�صة على حممد بن �سريين عن �أبي عبيدة‬
‫عن رجل (جمهول) عن عدي»‪ ،‬واجلزء الأخري من احلديث (هل �أتيت احلرية؟) قد �صح من طريق �آخر عن عدي كما جاء‬
‫يف البخاري وفيه‪ .. ( :‬يا عدي!‪ ،‬هل ر�أيت احلرية؟)‪ ،‬قلت‪ :‬مل �أرها!‪ ،‬وقد �أنبئت عليها‪ ،‬قال‪( :‬ف�إن طالت بك احلياة‪ ،‬لرتين‬
‫الظعينة ترحتل من احلرية‪ ،‬حتى تطوف بالكعبة ال تخاف �أحدا �إال اهلل! ‪ -‬قلت فيما بيني وبني نف�سي‪ :‬ف�أين دعار طيء الذين‬
‫قد �سعروا يف البالد ‪ -‬ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز ك�سرى)‪ ،‬قلت‪ :‬ك�سرى بن هرمز؟!‪ ،‬قال‪( :‬ك�سرى بن هرمز!‪ ،‬ولئن‬
‫طالت بك حياة‪ ،‬لرتين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب �أو ف�ضة‪ ،‬يطلب من يقبله فال يجد �أحدا يقبله منه!‪ .... ،‬قال عدي‪:‬‬
‫فر�أيت الظعينة ترحتل من احلرية حتى تطوف بالكعبة ال تخاف �إال اهلل‪ ،‬وكنت فيمن افتتح كنوز ك�سرى بن هرمز‪ ،‬ولئن طالت‬
‫بكم احلياة‪ ،‬لرتون ما قال �أبو القا�سم ‪ »¤‬البخاري (برقم‪.)3595 :‬‬
‫‪208‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫�إ�سالم بع�ض ال�صحابة‪ ،‬ولأهمية هذا العلم‪ ،‬ودوره الكبري يف تثبيت الإميان‪ ،‬والثقة بهذا الدين‪،‬‬
‫والو�صول �إلى درجة اليقني؛ خ�ص�ص ال�شارع باب ًا كبري ًا لهذا العلم‪ ،‬و�أ�سماه �أ�شراط ال�ساعة‪،‬‬
‫وعالمات القيامة ال�صغرى والكربى‪ ،‬وهي �أحداث م�ستقبلية �أخرب الكتاب وال�سنة بوقوعها قبل‬
‫قيام ال�ساعة‪ ،‬وقد وقع القليل منها يف حياة الر�سول ‪ ،¤‬وبع�ضها بعده‪ ،‬وال زال الكثري منها مل‬
‫يقع بعد‪ .‬وتعد هذه العالمات الغيبية من �أعظم الدالئل على علم اهلل ‪�-‬سبحانه وتعالى‪ -‬مبا يكون‬
‫ف�ض ًال عما كان‪ .‬وكمثال على ذلك ما جاء عن �أبي ن�ضرة قال‪ :‬كنا عند جابر بن عبد اهلل‬
‫فقال‪( :‬يو�شك �أهل العراق �أن ال يجبى �إليهم قفيز(‪ )65‬وال درهم‪ ،‬قلنا‪ :‬من �أين ذاك؟ قال‪:‬‬
‫من قبل العجم(‪ ،)66‬مينعون ذاك‪ .‬ثم قال‪ :‬يو�شك �أهل ال�شام �أن ال يجبى �إليهم دينار وال‬
‫مدي(‪ ،)67‬قلنا‪ :‬من �أين ذاك؟ قال‪ :‬من قبل الروم‪ ،‬ثم �سكت هنية‪ ،‬ثم قال‪ :‬قال ر�سول اهلل‬
‫‪ :¤‬يكون يف �آخر �أمتي خليفة يحثي املال حثي ًا‪ ،‬ال يعده عدد ًا)(‪ ،)68‬فهذه ثالث �آيات‬
‫غيبية‪ ،‬ك�شفها اهلل لنا على ل�سان ر�سوله ‪ ،¤‬ومن يدري فلعل الأولى هي ح�صار العراق الذي‬
‫ا�ستمر (‪� 12‬سنة) (من عام ‪ 1991‬م وحتى ‪2003‬م) عندما تواط�أت جميع �أمم الأر�ض ‪ -‬غري‬
‫العرب‪ ،‬وهم العجم ‪ -‬على تطبيقه‪ ،‬ولعل الثانية ح�صار ال�شعب ال�سوري امل�سلم �إبان ثورته �ضد‬
‫نظامه الطائفي الن�صريي والذي تواط�أ الروم على تنفيذه‪ .‬ومن الدقائق اللطيفة يف احلديث‪،‬‬
‫�أنه ذكر (الدرهم) يف ح�صار العراق‪ ،‬بينما ذكر (الدينار) يف ح�صار ال�شام‪ ،‬والدرهم �أقل‬
‫بكثري من الدينار‪ ،‬مما ي�شري �إلى قوة احل�صار يف الأولى دون الثانية‪ ،‬كما هو مالحظ اليوم‪ .‬ف�إن‬
‫كان هذا احلديث املعجز؛ �إخبار ًا مبا وقع يف احل�صارين‪ ،‬فهل نحن على �أعتاب الآية الثالثة؟!‪.‬‬
‫‪ æ‬عن جبري بن نفري‪ ،‬عن �أبيه قال‪« :‬جل�سنا �إلى املقداد بن الأ�سود يوم ًا‪ ,‬فمر‬
‫به رجل فقال‪ :‬طوبى لهاتني العينني اللتني ر�أتا ر�سول اهلل ‪ ¤‬واهلل �إنا لوددنا �أن ر�أينا ما‬
‫ر�أيت‪ ,‬و�شهدنا ما �شهدت‪ ,‬فا�ستغ�ضب! فجعلت �أعجب!‪ ،‬ما قال �إال خريا!‪ ،‬ف�أقبل �إليه‬
‫فقال‪ :‬ما يحمل الرجل �أن يتمنى حم�ضراً غيبه اهلل عنه؟ ال يدري لو �شهده كيف‬
‫كان يكون فيه؟! واهلل لقد ح�ضر ر�سول اهلل ‪� ¤‬أقوام �أكبهم اهلل على مناخرهم‬
‫(‪ )65‬القفيز‪ :‬مكيال �أهل العراق للحبوب‪ ،‬واملق�صود منع الطعام‪.‬‬
‫(‪ )66‬العجم‪ :‬كل �شعوب الأر�ض من غري العرب‪.‬‬
‫(‪ )67‬املدي‪ :‬مكيال �أهل ال�شام للحبوب‪ ،‬واملق�صود منع الطعام‪.‬‬
‫(‪ )68‬رواه م�سلم برقم (‪.)2913‬‬
‫يم‬
‫ك ُ‬ ‫ير ‪ -‬ا ْل َ‬
‫ح ِ‬ ‫ِيم ‪َ -‬‬
‫الخ ِب ُ‬ ‫العل ُ‬
‫ِم ‪َ -‬‬
‫العال ُ‬
‫المجموعة التاسعة ‪َ :‬‬ ‫‪209‬‬

‫يف جهنم‪ ,‬مل يجيبوه‪ ،‬ومل ي�صدقوه‪� ,‬أوال حتمدون اهلل �إذ �أخرجكم ال تعرفون �إال‬
‫ربكم‪ ,‬م�صدقني ملا جاء به نبيكم‪ ,‬قد كفيتم البالء بغريكم‪ ،‬واهلل لقد َبعث اهلل‬
‫النبي ‪ ¤‬على �أ�شد حال بعث عليها فيه نبي من الأنبياء يف فرتة وجاهلية‪ ,‬ما‬
‫يرون �أن ديناً �أف�ضل من عبادة الأوثان‪ ,‬فجاء بفرقان ف َّرق به بني احلق والباطل‪،‬‬
‫وف َّرق بني الوالد وولده‪ ،‬حتى �إن كان الرجل لريى والده وولده �أو �أخاه كافراً‪,‬‬
‫وقد فتح اهلل قفل قلبه للإميان‪ ,‬يعلم �أنه �إن هلك دخل النار‪ ،‬فال تقر عينه وهو‬
‫يعلم �أن حبيبه يف النار‪ ,‬و �إنها للتي قال اهلل تعالى ‪ } :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ{[الفرقان‪.)69(»]74:‬‬
‫‪ æ‬عن عثمان بن الهيثم قال‪« :‬كان رجل بالب�صرة من بني �سعد‪ ،‬وكان قائداً‬
‫من قادة عبيد اهلل بن زياد‪ ،‬ف�سقط على ال�سطح فانك�سرت رجاله‪ ،‬فدخل عليه‬
‫�أبو قالبة يعوده‪ ،‬فقال له‪� :‬أرجو �أن تكون لك خرية!‪ ،‬فقال له‪ :‬يا �أبا قالبة‪ ،‬و�أي‬
‫لي جميعاً؟! فقال �أبو قالبة‪ :‬ما �سرت اهلل عليك �أكرث‪ .‬فلما كان بعد‬
‫خري يف ك�سر ر ِْج َّ‬
‫ثالث ليال ورد عليه كتاب ابن زياد‪� :‬أن يخرج فيقاتل احل�سني ‹‪ .‬فقال للر�سول‪:‬‬
‫قد �أ�صابني ما ترى!‪ .‬فما كان �إال �سبع ًا حتى وافى اخلرب بقتل احل�سني ‹!‪ ،‬فقال‬
‫الرجل‪ :‬رحم اهلل �أبا قالبة‪ ،‬لقد �صدق!‪� ،‬إنه كان خرية يل»(‪.)70‬‬
‫‪ æ‬قال احل�سن الب�صري‪« :‬ال تكرهوا النقمات الواقعة‪ ،‬والباليا احلادثة‪،‬‬
‫فلَ ُر َّب �أم ٍر تكرهه فيه جناتك‪ ،‬ول ُر ّب �أم ٍر ت�ؤثره فيه عطبك»(‪� )71‬أي‪ :‬هالكك‪.‬‬
‫امل�سيب‪« :‬بينما رجل واقف بالليل يف �شجر كثري‪ ،‬وقد َع َ�صفت الريح‪،‬‬
‫‪ æ‬قال �سعيد بن ّ‬
‫فوقع يف نف�س الرجل‪� :‬أترى اهلل يعلم ما ي�سقط من هذا الورق؟!‪ ،‬فنودي من جانب‬
‫الغ ْي�ضة(‪ )72‬ب�صوت عظيم‪ }:‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ{[امللك‪.)73(»]14:‬‬
‫‪ æ‬قال الإمام �أحمد بن حنبل‪« :‬قال تبارك وتعالى‪ } :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫(‪� )69‬أخرجه الإمام �أحمد و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة (جـ‪ - 6 :‬رقم‪.)2823 :‬‬
‫(‪� )70‬صفة ال�صفوة (جـ‪� – 3 :‬ص‪.)238 :‬‬
‫(‪�( )71‬شفاء العليل) للإمام �أبن القيم (جـ‪� – 1:‬ص‪� )350:‬ضمن مرتبة (العلم) يف (الباب العا�شر‪ :‬يف مراتب الق�ضاء والقدر)‪.‬‬
‫(‪ )72‬الغي�ضة‪ :‬ال�شجر الكثري امللتف‪.‬‬
‫(‪ )73‬تف�سري (اجلامع لأحكام القر�آن) للقرطبي عند تف�سري الآية (‪ )14‬من �سورة (امللك)‪.‬‬
‫‪210‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ{[الرحمن‪ ،]4-1:‬ف�أخرب تعالى �أن القر�آن‬


‫م��ن عِ �� ْل��مِ��ه �إذ ق���ال‪ } :‬ﭹ ﭺ{‪ ،‬وق��ال‪ } :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ{[البقرة‪ ،]120:‬فالقر�آن من علم اهلل‪ ،‬ويف الآي��ات دليل على �أن ال��ذي جاءه‬
‫هو القر�آن»(‪ ،)74‬فالقر�آن هو كالم اهلل املُ ْع ِجز‪ ،‬وكالمه من علمه �سبحانه‪ ،‬وهذا كله من‬
‫�أو�صافه التي ال مياثله فيها �أحد‪ ،‬ولذا حتدى به الثقلني فقال تعالى‪} :‬ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭧﭨﭩﭪﭫ ﭬﭭ‬
‫ﭮ{[الإ�سراء‪ ،]88:‬يقول ال�شيخ ال�سعدي‪« :‬حتدى اهلل الإن�س واجلن �أن ي�أتوا مبثله‪،‬‬
‫و�أخرب �أنهم ال ي�أتون مبثله‪ ،‬ولو تعاونوا كلهم على ذلك مل يقدروا عليه‪ .‬ووقع كما‬
‫�أخرب اهلل‪ ،‬ف�إن دواعي �أعدائه املكذبني به متوفرة على رد ما جاء به ب�أي وجه كان‪ ،‬وهم‬
‫�أه��ل الل�سان والف�صاحة‪ ،‬فلو كان عندهم �أدن��ى ت�أهل ومت ّكن من ذلك لفعلوه‪ .‬ف ُعلم‬
‫بذلك �أنهم �أذعنوا غاية الإذع��ان طوعاً وكرهاً‪ ،‬وعجزوا عن معار�ضته‪ .‬وكيف يقدر‬
‫املخلوق من تراب‪ ،‬الناق�ص من جميع الوجوه‪ ،‬الذي لي�س له علم وال قدرة وال �إرادة‬
‫وال م�شيئة وال كالم وال كمال �إال من رب��ه‪� ،‬أن يعار�ض كالم رب الأر���ض وال�سماوات‪،‬‬
‫املطلع على �سائر اخلفيات‪ ،‬الذي له الكمال املطلق‪ ،‬واحلمد املطلق‪ ،‬واملجد العظيم‪،‬‬
‫الذي لو �أن البحر ميده من بعده �سبعة �أبحر مداداً‪ ،‬والأ�شجار كلها �أقالم‪ ،‬لنفذ املداد‪،‬‬
‫وفنيت الأق�لام‪ ،‬ومل تنفد كلمات اهلل؟!‪ .‬فكما �أن��ه لي�س �أح��د من املخلوقني مماث ً‬
‫ال‬
‫هلل يف �أو�صافه؛ فكالمه من �أو�صافه‪ ،‬التي ال مياثله فيها �أح��د‪ ،‬فلي�س كمثله �شيء‬
‫يف ذات��ه و�أ�سمائه و�صفاته و�أف��ع��ال��ه ت��ب��ارك وت��ع��ال��ى»(‪ ،)75‬ويقول �سيد قطب يف ظالله‬
‫عند ت�أمالته يف قول اهلل تعالى‪} :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ{[البقرة‪« : ،]23:‬وه��ذا‬
‫التحدي ظل قائما يف حياة الر�سول ‪ ¤‬وبعدها‪ ،‬وما يزال قائماً �إلى يومنا هذا‪ ،‬وهو‬
‫حجة ال �سبيل �إلى املماحكة فيها‪ ،‬وما يزال القر�آن يتميز من كل كالم يقوله الب�شر‬
‫(‪( )74‬احلجة يف بيان املحجة و�شرح عقيدة �أهل ال�سنة) لقوام ال�سنة �إ�سماعيل بن حممد الأ�صبهاين‪( ،‬جـ‪� - 2 :‬ص‪،)561 :‬‬
‫(طبعة دار الراية‪ ،‬الريا�ض‪ 1419 ،‬هـ)‪ ،‬و(�سري �أعالم النبالء) للذهبي (�ص‪ ،)951:‬وكالم الإمام �أحمد جاء يف ختام ر�سالته‬
‫لأمري امل�ؤمنني «املتوكل»‪ ،‬وكان اخلليفة «املتوكل» قد �أر�سل للإمام احمد ي�س�أله م�س�ألة معرفة وتب�صرة عن القر�آن ال م�س�ألة امتحان‪،‬‬
‫وقد �أورد الإمام الذهبي هذه الر�سالة كاملة يف (�سري �أعالم النبالء) (�ص‪ )950:‬عند ترجمته للإمام �أحمد (برقم‪.)665 :‬‬
‫(‪( )75‬تف�سري ال�سعدي) عند تف�سري الآية (‪ )88‬من �سورة (الإ�سراء) �ص (‪.)417‬‬
‫يم‬
‫ك ُ‬ ‫ير ‪ -‬ا ْل َ‬
‫ح ِ‬ ‫ِيم ‪َ -‬‬
‫الخ ِب ُ‬ ‫العل ُ‬
‫ِم ‪َ -‬‬
‫العال ُ‬
‫المجموعة التاسعة ‪َ :‬‬ ‫‪211‬‬

‫متيزاً وا�ضحاً قاطعاً‪ ،‬و�سيظل كذلك �أب��داً‪ ،‬و�سيظل كذلك ت�صديقا لقول اهلل تعالى‬
‫يف الآية التالية‪} :‬ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ‬
‫ﰃ ﰄ{[البقرة‪ ،]24:‬والتحدي هنا عجيب‪ ،‬واجلزم بعدم �إمكانه �أعجب‪ ،‬ولو‬
‫كان يف الطاقة تكذيبه ما توانوا عنه حلظة‪ ،‬وما من �شك �أن تقرير القر�آن الكرمي‬
‫�أنهم لن يفعلوا‪ ،‬وحتقق هذا كما قرره؛ هو بذاته معجزة ال �سبيل �إلى املماراة فيها‪،‬‬
‫ولقد كان املجال �أمامهم مفتوحاً‪ ،‬فلو �أنهم ج��اءوا مبا ينق�ض هذا التقرير القاطع‬
‫النهارت حجية القر�آن‪ ،‬ولكن هذا مل يقع ولن يقع»(‪ ,)76‬فالقران كالم اهلل املُ ْع ِجز‪،‬‬
‫وكالمه من علمه �سبحانه‪ ،‬ومع ِعظم هذه ال�صفات وجاللها ف�إن اهلل َي َّ�س َر القر�آن لعباده كي‬
‫ويحفظو ُه يف �صدو ِرهم‪ ،‬واهلل على كل �شيء قدير‪ ،‬و�إال فالأ�صل عدم قدرة‬ ‫ُ‬ ‫َيت ُلو ُه ب�أل�سن ِتهم‪،‬‬
‫وم ّن ٌة منه عليهم‪ ،‬قال تعالى‪} :‬ﮞ‬ ‫الب�شر على ذلك‪ ،‬وهذا ال َت ْي ِ�سري رحمة من اهلل لعباده‪ِ ،‬‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ{[القمر‪ ،]١٧:‬قال ابن عبا�س ‪» :‬لوال �أ َّن اهلل‬
‫ني ما ا�ستطاع �أَ َح ٌد من الخَْ ْلقِ �أن َي َت َك َّل َم بكالم ا ِ‬
‫هلل » (‪.)77‬‬ ‫َي َّ�س َر ُه على ل�سان ْالآدَمِ ِّي َ‬
‫‪ æ‬‏قال ابن تيمية‪ « :‬النا�س �أربعة �أق�سام؛ منهم من يكون �صالحه على ال�سراء‪،‬‬
‫ومنهم من يكون �صالحه على ال�ضراء‪ ،‬ومنهم من ي�صلح على هذا وهذا‪ ،‬ومنهم‬
‫من ال ي�صلح على واحد منهما‪ ،‬والإن�سان الواحد قد جتتمع له هذه الأحوال الأربعة‬
‫يف �أوقات متعددة �أو يف وقت واحد باعتبارها �أنواعاً يُبتلى بها‪ ،‬وقد جاء يف احلديث‬
‫املرفوع‪�( :‬إن من عبادي من ال ي�صلحه �إال الغنى ولو �أفقرته لأف�سده ذلك‪ ،‬و�إن من‬
‫عبادي من ال ي�صلحه �إال الفقر ولو �أغنيته لأف�سده ذلك‪ ،‬و�إن من عبادي من ال‬
‫ي�صلحه �إال ال�سقم ولو �أ�صححته لأف�سده ذلك‪ ،‬وذلك �أين �أدبر عبادي �إين بهم خبري‬
‫ب�صري(‪ .)78‬فكما �أن التنعم العاجل لي�س بنعمة يف احلقيقة‪ ،‬قد يكون يف احلقيقة بالء‬
‫و�شرا باعتبار املع�صية فيه‪ ،‬والطاعة املتقدمة قد تكون حابطة و�سببا لل�شر باعتبار‬
‫ما يعقبها من ردة وفتنة‪ ،‬فكذلك الت�أمل العاجل قد يكون يف احلقيقة خريا ونعمة‪،‬‬
‫(‪ )76‬تف�سري (يف ظالل القر�آن) ل�سيد قطب عند تف�سري الآيات (‪ )24-23‬من �سورة (البقرة) (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)42 :‬‬
‫(‪( )77‬تف�سري ابن كثري) عند تف�سريه ل�سورة (القمر) الآية (‪.)17‬‬
‫(‪ )78‬رواه البيهقي يف (الأ�سماء وال�صفات) برقم (‪( )231‬جـ‪� 1 :‬ص‪ )308 - 307 :‬و�أبو نعيم يف (احللية) (جـ‪� - 8:‬ص‪318 :‬‬
‫‪ )319-‬من حديث �أن�س بن مالك‪ ،‬و�ضعفه الألباين يف ال�سل�سلة ال�ضعيفة برقم (‪ ،)1775‬وقال‪�( :‬ضعيف جدا)‪.‬‬
‫‪212‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫واملع�صية املتقدمة قد تكون �سببا للخري باعتبار التوبة وال�صرب علي ما تعقبه من‬
‫م�صيبة‪ ،‬لكن تتبدل الطاعة واملع�صية‪ ،‬وهذا يقت�ضي �أن العبد حمتاج يف كل وقت �إلى‬
‫اال�ستعانة باهلل على طاعته‪ ،‬وتثبيت قلبه‪ ،‬وال حول وال قوة �إال باهلل»(‪.)79‬‬
‫‪ æ‬قال ابن القيم رحمه اهلل‪ « :‬فهكذا الرب �سبحانه ال مينع عبده امل�ؤمن �شيئا‬
‫من الدنيا �إال وي�ؤتيه �أف�ضل منه و�أنفع له‪ .‬ولي�س ذلك لغري امل�ؤمن‪ .‬ف�إنه مينعه‬
‫احلظ الأدنى اخل�سي�س‪ ,‬وال ير�ضى له به ليعطيه احلظ الأعلى النفي�س‪ .‬والعبد‬
‫جلهله مب�صالح نف�سه‪ ,‬وجهله بكرم ربه وحكمته ولطفه‪ ,‬ال يعرف التفاوت بني ما‬
‫منع منه وبني ما ادخر له‪ .‬بل هو مولع بحب العاجل و�إن كان دنيئا‪ ,‬وبقلة الرغبة‬
‫يف الآجل و�إن كان عليا‪ .‬ولو �أن�صف العبد ربه‪ ,‬و�أنى له بذلك‪ ,‬لعلم �أن ف�ضله عليه‬
‫فيما منعه من الدنيا ولذاتها ونعيمها و�أعظم من ف�ضله عليه فيما �آتاه من ذلك‪,‬‬
‫فما منعه �إال ليعطيه‪ ,‬وال ابتاله �إال ليعافيه‪ ,‬وال امتحنه �إال لي�صافيه‪ ,‬وال �أماته �إال‬
‫ليحييه‪ ,‬وال �أخرجه �إلى هذه الدار �إال ليت�أهب منها للقدوم عليه ولي�سلك الطريق‬
‫املو�صلة �إليه»(‪ .)80‬وقال يف مو�ضع �آخر‪ « :‬لوال محَِ ُن الدنيا وم�صائ ُبها‪ ،‬لأ�صاب العب َد‬
‫ال‪،‬‬‫ال و�آج ً‬ ‫�سبب هالكه عاج ً‬ ‫ِب وال ُعجب والفرعنة وق�سوة القلب ما هو ُ‬ ‫مِ ن �أدْواء الك رْ ِ‬
‫فمن رحم ِة �أرحم الراحمني �أن يتف َّقده يف الأحيان ب�أنواع من �أدوية امل�صائب‪ ،‬تكون‬
‫حِ مية له من هذه الأدواء‪ ،‬وحِ فظاً ل�صحة عُبوديتهِ‪ ،‬وا�ستفراغاً للمواد الفا�سدة‬
‫الرديئة املهلكة منه‪ ،‬ف�سبحا َن مَن يرح ُم ببالئه‪ ،‬ويبتلى بنعمائه كما قيل‪:‬‬
‫�ض ا ْل َق ْو ِم ِبال ِّن َع ِم‬ ‫َو َي ْب َتلِى ُ‬
‫اهلل ب ْع َ‬ ‫َق ْد ُي ْن ِع ُم ُ‬
‫اهلل ِبا ْل َب ْل َوى وَ� ْإن َع ُظ َمتْ‬
‫لط َغوا‪ ،‬و َب َغ ْوا‪ ،‬و َع َت ْوا‪،‬‬ ‫فلوال �أنه �سبحانه يداوي عباده ب�أدوية املحن واالبتالء‪َ ،‬‬
‫واهلل �سبحانه �إذا �أراد بعبد خرياً �سقاه دوا ًء من االبتالء واالمتحان على قدر‬ ‫ُ‬
‫حاله ي�ستف ِر ُغ به من الأدواء املهلكة‪ ،‬حتى �إذا ه َّذبه ون َّقاه و�ص َّفاه‪� ،‬أ َّهلَه ل ِ‬
‫أ�شرف‬
‫مراتب الدنيا‪ ،‬وهى عبودي ُته‪ ،‬و�أرفع ثواب الآخرة‪ ،‬وهو ر�ؤي ُته و ُقربه»(‪.)81‬‬
‫(‪( )79‬قاعدة يف املحبة) ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية (�ص‪.)171 – 170 :‬‬
‫(‪()80‬الفوائد) للإمام �أبن القيم (�ص‪.)57 :‬‬
‫(‪( )81‬زاد املعاد يف هدي خري العباد) للإمام �أبن القيم (جـ‪� – 4 :‬ص‪( .)195 :‬ف�صل‪ :‬يف هديه ‪ ¤‬يف عالج حر امل�صيبة وحزنها)‪.‬‬
‫ُ‬
‫َّؤوف‬
‫يم ‪ -‬الر‬
‫َّح ُ‬ ‫َّح َم ُ‬
‫ن ‪ -‬الر ِ‬ ‫المجموعة العاشرة ‪ :‬الر ْ‬ ‫‪213‬‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ‪10‬ـــــــــة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ال َّر ْح َم ُة وال َّر�أ َف ُة‬
‫(‪)33 - 32 - 31‬‬
‫يم ‪ -‬ال َّر� ُ‬
‫ؤوف‬ ‫ال َّر ْح َم ُن ‪ -‬ال َّر ِح ُ‬
‫‪214‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الـمجـمـوعـ‪10‬ـة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ال َّر ْح َم ُة وال َّر�أ َف ُة‬
‫(‪)33 - 32 - 31‬‬
‫يم ‪ -‬ال َّر� ُ‬
‫ؤوف‬ ‫ال َّر ْح َم ُن ‪ -‬ال َّر ِح ُ‬
‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫‪ æ‬ال َّر ْح َمنُ ‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 57‬مرة) منها قوله تعالى‪ }:‬ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ {[الإ�سراء‪ ،]110:‬ومن ال�سنة قوله ‪:¤‬‬
‫(قال اهلل تبارك وتعالى‪� :‬أنا اهلل‪ ،‬و�أنا الرحمن‪ ،‬خلقت الرحم‪ ،‬و�شققت لها من‬
‫ا�سمي‪ ،‬فمن و�صلها و�صلته‪ ،‬ومن قطعها بتته)(‪.)1‬‬
‫يم‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 114‬مرة) منها قوله تعالى‪ }:‬ﯴ ﯵ‬ ‫‪ æ‬ال َّر ِح ُ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ{[احلجر‪ ،]49:‬وم ــن ال�سنــة حديث �أبي بكــر ال�صديق ‹ �أنه‬
‫قال للنبي ‪ :¤‬علمني دعاء �أدعو به يف �صالتي‪ ،‬قال‪( :‬قل‪ :‬اللهم �إين ظلمت نف�سي ظلما‬
‫كثريا‪ ،‬وال يغفر الذنوب �إال �أنت‪ ،‬فاغفر يل مغفرة من عندك‪ ،‬وارحمني‪� ،‬إنك �أنت‬
‫الغفور الرحيم)(‪.)2‬‬
‫ؤوف‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 10‬مرات) منها قوله تعالى‪ }:‬ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫‪ æ‬ال َّر� ُ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ{[احل�شر ‪.]10 :‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬


‫‪ æ‬ال َّر ْح َمنُ ‪�« :‬صفة م�شبهة للمو�صوف بالرحمة العامة ال�شاملة»(‪ ،)3‬فعله‬
‫(‪ )1‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (‪.)1557‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري برقم (‪.)6326‬‬
‫(‪�( )3‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)232 - 231:‬الرحمن)‬
‫ُ‬
‫َّؤوف‬
‫يم ‪ -‬الر‬
‫َّح ُ‬ ‫َّح َم ُ‬
‫ن ‪ -‬الر ِ‬ ‫المجموعة العاشرة ‪ :‬الر ْ‬ ‫‪215‬‬

‫رح َم َيرحم َرحم ًة‪ ،‬فهو راحم واملفعول َم ْرحوم‪ ،‬قال ال�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل‪(« :‬ال َّر ْح َمنُ‬ ‫ِ‬
‫ال َّر ِح ُيم) م�شتقان من (ال َّر ْحمة) على وجه املبالغة وهي ‪ :‬ال ِّر َّق ُة وال َّت َع ُّط ُف‪ ،‬و�إن كان‬
‫ا�سم (ال َّر ْح َمن) �أ�شد مبالغة من ا�سم (ال َّر ِحيم)؛ لأن بناء َفعَلاَ ن �أ�شد مبالغة من‬
‫فعيل‪ ،‬وبناء فعالن لل�سعة وال�شمول»(‪ ،)4‬وقال ال�شيخ الر�ضواين‪(« :‬ال َّر ْح َمنُ )‪ :‬املت�صف‬
‫بالرحمة العامة ال�شاملة حيث خلق عباده ورزقهم‪ ،‬وهداهم �سبلهم‪ ،‬و�أمهلهم فيما‬
‫ا�ستخلفهم وخولهم‪ ،‬وا�سرتعاهم يف �أر�ضه‪ ،‬وا�ست�أمنهم يف ملكه ليبلوهم �أيهم‬
‫�أح�سن عمال‪ ،‬ومن ثم ف�إن رحمة اهلل يف الدنيا و�سعتهم جميعا‪ ،‬ف�شملت امل�ؤمنني‬
‫والكافرين»(‪.)5‬‬
‫يم‪�« :‬صيغة مبالغة من ا�سم الفاعل (راحم)‪ ،‬وهي فعيل مبعنى‬ ‫‪ æ‬ال َّر ِح ُ‬
‫فاعلٍ ‪ ،‬كقدير مبعنى قادر ‪ ..‬و(ال َّر ِح ُيم) دل على �صفة الرحمة اخلا�صة التي ينالها‬
‫امل�ؤمنون‪ ،‬فـ (ال َّر ْح َمنُ ) دل على �صفة الرحمة العامة؛ ولذا ُبني على وزن فعالن؛ لأَن‬
‫معناه الكرثة‪ ،‬فرحمته و�سِ َعتْ كل �شيء وهو �أَ ْر َح ُم الراحمني‪ ،‬و�أَما (ال َّر ِح ُيم) فدل‬
‫على الرحمة اخلا�صة؛ الخت�صا�ص امل�ؤمنني بها كما يف قوله تعالى‪ } :‬ﰑ‬
‫ﰓ{[الأحزاب‪ ،]43:‬قال عبد اهلل بن عبا�س ‪( :‬هما ا�سمان رقيقان‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ﰒ‬
‫�أَحدهما �أَرق من الآخر)»(‪.)6‬‬
‫ؤوف‪�« :‬صفة م�شبهة للمو�صوف بالرَ�أفة‪ ،‬فعله ر� َأف َير�أف رَ�أفة‪ ،‬فهو‬ ‫‪ æ‬ال َّر� ُ‬
‫رائف‪ ،‬واملفعول مرءوف به»(‪ ،)7‬و«الر�أفة‪� :‬أبلغ الرحمة و�أر ُّقها»(‪ ،)8‬يقول ّ‬
‫الزجاج‪:‬‬
‫«يقال‪ :‬فالن رحيم‪ ،‬ف�إذا ا�شتدت رحمته فهو ر�ؤوف»(‪.)9‬‬
‫(‪( )4‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪.)118 :‬‬
‫(‪�( )5‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)232:‬الرحمن)‬
‫(‪�( )6‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)239 :‬الرحيم) (بت�صرف ي�سرب)‬
‫(‪ )7‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ب �س ط)‪.‬‬
‫(‪�( )8‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص ‪.)91‬‬
‫(‪( )9‬تف�سري �أ�سماء اهلل احل�سنى) لأبي �إ�سحاق الزجاج (�ص ‪.)62‬‬
‫‪216‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬


‫يم‪( :‬ال َّر ْح َمنُ ) ذو الرحمة العامة جلميع خلقه‪ ،‬و(ال َّر ِح ُيم) ذو‬
‫‪ æ‬ال َّر ْح َمنُ ال َّر ِح ُ‬
‫الرحمة اخلا�صة لأهل طاعته‪ ،‬قال ال�شنقيطي‪(« :‬ال َّر ْح َمنُ ) ذو الرحمة ال�شاملة جلميع‬
‫اخلالئق يف الدنيا‪ ،‬وللم�ؤمنني يف الآخرة‪( ،‬ال َّر ِح ُيم) ذو الرحمة للم�ؤمنني يوم‬
‫القيامة‪ ،‬وعلى هذا �أكرث العلماء»(‪ .)10‬وقال ال�شيخ ال�سعدي‪(« :‬ال َّر ْح َمنُ ال َّر ِح ُيم) ا�سمان‬
‫داالن على �أنه تعالى ذو الرحمة الوا�سعة العظيمة التي و�سعت كل �شيء‪ ،‬وعمت كل‬
‫حي‪ ،‬وكتبها للمتقني املتبعني لأنبيائه ور�سله‪ .‬فه�ؤالء لهم الرحمة املطلقة‪ ،‬ومن‬
‫عداهم فلهم ن�صيب منها»(‪.)11‬‬
‫ؤوف‪« :‬الرحيم العاطف بر�أفته على عباده»(‪ ،)12‬قال ابن جرير‪�« :‬إن اهلل‬ ‫‪ æ‬ال َّر� ُ‬
‫بجميع عباده ذو ر�أفة‪ ،‬والر�أفة �أعلى معاين الرحمة»(‪ ،)13‬وقال ال�سعدي‪(« :‬ال َّر� ُ‬
‫ؤوف)‬
‫�أي �شديد الر�أفة بعباده؛ فمن ر�أفته ورحمته بهم �أن يتم عليهم نعمته التي ابتد�أهم‬
‫بها‪ ،‬ومن ر�أفته توفيقهم للقيام بحقوقه وحقوق عباده‪ ،‬ومن ر�أفته ورحمته �أنه‬
‫خ َّوف العباد‪ ،‬وزجرهم عن الغي والف�ساد ‪.)14(»..‬‬
‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬
‫يم‪ :‬ذكر جمع من �أهل العلم �أن الفرق بني اال�سمني الكرميني يتعلق‬ ‫‪ æ‬ال َّر ْح َمنُ ‪ -‬ال َّر ِح ُ‬
‫بداللتهما على الرحمة املطلقة والرحمة اخلا�صة‪ ،‬فـ (ال َّر ْح َمنُ ) هو ذو الرحمة الوا�سعة ال�شاملة‬
‫جلميع اخلالئق يف الدنيا‪ ،‬وللم�ؤمنني يف الآخرة‪ ،‬و(ال َّر ِح ُيم) ذو الرحمة اخلا�صة بامل�ؤمنني‬
‫يف الدنيا والآخرة‪ ،‬قال ال�شنقيطي‪(« :‬ال َّر ْح َمنُ ) هو ذو الرحمة ال�شاملة جلميع اخلالئق‬
‫يف الدنيا‪ ،‬وللم�ؤمنني يف الآخرة‪ ،‬و(ال َّر ِح ُيم) ذو الرحمة للم�ؤمنني يوم القيامة»(‪،)15‬‬
‫(‪ )10‬تف�سري �أ�ضواء البيان لل�شنقيطي عند تف�سري الآية (‪ )3‬من �سورة الفاحتة‪.‬‬
‫(‪ )11‬تف�سري ال�سعدي عند تف�سري الآية (‪ )1‬من �سورة (الفاحتة)‪.‬‬
‫(‪�( )12‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص ‪.)91‬‬
‫(‪ )13‬تف�سري الطربي عند تف�سري الآية ‪ 143‬من �سورة البقرة‪.‬‬
‫(‪( )14‬تف�سري �أ�سماء اهلل احل�سنى) لل�شيخ ال�سعدي‪ ،‬جمع د‪ .‬عبيد العبيد‬
‫(‪ )15‬تف�سري (�أ�ضواء البيان) لل�شنقيطي عند تف�سري الآية (‪ )3‬من �سورة الفاحتة‪.‬‬
‫ُ‬
‫َّؤوف‬
‫يم ‪ -‬الر‬
‫َّح ُ‬ ‫َّح َم ُ‬
‫ن ‪ -‬الر ِ‬ ‫المجموعة العاشرة ‪ :‬الر ْ‬ ‫‪217‬‬

‫وقال يف اجلمع بني ما قرره يف قوله ال�سابق وبني دعاء النبي ‪َ ..( :¤‬رح َمن الدنْيا وال ِآخ َرة‬
‫ورحي َم ُهما)(‪« :)16‬فالظاهر يف اجلواب ‪ -‬واهلل �أعلم ‪� -‬أن (ال َّر ِح َيم) خا�ص بامل�ؤمنني‬
‫ِ‬
‫كما ذكرنا‪ ،‬لكنه ال يخت�ص بهم يف الآخرة‪ ،‬بل ي�شمل رحمتهم يف الدنيا ‪�-‬أي�ضاً‪ ،‬فيكون‬
‫معنى رحيمهما‪ :‬رحمته بامل�ؤمنني فيهما»(‪ ،)17‬وذكر بع�ض �أهل العلم �أن الفرق متعلق‬
‫بالداللة الو�صفية لكال اال�سمني الكرميني‪« ،‬فـ (ال َّر ْح َمنُ ) دال على �صفة ذاتية‪ ،‬و(ال َّر ِح ُيم)‬
‫دال على �صفة فعلية»(‪ ،)18‬يقول ال�شيخ ابن عثيمني‪« :‬هنا رحمة هي �صفته‪ ،‬هذه دل عليها‬
‫دل عليها (ال َّر ِح ُيم)‪،‬‬‫(ال َّر ْح َمنُ )؛ ورحمة هي فعله‪� ،‬أي �إي�صال الرحمة �إلى املرحوم‪ّ ،‬‬
‫و(ال َّر ْح َم ُن ال َّر ِح ُيم) ا�سمان من �أ�سماء اهلل يدالن على الذات‪ ،‬وعلى �صفة الرحمة‪ ،‬وعلى‬
‫الأثر‪� :‬أي احلكم الذي تقت�ضيه هذه ال�صفة»(‪ ،)19‬ويقول ابن القيم‪(« :‬ال َّر ْح َمنُ ) دال‬
‫على ال�صفة القائمة به ‪�-‬سبحانه‪ ،‬و(ال َّر ِح ُيم) دال على تعلقها باملرحوم؛ فكان الأول‬
‫للو�صف‪ ،‬والثاين للفعل‪ ،‬فالأول دال على �أن الرحمة �صفته‪ ،‬والثاين دال على �أنه‬
‫يرحم خلقه برحمته‪ ،‬و�إذا �أردت فهم هذا فت�أمل قوله تعالى‪ } :‬ﰑ ﰒ‬
‫ﰓ{[الأحزاب‪ ،]43:‬وقوله تعالى ‪ } :‬ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ{[التوبة‪ ،]117:‬ومل‬
‫يجئ قط رحمن بهم‪ ،‬فعلم �أن (ال َّر ْح َمنَ ) هو املو�صوف بالرحمة‪ ،‬و( َّر ِح ٌيم) هو الراحم‬
‫برحمته»(‪.)20‬‬
‫يم‪( :‬الرحمة) �أعم من (الر�أفة)؛ ولذا ُع ّدت (الر�أفة)‬ ‫‪ æ‬ال َّر� ُ‬
‫ؤوف ‪ -‬ال َّر ِح ُ‬
‫�أ�شد (الرحمة) و�أرقها‪ ،‬يقول الز ََّّجاج‪« :‬يقال‪ :‬فالن رحيم‪ ،‬ف�إذا ا�شتدت رحمته‪ ،‬فهو‬
‫رَ�ؤوف»(‪ ،)21‬و(الرحمة) تقت�ضي �إي�صال النعم عموم ًا‪ ،‬وقد ي�صاحبها �أمل وكراهة‪ ،‬ك�شرب‬
‫الدواء املر رجاء ال�شفاء‪ ،‬و�أما (الر�أفة) فتقت�ضي �إي�صال النعم �صافية عن الأمل والكراهة‪،‬‬
‫يقول القرطبي‪�« :‬إن (الر�أفة) نعمة ملذة من جميع الوجوه‪ ،‬و(الرحمة) قد تكون‬
‫(‪� )16‬أخرجه الطرباين وح�سنه الألباين يف �صحيح الرتغيب برقم (‪.)1821‬‬
‫(‪ )17‬تف�سري �أ�ضواء البيان لل�شنقيطي عند تف�سري الآية (‪ )3‬من الفاحتة‪.‬‬
‫(‪( )18‬النهج الأ�سمى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للنجدي (�ص‪.)59 :‬‬
‫(‪ )19‬تف�سري ابن عثيمني الفاحتة وجزء عم (جـ‪� -1:‬ص‪.)30:‬‬
‫(‪( )20‬بدائع الفوائد) البن القيم (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)24 :‬‬
‫(‪( )21‬تف�سري �أ�سماء اهلل احل�سنى) لأبي �إ�سحاق الزجاج (�ص ‪.)62‬‬
‫‪218‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫م�ؤملة يف احلال ويكون يف عقباها لذة‪ ،‬ولذلك قال‪ } :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬


‫ﭪ{[النور‪ ،]2 :‬ومل يقل‪ :‬رحمة‪ ،‬ف�إن �ضرب الع�صاة على ع�صيانهم رحمة لهم ال‬
‫ر�أفة‪ ،‬ف�إن �صفة (الر�أفة) �إذا ان�سدلت على خملوق مل يلحقه مكروه‪ ،‬فلذلك تقول‬
‫ملن �أ�صابه بال ٌء يف الدنيا ويف �ضمنه خري يف الأخرى‪� :‬إن اهلل قد َرحِ مه بهذا البالء‪،‬‬
‫وتقول ملن �أ�صابه عافية يف الدنيا‪ ،‬يف �ضمنها خري يف الأخرى وات�صلت له العافية‬
‫�أو ً‬
‫ال و�آخ ًرا وظاه ًرا وباط ًنا‪� :‬إ َّن اهلل قد ر�أف به»(‪.)22‬‬
‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬
‫يم‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سميه ‪�-‬سبحانه (ال َّر ْح َمن ال َّر ِحيم)‬
‫‪ æ‬ال َّر ْح َمنُ ‪ -‬ال َّر ِح ُ‬
‫«�صفة (ال َّر ْح َمة)‪ ،‬وهي �صفة ثابتة بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)23‬قال تعالى‪ } :‬ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜﯝ{[البقرة ‪ ،]218 :‬ومن ال�سنة قوله ‪( :¤‬ملا خلق اهلل اخللق‪ ،‬كتب يف كتاب‪،‬‬
‫فهو عنده فوق العر�ش‪� :‬إنَّ رحمتي تغلب غ�ضبي)(‪.)24‬‬
‫ؤوف‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال َّر�ؤوف) «�صفة (ال َّر�أ َفة) وهي‬ ‫‪ æ‬ال َّر� ُ‬
‫من �صفات الأفعال»(‪ ،)25‬قال تعالى‪ }:‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ{[احلج‪ ]65:‬قال‬
‫ابن جرير‪�« :‬إ َّن اهلل بجميع عباده ذو ر�أفة‪ ،‬والر�أفة �أعلى معاين الرحمة‪ ،‬وهي عامة‬
‫جلميع اخللق يف الدنيا ولبع�ضهم يف الآخرة»(‪.)26‬‬
‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬
‫يم‪ :‬ورد االقرتان مع (ال َّر ْح َمن) (‪ 6‬مرات) منها قوله تعالى‪ } :‬ﯽ‬
‫‪ æ‬ال َّر ِح ُ‬
‫ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ{[البقرة‪ ،]163:‬وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم‬
‫دال على ال�صفة القائمة به ‪� -‬سبحانه ‪-‬‬‫‪ -‬كما ذكر ابن القيم‪�« :‬أن (ال َّر ْح َمن) ٌّ‬
‫دال على تع ُّلقها باملرحوم‪ ،‬فكان الأول للو�صف‪ ،‬والثاين للفعل‪ ،‬فالأول‬‫و(ال َّر ِح ُيم) ٌّ‬
‫(‪( )22‬الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي ‪ -‬حتقيق‪ :‬حممد ح�سن جبل وطارق �أحمد حممد (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)173 :‬‬
‫(‪�( )23‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)125 :‬‬
‫(‪ )24‬رواه البخاري برقم (‪ ،)7404‬ورواه م�سلم برقم (‪ )2751‬واللفظ مل�سلم‪.‬‬
‫(‪�( )25‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( )670:‬الر�ؤوف)‪.‬‬
‫(‪ )26‬تف�سري الطربي عند تف�سري الآية ‪ 65‬من �سورة احلج‪.‬‬
‫ُ‬
‫َّؤوف‬
‫يم ‪ -‬الر‬
‫َّح ُ‬ ‫َّح َم ُ‬
‫ن ‪ -‬الر ِ‬ ‫المجموعة العاشرة ‪ :‬الر ْ‬ ‫‪219‬‬

‫دال على �أنه يرحم خلقه برحمته»(‪ ،)27‬وقيل‪:‬‬ ‫دال على �أن الرحمة �صفته‪ ،‬والثاين ٌّ‬ ‫ٌّ‬
‫�إنه من عطف اخلا�ص على العام كما و�ضح يف الفروق بني الأ�سماء؛ يف �أن (ال َّر ْح َمن) ذو‬
‫الرحمة الوا�سعة ال�شاملة جلميع اخلالئق يف الدنيا‪ ،‬وللم�ؤمنني يف الآخرة‪ ،‬و(ال َّر ِحيم)‬
‫ذو الرحمة اخلا�صة بامل�ؤمنني يف الدنيا والآخرة‪.‬‬
‫‪ æ‬الب�صري‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه �سبحانه (الرحمن) مرة واحدة يف قوله تعالى‪:‬‬
‫} ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧ{[امللك‪ ،]19:‬واحلكمة يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬للإ�شارة �إلى �أن اهلل ذو رحمة‬
‫وا�سعة ملأت كل �شيء‪ ،‬و�أنه ب�صري بخلقه‪ ،‬عليم بهم‪ ،‬وكيف يو�صل رحمته ولطفه �إليهم‪،‬‬
‫بدءا باخللق والإيجاد‪ ،‬ومرورا باحلياة والإمداد‪ ،‬وانتهاء بامل�آل واملعاد‪ ،‬فهو �سبحانه قد خلق‬
‫اخللق على �أح�سن الوجوه و�أحكمها و�أتقنها التي تليق بها وبدورها‪ ،‬ومن ثم رعاها يف كل‬
‫حلظة رعاية اخلبري الب�صري‪ ،‬وما �إم�ساك الطري يف اجلو �إال ك�إم�ساك الأر�ض يف الف�ضاء‪،‬‬
‫وك�إم�ساك ال�سماء �أن تقع على الأر�ض �إال ب�إذنه �سبحانه‪ ،‬وهو مقت�ضى �سعة رحمته التي‬
‫و�سعت كل �شيء‪ ،‬وعمت كل حي‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ َ{[احلج‪ ،]65 :‬قال �أبو ال�سعود‪« :‬الوا�س ُع رحم ُت ُه‬
‫للجري يف الهوا ِء ‪ } ..‬ﮤ‬ ‫ِ‬ ‫ك َّل �شي ٍء ب� ْأن بر�أهُ َّن على �أ�شكالٍ وخ�صائ�صَ ‪ ،‬وهي�أهُ َّن‬
‫ري امل�صنوعاتِ »(‪ .)28‬وقال ابن كثري‪:‬‬ ‫ﮥ ﮦ ﮧ{ يعل ُم كيفي َة �إبدا ِع املبدعاتِ وتدبـ ِ‬
‫« } ﮟ ﮠ{ �أي‪ :‬يف اجلو } ﮡ ﮢ{ �أي‪ :‬مبا �سخر لهن من الهواء من رحمته‬
‫ولطفه} ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ{ �أي‪ :‬مبا ُي�صلح كل �شيء من خملوقاته»(‪.)29‬‬
‫‪ æ‬اخلبري‪ :‬ورد االقتــران مع ا�سمه �سبحانه (الرحمــن) مرة واحدة يف قوله‬
‫تعالى‪} :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ{[الفرقان‪ ،]59:‬فال�سياق يف الآية يتحدث عن خلق ال�سموات‬
‫(‪( )27‬بدائع الفوائد) البن القيم (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)24 :‬‬
‫(‪ )28‬تف�سري �أبي ال�سعود (�إر�شاد العقل ال�سليم �إلى مزايا الكتاب الكرمي) عند تف�سري الآية (‪ )19‬من �سورة املُلك‪.‬‬
‫(‪( )29‬تف�سري ابن كثري) عند تف�سري الآية (‪ )19‬من �سورة املُلك‪.‬‬
‫‪220‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫والأر�ض‪ ،‬واال�ستواء على العر�ش‪ ،‬وعموم ملكوته وجربوته وقهره و�سلطانه لكل �شيء‪ ،‬وهي‬
‫معاين ت�سكب يف النف�س اخلوف والرهبة لهذا اخلالق العظيم الذي له علو الذات‪ ،‬وعلو‬
‫القدر وال�صفات‪ ،‬وعلو القهر‪ ،‬فكان من املنا�سب التعقيب عليها بذكر ا�سمه (الرحمن)‬
‫ترويح ًا للقلوب‪ ،‬وتطمينا لها‪ ،‬و�إ�شعار ًا ب�أن رحمته �سبقت غ�ضبه وو�سعت كل �شيء‪ ،‬و�أنه‬
‫�أبدع هذا الكون‪ ،‬ود ّبره بعموم الرحمة والرب والإح�سان‪ ،‬و�أن �صفات احلمد والكمال‪ ،‬واملدح‬
‫واجلالل لهذا الإله العظ ــيم قد بلغـ ــت مــن العظمة وال�شمـ ــول ما ال �سبيل ملعرفتـ ــه �إال‬
‫بالرجـ ــوع �إليـه �سبحانه‪ } :‬ﮄ ﮅ ﮆ{‪ ،‬يقول ال�شيخ ال�سعدي‪}« :‬ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ{ بعد ذلك } ﮀ ﮁ{ الذي‬
‫هو �سقف املخلوقات و�أعالها و�أو�سعها و�أجمله ــا } ﮃ{ ا�ست ـ ــوى على عر�شه‬
‫ال ـ ـ ــذي و�سع ال�سم ـ ــاوات والأر�ض با�سمــه } ﮬ{ الذي و�سعت رحمته كل �شيء‬
‫فا�ستوى على �أو�سع املخلوقات‪ ،‬ب�أو�سع ال�صفات‪ .‬ف�أثبت بهذه الآية خلقه للمخلوقات‬
‫واطالعه على ظاهرهم وباطنهم وعلوه فوق العر�ش ومباينته �إياهم‪ } ،‬ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ{ يعني بذلك نف�سه الكرمية‪ ،‬فهو الذي يعلم �أو�صافه وعظمته وجالله‪ ،‬وقد‬
‫�أخربكم بذلك و�أبان لكم من عظمته ما ت�سعدون به من معرفته‪ ،‬فعرفه العارفون‬
‫وخ�ضعوا جلالله‪ ،‬وا�ستكرب عن عبادته الكافرون وا�ستنكفوا عن ذلك»(‪ ،)30‬ويقول‬
‫ابن عا�شور‪ « :‬وفرع على و�صفه ب ـ ـ} ﮬ{ قوله } ﮄ ﮅ ﮆ{ للداللة‬
‫على �أن يف رحمته من العظمة وال�شمول ما ال تفي فيه العبارة فيعدل عن زيادة‬
‫التو�صيف �إلى احلوالة على عليم بت�صاريف رحمته»(‪.)31‬‬
‫‪ æ‬ال َودو ُد‪ :‬ورد االقرتان مع (ال َّر ِحيم) مرة واحدة يف قوله تعالى‪} :‬ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ{[هود‪ ،]90:‬وال�سر يف ذلك ‪-‬واهلل �أعلم‪-‬‬
‫للداللة على �أن رحمة اهلل لعباده‪ ،‬وقبوله لتوبتهم؛ هي من موجبات حمبته للمنيبني‪ ،‬وكما‬
‫(‪)30‬تف�سري (ال�سعدي) عند تف�سري الآية (‪ )59‬من �سورة الفرقان (�ص‪.)533:‬‬
‫(‪)31‬تف�سري ابن عا�شور (التحرير والتنوير) عند تف�سري الآية (‪ )59‬من �سورة الفرقان‪.‬‬
‫ُ‬
‫َّؤوف‬
‫يم ‪ -‬الر‬
‫َّح ُ‬ ‫َّح َم ُ‬
‫ن ‪ -‬الر ِ‬ ‫المجموعة العاشرة ‪ :‬الر ْ‬ ‫‪221‬‬

‫قال ابن القيم‪« :‬ف�إن الرجل قد يغفر ملن �أ�ساء �إليه وال يحبه‪ ،‬وكذلك قد يرحم من ال‬
‫يحب‪ ،‬والرب ‪-‬تعالى‪ -‬يغفر لعبده �إذا تاب �إليه ويرحمه‪ ،‬ويحبه مع ذلك‪ ،‬ف�إنه يحب‬
‫التوابني‪ ،‬و�إذا تاب �إليه عبده �أحبه ولو كان منه ما كان»(‪.)32‬‬
‫‪ æ‬ال َغ ُفور‪ :‬ورد االقرتان مع (ال َّر ِحيم) مرة واحدة يف قوله تعالى‪} :‬ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ{‬
‫[�سب�أ‪ ]2:‬وجميع االقرتانات بني اال�سمني والتي جتاوزت (‪ 71‬اقرتان ًا) ُقدِّ م (ال َغفُور) على‬
‫(ال َّر ِحيم) للإ�شارة �إلى �أن مغفرة اهلل لعبده �أثر من �آثار رحمته‪ ،‬عدا هذه الآية الوحيدة‪،‬‬
‫حيث قدم (ال َّر ِحيم) على (ال َغفُور) وال�سر يف ذلك ‪-‬واهلل �أعلم‪ -‬كما قال ابن القيم‪:‬‬
‫«لتقدم �صفة العلم فح�سن ذكر (ال َّر ِحيم) بعده ليقرتن به فيطابق قوله‪ } :‬ﮰ‬
‫ﮱﯓ ﯔﯕﯖ ﯗﯘﯙﯚ ﯛ ﯜﯝ‬
‫ﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧﯨﯩ‬
‫ﯪ ﯫ{[غافر‪ ..)33(»]7 :‬وقيل للتنا�سب مع معنى الآية يف تقدمي الولوج والنزول‬
‫على اخلروج والعروج‪ ،‬قال الرازي‪« :‬رحيم بالإنزال؛ حيث ينزل الرزق من ال�سماء‪،‬‬
‫غفور عندما تعرج �إليه الأرواح والأعمال‪َ ،‬فرحِ م �أو ًال بالإنزال‪ ،‬وغفر ثانياً عند‬
‫العروج»(‪ ،)34‬وقيل ‪�«:‬إن الآية مل يتقدمها ما ي�شعر بالذنب واخلط�أ �أو التق�صري‪،‬‬
‫و�إمنا كل الذي ُذكِر هو حمد اهلل الذي له ما يف ال�سماوات والأر�ض‪ ،‬ويعلم ما يف‬
‫باطن الأر�ض‪ ،‬وما يخرج منها‪ ،‬وما ينزل من ال�سماء وما ي�صعد �إليها‪ ،‬ففي هذا من‬
‫م�صالح النا�س الكثري‪ ،‬وهو ال يعدو �أن يكون رحمة من اهلل ‪-‬تبارك وتعالى؛ لذلك‬
‫قدمت الرحمة على املغفرة»(‪.)35‬‬
‫يم‪ :‬ورد االقرتان مع (ال َّر�ؤوف) (‪ 8‬مرات) منها قوله تعالى‪ }:‬ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫‪ æ‬ال َّر ِح ُ‬
‫(‪( )32‬التبيان يف �أميان القر�آن) البن القيم (�ص‪.)146:‬‬
‫(‪ )33‬بدائع الفوائد البن القيم (جـ ‪� - 1‬ص‪.)74 :‬‬
‫(‪ )34‬تف�سري (مفاتيح الغيب) للرازي عند تف�سري الآية (‪ )2‬من �سورة �سب�أ‪.‬‬
‫(‪( )35‬ريا�ض النعيم) لأبي عبد الرحمن �سلطان علي (جـ ‪� - 1‬ص‪.)61 :‬‬
‫‪222‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ﯤ ﯥ{[احلديد‪ ،]9:‬وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬الداللة على �أن ر�أفة اهلل �سبحانه‬
‫بعباده هي من موجبات الرحمة و�آثارها‪ ،‬و(الر�أفة) �أعلى معاين (الرحمة) و�أ�شد ما يكون منها‪.‬‬
‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫‪ æ‬الأثر العلمي االعتقادي‪:‬‬
‫اهلل هو (ال َّر ْح َمن) ذو الرحمة العامة يف الدنيا جلميع اخلالئق حتى الكفار‪ ،‬وهي رحمة‬
‫ج�سدية دنيوية باملال والطعام وال�شراب وامللب�س وامل�سكن وغريها‪ ،‬وكذلك هو (ال َّر ِحيم)‬
‫‪�-‬سبحانه‪ -‬ذو الرحمة اخلا�صة التي خ�ص بها عباده امل�ؤمنني‪ ،‬وهي رحمة �إميانية دنيوية‬
‫�أخروية بالتوفيق للإميان والتثبيت عليه‪ ،‬والإكرام بدخول اجلنة والنجاة من النار‪ ،‬وهو‬
‫‪�-‬سبحانه (ال َّر�ؤوف) بعباده‪ُ ،‬ي ِت ُّم عليهم نعمته‪ ،‬ويوفقهم للطرق التي ينالون بها اخلريات‪.‬‬
‫‪ æ‬الأثر العملي‪:‬‬
‫‪1.1‬حمبة اهلل املحبة العظيمة‪ ،‬وتعظيمه ‪�-‬سبحانه‪ -‬لأجل هذه الرحمة التي‬
‫و�سعت كل �شيء‪ ،‬والنظر والتفكر يف �آثارها يف الآفاق‪ ،‬ويف النف�س‪ ،‬والتي ال تعد وال‬
‫حت�صى‪ .‬وهذا يثمر جتريد املحبة هلل ‪-‬تعالى‪ -‬والعبودية ال�صادقة له ‪�-‬سبحانه‪-‬‬
‫وتقدمي حمبته على النف�س والأهل واملال والنا�س جمي ًعا‪ ،‬وامل�سارعة �إلى‬
‫مر�ضاته‪ ،‬والدعوة �إلى توحيده‪ ،‬واجلهاد يف �سبيله‪ ،‬وفعل كل ما يحبه وير�ضاه‪،‬‬
‫يقول ابن القيم يف و�صفه ل�شمول رحمة اهلل �سبحانه‪ « :‬و�أنت لو ت�أملت العامل‬
‫بعني الب�صرية لر�أيته ممتل ًئا بهذه الرحمة الواحدة كامتالء البحر‬
‫مبائه واجلو بهوائه ‪ ..‬وت�أمل قوله تعالى‪ } :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ{[الرحمن‪ ]4 - 1:‬كيف جعل اخللق‬
‫والتعليم نا�ش ًئا عن �صفة الرحمة متعل ًقا با�سم } ﮬ{‪ ،‬وجعل معاين‬
‫ال�سورة مرتبطة بهذا اال�سم‪ ،‬وختمها بقوله‪ } :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ{[ الرحمن‪ ،]78 :‬فاال�سم الذي تبارك هو اال�سم الذي افتتح به‬
‫ال�سورة‪� ،‬إذ جميء الربكة كلها منه‪ ،‬وبه و�ضعت الربكة يف كل مبارك‪ ،‬فكل‬
‫ُ‬
‫َّؤوف‬
‫يم ‪ -‬الر‬
‫َّح ُ‬ ‫َّح َم ُ‬
‫ن ‪ -‬الر ِ‬ ‫المجموعة العاشرة ‪ :‬الر ْ‬ ‫‪223‬‬

‫ما ذكر عليه بورك فيه‪ ،‬وكل ما �أخلي منه نزعت منه الربكة»(‪.)36‬‬
‫‪ 2.2‬عبودية الرجاء والتعلق برحمة اهلل‪ ،‬وعدم الي�أ�س‪ ،‬ف�إن اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬قد‬
‫و�سعت رحمته كل �شيء‪ ،‬وهو الذي يغفر الذنوب جمي ًعا‪ ،‬ومتى ما حقق امل�ؤمن‬
‫هذه العبودية وهذا الرجاء؛ �أثمر الأمل يف النفو�س املكروبة‪ ،‬وح�سن الظن باهلل‬
‫‪-‬تعالى‪ -‬وانتظار الفرج بعد ال�شدة ومغفرة الذنوب‪ .‬‬
‫‪3.3‬التعر�ض لرحمة اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬بفعل �أ�سبابها‪ ،‬ومن �أعظم ما ت�ستجلب به رحمة اهلل‬
‫تعالى فعل ما ير�ضيه‪ ،‬واجتناب ما ي�سخطه‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ {[الأعراف‪.]157-156:‬‬

‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫يم ‪ -‬ال َّر� ُ‬
‫ؤوف) من �أ�سماء الأفعال الدالة على �صفات اهلل الفعلية (الرحمة‬ ‫(ال َّر ِح ُ‬
‫وال َّر�أ َفة)‪ ،‬وهي �صفات تتعلق بامل�شيئة‪� ،‬إن �شاء اهلل فعلها ‪� -‬سبحانه ‪ -‬و�إن �شاء مل يفعلها‪ ،‬كما‬
‫�أن (ال َّر ْح َمنُ ) من �أ�سماء الذات الدالة على �صفة (الرحمة)؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء‬
‫اهلل ‪�-‬سبحانه وتعالى‪ -‬والثناء عليه‪ ،‬والتو�سل �إليه بهذه الأ�سماء يف حاجات العبد التي تنا�سب‬
‫معانيها‪ ،‬كحال ال�ضعف والفقر والندم على اقرتاف الذنوب‪ ،‬والرجاء يف نعيمي الدنيا والآخرة‪،‬‬
‫وغريها من الأحوال واحلاجات‪� ،‬صح عنه ‪ ¤‬قوله‪ ..( :‬رحمن الدنيا والآخرة‪ ،‬ورحيمهما‪،‬‬
‫تعطيهما من ت�شاء‪ ،‬ومتنع منهما من ت�شاء‪ ،‬ارحمني رحمة ُت ْغنيني بها َعن رحمة من‬
‫�سواك)(‪ ،)37‬و�س�ؤال النبي ‪ ¤‬يف حديث اخت�صام امللأ الأعلى‪ ..( :‬قال‪ْ :‬‬
‫�سل‪ ،‬قلت‪ :‬اللهم‬
‫�إين �أ�س�ألك فعل اخلريات‪ ،‬وترك املنكرات‪ ،‬وحب امل�ساكني‪ ،‬و�أن تغفر يل وترحمني‪،‬‬
‫و�إذا �أردت فتنة يف قوم فتوفني غري مفتون‪ ،‬و�أ�س�ألك حبك‪ ،‬وحب من يحبك‪ ،‬وحب‬
‫(‪( )36‬خمت�صر ال�صواعق املر�سلة على اجلهمية واملعطلة) البن القيم (جـ‪� – 2:‬ص‪.) 350 :‬‬
‫(‪� )37‬أخرجه الطرباين وح�سنه الألباين يف �صحيح الرتغيب برقم (‪.)1821‬‬
‫‪224‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫عمل يقرب �إلى حبك) قال ر�سول اهلل ‪�( :¤‬إنها حق‪ ،‬فادر�سوها ثم تعلموها)(‪.)38‬‬
‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬
‫اجلن‬
‫ِ‬ ‫ً‬
‫رحمة واحد ًة بني‬ ‫رحمة‪� ،‬أنزل منها‬
‫ٍ‬ ‫هلل َ‬
‫مائة‬ ‫‪ æ‬قال النبي ‪�( :¤‬إن ِ‬
‫ُ‬
‫الوح�ش‬ ‫ُ‬
‫تعطف‬ ‫والبهائم والهوا ِم‪ ،‬فبها يتعاطفون‪ ،‬وبها يرتاحمون‪ ،‬وبها‬
‫ِ‬ ‫إن�س‬
‫وال ِ‬
‫القيامة)(‪.)39‬‬
‫ِ‬ ‫يرحم بها عبا َده يو َم‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫رحمة‪،‬‬ ‫ولدها‪ ،‬و�أخّ َر ُ‬
‫اهلل ت�س ًعا وت�سعني‬ ‫على ِ‬
‫خلف‬‫أعرابي ف�أنا َخ راحل َت ُه ث َّم ع َقلها ف�ص َّلى َ‬‫‪ æ‬عن جابر بن عبداهلل قال‪ :‬جا َء � ٌّ‬
‫ر�سول اللهَّ ِ ‪� ¤‬أتى راحل َت ُه‪ ،‬ف�أطل َق عِ قا َلها‪ ،‬ث َّم ر ِك َبها‪ ،‬ث َّم‬
‫ُ‬ ‫ر�سولِ اللهَّ ِ ‪ ،¤‬فل َّما �س َّل َم‬
‫ر�سول اللهَّ ِ ‪:¤‬‬
‫ُ‬ ‫نادى‪ :‬ال َّله َّم ارحمني وحم َّمدًا وال ُت�شر ِْك يف رحمتِنا �أحدًا!‪ ،‬فقا َل‬
‫قال؟)‪ ،‬قالوا‪ :‬بلى!‪ ،‬فقا َل‪( :‬لقد‬ ‫ري ُه؟!‪� ،‬أمل ت�سمعوا ما َ‬ ‫أ�ضل �أم بع ُ‬‫(ما تقولونَ ‪� :‬أه َو � ُّ‬
‫ُ‬
‫اخلالئق‬ ‫رحمة َ‬
‫تعاط ُف بها‬ ‫ً‬ ‫رحمة‪ ،‬ف� َ‬
‫أنزل‬ ‫ٍ‬ ‫خلق َ‬
‫مائة‬ ‫عة!‪� ،‬إنَّ اللهَّ َ َ‬
‫وا�س ً‬ ‫ً‬
‫رحمة ِ‬ ‫َّ‬
‫حظ َر‬
‫ٌ‬
‫ت�سعة وت�سعونَ ‪ ،‬تقولونَ ‪� :‬أه َو � ُّ‬
‫أ�ضل �أم بع ُريه؟!)(‪.)40‬‬ ‫وبهائمها‪ ،‬وعندَ ُه‬
‫ُ‬ ‫إن�سها‬
‫جنُّها و� ُ‬
‫‪ æ‬قال تعالى وا�صفا حال فرعون عند �إغراقه‪ } :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ {[يون�س‪ ،]90:‬قال‬
‫حال البحر(‪ )41‬ف�أَ ُد ُّ�سه يف َف ِم‬
‫جربيل‪ :‬لو ر�أي ُتني و�أنا � ُآخ ُذ من ِ‬
‫ُ‬ ‫النبي ‪( :¤‬قال يل‬
‫ُ‬
‫الرحمة)(‪.)42‬‬ ‫َ‬
‫خمافة �أن ُتدر َكه‬ ‫ِفرعونَ‬
‫‪ æ‬قال رجل‪ :‬يا ر�سول اهلل‪� :‬إين لأذبح ال�شاة ف�أرحمها‪ ،‬فقال ‪( :¤‬وال�شاة‪� ،‬إن‬
‫رحمتها رحمك اهلل مرتني)(‪.)43‬‬
‫‪ æ‬عن عمر بن اخلطاب ‹ قال‪( :‬قدم على ر�سول اهلل ‪ِ ¤‬ب�سَ ْبي‪ ،‬ف�إذا امر�أة من‬
‫(‪ )38‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (‪.)2582‬‬
‫(‪ )39‬رواه م�سلم برقم (‪.)2752‬‬
‫(‪ )40‬رواه الإمام �أحمد و�أبوداود واحلاكم و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم‪.)5130( :‬‬
‫(‪ )41‬حال البحر‪ :‬طينه الأ�سود املننت‪.‬‬
‫(‪ )42‬رواه الإمام �أحمد والرتمذي و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة برقم (‪ ،)2015‬ويف �صحيح اجلامع برقم (‪.)5206‬‬
‫(‪� )43‬أخرجه الطرباين و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة (جـ‪ - 1 :‬برقم‪.)26 :‬‬
‫ُ‬
‫َّؤوف‬
‫يم ‪ -‬الر‬
‫َّح ُ‬ ‫َّح َم ُ‬
‫ن ‪ -‬الر ِ‬ ‫المجموعة العاشرة ‪ :‬الر ْ‬ ‫‪225‬‬

‫ال�سبي‪ ،‬تبتغي‪� ،‬إذا وجدت �صبيا يف ال�سبي‪� ،‬أخذته ف�أل�صقته ببطنها و�أر�ضعته!‪ ،‬فقال‬
‫لنا ر�سول اهلل ‪�( :¤‬أترون هذه املر�أة طارحة ولدها يف النار؟!) قلنا‪ :‬ال‪ ،‬واهلل!‪ ،‬وهي‬
‫أرح ُم بعبا ِد ِه من هذه بولدها)(‪.)44‬‬
‫تقدر على �أن ال تطرحه‪ ،‬فقال ر�سول اهلل ‪( :¤‬هلل � َ‬
‫‪ æ‬قال عمر بن عبدالعزيز‪« :‬اللهم �إن مل �أكن �أهال �أن �أبلغ رحمتك؛ ف�إن رحمتك‬
‫�أهل �أن تبلغني‪ ،‬رحمتك و�سعت كل �شيء و�أنا �شيء؛ فلت�سعني رحمتك يا �أرحم‬
‫الراحمني‪ ،‬اللهم �إنك خلقت قوما ف�أطاعوك فيما �أمرتهم‪ ،‬وعملوا يف الذي خلقتهم‬
‫له‪ ،‬فرحمتك �إياهم كانت قبل طاعتهم لك يا �أرحم الراحمني»(‪.)45‬‬
‫‪ æ‬قال تعالى‪} :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ{[الأنعام‪ ،]12:‬قال ابن عقيل‪« :‬لوال �أن القلوب ُتوقن باجتماع ثانٍ لتفطرت‬
‫املرائر لفراق املحبوبني»(‪.)46‬‬
‫‪ æ‬قال معيوف‪« :‬كنا يف البحر‪ ،‬فهبت الريح‪ ،‬وهاجت الأمواج‪ ،‬وا�ضطربت‬
‫ال�سفن‪ ،‬وبكى النا�س‪ ،‬فقيل ملعيوف‪ :‬هذا �إبراهيم بن �أدهم‪ ،‬لو �س�ألته �أن يدعو اهلل‪،‬‬
‫قال‪ :‬كان نائماً يف ناحية من ال�سفينة‪ ،‬ملفوف ر�أ�سه‪ ،‬فدنا �إليه‪ ،‬فقال‪ :‬يا �أبا �إ�سحاق‪،‬‬
‫ما ترى ما فيه النا�س؟ فرفع ر�أ�سه‪ ،‬وقال‪ :‬اللهم قد �أريتنا قدرتك ف�أرنا رحمتك‪.‬‬
‫فهد�أت ال�سفن!»(‪.)47‬‬
‫‪ æ‬قال ابن عيينة‪َ « :‬ت ِب َع ُ‬
‫ابن املنكدر جِ نازة �سفيهٍ‪ ،‬ف ُعوتب!‪ ،‬فقال‪�« :‬إين واهلل‬
‫لأ�ستحي من اهلل �أن �أرى رحمته عجزت عن �أحد»(‪.)48‬‬
‫‪ æ‬قيل لب�شر بن من�صور وهو ميوت‪�« :‬أراك ُت�سَ ر من املوت؟! فعجب وقال‪� :‬أجتعل‬
‫(‪ )44‬رواه البخاري برقم (‪ ،)5999‬وم�سلم برقم (‪ )2754‬واللفظ مل�سلم‪.‬‬
‫(‪( )45‬حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ‪� – 5 :‬ص‪.)299 :‬‬
‫(‪( )46‬ذيل تاريخ بغداد) البن النجار (جـ‪� - 17:‬ص‪ )200 :‬وهو ملحق مع (تاريخ بغداد) للخطيب البغدادي‪.‬‬
‫(‪( )47‬حلية الأولياء) للأ�صفهاين (جـ‪� - 8:‬ص‪ )6-5:‬يف ترجمة (�إبراهيم بن �أدهم)‪.‬‬
‫(‪( )48‬حلية الأولياء) للأ�صفهاين (جـ‪� - 3 :‬ص‪ )148 :‬يف ترجمة (حممد بن املنكدر)‪.‬‬
‫‪226‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ريه كمقامي مع خملوق �أخافه؟!»(‪.)49‬‬


‫قدومي على خالقٍ �أرجو خ َ‬
‫‪æ‬‏ ر�أى الثوري رج ًال عند قوم ي�شكو �ضيقه فقال له‪« :‬يا هذا �شكوت من يرحمك‬
‫�إلى من ال يرحمك!»(‪.)50‬‬
‫‪ æ‬ملا مات «ذر بن عمر» قعد والده عمر بن ذر على �شفري قربه‪ ،‬وقال‪« :‬يا بني!‪،‬‬
‫�شغلني احلزن لك‪ ،‬عن احلزن عليك‪ ،‬فليت �شعري‪ ،‬ما ُقلتَ ‪ ،‬وما قي َل لك؟!‪ ،‬اللهم‬
‫ربي‪ ،‬فقد وهبتُ له ما ق�صر فيه من حقي‪ ،‬فهب له ما ق�صر‬ ‫�إنك �أمرته بطاعتك وب ِّ‬
‫فيه من حقك‪ .‬ثم قال‪ :‬انطلقنا وتركناك‪ ،‬ولو �أقمنا ما نفعناك‪ ،‬فن�ستودعك �أرحم‬
‫الراحمني»(‪.)51‬‬
‫‪ æ‬قال الأ�صمعي �سمعت �أعرابيا يقول يف دعائه‪« :‬اللهم �إن ذنوبي �إليك ال َت�ضُ ّرك‪،‬‬
‫ِ�صك»(‪.)52‬‬ ‫و�إن رحم َتك �إياي ال ُت ْنق ُِ�صك‪ ،‬فاغفر يل ما ال َي�ضُ ُّرك‪ ،‬وه َْب يل ما ال ُي ْنق ُ‬
‫‪ æ‬قال ابن القيم‪« :‬وهذا مو�ضع احلكاية امل�شهورة عن بع�ض العارفني‪� :‬أنه ر�أى يف‬
‫بع�ض ال�سكك بابا قد فتح وخرج منه �صبي ي�ستغيث ويبكي‪ ،‬و�أمه خلفه تطرده‪ ،‬حتى‬
‫خرج ف�أغلقت الباب يف وجهه ودخلت‪ ،‬فذهب ال�صبي غري بعيد ثم وقف مفكرا‪ ،‬فلم‬
‫يجد له م�أوى غري البيت الذي �أخرج منه‪ ،‬وال من ي�ؤويه غري والدته‪ ،‬فرجع مك�سور‬
‫القلب حزينا‪ ،‬فوجد الباب مرجتاً‪ ،‬فتو�سده‪ ،‬وو�ضع خده على عتبة الباب ونام‪،‬‬
‫فخرجت �أمه فلما ر�أته على تلك احلال!‪ ،‬مل متلك �أن رمت نف�سها عليه‪ ،‬والتزمته‬
‫تقبله وتبكي‪ ،‬وتقول‪ :‬يا ولدي �أين تذهب عني؟!‪ ،‬ومن ي�ؤويك �سواي؟!‪� ،‬أمل �أقل‬
‫لك‪ :‬ال تخالفني‪ ،‬وال حتملني مبع�صيتك يل على خالف ما جبلت عليه من الرحمة‬
‫بك وال�شفقة عليك و�إرادتي اخلري لك؟!‪ ،‬ثم �أخذته ودخلت ‪ ..‬فت�أمل قول الأم‪( :‬ال‬
‫حتملني مبع�صيتك يل على خالف ما جبلت عليه من الرحمة وال�شفقة)‪ ،‬وت�أمل‬
‫قوله ‪( :¤‬هلل �أرحم بعباده من الوالدة بولدها) و�أين تقع رحمة الوالدة من رحمة‬
‫(‪( )49‬و�صايا العلماء عند ح�ضور املوت) للربعي (�ص‪.)104:‬‬
‫(‪( )50‬املجال�سة وجواهر العلم) لأبي بكر �أحمد الدينوري (�ص‪ )228:‬رقم الأثر (‪.)1318‬‬
‫(‪�( )51‬سري �أعالم النبالء) للإمام الذهبي (�ص‪ )2900 :‬يف ترجمة الإمام الزاهد عمر بن ذر الكويف‪.‬‬
‫(‪( )52‬جمهرة خطب العرب) لأحمد زكي �صفوت (جـ‪� – 3 :‬ص‪.)329 :‬‬
‫ُ‬
‫َّؤوف‬
‫يم ‪ -‬الر‬
‫َّح ُ‬ ‫َّح َم ُ‬
‫ن ‪ -‬الر ِ‬ ‫المجموعة العاشرة ‪ :‬الر ْ‬ ‫‪227‬‬

‫اهلل التي و�سعت كل �شيء؟!»(‪.)53‬‬


‫‪ æ‬وقال ابن القيم يف مو�ضع �آخر وهو يتحدث عن �آثار رحمة اهلل تعالى‪ « :‬فانظر‬
‫�إلى ما يف الوجود من �آثار رحمته اخلا�صة والعامة‪ ،‬فربحمته �أر�سل �إلينا ر�سوله‪،¤‬‬
‫و�أنزل علينا كتابه‪ ،‬وع�صمنا من اجلهالة‪ ،‬وهدانا من ال�ضاللة‪َ ،‬و َب َّ�ص َر َنا من ا ْل َع َمى‪،‬‬
‫و�أر�شدنا من ا ْل َغ ِّي‪ ،‬وبرحمته َع َّر َف َنا من �أ�سمائه و�صفاته و�أفعاله ما َع َر ْف َنا به‬
‫�أنه ربنا وموالنا‪ ،‬وبرحمته َع َّل َم َنا ما مل نكن نعلم‪ ،‬و�أر�شدنا مل�صالح ديننا ودنيانا‪،‬‬
‫وبرحمته �أَ ْطلَ َع ال�شم�س والقمر‪ ،‬وجعل الليل والنهار‪ ،‬وب�سط الأر�ض‪ ،‬وجعلها مِ هَا ًدا‬
‫ا�شا وقراراً َو ِك َفا ًتا للأحياء والأموات‪ ،‬وبرحمته �أن�ش�أ ال�سحاب و�أمطر املطر‪،‬‬ ‫َو ِف َر ً‬
‫و�أَ ْطلَ َع الفواكه والأقوات واملرعى‪ ،‬ومن رحمته �سَ َّخ َر لنا اخليل والإبل والأنعام‪،‬‬
‫وذللها منقاد ًة للركوب واحلمل والأكل وال َّد ِّر‪ ،‬وبرحمته و�ضع الرحمة بني عباده‬
‫ليرتاحموا بها‪ ،‬وكذلك بني �سائر �أنواع احليوان‪ .‬فهذا الرتاحم الذي بينهم بع�ض‬
‫يم)‪،‬‬‫�آثار الرحمة التي هي �صفته ونعمته‪ ،‬وا�شتق لنف�سه منها ا�سم (ال َّر ْح َم ِن ال َّر ِح ِ‬
‫وب�صرهم وم َّكن لهم �أ�سباب م�صاحلهم‬ ‫و�أو�صل �إلى خلقه معاين خطابه برحمته‪َّ ،‬‬
‫برحمته‪ ،‬و�أو�سع املخلوقات عر�شه‪ ،‬و�أو�سع ال�صفات رحمته‪ ،‬فا�ستوى على عر�شه‬
‫الذي َو�سِ َع املخلوقات ب�صفة رحمته التي و�سعت كل �شي ٍء(‪ ،)54‬وملا ا�ستوى على عر�شه‬
‫بهذا اال�سم الذي ا�شتقه من �صفته‪ ،‬وت�سمى به دون خلقه‪ ،‬كتب مبقت�ضاه على نف�سه‬
‫يوم ا�ستوائه على عر�شه‪ ،‬حني ق�ضى اخللق كتا ًبا فهو عنده‪ ،‬وو�ضعه على عر�شه �أن‬
‫رحمته �سبقت غ�ضبه(‪ ،)55‬وكان هذا الكتاب العظيم ال�ش�أن‪ ،‬كالعهد منه �سبحانه‬
‫للخليقة كلها بالرحمة لهم والعفو عنهم‪ ،‬واملغفرة والتجاوز وال�سرت والإمهال‬
‫(‪( )53‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ‪� - 1:‬ص‪.)214 - 213 :‬‬
‫(‪ )54‬ي�شري �إلى قوله تعالى‪ } :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ{ [طه‪ ، 5:‬وقوله تعالى‪}:‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ{[الفرقان‪. 59:‬‬
‫�سبقت غ�ض ِبي) رواه البخاري برقم‪:‬‬
‫عر�شه‪� :‬إنَّ رحمتي ْ‬
‫فوق ِ‬ ‫(‪ )55‬ي�شري حلديث النبي ‪�( :¤‬إنَّ َ‬
‫اهلل ملا ق�ضى اخللقَ ‪ ،‬كتب عندَ ه َ‬
‫(‪.)7422‬‬
‫‪228‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫واحللم والأناة‪ ،‬فكان قيام العامل العلوي وال�سفلي مب�ضمون هذا الكتاب الذي لواله‬
‫لكان للخلق �ش� ٌأن �آخر!‪ ،‬وكان عن �صفة الرحمة اجلنة و�سكانها و�أعمالها‪ ،‬فربحمته‬
‫ُخلِقت‪ ،‬وبرحمته عُمِ َرت ب�أهلها‪ ،‬وبرحمته و�صلوا �إليها‪ ،‬وبرحمته طاب عي�شهم فيها‪،‬‬
‫ات وجهه‬ ‫وبرحمته احتجب عن خلقه بالنور‪ ،‬ولو ك�شف ذلك احلجاب لأحرقت �سُ ُب َح ُ‬
‫ما انتهى �إليه َب َ�ص ُر ُه من خلقه(‪ .)56‬ومن رحمته �أنه يعيذ من �سَ َخطِ ِه ِب ِر�ضَ اهُ‪ ،‬ومن‬
‫عقوبته بعفوه‪ ،‬ومن نف�سه بنف�سه(‪ ،)57‬ومن رحمته �أن خلق للذكر من احليوان‬
‫�أنثى من جن�سه‪ ،‬و�ألقى بينهما املحبة والرحمة‪ ،‬ليقع بينهما التوا�صل الذي به دوام‬
‫التنا�سل‪ ،‬وانتفاع الزوجني‪ ،‬وَيمَُ َّت ُع كل واحدٍ منهما ب�صاحبه‪ ،‬ومن رحمته �أحوج اخللق‬
‫بع�ض لتعطلت َم َ�صالحُِ ُه ْم‬ ‫بع�ضهم �إلى بع�ض لتتم َم َ�صالحُِ ُه ْم‪ ،‬ولو �أغنى بع�ضهم عن ٍ‬
‫َوا ْن َح َّل نظامها‪ ،‬وكان من متام رحمته بهم �أن جعل فيهم ا ْل َغن َِّي والفقري‪ ،‬والعزيز‬
‫والذليل‪ ،‬والعاجز والقادر‪ ،‬والراعي واملرعي‪ ،‬ثم �أفقر اجلميع �إليه‪ ،‬ثم َع َّم اجلميع‬
‫برحمته‪ .‬ومن رحمته �أنه خلق مائة رحمةٍ‪ ،‬كل رحم ٍة منها طِ َب ُاق ما بني ال�سماء‬
‫والأر�ض‪ ،‬ف�أنزل منها �إلى الأر�ض رحم ًة واحد ًة‪ ،‬ن�شرها بني اخلليقة ليرتاحموا بها‪،‬‬
‫فبها َت ْعطِ ُف الوالدة على ولدها‪ ،‬والطري والوح�ش والبهائم‪ ،‬وبهذه الرحمة ِق َوا ُم‬
‫العامل ونظامه(‪ .)58‬وت�أمل قوله تعالى‪ } :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ{ [الرحمن‪ ،]4-1:‬كيف جعل اخللق والتعليم نا�ش ًئا عن‬
‫�صفة الرحمة متعل ًقا با�سم (ال َّر ْح َم ِن)‪ ،‬وجعل معاين ال�سورة مرتبط ًة بهذا اال�سم‬
‫قبل‬ ‫ينام‪َ ،‬يخ ِف ُ�ض ال ِق ْ�س َط ويرف ُعه‪ُ ،‬يرف َع �إليه عم ُل ِ‬
‫الليل َ‬ ‫ينام‪ ،‬وال ينبغي له �أن َ‬
‫اهلل ال ُ‬ ‫(‪ )56‬ي�شري حلديث النبي ‪�( :¤‬إنَّ َ‬
‫الليل‪ِ ،‬حجا ُبه النو ُر‪ ،‬لو ك�شفه لأح َر َق ْت ُ�س ُبحاتُ وجهِ ه ما انتهى �إليه ب�ص ُره من خل ِقه) رواه‬
‫عمل ِ‬ ‫قبل ِ‬ ‫عمل النهارِ‪ُ ،‬‬
‫وعمل النها ِر َ‬ ‫ِ‬
‫م�سلم برقم‪�ُ ،)179( :‬س ُب َحاتُ وجهه‪ :‬نوره وجالله وبها�ؤه‪ ،‬وقيل‪ :‬حما�سنه‪( .‬النووي)‬
‫أعوذ بك منك ال �أُ ْح�صى ثنا ًء‬ ‫�سخطك‪ ,‬ومبعافا ِتك من عقوب ِتك‪ ,‬و� ُ‬ ‫أعوذ بر�ضاك من ِ‬ ‫(‪ )57‬ي�شري �إلى دعاء النبي ‪( :¤‬اللهم � ُ‬
‫نف�سك) رواه م�سلم برقم‪.)486( :‬‬ ‫عليك �أنت كما �أثنيتَ على ِ‬
‫أر�ض‪،‬‬
‫طباق ما بني ال�سما ِء وال ِ‬ ‫أر�ض مائ َة رحم ٍة‪ ،‬ك ُّل رحم ٍة ُ‬ ‫ال�سماوات وال َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫(‪ )58‬ي�شري حلديث النبي ‪�( :¤‬إن اهلل خلق يوم خلق‬
‫يوم القيام ِة‪�َ ،‬أ ْكم َلها‬
‫ُ‬ ‫كان‬ ‫إذا‬ ‫�‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬‫بع�ض‬
‫ٍ‬ ‫على‬ ‫ها‬ ‫ُ‬
‫بع�ض‬ ‫ري‬
‫ُ‬ ‫والط‬ ‫ُ‬
‫والوح�ش‬ ‫ها‪،‬‬ ‫أر�ض رحم ًة‪ ،‬فبها ُ‬
‫تعطف الوالد ُة على ولدِ‬ ‫فجعل منها يف ال ِ‬
‫بهذه الرحم ِة) رواه م�سلم برقم‪.)2753( :‬‬
‫ُ‬
‫َّؤوف‬
‫يم ‪ -‬الر‬
‫َّح ُ‬ ‫َّح َم ُ‬
‫ن ‪ -‬الر ِ‬ ‫المجموعة العاشرة ‪ :‬الر ْ‬ ‫‪229‬‬

‫وختمها بقوله‪ } :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ{[الرحمن‪ ،]78:‬فاال�سم الذي‬


‫ب َك ِة كلها منه‪ ،‬وبه ُو ِ�ض َعتِ‬ ‫تبارك هو اال�سم الذي افتتح به ال�سورة‪� ،‬إذ جميء ا ْل رَ َ‬
‫ب َك ُة يف كل مباركٍ ‪ ،‬فكل ما ذكر عليه بورك فيه‪ ،‬وكل ما َخل َِي منه نزعت منه‬ ‫ا ْل رَ َ‬
‫ب َك ُة‪ ،‬ف�إن كان ُم َذ ًّكى َو َخل َِي منه ا�سمه كان َم ْي َت ًة‪ ،‬و�إن كان طعا ًما �شارك �صاحبه‬ ‫ا ْل رَ َ‬
‫فيه ال�شيطان‪ ،‬و�إن كان مدخلاً دخل معه فيه‪ ... ،‬وملا خلق �سبحانه ال َّرحِ َم وا�شتق‬
‫لها ا�س ًما من ا�سمه‪ ،‬ف�أراد �إنزالها �إلى الأر�ض تعلقت به �سبحانه فقال‪ :‬مه!‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫هذا مقام العائذ بك من القطيعة‪ ،‬فقال‪� :‬أال تر�ضني �أن �أقطع من قطعك وَ�أَ ِ�ص َل‬
‫من و�صلك؟(‪ )59‬وهي متعلق ٌة بالعر�ش لها َح ْن َح َن ٌة َك َح ْن َح َن ِة المْ ِ ْغ َزلِ ‪ ،‬وكان تعلقها‬
‫بالعر�ش رحم ًة منه بها‪ ،‬و�إنزالها �إلى الأر�ض رحم ًة منه بخلقه‪ ،‬وملا علم �سبحانه‬
‫ما َت ْل َقا ُه من نزولها �إلى الأر�ض ومفارقتها ملا اُ�شتقت منه رحمها بتعلقها بالعر�ش‬
‫وات�صالها به‪ ،‬وقوله‪�( :‬أال تر�ضني �أن �أَ ِ�ص َل َمن َو َ�صلَ ِك و�أقطع من قطعك)‪ ،‬ولذلك‬
‫كان من َو َ�ص َل َرحِ َم ُه لقربه من (ال َّر ْح َم ِن)‪ ،‬ورعاية حرمة ال َّرحِ ِم‪ ،‬قد َع َّم َر دنياه‪،‬‬
‫وات�سعت له َمعِي�شَ ُت ُه‪ ،‬و ُبورك له يف عمره‪َ ،‬و ُن�سِ َئ له يف �أثره‪ ،‬ف�إن و�صل ما بينه وبني‬
‫(ال َّر ْح َم ِن) مع ذلك‪ ،‬وما بينه وبني اخللق بالرحمة والإح�سان؛ مت له �أمر دنياه‬
‫و�أخراه‪ ،‬و�إن قطع ما بينه وبني ال َّرحِ ِم وما بينه وبني (ال َّر ْح َم ِن) �أف�سد عليه �أمر‬
‫دنياه و�آخرته‪ ،‬وحمق بركة رحمته َو ِر ْز ِق ِه و�أثره‪ ،‬كما قال ‪( :¤‬ما من ذنبٍ �أجدر‬
‫�أن يعجل ل�صاحبه العقوبة يف الدنيا مع ما يدخر له من العقوبة يوم القيامة من‬
‫البغي وقطيعة ال َّرحِ ِم)(‪َ ،)60‬فا ْل َب ْغ ُي معاملة اخللق ب�ضد الرحمة‪ ،‬وكذلك قطيعة‬
‫ال َّرحِ ِم‪ ،‬و�إن القوم ليتوا�صلون وهم فجر ٌة فتكرث �أموالهم ويكرث عددهم‪ ،‬و�إن القوم‬
‫خل ْلقَ ‪ ،‬فلما فر َغ منه قامت ال َّر ِحم‪ ،‬ف�أخذت بحق ِو ال َّر ِ‬
‫حمن‪ ،‬فقال له‪ :‬مهْ‪ ،‬قالت‪:‬‬ ‫(‪ )59‬ي�شري حلديث النبي ‪( :¤‬خلق ُ‬
‫اهلل ا َ‬
‫قط َعك؟ قالت‪ :‬بلى يا رب‪ ،‬قال‪ :‬فذاك‪).. ،‬‬‫أقط َع َمن َ‬
‫و�ص َلك‪ ،‬و� َ‬
‫َر�ض َني �أن � ِأ�ص َل من َ‬
‫العائذ بك من القطيعة‪ ،‬قال‪� :‬أال ت َ‬
‫مقام ِ‬ ‫هذا ُ‬
‫احلديث رواه البخاري برقم (‪.)4830‬‬
‫(‪� )60‬أخرجه �أبو داود والرتمذي وابن ماجة وابن حبان و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (‪.)2511‬‬
‫‪230‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ليتقاطعون فتقل �أموالهم ويقل عددهم‪ ،‬وذلك لكرثة ن�صيب ه�ؤالء من ال َّر ْح َمةِ‪،‬‬
‫وقلة ن�صيب ه�ؤالء منها‪ .‬ويف احلديث‪�( :‬إن �صلة الرحم تزيد يف العمر)(‪ ،)61‬و�إذا‬
‫ريا ن�شر عليهم �أث ًرا من �آثار ا�سمه (ال َّر ْح َم ِن) َف َع َّم َر به‬ ‫�أراد اهلل ب�أهل الأر�ض خ ً‬
‫البالد و�أحيا به العباد‪ ،‬ف�إذا �أراد بهم �ضُ ًّرا �أم�سك عنهم ذلك الأثر‪ ،‬فحل بهم من‬
‫البالء بح�سب ما �أم�سك عنهم من �آثار ا�سمه (ال َّر ْح َم ِن)(‪ ،)62‬ولهذا �إذا �أراد اهلل‬
‫�سبحانه �أن ُي َخ ِّر َب هذه الدَّا َر ويقيم القيامة �أم�سك عن �أهلها �أث َر هذا اال�سم وقب�ضه‬
‫�ض الرحمة التي �أنزلها �إلى الأر�ض‪َ ،‬ف َت�ضَ ُع لذلك‬ ‫�شي ًئا ف�شي ًئا‪ ،‬حتى �إذا جاء َو ْع ُد ُه َق َب َ‬
‫حلوام ُل ما يف ُبطونِها‪َ ،‬و َت ْذ َه ُل املرا�ضع عن �أوالدها‪ ،‬في�ضيف �سبحانه تلك الرحمة‬ ‫ا َ‬
‫التي رفعها وقب�ضها من الأر�ض �إلى ما عنده من الرحمة فيكمل بها مائة رحم ٍة(‪،)63‬‬
‫فريحم بها �أهل طاعته وتوحيده وت�صديق ر�سله وتابعهم‪ .‬و�أنت لو ت�أملت العامل‬
‫بعني الب�صرية لر�أيته ممتلئاً بهذه ال َّر ْح َم ِة الواحدة كامتالء البحر بمَِ ائِه ِ‪َ ،‬والجَْ ِّو‬
‫�ض ِّد ذلك فهو مقت�ضى قوله‪�(:‬سبقت رحمتي غ�ضبي)(‪)64‬‬ ‫بهوائهِ‪ ،‬وما يف خِ ال ِل ِه من ِ‬
‫الحق و�إن �أبط�أ‪ ،‬وفيه حكم ٌة ال تناق�ضها ال َّر ْح َم ُة‪ ،‬فهو �أحكم احلاكمني‬ ‫فامل�سبوق ال بد ٌ‬
‫و�أرحم الراحمني»(‪.)65‬‬

‫(‪ )61‬احلديث له �شواهد كثرية يقوي بع�ضها بع�ضا كما ذكر ال�شيخ الألباين‪ ،‬ومن ذلك حديث �أبي �سعيد اخلدري ‹ عن‬
‫النبي ‪ ¤‬قال‪�( :‬صدقة ال�سر تطفئ غ�ضب الرب‪ ،‬و�صلة الرحم تزيد يف العمر‪ ،‬وفعل املعروف يقي م�صارع ال�سوء) �أخرجه‬
‫الإمام البيهقي يف �شعب الإميان و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪,)3760‬‬
‫اجلوارِ‪ُ ،‬ي َع ِّم ْرنَ الدِّ يا َر‪ ،‬و َي ِزدْنَ يف الأعمارِ) رواه الإمام‬
‫وح�سنُ ِ‬‫خل ُل ِق‪ُ ،‬‬ ‫(�ص َل ُة ال َّر ِح ِم‪ُ ،‬‬
‫وح�سنُ ا ُ‬ ‫(‪ )62‬ي�شري حلديث النبي ‪ِ :¤‬‬
‫�أحمد والبيهقي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)3767‬‬
‫أر�ض منها رحم ًة‪ ،‬ف ِبها‬
‫فجعل يف ال ِ‬‫أر�ض‪ ،‬مائ َة رحم ٍة‪َ ،‬‬ ‫موات وال َ‬
‫ال�س ِ‬ ‫(‪ )63‬ي�شري حلديث النبي ‪( :¤‬خلقَ اللهَّ ُ ع َّز وج َّل‪َ ،‬‬
‫يوم خلقَ َّ‬
‫يوم القيام ِة‪،‬‬ ‫والط ُري‪ ،‬و�أخَّ َر ِت�سع ًة وت�سع َني �إلى ِ‬
‫يوم القيام ِة‪ ،‬ف�إذا كانَ ُ‬ ‫بع�ض‪َّ ،‬‬ ‫بع�ضها ع َلى ٍ‬ ‫هائم ُ‬ ‫ُ‬
‫تعطف الوالد ُة على ولدِ ها‪ ،‬وال َب ُ‬
‫�أَ ْكم َلها ا ِب َه ِذ ِه ال َّرحم ِة) �أخرجه ابن ماجة و�صححه الألباين يف �صحيح ابن ماجة برقم (‪ )3485‬و�أنظر �إلى ما �سبق �إيراده‬ ‫ُ‬ ‫للهَّ‬
‫يف الهام�ش رقم (‪.)58‬‬
‫(‪� )64‬سبق ذكره يف الهام�ش رقم (‪.)55‬‬
‫(‪( )65‬خمت�صر ال�صواعق املر�سلة على اجلهمية واملعطلة) البن القيم (جـ‪� – 2:‬ص‪.)351 - 349 :‬‬
‫ير ‪ -‬المقتدِ ُر‬ ‫القادِ ُر ‪َ -‬‬
‫القدِ ُ‬ ‫المجموعة الحادية عشرة ‪َ :‬‬ ‫‪231‬‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ‪11‬ـــــــــة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ا ْل ُق ْد َر ُة‬
‫(‪) 36 - 35 - 34‬‬
‫املقتد ُر‬
‫ِ‬ ‫ال َقا ِد ُر ‪ -‬ال َق ِد ُ‬
‫ير ‪-‬‬
‫‪232‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الـمجـمـوعـ‪11‬ـة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ا ْل ُق ْد َر ُة‬
‫(‪)36 - 35 - 34‬‬
‫املقتد ُر‬
‫ِ‬ ‫ال َقا ِد ُر ‪ -‬ال َق ِد ُ‬
‫ير ‪-‬‬
‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫‪ æ‬ال َقا ِد ُر‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 12‬مرة)‪ ،‬منها قوله تعالى‪ } :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ {[الأنعام ‪ ، 65 :‬وقوله تعالى‪ } :‬ﭠ ﭡ ﭢ { [املر�سالت‪،]23:‬‬
‫ومن ال�سنة قوله ‪ ¤‬ملا �سئل‪ :‬كيف يح�شر النا�س على وجوههم؟!‪ ،‬قال‪�( :‬إن الذي �أم�شاهم‬
‫على �أرجلهم يف الدنيا‪ ،‬قادر على �أن مي�شيهم على وجوههم يوم القيامة)(‪ ،)1‬ومن‬
‫حديث ابن م�سعود ‹ وفيه‪ .. :‬فقالوا‪ :‬مم ت�ضحك يا ر�سول اهلل؟ قال‪( :‬من �ضحك‬
‫رب العاملني حني قال‪� :‬أت�ستهزئ مني و�أنت رب العاملني؟! فيقول‪� :‬إين ال �أ�ستهزئ‬
‫منك‪ ،‬ولكني على ما �أ�شاء قادر)(‪.)2‬‬
‫ير‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 45‬مرة) منها قوله تعالى‪ } :‬ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ‬ ‫‪ æ‬ال َق ِد ُ‬
‫ﮐ ﮑ{[الروم‪ ،]54:‬ومن ال�سنة قوله ‪ ( :¤‬من تعا َّر(‪ِ )3‬من الل ْيل فقال حني‬
‫يك له‪ ،‬له امللك وله احل ْمدُ وهو على كل �شيء‬ ‫�شر َ‬ ‫ي�ستيقظ‪ :‬ال �إلهَ �إال اهلل ْ‬
‫وحدَ ه ال ِ‬
‫ير‪� ،‬سبحان اهلل‪ ،‬واحلمد هلل وال �إلهَ �إال اهلل‪ ،‬واهلل �أكرب‪ ،‬وال حول وال قوة �إال‬ ‫قد ٌ‬
‫ِ‬
‫باهلل العلي العظيم‪ ،‬ثم دعا‪ :‬رب اغفر يل؛ ُغ ِف َر له)(‪.)4‬‬
‫املقتد ُر‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 4‬مرات)‪ ،‬منها قوله تعالى‪ } :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ِ‬ ‫‪æ‬‬

‫(‪ )1‬رواه الإمام �أحمد والن�سائي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع (‪.)1687‬‬
‫(‪ )2‬رواه م�سلم برقم (‪.)187‬‬
‫(‪ )3‬تعا ّر‪� :‬أي ا�ستيقظ من نومه من الليل‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري برقم (‪.)1154‬‬
‫ير ‪ -‬المقتدِ ُر‬
‫المجموعة الحادية عشرة ‪ :‬القَ ادِ ُر ‪ -‬القَ دِ ُ‬ ‫‪233‬‬

‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ{[القمر‪ ،]42:‬وقول اهلل تعالى‪}:‬ﭪ‬


‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ{ [القمر‪. ]55،54:‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬


‫‪ æ‬ال َقا ِد ُر‪ :‬يف معناه وجهان‪:‬‬
‫الأول‪« :‬من القدرة على ال�شيء»(‪ ،)5‬فـ (ال َقا ِد ُر) «ا�سم فاعل‪ ،‬فعله َق َد َر‬
‫على‪ ،‬يق ُدر ُق ْدر ًة‪ ،‬فهو قادر وقدير‪ ،‬واملفعول مقدور عليه‪ ،‬والقادر‪ :‬امل�ستطيع‬
‫املتمكن من الفعل بال وا�سطة‪ ،‬الذي ال يعجزه �شيء»(‪ ،)6‬وعلى هذا املعنى قوله‬
‫تعالى‪} :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ{[الأنعام‪ ،]37:‬قال القرطبي‪« :‬يقال رجل قادر‪� :‬إذا كان قوياً‬
‫على ال�شيء‪ ،‬م�ستطيعاً له»(‪ ،)7‬ويقول ال�شيخ ابن عثيمني‪(« :‬القدرة) �صفة تقوم‬
‫بالقادر بحيث يفعل الفعل بال عجز»(‪.)8‬‬
‫الثاين‪« :‬مبعنى املُقدِّر لل�شيء»(‪ ،)9‬فـ (ال َقا ِد ُر) «ا�سم فاعل من َقدَر َي ْقدِر‪ ،‬فهو‬
‫قادر‪ ،‬يقال‪َ :‬ق َد َر الأَ ْم َر �إِذا نظر فيه و َد َّب َره وقا�سه ‪ ..‬و(ال َقا ِد ُر) �سبحانه‪ -‬هو الذي قدر‬
‫املقادير يف علمه‪ ،‬ونظم �أمور اخللق قبل �إيجاده‪ ،‬ثم كتب يف اللوح هذه املعلومات‪ ،‬ود ّونها‬
‫بالقلم يف كلمات»(‪ ،)10‬وعلى هذا املعنى قوله تعالى‪ } :‬ﭠ ﭡ ﭢ{[املر�سالت‪،]23:‬‬
‫�أي‪ِ :‬نعم امل َقدِّ ُر ْون‪.‬‬
‫ير‪ :‬من �صيغ املبالغة ملن ات�صف بالقدرة‪ ،‬وهي م�صدر َق َد َر على‪ ،‬يقدُر‬ ‫‪ æ‬ال َق ِد ُ‬
‫ُق ْدر ًة‪ ،‬فهو قادر وقدير‪ ،‬قال الراغب‪« :‬القدرة �إذا ُو ِ�ص َف بها الإن�سان‪ ،‬فا�سم لهيئة له‪ ،‬بها‬
‫(‪�( )5‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)85 :‬‬
‫(‪ )6‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ق د ر)‪.‬‬
‫(‪( )7‬الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي ملحققه عرفان بن �سليم الع�شا (�ص‪.)245:‬‬
‫(‪( )8‬تف�سري �سورة البقرة) لل�شيخ ابن عثيمني [البقرة‪. 259:‬‬
‫(‪�( )9‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)85 :‬‬
‫(‪�( )10‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪ )583 - 582 :‬بت�صرف ي�سري‪.‬‬
‫‪234‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫وم ٌال‬ ‫يتمكن من فعل �شيء ما‪ ،‬و�إذا ُو ِ�ص َف بها اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬فهي نفي العجز عنه‪ ،‬حُ‬
‫�أن يو�صف غري اهلل بالقدرة املطلقة»(‪ ,)11‬قال ابن تيمية‪« :‬القدرة‪ :‬هي قدرته على‬
‫الفعل»(‪ ،)12‬قال الر�ضواين‪(« :‬ال َقدِ ي ُر) هو الذي يتولى تنفيذ املقادير‪ ،‬ويخلقها على‬
‫ما جاء يف �سابق التقدير»(‪.)13‬‬
‫املقتد ُر‪« :‬ا�سم فاعل من اقتدر‪ ،‬فعله اقتدر على‪َ ،‬يقتدر اقتداراً‪ ،‬فهو ُم ْقتدِ ر‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ ‪æ‬‬
‫واملفعول ُم ْقتدَر عليه»(‪ ،)14‬قال يف الل�سان‪« :‬االقتدا ُر على ال�شيء‪ :‬ال ُق ْد َر ُة عليه»(‪،)15‬‬
‫و�أ�شار �شيخ الإ�سالم ابن تيمية �إلى �أن‪« :‬االقتدار‪� :‬سرعة التكوين بالقدرة»(‪ ،)16‬وقال‬
‫اخلطابي‪(« :‬املقتدِ ر) وزنه مفتعل من القدرة‪� ،‬إال �أن االقتدار �أبلغ و�أعم؛ لأنه يقت�ضي‬
‫الإطالق‪ ،‬والقدرة قد يدخلها نوع من الت�ضمني باملقدور عليه» (‪.)17‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬
‫‪ æ‬ال َقا ِد ُر‪« :‬القادر على كل �شيء‪ ،‬فال يعجزه �شيء يريده‪ ،‬بل هو الف َّعال ملا يريد»(‪،)18‬‬
‫قال الزجاج‪« :‬اهلل (ال َقا ِد ُر) على ما ي�شا ُء‪ ،‬ال ُيعجزه �شيء‪ ،‬وال يفوته مطلوب»(‪،)19‬‬
‫وقال البيهقي‪(« :‬ال َقا ِد ُر) الذي له القدرة ال�شاملة‪ ،‬والقدرة له �صفة قائمة بذاته»(‪.)20‬‬
‫‪ æ‬ال َق ِد ُ‬
‫ير‪« :‬التام القدرة‪ ،‬ال ُيالب�س قدرته عجز بوجه»(‪ ،)21‬قال ابن جرير الطربي‪:‬‬
‫«} ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ{ [امللك‪ ]1:‬يقول‪ :‬وهو على ما ي�شاء فعله ذو قدرة‪ ،‬ال مينعه‬
‫من فعله مانع‪ ،‬وال يحول بينه وبينه عجز»(‪ ،)22‬وقال ابن القيم‪« :‬و�أنه على كل �شيء‬
‫(‪( )11‬املفردات) للراغب الأ�صفهاين (مادة‪ :‬قدر) ‪�( -‬ص‪.)510:‬‬
‫(‪( )12‬جمموع فتاوى ابن تيمية) جمع عبدالرحمن القا�سم (جـ‪� -8 :‬ص‪.)18:‬‬
‫(‪�( )13‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪.)343 :‬‬
‫(‪ )14‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ق د ر)‪.‬‬
‫(‪( )15‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ‪� - 5 :‬ص‪( )3547:‬مادة‪ :‬قدر)‪.‬‬
‫(‪( )16‬جمموع فتاوى ابن تيمية) جمع عبدالرحمن القا�سم (جـ‪� -8 :‬ص‪.)182:‬‬
‫(‪�( )17‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)86 :‬‬
‫(‪( )18‬املرتع الأ�سنى ‪ ..‬من كتب ابن القيم) لعبد العزيز الداخل (�ص‪.)558 :‬‬
‫(‪( )19‬تف�سري �أ�سماء اهلل احل�سنى) لأبي �إ�سحاق الزجاج (�ص ‪.)59‬‬
‫(‪( )20‬االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص‪.)44:‬‬
‫(‪( )21‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪ )113 :‬وعزا القول للحليمي‪.‬‬
‫(‪ )22‬تف�سري (جامع البيان يف تف�سري القر�آن) للطربي عند تف�سري [امللك‪. 1:‬‬
‫ير ‪ -‬المقتدِ ُر‬
‫المجموعة الحادية عشرة ‪ :‬القَ ادِ ُر ‪ -‬القَ دِ ُ‬ ‫‪235‬‬

‫( َقدِ ي ٌر) فال يخرج عن مقدوره �شيء من املوجودات؛ �أعيانها و�أفعالها و�صفاتها‪ ،‬كما‬
‫ال يخرج عن علمه‪ ،‬فكل ما تعلق به علمه من العامل تعلقت به قدرته وم�شيئته»(‪،)23‬‬
‫ويقول ال�شيخ ال�سعدي ‪(« :‬ال َقدِ ي ُر) كامل القدرة‪ ،‬بقدرته �أوجد املوجودات‪ ،‬وبقدرته‬
‫دبرها‪ ،‬وبقدرته َ�س َّواها و�أحكمها‪ ،‬وبقدرته يحيي ومييت‪ ،‬ويبعث العباد للجزاء‪،‬‬
‫ويجازي املح�سن ب�إح�سانه‪ ،‬وامل�سيء ب�إ�ساءته‪ ،‬الذي �إذا �أراد �شيئاً قال له‪ } :‬كن‬
‫فيكون{‪ ،‬وبقدرته يق ّلب القلوب وي�صرفها على ما ي�شاء ويريد»(‪.)24‬‬
‫املقتد ُر‪« :‬التام القدرة‪ ،‬الذي ال ميتنع عليه �شيء»(‪ ،)25‬قال اخلطابي‪( « :‬املقتدِ ُر)‬
‫ِ‬ ‫‪æ‬‬
‫التام القدرة‪ ،‬الذي ال ميتنع عليه �شيء‪ ،‬وال يحتجز عنه مبنعة وقوة»(‪ ،)26‬ويقول‬
‫احلليمي‪( « :‬املقتدِ ُر) املظهر قدرته بفعل ما يقدر عليه»(‪.)27‬‬
‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬
‫املقتد ُر‪ :‬املراحل التي مير بها املخلوق من كونه معلومة يف‬ ‫ِ‬ ‫ير ‪-‬‬‫‪ æ‬ال َقا ِد ُر ‪ -‬ال َق ِد ُ‬
‫علم اهلل ‪� ،‬إلى الواقع امل�شهود ت�سمى عند ال�سلف ال�صالح مبراتب القدر‪ ،‬وهي �أربع‬
‫َع ِلم‪ ،‬فكتب‪ ،‬ف�شاء‪ ،‬فخلق‪ ،‬قال‬ ‫مراتب‪ :‬العلم والكتابة وامل�شيئة واخللق‪ ،‬فاهلل‬
‫النبي‪(:¤‬كتب اهلل مقادير اخلالئق قبل �أن يخلق ال�سماوات والأر�ض بخم�سني �ألف‬
‫واملقتد ُر)‬
‫ِ‬ ‫�سنة‪ ،‬قال‪ :‬وعر�شه على املاء)(‪ ،)28‬و�أ�سماء اهلل احل�سنى (ال َقا ِد ُر وال َق ِد ُ‬
‫ير‬
‫دالة على �صفة (القدرة)‪ ،‬وهي �صفة ذاتية‪ ،‬مل يزل ‪-‬وال يزال‪ -‬اهلل مت�صف ًا بها‪ .‬ومع �أن‬
‫هذه الأ�سماء م�شتقة من �صفة واحدة �إال �أن بع�ضها ي�شري �إلى خ�صو�صية لي�ست يف الآخر‪،‬‬
‫تدل على الكمال املطلق لقدرته ‪�-‬سبحانه‪ -‬التي ال يعجزها �شيء‪ ،‬وهذه الكماالت تتمثل‬
‫فيما يلي‪:‬‬
‫(‪( )23‬طريق الهجرتني وباب ال�سعادتني) البن القيم (�ص‪.)95 :‬‬
‫(‪( )24‬تف�سري ال�سعدي) (ف�صل يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)18 :‬‬
‫(‪( )25‬االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص‪.)44:‬‬
‫(‪�( )26‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)86 :‬‬
‫(‪( )27‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪ )81 :‬وعزا القول للحليمي‪.‬‬
‫(‪ )28‬رواه م�سلم برقم (‪.)2653‬‬
‫‪236‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الأول‪ :‬يف �أن اهلل قادر على كل �شيء‪ ،‬على ما يفعله‪ ،‬وعلى ما ال يفعله‪ ،‬فما‬
‫�شاء اهلل كائن بقدرته ال حمالة‪ ،‬وما مل ي�ش�أ مل يكن‪ ،‬لعدم م�شيئته له‪ ،‬ال لعدم قدرته عليه‪،‬‬
‫فاخت�ص ا�سم (ال َقادِر) بهذا الكمال‪ ،‬وع َّرفه العلماء ب�أنه «هو الذي �إن �شاء فعل‪ ،‬و�إن �شاء‬
‫مل يفعل»(‪ ،)29‬وتقرر لديهم �أن ما �شاء اهلل كان‪ ،‬وما مل ي�ش�أ مل يكن‪ ،‬يقول �شيخ الإ�سالم‬
‫ابن تيمية‪ « :‬قال تعال ‏ى‪:‬‏ ‏} ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ‏{‏[‏امل�ؤمنون‏‪18:‬‏]‪ ،‬قال املف�سرون‏‪:‬‏ لقادرون على �أن نذهب به حتى متوتوا ً‬
‫عط�شا‪،‬‬
‫وتهلك موا�شيكم‪ ،‬وتخـ ـ ــرب �أرا�ضيكم‏‪ ،‬ومعلوم �أنه مل يذهب بـ ــه‪ ،‬وهـ ــذا كقوله‏‪:‬‏} ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ{‏ �إلى قوله‏‪:‬‏ ‏} ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ{ ‏[‏الواقعة‏‪82-68:‬‏]‪ ،‬وهذا‬
‫يدل على �أنه قادر على ما ال يفعله‏‪ ،‬ف�إنه �أخرب �أنه لو �شاء جعل املاء �أُجاجاً وهو مل‬
‫يفعلـه‪ ،‬ومثل هذا‏‪:‬‏ ‪..‬‏}‏‏ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ{[‏يون�س‏‪99:‬‏]‪ } ،‬ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‏‏{[‏البقرة‏‪253:‬‏]‪،‬‬
‫ف�إنه �أخرب يف غري مو�ضع �أنه لو �شاء لفعل �أ�شياء وهو مل يفعلها»(‪.)30‬‬
‫و�شاءه يف اللوح املحفوظ وهو (ال�شيء املعلوم)‬ ‫الثاين‪ :‬يف �أن ما كتبه اهلل‬
‫�أو (الثبوت العلمي الكتابي)‪ ،‬كائن ال حمالة‪ ،‬وال بد من وقوعه يف وقته الذي ق ّدره له‬
‫‪�-‬سبحانه‪ ،‬فاخت�ص ا�سم (ال َقدِ ير) بهذا الكمال‪ ،‬وتعلق باملُق َّدر (الثبوت العلمي) قبل‬
‫خلقه وتكوينه‪ ،‬وقبل �أن يكون �شيئاً مذكورا‪ ،‬كما قال �سبحانه‪ } :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ‏{‏[الإن�سان‪1:‬‏]‪ ،‬وتقرر لدى العلماء �أن ما تعلقت به امل�شيئة‬
‫تعلقت به القدرة‪ ،‬وما تعلقت به القدرة من املوجودات تعلقت به امل�شيئة‪ ،‬وال يكون �شيء �إال‬
‫بقدرته وم�شيئته‪ ،‬و(ال َقدِ ي ُر) هو الفعال ملا يريد كما و�صف نف�سه �سبحانه‪ } :‬ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ {[‏الربوج‏‪16:‬‏]‪ ،‬وهو املتحقق منه خلق وتكوين و�إظهار ما كتبه و�شاءه يف اللوح املحفوظ‬
‫يف وقته الذي ق ّدره له و�أراده‪ ،‬قال �أبو هالل الع�سكري‪(« :‬ال َقا ِد ُر)‪ :‬هو الذي �إن �شاء فعل‪،‬‬
‫(‪( )29‬املق�صد الأ�سنى) للغزايل (�ص‪ ،)119:‬وجاء القول عن ابن تيمية يف (�شرح العقيدة الأ�صفهانية) املدرجة �ضمن‬
‫(جمموعة فتاوى ابن تيمية امل�صرية (دار الفكر)) (جـ‪� - 5 :‬شرح العقيدة‪� :‬ص‪.)23:‬‬
‫(‪( )30‬جمموع فتاوى ابن تيمية) جمع عبدالرحمن القا�سم (جـ‪� -8 :‬ص‪.)10:‬‬
‫ير ‪ -‬المقتدِ ُر‬
‫المجموعة الحادية عشرة ‪ :‬القَ ادِ ُر ‪ -‬القَ دِ ُ‬ ‫‪237‬‬

‫ير)‪ :‬الفعال لكل ما ي�شاء»(‪ ،)31‬وقال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية‪:‬‬


‫و�إن �شاء مل يفعل‪ ،‬و(ال َقدِ ُ‬
‫«قال اهلل تعالى‏‪:‬‏ } ‏ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ{[‏البقرة‏‪20:‬‏]‪ ،‬وال�شيء يف الأ�صل م�صدر‬
‫�شاء ي�شاء �شي ًئا ‪ ..‬ثم و�ضعوا امل�صدر مو�ضع املفعول ف�سموا امل�شيء �شي ًئا ‪ ..‬فقوله‬
‫تعالى‏‪:‬‏ } ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ{‏ �أي على كل ما ي�شاء‪ ،‬فمنه ما قد �شِ يء َفوجِ د‪ ،‬ومنه ما‬
‫مل ي�ش�أ لكنه �شيء يف العلم مبعنى �أنه قابل لأن ي�ش ــاء وقوله‏‪:‬‏ } ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ{‏‪،‬‬
‫يتناول ما كان �شي ًئا يف اخلارج والعلم‪� ،‬أو ما كان �شي ًئا يف العلم فقط»(‪ ،)32‬ويقول يف‬
‫مو�ضع �آخر عند حديثه عن قول اهلل تعالى‪ } :‬‏‏ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮ{[النحل‪�« :]40:‬إن املخلوق قبل �أن يخلق كان معلو ًما خم ً‬
‫ربا عنه مكتو ًبا‪،‬‬
‫فهو �شيء باعتبار وجوده (العلمي الكالمي الكتابي)‪ ،‬و�إن كانت حقيقته التي هي‬
‫(وجوده العيني) لي�س ثاب ًتا يف اخلارج‪ ،‬بل هو عدم حم�ض‪ ،‬ونفي �صرف‪ ،‬وهذه‬
‫املراتب الأربعة امل�شهورة للموجودات ‪ ..‬و�إذا كان كذلك كان اخلطاب موجها �إلى من‬
‫توجهت �إليه الإرادة وتعلقت به القدرة وخلق وكون‪ ،‬كما قال‏‪:‬‏‏ } ‏‏ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ‏{ [‏النحل‏‪:‬‏‪40‬‏]‪ ،‬فالذي يقال له‏‪:‬‏ كن هو الذي يراد‪،‬‬
‫وهو حني يراد قبل �أن يخلق له ثبوت ومتيز يف العلم والتقدير»(‪ ،)33‬وقال يف مو�ضع‬
‫ثالث‪« :‬فقوله تعالى‏‪:‬‏ ‏} ﮗ ﮘﮙ ﮚ{ �أي على كل ما ي�شاء‪ ،‬فمنه ما قد �شيء فوجد‬
‫(الثبوت العيني)‪ ،‬ومنه ما مل ي�ش�أ لكنه �شيء يف العلم (الثبوت العلمي) مبعنى �أنه‬
‫قابل لأن ي�شاء»(‪ ،)34‬ومثال على ذلك قوله تعالى ‪} :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ{[الأحزاب‪ ،]27:‬حيث نزلت بعد غزوة‬
‫الأحزاب‪ ،‬وفيها ب�شارة للم�ؤمنني ب�أنهم �سيملكون �أر�ض ًا مل يط�أوها قبل ذلك‪ ،‬وهي مقدرة‬
‫لهم يف علم اهلل‪ ،‬يقول ابن جرير الطربي‪« :‬لـم تكن مكة وال َخيرب وال �أر�ض فـار�س‬
‫والروم وال الـيـمن‪ ،‬مـما كان وط�أوه يومئذٍ ‪ ،‬ثم وط�أوا ذلك بعد‪ ،‬و�أورثهموه اهلل‪،‬‬
‫(‪( )31‬معجم الفروق اللغوية) لأبي هالل الع�سكري (برقم‪ ،)1668:‬وجزء من كتاب ال�سيد نور الدين اجلزائري‪.‬‬
‫(‪( )32‬جمموع فتاوى ابن تيمية) جمع عبدالرحمن القا�سم (جـ‪� -8 :‬ص‪.)383:‬‬
‫(‪( )33‬جمموع فتاوى ابن تيمية) جمع عبدالرحمن القا�سم (جـ‪� -8 :‬ص‪.)184:‬‬
‫(‪( )34‬جمموع فتاوى ابن تيمية) جمع عبدالرحمن القا�سم (جـ‪� -8 :‬ص‪.)383:‬‬
‫‪238‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫وذلك كله داخـل فـي قوله‪ } :‬ﮠ ﮡ ﮢ{»(‪ )35‬ويقول تعالى‪ } :‬ﭧﭨﭩﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ{[املمتحنة‪ ،]7:‬عند نزول الآية‬
‫كانت قري�ش حتمل لواء العداء‪ ،‬فنزلت هذه الآية م�شرية �إلى �أنه �سبق يف علم اهلل �إ�سالم‬
‫بع�ض ه�ؤالء‪ ،‬و�أن اهلل قدير على خلق وتكوين ما قدره يف علمه من �إ�سالمهم‪ ،‬وهو ما وقع فيما‬
‫بعد‪ ،‬يقول ابن جرير‪« :‬يقول ‪-‬تعالى‪ -‬ذكره‪ :‬ع�سى اهلل �أيها امل�ؤمنون �أن يجعل بينكم‬
‫وبني الذين عاديتم من �أعدائي من م�شركي قري�ش مو ّدة‪ ،‬ففعل اهلل ذلك بهم‪ ،‬ب�أن‬
‫�أ�سلم كثري منهم‪ ،‬ف�صاروا لهم �أولياء و�أحزاباً»(‪ ،)36‬ويقول ال�شيخ ال�سعدي‪« :‬ويف هذه‬
‫الآية �إ�شارة وب�شارة �إلى �إ�سالم بع�ض امل�شركني‪ ،‬الذين كانوا �إذ ذاك �أعداء للم�ؤمنني‪،‬‬
‫وقد وقع ذلك»(‪ ،)37‬ومن ذلك قوله تعالى‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ{[احلج‪ ،]39:‬وهو ما وقع بعد الهجرة‪ ،‬وقوله ‪-‬تعالى‪ -‬عن يهود‬
‫املدينة‪ } :‬ﮎﮏﮐﮑ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ{[البقرة‪ ،]109:‬قال القا�سمي‪ }« :‬ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ{ وهو الإذن يف قتالهم و�إجالئهم‪} ،‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ{ فينتقم‬
‫منهم �إذا �آن �أوانه»(‪ ،)38‬وغريها كثري‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬يف �سرعة التكوين بالقدرة‪ ،‬و �إظهار املُق َّدر وخلقه وتكوينه و�إيجاده‪ ،‬وهو‬
‫ما تعلق بـ (الثبوت والوجود العيني)‪ ،‬فاخت�ص ا�سم (املقتدِ ر) بهذا الكمال‪ ،‬مما ي�شري‬
‫�إلى كمال قدرته ‪�-‬سبحانه‪ -‬يف الإيجاد والتنفيذ والتكوين‪ ،‬و(املقتدِ ُر) ا�سم الفاعل من‬
‫(اقتدر)‪ ،‬و(اقتدر) �أبلغ من (قدر)‪ ،‬واالقتدار‪� :‬شدة القدرة‪ ،‬وال ينا�سب �أن يكون معلق ًا‪،‬‬
‫بل هو (مقتدِ ٌر) الآن‪ ،‬وا�سم الفاعل ي�ستعمل عادة يف زمن احلال؛ ولذا كان (املقتدِ ُر)‬
‫(‪ )35‬تف�سري (جامع البيان يف تف�سري القر�آن) للطربي عند تف�سري [الأحزاب‪. 26:‬‬
‫(‪ )36‬تف�سري (جامع البيان يف تف�سري القر�آن) للطربي عند تف�سري [املمتحنة‪. 7:‬‬
‫(‪( )37‬تف�سري ال�سعدي) عند تف�سري [املمتحنة‪. 7:‬‬
‫(‪( )38‬تف�سري القا�سمي) (جـ‪� - 1 :‬ص‪ )223:‬عند تف�سري‪[ :‬البقرة‪. 109:‬‬
‫ير ‪ -‬المقتدِ ُر‬
‫المجموعة الحادية عشرة ‪ :‬القَ ادِ ُر ‪ -‬القَ دِ ُ‬ ‫‪239‬‬

‫املظهر ملا قــدره‪ ،‬ومن �أمثلة ذلك ما �أ�شار �إليه ‪�-‬سبحانه‪ -‬يف ق�صة �آل فرعون‪ ،‬وتكذيبهم‬
‫لآياته‪ ،‬وانتقامه منهم‪ ،‬و�أخذهم �أخذ عزيز مقتدر‪ } :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ{[القمر‪ ،]42:‬وقوله تعالى‪} :‬ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ‬
‫ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ‬
‫ﰖ{[الكهف‪ ،]45:‬قال ال�شوكاين‪�« :‬أي مقتدراً على كل �شيء من الأ�شياء؛ يحييه‬
‫ويفنيه بقدرته ال يعجز عن �شيء»(‪ ،)39‬وقال ابن عادل‪« :‬قادراً بتكوينه �أو ًال‪ ،‬وتنميته‬
‫و�سطاً‪ ،‬و�إبطاله �آخراً»(‪ ،)40‬يقول ال�شيخ الر�ضواين‪(« :‬ال َقا ِد ُر) الذي ُي َقدِّر املقادير‬
‫يف علمه‪ ،‬وعلمه املرتبة الأولى من ق�ضائه وقدره‪ ،‬و(القدير) يدل على القدرة‬
‫وتنفيذ امل ُ َقدَّر وخلقه وفق �سابق التقدير‪� ،‬أما (املقتدِ ُر) فجمع يف داللته بني ا�سم‬
‫اهلل (ال َقا ِد ُر) و(ال َقدِ ي ُر) معاً‪ ،‬وهو �شبيه يف داللته با�سم اهلل (املليك) فهو جامع‬
‫ال�سمي (املالك) لأعيان خلقه‪( ،‬امللك) املت�صرف فيهم مبقت�ضى حكمته‪ ،‬ولعل ذلك‬
‫هو �سر اقرتان اال�سمني‪( :‬املليك واملقتدر) يف قوله تعالى ‪}:‬ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ ﭵ{[القمر‪ ،]55:‬لداللتيهما املزدوجتني»(‪.)41‬‬
‫فاهلل ( َقا ِد ٌر) �إن �شاء فعل و�إن �شاء مل يفعل‪ ،‬وهو ( َقدِ ي ٌر) على �إظهار وخلق ما‬
‫�شاء يف وقته الذي ق ّدره له وحدده‪ ،‬ومتى ما ظهر املقدور ووجد فهو دليل على �أنه (مقتدِ ٌر)‬
‫ال يعجزه �شيء ‪� ..‬سبحانه‪ -‬من َقا ِد ٍر َقدِ يرٍ مقتدِ ٍر‪.‬‬
‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬
‫املقتد ُر‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من �أ�سماء اهلل ‪�-‬سبحانه (ال َقادِر ‪-‬‬
‫ِ‬ ‫‪ æ‬ال َقا ِد ُر ‪ -‬ال َق ِد ُ‬
‫ير ‪-‬‬
‫ال َقدِ ير ‪ -‬املقتدِ ر) «�صفة (ا ْل ُق ْد َرة) وهي �صفة ذاتية ثابتة هلل بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)42‬قال‬
‫تعالى‪ }:‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ{[القيامة‪ ،]4:‬وقال تعالى‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫(‪ )39‬تف�سري (فتح القدير) لل�شوكاين‪ ،‬عند تف�سري [الكهف‪. 45:‬‬
‫(‪ )40‬تف�سري (اللباب يف علوم الكتاب) البن عادل عند تف�سري [الكهف‪. 45:‬‬
‫(‪�( )41‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪�()343:‬ص‪ )544-543:‬بت�صرف ي�سري‪.‬‬
‫(‪�( )42‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)199 :‬‬
‫‪240‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ{[احلج‪ ،]39:‬وقال تعالى‪}:‬ﮣﮤ ﮥ‬


‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ{[الزخرف‪ ،]42:‬ومن ال�سنة قوله ‪�(:¤‬أعوذ ب ِعزَّة اهلل‬
‫وقدرته من �شر ما �أجدُ و�أحا ِذ ُر)(‪.)43‬‬

‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬


‫اخلالق العليم‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه �سبحانه (القادر) مرة واحدة يف قوله‬ ‫‪æ‬‬

‫تعالى‪ } :‬ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧ ﯨ{[ي�س‪ ،]81:‬و(القادر) هو الذي �إن �شاء فعل‪ ،‬و�إن �شاء مل يفعل‪ ،‬وقد �أخرب‬
‫�سبحانه يف موا�ضع كثرية من كتابه �أنه لو �شاء لفعل �أ�شياء وهو مل يفعلها‪ ،‬وما �شاءه �سبحانه‬
‫فهو كائن بقدرته ال حمالة‪ ،‬وما مل ي�ش�أ مل يكن‪ ،‬لعدم م�شيئته له‪ ،‬ال لعدم قدرته عليه‪ ،‬وقد‬
‫�أ�شار �سبحانه لهذه احلقيقة يف الآية التي تليها‪ }:‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬
‫ﯱ ﯲ ﯳ{ [ي�س‪ ،]82:‬واالقرتان بني (القادر) وبني (الخْ َلاَّ قُ ا ْل َع ِليم) ورد يف‬
‫�سياق الرد على م�شركي قري�ش عندما حتدى �أحدهم النبي ‪ ¤‬يف البعث بعد املوت وقال‬
‫كما حكاه �سبحانه‪ }:‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ{‬
‫[ي�س‪ ،]78:‬فكان هذا اال�ستفهام الإنكاري والدليل العقلي من �ضمن احلجج والرباهني‬
‫الدالة على قدرته �سبحانه على البعث بعد املوت‪ ،‬و�أن من َق َد َر على خلق ال�سماوات والأر�ض‬
‫وعظم �ش�أنهما فهو على خلق الإن�سان �أقدر‪ ،‬وهو م�صداق لقوله تعالى‪:‬‬ ‫مع ِكرب جرمهما ِ‬
‫}ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫بنف�سه �سبحانه على هذا اال�ستفهام بقوله‪ } :‬ﯥ{‬ ‫نف�سه ِ‬‫ﯟ {[غافر‪ ،]57:‬ف�أجاب َ‬
‫وك�أنه –يحكي ما يعتلج يف �صدور امل�شركني وا�ستيقنته �أنف�سهم و�إن مل ي�صرحوا به‪ ،‬ومن‬
‫ثم �أكد حقيقة قدرته على اخللق‪ ،‬والبعث بعد املوت بقوله تعالى‪ } :‬ﯦ ﯧ ﯨ{‬
‫وهي حقيقة م�شاهدة يف كل حلظة‪ ،‬وتتمثل يف �إبداع اخللق كم ًا وكيف ًا‪ ،‬فيعيد ما خلق ويكرره‬
‫(‪ )43‬رواه م�سلم برقم (‪.)2202‬‬
‫ير ‪ -‬المقتدِ ُر‬
‫المجموعة الحادية عشرة ‪ :‬القَ ادِ ُر ‪ -‬القَ دِ ُ‬ ‫‪241‬‬

‫كما كان‪ ،‬ويخلق خلق ًا جديدا �أح�سن مما كان‪ ،‬ومع ذلك فهو عليم مبا يخلق‪ ،‬كيف يخلقه‬
‫و�أين ومتى واحلكمة من خلقه‪� ،‬سبحانه من خالق عليم‪ ،‬يقول ال�شيخ ال�سعدي‪ .. « :‬ثم ذكر‬
‫دليال رابعا فقال‪} :‬ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ { على �سعتهما وعظمهما‬
‫} ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ{ �أي‪� :‬أن يعيدهم ب�أعيانهم‪ } ،‬ﯥ{ قادر على ذلك‪،‬‬
‫ف�إن خلق ال�سماوات والأر�ض �أكرب من خلق النا�س‪ }،‬ﯦ ﯧ ﯨ{ وهذا‬
‫دليل خام�س‪ ،‬ف�إنه تعالى (الخْ َ القُ )‪ ،‬الذي جميع املخلوقات‪ ،‬متقدمها ومت�أخرها‪،‬‬
‫�صغريها وكبريها‪ ،‬كلها �أثر من �آثار خلقه وقدرته‪ ،‬و�أنه ال ي�ستع�صي عليه خملوق‬
‫�أراد خلقه‪ .‬ف�إعادته للأموات‪ ،‬فرد من �أفراد �آثار خلقه»(‪.)44‬‬
‫‪ æ‬الغفور والرحيم‪ :‬ورد االقرتان مرة واحدة مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه (القدير) يف‬
‫قوله تعالى‪ } :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ{[املمتحنة‪ ،]7:‬وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم – الإ�شارة �إلى «�أن رحمة اهلل‬
‫ومغفرته �إمنا هي عن مقدرة ال عن �ضعف»(‪ ،)45‬يقول ال�شيخ ال�سعدي يف كالم نفي�س‪:‬‬
‫«واهلل قدير على كل �شيء‪ ،‬ومن ذلك هداية القلوب وتقليبها من حال �إلى حال‪،‬‬
‫واهلل غفور رحيم ال يتعاظمه ذنب �أن يغفره‪ ،‬وال يكرب عليه عيب �أن ي�سرته»(‪.)46‬‬
‫واملغفرة والرحمة املمدوحة هي التي ت�صدر عن قادر على االنتقام ثم هو يغفر ويرحم‪.‬‬

‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪:‬‬


‫‪ æ‬الأثر العلمي االعتقادي‪:‬‬
‫اعتقاد �أن اهلل ‪� -‬سبحانه ‪ -‬قدَّر كل �شيء من �أمور خلقه يف علمه وكتبه يف اللوح املحفوظ‪،‬‬
‫فال يخرج عن مقدوره �شيء من املوجودات‪ ،‬ثم تولى ‪� -‬سبحانه ‪ -‬تنفيذ املقادير وخلقها على ما‬
‫(‪ )44‬تف�سري (ال�سعدي) عند تف�سري الآية (‪ )81‬من �سورة ي�س (�ص‪.)646 – 645:‬‬
‫(‪( )45‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪.)425 :‬‬
‫(‪( )46‬تف�سري ال�سعدي) عند تف�سري [املمتحنة‪. 7:‬‬
‫‪242‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫جاء يف �سابق التقدير‪ ،‬ال يعجزه �شيء يريده‪ ،‬وال ميتنع عليه‪ ،‬وال يحتجز عنه مبنعة �أو قوة‪ ،‬وقدرته‬
‫‪� -‬سبحانه ‪ -‬تامة ومطلقة و�شاملة ونافذة‪ ،‬قد �سلمت من اللغوب والتعب والإعياء والعجز‪ ،‬ولكمالها‬
‫فكل �شيء طوع �أمره وحتت تدبريه‪ ،‬فما �شاء كان‪ ،‬وما مل ي�ش�أ مل يكن‪ ،‬وهو الفعال ملا يريد ‪�-‬سبحانه‪ .‬‬
‫‪ æ‬الأثر العملي‪:‬‬
‫‪1.1‬اال�ستعانة باهلل ‪-‬تعالى‪ ،‬وح�سن التوكل عليه‪ ،‬ومتام االلتجاء �إليه‪ ،‬والر�ضى بق�ضائه‬
‫وقدره‪ ،‬و�أنه وحده ‪�-‬سبحانه‪ -‬القـ ــادر على ق�ضاء احلوائج وتفريج الكربات‪ ،‬ومن‬
‫قوله ‪ .. (:¤‬واعلم �أن الأمة لو اجتمعت على �أن‬ ‫حدي ـ ـ ــث ابن عبا�س‬
‫ينفعوك ب�شيء‪ ،‬مل ينفعوك �إال ب�شيء قد كتبه اهلل لك‪ ،‬و�إن اجتمعوا‬
‫على �أن ي�ضروك ب�شيء مل ي�ضروك �إال ب�شيء قد كتبه اهلل عليك‪ ،‬رفعت‬
‫الأقالم وجفت ال�صحف)(‪ ،)47‬فال ركون �إال �إليه ‪�-‬سبحانه‪ -‬وال اعتماد �إال‬
‫واملنجمني وال�سحرة‬
‫عليه‪ ،‬ومن ادعى علم الغيب والقدرة على الت�أثري من الع ّرافني ّ‬
‫والكهان فهو م�ضل كاذب؛ لأن علم التقدير �سر بيد (ال َقادِر) وحده‪.‬‬
‫‪�2.2‬إجالل اهلل ‪�-‬سبحانه‪ -‬ومهابته‪ ،‬والتوا�ضع لعباده‪ ،‬واالبتعاد عن ظلمهم‪ ،‬وعدم‬
‫االغرتار بالقدرة عليهم‪ ،‬لأن الإميان بقدرة اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬وانتقامه للمظلومني‬
‫من الظلمة‪ ،‬يجعل العبد يرتدع عن الظلم والعدوان‪ ،‬وكما قيل‪�« :‬إذا دعتك‬
‫قدرتك �إلى ظلم العباد فتذكر قدرة اهلل عليك»‪.‬‬
‫‪�3.3‬سالمة العبد من �أمرا�ض القلوب؛ كاحلقد واحل�سد ونحوهما‪ ،‬لإميانه ب�أن الأمور كلها‬
‫بتقدير اهلل ‪ ،‬و�أنه ‪�-‬سبحانه‪ -‬هو الذي �أعطى العباد وقدر لهم �أرزاقهم‪ ،‬فالف�ضل‬
‫ف�ضله‪ ،‬والعطاء عطا�ؤه؛ ولذا يقال للحا�سد‪�« :‬إنه عدو نعمة اهلل على عباده»‪.‬‬
‫‪4.4‬تقوية عزمية العبد و�إرادته يف احلر�ص على اخلري وطلبه‪ ،‬والبعد عن ال�شر‬
‫(‪ )47‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)7957‬‬
‫ير ‪ -‬المقتدِ ُر‬
‫المجموعة الحادية عشرة ‪ :‬القَ ادِ ُر ‪ -‬القَ دِ ُ‬ ‫‪243‬‬

‫والهرب منه‪ ،‬ويف حديث �أبي هريرة ‹ قوله ‪ ..(:¤‬احر�ص على ما ينفعك‬
‫وا�ستعن باهلل وال تعجز‪ ،‬و�إن �أ�صابك �شيء فال تقل‪ :‬لو �أين فعلت كان كذا‬
‫وكذا‪ ،‬ولكن قل‪ :‬قدر اهلل‪ ،‬وما �شاء فعل‪ ،‬ف�إن لو تفتح عمل ال�شيطان)(‪.)48‬‬
‫‪5.5‬ح�سن رجاء اهلل‪ ،‬ودوام �س�ؤاله والإكثار من دعائه‪ ،‬والطمع يف �إنعامه؛ لأن الأمور كلها‬
‫بيده‪ ،‬وهو على كل �شيء قدير؛ ولذا قال مطرف بن عبداهلل‪« :‬تذكرت ما جماع‬
‫اخلري ف�إذا اخلري كثري‪ :‬ال�صوم‪ ،‬وال�صالة‪ ،‬و�إذا هو بيد اهلل و�إذا �أنت ال تقدر‬
‫على ما يف يد اهلل �إ ّال �أن ت�س�أله فيعطيك‪ ،‬ف�إذا جماع اخلري‪ :‬الدعاء»(‪.)49‬‬
‫‪6.6‬الثقة يف رحمة اهلل وحكمته ولطفه‪ ،‬ودفع الي�أ�س والإحباط والهلع‪ ،‬ال �سيما يف ظل‬
‫امل�صائب والكوارث وت�سلط الأعداء‪ ..‬فاهلل ‪�-‬سبحانه‪ -‬قادر على رفع امل�صائب‬
‫وق�صم الكفرة‪ ،‬فهو على كل �شيء قدير والكل يف قب�ضته وحتت قهره‪ ،‬ولكنها‬
‫احلكمة التي قد ال حتتملها عقول الب�شر‪.‬‬

‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫املقتد ُر) من �أ�سماء الذات الدالة على �صفة اهلل الذاتية‬
‫ِ‬ ‫(ال َقا ِد ُر ‪ -‬ال َق ِد ُ‬
‫ير ‪-‬‬
‫(ا ْل ُق ْد َرة) وهي �صفة ذاتية‪ ،‬مل يزل ‪-‬وال يزال‪ -‬اهلل مت�صف ًا بها‪ ،‬وال تعلق لها بامل�شيئة‪،‬‬
‫فاهلل ‪�-‬سبحانه وتعالى‪ -‬قدير ذو قدرة تامة‪ ،‬ال يعجزه �شيء‪ ،‬وكل �شيء طوع �أمره وحتت‬
‫تدبريه؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل‪ ،‬والتو�سل �إليه‪ ،‬والثناء عليه‪ ،‬وتعظيمه ومتجيده‬
‫بهذه الأ�سماء يف جميع �أغرا�ض الدعاء وحاجات العبد‪ ،‬ويت�أكد ذلك حال �ضعف العبد وذله‪،‬‬
‫وقلة حيلته وحاجته‪ ،‬وطلبه ملغفرة ذنوبه‪ ،‬ومن دعاء النبي ‪( :¤‬رب اغفر يل خطيئتي‬
‫وجهلي‪ ،‬و�إ�سرايف يف �أمري كله‪ ،‬وما �أنت �أعلم به مني‪ ،‬اللهم اغفر يل خطاياي‪،‬‬
‫وعمدي وجهلي وهزيل‪ ،‬وكل ذلك عندي‪ ،‬اللهم اغفر يل ما قدمت وما �أخرت‪ ،‬وما‬
‫(‪ )48‬رواه م�سلم برقم (‪.)2664‬‬
‫(‪� )49‬أخرجه الإمام �أحمد يف (الزهد) يف �أخبار (مطرف بن ال�شخري رحمه اهلل) (برقم‪� – 1344 :‬ص‪.)195 :‬‬
‫‪244‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫�أ�سررت وما �أعلنت‪� ،‬أنت املقدم و�أنت امل�ؤخر‪ ،‬و�أنت على كل �شيء قدير)(‪.)50‬‬
‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬
‫قال تعالى‪}:‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬ ‫‪æ‬‬

‫ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ(‪ )51‬ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ(‪ )52‬ﯷ‬
‫ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ{[البقرة‪.]259:‬‬
‫‪ æ‬عن �أبي هريرة ‹ قال‪ :‬قال النبي ‪( :¤‬كان رجل ي�سرف على نف�سه‪ ،‬فلما‬
‫ح�ضره املوت قال لبنيه‪� :‬إذا �أنا مت ف�أحرقوين‪ ،‬ثم اطحنوين‪ ،‬ثم ذروين يف الريح‪،‬‬
‫علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه �أحد‪ .‬فلما مات ُفعل به ذلك‪،‬‬ ‫فواهلل لئن قدر َّ‬
‫ف�أمر اهلل الأر�ض فقال‪ :‬اجمعي ما فيك منه‪ ،‬ففعلت‪ ،‬ف�إذا هو قائم‪ ،‬فقال‪ :‬ما حملك‬
‫على ما �صنعت؟ قال‪ :‬يا رب ْ‬
‫خ�ش َي ُتك‪ ،‬فغفر له)(‪.)53‬‬
‫‪ æ‬ب�صق ر�سول اهلل ‪ ¤‬يوما على كفه‪ ،‬وو�ضع عليها �إ�صبعه ثم قال‪( :‬يقول اهلل‬
‫تعالى‪ :‬يا ابن �آدم‪� ،‬أنّى تعجزين وقد خلقتك من مثل هذه!‪ ،‬حتى �إذا �سويتك‪،‬‬
‫وعدلتك‪ ،‬م�شيت بني بردين وللأر�ض منك وئيد(‪ ,)54‬فجمعت ومنعت‪ ,‬حتى �إذا بلغت‬
‫أت�صدق‪ ،‬و�أنّى �أوان الت�صدق!)(‪.)55‬‬
‫نف�سك الرتاقي‪ ،‬قلت‪ّ � :‬‬
‫‪ æ‬قال ال�صحابي اجلليل �أبو م�سعود عقبة بن عمرو ‹‪ :‬كنت �أ�ضرب غالماً يل‬
‫بال�سوط‪ .‬ف�سمعت �صوتاً من خلفي يقول‪( :‬اعلم‪� ،‬أبا م�سعود!) فلم �أفهم ال�صوت من‬
‫(‪ )50‬رواه البخاري برقم (‪.)6398‬‬
‫(‪ } )51‬لمَ ْ َيت ََ�س َّنهْ{‪� :‬أي مل يتغري خالل هذه املدة الطويلة‪.‬‬
‫ن�ش ُزهَ ا{‪ :‬نحركها ونرفع بع�ضها على بع�ض‪ ،‬ون�صل بع�ضها ببع�ض‪.‬‬ ‫(‪ُ } )52‬ن ِ‬
‫(‪ )53‬رواه البخاري برقم (‪ )3481‬ورواه م�سلم برقم (‪ )2756‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫(‪ )54‬الوئيد‪� :‬صوت �شدة الوطء على الأر�ض‪ ،‬ي�سمع كالدَّويّ من ُبعد‪([.‬النهاية يف غريب احلديث) البن الأثري (جـ‪� - 5:‬ص‪.])143 :‬‬
‫(‪ )55‬رواه احلاكم و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)8144‬‬
‫ير ‪ -‬المقتدِ ُر‬
‫المجموعة الحادية عشرة ‪ :‬القَ ادِ ُر ‪ -‬القَ دِ ُ‬ ‫‪245‬‬

‫الغ�ضب!‪ ،‬قال‪ :‬فلما دنا مني‪� ،‬إذ هو ر�سول اهلل ‪ ،¤‬ف�إذا هو يقول‪( :‬اعلم �أبا م�سعود‪،‬‬
‫اعلم �أبا م�سعود!) قال‪ :‬ف�ألقيت ال�سوط من يدي‪ ،‬فقال‪( :‬اعلم‪� ،‬أبا م�سعود‪� ،‬أن اهلل‬
‫�أقدر عليك منك على هذا الغالم)‪ ،‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬ال �أ�ضرب مملوكا بعده �أبدا ويف رواية‪:‬‬
‫فقلت‪ :‬يا ر�سول اهلل‪ ،‬هو ح ٌر لوجه اهلل‪ .‬فقال‪�(:‬أما لو مل تفعل‪ ،‬للفحتك النار‪� ،‬أو‬
‫مل�ستك النار)(‪.)56‬‬
‫‪ æ‬نزل جربيل على يعقوب ‪ ،‬ف�شكا �إليه ما هو فيه‪ ،‬فقال له جربيل‪�« :‬أال‬
‫�أعلمك دعا ًء �إذا �أنت دعوت به فرج اهلل عنك؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬قل‪ :‬يا من ال يعلم كيف‬
‫هو �إال هو‪ ،‬ويا من ال يبلغ كنه قدرته غريه‪ ،‬فرج عني ف�أتاه الب�شري»!(‪.)57‬‬
‫‪ æ‬قال الف�ضيل بن عيا�ض‪« :‬من خاف اهلل مل ي�ضره �شيء‪ ،‬ومن خاف غري اهلل‬
‫مل ينفعه �أحد»(‪.)58‬‬
‫‪ æ‬قال وهيب بن الورد‪ « :‬بينا �أنا واقف يف بطن الوادي‪� ،‬إذا �أنا برجل قد اخذ مبنكبي‬
‫فقال‪ :‬يا وهيب خف اهلل لقدرته عليك‪ ،‬وا�ستحيي منه لقربه منك‪ ،‬قال‪ :‬فالتفت فلم‬
‫�أر �أحدا»(‪.)59‬‬
‫‪ æ‬قيل لأعرابي‪ :‬مب عرفت اهلل؟‪ ،‬قال‪« :‬بنق�ض عزائم ال�صدور‪ ،‬و�سوق االختيار‬
‫�إلى حبائل املقدور»(‪.)60‬‬
‫‪ æ‬ارتكب عبد اهلل بن م�سلم بن حمارب جناية‪ ،‬فلما �صار بني يدي هارون الر�شيد قال‪:‬‬
‫«يا �أمري امل�ؤمنني‪� ،‬أ�س�ألك بالذي �أنت بني يديه � ّ‬
‫أذل مني بني يديك‪ ،‬وبالذي هو �أقدر‬
‫على عقابك‪ ،‬منك على عقابي‪ ،‬ملا عفوت عني!»(‪ ،)61‬فعفا عنه ملا ذكر قدرة اهلل ‪.‬‬
‫(‪ )56‬رواه م�سلم برقم (‪.)1659‬‬
‫(‪( )57‬الفرج بعد ال�شدة) البن �أبي الدنيا (�ص‪.)34 :‬‬
‫(‪( )58‬حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ‪� – 8 :‬ص‪ )88 :‬يف ترجمة (الف�ضيل بن العيا�ض)‪.‬‬
‫(‪( )59‬حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ‪� – 8 :‬ص‪)140 :‬يف ترجمة (وهيب بن الورد)‪.‬‬
‫(‪( )60‬نفح الطيب من غ�صن الأندل�س الرطيب) للتلم�ساين (جـ‪� – 5‬ص‪.)289 :‬‬
‫(‪�( )61‬أدب الدنيا والدين) للماوردي (�ص‪.)268 :‬‬
‫‪246‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫أعرابي فقال‪�« :‬سبحان من عال فقهر‪ ،‬و َقدِ َر فغفر‪ ،‬و�سبحان من ُيح ّيي‬
‫‪ æ‬دعا � ٌّ‬
‫املوتى‪ ،‬ويمُ يت الأحياء‪ ،‬وهو على ك ّل �شي ٍء قدير»(‪.)62‬‬

‫‪ æ‬قال تعالى‪} :‬ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ‬


‫ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ{[الروم‪ ،]50:‬قال �أبو الوفاء علي بن عقيل‬
‫احلنبلي‪« :‬الزرع �آكد ما ُي�ستدل به على البعث‪ ،‬لأن امللحدة مل تتعلق يف ت�شبيهها‬
‫للحيوان �إال بالزرع‪ ،‬ينبت و ُي�ستح�صد‪ ،‬فجعل البارئ ذلك حجة عليهم؛ وذلك �أن‬
‫احل َّبة ُتدفن حتت الأر�ض حتى َت ْع َف َن وتبيد‪ ،‬وتبلغ �إلى حد تخرج به عن منافعها‬
‫منتفع بها‪ ،‬ثم‬
‫ٍ‬ ‫وطعمها‪ ،‬حتى لو �أُخرجت من حتت الرتاب ل�شوهدت م�سود ًة غري‬
‫�إن البارئ �سبحانه خمرج منها طاقة خ�ضراء(‪ )63‬ترفع الرتاب عن ر�أ�سها‪ ،‬وتقوم‬
‫على �ساقها فك�أنه قال‪� :‬إذا كنت �أُخرج احل َّب َة بعد َع َفنها ودفنها حتت الرتاب طاقة‬
‫خ�ضراء تخلف تلك الطاقة �أمثال تلك احلبة و�أ�ضعافها‪� ،‬أفال تب�صرون �أين قاد ٌر‬
‫على ردكم بعد هالككم وتقطعكم‪ ،‬وافرتاق �أج�سامكم �أحيا ًء كما كنتم‪ ،‬ولعمري �إنه‬
‫الدليل ملن عقل عن اهلل قوله‪ ،‬ووفقه اهلل لفهم ما بينته»(‪.)64‬‬

‫(‪( )62‬الب�صائر والذخائر) لأبي حيان التوحيدي (جـ‪� – 8 :‬ص‪)89 :‬‬


‫(‪ )63‬طاقة خ�ضراء ‪ :‬احلزمة من الرباعم اخل�ضراء التي تخرج من بذور احلبوب‪.‬‬
‫(‪( )64‬الإر�شاد يف االعتقاد) لأبي الوفاء علي بن عقيل احلنبلي (�ص‪ ،)119:‬درا�سة وحتقيق‪ :‬ه�شام بن حممد غنيم‪( ،‬ر�سالة‬
‫ماج�ستري)‪ 1429 ،‬هـ‪.‬‬
‫األع ُز‬
‫ّ‬ ‫العز ُ‬
‫ِيز ‪-‬‬ ‫المتِ ُ‬
‫ين ‪َ -‬‬ ‫ي‪َ -‬‬‫المجموعة الثانية عشرة ‪ :‬القَ وِ ُّ‬ ‫‪247‬‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ‪12‬ـــــــــة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ا ْل ِع َّز ُِة‬
‫(‪)40 - 39 - 38 - 37‬‬
‫يز ‪ -‬ال ّأع ُز‬ ‫ال َق ِو ُّي ‪ -‬املَ ِت ُ‬
‫ني ‪ -‬ال َع ِز ُ‬
‫‪248‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الـمجـمـوعـ‪12‬ـة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ا ْل ُق َّو ُِة وا ْل ِع َّز ُِة‬
‫(‪)40 - 39 - 38 - 37‬‬
‫يز ‪ -‬ال ّأع ُز‬ ‫ال َق ِو ُّي ‪ -‬املَ ِت ُ‬
‫ني ‪ -‬ال َع ِز ُ‬
‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫‪ æ‬ال َق ِو ُّي‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 9‬مرات) منها قوله تعالى‪ }:‬ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫�أنها َقالت‬ ‫ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ{[ال�شورى‪ ،]19:‬ومن حديث عائ�شة‬
‫الريح على امل�شركني‪ ،‬فكفى اهلل امل�ؤمنني القتال‬ ‫عن يوم اخلندق‪ « :‬وبعث اهلل‬
‫وكان اهلل قوياً عزيزاً»(‪.)1‬‬
‫‪ æ‬املَ ِتنيُ‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة يف قوله تعالى‪ }:‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ{[الذاريات‪ ،]58:‬ومن ال�سنة قول ابن م�سعود ‹ قال‪�« :‬أقر�أين ر�سول اهلل ‪:¤‬‬
‫} ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ{»(‪.)2‬‬
‫يز‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 88‬مرة) منها قوله تعالى‪}:‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ال َع ِز ُ‬ ‫‪æ‬‬
‫ﮚ{[ال�شعراء‪ ،]9:‬ومن ال�سنة قول عائ�شة ‪ :‬كان النبي ‪� ¤‬إذا ت�ض ّور من الليل(‪ ،)3‬قال‪:‬‬
‫(ال �إله �إال اهلل الواحد القهار‪ ،‬رب ال�سماوات والأر�ض وما بينهما العزيز الغفار)(‪.)4‬‬
‫‪ æ‬ال ّأع ُز‪ :‬مل يرد هذا اال�سم الكرمي يف القر�آن العظيم‪ ،‬و�إمنا ورد يف الأثر املوقوف‬
‫على عبد اهلل بن م�سعود وعبد اهلل بن عمر �أنهما كانا يقوالن يف ال�سعي بني ال�صفا‬
‫واملروة ‪« :‬رب اغفر وارحم‪ ،‬وجتاوز ع َّما تعلم‪� ،‬إنك �أنت الأع ُّز الأكرم»(‪.)5‬‬
‫(‪ )1‬رواه الإمام �أحمد وح�سنه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة برقم (‪.)67‬‬
‫(‪ )2‬رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف �صحيح �أبي داود برقم (‪.)3993‬‬
‫(‪ )3‬ت�ض ّور‪� :‬أي تل ّوى وتق ّلب لي ًال يف فرا�شه‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه الن�سائي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)4693‬‬
‫(‪ )5‬رواه ابن �أبي �شيبة والطرباين والبيهقي وقال الألباين يف (منا�سك احلج والعمرة ‪� -‬ص‪ : )28:‬رواه ابن �أبي �شيبة ب�إ�سنادين �صحيحني‪.‬‬
‫األع ُز‬
‫ّ‬ ‫العز ُ‬
‫ِيز ‪-‬‬ ‫المتِ ُ‬
‫ين ‪َ -‬‬ ‫ي‪َ -‬‬‫المجموعة الثانية عشرة ‪ :‬القَ وِ ُّ‬ ‫‪249‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬


‫‪ æ‬ال َق ِو ُّي‪�« :‬صفة م�شبهة للمو�صوف بالقوة‪ ،‬فعله قويَ َيق َوى ُق َّو ًة‪ ،‬والقوة‬
‫نقي�ض ال�ضعف والوهن والعجز‪ ،‬وهي اال�ستعداد الذاتي والقدرة على الفعل‪ ،‬وعدم‬
‫العجز عن القيام به»(‪ ،)6‬قال الزجاجي‪« :‬والقوي‪ :‬ذو القوة والأيد‪ ،‬ويقال ملن �أطاق‬
‫�شي ًئا وقدر عليه‪ :‬قد قوي عليه‪ ،‬وملن مل يقدر عليه‪ :‬قد �ضعف عنه‪ ،‬فاهلل قوي‬
‫قادر على الأ�شياء كلها ال يعجزه �شيء منها»(‪.)7‬‬

‫مت نُ‬
‫ميت َمتان ًة فهو متني‪،‬‬ ‫‪ æ‬امل َ ِت ُ‬
‫ني‪�« :‬صفة م�شبهة للمو�صوف باملتانة‪ ،‬فعله نُ َ‬
‫�أي قوي مع �صالبة وا�شتداد‪ ،‬واملتني‪ :‬هو ال�شيء الثابت يف قوته‪ ،‬ال�شديد يف عزمه‬
‫ومتا�سكه‪ ،‬والوا�سع يف كماله وعظمته ‪ ..‬فال تنقطع قوته‪ ،‬وال تت�أثر قدرته»(‪.)8‬‬

‫يز‪�« :‬صفة م�شبهة للمو�صوف بالعزة‪ ،‬فعله ع َّز َي ِع ّز عِ ّزاً وعِ ّز ًة‪ ،‬فهو‬ ‫‪ æ‬ال َع ِز ُ‬
‫عزيز»(‪« ،)9‬و(الع ـ ـ ِ ُّزة)‪ :‬حالـ ــة مانعـ ـ ــة للإِن�س ـ ــان من �أَن ُيغلب‪ ،‬ومعن ــاه ــا‪ :‬املنعة‬
‫والغلب ـ ــة‪ ،‬ومنه قولـه تعالى‪ } :‬ﮣ ﮤ ﮥ{[�ص‪� ]23:‬أي‪ :‬غلبني‪ ،‬وقيل معناه‪:‬‬
‫�صار �أعز مني يف املخاطبة واملخا�صمة‪ ،‬ومن �أمثال العرب‪( :‬من ع َّز ب َّز)؛ �أي‪ :‬من غلب‬
‫�سلب‪ ،‬و(العزيز)‪ :‬الذى َي ْقهَر وال ُي ْقهر»(‪.)10‬‬

‫‪ æ‬ال ّأع ُز‪ :‬من �صيغ �أفعل التف�ضيل‪ ،‬ولي�س م�صوغ ًا للمفا�ضلة‪ ،‬و�إمنا للداللة على قوة‬
‫االت�صاف بالعزة‪ ،‬والأعز مبعنى نفا�سة ال َق ْدر‪ ،‬و�أنه ‪�-‬سبحانه‪ -‬ال يعادله �شيء يف عزته‪ ،‬وال‬
‫مثيل له وال نظري‪.‬‬
‫(‪�( )6‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)398 :‬القوي)‪.‬‬
‫(‪( )7‬ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص‪.)149 :‬‬
‫(‪�( )8‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)402 :‬املتني)‪.‬‬
‫(‪ )9‬معجم اللغة العربية املعا�صرة للدكتور �أحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ع ز ز)‪.‬‬
‫(‪( )10‬املفردات) للراغب الأ�صفهاين (مادة‪ :‬عزَّ)‪.‬‬
‫‪250‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬


‫‪ æ‬ال َق ِو ُّي‪« :‬الذي ال يغالبه �أحد‪ ،‬وال يعجزه �أمر �أراده»(‪ ،)11‬قال ابن كثري‪(« :‬ال َقوِيُّ )‬
‫ال يغلبه غالب‪ ،‬وال يفوته هارب»(‪ ،)12‬وقال اخلطابي‪(« :‬ال َقوِيُّ ) الذي ال ي�ستويل عليه‬
‫العجز يف حال من الأحوال»(‪ ،)13‬وقال ابن القيم‪(« :‬ال َقوِيُّ )‪ :‬املو�صوف بالقوة ‪ ..‬ولو‬
‫اجتمعت قوى اخلالئق على �شخ�ص واحد منهم‪ ،‬ثم �أُعطي كل منهم مثل تلك القوة؛‬
‫لكانت ن�سبتها �إلى قوته ‪�-‬سبحانه‪ -‬دون ن�سبة قوة البعو�ضة �إلى حملة العر�ش»(‪.)14‬‬
‫‪ æ‬املَ ِتنيُ‪« :‬املتناهي يف القوة والقدرة‪ ،‬فال تتناق�ص قوته‪ ،‬وال ت�ضعف قدرته»(‪،)15‬‬
‫ني)‪ :‬ال�شديد القوي‪ ،‬الذي ال تنقطع قوته‪ ،‬وال تلحقه يف �أفعاله‬ ‫قال اخلطابي‪(« :‬امل َ ِت ُ‬
‫ني) الذي ال تتناق�ص قوته»(‪.)17‬‬
‫م�شقة‪ ،‬وال مي�سه لغوب»(‪ ،)16‬وقال احلليمي‪(« :‬امل َ ِت ُ‬
‫يز ال ّأع ُز‪« :‬الغالب الذي ال ُيغلب‪ ،‬واملنيع الذي ال يو�صل �إليه»(‪ ،)18‬قال ابن‬
‫‪ æ‬ال َع ِز ُ‬
‫كثري‪(« :‬ال َعزِي ُز) الذي قد عز كل �شيء فقهره‪ ،‬وغلب الأ�شياء فال ينال جنابه لعزته‬
‫وعظمته وجربوته وكربيائه»(‪ ،)19‬وقال القرطبي‪(« :‬ال َعزِي ُز) املنيع الذي ال ُينال وال‬
‫ُيغالب»(‪ ،)20‬وقال ال�شيخ ال�سعدي‪(« :‬ال َعزِي ُز) الذي له العزة كلها‪ :‬عزة القوة‪ ،‬وعزة‬
‫الغلبة‪ ،‬وعزة االمتناع‪ ،‬فامتنع �أن يناله �أحد من املخلوقات‪ ،‬وقهر جميع املوجودات‪،‬‬
‫ودانت له اخلليقة»(‪.)21‬‬
‫(‪( )11‬تف�سري ال�سعدي) عند تف�سري الآية [الأحزاب‪�( ]25:‬ص‪.)610:‬‬
‫(‪( )12‬تف�سري ابن كثري) عند تف�سري الآية (‪ )52‬من �سورة الأنفال‪.‬‬
‫(‪�( )13‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)77 :‬‬
‫(‪( )14‬املرتع الأ�سنى ‪ ..‬من كتب ابن القيم) لعبد العزيز الداخل (�ص‪.)450 :‬‬
‫(‪ )15‬معجم اللغة العربية املعا�صرة للدكتور �أحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬م ت ن‪ :‬متني)‪.‬‬
‫(‪�( )16‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)77 :‬‬
‫(‪( )17‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪.)118 :‬‬
‫(‪( )18‬االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص‪.)38 :‬‬
‫(‪( )19‬تف�سري ابن كثري) عند تف�سري الآية (‪ )23‬من �سورة احل�شر‪.‬‬
‫(‪( )20‬تف�سري القرطبي) عند تف�سري الآية (‪ )129‬من �سورة البقرة‪.‬‬
‫(‪ )21‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)17 :‬‬
‫األع ُز‬
‫ّ‬ ‫العز ُ‬
‫ِيز ‪-‬‬ ‫المتِ ُ‬
‫ين ‪َ -‬‬ ‫ي‪َ -‬‬‫المجموعة الثانية عشرة ‪ :‬القَ وِ ُّ‬ ‫‪251‬‬

‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬


‫ير ‪ -‬ال َق ِو ُّي‪( :‬ا ْل ُق ْد َر ُة) �أعم من (ا ْل ُق َّوة) يقول ال�شيخ ابن عثيمني‪« :‬القدرة‬
‫‪ æ‬ال َق ِد ُ‬
‫يقابلها العجز‪ ،‬والقوة يقابلها ال�ضعف‪ ،‬والقوة �أخ�ص من القدرة‪ ،‬فكل قوي قادر‪،‬‬
‫ولي�س كل قادر قوياً‪ ،‬وقد يقدر الإن�سان على حمل ثقل فوق ظهره‪ ،‬ولكن مع تعب‬
‫وم�شقة‪ ،‬فهذا الإن�سان قادر ولكنه لي�س بقوي‪ ،‬ومتى ما حمله ب�سهولة وبدون م�شقة‬
‫فهو قوي ‪ ،)22(»..‬ويقول �أبو هالل الع�سكري‪« :‬القوي هو الذي يقدر على ال�شيء وعلى‬
‫ما هو �أكرث منه؛ ولهذا ال يجوز �أن يقال للذي ا�ستفرغ قدرته يف ال�شيء �أنه قوي‬
‫عليه‪ ،‬و�إمنا يقال له �إنه قوي عليه �إذا كان يف قدرته ف�ضل لغريه»(‪.)23‬‬

‫‪ æ‬ال َق ِو ُّي ‪ -‬املَ ِتنيُ‪( :‬امل َ ِت ُ‬


‫ني) من املتانة وهي تناهي ا ْل ُق َّوة و�شدتها‪ ،‬فال تتناق�ص‪،‬‬
‫وال يلحقها �ضعف �أو م�شقة‪ ،‬يقول الغزايل‪« :‬ا ْل ُق َّو ُة تدل على القدرة التامة‪ ،‬واملتانة تدل‬
‫على �شدة القوة‪ ،‬فاهلل ‪-‬تعالى‪ -‬من حيث �إنه بالغ القدرة تامها‪َ ( :‬قوِيٌّ )‪ ،‬ومن حيث‬
‫ني)»(‪.)24‬‬ ‫�إنه �شديد القوة‪َ ( :‬م ِت ٌ‬
‫يز‪( :‬ا ْل َق ْها ُر) الغالب لكل �شيء‪ ،‬الذي ذلت لقوته وكمال قدرته‬ ‫‪ æ‬ال َق َّها ُر ‪ -‬ال َع ِز ُ‬
‫املخلوقات‪ ،‬فالكل حتت قهره ‪�-‬سبحانه‪ ،‬و(ال َعزِي ُز) املنيع الذي ال ُيقهر وال ُيغلب وال يقدر‬
‫�أحد على منعه‪ ،‬وال ُي�س�أل عما يفعل كما قال عن نف�سه ‪�-‬سبحانه‪} :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ{[الأنبياء‪ ]23:‬وقال تعالى‪ }:‬ﮒ ﮓ ﮔ{[ال�شم�س‪.]15:‬‬

‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬


‫‪ æ‬ال َق ِو ُّي‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال َقوِيّ ) «�صفة (ا ْل ُق َّو ِة) وهي من‬
‫(‪ )22‬تف�سري �سورة املائدة (الآية ‪ )17‬البن عثيمني (�شريط رقم ‪ )8‬بت�صرف ي�سري‪.‬‬
‫(‪( )23‬الفروق اللغوية) لأبي هالل الع�سكري (برقم ‪�( )1764‬ص ‪.)109‬‬
‫(‪( )24‬املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص‪.)114 :‬‬
‫‪252‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫�صفات اهلل الذاتية الثابتة بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)25‬قال تعالى‪} :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬


‫ﮉ ﮊ{[الذاريات ‪ ،]58 :‬ومن ال�سنة حديث �أبي قتادة الأن�صاري ‹ قال‪ .. :‬و�سئل‬
‫ر�سول اهلل ‪ :¤‬عن �صوم يوم و�إفطار يومني؟‪ ،‬قال‪« :‬ليت �أن اهلل ق َّوانا لذلك‪.)26(» ..‬‬
‫‪ æ‬املَ ِتنيُ‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (املَتِني) «�صفة (المْ َ َتا َن ِة) وهي من‬
‫�صفات اهلل الذاتية الثابتة بالكتاب»(‪ ،)27‬قال تعالى‪} :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊ{[الذاريات‪.]58:‬‬
‫يز ال ّأع ُز‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سميه ‪�-‬سبحانه (ال َعزِيز والأ ّعز) «�صفة‬
‫‪ æ‬ال َع ِز ُ‬
‫(ا ْل ِع ِّز وا ْل ِع َّزةِ) وهي من �صفات اهلل الذاتية الثابتة بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)28‬قال تعالى‪:‬‬
‫} ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ {[الن�ساء ‪ ،]139 :‬ومن ال�سنة قوله ‪ ¤‬قال‪( :‬قال اهلل َ‬
‫‪-‬ع َّز وج َّل‪:‬‬
‫ال ِعزُّ �إزاري‪ ،‬والكربياء ردائي‪ ،‬فمن ينازعني؛ عذبته)(‪ ،)29‬ومن حديث ابن عبا�س‬
‫دعائه ‪ .. ( :¤‬اللهم �أعوذ ب ِعزَّتك ‪.)30()..‬‬

‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬


‫يز‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال َقوِيّ ) (‪ 7‬مرات) منها قوله تعالى‪:‬‬ ‫‪ æ‬ال َع ِز ُ‬
‫} ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ{[الأحزاب‪ ،]25:‬وقد ورد معظم هذا‬
‫االقرتان يف الآيات التي حتدثت عن ال�صراع بني احلق والباطل‪ ،‬وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم‬
‫‪ -‬للإ�شارة �إلى �أن اهلل القوي– �سبحانه وتعالى – قادر على كل �شيء‪ ،‬غالب عليه يف كل وقت‪،‬‬
‫وكذلك هو عزيز‪ ،‬ال ُي ْغ َلب جنده‪ ،‬وال ُي ْه َزم حزبه‪ ،‬وال مانع ملراده‪ ,‬ولذا ظهرت قوة اهلل يف �إهالك‬
‫(‪�( )25‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)204 :‬‬
‫(‪ )26‬رواه م�سلم برقم (‪.)1162‬‬
‫(‪�( )27‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)227 :‬‬
‫(‪�( )28‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)178 :‬‬
‫(‪ )29‬رواه م�سلم برقم (‪.)2620‬‬
‫(‪ )30‬رواه م�سلم برقم (‪.)2717‬‬
‫األع ُز‬
‫ّ‬ ‫العز ُ‬
‫ِيز ‪-‬‬ ‫المتِ ُ‬
‫ين ‪َ -‬‬ ‫ي‪َ -‬‬‫المجموعة الثانية عشرة ‪ :‬القَ وِ ُّ‬ ‫‪253‬‬

‫الظاملني املجرمني‪ ،‬والكفرة امللحدين‪ ،‬وبرزت عزته يف �إعزاز دينه و�إجناء �أنبيائه و�أوليائه‪،‬‬
‫يقول الألو�سي‪(« :‬القوي العزيز) �أي القادر على كل �شيء‪ ،‬والغالب عليه يف كل وقت‪،‬‬
‫ويندرج يف ذلك الإجناء والإهالك»(‪ ،)31‬ويقول الطربي‪� }« :‬إ َّن اللهَّ َ َل َقوِيٌّ َعزِي ٌز{ �إن اهلل‬
‫لقويّ علـى ن�صر من جاهد فـي �سبـيـله من �أهل واليته وطاعته‪ ،‬عزيز فـي ُملكه‪ ،‬منـيع‬
‫فـي �سلطانه‪ ،‬ال يقهره قاهر‪ ،‬وال يغلبه غالب»(‪.)32‬‬
‫‪ æ‬الحْ َ ِك ُ‬
‫يم‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال َعزِيز) (‪ 47‬مرة) منها قوله تعالى‪:‬‬
‫} ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ{[�آل عمران‪ ،]6:‬وال�سر يف ذلك ‪-‬واهلل �أعلم‪ -‬كما قال ابن‬
‫القيم‪�« :‬إن العزة‪ :‬كمال القدرة‪ ،‬واحلكمة كمال العلم‪ ،‬وبهاتني ال�صفتني يق�ضي ‪-‬‬
‫�سبحانه وتعالى ‪ -‬ما ي�شاء‪ ،‬وي�أمر وينهى‪ ،‬ويثني ويعاقب‪ ،‬فهاتان ال�صفتان‪ :‬م�صدر‬
‫اخللق والأمر» (‪ ،)33‬وقال ابن الوزير‪« :‬ويف هذه الآيات و�أمثالها؛ نكتة لطيفة‪ ،‬يف‬
‫جمعه بني العزة واحلكمة‪ ،‬وذلك �أن اجتماعهما عزيز يف املخلوقني‪ ،‬ف�إن �أهل العزة‬
‫من ملوك الدنيا‪ ،‬يغلب عليهم الع�سف يف الأحكام‪َ ،‬ف َّبني خمالفته لهم يف ذلك‪،‬‬
‫ف�إن عظيم عزته مل يبطل لطيف حكمته ورحمته‪ ،‬من له الكمال املطلق واملجد‬
‫املحقق»(‪ ,)34‬ويقول ال�شيخ ابن عثيمني‪�« :‬إن اجلمع بني اال�سمني دال على كمالٍ �آخر‪ ،‬وهو‬
‫�أن عزته ‪ -‬تعالى ‪ -‬مقرونة باحلكمة‪ ،‬فعزته ال تقت�ضي ظل ًما وجو ًرا و�سوء فعل‪،‬‬
‫كما قد يكون من �أعزاء املخلوقني‪ ،‬ف�إن العزيز منهم قد ت�أخذه العزة بالإثم فيظلم‬
‫ويجور وي�سيء الت�صرف‪ ،‬وكذلك حكمه ‪ -‬تعالى ‪ -‬وحكمته مقرونان بالعز الكامل‬
‫بخالف حكم املخلوق وحكمته ف�إنهما يعرتيهما الذل»(‪.)35‬‬
‫يــم‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه �سبحانه (ال َعزِيز) (‪ 13‬مرة) منها قوله تعالى‪:‬‬
‫‪ æ‬ال َّر ِح ُ‬
‫(‪ )31‬تف�سري (روح املعاين) للألو�سي (تف�سري الآية ‪ 66‬من �سورة هود)‪.‬‬
‫(‪ )32‬تف�سري (جامع البيان) للطربي (الآية ‪ 40‬من �سورة احلج)‪.‬‬
‫(‪( )33‬اجلواب الكايف) البن القيم (�ص‪.)137 :‬‬
‫(‪�( )34‬إيثار احلق على اخللق يف رد اخلالفات) البن الوزير (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)200:‬‬
‫(‪( )35‬القواعد املثلى) البن عثيمني (�ص‪.)10 :‬‬
‫‪254‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫}ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ{[ال�شعراء‪ ،]9:‬وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬الداللة على « �أنه‬


‫‪�-‬سبحانه‪ -‬مع كونه عزي ًزا قو ًيا غال ًبا قاه ًرا لكل �شيء‪ ،‬فال ينفي �أن يكون رحي ًما ب ًرا‬
‫حم�س ًنا‪ .‬وال يعني كونه ‪�-‬سبحانه‪ -‬رحي ًما بعباده �أن ال يكون قو ًيا غال ًبا‪ ،‬فرحمته‪�-‬سبحانه‪-‬‬
‫نا�شئة عن قدرة وقوة وعزة‪ ،‬ال عن �ضعف وعجز‪ ،‬واجتماع الو�صفني يدل على �صفة‬
‫كمال ثالثة وهي جريان عزته ‪� -‬سبحانه ‪ -‬على �سنن الرحمة التي ت�ستلزم �إفا�ضة اخلري‬
‫والإح�سان‪ .‬وورود �أكرث �آيات اقرتان اال�سمني يف �سورة ال�شعراء بعد بيان م�صري املكذبني‬
‫للداللة على �أن ما ح�صل لهم من عذاب وهالك �إمنا هو مقت�ضى عزته ‪�-‬سبحانه‪ -‬وقوته‬
‫وغلبته‪ ،‬وهو موجب ا�سمه ‪�-‬سبحانه (العزيز) وما ح�صل من �إجناء للر�سل و�أتباعهم‬
‫�إمنا مقت�ضى رحمته ولطفه وهو موجب ا�سمه ‪�-‬سبحانه (الرحيم)»(‪.)36‬‬
‫‪ æ‬ا ْل َع ِل ُ‬
‫يــم‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمـ ـ ــه ‪�-‬سبحان ــه (ال َعزِيز) (‪ 6‬مرات) منهــا قــوله‬
‫تعالى‪} :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ{[ي�س‪ ،]38:‬وال�سر‬
‫يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬للإ�شارة �إلى �أن «(العزيز) هو القوي الغالب‪ ،‬والقاهر لكل �شيء‪،‬‬
‫ولكن هذه العزة والغلبة والقهر �إمنا تكون بعلمه ‪�-‬سبحانه‪ -‬ال�شامل لكل �شيء �أي‪� :‬أن‬
‫�إنفاذ هذه العزة �إمنا يكون بعلم ومعرفة مبواطنها وعواقبها‪ ،‬ولي�س كعزة وقوة املخلوق‬
‫التي تنطلق يف الغالب من الهوى والظلم ال من العلم واحلكمة‪ ..‬وله ‪�-‬سبحانه‪� -‬صفة‬
‫كمال من ا�سمه (العزيز)‪ ،‬و�صفة كمال من ا�سمه (العليم) واجتماع اال�سمني اجلليلني‬
‫دال على عزة قوامها �شمول العلم و�إحاطته‪ ،‬فهي عزة (العليم)»(‪.)37‬‬
‫‪ æ‬الحْ َ مِيــــدُ ‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال َعزِيز) (‪ 3‬مـرات) منها قول‬
‫تعالى‪ } :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ{[�سب�أ‪ ،]6:‬و�سر ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪� -‬أن «اهلل‬
‫‪-‬تعالى‪ -‬حممود يف عزته؛ لأنها جارية على �سنن الرحمة‪ ،‬و�سنن احلكمة‪ ،‬و�سنن‬
‫املغفرة والتج ــاوز عن الذنوب‪ ،‬و�سع ـ ــة املواهـ ــب والعطاي ــا‪ ،‬فاهلل ‪-‬تعالى‪ -‬كم ــا و�صــف‬
‫(‪( )36‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪ ،)151 :‬وانظر (مطابقة �أ�سماء اهلل احل�سنى) د‪ .‬جنالء كردي (�ص‪.)86 :‬‬
‫(‪( )37‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪ ،)349 :‬وانظر (مطابقة �أ�سماء اهلل احل�سنى) د‪ .‬جنالء كردي (�ص‪.)142 :‬‬
‫األع ُز‬
‫ّ‬ ‫العز ُ‬
‫ِيز ‪-‬‬ ‫المتِ ُ‬
‫ين ‪َ -‬‬ ‫ي‪َ -‬‬‫المجموعة الثانية عشرة ‪ :‬القَ وِ ُّ‬ ‫‪255‬‬

‫نف�سـه‪}:‬ا ْل َعزِي ُز ال َّرحِ ي ُم{ ‪ } -‬ا ْل َعزِي ُز الحْ َ كِي ُم{ ‪} -‬ال َعزِي ُز ال َغ ُفو ُر{ ‪ } -‬ا ْل َعزِي ُز‬
‫ا ْل َغ َّفا ُر{‪ } -‬ا ْل َعزِي ِز ا ْل َوهَّابِ {‪ ،‬بينما العزيز من العباد ‪ -‬يف الأغلب ‪ -‬نقي�ض ذلك‬
‫متاماً؛ فهو يتجرب ويطغى ويبط�ش‪ ،‬ف ُيخاف �إف�ساده وبغيه وبط�شه وتعد ال�سالمة‬
‫من �أذاه غاية املطلوب»(‪ ،)38‬وميكن تف�سري احلكمة من االقرتان بني «اال�سمني اجلليلني‬
‫على الرهبة والرغبة‪ ،‬فـ(العزيز) خليق �أن ينتقم ممن تنكب �صراطه‪ ،‬و�أعر�ض عن‬
‫أمان من التعر�ض لغ�ضبه وبط�شه‪ ،‬و(احلميد) جدير �أن‬ ‫�سبيله‪ ،‬فال�سري يف طريقه � ٌ‬
‫ي�شكر من اتبع هداه‪ ،‬وقدّم بني يديه �أعما ًال �صاحلة تقربه �إلى مواله» (‪.)39‬‬
‫‪ æ‬ال َغ ُفو ُر ‪ -‬ا ْل َغفَّا ُر‪ :‬اقرتن ا�سم (ال َعزِيز) مع ا�سم (ال َغ ُفور) مرتني‪ ،‬يف قوله تعالى‪:‬‬
‫} ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ{[فاطر‪ ،]28:‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫} ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ{[امللك‪ ،]2:‬ومع (ا ْل َغ َّفار) (‪ 3‬مرات)‪ ،‬يف قوله‬
‫تعالى‪ }:‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ{[�ص‪ ،]66:‬وقوله تعالى‪ }:‬ﯬ‬
‫ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ{[الزمر‪ ،]5:‬وقوله‬
‫تعالى‪ } :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ{[غافر‪ ،]42:‬و�سر ذلك ‪-‬واهلل �أعلم‪« :‬لتو�ضيح‬
‫�أن اهلل العزيز الغالب لكل �شيء القاهر فوق عباده‪ ،‬قادر على �أن ي�أخذ عباده بذنوبهم‪،‬‬
‫ويعذب مبا ي�شاء من �أنواع العذاب‪ ،‬ولكنه ‪�-‬سبحانه‪ -‬مع عزته وقهره‪� ،‬إال �أنه غفور‬
‫رحيم‪ ،‬وعفوه ومغفرته تكون منه �سبحانه عن عزة وقدرة‪ ،‬ال عن �ضعف وعجز‪ ،‬فهو‬
‫كامل يف عزته‪ ،‬وكامل يف مغفرته‪ ،‬وكامل يف اجلمع بني عزته ومغفرته»(‪� ،)40‬إلى جانب‬
‫�أن «} ﭥ ﭦ{ يجعل العباد يتقلبون بني اخلوف والرجاء‪ ،‬فخوفهم من (ال َعزِيز)‬
‫مينعهم من اجلر�أة على معا�صيه لأنه ال يفوته من �أ�ساء العمل‪ ،‬ورجا�ؤهم يف (الغفور)‬
‫يفيء بهم – مهما �ضلوا – �إلى �سواء ال�صراط‪ ،‬لأن مغفرته و�سعت كل �شيء» (‪.)41‬‬
‫(‪( )38‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪ )384 - 383 :‬بت�صرف ي�سري‪ ،‬وانظر (مطابقة �أ�سماء اهلل‬
‫احل�سنى) د‪ .‬جنالء كردي (�ص‪.)208 :‬‬
‫(‪( )39‬مطابقة �أ�سماء اهلل احل�سنى) للدكتورة جنالء كردي (�ص‪.)537 - 536 :‬‬
‫(‪( )40‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪.)411 :‬‬
‫(‪( )41‬مطابقة �أ�سماء اهلل احل�سنى) للدكتورة جنالء كردي (�ص‪.)198 :‬‬
‫‪256‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫اب‪ :‬اقرتن مع (ال َعزِيز) مرة واحدة‪ ،‬يف قوله تعالى‪ }:‬ﮪ ﮫ ﮬ‬ ‫‪ æ‬ا ْل َو َّه ُ‬
‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ{[�ص‪ ،]9:‬و�سر ذلك ‪-‬واهلل �أعلم‪� -‬أن اجتماع «(العزيز الوهاب)‬
‫يقت�ضي الت�صرف التام هلل ‪� -‬سبحانه ‪ -‬يف �صنوف العطاء املادي منها واملعنوي‪ ،‬ال‬
‫ينازعه فيها منازع‪ ،‬وال يغالبه فيها مغالب؛ لأن العزيز‪ :‬هو الذي ال مانع ملا �أعطى‪،‬‬
‫معط �إلى ُم ْع َط ًى �إال ب�إذنه‬
‫وال معطي ملا منع‪ ،‬وال ينوب عنه نائب‪ ،‬وال ي�صل عطاء من ٍ‬
‫‪�-‬سبحانه‪ ،‬فعزته مت�ضمنة الإنعام على خلقه والتف�ضل عليهم‪ ،‬وتف�ضله و�إنعامه‬
‫‪�-‬سبحانه‪� -‬صادران عن عزة وقدرة‪ ،‬وغنى وتف�ضل‪ ،‬ال جللب نفع �أو دفع �ضر»(‪.)42‬‬
‫‪ æ‬املُّ ْق َت ِد ُر‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه (ال َعزِيز) مرة واحدة‪ ،‬يف قوله تعالى‪ }:‬ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ{[القمر‪ ،]42:‬وذلك للإ�شارة �إلى �أن « (العزيز) هو‬
‫الظاهر الذي ال ُيغلب �أبدًا‪ ،‬و(املقتدر) الذي ال يعجزه �شيء‪ ،‬واقرتانهما فيه معنى‬
‫زائد وكمال �آخر يفيد قوة الأخذ والعقاب»(‪.)43‬‬

‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪:‬‬


‫‪ æ‬الأثر العلمي االعتقادي‪:‬‬
‫اهلل – �سبحانه وتعالى – هو القوي املتني‪ ،‬العزيز الأعز‪ ،‬الذي ال يغلبه غالب وال‬
‫َي ُرد َق َ�ضا َءه راد‪ ،‬وال مينعه مانع‪ ،‬وال يدفعه دافع ‪ ..‬قوي يف بط�شه‪ ،‬قادر على �إمتام فعله‪ ،‬ال‬
‫تنقطع قوته وال تت�أثر قدرته‪ ،‬وهو عزيز منيع ال ُينال وال ُيغالب‪ ،‬و َيقهر وال ُيقهر‪ ،‬له مطلق‬
‫امل�شيئة والأمر يف كل �شيء ‪�-‬سبحانه‪.‬‬
‫‪ æ‬الأثر العملي‪:‬‬
‫‪1.1‬اخلوف من اهلل ‪�-‬سبحانه‪ ،‬واالبتعاد عما يغ�ضبه‪ ،‬واحلر�ص على طاعته‪ ،‬واالن�شغال‬
‫(‪( )42‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪ ،)412 - 411 :‬وانظر (مطابقة �أ�سماء اهلل احل�سنى) د‪ .‬جنالء‬
‫كردي (�ص‪.)234 :‬‬
‫(‪( )43‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪.)412 :‬‬
‫األع ُز‬
‫ّ‬ ‫العز ُ‬
‫ِيز ‪-‬‬ ‫المتِ ُ‬
‫ين ‪َ -‬‬ ‫ي‪َ -‬‬‫المجموعة الثانية عشرة ‪ :‬القَ وِ ُّ‬ ‫‪257‬‬

‫مبر�ضاته‪ ،‬مع اليقني ب�أن توحيد العبودية له ‪�-‬سبحانه‪ -‬هو �سبيل ال�سعادة‪ ،‬فال‬
‫يحيد العبد عنه �أبد ًا‪ ،‬مهما تعدد البالء‪ ،‬وتقلبت الأحوال بني ال�سراء وال�ضراء‪،‬‬
‫مع �شعور العبد دوم ًا ب�أنه قوي ب�إميانه‪ ،‬متني يف التم�سك به‪ ،‬عزيز باالنت�ساب‬
‫�إليه‪ ،‬لأن اهلل – �سبحانه – قوي‪ ،‬ويحب امل�ؤمن القوي‪ ،‬لقوله ‪( :¤‬امل�ؤمن‬
‫القوي خري و�أحب �إلى اهلل من امل�ؤمن ال�ضعيف‪ ،‬ويف كل خري ‪ ،)44()..‬وقد‬
‫عد الإ�سالم القوة من العنا�صر الأ�سا�سية يف حتميل الأمانة كما قال �سبحانه‪:‬‬
‫} ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ{[الق�ص�ص‪  .]26:‬‬
‫‪2.2‬الثقة باهلل‪ ،‬والتوكل عليه يف كل الأمور؛ لأنه – �سبحانه ‪ -‬القوي املتني‪ ،‬العزيز‬
‫الأعز‪ ،‬الذي ال يعجزه �شيء يف الأر�ض وال يف ال�سماء‪ ،‬ويقدر على ما ال يقدر‬
‫عليه غريه‪ ،‬فال رازق �إال هو ‪�-‬سبحانه‪ ،‬وال رزق �إال من بابه‪ ،‬كما قال �سبحانه‪:‬‬
‫} ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ{[ال�شورى‪،]19:‬‬
‫وال نا�صر �إال هو‪ ،‬وال ن�صر �إال من عنده‪ ،‬كما قال تعالى‪ }:‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ{[الأنفال‪ ،]10:‬ومهما بلغت قوة املخلوقني‬
‫فاهلل فوقهم‪ ،‬ونوا�صيهم بيده‪ ،‬وهو القوي العزيز‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ{[املنافقون‪.]8:‬‬
‫‪3.3‬ال�شعور بالعزة يف توحيد اهلل‪ ،‬وعبوديته وحبه‪ ،‬ويقينه �أن العزة يف اتباع �أمره‪،‬‬
‫و�أنه ‪�-‬سبحانه‪ -‬العزيز الذي جعل العزة لنبيه ‪ ¤‬و�أتباعه وحزبه‪ ،‬وال ير�ضى‬
‫بدي ًال عن عزة الإ�سالم و�أهله حتى لو كانت لأهله وع�شريته وقومه‪ ،‬في�صدع‬
‫باحلق وال يخاف يف اهلل لومة الئم‪  .‬‬
‫‪4.4‬التوا�ضع ومعرفة قدر النف�س‪ ،‬والبعد عن �إيذاء اخللق وظلمهم واالعتداء عليهم‪،‬‬
‫ونفي العجب بالنف�س وقوتها وغرورها‪ ،‬فاملخلوق مهما �أوتي من ملك وقوة‬
‫و�سلطان ومال و�أوالد فهو ذليل �ضعيف �أمام قوة اهلل ‪-‬تعالى‪    .‬‬
‫(‪ )44‬رواه م�سلم برقم (‪.)2664‬‬
‫‪258‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫يز ‪ -‬ال ّأع ُز) من �أ�سماء الذات الدالة على �صفات اهلل‬ ‫ني ‪ -‬ال َع ِز ُ‬ ‫(ال َق ِو ُّي ‪ -‬املَ ِت ُ‬
‫الذاتية (ا ْل ُق َّو ِة ‪ -‬المْ َ َتا َن ِة ‪ -‬ا ْل ِع ِّز وا ْل ِع َّز ِة)‪ ،‬وهي �صفات ذات‪ ،‬مل يزل ‪-‬وال يزال‪ -‬اهلل مت�صف ًا‬
‫بها‪ ،‬ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل ‪� -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬والثناء عليه‪ ،‬والتو�سل �إليه‪ ،‬بهذه‬
‫الأ�سماء يف جميع حاجات العبد‪ ،‬ويت�أكد ذلك حال ال�ضعف واملر�ض والفقر‪ ،‬وحال اخلوف‬
‫والظلم والقهر‪ ،‬ومن ذلك ما ورد من حديث �أن�س بن مالك ‹‪� ،‬أن ر�سول اهلل ‪ ¤‬قال له‪:‬‬
‫(�إذا ا�شتكيت ف�ضع يدك حيث ت�شتكي‪ ،‬وقل‪ :‬ب�سم اهلل‪� ،‬أعوذ بعزة اهلل و قدرته من‬
‫�شر ما �أجد من وجعي هذا‪ ،‬ثم ارفع يدك ثم �أعد ذلك وتر ًا)(‪ ،)45‬ومن حديثه ‪�-‬أي�ض ًا‪-‬‬
‫�أن ر�سول اهلل ‪ ¤‬قال‪( :‬اللهم لك �أ�سلمت‪ ،‬وبك �آمنت‪ ،‬وعليك توكلت‪ ،‬و�إليك �أَ َن ْبتُ ‪،‬‬
‫وبك خا�صمت‪ ،‬اللهم �إين �أعوذ بعزتك‪ ،‬ال �إله �إال �أنت؛ �أن ت�ضلني‪� ،‬أنت احلي الذي‬
‫ال ميوت‪ ،‬واجلن و الإن�س ميوتون)(‪ ،)46‬ومن حديث �أبي هريرة ‹ قال‪ :‬قال ر�سول‬
‫اهلل‪�( :¤‬أال �أدلك على كلمة من حتت العر�ش من كنز اجلنة؟ ‪ ..‬تقول‪ :‬ال حول و ال‬
‫قوة �إال باهلل فيقول اهلل‪� :‬أ�سلم عبدي و ا�ست�سلم)(‪ ،)47‬والقر�آن وال�سنة مليئة بالأدعية‬
‫املتعلقة بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬
‫‪ æ‬قال النبي ‪�( :¤‬إذا خرج الرج ُل من بي ِت ِه فقال‪ِ :‬ب ْ�س ِم اهللِ‪ ،‬توكلتُ على اهللِ‪،‬‬
‫قال حِ ي َنئِذٍ ‪ :‬هُ دِ يتَ و ُكفِيتَ و ُوقِيتَ ‪ ،‬ف َت َت َن َّحى له‬
‫هلل ‪ .‬قال‪ُ :‬ي ُ‬
‫ال حو َل وال قو َة �إال با ِ‬
‫�شيطان � َآخ ُر‪ :‬كيف لك برجلٍ قد هُ دِ يَ و ُكف َِي و ُوق َِي؟)(‪.)48‬‬‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫فيقول‬ ‫ال�شياط ُ‬
‫ني‪،‬‬
‫‪ æ‬قال طارق بن �شهاب‪« :‬ملا قدم عمر بن اخلطاب ‹ ال�شام عر�ضت له خما�ضة‪،‬‬
‫فنزل عن بعريه‪ ،‬ونزع خفيه ف�أخذهما بيده‪ ،‬و�أخذ بخطام راحلته‪ ،‬ثم خا�ض املخا�ضة‪ ،‬فقال‬
‫(‪ )45‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)346‬‬
‫(‪ )46‬رواه م�سلم برقم (‪.)2717‬‬
‫(‪ )47‬رواه احلاكم و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم‪.)2614( :‬‬
‫(‪ )48‬رواه �أبو داود والن�سائي وابن حبان و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)499‬‬
‫األع ُز‬
‫ّ‬ ‫العز ُ‬
‫ِيز ‪-‬‬ ‫المتِ ُ‬
‫ين ‪َ -‬‬ ‫ي‪َ -‬‬‫المجموعة الثانية عشرة ‪ :‬القَ وِ ُّ‬ ‫‪259‬‬

‫ال عظي ًما عند �أهل الأر�ض!‪ ،‬نزعت‬ ‫له �أبو عبيدة ‹‪ :‬لقد فعلت يا �أمري امل�ؤمنني فع ً‬
‫خفيك‪ ،‬و ُقدت راحلتك‪ ،‬وخ�ضت املخا�ضة!‪ .‬ف�صك عمر يف �صدر �أبي عبيدة!؛ وقال‪� :‬أوه!‬
‫(ميد بها �صوته)‪ ،‬لو غريك يقولها‪� ،‬أنتم كنتم �أذل النا�س‪ ،‬و�أ�ضل النا�س‪ ،‬ف�أع َّزكم اهلل‬
‫بالإ�سالم‪ ،‬فمهما تطلبوا العزة بغريه ُيذِ ُلكم اهلل »(‪.)49‬‬
‫‪ æ‬ذكر اهلل ‪ ،‬يف كتابه الكرمي‪ ،‬ع�شرات الق�ص�ص لأمم كفرت باهلل وبر�سله‬
‫واغرتت بقوتها و�شدتها وعمارتها يف الأر�ض‪ ،‬ف�أخذهم اهلل �أخذ عزيز مقتدر‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪ } :‬ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ{[ف�صلت ‪ ،]15:‬وقـ ــال تعالى‪}:‬ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ‬
‫ﭥﭦﭧﭨ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ{[العنكبوت‪ ،]40:‬بيان مف�صل لأنواع العذاب الذي َ�ص ّبه اهلل (ال َقوِيُّ ) على‬
‫من كذب دينه‪ ،‬وعادى ر�سله‪ ،‬يقول ابن القيم وا�صف ًا �أنواع العذاب‪« :‬وما الذي �أغرق �أهل‬
‫الأر�ض كلهم حتى عال املاء فوق ر�ؤو�س اجلبال؟! وما الذي �سلط الريح العقيم على‬
‫قوم عاد حتى �ألقتهم موتى على وجه الأر�ض ك�أنهم �أعجاز نخل خاوية‪ ،‬ودمرت ما‬
‫م َّر عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابهم حتى �صاروا عربة للأمم �إلى‬
‫يوم القيامة؟! وما الذي �أر�سل على قوم ثمود ال�صيحة حتى قطعت قلوبهم يف‬
‫�أجوافهم وماتوا عن �آخرهم؟!‪ .‬وما الذي رفع قرى قوم لوط حتى �سمعت املالئكة‬
‫نبيح كالبهم‪ ،‬ثم قلبها عليهم فجعل عاليها �سافلها‪ ،‬ف�أهلكهم جميعاً‪ ،‬ثم �أتبعهم‬
‫حجارة من �سجيل ال�سماء �أمطرها عليهم‪ ،‬فجمع عليهم من العقوبة ما مل يجمعه‬
‫على �أمة غريهم ولإخوانهم �أمثالها‪ ،‬وما هي من الظاملني ببعيد؟! وما الذي �أر�سل‬
‫كالظلل فلما �صار فوق ر�ؤو�سهم �أمطر عليهم ناراً‬ ‫على قوم �شعيب �سحاب العذاب ُ‬
‫تلظى؟! وما الذي �أغرق فرعون وقومه يف البحر ثم ُنقلت �أرواحهم �إلى جهنم‪،‬‬
‫(‪( )49‬كنز العمال) للمتقي الهندي (جـ‪� - 12 :‬ص‪ - 618:‬برقم‪ )35909 :‬والأثر �أخرجه احلاكم يف امل�ستدرك‪ ،‬و�أبو نعيم يف‬
‫احللية‪ ،‬والبيهقي يف �شعب االميان‪.‬‬
‫‪260‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫فالأج�ساد للغرق والأرواح للحرق؟! وما الذي خ�سف بقارون وداره وماله و�أهله؟!‬
‫وما الذي �أهلك القرون من بعد نوح ب�أنواع العقوبات ودمرها تدمرياً؟!»(‪.)50‬‬
‫‪ æ‬كان عمر بن عبد العزيز يف �سفر مع �سليمان بن عبد امللك‪ ،‬ف�أ�صابتهم ال�سماء‬
‫برعد وبرق وظلمة وريح �شديدة؛ حتى فزعوا لذلك!‪ ،‬وجعل عمر بن عبد العزيز ي�ضحك!‪،‬‬
‫فقال له �سليمان‪ :‬ما ي�ضحكك يا ُعمر؟!‪� ،‬أما ترى ما نحن فيه!‪ ،‬قال‪ :‬يا �أمري امل�ؤمنني!‬
‫هذا �آثار رحمته فيه �شدائد كما ترى‪ ،‬فكيف ب�آثار �سخطه وغ�ضب َه؟!»(‪.)51‬‬
‫‪ æ‬قال ابن رجب‪« :‬كان �أحمد يدعو ويقول‪ :‬اللهم �أع ّزين بطاعتك‪ ،‬وال تذلني‬
‫مبع�صيتك‪ .‬وكان دعاء �إبراهيم بن �أدهم‪ :‬اللهم انقلني من ذل املع�صية �إلى عز‬
‫الطاعة‪ .‬ويف بع�ض الآثار الإلهية يقول اهلل تبارك وتعالى‪� :‬أنا العزيز فمن �أراد العز‬
‫فليطع العزيز»(‪.)52‬‬
‫‪ æ‬قال داود بن ن�صري الطائي‪« :‬ما �أخرج اهلل عبدا من ذل املعا�صي �إلى عز التقوى‬
‫�إال �أغناه بال مال‪ ،‬و�أعزه بال ع�شرية‪ ،‬و�آن�سه بال ب�شر»(‪.)53‬‬
‫‪ æ‬‏قال �إبراهيم اخلوا�ص‪« :‬على َقد ِر �إعزاز املرء لأمر اهلل؛ ُيلب�سه اهلل من ع ّزه‪،‬‬
‫ويقيم له الع َّز يف قلوب امل�ؤمنني»(‪.)54‬‬
‫‪ æ‬قال �أبو بلج الفزاري «�أُتي احلجاج بن يو�سف برجل كان جعل على نف�سه �إن ظفر به‬
‫�أن يقتله‪ ،‬قال‪ :‬فلما دخل عليه‪ ،‬تكلم بكالم‪ ،‬فخلى �سبيله‪ ،‬فقيل له‪� :‬أي �شيء قلت؟!‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬يا عزيز‪ ،‬يا حميد‪ ،‬يا ذا العر�ش املجيد‪ ،‬ا�صرف عني ما �أطيق‪ ،‬وما ال �أطيق‪،‬‬
‫واكفني �شر كل جبار عنيد»(‪.)55‬‬
‫(‪( )50‬اجلواب الكايف) البن القيم (�ص‪.)47-46:‬‬
‫(‪( )51‬البداية والنهاية ) للإمام ابن كثري (�ص‪ )1421 :‬يف �أحدث �سنة (‪ 99‬هـ)‪.‬‬
‫(‪( )52‬لطائف املعارف) للحافظ ابن رجب احلنبلي (�ص‪ )64:‬يف ف�صل (وظائف �شهر اهلل املحرم‪ :‬املجل�س الثالث يف قدوم احلاج)‪.‬‬
‫(‪�( )53‬صفة ال�صفوة) البن اجلوزي (جـ‪� – 3 :‬ص‪.)132 :‬‬
‫(‪�( )54‬صفة ال�صفوة) البن اجلوزي (جـ‪� – 4 :‬ص‪.)101 :‬‬
‫(‪( )55‬الفرج بعد ال�شدة) البن �أبي الدنيا (�ص‪ )45 :‬برقم (‪.)64‬‬
‫األع ُز‬
‫ّ‬ ‫العز ُ‬
‫ِيز ‪-‬‬ ‫المتِ ُ‬
‫ين ‪َ -‬‬ ‫ي‪َ -‬‬‫المجموعة الثانية عشرة ‪ :‬القَ وِ ُّ‬ ‫‪261‬‬

‫‪ æ‬يقول ابن القيم‪� :‬سمعت �شيخ الإ�سالم ابن تيمية يقول‪�« :‬إن يف الدنيا جنة من مل‬
‫يدخلها مل يدخل جنة الآخرة»(‪ .)56‬قال‪ :‬وح�ضرته مرة �صلى الفجر‪ ،‬ثم جل�س يذكر اهلل‬
‫يل وقال‪« :‬هذه غدوتي‪ ،‬ولو مل �أتغد‬ ‫‪-‬تعالى‪� -‬إلى قريب من انت�صاف النهار‪ ،‬ثم التفت �إ َّ‬
‫الغداء �سقطت قوتي»‪ ،‬وقال يل مرة‪« :‬ال �أترك الذكر �إال بنية �إجمام النف�س و�إراحتها‬
‫لأ�ستعد بتلك الراحة لذكر �آخر»(‪.)57‬‬
‫‪ æ‬قال طاوو�س بن كي�سان اليماين‪ :‬دخلت على احلجاج بن يو�سف مبكة‪ ،‬فثنى يل و�سادا‬
‫فجل�ست‪ ،‬فبينا نحن نتحدث �إذ �سمعت �صوت �أعرابي يف الوادي رافعا �صوته بالتلبية!‪ ،‬فقال‬
‫َلي بامللبي!‪ ،‬ف�آُ َتي به‪ ،‬فقال‪ :‬ممِ َّ ن الرجل؟‪ ،‬قال‪ :‬من �أفناء النا�س(‪)58‬؛ قال‪ :‬لي�س‬
‫احلجاج‪« :‬ع َّ‬
‫عن هذا �س�ألتك!‪ ،‬قال‪َ :‬ف َع َّم �س�ألتني؟‪ ،‬قال‪ :‬من �أي البلدان �أنت؟‪ ،‬قال‪ :‬من �أهل اليمن؛‬
‫فت حممد بن يو�سف(‪)59‬؟‪ ،‬قال‪َ :‬خ ّلفته َج�سيماً خ ّراجاً و ّالج ًا!؛‬ ‫قال له احلجاج‪ :‬فكيف َخ ّل َ‬
‫قال‪ :‬لي�س عن هذا �س�ألتك!‪ ،‬قال‪َ :‬ف َع َّم �س�ألتني؟‪ ،‬قال‪ :‬كيف َخ َّلفت �سريته يف النا�س؟‪ ،‬قال‪:‬‬
‫َخ َّلفته ظلوماَ غ�شوماً عا�صياً للخالق مطيعاً للمخلوق!‪ ،‬فا ْزو َّر(‪ )60‬من ذلك احلجاج!‪،‬‬
‫وقال‪ :‬ما �أقدمك على هذا‪ ،‬وقد تعلم مكانه مني؟!‪ ،‬فقال له الأعرابي‪� :‬أفرتاه مبكانه منك‬
‫وقا�ض َد ْينه‪ ،‬ومُ�صدّق َنب ّيه ‪¤‬؟!‪،‬‬
‫�أع َّز مني مبكاين من اهلل تبارك وتعالى‪ ،‬و�أنا واف ٌد َب ْيته‪ٍ ،‬‬
‫فوجم(‪)61‬لها احلجاج‪ ،‬ومل يد ِر له جواباً حتى خرج الرجل بال �إذن!‪ .‬قال طاوو�س‪:‬‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫فتبعته حتى �أتي امللتزم فتعلق ب�أ�ستار الكعبة‪ ،‬فقال‪ :‬بك �أعوذ‪ ،‬و�إليك �ألوذ‪ ،‬فاجعل يل‬
‫يف اللهف �إلى جوارك‪ ،‬وال ِّر�ضا ب�ضمانك‪ ،‬مندوح ًة عن م ْنع الباخلني‪ ،‬وغِ ً‬
‫نى ع ّما يف‬
‫�أيدي امل�ست�أثرين‪ ،‬اللهم عد بفرجك القريب‪ ،‬ومعروفك القدمي‪ ،‬وعادتك احل�سنة‪ .‬قال‬
‫طاوو�س‪ :‬ثم اختفى يف النا�س ف�ألفيته بعرفات قائم ًا على قدميه وهو يقول‪ :‬اللهم �إن كنت مل‬
‫َت ْقبل َح ِّجي و َن�صَ بي و َتعبي‪ ،‬فال تحَ ْ ِرمني �أج َر امل�صاب على مُ�صيبته‪ ،‬فال �أعلم مُ�صيبة‬
‫�أعْظ َم ممِ ّ ن َو َرد َح ْو�ضك وان�صرف حمروماً من �سعة َرحمتك»(‪.)62‬‬
‫(‪ )56‬مدارج ال�سالكني البن القيم (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)454 :‬‬
‫(‪ )57‬الوابل ال�صيب البن القيم (�ص‪.)63 :‬‬
‫(‪� )58‬أفناء النا�س‪� :‬أي من �أَخْ الطهم وعامتهم‪ ،‬فهو غري معروف‪ ،‬وال ُيعلم من هو وممن هو‪.‬‬
‫(‪ )59‬حممد بن يو�سف الثقفي‪� :‬أخو احلجاج بن يو�سف وكان والي ًا على اليمن‪.‬‬
‫(‪ )60‬ا ْزو َّر منه‪� :‬أي غ�ضب منه و�أعر�ض وانحرف بوجهه عنه‪ ،‬وال َّز ِّي ُر من الرجال‪ :‬الغ�ضبانُ ‪.‬‬
‫بو�س مع ال�سكوت على َغ ْي ٍظ‪.‬‬
‫جوم‪ :‬ال ُع ُ‬
‫(‪ )61‬ال ُو ُ‬
‫(‪( )62‬العقد الفريد) البن عبد ربه الأندل�سي (جـ‪� – 4:‬ص‪.)9-8 :‬‬
‫‪262‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪ æ‬تولى اخلليفة العبا�سي «القائم ب�أمر اهلل» عبداهلل بن �أحمد القادر اخلالفة عام‬
‫(‪ 422‬هـ) وكان البويهيون م�سيطرين على اخلالفة منذ دخولهم بغداد عام (‪ 334‬هـ)‪ ،‬حيث‬
‫تدهورت �أحوال اخلالفة العبا�سية واندثرت معاملها‪ ،‬و�أ�صبح اخللفاء �ألعوبة ب�أيدي �أمراء‬
‫ووزراء وقادة البويهيني‪ ،‬وكان �أحد قادتهم ويدعى «الب�سا�سريي» قد جتاوز حده‪ ،‬وهجم على‬
‫دار اخلالفة‪ ،‬و�سجن اخلليفة العبا�سي «القائم ب�أمر اهلل»‪ ،‬و�أظهر الت�شيع وخطب للم�ستن�صر‬
‫العبيدي الباطني �صاحب م�صر‪ ،‬و�أ ّذن ب َّ‬
‫ـ(حي على خري العمل)‪ ،‬وانتقم‪ ‬من �أعيان �أهل بغداد‬
‫انتقام ًا عظيم ًا!‪ .‬فلج�أ اخلليفة «القائم ب�أمر اهلل» يف حمنته �إلى اهلل تعالى‪ ،‬وانغم�س يف‬
‫ورعا دي ًنا زاهدً ا عالمِ ًا قوي اليقني باهلل تعالى كثري ال�صدقة وال�صرب‪ ،‬وبلغ من‬
‫طاعته‪ ،‬وكان ً‬
‫يقينه بربه �أن �أر�سل �إليه �شكواه يف ر�سالة خطها بيده‪ ،‬وعهد بها �إلى �أعرابي‪ ،‬وطلب �إليه �أن‬
‫ُتقر�أ يف بيت اهلل احلرام‪ ،‬و ُتعلق على �أ�ستار الكعبة‪ ،‬ومما جاء فيها ‪�« :‬إِ َلى اهلل العظيم‪ ،‬من‬
‫غني بعلمك‬ ‫ني عَبده‪ ،‬اللهم �إنك العامل بال�سرائر‪َّ ،‬‬
‫املط ِل ُع على ال�ضمائر‪ ،‬اللهم �إنك ٌّ‬ ‫امل�سك ِ‬
‫واطالعك على خلقك عن �إعالمي‪ ،‬هذا عبد من عبيدك (يق�صد الب�سا�سريي)‪ ،‬قد كفر‬
‫ِن ْع َمتك َومَا �شكرها‪َ ،‬و�ألقى العواقب َومَا ذكرهَا‪� ،‬أطغاه حلمك‪ ،‬وجترب ب�أمانك‪َ ،‬ح َّتى‬
‫تعدّى علينا ب ْغيا‪ ،‬و�أ�ساء �إلينا عتواً وعدواً‪ ،‬اللهم َق َّل النا�صر‪َ ،‬واعت َّز الظامل‪ ،‬و�أنت َّ‬
‫املط ِل ُع‬
‫العامل‪ ،‬واملن�صف احلاكم‪ِ ،‬ب َك نعتز عليه‪ ،‬و�إليك نهرب من بني يديه‪ ،‬فقد تع ّزز علينا‬
‫باملخلوقني‪ ،‬ونحن نعتز بك يا رب العاملني‪ ،‬اللهم �إِ َّنا حاكمناه �إليك‪ ،‬وتوكلنا يف �إِن�صافِنا‬
‫ال َم َت َنا هذه �إلى َح َرمك‪َ ،‬ووثِقنا يف ك�شفها ب َك َرمِ ك‪ ،‬فاحكم بيننا‬ ‫منه عليك‪ ،‬ورفعنا ُظ َ‬
‫باحلق و�أنت خري احلاكمني‪َ ،‬و� ْأظهر قدرتك فيه‪ ،‬و�أرنا ما نرجتيه‪ ،‬فقد �أَ َخذته ا ْل ِع َّزة‬
‫بالإثم‪ ،‬اللهم فا�سلبه عزه‪ ،‬وملكنا بقدرتك نا�صيته‪ ،‬يا �أرحم الراحمني‪ ،‬يا رب العاملني‪،‬‬
‫و�صلى اهلل على حممد»(‪ )63‬فما لبث �أن‪ُ  ‬قتل‪« ‬الب�سا�سريي» على يد‪ ‬طغرلبك ال�سلجوقي‪،‬‬
‫وبعث بر�أ�سه �إلى اخلليفة‪ ،‬بعد �أن اخرجه من �سجنه معزز ًا مكرم ًا‪ ،‬وبذلك �أ�سقطت دولة‬
‫البويهيني على �أيدي ال�سالجقة وانتهت �سيطرتهم عام (‪ 447‬هـ)‪.‬‬

‫(‪ )63‬انظر (تاريخ دم�شق) البن ع�ساكر (جـ‪� – 53:‬ص‪ ،)84 :‬و(�سري اعالم النبالء) للذهبي عند ترجمة اخلليفة العبا�سي‪:‬‬
‫القائم ب�أمر اهلل عبداهلل بن �أحمد بن �إ�سحاق (رقم‪� - 3127 :‬ص‪ ،)2337:‬و(تاريخ اخللفاء) جلالل الدين ال�سيوطي (�ص‪:‬‬
‫‪ ،)299‬و(تاريخ الإ�سالم ووفيات امل�شاهري والأعالم) للذهبي (جـ‪� – 31:‬ص‪.)231-230 :‬‬
‫الواسِ ُع ‪ -‬القَ ي ُ‬
‫ُّوم‬ ‫المجموعة الثالثة عشرة ‪ :‬الغَ ن ُّ‬
‫ِي ‪َ -‬‬ ‫‪263‬‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ‪13‬ـــــــــة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪:‬ال َق ُّي ْو ِم َّي ُة‬
‫(‪)43 - 42 - 41‬‬
‫ال َغ ِن ُّي ‪ -‬ال َو ِ‬
‫ا�س ُع ‪ -‬ال َق ُّيو ُم‬
‫‪264‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الـمجـمـوعـ‪13‬ـة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ال َق ُّي ْو ِم َّي ُة‬
‫(‪)43 - 42 - 41‬‬
‫ال َغ ِن ُّي ‪ -‬ال َو ِ‬
‫ا�س ُع ‪ -‬ال َق ُّيو ُم‬
‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫‪ æ‬ال َغ ِن ُّي‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 18‬مرة)‪ ،‬منها قوله تعالى‪}:‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ{[احلج‪ ،]64:‬ومن ال�سنة حديث‬
‫عائ�شة ‪� ،‬أن النبي ‪ ¤‬قال‪( :‬اللهم �أنت اهلل ال �إله �إال �أنت‪� ،‬أنت ا ْل َغ ِن ُّى ونحن‬
‫الفقراء‪� ،‬أنزل علينا الغيث‪ ،‬واجعل ما �أنزلت لنا قوة وبالغا �إلى حني)(‪.)1‬‬
‫ا�س ُع‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 9‬مرات)‪ ،‬منها قوله تعالى‪ }:‬ﮔ ﮕ‬
‫ال َو ِ‬ ‫‪æ‬‬

‫ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ{[البقرة‪ ،]115:‬ومل يرد‬


‫اال�سم يف ال�سنة ب�سند �صحيح‪.‬‬
‫‪ æ‬ال َق ُّيو ُم‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 3‬مرات)‪ ،‬منها قوله تعالى‪}:‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ{[البقرة‪ ،]255:‬ومن ال�سنة حديث �أن�س ‹‪ :‬كان النبي ‪� ،¤‬إذا كربه �أم ٌر‬
‫حي يا قيو ُم‪ ،‬برحمتك �أ�ستغيث)(‪.)2‬‬
‫قال‪( :‬يا ُّ‬
‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬
‫ني»(‪،)3‬‬ ‫‪ æ‬ال َغ ِن ُّي‪�« :‬صفة م�شبهة ملن ات�صف بالغنى‪ ،‬فعله غن َِي َيغ َنى ً‬
‫غنى‪ ،‬فهو َغ ّ‬
‫وقال يف الل�سان‪« :‬قال ابن �سيده‪ :‬الغنى‪� :‬ضد الفقر ‪ ..‬وقال ابن الأثري‪( :‬ا ْل َغن ُِّى) هو‬
‫الذي ال يحتاج �إلى �أحد يف �شيء‪ ،‬وكل �أحد حمتاج �إليه‪ ،‬وهذا هو الغنى املطلق ‪.)4(»..‬‬
‫(‪ )1‬رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف �صحيح �أبي داود برقم (‪.)217‬‬
‫(‪ )2‬رواه الرتمـذي وح�سنه الألباين يف �صـحيح الرتمـذي برقم (‪.)2796‬‬
‫(‪�( )3‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪.)458 :‬‬
‫(‪( )4‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ‪� - 15 :‬ص‪.)136 - 135 :‬‬
‫الواسِ ُع ‪ -‬القَ ي ُ‬
‫ُّوم‬ ‫المجموعة الثالثة عشرة ‪ :‬الغَ ن ُّ‬
‫ِي ‪َ -‬‬ ‫‪265‬‬

‫و�سعاً‪ ،‬فهو‬ ‫يو�سع ْ‬


‫و�س َع َ‬ ‫ا�س ُع‪« :‬ا�سم فاعل للمو�صوف بالو�سع‪ ،‬فعله َ‬ ‫‪ æ‬ال َو ِ‬
‫وا�سع»(‪ ،)5‬قال اخلطابي‪« :‬ال�سعة‪ :‬الغنى‪ ،‬ويقال‪ :‬اهلل يعطي عن �سعة؛ �أي عن غنى»(‪)6‬‬

‫ال�ضيق ‪ ..‬و(الوا�سِ ُع)‪ :‬هو الذي َو�سِ َع ِر ْز ُقه جمي َع َخ ْلقِه‪،‬‬ ‫ويف الل�سان‪« :‬ال�سعة‪ :‬نقي�ض ِّ‬
‫و َو�سِ عتْ رحم ُته كل �شيء‪ ،‬وغِ ناه كل َف ْقرٍ ‪ ،‬وقال ابن الأَنباري‪( :‬الوا�سِ ُع) من �أ�سماء‬
‫ري العطا ِء الذي َي َ�س ُع ملا ُي ْ�س�أَ ُل»(‪.)7‬‬ ‫اهلل‪ :‬الكث ُ‬
‫وم‪�« :‬صيغة مبالغة‪ ،‬من القيام‪ ،‬فعله قا َم َي ُقوم قِياماً فهو قائم»(‪ ،)8‬ويف‬ ‫‪ æ‬ال َق ُّي ُ‬
‫الل�سان‪« :‬القيا ُم‪ :‬نقي�ض اجللو�س ‪ ..‬و(ال َق ُّيو ُم)‪ :‬من �أبنية املبالغة‪ ،‬ومعناها ال َق ّيام‬
‫ب�أُمور اخللق وتدبري العامل يف جميع �أَحواله ‪ ..‬و(ال َق ُّيو ُم)‪ :‬من �أ�سماء اهلل املعدودة‪،‬‬
‫وهو القائم بنف�سه مطلقاً ال بغريه‪ ،‬وهو مع ذلك يقوم به كل موجود حتى ال يت�صور‬
‫وجود �شيء‪ ،‬وال دوام وجوده �إال به»(‪ ،)9‬وقال اخلطابي‪( « :‬ال َق ُّيو ُم)‪ :‬من ال ِق َيا ِم‪ ،‬وهو‬
‫نعت املبالغة يف القيام على ال�شيء‪ ،‬ويقال‪ :‬هو القيم على كل �شيء بالرعاية له‪،‬‬
‫ويقال‪ :‬قمت بال�شيء �إذا وليته بالرعاية وامل�صلحة»(‪.)10‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬
‫‪ æ‬ال َغ ِن ُّي‪« :‬الذي ال يحتاج �إلى �أحد يف �شيء‪ ،‬وكل �أحد حمتاج �إليه»(‪ ،)11‬يقول‬
‫ابن القيم‪(« :‬ال َغن ُِّي) الغني بذاته‪ ،‬الذي كل ما �سواه حمتاج �إليه‪ ،‬ولي�س به حاجة‬
‫�إلى �أحد»(‪ ،)12‬وقال اخلطابي‪(« :‬ال َغن ُِّي) الذي ا�ستغنى عن اخللق‪ ،‬وعن ن�صرتهم‪،‬‬
‫وت�أييدهم مللكه‪ ،‬فلي�ست به حاجة �إليهم‪ ،‬وهم �إليه فقراء حمتاجون»(‪ ،)13‬وقال ال�شيخ‬
‫(‪ )5‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬و �س ع)‪.‬‬
‫(‪�( )6‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)72:‬‬
‫(‪( )7‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ‪� - 8 :‬ص‪.)392 :‬‬
‫(‪�( )8‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪.)411 :‬‬
‫(‪( )9‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ‪� - 12 :‬ص‪ 496 :‬و ‪.)504‬‬
‫(‪�( )10‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)81:‬‬
‫(‪( )11‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ‪� - 15 :‬ص‪ )135 :‬وعزاه البن الأثري‪.‬‬
‫(‪�( )12‬شفاء العليل) البن القيم (جـ‪� - 2:‬ص‪.)787 :‬‬
‫(‪�( )13‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)93 - 92:‬‬
‫‪266‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ال�سعدي‪(« :‬ال َغن ُِّي) ‪ ..‬فهو الغني بذاته‪ ،‬الذي له الغنى التام املطلق‪ ،‬من جميع الوجوه‬
‫واالعتبارات لكماله‪ ،‬وكمال �صفاته‪ ،‬فال يتطرق �إليها نق�ص بوجه من الوجوه‪،‬‬
‫وال ميكن �أن يكون �إال غن ًيا؛ لأن غناه من لوازم ذاته‪ ،‬كما ال يكون �إال خال ًقا قاد ًرا‬
‫راز ًقا حم�س ًنا فال يحتاج �إلى �أحد بوجه من الوجوه‪ ،‬فهو الغني الذي بيده خزائن‬
‫ال�سماوات والأر�ض‪ ،‬وخزائن الدنيا والآخرة»(‪.)14‬‬
‫ا�س ُع‪« :‬الكث ُري العطا ِء الذي َي َ�س ُع ملا ُي ْ�س َ�أ ُل»(‪ ،)15‬قال اخلطابي‪(« :‬ال َوا�سِ ُع)‬
‫‪ æ‬ال َو ِ‬
‫الغني الذي و�سع غناه مفاقر عباده‪ ،‬وو�سع رزقه جميع خلقه»(‪ ،)16‬ويقول احلليمي‪:‬‬
‫«(ال َوا�سِ ُع) الكثري مقدوراته ومعلوماته‪ ،‬واعرتاف له ب�أنه ال يعجزه �شيء‪ ،‬وال‬
‫يخفى عليه �شيء‪ ،‬ورحمته و�سعت كل �شيء»(‪ .)17‬وقال ال�شيخ ال�سعدي‪(« :‬ال َوا�سِ ُع) ‪..‬‬
‫الوا�سع ال�صفات والنعوت ومتعلقاتها بحيث ال يح�صي �أحد ثناء عليه‪ ،‬بل هو كما‬
‫�أثنى على نف�سه‪ ،‬وا�سع العظمة وال�سلطان وامللك‪ ،‬وا�سع الف�ضل والإح�سان‪ ،‬عظيم‬
‫اجلود والكرم»(‪.)18‬‬
‫‪ æ‬ال َق ُّيو ُم‪« :‬القائم بتدبري �أَمر َخلقه يف �إن�شائهم‪ ،‬ورزقهم‪ ،‬وعلمه ب�أمكنتهم»(‪ ،)19‬قال‬
‫ابن جرير‪(« :‬ال َق ُّيو ُم) ال َق ِّيم بحفظ كل �شيء‪ ،‬ورزقه‪ ،‬وتدبريه‪ ،‬وت�صريفه فيما �شاء و�أحب‪،‬‬
‫من تغيري وتبديل وزيادة ونق�ص»(‪ ،)20‬وقال ابن القيم‪(« :‬ال َق ُّيو ُم) الذي قام بنف�سه؛ فلم‬
‫يحتج �إلى �أحد‪ ،‬وقام كل �شيء به‪ ،‬فكل ما �سواه حمتاج �إليه بالذات»(‪ ،)21‬وقال احلليمي‪:‬‬
‫«(ال َق ُّيو ُم) القائم على كل �شيء من خلقه؛ يدبره مبا يريد ‪-‬ج َّل وعال»(‪ .)22‬وقال ال�شيخ‬
‫(‪ )14‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)19 :‬‬
‫َ‬
‫(‪( )15‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ‪� - 8 :‬ص‪ )392 :‬وعزاه البن الأنباري‪.‬‬
‫(‪�( )16‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)72:‬‬
‫(‪( )17‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪.)115 :‬‬
‫(‪ )18‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)20 :‬‬
‫(‪( )19‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ‪� - 12 :‬ص‪ .)504 :‬وعزاه للزجاج ‪.‬‬
‫(‪( )20‬تف�سري الطربي) عند تف�سري الآية (‪ )1‬من �سورة �آل عمران‪.‬‬
‫(‪( )21‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ‪� - 2:‬ص‪.)111 :‬‬
‫(‪( )22‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪.)131 :‬‬
‫الواسِ ُع ‪ -‬القَ ي ُ‬
‫ُّوم‬ ‫المجموعة الثالثة عشرة ‪ :‬الغَ ن ُّ‬
‫ِي ‪َ -‬‬ ‫‪267‬‬

‫ال�سعدي‪(« :‬ال َق ُّيو ُم) ‪ ..‬القائم بنف�سه‪ ،‬القيوم لأهل ال�سموات والأر�ض‪ ،‬القائم بتدبريهم‬
‫و�أرزاقهم‪ ،‬وجميع �أحوالهم»(‪.)23‬‬
‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬
‫‪ æ‬ال َغ ِن ُّي ‪ -‬ال َو ِ‬
‫ا�س ُع‪(:‬الوَا�سِ ُع) �أعم يف معناه من (ال َغن ِّي) ولذا �شمل معنى (الوَا�سِ ع)‬
‫كل �شيء كما يقول ابن القيم‪« :‬واهلل ‪�-‬سبحانه‪ -‬هو (الوَا�سِ ُع) �أي وا�سع العطاء‪ ،‬وا�سع الغنى‪،‬‬
‫وا�سع الف�ضل ‪ ..‬وال�سعة ‪ ..‬تكون يف الذوات واملعاين»(‪ ،)24‬يقول الزجاجي‪(« :‬الوَا�سِ ُع) قد‬
‫يت�ضمن من املعنى ما ال يت�ضمنه (ال َغن ُِّي)‪ ،‬ويت�صرف فيما ال يت�صرف يف (ال َغن ِّي)؛‬
‫كقولنا‪ :‬يا وا�سع الف�ضل‪ ،‬يا وا�سع الرحمة‪ ،‬وكقوله تعالى‪ }:‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﯣ {[غافر‪ ،]7:‬عمت رحمتك كل �شيء‪ ،‬و�أحاط علمك بكل �شيء»(‪.)25‬‬

‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬


‫‪ æ‬ال َغ ِن ُّي‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال َغن ِّي) «�صفة (ا ْل ِغ َنى) وهي‬
‫�صف ٌة ذات َّي ٌة ثابت ٌة هلل َع َّز وج َّل بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)26‬قال تعالى‪ } :‬ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ{[التوبة ‪:‬‬
‫‪ ،]28‬ومن ال�سنة قوله ‪ ..(:¤‬ومن ي�ستعفف يعفه اهلل‪ ،‬ومن ي�ستغن يغنه اهلل ‪.)27()..‬‬
‫ا�س ُع‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (الوَا�سِ ع) «�صفة (ال�سعة) كو�صف‬
‫‪ æ‬ال َو ِ‬
‫ذات و(التو�سيع) على الغري كو�صف فعل»(‪ ،)28‬قال تعالى‪ } :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭﯮ{ [الأنعام‪ ،]80:‬وقوله تعالى‪} :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ{[الذاريات ‪،]47 :‬‬
‫ومن ال�سنة قوله ‪�( :¤‬إنَّ �أول النا�س يق�ضى يوم القيامة ‪ ..‬ورجل َّ‬
‫و�ســع اهلل عليه‬
‫(‪ )23‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)19 :‬‬
‫(‪( )24‬املرتع الأ�سنى ‪ ..‬من كتب ابن القيم) لعبد العزيز الداخل (�ص‪.)556 :‬‬
‫(‪( )25‬ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص‪.)73 :‬‬
‫(‪�( )26‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)191 :‬‬
‫(‪ )27‬رواه البخاري برقم (‪ ،)1469‬وم�سلم برقم (‪.)1053‬‬
‫(‪�( )28‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪.)438 :‬‬
‫‪268‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫و�أعطاه من �أ�صناف املال ‪ ،)29()..‬ودعا�ؤه ‪ ¤‬يف �صالة اجلنازة‪ ..( :‬و�أكرم ُن ُز َله‪ِّ ،‬‬
‫وو�سع‬
‫مدخله‪.)30()..‬‬
‫‪ æ‬ال َق ُّيو ُم‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال َق ُّيوم) «�صفة (القيومية) وهي‬
‫�صف ٌة ذات َّي ٌة ثابت ٌة هلل ‪َ -‬ع َّز وج َّل‪ -‬بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)31‬قال تعالى‪ } :‬ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ{ [طه ‪ ،]111 :‬وقوله تعالى‪}:‬ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ{[الرعد‪،]33:‬‬
‫ومن ال�سنة دعاء النبي ‪ ¤‬يف تهجده‪ ..( :‬لك احلمد؛ �أنت َق ِّيم ال�سماوات والأر�ض ومن‬
‫ُ‬
‫أ�ستغيث)(‪.)33‬‬ ‫فيهن)(‪ ،)32‬وكان ال ّنبي ‪� ¤‬إذا ك َرب ُه �أم ٌر‪ ،‬قال‪( :‬يا ُّ‬
‫حي يا ق ُّيو ُم برحم ِتك �‬
‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬
‫‪ æ‬الحْ َ مِيدُ ‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال َغن ِّي) (‪ 10‬مرات) منها قوله‬
‫تعالى‪ } :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ{ [فاطر‪ ،]15:‬للإ�شارة‬
‫غني عن عباده‪ ،‬وعن عبادتهم‪ ،‬ولي�ست به حاجة لأحد يف �شيء؛ ومع‬ ‫�إلى �أنه – �سبحانه – ٌ‬
‫ذلك فهو حميد‪ ،‬يحمد من �أطاعه وعبده‪ ،‬ويجازيه �أف�ضل اجلزاء مع غناه عن عبادته‪ ،‬وهذا‬
‫غاية الإكرام والف�ضل‪ ،‬وقيل‪� :‬أنه مع غناه – �سبحانه ‪ -‬عن عبادة خلقه‪ ،‬وطاعتهم‪ ،‬فهو‬
‫ي�أمرهم بها رحمة بهم‪ ،‬و�شفقة عليهم‪ ،‬لأن �سعادتهم يف الدنيا والآخرة متوقفة عليها‪ ،‬قــال‬
‫الرازي‪ }« :‬ﮬ ﮭ ﮮ{ فال ي�أمركم بالعبادة الحتياجه �إليكم‪ ،‬و�إمنا هو لإ�شفاقه‬
‫عليكم»(‪ )34‬لأنه } ﮯ{‪.‬‬
‫يم‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه �سبحانه (ال َغن ِّي) مرة واحدة يف قوله تعالى‪ }:‬ﯔ‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫حل ِل ُ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ{[البقرة‪ ،]263:‬وال�سر يف‬
‫ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬كما قال ابن القيم‪« :‬وفيه معنيان‪� :‬أحدهما‪� :‬أن اهلل غني عنكم‪ ،‬لن‬
‫(‪ )29‬رواه م�سلم برقم (‪.)1905‬‬
‫(‪ )30‬رواه م�سلم برقم (‪.)963‬‬
‫(‪�( )31‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪.)412 :‬‬
‫(‪ )32‬رواه البخاري برقم (‪.)7385‬‬
‫(‪ )33‬رواه الرتمذي وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)4777‬‬
‫(‪( )34‬تف�سري مفاتيح الغيب) للرازي عند تف�سري الآية (‪ )15‬من �سورة (فاطر)‪.‬‬
‫الواسِ ُع ‪ -‬القَ ي ُ‬
‫ُّوم‬ ‫المجموعة الثالثة عشرة ‪ :‬الغَ ن ُّ‬
‫ِي ‪َ -‬‬ ‫‪269‬‬

‫يناله �شيء من �صدقاتكم‪ ،‬و�إمنا احلظ الأوفر لكم يف ال�صدقة‪ ،‬فنفعها عائد عليكم‬
‫مين بنفقته وي�ؤذي‪ ،‬مع غنى اهلل التام عنها وعن‬ ‫ال �إليه ‪�-‬سبحانه وتعالى‪ ،‬فكيف ُّ‬
‫املان بالعقوبة‪ُ ،‬‬
‫و�ض ّمن هذا‪ :‬الوعيد‬ ‫كل ما �سواه؟!‪ ،‬ومع هذا فهو حليم �إذ مل يعاجل ّ‬
‫له والتحذير‪ .‬واملعنى الثاين‪� :‬أنه ‪�-‬سبحانه وتعالى‪ -‬مع غناه التام من كل وجه فهو‬
‫املو�صوف باحللم والتجاوز وال�صفح‪ ،‬مع عطائه الوا�سع و�صدقاته العميقة‪ ،‬فكيف‬
‫ي�ؤذي �أحدكم غريه مبنه و�أذاه‪ ،‬مع قلة ما يعطي ونزارته وفقره»(‪.)35‬‬
‫‪ æ‬ال َك ِر ُ‬
‫مي‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال َغن ِّي) مرة واحدة يف قوله تعالى‪:‬‬
‫} ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ{[النمل‪ ،]40:‬وال�سر يف ذلك‬
‫‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬كما قال ابن القيم‪« :‬اهلل �سبحانه غني كرمي‪ ،‬عزيز رحيم‪ ،‬فهو حم�سن‬
‫�إلى عبده مع غناه عنه‪ ،‬يريد به اخلري‪ ،‬ويك�شف عنه ال�ضر‪ ،‬ال جللب منفعة �إليه‬
‫من العبد‪ ،‬وال لدفع م�ضرة‪ ،‬بل رحمة منه و�إح�سا ًنا»(‪ ،)36‬وقيل �إنَّ اهلل غني عن عباده‪،‬‬
‫وال ي�ضره كفر من كفر‪� ،‬أو مع�صية من ع�صى‪ ،‬ومع ذلك فهو ‪� -‬سبحانه ‪ -‬كرمي؛ ومن كرمه‬
‫كرثة ف�ضله على من يكفر بنعمه‪ ،‬ويجعلها و�سيلة �إلى مع�صيته‪ ،‬يقول ابن عا�شور‪« :‬من كفر‬
‫َف ْ�ضل اهلل عليه؛ ب�أن ع َبد غري اهلل‪ ،‬ف�إن اهلل غني عن �شكره‪ ،‬وهو كرمي يف �إمهاله‬
‫ورزقه يف هذه الدنيا»(‪.)37‬‬
‫‪ æ‬الرحمن‪ :‬ورد االقرتان ك�صفة مع ا�سمه �سبحانه (الغني) مرة واحدة يف‬
‫قوله تعالى‪ } :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ{ [الأنعام‪،]133:‬‬
‫غني عن جميع خلقه‪ ،‬من جميع‬ ‫ٌ‬ ‫واحلكمة يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬للإ�شارة �إلى �أن اهلل‬
‫الوجوه‪ ،‬فال تنفعه طاعتهم‪ ،‬وال ت�ضره مع�صيتهم‪ ،‬وهم الفقراء �إليه يف جميع �ش�ؤونهم‬
‫و�أحوالهم‪ ،‬ومع كونه غني ًا عنهم فهو رحيم بهم‪ ،‬يريد بهم الي�سر‪ ،‬وال يريد بهم الع�سر‪،‬‬
‫(‪( )35‬طريق الهجرتني و باب ال�سعادتني) البن القيم (�ص‪.)302 :‬‬
‫(‪�( )36‬إغاثة اللهفان ) البن القيم (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)41 :‬‬
‫(‪ )37‬تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور عند تف�سري (الآية‪ 40:‬من النمل)‪.‬‬
‫‪270‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ويغدق عليهم اخلري‪ ،‬ويدفع عنهم ال�شر‪ ،‬ويجازي ال�شكور ويكرمه‪ ،‬وميهل الكفور ويرزقه‪،‬‬
‫لعله يتذكر �أو يخ�شى‪ ،‬وكل ذلك رحمة منه وف�ضال‪ ،‬يقول ال�شوكاين‪ }« :‬ﭜ ﭝ{‬
‫�أي عن خلقه ال يحتاج �إليهم‪ ،‬وال �إلى عبادتهم‪ ،‬وال ينفعه �إميانهم‪ ،‬وال ي�ض ّره كفرهم‪،‬‬
‫ومع كونه غنياً عنهم‪ ،‬فهو ذو رحمة بهم‪ ،‬ال يكون غناه عنهم مانعاً من رحمته لهم‪،‬‬
‫وما �أح�سن هذا الكالم الرباين و�أبلغه‪ ،‬وما �أقوى االقرتان بني الغنى والرحمة يف‬
‫هذا املقام‪ ،‬ف�إن الرحمة لهم مع الغنى عنهم هي غاية التف�ضل والتط ّول»(‪ ،)38‬ويقول‬
‫القا�سمي‪ }« :‬ﭜ ﭝ{ عن جميع خلقه من جميع الوجوه‪ ،‬وهم الفقراء �إليه‬
‫ال لهم‪،‬‬‫يف جميع �أحوالهم‪ }:‬ﭞ ﭟ{ �أي‪ :‬يرتحم عليهم بالتكليف‪ ،‬تكمي ً‬
‫وميهلهم على املعا�صي‪ .‬وفيه تنبيه على �أن ما �سبق ذكره من الإر�سال لي�س لنفعه‬
‫�سبحانه‪ ،‬بل لرتحمه على العباد»(‪.)39‬‬
‫‪ æ‬ٱ� ْل َع ِل ُ‬
‫يم‪ :‬ورد االقتـ ــران مع ا�سمه ‪�-‬سبحانـ ــه (الوَا�سِ ع) (‪ 7‬مرات) منها قوله تعالى‪:‬‬
‫} ﮏﮐ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖ{[البقرة‪ ،]261:‬وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬كما‬
‫يقول ابن القيم‪« :‬فختم الآية با�سمني من �أ�سمائه احل�سنى مطابقني ل�سياقهما وهما‪:‬‬
‫(الوَا�سِ ُع) و(ا ْل َعلِي ُم) فال ي�ستبعد العبد هذه امل�ضاعفة‪ ،‬وال ي�ضيق عنها عطنه(‪ ،)40‬ف�إن‬
‫امل�ضاعف ‪�-‬سبحانه‪ -‬وا�سع العطاء‪ ،‬وا�سع الغنى‪ ،‬وا�سع الف�ضل‪ ،‬ومع ذلك فال يظن �أن‬
‫�سعة عطائه تقت�ضي ح�صولها لكل منفق‪ ،‬ف�إنه عليم مبن ت�صلح له امل�ضاعفة‪ ،‬وهو �أهل‬
‫لها‪ ،‬ومن ال ي�ستحقها وال هو �أهل لها‪ ،‬ف�إن كرمه وف�ضله ‪�-‬سبحانه تعالى‪ -‬ال يناق�ض‬
‫حكمته‪ ،‬بل ي�ضع ف�ضله موا�ضعه؛ ل�سعته ورحمته‪ ،‬ومينعه من لي�س من �أهله بحكمته‬
‫وعلمه»(‪ ،)41‬ويقول يف مو�ضع �آخر‪« :‬ف�إنه وا�سع العطاء‪ ،‬عليم مبن ي�ستحق ف�ضله‪ ،‬ومن‬
‫ي�ستحق عدله‪ ،‬فيعطي هذا بف�ضله‪ ،‬ومينع هذا بعدله‪ ،‬وهو بكل �شيء عليم»(‪.)42‬‬
‫(‪ )38‬تف�سري ال�شوكاين (فتح القدير) عند تف�سري الآية (‪ )133‬من �سورة الأنعام‪.‬‬
‫(‪ )39‬تف�سري القا�سمي (حما�سن الت�أويل) (جـ‪� 6:‬ص‪ 727-726:‬عند تف�سري الآية (‪ )133‬من �سورة الأنعام‪.‬‬
‫(‪ )40‬العطن هنا‪ :‬ال�صرب واحليلة‪.‬‬
‫(‪( )41‬طريق الهجرتني و باب ال�سعادتني) البن القيم (�ص‪.)300 :‬‬
‫(‪( )42‬طريق الهجرتني و باب ال�سعادتني) البن القيم (�ص‪)308 :‬‬
‫الواسِ ُع ‪ -‬القَ ي ُ‬
‫ُّوم‬ ‫المجموعة الثالثة عشرة ‪ :‬الغَ ن ُّ‬
‫ِي ‪َ -‬‬ ‫‪271‬‬

‫‪� æ‬ٱلحْ َ ِك ُ‬
‫يم‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال َوا�سِ ع) مرة واحدة يف‬
‫قول اهلل تعالى‪} :‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ{[الن�ساء‪ ،]130:‬و�سر ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬كما �أ�شار ال�شيخ عبد الرحمن‬
‫ال�سعدي عند تف�سريه لقوله تعالى‪ } :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ{[الن�ساء‪�« :]130:‬أي‬
‫كثري الف�ضل‪ ،‬وا�سع الرحمة‪ ،‬و�صلت رحمته و�إح�سانه �إلى حيث و�صل �إليه علمه‪،‬‬
‫وكان مع ذلك (حكي ًما) �أي‪ :‬يعطي بحكمته ومينع حلكمته‪ ،‬ف�إذا اقت�ضت حكمته‬
‫منع بع�ض عباده من �إح�سانه؛ ب�سبب يف العبد ال ي�ستحق معه الإح�سان‪ ،‬حرمه‬
‫عد ًال وحكمة»(‪ ،)43‬فاهلل ‪�-‬سبحانه وتعالى‪ -‬مع كونه وا�سع العطاء والف�ضل والإح�سان؛‬
‫فهو وا�سع احلكمة‪ ،‬ي�ضع ف�ضله و�إح�سانه يف �أف�ضل موا�ضعه‪ ،‬فيعطي هذا بف�ضله وكرمه‪،‬‬
‫ومينع هذا بعدله ورحمته‪ ،‬وكم من العباد من ال ُي ْ�ص ِل ُح �إميانه �إال الفقر؟!‪ ،‬ولو ب�سط اهلل‬
‫له الرزق‪ ،‬وو�سعه عليه لأف�سده ذلك‪.‬‬

‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪:‬‬


‫‪ æ‬الأثر العلمي االعتقادي‪:‬‬
‫اهلل ‪� -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬هو ال َغن ُِّي ال َوا�سِ ُع ال َق ُّيو ُم‪ ،‬الذي له الغنى التام املطلق‬
‫من جميع الوجوه واالعتبارات‪ ،‬الوا�سع ال�صفات والنعوت‪ ،‬وا�سع العظمة وال�سلطان وامللك‪،‬‬
‫وا�سع الف�ضل واالح�سان‪ ،‬عظيم اجلود والكرم‪ ،‬القيوم القائم بنف�سه ‪�-‬سبحانه‪ ،‬الذي ال‬
‫يحتاج �إلى من يقيمه بوجه من الوجوه‪ ،‬وهذا من كمال غناه بنف�سه عمن �سواه‪ ،‬وهو املقيم‬
‫لغريه‪ ،‬فال قيام لغريه �إال ب�إقامته وهذا من كمال قدرته‪.‬‬
‫‪ æ‬الأثر العملي‪:‬‬
‫‪�1.1‬إفراد اهلل بالعبادة؛ لأنه هو (الغني)‪ ،‬وا�سع العطاء والف�ضل‪ ،‬و(الغنى)‬
‫و�صف ذاتي له‪ ،‬وما �سواه من اخلالئق مفتقر �إليه‪ ،‬فالأمر كله له‪ ،‬وامللك كله له‪،‬‬
‫(‪ )43‬تف�سري ال�سعدي عند تف�سري الآية (‪ )130‬من �سورة الن�ساء (�ص‪.)171 :‬‬
‫‪272‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫وجميع اخللق مربوبون مملوكون‪ ،‬فكيف ُيتخذ منهم معبو ٌد مع اهلل؟!‪ .‬‬


‫‪2.2‬اخلوف من اهلل‪ ،‬ومراقبته يف ال�سر والعلن‪ ،‬فهو ‪�-‬سبحانه‪ -‬القيوم املطلع على العبد‬
‫يف كل �أحواله قال تعالى‪} :‬ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ{[الرعد‪.]33:‬‬
‫‪3.3‬االفتقار التام �إلى اهلل ؛ لأن الفقر �صفة ذاتية مالزمة للعبد يف جميع �أحيانه‪،‬‬
‫وال حول وال قوة له �إال باهلل ‪-‬تعالى‪ ،‬وال ي�ستغني عن ربه ‪�-‬سبحانه‪ -‬طرفة عني؛‬
‫لأنه ‪�-‬سبحانه‪ -‬الغني ذو الغنى املطلق‪ ،‬الوا�سع الذي و�سع كل �شيء رحمة وعلم ًا‪،‬‬
‫القيوم الذي ال يحتاج �إلى �أحد‪ ،‬وكل �أحد حمتاج �إليه‪  .‬‬
‫‪�4.4‬أن يكون امل�ؤمن غني النف�س‪ ،‬متعفف ًا‪ ،‬زاهد ًا مبا يف �أيدي النا�س‪ ،‬وقد جاء عنه‪:¤‬‬
‫(لي�س الغنى عن كرثة العر�ض‪ ،‬ولكن الغنى غنى النف�س)(‪ ،)44‬وهذا يثمر‬
‫اال�ستغناء باهلل ‪-‬تعالى‪ -‬وحده‪ ،‬وعزة النف�س‪ ،‬والتعفف والزهد‪ ،‬وعدم التذلل �أو‬
‫التعلق مبا يف �أيدي النا�س‪.‬‬
‫‪ 5.5‬الإنفاق يف وجوه اخلري‪ ،‬واالجتهاد يف الطاعات لتحقيق وعد اهلل الغني الوا�سع ‪-‬‬
‫�سبحانه ‪ -‬يف بركة املال والعمل‪ ،‬وم�ضاعفة الثواب واحل�سنات‪ ،‬وزيادة الأجر كما‬
‫قال �سبحانه‪ } :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ{[الأنعام‪  .]160:‬‬
‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫(ال َغ ِن ُّي ‪ -‬ال َو ِ‬
‫ا�س ُع ‪ -‬ال َق ُّي ُ‬
‫وم) من الأ�سماء الدالة على �صفات اهلل الذاتية (ا ْل ِغ َنى‬
‫وال�س َعة والقيومية)‪ ،‬وهي �صفات ذات‪ ،‬مل يزل ‪-‬وال يزال‪ -‬اهلل مت�صف ًا بها‪ ،‬وال تعلق لها‬ ‫َ‬
‫بامل�شيئة‪ ،‬ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل‪ ،‬والتو�سل �إليه‪ ،‬والثناء عليه بها‪ ،‬يف جميع �أغرا�ض‬
‫الدعاء وحاجات العبد ‪ ..‬ويت�أكد ذلك عند طلب املغفرة والرحمة والغيث والن�صر‪ ،‬قال‬
‫تعالى على ل�سان نبيه �شعيب ‪ }:‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ{[الأعراف‪ ،]89:‬وقال تعالى عن حملة عر�شه‬
‫(‪ )44‬رواه البخاري برقم (‪.)6446‬‬
‫الواسِ ُع ‪ -‬القَ ي ُ‬
‫ُّوم‬ ‫المجموعة الثالثة عشرة ‪ :‬الغَ ن ُّ‬
‫ِي ‪َ -‬‬ ‫‪273‬‬

‫�سبحانه‪ } :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ{[غافر‪ ،]7:‬ومما جاء عن نبينا ‪ ¤‬قوله‪�(:‬إنكم �شكومت جدب دياركم‪،‬‬
‫وا�ستئخار املطر عن �إبان زمانه عنكم‪ ،‬وقد �أمركم اهلل ووعدكم �أن ي�ستجيب‬
‫لكم‪ :‬احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬الرحمن الرحيم‪ ،‬مالك يوم الدين‪ ،‬ال �إله �إال اهلل يفعل‬
‫ما يريد‪ ،‬اللهم �أنت اهلل ال �إله �إال �أنت‪� ,‬أنت الغني ونحن الفقراء‪� ،‬أنزل علينا الغيث‪،‬‬
‫واجعل ما �أنزلت لنا قوة وبالغا �إلى حني)(‪ ،)45‬وقوله ‪( :¤‬من قال �أ�ستغفر اهلل الذي‬
‫ال �إله �إال هو احلي القيوم و�أتوب �إليه ُغ ِفر له و�إن كان قد فر من الزحف)(‪.)46‬‬

‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬


‫‪ æ‬عن �أبي هريرة ‹‪� :‬أن النبي ‪ ¤‬قال‪( :‬بينا �أيوب يغت�سل عريان ًا‪َ ،‬‬
‫فخ ّر‬
‫جراد من ذهب‪ ،‬فجعل �أيوب يحتثي يف ثوبه‪ ،‬فناداه ر ّبه‪ :‬يا �أيوب‪� ،‬أمل �أكن‬
‫ٌ‬ ‫عليه‬
‫�أغنيتك عما ترى؟‪ ،‬قال‪ :‬بلى وعزّ تك‪ ،‬ولكن ال غنى بي عن بركتك)(‪ ،)47‬فال‬
‫غنى لأحد عن بركة اهلل الغني‪ ،‬و�إح�سانه على عباده‪ ،‬و�أن حت�صيل ذلك �أم ٌر م�شروع عند‬
‫اخلالئق ك ّلها حتى الأنبياء والر�سل عليهم ال�سالم‪ ،‬وقد كان من دعاء النبي ‪ ¤‬يف القنوت‪:‬‬
‫(‪ ..‬وبارك يل فيما �أعطيت ‪ .)48()..‬‬
‫‪ æ‬عن �أبي هريرة ‹ قال‪ :‬قال النبي ‪�( :¤‬إن اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬يقول‪ :‬يا ابن �آدم‪،‬‬
‫تفرغ لعبادتى �أملأ �صدرك غنى‪ ،‬و�أ�سد فقرك‪ ،‬و�إن ال تفعل ملأت يديك �شغ ًال‪ ،‬ومل‬
‫�أ�سد فقرك)(‪.)49‬‬
‫(‪ )45‬رواه �أبو داود وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)2310‬‬
‫(‪ )46‬رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف �صحيح �أبي داود برقم (‪.)1517‬‬
‫(‪ )47‬رواه البخاري برقم (‪.)279‬‬
‫(‪ )48‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (‪.)411‬‬
‫(‪� )49‬أخرجه الإمام �أحمد والرتمذي وابن ماجة واحلاكم و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)1914‬‬
‫‪274‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪ æ‬عن �أن�س بن مالك ‹‪ ،‬قال‪�« :‬أن رج ً‬


‫ال دخل امل�سجد يوم اجلمعة‪ ،‬ور�سول اهلل ‪¤‬‬
‫قائم يخطب‪ ،‬فا�ستقبل ر�سول اهلل ‪ ¤‬قائما‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا ر�سول اهلل‪ ،‬هلكت الأموال‪ ،‬وانقطعت‬
‫ال�سبل(‪ ،)50‬فادع اهلل يغيثنا‪ ،‬فرفع ر�سول اهلل ‪ ¤‬يديه‪ ،‬ثم قال‪( :‬اللهم �أغثنا‪ ،‬اللهم‬
‫�أغثنا‪ ،‬اللهم �أغثنا)‪ ،‬قال �أن�س‪ :‬وال واهلل‪ ،‬ما نرى يف ال�سماء من �سحاب‪ ،‬وال قزعة(‪ ،)51‬وما‬
‫بيننا وبني َ�س ْلع(‪ )52‬من بيت وال دار‪ ،‬قال‪ :‬فطلعت من ورائه �سحابة مثل الرت�س(‪ ،)53‬فلما‬
‫تو�سطت ال�سماء انت�شرت ثم �أمطرت‪ .‬فال واهلل ما ر�أينا ال�شم�س �ست ًا‪ ،‬فدخل رجل من ذلك‬
‫الباب يف اجلمعة ‪ -‬يعني الثانية ‪ -‬ور�سول اهلل ‪ ¤‬قائم يخطب‪ ،‬فا�ستقبله قائما‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫يا ر�سول اهلل‪ ،‬هلكت الأموال‪ ،‬وانقطعت ال�سبل‪ ،‬فادع اهلل مي�سكها عنا!‪ ،‬قال‪ :‬فرفع ر�سول‬
‫اهلل يديه‪ ،‬ثم قال‪( :‬اللهم حوالينا وال علينا‪ ،‬اللهم على الآكام والظراب(‪ ،)54‬وبطون‬
‫الأودية‪ ،‬ومنابت ال�شجر)‪ ،‬قال‪ :‬ف�أقلعت‪ ،‬وخرجنا من�شي يف ال�شم�س»(‪.)55‬‬
‫هلل ‪َ ¤‬خ ً‬
‫م�صا(‪،)56‬‬ ‫ُ‬
‫اخلندق ر�أيتُ بر�سولِ ا ِ‬ ‫‪ æ‬قال جابر بن عبداهلل ‪« :‬ملا ُحفِر‬
‫خم�صا‬
‫هلل ‪ً ¤‬‬ ‫فانكف�أْ ُت �إلى امر�أتي‪ُ ،‬‬
‫فقلت لها‪ :‬هل عندك �شي ٌء؟‪ ،‬ف�إين ر�أيتُ بر�سولِ ا ِ‬
‫�شديدًا‪ ،‬ف�أخرجتْ يل جرا ًبا فيه �صاع ٌمن �شعريٍ‪ ،‬ولنا بهيم ٌة داجِ ٌن(‪ ،)57‬قال‪ :‬فذبح ُتها‬
‫هلل‪،¤‬‬ ‫وطحنتْ ‪ ،‬ففرغتْ �إلى فراغي‪ّ ،‬‬
‫فقطع ُتها يف ُبرمتِها(‪ ،)58‬ثم و َّليتُ �إلى ر�سولِ ا ِ‬
‫هلل ‪ ¤‬ومن معه(‪ ،)59‬قال‪ :‬فجئ ُته ف�سا َر ْر ُته‪ ،‬فقلت‪:‬‬ ‫فقالت‪ :‬ال َ‬
‫تف�ض ْحني بر�سولِ ا ِ‬
‫(‪ )50‬ال�سبل‪ :‬الطرق‪ ،‬واختلف يف املعنى‪ ،‬فقيل‪� :‬ضعفت الإبل �أن ي�سافر بها وهي ال جتد يف �سفرها من الكلأ ما يبلغها‪ ،‬وقيل‬
‫�أن النا�س �أم�سكوا ما عندهم من الطعام لقلته‪ ،‬فلم يجلبوه للأ�سواق‪.‬‬
‫(‪ )51‬ال�سحاب والقزعة‪ :‬هو الغيم‪ ،‬ف�إن كان جمتمع ًا فهو �سحاب‪ ،‬و�إن كان متفرق ًا رقيق ًا فهو قزعة‪.‬‬
‫(‪� )52‬سلع‪ :‬بفتح ال�سني و�سكون الالم‪ ،‬جبل �صغري باملدينة املنورة‪ ٫‬ويقع غرب امل�سجد النبوي ويبعد عنه (‪ 500‬مرت)‪.‬‬
‫(‪ )53‬الرت�س‪� :‬صفحة م�ستديرة من الفوالذ‪ ،‬حتمل للوقاية من ال�سيف‪ ،‬واملعنى‪ :‬ت�شبيه ال�سحاب بها يف اال�ستدارة ال يف القدر‪.‬‬
‫(‪ )54‬الآكام‪ :‬جمع �أكمة وهو الرتاب املجتمع وقيل اله�ضبة ال�ضخمة‪ .‬الظراب‪ :‬جمع ظرب‪ ،‬وهو اجلبل املنب�سط على الأر�ض‪.‬‬
‫(‪ )55‬متفق عليه‪ ،‬رواه البخاري برقم (‪ ،)1014‬وم�سلم برقم (‪.)897‬‬
‫خل َم�ص‪�ُ :‬ضمو ُر ال َب ْط ِن ِمنَ ا ُ‬
‫جلو ِع‪.‬‬ ‫(‪ )56‬ا َ‬
‫(‪ )57‬ال َبهيمة الدَ ِاجن‪ :‬هي ال�صغ ُري من الغنم التي تُر َّبى يف البيوت وال تخرج �إلى املرعى‪.‬‬
‫(‪ )58‬البرُ ْ َمة‪ :‬ال ِق ْدر الذي ُيطبخ فيه‪.‬‬
‫هلل ‪ ¤‬ومن معه‪� :‬أي ال ت َْد ُع �إال مبقدار الطعام ِلق َّلت ِه‪ ،‬واملق�صد �أن ُي ِ�س َّر و ُيخفي الدعوة للنبي ‪¤‬‬ ‫بر�سول ا ِ‬
‫ِ‬ ‫(‪ )59‬ال َ‬
‫تف�ض ْحني‬
‫يح�ضروا‪ ،‬لمِ َا بهم ِمن املجاع ِة في َقع جابر‬
‫ونفر من �أ�صحابه دون الع�شرة لئال يعلم بها �أهل اخلندق؛ فيظنوا �أنها دعوة عامة َف ُ‬
‫و�أهله فيِ ال َف�ضيح ِة ِلق َّلة َّ‬
‫الطعام‪.‬‬
‫الواسِ ُع ‪ -‬القَ ي ُ‬
‫ُّوم‬ ‫المجموعة الثالثة عشرة ‪ :‬الغَ ن ُّ‬
‫ِي ‪َ -‬‬ ‫‪275‬‬

‫ري كان عندنا‪ ،‬فتعا َل‬ ‫وطحنت �صاعًا من �شع ٍ‬‫ُ‬ ‫ذبحنا بهيم ًة لنا‪،‬‬‫يا ر�سو َل اهلل!‪� ،‬إن��ا قد ْ‬
‫ر�سول اهلل ‪ ¤‬وقال‪( :‬يا �أه َل اخلندقِ !‪� ،‬إ َّن جاب ًرا قد �صنع لكم‬ ‫�أنت يف نف ٍر معك‪ ،‬ف�صاح ُ‬
‫هلل ‪( :¤‬ال ُت َّ‬
‫نزلن بُرم َتكم‪ ،‬وال تخ ِبز َّن عجين َتكم‪،‬‬ ‫فح َّي هال بكم(‪ ،))60‬وقال ُ‬
‫ر�سول ا ِ‬ ‫ُ�سو ًرا‪َ ،‬‬
‫جئت امر�أتي‪ ،‬فقالت‪ِ :‬ب َك‬‫النا�س‪ ،‬حتى ُ‬ ‫هلل ‪ ¤‬يقدم َ‬ ‫ُ‬
‫ر�سول ا ِ‬ ‫ُ‬
‫فجئت وج��اء‬ ‫حتى �أج�� َئ)‪،‬‬
‫أخرجت له عجي َن َتنا فب�ص َق فيها وبارك‪ ،‬ثم‬
‫ُ‬ ‫فعلت الذي قلتِ يل‪ ،‬ف�‬ ‫و ِب َك(‪ ،!)61‬فقلتُ ‪ :‬قد ُ‬
‫عمِد �إلى بُرمتِنا فب�صق فيها وبا َرك‪ ،‬ثم قال‪( :‬ادعي خابز ًة ف ْلتخ ِب ْز معكِ ‪ ،‬واقدَحي(‪)62‬‬

‫من بُرمتِكم وال ُتن ِزلوها)‪ ،‬وهم �أل ٌ��ف‪ ،‬ف�أُق�سِ ُم باهلل لأَكلوا حتى تركوه وانح َرفوا‪ ،‬و�إ َّن‬
‫بُرمَتنا ل َت َغ ُّط كما هي(‪ ،)63‬و�إ َّن عجين َتنا ل ُتخب ُز كما هو»(‪.)64‬‬
‫‪ æ‬قال تعالى‪ } :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ {[ال�شرح‪ ،]1:‬قال ابن كثري‪« :‬يعني‪� :‬أما �شرحنا‬
‫لك �صدرك؟ �أي‪ :‬ن ّورناه‪ ،‬وجعلناه ف�سيحاً رحيباً وا�سعاً ‪ ..‬وكما �شرح اهلل �صدره ‪،¤‬‬
‫كذلك جعل �شرعه ف�سيحاً وا�سعاً �سمحاً �سه ً‬
‫ال‪ ،‬ال حرج فيه وال �إ�صر وال �ضيق»(‪.)65‬‬
‫‪ æ‬قال �سعيد بن امل�سيب‪« :‬من �أ�ستغنى باهلل �أفتقر �إليه النا�س»(‪ .)66‬وح�ضر‬
‫ال�شافعي ميتا فلما ُ�س ّج َي نظر �إليه وق��ال‪« :‬اللهم بغِناك عنه‪ ،‬وفقره اليك‪ ،‬اغفر‬
‫ل����ه»(‪ .)67‬وك��ان من دع��اء �أح��ده��م‪« :‬ال َّل ُه َّم �أغنني باالفتقار �إِ َل��� ْي���ك‪َ ،‬و اَل تفقرين‬
‫باال�ستغناء َع ْنك»(‪.)68‬‬
‫(‪� )60‬صنع لكم ُ�سو ًرا‪َ ،‬ف َح َّي هَ لاً ِب ُك ْم‪� :‬أي طعام ًا‪ ،‬ف َه ُل ُّموا ُم ِ‬
‫�سرعني‪.‬‬
‫(‪ِ )61‬ب َك َو ِب َك‪� :‬أي عاتبته ودعت عليه ب�أن ي َف َع َل اهلل ِبه كذا وكذا؛ خوفا من ف�ضيحتها لقلة الطعام وكرثة النا�س‪ ،‬وهو مذهب‬
‫م�شهور يف الدعاء على ال�شيء من غري �إرادة وقوعه‪.‬‬
‫ُنزلوه عنها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ت‬ ‫وال‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫جار‬ ‫احل‬
‫ِ‬ ‫وقِ‬‫ف‬‫َ‬ ‫وهو‬ ‫ر‬ ‫د‬
‫ْ‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫ال‬ ‫من‬ ‫اغريف‬‫ُنزلوها‪� :‬أي ِ‬ ‫(‪َ )62‬وا ْقدَ حي من ُب ْر َم ِتكم وال ت ِ‬
‫ُّ‬
‫عام َوما ُلوا عنه‪ ،‬وال ِق ْد ُر َل َت ِغط‪ ،‬يعني‬ ‫َّ‬
‫القوم �أ َكلوا و�شبعوا حتَّى تَركوا الط َ‬ ‫ُّ‬
‫رمتنا ل َت َغط كما هي‪� :‬أي �أنَّ َ‬ ‫(‪ )63‬تركوه وانح َرفوا و�إنَّ ُب َ‬
‫طيط كما هي‪.‬‬‫�أ َّنها ممُ َت ِلئ ٌة تَفو ُر بحيث ُي�س َم ُع لها َغ ٌ‬
‫(‪ )64‬متفق عليه‪ ،‬رواه البخاري برقم (‪ ،)4102‬وم�سلم برقم (‪.)2039‬‬
‫(‪( )65‬تف�سري القر�آن الكرمي) البن كثري عند تف�سري الآية (‪ )1‬من �سورة (ال�شرح)‪.‬‬
‫(‪�( )66‬صفة ال�صفوة) البن اجلوزي (جـ‪� – 2 :‬ص‪.)81 :‬‬
‫(‪�( )67‬صفة ال�صفوة) البن اجلوزي (جـ‪� – 2 :‬ص‪.)251 :‬‬
‫(‪( )68‬نرث الدر) للآبي (جـ‪� – 6 :‬ص‪.)55 :‬‬
‫‪276‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪ æ‬قال ابن القيم‪�« :‬إن اهلل �سبحانه هو القيوم املقيم لكل �شيء من املخلوقات‬
‫طائعها وعا�صيها‪ ،‬فكيف تكون قيوميته مبن �أَحبه وتواله و�آثره على ما �سواه‪ ،‬ور�ضى‬
‫ال ونا�صراً ومعيناً وهادياً‪ ،‬فلو ك�شف الغطا َء عن �ألطافه‬
‫به من النا�س حبيباً ورباً‪ ،‬ووكي ً‬
‫وب��ره و�صنعه له من حيث يعلم وم��ن حيث ال يعلم ل��ذاب قلبه حبا ً ل��ه و�شوقاً �إليه‬
‫ويقع �شكراً له‪ ،‬ولكن حجب القلوب عن م�شاهدة ذلك �إخالدها �إلى عامل ال�شهوات‬
‫والتعلق بالأ�سباب‪ ،‬ف�صدت عن كمال نعيمها‪ ،‬وذلك تقدير العزيز العليم‪ .‬و�إال ف�أيُّ‬
‫قلب يذوق حالوة معرفة اهلل وحمبته ثم يركن �إلى غريه وي�سكن �إلى ما �سواه؟ هذا‬
‫ما ال يكون �أب��داً‪ ،‬ومن ذاق �شيئاً من ذلك وع��رف طريقاً مو�صلة �إل��ى اهلل ثم تركها‬
‫و�أقبل على �إرادته وراحاته و�شهواته ولذاته وقع يف �آثار املعاطب و�أودع قلبه �سجون‬
‫امل�ضايق وعذب يف حياته عذاباً مل يعذبه �أحد من العاملني‪ ،‬فحياته عجز وغم وحزن‪،‬‬
‫وموته كدر وح�سرة‪ ،‬ومعاده �أ�سف وندامة‪ ،‬قد فرط عليه �أمره و�شتت عليه �شمله‪،‬‬
‫و�أح�ضرت نف�سه الغموم والأحزان‪ ،‬فال لذة اجلاهلني‪ ،‬وال راحة العارفني‪ ،‬ي�ستغيث‬
‫فال يغاث وي�شتكى فال ي�شكى‪ ،‬فقد ترحلت �أفراحه و�سروره مدبرة و�أقبلت �آالمه‪،‬‬
‫و�أحزانه وح�سراته مقبلة‪ ،‬فقد �أُبدل ب�أُن�سه وح�شه وبعزه ذ ًال وبغناه فقراً وبجمعيته‬
‫ت�شتيتاً»(‪.)69‬‬
‫‪� æ‬أر�سل الأمري �إلى اخلليل بن �أحمد الفراهيدي ليخربه �إن كان يريد منه �أن ي�صله‬
‫م�ستغن عنك بالذي �أغناك عني»(‪.)70‬‬
‫ٍ‬ ‫ب�شيء‪ ،‬فقال له اخلليل‪�« :‬أنا‬
‫‪ æ‬قال �أبو بكر الكتاين(‪�« :)71‬إذا �صح االفتقار �إلى اهلل تعالى‪� ،‬صح الغنى‪ ،‬لأنهما‬
‫حاالن ال يتم �أحدهما �إال ب�صاحبه»(‪.)72‬‬
‫(‪( )69‬طريق الهجرتني وباب ال�سعادتني) البن القيم (�ص‪ )150 - 149 :‬يف (م�شاهد النا�س يف املعا�صي والذنوب‪ :‬منزلة‬
‫اال�ستقامة)‪.‬‬
‫(‪ )70‬من الق�ص�ص امل�شتهرة عن اخلليل بن �أحمد الفراهيدي ومل �أعرث عن م�صدرها!‪.‬‬
‫(‪ )71‬حممد بن علي الكتاين‪.‬‬
‫(‪( )72‬تاريخ دم�شق) البن ع�ساكر (جـ‪� – 54:‬ص‪.)257 :‬‬
‫الواسِ ُع ‪ -‬القَ ي ُ‬
‫ُّوم‬ ‫المجموعة الثالثة عشرة ‪ :‬الغَ ن ُّ‬
‫ِي ‪َ -‬‬ ‫‪277‬‬

‫‪ æ‬قال الأ�صمعي �سمعت �أعرابيا يف فالة من الأر�ض وهو يقول يف دعائه‪« :‬اللهم‬
‫�إن ا�ستغفاري �إي��اك مع كرثة ذنوبي لل�ؤم‪ ،‬و�إن تركي اال�ستغفار مع معرفتي ب�سعة‬
‫غني عني؟!‪ ،‬وكم �أتبغ�ض �إليك‬
‫يل بنعمتك و�أنت ٌ‬ ‫رحمتك لعجز‪� ،‬إلهى كم حتببتَ �إ َّ‬
‫ري �إليك؟!‪� ،‬سبحان من �إذا توعد عفا‪ ،‬و�إذا وعد وفى»(‪.)73‬‬
‫بذنوبي و�أنا فق ٌ‬
‫‪ æ‬قال ابن املهنا‪ « :‬قال بع�ض العقالء‪� :‬إن الرجل ليجفوين‪ ،‬ف�إذا ذكرت ا�ستغنائي‬
‫عنه وجدت جلفائه بردا على كبدي» (‪.)74‬‬
‫‪� æ‬أ�صيب النا�س يف جنوب اجلزيرة العربية (يقال �أنها منطقة جازان) بجدب وقحط‬
‫�شديد عام ‪973‬هـ‪1565/‬م‪ ،‬حتى عرفت تلك ال�سنة ب�سنة (�أم العظام)؛ لأن النا�س �أحرقت‬
‫العظام و�أكلتها من �شدة اجلوع‪ ،‬فخرجوا لال�ست�سقاء‪ ،‬و�أَ َّمهم ال�شيخ القا�ضي حممد بن علي‬
‫ابن عمر احلكمي ال�شهري بـ ( ابن عمر ال�ضمدي ) فلما وقف �أمام النا�س حمد اهلل و�أثنى‬
‫عليه مبا هو �أهله‪ ،‬ثم ارجتل هذه الق�صيدة ارجتا ًال‪ ،‬فما انتهى منها �إال وقد انهمر املطر‪،‬‬
‫وما ا�ستطاع احلراك من مكانه �إال حممو ًال على �أكتاف الرجال من �شدة املطر‪ ،‬ومما جاء‬
‫يف ق�صيدته(‪:)75‬‬
‫ف����ل����ن ي���خ���ي���ب ل����ن����ا يف رب����ن����ا �أم�����ل‬ ‫ال�ضر‪� ,‬أو �ضاقت بنا احليل‬ ‫م�سنا ّ‬ ‫�إِن ّ‬
‫ر ّب����������ا ي����ح����ول����ه����ا ع����ن����ا ف��ت��ن��ت��ق��ل‬ ‫و ِ�إن �أن����اخ����ت ب��ن��ا ال���ب���ل���وى ف������إن لنا‬
‫�إل�����ي�����ه ن����رف����ع �����ش����ك����وان����ا ون��ب��ت��ه��ل‬ ‫اهلل يف ك����ل خ���ط���ب ح�����س��ب��ن��ا وك��ف��ى‬
‫وم�����ن ع��ل��ي��ه ����س���وى ال���رح���م���ن ن��ت��ك��ل‬ ‫م���ن ذا ن���ل���وذ ب���ه يف ك�����ش��ف ك��رب��ت��ن��ا‬
‫ويف ح��ي��ا���ض ن����داه ال��� َّن���ه���ل و ال�� َع�� َل��ل‬ ‫وكيف يرجى �سوى الرحمن م��ن �أح��د‬
‫ل����غ��ي�ره ي���ت���وق���ى احل���������ادث اجل���ل���ل‬ ‫ال ي���رجت���ى اخل��ي�ر �إال م���ن ل���دي���ه وال‬
‫ويف ي����د اهلل ل���ل�������س����ؤال م����ا ����س����أل���وا‬ ‫خ�����زائ�����ن اهلل ت���غ���ن���ي ك َّ‬
‫�������ل م��ف��ت��ق ٍ��ر‬
‫(‪( )73‬جمهرة خطب العرب) لأحمد زكي �صفوت (جـ‪� – 3 :‬ص‪.)328 :‬‬
‫(‪( )74‬طبقات احلنابلة) البن �أبي يعلى (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)325 :‬‬
‫(‪( )75‬المية ابن عمر ال�ضمدي يف اال�ست�سقاء) حتقيق ودرا�سة ‪ :‬د‪ .‬عبداهلل بن حممد �أبو داه�ش‪.‬‬
‫‪278‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫م���ق���ب���ول���ة م�����ا ل����ه����ا رد وال م��ل��ل‬ ‫و�����س����ائ����ل اهلل م����ا زال�������ت م�����س��ائ��ل��ه‬
‫ف��ه��و ال���رج���اء مل���ن �أع���ي���ت ب���ه ال�سبل‬ ‫ف��اف��زع �إل����ى اهلل واق����رع ب���اب رحمته‬
‫�أوالك ي��خ��ل ع��ن��ك ال��ب���ؤ���س وال��وج��ل‬ ‫و�أح�����س��ن ال��ظ��ن يف م���والك وار����ض مبا‬
‫ف��ال��ع�����س��ر ب��ال��ي�����س��ر م���ق���رون ومت�صل‬ ‫و�إن �أ���ص��اب��ك ع�����س��ر ف��ان��ت��ظ��ر ف��رج�� ًا‬
‫ف�������ذاك ق������ول ���ص��ح��ي��ح م����ال����ه ب���دل‬ ‫وانظر �إلى قوله‪ :‬ادع��وين ا�ستجب ل ُك ُم‬
‫وك����م �أن�����ال ذوي الآم������ال م���ا �أم���ل���وا‬ ‫ك����م �أن����ق����ذ اهلل م�������ض���ط���ر ًا ب��رح��م��ت��ه‬
‫ف����م����ا ل����ن����ا ب�����ت�����ويل دف�����ع�����ه ِق���� َب����ل‬ ‫ي���ا م���ال���ك امل���ل���ك ف���ارف���ع م���ا �أ ّمل بنا‬

‫حتى قوله‪:‬‬
‫م���ن���ه امل������آ ِث�����م وال���ع�������ص���ي���ان وال���زل���ل‬ ‫ي���ارب ف��ارح��م م�سيئ ًا م��ذن��ب��ا ُ‬
‫عظمت‬
‫وع���ن ح��م��ي��د امل�����س��اع��ي ع��اق��ه الك�سل‬ ‫ق���د �أث���ق���ل ال���ذن���ب والأوزار ع��ات��ق��ه‬
‫وج���وه �أه���ل امل��ع��ا���ص��ي م��ن ل��ظ��ى ظلل‬ ‫وال ت�������س��� ّود ل����ه وج���ه���ا �إذا غ�����ش��ي��ت‬
‫�إين ْام����ر�ؤ ���س��اء م��ن��ي ال��ق��ول والعمل‬ ‫�أ���س��ت��غ��ف��ر اهلل م���ن ق���ويل وم���ن عملي‬
‫ي��ح��ط ع��ن��ي م���ن وزري ب��ه��ا ال��ث��ق��ل‬ ‫ومل �أق��������� ّدم ل��ن��ف�����س��ي ق����ط ���ص��احل��ة‬
‫�إن ق���ال‪ :‬خالفت �أم���ري �أي��ه��ا الرجل‬ ‫ي���ا خ��ج��ل��ت��ي م���ن ع��ت��اب اهلل ي����وم غ��دٍ‬
‫ب�����ه إ� َّ‬
‫يل ومل ت���ع���م���ل مب�����ا ع��م��ل��وا‬ ‫ع��ل��م��ت م���ا ع��ل��م ال���ن���اج���ون وات�����ص��ل��وا‬
‫ف����إن���ن���ي ال���ي���وم م��ن��ه��ا خ���ائ���ف َو ِج����ل‬ ‫ي�����ارب ف��اغ��ف��ر ذن���وب���ي ك��ل��ه��ا ك��رم�� ًا‬
‫���ط عنهم م��ن الآث����ام م��ا احتملوا‬ ‫وح ّ‬ ‫ُ‬ ‫واغ��ف��ر لأه���ل ودادي ك��ل م��ا اكت�سبوا‬
‫ع���ل���ي���ه���م وت�����ق����� َّب ْ‬
‫�����ل ك�����ل م�����ا ف��ع��ل��وا‬ ‫ُ���ب‬
‫واع���م���م ب��ف�����ض��ل��ك ك���ل امل���ؤم��ن�ين وت ْ‬
‫������ن ي��ح��ف��ى وي��ن��ت��ع��ل‬
‫حم���م���د خ��ي�ر َم ْ‬ ‫و����ص���ل رب ع��ل��ى امل��خ��ت��ار م���ن م�ضر‬
‫ف����إن���ه���م ُغ������رر الإ������س��ل��ام واحل���ج���ل‬ ‫و�آل�����ه ال���غ���ر‪ ,‬والأ����ص���ح���اب ع���ن ط��رف‬
‫المل ُ‬
‫ِيك‬ ‫المال ُ‬
‫ِك ‪َ -‬‬ ‫المل ُ‬
‫ِك ‪َ -‬‬ ‫المجموعة الرابعة عشرة ‪َ :‬‬ ‫‪279‬‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ‪14‬ـــــــــة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬املُ ْل ُك‬
‫(‪)46 - 45 - 44‬‬
‫املَ ِل ُك ‪ -‬املَا ِل ُك ‪ -‬املَ ِل ُ‬
‫يك‬
‫‪280‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الـمجـمـوعـ‪14‬ـة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬املُ ْل ُك‬
‫(‪)46 - 45 - 44‬‬
‫املَ ِل ُك ‪ -‬املَا ِل ُك ‪ -‬املَ ِل ُ‬
‫يك‬
‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫‪ æ‬املَ ِل ُك‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 5‬مرات) منها قوله تعالى‪}:‬ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ{[امل�ؤمنون‪ ،]116:‬ومن ال�سنة قوله ‪( : ¤‬يقب�ض اهلل ‪-‬تبارك‬
‫وتعالى‪ -‬الأر�ض يوم القيامة‪ ،‬ويطوي ال�سماء بيمينه‪ ،‬ثم يقول‪� :‬أنا املَ ِل ُك‪� ،‬أين‬
‫ملوك الأر�ض؟)(‪.)1‬‬
‫‪ æ‬املَا ِل ُك‪ :‬ورد يف القر�آن الكريـ ــم مرتني م�ضا ًف ــا؛ يف قـ ــوله تعالى‪} :‬ﮇ ﮈﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ{[�آل عمــران‪،]26:‬‬
‫وقول ــه تعـالى‪}:‬ﭞ ﭟ ﭠ{[الفاحتة‪ ،]4:‬ومن ال�سنة قوله ‪�( :¤‬إن �أخنع ا�سم‬
‫عند اهلل رجل ت�سمى ملك الأمالك‪ ،‬ال مالك �إال اهلل)(‪.)2‬‬
‫يك‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة يف قوله تعالى‪}:‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫‪ æ‬املَ ِل ُ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ{ [القمر‪.]55،54:‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬


‫‪ æ‬املَ ِل ُك‪�« :‬صفة م�شبهة للمو�صوف بامل ُ ْلك‪ ،‬فعله‪ :‬ملَ َك يمَ ل ُِك ُم ْلكاً‪ ،‬فهو َملِك‪،‬‬
‫و(املَل ُِك)‪ :‬املت�صرف يف كل الأ�شياء ب�أمره ونهيه»(‪�« ،)3‬أ�صل امل ُ ْلك‪ :‬الربط وال�شد‪ ،‬قال‬
‫ابن فار�س‪�( :‬أ�صل هذا الرتكيب يدل على قوة يف ال�شيء و�صحة‪ ،‬ومنه قولهم‪ :‬ملكت‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬رواه البخاري (‪ )6515‬وم�سلم (‪.)2787‬‬
‫(‪ )2‬رواه م�سلم (‪.)2143‬‬
‫(‪ )3‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬م ل ك)‪.‬‬
‫المل ُ‬
‫ِيك‬ ‫المال ُ‬
‫ِك ‪َ -‬‬ ‫المل ُ‬
‫ِك ‪َ -‬‬ ‫المجموعة الرابعة عشرة ‪َ :‬‬ ‫‪281‬‬

‫العجني �أملكه ملكا �إذا �شددت عجنه وبالغت فيه)‪ ،‬و(املَل ُِك) هو النافذ الأمر يف ملكه»(‪،)4‬‬
‫و«امل ُ ْل ُك‪ :‬احتواء ال�شيء والقدرة التامة الكاملة على الت�صرف فيه بالأمر والنهي»(‪.)5‬‬
‫‪ æ‬املَا ِل ُك‪« :‬ا�سم فاعل‪ ،‬من َملَ َك يمَ ْ ل ُِك فهو مال ٌِك‪ ،‬فاهلل مالِك الأ�شياء كلها‪،‬‬
‫وم�صرفها على �إرادته‪ ،‬ال ميتنع عليه منها �شيء؛ لأن املالك لل�شيء ‪ -‬يف كالم العرب‬
‫‪ -‬هو‪ :‬املت�صرف فيه‪ ،‬القادر عليه»(‪.)6‬‬
‫يك‪« :‬من �صيغ املبالغة‪ ،‬على وزن فعيل‪ ،‬فعله َملَ َك يمَ ْ ل ُِك مِ لكا و ُملكا‪،‬‬ ‫‪ æ‬املَ ِل ُ‬
‫ِيك) ُملَكاء‪ ،‬و(املَل ُ‬
‫ِيك) املالك العظيم امللك»(‪.)7‬‬ ‫وجمع (املَل ُ‬
‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬
‫‪ æ‬املَ ِل ُك ‪ -‬املَا ِل ُك ‪ -‬املَ ِل ُ‬
‫يك‪« :‬الآمر الناهي‪ ،‬املعز املذل‪ ،‬الذي ي�ص ّرف �أمور عباده كما‬
‫يحب‪ ،‬ويقلبهم كما ي�شاء»(‪ ،)8‬قال ابن جرير‪( « :‬املَل ُِك) الذي ال ملك فوقه‪ ،‬وال �شيء‬
‫�إال دونه»(‪ ،)9‬وقال ابن كثري‪« :‬املال ُِك جلميع الأ�شياء املت�صرف فيها بال ممانعة وال‬
‫مدافعة»(‪ ،)10‬وقال الليث‪« :‬ملك امللوك‪ ،‬له امللك‪ ،‬وهو مالك يوم الدين‪ ،‬وهو مليك‬
‫اخللق‪� ،‬أي ربهم ومالكهم»(‪ ،)11‬وقال ابن القيم‪« :‬املت�ص ِّرف يف املمالك ك ِّلها وحده؛‬
‫ت�ص ُّرف َمل ٍِك قاد ٍر قاهرٍ‪ ،‬عادلٍ رحيم‪ ،‬تا ُّم امللك؛ ال ُينازعه يف ملكه منازعٌ‪ ،‬وال ُيعار�ضه‬
‫معار�ض»(‪ ،)12‬وقال يف مو�ضع �آخر‪« :‬فمن �شهد م�شهد نزول الأمر واملرا�سيم الإلهية‬ ‫ٌ‬ ‫فيه‬
‫�إلى �أقطار العوامل ب�أنواع التدبري والت�ص ُّرف من الإماتة والإحياء‪ ،‬والتولية والعزل‪،‬‬
‫(‪�( )4‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪.)245:‬‬
‫(‪( )5‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ‪� - 10:‬ص‪ )492 :‬و (�أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪.)245:‬‬
‫(‪( )6‬ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص‪.)43:‬‬
‫(‪�( )7‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪.)539:‬‬
‫(‪( )8‬بدائع الفوائد) البن القيم (جـ‪� - 2:‬ص‪.)249 :‬‬
‫(‪( )9‬تف�سري الطربي) عند تف�سري الآية (‪ )23‬من �سورة احل�شر (جـ ‪� :28‬ص‪.)36‬‬
‫(‪( )10‬تف�سري ابن كثري) عند تف�سري الآية (‪ )23‬من �سورة احل�شر (جـ ‪� :4‬ص‪.)343‬‬
‫(‪( )11‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ‪� - 10:‬ص‪)491 :‬‬
‫(‪( )12‬طريق الهجرتني و باب ال�سعادتني) البن القيم (�ص‪.)105 :‬‬
‫‪282‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫واخلف�ض والرفع‪ ،‬والعطاء واملنع‪ ،‬وك�شف البالء و�إر�ساله‪ ،‬وتقلب الدول ومداولة الأيام‬
‫بني النا�س‪� ،‬إلى غري ذلك من الت�صرف يف اململكة التي ال يت�صرف فيها �سواه‪ ،‬فمرا�سمه‬
‫نافذة كما ي�شاء ‪ ..‬فمن �أعطى هذا امل�شهد حقه معرفة وعبودية ا�ستغنى به»(‪ ،)13‬وقال‬
‫يف مو�ضع ثالث‪(« :‬املَل ُِك) يدل على ما ي�ستلزم حقيقة ملكه؛ من قدرته وتدبريه‪ ،‬وعطائه‬
‫ومنعه‪ ،‬وثوابه وعقابه‪ ،‬وبث ر�سله يف �أقطار مملكته‪ ،‬و�إعالم عبيده مبرا�سيمه وعهوده‬
‫�إليهم‪ ،‬وا�ستوائه على �سرير مملكته؛ الذي هو عر�شه املجيد»(‪.)14‬‬

‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬


‫يك‪ :‬ت�ضمنت الأ�سماء احل�سنى الثالثة (املَل ُِك ‪ -‬املَال ُِك ‪-‬‬ ‫‪ æ‬املَ ِل ُك ‪ -‬املَا ِل ُك ‪ -‬املَ ِل ُ‬
‫ِيك) معاين الكمال يف و�صف ملكه ‪�-‬سبحانه‪ ،‬فمن كونه ‪�-‬سبحانه (املَال ُِك) فهو املالك‬ ‫املَل ُ‬
‫لكل �شيء‪ ،‬املت�صرف فيه بفعله ‪ ..‬يخلق ويرزق‪ ،‬يعز ويذل‪ ،‬يعطي ومينع‪ ،‬يثيب ويعاقب‪،‬‬
‫يكرم ويهني‪ ،‬يحي ومييت‪ ،‬وهو ‪�-‬سبحانه‪ -‬فعال ملا يريد ‪ ،..‬ومن كونه ‪�-‬سبحانه (املَل ُِك)‬
‫فهو املت�صرف يف ملكه ب�أمره ونهيه‪ ،‬فال حالل �إال ما �أحله‪ ،‬وال حرام �إال ما حرمه‪ ،‬وال‬
‫دين �إال ما �شرعه‪ ،‬ال تتحرك ذرة �إال ب�إذنه‪ ،‬وال ت�سقط ورقة �إال بعلمه‪ ،‬وقد ُرفع النبي ‪ ¤‬ليلة‬
‫الإ�سراء واملعراج �إلى م�ستوى ي�سمع فيه �صريف الأقالم التي تكتب ما يوحيه اهلل (املَل ُِك)‬
‫‪ -‬تبارك وتعالى ‪ -‬من الأمور التي يدبر بها �أمر العامل العلوي وال�سفلي‪� ،‬سبحانه وتعالى‪-‬‬
‫له اخللق والأمر‪ ،‬يقول ابن القيم‪(« :‬املَل ُِك احلق) هو الذي يكون له الأمر والنهي‬
‫فيت�صرف يف خلقه بقوله و�أمره‪ ،‬وهذا هو الفرق بني (املَلِك) و(املَالِك)‪ ،‬إذ (املَال ُِك)‬
‫هو املت�صرف بفعله»(‪ .)15‬وقد جمع ا�سم (املَلِيك) كال املعنيني فهو – �سبحانه ‪ -‬املالك‬
‫لأعيان خلقه‪ ،‬املت�صرف فيهم ب�أمره ونهيه‪ ،‬يقول الدكتور الر�ضواين‪« :‬وا�سم اهلل (املَلِيك)‬
‫ِك) و(املَل ُِك)»(‪.)16‬‬
‫يدل باللزوم على جمموع ما دل عليه ا�سمه (املَال ُ‬
‫(‪( )13‬طريق الهجرتني) البن القيم (�ص‪.)40 - 39 :‬‬
‫(‪( )14‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ‪� - 3:‬ص‪.)358 :‬‬
‫(‪( )15‬بدائع الفوائد) البن القيم (جـ ‪� - 4‬ص‪.)165 :‬‬
‫(‪�( )16‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( )540:‬املليك)‬
‫المل ُ‬
‫ِيك‬ ‫المال ُ‬
‫ِك ‪َ -‬‬ ‫المل ُ‬
‫ِك ‪َ -‬‬ ‫المجموعة الرابعة عشرة ‪َ :‬‬ ‫‪283‬‬

‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬


‫يك‪ :‬من �صفات اهلل الذاتية الثابتة بالكتاب ُّ‬
‫وال�س َّنة وامل�شتقة‬ ‫‪ æ‬املَ ِل ُك ‪ -‬املَا ِل ُك ‪ -‬املَ ِل ُ‬
‫من �أ�سمائه �سبحانه (امللك ‪ -‬املليك ‪ -‬املالك) �صفات (المْ ُ ْلك َو المْ َلَ ُكوت)(‪ ،)17‬فقد جاء‬
‫عنه ‪ ¤‬من حديث عوف بن مالك ‹‪� …(:‬سبحان ذي اجلربوت وامللكوت والكربياء‬
‫والعظمة)(‪ ،)18‬و« ُملك اهلل وملكوته‪� :‬سلطانه وعظمته»(‪.)19‬‬

‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬


‫‪ æ‬ا ْل ُق ُّد ُ‬
‫و�س‪ :‬ورد االقرتان يف كتاب اهلل مرتني مع ا�سم ـ ــه ‪�-‬سبحانـ ــه (املَلِك)‬
‫منها قوله تعالى‪}:‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ {[احل�شر‪،]23 :‬‬
‫ويف ال�سنة ما جاء عنه ‪ ¤‬قوله بعد �صالة الوتر ‪-‬ثالث ًا‪�(:‬سبحان امللك القدو�س)(‪،)20‬‬
‫ولعل ال�سر يف هذا االقرتان ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬الإ�شارة «�إلى �أنه ‪�-‬سبحانه‪ -‬مع كونه مل ًكا‬
‫مدب ًرا مت�صر ًفا يف كل �شيء‪ ،‬فهو قدو�س منزه عما يعرتي امللوك من النقائ�ص التي‬
‫�أ�شهرها اال�ستبداد‪ ،‬والظلم‪ ،‬واال�سرت�سال مع الهوى‪ ،‬وال�شهوات‪ ،‬واملحاباة»(‪.)21‬‬

‫‪ æ‬الحْ َ قُّ ‪ :‬ورد االقرتان يف كتاب اهلل مرتني مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه (املَلِك) يف �سورة طه‬
‫وامل�ؤمنون‪ ،‬قال تعالى‪ }:‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ{[طه‪ ]114 :‬و[امل�ؤمنون‪ ]116 :‬وال�سر يف‬
‫ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬الإ�شارة �إلى �أن «ملك اهلل حق‪ ،‬و�صفات الكمال ال تكون حقيقة‬
‫�إال له �سبحانه‪ ،‬بينما غريه من اخللق‪ ،‬و�إن كان له ملك يف بع�ض الأوقات على بع�ض‬
‫الأ�شياء‪ ،‬ف�إنه ملك قا�صر باطل زائل‪ ،‬و�أما الرب ‪�-‬سبحانه وتعالى‪ -‬فال يزال وال‬
‫ال»(‪ ،)22‬قال �أبو ال�سعود‪} « :‬ﭓ ﭔ{‪ :‬الذي يح ُّق له‬
‫يزول ملكاً حياً قيوماً جلي ً‬
‫(‪�( )17‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)240 :‬‬
‫(‪ )18‬رواه �أبو داود والن�سائي وح�سنه الألباين يف �صحيح �أبي داود (‪.)776‬‬
‫(‪( )19‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ‪� - 10:‬ص‪)492 :‬‬
‫(‪ )20‬رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف �صحيح �أبي داود برقم (‪.)1267‬‬
‫(‪( )21‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪.)198 :‬‬
‫(‪ )22‬تف�سري ال�سعدي عند تف�سري الآية (‪ )114‬من �سورة طه‪.‬‬
‫‪284‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫لك على الإطالقِ ‪� ،‬إيجاداً و�إعداماً‪َ ،‬بدءاً و�إعادة‪� ،‬إحيا ًء و�إمات ًة‪ ،‬عقاباً و�إثاب ًة‪ُّ ،‬‬
‫وكل‬ ‫امل ُ ُ‬
‫مملوك له مقهو ٌر حتتَ ملكوتِه» (‪.)23‬‬ ‫ٌ‬ ‫ما �سوا ُه‬
‫ـــدر‪ :‬ورد االقت ــران مع ا�سمه �سبحانه (املليك) مــرة واحدة يف قولـ ــه‬ ‫‪ æ‬املُّ ْق َت ِ‬
‫تعالى‪}:‬ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ{[القمر‪ ]55:‬وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم‬
‫‪-‬جل وعال‪ -‬هو املت�ص ِّرف يف املمالك ك ِّلها وحده؛ ت�ص ُّرف ملك‬ ‫‪ -‬الإ�شارة �إلى �أن اهلل َّ‬
‫قاد ٍر على الثواب‪ ،‬قادر على العقاب‪ ،‬تا ُّم امللك؛ ال ُينازعه يف ملكه مناز ٌع‪ ،‬وال ُيعار�ضه فيه‬
‫معار�ض‪� ،‬أما املخلوق ال�ضعيف فمهما �أوتي من القوة والقدرة وامللك فكل ذلك حمدود‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫ِيك ُّم ْق َتدِ ِر) لأن القربة‬
‫ومو�صوف بالعجز والق�صور‪ ،‬واملوت والفناء‪ ،‬يقول الرازي‪َ (« :‬مل ٍ‬
‫من امللوك لذيذة كلما كان امللك �أ�شد اقتداراً كان املتقرب منه �أ�شد التذاذاً‪ ،‬وفيه‬
‫�إ�شارة �إلى خمالفة معنى القرب منه من معنى القرب من امللوك؛ ف�إن امللوك‬
‫ُي َق ِّربون من يكون ممن يحبونه وممن يرهبونه‪ ،‬خمافة �أن يع�صوا عليه وينحازوا‬
‫�إلى عدوه فيغلبونه‪ ،‬واهلل ُّم ْق َتدِ ٌر‪ ،‬ال يق ّرب �أحداً �إال بف�ضله»(‪ ،)24‬وقال املاوردي‪:‬‬
‫ِيك ُّم ْق َتدِ ِر) ليعلم املتقون �أنه – �سبحانه ‪ -‬قادر على حفظ ما �أنعم به عليهم‬ ‫«( َمل ٍ‬
‫ودوامه لهم»(‪.)25‬‬

‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪:‬‬


‫‪ æ‬الأثر العلمي االعتقادي‪:‬‬
‫�إن اهلل هو امللك احلق لل�سماوات والأر�ض وما فيهما‪ ،‬املت�صرف فيهما بفعله‬
‫و�أمره؛ لأنه خالق كل �شيء فال يخرج �شيء عن ملكه وتدبريه‪ ،‬وهو ‪� -‬سبحانه ‪� -‬صاحب‬
‫الأمر والنهي واحلكم‪ ،‬الذي مل يخلق خلقه عبث ًا‪ ،‬ومل يرتكهم �سدى‪ ،‬بل �أر�سل الر�سل‬
‫(‪ )23‬تف�سري (�إر�شاد العقل ال�سليم �إلى مزايا الكتاب الكرمي) لأبي ال�سعود عند تف�سري الآية (‪ )116‬من �سورة (امل�ؤمنون)‪.‬‬
‫(‪( )24‬تف�سري مفاتيح الغيب) للرازي عند تف�سري الآية (‪ )55‬من �سورة القمر‪.‬‬
‫(‪( )25‬تف�سري النكت والعيون) للماوردي عند تف�سري الآية (‪ )55‬من �سورة القمر‪.‬‬
‫المل ُ‬
‫ِيك‬ ‫المال ُ‬
‫ِك ‪َ -‬‬ ‫المل ُ‬
‫ِك ‪َ -‬‬ ‫المجموعة الرابعة عشرة ‪َ :‬‬ ‫‪285‬‬

‫و�أنزل الكتب‪ ،‬خلري العباد و�سعادتهم يف دنياهم و�أخراهم‪ ،‬وهو املالك احلقيقي خلزائن‬
‫ال�سماوات والأر�ض‪ ،‬وملكه ال ينق�ص بالعطاء والإح�سان‪ ،‬بل يزداد‪ ،‬وهو مليك مقتدر‪ ،‬قاهر‬
‫للملوك والطغاة املتكربين‪ ،‬ومهلكهم ملا طغوا وبغوا وظنوا �أنهم معاجزون هلل ‪-‬تعالى‪ -‬كما‬
‫فعل ذلك باجلبابرة والفراعنة‪ ،‬فانطوى ملكهم و�أ�صبحوا ن�س ًيا من�س ًيا‪.‬‬
‫‪ æ‬الأثر العملي‪:‬‬
‫‪1.1‬كمال التوحيد من العبد‪ ،‬يف �صرف العبادة ‪ -‬بكل انواعها ‪ -‬هلل وحده ال �شريك له‪،‬‬
‫من اخلوف والرجاء‪ ،‬والدعاء واال�ستغاثة واال�ستعاذة واال�ستعانة والذبح‪ ،‬وغريها‬
‫من العبادات الظاهرة والباطنة ‪ ..‬قال تعالى‪ } :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ{[فاطر‪]13:‬‬
‫‪ 2.2‬قبول حكم اهلل و�شرعه‪ ،‬والر�ضى بق�ضائه وقدره‪ ،‬ورف�ض ما �سواه‪ ،‬والإعرا�ض عن‬
‫التحاكم لغريه‪ ،‬فاحلكم هلل وحده‪ ،‬قال تعالى‪ }:‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ{[يو�سف‪ .]67 :‬‬
‫‪ 3.3‬التعلق باهلل امللك وحده ‪�-‬سبحانه‪ -‬يف طلب الرزق‪ ،‬واالطمئنان �إلى ما كتبه اهلل للعبد‬
‫مع الأخذ بالأ�سباب التي �أمر بها دون التعلق �أو االطمئنان �إليها‪  .‬‬
‫‪4.4‬تعظيم اهلل وحده‪ ،‬والتوا�ضع خللقه‪ ،‬وعدم االغرتار مبا م ّلكنا اهلل �إياه من هذه الدنيا‬
‫الفانية‪ ،‬والتعلق به ‪�-‬سبحانه‪ -‬يف مواجهة الطواغيت واجلبابرة والظلمة‪ .‬‬
‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫(املَ ِل ُك ‪ -‬املَا ِل ُك ‪ -‬املَ ِل ُ‬
‫يك) من �أ�سماء الذات الدالة على �صفات اهلل الذاتية (المْ ُ ْلك‬
‫َوالمْ َلَ ُكوت) وهي �صفات ذات‪ ،‬مل يزل ‪-‬وال يزال‪ -‬اهلل مت�صف ًا بها‪ ،‬وال تعلق لها بامل�شيئة؛‬
‫ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل‪ ،‬والتو�سل �إليه‪ ،‬والثناء عليه‪ ،‬وتعظيمه ومتجيده بها يف‬
‫جميع �أغرا�ض الدعاء وحاجات العبد ‪ ..‬وكما تقرر ف�إن من مقت�ضيات هذه الأ�سماء �أن‬
‫اهلل ‪� -‬سبحانه ‪ -‬هو املت�صرف يف خلقه ب�أمره وفعله كيف ي�شاء ‪« ..‬يغفر ذن ًبا‪ ،‬و ُيف ّرج‬
‫‪286‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ريا‪ ،‬ويجرب‬‫ويفك عان ًيا‪ ،‬و ُيغني فق ً‬ ‫كر ًبا‪ ،‬ويك�شف غ ًما‪ ،‬وين�صر مظلو ًما‪ ،‬وي�أخذ ظاملًا‪ُّ ،‬‬
‫ال‪ ،‬ويُذِ ُّل عزي ًزا‪ ،‬و ُيعطي‬
‫مري�ضا‪ ،‬و ُيقيل عرث ًة‪ ،‬وي�سرت عور ًة‪ ،‬و ُي ِع ُّز ذلي ً‬
‫ً‬ ‫ريا‪ ،‬وي�شفي‬
‫ك�س ً‬
‫ال‪ ،‬و ُيذهب بدول ٍة وي�أتي ب�أخرى‪ ،‬ويداول الأَيام بني النا�س‪ ،‬ويرفع �أقوا ًما وي�ضع‬ ‫�سائ ً‬
‫�آخرين»(‪ .. )26‬ولذا خ�ص اهلل ‪�-‬سبحانه وتعالى‪ -‬هذا اال�سم العظيم يف دعوة عباده �إلى‬
‫ال�سماءِ‬ ‫ُ‬
‫�س�ؤاله ودعائه‪ ،‬كما �صح عن الر�سول ‪ ¤‬يف احلديث العظيم‪َ (:‬ين ِزل اهلل �إلى ّ‬
‫الدن َيا ُكل ل ْي ٍلة ِحني يمَ ْ ِ�ضي ثلث الل ْي ِل الأ ّول ف َيقول‪� :‬أنا امل ِل ُك‪� ،‬أنا امل ِل ُك‪ ،‬من َذا الذي‬
‫ُّ‬
‫يب لهُ ؟)(‪ ،)27‬وكان من دعائه ‪(:¤‬الل ُهم �أنت امل ِل ُك َال �إلهَ �إ ّال �أنت‪� ،‬أنت‬ ‫تج َ‬‫َي ْدعونيِ ف� ْأ�س ِ‬
‫رتفت ِب َذن ِبي‪ ،‬فاغ ِفر يل ُذ ُنو ِبي َجمي ًعا‪� ،‬إنهُ َال َيغ ِف ُر‬ ‫َر ِّبي َو�أنا عبدُ َك‪َ ،‬ظل ْمت نف�سي َو ْ‬
‫اع َ‬
‫ال �أنت)(‪.)28‬‬ ‫وب �إ َّ‬
‫الذ ُن َ‬

‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬


‫وميكائيل عندَ ِر ْج َل َّي‪،‬‬
‫َ‬ ‫جربيل عند ر� ِأ�سي‪،‬‬‫َ‬ ‫‪ æ‬قال النبي ‪�( :¤‬إِنيَّ ر�أ ْيتُ يف املنا ِم ك�أنَ‬
‫واعقل ع ِق َل قل ُب َك؛‬‫ْ‬ ‫ا�ضرب َلهُ َمثَلاً ‪ ،‬فقال‪ :‬ا�سم ْع �سم َعتْ �أذ ُن َك‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ل�صاح ِب ِه‪:‬‬
‫ِ‬ ‫يقول �أحدُ هما‬ ‫ُ‬
‫اتخذ دا ًرا‪ُ ،‬ث َّم بنى فيها بي ًتا‪ُ ،‬ث َّم جعل فيها مائد ًة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ثل �أم ِت َك ك َم َث ِل َم ِل ٍك‬
‫ِ�إ مَّنا َم َث ُل َك و َم ُ‬
‫الر�سول‪ ،‬ومنهم َم ْن َت َر َكهُ ‪،‬‬
‫َ‬ ‫أجاب‬
‫النا�س �إلى طعا ِم ِه‪ ،‬فمنهم َم ْن � َ‬ ‫َ‬ ‫ر�سول يدعو‬‫بعث اً‬ ‫ُث َّم َ‬
‫ٌ‬
‫ر�سول‪َ ،‬م ْن �أجا َب َك َد َخ َل‬ ‫أنت يا حممدُ‬ ‫َ‬
‫اجلنة‪ ،‬و� َ‬ ‫فاهلل هُ َو امل ِل ُك‪ ،‬والدا ُر الإ�سال ُم‪ ،‬والبيتُ‬ ‫ُ‬
‫أكل ما فيها)(‪.)29‬‬ ‫َ‬
‫اجلنة � َ‬ ‫اجلنة‪ ،‬و َم ْن َ‬
‫دخل‬ ‫َ‬ ‫دخل الإ�سال َم َ‬
‫دخل‬ ‫ال ْإ�سال َم‪َ ،‬و َم ْن َ‬
‫‪ æ‬قال لقمان البنه‪« :‬يا بني!‪� ,‬إذا افتقرت فافزع �إلى ربك وحده‪ ،‬فادعه‬
‫وت�ضرع �إليه‪ ,‬وا�س�أله من ف�ضله وخزائنه؛ ف�إنه ال ميلكه غريه‪ ,‬وال ت�س�أل النا�س‬
‫فتهون عليهم‪ ,‬وال يردوا عليك �شيئا» (‪.)30‬‬
‫(‪( )26‬طريق الهجرتني و باب ال�سعادتني) البن القيم (�ص‪.)105 - 104 :‬‬
‫(‪ )27‬رواه م�سلم (‪.)758‬‬
‫(‪ )28‬رواه م�سلم برقم (‪ )771‬ورقم (‪.)1290‬‬
‫(‪ )29‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)2465‬‬
‫(‪�( )30‬إ�صالح املال) البن �أبي الدنيا (�ص‪ )124 :‬برقم (‪.)461‬‬
‫المل ُ‬
‫ِيك‬ ‫المال ُ‬
‫ِك ‪َ -‬‬ ‫المل ُ‬
‫ِك ‪َ -‬‬ ‫المجموعة الرابعة عشرة ‪َ :‬‬ ‫‪287‬‬

‫‪� æ‬أو�صى اخلليفة الرا�شد علي بن �أبي طالب ‹‪ ،‬مالك بن اال�شرت النخعي ملا‬
‫واله على م�صر يف عام ‪ 39‬هـ‪ ،‬ومما جاء يف و�صيته‪« :‬و�إذا �أح��دث لك ما �أن��ت فيه من‬
‫لطانك �أُ َّبهة �أو مخَ ِ يلَة(‪ ،)31‬فانظر �إيل عِ َظم ُم ْلك اهلل فوقك‪ ،‬وقدرته منك على ما‬
‫ُ�س َ‬
‫ال تقدر عليه من نف�سك‪ ،‬ف�إن ذلك ُي َطامِ ن(‪� )32‬إليك من طِ ماَحك(‪ ،)33‬و َي ُك َّف عنك‬
‫من َغ ْربك(‪ ،)34‬ويفئ �إليك ما َع َزب عنك من عقلك(‪.)36(»)35‬‬
‫‪ æ‬قال ابن عيينه‪ « :‬دخل اخلليفة الأموي ه�شام بن عبدامللك البيت احلرام‪ ،‬ف�إذا‬
‫هو ب�سامل بن عبداهلل بن عمر‪ ،‬فقال‪� :‬سلني حاجة‪ .‬فقال �سامل‪� :‬إين �أ�ستحيي من اهلل �أن‬
‫�أ�س�أ َل يف بيته َغيرْ َ ه‪ ،‬فلما خرجا‪ ،‬قال ه�شـام‪ :‬الآن ف�سلنـي حاجة‪ .‬فقال له �سامل‪ :‬من‬
‫حوائج الدنيا �أم من حوائج الآخرة؟!‪ ،‬فقال ه�شام‪ :‬من حوائج الدنيـا‪ .‬فقال �سامل‪ :‬واهلل‬
‫ما �س�ألت الدنيا ممن ميلكها ‪ -‬وهو اهلل تعالى ‪ -‬فكيـف �أ�س�ألها ممن ال ميلكهـا؟!»(‪.)37‬‬
‫‪ æ‬قال زرقان‪ « :‬ملا احت�ضر اخلليفة العبا�سي الواثق باهلل (هارون بن املعت�صم)‬
‫�أمر بالب�سط فطويت‪ ،‬و�أل�صق خده بالرتاب‪ ،‬وجعل يقول‪ :‬يا من ال يزول ملكه‪ ،‬ارحم‬
‫من قد زال ملكه»(‪.)38‬‬
‫‪ æ‬قال الأ�صمعي‪ :‬‏« ر�أيتُ �أعرابياً �أمامه �شا ٌء(‪ ،)39‬فقلت له‪ :‬ملن هذا ال�شاء؟ فقال‏‪:‬‏‬
‫هي هلل عندي‏»(‪ .)40‬ور�أى جعفر بن �سليمان �أعرابي ًا يف �إبل قد ملأت الوادي فقال له‪ :‬ملن‬
‫هذه الإبل؟ قال‪ :‬هلل يف يدي(‪.)41‬‬
‫الكبرْ وال ُعجب والز َّْه ُو‪.‬‬
‫(‪ )31‬الأبهة واملخيلة‪ِ :‬‬
‫(‪ُ )32‬ي َط ِامن‪ :‬يخف�ض‬
‫الط َماح‪ :‬الفخر‪.‬‬
‫(‪ِ )33‬‬
‫(‪ )34‬ال َغ ْرب‪ :‬احلدة‪.‬‬
‫(‪ )35‬يفئ �إليك ما َعزَ ب عنك‪� :‬أي يعيد �إليك ما غاب وخ ِفي عنك‪.‬‬
‫(‪( )36‬ربيع الأبرار ون�صو�ص الأخيار) للزخم�شري (جـ‪� - 5:‬ص‪.)189 :‬‬
‫(‪�( )37‬سري �أعالم النبالء) للذهبي (�ص‪ )1761 :‬يف ترجمة‪�( :‬سامل بن عبداهلل بن عمر بن اخلطاب)‪.‬‬
‫(‪�( )38‬سري �أعالم النبالء) للذهبي (�ص‪ )4047 :‬يف ترجمة‪( :‬الواثق باهلل‪ :‬هارون بن املعت�صم بن امل�أمون بن الر�شيد)‪.‬‬
‫(‪ )39‬ال�شاء‪ :‬املجموعة من الغنم‪ ،‬ومفردها (�شاة)‪.‬‬
‫(‪( )40‬العقد الفريد) البن عبد ربه الأندل�سي (جـ‪� - 4 :‬ص‪.)28 :‬‬
‫(‪( )41‬ربيع الأبرار ون�صو�ص الأخيار) للزخم�شري (جـ‪� - 2:‬ص‪.)83 :‬‬
‫‪288‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪ æ‬قال عبد اهلل بن عون‪« :‬لو �أن رجال انقطع �إلى ه�ؤالء امللوك يف الدنيا النتفع‪،‬‬
‫فكيف مبن ينقطع �إلى من له ال�سموات واالر�ض وما بينهما وما حتت الرثى؟!»(‪.)42‬‬
‫‪ æ‬قال يو�سف بن احل�سني‪� :‬سمعت ذا النون(‪ )43‬يقول‪�« :‬أنت ملك مقتدر‪ ،‬و�أنا عبد‬
‫مفتقر‪� ،‬أ�س�ألك العفو تذلال‪ ،‬ف�أعطنيه تف�ضال»(‪.)44‬‬
‫‪ æ‬بعث بع�ض خلفاء بني �أمية �إلى �أبي حازم (‪ )45‬مبال فرده!‪ ،‬فقيل له‪ :‬يا �أبا حازم!‬
‫خذ املال ف�إنك م�سكني!‪ ،‬فقال‪« :‬كيف �أكون م�سكينا وموالي له ما يف ال�سموات وما يف‬
‫الأر�ض وما بينهما وما حتت الرثى؟!»(‪.)46‬‬

‫(‪�( )42‬صفة ال�صفوة) البن اجلوزي (جـ‪� – 3 :‬ص‪.)310 :‬‬


‫(‪� )43‬أبو الفي�ض ذو النون بن �إبراهيم امل�صري‪.‬‬
‫(‪( )44‬حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ‪� – 9 :‬ص‪.)384 :‬‬
‫(‪� )45‬سلمة بن دينار‪.‬‬
‫(‪( )46‬تاريخ دم�شق) البن ع�ساكر (جـ‪� – 22:‬ص‪.)29 :‬‬
‫اد ‪ -‬ال َب ُّر‬ ‫أل ْك َر ُم ‪َ -‬‬
‫الج َو ُ‬ ‫ريم ‪ -‬ا َ‬ ‫المجموعة الخامسة عشرة ‪َ :‬‬
‫الك ُ‬ ‫‪289‬‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ‪15‬ـــــــــة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ا ْل َك َر ُم‬
‫(‪)50 - 49 - 48 - 47‬‬
‫جل َوا ُد ‪ -‬البرَ ُّ‬ ‫رمي ‪ -‬الأَ ْك َر ُم ‪ -‬ا َ‬
‫ال َك ُ‬
‫‪290‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الـمجـمـوعـ‪15‬ـة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ا ْل َك َر ُم‬
‫(‪)50 - 49 - 48 - 47‬‬
‫رمي ‪ -‬الأَ ْك َر ُم ‪ -‬ا َ‬
‫جل َوا ُد ‪ -‬البرَ ُّ‬ ‫ال َك ُ‬
‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫رمي‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي مرتني منها قوله تعالى‪ }:‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬ ‫‪ æ‬ال َك ُ‬
‫ﭫ ﭬ{ [االنفطار ‪ .. ]6 :‬ومن ال�سنة قوله ‪�( :¤‬إن اهلل ‪-‬تعالى‪َ -‬ح ِي ٌي َك ِر ٌ‬
‫مي‪،‬‬
‫ُ‬
‫الرجل �إليه يديه �أن َي ُر َّدهُ َما ِ�صف ًْرا خائبتني)(‪.)1‬‬ ‫ي�ستحي �إِ َذا رفع‬
‫‪ æ‬الأَ ْك َر ُم‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة يف قوله تعالى‪}:‬ﮆﮇﮈ{[العلق‪،]3:‬‬
‫وجاء عن عبد اهلل بن م�سعود وعبد اهلل بن عمر �أنهما كانا يقوالن يف ال�سعي بني ال�صفا‬
‫عما تعلم؛ إنك أنت األع ُّز األكرم»(‪.)2‬‬ ‫واملروة‪« :‬رب اغفر وارحم‪ ،‬وجتاوز َّ‬
‫‪æ‬ا َ‬
‫جل َوا ُد‪ :‬مل يرد هذا اال�سم الكرمي يف القر�آن العظيم‪ ،‬و�إمنا ورد يف ال�سنة النبوية‪،‬‬
‫يح ُّب اجلو َد‪،‬‬
‫جواد ِ‬
‫ٌ‬ ‫اهلل ‪-‬تعالى‪-‬‬ ‫من حديث ابن عبا�س قال‪ :‬قال النبي ‪�( :¤‬إِنَّ َ‬
‫أخالق‪ ،‬ويكر ُه ِ�سف�سا َفها)(‪.)3‬‬
‫يل ال ِ‬ ‫ويح ُّب معا َ‬
‫ِ‬
‫‪ æ‬البرَ ُّ ‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة يف قوله تعالى‪} :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ{[الطور‪ .. ]28:‬ومل يرد اال�سم يف ال�سنة النبوية ب�سند �صحيح‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬
‫‪ æ‬ال َك ُ‬
‫رمي‪�« :‬صفة م�شبهة للمو�صوف بالكرم‪ ،‬و (الك َر ُم) نقي�ض الل�ؤم‪ ،‬ك ُر َم‬
‫الرجل ك َرما‪ ،‬فهو َكرِمي‪ ،‬والكرمي‪ :‬ال�شيء احل�سن النفي�س‪ ،‬الوا�سع ال�سخي‪،‬‬
‫(‪ )1‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)1757‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن �أبي �شيبة والطرباين والبيهقي وقال عنه الألباين‪ :‬رواه ابن �أبي �شيبة عن ابن م�سعود وابن عمر ب�إ�سنادين‬
‫�صحيحني (منا�سك احلج والعمرة �صفحة ‪.)28‬‬
‫(‪ )3‬رواه البيهقي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)1744‬‬
‫اد ‪ -‬ال َب ُّر‬ ‫أل ْك َر ُم ‪َ -‬‬
‫الج َو ُ‬ ‫ريم ‪ -‬ا َ‬ ‫المجموعة الخامسة عشرة ‪َ :‬‬
‫الك ُ‬ ‫‪291‬‬

‫مي‪:‬‬ ‫والك َر ُم‪ :‬ال�سعة وال�شرف والعزة وال�سخاء عند العطاء»(‪ ،)4‬وقال يف الل�سان‪« :‬ال َكر ُ‬
‫ا�سم جامع لكل ما ُي ْح َمد‪ ،‬وهو اجلامع لأنواع اخلري وال�شرف والف�ضائل»(‪ ،)5‬قال‬
‫مي‪ :‬ال�صفوح‪ ،‬هذه ثالثة �أوجه‬ ‫مي‪ :‬العزيز‪ ،‬وال َكر ُ‬
‫مي‪ :‬اجلواد‪ ،‬وال َكر ُ‬
‫الزجاجي‪« :‬ال َكر ُ‬
‫ّ‬
‫مي يف كالم العرب»(‪.)6‬‬‫لل َكر ِ‬
‫‪ æ‬الأَ ْك َر ُم‪ :‬من �صيغ �أفعل التف�ضيل‪ ،‬وهو «م�صو ٌغ للداللة على قوة االت�صاف‬
‫بالكرم‪ ،‬ولي�س م�صوغاً للمفا�ضلة»(‪« ،)7‬فعله َك ُر َم َي ْك ُرم َك َرماً‪ ،‬والأكر ُم هو الأح�سن‬
‫والأنف�س والأو�سع‪ ،‬والأعظم والأ�شرف‪ ،‬والأعلى من غريه يف كل و�صف كمال»(‪،)8‬‬
‫ربا عن نف�سه ب�أنه الأكرم‪ ،‬وهو الأفعل من‬ ‫قال ابن القيم‪�« :‬أعاد الأمر بالقراءة خم ً‬
‫الكرم‪ ،‬وهو كرثة اخلري وال �أحد �أولى بذلك منه ‪�-‬سبحانه»(‪.)9‬‬
‫جل ِّيد‬‫جل َوا ُد‪�« :‬صفة م�شبهة للمو�صوف باجلود‪ ،‬فعله جا َد َيجود َج ْوداً‪ ،‬وا َ‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫نقي�ض الرديء‪ ،‬ورجل َجواد يعني �سخي كثري العطاء»(‪ ،)10‬قال ابن القيم‪« :‬وقال �أهل‬
‫العلم‪ :‬اجلواد يف كالم العرب معناه‪ :‬الكثري العطاء؛ يقال‪ :‬جاد الرجل يجود جو ًدا‬
‫فهو جواد‪ ،‬قال �أبو عمر بن العالء‪ :‬اجلواد الكرمي»(‪.)11‬‬
‫‪ æ‬البرَ ُّ ‪�« :‬صفة م�ش َّبهة للمو�صوف بالبرِ ِّ ‪ ،‬فعله َب َّر يَبرِ ُّ ِب ّراً فهو با ُّر و َب ُّر؛‬
‫والبرِ ُّ ‪ :‬خري وات�ساع يف الإح�سان‪ ،‬وهي كلمة جامعة لكل �صفات اخلري والإح�سان؛‬
‫كالتقوى‪ ،‬والطاعة‪ ،‬وال�صلة‪ ،‬وال�صدق»(‪ ،)12‬قال القرطبي‪« :‬البرِ ُّ ‪ :‬هو االت�ساع يف‬
‫الإح�سان والزيادة منه»(‪ ،)13‬وقال الرازي‪« :‬البرِ ُّ �ضد الإثم‪ ،‬فدل على �أنه ا�سم عام‬
‫(‪�( )4‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .) 464 :‬الكرمي)‬
‫(‪( )5‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ‪� - 12:‬ص‪( )510 :‬مادة كرم)‬
‫(‪( )6‬ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص‪.)176 :‬‬
‫(‪ )7‬تف�سري التحرير والتنوير البن عا�شور عند تف�سري [العلق‪ :‬الآية ‪. 3‬‬
‫(‪�( )8‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)655 :‬الأكرم)‬
‫(‪( )9‬مفتاح دار ال�سعادة) البن القيم (جـ ‪� - 1‬ص‪.)77 :‬‬
‫(‪�( )10‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)679 - 678 :‬اجلواد)‬
‫(‪( )11‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪.)722 :‬‬
‫(‪ )12‬معجم اللغة العربية املعا�صرة للدكتور �أحمد خمتار عمر (مادة ب ر ر)‪.‬‬
‫(‪( )13‬الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي ‪ -‬حتقيق‪ :‬حممد ح�سن جبل وطارق �أحمد حممد (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)333 :‬‬
‫‪292‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫جلميع ما ي�ؤجر عليه الإن�سان‪ ،‬و�أ�صله من االت�ساع ومنه البرَ ُّ الذي هو خالف‬
‫البحر الت�ساعه»(‪ ..)14‬وقوله تعالى‪} :‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ { [الطور‪� ،]28-27:‬أي ندعوه دعاء‬
‫عبادة كما قال الطربي‪« :‬نعبده خمل�صني له الدين‪ ،‬ال ُن�شرك به �شيئاً»(‪ ،)15‬ودعاء‬
‫م�س�ألة‪ :‬بالت�ضرع �إليه و�س�ؤاله الوقاية من عذاب ال�سموم‪ ،‬كما قال ابن كثري‪« :‬نت�ضرع‬
‫�إليه‪ ،‬فا�ستجاب لنا‪ ،‬و�أعطانا �س�ؤالنا»(‪ ،)16‬وقال �أبو حيان‪« :‬نعبده ون�س�أله الوقاية‬
‫من عذابه»(‪ ،)17‬واختلف الق ّراء يف قراءة قوله تعالى‪ } :‬ﯮ ﯯ ﯰ{ فقر�أ �سبعة من‬
‫القراء الع�شرة بك�سر الهمزة‪ } :‬ﯮ{‪ ،‬على االبتداء و«ا�ستئناف جملة جديدة فيها‬
‫معنى العلة»(‪�: )18‬أي بيان علة ا�ستجابة اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬دعاء �أوليائه بالنجاة من عذابه؛‬
‫�أنه �سبحانه‪« :‬البرَ ُّ ‪ :‬ال�صادق يف قوله وفيما وعد لأوليائه»(‪ .)19‬وقر�أ نافع املدين‪،‬‬
‫والك�سائي‪ ،‬و�أبو جعفر بفتح الهمزة‪� } :‬أ َّن ُه {‪« ،‬على التعليل‪� :‬أي لأ َّنه»(‪ )20‬مبعنى‪� :‬إننا‬
‫كنا من قبل ندعوه ونعبده؛ لأنه هو (البرَ ُّ )؛ ولذا ورد عن ابن عبا�س يف تف�سري (البرَ ّ )‬
‫قوالن‪« ،‬الأول‪ :‬ال�صادق فيما وعد‪ ،‬رواه �أبو �صالح عن ابن عبا�س‪ ،‬والثاين‪ :‬اللطيف‪،‬‬
‫رواه ابن �أبي طلحة عن ابن عبا�س»(‪.)21‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬
‫‪ æ‬ال َك ُ‬
‫رمي‪« :‬كثري اخلري‪ ،‬املح�سن مبا ال يجب عليه‪ ،‬وال�صفوح عن حق وجب‬
‫له»(‪ ،)22‬قال اخلطابي‪(« :‬ال َكر ُ‬
‫مي) الذي يبد�أ بالنعمة قبل اال�ستحقاق‪ ،‬ويتربع‬
‫(‪( )14‬تف�سري مفاتيح الغيب) للرازي عند تف�سري الآية (‪ )177‬من �سورة البقرة‪.‬‬
‫(‪ )15‬تف�سري «جامع البيان» للطربي عند تف�سري (الطور‪.)28:‬‬
‫(‪ )16‬تف�سري «القر�آن الكرمي» البن كثري عند تف�سري (الطور‪.)28:‬‬
‫(‪ )17‬تف�سري «البحر املحيط» لأبي حيان عند تف�سري (الطور‪.)28:‬‬
‫(‪ )18‬تف�سري «اللباب يف علوم الكتاب» البن عادل عند تف�سري (الطور‪ )28:‬بت�صرف‪.‬‬
‫(‪ )19‬تف�سري «بحر العلوم» لل�سمرقندي عند تف�سري (الطور‪.)28:‬‬
‫(‪ )20‬تف�سري «اللباب يف علوم الكتاب» البن عادل عند تف�سري (الطور‪.)28:‬‬
‫(‪ )21‬تف�سري «زاد امل�سري يف علم التف�سري» البن اجلوزي عند تف�سري (الطور‪.)28:‬‬
‫(‪( )22‬االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص‪.)41:‬‬
‫اد ‪ -‬ال َب ُّر‬ ‫أل ْك َر ُم ‪َ -‬‬
‫الج َو ُ‬ ‫ريم ‪ -‬ا َ‬ ‫المجموعة الخامسة عشرة ‪َ :‬‬
‫الك ُ‬ ‫‪293‬‬

‫بالإح�سان من غري ا�ستثابة‪ ،‬ويغفر الذنب‪ ،‬ويعفو عن امل�سيء»(‪ ،)23‬وقال الغزايل‪:‬‬


‫مي) الذي �إذا وعد ّ‬
‫وفى‪ ،‬و�إذا �أعطى زاد على منتهى الرجاء‪ ،‬وال يبايل كم‬ ‫«(ال َكر ُ‬
‫�أعطى‪ ،‬وملن �أعطى‪ ،‬و�إن رفعت حاجة �إلى غريه ال ير�ضى‪ ،‬و�إذا ُجفي عاتب وما‬
‫ا�ستق�صى‪ ،‬وال ي�ضيع من الذ به والتج�أ‪ ،‬ويغنيه عن الو�سائل وال�شفعاء‪ ،‬فمن اجتمع‬
‫له جميع ذلك ال بالتكلف‪ ،‬فهو الكرمي املطلق‪ ،‬وذلك هو هلل ‪-‬تعالى‪ -‬فقط»(‪،)24‬‬
‫وقال ابن القيم‪�« :‬إن (ال َكرمي) هو البهي‪ ،‬الكثري اخلري‪ ،‬العظيم النفع‪ ،‬وهو من كل‬
‫�شيء �أح�سنه و�أف�ضله‪ ،‬واهلل ‪�-‬سبحانه‪ -‬و�صف نف�سه بالكرم‪ ،‬وو�صف به كالمه‪،‬‬
‫وو�صف به عر�شه‪ ،‬وو�صف به ما كرث خريه‪ ،‬وح�سن منظره من النبات وغريه ‪..‬‬
‫مي) الذي من �ش�أنه �أن يعطي اخلري الكثري ب�سهولة وي�سر»(‪.)25‬‬
‫وباجلملة فـ (ال َكر ُ‬
‫‪ æ‬الأَك َْر ُم‪�« :‬أكرم الأكرمني‪ ،‬ال يوازيه كرمي‪ ،‬وال يعادله فيه نظري»(‪ ،)26‬قال ابن‬
‫تيمية‪(« :‬الأَ ْك َر ُم) �صيغة تف�ضيل تدل على احل�صر‪ ،‬فهو الأكرم وحده‪ ،‬املت�صف بغاية‬
‫الكرم‪ ،‬الذي ال �شيء فوقه وال نق�ص فيه»(‪ ،)27‬وقال ابن القيم‪(« :‬الأَ ْك َر ُم) الأفعل‬
‫من الكرم‪ ،‬وهو كرثة اخلري وال �أحد �أولى بذلك منه ‪�-‬سبحانه‪ ،‬ف�إن اخلري كله‬
‫بيده‪ ،‬واخلري كله منه‪ ،‬والنعم كلها هو موليها‪ ،‬والكمال كله واملجد كله له‪ ،‬فهو‬
‫الأكرم ح ًقا»(‪ ،)28‬وقال يف مو�ضع �آخر‪« :‬ذكر من �صفاته ها هنا ا�سم (الأَ ْك َر ُم) الذي‬
‫ال‪ ،‬فهو (الأَ ْك َر ُم) يف‬
‫فيه كل خري وكل كمال‪ ،‬فله كل كمال و�صفاً‪ ،‬ومنه كل خري فع ً‬
‫ذاته و�أو�صافه و�أفعاله»(‪ ،)29‬فال كرم ي�سمو �إلى كرم اهلل ‪�-‬سبحانه‪ ،‬وال �إنعام يرقى �إلى‬
‫�إنعامه‪ ،‬وال عطاء يوازي عطاءه‪ ،‬له علو ال�ش�أن يف كرمه‪.‬‬
‫(‪�( )23‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)71 :‬‬
‫(‪( )24‬املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص‪.)105 :‬‬
‫(‪( )25‬التبيان يف �أميان القر�آن) البن القيم (�ص‪.)330 - 328 :‬‬
‫(‪�( )26‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)104-103 :‬‬
‫(‪( )27‬جمموع فتاوى ابن تيمية) جمع عبدالرحمن القا�سم (جـ‪�-16:‬ص‪ )295:‬بت�صرف ي�سري‪.‬‬
‫(‪( )28‬مفتاح دار ال�سعادة) البن القيم (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)77 :‬‬
‫(‪( )29‬مفتاح دار ال�سعادة) البن القيم (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)241 :‬‬
‫‪294‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪æ‬ا َ‬
‫جل َوا ُد‪« :‬الكثري العطايا»(‪ ،)30‬قال ابن القيم عند حديثه عن جود اهلل ‪�-‬سبحانه‪:‬‬
‫«�أجود الأجودين ‪ُ ..‬يحِ ُّب الإح�سان واجلود والعطاء والبرِ َّ ‪ ،‬و�إن الف�ضل ك َّله بيده‪،‬‬
‫أحب ما �إليه �أن يجود على عباده‪ ،‬و ُيو�سِ عهم ف�ض ً‬
‫ال‪،‬‬ ‫واخلري ك َّله منه‪ ،‬واجلود ك َّله له‪ ،‬و� ُّ‬
‫ويغمرهم �إح�سا ًنا وجو ًدا‪ ،‬ويتم عليهم نعمته‪ ،‬وي�ضاعف لديهم منته‪ ،‬ويتع ّرف �إليهم‬
‫ب�أو�صافه و�أ�سمائه‪ ،‬ويتحبب �إليهم بنعمه و�آالئه‪ ،‬فهو اجلواد لذاته»(‪ ،)31‬وقال ال�شيخ‬
‫جل َوا ُد) ‪ ..‬الذي عم بجوده جميع الكائنات‪ ،‬وملأها من ف�ضله وكرمه‪،‬‬ ‫ال�سعدي‪(« :‬ا َ‬
‫ونعمه املتنوعة‪ ،‬وخ�ص بجوده ال�سائلني بل�سان املقال �أو ل�سان احلال من بر وفاجر‪،‬‬
‫وم�سلم وكافر‪ ،‬فمن �س�أل اهلل �أعطاه �س�ؤاله‪ ،‬و�أناله ما طلب»(‪.)32‬‬
‫‪ æ‬البرَ ُّ ‪« :‬املح�سن‪ ،‬ال�صادق يف وعده»(‪ ،)33‬قال ابن جرير «(البرَ ُّ ) اللطيف‬
‫بعباده»(‪ )34‬وقال الزجاج‪(« :‬البرَ ُ ّ ) �أنه ُي ْح�سِ ن �إليهم‪ ،‬وي�صلح �أحوالهم»(‪ ،)35‬وقال‬
‫ُ‬
‫املح�سن �إليهم‪َ ،‬ع َّم بربه جميع خلقه‪ ،‬فلم‬ ‫وف على عباده‪،‬‬ ‫اخلطابي‪(« :‬البرَ ُّ ) ال َع ُط ُ‬
‫خل عليهم برزقه‪ ،‬وهو البرَ ُّ ب�أوليائه �إذ خ�صهم بواليته‪ ،‬وا�صطفاهم لعبادته‪ ،‬وهو‬ ‫َي ْب ْ‬
‫ال�ص ْف ِح والتجا ُو ِز عنه»(‪،)36‬‬
‫رب بامل�سيء يف َّ‬
‫�سن يف ُم�ضا َعفة الثواب له‪ ،‬وال ُّ‬ ‫باملح ِ‬
‫رب ْ‬ ‫ال ُّ‬
‫وقال البيهقي‪(« :‬البرَ ُّ ) املح�سن �إلى خلقه‪ ،‬عمهم برزقه‪ ،‬وخ�ص من �شاء منهم بواليته‪،‬‬
‫وم�ضاعفة الثواب له على طاعته‪ ،‬والتجاوز عن مع�صيته»(‪.)37‬‬
‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬
‫رمي ‪ -‬الأَ ْك َر ُم‪( :‬ال َكرمي) هو البهي‪ ،‬الكثري اخلري‪ ،‬العظيم النفع‪ ،‬الذي من‬
‫‪ æ‬ال َك ُ‬
‫(‪( )30‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪ )169 :‬وعزا القول للحليمي‪.‬‬
‫(‪( )31‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ ‪� - :1‬ص‪.)212 - 211 :‬‬
‫(‪( )32‬احلق الوا�ضح املبني) لل�سعدي (�ص‪.)67-66 :‬‬
‫(‪ )33‬تف�سري (اجلاللني) للمحلي وال�سيوطي عند تف�سري (الطور‪.)28:‬‬
‫(‪( )34‬تف�سري الطربي) عند تف�سري (الطور‪.)28:‬‬
‫(‪( )35‬تف�سري �أ�سماء اهلل احل�سنى) لأبي �إ�سحاق الزجاج �ص (‪.)61‬‬
‫(‪�( )36‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي �ص (‪.)90 - 89‬‬
‫(‪( )37‬االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص‪.)45:‬‬
‫اد ‪ -‬ال َب ُّر‬ ‫أل ْك َر ُم ‪َ -‬‬
‫الج َو ُ‬ ‫ريم ‪ -‬ا َ‬ ‫المجموعة الخامسة عشرة ‪َ :‬‬
‫الك ُ‬ ‫‪295‬‬

‫�ش�أنه �أن يعطي اخلري الكثري ب�سهولة وي�سر‪� ،‬أما (الأَ ْك َر ُم) فهو من �صيغ التف�ضيل‪ ،‬ولكنه‬
‫لي�س م�صوغ ًا للمفا�ضلة‪ ،‬و�إمنا للداللة على قوة االت�صاف بالكرم‪ ،‬و�أنه ال كرم ي�سمو �إلى‬
‫كرم اهلل ‪�-‬سبحانه‪ ،‬وال �إنعام يرقى �إلى �إنعامه‪ ،‬وال عطاء يوازي عطاءه‪ ،‬له علو ال�ش�أن يف‬
‫كمال و�صف ًا‪ ،‬ومنه كل خري فع ًال‪ .‬وقيل يف «الفرق بني‬ ‫كرمه‪ ،‬فهو الأكرم ح ًقا‪ ،‬وله كل ٍ‬
‫دل على ال�صفة الذاتية والفعلية معا؛ كداللته‬ ‫(ال َكرمي) و(الأَ ْك َرم) �أن (ال َكر َ‬
‫مي) َّ‬
‫على معاين احل�سب والعظمة وال�سعة والعزة والعلو والرفعة وغري ذلك من �صفات‬
‫دل على �صفات الفعل فهو الذي ي�صفح عن الذنوب‪ ،‬وال مين �إذا �أعطى‬ ‫الذات‪ ،‬و�أي�ضا َّ‬
‫فيكدر العطية باملن‪ ،‬وهو الذي تعددت نعمه على عباده بحيث ال حت�صى‪ ،‬وهذا كمال‬
‫وجمال يف الكرم‪� ،‬أما (الأَ ْك َر ُم) فهو املنفرد بكل ما �سبق يف �أنواع الكرم الذاتي والفعلي‪،‬‬
‫فهو ‪�-‬سبحانه‪� -‬أكرم الأكرمني»(‪ ،)38‬وقال القرطبي‪« :‬فهذا اال�سم مرتدد بني �أن يكون‬
‫من �أ�سماء الذات‪ ،‬وبني �أن يكون من �أ�سماء الأفعال‪ ،‬واهلل مل يزل كرمياً وال يزال‪،‬‬
‫وو�صفه ب�أنه كرمي هو مبعنى نفي النقائ�ص عنه‪ ،‬وو�صفه بجميع املحامد‪ ،‬وعلى‬
‫هذا الو�صف يكون من �أ�سماء الذات ‪ ..‬و�إن كان فعلياً كان معنى كرمه ما ي�صدر عنه‬
‫من الإف�ضال والإنعام على خلقه‪ ،‬و�إن �أردت التفرقة بني (الأَ ْك َرم وال َكرمي)‪ ،‬جعلت‬
‫(الأَ ْك َرم) الو�صف الذاتي‪ ،‬و(ال َكرمي) الو�صف الفعلي»(‪.)39‬‬
‫مي) هو املعطي دون �س�ؤال �أو طلب‪ ،‬وكما قال اخلطابي‪:‬‬ ‫رمي ‪ -‬ا َ‬
‫جل َوا ُد‪( :‬ال َكر ُ‬ ‫‪ æ‬ال َك ُ‬
‫«الذي يبد�أ بالنعمة قبل اال�ستحقاق‪ ،‬ويتربع بالإح�سان من غري ا�ستثابة»(‪ ،)40‬و�أما‬
‫جل َوا ُد) فهو املعطي عند ال�س�ؤال ب�أكرث من طلب ال�سائل؛ ولذا ُنعت (ا َ‬
‫جل َوا ُد) عن العرب‬ ‫(ا َ‬
‫بكثري العطاء‪ ،‬قال �أبو هالل الع�سكري‪ « :‬اجلواد هو الذي يعطي مع ال�س�ؤال‪ ،‬والكرمي‬
‫الذي يعطي من غري �س�ؤال»(‪.)41‬‬
‫(‪�( )38‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)656:‬الأكرم)‬
‫(‪( )39‬الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي ‪ -‬حتقيق‪ :‬حممد ح�سن جبل وطارق �أحمد حممد (جـ‪�-1:‬ص‪.)112 :‬‬
‫(‪�( )40‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)71 :‬‬
‫(‪( )41‬معجم الفروق اللغوية) لأبي هالل الع�سكري وجزء من كتاب ال�سيد نور الدين اجلزائري (برقم ‪. )674‬‬
‫‪296‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪ æ‬ال َك ُ‬
‫رمي ‪ -‬البرَ ُّ ‪ :‬يجتمع معنى (ال َك َر ِم) و(البرِ ِّ ) يف الإنعام والإف�ضال والإح�سان‬
‫وكرثة اخلري‪� ،‬إال �أنه ميكن �أن يقال �إن (البرِ َّ ) متعلق بالكمال يف �أداء احلقوق؛ ولذا‬
‫مي) هو الذي عم بف�ضله و�إح�سانه جميع خلقه‪،‬‬ ‫كان (ال َك َر ُم) �أعم من (البرِ ِّ )‪ ،‬فـ(ال َكر ُ‬
‫مي)‪:‬‬ ‫دون ا�ستثناء‪ ،‬م�ؤمنهم وكافرهم‪ .‬قال ابن العربي وهو ي�سرد �أوجه معاين (ال َكر ُ‬
‫مي) الذي ال يبايل من �أعطى‪ ،‬وال من ُيح�سن؛ كان م�ؤمناً �أو كافراً‪ُ ،‬مقراً �أو‬ ‫«(ال َكر ُ‬
‫وعدهم‬ ‫جاحداً»(‪ .)42‬و�أما (البرَ ُّ ) فهو املح�سن �إلى �أوليائه امل�ؤمنني‪ ،‬ال�صادق يف حتقيق ما َ‬
‫به ‪�-‬سبحانه‪ ،‬من النجاة من عذابه‪ ،‬ودخول بحبوحة جنانه‪ ،‬والعبد –كما هو مقرر عند‬
‫�أهل الهدى وال�صواب– ال ي�ستوجب على اهلل ب�سعيه جنا ًة وال فالح ًا وال م�ضاعف ًة للأجر‪،‬‬
‫ولن ُي ْد ِخ َل اجل َّن َة �أحد ًا َع َم ُل ُه �أبد ًا‪ ،‬وال ينجيه من النار‪ ،‬واهلل ‪-‬تعالى‪ -‬بف�ضله وبره وحم�ض‬
‫جوده و�إح�سانه �أوجب لعبده عليه ‪�-‬سبحانه‪ -‬حقوق ًا مبقت�ضى الوعد‪ ،‬ف�إن وعد(البرَ ِّ )‬
‫�إيجاب‪ ،‬كما جاء من حديث معاذ بن جبل ‹ قال‪ :‬بينا �أنا رديف النبي ‪ ¤‬فقال‪( :‬يا‬
‫معاذ)‪ ،‬قلت‪ :‬لبيك و�سعديك‪ ،‬فقال مثلها ثالث ًا‪ ،‬ثم قال‪( :‬هل تدري ما حق اهلل على‬
‫العباد؟)‪ ،‬قلت‪ :‬ال‪ .‬قال‪( :‬حق اهلل على العباد �أن يعبدوه وال ي�شركوا به �شيئ ًا)‪ ،‬ثم‬
‫�سار �ساعة‪ ،‬فقال‪( :‬يا معاذ)‪ ،‬قلت‪ :‬لبيك و�سعديك‪ .‬قال‪( :‬هل تدري ما حق العباد‬
‫على اهلل �إذا فعلوا ذلك؟‪� ،‬أن ال يعذبهم)(‪ ،)43‬وهو م�صداق لقوله تعالى‪ } :‬ﭮ ﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ{[الفرقان ‪ ،]16-15 :‬يقول احلليمي‬
‫معدد ًا بع�ض جوانب بره ‪�-‬سبحانه‪ -‬بعباده‪(« :‬البرَ ُّ ) الرفيق بعباده‪ ،‬يريد بهم الي�سر‬
‫وال يريد بهم الع�سر‪ ،‬ويعفو عن كثري من �سيئاتهم‪ ،‬وال ي�ؤاخذهم بجميع جناياتهم‪،‬‬
‫ويجزيهم باحل�سنة ع�شر �أمثالها‪ ،‬وال يجزيهم بال�سيئة �إال مثلها‪ ،‬ويكتب لهم ال َه َّم‬
‫باحل�سنة‪ ،‬وال يكتب عليهم ال َه َّم بال�سيئة»(‪.)44‬‬
‫(‪( )42‬النهج الأ�سمى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للنجدي (�ص‪.)263 :‬‬
‫(‪ )43‬متفق عليه‪ :‬رواه البخاري برقم‪ ،)6267( :‬وم�سلم برقم (‪.)30‬‬
‫(‪( )44‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪.)179 :‬‬
‫اد ‪ -‬ال َب ُّر‬ ‫أل ْك َر ُم ‪َ -‬‬
‫الج َو ُ‬ ‫ريم ‪ -‬ا َ‬ ‫المجموعة الخامسة عشرة ‪َ :‬‬
‫الك ُ‬ ‫‪297‬‬

‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬


‫رمي والأَ ْك َر ُم‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سميه ‪�-‬سبحانه (ال َكرمي) و(الأَ ْك َرم)‬
‫‪ æ‬ال َك ُ‬
‫«�صفة (ا ْل َك َرم) وهي من �صفات اهلل الذاتي ٌة الثابت ٌة بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)45‬قال تعالى‪:‬‬
‫} ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ{[الفجر ‪ ،]15 :‬ومن‬
‫ال�سنة حديث عوف بن مالك ‹ يف الدعاء على اجلنازة‪ ،‬قوله ‪ ..( :¤‬اللهم اغفر له‪،‬‬
‫وارحمه‪ ،‬وعافـه‪ ،‬واعف عنه‪ ،‬و�أكرم ُن ُز َله‪ ،‬وو�سع مدخله ‪.)46()..‬‬
‫جل َواد) «�صفة (الجْ ُ ود) وهي‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫جل َوا ُد‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ا َ‬
‫من �صفات اهلل الذاتي ٌة الثابت ٌة بال�سنة ال�صحيحة»(‪ ،)47‬لقوله ‪�( :¤‬إِنَّ َ‬
‫اهلل ‪َ -‬ت َعا َلى‪-‬‬
‫أخالق‪ ،‬ويكر ُه ِ�سف�سا َفها)(‪.)48‬‬
‫يل ال ِ‬‫ويح ُّب معا َ‬
‫يح ُّب اجلو َد‪ِ ،‬‬
‫جواد‪ِ ،‬‬
‫ٌ‬
‫‪ æ‬البرَ ُّ ‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (البرَ ّ ) «�صفة (ا ْلبرِ ِّ ) وهي من‬
‫�صفات اهلل الثابتة بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)49‬قال تعالى‪} :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ{[الطور‪ ،]28:‬ومن ال�سنة قوله ‪�( :¤‬أال �أخربكم ب�أهل اجلنة؟ ‪..‬‬
‫كل �ضعيف مت�ضعف‪ ،‬لو �أق�سم على اهلل لأَ َب َّر ُه ‪.)50()..‬‬
‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬
‫يم‪ :‬اقرتن مع (البرَ ّ ) مرة واحدة يف قوله تعالى‪}:‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬ ‫‪ æ‬ال َّر ِح ُ‬
‫ﯬﯭﯮ ﯯﯰ ﯱ{[الطور‪ ،]28:‬ولعل ذلك ‪-‬واهلل �أعلم‪ -‬من اقرتان امل�س ِّبب بامل�س َّبب‪،‬‬
‫فـ «(البرَ ّ ) هو اللطيف بعباده‪ ،‬الرفيق بهم‪ ،‬العطـوف عليهم‪ ،‬املح�سن �إليهم‪ ،‬الذي توالت‬
‫مننه‪ ،‬وتتابع �إح�سانه‪ ،‬وما ذاك �إال من �آثار وموجبات رحمته التي غمرت الوجود»(‪.)51‬‬
‫(‪�( )45‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)211 :‬‬
‫(‪ )46‬رواه م�سلم برقم (‪.)963‬‬
‫(‪�( )47‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)87 :‬‬
‫(‪ )48‬رواه البيهقي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)1744‬‬
‫(‪�( )49‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)660:‬الرب)‬
‫(‪ )50‬رواه البخاري برقم (‪.)2703‬‬
‫(‪( )51‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪ ,)151 :‬وانظر (مطابقة �أ�سماء اهلل احل�سنى) د‪ .‬جنالء كردي (�ص‪.)624 :‬‬
‫‪298‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪ æ‬مل يقرتن مع ا�سم اهلل (ال َكرمي) ا�سم �آخر‪ ،‬و�إمنا اقرتن ا�سم اهلل (ال َكرمي) مع‬
‫ني) و(العفو)‪ ،‬ولقد مت التطرق القرتان (الغني الكرمي) يف املجمـ‪13‬ــوعة‬ ‫�أ�سماء �أخرى كـ (ال َغ ّ‬
‫(القيومية) و�سي�أتي احلديث عن اقرتان (العفو الكرمي) يف املجم ـ‪28‬ـ ــوعة (املغفرة)‪.‬‬
‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫‪ æ‬الأثر العلمي االعتقادي‪:‬‬
‫ٌ‬
‫عطوف على عباده‪ ،‬كثري اخلري والعطاء‪،‬‬ ‫اهلل ‪�-‬سبحانه وتعالى‪ -‬كرمي جواد ب ٌّر رحي ٌم‬
‫عظيم النفع وال�سخاء‪ ،‬ال ينفد عطا�ؤه‪ ،‬وال ينقطع �إح�سانه‪ ،‬الذي يعطي ما ي�شاء ملن ي�شاء‬
‫وكيف ي�شاء ب�س�ؤال وغري �س�ؤال‪ ،‬وهو الذي ال مين �إذا �أعطى فيكدر العطية باملن‪ ،‬وهو‬
‫‪�-‬سبحانه‪ -‬يعفو عن الذنوب‪ ،‬وي�سرت العيوب‪ ،‬ويجازي امل�ؤمنني بف�ضله‪ ،‬ويجازي املعر�ضني‬
‫بعدله‪� ،‬أكرم الأكرمني‪ ،‬ال يوازيه كرمي وال يعادله نظري‪.‬‬
‫‪ æ‬الأثر العملي‪:‬‬
‫‪1.1‬حمبة اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬على كرمه وجوده ونعمه التي ال حت�صى‪ ،‬وال�سعي �إلى حتقيق‬
‫هذه املحبة ب�شكره ‪�-‬سبحانه‪ -‬بالقلب والل�سان واجلوارح‪ ،‬و�إفراده وحده بالعبادة‪،‬‬
‫و�أن ال يكون من العبد �إال ما ير�ضي اهلل وحده‪ ،‬وجماهدة النف�س يف ترك ما‬
‫ي�سخطه‪ ،‬واملبادرة �إلى التوبة عند الوقوع فيما ال ير�ضيه ‪�-‬سبحانه‪ .‬ومن لوازم‬
‫حمبته حمبة �أوليائه ون�صرتهم وبغ�ض �أعدائه‪ ،‬والرباءة منهم ومن �شركهم‪.‬‬
‫‪2.2‬احلياء من اهلل ‪�-‬سبحانه‪ -‬والت�أدب معه فمع كرثة معا�صي عباده مل مينع‬
‫عنهم عطاءه وكرمه وجوده‪ ،‬وهذا الكرم العظيم يورث يف قلب امل�ؤمن حياء‬
‫وانك�سا ًرا وخو ًفا ورجا ًء وبعدً ا عما ي�سخطه ‪�-‬سبحانه وتعالى‪ ،‬يقول ابن القيم يف‬
‫كالمه عن لطائف �أ�سرار التوبة‪« :‬ومنها �أن يعرف بره ‪�-‬سبحانه‪ -‬يف �سرته‬
‫عليه حال ارتكاب املع�صية‪ ،‬مع كمال ر�ؤيته له‪ ،‬ولو �شاء لف�ضحه بني خلقه‬
‫فحذروه‪ ،‬و هذا من كمال بره‪ ،‬و من �أ�سمائه (البرَ ُّ ) و هذا الرب من �سيده‬
‫اد ‪ -‬ال َب ُّر‬ ‫أل ْك َر ُم ‪َ -‬‬
‫الج َو ُ‬ ‫ريم ‪ -‬ا َ‬ ‫المجموعة الخامسة عشرة ‪َ :‬‬
‫الك ُ‬ ‫‪299‬‬

‫كان به مع كمال غناه عنه‪ ،‬و كمال فقر العبد �إليه‪ ،‬في�شتغل مبطالعة هذه‬
‫املنة وم�شاهدة هذا الرب والإح�سان والكرم‪ ،‬فيبقى مع اهلل ‪�-‬سبحانه»(‪.)52‬‬
‫‪3.3‬التعلق به وحده ‪�-‬سبحانه‪ ،‬والتوكل عليه‪ ،‬وتفوي�ض الأمور �إليه‪ ،‬وطلب احلاجات‬
‫منه وحده ‪�-‬سبحانه؛ لأنه الكرمي الذي ال نهاية لكرمه‪ ،‬بخالف املخلوق الذي‬
‫وفان بفنائه‪ ،‬وهذا‬
‫يغلب عليه ال�شح يف العادة‪ ،‬ولو كان كر ًميا ف�إن كرمه حمدود‪ٍ ،‬‬
‫يورث قوة الرجاء والطمع يف كرمه ورحمته‪ ،‬وقطع الرجاء من املخلوق‪  .‬‬
‫‪4.4‬التخلق بخلق الكرم والتحلي ب�صفة اجلود وال�سخاء على عباد اهلل ‪-‬تعالى‪ ،‬ف�إن‬
‫اهلل كرمي يحب من عباده الكرماء الذين يفرج اهلل بهم كرب املحتاجني ويغيث‬
‫بهم امللهوفني‪ ،‬وخلق الكرم الذي يحبه اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬لي�س يف الإ�سراف والتبذير‬
‫وت�ضييع الأموال‪ ،‬و�إمنا هو التو�سط بني الإ�سراف والتبذير‪ ،‬وبني البخل وال�شح‪.‬‬
‫‪5.5‬املك َرم من �أكرمه اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬بالإميان والهدى ولو كان فق ًريا مبتلى‪ ،‬واملهان‬
‫من �أهانه اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬بالكفـ ــر والف�سوق والع�صيان ولو كـ ــان غن ًيــا ووجي ًها‬
‫ذا مال وبنني كمـ ــا قال �سبحانه‪ }:‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ{[احلج‪:‬‬
‫‪ ،]18‬هذا هو ميزان الإكرام والإهانة ولي�ست هي موازين املال والبنني واجلاه‬
‫وال�سلطان التي يوزن بها النا�س اليوم‪.‬‬
‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫رمي ‪ -‬الأَ ْك َر ُم ‪ -‬ا َ‬
‫جل َوا ُد ‪ -‬البرَ ُّ ) من �أ�سماء الذات الدالة على �صفات اهلل‬ ‫(ال َك ُ‬
‫الذاتية (ا ْل َك َرم والجْ ُ ود وا ْلبرِ ّ )‪ ،‬وهي �صفات ذات‪ ،‬مل يزل ‪-‬وال يزال‪ -‬اهلل مت�صف ًا بها‪ ،‬وال‬
‫تعلق لها بامل�شيئة؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل ‪�-‬سبحانه وتعالى‪ -‬والثناء عليه‪ ،‬والتو�سل‬
‫�إليه‪ ،‬بهذه الأ�سماء‪ ،‬يف جميع حاجات العبد‪ ،‬ويت�أكد ذلك حال الفقر وطلب الرزق‪ ،‬وحال‬
‫(‪( )52‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ ‪� :1‬ص ‪.)206‬‬
‫‪300‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫املع�صية وطلب املغفرة‪ ،‬فاهلل ‪� -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬ينفق على خلقه بف�ضله ومدده‪ ،‬فال تنفد‬
‫خزائنه‪ ،‬وال ينقطع �سخا�ؤه وال ميتنع عطا�ؤه‪ ،‬ويعطي من ي�شاء بغري ح�ساب‪ ،‬فعن عائ�شة‬
‫قالت‪ :‬قلت يا ر�سول اهلل‪� :‬أر�أيت �إن علمت �أي ليلة ليلة القدر ما �أقول فيها؟ قال‪:‬‬
‫(قويل‪ :‬اللهم �إنك عفو كرمي حتب العفو فاعف عني)(‪ ،)53‬ومن حديث علي ‹‬
‫�أنه قال‪ :‬قال يل ر�سول اهلل ‪�( :¤‬أال �أعلمك كلمات �إذا قلتهن غفر اهلل لك و �إن كنت‬
‫مغفورا لك!‪ ،‬قل‪ :‬ال �إله �إال اهلل العلي العظيم ال �إله �إال اهلل احلكيم الكرمي‪ ،‬ال‬
‫�إله �إال اهلل �سبحان اهلل رب ال�سماوات ال�سبع و رب العر�ش العظيم‪ ،‬احلمد هلل رب‬
‫العاملني)(‪.)54‬‬

‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬


‫‪ æ‬قال ر�سول اهلل ‏ ‏‪( :¤‬‏قال اهلل ‪:‬‏�أَنفقْ �أُنفقْ عليك‪ ،‬وقال‪ :‬يد اهلل ملأى ال‬
‫�سحاء(‪ )56‬الليل والنهار‪ ،‬وقال‪� :‬أر�أيتم ما �أنفق منذ خلق ال�سماء‬
‫‏تغي�ضها(‪ )55‬‏نفقة‪َّ ،‬‬
‫والأر�ض؟ ف�إنه مل‏يغ�ض‏‏ما يف يده)(‪.)57‬‬
‫‪ æ‬عن �أن�س بن مالك ‹ قال‪« :‬جاء رجل �إلى النبي ‪ ¤‬فقال‪ :‬يا ر�سول اهلل‪ ،‬لفالن‬
‫نخلة‪ ,‬و�أنا �أقيم نخلي بها‪ ,‬فمره �أن يعطيني �إياها حتى �أقيم حائطي بها‪ .‬فقال له‬
‫النبي‪�( :¤‬أعطها �إياه بنخلة يف اجلنة)‪ ،‬ف�أبى!‪ ،‬ف�أتاه �أبو الدحداح ‹ فقال‪ :‬بعني‬
‫نخلتك بحائطي(‪ .)58‬قال‪ :‬ففعل‪ ،‬قال‪ :‬ف�أتى النبي ‪ ¤‬فقال‪ :‬يا ر�سول اهلل‪� ،‬إين قد‬
‫ابتعت النخلة بحائطي‪ ,‬فاجعلها له!‪ ،‬فقال النبي ‪ ¤‬مرار ًا‪( :‬كم من عذق دواح(‪)59‬‬

‫(‪ )53‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (‪.)3513‬‬


‫(‪ )54‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)2621‬‬
‫(‪ )55‬تغي�ضها‪ :‬تنق�صها‪.‬‬
‫�سحاء‪� :‬أي دائمة ال�صب‪.‬‬
‫(‪ّ )56‬‬
‫(‪ )57‬رواه البخاري برقم (‪.)4684‬‬
‫(‪ )58‬احلائط‪� :‬أي الب�ستان‪ ،‬وكان فيه �ستمائة نخلة‪ ،‬من �أطيب نخل املدينة‪.‬‬
‫(‪ )59‬الدواح‪ :‬العظيم ال�شديد العلو‪ ,‬وكل �شجرة عظيمة‪ :‬دوحة‪ ،‬و(العذق) بالفتح‪ :‬النخلة [(النهاية يف غريب احلديث)‬
‫البن الأثري (جـ‪� – 2:‬ص‪. )138:‬‬
‫اد ‪ -‬ال َب ُّر‬ ‫أل ْك َر ُم ‪َ -‬‬
‫الج َو ُ‬ ‫ريم ‪ -‬ا َ‬ ‫المجموعة الخامسة عشرة ‪َ :‬‬
‫الك ُ‬ ‫‪301‬‬

‫لأبي الدحداح يف اجلنة)‪ ،‬ف�أتى امر�أته فقال‪ :‬يا �أم الدحداح‪ ،‬اخرجي من احلائط‪,‬‬
‫ف�إين بعته بنخلة يف اجلنة!‪ ،‬فقالت‪ :‬قد ربحت البيع!‪� ،‬أو كلمة نحوها»(‪.)60‬‬
‫جل ا َّلذي ا�شرتى‬ ‫فوجد ال َّر ُ‬ ‫رجل َعقا ًرا له‪َ ،‬‬
‫رجل ِمن ٍ‬ ‫‪ æ‬قال النبي ‪( :¤‬ا�شرتى ٌ‬
‫ال َعقا َر يف َعقا ِره َج َّر ًة فيها َذهَ ٌب‪ ،‬فقال له ا َّلذي ا�شرتى ال َعقا َر‪ُ :‬خ ْذ َذهَ َبك منِّي‪ � ،‬مَّإنا‬
‫الذهَ َب ‪ .‬وقال ا َّلذي له ال ُ‬
‫أر�ض‪ � :‬مَّإنا ِب ْع ُتك‬ ‫أر�ض‪ ،‬ومل �أَ ْب َت ْع منك َّ‬
‫ا�شترَ َ ْيتُ منك ال َ‬
‫رجل‪ ،‬فقال ا َّلذي حتا َكما �إليه‪� :‬أ َل ُكما َو َلدٌ ؟ قال‬ ‫أر�ض وما فيها‪ ،‬فتحا َكما �إلى ٍ‬ ‫ال َ‬
‫َ‬
‫اجلارية‪ ،‬و�أن ِفقوا‬ ‫الم‪ ،‬وقال الآخر‪ :‬يل جار َي ٌة‪ ،‬قال‪� :‬أن ِكحوا ال ُغال َم‬ ‫�أحدُ هما‪ :‬يل ُغ ٌ‬
‫على �أن ُف ِ�سهما منه وت�صدَّ َقا)(‪.)61‬‬
‫‪ æ‬عن �أبي هريرة ‹ قال‪�« :‬إن النبي ‪ ¤‬كان يوما يحدث‪ ،‬وعنده رجل من �أهل‬
‫البادية‪ ،‬فقال ‪�( :¤‬أن رجال من �أهل اجلنة ا�ست�أذن ربه يف الزرع!‪ ،‬فقال له‪� :‬أول�ست‬
‫فيما �شئت؟!‪ ،‬قال‪ :‬بلى‪ ،‬ولكني �أحب �أن �أزرع‪ ،‬ف�أ�سرع وبذر‪ ،‬فتبادر الطرف نباته‬
‫وا�ستوا�ؤه وا�ستح�صاده وتكويره �أمثال اجلبال!‪ ،‬فيقول اهلل تعالى‪ :‬دونك يا ابن �آدم ‪ ،‬ف�إنه‬
‫ال ي�شبعك �شيء!)‪ ،‬فقال الأعرابي‪ :‬يا ر�سول اهلل!‪ ،‬ال جتد هذا �إال قر�شياً �أو �أن�صارياً!‪،‬‬
‫ف�إنهم �أ�صحاب زرع‪ ،‬ف�أما نحن فل�سنا ب�أ�صحاب زرع!‪ ،‬ف�ضحك ر�سول اهلل ‪.)62(»¤‬‬
‫‪ æ‬عن �أبي هريرة ‹ قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ‪( :¤‬قال اهلل ‪� :‬إذا حتدث عبدي‬
‫ب�أن يعمل ح�سنة ف�أنا �أكتبها له ح�سنة ما مل يعمل‪ ,‬ف�إذا عملها ف�أنا �أكتبها بع�شر‬
‫�أمثالها‪ .‬و�إذا حتدث ب�أن يعمل �سيئة ف�أنا �أغفرها له ما مل يعملها‪ ,‬ف�إذا عملها ف�أنا‬
‫�أكتبها له مبثلها)‪ ،‬وقال ر�سول اهلل ‪( :¤‬قالت املالئكة‪ :‬رب ذاك عبدك يريد �أن‬
‫يعمل �سيئة! وهو �أب�صر به‪ ،‬فقال‪ :‬ارقبوه‪ ،‬ف�إن عملها فاكتبوها له مبثلها‪ ،‬و�إن‬
‫تركها فاكتبوها له ح�سنة؛ �إمنا تركها من جرائي)‪ ،‬وقال ر�سول اهلل ‪�( :¤‬إذا �أح�سن‬
‫(‪� )60‬أخرجه الإمام �أحمد وابن حبان‪ ،‬و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة برقم (‪.)2964‬‬
‫(‪ )61‬متفق عليه‪ :‬رواه البخاري برقم (‪ ،)3472‬ورواه م�سلم برقم (‪.)1721‬‬
‫(‪ )62‬رواه البخاري برقم (‪.)7519‬‬
‫‪302‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫�أحدكم �إ�سالمه فكل ح�سنة يعملها تكتب بع�شر �أمثالها �إلى �سبعمائة �ضعف‪ ،‬وكل‬
‫�سيئة تكتب مبثلها حتى يلقى اهلل)(‪.)63‬‬
‫‪ æ‬عن عبداهلل بن م�سعود ‹ قال‪�( :‬أ�صاب النبي ‪� ¤‬ضيفا‪ ،‬ف�أر�سل �إلى �أزواجه‬
‫يبتغي عندهن طعاما فلم يجد عند واحدة منهن‪ ،‬فقال‪ :‬اللهم �إين �أ�س�ألك من ف�ضلك‬
‫ورحمتك ف�إنه ال ميلكها �إال �أنت‪ ،‬ف�أُهديت له �شاة َم ْ�ص ِل َّية(‪ ،)64‬فقال‪ :‬هذه من ف�ضل‬
‫اهلل ونحن ننتظر الرحمة)(‪.)65‬‬
‫‪ æ‬قال �أبو نوفل‪« :‬جاء رجل �إلى عمر بن اخلطاب ‹‪ ،‬فقال‪� :‬أين قتلت نف�س ًا!‪ ،‬فقال‬
‫عمر‪ :‬ويحك!‪ ،‬خط�أ �أم عمداً؟ قال‪ :‬خط�أ!‪ ،‬قال‪ :‬هل من والديك �أحد؟‪ ،‬قال‪ :‬نعم!‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ربه‪ ،‬و�أح�سن �إليه‪ .‬فلما انطلق‪ ،‬قال عمر‪ :‬والذي‬ ‫�أمك؟‪ ،‬قال‪ :‬بل �أبي!‪ ،‬قال‪ :‬انطلق ف َّ‬
‫نف�سي بيده لو كانت �أمه حية فبرَ َّ ها‪ ،‬و�أح�سن �إليها‪ ،‬رجوت �أال تطعمه النار �أبداً»(‪.)66‬‬
‫‪ æ‬قال تعالى‪} :‬ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ {[النور‪ ،]36:‬قال عمرو بن ميمون‪:‬‬
‫«�أدركت �أ�صحاب ر�سول اهلل ‏‪ ¤‬وهم يقولون‪ « :‬امل�ساجد بـيوت اهلل‪ ،‬و�إنه ّ‬
‫حق علـى اهلل‬
‫�أن ُي ْكرِم من زاره فـيها»(‪.)67‬‬
‫‪ æ‬قال تعالى يف �ش�أن �أعدائه الذين ح َّرقوا �أولياءه امل�ؤمنني وهم �أحياء‪ } :‬ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ{ [الربوج‪،]10:‬‬
‫قال احل�سن الب�صري‪« :‬انظروا �إلى هذا ا ْل َك َرم َوالجْ ُ ود‪ ،‬قتلوا �أَ ْو ِل َيا َء ُه وهو يدعوهم �إلى‬
‫ال َّت ْو َبة َوالمْ َ ْغ ِف َرة»(‪.)68‬‬
‫(‪ )63‬رواه م�سلم برقم (‪.)129‬‬
‫و�ص َلى ال َّل ْح َم‪� :‬أي َ�شوا ُه بالنار‪( .‬ل�سان العرب)‬
‫(‪َ )64‬م ْ�ص ِل َّية ‪� :‬أي َم ْ�ش ِو َّية‪َ ،‬‬
‫(‪ )65‬رواه الطرباين و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة (جـ‪ – 4 :‬برقم ‪.)1543 :‬‬
‫(‪( )66‬الرب وال�صلة) البن اجلوزي (�ص‪.)70:‬‬
‫(‪ )67‬تف�سري (جامع البيان يف تف�سري القر�آن) البن جرير الطربي عند تف�سري الآية (‪ )36‬من �سورة (النور)‪.‬‬
‫(‪( )68‬تف�سري القر�آن العظيم) البن كثري‪ ،‬عند تف�سري �سورة (الربوج) الآية (‪.)10‬‬
‫اد ‪ -‬ال َب ُّر‬ ‫أل ْك َر ُم ‪َ -‬‬
‫الج َو ُ‬ ‫ريم ‪ -‬ا َ‬ ‫المجموعة الخامسة عشرة ‪َ :‬‬
‫الك ُ‬ ‫‪303‬‬

‫‪ æ‬قال �سعيد بن امل�سيب‪« :‬ما �أكرمت العباد �أنف�سها مبثل طاعة اهلل ‪ ،‬وال‬
‫�أهانت �أنف�سها �إال مبع�صية اهلل‪ ،‬وكفى بامل�ؤمن ن�صرة من اهلل �أن يرى عدوه يعمل‬
‫مبع�صية اهلل»(‪.)69‬‬
‫‪ æ‬قال الف�ضيل بن عيا�ض‪« :‬ما من ليلة اختلط ظالمها‪ ،‬و�أرخى الليل �سربال‬
‫�سرتها‪� ،‬إال نادى اجلليل ‪ :‬من �أعظم مني جودا‪ ,‬واخلالئق يل عا�صون‪ ،‬و�أنا‬
‫لهم مراقب‪� ,‬أكل�ؤهم يف م�ضاجعهم ك�أنهم مل يع�صوين‪ ،‬و�أتولى حفظهم ك�أنهم مل‬
‫يذنبوا‪ ،‬من بيني وبينهم �أَ ْج َو ُد بالف�ضل على العا�صي‪ ،‬و�أتف�ض ُل على امل�سيء‪ ،‬من ذا‬
‫الذي دعاين فلم �أ�سمع �إليه؟ �أو من ذا الذي �س�ألني فلم �أعطه؟ �أم من ذا الذي �أناخ‬
‫ببابي ونحيته‪� ،‬أنا الف�ضل ومني الف�ضل‪� ،‬أنا اجلواد ومني اجلود‪� ،‬أنا الكرمي‪ ،‬ومني‬
‫الكرم‪ ،‬ومن كرمي �أن �أغفر للعا�صي بعد املعا�صي‪ ،‬ومن كرمي �أن �أعطي التائب ك�أنه‬
‫مل يع�صني‪ ،‬ف�أين عني تهرب اخلالئق؟ و�أين عن بابي يتنحى العا�صون؟»(‪.)70‬‬
‫‪ æ‬عن علي بن عبد الرحمن قال‪ :‬كتب بع�ض احلكماء �إلى � ٍأخ له‪�« :‬أما بعد‪ ،‬يا‬
‫�أخي‪ ،‬فقد �أ�صبح بنا من نعم اهلل ما ال نح�صيه‪ ،‬مع كرثة ما نع�صيه‪ ،‬فما ندري �أيها‬
‫ن�شكر؟!‪� ،‬أجميل ما ظهر �أم قبيح ما �سرت؟!»(‪.)71‬‬
‫‪ æ‬قال �أبو عبيد اخلوا�ص وكان نطوق ًا باحلكمة‪« :‬حني علمت �أن موالي يلي‬
‫تف�ضل»(‪ .)72‬وقال‬
‫حما�سبتي زال عني حزين!‪ ،‬قيل‪ :‬كيف؟ قال‪ :‬لأن الكرمي �إذا حا�سب ّ‬
‫�أبو العيناء‪ :‬قلت لأعرابي‪�« :‬إن اهلل حُما�سبك! فقال‪� :‬سررتني‪ ،‬ف�إن الكرمي �إذا حا�سب‬
‫تف�ضل»(‪.)73‬‬
‫ّ‬
‫(‪( )69‬حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) للأ�صفهاين (جـ‪� – 2 :‬ص‪ ،)164 :‬و(�صفة ال�صفوة) البن اجلوزي (جـ‪� – 2 :‬ص‪.)81 :‬‬
‫(‪()70‬حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ‪� – 8 :‬ص‪.)93-92 :‬‬
‫(‪( )71‬ال�شكر هلل ) البن �أبي النيا (�ص‪ )73 :‬برقم (‪.)190‬‬
‫(‪( )72‬ربيع الأبرار) للزخم�شري (جـ‪� – 3:‬ص‪.)280 :‬‬
‫(‪( )73‬نرث الدر) للآبي (جـ‪� – 6 :‬ص‪.)38 :‬‬
‫‪304‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪ æ‬كان التابعي اجلليل الربيع بن خثيم �إذا جاءه َ�سا ِئ ٌل‪ ،‬قال‪�« :‬أطعموا هذا ال�سائ َل‬
‫ي�صا(‪ ،!)74‬فلما �صنعوه‪،‬‬ ‫ال�س َّك َر!‪ ،‬وقال لأهله يوما‪ْ :‬‬
‫ا�ص َن ُعوا ليِ َخ ِب ً‬ ‫ُ�س َّك ًرا‪ ،‬ف�إن الربيع ُي ُّ‬
‫حب ُّ‬
‫وخرج‪ ،‬قال له �أهله‪:‬‬ ‫َ‬ ‫دعا رجال به َخ َب ٌل(‪ ،)75‬فجعل الربيع ُي َل ِّق ُم ُه َو ُل َعا ُب ُه َي ِ�س ُيل‪ ،‬فلما �أَ َ‬
‫كل‬
‫َت َك َّل ْف َنا َو َ�ص َن َع َّنا‪ُ ،‬ث َّم �أَ ْط َع ْمته رجال ما َي ْدرِي َما �أَ َك َل!‪ ،‬فقال الربيع بن خثيم‪َ :‬لك َِّن اللهَّ َ‬
‫َي ْدرِي»(‪.)76‬‬
‫تخوفني منك‪،‬‬ ‫‪ æ‬قال الأ�صمعي‪� :‬سمعت �أعرابي ًا يدعو ويقول‪« :‬الله ّم � ّإن ذنوبي ّ‬
‫وجودك يب�شرين عنك‪ ،‬ف�أخرجني باخلوف من اخلطايا‪ ،‬و�أو�صلني بجودك �إلى العطايا‪،‬‬
‫حتى �أكون غداّ يف القيامة عتيق كرمك‪ ،‬كما �أنا يف الدّنيا ربيب نعمك»(‪.)77‬‬
‫ع�صى فك�أنك‬‫‪ æ‬كان من دعاء عبد اهلل بن ثعلبة الب�صري‪« :‬اللهم �أنت من حِ ْلمِك ُت َ‬
‫ال َترى‪ ،‬و�أنت من جودك وف�ضلك ُتعطي فك�أنك ال ُت َ‬
‫ع�صى‪ ،‬و�أيُّ زمانٍ مل ت ْع ِ�صك فيه‬
‫�سكان �أر�ضك فكنت عليهم بالعفو ع َّوادا‪ ،‬وبالف�ضل ج َّوادا»(‪.)78‬‬

‫حل ْلوا ُء ا َمل ْع ُمو ُلة من ال َّت ْم ِر َّ‬


‫وال�س ْم ِن‪ ،‬و�سميت بذلك لأنها ُت�صنع باخللط‬ ‫ي�ص‪ :‬ا َ‬ ‫(‪)74‬اخلبي�ص‪َ :‬خ َب َ�ص ال�شي َء بال�شيء‪َ :‬خ َل َطه‪ ،‬وا َ‬
‫خل ِب ُ‬
‫والتقليب‪.‬‬
‫جلنون‪ ،‬ورجل به َخ َبل‪� :‬أي ال عقل له وال ف�ؤَاد معه‪.‬‬ ‫خل َبل‪ :‬هو ا ُ‬
‫(‪)75‬ا َ‬
‫(‪ُ ()76‬م�صنف ابن �أبي �شيبة) لأبي بكر عبد اهلل بن حممد بن �أبي �شيبة العب�سي الكويف (جـ‪� - 12 :‬ص‪ )145 & 143 :‬برقم‬
‫(‪.)35872 & 35862‬‬
‫(‪( )77‬الب�صائر والذخائر) لأبي حيان التوحيدي (جـ‪� – 8 :‬ص‪)89 :‬‬
‫(‪( )78‬العقد الفريد) البن عبد ربه الأندل�سي (جـ‪� - 3 :‬ص‪.)174 :‬‬
‫ُ‬
‫فيق‬ ‫ط ُ‬
‫يف ‪ -‬ال َّر‬ ‫المجموعة السادسة عشرة ‪ :‬ال َّل ِ‬ ‫‪305‬‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ‪16‬ـــــــــة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ال ُّل ْط ُف‬
‫(‪)52 - 51‬‬
‫يف ‪ -‬ال َّر ُ‬
‫فيق‬ ‫اللَّ ِط ُ‬
‫‪306‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الـمجـمـوعـ‪16‬ـة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ال ُّل ْط ُف‬
‫(‪)52 - 51‬‬
‫اللَّ ِط ُ‬
‫يف ‪ -‬ال َّر ُ‬
‫فيق‬
‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫يف‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 7‬مرات) منها قوله تعالى‪ }:‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫‪ æ‬اللَّ ِط ُ‬
‫�أن النبي ‪ ¤‬قال لها‪:‬‬ ‫ﭠ ﭡ ﭢ{[امللك‪ ،]14:‬ومن ال�سنة حديث عائ�شة‬
‫(لتخربيني �أو ليخربين اللطيف اخلبري)(‪.)1‬‬
‫‪ æ‬ال َّر ُ‬
‫فيق‪ :‬مل يرد هذا اال�سم الكرمي يف القر�آن العظيم‪ ،‬و�إمنا ورد يف ُّ‬
‫ال�س َّنة النبوية‪،‬‬
‫من حديث عائ�شة قالت‪« :‬ا�ست�أذن رهط من اليهود على النبي ‪ ،¤‬فقالوا‪َّ :‬‬
‫ال�سام‬
‫رفيق‪ ،‬يحب الرفق‬ ‫ال�سام واللعنة‪ ،‬فقال‪( :‬يا عائ�شة �إن اهلل ٌ‬ ‫عليك‪ ،‬فقلت‪ :‬بل عليكم َّ‬
‫يف الأمر كله)‪ .‬قلت‪� :‬أومل ت�سمع ما قالوا؟!‪ ،‬قال‪( :‬قلت‪ :‬وعليكم)»(‪ ،)2‬ومن دعاء‬
‫فيق الأعلى(‪.)4())3‬‬ ‫النبي ‪ ¤‬عند وفاته‪(:‬اللهم اغفر يل وارحمني و�أحلقني بال َّر ِ‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري برقم (‪.)6927‬‬ ‫ ‬
‫(‪ )1‬رواه م�سلم برقم (‪.)974‬‬
‫(‪ )3‬ذهب �أكرث �ش َّراح احلديث �إلى �أن املراد بـ (الرفيق الأعلى)‪ :‬جماعة الأنبياء ومن ذكر يف �آية الن�ساء } ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ{ وقد ختمت بقوله‪ } :‬ﮉ ﮊ ﮋ{[الن�ساء‪ 69:‬و َي�س ُند هذا القول ويرجحه قول عائ�شة ‪:‬‬
‫�سمعت ر�سول اهلل ‪ ¤‬يقول‪( :‬ال ميوت نبي حتى يخري بني الدنيا والآخرة)‪ ،‬ف�سمعت النبي ‪ ¤‬يقول يف مر�ضه الذي مات‬
‫فيه‪ ،‬و�أخذته بحة‪ ،‬يقول‪ }( :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ{)‪ ،‬فظننت �أنه ُخ رّي)[متفق عليه‪ :‬رواه البخاري (‪ )4435‬وم�سلم (‪ ، )2444‬وقيل املراد‪ :‬املالئكة الكرام‪ ،‬ودليله‬
‫حديث �أبي مو�سى الأ�شعري ‹‪�( :‬أغمي على ر�سول اهلل ‪ ¤‬وهو يف حجر عائ�شة ف�أفاق وهي مت�سح �صدره وتدعو له بال�شفاء‬
‫قال‪ :‬ال ولكن �أ�س�أل اهلل الرفيق الأعلى الأ�سعد‪ :‬جربيل وميكائيل و�إ�سرافيل)[�أخرجه الهيثمي يف جممع الزوائد (جـ‪� – 8 :‬ص‪:‬‬
‫‪ – 331‬برقم‪ )14272 :‬وقال‪ :‬رواه الطرباين وفيه حممد بن �سالم اجلمحي وهو ثقة وفيه �ضعف‪ ،‬وبقية رجاله ثقات وقيل �أن‬
‫املراد‪ :‬هو اهلل لأنهما من �أ�سمائه احل�سنى الثابتة‪ ،‬ويقوي هذا القول قول �أن�س ‹‪( :‬كان �آخر ما تكلم به ‪ : ¤‬جالل‬
‫ربي الرفيع)[�أخرجه احلاكم و�ضعفه الألباين يف ال�سل�سلة ال�ضعيفة برقم (‪ ، )4159‬وقيل املراد به‪ :‬اجلنة؛ لأن الرفيق هو‬
‫املكان الذي حت�صل املرافقة فيه‪ ،‬قال ابن حجر ‪ « :‬قال اجلوهري ‪ :‬الرفيق الأعلى اجلنة‪ ،‬وي�ؤيده ما وقع عند �أبي �إ�سحاق‪:‬‬
‫الرفيق الأعلى اجلنة»[فتح الباري‪ :‬عند �شرح احلديث رقم (‪� - )4436‬ص‪ .. 1924 :‬واهلل �أعلم‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري برقم (‪.)5674‬‬
‫ُ‬
‫فيق‬ ‫ط ُ‬
‫يف ‪ -‬ال َّر‬ ‫المجموعة السادسة عشرة ‪ :‬ال َّل ِ‬ ‫‪307‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬


‫‪ æ‬اللَّ ِط ُ‬
‫يف‪« :‬ا�سم فاعل �إن كان ا�شتقاقه من َل َطف (بالفتح) َي ْل ُطف ُل ْطفاً‬
‫مبعنى َرفق‪ ،‬و�أك َرم‪ ،‬واحت َفى‪ ،‬و�إن كان ا�شتقاقه من َل ُطف (بال�ضم) فهو �صفة م�شبهة‬
‫وخ ّف»(‪ ،)5‬فـ(اللطف) يدور على معنيني‪« :‬الرب واحلفاوة والإكرام والرتفق‬ ‫مبعنى د َّق َ‬
‫يف حتقيق املراد‪� ،‬أو على الغمو�ض واخلفاء»(‪.)6‬‬
‫فيق‪« :‬من �صيغ املبالغة‪ ،‬فعيل مبعنى فاعل‪ ،‬فعله َرف َق َي ْرفق رِفقا‪،‬‬ ‫‪ æ‬ال َّر ُ‬
‫وال ِّر ْفق هو اللطف وهو �ضد الع ْنف‪ ،‬ويعني لِني اجلانب ولطافة الفعل»(‪ ،)7‬قال‬
‫ال�شيخ اله َّرا�س‪(« :‬ال َّرفيقُ ) م�أخوذ من الرفق الذي هو الت�أين يف الأمور والتدرج فيها‪،‬‬
‫و�ضده العنف الذي هو الأخذ فيها ب�شدة وا�ستعجال»(‪.)8‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬
‫يف‪« :‬املح�سن �إلى عباده يف خفاء و�سرت من حيث ال يعلمون‪ ،‬وي�سبب لهم‬ ‫‪ æ‬اللَّ ِط ُ‬
‫�أ�سباب معي�شتهم من حيث ال يحت�سبون»(‪ ،)9‬يقول الإمام ابن القيم‪« :‬ف�أخرب �أنه يلطف‬
‫يف) يت�ضمن علمه‬ ‫ملا يريده‪ ،‬في�أتي به بطرق خفية ال يعلمها النا�س‪ ،‬وا�سمه (ال َّل ِط ُ‬
‫بالأ�شياء الدقيقة‪ ،‬و�إي�صاله الرحمة بالطرق اخلفية»(‪ ،)10‬ويقول ال�شيخ ال�سعدي‪:‬‬
‫يف) الذي �أحاط علمه بال�سرائر واخلفايا‪ ،‬و�أدرك اخلبايا والبواطن والأمور‬ ‫«(ال َّل ِط ُ‬
‫الدقيقة‪ ،‬اللطيف بعباده امل�ؤمنني‪ ،‬املو�صل �إليهم م�صاحلهم بلطفه و�إح�سانه من‬
‫اج َتمع له ال ّر ْفق يف‬ ‫طرق ال ي�شعرون بها»(‪ ،)11‬وقال ابن الأثري‪(« :‬ال َّل ِط ُ‬
‫يف) الذي ْ‬
‫(‪ )5‬تف�سري التحرير والتنوير البن عا�شور عند تف�سري الآية (‪ )103‬من �سورة (الأنعام)‪.‬‬
‫(‪( )6‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪.)264 :‬‬
‫(‪�( )7‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)630:‬الرفيق)‪.‬‬
‫(‪�( )8‬شرح الق�صيدة النونية) للدكتور حممد خليل هرا�س (جـ‪� - 2:‬ص‪.)93 :‬‬
‫(‪( )9‬تف�سري �أ�سماء اهلل احل�سنى) لأبي �إ�سحاق الزجاج (�ص‪.)45 - 44 :‬‬
‫(‪�( )10‬شفاء العليل) البن القيم (جـ‪� - 1:‬ص‪.)352 :‬‬
‫(‪ )11‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)18 :‬‬
‫‪308‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫إي�صالها �إلى َمن قدّرها له مِ ن َخ ْلقه»(‪ ،)12‬وقال‬ ‫ال ِف ْعل‪ ،‬وال ِع ْل ُم ب َد َقائق َ‬
‫امل�صالح و� َ‬
‫يف) البرَ ُّ بعباده‪ ،‬الذي ُ‬
‫يلط ُف لهم من حيث ال يعلمون‪ ،‬و ُي�س ِّب ُب لهم‬ ‫اخلطابي‪(« :‬ال َّل ِط ُ‬
‫م�صاحلهم من حيث ال يحت�سبون»(‪.)13‬‬
‫فيق‪« :‬املي�سر واملُ�س ِّهل لأ�سباب اخلري كلها»(‪ ،)14‬قال البيهقي‪�(« :‬إنَّ َ‬
‫اهلل‬ ‫‪ æ‬ال َّر ُ‬
‫رفي ٌق) معناه‪ :‬لي�س بعجول‪ ،‬و�إمنا يعجل من يخاف الفوت‪ ،‬ف�أما من كانت الأ�شياء‬
‫يف قب�ضته وملكه فلي�س يعجل فيها»(‪ ،)15‬وقال اله َّرا�س‪« :‬ومن �أ�سمائه (ال َّرفيقُ ) ‪..‬‬
‫فاهلل ‪-‬تعالى‪ -‬رفيق يف �أفعاله‪ ،‬حيث خلق املخلوقات كلها بالتدريج �شي ًئا ف�شي ًئا‬
‫بح�سب حكمته ورفقه‪ ،‬مع �أنه قادر على خلقها دفعة واحدة ويف حلظة واحدة‪ ،‬وهو‬
‫‪�-‬سبحانه‪ -‬رفيق يف �أمره ونهيه‪ ،‬فال ي�أخذ عباده بالتكاليف ال�شاقة مرة واحدة‪ ،‬بل‬
‫يتدرج معهم من حال �إلى حال حتى ت�ألفها نفو�سهم»(‪ ،)16‬فاهلل ‪� -‬سبحانه ‪ -‬رفيق‬
‫بعباده يف التي�سري وعدم امل�شقة‪ ،‬ورفيق بالع�صاة يف حلمه عليهم وعدم معاجلتهم بالعقوبة‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬
‫‪ æ‬اللَّ ِط ُ‬
‫يف ‪ -‬ال َّر ُ‬
‫فيق‪ :‬معاين الأ�سماء متقاربه‪ ،‬وترجع �إلى لطف اهلل ورفقه بعباده‪،‬‬
‫كما قال تعالى‪ }:‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ{[ال�شورى‪ ،]19:‬ومعنى (ال َّل ِطيف)‬
‫�أعم من (ال َّرفيق) حيث �إن (اللطف) يت�ضمن العلم بدقائق امل�صالح‪ ،‬وطرق �إي�صالها �إلى‬
‫خلقه و�أوليائه‪ ،‬مع الرفق يف الفعل والتنفيذ‪ ،‬قال الغزايل‪(« :‬ال َّل ِطيف) من يعلم دقائق‬
‫امل�صالح وغوام�ضها‪ ،‬وما دق منها وما لطف‪ ،‬ثم ي�سلك يف �إي�صالها �إلى امل�ستحق‬
‫�سبيل الرفق دون العنف‪ ،‬ف�إذا اجتمع الرفق يف الفعل‪ ،‬واللطف يف العلم‪ ،‬مت معنى‬
‫اللطف‪ ،‬وال يت�صور كمال ذلك يف العلم والفعل �إال هلل ‪-‬تعالى»(‪.)17‬‬
‫(‪( )12‬النهاية يف غريب احلديث والأثر) البن الأثري (جـ‪� - 4 :‬ص‪( )351 :‬مادة‪ :‬لطف)‪.‬‬
‫(‪�( )13‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)62 :‬‬
‫(‪( )14‬الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي ‪ -‬حتقيق‪ :‬حممد ح�سن جبل وطارق �أحمد حممد (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)557 :‬‬
‫(‪( )15‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - 1:‬ص‪.)141 :‬‬
‫(‪�( )16‬شرح الق�صيدة النونية) للدكتور حممد خليل هرا�س (جـ‪� -2:‬ص‪.)93 :‬‬
‫(‪( )17‬املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص‪.)92 :‬‬
‫ُ‬
‫فيق‬ ‫ط ُ‬
‫يف ‪ -‬ال َّر‬ ‫المجموعة السادسة عشرة ‪ :‬ال َّل ِ‬ ‫‪309‬‬

‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬


‫‪ æ‬اللَّ ِط ُ‬
‫يف‪ :‬ا�سم اهلل (ال َّل ِطيف) يدل على «�صفة (اللُّ ْطف) وهي من �صفات‬
‫الأفعال»(‪ ،)18‬قال ‪-‬تعالى‪ -‬حكاية عن يو�سف ‪ }:‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ{[يو�سف‪.]100:‬‬

‫الرفْق) وهي‬ ‫‪ æ‬ال َّر ُ‬


‫فيق‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال َّرفيق) «�صفة ( ِّ‬
‫من �صفات اهلل الفعلية الثابتة بال�سنة النبوية»(‪ ،)19‬قال ‪( :¤‬اللهم من َوليِ َ من‬
‫�أمر �أمتي �شيئا ف�شقَّ عليهم‪ ،‬فا�شقق عليه‪ ،‬ومن َوليِ َ من �أمر �أمتي �شيئا فرفق بهم‪،‬‬
‫فارفق به)(‪.)20‬‬

‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬


‫‪ æ‬الخْ َ ِب ُ‬
‫ري‪ :‬ورد االقتــران مع ا�سمــه �سبحانـه (ال َّل ِطيف) (‪ 5‬مرات) منها قوله تعالى‪:‬‬
‫}ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ{[الأنعام‪،]103:‬‬
‫وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪�« -‬أن لطفه و�صنائعه وبره و�إح�سانه ‪� -‬سبحانه ‪� -‬إمنا‬
‫دقت على العقول والأفهام؛ لأنها جارية على مقت�ضى خربته التي هي فوق �إدراك‬
‫يف) الذي لطف �صنعه وحكمته‪،‬‬‫عقول وقلوب الب�شر»(‪ ،)21‬ويقول ابن القيم‪(« :‬ال َّل ِط ُ‬
‫ودق حتى عجزت عنه الأفهام‪ ،‬و(الخْ َ ِب ُري) الذي انتهى علمه �إلى الإحاطة ببواطن‬
‫الأ�شياء وخفاياها‪ ،‬كما �أحاط بظواهرها‪ ،‬فكيف يخفى على اللطيف اخلبري ما‬
‫حتويه ال�ضمائر وتخفيه ال�صدور؟!»(‪.)22‬‬
‫(‪�( )18‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)350:‬اللطيف)‬
‫(‪�( )19‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)129 :‬‬
‫(‪ )20‬رواه م�سلم (‪.)1828‬‬
‫(‪( )21‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪.)266 :‬‬
‫(‪( )22‬ال�صواعق املر�سلة) البن القيم (جـ‪� - 2 :‬ص‪.)492 :‬‬
‫‪310‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪:‬‬


‫‪ æ‬الأثر العلمي االعتقادي‪:‬‬
‫لطيف بالغ اللطف والرفق بهم‬ ‫ٌ‬
‫عطوف على عباده‪ ،‬رفي ٌّق ٌ‬ ‫اهلل ‪� -‬سبحانه وتعالى ‪-‬‬
‫�شرع ًا وقدر ًا‪ ،‬يح�سن �إليهم وي�صلح �أحوالهم‪ ،‬وال يخفى عليه وال يفوته من العلم �شيء و�إن‬
‫دق و�صغر �أو خفي وا�سترت‪ ،‬وكل �شيء يف الوجود ال يخلو من �إح�سانه طرفة عني‪ ،‬فقد غمرهم‬
‫‪� -‬سبحانه ‪ -‬بلطفه وبره وف�ضله‪.‬‬
‫‪ æ‬الأثر العملي‪:‬‬
‫‪1.1‬حمبة العبد ربه‪ ،‬و�شكره �إياه على بره ورفقه ولطفه و�إح�سانه‪ ،‬وقطع الطمع عن‬
‫�إح�صاء هذه النعم وامل�صالح واخلريات‪ ،‬وكما قال �سبحانه‪ }:‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ{[�إبراهيم‪ ،]34:‬وال�شكر لي�س مقت�صر ًا على الل�سان والذكر‪،‬‬
‫بل ي�شمل اجلوارح والأعمال‪ ،‬وكما ع ّرف الإمام اجلنيد ال�شكر فقال‪�« :‬أن ال‬
‫ ‪ ‬‬ ‫ي�ستعان ب�شيء من نعم اهلل على معا�صيه»(‪  .)23‬‬
‫يف‬ ‫(لط ٌ‬
‫‪�2.2‬صدق التوكل على اهلل ‪-‬تعالى‪ ،‬لأن العبد امل�ؤمن يوقن ب�أن اهلل ‪-‬تعالى ِ‬
‫رفيقٌ) كما قال �سبحانه‪ } :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ‬
‫يف) بكل عباده‪ ،‬فهو يب�سط‬ ‫ﮓ{[ال�شورى‪ ،]19:‬فمع كونه ‪� -‬سبحانه ‪ِ -‬‬
‫(لط ٌ‬
‫الرزق ملن ي�شاء حتى ال تبقى فاقة‪ ،‬ويقب�ضه عمن ي�شاء حتى ال تبقى طاقة‪ ،‬تبع ًا‬
‫حلكمته البالغه‪ ،‬و ُلط ِف ِه اخلفي‪ ،‬ولعلمه ‪� -‬سبحانه ‪� -‬أن من عباده من ال ي�صلحه‬
‫�إال الفقر‪ ،‬فري�ضى العبد ويطمئن مبا ق�سمه اهلل له‪ ،‬و َق ّدره عليه‪َ ،‬ف ُيف ِّو�ض الأمر‬
‫�إليه ‪�-‬سبحانه‪ -‬وهو قرير العني‪ ،‬هانئ البال‪ ،‬وكما قال ‪( :¤‬عجبا لأمر‬
‫امل�ؤمن‪� ،‬إن �أمره كله خري‪ ،‬ولي�س ذاك لأحد �إال للم�ؤمن‪� ،‬إن �أ�صابته َ�س ّراء‬
‫�ضراء �صرب؛ فكان خريا له)(‪ .)24‬‬ ‫�شكر؛ فكان خريا له‪ ،‬و�إن �أ�صابته ّ‬
‫(‪( )23‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ‪� - 2 :‬ص‪ )245:‬عند حديثه عن منزلة «ال�شكر»‪.‬‬
‫(‪ )24‬رواه م�سلم برقم (‪.)2999‬‬
‫ُ‬
‫فيق‬ ‫ط ُ‬
‫يف ‪ -‬ال َّر‬ ‫المجموعة السادسة عشرة ‪ :‬ال َّل ِ‬ ‫‪311‬‬

‫‪3.3‬حما�سبة امل�ؤمن لنف�سه عن كل �صغرية وكبرية من الأقوال والأفعال‪ ،‬ليقينه �أن‬


‫ربه مت�صف بدقة العلم والإحاطة بكل �صغرية وكبرية كما قال �سبحانه‪ }:‬ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ{[امللك‪.]14:‬‬
‫‪4.4‬الطم�أنينة وال�سكينة يف الدعوة �إلى اهلل‪ ،‬واليقني بن�صر اهلل لدينه‪ ،‬والتمكني‬
‫(اللطيف) الذي يو�صل رحمته ون�صره‬ ‫لأوليائه‪ ،‬و�أن هذا من مقت�ضيات ا�سمه ِ‬
‫ونعمته �إلى �أوليائه من طرق ال ي�شعرون بها!‪ ،‬فمن ذا الذي كان يظن �أن ذلك‬
‫الطفل ال�صغري الذي مل تراع طفولته‪ ،‬فيرُ مى يف ا ُ‬
‫جل ِّب‪ ،‬ومل تراع �أخ ّوته‪ ،‬فيباع‬
‫كاملتاع وبدراهم معدودة‪ ،‬ل ُي�صبح عزيز ًا مل�صر!‪ ،‬وي�أتيه �إخوته الذين رموه وباعوه‪،‬‬
‫ميدوا �إليه �أيديهم طالبني ال�صدقة!‪ ،‬ولذا قال تعالى عن يو�سف ‪ } :‬ﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢﮣﮤﮥﮦ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ{[يو�سف‪ ،]100:‬فاهلل لطيف‬
‫ب�أوليائه‪ ،‬ومهما تفنن �أهل الغدر واخليانة والنفاق‪ ،‬يف املكر بهم‪ ،‬والكيد لهم‪ ،‬ف�إن‬
‫اهلل �سيجعل ذلك املكر واخلداع من �أعدائه طريق ًا لتمكني �أوليائه‪.‬‬
‫‪5.5‬اهلل ‪�-‬سبحانه وتعالى‪ -‬يحب الرفق واللطف‪ ،‬ويحب من يتخ َّلق بهما من عباده‬
‫فحري بكل م�ؤمن �أن ُيج�سّ د هذه الأخالق الفا�ضلة احل�سنة يف واقع‬ ‫ٌّ‬ ‫الأبرار‪،‬‬
‫حياته‪ ،‬فيكون تعامله مع الآخرين قائم ًا على اللطف والرفق‪.‬‬
‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫(اللَّ ِط ُ‬
‫يف ‪ -‬ال َّر ُ‬
‫فيق) من �أ�سماء الأفعال الدالة على �صفات اهلل الفعلية (اللُّ ْطف ‪-‬‬
‫ال ِّر ْفق)‪ ،‬ومعاين هذين الإ�سمني متقاربة‪ ،‬وترجع �إلى لطف اهلل ورفقه بعباده يف كل �أمورهم؛‬
‫ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل ‪� -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬والثناء عليه‪ ،‬بهذه الأ�سماء‪ ،‬يف حاجات‬
‫العبد التي تتنا�سب مع اللطف والرفق؛ كدعاء اهلل بب�سط الرزق وتي�سري الأمور ورفع البالء‬
‫وال�شقاء‪ ،‬و�س�ؤال اجلنة‪ ،‬واال�ستعاذة من النار‪ ،‬وغريها من الأدعية التي تنا�سب مقت�ضيات‬
‫يف قوله تعالى‪:‬‬ ‫تلك الأ�سماء‪ ،‬ومن هذا الباب ما حكاه ‪� -‬سبحانه‪ -‬عن نبيه يو�سف‬
‫‪312‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫} ﮞﮟﮠ ﮡ ﮢﮣﮤﮥﮦ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ‬


‫ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ{[يو�سف‪ ،]100:‬فمن‬
‫املنا�سب الدعاء مبقت�ضى هذه الآية‪ ،‬ك�أن يدعو امل�سلم‪ :‬اللهم �إنك لطيف ملا ت�شاء‪ ،‬و�أنت العليم‬
‫احلكيم‪ ،‬ارفع عني البالء وال�شقاء و�أعذين من ال�شيط ــان الرجيــم‪� .‬أو قــوله تعالى‪ }:‬ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ{[ال�شورى‪ ،]19:‬فيدعو اهلل بقوله‪:‬‬
‫اللهم �إنك لطيف بعبادك‪ ،‬ترزق من ت�شاء‪ ،‬فارزقني‪� ،‬إنك �أنت القوي العزيز‪ ،‬واهلل �أعلم‪.‬‬
‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬
‫مال‪ ،‬فقال له‪ :‬ماذا‬ ‫بعبد من عبا ِده �آتاه ُ‬
‫اهلل اً‬ ‫ٍ‬ ‫‪ æ‬قال النبي ‪�( :¤‬أُ ِتي َ‬
‫اهلل‬ ‫َ‬
‫مال‪ ،‬فكنتُ �أبايع‬ ‫رب‪� ،‬إال �أنك �آتيتني اً‬
‫عملتَ يف الدنيا؟ فقال‪ :‬ما عملتُ من �شيءٍ يا ِّ‬
‫املع�س َر‪ ،‬قال اهلل تعالى‪� :‬أنا �أحقُّ‬
‫نظ َر ِ‬ ‫املو�س ِر‪ ،‬و�أُ ِ‬
‫النا�س‪ ،‬وكان من ُخ ُلقي �أن �أُ َي ِّ�س َر على ِ‬ ‫َ‬
‫بذلك منك‪ ،‬جتاوزوا عن عبدي)(‪.)25‬‬
‫�أن ر�سول اهلل ‪ ¤‬مر على رجل وا�ضع رجله على �صفحة(‪)26‬‬ ‫‪ æ‬عن ابن عبا�س‬
‫�شاة‪ ،‬وهو يحد �شفرته وهي تلحظ بب�صرها �إليه‪ ،‬فقال‪�( :‬أفال قبل هذا؟!‪� ،‬أتريد �أن‬
‫متيتها موتات؟!‪ ،‬هال �أحددت �شفرتك قبل �أن ت�ضجعها!)(‪.)27‬‬
‫‪� æ‬س�أل رج ٌل الر�سول ‪ ¤‬فقال‪ :‬يا ر�سول اهلل من َي ْح ُر ُم على النار فقال‪ُ ( :‬ح ِّر َم‬
‫قريب من النا�س)(‪.)28‬‬ ‫ٍ‬ ‫على النار كل هَ ينِّ ٍ َلينِّ ٍ ٍ‬
‫�سهل‬
‫‪ æ‬عن �أبي هريرة ‹‪ ،‬قال‪� :‬أن �أعرابي ًا جاء �إلى ر�سول اهلل ‪ ¤‬ي�ستعينه يف �شيء‪،‬‬
‫ف�أعطاه ر�سول اهلل ‪� ¤‬شيئا‪ ،‬ثم قال‪�( :‬أح�سنت �إليك؟) قال الأعرابي‪ :‬ال‪ ،‬وال �أجملت!‪،‬‬
‫فغ�ضب بع�ض امل�سلمني‪ ،‬وهموا �أن يقوموا �إليه‪ ،‬ف�أ�شار النبي ‪� ¤‬إليهم �أن كفوا‪ ،‬فلما قام‬
‫النبي‪ ¤‬وبلغ �إلى منزله‪ ،‬دعا الأعرابي �إلى البيت‪ ،‬فقال له‪�( :‬إنك جئتنا ف�س�ألتنا‬
‫ف�أعطيناك‪ ،‬فقلت ما قلت!)‪ ،‬فزاده ر�سول اهلل ‪� ¤‬شيئا‪ ،‬فقال‪�( :‬أح�سنت �إليك؟)‪ ،‬فقال‬
‫(‪ )25‬رواه احلاكم و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)125‬‬
‫(‪� )26‬صفحة ال�شاة‪ :‬رقبتها‪.‬‬
‫(‪ )27‬رواه الطرباين و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة برقم (‪.)24‬‬
‫(‪ )28‬رواه االمام �أحمد و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)3135‬‬
‫ُ‬
‫فيق‬ ‫ط ُ‬
‫يف ‪ -‬ال َّر‬ ‫المجموعة السادسة عشرة ‪ :‬ال َّل ِ‬ ‫‪313‬‬

‫الأعرابي‪ :‬نعم‪ ،‬فجزاك اهلل من �أهل ع�شرية خرياً‪ ،‬قال له النبي ‪�( :¤‬إنك كنت جئتنا‬
‫ف�أعطيناك‪ ،‬فقلت ما قلت‪ ،‬ويف نف�س �أ�صحابي عليك من ذلك �شيء‪ ،‬ف�إذا جئت فقل‬
‫بني �أيديهم ما قلت بني يدي حتى يذهب عن �صدورهم)‪ ،‬قال‪ :‬فلما جاء الأعرابي‪،‬‬
‫قال ر�سول اهلل ‪�( :¤‬إن �صاحبكم كان جاءنا ف�س�ألنا ف�أعطيناه‪ ،‬فقال ما قال‪ ،‬و�إنا‬
‫قد دعوناه ف�أعطيناه‪ ،‬فزعم �أنه قد ر�ضي �أكذاك؟) قال الأعرابي‪ :‬نعم‪ ،‬فجزاك اهلل‬
‫من �أهل وع�شرية خريا‪ ،‬قال �أبو هريرة‪ :‬فقال النبي ‪�( :¤‬إن مثلي ومثل هذا الأعرابي‬
‫كمثل رجل كانت له ناقة‪ ،‬ف�شردت عليه‪ ،‬فا ّتبعها النا�س‪ ،‬فلم يزيدوها �إال نفورا!‪،‬‬
‫فقال �صاحب الناقة‪ :‬خلوا بيني وبني ناقتي‪ ،‬ف�أنا �أرفق بها و�أعلم بها‪ ،‬فتوجه �إليها‬
‫�صاحب الناقة‪ ،‬ف�أخذ لها من ق�شام الأر�ض(‪ )29‬ودعاها حتى جاءت‪ ،‬وا�ستجابت و�شد‬
‫عليها رحلها وا�ستوى عليها‪ ،‬ولو �أين �أطعتكم حيث قال ما قال؛ دخل النار)(‪.)30‬‬
‫‪ æ‬قال �أن�س بن مالك ‹‪ :‬عاد َ‬
‫ر�سول اهلل ‪ ¤‬رجال من امل�سلم ِني قد َخ َفتَ ف�صار مثل‬
‫ر�سول اهلل ‪( :¤‬هل كنت تدعو ب�شيء �أو ت�س�أله �إياه؟!‪ ،‬قال‪ :‬نعم!‪ ،‬كنت‬‫الفرخ! (‪ ،)31‬فقال له ُ‬‫ِ‬
‫�أقول‪ :‬اللهم ما كنت ُمعا ِقبي به يف الآخرة ف َع ِّج ْله يل يف الدنيا!‪ ،‬فقال ُ‬
‫ر�سول اهلل ‪� :¤‬سبحان‬
‫اهلل! ال ُتطي ُقه ‪� -‬أو ال ت�ستطي ُعه! (‪� - )32‬أفال قلت‪ :‬اللهم �آتنا يف الدنيا ح�سنة(‪ )33‬ويف‬
‫الآخرة ح�سنة (‪ )34‬وقنا عذاب النار؟! قال �أن�س‪ :‬فدعا اهلل له‪ ،‬ف�شفاه) (‪.)35‬‬
‫‪ æ‬قال تعالى‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ{[يو�سف‪ ،]96 :‬قال‬
‫احل�سن الب�صري‪« :‬ملا ورد الب�شري على يعقوب ‪ ،‬مل يجد عنده �شيئ ًا ُي ِثيبه به؛ فقال‪:‬‬
‫واهلل ما �أ�صبتُ عندنا �شيئاً‪ ،‬وما خبزنا �شيئاً منذ �سبع ليال‪ ،‬ولكن ه ّون اهلل عليك‬
‫�شام‪ :‬ا�سم ملا ي�ؤكل‪ ،‬م�شتق من ال َق ْ�ش ِم‪ ،‬و ُق�شام الأر�ض‪ :‬ما ت�أكله البهائم من نبات الأر�ض‪.‬‬ ‫(‪ )29‬ال ُق ُ‬
‫(‪ )30‬رواه الهيثمي يف جممع الزوائد‪ ،‬وابن كثري يف التف�سري‪ ،‬وهو �ضعيف‪( .‬موقع الدرر ال�سنية)‪.‬‬
‫رخ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ال‬ ‫مثل‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫نحيف‬ ‫ا‬ ‫ً‬
‫ف‬ ‫�ضعي‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫�صا‬ ‫الط ِري‪ ،‬واملعنى‪� :‬أَ�ض َع َفه ُ‬
‫املر�ض حتَّى‬ ‫رخ) َول ُد َّ‬
‫(‪َ )31‬خ َفتَ ف�صار مثل الفرخ‪� :‬أي َخ َفتَ َ�صوتُه‪ ،‬و(ال َف ُ‬
‫(‪ )32‬ال تُطي ُقه ‪� -‬أو ال ت�ستطي ُعه! ‪ :-‬ال تُطي ُقه‪� :‬أي يف الدُّنيا‪ ،‬وال تَ�ستطي ُعه‪ :‬يف ال ُعق َبى واالخرة‪(.‬النووي)‬
‫ح�سنُ وقوعه عند العبد؛ من رزق هنيء وا�سع حالل‪ ،‬وزوجة �صاحلة‪ ،‬وولد ت َق ُّر به العني‪،‬‬ ‫(‪ )33‬ح�سنة الدنيا‪ :‬يدخل فيها كل ما َي ُ‬
‫وراحة‪ ،‬وعلم نافع‪ ،‬وعمل �صالح‪ ،‬ونحو ذلك من املطالب املحبوبة واملباحة‪( .‬النووي)‬
‫(‪ )34‬ح�سنة الآخرة‪ :‬هي ال�سالمة من العقوبات يف القرب واملوقف والنار‪ ،‬وح�صول ر�ضا اهلل‪ ،‬والفوز بالنعيم املقيم يف اجلنة‪،‬‬
‫والقرب من اهلل الرحيم الرحمن‪( .‬النووي)‬
‫(‪ )35‬رواه م�سلم برقم (‪.)2688‬‬
‫‪314‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫�سكراتِ املوت»‪ ،‬وع ّلق القرطبي على هذا الدعاء فقال‪« :‬وهذا الدعاء من �أعظم ما يكون‬
‫من اجلوائز‪ ،‬و�أف�ضل العطايا والذخائر»(‪.)36‬‬
‫‪ æ‬قال الف�ضيل بن عيا�ض‪�« :‬أال ترى كيف يزوي(‪ )37‬اهلل الدنيا عمن يحب من‬
‫جلوع مرة‪ ،‬وباحلاجة مرة‪ ،‬كما‬ ‫وي ْرمِ ُرها(‪ )38‬عليه؟!‪ ،‬بال ُع ْري م َر ًة‪ ،‬وبا ُ‬ ‫خلقه‪ ،‬مُ َ‬
‫ت�صنع الوالد ُة ال�شفيق ُة بولدها – عند ال ِف َطام ‪ -‬ت�سقيه مر ًة َ�صبرِ اً(‪ ،)39‬ومرة‬
‫ُح َ�ض�ضاً(‪ ،)40‬و�إمنا تريد بذلك ما هو خري له»(‪.)41‬‬
‫�سن َظ ِّني بربي �أنه َبلَ َغ مِ نْ ُل ْط ِف ِه �أَ ْن َو َّ�صى ِب َي ولدي �إذا‬
‫‪ æ‬قال ابن عقيل‪« :‬من ُح ِ‬
‫َكبرِ ْ ت َف َق َال‪ } :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ{[الإ�سراء‪ ,]23:‬ف�أرجو �إذا ُ‬
‫�صرت عندَه َرمِ ي ًما �أَن ال‬
‫َي ْع�سِ َف‪ ،‬لأن �أفعال ُه ُت َ�شا ِك ُل �أقوا َل ُه»(‪.)42‬‬
‫‪ æ‬قال �أبو �سليمان الداراين‪�« :‬إمنا الغ�ضب على �أهل املعا�صي جلر�أتهم عليها‪،‬‬
‫ف�إذا تذكرت ما ي�صريون �إليه من عقوبة الآخرة‪ ،‬دخلت القلوب الرحمة لهم»(‪.)43‬‬
‫فهم �أ�صحابه �أن ي�أخذوه‬ ‫‪« æ‬مر على «�صلة بن �أ�شيم العدوى» فتى يج ُّر ثو َبه‪َّ ،‬‬
‫ب�أل�سنتهم �أخذا �شديدا‪ ،‬فقال لهم �صلة‪ :‬دعوين �أكفكم �أمره‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا ابن �أخي‪� ،‬إن‬
‫يل �إليك حاجة‪ ،‬قال ‪ :‬ما هي؟‪ ،‬قال ‪� :‬أحب �أن ترفع �إزارك‪ ،‬قال ‪ :‬نعم‪ ،‬ونعمت عني‪،‬‬
‫فرفع �إزاره‪ .‬فقال �صلة لأ�صحابه‪ :‬هذا كان �أمثل مما �أردمت‪ ،‬ف�إنكم لو �شتمتموه‬
‫و�آذيتموه ل�شتمكم»(‪.)44‬‬
‫(‪ )36‬تف�سري (املحرر الوجيز يف تف�سري الكتاب العزيز) البن عطية‪ ،‬وتف�سري (اجلامع لأحكام القر�آن) للقرطبي عند تف�سري‬
‫الآية (‪ )96‬من �سورة (يو�سف)‪.‬‬
‫(‪ )37‬يزوي الدنيا عنه‪� :‬أي ُيبعدها وي�صرفها ومينعها‪.‬‬
‫(‪ )38‬يمُ َ ْر ِم ُرها عليه‪ :‬من املرارة �أي يجعلها ُم َّر ًة عليه‪ ،‬وقيل‪ُ :‬يق ّلبها ويعدِّ ْيها‪.‬‬
‫ـ�صـبرِ ‪� :‬شج ٌر ع�صارته �شديدة املرارة‪.‬‬‫(‪ )39‬ال َّ‬
‫حل َ�ض�ض‪ :‬دوا ٌء ُم ٍّر يتخذ من �أبوال الإبل‪ ،‬وقيل هو ُع�صارة ٍ‬
‫�صمغ ُم ٍّر‪.‬‬ ‫(‪ )40‬ا ُ‬
‫(‪( )41‬عيون الأخبار) البن قتيبة الدينوري (جـ‪� – 2:‬ص‪ ،)387:‬و(العقد الفريد) البن عبدربه (جـ‪� - ٣:‬ص‪.)١٥٤:‬‬
‫(‪( )42‬الآداب ال�شرعية) لأبي عبداهلل حممد بن مفلح املقد�سي احلنبلي (جـ‪� – 2:‬ص‪.)175:‬‬
‫(‪( )43‬تاريخ دم�شق) البن ع�ساكر (جـ‪� – 34:‬ص‪.)152 :‬‬
‫(‪( )44‬خمت�صر منهاج القا�صدين) البن قدامة املقد�سي (�ص‪.)130 :‬‬
‫ُ‬
‫فيق‬ ‫ط ُ‬
‫يف ‪ -‬ال َّر‬ ‫المجموعة السادسة عشرة ‪ :‬ال َّل ِ‬ ‫‪315‬‬

‫‪ æ‬قال حممد بن �إبراهيم الرازي‪« :‬تال يحيى بن معاذ هذه الآية‪} :‬ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ{[طه‪ ،]44 - 43:‬قال‪� :‬إلهي‬
‫و�سيدي‪ ،‬هذا رفقك مبن يزعم �أنه �إله‪ ،‬فكيف رفقك مبن يقول �أنت الإله؟»(‪.)45‬‬
‫‪ « æ‬قحط النا�س يف �آخر فرتة اخلليفة الأموي بالأندل�س عبدالرحمن النا�صر‪ ،‬ف�أمر‬
‫اخلليفة قا�ضيه «منذر ابن �سعيد البلوطي» بالربوز �إلى اال�ست�سقاء بالنا�س فت�أهب القا�ضي‬
‫لذلك‪ ،‬و�صام بني يديه �أيام ًا‪ ،‬تنف ًال‪ ،‬و�إناب ًة‪ ،‬ورهب ًة‪ .‬واجتمع له النا�س يف م�صلى الرب�ض‬
‫بقرطبة‪ ،‬بارزين �إلى اهلل تعالى يف جمع عظيم‪ .‬و�صعد اخلليفة النا�صر يف �أعلى م�صانعه‬
‫املرتفعة من الق�صر‪ ،‬لي�شارف النا�س‪ ،‬وي�شاركهم يف اخلروج �إلى اهلل‪ ،‬وال�ضراعة له‪ ،‬ف�أبط�أ‬
‫القا�ضي حتى اجتمع النا�س‪ ،‬وغ�صت بهم �ساحة امل�صلى‪ .‬ثم خرج نحوهم ما�شي ًا‪ ،‬مت�ضرع ًا‪،‬‬
‫خمبت ًا‪ ،‬متخ�شع ًا؛ وقام ليخطب‪ .‬فلما ر�أى بدار النا�س �إلى ارتقابه‪ ،‬وا�ستكانتهم من خيفة‬
‫اهلل‪ ،‬و�إخباتهم له‪ ،‬وابتهالهم �إليه‪ ،‬رقت نف�سه‪ ،‬وغلبته عيناه؛ فا�ستغفر‪ ،‬وبكى حين ًا؛ ثم‬
‫افتتح خطبته ب�أن قال‪� :‬سالم عليكم! ثم �سكت‪ ،‬ووقف �شبه احل�صر‪ ،‬ومل يكن من عادته‪.‬‬
‫فنظر النا�س بع�ضهم ببع�ض‪ ،‬ال يدرون ما عراه‪ ،‬وال ما �أراد بقوله!‪ ،‬ثم اندفع تالي ًا قول‬
‫اهلل تعالى‪ } :‬ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ {[الأنعام‪ ،]54:‬فا�ستغفروا‬
‫ربكم‪ ،‬وتوبوا �إليه‪ ،‬وتز ّلفوا بالأعمال ال�صاحلات لديه! قال‪ :‬فهاج النا�س بالبكاء‪،‬‬
‫وج�أروا بالدعاء‪ ،‬وم�ضى على متام خطبته؛ فقرع النفو�س بوعظه‪ ،‬وانبعث الإخال�ص‬
‫بتذكريه؛ فلم ينق�ض النهار حتى �أر�سل اهلل ال�سماء مباء منهمر‪ ،‬روى الرثى‪ ،‬وطرد املحل‪،‬‬
‫و�سكن الأزل (‪ .)46‬واهلل لطيف بعباده!»(‪.)47‬‬
‫‪ æ‬قال ابن قدامة‪« :‬واعلم �أن من هو يف البحر على اللوح لي�س ب�أحوج �إلى اهلل‬
‫(‪� )45‬شعب الإميان للبيهقي برقم (‪( )4511‬جـ‪� - 4 :‬ص‪.)121 :‬‬
‫اخل ْ�صب‪ ،‬واملق�صود احتبا�س املطر وانقطاعه و ُي ْب ُ�س الأَر�ض من‬
‫اجلدب وهو نقي�ض ِ‬
‫ُ‬ ‫الَ َزل‪( :‬ا َمل ْحل)‬
‫(‪ )46‬طرد ا َمل ْحل‪َ ،‬و َ�س َكن ْ أ‬
‫ال َكلأ‪ .‬و(الأَ ْزل) ال�شدة وال�ضيق والقحط‪ ،‬وطرده �أو �سكونه مبعنى ذهابه وانتهائه‪.‬‬
‫(‪( )47‬تاريخ ق�ضاة الأندل�س) لل ُنباهي (�ص‪.)71 - 70 :‬‬
‫‪316‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫و�إلى لطفه ممن هو يف بيته بني �أهله وماله‪ ،‬ف�إذا حققت هذا يف قلبك فاعتمد على‬
‫اهلل اعتماد الغريق الذي ال يعلم له �سبب جناة غري اهلل»(‪.)48‬‬
‫‪ æ‬قال تعالى‪} :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ{ [الكهف‪ ،]17-16:‬قال ابن قتيبة‪�« :‬أراد اهلل �أن يع ّرفنا لطفه‬
‫للفتية‪ ،‬وحفظه �إياهم يف املهجع‪ ،‬واختياره لهم �أ�صلح املوا�ضع لل ّرقود‪ ،‬ف�أعلمنا �أنه‬
‫ب ّو�أهم كهفا يف َم ْق َن�أ ِة اجلبل(‪ ،)49‬م�ستقبال بنات نع�ش(‪ ،)50‬فال�شم�س تزو ُّر عنه(‪)51‬‬

‫وت�ستدبره‪ :‬طالعة‪ ،‬وجارية‪ ،‬وغاربة‪ ،‬وال تدخل عليهم فت�ؤذيهم بح ّرها‪ ،‬وتلفحهم‬
‫ب�سمومها‪ ،‬وتغيرّ �ألوانهم‪ ،‬و ُتبلي ثيابهم‪ ،‬و�أنهم كانوا يف فجوة من الكهف ‪�-‬أي م ّت�سع‬
‫منه‪ -‬ينالهم فيه ن�سيم الريح وبردها‪ ،‬وينفي عنهم ُغ ّم َة الغار وكربه» (‪.)52‬‬
‫خفي (‪)53‬‬
‫لطف ّ‬
‫وكم هلل من ٍ‬
‫����ي‬
‫����ذ ِك ّ‬ ‫�������د ُّق َخ���� َف����ا ُه َع�����نْ َف���� ْه ِ‬
‫����م ال َّ‬ ‫َي ِ‬ ‫�����ف َخ���� ِف ٍّ‬
‫����ي‬ ‫�����ط ٍ‬ ‫هلل ِم�������نْ ُل ْ‬ ‫َو َك ْ‬
‫����������م ِ‬
‫���ب ال��� ِّ��ش ِ��ج ِّ��ي‬ ‫َف���� َف���� َّر َج َل���� ْو َع���� َة ال��� َق��� ْل ِ‬ ‫�����س ٍ��ر �أَتَ�����ى ِم����نْ َب��� ْع ِ���د ُع ْ�����س ٍ��ر‬ ‫َو َك ْ‬
‫�����م ُي ْ‬
‫َف���تَ��� ْع��� ُق��� ُب��� ُه ا َمل������ َ�����س����� َّر ُة ِب���ال��� َع���� ِ���ش ِّ���ي‬ ‫��اح��ا‬ ‫������ر ُت َ‬
‫�������س���ا ُء ِب����� ِه َ���ص�� َب ً‬ ‫�������م �أم ٍ‬‫َو َك ْ‬
‫����د ال����ف����ر ِد ال��� َع��� ِل ِّ���ي‬ ‫َف���� ِث����قْ ِب����ال���� َو ِاح ِ‬ ‫����ك الأح ُ‬
‫�������وال َي��� ْو ًم���ا‬ ‫���ت ِب َ‬ ‫ِ�إ َذا � َ���ض���ا َق ْ‬
‫�������ف خ���ف���ي‬ ‫هلل م�������ن ُل�������ط ٍ‬ ‫ف�����ك�����م ِ‬ ‫���ب‬
‫���ط ٌ‬‫�����اب َخ ْ‬ ‫ت�������زَ ْع �إذا م���ا ن َ‬ ‫َو َال جَ ْ‬

‫(‪ )48‬املقولة من�سوبة البن قدامة ومل �أعرث عليها فيما بني يدي من املراجع‪.‬‬
‫(‪َ )49‬م ْق َن�أ ُة اجلبل‪ :‬املكان الظليل الذي ال ت�صيبه ال�شم�س‪.‬‬
‫(‪ )50‬بنات نع�ش ‪� :‬سبعة كواكب ت�شاهد جهة القطب ال�شما ّ‬
‫يل‪� ،‬شبهت بحملة النع�ش‪.‬‬
‫(‪ )51‬تزو ُّر عنه‪ :‬تتنحى ومتيل عن الكهف‪.‬‬
‫(‪( )52‬ت�أويل م�شكل القر�آن) لأبي حممد عبد اهلل بن م�سلم بن قتيبة الدينوري (�ص ‪.)15 – 14 :‬‬
‫(‪� )53‬أورد الق�صيدة ال�شيخ عبدالعزيز ال�سلمان ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬يف (جمموعة الق�صائد الزهديات) (جـ‪� – 1 :‬ص‪ )231 :‬دون‬
‫عزوها لقائلها‪ .‬والبع�ض ين�سبها �إلى ال�صحابي اجلليل علي بن �أبي طالب ز�ضي اهلل عنه‪.‬‬
‫س ُ‬
‫ن‬ ‫الم ْح ِ‬
‫ص ِّو ُر ‪ُ -‬‬
‫الم َ‬ ‫ق ‪ -‬ال َبار ُ‬
‫ِئ ‪ُ -‬‬ ‫الخ َّ‬
‫ال ُ‬ ‫الخال ُ‬
‫ِق ‪َ -‬‬ ‫المجموعة السابعة عشرة ‪َ :‬‬ ‫‪317‬‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ‪17‬ـــــــــة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬الخْ َ ْل ُق‬
‫(‪)57 - 56 - 55 - 54 - 53‬‬
‫ال ُق ‪ -‬ال َبا ِر ُئ‬ ‫خلا ِل ُق ‪ -‬ا َ‬
‫خل َّ‬ ‫ا َ‬
‫املُ َ�ص ِّو ُر ‪ -‬املُ ْح ِ�س ُن‬
‫‪318‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الـمجـمـوعـ‪17‬ـة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬الخْ َ ْل ُق‬
‫(‪)57 - 56 - 55 - 54 - 53‬‬
‫ال ُق ‪ -‬ال َبا ِر ُئ ‪ -‬املُ َ�ص ِّو ُر ‪ -‬املُ ْح ِ�س ُن‬ ‫خلا ِل ُق ‪ -‬ا َ‬
‫خل َّ‬ ‫ا َ‬
‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫خلا ِل ُق‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 8‬مرات) منها قوله تعالى‪}:‬ﯣ ﯤ ﯥ‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫اع َة‬ ‫ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ{[احل�شر‪ ،]24:‬ومن ال�سنة قوله ‪َ (:¤‬‬
‫ال َط َ‬
‫لمِ َخْ ُل ٍ‬
‫وق فيِ َم ْع ِ�ص َي ِة اخلالق)(‪.)1‬‬
‫ال ُق‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (مرتني) يف قوله تعالى‪}:‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫خل َّ‬
‫ﯛ{[احلجر‪ ،]86:‬وقوله تعالى‪ }:‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ{[ي�س‪ ،]81:‬ومن ال�سنة‬
‫حديث ابن عبا�س ‪ ،‬قال‪�( :‬إن العا�ص بن وائل �أخذ عظماً من البطحاء‪ ،‬ففته بيده‪،‬‬
‫ثم قال لر�سول اهلل ‪� :¤‬أ ُيحيي اهلل هذا بعد ما �أَرِم؟!‪ ،‬فقال ر�سول اهلل ‪( :¤‬نعم‪،‬‬
‫مييتك اهلل‪ ،‬ثم يحييك‪ ،‬ثم يدخلك جهنم)(‪ ،)2‬قال فنزلت الآيات‪ } :‬ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ{ �إلى قوله تعالى‪ } :‬ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬
‫ﯻ ﯼ{[ي�س‪.]83-77:‬‬
‫‪ æ‬ال َبا ِر ُئ‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة يف قوله تعالى‪}:‬ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ{[احل�شر‪ ،]24:‬وورد مرتني مقيدا وم�ضاف ًا كما حكاه‬
‫‪ }:‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬ ‫‪�-‬سبحانه‪ -‬على ل�سان مو�سى‬
‫ﮠ ﮡ{[البقرة‪ ،]54:‬ومل يرد اال�سم يف ال�سنة النبوية ب�سند �صحيح‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه الإمام �أحمد واحلاكم و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)7520‬‬
‫(‪� )2‬أخرجه احلاكم يف امل�ستدرك (جـ‪� - 2:‬ص‪ )429:‬وقال‪� :‬صحيح على �شرط ال�شيخني ومل يخرجاه‪.‬‬
‫س ُ‬
‫ن‬ ‫الم ْح ِ‬
‫ص ِّو ُر ‪ُ -‬‬
‫الم َ‬ ‫ق ‪ -‬ال َبار ُ‬
‫ِئ ‪ُ -‬‬ ‫الخ َّ‬
‫ال ُ‬ ‫الخال ُ‬
‫ِق ‪َ -‬‬ ‫المجموعة السابعة عشرة ‪َ :‬‬ ‫‪319‬‬

‫‪ æ‬املُ َ�ص ِّو ُر‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة يف قوله تعالى‪}:‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ{[احل�شر‪ ،]24:‬ومل يرد اال�سم يف ال�سنة النبوية ب�سند �صحيح‪.‬‬
‫‪ æ‬املُ ْح ِ�سنُ ‪ :‬مل يرد هذا اال�سم الكرمي يف القر�آن العظيم‪ ،‬و�إمن��ا ورد يف ُّ‬
‫ال�س َّنة‬
‫م ِ�سنٌ‬‫النبوية‪ ،‬يف قوله ‪�(:¤‬إذا حكمتم فاعدلوا‪ ،‬و�إذا قتلتم ف�أح�سنوا‪ ،‬ف�إن اهلل حُ ْ‬
‫م ِ�سنٌ يحب الإح�سان‪ ،‬ف�إذا‬ ‫وج ّل َ‪ -‬حُ ْ‬
‫يحب الإح�سان)(‪ ،)3‬وقوله ‪�( :¤‬إن اهلل ‪َ -‬ع َّز َ‬
‫قتلتم ف�أح�سنوا القتلة ‪.)4()...‬‬
‫ملحوظة‪ :‬ي�أتي معنى (املُ ْح ِ�سن) بـ (املتقن واملحكم) وي�أتي ‪�-‬أي�ض ًا‪ -‬مبعنى (املنعم‬
‫واملتف�ضل)‪ ،‬فمن الأول قوله تعالى‪} :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ{ [ال�سجدة‪ ،]7:‬ومن‬
‫الثاين قول اهلل ‪�-‬سبحانه وتعالى‪ } :‬ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ{[الق�ص�ص‪،]77:‬‬
‫اجل َوا ُد ‪ -‬البرَ ُّ )‪� ،‬أُدرج‬
‫ولورود املعنى الثاين �ضمن �أ�سماء الكرم واجلود (ال َكر ُمي ‪ -‬الأَ ْك َر ُم ‪َ -‬‬
‫ا�سم (املُ ْح ِ�سنُ ) �ضمن �أ�سماء اخللق وااليجاد‪ ،‬لتكتمل حلقة اخللق‪ ،‬مع الإ�شارة للمعنى‬
‫(خا ِلقٌ) من حيث �إنه مقدر‪ ،‬و( َبا ِرئ) من حيث �إنه‬ ‫الثاين‪ .‬فاهلل ‪� -‬سبحانه وتعالى ‪َ -‬‬
‫خمرتع موجد‪ ،‬و( ُم َ�ص ِّو ٌر) من حيث �إنه �أعطى كل خملوق �صورته‪ ،‬و(محُ ْ ِ�سنٌ ) من حيث‬
‫�إنه رتب اخللق و�أخرجه ب�أحكم ترتيب و�أتقن هيئة‪ ،‬كما قال �سبحانه‪ } :‬ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧﮨﮩﮪﮫ ﮬﮭﮮﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ{[امل�ؤمنون‪.]14:‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬


‫‪æ‬ا َ‬
‫خلا ِل ُق‪« :‬ا�سم فاعل‪ ،‬فعله خلَ َق َيخ ُلق َخ ْلقاً‪ ،‬فهو خالِق‪ ،‬وخلَق ال�شيء‪� :‬أبدعه‬
‫على غري مثال �سابق‪ ،‬و�أوجده من العدم»(‪ ،)5‬قال الراغب‪�« :‬أ�صل اخللق‪ :‬التقدير‬
‫(‪ )3‬رواه الطرباين وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)494‬‬
‫(‪ )4‬رواه الطرباين و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)1824‬‬
‫(‪ )5‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬خ ل ق)‪.‬‬
‫‪320‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫امل�ستقيم‪ ،‬وي�ستعمل يف �إبداع ال�شيء من غري �أ�صل وال احتذاء‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬ﯦ‬
‫ﯧ ﯨ{[الأنعام‪ ،]73:‬وي�ستعمل يف �إيجاد ال�شيء من ال�شيء‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪ } :‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ{[الن�ساء‪ ،)6(»]1:‬قال ابن الأَنباري ‪« :‬اخللق يف كالم‬
‫العرب على وجهني‪� :‬أَحدهما الإِ ْن�شاء على مثال �أَ ْبد َعه‪ ،‬والآخر‪ :‬التقدير»(‪،)7‬‬
‫والتقدير‪ :‬مبعنى املقدر للأ�شياء على مقت�ضى حكمته ووفق م�شيئته‪.‬‬
‫خل َّال ُق‪�« :‬صيغة مبالغة‪ ،‬من ا�سم الفاعل (ا َ‬
‫خلا ِلق)‪ ،‬فعله خلَ َق يَخ ُلق َخ ْلقاً‪،‬‬ ‫‪ æ‬ا َ‬
‫خل َّال ُق) الذي يخلق خلقاً بعد خلق‪� ،‬أو الذي من �ش�أنه �أن يخلق �إلى ما‬ ‫فهو خالِق‪ ،‬و(ا َ‬
‫خلا ِلق)‪ ،‬تدل على كرثة خلق اهلل تعالى‬ ‫خل َّال ُق) من �صيغ املبالغة من (ا َ‬
‫ال يتناهى»(‪ ،)8‬و(ا َ‬
‫و�إيجاده‪ ،‬فكم يح�صل يف اللحظة الواحدة من باليني املخلوقات التي هي �أثر من �آثار ا�سمه‬
‫خل َّالق)‪.‬‬ ‫‪�-‬سبحانه (ا َ‬
‫‪ æ‬ال َبا ِر ُئ‪« :‬ا�سم فاعل‪ ،‬فعله (ب َر�أ) �أو (بر َِئ)‪ ،‬ف�إن كان ا�شتقاقه من (ب َر�أ) ؛‬
‫فت�صريفه‪ :‬ب َر�أ َيبرْ َ ُ�أ َب ْرءاً‪ ،‬فهو َبارِئ‪ ،‬واملفعول َمبرْ وء‪ ،‬و(ال َبا ِر ُئ) هنا‪ :‬اخلالق املوجد‬
‫من العدم‪ ،‬و�إن كان ا�شتقاقه من (بر َِئ)‪ ،‬فت�صريفه‪ :‬بر َِئ َيرب�أ برا ًء‪ ،‬فهو َبارِئ وبريء‬
‫و َبراء‪ ،‬واملفعول َمبرْ وء منه‪ ،‬و(ال َبا ِر ُئ) هنا‪ :‬ال�سامل اخلايل من �أي عيب»(‪ ،)9‬قال‬
‫ال ّز ّجاج‪« :‬يقال بر�أ اهلل اخللق‪ ،‬فهو يرب�ؤهم برءا �إذا فطرهم‪ ،‬والربء خلق على �صفة‪،‬‬
‫فكل مربوء خملوق ولي�س كل خملوق مربوء؛ وذلك لأن الربء من تربئة ال�شيء من‬
‫ال�شيء‪ ،‬من قولهم بر�أت من املر�ض‪ ،‬وبرئت من الدين �أبر�أ منه‪ ،‬فبع�ض اخللق �إذا ُف ِ�صل‬
‫من بع�ض ُ�س ِّمي فاع ُله بارئا»(‪ ،)10‬وقال ابن الأثري‪(« :‬ال َبا ِر ُئ) الذي خلق اخللق‪ ،‬ال عن‬
‫مثال‪� ،‬إال �أ َّن لهذه اللفظة من االخت�صا�ص باحليوان ما لي�س لها بغريه من املخلوقات‪،‬‬
‫(‪( )6‬املفردات) للأ�صفهاين (مادة‪ :‬خلق) (�ص‪.)209:‬‬
‫(‪( )7‬ل�سان العرب) (جـ‪� - 10 :‬ص‪( .)85 :‬مادة‪ :‬خلق)‪.‬‬
‫(‪ )8‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬خ ل ق)‪ .‬بت�صرف‬
‫(‪ )9‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ب ر �أ)‪.‬‬
‫(‪( )10‬تف�سري �أ�سماء اهلل احل�سنى) لأبي �إ�سحاق الزجاج (�ص ‪.)37‬‬
‫س ُ‬
‫ن‬ ‫الم ْح ِ‬
‫ص ِّو ُر ‪ُ -‬‬
‫الم َ‬ ‫ق ‪ -‬ال َبار ُ‬
‫ِئ ‪ُ -‬‬ ‫الخ َّ‬
‫ال ُ‬ ‫الخال ُ‬
‫ِق ‪َ -‬‬ ‫المجموعة السابعة عشرة ‪َ :‬‬ ‫‪321‬‬

‫وقلما ت�ستعمل يف غري احليوان‪ ،‬فيقال‪ :‬بر�أ اهلل الن�سمة‪ ،‬وخلق ال�سماوات والأر�ض»(‪.)11‬‬
‫‪ æ‬املُ َ�ص ِّو ُر‪« :‬ا�سم فاعل من َ�ص َّور ُي َ�صور ت�صويراً‪ ،‬فهو ُم�ص ِّور‪� :‬إذا فعل ال�صورة‪،‬‬
‫وال�صورة‪� :‬شخ�ص ال�شيء وهيئته من طول وعر�ض‪ ،‬وكرب و�صغر‪ ،‬وما ات�صل بذلك‬
‫وتعلق به مما يكمله فريى م�صوراً»(‪ ،)12‬و�ص ّور ال�شيء‪ :‬جعل له �شكال مت�صور ًا ومتميز ًا‬
‫عن غريه‪ ،‬وال�صورة هي ال�شكل والهيئة �أو الذات املتميزة بال�صفات‪ .‬قال الراغب‪« :‬ال�صورة‪:‬‬
‫ما ينتق�ش به الأعيان ويتميز بها غريها»(‪.)13‬‬
‫واحل�س ُن �ضدُّ‬
‫ْ‬ ‫‪ æ‬املُ ْح ِ�سنُ ‪« :‬ا�سم فاعل‪ ،‬فعله � َ‬
‫أح�سن ُيح�سِ ن �إح�ساناً‪ ،‬فهو حُم�سِ ٌن‪،‬‬
‫ال ُق ْبح»(‪ ،)14‬والإح�سان ي�أتي مبعنيني‪ :‬الأول‪ :‬الإنعام على الغري‪ ،‬والثاين‪ :‬الإتقان والإحكام‪.‬‬
‫قال الراغب‪« :‬الإح�سان يقال على وجهني‪� :‬أحدهما‪ :‬الإنعام على الغري ‪ ..‬والثاين‪:‬‬
‫ال ح�سناً»(‪.)15‬‬
‫�إح�سان يف فعله ‪� ..‬إذا عمل عم ً‬
‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬
‫خلا ِل ُق‪« :‬الذي خلق جميع املوجودات»(‪ ،)16‬قال اخلطابي‪(« :‬ا َ‬
‫خلا ِلقُ ) املبدع‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫للخلق‪ ،‬واملخرتع له على غري مثال �سبق»(‪ ،)17‬وقال الألو�سي‪(« :‬ا َ‬
‫خلا ِلقُ ) املقدر للأ�شياء‬
‫على مقت�ضى احلكمة‪� ،‬أو مبدع الأ�شياء من غري �أ�صل وال احتذاء»(‪ ،)18‬وقال الر�ضواين‪:‬‬
‫«(ا َ‬
‫خلا ِلقُ ) الذي �أ ْوجد جمي َع الأ�شياء بعد �أن مل تكنْ َم ْو ُجودة‪ ،‬وقدّر �أمورها يف الأزل‬
‫بعد �أن كانت معدومة»(‪.)19‬‬
‫(‪( )11‬جامع الأ�صول يف �أحاديث الر�سول) البن الأثري (جـ‪� - 4:‬ص‪.)177:‬‬
‫(‪( )12‬ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص‪.)243:‬‬
‫(‪( )13‬املفردات) للأ�صفهاين (�ص‪( )378:‬مادة‪� :‬صور)‪.‬‬
‫(‪�( )14‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)615:‬املح�سن)‪.‬‬
‫(‪( )15‬املفردات) للأ�صفهاين (�ص‪( )156:‬مادة‪ :‬ح�سن)‪.‬‬
‫(‪ )16‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)17 :‬‬
‫(‪�( )17‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)49 :‬‬
‫(‪ )18‬تف�سري (روح املعاين) للألو�سي عند تف�سري �سورة (احل�شر) الآية (‪.)24‬‬
‫(‪�( )19‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)284:‬اخلالق)‪.‬‬
‫‪322‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ال ُق‪« :‬الكثري املخلوقات»(‪ ،)20‬قال احلليمي‪(« :‬ا َ‬


‫خل َّال ُق) اخلالق خلقاً بعد‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫خل َّ‬
‫خل َّال ُق) املتكرر منه هذا الفعل يف كل وقت مبجرد الأمر‪،‬‬
‫خلق»(‪ ،)21‬وقال البقاعي‪(« :‬ا َ‬
‫فال عجب يف �إيجاد ما ين�سب �إليه من �إبداع ال�ساعة �أو غريها»(‪ ،)22‬وقال يف مو�ضع‬
‫خل َّال ُق) البالغ يف هذه ال�صفة مطلقاً يف تكثري اخللق وتكريره بالن�سبة‬ ‫�آخر‪(« :‬ا َ‬
‫�إلى كل �شيء ما ال حتيط به الأوهام‪ ،‬وال تدركه العقول والأفهام»(‪ ،)23‬وقال ال�شيخ‬
‫خل َّال ُق) الذي جميع املخلوقات‪ ،‬متقدمها ومت�أخرها‪� ،‬صغريها وكبريها‪،‬‬ ‫ال�سعدي‪(« :‬ا َ‬
‫كلها �أثر من �آثار خلقه وقدرته‪ ،‬و�أنه ال ي�ستع�صي عليه خملوق �أراد خلقه»(‪.)24‬‬
‫‪ æ‬ال َبا ِر ُئ‪« :‬الذي بر�أ اخلليقة‪ ،‬و�أوجدها بعد عدمها»(‪ ،)25‬قال ابن كثري‪(« :‬ال َبا ِر ُئ)‬
‫الربء‪ :‬هو الفري‪ ،‬وهو التنفيذ‪ ،‬و�إبراز ما قدّره وقرره �إلى الوجود»(‪ ،)26‬وقال‬
‫الرازي‪(« :‬ال َبا ِر ُئ) الذي خلق اخللق بريئاً من التفاوت‪ ،‬ومتميزاً بع�ضه عن بع�ض‬
‫بالأ�شكال املختلفة وال�صور»(‪ ،)27‬وقال الألو�سي ‪(« :‬ال َبا ِر ُئ) املوجد للأ�شياء بريئة من‬
‫تفاوت ما تقت�ضيه بح�سب احلكمة واجلبلة‪ ،‬وقيل‪ :‬املميز بع�ضها عن بع�ض بالأ�شكال‬
‫املختلفة»(‪ ،)28‬وقال الر�ضواين‪(« :‬ال َبا ِر ُئ) واهب احلياة للأحياء‪ ،‬الذي خلق الأ�شياء‬
‫�صاحلة ومنا�سبة للغاية التي �أرادها»(‪.)29‬‬
‫‪ æ‬املُ َ�ص ِّو ُر‪« :‬الذي �أن�ش�أ خلقه على �صور خمتلفة ليتعارفوا بها»(‪ ،)30‬قال القرطبي‪:‬‬
‫(‪ )20‬تف�سري (مدارك التنزيل وحقائق الت�أويل) للن�سفي (ي�س‪.)81:‬‬
‫(‪ )21‬تف�سري (روح املعاين) للألو�سي (احل�شر‪.)24:‬‬
‫(‪ )22‬تف�سري (نظم الدرر يف تنا�سب الآيات وال�سور) للبقاعي (احلجر‪.)86:‬‬
‫(‪ )23‬تف�سري (نظم الدرر يف تنا�سب الآيات وال�سور) للبقاعي (ي�س‪.)81:‬‬
‫(‪ )24‬تف�سري (ال�سعدي) عند تف�سري (ي�س‪.)81 :‬‬
‫(‪�( )25‬شفاء العليل) البن القيم (جـ‪� - 2:‬ص‪.)795 :‬‬
‫(‪ )26‬تف�سري (القر�آن الكرمي) البن كثري (احل�شر‪)24:‬‬
‫(‪ )27‬تف�سري (مفاتيح الغيب) للرازي عند تف�سري(�سورة البقرة‪ :‬الآية ‪.)54‬‬
‫(‪ )28‬تف�سري (روح املعاين) للألو�سي (احل�شر‪.)24:‬‬
‫(‪�( )29‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)290:‬البارئ)‪.‬‬
‫(‪�( )30‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)51 :‬‬
‫س ُ‬
‫ن‬ ‫الم ْح ِ‬
‫ص ِّو ُر ‪ُ -‬‬
‫الم َ‬ ‫ق ‪ -‬ال َبار ُ‬
‫ِئ ‪ُ -‬‬ ‫الخ َّ‬
‫ال ُ‬ ‫الخال ُ‬
‫ِق ‪َ -‬‬ ‫المجموعة السابعة عشرة ‪َ :‬‬ ‫‪323‬‬

‫«(املُ َ�ص ِّو ُر) م�ص ّور ال�صور‪ ،‬ومركبها على هيئات خمتلفة»(‪ ،)31‬وقال ابن كثري‪(« :‬املُ َ�ص ِّو ُر)‬
‫الذي ُين ّفذ ما يريد �إيجاده على ال�صفة التي يريدها»(‪ ،)32‬وقال الر�ضواين‪(« :‬املُ َ�ص ِّو ُر)‬
‫الذي �ص ّور املخلوقات ب�شتى ال�صور اجلليلة واخلفية واحل�سية والعقلية»(‪.)33‬‬
‫حك ُم»(‪ ،)35‬قال جماهد‪}« :‬ﮤ‬ ‫ُ‬
‫املتف�ضل املُن ِع ُم»(‪« )34‬املت ِقنُ املُ ِ‬ ‫‪ æ‬املُ ْح ِ�سنُ ‪« :‬‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ{[ال�سجدة‪� ،]7:‬أحكم كل �شيء خلقه حتى �أتقنه»(‪ ،)36‬وقال‬
‫املناوي‪« :‬الإح�سان له و�صف الزم ال يخلو موجود عن �إح�سانه طرفة عني‪ ،‬فال بد‬
‫لكل مكون من �إح�سانه �إليه بنعمة الإيجاد ونعمة الإمداد»(‪ ،)37‬وقال ابن القيم‪:‬‬
‫«الذي َتع َّرف �إلى عباده ب�أو�صافه و�أفعاله و�أ�سمائه‪ ،‬وحتبب �إليهم بنعمه و�آالئه‪،‬‬
‫وابتد�أهم ب�إح�سانه وعطائه‪ ،‬فهو (املُ ْح ِ�سنُ ) �إليهم واملجازي على �إح�سانه بالإح�سان‪،‬‬
‫فله النعمة والف�ضل والثناء احل�سن اجلميل»(‪.)38‬‬

‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬


‫خلا ِل ُق) هو الذي ين�شئ ال�شيء من العدم بتقدير وعلم‬ ‫خل َّال ُق‪(« :‬ا َ‬‫خلا ِل ُق ‪ -‬ا َ‬
‫‪æ‬ا َ‬
‫خل َّال ُق) فهو الذي يبدع يف خلقه ‪-‬كماً‬
‫ثم مب�شيئة وت�صنيع وخلق عن قدرة وغنى‪� ،‬أما (ا َ‬
‫وكيفاً‪ -‬بقدرته املطلقة‪ ،‬فيعيد ما خلق ويكرره كما كان‪ ،‬بل يخلق خلقا جديدا �أح�سن‬
‫مما كان»(‪.)39‬‬
‫‪æ‬ا َ‬
‫خلا ِل ُق ‪ -‬ال َبا ِر ُئ ‪ -‬املُ َ�ص ِّو ُر ‪ -‬املُ ْح ِ�سنُ ‪(« :‬ا َ‬
‫خلا ِلقُ ) املقدِّر قبل الإيجاد‪،‬‬
‫(‪ )31‬تف�سري (اجلامع لأحكام القر�آن) للقرطبي (احل�شر‪.)24:‬‬
‫(‪ )32‬تف�سري (القر�آن الكرمي) البن كثري (احل�شر‪.)24:‬‬
‫(‪�( )33‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)294:‬امل�صور)‪.‬‬
‫(‪( )34‬التمهيد ملا يف املوط�أ ‪ )..‬البن عبد الرب (جـ‪� - 22:‬ص‪.)212:‬‬
‫(‪( )35‬اجلامع لأحكام القر�آن) للقرطبي (ال�سجدة‪ :)7:‬قال‪�} :‬أَ ْح َ�سنَ {‪� :‬أي �أتقن و�أحكم‪.‬‬
‫(‪ )36‬تف�سري (النكت والعيون) للماوردي (ال�سجدة‪.)7:‬‬
‫(‪( )37‬في�ض القدير �شرح اجلامع ال�صغري) للمناوي (جـ‪� - 2:‬ص‪.)264 :‬‬
‫(‪( )38‬املرتع الأ�سنى ‪ ..‬من كتب ابن القيم) لعبد العزيز الداخل (�ص‪.)471 :‬‬
‫(‪�( )39‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)588-587:‬اخلالق)‪.‬‬
‫‪324‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫و(ال َبا ِر ُئ) املوجد من العدم على مقت�ضى اخللق والتقدير‪ .. ،‬و(املُ َ�ص ِّو ُر) املُ�ش ِّكل لكل‬
‫موجود على ال�صورة التي �أوجده عليها»(‪ ،)40‬وق ـ ــال البغ ـ ـ ــوي‪( « :‬ا َ‬
‫خلا ِلقُ ) املقدِّر‬
‫واملقلب لل�شيء بالتدبري �إلى غريه‪( ،‬ال َبا ِر ُئ) املن�شئ للأعيان من العدم �إلى الوجود‪،‬‬
‫(املُ َ�ص ِّو ُر) املمثل للمخلوقات بالعالمات التي يتميز بع�ضها عن بع�ض»(‪ ،)41‬فاهلل‬
‫يقدر‪ ،‬ثم يخرج مقدوره من العدم‪ ،‬ثم يهبه عالمة متيزه عما �سواه من املقدورات‪ ،‬و�أ�شار‬
‫ال�شيخ عبدالعزيز اجلليل �إلى �أن‪« :‬هذه الفروق تعرف عند اجتماع هذه الأ�سماء‪� ،‬أما‬
‫عند افرتاقها ف�إن كل ا�سم من هذه الأ�سماء احل�سنى ي�شمل معناه ومعاين اال�سمني‬
‫الآخرين ‪-‬واهلل �أعلم»(‪ ،)42‬يقول ابن القيم‪�« :‬إن ال َبارِئ امل ُ َ�ص ِّور تف�صيل ملعنى ا�سم‬
‫الخْ َ ـالِق»(‪ .)43‬و�أما (املُ ْح ِ�سنُ ) فهو الذي �أحكم اخللق والتقدير‪ ،‬و�أتقن الإيجاد والتنفيذ‪،‬‬
‫و�أح�سن الهيئة وال�صورة‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬ﭶ ﭷ ﭸ {[التغابن‪ ،]3:‬وقال تعالى‪:‬‬
‫}ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ{ [ال�سجدة‪.]7:‬‬
‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬
‫خل َّالق)‬ ‫ال ُق‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سميه ‪�-‬سبحانه (ا َ‬
‫خلا ِلق ‪ -‬ا َ‬ ‫خلا ِل ُق ‪ -‬ا َ‬
‫خل َّ‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫«�صفة (الخْ َ ْل ِق) وهي من �صفات اهلل الفعلية الثابتة بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)44‬قال تعالى‪:‬‬
‫} ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ{[الأعراف‪ .]54 :‬ومن ال�سنة قوله ‪( :¤‬قال اهلل ‪-‬تعالى‪ :‬ومن‬
‫�أظلم ممن ذهب يخلق َك َخ ْلقي ‪.)45()..‬‬
‫‪ æ‬ال َبا ِر ُئ‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه �سبحانه (ال َبا ِرئ) «�صفة (الإبراء) كو�صف‬
‫(‪ )40‬تف�سري (�أ�ضواء البيان) لل�شنقيطي عند تف�سري الآية (‪ )23‬من �سورة احل�شر‪.‬‬
‫(‪ )41‬تف�سري (معامل التنزيل) للبغوي (احل�شر‪.)24:‬‬
‫(‪( )42‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪.)446 - 445 :‬‬
‫(‪�( )43‬شفاء العليل) البن القيم (جـ‪� - 2:‬ص‪.)757:‬‬
‫(‪�( )44‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)113 :‬‬
‫(‪ )45‬رواه البخاري برقم (‪ ،)7559‬وم�سلم برقم (‪.)2111‬‬
‫س ُ‬
‫ن‬ ‫الم ْح ِ‬
‫ص ِّو ُر ‪ُ -‬‬
‫الم َ‬ ‫ق ‪ -‬ال َبار ُ‬
‫ِئ ‪ُ -‬‬ ‫الخ َّ‬
‫ال ُ‬ ‫الخال ُ‬
‫ِق ‪َ -‬‬ ‫المجموعة السابعة عشرة ‪َ :‬‬ ‫‪325‬‬

‫فعل»(‪ ،)46‬قال تعالى‪ } :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬


‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ{[احلديد‪ ،]22:‬ومن الأثر ما‬
‫جاء عن علي بن �أبي طالب ‹‪« :‬والذي فلق احلبة‪ ،‬وبر�أ الن�سمة ‪.)47(»..‬‬
‫‪ æ‬املُ َ�ص ِّو ُر‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (املُ َ�ص ِّور) «�صفة (الت�صوير) وهي‬
‫من �صفات الأفعال»(‪ ،)48‬قال تعالى‪ }:‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ{[الأعراف‪،]11:‬‬
‫ومن ال�سنة قوله ‪�( :¤‬سجد وجهي للذي خلقه و�ص َّوره‪ ،‬و�شق �سمعه وب�صره)(‪.)49‬‬
‫‪ æ‬املُ ْح ِ�سنُ ‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (املُ ْح ِ�سن) «�صفة (ا ِلإ ْح َ�سان)‬
‫وهي من �صفات اهلل الفعلية الثابتة بالكتاب وال�سنة‪ ،‬والإح�سان ي�أتي مبعنيني؛‬
‫الأول‪ :‬الإنعام على الغري‪ ،‬وهو زائد على العدل‪ ،‬والثاين‪ :‬الإتقان والإحكام»(‪،)50‬‬
‫قال تعالى‪ } :‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ{[الطالق‪ ،]11:‬وقال تعالى‪ } :‬ﭶ ﭷ ﭸﭹ‬
‫ﭺ ﭻ{[التغابن‪ ،]3:‬ومن ال�سنة �أن ر�سول اهلل ‪ ¤‬كان �إذا �سجد يقول‪( :‬اللهم لك‬
‫�سجدت‪ ،‬ولك �أ�سلمت‪ ،‬وبك �آمنت‪� ،‬سجد وجهي للذي خلقه و�صوره‪ ،‬ف�أح�سن �صورته‪،‬‬
‫و�شق �سمعه وب�صره‪ ،‬تبارك اهلل �أح�سن اخلالقني)(‪.)51‬‬

‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬


‫‪æ‬ا َ‬
‫خلا ِل ُق ال َبا ِر ُئ املُ َ�ص ِّو ُر‪ :‬ورد االقرتان بينها مرة واحدة يف قوله تعالى‪}:‬ﯣ‬
‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ{[احل�شر‪ ،]24:‬يقول الغزايل‪« :‬كل ما يخرج من العدم‬
‫�إلى الوجود‪ ،‬يفتقر �إلى التقدير �أو ًال‪ ،‬و�إلى الإيجاد على وفق التقدير ثانياً‪ ،‬و�إلى‬
‫(‪�( )46‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)291:‬البارئ)‬
‫(‪ )47‬رواه البخاري برقم (‪.)3047‬‬
‫(‪�( )48‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)296:‬امل�صور)‬
‫(‪ )49‬رواه م�سلم برقم (‪.)771‬‬
‫(‪�( )50‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)42 :‬‬
‫(‪ )51‬رواه الن�سائي و�صححه الألباين يف �صحيح الن�سائي برقم (‪.)1125‬‬
‫‪326‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الت�صوير بعد الإِيجاد ثالثاً‪ ،‬واهلل ‪-‬تعالى‪ -‬خالق من حيث �إنه مقدِّر‪ ،‬وبارئ من‬
‫مرتب �صور املخرتعات �أح�سن‬ ‫ٌ‬ ‫حيث �إنه خمرتع موجد‪ ،‬وم�صور من حيث �إنه‬
‫ترتيب»(‪ ،)52‬وبذلك ينتظم اقرتان هذه الأ�سماء الثالثة؛ فاخللق �أوال ً‪ :‬وهو تقدير وجود‬
‫املخلوق‪ ،‬ثم بريه‪ :‬وهو �إيجاده من العدم‪ ،‬ثم جعله بال�صورة التي �شاءها ‪�-‬سبحانه‪ .‬وكما‬
‫ذكر ال�شيخ عبدالعزيز اجلليل ف�إن هذه الأ�سماء الثالثة تفرتق معانيها عند االجتماع‪،‬‬
‫وجتتمع عند االفرتاق‪.‬‬
‫خلا ِلق) مرتني يف قوله تعالى‪ } :‬ﮏ‬ ‫‪ æ‬ال َو ِك ُ‬
‫يل‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ا َ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ{[الزمر‪ ،]62:‬وقوله تعالى‪} :‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ{‬
‫[الأنعام‪ ،]102:‬واحلكمة من ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬للربط بني اخللق والتدبري ‪ ..‬فكما �أن اهلل –‬
‫�سبحانه وتعالى‪ -‬خالق كل �شيء‪ ،‬وكل �شيء حمتاج �إليه يف حدوثه و�إيجاده‪ ،‬فكذلك هو مدبر‬
‫لكل �شيء‪ ،‬وكل �شيء حمتاج �إليه يف �إمداده وبقائه‪ ،‬يقول الألو�سي‪« :‬وحا�صله �أنه ‪-‬تعالى‪-‬‬
‫يتولى حفظ كل �شيء بعد خلقه‪ ،‬فيكون �إ�شارة �إلى احتياج الأ�شياء �إليه ‪-‬تعالى‪ -‬يف‬
‫بقائها كما �أنها حمتاجة �إليه يف وجودها»(‪.)53‬‬
‫الواحد القها ُر‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه – �سبحانه (ا َ‬
‫خلا ِلق) مرة واحدة يف قوله‬ ‫ُ‬ ‫‪æ‬‬

‫تعالى‪ } :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ {[الرعد‪ ،]16:‬واحلكمة من ذلك – واهلل‬


‫�أعلم – للربط بني اخللق والعبادة‪ ،‬و�أنه �إذا مل يكن اخللقُ �إال من ٍ‬
‫واحد ال نظري له‪ ،‬فكذلك‬
‫مل يكن اخلالقُ �إال واحد ًا ال �شريك له‪ ،‬وهو الذي ي�ستح ُّق العباد َة وحده كما كان خالقا وحده‬
‫�شريك وال نظري‪ ،‬والقهر مالزم للوحدة‪ ،‬فالذي يقهر كل الأ�شياء هو الذي ي�ستحق �أن‬ ‫ٍ‬ ‫بال‬
‫يعبد وحده كما كان قاهرا وحده‪ ،‬يقول ال�شيخ ال�سعدي‪« :‬من املحال �أن يخلق �شيء من‬
‫الأ�شياء نف�سه‪ ،‬ومن املحال �أي�ضاً �أن يوجد من دون خالق‪ ،‬فتعني �أن لها �إلهاً خالقاً‬
‫(‪( )52‬املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص‪.)72 :‬‬
‫(‪ )53‬تف�سري (روح املعاين) للألو�سي (الآية ‪� - 62‬سورة الزمر)‪.‬‬
‫س ُ‬
‫ن‬ ‫الم ْح ِ‬
‫ص ِّو ُر ‪ُ -‬‬
‫الم َ‬ ‫ق ‪ -‬ال َبار ُ‬
‫ِئ ‪ُ -‬‬ ‫الخ َّ‬
‫ال ُ‬ ‫الخال ُ‬
‫ِق ‪َ -‬‬ ‫المجموعة السابعة عشرة ‪َ :‬‬ ‫‪327‬‬

‫ال �شريك له يف خلقه‪ ،‬لأنه الواحد القهار‪ ،‬ف�إنه ال توجد الوحدانية والقهر �إال هلل‬
‫وحده‪ ،‬فاملخلوقات وكل خملوق فوقه خملوق يقهره‪ ،‬ثم فوق ذلك القاهر قاهر‬
‫�أعلى منه‪ ،‬حتى ينتهي القهر للواحد القهار‪ ،‬فالقهر والتوحيد متالزمان متعينان‬
‫هلل وحده‪ ،‬فتبني بالدليل العقلي القاهر‪� ،‬أن ما ُيدعى من دون اهلل لي�س له �شيء من‬
‫خلق املخلوقات‪ ،‬وبذلك كانت عبادته باطلة»(‪.)54‬‬
‫‪ æ‬العليم‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه (الخْ َ َّالق) مرتني يف قوله تعالى‪} :‬ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ{ [احلجر‪ ،]86:‬وقوله تعالى‪ } :‬ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ{ [ي�س‪ ،]81:‬وال�سر يف‬
‫ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪� -‬أن «خلقه ‪�-‬سبحانه‪ -‬للأ�شياء والأحياء �إمنا هو عن علم منه‬
‫‪�-‬سبحانه‪ -‬مبا يخلق‪ ،‬كيف يخلقه‪ ،‬ومتى يخلقه‪ ،‬ويعلم احلكمة من خلقه‪� ،‬أي �أنه‬
‫‪�-‬سبحانه وتعالى‪ -‬مل يخلق �شي ًئا عب ًثا و�سدى‪ ،‬بل خلقه عن علم وحكمة و�إرادة»(‪.)55‬‬

‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪:‬‬


‫‪ æ‬الأثر العلمي االعتقادي‪:‬‬
‫قال ال�شيخ ال�سعدي‪« :‬ا َ‬
‫خلا ِل ُق ال َبا ِر ُئ املُ َ�ص ِّو ُر‪ :‬الذي خلق جميع املوجودات‬
‫وبر�أها و�س ّواها بحكمته‪ ،‬و�ص ّورها بحمده وحكمته‪ ،‬وهو مل يزل ‪-‬وال يزال‪ -‬على‬
‫هذا الو�صف العظيم»(‪ .. )56‬فاهلل ‪�-‬سبحانه وتعالى‪ -‬هو املنفرد بخلق جميع املخلوقات‪،‬‬
‫وبر�أ بحكمته جميع الرب ّيات‪ ،‬و�ص ّور ب�إحكامه جميع الكائنات‪َ ،‬ف َخ َلقها وفطرها يف الوقت‬
‫املنا�سب لها‪ ،‬وقدر خلقها �أح�سن تقدير‪ ،‬و�صنعها �أتقن �صنع‪ ،‬و�أعطى كل �شيء خلقه الالئق‬
‫به‪ ،‬ثم هدى كل خملوق مل�صاحله وملا خلق له‪.‬‬
‫(‪ )54‬تف�سري ال�سعدي عند تف�سري الآية (‪ )16‬من (�سورة‪ :‬الرعد) (�ص‪.)370:‬‬
‫(‪( )55‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪.)356:‬‬
‫(‪ )56‬تف�سري ال�سعدي (ف�صل �شرح الأ�سماء احل�سنى) (�ص‪.)71:‬‬
‫‪328‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪ æ‬الأثر العملي‪:‬‬
‫‪1.1‬توحيد اهلل ‪�-‬سبحانه وتعالى‪ ،‬و�إفراده وحده بالعبادة‪ ،‬لكونه ‪�-‬سبحانه‪ -‬اخلالق‬
‫وحده‪ ،‬وهذا ما احتج به اهلل على امل�شركني الذين ُيق ِّرون ب�أنه اخلالق وحده‪،‬‬
‫ثم هم يعبدون غريه ممن ال يخلق!‪ ،‬قال �سبحانه‪} :‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ{[الأعراف‪.]191 :‬‬
‫‪2.2‬الإقرار بعلم اخلالق ‪�-‬سبحانه‪ -‬بجزئيات خلقه كلها‪� ،‬صغريها وكبريها‪ ،‬دقيقها‬
‫وجليلها‪ ،‬ومن �أح�سن الأدلة يف االحتجاج على �إثبات علمه ‪�-‬سبحانه‪ -‬باجلزئيات‬
‫كلها‪ ،‬قوله تعالى‪ }:‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ{[امللك‪ .]14 -13 :‬‬
‫‪3.3‬حمبة اهلل غاية احلب‪ ،‬والتذلل له غاية التذلل؛ لأنه ‪�-‬سبحانه‪ -‬الذي خلقنا‪ ،‬و�أنعم‬
‫علينا بنعمة الإيجاد بعد �أن مل نكن �شي ًئا مذكو ًرا‪ ،‬كما قال تعالى‪ }:‬ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ{[الإن�سان‪ ،]1:‬ثم �أمدنا ‪�-‬سبحانه‪-‬‬
‫مبا خلقه يف هذا الكون من نعم‪ ،‬ومبا خلق يف قلوب الأمهات والآباء من الرحمة‬
‫والرعاية‪ ،‬ومبا �أمدنا به من ال�سمع والب�صر والأفئدة وغري ذلك من النعم التي ال‬
‫تعد وال حت�صى‪.‬‬
‫‪�4.4‬شكر اهلل اخلالق ‪�-‬سبحانه‪ -‬بالقول والعمل‪ ،‬وطاعته على نعمة اخللق والإيجاد‪،‬‬
‫إن�سان من بني �آدم على �ستني وثالثمائة مف�صل‪ ،‬فمن‬
‫كل � ٍ‬‫قال ‪�(:¤‬إنه ُخ ِل َق ُّ‬
‫َكبرَّ اهلل‪َ ،‬‬
‫وحمِد اهلل‪ ،‬وهلَّل اهلل‪ ،‬و�س َّبح اهلل‪ ،‬وا�ستغفر اهلل‪ ،‬وعزل حجر ًا‬
‫ً‬
‫�شوكة �أو عظم ًا من طريق النا�س‪ ،‬و�أمر مبعروف‪� ،‬أو‬ ‫عن طريق النا�س‪� ،‬أو‬
‫ال�سال َمى‪ ،‬ف�إنه مي�شي يومئذ‬
‫نهى عن منكر‪ ،‬عدد تلك ال�ستني والثالثمائة ُّ‬
‫نف�سه عن النار)(‪  .)57‬‬ ‫وقد َز َ‬
‫حز َح َ‬
‫(‪ )57‬رواه م�سلم برقم (‪.)1007‬‬
‫س ُ‬
‫ن‬ ‫الم ْح ِ‬
‫ص ِّو ُر ‪ُ -‬‬
‫الم َ‬ ‫ق ‪ -‬ال َبار ُ‬
‫ِئ ‪ُ -‬‬ ‫الخ َّ‬
‫ال ُ‬ ‫الخال ُ‬
‫ِق ‪َ -‬‬ ‫المجموعة السابعة عشرة ‪َ :‬‬ ‫‪329‬‬

‫‪5.5‬تعظيم اهلل ‪�-‬سبحانه‪ ،‬وتكبريه و�إجالله عند معاينة خملوقاته العظيمة يف‬
‫الآفاق والأنف�س؛ لأن عظمة هذه املخلوقات ودقتها وانتظامها يدل على عظمة‬
‫خالقها و�إتقانه ملا خلق‪ ،‬ولعل مطالعة �سريعة مل�شاهد الإعجاز يف �آث��ار ا�سمه‬
‫‪�-‬سبحانه (املُ َ�ص ِّور) تبني هذا الأم��ر‪ ،‬حيث يعي�ش على هذه الأر���ض ما يقرب‬
‫من ثمانية مليارات ن�سمة‪ ،‬كل واحد منهم تغاير �صورته �صورة غريه يف املالمح‬
‫وال�سمات‪ ،‬ويف الألوان والهيئات ‪� ..‬إنها عظمة هذا اخلالق العظيم الذي �أح�سن‬
‫كل �شيء خلقه‪ ،‬كما قال �سبحانه‪ } :‬ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ‬
‫ﰓ{[النمل‪.]88 :‬‬
‫‪6.6‬قبول �شرع اهلل‪ ،‬واحلكم به‪ ،‬والتحاكم �إليه‪ ،‬وعدم الر�ضا بغريه بدي ًال؛ لأنه ال�شرع‬
‫ال�صادر عن اخلالق احلكيم العليم بخلقه‪ ،‬ونوازعهم‪ ،‬وم�صاحلهم‪ ،‬فكان �أح�سن‬
‫ال�شرع و�أكمله و�أ�صلحه‪ } :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ{[امللك‪.]14 :‬‬
‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫ال ُق ‪ -‬ال َبا ِر ُئ ‪ -‬املُ َ�ص ِّو ُر ‪ -‬املُ ْح ِ�سنُ ) من �أ�سماء الأفعال الدالة على‬ ‫خلا ِل ُق ‪ -‬ا َ‬
‫خل َّ‬ ‫(ا َ‬
‫�صفات اهلل الفعلية (الخْ َ ْلق والإبراء والت�صوير وا ِلإ ْح َ�سان)‪ ،‬وهي �صفات تتعلق بامل�شيئة‪� ،‬إن‬
‫�شاء اهلل فعلها ‪� -‬سبحانه ‪ -‬و�إن �شاء مل يفعلها؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل ‪�-‬سبحانه‬
‫وتعالى‪ -‬والثناء عليه‪ ،‬والتو�سل �إليه‪ ،‬بهذه الأ�سماء‪ ،‬يف حاجات العبد التي تنا�سب معانيها‪،‬‬
‫خللق وجتميل ال�صورة الظاهرة والباطنة‪ ،‬قال تعالى‪}:‬ﮤ ﮥ‬ ‫كدعاء اهلل بتح�سني ا ُ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ{[ال�سجدة‪]7:‬؛ ولذا جاء عنه ‪� ¤‬أنه كان‬
‫فح�س ْن ُخ ُلقي)(‪ ،)58‬وجاء يف �صفة �صالته ‪ ..« :¤‬و�إذا‬ ‫ح�سنْتَ َخ ْلقي‪ِّ ،‬‬ ‫يقول‪(:‬اللهم كما َّ‬
‫�سجد قال‪( :‬اللهم لك �سجدت‪ ،‬وبك �آمنت‪ ،‬ولك �أ�سلمت‪� ،‬سجد وجهي للذي خلقه‬
‫و�صوره‪ ،‬و�شق �سمعه وب�صره‪ ،‬تبارك اهلل �أح�سن اخلالقني) ثم يكون من �آخر ما يقول‬
‫(‪ )58‬رواه الإمام �أحمد و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)1307‬‬
‫‪330‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫بني الت�شهد والت�سليم‪(:‬اللهم اغفر يل ما قدمت وما �أخرت‪ ،‬وما �أ�سررت وما �أعلنت‪ ،‬وما‬
‫�أ�سرفت‪ ،‬وما �أنت �أعلم به مني‪� ،‬أنت املقدم و�أنت امل�ؤخر‪ ،‬ال �إله �إال �أنت)(‪.)59‬‬

‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬


‫‪ æ‬قال تعالى‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ{[احلج‪� ،]73:‬إنها دعوة لتدبر حقيقة‬
‫املعبودات التي ُتعبد من دون اهلل‪ ،‬و�أنها لن ت�ستطيع �أن تخلق �شيئ ًا مهما يكن تافها حقري ًا‬
‫كالذباب‪ ،‬ولو ت�ضافروا جميع ًا على خلقه‪ ،‬بل �إن هذا الذباب لو َ�س َل َب من الأ�صنام �شيئا من‬
‫القرابني التي ُتق َّدم �إليها‪ ،‬كما قال ابن عبا�س‪« :‬كانوا َي ْط ُلون �أ�صنامهم بال ّزعفران فتجِ ّف‬
‫في�أتي فيختل�سه»(‪ ،)60‬ف�إنها ال ت�ستطيع �أن متنعه عنه �أو ت�سرتده منه‪�َ ،‬ض ُع َف الطالب‪ ،‬وهي‬
‫هذه املعبودات التي هُ زمت �أمام الذباب يف ا�سرتداد ما �سلبه منها‪ ،‬و�ضعف املطلوب وهو‬
‫الذباب ال�صغري احلقري‪ ،‬ف�إذا كانت هذه املعبودات ال ت�ستطيع خلق �أو دفع �أذية مثل هذا‬
‫الذباب الذي هو �أ�ضعف حيوان و�أحقره‪ ،‬فكيف يجوز �أن تكون �آلهة معبودة‪ ،‬و�أرباب ًا مطاعة؟!‪.‬‬
‫‪ æ‬عن �أبي هريرة ‹‪ ،‬قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ‪( :¤‬قال اهلل ‪ :‬ومن �أظلم ممن‬
‫ذهب يخلق كخلقي‪ ،‬فليخلقوا ذرة‪� ،‬أو ليخلقوا حبة‪� ،‬أو �شعرية!)(‪.)61‬‬
‫‪ æ‬عن عمران بن ح�صني ‹‪ ،‬قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ‪( :¤‬ال طاعة ملخلوق يف‬
‫مع�صية اخلالق)(‪.)62‬‬
‫‪ æ‬قال احل�سن الب�صري‪« :‬من �أح�سن عبادة اهلل يف �شبيبته ل ّقاه اهلل احلكمة عند‬
‫كرب �سِ ّنه‪ ،‬وذلك قوله‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ {[الق�ص�ص‪.)63(»]14:‬‬
‫(‪ )60‬تف�سري (اجلامع لأحكام القر�آن) للقرطبي (الآية (‪ )73‬من �سورة احلج)‪.‬‬ ‫(‪ )59‬رواه م�سلم برقم (‪ .)771‬‬
‫(‪ )61‬متفق عليه‪ :‬رواه البخاري برقم (‪ ،)7559‬ورواه م�سلم برقم (‪ )2111‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫(‪ )62‬رواه الإمام �أحمد واحلاكم و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)7520‬‬
‫(‪( )63‬املجال�سة وجواهر العلم) لأبي بكر �أحمد الدينوري (�ص‪ )56:‬رقم الأثر (‪.)315‬‬
‫س ُ‬
‫ن‬ ‫الم ْح ِ‬
‫ص ِّو ُر ‪ُ -‬‬
‫الم َ‬ ‫ق ‪ -‬ال َبار ُ‬
‫ِئ ‪ُ -‬‬ ‫الخ َّ‬
‫ال ُ‬ ‫الخال ُ‬
‫ِق ‪َ -‬‬ ‫المجموعة السابعة عشرة ‪َ :‬‬ ‫‪331‬‬

‫‪« æ‬ملا ويل عمر بن هبرية الفزاري العراق وخرا�سان �سنة (‪ 103‬هـ)‪ ،‬ا�ستدعى‬
‫احل�سن الب�صري وحممد بن �سريين وال�شعبي‪ ،‬فقال لهم‪� :‬إن يزيد بن عبدامللك خليفة‬
‫اهلل‪ ،‬ا�ستخلفه على عباده‪ ،‬و�أخذ عليهم امليثاق بطاعته‪ ،‬و�أخذ عهدنا بال�سمع والطاعة‪،‬‬
‫وقد والين ما ترون‪ ،‬فيكتب �إيل بالأمر من �أمره؛ ف�أنفذ ذلك الأمر‪ ،‬فما ترون؟!‪ ،‬فقال ابن‬
‫�سريين وال�شعبي قوال فيه تقية!‪ ،‬فقال ابن هبرية‪ :‬ما تقول يا ح�سن؟‪ ،‬فقال‪ :‬يا ابن هبرية‬
‫خف اهلل يف يزيد‪ ،‬وال تخف يزيد يف اهلل!‪� ،‬إن اهلل مينعك من يزيد‪ ،‬و�إن يزيد ال‬
‫مينعك من اهلل‪ ،‬و�أو�شك اهلل �أن يبعث �إليك ملكاً فيزيلك عن �سريرك‪ ،‬ويخرجك‬
‫من �سعة ق�صرك‪� ،‬إلى �ضيق قربك‪ ،‬ثم ال ينجيك �إال عملك‪ ،‬يا ابن هبرية‪� :‬إن تع�ص‬
‫اهلل ف�إمنا جعل اهلل هذا ال�سلطان نا�صراً لدين اهلل وعباده‪ ،‬فال تركنب دين اهلل‬
‫وعباده ب�سلطان اهلل‪ ،‬ف�إنه ال طاعة ملخلوق يف مع�صية اخلالق‪ ،‬ف�أجازهم ابن هبرية‬
‫و�أ�ضعف جائزة احل�سن‪ ،‬فقال ال�شعبي البن �سريين‪� :‬سف�سفنا له ف�سف�سف لنا!»(‪.)64‬‬
‫فجعل يف ي�ساري‪ ،‬وجيء باخلري‪،‬‬ ‫‪ æ‬قال مطرف بن عبداهلل‪« :‬لو �أخرج قلبي‪ُ ،‬‬
‫فجعل يف مييني‪ ،‬ما ا�ستطعت �أن �أولج قلبي منه �شيئاً حتى يكون اهلل ي�ضعه»(‪.)65‬‬
‫ُ‬
‫‪ æ‬قال جار لأبي رجاء العطاردي‪� :‬أتيته ب�إبنني يل قد �ألب�ستهم وهي�أتهم‪ ،‬فقلت‪ :‬ادع اهلل‬
‫يل فيهم بالربكة‪ ،‬قال‪« :‬اللهم قد �أح�سنت نبتهم؛ ف�أح�سن ح�صدتهم»(‪� .)66‬أي خامتتهم‪.‬‬
‫قال تعالى‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬ ‫‪æ‬‬

‫ﭚﭛﭜﭝ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ‬


‫ﭫﭬﭭﭮ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ{[البقرة‪ ،]164:‬قال احل�سن الب�صري‪ :‬كان‬
‫�أ�صحاب ر�سول اهلل ‪ ¤‬يقولون‪« :‬احلمد هلل املوفق امل ُ َر ِّبي الذي لو جعل هذا ا َ‬
‫خل ْل َق َخ ْل ًقا‬
‫(‪( )64‬وفيات الأعيان) البن خلكان (جـ ‪� - 2 :‬ص‪.)72 - 71 :‬‬
‫(‪�( )65‬سري �أعالم النبالء) للإمام الذهبي (�ص‪ )3863 :‬يف ترجمة الإمام (مطرف بن عبداهلل بن ال�شخري)‪.‬‬
‫(‪( )66‬حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ‪� – 3 :‬ص‪.)307 :‬‬
‫‪332‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫خل ْلقِ َر ٌّب لحَ ا َد َث ُه(‪ ،)68‬و�إن‬ ‫اك يف اهلل‪ :‬لو كان لهذا ا َ‬ ‫دائماً ال َي َت َ�ص َّر ُف(‪)67‬؛ لقال ّ‬
‫ال�ش ُّ‬
‫ني(‪ ،)69‬وجعل‬ ‫اهلل قد حا َد َثه مبا ترون من الآيات‪� ،‬إ َّنه جاء ب�ضوء َط َّب َق ما بني اخلا ِف ِق َ‬
‫خل ْلقِ وجاء بظلمة َط َّب َقتْ ما‬ ‫فيها معا�شاً و�سراجاً وهاجاً‪ ،‬ثم �إذا �شاء ذهب بذلك ا َ‬
‫ني‪ ،‬وجعل فيها َ�س َك ًنا ونجُ ُ و ًما وقمراً منرياً‪ .‬و�إذا �شاء بنى بنا ًء(‪ )70‬جعل‬ ‫بني اخلا ِف ِق َ‬
‫فيه من املطر والربق والرعد وال�صواعق ما �شاء‪ ،‬و�إذا �شاء �صرف ذلك وجاء ببرَ ْ ٍد‬
‫فا�س النا�س‪ ،‬ثم �إذا �شاء‬ ‫ُي َق ْرق ُِف(‪ )71‬النا�س‪ ،‬و�إذا �شاء ذهب بذلك وجاء ِب َح ٍّر ي�أخذ ب�أ ْن َ‬
‫ذهب بذلك وجاء بنباتٍ و�أزها ٍر وخ�ضر ٍة وفواكه تده�ش العقول والأفكار من بهجتها‬
‫خل ْلقِ َر ّباً ُيحا ِد ُث ُه‬
‫النا�س �أ َّن لهذا ا َ‬‫وح�سنها و�أرواح طيبها‪ ،‬ثم �إذا �شاء ذهب بذلك ِل َي ْعلَ َم ُ‬ ‫ُ‬
‫مبا ترون من الآيات‪ ،‬كذلك �إذا �شاء �سبحانه ذهب بالدنيا وجاء بالآخرة»(‪ .)72‬وقال‬
‫خليفة العبدي‪« :‬لو �أن اهلل تبارك وتعالى مل ُيعبد �إال عن ر�ؤي ٍة ما عبدَه �أحد(‪ ،)73‬ولكن‬
‫امل�ؤمنني تفكروا يف جميء هذا الليل �إذا جاء فملأ كل �شيء‪ ،‬وغطى كل �شيء‪ ،‬ويف‬
‫ال�س َح ِاب المْ ُ َ�س َّخ ِر َبينْ َ َّ‬
‫ال�س َما ِء‬ ‫جميء �سلطان النهار �إذا جاء فمحا �سلطان الليل‪ ،‬ويف َّ‬
‫هلل ما زال امل�ؤمنون يتف َّكرون فيما خل َق‬ ‫الَ ْر ِ�ض‪ ،‬ويف النجوم‪ ،‬ويف ال�شتاء وال�صيف‪ ،‬فوا ِ‬ ‫َو ْ أ‬
‫ر ُّبهم تبارك وتعالى حتى �أيقنت قلو ُبهم بربهم ‪ ،‬وحتى ك�أمنا عبدوا اهلل تبارك‬
‫وتعالى عن ر�ؤية»(‪.)74‬‬
‫ريف ال�شيء‪ :‬تغيريه من جهة �إلى جهة‪.‬‬ ‫(‪ )67‬ال َيت ََ�ص َّرف‪� :‬أي ال َي َت َق َّل ُب وال َت َتغيرَّ ُ �أحواله‪ ،‬وت َْ�ص ُ‬
‫وغي �أحواله‪.‬‬ ‫خل ْل ِق َر ٌّب لحَ ا َد َثهُ‪� :‬أي جدد وجوده رّ‬ ‫(‪ )68‬لو كان لهذا ا َ‬
‫قان امل�شرق واملغرب‪ ،‬وذلك �أن املغرب يقال له اخلا ِفقُ‬ ‫َ‬
‫وع َّم ما بينهما‪ ،‬قال �أبو الهيثم‪ :‬ا َ‬
‫خلا ِف ِ‬ ‫َ‬
‫(‪َ )69‬ط َّبقَ ما بني اخلا ِف ِقنيَ‪ :‬ملأ َ‬
‫َ‬
‫قان‪ ،‬كما قالوا‪ :‬الأبوان‪( .‬ل�سان العرب)‬ ‫وهو الغائب‪ ،‬ف َغ َّل ُبوا املغرب على امل�شرق فقالوا‪ :‬اخلا ِف ِ‬
‫َ‬
‫أمثال اجلبال فيخرج منه املطر والربق والرعد‪.‬‬ ‫ال�سحاب ب�أن ي�سوقه ف َيج َع ُل ُه ُر َكام ًا � َ‬
‫ُ‬ ‫(‪ )70‬يق�صد بـ(بنى بنا ًء)‪� :‬أي �أ َّل َف بني‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫(‪ُ )71‬ي َق ْر ِق ُف‪� :‬أي يق َْ�ش َع ُّر ويرتع ُد من الربد‪ ،‬من ال َق ْر َق َفة‪� :‬أي ال ِّر ْعدة‪ ،‬يقال‪� :‬إين لأ َق ْر ِقف من الربد �أي �أ ْر َعدُ‪.‬‬
‫(‪( )72‬تف�سري �آيات �أ�شكلت) ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية (�ص‪ )488 – 486 :‬والأثر رواه ابن �أبي الدنيا يف كتاب (املطر)‪ ،‬و�أبو‬
‫ال�شيخ الأ�صبهاين يف كتاب (العظمة)‪ ،‬وذكره ابن اجلوزي يف تف�سريه (زاد امل�سري)‪.‬‬
‫(‪( )73‬مل ُيعبد �إال عن ر�ؤي ٍة ما عبدَه �أحد)‪ :‬لأنه �سبحانه ال يراه �أحد يف الدنيا و�إمنا يراه امل�ؤمنون يف الآخرة‪ ،‬ومن رحمته بعباده �أن‬
‫�أر�سل ر�سله و�أنزل كتبه ونرث �آياته يف خملوقاته‪ ،‬ودعا عباده للت�أمل والتفكر حتى قامت احلجة‪ ،‬وتبني �أن اهلل هو احلق املبني‬
‫رب �سواه م�صداق ًا لقوله تعالى‪} :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ {[ف�صلت‪.]53:‬‬ ‫الذي ال �إله غريه وال َّ‬
‫(‪( )74‬كتاب العظمة) لأبي ال�شيخ الأ�صبهاين (جـ‪� - 1:‬ص‪ )326 – 325 :‬والأثر رواه �أبو نعيم يف (حلية الأولياء) (جـ‪� - 6:‬ص‪.)303 :‬‬
‫ه ْيمِ ُ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫فيظ ‪ُ -‬‬
‫الم َ‬ ‫الح‬ ‫الح ُ‬
‫افظ ‪َ -‬‬ ‫ح ُ‬
‫يط ‪َ -‬‬ ‫المجموعة الثامنة عشرة ‪ :‬ا ْل ُم ِ‬ ‫‪333‬‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ‪18‬ـــــــــة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ا ْل َه ْي َم َن ُة‬
‫(‪)61 - 60 - 59 - 58‬‬
‫فيظ ‪ -‬املُ َه ْي ِم ُن‬ ‫حل ُ‬ ‫افظ ‪ -‬ا َ‬
‫حل ُ‬‫يط ‪ -‬ا َ‬
‫المْ ُ ِح ُ‬
‫‪334‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الـمجـمـوعـ‪18‬ـة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ا ْل َه ْي َم َن ُة‬
‫(‪)61 - 60 - 59 - 58‬‬
‫حل ُ‬
‫فيظ ‪ -‬املُ َه ْيم ُِن‬ ‫افظ ‪ -‬ا َ‬
‫حل ُ‬‫يط ‪ -‬ا َ‬‫المْ ُ ِح ُ‬
‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫يط‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 8‬مرات) منها قوله تعالى‪} :‬ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ‬
‫‪ æ‬المْ ُ ِح ُ‬
‫ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ{[ف�صلت‪ ،]54:‬ومل يرد اال�سم يف ال�سنة ب�سند‬
‫�صحيح‪ .‬وممن عده من العلماء‪ ،‬و�أدرجه �ضمن �أ�سماء اهلل احل�سنى‪ :‬احلافظ ابن حجر(‪،)1‬‬
‫والإمام القرطبي(‪ ،)2‬والإمامني البيهقي واحلليمي(‪ ،)3‬واخلطابي(‪ ،)4‬وال�شيخ عبدالرحمن‬
‫ال�سعدي(‪ ،)5‬وال�شيخ عبدالعزيز بن باز(‪ ،)6‬وال�شيخ حممد العثيمني(‪- )7‬رحمهم اهلل �أجمعني‪.‬‬
‫افظ‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (مرتني) ب�صيغة املفرد‪ ،‬يف قول اهلل تعالى‪:‬‬ ‫حل ُ‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫} ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ{[يو�سف‪ ،]64:‬وقوله تعالى‪ }:‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ{[الطارق‪ ،]4:‬ومرتني ب�صيغة اجلمع يف قوله تعالى‪}:‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ{[احلجر‪ ،]9:‬وقوله تعالى‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ{[الأنبياء‪ ،]82:‬ومل يرد اال�سم يف ال�سنة ب�سند‬
‫�صحيح‪ .‬وممن عده من العلماء‪ ،‬و�أدرجه �ضمن �أ�سماء اهلل احل�سنى‪ :‬احلافظ ابن حجر(‪،)8‬‬
‫(‪( )1‬فتح الباري �شرح �صحيح البخاري) البن حجر الع�سقالين (جـ‪� - 3 :‬ص‪.)2806:‬‬
‫(‪( )2‬الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي (�ص ‪.)76 :‬‬
‫(‪( )3‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪ )113:‬ونقل فيه قول احلليمي‪.‬‬
‫(‪�( )4‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)102 :‬‬
‫(‪ )5‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)18 :‬‬
‫(‪�( )6‬شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى يف �ضوء الكتاب وال�سنة) مل�ؤلفه �سعيد القحطاين (�ص‪.)2:‬‬
‫(‪( )7‬القواعد املثلي يف �صفات اهلل و�أ�سمائه احل�سنى) البن عثيمني (�ص‪.)19 :‬‬
‫(‪( )8‬فتح الباري �شرح �صحيح البخاري) البن حجر الع�سقالين (جـ‪� - 3 :‬ص‪.)2806:‬‬
‫ه ْيمِ ُ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫فيظ ‪ُ -‬‬
‫الم َ‬ ‫الح‬ ‫الح ُ‬
‫افظ ‪َ -‬‬ ‫ح ُ‬
‫يط ‪َ -‬‬ ‫المجموعة الثامنة عشرة ‪ :‬ا ْل ُم ِ‬ ‫‪335‬‬

‫والإمام القرطبي(‪ ،)9‬والإمامني البيهقي واحلليمي(‪ ،)10‬وال�شيخ حممد العثيمني(‪- )11‬رحمهم‬


‫اهلل �أجمعني‪.‬‬
‫فيظ‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 3‬مرات) منها قوله تعالى‪ }:‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬ ‫حل ُ‬‫‪ æ‬ا َ‬
‫ﮖ ﮗ{[هود‪ ،]57:‬ومل يرد اال�سم يف ال�سنة ب�سند �صحيح‪.‬‬
‫‪ æ‬املُ َه ْيمِنُ ‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة‪ ،‬يف قوله تعالى‪ } :‬ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ{[احل�شر‪ ،]23:‬ومل يرد اال�سم يف ال�سنة ب�سند‬
‫�صحيح‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬
‫حيط �إحاط ًة‪ ،‬فهو‬‫يط‪« :‬ا�سم فاعل للمو�صوف بالإحاط ِةِ‪ ،‬فعله �أحاط ُي ُ‬ ‫‪ æ‬المْ ُ ِح ُ‬
‫يط) ا�سم الفاعل‪ ،‬من قولهم‪� :‬أحاط فالن بال�شيء‬ ‫حُميط»(‪ ،)12‬قال الزجاجي‪(« :‬المْ ُ ِح ُ‬
‫فهو حميط به‪� :‬إذا ا�ستولى عليه‪ ،‬و�ضم جميع �أقطاره ونواحيه‪ ،‬حتى ال ميكن التخل�ص‬
‫منه وال فوته»(‪.)13‬‬
‫افظ‪« :‬ا�سم فاعل للمو�صوف باحلِ ْف ِظ‪ ،‬فعله حفِظ يح َف ُظ حِ ْفظا‪ ،‬فهو‬ ‫حل ُ‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫حافظ‪ ،‬واحلافظ‪ :‬املو َّكل ب�شيء يحفظه ويحر�سه‪ ،‬وكذلك الذي ي�ضبط ال�شيء‬
‫وال ين�ساه‪ ،‬وي�ستظهره عن ظهر قلب»(‪« ،)14‬واحلفظ‪�َ :‬ص ْو ُن ال�شيء من الزوال‬
‫واالختالل»(‪.)15‬‬
‫فيظ‪�« :‬صيغة مبالغة من ا�سم الفاعل احلافظ‪ ،‬فعله حفِظ يح َف ُظ حِ ْفظا‪،‬‬ ‫حل ُ‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫(‪( )9‬الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي (�ص ‪.)76 :‬‬
‫(‪( )10‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪ )175:‬ونقل فيه قول احلليمي‪.‬‬
‫(‪( )11‬القواعد املثلي يف �صفات اهلل و�أ�سمائه احل�سنى) البن عثيمني (�ص‪.)19 :‬‬
‫(‪ )12‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ح و ط)‪.‬‬
‫(‪( )13‬ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص‪.)46 :‬‬
‫(‪ )14‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬حفظ)‪.‬‬
‫(‪( )15‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) للدكتور يو�سف املرع�شلي (�ص‪.)96:‬‬
‫‪336‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ُ‬
‫وحفظ ال�شيء‪� :‬صيانته من التلف وال�ضياع‪ ،‬وي�ستعمل احلفظ يف العلم على معنى‬
‫«وحف َ‬
‫ِظ ال�شيء‪:‬‬ ‫ال�ضبط وعدم الن�سيان‪� ،‬أو تعاهد ال�شيء وقلة الغفلة عنه»(‪َ ،)16‬‬
‫�صانه من التلف‪ ،‬وحر�سه‪ ،‬ورعاه‪� ،‬أو ا�ستظهره عن ظهر قلبه‪ ،‬و�ضبطه»(‪ .)17‬فنقي�ض‬
‫احلفظ باملعنى الأول‪ :‬الإهمال والت�ضييع‪ ،‬وباملعنى الثاين‪ :‬ال�سهو والن�سيان‪.‬‬
‫هيمن َه ْي َمن ًة‪،‬‬
‫هيمن ُي ُ‬
‫َ‬ ‫‪ æ‬املُ َه ْيمِنُ ‪« :‬ا�سم فاعل للمو�صوف بالهيمنة‪ ،‬فعله‬
‫والهيمنة على ال�شيء‪ :‬ال�سيطرة عليه‪ ،‬وحفظه‪ ،‬والتمكن منه»(‪« ،)18‬وهيمن على‬
‫ال�شيء‪ :‬راقبه‪ ،‬و�سيطر عليه‪ ،‬وحفظه»(‪.)19‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬


‫يط‪« :‬الذي �أحاطت قدرته بجميع املقدورات‪ ،‬و�أحاط علمه بجميع‬ ‫‪ æ‬المْ ُ ِح ُ‬
‫يط) بالأ�شياء كلها؛ لأنها حتت قدرته‪،‬‬ ‫املعلومات»(‪ ،)20‬قال الزجاجي‪« :‬فاهلل (محُ ِ ٌ‬
‫ال ميكن �شيئاً منها اخلروج عن �إرادته فيه‪ ،‬وال ميتنع عليه منها �شيء»(‪ ،)21‬وقال‬
‫يط) الذي �أحاطت قدرته بجميع خلقه‪ ،‬وهو الذي �أحاط بكل �شيء‬ ‫اخلطابي‪(« :‬المْ ُ ِح ُ‬
‫علماً‪ ،‬و�أح�صى كل �شيء عدداً»(‪ ،)22‬وقال ال�شيخ ال�سعدي‪(« :‬المْ ُ ِح ُ‬
‫يط) بكل �شيء عل ًما‬
‫وقدرة ورحمة وقه ًرا»(‪.)23‬‬
‫حل ُ‬
‫افظ‪« :‬العامل ب�أحوال كل �شيء‪ ،‬املو�صل اليه منافعه‪ ،‬والدافع عنه م�ضاره»(‪،)24‬‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫افظ) ال�صائن عبده عن �أ�سباب الهلكة يف �أمور دينه ودنياه»(‪.)25‬‬ ‫احل ُ‬‫قال احلليمي‪َ (« :‬‬
‫(‪�( )16‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)506:‬احلفيظ)‪.‬‬
‫(‪ )17‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬حفظ)‪.‬‬
‫(‪�( )18‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)266 :‬املهيمن)‪.‬‬
‫(‪ )19‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬هـ ي م ن)‪.‬‬
‫(‪( )20‬االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص‪.)47:‬‬
‫(‪( )21‬ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص‪.)46 :‬‬
‫(‪�( )22‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)102 :‬‬
‫(‪ )23‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)18 :‬‬
‫(‪ )24‬تف�سري (روح البيان ) لإ�سماعيل حقي (الطارق ‪ -‬الآية ‪.)4‬‬
‫(‪( )25‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪.)175:‬‬
‫ه ْيمِ ُ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫فيظ ‪ُ -‬‬
‫الم َ‬ ‫الح‬ ‫الح ُ‬
‫افظ ‪َ -‬‬ ‫ح ُ‬
‫يط ‪َ -‬‬ ‫المجموعة الثامنة عشرة ‪ :‬ا ْل ُم ِ‬ ‫‪337‬‬

‫حل ُ‬
‫فيظ‪« :‬العامل بكل �شيء‪ ،‬والقادر على كل �شيء‪ ،‬والبالغ احلفظ له»(‪،)26‬‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫فيظ) هو احلافظ ‪ ..‬يحفظ ال�سماوات والأر�ض وما فيهما‪،‬‬ ‫احل ُ‬‫قال اخلطابي‪َ (« :‬‬
‫لتبقى مدة بقائها فال تزول وال تندثر‪ ..‬وهو الذي يحفظ عبده من املهالك‬
‫واملعاطب‪ ،‬ويقيه م�صارع ال�سوء ‪ ..‬ويحفظ على اخللق �أعمالهم‪ ،‬ويح�صي عليهم‬
‫�أقوالهم‪ ،‬ويعلم نياتهم‪ ،‬وما ُتكِنُّ �صدورهم‪ ،‬وال تغيب عنه غائبة وال تخفى عليه‬
‫احل ُ‬
‫فيظ)‪ :‬املوثوق منه برتك الت�ضييع»(‪ ،)28‬وقال‬ ‫خافية»(‪ ،)27‬وقال احلليمي‪َ (« :‬‬
‫احل ُ‬
‫فيظ) يت�ضمن معنيني ‪� ..‬أنه‬ ‫ال�شيخ عبدالرحمن ال�سعدي ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪َ (« :‬‬
‫قد حفظ على عباده ما عملوه من خري و�شر‪ ،‬وطاعة ومع�صية ‪ ..‬و�أنه ‪-‬تعالى‪-‬‬
‫احلافظ لعباده من جميع ما يكرهون»(‪.)29‬‬
‫‪ æ‬املُ َه ْيمِنُ ‪« :‬امل�سيطر‪ ،‬القائم على خلقه ب�أعمالهم و�أرزاقهم و�آجالهم‪ ،‬احلافظ‬
‫لهم»(‪ ،)30‬قال الغزايل‪(« :‬املُ َه ْي ِمنُ ) القائم على خلقه ب�أعمالهم و�أرزاقهم و�آجالهم‪،‬‬
‫و�إمنا قيامه عليهم باطالعه وا�ستيالئه وحفظه»(‪ ،)31‬وقال البيهقي‪(« :‬املُ َه ْي ِمنُ )‬
‫ال�شهيد على خلقه مبا يكون منهم من قول �أو عمل‪ .. ،‬وقيل هو‪ :‬الأمني‪ ،‬وقيل هو‪:‬‬
‫الرقيب على ال�شيء واحلافظ له»(‪ ،)32‬وقال ال�شيخ ال�سعدي‪(« :‬املُ َه ْي ِمنُ ) املطلع على‬
‫خفايا الأمور وخبايا ال�صدور الذي �أحاط بكل �شيء عل ًما»(‪.)33‬‬

‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬


‫حل ُ‬
‫فيظ ‪ -‬املُ َه ْيمِنُ ‪( :‬املُ َه ْي ِمنُ ) هو‪« :‬القائم على ال�شيء‬ ‫يط ‪ -‬ا َ‬
‫المْ ُ ِح ُ‬ ‫‪æ‬‬

‫(‪( )26‬نظم الدرر يف تنا�سب الآيات وال�سور) للبقاعي (هود‪.)57 :‬‬


‫(‪�( )27‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)68 - 67 :‬‬
‫(‪( )28‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪.)177:‬‬
‫(‪( )29‬تو�ضيح الكافية ال�شافية) لل�شيخ ال�سعدي (�ص‪.)122 :‬‬
‫(‪( )30‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) للدكتور يو�سف املرع�شلي (�ص‪.)110 :‬‬
‫(‪( )31‬املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص‪.)69 :‬‬
‫(‪( )32‬االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص ‪.)38‬‬
‫(‪ )33‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)18 :‬‬
‫‪338‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫بالتدبري»(‪ ،)34‬والقيام على ال�شيء بالتدبري يت�ضمن �أربعة �أمور‪ :‬الأول‪ :‬مراقبة ال�شيء‪،‬‬
‫والإحاطة به‪ ،‬واالطالع على خفاياه‪ ،‬وهذا يرجع �إلى العلم‪ ،‬والثاين‪ :‬ال�سيطرة‬
‫واال�ستيالء على ال�شيء‪ ،‬ب�أن يكون مقدور ًا عليه من كل وجه‪ ،‬ويرجع ذلك �إلى كمال‬
‫القدرة‪ ،‬والثالث‪ :‬القيام باحلفظ و�صون ال�شيء من املهالك وال�شرور‪ ،‬والرابع‪ :‬املداومة‬
‫بالقيام على ال�شيء‪ ،‬ورعايته‪ ،‬بكل ما له من رزق وعمل و�أجل‪ .‬فباعتبار املعنى الأول‬
‫يط)‪ ،‬الذي �أحاط بكل �شيء علماً وقدرة‪ ،‬قال الع�سكري‪:‬‬ ‫والثاين فهو ‪�-‬سبحانه (المْ ُ ِح ُ‬
‫«�أ�صل املحيط املطيف بال�شيء من حوله‪ ،‬مبا هو كال�سور الدائر عليه؛ مينع �أن‬
‫يخرج عنه ما هو منه‪ ،‬ويدخل فيه ما ليـ ـ ــ�س فيه‪ ،‬ويكون من قبيل العلم‪ ،‬وقبيل‬
‫القدرة‪ .‬قال تعالى‪} :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ{ [الن�ساء‪ ،]126:‬ي�صلح‬
‫�أن يكون معناه �أن كل �شيء يف مقدوره‪ ،‬فهو مبنزلة ما قب�ض القاب�ض عليه يف‬
‫�إمكان ت�صريفه‪ ،‬وي�صلح �أن يكون معناه �أنه يعلم بالأ�شياء من جميع وجوهها‪،‬‬
‫قال تعالى‪ } :‬ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ{[الطالق‪� ،]12:‬أي َع ِل َمه من جميع‬
‫وجوهه»(‪ .)35‬وباعتبار املعاين الثالثة (الأول والثاين والثالث)‪ ،‬فاهلل ‪�-‬سبحانه‪-‬‬
‫(احل ُ‬
‫فيظ)‪ ،‬ف�إذا �أ�ضيف �إليها املعنى الرابع‪ ،‬فاهلل ‪�-‬سبحانه‪ -‬هو (املُ َه ْيمِ نُ )‪ ،‬قال‬ ‫هو َ‬
‫الغزايل‪(« :‬املُ َه ْيمِ نُ ) القائم على خلقه ب�أعمالهم و�أرزاقهم و�آجالهم‪ ،‬و�إمنا قيامه‬
‫عليهم باطالعه وا�ستيالئه وحفظه‪ ،‬وكل م�شرف على كنه الأمر م�س�ؤول عليه‪،‬‬
‫حافظ له‪ ،‬فهو مهيمن عليه‪ ،‬والإ�شراف يرجع �إلى العلم‪ ،‬واال�ستيالء �إلى كمال‬
‫القدرة‪ ،‬واحلفظ �إلى الفعل‪ ،‬فاجلامع بني هذه املعاين ا�سمه املهيمن‪ ،‬ولن يجتمع‬
‫ذلك على الإطالق والكمال �إ ّال هلل ‪-‬تعالى»(‪ ،)36‬وقد ع ّرف ابن عبا�س (املُ َه ْيمِ نُ )‬
‫بالأمني‪ ،‬كما رواه ابن جرير الطربي(‪ ،)37‬والأمني على ال�شيء‪ :‬القائم عليه مبا ي�صلحه‪،‬‬
‫(‪( )34‬الفروق اللغوية) لأبي هالل الع�سكري (�ص ‪.)218‬‬
‫(‪( )35‬الفروق اللغوية) لأبي هالل الع�سكري (�ص ‪.)96‬‬
‫(‪( )36‬املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص‪.)69 :‬‬
‫(‪( )37‬تف�سري الطربي) عند تف�سري الآية (‪ )23‬من �سورة احل�شر‪.‬‬
‫ه ْيمِ ُ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫فيظ ‪ُ -‬‬
‫الم َ‬ ‫الح‬ ‫الح ُ‬
‫افظ ‪َ -‬‬ ‫ح ُ‬
‫يط ‪َ -‬‬ ‫المجموعة الثامنة عشرة ‪ :‬ا ْل ُم ِ‬ ‫‪339‬‬

‫وال يت�أتى له ذلك �إال ب�أن يكون عامل ًا به‪ ،‬قادر ًا عليه‪ ،‬حفيظ ًا له؛ ولذا و�صف اهلل خوا�ص‬
‫عباده بذلك‪ ،‬فقال تعالى‪ } :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ{[الق�ص�ص‪،]26:‬‬
‫وقوله تعالى‪ } :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ{[يو�سف‪.]55:‬‬
‫افظ) ا�سم فاعل للمو�صوف باحلفظ‪ ،‬وهو يدل على �أ�صل‬ ‫حل ُ‬ ‫حل ُ‬
‫فيظ‪( :‬ا َ‬ ‫افظ ‪ -‬ا َ‬
‫حل ُ‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫احلفظ‪ ،‬يف �أن اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬هو احلافظ للموجودات الظاهرة التي يطول �أمد بقائها‪ ،‬كالأر�ض‬
‫وال�سماوات واملالئكة‪ ،‬والتي ال يطول �أمد بقائها مثل احليوانات والنبات وغريها؛ ولذا فجميع‬
‫فيظ) فهو من‬ ‫حل ُ‬ ‫حل ُ‬
‫افظ) كانت من هذا الباب‪� .‬أما (ا َ‬ ‫الآيات الأربع التي ورد فيها ا�سم اهلل (ا َ‬
‫�أبنية املبالغة على وزن (فعيل)‪ ،‬وهو م�صو ٌغ للداللة على �شمول احلفظ‪ ،‬و�أنه لي�س مقت�صر ًا على‬
‫املوجودات الظاهرة؛ بل يتجاوزه �إلى املوجودات الباطنة مما نراه ومما ال نراه‪ ،‬وقد ورد مرتني‬
‫يف القر�آن الكرمي مقرتن ًا بالعلو املطلق‪ ،‬مما يزيد معنى احلفظ كما ًال على كمال‪ ،‬وجما ًال فوق‬
‫اجلمال‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ{[هود‪ ،]57:‬وقوله تعالى‪ } :‬ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫فيظ) ب�أنه‪« :‬احلافظ جداً»(‪ ،)38‬مما يدل‬ ‫ﯬ ﯭ{[�سب�أ‪]21:‬؛ ولذا ع ّرف الغزايل (ا َ‬
‫حل ُ‬
‫حلفيظ) ي�شري �إلى عموم حفظه ‪�-‬سبحانه‪ -‬لكل �شيء‪ :‬الظاهر الذي نراه‪ ،‬والباطن‬ ‫على �أن (ا َ‬
‫الذي ال نراه‪ ،‬بدء ًا من �أكرب �شيء يف ملكوت ال�سماوات والأر�ض‪ ،‬وحتى �أ�صغر جزء تتخيله عقول‬
‫فيظ) �سبحانه‪ ،‬يحفظ ال�شيء‪ ،‬ويحفظ ما فيه‪ ،‬مما نعلمه‪ ،‬ومما ال نعلمه!‬ ‫حل ُ‬
‫الب�شر! فاهلل (ا َ‬
‫حتى اجل�سيمات ال�صغرية يف الذرة‪ ،‬يحفظها ب�شحناتها‪ ،‬و�سرعاتها‪ ،‬ومداراتها‪ ،‬وهي تطوف‬
‫حول النواة؛ لئال يختل تركيبها‪ ،‬وت�ضطرب مكوناتها‪ ،‬وتبقى الذرة على ا�ستقرارها و�سكونها‪،‬‬
‫فيظ)‪« :‬وكذا �شمل حفظه ‪-‬جلت قدرته‪ ،‬كل‬ ‫حل ُ‬‫يقول الغزايل عند حديثه عن ا�سم اهلل (ا َ‬
‫ذرة يف ملكوت ال�سماوات والأر�ض‪ ،‬حتى احل�شي�ش الذي ينبت من الأر�ض‪ ،‬يحفظ لبابه‬
‫بالق�شر ال�صلب‪ ،‬وطراوته بالرطوبة‪ ،‬وما ال ينحفظ مبجرد الق�شر يحفظه بال�شوك‬
‫النابت منه ليندفع به بع�ض احليوانات املتلفة له»(‪.)39‬‬
‫(‪( )38‬املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص‪.)100 :‬‬
‫(‪( )39‬املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص‪.)101 :‬‬
‫‪340‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬


‫يط‪« :‬يو�صف اهلل‬
‫ب�أنه (حميط)‪ ،‬قد �أحاط بكل �شيء‪ ،‬وهي �صف ٌة‬ ‫‪ æ‬المْ ُ ِح ُ‬
‫ذاتي ٌة‪ ،‬ثابتة بالكتاب»(‪ ،)40‬قال تعالى‪ }:‬ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ{[الطالق‪.]12:‬‬
‫َ‬
‫(احل��اف��ظ)‬ ‫حل ُ‬
‫فيظ‪ :‬ال�صفة امل�شتقة م��ن ا�سميه ‪�-‬سبحانه‬ ‫��ظ ‪ -‬ا َ‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫حل��اف ُ‬
‫َ‬
‫و(احلفيظ) «�صفة (الحْ ِ ْفظ) وهي من �صفات اهلل الثابتة بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)41‬قال‬
‫تعالى‪ }:‬ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ{[يو�سف‪ ،]64:‬ومن ال�سنة و�صيته ‪ ¤‬البن‬
‫عبا�س ‪( :‬احفظ اهلل يحفظك ‪ .)42()..‬وقال القرطبي‪« :‬ه��ذا اال�سم يكون من‬
‫�أو�صاف ال��ذات‪ ،‬ومن �أو�صاف الفعل‪ ،‬ف�إذا كان من �صفات الذات فريجع �إلى معنى‬
‫(العليم)؛ لأنه يحفظ بعلمه جميع املعلومات ‪ ..‬ويف مقابلة هذا احلفظ الن�سيان ‪..‬‬
‫و�إذا كان من �صفات الفعل فريجع �إلى حفظ الوجود‪ ،‬و�ض ّد هذا احلفظ ال ُ‬
‫إهمال»(‪.)43‬‬
‫‪ æ‬املُ َه ْيمِنُ ‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (املُ َه ْي ِمن) «�صفة (ا ْل َه ْي َم َنة) وهي‬
‫من �صفات اهلل الثابتة بالكتاب»(‪ .. )44‬قال تعالى‪ }:‬ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜﯝ{[احل�شر ‪ ،]23 :‬قال الر�ضواين‪« :‬ا�سم اهلل املهيمن دل‬
‫على �صفة من �صفات الذات والفعل معاً‪� ،‬أما داللتها على �صفة الذات فال�ستحالة‬
‫و�صف اهلل مبقابلها‪ ،‬و�أما داللتها على �صفة الفعل فلتع ّلق بع�ض املعنى الذي ي�شمله‬
‫الو�صف بامل�شيئة من احلفظ اخلا�ص واال�ستواء والقهر ملن �شاء»(‪.)45‬‬
‫(‪�( )40‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)229:‬‬
‫(‪�( )41‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)97 :‬‬
‫(‪ )42‬رواه الرتمذي و و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)7957‬‬
‫(‪( )43‬الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي ‪ -‬حتقيق‪ :‬حممد ح�سن جبل وطارق �أحمد حممد (جـ‪�-1:‬ص‪.)309 :‬‬
‫(‪�( )44‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)264 :‬‬
‫(‪�( )45‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)268:‬املهيمن)‪.‬‬
‫ه ْيمِ ُ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫فيظ ‪ُ -‬‬
‫الم َ‬ ‫الح‬ ‫الح ُ‬
‫افظ ‪َ -‬‬ ‫ح ُ‬
‫يط ‪َ -‬‬ ‫المجموعة الثامنة عشرة ‪ :‬ا ْل ُم ِ‬ ‫‪341‬‬

‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬


‫‪ æ‬الرحمن‪ :‬ورد اقرتان اال�سم امل�ضاف (�أرحم الراحمني) والدال على �صفة‬
‫الرحمة مع ا�سمه �سبحانه (احلافظ) مرة واحدة يف قوله تعالى‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ{‬
‫[يو�سف‪ ،]64:‬واحلكمة يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم – للإ�شارة �إلى �أن حفظ اهلل لعبادة ما هو‬
‫�إال �أث ٌر من �آثار رحمته التي و�سعت كل �شيء‪ ،‬وع ّمت كل حي‪ ،‬ولذا كان قوله تعالى‪ } :‬ﭡ‬
‫ﭢ ﭣ{ يف مو�ضع التعليل لقوله تعالى‪ } :‬ﭝ ﭞ ﭟ{‪ ،‬ولقد دل القر�آن‬
‫الكرمي على �أن حفظ اهلل �سبحانه وتعالى ال يقت�صر على عباده و�أوليائه‪ ،‬بل له �صور �شتى‪،‬‬
‫ومظاهر عدة‪ ،‬ال ميكن ح�صرها‪� ،‬أو الوقوف على حدها‪ ،‬فهو يت�سع بات�ساع تلك الرحمة‬
‫التي و�سعت كل �شيء‪ ،‬حيث �شمل حفظه ج َّل جالله كل ذرة يف ملكوت ال�سماوات والأر�ض‪،‬‬
‫قال تعالى‪ } :‬ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ{[البقرة‪� ،]254:‬أي ال‬
‫ُيثقله وال َي ُ�شق عليه حفظ ال�سماوات والأر�ض‪ ،‬وقال تعالى م�شريا �إلى حفظه لكل �شيء‪ }:‬ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ {[هود‪ ،]57:‬قال �أبو حيان الأندل�سي‪ } « :‬ﭡ ﭢ ﭣ{‬
‫اعرتاف ب�أن اهلل هو ذو الرحمة الوا�سعة‪ ،‬ف�أرجو منــه حفظ ــه»(‪ ،)46‬وقـال القا�سمي‪:‬‬
‫«} ﭝ ﭞ ﭟ{‪� ،‬أي‪ :‬منكم ومن كل �أحد‪ }:‬ﭡ ﭢ ﭣ{‪� ،‬أي‪� :‬أرحم من‬
‫والديه و�إخوته‪ ،‬ف�أرجو �أن يرحمني بحفظه»(‪.)47‬‬
‫‪ æ‬ا ْل َع ِز ُ‬
‫يز‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه (املُ َه ْي ِمن) مرة واحدة يف قوله تعالى‪:‬‬
‫}ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ{ [احل�شر‪ ،]23:‬وال�سر يف ذلك‬
‫‪-‬واهلل �أعلم‪ -‬كما يقول ابن عا�شور‪ « :‬ووجه ذكر } ﯚ ﯛ ﯜ{‬
‫عقب �صفة } ﯙ{ �أن جميع ما ذكره �آنفاً من ال�صفات ال ي�ؤذن �إال‬
‫باطمئنان العباد لعناية ربهم بهم‪ ،‬و�إ�صالح �أمورهم‪ ،‬و�أن �صفة } ﯙ{‬
‫(‪)46‬تف�سري �أبي حيان (البحر املحيط) عند تف�سري الآية (‪ )64‬من �سورة يو�سف‪.‬‬
‫(‪)47‬تف�سري القا�سمي (حما�سن الت�أويل) (جـ‪� - 9 :‬ص‪ (248 :‬عند تف�سري الآية (‪ )64‬من �سورة يو�سف‪.‬‬
‫‪342‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ت�ؤذن ب�أمر م�شرتك‪ ،‬ف ُع ِّقبت ب�صفة } ﯚ{ ليعلم الن ـ ــا�س �أن اهلل غالب‬
‫ال يعجزه �شيء‪ ،‬و�أُتبعت ب�صفة } ﯛ{ الدالة على �أ ّنه م�سخر املخلوقات‬
‫لإِرادته‪ ،‬ثم �صفة } ﯜﯝ{ الدالة على �أنه ذو الكربياء؛ ي�صغر كل �شيء‬
‫دون كربيائه‪ ،‬فكانت هذه ال�صفات يف جانب التخويف‪ ،‬كما كانت ال�صفات قبلها‬
‫يف جانب الإِطماع»(‪.)48‬‬

‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪:‬‬


‫‪ æ‬الأثر العلمي االعتقادي‪:‬‬
‫يط) الذي �أحاط بكل �شيء علم ًا وقدرة‪ ،‬فال تخفى عليه‬ ‫اهلل ‪� -‬سبحانه ‪ -‬هو (المْ ُ ِح ُ‬
‫خافية‪ ،‬وال يعزب عن علمه قا�صية وال دانية‪ ،‬وال يعجزه �شيء يف الأر�ض وال يف ال�سماء‪ ،‬وهو‬
‫فيظ)‪ ،‬الذي حفظ بعلمه جميع املعلومات‪ ،‬وبقدرته جميع املقدورات‪،‬‬ ‫حل ُ‬ ‫حل ُ‬
‫افظ ا َ‬ ‫‪�-‬سبحانه (ا َ‬
‫فحفظ املخلوقات لتبقى مدة بقائها‪ ،‬فال تزول وال تختل �إال ب�إذنه‪ ،‬وهو احلافظ لعباده من‬
‫جميع ما يكرهون‪ ،‬وهو ‪�-‬سبحانه (املُ َه ْي ِمنُ ) الأمني على ال�شيء‪ ،‬املحيط به علم ًا وقدرة‪،‬‬
‫واحلافظ له‪ ،‬والقائم عليه‪ ،‬له امللك والف�ضل على جميع اخلالئق يف �أعمالهم و�أرزاقهم‬
‫و�آجالهم‪ ،‬و�سائر �أمورهم‪.‬‬
‫‪ æ‬الأثر العملي‪:‬‬
‫والتما�سا‬
‫ً‬ ‫والتقرب �إليه بالطاعات والقربات تعبدً ا له‪ ،‬وح ًبا‬ ‫‪1.1‬حمبة اهلل‬
‫ملر�ضاته‪ ،‬و�شك ًرا له على نعمائه و�أف�ضاله و�إح�سانه‪ ،‬كما يثمر التوكل عليه وحده‬
‫وتفوي�ض الأمور �إليه‪.‬‬
‫‪2.2‬مراقبة اهلل واخلوف واحلياء منه‪ ،‬واالبتعاد‪ ،‬عن كل ما ي�سخطه ‪� -‬سبحانه‬
‫‪ -‬من الأعمال الباطنة والظاهرة؛ لأن علمه ‪�-‬سبحانه‪ -‬حميط بكل �شيء‪ ،‬وال‬
‫(‪ )48‬تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور (الآية‪� - 23:‬سورة احل�شر)‪.‬‬
‫ه ْيمِ ُ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫فيظ ‪ُ -‬‬
‫الم َ‬ ‫الح‬ ‫الح ُ‬
‫افظ ‪َ -‬‬ ‫ح ُ‬
‫يط ‪َ -‬‬ ‫المجموعة الثامنة عشرة ‪ :‬ا ْل ُم ِ‬ ‫‪343‬‬

‫يخفى عليه �شيء يف الأر�ض وال يف ال�سماء‪ ،‬فهو احلافظ املح�صي لأعمال عباده‪،‬‬
‫كما ق��ال �سبحانه‪ } :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ{[االنفطار‪.]12-10:‬‬
‫‪3.3‬تعظيم اهلل و�إجالله وعبادته وحده؛ لأنه هو اخلالق لهذا الكون العظيم‪ ،‬وهو‬
‫احلافظ له ولل�سماوات والأر�ض �أن تزوال‪ ،‬وهو القائم املهيمن املدبر لكل نف�س‬
‫مبا حتتاجه‪.‬‬
‫‪ 4.4‬البعد عن ظلم العباد و�أكل حقوقهم‪ ،‬واالعتداء عليهم‪ ،‬وتذكر �أن اهلل هو‬
‫املحيط احلفيظ املهيمن‪ ،‬الذي �أحاطت قدرته بكل �شيء‪ ،‬فال يفوته �شيء‪ ،‬وال‬
‫يعجزه �شيء‪ ،‬فال يغرت العبد بقدرته على النا�س وظلمهم‪  .‬‬
‫‪5.5‬اال�ستهانة بقوة املخلوق من الأعداء الكفرة واملنافقني بعد الأخذ ب�أ�سباب املدافعة‬
‫ل�شرهم؛ لأن اهلل حميط بهم‪ ،‬وقاهر لهم‪ ،‬ومهيمن عليهم‪ ،‬و�إذا ح�صل‬
‫التقوى وال�صبـ ــر من امل�ؤمنني فلن ي�ضرهـ ــم كيـ ــد الكائدين‪ ،‬كما قال �سبحانه‪:‬‬
‫} ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵ{[�آل عمران‪  .]120 :‬‬
‫‪6.6‬الأخذ ب�أ�سباب حفظ اهلل للعبد‪ ،‬و�أعظمها‪ :‬توحيده ‪�-‬سبحانه‪ ،‬وفعل ما يحبه اهلل‬
‫‪-‬تعالى‪ ،‬واجتناب ما ي�سخطه‪ ،‬و�أن يكون العبد مطيع ًا لربه يف جميع �ش�ؤونه‪ ،‬م�ؤمتر ًا‬
‫ب�أوامره‪ ،‬منتهي ًا عن نواهيه؛ قال الر�سول ‪ ¤‬البن عبا�س ‪( :‬يا غالم‪ ،‬احفظ‬
‫اهلل يحفظك‪ ،‬احفظ اهلل جتده جتاهك ‪  .)49()..‬‬
‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫حل ُ‬
‫فيظ ‪ -‬املُ َه ْيمِنُ ) من �أ�سماء الذات الدالة على �صفات‬ ‫افظ ‪ -‬ا َ‬
‫حل ُ‬‫يط ‪ -‬ا َ‬
‫(المْ ُ ِح ُ‬
‫(‪ )49‬رواه الرتمذي و و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)7957‬‬
‫‪344‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫(الإحاطة والحْ ِ ْفظ وا ْل َه ْي َم َنة)‪ ،‬وهي من �صفات اهلل الذاتية‪ ،‬التي مل يزل ‪-‬وال يزال‪ -‬اهلل‬
‫مت�صف ًا بها‪ ،‬وال تعلق لها بامل�شيئة؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل ‪ ،‬والتو�سل �إليه‪ ،‬والثناء‬
‫عليه‪ ،‬وتعظيمه ومتجيده بها يف جميع �أغرا�ض الدعاء وحاجات العبد‪ ،‬ويت�أكد ذلك عند‬
‫اخلوف والهم‪ ،‬واحلاجة للأمن واحلفظ‪ ،‬فاهلل ‪�-‬سبحانه وتعالى‪ -‬قد �أحاط بكل �شيء من كل‬
‫وجه‪ ،‬حفيظ ًا له‪ ،‬مهيمنا عليه‪ ،‬قال ‪-‬تعالى‪ -‬عن يعقوب ‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ{[يو�سف‪،]64:‬‬
‫وقوله ‪�( :¤‬إذا �أوى �أحدكم �إلى فرا�شه فلينف�ض فرا�شه بداخلة �إزاره‪ ،‬ف�إنه ال يدري‬
‫ما خلفه عليه‪ ،‬ثم يقول‪ :‬با�سمك ربي و�ضعت جنبي وبك �أرفعه‪� ،‬إن �أم�سكت نف�سي‬
‫فارحمها‪ ،‬و�إن �أر�سلتها فاحفظها مبا حتفظ به عبادك ال�صاحلني)(‪ ،)50‬ومن حديث‬
‫�أبي قتادة الأن�صاري احلارث بن ربعي ‹‪� ،‬أنه كان يف �سفر مع النبي ‪ ¤‬وفيه‪ ..« :‬فبينما‬
‫ر�سول اهلل ‪ ¤‬ي�سري حتى �إبهار الليل و�أنا �إلى جنبه‪ ،‬فنع�س ر�سول اهلل ‪ ،¤‬فمال عن‬
‫راحلته‪ ،‬ف�أتيته فدعمته‪ ،‬من غري �أن �أوقظه‪ ،‬حتى اعتدل على راحلته‪ ،‬قال‪ :‬ثم �سار‬
‫حتى تهور الليل‪ ،‬مال عن راحلته‪ ،‬قال فدعمته من غري �أن �أوقظه‪ ،‬حتى اعتدل على‬
‫راحلته‪ ،‬قال‪ :‬ثم �سار حتى �إذا كان من �آخر ال�سحر مال ميلة‪ ،‬هي �أ�شد من امليلتني‬
‫الأوليني‪ ،‬حتى كاد ينجفل!‪ ،‬ف�أتيته فدعمته‪ ،‬فرفع ر�أ�سه فقال‪( :‬من هذا؟) قلت‪:‬‬
‫�أبو قتادة‪ ،‬قال‪( :‬متى كان هذا م�سريك مني؟) قلت‪ :‬ما زال هذا م�سريي منذ الليلة‪،‬‬
‫قال‪( :‬حفظك اهلل مبا حفظت به نبيه)»(‪ ،)51‬وقوله ‪( : ¤‬اللهم احفظني بالإ�سالم‬
‫قائما‪ ،‬واحفظني بالإ�سالم قاعدا‪ ،‬واحفظني بالإ�سالم راقدا‪ ،‬ال ت�شمت بي عدوا‬
‫و ال حا�سدا‪ ،‬اللهم �إين �أ�س�ألك من كل خري خزائنه بيدك‪ ،‬و�أعوذ بك من كل �شر‬
‫خزائنه بيدك)(‪ ،)52‬ومن حديث ابن عمر ‪ :‬مل يكن ر�سول اهلل ‪ ¤‬يدع ه�ؤالء‬
‫الدعوات حني مي�سي وحني ي�صبح‪( :‬اللهم �إين �أ�س�ألك العفو والعافية يف الدنيا‬
‫(‪ )50‬رواه البخاري برقم (‪.)6320‬‬
‫(‪ )51‬رواه م�سلم برقم (‪.)681‬‬
‫(‪ )52‬رواه احلاكم وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)1260‬‬
‫ه ْيمِ ُ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫فيظ ‪ُ -‬‬
‫الم َ‬ ‫الح‬ ‫الح ُ‬
‫افظ ‪َ -‬‬ ‫ح ُ‬
‫يط ‪َ -‬‬ ‫المجموعة الثامنة عشرة ‪ :‬ا ْل ُم ِ‬ ‫‪345‬‬

‫والآخرة‪ ،‬اللهم �إين �أ�س�ألك العفو والعافية يف ديني ودنياي و�أهلي ومايل‪ ،‬اللهم ا�سرت‬
‫عوراتي‪ ،‬و�آمن روعاتي‪ ،‬واحفظني من بني يدي ومن خلفي‪ ،‬وعن مييني وعن �شمايل‪،‬‬
‫ومن فوقي‪ ،‬و�أعوذ بك �أن �أغتال من حتتي)(‪.)53‬‬

‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬


‫‪ æ‬قال تعالى‪ } :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯖﯗ ﯘﯙﯚﯛ‬
‫ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ{[التوبة‪ ،]40:‬يف بداية هجرة النبي ‪ ¤‬من مكة �إلى املدينة �أختب�أ هو‬
‫بكر ‹ يف غار جبل ثور‪ ،‬وكان و�سط الغار �أعلى من مدخله‪ ،‬ومن وقف ببابه‬ ‫و�صاحبه �أبو ٍ‬
‫امل�شركون من‬ ‫اقرتب ِ‬ ‫فال بد �أن يط�أطيء ر�أ�سه �إلى مو�ضع قدميه كي يرى من يف الغار‪ ،‬فلما َ‬
‫باب الغار فزع �أبو بكر ‹ وقال للنبي ‪( :¤‬لو �أن � َأح َدهُم نظ َر حتتَ ق َد َم ْي ِه لأ ْب َ�ص َرنا)‪،‬‬
‫بكر با ْث َنينْ ِ اللهَّ ُ ثا ِل ُث ُهما)(‪.)54‬‬
‫فقال النبي ‪( :¤‬ما َظن َُّك يا �أبا ٍ‬
‫العراق �أنا ورج ٌل معي‪ ،‬ف�ش َّيعنا عب ُد ا ِ‬
‫هلل بنُ عمر ‪ ،‬فلما �أراد‬ ‫ِ‬ ‫‪ æ‬قال جماهد‪ :‬خرجتُ �إلى‬
‫هلل ‪ ¤‬يقول ‪�( :‬إذا‬ ‫�سمعت ر�سو َل ا ِ‬
‫ُ‬ ‫�أن ُيفار َقنا‪ ،‬قال‪� :‬إنه لي�س معي ما �أُعطيكما!‪ ،‬ولكن‬
‫وخواتيم عم ِلكما) (‪.)55‬‬
‫َ‬ ‫حفظه‪ ،‬و�إين �أَ�ستود ُع َ‬
‫اهلل دي َنكما و�أمان َتكما‬ ‫ا�س ُتو ِد َع َ‬
‫اهلل �شي ًئا َ‬

‫‪:‬‬ ‫وزوجه هاجر وابنها �إ�سماعيل‬ ‫وهو يحكي ق�صة �إبراهيم‬ ‫‪ æ‬قال ابن عبا�س‬
‫(ثم جاء بها �إبراهي ُم وبابنها �إ�سماعي َل وهي تر�ض ُع ُه‪ ،‬حتى و�ضعها عند البيتِ ‪ ،‬عند‬
‫َد ْو َح ٍة فوق زمز َم يف �أعلى امل�سجدِ ‪ ،‬ولي�س مبك َة يومئذٍ �أحدٌ‪ ،‬ولي�س بها ماءٌ‪ ،‬فو�ضعهما‬
‫(‪ )53‬رواه ابن ماجه و�صححه الألباين يف �صحيح ابن ماجة برقم (‪.)3121‬‬
‫(‪ )54‬رواه البخاري برقم (‪ )3653‬وم�سلم برقم‪.)2381( :‬‬
‫(‪ )55‬رواه ابن حبان والطرباين و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة (جـ‪� – 1:‬ص‪ )50 - 49 :‬برقم احلديث‪.)14( :‬‬
‫‪346‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫هنالك‪ ،‬وو�ضع عندهما جِ َرا ًبا في ِه مت ٌر‪ ،‬و�سقا ًء في ِه ماءٌ‪ ،‬ثم َق َّفى �إبراهي ُم منطل ًقا‪،‬‬
‫تذهب وترتكنا بهذا الوادي‪ ،‬الذي لي�س‬ ‫ُ‬ ‫فتبع ْت ُه �أ ُّم �إ�سماعي َل‪ ،‬فقالت‪ :‬يا �إبراهي ُم‪� ،‬أين‬
‫�شيء؟‪ ،‬فقالت ل ُه ذلك مرا ًرا‪ ،‬وجعل ال يتلفتُ �إليها‪ ،‬فقالت لهُ‪ُ � :‬‬
‫آهلل الذي‬ ‫إن�س وال ٌ‬ ‫في ِه � ٌ‬
‫�أمرك بهذا؟‪ ،‬قال‪ :‬نعم!‪ ،‬قالت‪� :‬إذن ال ُي َ�ض ِّي ُع َنا‪ ،‬ثم رجعتُ ‪� )..‬إلى قوله‪ ..( :‬ف�إذا هي‬
‫باملَلَ ِك عند مو�ض ِع زمز َم‪ ،‬فبحث بعق ِبهِ‪� ،‬أو قال‪ :‬بجناحِ هِ‪ ،‬حتى ظه ِر املاءِ‪ ،‬فجعلت‬
‫وتقول بيدها هكذا‪ ،‬وجعلت تغ ُر ُف من املا ِء يف �سقائها وهو يفو ُر بعد ما‬ ‫ُ‬ ‫تحَ ُ ُ‬
‫و�ض ُه‬
‫تغرف ‪ ..‬ف�شربت و�أر�ضعتْ ولدها‪ ،‬قال لها امللَ ُك‪ :‬ال تخافوا َّ‬
‫ال�ض ْي َع َة‪ ،‬ف�إ َّن ها هنا بيتُ‬ ‫ُ‬
‫اهللِ‪ ،‬يبنيه هذا الغال ُم و�أبوهُ‪ ،‬و�إ َّن َ‬
‫اهلل ال ُي َ�ض ِّي ُع �أهلَ ُه)(‪.)56‬‬

‫‪ æ‬كان ال�صحابي اجلليل عا�صم بن ثابت بن �أبي الأقلح ‹ من ال�سابقني الأولني‬


‫من الأن�صار‪ ،‬و�شهد بدرا و�أحدا‪ ،‬وكان من الرماة امل�شهورين من �أ�صحاب النبي ‪َ ،¤‬‬
‫وقتل‬
‫ب َّن ْبل ِه يوم «�أحد» من �أ�صحاب اللواء من امل�شركني احلارث وم�سافعا ابني طلحة بن �أبي طلحة‬
‫و�أمهما «�سالفة بنت �سعد»‪ ،‬فنذرت �أن ت�شرب اخلمر يف ِق ْحف(‪ )57‬ر�أ�سه �إن هي قدرت عليه‪،‬‬
‫وجعلت ملن جاء بر�أ�سه مائة ناقة‪ ،‬وكان «عا�صم بن ثابت» قد عاهد اهلل منذ �إ�سالمه �أن ال‬
‫مي�س م�شركا‪ ،‬وال مي�سه م�شرك تنج�سا منهم‪ ،‬فلما بعث النبي ‪ ¤‬ع�شرة من �أ�صحابه يف‬
‫�شهر �صفر من العام الرابع من الهجرة‪ ،‬ا�ستجابة لطلب بني حليان من هذيل كي يقرئوهم‬
‫القر�آن‪ ،‬ويعلموهم �شرائع الإ�سالم‪ ،‬غدر بهم بنو حليان عند ماء لهذيل يقال له‪« :‬الرجيع»‬
‫وقالوا لهم‪� :‬إنا واهلل ال نريد قتلكم‪ ،‬ولكنا نريد �أن ن�صيب بكم ثمن ًا من �أهل مكة‪ ،‬ولكم عهد‬
‫اهلل وميثاقه ان ال نقتلكم!‪ ،‬ف�أبوا‪ ،‬وقال عا�صم‪� :‬إين نذرت �أن ال �أقبل جوار م�شرك �أبداً‪،‬‬
‫وجعل يقاتلهم ويرجتز‪ ،‬ورمى حتى فنيت َّن ْبلهُ‪ ،‬ثم طاعنهم حتى انك�سر رحمه‪ ،‬وبقي ال�سيف‬
‫يف يده‪ ،‬فقال‪ :‬اللهم �إين حميت دينك �أول النهار‪ ،‬فاحم يل حلمي �آخره!‪ ،‬وقاتل هو‬
‫(‪ )56‬رواه البخاري برقم (‪.)3364‬‬
‫جلمجمة‪ ،‬واجلمجمة هي التي فيها الدماغ‪ ،‬و ُيطلق على ما انك�سر وانف�صل عن‬ ‫(‪)57‬ال ِق ْحف‪ :‬العظم الذي فوق الدِّ ماغ من ا ُ‬
‫جمجمة الر�أ�س ِق ْحف ًا‪ ،‬وكان من عادة العرب �أَن �أحدهم �إذا قتَل ث�أ َره �شرب ب ِق ْحف ر�أ�سه َيتَ�شفَّى به‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ْيمِ ُ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫فيظ ‪ُ -‬‬
‫الم َ‬ ‫الح‬ ‫الح ُ‬
‫افظ ‪َ -‬‬ ‫ح ُ‬
‫يط ‪َ -‬‬ ‫المجموعة الثامنة عشرة ‪ :‬ا ْل ُم ِ‬ ‫‪347‬‬

‫و�أ�صحابه حتى ا�ست�شهد منهم �سبعة بال َّن ْبل‪ ،‬وبقي ثالثة وقعوا يف الأ�سر!‪ .‬ف�أرادت هذيل‬
‫ح َّز ر�أ�س «عا�صم بن ثابت» ‹ ليبيعوه من «�سالفة بنت �سعد»‪ ،‬فبعث اهلل عليه مثل ُّ‬
‫الظ َّلة‬
‫من ال َّد ْبر(‪ ،)58‬فمنعتهم من االقرتاب منه‪ ،‬وحالت بينهم وبينه!‪ ،‬فقالوا‪ :‬دعوه حتى مي�سي‪،‬‬
‫فيذهب عنه‪ ،‬ثم ن�أخذه‪ ،‬فبعث اهلل تبارك وتعالى يف الليل �سيال‪ ،‬وجرى الوادي‪ ،‬واحتمله‬
‫وذهب به فلم ي�صلوا �إليه ومل يجدوه!‪ ،‬فكان عمر بن اخلطاب (وهو زوج بنت عا�صم بن‬
‫ثابت) يقول حني بلغه �أن ال َّد ْبر منعه‪ :‬حفظ اهلل العبد امل�ؤمن‪ ،‬كان عا�صم قد و َيف هلل‬
‫يف حياته‪ ،‬فمنعه اهلل منهم بعد وفاته‪ ،‬كما امتنع منهم يف حياته(‪.)59‬‬
‫بني لأزيدن يف �صالتي من �أجلك رجاء �أن �أُحفظ‬
‫قال ابن امل�سيب البنه‪« :‬يا ّ‬ ‫‪æ‬‬

‫فيك‪ ،‬وتال هذه الآية‪ } :‬ﯦ ﯧ ﯨ{[الكهف‪.)60(»]82:‬‬


‫‪ æ‬قال حممد بن املنكدر‪�« :‬إن اهلل ليحفظ بالرجل ال�صالح ولده‪ ،‬وولد ولده‪،‬‬
‫حفظ من اهلل و�سرت»(‪.)61‬‬
‫وقريته التي هو فيها‪ ،‬فما يزالون يف ٍ‬
‫‪ æ‬قال �أبو الوفا بن عقيل‪« :‬حكى يل بع�ض �أهل العلم �أن القا�ضي (�أبا الطيب الطربي‪:‬‬
‫طاهر بن عبداهلل) قفز من ال�سفينة �إلى ال�شط‪ ،‬وقد مت له مائة �سنة!‪ ،‬فقال له بع�ض من‬
‫ح�ضر‪ :‬ال تفعل هذا‪ ،‬ف�إن �أع�ضاءك ت�ضعف‪ ،‬ورمبا �أورث مثل هذه القفزة فتق ًا يف املعي‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا هذا‪� ،‬إن هذه �أع�ضاءنا حفظناها من معا�صي اهلل؛ فحفظها اهلل علينا»(‪.)62‬‬
‫‪ æ‬نظر �أبو بكر الكتاين(‪� )63‬إلى �شيخ �أبي�ض الر�أ�س واللحية ي�س�أل النا�س!‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫«هذا رجل �أ�ضاع حق اهلل يف �صغره ف�ض ّيعه اهلل يف كربه»(‪.)64‬‬
‫(‪ )58‬ال َّد ْبر‪ :‬بالفتح قيل‪ :‬النحل‪ ،‬وقيل‪ :‬الزنابري الكبار‪.‬‬
‫(‪)59‬انظر (حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ‪� – 1 :‬ص‪ ،)111 - 110 :‬و(الرحيق املختوم)‬
‫للمباركفوري (�ص‪ ،)283 - 282:‬وجزء منه رواه البخاري برقم (‪.)3989‬‬
‫(‪( )60‬جامع العلوم واحلكم) البن رجب احلنبلي (�ص‪.)438 :‬‬
‫(‪( )61‬حلية الأولياء) للأ�صفهاين (جـ‪� - 3 :‬ص‪ )148 :‬يف �سرية (حممد بن املنكدر)‪.‬‬
‫(‪�( )62‬صفوة ال�صفوة) لأبي الفرج ابن اجلوزي (جـ‪� - 2 :‬ص‪.)494 - 493 :‬‬
‫(‪ )63‬حممد بن علي الكتاين‪.‬‬
‫(‪( )64‬تاريخ دم�شق) البن ع�ساكر (جـ‪� – 54:‬ص‪.)258 :‬‬
‫‪348‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫علي‬
‫‪ æ‬قال �أبو احل�سن املدائني‪« :‬ملا حج املن�صور َم ّر باملدينة‪ ،‬فقال حلاجبه الربيع‪َّ :‬‬
‫بجعفر بن حممد‪ ،‬قتلني اهلل �إن مل �أقتله‪ ،‬ثم �ألح عليه فح�ضر‪ ،‬فلما ك�شف ال�سرت بينه وبينه‬
‫ومثل بني يديه‪ ،‬هم�س جعفر ب�شفتيه وقال‪« :‬اللهم احر�سني بعينك التي ال تنام‪ ،‬واكنفني‬
‫علي َق ّل لك‬ ‫بحفظك الذي ال يرام‪ ،‬وال �أهلك و�أنت رجائي‪ ،‬فكم من نعمة �أنعمتها ّ‬
‫عنها �شكري فلم حترمني‪ ،‬وكم من بلية ابتليت بها َق ّل عندها �صربي فلم تخذلني‪،‬‬
‫بك �أدر�أ يف نحره‪ ،‬و�أ�ستعيذ بخريك من �شره‪ ،‬ف�إنك على كل �شيء قدير‪ ،‬و�صلى اهلل‬
‫على �سيدنا حممد و�آله و�سلم»‪ ،‬ثم تقرب و�سلم‪ ،‬فقال �أبو جعفر املن�صور‪ :‬ال َ�س ّلم اهلل‬
‫عليك يا عدو اهلل‪ ،‬تعمل علي الغوائل(‪ )65‬يف ملكي‪ ،‬قتلني اهلل �إن مل �أقتلك‪ ،‬قال جعفر‪:‬‬
‫«يا �أمري امل�ؤمنني‪� ،‬إن �سليمان ‪� ،‬أُعطي ف�شكر‪ ،‬و�إن �أيوب اُبتلي ف�صرب‪ ،‬و�إن‬
‫ُظلم فغفر‪ ،‬و�أنت على �إرث منهم‪ ،‬و�أحق َمنْ ت� َّأ�سى بهم»‪ ،‬فنك�س املن�صور‬ ‫يو�سف‬
‫يل �أبا عبد اهلل‪ ،‬ف�أنت القريب القرابة‪،‬‬ ‫ر�أ�سه مل ًيا‪ ،‬وجعفر واقف‪ ،‬ثم رفع ر�أ�سه فقال‪� :‬إ َّ‬
‫وذو الرحم الوا�شجة‪ ،‬ال�سليم الناحية‪ ،‬القليل الغائلة‪ ،‬ثم �صافحه بيمينه‪ ،‬وعانقه‬
‫ب�شماله‪ ،‬و�أجل�سه معه على فرا�شه وانحرف له عن بع�ضه‪ ،‬و�أقبل عليه بوجهه يحادثه‬
‫وي�س�أله‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا ربيع‪ ،‬عجل لأبي عبد اهلل ك�سوته وجائزته و�إذنه»(‪.)66‬‬
‫‪ æ‬قال الأ�صمعي‪� :‬سمعت �أعرابيا يقول وهو متعلق ب�أ�ستار الكعبة‪�« :‬إلهي!‪ ،‬من �أولى‬
‫بالزلل َوال َّت ْق ِ�صري مني؟‪َ ،‬وقد خلقتني َ�ضعِيفا‪� .‬إلهي! من �أولى ِبا ْل َعفو عني مِ ْنك؟‪،‬‬
‫لي‪ ،‬وع�صيتك بعلمك‪،‬‬ ‫ميط‪� ،‬أطعتك ب�إذنك‪ ،‬والمْ َّنة َلك َع ّ‬
‫وق�ضا�ؤك َنافِذ‪ ،‬وعلمك ِبي حُ ِ‬
‫لي‪ ،‬فبثبات حجتك َوا ْنق َِطاع حجتي‪ ،‬وبفقري �إِ َل ْيك وغناك عني‪� ،‬أَال‬ ‫َوالحْ ّجة َلك َع ّ‬
‫غفرت يل ُذ ُنو ِبي»(‪.)67‬‬
‫‪ æ‬قال الأ�سنوي‪ « :‬ر�أى امللك العادل نور الدين حممود زنكي يف (عام ‪ 557‬هـ)‬
‫النبي ّ ‪ ¤‬يف نومه يف ليلة ثالث مرات‪ ،‬وهو ي�شري �إلى رجلني �أ�شقرين‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫(‪ )65‬الغوائل‪ :‬ال�ش ُّر والدواهي واملهالك‪.‬‬
‫(‪( )66‬العقد الفريد) البن عبد ربه الأندل�سي (جـ‪� - 2 :‬ص‪.)35 - 34 :‬‬
‫(‪( )67‬نرث الدر) للآبي (جـ‪� – 6 :‬ص‪ ،)51 - 50 :‬و(الب�صائر والذخائر) لأبي حيان التوحيدي (جـ‪� – 4 :‬ص‪.)242 :‬‬
‫ه ْيمِ ُ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫فيظ ‪ُ -‬‬
‫الم َ‬ ‫الح‬ ‫الح ُ‬
‫افظ ‪َ -‬‬ ‫ح ُ‬
‫يط ‪َ -‬‬ ‫المجموعة الثامنة عشرة ‪ :‬ا ْل ُم ِ‬ ‫‪349‬‬

‫�أجندين �أنقذين من هذين!‪ ،‬ف�أر�سل �إلى وزيره‪ ،‬وجتهزا يف بقية ليلتهما على رواحل‬
‫خفيفة يف ع�شرين نفرا‪ ،‬و�صحب ماال كثريا‪ ،‬وقدم املدينة يف �ستة ع�شر يوما‪ ،‬فزارا‪،‬‬
‫ثم �أمر ب�إح�ضار �أهل املدينة بعد كتابتهم‪ ،‬و�صار يت�صدّق عليهم‪ ،‬ويت�أمل تلك ال�صفة‬
‫�إلى �أن انف�ضت النا�س!‪ ،‬فقال‪ :‬هل بقى �أحد؟‪ ،‬قالوا‪ :‬مل يبق �سوى رجلني �صاحلني‬
‫عفيفني مغربيني يكرثان ال�صدقة!‪ ،‬فطلبهما فر�آهما ف�إذا هما الرجالن اللذان‬
‫النبي ‪ ،!¤‬ف�س�أل عن منزلهما؟ ف�أُخرب �أنهما قرب احلجرة النبوية!‪،‬‬
‫�أ�شار �إليهما ّ‬
‫ف�أم�سكهما‪ ،‬وم�ضى �إلى منزلهما‪ ،‬فلم ير �إال خيمتني‪ ,‬وكتبا يف الرقائق‪ ,‬وماال‬
‫كثريا‪ ،‬ف�أثنى عليهما �أهل املدينة بخري كثري!‪ ،‬فرفع ال�سلطان ح�صريا يف البيت‬
‫فر�أى �سردابا حمفورا ينتهي �إلى �صوب احلجرة!‪ ،‬فارتاعت النا�س لذلك!‪ ،‬وقال‬
‫لهما ال�سلطان‪� :‬أ�صدقاين!‪ ،‬و�ضربهما �ضربا �شديدا فاعرتفا �أنهما ن�صرانيان‪،‬‬
‫بعثهما �سلطان الن�صارى يف زي حجاج املغاربة‪ ،‬و� ّأملهما ب�أموال عظيمة ليتحايال‬
‫يف الو�صول �إلى اجلناب ال�شريف ‪ ،¤‬ونقله وما يرتتب عليه‪ ،‬فنزال ب�أقرب رباط‪،‬‬
‫و�صارا يحفران ليال‪ ،‬ولكل منهما حمفظة جلد‪ ،‬والذي يجتمع من الرتاب يخرجانه‬
‫يف حمفظتيهما �إلى البقيع بعلة الزيارة‪ .. ،‬فلما ظهر حالهما بكى ال�سلطان بكاء‬
‫�شديدا‪ ،‬و�أمر ب�ضرب رقابهما‪ ،‬فقتال حتت ال�شباك الذي يلي احلجرة ال�شريفة »(‪.)68‬‬

‫قـال ت ـعـالى‪}:‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬ ‫‪æ‬‬


‫ﮪﮫ{[الرعد‪ ،]11:‬املُ َع ِّقباتُ ‪ :‬جماعات من املالئكة تتنزل ب�أمر اهلل ‪ ،‬و َي ْخ ُل ُف بع�ضها بع�ضا‬
‫بالليل والنهار‪ ،‬واحلكمة من تعاقبها ِ ِح ْف ِظ العبد وحمايته ِمن جميع َجوا ِن ِب ِه‪ ،‬مما ي�ضره �أو يريد‬
‫به �سوء ًا‪ ،‬وهَ ذه ِم َّن ٌة من اهلل على ِعبا ِده‪ ،‬و�إال َلكانَ �أ ْدنى َ�ش ْي ٍء َي ُ�ض ُّر ِب ِه ْم‪ ،‬قال ال�شيخ عبدالعزيز‬
‫ني للعبد(‪ ،)69‬وال يدوم الواحِ ُد منهم معه‪،‬‬ ‫ري مالزمِ َ‬ ‫بات‪ :‬مالئك ٌة غ ُ‬
‫الطريفي‪« :‬امل ُ َع ِّق ُ‬
‫(‪( )68‬خال�صة الوفا ب�أخبار دار امل�صطفى) لعلي بن عبد اهلل بن �أحمد احل�سني ال�سمهودي (حـ‪� - 2:‬ص‪.)176 – 175 :‬‬
‫(‪� )69‬أ�شار ال�شيخ عبدالعزيز الطريفي يف �شرحه �إلى �أن املالئكة املخت�صة بالعبد كثريون وهم على الإجمال نوعني‪ :‬الأول‪:‬‬
‫مالئكة مالزمة للعبد املعينَّ ‪ ،‬وعملها معه دائم بال انقطاع‪ ،‬كاملالئكة ال َكتَبة الذين يكتبون احل�سنات وال�سيئات‪ ،‬و�أما النوع‬
‫الثاين فهم املُ َع ِّقبات‪.‬‬
‫‪350‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫و�إمنا يتعا َقبون مع غريِهِ م مِ ن املالئكة؛ كمالئكة الليل والنهار‪ ،‬وهم َيح ُمو َن العب َد‬
‫ني ُ‬
‫اهلل �أوليا َء ُه بهم بالت�سديدِ‬ ‫و َيح َف ُظو َن ُه بني وقت و�آخر‪ ،‬ويف مكانٍ دُو َن � َآخ َر‪ ،‬و ُي ِع ُ‬
‫والهداية‪ ،‬والكفاية والوقاية‪ .‬وهذا النوع من املالئكة يقومون بحفظ العبد عن َد �أم ِر‬
‫اهلل لهم‪ ،‬فمنهم مَن َيح َف ُظ �ساعة‪ ،‬ومنهم مَن َيح َف ُظ يو ًما‪ ،‬ومنهم من َيح َف ُظ ليلة‪،‬‬
‫ن�ش�أ عن �صالح العبدِ ؛ كمن‬ ‫هلل الذي ّ‬ ‫وذلك بح�سب مُوجِ ِب احلفظ الذي قام ب�أمر ا ِ‬
‫اهلل وا�ستعاذ به عند نزو ِل ِه منز ًال؛ ف ُيح َف ُظ حتى يخر َج منه‪ ،‬ومَن ُيح َف ُظ عند‬ ‫ذ َك َر َ‬
‫ي�ستيقظ �أو ُي�صبح‪ .‬ومنهم مَن َيح َف ُظ العب َد مِ ن‬ ‫َ‬ ‫قراء ِة ِور ِد ِه عند نومِ هِ‪ ،‬ف ُيح َف ُظ ح َّتى‬
‫ال�صباح ح َّتى امل�ساءِ؛ ب�سبب ِو ْر ِد �صباحهِ‪ ،‬ومنهم من َيح َف ُظ ُه مِ ن امل�سا ِء ح َّتى ال�صباح؛‬
‫والبيت واملا َل»(‪.)70‬‬ ‫َ‬ ‫ب�سبب ِو ْر ِد لي ِلهِ‪ ،‬ومنهم مَن َيح َف ُظ الول َد‬
‫‪ æ‬قال ال�شيخ علي الطنطاوي‪« :‬ملا كنت يف رحلة امل�شرق‪ ،‬وامتدت بي ت�سعة �أ�شهر‬
‫تباعاً‪ ،‬كنت �أفكر يف بناتي هل ع ّراهن �شيء؟‪ ،‬هل �أ�صابتهن م�صيبة؟‪ ،‬ثم �أقول لنف�سي‪:‬‬
‫يا نف�س ويحك‪ ،‬هل كنت تخافني لو كان معهنّ �أخ يحنو عليهنّ ‪� ،‬أو جد يحفظهنّ ‪،‬‬
‫فكيف تخافني واحلافظ هو اهلل؟!‪ ،‬ولو كنت �أنا معهن هل �أملك لهنّ �شيئاً �إن قدر‬
‫اهلل ال�ضر عليهنّ ؟‪ ،‬فال �ألبث �أن �أ�شعر باالطمئنان‪ .‬ودهمني مرة ه ٌم مقيم مقعد‪،‬‬
‫وجعلت �أفكر يف طريق اخلال�ص‪ ،‬و�أ�ضرب الأخما�س بالأ�سدا�س‪ ،‬وال �أزال مع ذلك‬
‫م�شفقاً مما ي�أتي به الغد‪ ،‬ثم قلت‪ :‬ما �أجهلني �إذ �أح�سب �أين �أنا املدبر لأمري و�أحمل‬
‫ال ر�ضيعاً ملقى على الأر�ض‬ ‫هم غدي على ظهري‪ ،‬ومن كان يدبر �أمري ملا كنت طف ً‬
‫يل‪،‬‬‫كالو�سادة ال �أعي وال �أنطق وال �أ�ستطيع �أن �أحمي نف�سي من العقرب �إن د ّبت �إ ّ‬
‫والنار �إن �شبت �إلى جنبي‪� ،‬أو البعو�ضة �إن ط ّنت حويل؟ ومن رعاين قبل ذلك جنيناً‪،‬‬
‫وبعد ذلك �صبياً؟ �أفيتخلى اهلل الآن عني؟!‪ ،‬ور�أيت ك�أن الهم ث ْق ٌل كان على كتفي‬
‫و�ألقي عني‪ ،‬ومنت مطمئناً»(‪.)71‬‬
‫(‪( )70‬ا ُ‬
‫خل َرا�سانية يف �شرح عقيدة ال َّراز َّيني) لل�شيخ عبدالعزيز الطريفي (�ص‪ )436 :‬بت�صرف ي�سري‪.‬‬
‫(‪ )71‬كتاب (ف�صول �إ�سالمية) (�ص‪� )119 – 118 :‬ضمن مقالة (مبنا�سبة ليلة القدر)‪.‬‬
‫ُ‬
‫قيت‬ ‫ِق ‪ -‬ال َّر َّز ُ‬
‫اق ‪ُ -‬‬
‫الم‬ ‫المجموعة التاسعة عشرة ‪ :‬ال َّراز ُ‬ ‫‪351‬‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ ‪19‬ـــــــــة‬
‫الرز ُْق‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ِّ :‬‬
‫(‪)64 - 63 - 62‬‬
‫اق ‪ -‬املُقيتُ‬‫ال َّرا ِز ُق ‪ -‬ال َّر َّز ُ‬
‫‪352‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الـمجـمـوعـ ‪19‬ـة‬
‫الرز ُْق‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ِّ :‬‬
‫( ‪)64 - 63 - 62‬‬
‫َّاق ‪ -‬املُقيتُ‬
‫ال َّرا ِز ُق ‪ -‬ال َّرز ُ‬
‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫‪ æ‬ال َّرا ِز ُق‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 5‬مرات) مقيد ًا ب�صيغة التف�ضيل‪ ،‬منها قوله‬
‫تعالى‪ }:‬ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ{[�سب�أ‪ ،]39:‬ومن‬
‫ال�سنة حديث �أن�س بن مالك ‹‪ ،‬قال‪« :‬غال ال�سعر على عهد ر�سول اهلل ‪ ،¤‬فقالوا‪:‬‬
‫يا ر�سول اهلل َ�س ِّعر لنا؟‪ ،‬فقال‪�( :‬إن اهلل هو املُ َ�س ِّعر القاب�ض البا�سط ال َّرا ِزقُ ‪ ،‬و�إين‬
‫مال)(‪.)1‬‬‫دم وال ٍ‬
‫مبظلمة يف ٍ‬
‫ٍ‬ ‫لأرجو �أن �ألقى ربي ولي�س �أحد منكم يطلبني‬
‫َّاق‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة‪ ،‬يف قوله تعالى‪}:‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬ ‫‪ æ‬ال َّرز ُ‬
‫ﮉ ﮊ{[الذاريات‪ ،]58:‬ومن ال�سنة رواية �أخرى من حديث �أن�س ال�سابق بلفظ ‪�(:‬إن‬
‫اهلل هو املُ َ�س ِّعر القاب�ض البا�سط ال َّرزَّاقُ ‪.)2()..‬‬
‫‪ æ‬املُقيتُ ‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة‪ ،‬يف قوله تعالى‪ }:‬ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽ{[الن�ساء‪.]85:‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬
‫‪ æ‬ال َّرا ِز ُق‪« :‬ا�سم فاعل‪ ،‬فعله َر َز َق ير ُزق َر ْزقاً و ِر ْزقاً‪ ،‬وال ِّر ْز ُق هو ما ُي ْن َتف ُع به‪،‬‬
‫وهو ال َعطاء»(‪ ،)3‬قال الأ�صفهاين‪« :‬الرزق‪ :‬يقال للعطاء اجلاري تارة؛ دنيويا كان �أم‬
‫�أخرويا‪ ،‬وللن�صيب تارة‪ ،‬وملا ي�صل �إلى اجلوف ويتغذى به تارة ‪ ..‬و(ال َّراز ُِق) يقال‬
‫خلالق ال ِّرزق ومعطيه وامل�س ِّبب له‪ ،‬وهو اهلل ‪-‬تعالى»(‪.)4‬‬
‫(‪ )1‬رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف �صحيح �أبي داود برقم (‪.)3451‬‬
‫(‪ )2‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (‪.)1059‬‬
‫(‪�( )3‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)563:‬الرازق)‬
‫(‪( )4‬املفردات) للراغب الأ�صفهاين (�ص ‪ ،)257‬مادة (ال ّرزق)‪.‬‬
‫ُ‬
‫قيت‬ ‫ِق ‪ -‬ال َّر َّز ُ‬
‫اق ‪ُ -‬‬
‫الم‬ ‫المجموعة التاسعة عشرة ‪ :‬ال َّراز ُ‬ ‫‪353‬‬

‫َّاق‪« :‬من �صيغ املبالغة على وزن ف ّعال من ا�سم الفاعل الرازق»(‪،)5‬‬ ‫‪ æ‬ال َّرز ُ‬
‫قال اله َّرا�س‪« :‬ومن �أ�سمائه (الر َّز ُاق)‪ ،‬وهو مبالغة من (رازق)؛ للداللة على الكرثة‪،‬‬
‫م�أخوذ من ال َّر ْزق ‪ -‬بفتح الراء ‪ -‬الذي هو امل�صدر‪ ،‬و�أما ال ِّرزق ‪ -‬بك�سرها ‪ -‬فهو ا�سم‬
‫لنف�س ال�شيء الذي يرزق اهلل به العبد»(‪.)6‬‬
‫‪ æ‬املُقيتُ ‪« :‬ا�سم فاعل للمو�صوف بالإقاتة‪ ،‬فعله �أقات يقِيت �إقات ًة‪ ،‬فهو ُمقِيت‪،‬‬
‫والقوت‪ :‬ما ي�سد به الرمق‪ ،‬وي�أكله الإن�سان ويعي�ش به من الرزق‪ ،‬قال تعالى‪ }:‬ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ{[ف�صلت‪ ،)7(»]10:‬قال الفريوز�أبادي‪« :‬والقوت‪ :‬ما يقوم به بدن الإِن�سان‬
‫اللهم اجعل رزق �آل حم ّمد قوت ًا)(‪� ،)8‬أَي مقدا ًرا‬
‫من الطعام ‪ ..‬وفى دعا ِء النبي ‪َّ ( :¤‬‬
‫مُي َ�سك به الر َمق»(‪.)9‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬


‫‪ æ‬ال َّرا ِز ُق‪« :‬الذي يرزق اخلالئق �أَجمعني‪ ،‬الذي ق ّدر �أرزاقهم قبل خلق العاملني‪،‬‬
‫وتكفل با�ستكمالها ولو بعد حني»(‪ ،)10‬قال اخلطابي‪« :‬هو املتكفل بالرزق‪ ،‬القائم على‬
‫كل نف�س مبا يقيمها من قوتها‪ ،‬و�سع اخللق كلهم رزقه ورحمته‪ ،‬فلم يخت�ص بذلك‬
‫م�ؤم ًنا دون كافر‪ ،‬وال ول ًيا دون عدو‪ ،‬ي�سوقه �إلى ال�ضعيف الذي ال حيلة له وال‬
‫متك�سب فيه‪ ،‬كما ي�سوقه �إلى اجللد القوي ذي امل ّرة ال�سوي»(‪.)11‬‬
‫َّاق‪« :‬هو الرازق رزق ًا بعد رزق‪ ،‬واملكرث املو�سع له»(‪ ،)12‬قال ال�شيخ ال�سعدي‪:‬‬
‫‪ æ‬ال َّرز ُ‬
‫«(ال َّر َّز ُاق) جلميع عباده‪ ،‬فما من دابة يف الأر�ض �إال على اهلل رزقها‪ ،‬ورزقه لعباده‬
‫(‪�( )5‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)600:‬الرزاق)‬
‫(‪� )6‬شرح الق�صيدة النونية للدكتور حممد خليل هرا�س (جـ‪� - 2:‬ص‪.)110 :‬‬
‫(‪ )7‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ق و ت)‪.‬‬
‫(‪ )8‬رواه م�سلم برقم (‪.)1055‬‬
‫(‪( )9‬ب�صائر ذوي التمييز) للفريوز�أبادي (مادة‪ :‬قوت)‪.‬‬
‫(‪�( )10‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)564:‬الرازق)‬
‫(‪�( )11‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)54 :‬‬
‫(‪( )12‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪ )172 :‬وعزا القول للحليمي‪.‬‬
‫‪354‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫نوعان‪ :‬رزق عام‪� ،‬شمل البرَ َّ والفاجر والأولني والآخرين‪ ،‬وهو رزق الأبدان‪ ،‬ورزق‬
‫خا�ص‪ ،‬وهو رزق القلوب وتغذيتها بالعلم والإميان والرزق احلالل الذي يعني على‬
‫�صالح الدين‪ ،‬وهذا خا�ص بامل�ؤمنني على مراتبهم منه بح�سب ما تقت�ضيه حكمته‬
‫ورحمته»(‪ ،)13‬وقال اله َّرا�س‪(« :‬ال َّر َّز ُاق) الكثري الرزق لعباده الذي ال تنقطع عنهم‬
‫�أمداده وفوا�ضله طرفة عني»(‪.)14‬‬
‫‪ æ‬املُقيتُ ‪« :‬الذي خلق الأقوات‪ ،‬وتكفل ب�إي�صالها �إلى اخللق»(‪ ،)15‬قال القرطبي‪:‬‬
‫قيت) الذي يعطي كل �إن�سان وحيوان قوته على ممَ َ ّر الأوقات �شيئاً بعد �شيء‪،‬‬ ‫«(املُ ُ‬
‫فهو ميدها يف كل وقت مبا جعله قواماً لها»(‪ ،)16‬وقال ال�شيخ ال�سعدي‪(« :‬املُ ُ‬
‫قيت)‬
‫الذي �أو�صل �إلى كل موجود ما به يقتات‪ ،‬و�أو�صل �إليها �أرزاقها و�صرفها كيف ي�شاء‬
‫بحكمته وحمده»(‪.)17‬‬

‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬


‫َّاق‪( :‬ال َّراز ُِق) الذي يرزق اخلالئق‪ ،‬حيث ق ّدر �أرزاقها قبل خلق‬ ‫‪ æ‬ال َّرا ِز ُق ‪ -‬ال َّرز ُ‬
‫ال�سموات والأر�ض بخم�سني �ألف �سنة‪ ،‬وتكفل ب�إي�صالها ملحا ّلها‪ ،‬وا�ستكمالها ولو بعد حني‪،‬‬
‫قال احلليمي‪(« :‬ال َّراز ُِق) املفي�ض على عباده ما مل يجعل لأبدانهم قواماً �إال به‪ ،‬واملنعم‬
‫عليهم ب�إي�صال حاجتهم من ذلك �إليهم»(‪� ..)18‬أما (ال َّر َّز ُاق)‪ :‬فهو من �أفعال املبالغة من‬
‫الرازق‪ ،‬وتدل على كرثة وتكرار رزق اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬ملخلوقاته‪ ،‬قال احلليمي‪(« :‬ال َّر َّز ُاق) رزقاً‬
‫بعد رزق‪ ،‬واملكرث املو�سع له»(‪« ،)19‬فهو كثري الإنفاق‪ ،‬وهو املفي�ض بالأرزاق رزقاً بعد‬
‫(‪ )13‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)18 :‬‬
‫(‪� )14‬شرح الق�صيدة النونية للدكتور حممد خليل هرا�س (جـ‪� - 2:‬ص‪.)110 :‬‬
‫(‪�( )15‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)639:‬املقيت)‬
‫(‪ )13‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)18 :‬‬
‫(‪� )14‬شرح الق�صيدة النونية للدكتور حممد خليل هرا�س (جـ‪� - 2:‬ص‪.)110 :‬‬
‫(‪( )16‬الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي ‪ -‬حتقيق‪ :‬حممد ح�سن جبل وطارق �أحمد حممد (جـ‪�-1:‬ص‪.)273 :‬‬
‫(‪ )17‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)18 :‬‬
‫(‪( )18‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪ )172 :‬ون�سبه للحليمي‪.‬‬
‫(‪ )19‬امل�صدر ال�سابق‪.‬‬
‫ُ‬
‫قيت‬ ‫ِق ‪ -‬ال َّر َّز ُ‬
‫اق ‪ُ -‬‬
‫الم‬ ‫المجموعة التاسعة عشرة ‪ :‬ال َّراز ُ‬ ‫‪355‬‬

‫رزق‪ ،‬مبالغة يف الإرزاق‪ ،‬وما يتعلق بق�سمة الأرزاق وترتيب �أ�سبابها يف املخلوقات‪،‬‬
‫�أال ترى �أن الذئب قد جعل اهلل رزقه يف �أن ي�صيد الثعلب في�أكله‪ ،‬والثعلب رزقه �أن‬
‫ي�صيد القنفذ في�أكله‪ ،‬والقنفذ رزقه �أن ي�صيد الأفعى في�أكلها‪ ،‬والأفعى رزقها �أن‬
‫ت�صيد الطري فت�أكله‪ ،‬والطري رزقه يف �أن ي�صيد اجلراد في�أكله ‪.)20(»..‬‬
‫قيت) هو الذي‬‫قيت) �أخ�ص من (ال َّرازِ ق)؛ لأن (املُ َ‬‫ُقيت‪( :‬املُ ُ‬
‫الرازِقُ ‪ -‬امل ُ‬ ‫‪َّ æ‬‬
‫يعطي كل �إن�سان وحيوان قوته‪ ،‬فهو خمت�ص بالقوت‪ ،‬والقوت‪ :‬ما يقوم به بدن الإِن�سان‬
‫واحليوان من الطعام‪ ،‬و�أما (ال َّرازِ ُق) فهو الذي يرزق خملوقاته بجميع �أنواع الرزق‪،‬‬
‫الظاهرة كالأَقوات للأَبدان‪ ،‬والباطنة كا َملعارف والإميان للقلوب وال ُّنفو�س‪ .‬قال القرطبي‪:‬‬
‫«والفرق بني القوت والرزق‪� ،‬أن القوت ما به قوام البنية مما ي�ؤكل ويقع به‬
‫االغتذاء‪ ،‬والرزق كل ما يدخل حتت ملك العبد مما ي�ؤكل ومما ال ي�ؤكل»(‪،)21‬‬
‫وقال ال�شيخ عبد العزيز اجلليل‪« :‬ويبدو �أن هناك فر ًقا بني ا�سم (املُقيت) وا�سم‬
‫أخ�ص من الرزاق؛ لأنه يخت�ص بالقوت‪� ،‬أما الرزاق فيتناول‬‫(ال َّرزَّاق)‪ ،‬فاملقيت � ّ‬
‫القوت وغري القوت»(‪.)22‬‬
‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬
‫‪ æ‬ال َّرا ِز ُق ‪ -‬ال َّرز ُ‬
‫َّاق‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سميه ‪�-‬سبحانه (ال َّرازِق) و(ال َّر َّزاق)‬
‫«�صفة (ال َّر ْزق) وهي من �صفات اهلل الفعلية الثابتة بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)23‬قال تعالى‪:‬‬
‫}ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ{[النحل ‪ ،]114 :‬ومن ال�سنة قوله ‪( :¤‬لو �أنَّ‬
‫�أحدكم �إذا �أتى �أهله قال ‪ :‬ب�سم اهلل‪ ،‬اللهم جنبنا ال�شيطان‪ ،‬وجنب ال�شيطان ما‬
‫َر َز ْق َت َنا‪.)24()..‬‬
‫(‪�( )20‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪()601 :‬الرزاق)‪.‬‬
‫(‪( )21‬النهج الأ�سماء يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للنجدي (�ص‪.)139 :‬‬
‫(‪( )22‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪.)689 :‬‬
‫(‪�( )23‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪)126 :‬‬
‫(‪ )24‬رواه البخاري برقم (‪ )141‬وم�سلم برقم (‪.)1434‬‬
‫‪356‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪ æ‬املُقيتُ ‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (املُقيت) «�صفة (الإقاتة) وهي من‬
‫�صفات الأفعال»(‪ ،)25‬قال تعالى‪ } :‬ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ{ [الن�ساء‪ ،]85:‬وكان من‬
‫م َّم ٍد ُقو ًتا)(‪.)26‬‬
‫دعائه ‪( :¤‬الل ُه َّم ا ْر ُزقْ � َآل حُ َ‬

‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬


‫‪ æ‬القوي املتني‪ :‬ورد اقرتان (ال َّر َّزاق) مع ا�سميه �سبحانه (ا ْل ُقوي المْ َ ِتني) مرة واحدة‬
‫يف قوله تعالى‪} :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ{ [الذاريات‪ ،]58:‬واحلكمة من ذلك ‪-‬‬
‫واهلل �أعلم – كما قال ال�شيخ عبدالعزيز اجلليل‪« :‬ف�أما اقرتان ا�سمه ‪�-‬سبحانه (القوي)‬
‫با�سمه ‪�-‬سبحانه (املتني) فوجهه وا�ضح؛ لأن يف اقرتانهما كمال �آخر يف القوة من حيث‬
‫التناهي يف القدرة‪ ،‬والتناهي يف �شدة القوة‪� ،‬أما اقرتانها با�سمه ‪�-‬سبحانه (الرزاق)‪،‬‬
‫فلأن من �آثار قوة اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬وقدرته التي ال َح ّد لها تك ّف ُله برزق جميع اخللق‪ ،‬وهذا‬
‫ما ال يقدر عليه �إال اهلل »(‪ ،)27‬يقول ال�شيخ ال�سعدي‪« :‬ومن ُق َّوت ِه �أنه �أو�صل رزقه �إلى‬
‫جميع العامل»(‪.)28‬‬

‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪:‬‬


‫‪ æ‬الأثر العلمي االعتقادي‪:‬‬
‫ازق الر َّز ُاق املُ ُ‬
‫قيت)‪ ،‬املتكفل ب�أرزاق العباد‪ ،‬القائم‬ ‫اهلل ‪� -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬هو (ال ّر ُ‬
‫على كل نف�س مبا يقيمها من قوتها‪ ،‬فيعطي كل خملوق قوته ورزقه على ما حدده ‪�-‬سبحانه‪-‬‬
‫من زمان �أو مكان �أو كم �أو كيف كما قال �سبحانه‪ }:‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ{[هود‪ ،]6:‬وقوله �سبحانه‪}:‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ{[العنكبوت‪.]60:‬‬
‫(‪�( )25‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)640:‬املقيت)‬
‫(‪ )26‬رواه البخاري برقم (‪.)2372‬‬
‫(‪( )27‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪.)403 :‬‬
‫(‪ )28‬تف�سري ال�سعدي عند تف�سري الآية (‪ )58‬من �سورة الذاريات‪.‬‬
‫ُ‬
‫قيت‬ ‫ِق ‪ -‬ال َّر َّز ُ‬
‫اق ‪ُ -‬‬
‫الم‬ ‫المجموعة التاسعة عشرة ‪ :‬ال َّراز ُ‬ ‫‪357‬‬

‫‪ æ‬الأثر العملي‪:‬‬
‫‪1.1‬حمبة اهلل و�إف���راده ‪�-‬سبحانه‪ -‬بالعبادة واالن��خ�لاع من ال�شرك بجميع‬
‫�أنواعه و�أ�شكاله؛ لأن اهلل اخلالق لعباده والرازق لهم هو وحده امل�ستحق للعبادة‪،‬‬
‫وهذا ما احتج ب ــه ‪�-‬سبحانه‪ -‬على امل�شركني حي ـ ــث قـ ــال �سبحانه وتـ ــعالى‪:‬‬
‫}ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ{[النحل‪ .]73 :‬وهناك حمبة عظيمة خا�صة يف قلوب �أولياء‬
‫اهلل و�أ�صفيائه‪ ،‬حيث َمنَّ عليهم ب�أعظم الرزق و�أنفعه �أال وهو رزق العلم‬
‫النافع‪ ،‬والعمل ال�صالح‪ ،‬و�سلوك الطريق املو�صلة ملر�ضاته وجناته‪ ،‬وهذا هو‬
‫الرزق على احلقيقة‪ ،‬قال ‪�( :¤‬إن اهلل ق�سم بينكم �أخالقكم كما ق�سم‬
‫بينكم �أرزاق��ك��م‪ ،‬و�إن اهلل يعطي الدنيا من يحب و من ال يحب‪ ،‬وال‬
‫يعطي الإميان �إال من �أحب‪ ،‬فمن َ�ض ّن باملال �أن ينفقه‪ ،‬وخاف العدو �أن‬
‫يجاهده‪ ،‬وهاب الليل �أن يكابده‪ ،‬فليكرث من قول‪� :‬سبحان اهلل واحلمد‬
‫هلل وال �إله �إال اهلل واهلل �أكرب)(‪.)29‬‬
‫‪ 2.2‬التوكل ال�صادق على اهلل والتعلق به وحده مع فعل الأ�سباب ال�شرعية يف‬
‫طلب الرزق وعدم التعلق بها‪ ،‬لأنه ‪�-‬سبحانه‪ -‬خالق الأ�سباب و ُم َ�س ِّبباتها‪ ،‬وهو‬
‫املتفرد برزق عباده‪ ،‬املتكفل ب�أقواتهم‪ ،‬وهذا بدوره يثمر الطم�أنينة وال�سكينة‬
‫وع��دم الهلع واخل��وف على ال��رزق‪ ،‬قال تعالى ‪ }:‬ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ‬
‫ﰇ ﰈ{[فاطر‪ ،]3:‬و�أعظم ما ا�ستجلب به رزق اهلل‪ ،‬والربكة فيه؛‬
‫تقوى اهلل وطاعته قال �سبحانه‪ }:‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ ‪ ‬‬ ‫ﮣ ﮤ ﮥ{[الطالق‪.]3-2:‬‬
‫(‪� )29‬أخرجه الطرباين و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة برقم (‪.)2714‬‬
‫‪358‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪3.3‬ترك الأ�سباب املحرمة يف طلب الرزق‪ ،‬وعدم اخلوف من املخلوق يف قطع الرزق‪،‬‬
‫واال�ستعالء على الباطل و�أهله عندما ي�ساومون امل�ؤمن على رزقه يف ترك احلق �أو‬
‫فعل الباطل‪ ،‬وهذا ديدن املنافقني كما و�صفهم ‪�-‬سبحانه‪ -‬يف قوله تعالى‪ }:‬ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ‬
‫‪ ‬‬ ‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ{[املنافقون‪ .]7:‬‬
‫‪4.4‬االبتعاد عن ال�شح والبخل؛ لأن ال�شعور ب�أن ما يف اليد من رزق فهو من اهلل وحده‪،‬‬
‫وما يف القلب من علم وهداية فاملا ُّن به ‪�-‬سبحانه‪ -‬فهو رزقه وف�ضله‪� ،‬إن هذا‬
‫ال�شعور يدفع بامل�ؤمن �إلى التوا�ضع واجلود مبا رزقه اهلل ‪�-‬سبحانه‪ -‬من علم �أو‬
‫مال �أو جاه يف �سبيل اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬و�إي�صاله للمحتاجني �إليه‪.‬‬
‫‪5.5‬حر�ص امل�ؤمن على �أن يجعل �أكرب همه ال�سعي لنيل الرزق الأعظم‪ ،‬والف�ضل الأكرب‪،‬‬
‫�أال وهو ر�ضا اهلل ‪�-‬سبحانه‪ -‬وجنته‪ ،‬فاجلنة �أعظم الرزق و�أكرمه‪ ،‬قال �سبحانه‪:‬‬
‫} ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭰ ﭱﭲ‬
‫ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ{[احلج‪ ،]58:‬وقوله‬
‫�سبحانه‪ }:‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬
‫ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ{[الطالق‪.]11 :‬‬
‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫(الرازق ‪ -‬الرزَّاق ‪ -‬املُقيتُ ) من �أ�سماء الأفعال الدالة على �صفات اهلل الفعلية‬‫ّ‬
‫(ال َّر ْزق ‪ -‬الإقاتة)‪ ،‬فاهلل ‪� -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬قد تكفل برزق جميع اخللق؛ ولذا كان من‬
‫املنا�سب دعاء اهلل ‪� -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬والثناء عليه‪ ،‬بهذه الأ�سماء‪ ،‬يف حاجات العبد املتعلقة‬
‫بالرزق مبفهومه الوا�سع الذي ي�شمل غذاء الأج�ساد والأبدان‪ ،‬وغذاء القلوب والأرواح‪،‬‬
‫وحاجات العبد الأخرى كالذرية التي �أ�شار �إليها الر�سول ‪ ¤‬يف احلديث ال�سابق‪ ..(:‬اللهم‬
‫جنبنا ال�شيطان‪ ،‬وجنب ال�شيطان ما َر َز ْق َت َنا‪ ،)30()..‬وكاملطر والغيث الذي �سماه اهلل يف‬
‫كتابه رزق ًا‪ ،‬وغريها من احلاجات‪ ،‬يقول النبي ‪(:¤‬ال يقل �أحدكم‪ :‬اللهم اغفر يل �إن‬
‫(‪ )30‬رواه البخاري برقم (‪ )141‬وم�سلم برقم (‪ .)1434‬‬
‫ُ‬
‫قيت‬ ‫ِق ‪ -‬ال َّر َّز ُ‬
‫اق ‪ُ -‬‬
‫الم‬ ‫المجموعة التاسعة عشرة ‪ :‬ال َّراز ُ‬ ‫‪359‬‬

‫�شئت‪ ،‬ارحمني �إن �شئت‪ ،‬ارزقني �إن �شئت‪ ،‬وليعزم م�س�ألته‪� ،‬إنه يفعل ما ي�شاء‪ ،‬ال مكره‬
‫له)(‪ ،)31‬وكان الرجل �إذا �أ�سلم ع ّلمه النبي ‪ ¤‬ال�صالة‪ ،‬ثم �أمره �أن يدعو به�ؤالء الكلمات‪:‬‬
‫(اللهم اغفر يل‪ ،‬وارحمني‪ ،‬واهدين‪ ،‬وعافني‪ ،‬وارزقني)(‪ ،)32‬ويف رواية‪(:‬قل‪ :‬اللهم‬
‫اغفر يل‪ ،‬وارحمني‪ ،‬وعافني‪ ،‬وارزقني‪ ،‬ف�إن ه�ؤالء جتمع لك دنياك و�آخرتك)(‪.)33‬‬
‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬
‫‪ æ‬عن �أبي هريرة ‹ قال‪�« :‬أتيت َّ‬
‫النبي ‪ ¤‬ب َت َمراتٍ ‪ ،‬فقلت‪ :‬يا ر�سول اهلل‪ ،‬اد ُع‬
‫(خذهن‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫فيهن بالربكة‪ ،‬فقال يل‪:‬‬ ‫هن(‪ )34‬ثم دعا يل‬ ‫َّ‬
‫فيهن بالربكة‪ ،‬ف�ض َّم َ ّ‬ ‫َ‬
‫اهلل‬
‫هن يف ِمزْ َو ِد َك(‪ )35‬هذا‪ ،‬كلما � َ‬
‫أردت �أن ت�أخذ منه �شي ًئا ف�أدخل فيه يدك فخذه‬ ‫فاج َع ْل َّ‬
‫وال تنثرُ ْ ه نَثرْ ً ا(‪ .))36‬قال �أبو هريرة ‹‪ :‬فقد ح َملت من ذلك التمر كذا وكذا‬
‫من َو ْ�سقٍ (‪ )37‬يف �سبيل اهلل‪ ،‬وك َّنا ن�أكل منه و ُنطعِم‪ ،‬وكان ال يفارق َح ْقوي(‪،)38‬‬
‫حتى كان يو ُم َقتلِ عثمان ‹ ف�إنه انقطع »(‪.)39‬‬
‫‪ æ‬روى �سعيد بن امل�سيب �أن عمر بن اخلطاب ‹‪ ،‬نفر من منى (�سنة ‪ 23‬هـ)‪ ،‬ف�أناخ‬
‫بالأبطح‪ ،‬وك َّوم كومة من بطحاء‪ ،‬ف�ألقى عليها طرف ثوبه‪ ،‬ثم ا�ستلقى عليها‪ ،‬ورفع يديه �إلى‬
‫ال�سماء فقال‪« :‬اللهم كربت �سني‪ ،‬و�ضعفت قوتي‪ ،‬وانت�شرت رع ّيتي‪ ،‬فاقب�ضني �إليك‬
‫غري م�ض ِّيع وال مفرط»(‪ ،)40‬ويف رواية البخاري‪« :‬اللهم ارزقني �شهادة يف �سبيلك‪،‬‬
‫واجعل موتي يف بلد ر�سولك ‪ )41(»¤‬قالت حف�صة‪ :‬و�أنى يكون هذا؟!‪ ،‬قال‪ :‬ي�أتي اهلل‬
‫به �إن �شاء»‪ ،‬وكانت تلك �آخر حجة حجها ‹‪ ،‬ثم قدم املدينة‪ ،‬فطعنه �أبو ل�ؤل�ؤة املجو�سي‬
‫(‪ )31‬رواه البخاري برقم (‪.)7477‬‬
‫(‪ )32‬رواه م�سلم برقم (‪.)2697‬‬
‫(‪ )33‬رواه ابن ماجة و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)4398‬‬
‫(‪ )34‬ف�ض َّمهنَّ ثم دعا‪� :‬أي �أَخذ التمرات و�ضم كلتا يَدَ ْي ِه عليهن‪ ،‬ثم دعا اهلل �أن ُيبارك لأبي هريرة َ‹ فيهِنَّ ‪.‬‬
‫الطعام‪.‬‬ ‫جلد ونحوه ُيو�ضع فيه الزَّاد من َّ‬ ‫راب‪ ،‬وهو عبارة عن وعاء من ٍ‬ ‫اجل ُ‬‫فاجع ْلهُنَّ يف ِمزو ِد َك‪ :‬املِزو ُد هو ِ‬ ‫(‪ْ )35‬‬
‫راب وخذ ما �شئت‪ ،‬وال ُت ْف ِر ِغه من التمر‪ ،‬وال َت ْن ُ�ش ْر ُه َن ْ�ش ًرا‪.‬‬
‫ِ ِ‬‫اجل‬ ‫داخل‬ ‫يدك‬ ‫أدخل‬ ‫�‬ ‫ف‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫متر‬ ‫منه‬ ‫أخذ‬ ‫�‬ ‫ت‬ ‫أن‬ ‫�‬ ‫أردت‬ ‫�‬ ‫إذا‬ ‫�‬ ‫أي‬ ‫�‬ ‫ا‪:‬‬ ‫ً‬ ‫َثرْ‬
‫ن‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ثرُ‬ ‫ْ‬
‫(‪ )36‬وال ُ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ت‬
‫(‪ )37‬ال َو ْ�س ُق‪ِ :‬مكيال معلوم‪ ،‬وهو يعادل ‪� 60‬صاعا نبويا‪ ،‬وال�صاع يُقدر بـ(‪ 2,176‬كجم) وبالتايل فـ «ال َو ْ�سق» يُعادل (‪ 130٫5‬كجم) تقري ًبا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫راب ال َّت ْم ِر معه ‹ منذ دعا له فيه النبي ‪ ¤‬بالربكة‬ ‫باط الذي ُي َ�ش ُّد ِب ِه ال َو َ�س ُط‪� ،‬أي ظل ِج ُ‬
‫حل ْق ُو هو ال ِّر ُ‬‫(‪ )38‬ال ُيفار ُِق َح ْقوي‪ :‬ا َ‬
‫اجلراب و�ضاع منه‪.‬‬‫اليوم الذي ُق ِت َل فيه عثمان بن عفان ‹‪ ،‬ا َن ْق َط َع ِ‬ ‫حتى كان ُ‬
‫(‪ )39‬رواه الرتمذي وح�سنه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (‪.)3839‬‬
‫(‪� )40‬أخرجه ابن عبد الرب يف (اال�ستذكار) وقال‪� :‬إ�سناده �صحيح‪.‬‬
‫(‪ )41‬رواه البخاري برقم (‪.)1890‬‬
‫‪360‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫يف �صالة فجر يوم (‪ 23/12/23‬هـ)‪ ،‬فلما عرف من طعنه قال‪« :‬احلمد هلل الذي مل‬
‫يجعل قاتلي يحاجني عند اهلل ب�سجدة �سجدها قط»‪.‬‬
‫اب يف ُع ّ�شه) يريد‪:‬‬
‫‪( :‬يا رازق الن َّع َ‬ ‫‪ æ‬قال اخلطابي‪« :‬وكان من دعاء داود‬
‫فرخ الغراب‪ ،‬وذلك �أنه يقال‪� :‬إذا تفق�أت عنه البي�ضة؛ خرج �أبي�ضاً كال�شحمة!‪ ،‬ف�إذا ر�آه‬
‫الغراب �أنكره لبيا�ضه فرتكه!‪ ،‬في�سوق اهلل ‪ -‬جل وع َّز ‪� -‬إليه ال َب َّق(‪ ،)42‬فيقع عليه لزهومة‬
‫ريحه(‪ ،)43‬ف َيل ُق ُطها‪ ،‬ويعي�ش بها �إلى �أن يحمم ري�شه في�س ّود(‪ ،)44‬فيعاوده الغراب عند‬
‫اب يف ع�شه»(‪.)45‬‬ ‫احلب‪ ،‬فهذا معنى‪ :‬رازق الن َّع َ‬
‫ذلك‪ ،‬وي�ألفه‪ ،‬و ُيلقِط ُه َّ‬
‫‪ æ‬قال الق�شريي‪« :‬يقال‪� :‬إن �سليمان �س�أل ربه �سبحانه وتعالى‪� ،‬أن ي�أذن له‬
‫�أن ي�ض ّيف يوما جميع احليوانات‪ ،‬ف�أذن اهلل تعالى له‪ ،‬ف�أخذ �سليمان يف جمع الطعام‬
‫مدة طويلة‪ ،‬ف�أر�سل اهلل تعالى له حوتاً واحداً من البحر‪ ،‬ف�أكل كل ما جمعه �سليمان‬
‫يف تلك املدة الطويلة‪ ،‬ثم ا�ستزاده!‪ ،‬فقال �سليمان‪ :‬مل يبق عندي �شيء!‪ ،‬و�أنت ت�أكل‬
‫كل يوم مثل هذا؟!‪ ،‬فقال‪ :‬رزقي كل يوم ثالثة �أ�ضعاف هذا‪ ،‬ولكن اهلل مل يطعمني‬
‫اليوم �إال ما �أطعمتني �أنت‪ ،‬فليتك مل ت�ض ّيفني ف�إين بقيت اليوم جائعا حيث كنت‬
‫�ضيفك!‪ »،‬قال الدمريي‪ :‬ويف هذا �إ�شارة �إلى كمال قدرة اهلل تعالى‪ ،‬وعظيم �سلطانه‪ ،‬و�سعة‬
‫مع �سعة ملكه وقوة �سلطانه الذي �آتاه اهلل تعالى‪ ،‬عجز �أن‬ ‫خزائنه‪� ،‬إذ مثل �سليمان‬
‫ُي�شبع خملوق ًا واحد ًا من خملوقات اهلل تعالى‪ ،‬ف�سبحانه املتكفل ب�أرزاق خلقه»(‪.)46‬‬
‫‪ æ‬قال تعالى‪} :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ{[اجلمعة‪ ،]10-9 :‬كان عراك بن مالك ‹ �إذا‬
‫�صلى اجلمعة ان�صرف فوقف على باب امل�سجد وقال‪« :‬اللهم �إين �أجبتُ دعوتك‪ ،‬و�صليتُ‬
‫فر�ضيتك‪ ،‬وانت�شرت كما �أمرتني‪ ،‬فارزقني من ف�ضلك و�أنت خري الرازقني»(‪.)47‬‬
‫(‪ )42‬ال َبقَّ ‪ :‬ال َب ُعو�ض‪( .‬ل�سان العرب)‪.‬‬
‫(‪ )43‬الز ُّْه ُم‪ :‬الريح املنتنة‪( .‬ل�سان العرب)‪.‬‬
‫(‪ )44‬يحمم ري�شه‪� :‬أي ي�س ّود‪ ،‬واحلمم والأحم‪ :‬هو الأ�سود من كل �شيء‪.‬‬
‫(‪�( )45‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)55 :‬‬
‫(‪( )46‬حياة احليوان الكربى) لأبي البقاء حممد بن مو�سى الدمريي (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)380 :‬‬
‫(‪ )47‬تف�سري (النكت والعيون) للماوردي عند تف�سري الآية (‪ )10‬من �سورة (اجلمعة)‪.‬‬
‫ُ‬
‫قيت‬ ‫ِق ‪ -‬ال َّر َّز ُ‬
‫اق ‪ُ -‬‬
‫الم‬ ‫المجموعة التاسعة عشرة ‪ :‬ال َّراز ُ‬ ‫‪361‬‬

‫‪ æ‬قال �سفيان الثوري‪« :‬لي�س لل�شيطان �سالح مثل خوف الفقر‪ ،‬ف�إذا ُقبل ذلك‬
‫منه �أخذ يف الباطل‪ ،‬وم َن َع احلق‪ ،‬وتكلم بالهوى‪ ،‬وظن بربه ظن ال�سوء» (‪.)48‬‬
‫‪ æ‬قال علي بن بكار‪� :‬شكا رجل �إلى �إبراهيم بن �أدهم كرثة عياله! فقال‪ « :‬يا �أخي!‬
‫انظر كل من يف منزلك لي�س رزقه على اهلل فحوله �إلى منزيل! ف�سكت الرجل»(‪.)49‬‬
‫‪ æ‬قال حامت الأ�صم‪« :‬يل �أربع ن�سوة‪ ،‬وت�سعة من الأوالد‪ ،‬ما طمع ال�شيطان �أن‬
‫يو�سو�س يل يف �شيء من �أرزاقهم ‪ ..‬وما من �صباح �إال وال�شيطان يقول يل‪ :‬ما ت�أكل؟‬
‫وما تلب�س؟ و�أين ت�سكن؟‪ ،‬ف�أقول‪� :‬آكل املوت‪ ،‬و�ألب�س الكفن‪ ،‬و�أ�سكن القرب»(‪.)50‬‬
‫وقال يف مو�ضع �آخر‪ « :‬ر�أيت النا�س يف �شك من �أمر الرزق‪ ،‬فتوكلت على اهلل القائل‬
‫�سبحانه‪ } :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ{ [هود‪.)51(»]6:‬‬
‫‪« æ‬حج اخلليل بن �أحمد الفراهيدي فدعا يف حجه �أن يرزقه اهلل تعالى علماً‬
‫مل ي�سبقه �أحد �إليه‪ ،‬وال ي�ؤخذ �إال عنه‪ ،‬فرجع وقد ُفتح عليه بعلم العرو�ض»(‪.)52‬‬
‫ال�س َماء ف�أنزله‪َ ،‬و�إِن َكا َن فيِ الأَ ْر�ض‬
‫‪ æ‬كان من دعاء �أحدهم‪« :‬ال َّل ُه َّم �إِن َكا َن ِر ْزقِي فيِ َّ‬
‫َف� ْأخرج ُه‪َ ،‬و ِ�إن َكا َن َبعيدا فق ِّربه‪َ ،‬و ِ�إن َكا َن َقرِيبا في�سره‪َ ،‬و ِ�إن َكا َن َقلِيال فكثرِّ ه‪َ ،‬و ِ�إن‬
‫َكا َن كثريا َف َبارك فِيهِ»(‪.)53‬‬
‫‪« æ‬كان ابن باب�شاذ النحوي يف �سطح جامع م�صر‪ ،‬وهو ي�أكل �شيئا وعنده نا�س‪ ،‬فح�ضرهم‬
‫ِق ٌّط‪ ،‬فرموا له لقمة‪ ،‬ف�أخذها يف فيه‪ ،‬وغاب عنهم‪ ،‬ثم عاد �إليهم!‪ ،‬فرموا له �شيئا �آخر‪ ،‬ففعل‬
‫كذلك‪ ،‬وتردد مرار ًا كثرية‪ ،‬وهم يرمون له‪ ،‬وهو ي�أخذه ويغيب به‪ ،‬ثم يعود من فوره‪ ،‬حتى عجبوا‬
‫منه‪ ،‬وعلموا �أن مثل هذا الطعام ال ي�أكله وحده لكرثته!‪ ،‬فلما ا�سرتابوا حاله تبعوه فوجدوه يرقى‬
‫�إلى حائط يف �سطح اجلامع‪ ،‬ثم ينزل �إلى مو�ضع بيت خال خرب‪ ،‬وفيه ِق ٌّط �آخر �أعمى‪ ،‬وكل ما‬
‫(‪�( )48‬إحياء علوم الدين)لأبي حامد الغزايل (جـ‪� – 3 :‬ص‪.)33 :‬‬
‫(‪()49‬تاريخ دم�شق) البن ع�ساكر (جـ‪� – 6:‬ص‪.)345 :‬‬
‫(‪�()50‬صفة ال�صفوة) البن اجلوزي (جـ‪� – 4 :‬ص‪.)162 :‬‬
‫(‪�()51‬سري �أعالم النبالء) للإمام الذهبي (�ص‪ )1346 :‬يف ترجمة الإمام حامت الأ�صم‪.‬‬
‫(‪()52‬وفيات الأعيان و�أنباء �أبناء الزمان) لأبي العبا�س بن خلكان (جـ‪� – 2:‬ص‪.)244 :‬‬
‫(‪( )53‬نرث الدر) للآبي (جـ‪� – 6 :‬ص‪.)48 :‬‬
‫‪362‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ي�أخذه من الطعام يحمله �إلى ذلك ّ‬


‫القط وي�ضعه بني يديه‪ ،‬وهو ي�أكله‪ ،‬فعجبوا من تلك احلال‪،‬‬
‫فقال ابن باب�شاذ‪�« :‬إذا كان هذا حيوانا �أخر�س قد �سخر اهلل ‪� -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬له هذا‬
‫القط‪ ،‬وهو يقوم بكفايته‪ ،‬ومل يحرمه الرزق‪ ،‬فكيف ي�ضيع مثلي؟!»(‪.)54‬‬
‫‪ æ‬نقل عطاء اخلرا�ساين‪�« :‬أن امر�أة �أبي م�سلم اخلوالين قالت له‪ « :‬لي�س لنا دقيق!‪,‬‬
‫فقال‪ :‬هل عندك �شيء؟‪ ،‬قالت‪ :‬درهم بعنا به غز ًال‪ ،‬قال‪ :‬ابغنيه‪ ،‬وهاتي اجلراب‪،‬‬
‫فدخل ال�سوق‪ ،‬ف�أتاه �سائل و�أل ّح‪ ،‬ف�أعطاه الدرهم!‪ ،‬وملأ اجلراب من ن�شارة النجارة‬
‫مع الرتاب‪ ،‬و�أتى وقلبه مرعوب منها!‪ ،‬فرمى اجلراب وذهب‪ ،‬ففتحته‪ ،‬ف�إذا به دقيق‬
‫حوارى(‪ )55‬فعجنت وخبزت‪ ،‬فلما ذهب من الليل َهوِيٌّ (‪ )56‬جاء فنقر الباب‪ ،‬فلما‬
‫دخل و�ضعت بني يديه خوانا و�أرغفة‪ ،‬فقال‪ :‬من �أين هذا؟!‪ ,‬قالت‪ :‬من الدقيق الذي‬
‫جئت به!‪ ،‬فجعل ي�أكل ويبكي»(‪.)57‬‬
‫‪ æ‬نزل البرَ َ ُد على زرع عجوز بالبادية‪ ،‬ف�أخرجت ر�أ�سها من اخلباء ونظرت �إلى الزرع‬
‫قد تلف!‪ ،‬فرفعت ر�أ�سها �إلى ال�سماء وقالت‪« :‬ا�صنع ما �شئت ف�إن رزقي عليك»(‪.)58‬‬
‫‪« æ‬لمَّا �أُ َ‬
‫�صيب �أبو الحْ �سن ال َك ْر ِخي بال َف ِ‬
‫الج(‪ )59‬يف �آخر ُع ُمره‪ ،‬ح�ضره �أ�صحابه وقالوا‪:‬‬
‫قل‪ ،‬فكتبوا �إلى الأمري �سيف الدولة‬‫ري و ُم ًّ‬
‫وعالج‪ ،‬وال�شيخُ فق ٌ‬ ‫هذا َم َر ٌ�ض يحتاج �إلى َنفق ٍة ِ‬
‫أح�س �أبو احل�سن مبا هم فيه بكى!‪ ،‬وقال‪ :‬الله ّم ال ْ‬
‫جتعل‬ ‫احلمداين يطلبون معونته‪ ،‬فل ّما � َّ‬
‫ِر ْزقي �إال من حيث َع ّودتني!‪ ،‬فمات قبل �أن ُي ْح َمل �إليه �شي ٌء!‪ ،‬ثم جاء من �سيف الدولة‬
‫ُ�صدق بها عنه»(‪.)60‬‬
‫احلمداين ع�شرة �آالف ِدرهم‪ ،‬فت ِّ‬
‫(‪( )54‬وفيات الأعيان) البن خلكان (جـ‪� - 2 :‬ص‪.)516 :‬‬
‫حل َّوا َرى‪ :‬الدقيق الأبي�ض‪ ،‬وهو لباب الدقيق و�أجوده و�أخل�صه‪.‬‬ ‫(‪ )55‬ا ُ‬
‫وي‪ :‬الفرتة الطويلة من الزمان‪ ،‬وال�ساعة املمتدة من الليل‪ ،‬وهو خمت�ص بالليل‪.‬‬ ‫(‪ )56‬ال َه ٌّ‬
‫(‪( )57‬تاريخ الإ�سالم) للذهبي (جـ‪� – 5 :‬ص‪ )296 :‬عند حديثة عن �سرية التابعي اجلليل (�أبو م�سلم اخلوالين)‪ ،‬و(�سري‬
‫�أعالم النبالء) للذهبي (�ص‪.)3850 :‬‬
‫(‪( )58‬نرث الدر) للآبي (جـ‪� – 4 :‬ص‪.)68 :‬‬
‫الن�صفي‪ ،‬وهو دَا ٌء ي�صيب الإن�سان ف ُي ْحدِ ُث َ�ش َل ًال فيِ �أَ َحدِ َ�ش َّق ِي ا ْل َبدَ ِن طو ًال ف ُي ْبطل � َ‬
‫إح�سا�سه وحركتَه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫(‪ )59‬ا ْل َفا ِلج ‪ :‬هو ال�شلل‬
‫(‪�( )60‬سري �أعالم النبالء) للإمام الذهبي‪�( ،‬ص‪ - )2614 :‬يف ترجمة (�أبي احل�سن عبيداهلل بن احل�سني بن دالل البغدادي‬
‫الكرخي) برقم (‪.)3620‬‬
‫ِض ‪ -‬ال َباسِ ُ‬
‫ط‬ ‫َان ‪ -‬القَ اب ُ‬
‫المن ُ‬
‫اب ‪َ -‬‬
‫ه ُ‬‫الو َّ‬
‫الم ْعطي ‪َ -‬‬
‫المجموعة العشرون ‪ُ :‬‬ ‫‪363‬‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ ‪20‬ـــــــــة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ا ْل َع َط ُ‬
‫اء‬
‫(‪)69 - 68 - 67 - 66 - 65‬‬
‫اب ‪ -‬املَن ُ‬
‫َّان ‪ -‬ال َقا ِب ُ‬
‫�ض ‪-‬‬ ‫املُ ْع ُ‬
‫طي ‪ -‬ال َو َّه ُ‬
‫ا�س ُط‬
‫ال َب ِ‬
‫‪364‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الـمجـمـوعـ ‪20‬ـة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ا ْل َع َط ُ‬
‫اء‬
‫(‪)69 - 68 - 67 - 66 - 65‬‬
‫ا�س ُط‬ ‫اب ‪ -‬املَنَّانُ ‪ -‬ال َقا ِب ُ‬
‫�ض ‪ -‬ال َب ِ‬ ‫املُ ْعطي ‪ -‬ال َو َّه ُ‬
‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫‪ æ‬املُ ْعطي‪ :‬مل يرد اال�سم يف القر�آن الكرمي‪ ،‬و�إمنا ورد يف ال�سنة النبوية من حديث‬
‫ريا يفقهه‬
‫معاوية بن �أبي �سفيان ‪ ،‬قال‪� :‬سمعت النبي ‪ ¤‬يقول‪( :‬من يرد اهلل به خ ً‬
‫يف الدين‪ ،‬واهلل املعطي و�أنا القا�سم‪ ،‬وال تزال هذه الأمة ظاهرين على من خالفهم‬
‫حتى ي�أتي �أمر اهلل وهم ظاهرون)(‪.)1‬‬
‫اب‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 3‬مرات) منها قوله تعالى‪ }:‬ﮪ ﮫ ﮬ‬ ‫‪ æ‬ال َوهَّ ُ‬
‫‪� :‬أن النبي ‪ ¤‬كان �إذا‬ ‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ{[�ص‪ ،]9:‬ومن ال�سنة قول عائ�شة‬
‫ا�ستيقظ من الليل قال‪( :‬ال �إله �إال �أنت �سبحانك‪ ،‬اللهم �أ�ستغفرك لذنبي‪ ،‬و�أ�س�ألك‬
‫رحمتك‪ ،‬اللهم زدين علما‪ ،‬وال تزغ قلبي بعد �إذ هديتني‪ ،‬وهب يل من لدنك رحمة‪،‬‬
‫�إنك �أنت الوهاب)(‪.)2‬‬
‫‪ æ‬املَنَّانُ ‪ :‬مل يرد هذا اال�سم الكرمي �صريح ًا يف القر�آن الكرمي‪ ،‬و�إمنا ورد يف ال�سنة‬
‫النبوية‪ ،‬من حديث �أن�س ‹ قال‪ :‬دخل النبي ‪ ¤‬امل�سجد‪ ،‬ورجل قد �صلى وهو يدعو‪،‬‬
‫ويقول يف دعائه‪( :‬اللَّهم ال �إله �إال �أنت‪ ،‬املنَّان بديع ال�سماوات والأر�ض‪ ،‬ذا اجلالل‬
‫والإكرام)‪ ،‬فقال النبي ‪�( :¤‬أتدري مبا دعا اهلل؟‪ ،‬دعا اهلل با�سمه الأعظم الذي �إذا‬
‫دعي به �أجاب‪ ،‬و�إذا �سئل به �أعطى)(‪.)3‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري برقم (‪.)3116‬‬
‫(‪ )2‬رواه �أبو داود و�صححه ابن حبان (‪ )2359‬واحلاكم (‪ )540 /1‬ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن ماجة و�صـححـه الألباين يف �صـحيح ابن ماجة برقم (‪.)2809‬‬
‫ِض ‪ -‬ال َباسِ ُ‬
‫ط‬ ‫َان ‪ -‬القَ اب ُ‬
‫المن ُ‬
‫اب ‪َ -‬‬
‫ه ُ‬‫الو َّ‬
‫الم ْعطي ‪َ -‬‬
‫المجموعة العشرون ‪ُ :‬‬ ‫‪365‬‬

‫ا�س ُط‪ :‬مل يرد اال�سمان الكرميان يف القر�آن العظيم‪ ،‬و�إمنا وردا يف‬ ‫�ض ال َب ِ‬ ‫‪ æ‬ال َقا ِب ُ‬
‫ال�سنة النبوية‪ ،‬من حديث �أن�س ‹‪ ،‬قال‪ :‬غال ال�سعر على عهد ر�سول اهلل ‪ ¤‬فقالوا‪:‬‬
‫ُ‬
‫البا�سط ال َّرزَّاقُ ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫القاب�ض‬ ‫يا ر�سول اهلل‪�َ ،‬س ِّع ْر لنا‪ ،‬فقال ‪�( :¤‬إن اهلل هو امل َُ�س ِّع ُر‬
‫و�إين لأرجو �أن �ألقى ربي ولي�س �أحد منكم يطلبني مبظلمة يف دم وال مال)(‪.)4‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬


‫‪ æ‬املُ ْعطي‪« :‬ا�سم فاعل‪ ،‬فعله �أعطى يعطي عطية فهو معط‪ ،‬وال َعطِ َّية‪ :‬ا�س ٌم ملا‬
‫ُي ْعطى‪�« ،)5(»..‬أعطاه ال�شيء‪ :‬وهبه‪ ،‬منحه‪ ،‬ناوله �إ َّياه»(‪« ،)6‬والعطو‪ :‬التناول‪ ،‬يقال‬
‫منه‪ :‬عطوت �أعطو‪ ،‬وعطوت ال�شيء‪ :‬تناولته باليد»(‪.)7‬‬
‫اب «�صيغة مبالغة على وزن ف ّعال من الواهب وهو املعطي للهبة‪ ،‬فعله‬
‫‪ æ‬ال َو َّه ُ‬
‫وهب يهب وهبا وهبة‪ ،‬والهبة عطاء ال�شيء بال عو�ض»(‪.)8‬‬
‫من اهلل عليه �أي وهبه نعمة‬ ‫‪ æ‬املَنَّانُ ‪�« :‬صيغة مبالغة من َم َّن ُّ‬
‫مين م ّناً‪ ،‬يقال‪َّ :‬‬
‫واملن‪ :‬العطاء‪ ،‬قال الراغب‪« :‬املنة‪ :‬النعمة الثقيلة‪،‬‬
‫طيبة»(‪ ،)9‬واملنة‪ :‬العطية العظيمة‪ُّ ،‬‬
‫من فالن على‬ ‫ويقال ذلك على وجهني‪� :‬أحدهما‪� :‬أن يكون ذلك بالفعل‪ ،‬فيقال‪َّ :‬‬
‫فالن �إذا �أثقله بالنعمة‪ ،‬وعلى ذلك قوله تعالى‪ }:‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ{[�آل‬
‫عمران‪ ،]164:‬وذلك على احلقيقة ال يكون �إال هلل ‪-‬تعالى‪ ،‬والثاين‪� :‬أن يكون ذلك‬
‫بالقول‪ ،‬وذلك م�ستقبح فيما بني النا�س �إال عند كفران النعمة‪ ،‬ولقبح ذلك قيل‪:‬‬
‫املنة تهدم ال�صنيعة‪ ،‬وحل�سن ذكرها عند الكفران قيل‪� :‬إذا كفرت النعمة ح�سنت املنة‪،‬‬
‫(‪ )4‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (‪.)1059‬‬
‫(‪�( )5‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)634:‬املعطي)‬
‫(‪ )6‬معجم اللغة العربية املعا�صرة للدكتور �أحمد خمتار عمر (مادة ع ط و)‪.‬‬
‫(‪( )7‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ‪� - 15 :‬ص‪.)68 :‬‬
‫(‪�( )8‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)674:‬الوهاب)‬
‫(‪ )9‬معجم اللغة العربية املعا�صرة للدكتور �أحمد خمتار عمر (مادة و هـ ب)‪.‬‬
‫‪366‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫وقوله‪} :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ{[احلجرات‪ ،]17:‬فاملنة منهم بالقول‪ ،‬ومنة اهلل عليهم‬
‫بالفعل‪ ،‬وهو هدايته �إياهم كما ذكر»(‪.)10‬‬
‫�ض‬‫�ض‪ ،‬فعله َق َب َ‬ ‫ا�س ُط‪( :‬ال َقا ِب ُ�ض) «ا�سم فاعل للمو�صوف با ْل َق ْب ِ‬ ‫‪ æ‬ال َقا ِب ُ‬
‫�ض ال َب ِ‬
‫�ض َق ْب�ضاً‪ ،‬فهو قا ِب�ض»(‪ ،)11‬و(ال َب ِا�س ُط) «ا�سم فاعل للمو�صوف بال َب ْ�س ِط‪ ،‬فعله‬ ‫َي ْق ِب ُ‬
‫يب�سط َب ْ�سطاً‪ ،‬فهو با�سِ ط»(‪ ،)12‬والب�سط ‪ :‬نقي�ض القب�ض‪ ،‬والب�سطة‪ :‬الزيادة‬ ‫ب�سط ُ‬ ‫َ‬
‫وال�سعة‪ .‬ومنه قولـه تعالى ‪ }:‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ{[البقرة‪،]247:‬‬
‫والقب�ض‪ :‬التقتري والت�ضييق‪ ،‬ومنه قول اهلل تعالى‪ } :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ري وال َّت ْ�ض ُ‬
‫ييق‪،‬‬ ‫ﯳ{[البقرة‪ ،]245 :‬قال الزجاجي عن هذه الآية‪« :‬ال َق ُ‬
‫ب�ض‪ :‬ال َّت ْق ِت ُ‬
‫والب�سط‪ :‬ال َّت ْو�سع ُة يف الرزق والإكثار منه»(‪ ،)13‬وقال ابن جرير‪ }« :‬ﯯ ﯰ‬
‫ﯱ{ يعني بقوله‪َ ( :‬ي ْق ِب ُ�ض) يقرت بقب�ضه الرزق عمن ي�شاء من خلقه‪ ،‬ويعني‬
‫بقوله‪َ ( :‬و َي ْب ُ�س ُط) يو�سع بب�سطة الرزق على من ي�شاء منهم»(‪ .)14‬وقال ابن الأثري‪:‬‬
‫ريه من الأ�شياء عن العباد ب ُل ْطفه وحِ ْك َم َته‪،‬‬ ‫«(ال َقا ِب ُ�ض) الذي مُي�سك الرزق وغ َ‬
‫و�سعه عليهم‬ ‫و َي ْق ِب�ض الأ ْرواح عند املَمات‪ .. ،‬و(ال َب ِا�س ُط) الذي َي ْب ُ�سط الرزق لعباده و ُي ِّ‬
‫بجوده ورحمته‪ ،‬و َي ْب ُ�سط الأرواح يف الأج�ساد عند احلياة»(‪.)15‬‬ ‫ُ‬
‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬
‫املُ ْعطي‪« :‬املم ِّكن من نعمه‪ ،‬الواهب عطا َءه ملخلوقاته»(‪ ،)16‬قال احلليمي‪:‬‬ ‫‪æ‬‬

‫(‪( )10‬املفردات) للراغب الأ�صفهاين (جـ‪� - 2 :‬ص ‪.)613:‬‬


‫(‪ )11‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ق ب �ض)‪.‬‬
‫(‪ )12‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ب �س ط)‪.‬‬
‫(‪( )13‬ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص‪.)97 :‬‬
‫(‪( )14‬تف�سري الطربي) عند تف�سري الآية (‪ )245‬من �سورة البقرة‪.‬‬
‫(‪( )15‬النهاية يف غريب احلديث) البن الأثري (جـ‪� – 4:‬ص‪ )6:‬و (جـ‪� – 1:‬ص‪.)127:‬‬
‫(‪ )16‬معجم اللغة العربية املعا�صرة للدكتور �أحمد خمتار عمر (مادة ع ط و)‪.‬‬
‫ِض ‪ -‬ال َباسِ ُ‬
‫ط‬ ‫َان ‪ -‬القَ اب ُ‬
‫المن ُ‬
‫اب ‪َ -‬‬
‫ه ُ‬‫الو َّ‬
‫الم ْعطي ‪َ -‬‬
‫المجموعة العشرون ‪ُ :‬‬ ‫‪367‬‬

‫«(املُ ْعطي)‪ :‬هو املُم ِّكن من نعمه»(‪ ،)17‬وقال ال�شيخ ال�سعدي‪« :‬واللهّ هو (املُ ْعطي) ‪ ..‬الذي‬
‫ما بالعباد من نعمة �إال منه»(‪.)18‬‬
‫اب‪« :‬املتف�ضل بالعطاء بال عو�ض‪ ،‬واملانح الف�ضل بال غر�ض‪ ،‬واملعطي احلاجة‬ ‫‪ æ‬ال َو َّه ُ‬
‫اب) الذي يجود بالعطاء عن ظهر يد من غري‬ ‫بغري �س�ؤال»(‪ ،)19‬يقول اخلطابي‪(« :‬ال َو َّه ُ‬
‫اب)‪ :‬الكثري الهبة‬ ‫ا�ستثابة»(‪�)20‬أي من غري طلب للثواب من �أحد‪ ،‬وقال الزجاجي‪(« :‬ال َو َّه ُ‬
‫وج َّل‪ -‬وهَّاب‪ ،‬يهب لعباده واحداً بعد واحد ويعطيهم»(‪.)21‬‬ ‫والعطية ‪ ..‬فاهلل ‪َ -‬ع َّز َ‬
‫َم َّن ٌان‬ ‫‪ æ‬املَنَّانُ ‪« :‬العظيم الهبات‪ ،‬الوافر العطايا»(‪ ،)22‬قال الزجاجي‪« :‬فاهلل‬
‫على عباده ب�إح�سانه و�إنعامه ورزقه �إياهم»(‪ .)23‬وقال اخلطابي‪(« :‬ا َمل َّنانُ ) كثري‬
‫العطاء»(‪.)24‬‬
‫ا�س ُط‪« :‬يقب�ض الأرزاق والأرواح‪ ،‬ويب�سط الأرزاق والقلوب‪ ،‬وذلك‬ ‫�ض ال َب ِ‬‫‪ æ‬ال َقا ِب ُ‬
‫تبع ًا حلكمته ورحمته»(‪ ،)25‬قال البيهقي‪(« :‬ال َقا ِب ُ�ض ال َب ِا�س ُط) الذي يو�سع الرزق ويقرته‪،‬‬
‫يب�سطه بجوده ورحمته‪ ،‬ويقب�ضه بحكمته‪ ،‬وقيل‪ :‬الذي يقب�ض الأرواح باملوت الذي‬
‫كتبه على العباد‪ ،‬والذي يب�سط الأرواح يف الأج�ساد»(‪ ،)26‬وقال الهرا�س‪(« :‬ال َقا ِب ُ�ض‬
‫ال َب ِا�س ُط) يقب�ض الأرواح عن الأ�شباح عند املمات‪ ،‬ويب�سط الأرواح يف الأج�ساد عند‬
‫احلياة‪ ،‬ويقب�ض ال�صدقات من الأغنياء‪ ،‬و َيب�سط الأرزاق لل�ضعفاء‪ ،‬ويب�سط الرزق‬
‫ملن ي�شاء حتى ال تبقى َفاقة‪ ،‬و َيقب�ضه عمن ي�شاء حتى ال تبقى طاقة»(‪.)27‬‬
‫(‪( )17‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪ )192 :‬ون�سبه للحليمي‪.‬‬
‫(‪ )18‬تف�سري ال�سعدي عند تف�سري الآية (‪ )12‬من �سورة ال�شورى‪.‬‬
‫(‪ )19‬معجم اللغة العربية املعا�صرة للدكتور �أحمد خمتار عمر (مادة و هـ ب)‪.‬‬
‫(‪�( )20‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)53 :‬‬
‫(‪( )21‬ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص‪.)126 :‬‬
‫(‪ )22‬معجم اللغة العربية املعا�صرة للدكتور �أحمد خمتار عمر (مادة م ن ن)‪.‬‬
‫(‪( )23‬ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص‪.)164 :‬‬
‫(‪�( )24‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)100 :‬‬
‫(‪ )25‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)19 :‬‬
‫(‪( )26‬االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص‪.)39:‬‬
‫(‪�( )27‬شرح الق�صيدة النونية) للدكتور حممد خليل هرا�س (جـ‪� - 2:‬ص‪.)113 :‬‬
‫‪368‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬


‫اب ‪ -‬املَ َّنانُ ‪ :‬مفهوم (ال ِّرزق) ومعناه �أو�سع من ق�صره على الأ�شياء‬‫‪ æ‬املُ ْعطي ‪ -‬ال َو َّه ُ‬
‫وملب�س وغريه من املح�سو�سات‪ ،‬بل هو يتجاوز ذلك كله لي�شمل‬ ‫ٍ‬ ‫ومطعم‬
‫ٍ‬ ‫مال‬
‫املادية فقط من ٍ‬
‫املعنويات �أي�ضا‪ ،‬يقول ال�شيخ ال�سعدي عند تف�سريه لقول اهلل تعالى‪}:‬ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ{ [البقرة‪« :]212-‬ال ِّرزق الدنيوي يح�صل للم�ؤمن والكافر‪ ،‬و�أما‬
‫رزق القلوب من العلم والإميان وحمبة اهلل وخ�شيته ورجائه‪ ،‬ونحو ذلك فال يعطيها‬
‫�إال من يحبه»(‪ ،)28‬ويف تف�سري معنى (ال ِّرزق) الوارد يف حديث النبي ‪�( :¤‬إن �أحدكم‬
‫ُيجمع يف بطن �أمه �أربعني يوم ًا‪ ،‬ثم يكون علقة مثل ذلك‪ ،‬ثم يكون م�ضغة مثل ذلك‪ ،‬ثم‬
‫و�شقي �أم �سعيد)(‪،)29‬‬
‫ٌّ‬ ‫يبعث اهلل �إليه ملك ًا ب�أربع كلمات‪ ،‬فيكتب عم َله‪ ،‬و�أج َله‪ ،‬و ِر َ‬
‫زقه‪،‬‬
‫يقول ال�شيخ ابن عثيمني‪« :‬ال ِّرزق هنا‪ :‬ما ينتفع به الإن�سان وهو نوعان‪ :‬رزق يقوم‬
‫به البدن‪ ،‬ورزق يقوم به الدين‪ ،‬والرزق الذي يقوم به البدن‪ :‬هو الأكل وال�شرب‬
‫واللبا�س وامل�سكن واملركوب وما �أ�شبه ذلك‪ ،‬والرزق الذي يقوم به الدين‪ :‬هو العلم‪،‬‬
‫والإميان‪ ،‬وكالهما مراد بهذا احلديث»(‪.)30‬‬
‫وبت�أمل �آيات القر�آن الكرمي نلحظ �أن (ال ِّرزق) يو�صف تارة بـ(الهبة) و�أخرى‬
‫بـ(العطاء) وتارة ثالثة بـ(امل ّنة)‪ ،‬ومن ذلك مثال (امللك والتمكني) فهو من �أعظم نعم اهلل‬
‫ورزقه‪ ،‬ومع ذلك �س ّماه اهلل (هبة) كما حكاه تعالى عن نبيه �سليمان عليه ال�سالم‪} :‬ﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ{[�ص‪ ،]35:‬فا�ستجاب‬
‫اهلل له‪ ،‬ورد عليه ملكه‪ ،‬وخ�صه بت�سخري الرياح وال�شياطني ثم و�صف ذلك كله بـ(العطاء)‬
‫فقال تعالى‪} :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ{[�ص‪ ،]39:‬كما �س ّماه اهلل (م ّنة)‪،‬‬
‫(‪ )28‬تف�سري ال�سعدي عند تف�سري الآية (‪ )212‬من �سورة البقرة (�ص‪.)78:‬‬
‫(‪ )29‬متفق عليه‪ :‬رواه البخاري برقم (‪ ،)3332‬وم�سلم برقم (‪ )2643‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫(‪�( )30‬شرح الأربعني النووية) لل�شيخ ابن عثيمني (�ص‪.)102 – 101 :‬‬
‫ِض ‪ -‬ال َباسِ ُ‬
‫ط‬ ‫َان ‪ -‬القَ اب ُ‬
‫المن ُ‬
‫اب ‪َ -‬‬
‫ه ُ‬‫الو َّ‬
‫الم ْعطي ‪َ -‬‬
‫المجموعة العشرون ‪ُ :‬‬ ‫‪369‬‬

‫وامنت به على عباده فقال تعالى عن نبيه يو�سف ‪} :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ‬


‫ﮕ ﮖ ﮗ{[يو�سف‪� ،]90:‬إلى قوله تعالى‪ } :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ {[يو�ســف‪ ،]101:‬وقال تعالى يف وعده بالعز والتمكني لبني �إ�سرائي ــل‪:‬‬
‫}ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ {[الق�ص�ص‪ ،]6-5:‬فـ(امللك والتمكني) �أمر واحد‬
‫مرة بـ(الهبة)‪ ،‬و�أخرى بـ(العطاء)‪ ،‬ومرة ثالثة بـ(امل ّنة) ‪ ..‬فما‬ ‫ومع ذلك و�صفه املولى‬
‫الفرق بينها؟!‪.‬‬
‫بالنظر �إلى (ال ِّرزق) جند �أنه متعلق بثالثة �أ�شياء‪:‬‬
‫الأول‪ :‬بـ(الرازق) �سبحانه الذي ق ّدر ال ِّرزق وخلقه و�أنزله و�أفا�ض به على خلقه‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬بـ(املرزوق) وهو املخلوق الذي ينتفع بالرزق‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬بـ(ال ِّرزق) نف�سه وهو ا�سم لنف�س ال�شيء الذي يرزق اهلل به خلقه‪.‬‬
‫ف�إذا �أ�سند (ال ِّرزق) �إلى رازقه ومالكه حقيقة الذي ق ّدره وخلقه و�أنزله فـ(ال ِّرزق)‬
‫هنا هو (العطاء)‪ ،‬و(املعطي) هو اهلل ‪ ،‬الذي م ّكن عباده من ِن َعمه‪ ،‬والت�صرف فيها‪،‬‬
‫وبهذا املفهوم فكل ما يف الدنيا والآخرة من الرزق املادي واملعنوي فهو ملك هلل تعالى‪ ،‬منه‬
‫بد�أ و�إليه يعود و�إلى اهلل ت�صري الأمور‪ ،‬فـ(املُلك) مثال هبة وم ّنة من اهلل لبع�ض عباده‪ ،‬ومع‬
‫ذلك فهو عطاء‪ ،‬و(املعطي) هو مالك امللك‪ ،‬قال تعالى‪} :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ{[�آل عمران‪ ،]26:‬و(الأوالد والذرية) رزق‬
‫أتى �أه َلهُ قال‪:‬‬
‫من اهلل كما �أ�شار �إليه النبي ‪ ¤‬يف قوله‪( :‬لو �أنَّ �أحدهم �إذا �أراد �أن ي� َ‬
‫وجن ِِّب ال�شيطانَ ما رزقتنا)(‪ ،)31‬ومع ذلك �س ّماه‬ ‫اللهم َج ِّن ْبنا ال�شيطانَ ‪َ ،‬‬
‫هلل‪َّ ،‬‬
‫با�سم ا ِ‬
‫ِ‬
‫عطاء‪ ،‬و�أنه ُملك هلل (املعطي) فقال ‪ ¤‬معزي ًا �إحدى بناته يف ابن لها‪�( :‬إنَّ ِ‬
‫هلل ما � َأخذ‪،‬‬
‫(‪ )31‬متفق عليه‪ :‬رواه البخاري برقم (‪ ،)6388‬وم�سلم برقم (‪.)1434‬‬
‫‪370‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫أجل ُم َ�س ًّمى‪ ،‬فل َت�صبرِ ْ ولتح َت ِ�س ْب)(‪ ،)32‬قال �أبو هالل الع�سكري‪:‬‬ ‫وله ما �أعطى‪ٌّ ،‬‬
‫وكل �إلى � ٍ‬
‫عطى من املُلك‪ ،‬وذلك �أنك تعطي زيدا املال لي�شرتي‬ ‫«الإعطاء ال يقت�ضي �إخراج امل ُ َ‬
‫لك ال�شيء وتعطيه الثوب ليخيطه لك وال يخرج عن ملكك»(‪ ،)33‬وقد �سمى اهلل نعيم‬
‫الدنيا املادي عطاء ًا‪ ،‬ومل مينعه عن �أحد‪ ،‬م�ؤمن ًا كان �أم كافرا‪ ،‬فقال �سبحانه‪} :‬ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ {[الإ�سراء‪ ،]20:‬ومع ذلك‬
‫�أ�شار ‪� -‬سبحانه ‪� -‬إلى �أنه مالك هذا العطاء‪ ،‬و�أن العباد م�ستخلفون يف الت�صرف فيه فقال‬
‫�سبحانه‪ } :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ{[النور‪ ،]33:‬وقوله تعالى‪ }:‬ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ{[احلديد‪ ،]7:‬قال ابن عا�شور‪« :‬وجيء باملو�صول يف قوله‪:‬‬
‫} ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ{ دون �أن يقول‪( :‬و�أنفقوا من �أموالكم �أو مما‬
‫رزقكم اهلل) ملا يف �صلة املو�صول من التنبيه على غفلة ال�سامعني عن كون املال هلل؛‬
‫النا�س كاخلالئف عنه يف الت�صرف فيه مد ًة َّما‪ ،‬فلما �أمرهم با ِلإنفاق منها على‬‫جع َل َ‬
‫عباده كان حقاً عليهم �أن ميتثلوا لذلك كما ميتثل اخلازن �أم َر �صاحب املال �إذا �أمره‬
‫ب�إنفاذ �شيء منه �إلى من يع ِّينه»(‪.)34‬‬
‫و�إذا تعلق (ال ِّرزق) باملخلوق املرزوق فهو (هبة) له من اهلل تعالى تف�ض ًال وتكرما‬
‫وابتدا ًء من غري ا�ستحقاق عليه �سبحانه‪ ،‬وجميع ما يف الدنيا كلها من �أولها �إلى �آخرها‬
‫هبات من اهلل تعالى لهذا املخلوق ال�ضعيف الذي ال ميلك لنف�سه �ضرا وال نفعا‪ ،‬وال موتا وال‬
‫حياة وال ن�شورا‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ {[الزمر‪ ،]49:‬فـ(الوهاب)‬
‫هو اهلل ‪ ،‬الذي تف�ضل بالعطاء بال عو�ض‪ ،‬ومنح الف�ضل بال غر�ض‪ ،‬وجاد باحلاجات‬
‫من غري �س�ؤال وال ا�ستثابة‪ ،‬وجميع ما يف الوجود هو هبات من اهلل تعالى ملخلوقاته تف�ضال‬
‫(‪ )32‬متفق عليه‪ :‬رواه البخاري برقم (‪ ،)7448‬وم�سلم برقم (‪ )923‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫(‪( )33‬معجم الفروق اللغوية) لأبي هالل الع�سكري (�ص‪.)176 :‬‬
‫(‪ )34‬تف�سري التحرير والتنوير البن عا�شور عند تف�سري �سورة احلديد‪ ،‬الآية (‪.)7‬‬
‫ِض ‪ -‬ال َباسِ ُ‬
‫ط‬ ‫َان ‪ -‬القَ اب ُ‬
‫المن ُ‬
‫اب ‪َ -‬‬
‫ه ُ‬‫الو َّ‬
‫الم ْعطي ‪َ -‬‬
‫المجموعة العشرون ‪ُ :‬‬ ‫‪371‬‬

‫وابتدا ًء من غري ا�ستحقاق عليه‪ ،‬حتى تلك الهبات التي اكت�سبها املخلوق ب�سعيه وجهده‬
‫لأن اهلل تعالى هو الذي وهبه تلك الأ�سباب و�سخرها له‪ ،‬وهذا « قارون » عندما كفر‬
‫وا�ستكرب ون�سب ف�ضل اهلل وهباته �إلى نف�سه كما حكاه �سبحانه يف قوله تعالى‪ } :‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ{[الق�ص�ص‪ ،]78:‬نزع اهلل منه �سببا واحدا فقط متمثال يف ثبات‬
‫الأر�ض وا�ستق ـ ــراره ــا حتـ ــت قدمي ــه‪ ،‬ف�إذا به ُيخ�سف مع داره وكنوزه‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫} ﮗ ﮘ ﮙﮚﮛﮜﮝ ﮞﮟﮠﮡﮢ ﮣﮤﮥ ﮦ‬
‫ﮧ{[الق�ص�ص‪ ،]81:‬وهو ما دعى الذين متنوا مكانه بالأم�س �إلى االتعاظ بعذابه‪،‬‬
‫وتذكر ِنعم اهلل عليهم‪ ،‬وعطائه ومننه‪ ،‬فقالوا كما حكاه تعالى عنهم‪} :‬ﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ{[الق�ص�ص‪ .]82:‬وقد مر معنا‬
‫�أن الذرية والأوالد «رزق» و«عطية» وكذلك هي «هبة» من اهلل كما حكاه �سبحانه عن �شكر‬
‫عبده وخليله �إبراهيم ‪} :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ{[�إبراهيم‪ ،]39:‬وال زال امل�ؤمنون يت�ضرعون �إلى اهلل ويدعونه �أن‬
‫يهب لهم من �أزواجهم وذرياتهم قرة �أعني قال تعالى‪ } :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ{[الفرقان‪.]74:‬‬
‫وبالنظر �إلى (ال ِّرزق) نف�سه‪ ،‬فهو (م ّنة) �أي نعمة عظيمة وثقيلة‪ ،‬واهلل هو (ا َمل َنانُ )‪،‬‬
‫عظيم الهبات‪ ،‬وافر العطايا‪ ،‬املنعم بالنعم الثقيلة‪ ،‬التي يعجز املخلوق عن �شكرها ف�ضال‬
‫عن �إح�صائها �أو مكافئتها‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ {[�إبراهيم‪ ،]34:‬و�أعظم النعم‬
‫و�أعالها هو بعثة النبي ‪ ¤‬الذي �أنقذ اهلل به العباد من ال�ضاللة‪ ،‬وع�صمهم به من الهلكة‪،‬‬
‫وهداهم به �إلى ال�صراط امل�ستقيم الذي �صلح به احلال يف الدنيا والآخرة‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫} ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯮﯯﯰ‬
‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬
‫‪372‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ﯻ{[�آل عمران‪ ،]164:‬وقال تعالى‪ } :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ‬


‫ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ {[احلجرات‪ ،]17:‬ونعم اهلل كثرية‪،‬‬
‫ال تعد وال حت�صى‪ ،‬ومهما اجتهد الإن�سان يف �شكرها فلن يقدر قدرها‪� ،‬أو يوفيها حقها‪ ،‬ف�ضال‬
‫على �أن ال�شكر يف حد ذاته نعمة وت�ستحق �شكرا �آخرا!‪ ،‬ولذا لن يدخل اجلنة �أحد بعمله‪ ،‬ولكن‬
‫من رحمة اهلل بعباده �أنه يعاملهم بف�ضله‪ ،‬ولو عاملهم بعدله لعذبهم غري ظامل لهم‪.‬‬
‫ا�س ُط‪( :‬القب�ض) و(الب�سط) متعلق ب�سعة الرزق وت�ضييقه‪،‬‬ ‫‪ æ‬ال َقا ِب ُ‬
‫�ض ‪ -‬ال َب ِ‬
‫يب�سط الرزق ملن ي�شاء حتى ال تبقى فاقة‪ ،‬ويقب�ض الرزق عمن ي�شاء حتى ال تبقى طاقة‪،‬‬
‫يعطي من ي�شاء ومينع من ي�شاء وهو على كل �شيء قدير‪.‬‬
‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬
‫‪ æ‬املُ ْعطي‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (املُ ْعطي) «�صفة (ا ْل َع َطاء) وهي‬
‫من �صفات اهلل الفعلية الثابتة بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)35‬قال تعالى‪} :‬ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ‬
‫ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ{[طه ‪ ،]50 :‬ومن ال�سنة قوله ‪ ..( :¤‬اللهم ال مانع ملا �أعطيت‪،‬‬
‫وال معطي ملا منعت ‪.)36()..‬‬
‫اب‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال َو َّهاب) «�صفة (الوهب) ‪..‬‬
‫‪ æ‬ال َو َّه ُ‬
‫وهي من �صفات الأفعال»(‪ ،)37‬قال تعالى‪ }:‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨ{[ال�شورى ‪ ،]49 :‬ومن ال�سنة قوله ‪�( :¤‬إن �أوالدكم هبة اهلل لكم‪ ،‬يهب ملن‬
‫ي�شاء �إنا ًثا‪ ،‬ويهب ملن ي�شاء الذكور؛ فهم و�أموالهم لكم �إذا احتجتم �إليها)(‪.)38‬‬
‫‪ æ‬املَنَّانُ ‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ا َمل َّنان) «�صفة (المْ َنّ َو المْ ِ َّنة) وهي‬
‫(‪�( )35‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)181 :‬‬
‫(‪ )36‬رواه البخاري (‪ )844‬وم�سلم (‪.)471‬‬
‫(‪�( )37‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)675:‬الوهاب)‬
‫(‪ )38‬رواه احلاكم و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة برقم (‪.)2564‬‬
‫ِض ‪ -‬ال َباسِ ُ‬
‫ط‬ ‫َان ‪ -‬القَ اب ُ‬
‫المن ُ‬
‫اب ‪َ -‬‬
‫ه ُ‬‫الو َّ‬
‫الم ْعطي ‪َ -‬‬
‫المجموعة العشرون ‪ُ :‬‬ ‫‪373‬‬

‫من �صفات اهلل الفعلية الثابتة بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)39‬قال تعالى‪ }:‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ{[�آل عمران ‪ ،]164 :‬ومن ال�سنة �أن النبي ‪¤‬‬
‫خرج على حلقة من �أ�صحابه‪ ،‬فقال ‪(:‬ما �أجل�سكم؟‪ ،‬قالوا‪ :‬جل�سنا نذكر اهلل ونحمده‬
‫ومن به علينا‪.)40() ..‬‬
‫على ما هدانا للإ�سالم َّ‬
‫ا�س ُط‪ :‬ال�صفات امل�شتقة من ا�سميه ‪�-‬سبحانه (ال َقا ِب�ض)‬
‫�ض ‪ -‬ال َب ِ‬ ‫‪ æ‬ال َقا ِب ُ‬
‫و(ال َب ِا�سط) «�صفتا (ال َق ْب�ض وال َب ْ�سط) وهما من �صفات اهلل الفعلية الثابتة بالكتاب‬
‫وال�سنة»(‪ ،)41‬قال تعالى‪ } :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ{[البقرة ‪،]245 :‬‬
‫ومن ال�سنة ما ورد عنه ‪� ¤‬أنه كان يدعو بهذا الدعاء‪( :‬اللهم ال قاب�ض ملا ب�سطت‪ ،‬وال‬
‫�ضل ملن هديت‪ ،‬وال معطي ملا منعت‪،‬‬ ‫با�سط ملا قب�ضت‪ ،‬وال هادي ملن �أ�ضللت‪ ،‬وال ُم ّ‬
‫مقرب ملا باعدت‪ ،‬وال مباعد ملا ق َّربت‪� ،‬أعوذ بك من �شر ما‬
‫وال مانع ملا �أعطيت‪ ،‬وال ِّ‬
‫�أعطيتنا و�شر ما منعت منا)(‪.)42‬‬
‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬
‫‪ æ‬ال َّرا ِز ُق‪ :‬ورد االقرتان مع (ال َقا ِب�ض ال َب ِ‬
‫ا�سط) يف قوله ‪�( :¤‬إن اهلل هو املُ َ�س ِّع ُر‬
‫القاب�ض البا�سط الرازق‪ ،‬و�إين لأرجو �أن �ألقى ربي ولي�س �أحد يطلبني مبظلمة يف‬
‫دم وال مال)(‪ ،)43‬واحلكمة من ذلك وا�ضحة؛ يف �أن القب�ض والب�سط متعلقان بالرزق‪ ،‬فاهلل‬
‫يو�سع الرزق ويقرته‪ ،‬يب�سطه ويو�سعه بف�ضله ورحمته‪ ،‬ويقب�ضه ويقرته بعدله وحكمته‪.‬‬

‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪:‬‬


‫‪ æ‬الأثر العلمي االعتقادي‪:‬‬
‫اهلل ‪� -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬وا�سع العطاء‪ ،‬كثري الهبات‪ ،‬عظيم امل�نن‪ ،‬بيده الب�سط‬
‫(‪�( )39‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)244 :‬‬
‫(‪ )40‬رواه م�سلم (‪.)2701‬‬
‫(‪�( )41‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)65 - 198 :‬‬
‫(‪ )42‬رواه الإمام �أحمد و�صححه الألباين يف تخريج كتاب ال�سنة برقم (‪. )381‬‬
‫(‪ )43‬رواه ابن ماجة و�صححه الألباين يف �صحيح ابن ماجة برقم (‪.)1801‬‬
‫‪374‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫وال�سعة‪ ،‬وبيده القب�ض والت�ضييق‪ ،‬وهو العليم احلكيم‪ ،‬يد ّر على عباده العطاء‪ ،‬ويوايل عليهم‬
‫نعمه وهباته‪ ،‬ويجزل لهم يف ال َّنوال‪ ،‬تف�ض ًال منه و�إكرام ًا‪ ،‬وهو ‪�-‬سبحانه‪ -‬بيده خزائن كل‬
‫�شيء‪ ،‬يقب�ض الرزق عمن ي�شاء حتى ال تبقى طاقة‪ ،‬ويب�سطه ملن ي�شاء حتى ال تبقى فاقة‪،‬‬
‫ويعطي من ي�شاء‪ ،‬ومينع من ي�شاء‪ ،‬ال مانع ملا �أعطى‪ ،‬وال معطي ملا منع‪ ،‬وال تزال هباته على‬
‫عباده متوالية‪ ،‬وعطاياه لهم متتالية‪ ،‬يف عطاء دائم‪ ،‬و�سخاء م�ستمر‪ ،‬فله امل ّنة ‪� -‬سبحانه ‪-‬‬
‫على عباده‪ ،‬وال م َّنة لأحد منهم عليه‪.‬‬
‫‪ æ‬الأثر العملي‪:‬‬
‫‪1.1‬حمبة اهلل ‪� -‬سبحانه ‪ -‬وحمده‪ ،‬والثناء عليه‪ ،‬و�شكره على ما له من العطايا املتنوعة‪،‬‬
‫والهبات املتتالية‪ ،‬التي ال تعد وال حت�صى‪ ،‬وال�شكر ي�ستلزم العمل بطاعته‪ ،‬واجتناب‬
‫حمارمه‪ ،‬وتعظيم �شرعه‪ ،‬يقول ابن القيم‪« :‬فمنه ال�سبب ومنه اجلزا ُء‪ ،‬ومنه‬
‫التوفيق ومنه العطا ُء �أو ًال و�آخراً‪ ،‬وهم حمل �إح�سانه فقط‪ ،‬لي�س منهم‬
‫�شيء‪� ،‬إمنا الف�ضل كله‪ ،‬والنعمة كلها‪ ،‬والإح�سان كله؛ منه �أو ًال و�آخراً؛‬
‫يل �أقبله منك‪ ،‬فالعبد له‪ ،‬واملال له‪،‬‬ ‫�أعطى عبده ماله وقال‪ :‬تق ّرب بهذا �إ َّ‬
‫والثواب منه‪ ،‬فهو (املُعطي) �أو ًال و�آخراً‪ ،‬فكيف ال ُي َح ُّب من هذا �ش�أْنه؟!‪،‬‬
‫وكيف ال ي�ستحي العبد �أن ي�صرف �شيئاً من حمبته �إلى غريه؟!‪ ،‬ومن‬
‫�أولى باحلمد والثنا ِء واملحبة منه؟!‪ ،‬ومن �أولى بالكرم واجلود والإح�سان‬
‫منه؟!‪ ،‬ف�سبحانه وبحمده ال �إله �إال هو العزيز احلكيم»(‪  .)44‬‬
‫‪�2.2‬س�ؤال اهلل وحده والتعلق به يف جلب املنافع وامل�صالح‪ ،‬ودفع امل�ضار؛ �إذ �إن املخلوق‬
‫ال�ضعيف ال ميلك من ذلك �شي ًئا �إال �أن ي���أذن اهلل ويجعله �سب ًبا يف العطية‬
‫والهبة‪ ،‬واحلر�ص على �س�ؤال اهلل املنة العظيمة‪ ،‬والعطية الغالية‪ ،‬التي ال تبيد‬
‫وال تفنى؛ �أال وهي اجلنة ونعيمها ور�ؤية اهلل ‪  .‬‬
‫(‪( )44‬طريق الهجرتني) البن القيم (�ص‪.)261 :‬‬
‫ِض ‪ -‬ال َباسِ ُ‬
‫ط‬ ‫َان ‪ -‬القَ اب ُ‬
‫المن ُ‬
‫اب ‪َ -‬‬
‫ه ُ‬‫الو َّ‬
‫الم ْعطي ‪َ -‬‬
‫المجموعة العشرون ‪ُ :‬‬ ‫‪375‬‬

‫‪3.3‬ال�شعور بالتطامن‪ ،‬وه�ضم النف�س‪ ،‬واالع�تراف ب�ضعفها ونق�صها‪ ،‬و�أن العبد‬


‫ال�ضعيف لو ُو ِك��ل �إلى نف�سـ ــه طرفة عني لهلك وخاب وخ�سـ ــر‪ ،‬ولكنــه توفيق‬
‫اهلل للعبد‪ ،‬ومنته عليه‪ ،‬هو ال��ذي �أقامه‪ ،‬وحفظه‪ ،‬وي�سر له �أم��وره‪ ،‬كما قــال‬
‫�سبحان ــه‪}:‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ{[احلجرات‪.]17:‬‬
‫‪4.4‬ال�سخاء مبا يف اليد‪ ،‬و�إع��ط��ا�ؤه مل�ستحقيه من الفقراء واملحتاجني؛ لأن املال‬
‫مال اهلل وهو املعطي على احلقيقة‪ ،‬فمن ُ�ش ْكر اهلل يف نعمة امل��ال اجلود‬
‫به و�إعطا�ؤه مل�ستحقيه‪ ،‬كما قال �سبحانه‪ }:‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘﮙ{[احلديد‪ .]7:‬وكذلك اجلاه والعلم‪ ،‬فهما مما يهبه اهلل لعبده امل�ؤمن‪،‬‬
‫وزكاته تكون ببذله ون�شره‪.‬‬
‫‪5.5‬البعد عن �صفة املنة على اخللق؛ لأن اهلل ‪�-‬سبحانه‪ -‬هو املا ُّن احلقيقي على‬
‫عباده‪ ،‬وقد نهى اهلل ور�سوله ‪ ¤‬عن املنِّ بالعطية‪ ،‬ور�ؤية النف�س‪ ،‬و�إيذاء‬
‫الفقراء باملنِّ عليهم‪ ،‬قال تعالى‪}:‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧ ﯨ{[البقرة‪ ،]264:‬وقال الر�سول ‪( :¤‬ثالثة ال يكلمهم اهلل يوم‬
‫القيامة وال ينظر �إليهم وال يزكيهم ولهم عذاب �أليم‪ :‬امل�سبل �إزاره‪ ،‬واملنَّان‬
‫الذي ال يعطي �شي ًئا �إال ِمن ًَّة‪ ،‬واملُنف ُِّق �سلعته باحللف الكاذب(‪  .)45‬‬

‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫�ض ‪ -‬ال َبا�سِ ُط) من �أ�سماء الأفعال الدالة‬ ‫اب ‪ -‬املَن ُ‬
‫َّان ‪ -‬القَا ِب ُ‬ ‫(املُ ْعطي ‪ -‬ال َو َّه ُ‬
‫على �صفات اهلل الفعلية (ا ْل َع َطاء ‪ -‬الوهب ‪ -‬ا َمل ّن والمْ ِنَّة ‪ -‬ال َق ْب�ض وال َب ْ�سط)‪ ،‬وكما ذكرنا‬
‫ف�إن معاين هذه الأ�سماء متقاربة؛ وترجع �إلى �سعة عطائه ‪�-‬سبحانه ‪ -‬وكثري هباته‪ ،‬وعظيم‬
‫(‪ )45‬رواه الإمام احمد و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)3067‬‬
‫‪376‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫مننه‪ ،‬و�أن قب�ض الرزق وب�سطه بيده وحده ‪�-‬سبحانه؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل ‪-‬‬
‫�سبحانه وتعالى ‪ -‬والثناء عليه‪ ،‬بهذه الأ�سماء‪ ،‬يف كل ما يحتاجه العبد من خريي الدنيا‬
‫بحق �إال اهلل وقد ورد‬‫والآخرة؛ لأنه ال معطي‪ ،‬وال واهب‪ ،‬وال مانّ ‪ ،‬وال قاب�ض‪ ،‬وال با�سط ٍ‬
‫يف القر�آن الكرمي مناذج من دعاء الأنبياء وال�صاحلني يف الثناء على اهلل بهذه الأ�سماء‪،‬‬
‫قال تعالى‪ }:‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ‬
‫‪} :‬ﮫ ﮬ‬ ‫ﭠ ﭡ{[�آل عمران‪ ،]38 :‬وقال ‪�-‬سبحانه‪ -‬عن دعوة �سليمان‬
‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ{[�ص‪ ،]35 :‬وقال‬
‫‪-‬تعالى‪ -‬عن دعوة الرا�سخني يف العلم‪}:‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ{[�آل عمران‪ ،]8:‬وقوله تعالى ‪} :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ{[الإ�سراء‪ ،]30:‬ومن ال�سنة قوله ‪�( :¤‬إن اهلل يب�سط يده بالليل‬
‫ليتوب م�سيء النهار‪ ،‬ويب�سط يده بالنهار ليتوب م�سيء الليل)(‪.)46‬‬
‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬
‫بالولد والذرية ال�صاحلة‪ ،‬حمد اهلل على‬ ‫‪ æ‬ملَّا منَّ اهلل على خليله �إبراهيم‬
‫هذه املنة العظيمة‪ ،‬والهبة الكبرية‪ ،‬فقال اهلل ‪�-‬سبحانه‪ -‬حاكي َا قول خليله �إبراهيم ‪}:‬ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ{[�إبراهيم‪،]39:‬‬
‫ولذا جاء عن نبينا ‪ ¤‬قوله‪( :‬ما �أنعم اهلل على عبد نعمة فحمد اهلل عليها‪� ،‬إال كان‬
‫ذلك احلمد �أف�ضل من تلك النعمة)(‪.)47‬‬
‫‪ æ‬عن مالك بن ن�ضلة اجل�شمي ‹‪ ،‬قال‪ :‬قال النبي ‪( : ¤‬الأيدي ثالثة‪ ،‬فيد‬
‫اهلل العليا‪ ،‬يد املعطي التي تليها‪ ،‬يد ال�سائل ال�سفلى‪ ،‬ف�أعط الف�ضل؛ وال تعجز عن‬
‫نف�سك)(‪.)48‬‬
‫(‪ )46‬رواه م�سلم برقم (‪.)2760‬‬
‫(‪ )47‬رواه الطرباين وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)5562‬‬
‫(‪ )48‬رواه الإمام �أحمد و�أبو داود واحلاكم و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)2794‬‬
‫ِض ‪ -‬ال َباسِ ُ‬
‫ط‬ ‫َان ‪ -‬القَ اب ُ‬
‫المن ُ‬
‫اب ‪َ -‬‬
‫ه ُ‬‫الو َّ‬
‫الم ْعطي ‪َ -‬‬
‫المجموعة العشرون ‪ُ :‬‬ ‫‪377‬‬

‫‪ æ‬عن �أبي �سعيد اخلدري ‹‪ ،‬قال‪� :‬أن نا�س ًا‬


‫من الأن�صار �س�ألوا ر�سول اهلل ‪¤‬‬
‫ف�أعطاهم‪ ،‬ثم �س�ألوه ف�أعطاهم‪ ،‬حتى �إذا نفد ما عنده قال‪( :‬ما يكون عندي من خري فلن‬
‫�أ ّدخره عنكم‪ ،‬ومن ي�ستعفف يعفه اهلل‪ ،‬ومن ي�ستغن يغنه اهلل‪ ،‬ومن يت�صرب ي�صربه‬
‫اهلل‪ ،‬وما �أعطى اهلل �أحد ًا من عطاء �أو�سع من ال�صرب)(‪.)49‬‬
‫ُ‬
‫يدخل‬ ‫آخر َمن‬
‫‪ æ‬عن عبداهلل بن م�سعود ر�ضي اهلل عنه قال‪ :‬قال النبي ‪ُ �( :¤‬‬
‫راط‪ ،‬فه َو مي�شي م َّر ًة‪ ،‬ويكبو م َّر ًة(‪ ،)50‬وت�سف ُعهُ النَّا ُر‬
‫ال�ص ِ‬‫رجل مي�شي على ِّ‬ ‫اجلن ََّة‪ٌ ،‬‬
‫منك‪ ،‬لقد �أعطاين ُ‬
‫اهلل‬ ‫تبارك ا َّلذي جنَّ اين َ‬ ‫َ‬ ‫م َّرة(‪ ،)51‬ف�إذا جاو َزها التفتَ �إليها‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫رب! �أ ْد ِن ِني‬ ‫ٌ‬
‫�شجرة‪ُ ،‬‬
‫فيقول‪ْ � :‬أي ِّ‬ ‫ني والآخرينَ !‪ ،‬فترُ ْ َف ُع لهُ‬
‫�شي ًئا ما �أعطا ُه �أحدً ا ِمن الأ َّول َ‬
‫اهلل ‪ :‬يا ابنَ �آد َم!‬ ‫فيقول ُ‬
‫ُ‬ ‫أ�شرب ِمن ما ِئها‪،‬‬ ‫ِمن هذ ِه َّ‬
‫ال�شجر ِة فلأ�س َت ِظ َّل ِ‬
‫بظ ِّلها‪ ،‬و� َ‬
‫ريها‪،‬‬ ‫رب!‪ ،‬و ُيعاهدُ ُه �أن ال ي�س�أ َلهُ غ َ‬ ‫ُ‬
‫فيقول‪ :‬ال يا ِّ‬ ‫لع ِّلي �إن �أعطي ُت َكها �س�أ ْل َت ِني غ َريها؟‬
‫وي�شرب‬
‫َ‬ ‫دنيه منها‪ ،‬في�س َت ِظ َّل بظ ِّلها‪،‬‬
‫عليه‪ ،‬ف ُي ِ‬
‫ِ‬ ‫رب لهُ‬
‫يرى ما ال �ص َ‬ ‫ور ُّبهُ يعذ ُر ُه‪ ،‬لأنَّهُ َ‬
‫رب! �أ ْد ِن ِني‬
‫فيقول‪ْ � :‬أي ِّ‬‫ُ‬ ‫هي �أح�سنُ ِمن ا ُ‬
‫لأو َلى‪،‬‬ ‫خرى‪َ ،‬‬ ‫�شجرة ُ�أ َ‬
‫ٌ‬ ‫ثم ُت ْر َف ُع لهُ‬
‫من ما ِئها‪َّ ،‬‬
‫ُ‬
‫فيقول‪ :‬يا ابنَ �آد َم!‬ ‫أ�شرب من ما ِئها‪ ،‬و�أ�س َت ِظ َّل بظ ِّلها‪ ،‬ال �أ�س�أ ُل َك غ َريها!‬
‫من هذ ِه‪ ،‬ل َ‬
‫ريها؟‬ ‫فيقول‪ :‬لع ِّلي �إن �أد َني ُت َك منها ت�س�ألْني غ َ‬
‫ُ‬ ‫عاه ْدين �أن ال ت�س�أ َلني غ َريها؟‬
‫� مَأل ُت ِ‬
‫دنيه منها‪،‬‬
‫عليه‪ ،‬ف ُي ِ‬
‫ِ‬ ‫رب لهُ‬
‫يرى ما ال �ص َ‬‫ريها‪ ،‬ور ُّبهُ يعذ ُر ُه‪ ،‬لأنَّهُ َ‬‫ف ُيعاهدُ ُه �أن ال ي�س�أ َلهُ غ َ‬
‫هي �أح�سنُ‬
‫باب اجلن َِّة‪َ ،‬‬ ‫ٌ‬
‫�شجرة عندَ ِ‬ ‫ثم ُت ْر َف ُع لهُ‬
‫وي�شرب من ما ِئها‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫في�س َت ِظ َّل بظ ِّلها‪،‬‬
‫رب! �أَ ْد ِن ِني ِمن هذ ِه‪ ،‬فلأ�س َت ِظ َّل بظ ِّلها‪ ،‬و� َ‬
‫أ�شرب من ما ِئها‪ ،‬ال‬ ‫ُ‬
‫فيقول‪ْ � :‬أي ِّ‬ ‫من الأُول َيينْ ِ ‪،‬‬
‫ريها؟ قال‪ :‬ب َلى يا ِّ‬
‫رب‪،‬‬ ‫عاهدين �أن ال ت�س�أ َلني غ َ‬ ‫�أ�س�أ ُل َك غ َريها! ُ‬
‫فيقول‪ :‬يا ابنَ �آد َم � مَأل ُت ْ‬
‫دنيه‬
‫عليه‪ ،‬ف ُي ِ‬
‫ِ‬ ‫رب لهُ‬
‫يرى ما ال �ص َ‬ ‫ريها‪ ،‬ور ُّبهُ يعذ ُر ُه‪ ،‬لأنَّهُ َ‬‫�أ ْد ِن ِني ِمن هذ ِه ال �أ�س�أ ُل َك غ َ‬
‫(‪ )49‬رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف �صحيح �أبي داود برقم (‪.)1644‬‬
‫اخلوف والفز ِع‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫(‪َ )50‬ي ْك ُبو َم َّر ًة‪� :‬أي َي�س ُقط على وجهِ ِه َم َّر ًة؛ وذلك من ِ�ش َّد ِة ما كان فيه من‬
‫رب على الوج ِه ُم�ؤ ِّث ًرا فيه بعالم ٍة‪.‬‬ ‫(‪ )51‬ت َْ�س َف ُعه ال َّنا ُر َم َّر ًة‪� :‬أي وتُ�صي ُبه ال َّنا ُر وتحَ ِرقه َم َّر ًة‪َّ ،‬‬
‫وال�س ْف ُع‪َّ :‬‬
‫ال�ض ُ‬
‫‪378‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ُ‬
‫فيقول‪:‬‬ ‫أدخ ْل ِنيها‪،‬‬
‫رب � ِ‬
‫فيقول‪ْ � :‬أي ِّ‬‫ُ‬ ‫أهل اجلن َِّة‪،‬‬ ‫َ‬
‫أ�صوات � ِ‬ ‫منها‪ ،‬ف�إذا �أدنا ُه منها‪ ،‬في�سم ُِع �‬
‫الدنيا ومث َلها معها؟ قال‪ :‬يا‬ ‫ر�ضيك �أن �أُعط َي َك ُّ‬ ‫َ‬ ‫يا ابنَ �آد َم ما َي�صريني(‪َ )52‬‬
‫منك؟ �أ ُي‬
‫م�سعود فقال‪� :‬أال ت�س�ألوين مِ َّم‬
‫ٍ‬ ‫ف�ضحك ابنُ‬‫رب العاملنيَ؟) ِ‬ ‫هزئ منِّي و�أنتَ ُّ‬ ‫رب! �أت�س َت ُ‬
‫ِّ‬
‫ُ‬
‫ت�ضحك يا‬ ‫هلل ‪ .¤‬فقالوا‪ :‬مِ َّم‬ ‫ُ‬
‫ر�سول ا ِ‬ ‫ت�ضحك؟ قال‪ :‬هكذا �ضحِ ك‬ ‫ُ‬ ‫� ُ‬
‫أ�ضحك؟ فقالوا‪ِ :‬م َّم‬
‫رب العاملني؟‬ ‫أت�ستهز ُئ مني و�أنت ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ني حني قال‪� :‬‬ ‫رب العامل َ‬ ‫هلل؟ قال‪( :‬من َ�ض ِح ِك ِّ‬ ‫ر�سو َل ا ِ‬
‫أ�شاء قاد ٌر)(‪.)53‬‬‫منك ولكنِّي على ما � ُ‬ ‫هزئ َ‬ ‫ُ‬
‫فيقول‪� :‬إنيِّ ال �أ�س َت ُ‬

‫إنك َل ُّ‬
‫أحب �إ َّ‬
‫يل‬ ‫هلل � َ‬
‫النبي ‪ ¤‬فقال‪ :‬يا ر�سو َل ا ِ‬ ‫قالت‪« :‬جاء رج ٌل �إلى ِّ‬ ‫‪ æ‬عن عائ�شة‬
‫يل من ولدي‪ ،‬و�إين لأكون يف البيتِ‬ ‫أحب �إ َّ‬
‫يل من �أهلي‪ ،‬و� ُّ‬‫أحب �إ َّ‬ ‫من نف�سي‪ ،‬و�إنك َل ُّ‬
‫ذكرت َموتي ومو َتك؛ عرفتُ �أنك �إذا‬ ‫آتيك ف�أنظ ُر �إليك‪ ،‬و�إذا ُ‬ ‫رب حتى � َ‬ ‫ف�أذك ُرك فما �أ�ص ُ‬
‫ني‪ ،‬و�إين �إذا دخلتُ اجل َّن َة خ�شيتُ �أن ال � َ‬
‫أراك!‪ ،‬فلم ير َّد عليه‬ ‫دخلتَ اجل َّن َة ُرفِعتَ مع ال َّنب ِّي َ‬
‫ال�سالم بهذه الآي ِة‪ }:‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫جربيل عليه‬ ‫النب ُّي ‪� ¤‬شي ًئا حتى نزل‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ{ [الن�ساء‪.)54(]69:‬‬

‫ُون(‪،!)55‬‬ ‫‪ æ‬عن مالك بن ن�ضلة اجل�شمي ‹ قال‪� :‬أَ َت ْيتُ ر�سو َل ‪َ ¤‬و َعلَ َّى َث ْو ٌب د ٌ‬
‫املال)؟‪ ،‬قلت‪ :‬من ك ِّل املالِ قد �أعطاين‬ ‫مال)؟!‪ ،‬قلت‪ :‬نعم!‪ ،‬قال‪( :‬من �أَ ِّي ِ‬ ‫فقال يل‪�( :‬أَ َل َك ٌ‬
‫اك اللهَّ ُ ما ًال َف ْليرُ َ �أَ َث ُر ِن ْع َم ِة‬ ‫اللهَّ ُ َ‬
‫من الإِبلِ َوا ْل َبقر َوالخْ َ ْيلِ َوال َّرقِيقِ !‪ ،‬قال‪( :‬ف�إذا �آ َت َ‬
‫اللهَّ ِ َع َل ْي َك َوكرا َم ِت ِه)(‪.)56‬‬
‫منك؟‪� :‬أي ما يقطع م�س�ألتك ومينعك من �س�ؤايل؟‪ ،‬يقال‪� :‬صريت ال�شيء �إذا قطعته‪ ،‬واملعنى‪ُّ � :‬أي �شيءٍ‬ ‫(‪ )52‬ما َي ْ�ص ِري ِني َ‬
‫ال�س� َؤال َبيني وبي َنك‪ ،‬وما ا َّلذي تُط ُلبه حتَّى َت ْق َن َع به و َت ُك َّف عن َم ْ�س�أل ِتك يل؟!‪.‬‬ ‫ر�ضيك و َي ُ‬
‫قطع ُّ‬ ‫ُي ِ‬
‫(‪ )53‬رواه م�سلم برقم (‪.)187‬‬
‫(‪� )54‬أخرجه الطرباين يف (املعجم الأو�سط) و(ال�صغري) و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة (جـ‪� - 6 :‬ص‪ )1044 :‬برقم (‪.)2933‬‬
‫(‪َ )55‬ث ْو ٌب دُون‪� :‬أي َرثٌّ ورديء وغري الئق ب�أهل الغنى‪.‬‬
‫(‪ )56‬رواه �أحمد و�أبو داود والن�سائي و�صححه الألباين يف م�شكاة امل�صابيح برقم (‪�( )4352‬ص‪.)1247 – 1246:‬‬
‫ِض ‪ -‬ال َباسِ ُ‬
‫ط‬ ‫َان ‪ -‬القَ اب ُ‬
‫المن ُ‬
‫اب ‪َ -‬‬
‫ه ُ‬‫الو َّ‬
‫الم ْعطي ‪َ -‬‬
‫المجموعة العشرون ‪ُ :‬‬ ‫‪379‬‬

‫�سن ال�صوتِ بالقر�آن‪ ،‬فكان‬ ‫‪ æ‬قال علقمة بن قي�س‪ :‬كنت رجال قد �أعطاين اهلل ُح َ‬
‫يل ف�أقر�أ عليه!‪ ،‬قال‪ :‬فكنت �إذا فرغت من قراءتي‪،‬‬ ‫عبد اهلل بن م�سعود ‹ ير�س ُل �إ َّ‬
‫زينة القر�آن)(‪.)57‬‬‫(ح ْ�سنُ ال�صوت ُ‬
‫قال‪ :‬زدنا من هذا‪ ،‬ف�إين �سمعت ر�سول اهلل ‪ ¤‬يقول‪ُ :‬‬
‫في نعمتك؟‪ ،‬فقال‪ :‬ال َن َف َ�سان‪ ،‬يدخل‬‫‪ æ‬قال مو�سى ‪« :‬يا رب!‪ ،‬دلني على َخ ِّ‬
‫�أحدهما وهو بارد‪ ،‬ويخرج الآخر وهو حار‪ ،‬ولوالهما لف�سد عي�شك‪ ،‬وهل تبلغ قيمة‬
‫نف�س منهما؟!»(‪.)58‬‬
‫‪ æ‬قال �سعيد بن امل�سيب‪ :‬حج عمر بن اخلطاب ‹‪ ،‬فلما كان ب�ضحيان (قرب مكة)‬
‫قال‪« :‬ال ِ�إله ِ�إال اهلل املعطي ما �شاء من �شاء‪ ،‬كنت �أرعى �إبل اخلطاب يف هذا الوادي‪ ،‬يف‬
‫مدرعة �صوف(‪ )59‬وكان فظاً‪ ،‬يتعبني ِ�إذا عملت‪ ،‬وي�ضربني �إذا ق�صرت‪ ،‬وقد �أ�صبحت‬
‫ولي�س بيني وبني اهلل �أحد‏»(‪.)60‬‬
‫‪ æ‬كان ابن عمر يقول‪« :‬اللهم ال تنزع م ِّني الإِميا َن كما � َ‬
‫أعط ْيتنِي ِه»(‪.)61‬‬
‫‪ æ‬قال تعالى‪} :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ {‬
‫[النحل‪ ،]18:‬قال الإمام �أبو �سليمان الداراين(‪�« :)62‬إين لأخرج من منزيل‪ ،‬فما يقع‬
‫علي فيه نعمة‪� ،‬أو يل فيه عِ ربة»(‪.)63‬‬
‫ب�صري على �شيء‪� ،‬إال ر�أيت هلل َّ‬
‫‪ æ‬قال يحيى بن معاذ‪�« :‬إن هلل عليك نعمتني‪ :‬ال�سراء للتذكري‪ ،‬وال�ضراء‬
‫للتطهري‪ ،‬فكن يف ال�سراء عبداً �شكورا‪ ،‬ويف ال�ضراء حراً �صبورا»(‪.)64‬‬
‫(‪� )57‬أخرجه الطرباين وح�سنه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة برقم (‪( )1815‬جـ‪� - 4 :‬ص‪.)430 - 429 :‬‬
‫(‪( )58‬ربيع الأبرار) للزخم�شري (جـ‪� – 5:‬ص‪.)284 :‬‬
‫(‪ )59‬مدرعة �صوف‪� :‬أي جبة من �صوف‪.‬‬
‫(‪� )60‬أخرج الأثر �أبو جعفر الطربي يف تاريخه (تاريخ الأمم وامللوك) (جـ‪� - 5 :‬ص‪.)59 :‬‬
‫(‪ )61‬رواه ابن �أبي �شيبة يف م�صنفه برقم (‪( )29536‬جـ‪� – 6:‬ص‪)69:‬وقال عنه الألباين‪� :‬إ�سناده �صحيح موقوفا (الإميان‬
‫البن �أبي �شيبة برقم (‪.))15‬‬
‫(‪ )62‬عبد الرحمن بن �أحمد بن عطية العن�سي‪.‬‬
‫(‪()63‬تف�سري القر�آن الكرمي) البن كثري (�آل عمران ‪ -‬الآية‪ )191 :‬وعزاه البن �أبي الدنيا يف كتابه (التفكر واالعتبار)‪.‬‬
‫(‪()64‬نرث الدر) للآبي (جـ‪� – 7 :‬ص‪.)68 :‬‬
‫‪380‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪ æ‬قال �صالح بن جناح الدم�شقي البنه‪« :‬يا بني‪� ،‬إذا مر بك يوم وليلة قد �سلم فيها‬
‫دينك‪ ،‬وج�سمك‪ ،‬ومالك‪ ،‬وعيالك‪ ,‬ف�أكرث ال�شكر هلل تعالى‪ ,‬فكم من م�سلوب دينه‪,‬‬
‫ومنزوع ملكه‪ ,‬ومهتوك �سرته‪ ,‬ومق�صوم ظهره يف ذلك اليوم‪ ,‬و�أنت يف عافية»(‪.)65‬‬
‫‪ æ‬دخل ابن ال�س ّماك يوم ًا على الر�شيد فدعا الر�شيد مباء لي�شربه فقال‪ :‬ماء!‬
‫نا�شدتك اهلل يا �أمري امل�ؤمنني‪� ،‬أر�أيت لو ُمنعت من �شربه‪ ،‬ما الذي كنت فاعله؟ فقال‪:‬‬
‫كنت �أفتديه بن�صف ملكي!‪ ،‬فقال‪ :‬ا�شرب هنيئاً لك‪ ،‬فلما فرغ من �شربه قال‪ :‬نا�شدتك‬
‫اهلل‪� ،‬أر�أيت لو منعت من خروجه ماذا كنت تفعل؟ قال‪ :‬كنت �أفتديه بن�صف ملكي‪،‬‬
‫فقال‪� :‬إن ملكاً يفتدى ب�شربة ماء خلليق ب�أال ُيناف�س عليه!»(‪.)66‬‬
‫أعرابي فقال‪« :‬الله ّم �إنيّ �أرى من ف�ضلك ما مل �أ�س�ألك‪ ،‬فعلمت � ّأن لديك‬
‫‪ æ‬دعا � ٌّ‬
‫من ال ّنعم ما ال �أعلمه‪ ،‬ف�صغرت قيمة مطلبي فيما عاينته‪ّ ،‬‬
‫وق�صرت غاية �أملي ع ّما‬
‫�شاهدته»(‪.)67‬‬

‫(‪( )65‬تاريخ دم�شق) البن ع�ساكر (جـ‪� – 23:‬ص‪.)325 :‬‬


‫(‪()66‬نرث الدر) للآبي (جـ‪� – 7 :‬ص‪.)68 :‬‬
‫(‪()67‬الب�صائر والذخائر) لأبي حيان التوحيدي (جـ‪� – 8 :‬ص‪.)89 :‬‬
‫كم ‪ -‬الفَ َّت ُ‬
‫اح‬ ‫الح ُ‬ ‫هادِ ُ‬
‫ي‪َ -‬‬ ‫المب ُ‬
‫ِين ‪ -‬ا ْل َ‬ ‫الح ُّ‬
‫ق‪ُ -‬‬ ‫المجموعة الحادية والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪381‬‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ ‪21‬ـــــــــة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ا ْل ِهدَ ا َي ُة‬
‫(‪)74 - 73 - 72 - 71 - 70‬‬
‫كم ‪ -‬ال َف َّت ُاح‬ ‫حل ُ‬ ‫ني ‪ -‬ا ْل َها ِدي ‪ -‬ا َ‬ ‫ا َ‬
‫حل ُّق ‪ -‬املُ ِب ُ‬
‫‪382‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الـمجـمـوعـ ‪21‬ـة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ا ْلهِدَ ا َي ُة‬
‫(‪)74 - 73 - 72 - 71 - 70‬‬
‫كم ‪ -‬ال َف َّت ُ‬
‫اح‬ ‫ني ‪ -‬ا ْل َها ِدي ‪ -‬ا َ‬
‫حل ُ‬ ‫حلقُّ ‪ -‬املُ ِب ُ‬ ‫ا َ‬
‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫حلقُّ ‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 11‬مرة)‪ ،‬منها قوله تعالى‪}:‬ﯘ ﯙ ﯚ‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ{[امل�ؤمنون ‪ ،]116 :‬ومن ال�سنة حديث ابن‬
‫عبا�س يف ا�ستفتاح الر�سول اهلل ‪� ¤‬صالته من الليل‪ ،‬وفيه‪� ..( :‬أَنْتَ ا َ‬
‫حلقُّ ‪ ،‬ووعدك‬
‫حلقُّ ‪ ،‬وقولك ا َ‬
‫حلقُّ ‪.)1()..‬‬ ‫ا َ‬
‫‪ æ‬املُ ِبنيُ‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة‪ ،‬يف قوله تعالى‪ } :‬ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ{[النور‪ ،]25:‬ومل يرد يف ال�سنة ب�سند �صحيح‪.‬‬
‫‪ æ‬ا ْل�� َه��ا ِدي‪ :‬ورد يف ال��ق��ر�آن ال��ك��رمي (م��رت�ين) يف قوله تعالى‪ }:‬ﯪ ﯫ‬
‫ﯬ ﯭ{[الفرقان‪ ،]31:‬وقوله تعالى‪ } :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ{ [احلج‪ ،]54:‬ومل يرد اال�سم يف ال�سنة ب�سند �صحيح‪.‬‬
‫كم‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة يف قوله تعالى‪}:‬ﮐ ﮑ ﮒ‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫حل ُ‬
‫ﮓ{[الأنعام‪ ،]114:‬ومن ال�سنة قوله ‪� ..( :¤‬إنَّ اهلل هو ا َ‬
‫حل َكم‪ ،‬و�إليه ُ‬
‫احلكم)(‪.)2‬‬
‫َّاح‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة يف قوله تعالى‪}:‬ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫‪ æ‬ال َفت ُ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ{[�سب�أ‪ ،]26:‬ومل يرد اال�سم يف ال�سنة‬
‫ب�سند �صحيح‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري برقم (‪.)6317‬‬
‫(‪ )2‬رواه �أبو داود والن�سائي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع (‪.)1845‬‬
‫كم ‪ -‬الفَ َّت ُ‬
‫اح‬ ‫الح ُ‬ ‫هادِ ُ‬
‫ي‪َ -‬‬ ‫المب ُ‬
‫ِين ‪ -‬ا ْل َ‬ ‫الح ُّ‬
‫ق‪ُ -‬‬ ‫المجموعة الحادية والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪383‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬


‫‪æ‬ا َ‬
‫حلقُّ ‪« :‬م�صدر ح َّق َي ُح ّق َح ّقاً‪ ،‬فهو ح� ّ‬
‫�اق»(‪ ،)3‬وقد �س ّمى ‪�-‬سبحانه‪ -‬نف�سه‬
‫ب َ‬
‫ـ(احل ِّق) وهو م�صدر فعل حقَّ ؛ لإفادة حتقق ات�صافه باحلق‪ ،‬قال الزجاجي‪« :‬وا َ‬
‫حل� ُّ�ق‪:‬‬
‫نقي�ض الباطل‪ ،‬ويقال‪ :‬ح َّق ال�شيء َي ُح ُّق َح ّقاً‪� :‬أي وجب يجب وجوباً ‪ ..‬فاهلل ُّ‬
‫احلق‬
‫وم��ا ُع ِبد دون��ه ب��اط��ل»(‪ ،)4‬قال احلليمي‪« :‬احل�� ُّق‪ :‬ما ال ي�سع �إن�ك��اره‪ ،‬ويلزم �إثباته‪،‬‬
‫واالعرتاف به»(‪.)5‬‬
‫البي الظاهر‪،‬‬ ‫‪ æ‬املُ ِبنيُ‪« :‬ا�سم الفاعل من �أبا َن ُيبني �إبان ًة‪ ،‬فهو ُم ِبني‪ ،‬واملُ ِب ُني‪ :‬نِّ‬
‫املظهر للحق من الباطل»(‪ ،)6‬قال الزجاجي‪(« :‬املُ ِب ُني) ا�سم الفاعل من �أبان ُيب ُ‬
‫ني‬
‫ال»(‪ .)7‬وقال يف الل�سان‪« :‬و�أَبا َن ُيب ُ‬
‫ني �إبانة‪،‬‬ ‫وبي �إما قو ًال و�إما فع ً‬
‫فهو مبني �إذا �أظهر نَّ‬
‫ني‪ .. ،‬و(املُب ُني) الذي �أَبا َن ُط ُر َق الهدى من طرق ال�ضاللة‪ ،‬و�أَبان ك َّل ما‬ ‫فهو ُمب ٌ‬
‫حتتاج �إليه الأُ ّمة»(‪.)8‬‬
‫‪ æ‬ا ْل َها ِدي‪« :‬ا�سم فاعل‪ ،‬فعله هدَى َيهدي هُ دىً و َهدْياً وهِ داي َة‪ ،‬فهو هادٍ‪ ،‬و َهدَى‬
‫احلائر‪� :‬أر�شده ود َّله‪ ،‬والهداية‪ :‬الإر�شاد والداللة على ما يو�صل �إلى املطلوب»(‪،)9‬‬
‫قال الزجاجي‪(« :‬ا ْل�� َه��ا ِد ُي)‪ :‬ال��دل�ي��ل»(‪ ،)10‬وقال ابن جرير الطربي عند تف�سري قول‬
‫اهلل تعالى‪ } :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ{[احلج‪« ،]54:‬و�إن اهلل‬
‫واحلق الوا�ضح»(‪.)11‬‬
‫ّ‬ ‫احلق القا�صد‬ ‫ملر�شد الذين �آمنوا باهلل ور�سوله �إلى ّ‬
‫(‪ )3‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ح ق ق)‪.‬‬
‫(‪( )4‬ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص‪.)178 :‬‬
‫(‪( )5‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪ )45 :‬ون�سبه للحليمي‪.‬‬
‫(‪ )6‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ب ي ن)‪.‬‬
‫(‪( )7‬ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص‪.)180 :‬‬
‫(‪( )8‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ‪� - 13 :‬ص‪.)68 :‬‬
‫(‪ )9‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬هـ د ي)‪.‬‬
‫(‪( )10‬ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص‪.)187 :‬‬
‫(‪( )11‬تف�سري الطربي) عند تف�سري الآية (‪ )54‬من �سورة احلج‪.‬‬
‫‪384‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫كم‪�« :‬صيغة مبالغة من ا�سم الفاعل احلاكم‪ ،‬فعله ح َك َم َيح ُكم ُح ْكماً‪،‬‬ ‫حل ُ‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫يحكم ويف�صل ويق�ضي يف �سائر الأمور»(‪ ،)12‬قال ابن‬ ‫حل َك ُم هو الذي َ‬‫فهو حاكم‪ ،‬وا َ‬
‫احل َك ُم) ‪ ..‬مبعنى احلاكِم‪ ،‬وهو القا�ضي‪َ ،‬فهو فع ٌ‬
‫ِيل مبعنى فاعِ ٌل»(‪.)13‬‬ ‫الأثري‪َ (« :‬‬
‫‪ æ‬ال َف َّت ُاح‪�« :‬صيغة مبالغة‪ ،‬على وزن ف َّعال‪ ،‬من ا�سم الفاعل (الفاحت)‪ ،‬فعله‬
‫َف َت َح َي ْف َتح َف ْتحاً‪ ،‬وال َف ْت ُح نقي�ض ا ِلإغ�ل�اق»(‪ ،)14‬وقال الراغب‪« :‬الفتح �إزال��ة الإغالق‬
‫والإ�شكال‪ ،‬وذلك �ضربان‪� :‬أحدهما‪ُ :‬ي ْد َر ُك بالب�صر كفتح الباب والقفل واملتاع‪ ،‬نحو‬
‫قوله تعالى‪ } :‬ﭥ ﭦ ﭧ{[يو�سف‪ ،]65:‬والثاين‪ُ :‬ي� ْد َر ُك بالب�صرية ‪ ..‬كفتح‬
‫امل�ستغلق من العلوم»(‪.)15‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬
‫‪ æ‬ا َ‬
‫حلقُّ ‪« :‬املوجود حقيقة‪ ،‬املتحقق وجوده و�إلهيته»(‪ ،)16‬قال اخلطابي‪(« :‬ا َ‬
‫حلقُّ)‬
‫املتحقق كونه ووجوده‪ ،‬وكل �شيء �صح وجوده وكونه‪ ،‬فهو حق»(‪ ،)17‬وقال الزجاجي‪:‬‬
‫«(ا َ‬
‫حل�� ُّق) �أي اهلل هو احل��ق‪ ،‬وما ُع ِب َد دون��ه الباطل‪ ،‬واهلل احل��ق‪� ،‬أي ذو احلق يف‬
‫�أمره‪ ،‬ونهيه‪ ،‬ووعده‪ ،‬ووعيده‪ ،‬وجميع ما �أنزل على ل�سان ر�سله و�أنبيائه»(‪ ،)18‬وقال‬
‫حلقُّ) يف ذاته و�صفاته‪ ،‬فهو واجب الوجود‪ ،‬كامل ال�صفات والنعوت‪،‬‬ ‫ال�شيخ ال�سعدي‪(« :‬ا َ‬
‫وجوده من لوازم ذاته‪ ،‬وال وجود ل�شيء من الأ�شياء �إال به‪ ،‬فهو الذي مل يزل ‪-‬وال‬
‫يزال‪ -‬باجلالل واجلمال والكمال مو�صو ًفا‪ ،‬ومل يزل ‪-‬وال يزال‪ -‬بالإح�سان معرو ًفا؛‬
‫فقوله حق‪ ،‬وفعله حق‪ ،‬ولقا�ؤه حق‪ ،‬ور�سله حق‪ ،‬وكتبه حق‪ ،‬ودينه هو احلق‪ ،‬وعبادته‬
‫وحـده ال �شـريك له هي احلق‪ ،‬وكل �شيء ُي ْن َ�س ُـب �إليه فهو حق‪} :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫(‪�( )12‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( )651:‬احلكم)‪.‬‬
‫(‪( )13‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ‪� - 12 :‬ص‪.)140 :‬‬
‫(‪�( )14‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( )518:‬الفتاح)‪.‬‬
‫(‪( )15‬املفردات) للراغب الأ�صفهاين (جـ‪� - 2 :‬ص ‪.)479:‬‬
‫(‪( )16‬النهاية) البن الأثري (جـ ‪� - 1 :‬ص‪( )413 :‬مادة‪ :‬حقق) والقول البن الأثري‪.‬‬
‫(‪�( )17‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)76:‬‬
‫(‪( )18‬ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص‪.)178 :‬‬
‫كم ‪ -‬الفَ َّت ُ‬
‫اح‬ ‫الح ُ‬ ‫هادِ ُ‬
‫ي‪َ -‬‬ ‫المب ُ‬
‫ِين ‪ -‬ا ْل َ‬ ‫الح ُّ‬
‫ق‪ُ -‬‬ ‫المجموعة الحادية والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪385‬‬

‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ {[احلج‪.)19(»]62:‬‬
‫‪ æ‬املُ ِبنيُ‪« :‬البينِّ الظاهر‪ ،‬املظهر للحق من الباطل»(‪ ،)20‬قال الزجاجي‪(« :‬املُ ِبنيُ)‬
‫املبني لعباده �سبي َل الر�شاد‪ ،‬واملو�ضِّ ح لهم الأعمال املوجبة لثوابه‪ ،‬والأعمال املوجبة‬
‫لعقابه‪ ،‬واملبني لهم ما ي�أتونه و َيذ ُرونه»(‪ ،)21‬ويقول اخلطابي‪(« :‬املُ ِب ُني) ال َب نِّ ُ‬
‫ي � ْأمر ُه‬
‫البي �أمره‪ ،‬وقيل‪:‬‬ ‫يف الوحدانية‪ ،‬و�إنه ال �شريك له»(‪ ،)22‬وقال الأ�صبهاين‪(« :‬املُ ِب ُني) نِّ‬
‫البي الربوبية وامللكوت‪ ..‬وقيل‪� :‬أبان للخلق ما احتاجوا �إليه»(‪ )23‬ويقول احلليمي‪:‬‬ ‫نِّ‬
‫«(املُ ِب ُني) الذي ال يخفى وال ينكتم‪ ،‬والبارئ ‪-‬جل ثنا�ؤه‪ -‬لي�س بخاف وال منكتم؛ لأن‬
‫له من الأفعال الدالة عليه ما ي�ستحيل معها �أن يخفى»(‪.)24‬‬
‫‪ æ‬ا ْل�� َه��ا ِدي‪« :‬ال��ذي بهدايته اهتدى �أه��ل والي��ت��ه‪ ،‬وبهدايته اهتدى احل��ي��وان ملا‬
‫ي�صلحه»(‪ ،)25‬قال اخلطابي‪(« :‬ا ْل�� َه��ا ِد ُي) ال��ذي َم� َّ�ن ِب� ُه��دا ُه على من �أراد من عباده‪،‬‬
‫فخ�ص ُه بهدايته‪ ،‬و�أكرمه بنو ِر توحيده‪ ،‬كقوله تعالى‪ } :‬ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ‬ ‫َّ‬
‫خل� ْل��قِ م��ن احل�ي��وان �إل��ى م�صاحلها‪،‬‬ ‫ﰋ{[يون�س‪ ،]25:‬وه��و ال��ذي َه �دَى �سائر ا َ‬
‫و�ألهمها كيف تطلب ال � ِّر ْزق‪ ،‬وكيف تتقي امل�ضا َّر واملهالك؟‪ ،‬كقوله تعالى‪} :‬ﰎ ﰏ‬
‫ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ{[طه‪ ،)26(»]50:‬وقال الزجاجي‪(« :‬ا ْل َها ِد ُي) يهدي‬
‫عباده �إليه‪ ،‬و َيدُلهُّم عليه‪ ،‬وعلى �سبيل اخلري والأعمال املق ِّربة منه »(‪ ،)27‬وقال‬
‫ال�شيخ ال�سعدي‪(« :‬ا ْل َها ِد ُي) الذي يهدي وير�شد عباده �إلى جميع املنافع‪ ،‬و�إلى دفع‬
‫امل�ضار‪ ،‬ويعلمهم ما ال يعلمون‪ ،‬ويهديهم لهداية التوفيق والت�سديد‪ ،‬ويلهمهم‬
‫التقوى‪ ،‬ويجعل قلوبهم منيبة �إليه‪ ،‬منقادة لأمره»(‪.)28‬‬
‫(‪ )19‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)20 :‬‬
‫(‪ )20‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ب ي ن)‪.‬‬
‫(‪( )21‬ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص‪.)181 :‬‬
‫(‪�( )22‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)102:‬‬
‫(‪( )23‬احلجة يف املحجة) للأ�صبهاين (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)143 :‬‬
‫(‪( )24‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪.)46 :‬‬
‫(‪( )25‬االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص‪.)46:‬‬
‫(‪�( )26‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)96-95 :‬‬
‫(‪( )27‬ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص‪.)187 :‬‬
‫(‪ )28‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)20 :‬‬
‫‪386‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫املتخ�ص�ص باحلكم الذي ال ينق�ض حكمه»(‪ ،)29‬يقول اخلطابي‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫كم‪« :‬احلاكم‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫حل ُ‬
‫كم) احلاكم‪ ..‬وهو الذي َ�س ِل َم لـــــــه ا ُ‬
‫حل ْك ُم‪ ،‬ور َّد �إليه فيه الأمر كقوله تعالى‪:‬‬ ‫«( َ‬
‫احل ُ‬
‫} ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ{[الق�ص�ص‪ ،)30(»]88 :‬ويقول القرطبي‪َ (« :‬‬
‫احل��ك ُ��م) من‬
‫له احلكم‪ ،‬وهو تنفيذ الق�ضايا و�إم�ضاء الأوام��ر والنواهي»(‪ ،)31‬ويقول احلليمي‪:‬‬
‫كم) هو الذي له احلكم‪ ،‬و�أ�صل احلكم منع الف�ساد‪ ،‬و�شرائع اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬كلها‬ ‫«( َ‬
‫احل ُ‬
‫كم) ‪ ..‬الذي يحكم بني عباده يف‬ ‫ا�ست�صالح للعباد»(‪ ،)32‬وقال ال�شيخ ال�سعدي‪َ (« :‬‬
‫احل ُ‬
‫الدنيا والآخرة بعدله وق�سطه‪ ،‬فال يظلم مثقال ذرة‪ ،‬وال ُيح ِّمل �أحدًا وزر �أحد‪ ،‬وال‬
‫يجازي العبد ب�أكرث من ذنبه‪ ،‬وي�ؤدي احلقوق �إلى �أهلها‪ ،‬فال يدع �صاحب حق �إال‬
‫و�صل �إليه حقه»(‪.)33‬‬

‫‪ æ‬ال َفت ُ‬
‫َّاح‪ :‬القا�ضي بني عباده‪ ،‬الكا�شف لكل منغلق وم�شكل‪ ،‬النا�صر لكل م�ؤمن‪ ،‬قال‬
‫اخلطابي‪( « :‬ال َفت َُّاح) احلاكم بني عباده ‪ ..‬وقد يكون معناه ‪ً �-‬‬
‫أي�ضا‪ -‬الذي يفتح �أبواب‬
‫الرزق والرحمة لعباده‪ ،‬ويفتح املنغلق عليهم من �أمورهم و�أ�سبابهم‪ ،‬ويفتح قلوبهم‬
‫وعيون ب�صائرهم‪ ،‬ليب�صروا احل��ق‪ ،‬ويكون الفاحت ‪�-‬أي�ضاً‪ -‬مبعنى النا�صر»(‪،)34‬‬
‫وقال احلليمي‪(« :‬ال َفت َُّاح) هو احلاكم‪� :‬أي يفتح ما انغلق بني عباده‪ ،‬ومييز احلق من‬
‫الباطل‪ ،‬ويعلي المُ حِ َّق‪ ،‬ويخزي املبطل‪ ،‬وقد يكون ذلك منه يف الدنيا والآخرة»(‪.)35‬‬
‫ويقول البيهقي‪« :‬هو احلاكم بني عباده‪ ،‬ويكون (ال َفت َُّاح) الذي يفتح املنغلق على عباده‬
‫من �أمورهم ديناً ودنيا‪ ،‬ويكون مبعنى النا�صر»(‪.)36‬‬
‫(‪ )29‬تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور (الآية‪ 114:‬من �سورة الأنعام)‪.‬‬
‫(‪�( )30‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)61:‬‬
‫(‪( )31‬الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي ‪ -‬حتقيق‪ :‬حممد ح�سن جبل وطارق �أحمد حممد (جـ‪�-1:‬ص‪.)438:‬‬
‫(‪( )32‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪.)199 :‬‬
‫(‪ )33‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)19 :‬‬
‫(‪�( )34‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي �ص (‪.)56‬‬
‫(‪( )35‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪ )164 :‬وعزاه للحليمي‪.‬‬
‫(‪( )36‬االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص‪.)39 :‬‬
‫كم ‪ -‬الفَ َّت ُ‬
‫اح‬ ‫الح ُ‬ ‫هادِ ُ‬
‫ي‪َ -‬‬ ‫المب ُ‬
‫ِين ‪ -‬ا ْل َ‬ ‫الح ُّ‬
‫ق‪ُ -‬‬ ‫المجموعة الحادية والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪387‬‬

‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬


‫َّاح‪� :‬إن اهلل – تعالى – هو َ‬
‫(احلقُّ)‬ ‫كم ‪ -‬ال َفت ُ‬ ‫ني ‪ -‬ا ْل َها ِدي ‪ -‬ا َ‬
‫حل ُ‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫حلقُّ ‪ -‬املُ ِب ُ‬
‫املتحقق كونه ووجوده‪ ،‬وهو ذو احلق يف �أمره ونهيه‪ ،‬ووعده ووعيده‪ ،‬وجميع ما �أنزل على‬
‫ل�سان ر�سله و�أنبيائه‪ ،‬وهو ‪�-‬سبحانه (املُ ِبنيُ) الذي وعد عباده �أن يبني لهم هذا احلق‪ ،‬و�أن‬
‫يقيم عليهم احلجة ببيانه‪ ،‬كما قال �سبـــحــــانـــــــه‪} :‬ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ‬
‫ﰇ ﰈﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ‬
‫ﰔ ﰕﰖ ﰗ ﰘ ﰙ{البقرة‪ .]256:‬ومن رحمته – �سبحانه – بعباده �أن ن ّوع بيانه لهذا‬
‫احلق من خالل الفطــــــرة الــــــتي فطـــــــــر النـــــا�س عليهــــــا‪ ،‬ومن خــــــــالل �آيــــات الكون‬
‫واخللق‪ ،‬كمــــا قـــــــال �سبحانـــه‪} :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ{[ف�صلت‪ ،]53:‬ومن خالل �إر�سال الر�سل‪ ،‬و�إنزال الكتب‪ ،‬كما قال �سبحانه‪:‬‬
‫} ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ{[النحل‪،]44:‬‬
‫حتى بان احلق من الباطل‪ ،‬بيان ًا �شافي ًا تقوم به احلجة؛ وهذا البيان هو ما �أطلق عليه‬
‫العلماء (هداية البيان والإر�شاد) التي ع َّرف اهلل مبوجبها طريقي اخلري وال�شر‪ ،‬و�سبيلي‬
‫النجاة والهالك‪ ،‬وهو مقت�ضى ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ا ْل َها ِدي) كما قال �سبحانه‪} :‬ﯥ ﯦ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ{ [الن�ساء‪ ،]26:‬وهذه الهداية ال‬
‫�سبب و�شرط ال موجب‪ ،‬و�أما الهداية امل�ستلزمة لالهتداء فهي‬ ‫ت�ستلزم الهدى التام‪ ،‬ف�إنها ٌ‬‫ُ‬
‫(هداية التوفيق والإلهام)‪ ،‬كما يف قوله تعالى‪ } :‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜ{ [فاطر‪ .]8:‬وقوله تعالى‪ } :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ{[الأحزاب‪]4:‬‬
‫والقلوب معر�ضة لل�شهوات وال�شبهات والعي‪ ،‬وقد يخفى عليها هذا احلق بعد البيان املعجز‪،‬‬
‫كم)‪ ،‬وهو‬ ‫والداللة الوا�ضحة‪ ،‬فيكون ال�ضالل‪ ،‬ويحدث االختالف‪ ،‬وعندئذ فاهلل هو َ‬
‫(احل ُ‬
‫�أولى من يتحاكم النا�س �إلى قوله الف�صل املحكم‪ ،‬كما قال �سبحانه‪} :‬ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ{ [ال�شــورى‪ ،]10:‬وقـــــوله �سبحانه‪ } :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ{‬
‫والكرب واحل�سد ف�إنها‬‫[الأنبياء‪ .]112:‬و ِمل َا جبلت عليه بع�ض الأنف�س من الظلم واجلهل ِ‬
‫‪388‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫قد ت�أبى االنقياد حلكم اهلل‪ ،‬وال تقبل احلق‪ ،‬وتعادي �أهله‪ ،‬وهنا ال بد من جميء احلق‬
‫وظهوره‪ ،‬فيق�ضي اهلل (ال َفت َُّاح) بحكمه‪ ،‬ويفتح على امل�ؤمنني برحمته ون�صره‪ ،‬ب�إظهار �أثر‬
‫ر�ضاه على �أوليائه‪ ،‬وغ�ضبه على �أعدائه‪ ،‬قال تعالى‪} :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ{[�سب�أ‪ ،]26:‬وقال ‪-‬تعالى‪ -‬حكايـة عن �شعيب ‪} :‬ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛﯜﯝﯞﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣﯤﯥ‬
‫ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ{ �إلى قوله تعالى‪ } :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮢﮣ ﮤﮥﮦﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ{[الأعراف‪.]91-87:‬‬

‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬


‫‪æ‬ا َ‬
‫حلقُّ ‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه َ‬
‫(احلقّ ) «�صفة (الحْ َ ِّق) وهي �صف ٌة‬
‫ثابت ٌة هلل ‪َ -‬ع َّز وج َّل‪ -‬بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)37‬قال تعالى‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫يف‬ ‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ{[احلج ‪ ،]6 :‬ومن ال�سنة حديث ابن عبا�س‬
‫ا�ستفتاح الر�سول اهلل ‪� ¤‬صالته من الليل‪ ،‬وفيه‪� ( :‬أَنْتَ ا َ‬
‫حلقُّ ‪ ،‬ووعدك ا َ‬
‫حلقُّ ‪ ،‬وقولك‬
‫احل��قّ ) دل على و�صف ذات وفعل معاً‪ ،‬فباعتبار �أن احلق‬ ‫ا َ‬
‫حل��قُّ )(‪« ،)38‬وا�سم اهلل ( َ‬
‫و�صف الزم له ي�ستحيل و�صفه ب�ضده فهو و�صف ذات‪ ،‬وباعتبار �إحقاقه احلق وتعلقه‬
‫باملمكنات فهو و�صف فعل»(‪.)39‬‬
‫‪ æ‬املُ ِبنيُ‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (املُ ِبني) «�صفة (الإبانة)»(‪ ،)40‬وهي‬
‫وجل‪ -‬بالكتاب العزيز‪ ،‬يف قوله تعالى‪ } :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬ ‫‪-‬ع َّز َّ‬
‫�صف ٌة ثابت ٌة هلل َ‬
‫(‪�( )37‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)99 :‬‬
‫(‪ )38‬رواه البخاري برقم (‪.)6317‬‬
‫(‪�( )39‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( ) 391 :‬احلق)‪.‬‬
‫(‪�( )40‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( )394:‬املبني)‪.‬‬
‫كم ‪ -‬الفَ َّت ُ‬
‫اح‬ ‫الح ُ‬ ‫هادِ ُ‬
‫ي‪َ -‬‬ ‫المب ُ‬
‫ِين ‪ -‬ا ْل َ‬ ‫الح ُّ‬
‫ق‪ُ -‬‬ ‫المجموعة الحادية والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪389‬‬

‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ{[النور‪ ،]25:‬وقال تعالى‪ } :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬


‫ﮗ ﮘ ﮙ{[البقرة‪« ،]187:‬وعلى تقدير �أن ا�سم اهلل (املُ ِبني) من الفعل‬
‫(�أبان) فهو يدل على و�صف فعل»(‪.)41‬‬
‫‪ æ‬ا ْل َها ِدي‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ا ْل َها ِدي) �صفة (الهداية) «ومن‬
‫ال�صفات املتقابلة قوله‪( :‬يهدي وي�ضل)‪ ،‬وهذا فيه �إثبات ل�صفتني متقابلتني وهما‬
‫(الهداية وال�ضاللة)‪ ..‬وهداية اهلل ‪�-‬سبحانه وتعالى‪� -‬صفة من �صفات الأفعال»(‪،)42‬‬
‫قال تعالى‪}:‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ{[الق�ص�ص‪،]56:‬‬
‫ومن ال�سنة قوله ‪ ¤‬يف احلديث القد�سي‪ ..( :‬يا عبادي‪ ..،‬كلكم �ضال �إال من هديته‪،‬‬
‫فا�ستهدوين �أهدكم‪.)43()..‬‬
‫(احلكم) «�صفة (ا ُ‬
‫حل ْكم) وهي‬ ‫كم‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه َ‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫حل ُ‬
‫�صف ٌة فعلية ثابت ٌة هلل ‪َ -‬ع َّز وج َّل‪ -‬بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)44‬قال تعالى‪ } :‬ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ{[الأعراف ‪ ،]87 :‬ومن ال�سنة قوله ‪( :¤‬ما من‬
‫�صاحب كنز ال ي�ؤدي زكاته‪� ،‬إال �أحمي عليه يف نار جهنم‪ ،‬فيجعل �صفائح‪ ،‬فيكوى بها‬
‫جنباه وجبينه‪ ،‬حتى يحكم اهلل بني عباده)(‪.)45‬‬
‫‪ æ‬ال َفت ُ‬
‫َّاح‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال َفتَّاح) «�صفة (ا ْل َفتْح) وهي �صف ٌة‬
‫فعلية ثابت ٌة هلل بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)46‬قال تعالى‪ }:‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ{[الأعراف‪ ،]89:‬ومن ال�سنة قوله ‪ ¤‬يف غزوة خيرب‪( :‬لأعطني هذه‬
‫الراية رج ًال يحب اهلل ور�سوله‪ ،‬يفتح اهلل على يديه)(‪.)47‬‬
‫(‪�( )41‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( )395 :‬املبني)‪.‬‬
‫(‪�( )42‬سل�سلة الأ�سماء وال�صفات (‪ ))7‬لل�شيخ حممد احل�سن الددو ال�شنقيطي‪.‬‬
‫(‪ )43‬رواه م�سلم برقم (‪.)2577‬‬
‫(‪�( )44‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( )653-652:‬احلكم)‪.‬‬
‫(‪ )45‬رواه م�سلم برقم (‪.)987‬‬
‫(‪�( )46‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( )520:‬الفتاح)‪.‬‬
‫(‪ )47‬رواه م�سلم برقم (‪.)2405‬‬
‫‪390‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬


‫(احلقُّ) مرة واحدة يف قوله تعالى‪} :‬ﮮ‬
‫‪ æ‬املُ ِبنيُ‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه �سبحانه َ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ{[النور‪ ،]25:‬وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل‬
‫�أعلم ‪ -‬كما يقول الرازي‪�« :‬إمنا �سمي باحلق‪ ،‬لأن عبادته هي احلق دون عبادة غريه‪� ،‬أو‬
‫لأنه احلق فيما ي�أمر به دون غريه‪ ،‬ومعنى } المْ ُ ِب ُني { ي�ؤيد ما قلنا؛ لأن املحق فيما‬
‫يخاطب به هو املبني من حيث يبني ال�صحيح بكالمه دون غريه»(‪ ،)48‬فاهلل ‪�-‬سبحانه‬
‫وتعالى‪ -‬هو َ‬
‫(احلقُّ)‪ ،‬ورحمة بعباده �أو�ضح لهم من احلجج والآيات ما يبني لهم �أنه اهلل احلق‬
‫الذي ال �إله �إال هو كما قال �سبحانه‪}:‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ{[ف�صلت‪ ،]53:‬يقول ابن القيم‪« :‬ال بد �أن ُيري اهلل ‪�-‬سبحانه‪� -‬أهل‬
‫بي لهم �أنه اهلل الذي ال �إله �إال هو‪ ،‬و�أن ر�سله �صادقون»(‪.)49‬‬‫كل قرن من الآيات ما ُي ِنّ‬
‫ري‪ :‬ورد االق�ت�ران مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ا ْل�� َه��ا ِدي) مـرة واح��دة يف قول‬
‫‪ æ‬الن َِّ�ص ُ‬
‫اهلل ت��ع��ال��ى‪ } :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ{[الفرقان‪ ،]31:‬وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬كما قال ال�شيخ عبدالعزيز اجلليل‪:‬‬
‫«يبني اهلل ‪�-‬سبحانه‪� -‬أن من ُ�س َّنته �أن يقي�ض لكل نبي ع��د ًوا من املجرمني‪ ،‬ولكن‬
‫اهلل ‪�-‬سبحانه‪ -‬يتولى �أنبياءه بهدايتهم �إلى احلق‪ ،‬ون�صرتهم على �أهل الباطل من‬
‫املجرمني فهو ‪�-‬سبحانه‪ -‬الذي يتولى �أنبياءه و�أولياءه بالهداية ‪ -‬بكل معانيها ‪-‬‬
‫ون�صرتهم بجميع �أنواع الن�صرة»(‪ ،)50‬ويقول ال�شيخ حممد متويل ال�شعراوي‪ }« :‬ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ{[الفرقان‪� ،]31:‬أن اهلل ‪-‬تعالى‪� -‬سيهديك �إلى الطريق الذي‬
‫مبقت�ضاه تنت�صر على ه�ؤالء جميعاً»(‪ ,)51‬قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية‪ « :‬قوام الدين‬
‫(‪ )48‬تف�سري (مفاتيح الغيب) للرازي عند تف�سري الآية (‪ )25‬من �سورة (النورة)‪.‬‬
‫(‪( )49‬التبيان يف �أميان القر�آن) البن القيم (�ص‪.)457 - 456 :‬‬
‫(‪( )50‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪.)474 :‬‬
‫(‪( )51‬تف�سري خواطر حممد متويل ال�شعراوي) (�سورة الفرقان ‪ -‬الآية ‪( )31‬جـ‪� - 17 :‬ص‪.)10433:‬‬
‫كم ‪ -‬الفَ َّت ُ‬
‫اح‬ ‫الح ُ‬ ‫هادِ ُ‬
‫ي‪َ -‬‬ ‫المب ُ‬
‫ِين ‪ -‬ا ْل َ‬ ‫الح ُّ‬
‫ق‪ُ -‬‬ ‫المجموعة الحادية والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪391‬‬

‫كتاب يهدي‪ ،‬و�سيف ين�صر‪ } :‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ {[الفرقان‪)52(»]31:‬‏‪,‬‬


‫فالثبات على هذا الدين‪ ،‬وحتقق الن�صر يف الدنيا والآخ��رة متالزمان وال ينفكان عن‬
‫بع�ضهما البتة‪ ،‬حتى و�إن كان طريق اهلل ومنهجه و�سبيله حمفوفا باملخاطر وامل�صاعب‪،‬‬
‫وتكتنفه املخاوف والأه��وال‪ ،‬فنهايته �إلى الن�صر والتمكني ال حمالة‪ ،‬وهدايته �إلى الي�سر‬
‫والأمن وال�سالم‪ ،‬وهو وعد اهلل الذي وعد به �آنبياءه و�أولياءه‪ ،‬يقول ال�شيخ ال�سعدي عند‬
‫تف�سريه لقول اهلل تعالى‪} :‬ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ‬
‫ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ{[احلج‪« :]15:‬معنى‬
‫هذه الآية الكرمية‪ :‬يا �أيها املعادي للر�سول حممد ‪ ،¤‬ال�ساعي يف �إطفاء دينه‪ ،‬الذي‬
‫يظن بجهله‪� ،‬أن �سعيه �سيفيده �شيئاً‪ ،‬اعلم �أنك مهما فعلت من الأ�سباب‪ ،‬و�سعيت‬
‫يف كيد الر�سول‪ ،‬ف�إن ذلك ال ُيذهب غيظك‪ ،‬وال ي�شفي كمدك‪ ،‬فلي�س لك قدرة يف‬
‫ذلك‪ ،‬ولكن �سن�شري عليك بر�أْ ٍي‪ ،‬تتمكن به من �شفاء غيظك‪ ،‬ومن قطع الن�صر عن‬
‫الر�سول �إن كان ممكناً!‪ ،‬ائت الأمر مع بابه‪ ،‬وارتق �إليه ب�أ�سبابه‪ ،‬اعمد �إلى حبل من‬
‫ليف �أو غريه‪ ،‬ثم َع ّل ْق ُه يف ال�سماء‪ ،‬ثم ا�صعد به حتى ت�صل �إلى الأبواب التي ينزل‬
‫منها الن�صر‪ ،‬ف�سدها و�أغلقها واقطعها‪ ،‬فبهذه احلال ت�شفي غيظك‪ ،‬فهذا هو الر�أي‬
‫واملكيدة‪ ،‬و�أم��ا ما �سوى هذه احلال فال يخطر ببالك �أنك ت�شفي بها غيظك‪ ،‬ولو‬
‫�ساعدك من �ساعدك من اخللق‪ .‬وه��ذه الآي��ة الكرمية‪ ،‬فيها من الوعد والب�شارة‬
‫بن�صر اهلل لدينه ولر�سوله وعباده امل�ؤمنني ما ال يخفى‪ ،‬ومن ت�أيي�س الكافرين‪،‬‬
‫الذين يريدون �أن يطف�ؤوا نور اهلل ب�أفواههم‪ ،‬واهلل متم نوره ولو كره الكافرون‪� ،‬أي‪:‬‬
‫و�سعوا مهما �أمكنهم»(‪)53‬‏‪.‬‬
‫(‪()52‬جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية) (جـ‪� – 10 :‬ص‪.)13 :‬‬
‫(‪ )53‬تف�سري ال�سعدي عند تف�سري الآية (‪ )15‬من �سورة (احلج) (�ص‪.)485 - 484 :‬‬
‫‪392‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫يم‪ :‬ورد االق�تران مع ا�سمـــه ‪�-‬سبحانـــه (ال َفتَّاح) مرة واحـــدة يف قولـــه‬ ‫‪ æ‬ا ْل َع ِل ُ‬
‫تعالى‪}:‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ{[�سب�أ‪،]26:‬‬
‫وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬للداللة على كمال الفتح‪ ،‬وا�ستقامة احلكم‪ ،‬و�أنه قائم على‬
‫عليم بالق�ضاء‪ ،‬ال تخفى عليه خافية‪ ،‬وال حتف بحكمه �أ�سباب‬ ‫العدل والق�سط‪ ،‬ل�صدوره عن ٍ‬
‫اخلط�أ واجلور النا�شئة عن اجلهل والعجز‪ ،‬يقول ابن عا�شور‪�« :‬أتبع }ا ْل َفت َُّاح{ بـ }ا ْل َع ِليم{‬
‫للداللة على �أن حكمه ع �د ُْل محَ ����ض؛ لأن��ه عليم‪ ،‬ال حت� ُّ�ف بحكمه �أ�سباب اخلط أ�‬
‫واجلور النا�شئة عن اجلهل والعجز‪ ،‬واتباع ال�ضعف النف�ساين النا�شئ عن اجلهل‬
‫بالأحوال والعواقب»(‪.)54‬‬

‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪:‬‬


‫‪ æ‬الأثر العلمي االعتقادي‪:‬‬
‫(احلقُّ)‪ ،‬الذي ال �شك فيه وال ريب‪ ،‬فهو ‪-‬تبارك وتعالى‪ -‬حقٌّ‪ ،‬و�أ�سما�ؤه‬ ‫اهلل هو َ‬
‫و�صفاته حقٌّ‪ ،‬و�أفعاله و�أقواله حقٌّ‪ ،‬ودينه و�شرعه حقٌّ‪ ،‬ووعده حقٌّ‪ ،‬ولقا�ؤه حقٌّ‪ ،‬وجميع ما‬
‫�أخرب به ‪�-‬سبحانه‪ -‬ح ٌّق ‪ ..‬وهو ‪�-‬سبحانه‪( -‬املُ ِبنيُ) الذي �أو�ضح و�أظهر و�أنزل من الدالئل‬
‫والرباهني واحلجج والب ِّينات ما يدل على �أنه الإله احلق‪( ،‬ا ْل َها ِد ُي) �إلى ال�صراط امل�ستقيم‪،‬‬
‫هداية بيان و�إر�شاد‪ ،‬وهداية توفيق و�إلهام‪ ،‬الذي له احلكم وحده‪ ،‬يحكم بني عباده مبا �شاء‪،‬‬
‫ويق�ضي ما يريد‪ ،‬وهو (ا ْل َفت َُّاح) الذي ال راد حلكمه‪ ،‬وال معقب لق�ضائه‪.‬‬
‫‪ æ‬الأثر العملي‪:‬‬
‫‪1.1‬جتريد املحبة هلل وتعظيمه و�إجالله حيث �إن��ه املوجود احل��ق‪ ،‬وال��رب احلق‪،‬‬
‫والإله احلق‪ ،‬و�أنه من رحمته ‪�-‬سبحانه‪ -‬بعباده �أبان لهم احلق والآيات يف الآفاق‬
‫ويف الأنف�س الدالة على وجوده‪ ،‬و�أقام عليهم احلجة ب�إنزال الكتب و�إر�سال الر�سل‬
‫(‪ )54‬تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور عند تف�سري الآية‪ )26( :‬من �سورة (�سب�أ)‪.‬‬
‫كم ‪ -‬الفَ َّت ُ‬
‫اح‬ ‫الح ُ‬ ‫هادِ ُ‬
‫ي‪َ -‬‬ ‫المب ُ‬
‫ِين ‪ -‬ا ْل َ‬ ‫الح ُّ‬
‫ق‪ُ -‬‬ ‫المجموعة الحادية والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪393‬‬

‫وبهدايتهم هداية البيان والإر�شاد‪ ،‬ف�أبان لهم اخلري وحثهم عليه‪ ،‬وع َّرفهم بال�شر‬
‫وحذرهم منه‪ ،‬ودعاهم �إلى التحاكم �إلى حكمه‪ ،‬والتعلق به وحده الذي بيده مقاليد‬
‫كل �شيء وهو الذي بيده مفاتيح العلم والهدى والرحمة والرزق والن�صر‪ ،‬ومفاتيح ما‬
‫انغلق من الأمور‪  .‬‬
‫‪2.2‬الر�ضى والطم�أنينة مبا ي�صيب امل�ؤمن من امل�صائب امل�ؤملة‪ ،‬والإميان ب�أنها كائنة بعلم‬
‫اهلل ‪� -‬سبحانه‪ -‬و�إرادته وحكمته‪ ،‬وهي حق ال باطل فيها وال عبث وال ظلم‪ ،‬والت�سليم‬
‫التام لأحكامه ال�شرعية فيما ي�أمر به وينهى عنه‪ ،‬واليقني ب�أن �أحكام اهلل ‪-‬تعالى‪-‬‬
‫كلها حق وخري‪.‬‬
‫‪3.3‬قيام احلجة على اخللق بهذا البيان‪ ،‬مع ما قام يف العقول والفطر من الآيات البينات‬
‫الدالة على وحدانيته‪ ،‬وتفرده باخللق والأم��ر‪ ،‬ولكن من رحمته ‪�-‬سبحانه‪� -‬أنه ال‬
‫يعذب عباده بحجة العقل والفطرة‪ ،‬و�إمنا بعد �إر�سال الر�سل وبيانهم للنا�س‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى‪ } :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ{[الأ�سراء‪  .]15:‬‬
‫‪4.4‬ال�صدق يف احلديث‪ ،‬وقول احلق والتم�سك به‪ ،‬مهما كانت تبعاته؛ ولذا َع َّد الإ�سالم‬
‫�أف�ضل اجلهاد كلمة حق عند �سلطان ظامل؛ حلديث �أبي �سعيد اخلدري ‹‪ ،‬عن‬
‫النبي ‪ ¤‬قال‪�( :‬أف�ضل اجلهاد كلمة حق عند �سلطان جائر)(‪.)55‬‬
‫‪�5.5‬شعور العبد بافتقاره التام �إلى ربه ‪�-‬سبحانه‪ -‬يف طلب هداية التوفيق والإلهام‪ ،‬التي‬
‫ال ميلكها �إال اهلل كما قال �سبحانه خماطب ًا نبيه ‪ ¤‬يف حر�صه على هداية عمه‬
‫�أب���ي ط��ال��ب‪} :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜ{[الق�ص�ص‪ ،]56:‬ولذا كان حري ًا بالعبد �أن ي�س�أل ربه الهداية والتثبيت‪.‬‬
‫‪�6.6‬سعي امل�ؤمن �إلى �أن يكون هاد ًيا �إلى اهلل و�إلى �صراطه امل�ستقيم؛ وذلك بن�شر العلم‬
‫والدعوة �إلى اهلل ‪�-‬سبحانه‪ ،‬و�إر�شاد النا�س �إلى احلق‪ ،‬وحتذيرهم من الباطل‪  .‬‬
‫‪7.7‬الثقة يف ن�صر اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬وفتحه لعباده امل�ؤمنني فهو ‪�-‬سبحانه‪ -‬الذي ي�أتي بالفتح‬
‫(‪ )55‬رواه الإمام �أحمد وابن ماجه و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع (‪.)1100‬‬
‫‪394‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫بني عباده امل�ؤمنني و�أعدائه الكافرين‪ ،‬ومنه الن�صر والتمكني‪ ،‬فال يجوز بحال �أن‬
‫يتطرق �إلى نف�س امل�ؤمن الي�أ�س من فتحه ‪�-‬سبحانه‪ -‬ون�صره �إذا �أبط�أ فله ‪�-‬سبحانه‪-‬‬
‫احلكمة من ت�أخري الفتح والن�صر‪.‬‬

‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫كم ‪ -‬ال َفت َُّاح) من الأ�سماء الدالة على �صفة اهلل الذاتية‬ ‫(احل ُّق ‪ -‬املُ ِب ُني ‪ -‬ا ْل َها ِدي ‪َ -‬‬
‫احل ُ‬ ‫َ‬
‫(احلقّ ) و�صفات اهلل الفعلية (الإبانة والهداية وا ُ‬
‫حل ْكم وا ْل َفتْح)؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء‬ ‫َ‬
‫(احلقّ ) يف جميع �أغرا�ض الدعاء‪ ،‬ومن ذلك ا�ستفتاح‬ ‫اهلل‪ ،‬والتو�سل �إليه‪ ،‬والثناء عليه با�سم َ‬
‫الر�سول اهلل ‪� ¤‬صالته من الليل‪( :‬اللهم لك احلمد‪� ،‬أنت نور ال�سماوات والأر�ض ومن‬
‫فيهن‪ ،‬ولك احلمد‪� ،‬أنت قيم ال�سماوات والأر�ض ومن فيهن‪ ،‬ولك احلمد‪� ،‬أنت احلق‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ووعدك حق‪ ،‬وقولك حق‪ ،‬ولقا�ؤك حق‪ ،‬واجلنة حق‪ ،‬والنار حق‪ ،‬وال�ساعة حق‪،‬‬
‫والنبيون حق‪ ،‬وحممد حق‪ ،‬اللهم لك �أ�سلمت‪ ،‬وعليك توكلت‪ ،‬وبك �آمنت‪ ،‬و�إليك‬
‫�أنبت‪ ،‬وبك خا�صمت‪ ،‬و�إليك حاكمت‪ ،‬فاغفر يل ما قدمت وما �أخرت‪ ،‬وما �أ�سررت‬
‫كم ‪ -‬ال َفت َُّاح)‪ ،‬فللم�سلم �أن يدعو‬
‫احل ُ‬ ‫وما �أعلنت ‪ ،)56()..‬و�أما �أ�سما�ؤه (املُ ِب ُ‬
‫ني ‪ -‬ا ْل َها ِدي ‪َ -‬‬
‫مبا �شاء من �أغرا�ض الدعاء التي تنا�سب معاين تلك الأ�سماء‪ ،‬كمن كان عاجز ًا عن بيان‬
‫حجته‪� ،‬أو كان يف حاجة لبيان م�س�ألة قد �أ�شكلت عليه‪� ،‬أو كان مظلوم ًا وال يجد دلي ًال لرباءته‪،‬‬
‫�أو �سند ًا لتنفيذ ما حكم له‪� ،‬أو الدعاء بالهداية للطريق امل�ستقيم‪ ،‬ومن ذلك قوله تعالى‪:‬‬
‫} ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ{[البقرة‪ ،]69:‬وقوله تعالى‪} :‬ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ{[الفاحتة‪ ،]6:‬وقوله تعالى‪ } :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬
‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ{[الأعراف‪ ،]43:‬وقوله ‪-‬تعالى‪ -‬عن نوح ‪ } :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ‬
‫ﮉ ﮊ{[ال�شعراء‪ ،]118:‬ويف الأثر من حديث عمر ‹‪ ،‬قال‪« :‬اللهم بني لنا يف‬
‫(‪ )56‬رواه البخاري برقم (‪.)6317‬‬
‫كم ‪ -‬الفَ َّت ُ‬
‫اح‬ ‫الح ُ‬ ‫هادِ ُ‬
‫ي‪َ -‬‬ ‫المب ُ‬
‫ِين ‪ -‬ا ْل َ‬ ‫الح ُّ‬
‫ق‪ُ -‬‬ ‫المجموعة الحادية والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪395‬‬

‫اخلمر بيان �شفاء‪ ،‬فنزلت التي يف البقرة‪} :‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ‬


‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ{ [البقرة‪َ ،]219:‬فد ُِع َي عمر‬
‫فقرئت عليه‪ ،‬قال‪ :‬اللهم بني لنا يف اخلمر بيان �شفاء‪ ،‬فنزلت التي يف الن�ساء‪} :‬ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ{[الن�ساء‪،]43:‬‬
‫َفد ُِع َي عمر فقرئت عليه‪ ،‬ثم قال‪ :‬اللهم بني لنا يف اخلمر بيان �شفاء‪ ،‬فنزلت التي يف‬
‫املائدة‪} :‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ{ [املائدة‪َ ،]91:‬فدُعِ َي عمر فقرئت عليه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫�أنها �سئلت‪ :‬ب�أي �شيء كان نبي اهلل ‪ ¤‬يفتتح‬ ‫انتهينا انتهينا»(‪ ،)57‬وحديث عائ�شة‬
‫�صالته �إذا قام من الليل؟‪ ،‬قالت‪ :‬ك��ان �إذا ق��ام من الليل افتتح �صالته ‪( :‬اللهم رب‬
‫جربائيل وميكائيل و�إ�سرافيل‪ ،‬فاطر ال�سماوات والأر�ض‪ ،‬عامل الغيب وال�شهادة‪� ،‬أنت‬
‫حتكم بني عبادك فيما كانوا فيه يختلفون‪ ،‬اهدين ملا اختلف فيه من احلق ب�إذنك‬
‫�إنك تهدي من ت�شاء �إلى �صراط م�ستقيم)(‪ ،)58‬وحديث علي ‹‪ ،‬قال‪ :‬قال يل ر�سول‬
‫اهلل ‪( :¤‬قل‪ :‬اللهم اهدين و�سددين‪ ،‬واذكر بالهدى هدايتك الطريق‪ ،‬وال�سداد‬
‫�سداد ال�سهم)(‪.)59‬‬
‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬
‫إبراهيم �أباه �آز َر يو َم القيامةِ ‪ ،‬وعلى وجه �آز َر‬
‫ُ‬ ‫‪ æ‬قال النبي ‪( :¤‬يلقى �‬
‫تع�صني!‪ ،‬فيقول �أبوه‪ :‬فاليو َم ال‬ ‫إبراهيم‪� :‬أمل � ُأقلْ لك ال ِ‬
‫ُ‬ ‫قترَ ٌة وغبرَ ٌة‪ ،‬فيقول له �‬
‫رب!‪� ،‬إنك وعد َتني �أن ال تُخز َيني يو َم ُيبعثون‪ ،‬ف� ُّأي‬ ‫إبراهيم‪ :‬يا ِّ‬
‫ُ‬ ‫�أَع�صيك‪ ،‬فيقول �‬
‫اجلنة على الكافرين‪،‬‬ ‫َ‬ ‫مت‬ ‫أبعد ؟ فيقول ُ‬
‫اهلل تعالى‪� :‬إين ح َّر ُ‬ ‫خزي �أخزى من �أبي ال ُ‬ ‫ٍ‬
‫(‪ )57‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (‪.)2442‬‬
‫(‪ )58‬رواه م�سلم برقم (‪.)770‬‬
‫(‪ )59‬رواه م�سلم برقم (‪.)2725‬‬
‫‪396‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ؤخذ‬ ‫إبراهيم‪ ،‬ما حتت رج َليك؟ فينظر‪ ،‬ف�إذا هو بذِ ٍ‬


‫يخ ُمتلطِّ ٍخ(‪ ،)60‬في� ُ‬ ‫ُ‬ ‫ثم يقال‪ :‬يا �‬
‫بقوائمِه ف ُيلقَى يف النَّا ِر)(‪.)61‬‬
‫‪ æ‬جاء الأخن�س بن �شريق �إلى �أبي جهل بن ه�شام فقال له‪« :‬يا �أبا احلكم ما ر�أيك‬
‫فيما �سمعت من حممد؟‪ ،‬قال‪ :‬ماذا �سمعت؟‪ ،‬تنازعنا نحن وبنو عبد مناف ال�شرف‪،‬‬
‫�أطعموا ف�أطعمنا‪ ،‬وحملوا فحملنا‪ ،‬و�أعطوا ف�أعطينا‪ ،‬حتى �إذا جتاثينا على الركب‪،‬‬
‫وكنا كفر�سي ره��ان‪ ،‬قالوا منا نبي ي�أتيه الوحي من ال�سماء‪ ،‬فمتى ندرك هذه؟!‪،‬‬
‫واهلل ال ن�ؤمن به �أبدا وال ن�صدّقه‪ ،‬فقام عنه الأخن�س وتركه»(‪.)62‬‬
‫‪ æ‬ملا اختار عقبة بن نافع مو�ضعا ملدينة القريوان‪ ،‬قال له �أ�صحابه‪�« :‬إنك �أمرتنا‬
‫ببناء يف �شعار وغيا�ض ال ترام‪ ،‬ونحن نخاف من ال�سباع واحليات وغري ذلك من دواب‬
‫ال من �أ�صحاب ر�سول اهلل ‪ ¤‬و�سائرهم‬ ‫الأر�ض!‪ ،‬وكان يف ع�سكره ثمانية ع�شر رج ً‬
‫من التابعني‪ .‬فدعا اهلل �سبحانه‪ ،‬و�أ�صحابه ي�ؤمنون على دعائه‪ ،‬وم�ضى �إلى ال�سبخة‬
‫وواديها ونادى‪� :‬أيتها احليات وال�سباع نحن �أ�صحاب ر�سول اهلل ‪ ¤‬فارحلوا عنا‪ ،‬ف�إ ّنا‬
‫نازلون‪ ،‬ومن وجدناه بعد هذا قتلناه!‪ ،‬فنظر النا�س بعد ذلك �إل��ى �أم��ر معجب!‪،‬‬
‫من �أن ال�سباع تخرج من ال�شعار وهي حتمل �أ�شبالها �سمعاً وطاعة!‪ ،‬والذئب يحمل‬
‫جروه‪ ،‬واحلية حتمل �أوالدها‪ ،‬ونادى يف النا�س‪ :‬كفوا عنهم حتى يرحلوا عنا!‪ ،‬فلما‬
‫خرج ما فيها من الوح�ش وال�سباع والهوام‪� ،‬أمرهم �أن يقطعوا ال�شجر ف�أقام �أهل‬
‫�أفريقية بعد ذلك �أربعني عاما ال يرون فيها حي ًة �أو عقرباً وال �سبعاً!‪ ،‬فاختط عقبة‬
‫(‪ )60‬الذيخ‪ :‬ال�ضبع كثري ال�شعر‪ .‬متلطخ‪� :‬أي �أنه قد مترغ ب�شيء فتلطخ به وقيل �أن هذا ال�شيء رجيع �أو دم �أو طني‪ ،‬قال ابن‬
‫حجر‪« :‬وقد عينت الرواية الأخرى املراد و�أنه االحتمال الأول (الرجيع) حيث قال‪( :‬فيتمرغ يف نتنه)»‪ ،‬وعن احلكمة من ذلك‬
‫علق ابن حجر فقال‪ :‬قيل احلكمة يف م�سخة لتنفر نف�س �إبراهيم منه ولئال يبقى يف النار على �صورته فيكون فيه غ�ضا�ضة على‬
‫�إبراهيم وقيل احلكمة يف م�سخه �ضبعا �أن ال�ضبع من �أحمق احليوان و�آزر كان من �أحمق الب�شر لأنه بعد �أن ظهر له من ولده‬
‫من الآيات البينات �أ�صر على الكفر حتى مات‪ .‬انظر (فتح الباري) البن حجر (�ص‪ )2082 :‬عند �شرح احلديث رقم (‪.)4769‬‬
‫(‪ )61‬رواه البخاري برقم (‪ )3350‬وبرقم (‪.)4769‬‬
‫(‪�( )62‬سرية النبي ‪ )¤‬البن ه�شام (جـ ‪� - 1 :‬ص‪.)338 :‬‬
‫كم ‪ -‬الفَ َّت ُ‬
‫اح‬ ‫الح ُ‬ ‫هادِ ُ‬
‫ي‪َ -‬‬ ‫المب ُ‬
‫ِين ‪ -‬ا ْل َ‬ ‫الح ُّ‬
‫ق‪ُ -‬‬ ‫المجموعة الحادية والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪397‬‬

‫�أوال دار الإمارة ثم �أتى �إلى مو�ضع امل�سجد الأعظم فاختطه‪ ،‬فاختلف عليه النا�س‬
‫يف القبلة! وقالوا‪� :‬إن جميع �أهل املغرب �سي�ضعون قبلتهم على قبلة هذا امل�سجد‪،‬‬
‫ف�أجهد نف�سك يف تقوميها!‪ ،‬ف�أقاموا �أياما ينظرون �إلى مطالع ال�شتاء وال�صيف من‬
‫النجوم وم�شارق ال�شم�س‪ ،‬فلما ر�أى �أمرهم قد اختلف بات مغموماً!‪ ،‬فدعا اهلل‬
‫�أن يفرج عنهم‪ ،‬ف�أتاه �آت يف منامه فقال له‪� :‬إذا �أ�صبحت فخذ اللواء يف يدك‪ ،‬واجعله‬
‫على عنقك‪ ،‬ف�إنك ت�سمع بني يديك تكبرياً‪ ،‬وال ي�سمعه �أحد من امل�سلمني غريك‪،‬‬
‫فانظر املو�ضع الذي ينقطع عنك فيه التكبري‪ :‬فهو قبلتك وحمرابك!‪ .‬فا�ستيقظ‬
‫من منامه‪ ،‬فتو�ض�أ لل�صالة‪ ،‬و�أخذ ي�صلي وهو يف امل�سجد ومعه �أ�شراف النا�س‪ ،‬فلما‬
‫�أفجر ال�صبح و�صلى ركعتي ال�صبح بامل�سلمني �إذا بالتكبري بني يديه! فقال ملن حوله‪:‬‬
‫�أت�سمعون ما �أ�سمع؟‪ ،‬فقالوا‪ :‬ال!‪ ،‬فعلم �أن الأمر من عند اهلل‪ ،‬ف�أخذ اللواء فو�ضعه‬
‫على عنقه و�أقبل يتبع التكبري حتى و�صل �إلى مو�ضع املحراب فانقطع التكبري فركز‬
‫لواءه وقال‪ :‬هذا حمرابكم!‪ ،‬فاقتدى به �سائر م�ساجد املدينة ثم �أخذ النا�س يف بناء‬
‫الدور وامل�ساكن وامل�ساجد وعمرت القريوان»(‪.)63‬‬
‫‪ æ‬يقول ابن القيم‪�« :‬شهدت �شيخ الإ�سالم ‪ -‬ق ّد�س اهلل روحه ‪� -‬إذا �أَ ْع َي ْته امل�سائل‪،‬‬
‫وا�ست�صعبت عليه‪ ،‬فر منها �إلى التوبة واال�ستغفار‪ ،‬واال�ستغاثة باهلل‪ ،‬واللج�أ �إليه‪،‬‬
‫وا�ستنزال ال�صواب من عنده‪ ،‬واال�ستفتاح من خزائن رحمته‪ ،‬فقلما يلبث املدد‬
‫الإلهي �أن يتتابع عليه مدًا‪ ،‬وتزدلف الفتوحات الإلهية �إليه ب�أيتهن يبد�أ»(‪.)64‬‬
‫‪� æ‬س�أل بع�ض الدهرية (امللحدين) الإمام ال�شافعي عن دليل ال�صانع (وجود اهلل)؟‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ورق��ة الفر�صاد(‪ ،)65‬ت�أكلها دودة القز فيخرج منها الإبري�سم(‪ ،)66‬والنحل‬
‫(‪( )63‬البيان املغرب يف �أخبار الأندل�س واملغرب) البن عذاري املراك�شي (جـ‪� – 1:‬ص‪.)21 – 20 :‬‬
‫(‪�( )64‬إعالم املوقعني عن رب العاملني) البن القيم (جـ ‪� - 4 :‬ص‪.)172 :‬‬
‫(‪ )65‬الفر�صاد‪ :‬التوت‪� ،‬أي ورق �شجرة التوت‪ ،‬وهو طعام دود القزّ‪.‬‬
‫(‪ )66‬الإِ ْب َر ْي َ�سم‪َ :‬‬
‫احل ِر ِير‪.‬‬
‫‪398‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫فيكون منها الع�سل‪ ،‬والظباء فينعقد يف نوافجها(‪ )67‬امل�سك‪ ،‬وال�شاء فيكون منها‬
‫البعر‪ ،‬ف�آمنوا كلهم وكانوا �سبعة ع�شر!‪ .‬وقيل لأعرابي‪ :‬مب عرفت ربك؟!‪ ،‬فقال‪ :‬البعرة‬
‫تدل على البعري‪ ،‬والروث يدل على احلمري‪ ،‬و�آثار الأقدام تدل على امل�سري‪ ،‬ف�سماء‬
‫ذات �أبراج‪ ،‬وبحار ذات �أمواج‪� ،‬أما يدل ذلك على العليم القدير؟!»(‪.)68‬‬
‫‪ æ‬قال عون بن عبداهلل بن عتبة‪« :‬اخلري من اهلل كثري‪ ،‬ولكنه ال يب�صره من‬
‫النا�س �إال ي�سري‪ ،‬وهو للنا�س من اهلل معرو�ض‪ ،‬ولكنه ال يب�صره من ال ينظر اليه‪،‬‬
‫وال يجده من ال يبتغيه‪ ،‬وال ي�ستوجبه من ال يعلم ب��ه‪� ،‬أمل ت��روا ال��ى ك�ثرة جنوم‬
‫ال�سماء ف�إ ّنه ال يهتدي بها �إال العلماء!»(‪.)69‬‬
‫‪ æ‬قال ابن القيم‪« :‬كل من �أعر�ض عن �شيء من احلق وجحده‪ ،‬وقع يف باطل‬
‫مقابل ملا �أعر�ض عنه من احل��ق وجحده وال ب��د‪ ،‬حتى يف الأع�م��ال‪ :‬من رغ��ب عن‬
‫العمل لوجه اهلل وحده؛ ابتاله اهلل بالعمل لوجوه اخللق‪ .‬فمن رغب عن العمل ملن‬
‫�ضره ونفعه وموته وحياته و�سعادته بيده ابتلي بالعمل ملن ال ميلك له �شيئا من‬
‫ذلك‪ .‬وكذلك من رغب عن �إنفاق ماله يف طاعة اهلل ابتلي ب�إنفاقه لغري اهلل وهو‬
‫راغم‪ .‬وكذلك من رغب عن التعب هلل ابتلي بالتعب يف خدمه اخللق وال بد‪ .‬وكذلك‬
‫من رغب عن الهدى بالوحي ابتلي بكنا�سة الآراء وزبالة الأذهان وو�سخ الأفكار»(‪.)70‬‬
‫‪ æ‬قال تعالى‪ } :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ{[النازعات‪ ،]19:‬قال ابن القيم‪�« :‬أي �إذا‬
‫اهتديت �إليه وعرفته‪ :‬خ�شيته‪ ،‬لأن من عرف اهلل خافه‪ ،‬ومن مل يعرفه مل َي َخفه‪،‬‬
‫فخ�شيته – تعالى ‪ -‬مقرونة مبعرفته‪ ،‬وعلى قدر املعرفة تكون اخل�شية»(‪.)71‬‬

‫(‪ )67‬النوافج‪ :‬وعاء امل�سك يف ج�سم الظبي (الغزال)‪ ،‬وهو عبارة عن ورم وجتمع دموي غليظ �أ�سود يكون يف بطن الظبي قرب ال�سرة‪.‬‬
‫(‪( )68‬نفح الطيب من غ�صن الأندل�س الرطيب) للتلم�ساين (جـ‪� – 5‬ص‪.)289 – 288 :‬‬
‫(‪( )69‬حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ‪� – 4 :‬ص‪.)245 :‬‬
‫(‪( )70‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ‪� – 1:‬ص‪.)165:‬‬
‫(‪( )71‬التبيان يف �أميان القر�آن) للإمام ابن القيم (�ص‪.)220:‬‬
‫ب ‪ -‬الد َّي ُ‬
‫ان‬ ‫هيد ‪ -‬ا ْل َحاسِ ُ‬
‫ُ‬ ‫قيب ‪َّ -‬‬
‫الش‬ ‫ُ‬ ‫المجموعة الثانية والعشرون ‪ :‬ال َّر‬ ‫‪399‬‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ ‪22‬ـــــــــة‬
‫ا�س َب ُة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬املُ َح َ‬
‫(‪)78 - 77 - 76 - 75‬‬
‫ا�س ُب ‪ -‬الد َّي ُان‬ ‫هيد ‪ -‬الحْ َ ِ‬ ‫قيب ‪َّ -‬‬
‫ال�ش ُ‬ ‫ال َّر ُ‬
‫‪400‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الـمجـمـوعـ ‪22‬ـة‬
‫ا�س َب ُة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬املُ َح َ‬
‫(‪) 78 - 77 - 76 - 75‬‬
‫هيد ‪ -‬الحْ َ ِ‬
‫ا�س ُب ‪ -‬الد َّي ُان‬ ‫ال�ش ُ‬ ‫قيب ‪َّ -‬‬ ‫ال َّر ُ‬
‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫قيب‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 3‬مرات) منها قوله تعالى‪ }:‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬ ‫‪ æ‬ال َّر ُ‬
‫قال‪ :‬خطب ر�سول اهلل ‪¤‬‬ ‫ﮒ ﮓ{[الأحزاب‪ ،]52:‬ومن ال�سنة حديث ابن عبا�س‬
‫فقال‪( :‬يا �أيها النا�س‪� ،‬إنكم حم�شورون �إلى اهلل حفاة عراة ُغ ْر ًال)(‪ ،)1‬ثم قر�أ‪ } :‬ﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ{[الأنبياء‪� ،]104:‬أال و�إن �أول‬
‫اخلالئق يك�سى يوم القيامة �إبراهيم‪� ،‬أال و�إنه يجاء برجال من �أمتي في�ؤخذ بهم‬
‫ذات ال�شمال‪ ،‬ف�أقول‪ :‬يا رب �أُ َ�ص ْي َحا ِبي‪ ،‬فيقال‪� :‬إنك ال تدري ما �أحدثوا بعدك‪،‬‬
‫ف�أقول كما قال العبد ال�صالح‪ } :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ{[املائدة‪ ،]117:‬فيقال‪� :‬إن ه���ؤالء مل‬
‫يزالوا مرتدين على �أعقابهم منذ فارقتهم)(‪.)2‬‬
‫ال�شهيدُ ‪ :‬ورد اال�سم الكرمي يف القر�آن العظيم (‪ 19‬مرة)‪ ،‬منها قوله تعالى‪ }:‬ﯺ‬
‫‪َّ æ‬‬
‫ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ{[ف�صلت‪ ،]53:‬ومن ال�سنة ما ورد يف احلديث ال�سابق‪.‬‬
‫ا�س ُب‪ :‬ورد اال�سم الكرمي يف القر�آن العظيم مرتني‪ ،‬يف قوله تعالى‪}:‬ﭪ‬
‫‪ æ‬الحْ َ ِ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ{[الأنبياء‪ ،]47:‬وقوله تعالى‪ } :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ{[الأنعام‪ ،]62:‬ومل يرد اال�سم يف ال�سنة‬
‫(‪ )1‬غرال‪ :‬جمع الأَ ْغ َرل‪ ،‬وهو الأَ ْقلف غري املخنت‪ ،‬واملق�صود‪� :‬أَي ُق ْلف ًا؛ غري مخَ ْ تُو ِننيَ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري برقم (‪.)4625‬‬
‫ب ‪ -‬الد َّي ُ‬
‫ان‬ ‫هيد ‪ -‬ا ْل َحاسِ ُ‬
‫ُ‬ ‫قيب ‪َّ -‬‬
‫الش‬ ‫ُ‬ ‫المجموعة الثانية والعشرون ‪ :‬ال َّر‬ ‫‪401‬‬

‫ب�سند �صحيح‪ ،‬وقد ع ّده بع�ض العلماء و�أدرج��ه �ضمن �أ�سماء اهلل احل�سنى‪ ،‬مثل الإمام‬
‫القرطبي‪ ،‬وال�شيخ عبداهلل بن �صالح الغ�صن‪ ،‬وال�شيخ حممد احلمود النجدي‪ ،‬والأكرث مل‬
‫يدرجه �ضمن الأ�سماء‪ ،‬و�إن ُاعترب معناه �ضمن معاين ا�سمه ‪�-‬سبحانه (احل�سيب)‪.‬‬
‫‪ æ‬الد َّيانُ ‪ :‬مل يرد هذا اال�سم الكرمي يف القر�آن العظيم‪ ،‬و�إمنا ورد يف ُّ‬
‫ال�س َّنة النبوية‪،‬‬
‫من حديث عبد اهلل بن �أني�س اجلهني ‹‪ ،‬قال‪� :‬سمعت ر�سول اهلل ‪ ¤‬يقول‪( :‬يح�شر‬
‫النا�س يوم القيامة ‪� -‬أو قال العباد ‪ -‬عراة ُغ ْر ًال ُب ْه َم ًا!) ‪ ..‬قال‪ :‬قلنا وما ُب ْه َماً؟‪،‬‬
‫قال‪( :‬لي�س معهم �شيء‪ ،‬ثم يناديهم ب�صوت ي�سمعه من قرب‪� :‬أنا امللك‪� ،‬أنا الدَ َّيان‪،‬‬
‫ال ينبغي لأحد من �أهل النار �أن يدخل النار وله عند �أحد من �أهل اجلنة حق‪ ،‬حتى‬
‫�أق�صه منه‪ ،‬وال ينبغي لأحد من �أهل اجلنة �أن يدخل اجلنة ولأحد من �أهل النار‬
‫عنده حق حتى �أق�صه منه‪ ،‬حتى اللطمة)‪ ،‬قال‪ :‬قلنا‪ :‬كيف‪ ،‬و�إمنا ن�أتي عراة غر ًال‬
‫ُب ْه َماً؟!‪ ،‬قال‪( :‬احل�سنات وال�سيئات)(‪.)3‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬


‫قيب‪�« :‬صفة م�شبهة للمو�صوف بالرقابة‪ ،‬فعله ر َق َب َير ُقب َرقاب ًة»(‪،)4‬‬
‫‪ æ‬ال َّر ُ‬
‫«والرقابة‪ :‬احلفظ واحلرا�سة واالنتظار مع احلذر والرتقب ‪ ..‬والرقيب‪ :‬املوكل‬
‫بحفظ ال�شيء‪ ،‬املرت�صد له املتحرز عن الغفلة فيه»(‪.)5‬‬
‫‪َّ æ‬‬
‫ال�شهيدُ ‪�« :‬صيغة مبالغة من ا�سم الفاعل ال�شاهد‪ ،‬فعله َ�ش ِه َد َي�ش َه ُد �شهودا‬
‫و�شهادة‪ ،‬وال�شهود هو احل�ضور مع ال��ر�ؤي��ة وامل�شاهدة‪ ،‬وال�شهادة هي الإِخ�ب��ار مبا‬
‫�شا َهدَ»(‪« .)6‬وال�شهيد يف اللغة‪ :‬ال�شاهد الذي ي�شهد مبا عاين وح�ضر»(‪.)7‬‬
‫(‪ )3‬رواه الإمام �أحمد وح�سنه الألباين يف �صحيح الرتغيب برقم (‪.)3608‬‬
‫(‪ )4‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ر ق ب)‪.‬‬
‫(‪�( )5‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .) 610:‬الرقيب)‬
‫(‪�( )6‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .) 523:‬ال�شهيد)‬
‫(‪( )7‬ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص‪.)132 :‬‬
‫‪402‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ح�سب حِ �ساباً‪ ،‬فهو حا�سِ ب‪،‬‬ ‫‪ æ‬الحْ َ ِ‬


‫ا�س ُب‪« :‬ا�سم فاعل من َح َ�س َب‪ ،‬فعله َح َ�س َب َي ُ‬
‫وح َ�س َب ال�شيءَ‪ :‬عدّه و�أح�صاه»(‪ ،)8‬قال الر�ضواين عند حديثه عن �أحد معاين ا�سم اهلل‬ ‫َ‬
‫(احل�سيب) «وهو املو�صوف مبحا�سبة غريه‪ ،‬واحل�ساب �ضبط العدد‪ ،‬وبيان مقادير‬
‫الأ�شياء املعدودة»(‪.)9‬‬
‫‪ æ‬الد َّيانُ ‪�« :‬صيغة مبالغة على وزن ف َّعال‪ ،‬فعله دَا َن َيدين َد ْيناً ‪ ..‬و(الد َّيانُ )‬
‫يطلق على امللك امل�ط��اع‪ ،‬واحل��اك��م والقا�ضي‪ ،‬وه��و ال��ذي يدين النا�س؛ �إم��ا مبعنى‬
‫يقهرهم‪ ،‬و�إما مبعنى يحا�سبهم ‪ ..‬ويوم الدين‪� :‬أي يوم اجلزاء‪ ،‬ومن ذلك قوله تعالى‪:‬‬
‫}ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ{ [ال�صافات‪ ،]53:‬جمزيون حما�سبون‪ ،‬وقوله‬
‫تعالى‪} :‬ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ{[الواقعة‪،]87-86:‬‬
‫مقهورين ومُد َّبرين ومجَ ْ زيِّني»(‪ ،)10‬قال اخلطابي‪(« :‬الد َّيانُ ) املجازي‪ ،‬يقال‪ِ :‬د ْنتُ‬
‫الرجل �إذا جزيته‪ ،‬وال ِّدين‪ :‬اجلزاء‪ ،‬ومنه املثل‪ :‬كما تدين تدان»(‪.)11‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬
‫قيب‪ :‬املطلع على ال�ضمائر‪ ،‬الذي يعلم ويرى‪ ،‬وال يخفى عليه ال�سر والنجوى‪،‬‬
‫‪ æ‬ال َّر ُ‬
‫قال القرطبي‪« :‬فهو ‪�-‬سبحانه (رقيب) ‪ ..‬حتت رِقبته الكليات واجلزئيات وجميع‬
‫اخلفيات يف الأر�ضني وال�سماوات‪ ،‬وال َخف َِّي عنده‪ ،‬بل جميع املوجودات كلها على ٍ‬
‫منط‬
‫قيب)‪ :‬املراقب‬ ‫واحدٍ ‪ ،‬يف �أنها حتت رِقبته التي هي من �صفته»(‪ ،)12‬وقال ابن كثري‪(« :‬ال َّر ُ‬
‫قيب)‪ :‬املطلع على ما �أك َّنته‬
‫جلميع �أحوالكم و�أعمالكم»(‪ ،)13‬وقال ال�شيخ ال�سعدي‪(« :‬ال َّر ُ‬
‫ال�صدور‪ ،‬القائم على كل نف�س مبا ك�سبت‪ ،‬الذي حفظ املخلوقات و�أجراها على �أح�سن‬
‫نظام و�أكمل تدبري»(‪.)14‬‬
‫(‪ )8‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ر ق ب)‪.‬‬
‫(‪�( )9‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( )620:‬احل�سيب)‪.‬‬
‫(‪�( )10‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( )571:‬الد َّيان)‪.‬‬
‫(‪�( )11‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)105:‬‬
‫(‪( )12‬الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي ‪ -‬حتقيق‪ :‬حممد ح�سن جبل وطارق �أحمد حممد (جـ‪�-1:‬ص‪.)402:‬‬
‫(‪( )13‬تف�سري القر�آن الكرمي) البن كثري عند تف�سري الآية (‪ )1‬من �سورة الن�ساء‪.‬‬
‫(‪ )14‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)18 :‬‬
‫ب ‪ -‬الد َّي ُ‬
‫ان‬ ‫هيد ‪ -‬ا ْل َحاسِ ُ‬
‫ُ‬ ‫قيب ‪َّ -‬‬
‫الش‬ ‫ُ‬ ‫المجموعة الثانية والعشرون ‪ :‬ال َّر‬ ‫‪403‬‬

‫‪َّ æ‬‬
‫ال�شهيدُ ‪« :‬املطلع على ما ال يعلمه املخلوقون �إال بال�شهود وهو احل�ضور»(‪ ،)15‬قال‬
‫ال�شهيدُ )‪ :‬ال��ذي ال يغيب عنه �شيء‪� ..‬أي �أن��ه حا�ضر ي�شاهد الأ�شياء‬‫ابن الأث�ير‪َّ (« :‬‬
‫ال�شهيدُ )‪ :‬الذي ال يغيب عنه �شيء‪ ،‬وال يعزب عنه‬ ‫ويراها»(‪ ،)16‬وقال ابن القيم‪َّ (« :‬‬
‫مثقال ذرة يف الأر�ض وال يف ال�سماء‪ ،‬بل هو مطلع على كل �شيء‪ ،‬م�شاهد له‪ ،‬عليم‬
‫بتفا�صيله»(‪ ،)17‬وقال ال�سعدي‪َّ (« :‬‬
‫ال�شهيدُ ) املطلع على جميع الأ�شياء‪� ،‬سمع جميع‬
‫الأ��ص��وات؛ خفيها وجليها‪ ،‬و�أب�صر جميع امل��وج��ودات؛ دقيقها وجليلها‪� ،‬صغريها‬
‫وكبريها‪ ،‬و�أحاط علمه بكل �شيء‪ ،‬الذي �شهد لعباده وعلى عباده مبا عملوه»(‪.)18‬‬
‫ا�س ُب‪« :‬الذي �أح�صى كل �شيء‪ ،‬ال يفوته مثقال ذرة»(‪ ،)19‬قال ابن جرير‬ ‫‪ æ‬الحْ َ ِ‬
‫الطربي‪ْ �}َ « :‬أ�س َر ُع الحْ َ ِا�س ِبنيَ{ �أي �أ�سرع من ح�سب عددكم و�أعمالكم و�آجالكم وغري‬
‫ذلك من �أموركم �أيها النا�س‪ ،‬و�أح�صاها وعرف مقاديرها ومبالغها؛ لأنه ال يح�سب‬
‫بعقد َيدٍ ‪ ،‬ولكنه يعلم ذلك‪ ،‬وال يخفى عليه منه خافية»(‪ ،)20‬وقال ال�شيخ ال�سعدي‪:‬‬
‫ا�سب ًا) �أي‪ :‬عاملا ب�أعمال العباد‪ ،‬حافظا لها‪ ،‬مثبتاً لها يف الكتاب‪ ،‬عاملاً‬
‫«كفى به ( َح ِ‬
‫ال للعمال جزاءها»(‪.)21‬‬‫مبقاديرها ومقادير ثوابها وعقابها وا�ستحقاقها‪ ،‬مو�ص ً‬
‫‪ æ‬الد َّيانُ ‪« :‬املحا�سب املجازي‪ ،‬ال ُي ِ�ضيع عمل عامل»(‪ ،)22‬قال القرطبي‪« :‬وهو‬
‫(الد َّيانُ ) املجازي‪ ،‬ويف احلديث‪( :‬الك ِّي�س من دان نف�سه)(‪� )23‬أي حا�سب»(‪ ،)24‬وقال‬
‫ابن القيم‪َ }« :‬ي ْو ِم الدِّ ِين{ ف�إنه اليوم الذي يدين اهلل العباد فيه ب�أعمالهم فيثيبهم على‬
‫(‪( )15‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص ‪ )126‬وعزا القول للحليمي‪.‬‬
‫(‪( )16‬جامع الأ�صول) البن الأثري (جـ ‪� - 4 :‬ص‪.)179 :‬‬
‫(‪( )17‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ‪� - 3 :‬ص‪.)466 :‬‬
‫(‪ )18‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)19 :‬‬
‫(‪( )19‬النهج الأ�سماء يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للنجدي (�ص‪.)258 :‬‬
‫(‪( )20‬تف�سري الطربي) عند تف�سري الآية (‪ )62‬من �سورة الأنعام‪.‬‬
‫(‪ )21‬تف�سري (ال�سعدي) عند تف�سري الآية (‪ )47‬من �سورة (الأنبياء)‪.‬‬
‫(‪( )22‬فتح الباري) البن حجر (جـ‪� - 3 :‬ص‪ ،)3340 :‬وعزا القول للحليمي‪.‬‬
‫(‪ )23‬رواه الرتمذي و�ضعفه الألباين يف �ضعيف اجلامع برقم (‪.)4310‬‬
‫(‪ )24‬تف�سري (اجلامع لأحكام القر�آن) للقرطبي (تف�سري �سورة الفاحتة الآية ‪.)4‬‬
‫‪404‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫اخلريات ويعاقبهم على املعا�صي وال�سيئات»(‪ ،)25‬وقال احلليمي‪(« :‬الدَّ َّيانُ ) احلا�سب‬
‫ال‪ ،‬ولكنه يجزي باخلري خرياً وبال�شر �شراً»(‪.)26‬‬ ‫واملجازي‪ ،‬الذي ال ي�ضيع عم ً‬
‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬
‫هيد) حيث �إن (ال َّرقيب) هو‬ ‫قيب) �أعم من ( َّ‬
‫ال�ش ِ‬ ‫قيب ‪َّ -‬‬
‫ال�شهيدُ ‪( :‬ال َّر ُ‬ ‫‪ æ‬ال َّر ُ‬
‫املطلع على جميع الأحوال الظاهرة من الأفعال والأقوال‪ ،‬والباطنة يف ال�ضمائر وال�سرائر‪،‬‬
‫�أما ( َّ‬
‫ال�شهيدُ ) فهو املطلع على الأعمال الظاهرة من الأقوال والأفعال‪ ،‬املح�صي لها‪ ،‬ال�شاهد‬
‫عليها‪ ،‬يقول ال�شيخ الهرا�س‪« :‬ف�إذا كان اهلل رقيباً على دقائق اخلفيات‪ ،‬مطلعاً على ال�سرائر‬
‫والنيات‪ ،‬كان من باب �أولى �شهيداً على الظواهر واجلليات‪ ،‬وهي الأفعال التي تفعل‬
‫بالأركان �أي اجل��وارح»(‪ .)27‬ويقول الغزايل‪ ..« :‬ف�إنه ‪-‬تعالى‪ -‬عامل الغيب وال�شهادة‪،‬‬
‫والغيب عبارة عما بطن‪ ،‬وال�شهادة عبارة عما ظهر‪ ،‬وهو الذي ي�شاهد‪ ،‬ف�إذا اعترب العلم‬
‫مطلقاً فهو العليم ‪ ..‬و�إذا �أ�ضيف �إلى الأمور الظاهرة فهو ال�شهيد»(‪ ،)28‬وقيل‪ّ �« :‬إن‬
‫الرقيب فيه زيادة حفظ‪ ،‬فال�شهيد مطلع �شاهد ينظر �إليه‪ ،‬و�أما الرقيب فهو مطلع‬
‫عليه يحفظ عمله الذي يزاوله ويعمله‪ ،‬فاهلل ‪-‬تبارك وتعالى‪ -‬رقيب �شهيد»(‪.)29‬‬
‫قيب) هو املراقب واملطلع وامل�شاهد على الدوام‪ ،‬الذي ال يغيب عنه‬
‫وميكن �أن يقال‪� :‬أن (ال َّر َ‬
‫�شيء من �أحوال العباد‪ ،‬ي�سمع ويرى‪ ،‬ويعلم ال�سر و�أخفى؛ مما هج�ست به ال�ضمائر �أو حتركت‬
‫به اخلواطر‪ ،‬فاملراقبة دائمة وم�ستمرة يف كل حني وعلى كل حال‪ ،‬حتى ولو كان الإن�سان نائما‪،‬‬
‫قال �سبحانه خماطبا نبيه ‪ } :¤‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ{[ال�شعراء‪ ،]220-217:‬ف�أحاط علمه‬
‫– �سبحانه – بجميع املعلومات‪ ،‬و�أحاط ب�صره بكل املب�صرات‪ ،‬و�سمعه بجميع امل�سموعات‪،‬‬
‫(‪( )25‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ‪� - 1:‬ص‪.)12 :‬‬
‫(‪( )26‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص ‪ )195‬وعزا القول للحليمي‪.‬‬
‫(‪�( )27‬شرح الق�صيدة النونية) للدكتور حممد خليل هرا�س (جـ‪� - 2:‬ص‪.)89 :‬‬
‫(‪( )28‬املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص‪.)112 :‬‬
‫(‪ )29‬من �شريط (مراقبة اهلل) لل�شيخ خالد ال�سبت‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الد َّي ُ‬
‫ان‬ ‫هيد ‪ -‬ا ْل َحاسِ ُ‬
‫ُ‬ ‫قيب ‪َّ -‬‬
‫الش‬ ‫ُ‬ ‫المجموعة الثانية والعشرون ‪ :‬ال َّر‬ ‫‪405‬‬

‫قيب) الذي ال يغيب عنه �شيء يف الأر�ض وال يف ال�سموات‪� .‬أما ( َّ‬
‫ال�شهيدُ ) فهو‬ ‫وهو (ال َّر ُ‬
‫متعلق ب�إح�صاء الأعمال التي ت�ستحق املحا�سبة‪ ،‬والثواب �أو العقاب‪ ،‬والإخبار عنها‪ ،‬و�إقامة‬
‫احلجة عليها؛ فمتى ما عمل االن�سان عمال قلبيا �أو قوليا �أو فعليا؛ فاهلل (�شهيد) عليه‪،‬‬
‫هيد) ولذا قال اهلل تعالى على ل�سان عبده ور�سوله‬ ‫قيب) �أعم من ( َّ‬
‫ال�ش ِ‬ ‫وبهذا املعنى فـ(ال َّر ُ‬
‫عي�سى بن مرمي ‪} :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ {‪� :‬أي معاين ًا لأحوالهم‪ ،‬و�شاهد ًا عليهم‪ ،‬ومانعا لهم من خمالفة‬
‫�أمر اهلل تعالى ما دمت مقيم ًا فيهم‪ } ،‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ{‪ :‬املراقب‬
‫لأعمالهم على الدوام‪} ،‬ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ{[املائدة‪ ،]117:‬مما كان وما �سيكون من‬
‫هيد) ب�إح�صاء‬ ‫الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة‪ ،‬وقريب من هذا املعنى ‪ -‬يف تعلق ( َّ‬
‫ال�ش ِ‬
‫الأعمال واملحا�سبة و�إقامة احلجة ‪ -‬قوله تعالى‪ }:‬ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽ{[املجادلة‪ ،]6:‬واهلل �أعلم‪.‬‬
‫ا�س ُب) الذي �أح�صى كل �شيء من الأعمال �إح�صا ًء‬ ‫‪ æ‬الحْ َ ِ‬
‫ا�س ُب ‪ -‬الد َّيانُ ‪( :‬الحْ َ ِ‬
‫دقيق ًا‪ ،‬وكتب ما ترتب عليها من ال�سيئات واحل�سنات‪ ،‬وح�سـبك باهلل حا�سبـ ًا وحم�صي ًا‪،‬‬
‫كما قال اهلل �سبحـانــه‪ } :‬ﭽ ﭾ ﭿ{[الأنبياء‪ ،]47:‬وقوله تعالى‪ } :‬ﯵ‬
‫ﯶ ﯷ{[املجادلة‪ ،]6:‬ولذا و�صف املولى حال املجرمني‪ ،‬وخوفهم وفزعهم عند‬
‫ن�شر كتب �أعمالهم‪ ،‬وتعجبهم من دقة الإح�صاء‪ ،‬و�شموله لكل �شيء قد اقرتفته �أيديهم‬
‫وعملته جوارحهم من الأقوال والأفعال ال�صغرية واحلقرية ف�ض ًال عن الكبرية والعظيمة‪،‬‬
‫ف�ضجوا بال�شكوى ل�سوء حالهم وخزيهم وافت�ضاحهم يف ذلك اجلمع‪ ،‬ودعوا على �أنف�سهم‬
‫بالويل والهالك‪ ،‬فما �أعظمه من موقف‪ ،‬وما �أ�شده من خزي وعار؛ حيث اجتمع عليهم‬
‫خوف العقاب من احلق‪ ،‬وخوف الف�ضيحة عند اخللق‪ ،‬فقال تعالى‪} :‬ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮊﮋﮌﮍﮎ‬
‫ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ{[الكهف‪ ،]49:‬وبعد الإح�صاء‬
‫والكتابة يكون اجل��زاء واملحا�سبة للعباد‪ ،‬واحلكم بينهم يوم املعاد‪ ،‬وهو مقت�ضى ا�سمه‬
‫‪406‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪�-‬سبحانه (الد َّيان) �أي املجازي‪ ،‬كما قال �سبحانه‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ{[غافر‪ ،]17:‬يقول القرطبي‪« :‬فيجب على كل‬
‫مكلف �أن يعلم �أن اهلل ‪�-‬سبحانه‪ -‬هو (الد َّيانُ ) يوم القيامة‪ ،‬الذي ُيجازي ك ً‬
‫ال بعمله‪،‬‬
‫فيقت�ص للمظلوم من الظامل‪ ،‬ومن ال�سيد لعبده»(‪.)30‬‬
‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬
‫قيب‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال َّرقيب) «�صفة (الرقابة) وهي‬
‫‪ æ‬ال َّر ُ‬
‫من �صفات اهلل الذاتية الثابتة بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)31‬قال تعالى‪ } :‬ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ{[املائدة‪ ،]117:‬ومن ال�سنة ما ورد يف‬
‫حديث ابن عبا�س الآنف الذكر‪�..( :‬إنكم حم�شورون �إلى اهلل حفاة عراة ُغ ْر ًال‪)..‬‬
‫ال�شهيد) «�صفة (ال�شهادة)‬ ‫ال�شهيدُ ‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه ( َّ‬ ‫‪َّ æ‬‬
‫وهي من �صفات اهلل الذاتية الثابتة بالكتاب وال�سنة»(‪ .. )32‬قال تعالى‪}:‬ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ {[�آل عمران ‪ ،]18 :‬ومن ال�سنه قوله ‪ ¤‬يف حجة ال��وداع‪ ..(:‬اللهم‬
‫ا�شهد! فليبلغ ال�شاهد الغائب‪.)33()..‬‬
‫ا�سب) «�صفة (املحا�سبة)‬ ‫‪ æ‬الحْ َ ِ‬
‫ا�س ُب‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (الحْ َ ِ‬
‫وه��ي من �صفات اهلل الفعلية»(‪ .. )34‬قال تعالى‪}:‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ{[الطالق‪ ،]8:‬وقوله تعالى‪} :‬ﯲ‬
‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ{[الغا�شية‪ ،]26-25:‬ومن ال�سنه قول عائ�شة ‪:‬‬
‫�سمعت ر�سول اهلل ‪ ¤‬يقول يف بع�ض �صالته‪( :‬اللهم حا�سبني ح�سابا ي�سري ًا)‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫يا نبي اهلل‪ ،‬ما احل�ساب الي�سري؟‪ ،‬قال‪�( :‬أن ينظر يف كتابه‪ ،‬فيتجاوز عنه‪� ،‬إنه من‬
‫(‪( )30‬الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي ‪ -‬حتقيق‪ :‬حممد ح�سن جبل وطارق �أحمد حممد (جـ‪�-1:‬ص‪.)421-420:‬‬
‫(‪�( )31‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)612 :‬الرقيب)‪.‬‬
‫(‪�( )32‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( )525:‬ال�شهيد)‪.‬‬
‫(‪ )33‬رواه البخاري برقم (‪ ،)7078‬وم�سلم برقم (‪.)1679‬‬
‫(‪�( )34‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪ )621:‬و�أوردها مع ا�سم اهلل (احل�سيب)‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الد َّي ُ‬
‫ان‬ ‫هيد ‪ -‬ا ْل َحاسِ ُ‬
‫ُ‬ ‫قيب ‪َّ -‬‬
‫الش‬ ‫ُ‬ ‫المجموعة الثانية والعشرون ‪ :‬ال َّر‬ ‫‪407‬‬

‫نوق�ش احل�ساب يومئذ يا عائ�شة هلك!)(‪.)35‬‬


‫‪ æ‬الد َّيانُ ‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (الد َّيان) «�صفة (الدينونة)‬
‫وهي من �صفات اهلل الفعلية»(‪ .. )36‬ويف احلديث الآنف‪� .. (:‬أنا امللك‪� ،‬أنا الدَ َّيان ‪.)..‬‬

‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬


‫هيد)‬ ‫قيب) مع ( َّ‬
‫ال�ش ِ‬ ‫قيب ‪َّ -‬‬
‫ال�شهيدُ ‪ :‬ورد االقرتان ال�سمه �سبحانه (ال َّر ِ‬ ‫‪ æ‬ال َّر ُ‬
‫مرة واحدة‪ ،‬يف قوله تعالى‪ }:‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ{[املائدة‪ .]117:‬ولقد �أ�شري �إلى احلكمة من ذلك عند احلديث عن الفرق بني‬
‫اال�سمني فليرُ جع �إليه‪.‬‬
‫‪ æ‬اخلبري الب�صري‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه �سبحانه (ال�شهيد) مرة واحدة يف‬
‫قوله تعالى‪ } :‬ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ‬
‫ﰊ{[الإ�سراء‪ ،]96:‬و(ال�شهيد) هو املخرب عن الأمر الواقع كما وقع‪ ،‬وما ذاك �إال‬
‫الطالعه عليه‪ ،‬وم�شاهدته له‪ ،‬وعلمه بتفا�صيله‪ ،‬ولذا كان (اخلبري الب�صري) تعليال لكونه‬
‫(�شهيدا)‪ ،‬كما قال �سبحانه مطمئنا ر�سوليه مو�سى وهارون عليهما ال�سالم‪} :‬ﯝ ﯞ‬
‫ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ{ [طه‪ ،]46:‬يقول ال�شوكاين‪« :‬ثم ع ّلل كونه �سبحانه‬
‫�شهيداً كافياً بقوله‪ } :‬ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ{ �أي‪ :‬عاملاً بجميع �أحوالهم‪،‬‬
‫حميطاً بظواهرها وبواطنها‪ ،‬ب�صرياً مبا كان منها وما يكون»(‪ ،)37‬ويقول ابن عا�شور‪:‬‬
‫« و�أريد بـ(ال�شهيد) هنا ال�شهيد لل ُمحق على املبطل‪ ،‬فهو كناية عن الن�صري واحلاكم‬
‫لأن ال�شهادة �سبب احلكم ‪ ..‬وجملة } ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ{ تعليل لالكتفاء‬
‫به تعالى‪ ،‬و(اخلبري)‪ :‬العليم‪ ،‬و�أريد به العليم بالنوايا واحلقائق‪ ،‬و(الب�صري)‪ :‬العليم‬
‫بالذوات‪ ،‬وامل�شاهدات من �أحوالها‪ ،‬واملق�صود من اتباعه به �إحاط ُة العلم و�شموله»(‪.)38‬‬
‫(‪ )35‬رواه الإمام �أحمد وقال عنه الألباين‪� :‬إ�سناده جيد (م�شكاة امل�صابيح‪)5495:‬‬
‫(‪�( )36‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)572 :‬الد ّيان)‪.‬‬
‫(‪ )37‬تف�سري ال�شوكاين (فتح القدير) عند تف�سري الآية (‪ )96‬من �سورة الإ�سراء‪.‬‬
‫(‪ )38‬تف�سري ابن عا�شور (التحرير والتنوير) عند تف�سري الآية (‪ )96‬من �سورة الإ�سراء‪.‬‬
‫‪408‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪ æ‬الغفور الرحيم‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه �سبحانه (ال�شهيد) مرة واحدة يف قوله‬
‫تعالى‪ } :‬ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ{[الأحقاف‪ ،]8:‬واحلكمة يف ذلك‬
‫وا�ضحة‪ ،‬وهي الدعوة �إلى الإقالع عن الذنوب والرجوع �إلى احلق‪ ،‬والتوبة والإميان‪ ،‬و�أنه مع‬
‫كونه �سبحانه �شهيدا على ذنوب عباده باطالعه‪ ،‬و�إحاطة �سمعه وب�صره وعلمه؛ �إال �أن ذلك‬
‫ال مينع قبوله توبة عباده لكونه �سبحانه (غفورا رحيما)‪ ،‬وهذا وعد من احلق تعالى‬
‫باملغفرة والرحمة �إن هم رجعوا عن الكفر والذنوب و�آمنوا �أو تابوا‪ ،‬و�إ�شعا ٌر بحلمه �سبحانه‬
‫عنهم مع ِعظم ما اقرتفوه وارتكبوه‪ .‬يقول ابن كثري‪ }ْ « :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ{ هذا‬
‫تهديد‪ ،‬ووعيد �أكيد‪ ،‬وترهيب �شديد‪ ،‬وقوله جل وعال‪ } :‬ﮄ ﮅ ﮆ{ ترغيب‬
‫لهم �إلى التوبة والإنابة‪� ،‬أي ومع هذا كله �إن رجعتم وتبتم تاب عليكم وعفا عنكم‬
‫وغفر ورحم»(‪.)39‬‬
‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫‪ æ‬الأثر العلمي االعتقادي‪:‬‬
‫قيب َّ�شهيدٌ َح ِ‬
‫ا�س ٌب د َّيانٌ )‪ ..‬رقيب على ما �أك َّنته ال�صدور‪،‬‬ ‫اهلل ‪� -‬سبحانه وتعالى ‪َّ ( -‬ر ٌ‬
‫مطلع على جميع املخلوقات‪� ،‬شهيد على املب�صرات بب�صره الذي ال يغيب عنه �شيء‪ ،‬و�شهيد‬ ‫َّ‬
‫وحم�ص على عباده ك َّل ما عملوه‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫حا�سب‬
‫ٌ‬ ‫على امل�سموعات ب�سمعه الذي و�سع كل �شيء‪ ،‬وهو‬
‫ويوم القيامة يدينهم ب�أعمالهم ويجازيهم‪ ،‬فري�ضى على من ي�ستحق الر�ضا‪ ،‬فريحمه‪ ،‬ويثيبه‪،‬‬
‫ويكرمه‪ ،‬ويدنيه‪ ،‬ويغ�ضب على من ي�ستحق الغ�ضب‪ ،‬فيعذبه‪ ،‬ويعاقبه‪ ،‬ويهينه‪ ،‬ويق�صيه‪.‬‬
‫‪ æ‬الأثر العملي‪:‬‬
‫‪1.1‬اليقظة واحل��ذر واخل��وف من اهلل وحت��ري الإخ�لا���ص والتقوى يف الأق��وال‬
‫والأع��م��ال؛ لأن اهلل رقيب على ما يف القلوب من النوايا واملقا�صد‪ ،‬وال يقبل‬
‫(‪()39‬تف�سري ابن كثري) عند تف�سري الآية (‪ )8‬من �سورة الأحقاف‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الد َّي ُ‬
‫ان‬ ‫هيد ‪ -‬ا ْل َحاسِ ُ‬
‫ُ‬ ‫قيب ‪َّ -‬‬
‫الش‬ ‫ُ‬ ‫المجموعة الثانية والعشرون ‪ :‬ال َّر‬ ‫‪409‬‬

‫خال�صا �صوا ًبا‪ ،‬كما �أنه �شهيد على ما تعمله‬


‫‪�-‬سبحانه‪� -‬إال ما كان من العمل ً‬
‫اجل��وارح‪ ،‬فيحر�ص العبد على �أال ي�صدر منه �إال ما يحبه اهلل وير�ضاه من‬
‫الأقوال والأعمال لأنه ‪�-‬سبحانه‪ -‬ال تخفى عليه خافية كما قال �سبحانه‪}:‬ﯨ‬
‫ﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﯯﯰ ﯱﯲﯳﯴﯵ ﯶﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ‬
‫ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ{[يون�س‪.]61:‬‬
‫‪2.2‬اللني واحللم والت�سامح يف التعامل مع الآخ��ري��ن‪ ،‬واحل��ر���ص على �إعطائهم‬
‫حقوقهم‪ ،‬مع احل��ذر واخل��وف ال�شديد من االع��ت��داء عليهم �أو ظلمهم و�أك��ل‬
‫حقوقهم‪ ،‬وكما تدين تدان‪ ،‬ويوم الدين هو يوم اجلزاء واحل�ساب والق�صا�ص‪،‬‬
‫قال ‪( :¤‬لت�ؤ ّدن احلقوق �إلى �أهلها يوم القيامة‪ ،‬حتى يقاد لل�شاة اجللحاء‬
‫من ال�شاة القرناء‪ ،‬تنطحها)(‪ ،)40‬وقوله ‪ ¤‬عن نف�سه‪( :‬بل اهلل يخف�ض‬
‫ويرفع‪ ،‬و�إين لأرجو �أن �ألقى اهلل ولي�س لأحد عندي مظلمة)(‪  .)41‬‬
‫‪3.3‬التفكر يف ذلك اليوم العظيم ‪ ..‬يوم القيامة‪ ،‬يوم يجيء اهلل امللك الد َّيان؛ جميئ ًا‬
‫يليق بجالله‪ ،‬للف�صل بني العباد‪ ،‬كما قال �سبحانه‪} :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬
‫ﯹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ{[الفجر‪ ،]24-22:‬ف��اهلل ‪�-‬سبحانه‪ -‬د َّي��ان‪،‬‬
‫واحلقوق �ست�ؤدى يف ذلك اليوم �إلى �أهلها‪ ،‬و�أنه لي�س َث َّم يف ذلك اليوم �إال احل�سنات‬
‫وال�سيئات ‪ ..‬اللهم �أجرنا من خزي يوم الندامة ومن الف�ضيحة يوم القيامة‪.‬‬

‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫ال�شهيدُ ‪ -‬الحْ َ ِ‬
‫ا�س ُب ‪ -‬الد َّيانُ ) من الأ�سماء الدالة على �صفات اهلل‬ ‫قيب ‪َّ -‬‬
‫(ال َّر ُ‬
‫(الرقابة وال�شهادة واملحا�سبة والدينونة)‪ ،‬وهي �صفات مرتبطة ب�أحوال العباد يف‬
‫(‪ )40‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)5062‬‬
‫(‪ )41‬رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)2836‬‬
‫‪410‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫دنياهم‪ ،‬و�أن كل �شيء حتت رقابته ‪�-‬سبحانه‪ ،‬ال يخفى عليه �شيء؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء‬
‫اهلل‪ ،‬والتو�سل �إليه‪ ،‬والثناء عليه بهذه الأ�سماء يف كل �أحوال العباد‪ ،‬ال �سيما حال اخلوف من‬
‫املتجربين وامل�ستكربين‪ ،‬كحال الدعاة‪ ،‬واملجاهدين والآمرين باملعروف والناهني عن املنكر‪،‬‬
‫وما ميثله الدعاء والثناء بهذه الأ�سماء من اطمئنان وتثبيت‪ ،‬كما �أخرب ‪�-‬سبحانه‪ -‬عن مو�سى‬
‫وهارون عليهما ال�سالم يف قوله تعالى‪} :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ{[طه‪ ،]46-45:‬و�أما يوم القيامة وما �سيكون‬
‫فيه من ح�ساب و�أهوال‪ ،‬فقد كان حا�ضر ًا يف دعوات الأنبياء كما قال ‪�-‬سبحانه‪ -‬عن خليله‬
‫‪} :‬ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ{[ال�شعراء‪ ،]82:‬وقوله‬ ‫�إبراهيم‬
‫تعالى‪} :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ{[�إبراهيم‪ ،]41:‬وعن‬
‫قالت‪ :‬قلت‪ :‬يا ر�سول اهلل‪ ،‬ابن جدعان‪ ،‬كان يف اجلاهلية ي�صل الرحم‪،‬‬ ‫عائ�شة‬
‫ويطعم امل�سكني‪ ،‬فهل ذاك نافعه؟‪ ،‬قال‪( :‬ال ينفعه‪� ،‬إنه مل يقل يوم ًا‪ :‬رب اغفر يل‬
‫خطيئتي يوم الدين)(‪.)42‬‬
‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬
‫‪ æ‬عن عائ�شة قالت‪� :‬إن رجال قعد بني يدي النبي ‪ ،¤‬فقال‪ :‬يا ر�سول اهلل‪� ،‬إن‬
‫يل مملوكني يكذبونني ويخونونني ويع�صونني‪ ،‬و�أ�شتمهم و�أ�ضربهم‪ ،‬فكيف �أنا منهم؟‪،‬‬
‫قال‪( :‬يح�سب ما خانوك وع�صوك وكذبوك‪ ،‬وعقابك �إياهم‪ ،‬ف�إن كان عقابك �إياهم‬
‫بقدر ذنوبهم كان كفاف ًا ال لك وال عليك‪ ،‬و�إن كان عقابك �إياهم دون ذنوبهم كان‬
‫ف�ضال لك!‪ ،‬و�إن كان عقابك �إياهم فوق ذنوبهم اقت�ص لهم منك الف�ضل)‪ ،‬قال‪ :‬فتنحى‬
‫الرجل‪ ،‬فجعــــــل يبكي ويهتف‪ ،‬فقــــــال‪ :‬ر�ســــول اهلل ‪�( :¤‬أما تقر�أ كتاب اللــــه‪} :‬ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ{[الأنبياء‪ ،]47:‬فقال الرجل‪ :‬واهلل يا ر�سول اهلل ما‬
‫�أجد يل وله�ؤالء �شيئا خرياً من مفارقتهم‪� ،‬أ�شهدكم �أنهم �أحرار كلهم)(‪.)43‬‬
‫القيامة‪ ،‬ح َّتى ُيقا َد َّ‬
‫لل�شا ِة‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫احلقوق �إلى �أه ِلها يو َم‬ ‫‪ æ‬يقول النبي ‪( :¤‬ل�� ُت���ؤ ُّدنَّ‬
‫(‪ )42‬رواه م�سلم برقم (‪.)214‬‬
‫(‪ )43‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)8039‬‬
‫ب ‪ -‬الد َّي ُ‬
‫ان‬ ‫هيد ‪ -‬ا ْل َحاسِ ُ‬
‫ُ‬ ‫قيب ‪َّ -‬‬
‫الش‬ ‫ُ‬ ‫المجموعة الثانية والعشرون ‪ :‬ال َّر‬ ‫‪411‬‬

‫اجل ْلحاء(‪ )44‬من َّ‬


‫ال�شا ِة الق ْرناءِ )(‪ .)45‬ويف رواية‪( :‬يقت�ص اخللق بع�ضهم من بع�ض ‪ ,‬حتى‬
‫اجلماء من القرناء ‪ ,‬وحتى الذرة من الذرة(‪ .)47())46‬ويف رواية �أخرى عن �أبي ذر الغفاري‬
‫حان؟)‪،‬‬
‫تنتط ِ‬
‫حان‪ ،‬فقال‪( :‬يا �أبا ذ ٍّر! �أتدري فيما ِ‬ ‫هلل ‪� ¤‬شا َت ِني ِ‬
‫تنتط ِ‬ ‫‹ قال‪ :‬ر�أى ُ‬
‫ر�سول ا ِ‬
‫القيامة)(‪.)48‬‬
‫ِ‬ ‫ولكن ر ُّبك يدري‪ ،‬و�سيق�ضي بينهما يو َم‬
‫قلتُ ‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ْ ( :‬‬
‫‪ æ‬تظاهرت الأدل��ة من الكتاب وال�سنة على ثبوت ع��ذاب القرب ونعيمه‪ ،‬قال تعالى عن‬
‫�آل فرعون‪} :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ{[غافر‪ ، ،]46:‬قال ابن كثري‪« :‬وهذه الآية �أَ�ص ٌل كبري يف ا�ستدالل �أهل ُّ‬
‫ال�س َّن ِة‬
‫على عذاب ا ْلبرَ ْ َز ِخ(‪ )49‬يف القبور»(‪ ،)50‬ومما جاء يف ال�سنة من �إ�شارة لعذاب القرب ما يلي‪:‬‬
‫ •قال النبي ‪ ¤‬عن حال الكافر واملنافق يف القرب‪ ..( :‬و�أما الكافر �أو املنافق فيقول‪:‬‬
‫ال �أدري‪ ،‬كنت �أقول ما يقول النا�س!‪ ،‬فيقال‪ :‬ال َد َر ْيتَ وال َت َل ْيتَ (‪)51‬؛ ثم‬
‫ُي�ضرب مبطرقة من حديد �ضربة بني �أذنيه في�صيح �صيحة ي�سمعها من‬
‫يليه(‪� )52‬إال ال َّث َق َلينْ ِ (‪.)54())53‬‬
‫ •وعن عائ�شة �أنها قالت للنبي ‪( :¤‬يا ر�سول اهلل!‪� ،‬إن ع َُجو َز ْي ِن من ع ُُج ِز يهود‬
‫علي‪ ،‬فزعمتا �أ َّن �أهل القبور ُي َع َّذ ُبو َن يف ُق ُبورِهِ ْم!‪ ،‬فقال‪�َ :‬صدَ َق َتا!‪،‬‬
‫املدينة دخلتا َّ‬
‫(‪ )44‬اجللحاء‪ :‬هي اجلماء التي ال قرن لها‪.‬‬
‫(‪ )45‬رواه م�سلم برقم (‪.)2582‬‬
‫ا�ص يف تعدِّ ي َب ْع ِ�ضها على بع�ض‪ ،‬حتى بني الذرة والذرة‪� ،‬أما �إذا‬
‫اب كان احل�ساب وال ِق َ�ص ُ‬
‫(‪� )46‬إذا احتد نوع وجن�س الدَ َو ِّ‬
‫اختلفت الأنواع والأجنا�س وكان من طبيعتها وفطرتها التعدِّ ي طلبا للرزق فال ح�ساب‪ ،‬يقول ال�شيخ عبدالعزيز الطريفي‪:‬‬
‫«�إدراك البهائم للأوامر الدنيوية مفطور ٌة عليه بطبعها؛ ولهذا فهي تختلف وتتباينُ بح�سب جن�سها ونوعها؛ فبهيمة الأنعام لي�ست‬
‫ُحا�سب‪ ،‬لأ َّن اهلل جعل رزق َّ‬
‫ال�سب ِع فيها‪ ،‬ومل يَج َعل رزق ال�شيا ِه‬ ‫حتا�س َبت‪ ،‬ولو �أ َك َل َّ‬
‫ال�سب ُع ال�شا َة مل ي َ‬ ‫فال�شيا ُه �إن َتناطحت َ‬
‫كال�سباع؛ ّ‬
‫بع�ضها من بع�ض»‪( :‬املغربية يف �شرح العقيدة القريوانية) لل�شيخ عبدالعزيز الطريفي (�ص‪.)176 :‬‬
‫(‪)47‬رواه الإمام �أحمد و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة (جـ‪ – 4:‬برقم‪.)1967 :‬‬
‫(‪�)48‬أخرجه الإمام �أحمد والطيال�سي و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة (جـ‪ – 4:‬برقم‪.)1588 :‬‬
‫ال�شيئني‪ ،‬ويق�صد به الفرتة الزمنية التي تف�صل بني حلظة موت االن�سان وحتى قيام ال�ساعة‪.‬‬ ‫(‪ )49‬ا ْلبرَ ْ َز ُِخ‪ :‬احلاجز بني ّ‬
‫(‪ )50‬تف�سري ابن كثري‪ :‬عند تف�سريه الآية (‪ )46‬من �سورة (غافر)‪.‬‬
‫(‪ )51‬ال دريت وال تليت‪� :‬أي‪ ‬مل تَنتف ُع بدرايتك‪ :‬وهو ما كنتَ ت�سم ُعه‪ ،‬وال تالوتك‪ :‬وهو ما كنت تقر�أه‪.‬‬
‫ّواب‪.‬‬
‫(‪ )52‬ي�سمعها من يليه‪� :‬أي من يقرب من قربه من املالئكة والد ِّ‬
‫ف�س ِّم َي جْ ِ‬
‫«النُّ‬ ‫ُ‬ ‫‪،‬‬‫ل‬‫ٌ‬ ‫ي‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ث‬ ‫‪:‬‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫أمر‬ ‫�‬ ‫عظم‬
‫ُ‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫ما‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫لك‬ ‫يقال‬ ‫»‪،‬‬ ‫نِّ‬ ‫واجل‬
‫ِ‬ ‫(‪ )53‬ال َّث َقالن‪َ :‬ت ْث ِن َي ُة « َث َقل»‪ ،‬وهذا املثنى ا�س ٌم مفر ٌد ملجموع «الإ ْن ِ‬
‫�س‬
‫َ‬
‫ّواب الأر�ض‪ ،‬وقيل‪�ُ :‬س ِّميا ِب َذ ِلك ِل ِث ْقلِهِ ما َعلى الأ ْر ِ�ض �أ ْو ِل َرزا َن ِة‬ ‫ال ْن ُ�س» بـ»ال َّث َقل ِني» ل ِع َظ ِم �ش�أنهما بالن�سبة �إلى غريهما من د ِّ‬ ‫َو ْ إِ‬
‫الذ ُن ِ‬
‫وب‪.‬‬ ‫يف �أ ْو ُم ْث َق ِ‬
‫الن ِب ُ‬ ‫�آرائِهِ ما �أ ْو ِ أل َّن ُهما ُم ْث َق ِ‬
‫الن ِبال َّت ْكا ِل ِ‬
‫(‪� )54‬أخرجه البخاري برقم‪ )1338( :‬واللفظ له‪ ،‬وم�سلم برقم‪.)2870( :‬‬
‫‪412‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫�إنَّهم ُي َع َّذ ُبونَ عذاب ًا َت ْ�س َم ُعهُ ‪ ‬ال َب َها ِئ ُم‪ ،‬قالت‪ :‬فما ر�أيته َب ْع ُد يف �صالة �إال َي َت َع َّو ُذ‬
‫من عذاب القرب)(‪.)55‬‬
‫ •ومن �أحاديث عذاب القرب‪ :‬حديث ر�ؤيا املنام الذي ذكر فيه النبي ‪ ¤‬عقوبات و�أحوال‬
‫ع�صاة هذه الأم��ة يف ا ْل�َبْرَ ْ َز ِخ‪ ،‬وهي الفرتة التي تعقب امل��وت وحتى قيام ال�ساعة‪،‬‬
‫َ‬
‫أتاين‪ ‬الليلة‪� ‬آتيان(‪ ،)56‬و�إنهما ابتعثاين‪ ،‬و�إنهما قاال‬ ‫ومما جاء فيه‪�( :‬إنه‪� ‬‬
‫يل انطلق‪ ،‬و�إين انطلقتُ معهما‪ ،‬و�إنا �أتينا على رجل م�ضطجع‪ ،‬و�إذا � ُ‬
‫آخر‬
‫قائم عليه ب�صخرة‪ ،‬و�إذا هو يهوي بال�صخرة لر�أ�سه ف َي ْثلغ ر� َأ�سهُ فيتدَ هدَ ه‬
‫ي�صح ر� ُأ�سه‬
‫رجع �إليه‪ ،‬حتى َّ‬ ‫احلجر في� ُأخ ُذه‪ ،‬فال َي ُ‬
‫َ‬ ‫فيتبع‬
‫ُ‬ ‫احلجر ها هنا‪،‬‬
‫املر َة الأول��ى(‪ .)57‬قال‪:‬‬ ‫مثل ما َف َع َل به ّ‬
‫كما كان‪ ،‬ثم يعو ُد عليه فيفعل به َ‬
‫هذان؟ قال‪ :‬قاال يل‪ :‬انطلق انطلق‪ ،‬قال‪ :‬فانطلقنا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫قلتُ لهما‪� :‬سبحان اهلل!‪ ،‬ما‬
‫وب من حديد‪،‬‬ ‫قائم عليه ب َك ُّل ٍ‬ ‫آخر ٌ‬ ‫ف�أتينا على رجل م�س َت ْل ٍق ل َقفا ُه‪ ،‬و�إذا � ُ‬
‫�شر�شر ِ�ش ْدقه �إلى َقفاه و ِمن َْخره �إلى‬ ‫و�إذا هو ي�أتي �أحدَ ِ�شقّي وجهه ف ُي ِ‬
‫قفاه‪ ،‬وعينه �إلى قفاه ثم يتحول �إلى اجلانب الآخر فيفعل به مثل ما‬
‫ي�صح ذلك اجلانب كما‬ ‫فرغ من ذلك اجلانب حتى َّ‬ ‫فعل باجلانب الأول‪ ،‬فما َي ُ‬
‫املرة الأولى(‪ .)58‬قال‪ :‬قلت‪� :‬سبحانَ‬ ‫مثل ما فعل ّ‬ ‫كان‪ ،‬ثم يعو ُد عليه فيفعل َ‬
‫(‪� )55‬أخرجه البخاري برقم‪ ،)6366( :‬وم�سلم برقم‪ )586( :‬واللفظ له‪.‬‬
‫(‪� )56‬أتاين‪ ‬الليل َة‪� ‬آتيان‪� :‬أي َم َل َك ِان‪ ،‬وهما‪ :‬جربيل وميكائيل عليهما ال�سالم كما ثبت يف رواية البخاري الأخرى برقم (‪.)1386‬‬
‫(‪)57‬املعنى‪ :‬الرجل القائم يقوم ب�شدخ وك�سر ر�أ�س الرجل امل�ضطجع بحجر‪ ،‬فيتدحرج احلجر وي�سقط �إلى جهة �أخرى‪ ،‬فيلحق به الرجل‬
‫القائم ويلتقطه‪ ،‬وما �أن يعود �إلى الرجل امل�ضطجع حتى يرجع ر�أ�سه �صحيح ًا كما كان‪ ،‬فيك�سره مرة �أخرى! وقد ف�سر جربيل وميكائيل‬
‫عليهما ال�سالم هذا امل�شهد يف �آخر احلديث (‪� ..‬أما الرجل الأول الذي �أتيت عليه يثلغ ر�أ�سه باحلجر ف�إنه الرجل ي�أخذ القر�آن فريف�ضه‬
‫وينام عن ال�صالة املكتوبة ‪ )..‬ومنا�سبة العقوبة للذنب �أنه ملا ترك العمل ب�أف�ضل الأ�شياء وهو القر�آن ونام عن �أف�ضل العبادات وهي ال�صالة؛‬
‫عوقب يف �أ�شرف �أع�ضائه «الر�أ�س»! وفيه التحذير من النوم عن ال�صالة املكتوبة وترك العمل بالقر�آن الكرمي وما جاء به من �أوامر ونواهي‪.‬‬
‫(‪ )58‬املعنى‪ :‬مع الرجل القائم (كلوب) وهي حديدة حادة عقفاء �أي معطوفة الر�أ�س‪ُ ،‬يدخلها يف جانب فم الرجل امل�ستلقي‬
‫على قفاه‪ ،‬فيقطع اجللد وي�شقه من فمه وحتى قفاه من اخللف‪ ،‬ثم يفعل ب�أنفه وعينه مثل ذلك‪ ،‬ف�إذا انتهى من �أحد �شقي وجهه‪،‬‬
‫ذهب لل�شق الثاين ويفعل به مثلما فعل بال�شق الأول‪ ،‬وما �أن ينتهي من ال�شق الثاين حتى ي�صح ال�شق الأول فيعود �إليه من جديد!‪،‬‬
‫وقد ف�سر جربيل وميكائيل عليهما ال�سالم هذا امل�شهد يف �آخر احلديث (‪..‬و�أما الرجل الذي �أتيت عليه ي�شر�شر �شدقه �إلى قفاه‪،‬‬
‫ومنخره �إلى قفاه‪ ،‬وعينه �إلى قفاه‪ ،‬ف�إنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق ‪( ،)..‬قال ابن حجر‪�« :‬إمنا ا�ستحق‬
‫التعذيب ملا ين�ش�أ عن تلك الكذبة من املفا�سد وهو فيها خمتار غري مكره وال ملج�أ‪ ،‬قال ابن هبرية‪« :‬ملا كان الكاذب ي�ساعده �أنفه‬
‫وعينه ول�سانه على الكذب برتويج باطله وقعت امل�شاركة بينهم يف العقوبة») (فتح الباري البن حجر الع�سقالين‪� ،‬ص‪3149 :‬‬
‫عند �شرح احلديث رقم‪ ،)7047 :‬وفيه التحذير من الكذب املتعمد وما ي�شابهه من الكبائر القولية كالغيبة والنميمة والقذف‬
‫وغريها‪ ،‬وخا�صة يف ظل االنفجار الكبري يف و�سائل التوا�صل االجتماعي وما ي�سرته من نقل الأخبار وانت�شارها‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الد َّي ُ‬
‫ان‬ ‫هيد ‪ -‬ا ْل َحاسِ ُ‬
‫ُ‬ ‫قيب ‪َّ -‬‬
‫الش‬ ‫ُ‬ ‫المجموعة الثانية والعشرون ‪ :‬ال َّر‬ ‫‪413‬‬

‫اهلل ما هذان؟ قال‪ :‬قاال يل‪ :‬انطلق انطلق‪ ،‬فانطلقنا‪ ،‬ف�أتينا على مثل التنُّور‬
‫أ�صوات‪ ،‬قال‪ :‬فاطل ْعنا فيه‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫أح�سب �أنه كان يقول ‪ -‬ف�إذا فيه َل َغ ٌط و�‬ ‫‪ -‬قال‪ :‬و� ُ‬
‫أ�سفل منهم‪ ،‬ف�إذا‬ ‫ون�ساء عراة‪ ،‬و�إذا هم ي�أتيهم َل َه ٌب من � َ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫رجال‬ ‫ف�إذا فيه‬
‫�أتاهم ذلك اللهب َ�ض ْو َ�ض ْوا(‪ .)59‬قال‪ :‬قلتُ لهما‪ :‬ما ه�ؤالء؟ قال‪ :‬قاال يل‪ :‬انطلق‬
‫ح�سبتُ �أنه كان يقول ‪� -‬أحمر مثل‬ ‫انطلق‪ ،‬قال‪ :‬فانطلقنا‪ ،‬ف�أتينا على نهر ‪ِ -‬‬
‫رجل قد َج َم َع‬ ‫�سابح َي�س َبح‪ ،‬و�إذا على َ�شط النهر ٌ‬ ‫رجل ٌ‬ ‫الدم‪ ،‬و�إذا يف النهر ٌ‬
‫ي�سبح‪ ،‬ثم َّ ي�أتي ذلك الذي‬ ‫َ‬ ‫ي�سبح ما‬
‫ُ‬ ‫ال�سابح‬
‫ُ‬ ‫عندَ ه حجار ًة كثري ًة‪ ،‬و�إذا ذلك‬
‫فينطلق ي�س َبح‪ ،‬ثم‬‫ُ‬ ‫فيلقمهُ حجر ًا‬
‫ُ‬ ‫قد جم َع عندَ ه احلجار َة‪ ،‬فيف َغر له فا ُه‬
‫يرجع �إليه‪ ،‬كلما َر َج َع �إليه ف َغ َر له فا ُه ف�ألقمه حجر ًا(‪ ،)60‬قال‪ :‬قلت لهما‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ما هذان؟ قال‪ :‬قاال يل‪ :‬انطلق انطلق ‪� ،)..‬إلى قوله ‪ .. ( :¤‬قلتُ لهما‪ :‬ف�إين قد‬
‫ربك‪،‬‬ ‫منذ‪ ‬الليلة َ‪ ‬عجبا‪ ،‬فما هذا الذي ر�أيت؟ قال‪ :‬قاال يل‪� :‬أما �إنا �س ُنخ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ر�أيتُ‬
‫الرجل ي�أخذ‬ ‫ُ‬ ‫أول الذي �أتيتَ عليه ُيث َلغ ر�أ�سه باحلجر‪ ،‬ف�إنه‬ ‫ُ‬
‫الرجل ال ُ‬ ‫�أما‬
‫الرجل الذي �أتيتَ عليه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫القر�آن فريف�ضه وينام عن ال�صالة املكتوبة‪ ،‬و�أما‬
‫ُ‬
‫الرجل‬ ‫ومنخ ُره �إلى قفاه‪ ،‬وعينه �إلى قفاه‪ ،‬ف�إنه‬ ‫دقهُ �إلى قفاه‪َ ،‬‬ ‫�شر�ش ُر ِ�ش ُ‬
‫ُي َ‬
‫والن�ساء العرا ُة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الرجال‬ ‫تبلغ الآفاق‪ ،‬و�أما‬ ‫يغدو من بيته‪ ،‬فيكذب ال ِكذ َب َة ُ‬
‫الذين يف مثل بناءِ التنور‪ ،‬ف�إنهم الزُّ ناة والزواين‪ ،‬و�أما الرجل الذي �أتيتَ‬
‫(‪ )59‬املعنى وا�ضح و(التنور) بناء �أعاله �ضيق و�أ�سفله وا�سع يوقد حتته نارا‪ ،‬و(�ضو�ضوا) �أي �صاحوا و�ضجوا وا�ستغاثوا ورفعوا‬
‫�أ�صواتهم ب�ألفاظ غري مفهومة وخمتلطة‪ ،‬وقيل ارتفعوا حتى كادوا �أن يخرجوا من التنور‪ ،‬ف�إذا خمدت رجعوا!‪ ،‬وقد ف�سر جربيل‬
‫وميكائيل عليهما ال�سالم هذا امل�شهد يف �آخر احلديث (‪ ..‬و�أما الرجال والن�ساء العراة الذين هم يف مثل بناء التنور‪ ،‬فهم الزناة‬
‫والزواين ‪ )..‬قال ابن حجر ‪« :‬منا�سبة العري والتنور لهم ال�ستحقاقهم �أن يُف�ضحوا لأن عادتهم �أن ي�سترتوا يف اخللوة فعوقبوا بالهتك‪،‬‬
‫واحلكمة يف �إتيان العذاب من حتتهم كون جنايتهم من �أع�ضائهم ال�سفلى‏» (فتح الباري البن حجر الع�سقالين‪� ،‬ص‪ 3149 :‬عند �شرح‬
‫احلديث رقم‪ 7047 :‬بت�صرف ي�سري)‪ ،‬وفيه التحذير من الزنى وما ي�شابهه من الكبائر الفعلية كال�سرقة والظلم والبغي وغريها‪.‬‬
‫(‪ )60‬املعنى‪ :‬كلما �أراد الرجل ال�سابح ‪ -‬والذي يعوم يف النهر الأحمر‪ -‬اخلروج من النهر فغر فاه �أي فتح فمه‪ ،‬فيلقمه الرجل‬
‫الواقف على �شط النهر حجر ًا‪ ،‬مينعه من اخلروج ويجربه على العودة �إلى و�سط النهر والتخل�ص من احلجر‪ ،‬وكلما عاد �ألقم‬
‫حجر ًا جديد ًا!‪ ،‬وقد ف�سر جربيل وميكائيل عليهما ال�سالم هذا امل�شهد يف �آخر احلديث (‪ ..‬و�أما الرجل الذي �أتيت عليه ي�سبح‬
‫يف النهر ويلقم احلجر ف�إنه �آكل الربا ‪ )..‬قال ابن هبرية‪�« :‬إمنا عوقب �آكل الربا ب�سباحته يف النهر الأحمر و�إلقامه احلجارة‬
‫لأن �أ�صل الربا يجرى يف الذهب والذهب �أحمر‪ ،‬و�أما �إلقام امللك له احلجر ف�إنه �إ�شارة �إلى �أنه ال يغني عنه �شيئ ًا وكذلك الربا‬
‫ف�إن �صاحبه يتخيل �أن ماله يزداد واهلل من ورائه مبحقه» (فتح الباري البن حجر الع�سقالين‪� ،‬ص‪ 3149 :‬عند �شرح احلديث‬
‫رقم‪ ،)7047 :‬وفيه التحذير من �أكل الربا وعظم عقوبة �آكله‪.‬‏‬
‫‪414‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الربا(‪.)62().. )61‬‬ ‫عليه َي�سبح يف النهر و ُيلقم احلجارة‪ ،‬ف�إنه �آ ِك ُل ِّ‬


‫ •مر النبي ‪ ¤‬على َقبرْ َ ْي ِن فقال‪�( :‬أما �إ َّن ُهما‪َ  ‬ل ُي َع َّذبَانِ ‪ ،‬وما ُي َع َّذبَانِ يف كبري‪� ،‬أما‬
‫�أحدهما فكان مي�شي بال َّنمِي َم ِة‪ ،‬و�أما ال َآخ ُر فكان ال َي ْ�س َتترِ ُ من َب ْو ِل ِه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫يب َر ْط ٍب ف�شقه باثنني‪ ،‬ثم غر�س على هذا واحدا وعلى هذا‬ ‫فدعا ب َع ِ�س ٍ‬
‫واحدا‪ ،‬ثم قال‪ :‬لعله �أن يُخَفَّفُ عنهما ما مل يَيْبَ�سا)(‪.)63‬‬
‫ •وعن زيد بن ثابت ‹ قال‪( :‬بينما النبي ‪ ¤‬يف حائط لبني النجار على بغلة‬
‫له ونحن معه؛ �إذ حادت به فكادت ُت ْلقِيهِ!‪ ،‬و�إذا �أَ ْقبرُ ٌ �ستة �أو خم�سة �أو �أربعة‬
‫الَ ْقبرُ ِ ؟‪ ،‬فقال رجل‪� :‬أنا!‪ ،‬قال ‪ :¤‬فمتى‬ ‫فقال ‪ :¤‬من يعرف �أ�صحاب هذه ْ أ‬
‫مات ه�ؤالء؟‪ ،‬قال‪ :‬ماتوا يف الإ�شراك!‪ ،‬فقال ‪� :¤‬إن هذه الأمة ُت ْب َت َلى يف‬
‫قبورها فلوال �أن ال َتدَ ا َفنُوا لدعوت اهلل �أن ُي ْ�س ِم َعك ُْم من عذاب القرب‬
‫الذي �أ�سمع منه)(‪ ،)64‬ومن عجيب ما يروى عن �سماع البهائم لعذاب القرب؛‬
‫�أنه كان يف دم�شق عمو ٌد من حجر من �أبنية اليونان يتربك به اجلهالء‪ ،‬اعتقاد ًا‬
‫منهم �أن��ه ي�ضر وينفع‪ ،‬في�ستخدمونه يف ع�لاج دوا ِّب��ه��م وبهائمهم �إذا َع َ�س َرت‬
‫بطونها‪ ‬و�أم�سكت عن الروث والبول‪ ،‬قال عنه ابن كثري‪« :‬ومن ذلك‪ :‬العمود الذي‬
‫يف ر�أ�سه مثل الكرة يف �سوق ال�شعري عند قنطرة �أم حكيم ‪ ..‬ذكر �أهل دم�شق �أنه‬
‫من و�ضع اليونان ِل ُع ْ�س ِر بول احليوان‪ ،‬ف�إذا داروا باحليوان حول هذا العمود‬
‫ثالث دورات انطلق باطنه فبال؛ وذلك جمرب من عهد اليونان!‪ ،‬قال ابن‬
‫تيمية عن هذا العمود‪� :‬إن حتته مدفون ج َّبار عنيد كافر ُيع َّذب‪ ،‬ف�إذا داروا‬
‫العذاب فراث وبال من اخلوف!‪ ،‬قال‪ :‬ولهذا يذهبون‬ ‫َ‬ ‫باحليوان حوله �سمِ ع‬
‫بالدواب �إلى قبور الن�صارى واليهود والكفار ف��إذا َ�سمِ َعتْ �أ�صوات املع َّذبني‬
‫�سر‪ ،‬ومن اعتقد �أ َّن فيه منفعة �أو‬ ‫انطلق بولها‪ ،‬والعمود امل�شار �إليه لي�س له ٌّ‬
‫(‪ )61‬لعل احلكمة يف االقت�صار على من ذكر من الع�صاة دون غريهم؛ �أن العقوبة ُت�ستحق برتك واجب وم�أمور �أو بارتكاب حمرم‬
‫وحمظور‪ ،‬فرتك الواجب مثل ترك العمل بالقر�آن والنوم عن ال�صالة املكتوبة و�أما ارتكاب املحرم فيكون بالقول كالكذب �أو بالفعل‬
‫البدين كالزنا �أو الفعل املايل ك�أكل الربا‪ ،‬فذكر لكل منهم مثال ينبه به على ما عداه من الذنوب والكبائر امل�شابهة واهلل �أعلم‪.‬‬
‫(‪ )62‬رواه البخاري برقم‪.)7047( :‬‬
‫(‪ )63‬رواه البخاري برقم (‪ ،)6052‬وم�سلم برقم (‪ )292‬واللفظ له‪.‬‬
‫(‪ )64‬رواه م�سلم برقم (‪.)2867‬‬
‫ب ‪ -‬الد َّي ُ‬
‫ان‬ ‫هيد ‪ -‬ا ْل َحاسِ ُ‬
‫ُ‬ ‫قيب ‪َّ -‬‬
‫الش‬ ‫ُ‬ ‫المجموعة الثانية والعشرون ‪ :‬ال َّر‬ ‫‪415‬‬

‫م�ضرة فقد �أخط�أ خط�أً فاح�شاً»(‪ ،)65‬كما ف�سر �شيخ الإ�سالم ابن تيمية حقيقة‬
‫للدواب امل�صابة با َمل َغ ِل(‪ )66‬يف ُب ُطو ِنها‪ ‬عند �أخذها �إلى قبور الكفار‬
‫ِّ‬ ‫ما يحدث‬
‫واملنافقني وذاك يف �سياق رده على من يتربك بتلك القبور بحجة ت�سببها يف �شفاء‬
‫��دواب!‪ ،‬فقال‪�« :‬إمنا يذهبون بها �إلى قبور الكفار واملنافقني ‪ ..‬لأن ه�ؤالء‬ ‫ال ِّ‬
‫ُي َع َّذ ُبو َن يف قبورهم‪ ،‬والبهائم ت�سمع �أ�صوا َتهم‪ ،‬كما ثبت ذلك يف احلديث‬
‫ال�صحيح‪ ،‬ف�إذا �سمعت ذلك َفزِعت؛ فب�سبب ال ُّرعبِ الذي يح�صل لها ُّ‬
‫تنحل‬
‫بطونها فرتوث‪ ،‬ف�إن ال َف َز َع يقت�ضي الإ�سهال»(‪.)67‬‬
‫‪ æ‬قال تعالى‪ } :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ{ [البقرة‪.]284:‬‏ قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية‪[ :‬روي عن‬
‫عائ�شة ‏ �أنها قالت‪« :‬ما �أعلنت ف�إن اهلل يحا�سبك به‪ ،‬و�أما ما �أخفيتَ فما عُجلتْ لك‬
‫به العقوبة يف الدنيا»‪ ،‬وهذا قد يكون مما يعاقب فيه العبد بال َغ ِّم‪ ،‬كما �سئل �سفيان بن‬
‫فجزيت‬ ‫ذنب هممت به يف �سرك ومل تفعله‪ُ ،‬‬ ‫عيينة عن َغ ٍّم ال ُيعرف �سببه؟‪ ،‬فقال‏‪« :‬هو ٌ‬
‫َه ًّما به»‏‪ ،‬فالذنوب لها عقوبات؛ ال�سر بال�سر‪ ،‬والعالنية بالعالنية‪ ،‬وروي عن عائ�شة‬
‫‏ مرفوعا قالت‏‪� :‬س�ألت ر�سول اللهّ ‪ ¤‬عن هذه الآية‏‪ :‬‏} ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ{‏ فقال ‪¤‬‏‪ :‬‏(‏يا عائ�شة!‪ ،‬هذه معاتبة اهلل(‪ )68‬العبد‬
‫اعة ي�ضعها يف ك ِّمه‬‫مما ي�صيبه من ال َّن ْك َب ِة(‪ )69‬واحلمى‪ ،‬حتى ال�شوكة وال ِب َ�ض َ‬
‫فيفقدها َفيرُ َ و ُع لها فيجدها يف جيبه (‪ ،)70‬حتى �إن امل�ؤمن ليخرج من ذنوبه‬
‫كما يخرج ال ِّتبرْ ُ الأحمر (‪ )71‬من ال ِكري(‪)73())72‬‏‏‪ ،‬قلت‪ :‬هذا املرفوع هو ‪ -‬واهلل �أعلم‬
‫(‪ )65‬البداية والنهاية (�ص‪ )1410:‬يف �أحداث �سنة ‪ 96‬هـ‪.‬‬
‫َاب مع ال َبقْل‪ ،‬ف ُي�س ّبب لها ُع ْ�سر ًا و�إم�ساكا �شديد ًا‪.‬‬ ‫الدواب يف ُب ُطو ِنها من �أ ْك ِل رُّ‬
‫الت ِ‬ ‫َّ‬ ‫(‪ )66‬ا َمل َغ ُل‪َ :‬و َج ٌع َومغ ٌ‬
‫ْ�ص ي�أخذ‬
‫(‪( )67‬اال�ستغاثة يف الرد على البكري) ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية (�ص‪.)329 :‬‬
‫(‪ )68‬معاتبة اهلل‪� :‬أي م�ؤاخذته لعبده ب�سبب ذنبه؛ مبا ي�صيبه يف الدنيا من امل�صائب واحلمى حتى ال�شوكة ي�شاكها تكفر بها ذنوبه‪.‬‬
‫(‪ )69‬ال َّن ْك َبة‪ :‬يف الأ�صل �أن ينكبه احلجر �إذا �أ�صاب ظفره �أو �إ�صبعه‪ ،‬ثم انتقل معناه �إلى احلوادث وامل�صائب التي ت�صيب الإن�سان‪.‬‬
‫(‪ )70‬الب�ضاعة‪ :‬ق�سط من املال‪ ،‬واملق�صود‪� :‬أنه ي�ضع املال الي�سري يف جيبه‪ ،‬فين�ساه ويهِ م‪ ،‬ويظن �أنه يف يده‪ ،‬فيطلبه فال يجده!‪،‬‬
‫(‪ )71‬ال ِّتبرْ ُ ‪ :‬فتات الذهب قبل �أن ي�صاغ‪ ،‬ف�إذا �صيغ فهو ذهب‪.‬‬ ‫فيفزع و َيروع‪ ،‬حتى ينتبه له‪.‬‬
‫الكري‪ :‬كري احلداد‪ ،‬وهو جلد غليظ ذو حافات‪ ،‬ينفخ به النار حتى تُذكى وتتوهج‪.‬‬ ‫(‪ِ )72‬‬
‫(‪ )73‬رواه الرتمذي والطربي والطيال�سي والإمام �أحمد‪ ،‬و�صححه �أحمد �شاكر يف حتقيقه لتف�سري الطربي (جامع البيان يف‬
‫ت�أويل القر�آن) وكذلك يف خمت�صره (عمدة التف�سري) الذي �أخت�صر فيه (تف�سري القر�آن العظيم)البن كثري عند تف�سري (�سورة‬
‫البقرة – الآية‪ ،)284 :‬وكذلك �أخرجه ابن حجر الع�سقالين يف (الأمايل املطلقة) (املجل�س‪� -94 :‬ص‪ )80 – 79 :‬وقال عنه‪:‬‬
‫هذا حديث ح�سن‪ ،‬و�ضعفه الألباين يف �ضعيف اجلامع برقم (‪ ،)6086‬و�ضعيف الرتمذي برقم (‪.)2991‬‬
‫‪416‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪ -‬بيان ما ُيعاقب به امل�ؤمن يف الدنيا؛ ولي�س فيه �أن كل ما �أخفاه ُيعاقب به‪ ،‬بل فيه �أنه �إذا‬
‫ُعوقب على ما �أخفاه ُعوقب مبثل ذلك‪ ،‬وعلى هذا دلت الأحاديث ال�صحيحة ‏](‪.)74‬‏‬
‫‪ æ‬ق��ال عمر ب��ن اخل��ط��اب ‹ في خطبة له‪« :‬ح��ا��س�ب��وا �أن�ف���س�ك��م ق�ب��ل �أن‬
‫حتا�سبوا‪ ،‬ف�إنه �أهون حل�سابكم‪ ،‬وزنوا �أنف�سكم قبل �أن توزنوا‪ ،‬وتز ّينوا للعر�ض‬
‫الأكرب‪ ،‬يوم } ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ {[احلاقة‪.)75(»]18:‬‬
‫جده �أ�سلم‪ ،‬قال‪« :‬بينما �أنا مع عم َر بن‬ ‫أ�سلم عن �أبيه عن ِّ‬
‫عبداهلل بن زيد بن � َ‬ ‫‪ æ‬عن ِ‬
‫جوف الليل‪ ،‬و�إذا امر�أ ٌة‬
‫جانب جدار يف ِ‬ ‫يع�س املدينة �إذ �أعيا وا َّتك�أ على ِ‬
‫اخلطاب ‹‪ُّ ،‬‬
‫تقول البنتها‪ :‬يا ابنتاه‪ ،‬قومي �إلى ذلك اللنب فامذقيه(‪ )76‬باملاء‪ ،‬فقالت لها‪ :‬يا �أ َّمتاه‪ ،‬وما‬
‫علمت ما كان مِ ن عزمة �أمري امل�ؤمنني اليوم؟!‪ ،‬قالت‪ :‬وما كان مِ ن عزمته يا ُبنية؟‪،‬‬
‫قالت‪� :‬إ َّنه �أ َمر مناد ًيا فنادَى‪� :‬أال ي�شاب اللنب باملاء‪ْ ،‬‬
‫فقالت لها‪ :‬يا بنية‪ ،‬قومي �إلى اللنب‬
‫فامذقيه باملاء‪ ،‬ف�إ َّنك مبو�ضع ال يراك عم ُر وال منا ِدي عمر‪ ،‬فقالت ال�صبية‪ :‬يا �أ َّمتاه‪ ،‬ما‬
‫كنت لأطيعه يف امللأ‪ ،‬و�أع�صيه يف اخلالء!»(‪.)77‬‬
‫عاذ بن جبل ‹ �إلى بني كالب‬ ‫‪ æ‬ملا َوليِ َ اخلالفة عمر بن اخلطاب ‹‪� ،‬أر�سل ُم َ‬
‫ليق�سم فيهم �أعطياتهم‪ ،‬ويو ِّزع على فقرائهم َ�صدقات �أغنيائهم‪ ،‬فقام مبا ُعهد �إليه من �أمر‪،‬‬
‫ِ‬
‫وعاد �إلى زوجه ِبح ِل�س ِه (‪ )78‬الذي خرج به يلفه على رقبته‪ ،‬فقالت له امر�أته‪� :‬أين ما جئت‬
‫يقظ ُيح�صي‬‫رقيب (‪ٌ )79‬‬ ‫به مما ي�أتي به الوالة من هدية لأهليهم؟!‪ ،‬فقال‪ :‬لقد كان معي ٌ‬
‫َلي!‪ ،‬فقالت‪ :‬قد كنتَ �أمين ًا عند ر�سول اهلل ‪ ،¤‬و�أبي بكر‹‪ ،‬ثم جاء عمر فبعث معك‬ ‫ع َّ‬
‫رقيب ًا ُيح�صي عليك؟!‪ ،‬و�أ�شاعت ذلك يف ن�سوة عمر‪ ،‬وا�شتكته لهنَّ !‪ ،‬فبلغ ذلك عمر؛ فدعا‬
‫معاذ ًا وقال‪�« :‬أ�أنا بعثت معك رقيباً يُح�صي عليك؟! فقال‪ :‬ال يا �أمري امل�ؤمنني‪ ،‬ولكنني مل‬
‫�أج ْد �شيئاً �أعتذر به �إليها �إال ذلك!‪ ،‬ف�ضحك عمر ‹‪ ،‬و�أعطاه �شيئ ًا وقال له‪ِ � :‬‬
‫أر�ضها به»(‪.)80‬‬
‫(‪( )74‬جمموع فتاوى ابن تيمية) جمع عبدالرحمن القا�سم (جـ‪� – 14 :‬ص‪.)112 – 111 :‬‬
‫(‪()75‬كنز العمال) للمتقي الهندي (جـ‪� - 16 :‬ص‪ - 159 :‬برقم‪ )44203 :‬والأثر �أخرجه ابن املبارك والإمام �أحمد يف الزهد‬
‫وابن �أبي الدنيا يف حما�سبة النف�س وغريهم‪.‬‬
‫(‪ )76‬املذق‪ :‬املزج واخللط‪ ،‬يقال‪ :‬مذقت اللنب �أي خلطته باملاء‪.‬‬
‫(‪�( )77‬صفوة ال�صفوة) لأبي الفرج ابن اجلوزي (جـ‪� - 4 :‬ص‪.)441 :‬‬
‫احلل�س‪ِ :‬ك�سا ٌء رقيق يكون على ظهر الدابة وحتت ال َقت َِب ِّ‬
‫وال�س ْرج‪،‬‬ ‫(‪ِ )78‬‬
‫َ‬
‫(‪ )79‬يريد بـ(الرقيب) اهلل على �سبيل التورية كي ال تعتب عليه زوجته‪.‬‬
‫(‪�( )80‬صور من حياة ال�صحابة) لعبدالرحمن ر�أفت البا�شا (�ص‪ )503 – 502 :‬طبعة دار النفائ�س‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الد َّي ُ‬
‫ان‬ ‫هيد ‪ -‬ا ْل َحاسِ ُ‬
‫ُ‬ ‫قيب ‪َّ -‬‬
‫الش‬ ‫ُ‬ ‫المجموعة الثانية والعشرون ‪ :‬ال َّر‬ ‫‪417‬‬

‫‪ æ‬عن عبد اهلل بن م�سعود ‹ قال‪ُ ( :‬ي�ؤْ َتى بالعبد والأ َم ِة(‪ )81‬يوم القيامة‪ ،‬ف ُينادي‬
‫منا ٍد على رءو�س الأولني والآخرين‪ :‬هذا فالن بن فالن‪ ،‬من كان له حق فلي�أت �إلى‬
‫احلق على �أبيها �أو �أخيها �أو زوجِ هَا‪ ،‬ثم قر�أ‪ } :‬ﯦ‬ ‫حقه!‪ ،‬فتفرح املر�أة �أن يكون لها ُّ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ {[امل�ؤمنون‪َ ،]101:‬ف َي ْغ ِف ُر‬
‫فين�صب للنا�س فينادي‪:‬‬ ‫اهلل مِ نْ َح ِّق ِه ما ي�شاء‪ ،‬وال َي ْغ ِف ُر من حقوق النا�س �شيئا‪َ ،‬‬
‫فالن بن فالنٍ ‪َ ،‬منْ كان له َح ٌّق فلي�أت �إلى َح ِّقهِ‪ ،‬فيقول‪َ :‬ر ِّب‪َ ،‬ف ِن َيت الدنيا!‪ ،‬من‬ ‫هذا ُ‬
‫�أين �أُو ِت ِي ْهم حقوقهم؟!‪ ،‬قال‪ :‬خذوا من �أعماله ال�صاحلة‪ ،‬ف�أعطوا كل ذي َح ِّق َح َّق ُه‬
‫مثقال َذ َّرةٍ‪� ،‬ضاعفها اهلل له حتى يدخلَه بها‬ ‫ُ‬ ‫ِب َق ْد ِر َطلَ َب ِتهِ‪ ،‬ف�إن كان ول ّياً هلل ف َف َ�ض َل له‬
‫الجْ َ َّن َة‪ ،‬ثم قر�أ‪} :‬ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ{[الن�ساء‪ ،]40:‬قال‪ :‬ا ْد ُخلِ الجْ َ َّن َة؛ و�إن كان عبدا �شقياً؛ قال المْ َلَ ُك‪:‬‬
‫وبقي طالبون كثري؟‪ ،‬فيقول‪ :‬خذوا من �س ِّيئاته ْم َف�أَ ِ�ضي ُفوهَا �إلى‬ ‫رب َف ِن َيتْ ح�سنات ُه‪َ ،‬‬ ‫ِّ‬
‫�س ِّيئا ِتهِ‪ ،‬ثم ُ�ص ُّكوا َل ُه َ�ص ًّكا(‪� )82‬إلى النار)(‪.)83‬‬
‫‪« æ‬مر ابن عمر براعي غنم‪ ،‬فقال‪ :‬يا راعي الغنم‪ ،‬هل من َج ْزرة(‪)84‬؟‪ ،‬قال الراعي‪:‬‬
‫لي�س ههنا ر ُّبها(‪ ،!)85‬قال ابن عمر‪ :‬تقول‪� :‬أكلها الذئب‪ ،‬فرفع الراعي ر�أ�سه �إلى ال�سماء‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬ف�أين اهلل؟!‪ ،‬فا�شرتى ابن عمر الراعي‪ ،‬وا�شرتى الغنم‪ ،‬ف�أعتقه‪ ،‬و�أعطاه الغنم»(‪.)86‬‬
‫‪ æ‬قال �سلمان الفار�سي ‹‪« :‬ال�صالة مكيال‪َ ،‬ف َمنْ َو َّفى مِ ْك َيا َل ُه ُوفيِّ َ َل ُه‪َ ,‬و َمنْ َط َّف َف‬
‫ني»(‪.)87‬‬‫فقد علمتم ما قال اهلل تعالى يف امل ُ َط ِّف ِف َ‬
‫(‪ )81‬العبد والأمة‪ :‬يف الأ�صل كل النا�س ُح ِّر ِهم وممَ ْ ُل ِوكهم‪� :‬إما ُء اللهَّ ِ َ‬
‫وع ِبي ُد ُه‪ ،‬فالعبدُ‪ :‬هو ال َّرجل‪ ،‬وال َأم ُة‪ :‬هي ا َملر�أة‪.‬‬
‫(‪)82‬ال�ص ُّك‪ :‬الكتاب‪ ،‬وقوله‪�ُ :‬ص ُّكوا َل ُه َ�ص ًّكا �أي‪ :‬اكتبوا له كتاب ًا‪.‬‬
‫َ‬
‫(‪�)83‬أخرجه ابن �أبي حامت يف تف�سريه (تف�سري القر�آن العظيم م�سندا) عند تف�سري �سورة (الن�ساء) الآية (‪ ،)40‬وقال عنه‬
‫ابن كثري يف تف�سريه‪( :‬ولبع�ض هذا الأثر �شاه ٌد يف احلديث ال�صحيح)‪ ،‬و�صحح الأثر �أحمد �شاكر يف حتقيقه لتف�سري الطربي‬
‫(جامع البيان)‪ ،‬وقال عنه‪( :‬فهذا الإ�سناد عند ابن �أبي حامت �إ�سناد �صحيح‪ ،‬واحلديث �أثر موقوف على ابن م�سعود‪ ،‬ولكني‬
‫�أراه من املرفوع حك ًما‪ .‬ف�إن ما ذكره ابن م�سعود مما ال يعرف بالر�أي‪ ،‬وما كان ابن م�سعود ليقول هذا من عند نف�سه‪ ،‬ولي�س هو‬
‫ممن ينقل عن �أهل الكتاب‪ ،‬وال يقبل الإ�سرائيليات)‪.‬‬
‫(‪ )84‬اجلزرة‪ :‬ال�شاة التي ت�صلح للذبح‪.‬‬
‫(‪ )85‬ر ُّبها‪� :‬أي مالكها‪.‬‬
‫(‪� )86‬أخرجه الطرباين و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة (جـ‪� - 7 :‬ص‪ )470 - 469 :‬عند تخريجه حلديث اجلارية‬
‫و�س�ؤال النبي ‪ ¤‬لها‪�( :‬أين اهلل؟) برقم (‪.)3161‬‬
‫(‪� )87‬أخرجه البيهقي يف (�شعب الإميان) (جـ‪� – 4:‬ص‪ )505 :‬برقم (‪ )2881‬وقال املحقق‪ :‬رجاله ثقات‪.‬‬
‫‪418‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪ æ‬ق��ال تعالى‪} :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬


‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ{ [الكهف‪ ،]49:‬كان ال ُف�ضيل بن ِع َيا�ض �إذا قر�أ هذه الآية‬
‫يقول‪ « :‬يا ويلتاه! �ضج ُّوا �إلى اهلل تعالى من ال�صغائر قبل الكبائر!»(‪.)88‬‬
‫‪ æ‬قال تعالى يف اليتامى‪ } :‬ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ‬
‫ﰎ {[الن�ساء‪ ،]6:‬قال ابن كثري‪�« :‬أي‪ :‬وكفى باهلل حما�سباً و�شهيداً ورقيباً على‬
‫الأولياء؛ يف حال نظرهم للأيتام‪ ،‬وحال ت�سليمهم للأموال؛ هل هي كاملة موفرة‪،‬‬
‫�أو منقو�صة مبخو�سة‪ ،‬مدخلة‪ ،‬مروج ح�سابها‪ ،‬مدل�س �أمورها؟»(‪.)89‬‬
‫‪ æ‬قال الف�ضيل بن عيا�ض‪« :‬ما تزين النا�س ب�شيء �أف�ضل من ال�صدق‪ ،‬واهلل‬
‫ي�س�أل ال�صادقني عن �صدقهم‪ ،‬منهم عي�سى ابن مرمي ‪ ,‬كيف بالكذابني امل�ساكني‪,‬‬
‫ثم بكى‪ ،‬وقال‪� :‬أتدرون يف �أي يوم ي�س�أل اهلل عي�سى ابن مرمي ‪:‬؟! يوم يجمع اهلل‬
‫فيه الأولني والآخرين �آدم فمن دونه ‪ ,‬ثم قال‪ :‬وكم من قبيح تك�شفه القيامة غدا»(‪.)90‬‬
‫‪ æ‬قال �سفيان الثوري لبع�ض �أ�صحابه‪« :‬لو ك��ان معكم من يرفع حديثكم �إلى‬
‫ال�سلطان �أكنتم تتكلمون ب�شيء؟! قالوا‪ :‬ال! قال‪ :‬ف�إن معكم من يرفع احلديث»(‪)91‬‬

‫يق�صد املالئكة الكتبة‪.‬‬


‫‪ æ‬قال �أبو حازم «�سلمة بن دينار»‪« :‬ما �أحببت �أن يكون معك يف الآخرة فقدمه‬
‫اليوم‪ ،‬وما كرهت �أن يكون معك يف الآخرة فاتركه اليوم»(‪.)92‬‬
‫‪ æ‬كان ابن م�سروق(‪ )93‬يقول‪�« :‬أنت يف هدم عمرك منذ خرجت من بطن �أمك! ‪..‬‬
‫ومن راقب اهلل يف َخ َط َرات قلبه ع�صمه اهلل يف حركات جوارحه»(‪.)94‬‬
‫‪ æ‬قال القا�سم بن حممد‪« :‬كنا ن�سافر مع اب��ن املبارك فكث ً‬
‫ريا ما ك��ان يخطر‬
‫(‪ )88‬تف�سري (اجلامع لأحكام القر�آن) للقرطبي عند تف�سري الآية (‪ )49‬من �سورة (الكهف)‪.‬‬
‫(‪()89‬تف�سري القر�آن الكرمي) البن كثري عند تف�سري الآية (‪ )6‬من �سورة (الن�ساء)‪.‬‬
‫(‪()90‬حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ‪� – 8 :‬ص‪.)108 :‬‬
‫(‪�( )91‬سري �أعالم النبالء) للإمام الذهبي (�ص‪ )1848 :‬يف ترجمة الإمام (�سفيان الثوري)‪.‬‬
‫(‪�()92‬صفة ال�صفوة) البن اجلوزي (جـ‪� – 2 :‬ص‪.)166 :‬‬
‫(‪� )93‬أبو العبا�س �أحمد بن حممد بن م�سروق الطو�سي‪.‬‬
‫(‪�()94‬صفة ال�صفوة) البن اجلوزي (جـ‪� – 4 :‬ص‪.)129 :‬‬
‫ب ‪ -‬الد َّي ُ‬
‫ان‬ ‫هيد ‪ -‬ا ْل َحاسِ ُ‬
‫ُ‬ ‫قيب ‪َّ -‬‬
‫الش‬ ‫ُ‬ ‫المجموعة الثانية والعشرون ‪ :‬ال َّر‬ ‫‪419‬‬

‫ببايل ف�أقول يف نف�سي‪ :‬ب�أيّ �شيء ُف�ضِّ ل هذا الرجل علينا حتى ا�شتهر يف النا�س هذه‬
‫ال�شهرة؟!‪� ،‬إن كان ي�صلي �إ َّنا لن�صلي! ولئن كان ي�صوم �إ َّنا لن�صوم!‪ ،‬و� ْإن كان يغ ُزو‬
‫ف�إنا لنغزو!‪ ،‬و�إن كان يحج �إ َّنا ُّ‬
‫لنحج!‪ ،‬قال‪ :‬فك َّنا يف بع�ض َم�سرينا يف طرق ال�شام ليلة‬
‫نتع�شى يف بيتٍ �إذ طفئ ال�سرا ُج‪ ،‬فقام بع�ضنا ف�أخذ ال�سراج وخرج َي�ست�صبح(‪ ،)95‬فمكث‬
‫فنظرت �إلى وجه ابن املبارك وحليته قد ابت َّلت من الدموع‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫بال�سراج‪،‬‬
‫هنية ثم جاء ّ‬
‫قلت يف نف�سي‪ :‬بهذه اخل�شية ُف�ضِّ ل هذا الرجل علينا‪ ،‬ولعله حني فقد ال�سراج ف�صار‬
‫الظلمة ذكر القيامة!»(‪.)96‬‬ ‫�إلى ُ‬
‫‪ æ‬قال الليث بن �سعد‪ :‬ر�أى مو�سى بن وردان يف املنام «عبد اهلل بن �أبى حبيبة» بعد‬
‫علي ح�سناتي و�سيئاتي‪ ،‬فر�أيت يف ح�سناتي حبات‬ ‫موته فقال له عبداهلل‪ُ « :‬عر�ضت َّ‬
‫رمان التقطتهن ف�أكلهن!‪ ،‬ور�أيت يف �سيئاتي خيطي حرير كانا يف قلن�سوتي!»(‪.)97‬‬
‫‪ æ‬قال حامت الأ�صم‪ :‬اختلفتُ �إل��ى �شقيق ثالثني �سنة فقال يل يوما‪� :‬أي �شيء‬
‫تعلمت؟‪ ،‬فقلت‪ :‬ر�أيت رزقي من عند ربي؛ فلم �أ�شتغل �إال بربي‪ ،‬ور�أيت �أن اهلل تعالى‬
‫علي ما تكلمت به؛ فلم �أنطق �إال باحلق‪ ،‬ور�أي��ت �أن اخللق‬ ‫وكل بي ملكني يكتبان َّ‬
‫ينظرون �إلى ظاهري‪ ،‬والرب تعالى ينظر �إلى باطني‪ ،‬فر�أيت مراقبته �أولى و�أوجب؛‬
‫ف�سقطت عني ر�ؤية اخللق‪ ،‬ور�أيت �أن اهلل م�ستحثاً يدعو اخللق �إليه‪ ،‬فا�ستعددت له‬
‫متى جاءين ال �أحتاج يقتلني‪ ،‬يعني ملك املوت‪ .‬فقال يل‪ :‬يا حامت ما خاب �سعيك»(‪.)98‬‬
‫‪ æ‬قال الأ�صمعي‪ :‬قال �أعرابي‪« :‬خرجت يف ليلة ظلماء ف�إذا �أنا بجارية ك�أنها علم‪،‬‬
‫ف�أردتها فقالت‪ :‬ويلك!‪� ،‬أما لك زاجر من عقل �إذ مل يكن لك ناه من دين؟!‪ ،‬قال‪� :‬إ ْيها‬
‫واهلل ما يرانا �إال الكواكب‪ ،‬فقالت‪ :‬و�أين مكوكبها؟!»(‪.)99‬‬
‫‪ æ‬جاء رج� ٌل �إل��ى �أب��ي يزيد الب�سطامي‪ ،‬وق��ال له‪ « :‬عظني!‪ ،‬فقال له‪� :‬أن�ظ��ر �إل��ى‬
‫ال�سماء!‪ ،‬فرفع الرجل ر�أ�سه ونظر �إلى ال�سماء!‪ ،‬فقال �أبو يزيد‪� :‬أتدري من خلقها؟!‪ ،‬قال‪:‬‬
‫(‪ )95‬ي�ست�صبح‪� :‬أي خرج يبحث عما يوقد به امل�صباح‪.‬‬
‫(‪�( )96‬صفوة ال�صفوة) لأبي الفرج ابن اجلوزي (جـ‪� - 4 :‬ص‪.)145 :‬‬
‫(‪( )97‬الروح) للإمام �أبن القيم (�ص‪.)25 :‬‬
‫(‪�()98‬صفة ال�صفوة) البن اجلوزي (جـ‪� – 4 :‬ص‪.)162-161 :‬‬
‫(‪�( )99‬صفوة ال�صفوة) لأبي الفرج ابن اجلوزي (جـ‪� - 4 :‬ص‪.)395 :‬‬
‫‪420‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫اهلل تعالى!‪ ،‬فقال له‪� :‬إن الذي خلقها مطلع عليك حيثما كنت فاحذره !»(‪.)100‬‬
‫‪ æ‬قال تعالى‪} :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ{[�ص‪ ،]28:‬قال ابن كثري‪�» :‬أي‪ :‬ال نفع ُل ذلك وال َي ْ�س َت ُوو َن عند‬
‫اب فيها هذا المْ ُطِ ي ُع‪َ ،‬و ُي َعا َق ُب فيها‬ ‫الَ ْم ُر كذلك فال ُب َّد من دَا ٍر �أخرى ُي َث ُ‬ ‫اهلل‪ ،‬و�إذا كان ْ أ‬
‫ال�سلِي َم َة َوا ْلف َِط َر المْ ُ ْ�س َتقِي َم َة على �أَ َّن ُه ال ُب َّد‬
‫هذا ا ْل َفاجِ ُر‪ ،‬وهذا الإر�شاد يدل ا ْل ُع ُقو َل َّ‬
‫الظالمِ َ ا ْل َباغِ َي يزداد ماله وولده ونعيمه وميوت‪ ،‬كذلك‬ ‫من َم َعا ٍد َو َج َزا ٍء َف ِ�إ َّنا نرى َّ‬
‫ونرى المْ ُطِ ي َع المْ َ ْظ ُلو َم ميوت ِب َك َمدِ هِ!‪ ،‬فال بد يف حِ ْك َم ِة احلكيم العليم العادل الذي ال‬
‫َي ْظ ِل ُم مِ ْث َقا َل َذ َّر ٍة من �إن�صاف هذا من هذا‪ ،‬و�إذا مل َي َق ْع هذا يف هذه الدار فتعني �أن‬
‫هناك داراً �أخرى لهذا الجْ َ َزا ِء َوالمْ ُ َو َ‬
‫ا�ساةِ»(‪.)101‬‬
‫�إِ َذا َما َخ َل ْو َت َّ‬
‫الد ْه َر َي ْو ًما(‪)102‬‬

‫�����ب‬ ‫�������ل َع����� َل َّ‬


‫�����ي َر ِق����� ْي ُ‬ ‫�������ك�������نْ ُق ْ‬ ‫َخ������� َل������� ْوتُ َو َل ِ‬ ‫�إِ َذا َم���ا َخ���� َل���� ْوتَ ال���� َّد ْه���� َر َي��� ْو ًم���ا َف�ل�ا تَ�� ُق ْ��ل‬
‫َوال �أَنَّ َم������ا َي����خْ ���� َف����ى َع���� َل���� ْي���� ِه َي��� ِغ��� ْي ُ‬
‫���ب‬ ‫����اع���� ًة‬
‫����ل � َ����س َ‬ ‫َولاَ تحَ ْ ������ َ�����س��َب��ننَ َّ َ‬
‫اهلل َي����غْ���� َف ُ‬
‫�وب َع� � � َل � ��ى �آ َث� � � � ��ار ِِه� � � � ��نَّ ُذ ُن� � � � � � ْو ُب‬ ‫ُذ ُن � � � � � � ٌ‬ ‫���ت‬ ‫َل���� َه���� ْو َن����ا َل���� َع���� ْم���� ُر ا ِ‬
‫هلل َح����تَّ����ى تَ���تَ���ا َب��� َع ْ‬
‫َو َي��������������������أْ َذنُ يف تَ������ ْو َب������ا ِت������ َن������ا َف����� َن�����تُ����� ْو ُب‬ ‫�����ض��ى‬‫اهلل َي����غْ���� ِف���� ُر َم�����ا َم َ‬‫����ت �أَنَّ َ‬ ‫َف���� َي����ا َل���� ْي َ‬
‫�����وم ُن���������� ُد ْو ُب‬
‫����ي ِل����� ْل����� ُه����� ُم ِ‬ ‫َو َح���������� َّل ِب���� َق���� ْل���� ِب ْ‬ ‫����ي‬ ‫����ي َم َ‬
‫����ذ ِاه���� ِب ْ‬ ‫���ت َع���� َل َّ‬
‫����ض���ا َق ْ‬‫�أَ ُق���������� ْو ُل �إِ َذا َ‬
‫َ�����اب َن����ِ���ص��� ْي ُ‬
‫���ب‬ ‫هَ ���� َل���� ْك����تُ َو َم�������ا ليِ يف ا َمل�����ت ِ‬ ‫�����م َخ ِ��ط�� ْي�� َئ�� ِت��ي‬ ‫�����ط����� ْو ِل ِج��� َن���ا َي���ا ِت���ي َو ُع ْ‬
‫�����ظ ِ‬ ‫ِل ُ‬
‫َف������أَ ْح����� َي�����ا َو�أَ ْر ُج��������������� ْو َع������فْ������ َو ُه َو َ�أ ِن������� ْي ُ‬
‫�������ب‬ ‫������ذ ِك������ ُرنيِ َع����فْ���� ُو ال���� َك����ريمْ ِ َع�����نْ ال������ َو َرى‬
‫َو ُي ْ‬
‫����ف ال���� َب���� ْل����وى َع���� َل َّ‬
‫����ي َي���� ُت ُ‬
‫����وب‬ ‫َع���� َ���س���ى َك����ا� ِ����ش ُ‬ ‫�لا‬ ‫���������ض���� ُع يف َق�����ويل َو�أَ َر ْغ ُ‬
‫������������ب ���س��ائ ً‬ ‫َف�����أَخْ َ‬
‫لأبي نوا�س‬
‫(‪( )100‬الزهر الفائح يف ذكر من تنزه عن الذنوب والقبائح) البن اجلزري (�ص‪( )87 :‬النا�شر‪:‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بتحقيق‬
‫حممد عبد القادر عطا‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1406 -‬هـ)‬
‫(‪ )101‬تف�سري ابن كثري‪ :‬عند تف�سريه الآية (‪ )28‬من �سورة (�ص)‪.‬‬
‫(‪ )102‬الق�صيدة لأبي نوا�س‪ ،‬وقد �أوردها ال�شيخ عبدالعزيز ال�سلمان ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬يف (جمموعة الق�صائد الزهديات) (جـ‪:‬‬
‫‪� – 1‬ص‪ )240 :‬دون عزوها لقائلها‪.‬‬
‫سيب‬
‫ُ‬ ‫الح‬ ‫الو ُ‬
‫كيل ‪َ -‬‬ ‫ستع ُ‬
‫ان ‪َ -‬‬ ‫َ‬ ‫الم‬
‫دود ‪ُ -‬‬
‫الو ُ‬
‫الم ْولَى ‪َ -‬‬
‫ِي ‪َ -‬‬
‫الول ُّ‬
‫المجموعة الثالثة والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪421‬‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ ‪23‬ـــــــــة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ا ْل ِوال َي ُة‬
‫(‪)84 - 83 - 82 - 81 - 80 - 79‬‬
‫ال َوليِ ُّ ‪ -‬املَ ْو َلى ‪ -‬ال َودو ُد ‪ -‬املُ�ست َع ُان‬
‫�سيب‬
‫حل ُ‬ ‫كيل ‪ -‬ا َ‬
‫ال َو ُ‬
‫‪422‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الـمجـمـوعـ ‪23‬ـة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ا ْل ِوال َي ُة‬
‫(‪)84 - 83 - 82 - 81 - 80 - 79‬‬
‫�سيب‬
‫حل ُ‬ ‫كيل ‪ -‬ا َ‬
‫ال َوليِ ُّ ‪ -‬املَ ْو َلى ‪ -‬ال َودو ُد ‪ -‬املُ�ست َعانُ ‪ -‬ال َو ُ‬
‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫‪ æ‬ال َوليِ ُّ ‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 13‬مرة)‪ ،‬منها قوله تعالى‪ }:‬ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ{[ال�شورى‪ ،]28:‬ومن‬
‫ال�سنة حديث عمرو بن العا�ص ‹‪ ،‬قال‪� :‬سمعت ر�سول اهلل ‪ ¤‬يقول‪�( :‬إن �آل �أبي لي�سوا‬
‫ب�أوليائي‪� ،‬إمنا َو ِل ِّي َي اهلل و�صالح امل�ؤمنني‪ ،‬ولكن لهم رحم �أبلها بباللها(‪.)2())1‬‬
‫‪ æ‬املَ ْو َلى‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 12‬مرة)‪ ،‬منها قوله تعالى‪ } :‬ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ{[احلج‪ ،]78:‬ومن حديث الرباء بن عازب ‹‪ :‬أن‬
‫�أبا�سفيان قال يوم �أحد‪« :‬لنا ال ُع ّزى وال ُع ّزى لكم»‪ ،‬فقال النبي ‪�( :¤‬أجيبوه)‪ ،‬قالوا‪ :‬ما‬
‫نقول؟‪ ،‬قال‪( :‬قولوا‪ :‬اهلل موالنا وال مولى لكم)(‪.)3‬‬
‫‪ æ‬ال َودو ُد‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي مرتني يف قوله تعالى‪}:‬ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ{[هود ‪ ،]90 :‬وقوله تعالى‪ }:‬ﮮ ﮯ ﮰ{[الربوج ‪:‬‬
‫‪ ،]14‬ومل يرد اال�سم يف ال�سنة النبوية ب�سند �صحيح‪.‬‬
‫‪ æ‬املُ�ست َعانُ ‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (مرتني)‪ ،‬يف قوله تعالى‪ } :‬ﮊ ﮋﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ{[يو�سف‪ ،]18:‬وقوله تعالى‪ } :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ‬
‫(‪� )1‬أبلها بباللها‪� :‬أي �أ�صلها ِب ِ�ص َل ِت َها‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري برقم (‪.)5990‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري برقم (‪.)4043‬‬
‫سيب‬
‫ُ‬ ‫الح‬ ‫الو ُ‬
‫كيل ‪َ -‬‬ ‫ستع ُ‬
‫ان ‪َ -‬‬ ‫َ‬ ‫الم‬
‫دود ‪ُ -‬‬
‫الو ُ‬
‫الم ْولَى ‪َ -‬‬
‫ِي ‪َ -‬‬
‫الول ُّ‬
‫المجموعة الثالثة والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪423‬‬

‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ {[الأنبياء‪ ،]112:‬ومن ال�سنة ما ورد عن ال�صحابي اجلليل عثمان‬


‫ابن عفان ‹‪ ،‬عندما فتح له �أبو مو�سى الأ�شعري ‹‪ ،‬احلائط‪ ،‬و�أخربه بقول النبي ‪:¤‬‬
‫«(افتح له‪ ،‬وب�شره باجلنة‪ ،‬على بلوى ت�صيبه) فقال عثمان‪ :‬اهلل امل�ستعان»(‪ ،)4‬وورد‬
‫‪�-‬أي�ض ًا‪ -‬من حديث قتادة بن النعمان ‹‪ ،‬وفيه قوله‪ .. :‬ف�أتيت ر�سول اهلل ‪ ¤‬فكلمته‬
‫فقال‪ :‬عمدت �إلى �أهل بيت ذكر منهم �إ�سالم و�صالح‪ ،‬ترميهم بال�سرقة على غري ثبت‬
‫وبينة؟!‪ ،‬قال قتادة‪ :‬فرجعت ولوددت �أين خرجت من بع�ض مايل ومل �أكلم ر�سول‬
‫اهلل ‪ ¤‬يف ذلك‪ ،‬ف�أتاين عمي رفاعة بن زيد‪ ،‬فقال‪ :‬يا ابن �أخي ما �صنعت؟‪ ،‬ف�أخربته‬
‫مبا ق��ال يل ر�سول اهلل ‪ ،¤‬فقال‪ :‬اهلل امل�ستعان‪ ،‬فلم يلبث �أن ن��زل ال �ق��ر�آن‪،)5()..‬‬
‫وممن عده و�أدرجه �ضمن �أ�سماء اهلل احل�سنى‪ :‬احلافظ ابن حجر(‪ ،)6‬والإمام القرطبي(‪،)7‬‬
‫وال�شيخ عبدالعزيز ابن باز(‪ )8‬رحمهم اهلل �أجمعني‪.‬‬

‫كيل‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 13‬مرة)‪ ،‬منها قوله تعالى‪ } :‬ﯶ ﯷ ﯸ‬ ‫‪ æ‬ال َو ُ‬
‫ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﰀﰁﰂﰃﰄﰅ‬
‫ﰆ{[�آل عمران‪ ،]173:‬ومن ال�سنة حديث �أبي �سعيد اخلدري‪� ،‬أن النبي ‪ ¤‬قال‪:‬‬
‫(كيف �أنعم؟!‪ ،‬و�صاحب القرن قد التقم القرن‪ ،‬وا�ستمع الإذن متى ي�ؤمر بالنفخ‬
‫فينفخ) فك�أن ذلك ثقل على �أ�صحاب النبي ‪ ،¤‬فقال لهم‪( :‬قولوا‪ :‬ح�سبنا اهلل ونعم‬
‫الوكيل‪ ،‬على اهلل توكلنا)(‪.)9‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري برقم (‪.)6216‬‬
‫(‪� )5‬أخرجه الرتمذي واحلاكم والطرباين وح�سنه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (‪ )3036‬باعتبار ترقيم (جامع الرتمذي)‬
‫و برقم (‪ )2432‬باعتبار ال�صحيح منه‪.‬‬
‫(‪( )6‬فتح البارئ �شرح �صحيح البخاري) البن حجر الع�سقالين (جـ‪� - 3 :‬ص‪.)2806:‬‬
‫(‪( )7‬الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي (�ص ‪.)76 :‬‬
‫(‪�( )8‬شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى يف �ضوء الكتاب وال�سنة) مل�ؤلفه �سعيد القحطاين (�ص‪ )2:‬حيث ذكر‪� :‬أنه اجتمع لديه �أكرث من‬
‫ت�سعة وت�سعني ا�سم ًا بالأدلة ال�صريحة الثابتة‪ ،‬وعر�ضها على �سماحة ال�شيخ عبدالعزيز بن ابن باز ‪-‬رحمه اهلل‪ ،‬ومن الأ�سماء‬
‫التي ثبتت ومل يدخلها يف �شرحه (امل�ستعان وامل�سعر والطيب والوتر)‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (‪.)1980‬‬
‫‪424‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫�سيب‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 3‬مرات)‪ ،‬منها قوله تعالى‪ } :‬ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ‬ ‫حل ُ‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫ﰌ ﰍ ﰎ{[الن�ساء‪ ،]86:‬ومن ال�سنة ق�صة الرجل الذي �أثنى على رجل عند النبي ‪¤‬‬
‫فقال ‪( :¤‬ويلك!‪ ،‬قطعت عنق �أخيك ‪ -‬ثالثا ‪ ،-‬من كان منكم مادح ًا ال حمالة فليقل‪:‬‬
‫�أح�سب فالنا‪ ،‬واهلل ح�سيبه‪ ،‬وال �أزكي على اهلل �أحد ًا‪� ،‬إن كان يعلم)(‪.)10‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬
‫‪ æ‬ال�� َوليِ ُّ ‪�« :‬صيغة مبالغة من ا�سم الفاعل ال��وايل‪ ،‬فعله َوليِ َ َيلِي وِالي � ًة‪،‬‬
‫والويل هو الذي يلي غريه بحيث يكون قريباً منه بال فا�صل»(‪ ،)11‬قال الزجاجي‪:‬‬
‫يل ف�لان‪� :‬أي هو متويل �أم��ره‪ ،‬والقيم ب�ش�ؤونه‪ ،‬ك�أنه يلي‬ ‫«تقول العرب‪ :‬ف�لان و ُّ‬
‫يل فالن �أي نا�صره‪ ،‬ك�أنه يوليه‬ ‫�إ�صالح �أم��ره بنف�سه‪ ،‬ال يكله �إلى غريه‪ ،‬وفالن و ُّ‬
‫ن�صره‪ ،‬فال يحول بينه وبينه»(‪ .)12‬وهو م�شتق من ال َوليْ ُ ‪� :‬أي القرب‪ ،‬ومنه قول النبي ‪¤‬‬
‫يل �ضد‬ ‫لربيبه عمر بن �أبي �سلمة ‪�«:‬سم اهلل‪ ،‬و ُكل مما َيليك»(‪� ،)13‬أي‪ :‬مما يقاربك‪ ،‬وال َو ُّ‬
‫العدو‪ ،‬واملواالة �ضد املعاداة‪.‬‬
‫‪ æ‬املَ ْو َلى‪ :‬م�شتق ‪�-‬أي�ض ًا‪ -‬من ال َوليْ ُ ‪� :‬أي القرب‪ ،‬وهو «م�صدر على وزن َمف َعل‪ ،‬فعله‬
‫ويل يلي ولياً ووالية‪ ،‬واملولى ا�سم يطلق على ال َّرب‪ ،‬واملالِك‪َّ ،‬‬
‫وال�س ْيد‪ ،‬وامل ْنعم‪ ،‬وامل ْعتق‪،‬‬
‫وال�ص ْهر‪ ،‬وال َع ْبد‪،‬‬ ‫وال َّن ِ‬
‫ا�صر‪ ،‬واملحِ ب‪ ،‬والتا ِبع‪ ،‬واجلار‪ ،‬وابن ال َع ّم‪ ،‬واحللِيف‪ ،‬وال َعقِيد‪ِّ ،‬‬
‫وامل ْنعم عليه»(‪ .)14‬و«(ا َمل�� ْو َل��ى)‪ :‬امل�أمول منه الن�صر واملعونة؛ لأن��ه امللك‪ ،‬وال ملج�أ‬
‫للمملوك �إال ملالكه»(‪ ،)15‬قال ابن عا�شور‪« :‬وامل َ ْولى‪ :‬الذي يتولى �أمر غريه ويدفع عنه‪،‬‬
‫وفيه معنى الن�صر»(‪.)16‬‬
‫(‪ )10‬رواه البخاري برقم (‪.)6162‬‬
‫(‪�( )11‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( )496:‬الويل)‪.‬‬
‫(‪( )12‬ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص‪.)113 :‬‬
‫(‪ )13‬رواه البخاري برقم (‪.)5378‬‬
‫(‪�( )14‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( )330:‬املويل)‪.‬‬
‫(‪ )15‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬و ل ي)‪.‬‬
‫(‪ )16‬تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور عند تف�سري (الأنفال‪.)40:‬‬
‫سيب‬
‫ُ‬ ‫الح‬ ‫الو ُ‬
‫كيل ‪َ -‬‬ ‫ستع ُ‬
‫ان ‪َ -‬‬ ‫َ‬ ‫الم‬
‫دود ‪ُ -‬‬
‫الو ُ‬
‫الم ْولَى ‪َ -‬‬
‫ِي ‪َ -‬‬
‫الول ُّ‬
‫المجموعة الثالثة والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪425‬‬

‫‪ æ‬ال َودو ُد‪�« :‬صيغة مبالغة من َو َّد َي َو ّد و َّداً‪ ،‬فهو وا ٌّد واملفعول َم ْودود‪َ ( ،‬و َّد الأمر)‪:‬‬
‫�أح َّبه ‪ ..‬و(ال َودودُ)‪ :‬الوا ّد لأهل طاعته‪ ،‬املحب لعبيده ب�إي�صال اخلريات �إليهم‪ ،‬املودود‬
‫لكرثة �إح�سانه‪ ،‬امل�ستحق لأن يو َّد ويعبد ويحمد»(‪ ،)17‬وقال يف الل�سان‪« :‬الو ُّد وامل َ َو َّدة‬
‫مبعنى احلب واملحبة‪ ،‬والودود املحب»(‪.)18‬‬
‫‪ æ‬املُ�ست َعانُ ‪« :‬ا�سم مفعول‪ ،‬يقال‪ :‬ا�ستعان به وا�ستعان �إياه»(‪ ،)19‬فعله «ا�ستعا َن‬
‫ني ا�ستعانة‪ ،‬فهو ُم�ستعني‪ ،‬واملفعول ُم�ستعان»(‪ ،)20‬قال الراغب‪« :‬اال�ستعانة‪:‬‬ ‫ي�ستع ُ‬
‫طلب ال�ع��ون‪ ،‬قال تعالى‪} :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫الظهري على الأَمر‪ .. ،‬تقول‪:‬‬ ‫ﯺ{[البقرة‪ ،)21(»]153:‬قال يف الل�سان‪« :‬ال َع ْو ُن‪َّ :‬‬
‫ا�س َت َع ْن ُته وا�س َت َعنْتُ به‪ ،‬ف�أَعا َنني وعاو َنني»(‪.)22‬‬
‫ْ‬
‫لا‪ ،‬فهو وا ِك��ل ووك �ي��ل»(‪ ،)23‬قال‬ ‫كيل‪�« :‬صفة م�شبهة من َو َك � َل َي� ِك� ُل ْك� ً‬‫‪ æ‬ال َو ُ‬
‫الزجاجي‪(« :‬ال َوكي ُل) فعيل من قولك‪ :‬وكلت �أمري �إلى فالن‪ ،‬وتوكل به �أي‪ :‬جعلته‬
‫يليه دوين وينظر فيه»(‪ ،)24‬وقال الراغب‪« :‬التوكيل �أن تعتمد على غريك‪ ،‬وجتعله‬
‫نائباً عنك‪ ،‬والوكيل فعيل مبعنى املفعول»(‪.)25‬‬
‫�سيب‪ :‬يف معناه قوالن‪:‬‬
‫حل ُ‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫الأول‪ :‬مبعنى الكايف ال��ذي منه كفاية العباد‪ ،‬ومنه قولهم‪ :‬ح�سيبك اهلل‪� :‬أي‬
‫ح�سب َح ْ�سب ًا‪،‬‬
‫ح�س َب َي ُ‬ ‫�سيب) هنا �صفة م�ش َّبهة للمو�صوف َ‬
‫باحل ْ�سب‪ ،‬فعله ُ‬ ‫َ‬
‫و(احل ُ‬ ‫كافيك اهلل‪،‬‬
‫(‪ )17‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬و د د)‪.‬‬
‫(‪( )18‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ‪� - 3 :‬ص‪.)454 :‬‬
‫(‪( )19‬عمدة القاري �شرح �صحيح البخاري) لبدر الدين العيني (املجلد الثامن) (جـ‪� - 16:‬ص‪.)201:‬‬
‫(‪ )20‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ع و ن)‪.‬‬
‫(‪( )21‬املفردات) للراغب الأ�صفهاين (جـ‪� - 2 :‬ص ‪.)460:‬‬
‫(‪( )22‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ‪� - 13 ::‬ص‪ )299 - 298 :‬مادة (عون)‪.‬‬
‫(‪ )23‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬و ك ل)‪.‬‬
‫(‪( )24‬ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص‪.)136 :‬‬
‫(‪( )25‬املفردات) للراغب الأ�صفهاين (جـ‪� - 2 :‬ص‪ )689 :‬مادة (وكل)‪.‬‬
‫‪426‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫�سيب) هو الكايف‪ ،‬الذي من كان له كان ح�سبه‪ ،‬واهلل‬ ‫فهو ح�سيب‪ ،‬قال الغزايل‪َ « :‬‬
‫(احل ُ‬
‫‪-‬تعالى‪ -‬ح�سيب كل �أحد وكافيه»(‪.)26‬‬
‫الثاين‪ :‬مبعنى املحا�سب على العمل‪ ،‬فهو �صيغة مبالغة من ا�سم الفاعل (احلا�سب)‬
‫ح�سب ِح�ساب ًا‪ ،‬فهو حا�سب‪« ،‬وهو املو�صوف مبحا�سبة غريه‪ ،‬واحل�ساب‬ ‫ح�س َب َي ُ‬
‫وفعله َ‬
‫�ضبط العدد‪ ،‬وبيان مقادير الأ�شياء املعدودة»(‪.)27‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬
‫‪ æ‬ال َوليِ ُّ ‪« :‬ن�صري امل�ؤمنني وظهريهم ؛ يتوالهم بعونه وتوفيقه»(‪ ،)28‬قال اخلطابي‪:‬‬
‫«(ال َوليِ ُّ )‪ :‬هو النا�صر‪ ،‬ين�صر عباده امل�ؤمنني ‪ ..‬وهو ‪�-‬أي�ضاً‪ -‬املتويل للأمر‪ ،‬والقائم‬
‫يل امل�ؤمنني‪� ،‬أي نا�صرهم‪ ،‬وم�صلح‬ ‫به‪ ،‬كويل اليتيم»(‪ ،)29‬وقال الزجاجي‪« :‬فاهلل و ٌّ‬
‫�ش�ؤونهم‪ ،‬واملثني عليهم»(‪ ،)30‬ويقول ابن القيم‪(« :‬ال�� َوليِ ُّ ) ويل ال�صاحلني‪ .. ،‬ومقيل‬
‫عرثاتهم‪ ،‬وغافر زالتهم‪ ،‬ومقيم �أعذارهم‪ ،‬وم�صلح ف�سادهم‪ ،‬والدافع عنهم‪ ،‬واملحامي‬
‫عنهم‪ ،‬والنا�صر لهم‪ ،‬والكفيل مب�صاحلهم‪ ،‬واملنجي لهم من كل كرب‪ ،‬وامل��ويف لهم‬
‫ب��وع��ده‪ ،‬و�أن��ه ول ّيهم ال��ذي ال ويل لهم ��س��واه‪ ،‬فهو موالهم احل��ق‪ ،‬ون�صريهم على‬
‫عدوهم‪ ،‬فنعم املولى ونعم الن�صري»(‪.)31‬‬
‫‪ æ‬املَ ْو َلى‪« :‬النا�صر املعني»(‪ ،)32‬قال اخلطابي‪(« :‬ا َمل ْو َلى) النا�صر‪ ،‬واملعني‪ ،‬وكذلك‬
‫الن�صري»(‪ ،)33‬ويقول احلليمي‪(« :‬ا َمل ْو َلى) امل�أمول منه الن�صر واملعونة؛ لأنه هو املالك‪،‬‬
‫وال َم ْف َز ُع للمملوك �إال مالكه»(‪ .)34‬وقال الرازي‪(« :‬ا َمل ْو َلى) ورد مبعنى ال�سيد والرب‬
‫(‪( )26‬املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص‪.)102 :‬‬
‫(‪�( )27‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( )620:‬احل�سيب)‪.‬‬
‫(‪( )28‬تف�سري الطربي) عند تف�سري الآية (‪ )257‬من �سورة البقرة‪.‬‬
‫(‪�( )29‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي �ص (‪.)78‬‬
‫(‪( )30‬ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص‪.)113 :‬‬
‫(‪( )31‬املرتع الأ�سنى ‪ ..‬من كتب ابن القيم) لعبد العزيز الداخل (�ص‪.)570 :‬‬
‫(‪( )32‬االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص‪.)47 :‬‬
‫(‪�( )33‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي �ص (‪.)101‬‬
‫(‪( )34‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪ )175 :‬وعزاه للحليمي‪.‬‬
‫سيب‬
‫ُ‬ ‫الح‬ ‫الو ُ‬
‫كيل ‪َ -‬‬ ‫ستع ُ‬
‫ان ‪َ -‬‬ ‫َ‬ ‫الم‬
‫دود ‪ُ -‬‬
‫الو ُ‬
‫الم ْولَى ‪َ -‬‬
‫ِي ‪َ -‬‬
‫الول ُّ‬
‫المجموعة الثالثة والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪427‬‬

‫والنا�صر فحيث قــــال‪َ } :‬ال َم ْو َلى َل ُه ْم{ �أراد ال نا�صر لهم‪ ،‬وحيث قال‪َ } :‬م ْولاَ هُ ُم‬
‫الحْ َ قّ { �أي ربهم ومالكهم»(‪.)35‬‬
‫احلبيب املُ ِح ُّب لأوليائه‪ ،‬يح ُّبهم ويح ُّبونه»(‪ ،)36‬قال ابن القيم‪(« :‬ال َودو ُد)‬
‫ُ‬ ‫‪ æ‬ال َودو ُد‪« :‬‬
‫‪ ..‬هو ال��ذي ُيحِ ُّب �أنبياءه ور�سله و�أول�ي��اءه وعباده امل�ؤمنني ‪ ..‬وهو املحبوب الذي‬
‫أحب �إلى العبد من �سمعه وب�صره وجميع‬ ‫احلب ك َّله‪ ،‬و�أن يكون � َّ‬ ‫ُّ‬
‫ي�ستحق �أن ُي َح َّب َّ‬
‫حمبوباته»(‪ ،)37‬وقال ال�شيخ ال�سعدي‪(« :‬ال َودو ُد) �أنه يحب عباده امل�ؤمنني ويحبونه‪،‬‬
‫فهو (فعول) مبعنى (فاعل) ومعنى (مفعول)»(‪.)38‬‬
‫‪ æ‬املُ�ست َعانُ ‪« :‬الذي ي�ستعان به على املطلوب»(‪ ،)39‬قال ابن القيم‪(« :‬املُ�ست َعانُ )‬
‫الذى ي�ستعان به على ح�صول املطلوب ودفع املكروه»(‪ ،)40‬وقال القرطبي‪(« :‬املُ�ست َعانُ )‬
‫الذي ال َي ْط ُل ُب العون‪ ،‬بل ُي ْطلَ ُب منه ‪ ..‬وكل �إعانة وعون فمنه وبه ‪�-‬سبحانه‪ -‬ال‬
‫�إله �إال هو»(‪ ،)41‬وقال النجدي‪(« :‬املُ�ست َعانُ ) الذي ُيطلب منه العون والقوة على فعل‬
‫الطاعات‪ ،‬وترك املحرمات‪ ،‬وجلب املنافع‪ ،‬ودفع امل�ضرات»(‪.)42‬‬
‫‪ æ‬ال َو ُ‬
‫كيل‪« :‬املتويل لتدبري خلقه‪ ،‬بعلمه‪ ،‬وكمال قدرته‪ ،‬و�شمول حكمته»(‪ ،)43‬قال‬
‫ابن القيم‪« :‬التوكل‪ :‬عزل النف�س عن الربوبية وقيامها بالعبودية‪ ،‬وهذا معنى كون‬
‫الرب وكيل عبده‪� :‬أي كافيه‪ ،‬والقائم ب�أموره وم�صاحله؛ لأنه نائبه يف الت�صرف‪،‬‬
‫فوكالة الرب عبده �أمر وتعبد و�إح�سان له‪ ،‬وخلعة منه عليه‪ ،‬ال عن حاجة منه وافتقار‬
‫(‪( )35‬تف�سري الطربي) عند تف�سري (الآية ‪� - 45‬سورة الن�ساء)‪.‬‬
‫(‪( )36‬التبيان يف �أميان القر�آن) البن القيم (�ص‪.)146 :‬‬
‫(‪( )37‬جالء الأفهام) البن القيم (�ص‪.)243:‬‬
‫(‪( )38‬تف�سري ال�سعدي) عند تف�سري (�سورة هود ‪ -‬الآية‪.)90 :‬‬
‫(‪( )39‬جمموع فتاوى ابن تيمية) جمع عبدالرحمن القا�سم (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)22 :‬‬
‫(‪( )40‬طريق الهجرتني و باب ال�سعادتني) البن القيم (�ص‪.)50:‬‬
‫(‪( )41‬الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي ‪ -‬حتقيق‪ :‬حممد ح�سن جبل وطارق �أحمد حممد (جـ‪�-1:‬ص‪.)545:‬‬
‫(‪( )42‬النهج الأ�سمى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) ملحمد احلمود النجدي (�ص ‪.)532:‬‬
‫(‪ )43‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)18 :‬‬
‫‪428‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫�إليه كمواالته‪ ،‬و�أما توكيل العبد ربه‪ :‬فت�سليم لربوبيته‪ ،‬وقيام بعبوديته»(‪ ،)44‬وقال‬
‫كيل) الكفيل ب�أرزاق العباد‪ ،‬والقائم عليهم مب�صاحلهم‪ ،‬وحقيقته �أنه‬ ‫اخلطابي‪(« :‬ال َو ُ‬
‫الذي ي�ستقل بالأمر املوكول �إليه‪ ،‬ومن هذا قول امل�سلمني (ح�سبنا اهلل ونعم الوكيل)‪:‬‬
‫�أي نعم الكفيل ب��أم��ورن��ا‪ ،‬والقائم ب �ه��ا»(‪ ،)45‬وق��ال احلليمي‪(« :‬ال َوكي ُل) هو املوكول‬
‫واملفو�ض �إليه‪ ،‬علماً ب�أن اخللق والأمر له‪ ،‬ال ميلك �أحد من دونه �شيئاً»(‪.)46‬‬
‫�سيب‪« :‬الكايف‪ ،‬الذي من كان له كان ح�سبه»(‪ ،)47‬قال ابن القيم‪« :‬وهو‬ ‫حل ُ‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫�سيب) كفاية وحماية‪ ،‬واحل�سب كايف العبدِ كل �أوان‪ .. ،‬قال تعالى‪ } :‬ﮧ ﮨ‬ ‫( َ‬
‫احل ُ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ{[الطالق‪ ،]3:‬كافيه‪ ،‬و(احل�سب) الكايف ‪ ..‬وقال تعالى‪}:‬ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ{ [الأنفال‪ ،]64:‬اهلل وحده كافيك وكايف‬
‫�سيب) العليم بعباده‪،‬‬ ‫�أتباعك فال حتتاجون معه �إلى �أحد»(‪ ،)48‬وقال ال�سعدي‪َ (« :‬‬
‫احل ُ‬
‫كايف املتوكلني‪ ،‬املجازي لعباده باخلري وال�شر بح�سب حكمته وعلمه بدقيق �أعمالهم‬
‫�سيب) باملعنى العام الذي يكفي العباد جميع ما‬ ‫وجليلها»(‪ ،)49‬وقال الهرا�س‪َ (« :‬‬
‫احل ُ‬
‫يهمهم من �أمر دينهم ودنياهم‪ ،‬فيو�صل �إليهم املنافع ويدفع عنهم امل�ضار‪ .‬وباملعنى‬
‫الأخ�ص الذي يكفي عبده املتقي املتوكل عليه كفاية خا�صة ي�صلح بها»(‪.)50‬‬
‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬
‫‪ æ‬ال�� َوليِ ُّ ‪ -‬املَ ْو َلى‪( :‬ال��� َوليِ ُّ ) ذو الوالية اخلا�صة لعباده امل�ؤمنني‪ ،‬التي تقت�ضي‬
‫العناية بهم‪ ،‬ون�صرهم‪ ،‬وتوفيقهم‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫(‪( )44‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ‪� - 2 :‬ص‪.)127 :‬‬
‫(‪�( )45‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)77 :‬‬
‫(‪( )46‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪ )212:‬وعزاه للحليمي‪.‬‬
‫(‪( )47‬املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص‪.)102 :‬‬
‫(‪( )48‬املرتع الأ�سنى ‪ ..‬من كتب ابن القيم) لعبد العزيز الداخل (�ص‪.)567 :‬‬
‫(‪ )49‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)18 :‬‬
‫(‪�( )50‬شرح الق�صيدة النونية) للدكتور الهرا�س (جـ‪� - 2:‬ص‪.)104:‬‬
‫سيب‬
‫ُ‬ ‫الح‬ ‫الو ُ‬
‫كيل ‪َ -‬‬ ‫ستع ُ‬
‫ان ‪َ -‬‬ ‫َ‬ ‫الم‬
‫دود ‪ُ -‬‬
‫الو ُ‬
‫الم ْولَى ‪َ -‬‬
‫ِي ‪َ -‬‬
‫الول ُّ‬
‫المجموعة الثالثة والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪429‬‬

‫ﭗ ﭘ ﭙﭚ{[البقرة ‪ ،]257 :‬و�أما (ا َمل ْو َلى) فباعتبار املعنى الأول (ال�سيد والرب‬
‫وامل��ال��ك) فهو �سبحانه ذو الوالية العامة للخلق �أجمعني؛ مبعنى �أن��ه �سيدهم ومالكهم‬
‫وخالقهم ومدبرهم واملت�صرف فيهم مبا �شاء‪ ،‬قال ال�شيخ ابن عثيمني‪« :‬والوالية نوعان‪:‬‬
‫خا�صة‪ ،‬كما قال تعالى‪ }:‬ﭑ ﭒ ﭓ‬ ‫اخلا�صة للم�ؤمنني َّ‬ ‫َّ‬ ‫وخا�صة‪ ،‬فالوالية‬
‫َّ‬ ‫عا َّمة‬
‫ﭔ{[البقرة‪ ،]257 :‬وهي التي تقت�ضي العناية مبن تواله اهلل ‪-‬ع َّز وج َّل‪ ،‬والتوفيق‬
‫ملا يحبه وير�ضاه‪� ،‬أما الوالية العامة‪ ،‬فهي ت�شمل كل �أحد‪ ،‬فاهلل ويل كل �أحد‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى‪ }:‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ{ [الأنعــــام‪:‬‬
‫‪ .)51(»]26‬وباعتبـــــار املعــــنى الثـــاين لـ (ا َمل ْو َلى) (النا�صر واملعني) كما يف قوله �سبحانه‪:‬‬
‫} ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ{[حممد‪]11 :‬؛ ف�إن االختالف‬
‫يف معنى اال�سمني يتوجه �إلى �أن (ا َمل ْو َلى) هو املق�صود‪ ،‬الذي ُيلج�أ �إليه لتويل جميع الأمور‪،‬‬
‫وامل�أمول منه الن�صر واملعونة‪ ،‬فهو ‪�-‬سبحانه‪ -‬الذي يق�صده �أوليا�ؤه امل�ؤمنون‪ ،‬فريكنون‬
‫�إليه‪ ،‬ويعتمدون عليه‪ ،‬ويحتمون به ‪�-‬سبحانه‪ -‬عند ال�شدة والرخاء‪ ،‬ويف ال�سراء وال�ضراء‪،‬‬
‫كما قال �سبحانه‪ } :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ{[احلج‪،]78:‬‬
‫بينما (ال�� َوليِ ُّ ) امل�ستجيب لأوليائه‪ ،‬الذي يحقق مرادهم‪ ،‬وي�ستجيب دعاءهم‪ ،‬ويوفقهم‪،‬‬
‫ويثبتهم‪ ،‬وين�صرهم‪ ،‬كما ق��ال �سبحانه‪ }:‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ{[ال�شورى‪ ،]28:‬وقوله تعالى‪ }:‬ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫ﰄﰅ{[الأعراف‪ ،]155:‬يقول الر�ضواين‪« :‬والفرق بني الويل واملولى �أن الويل هو‬
‫من تولى �أمرك وقام بتدبري حالك وحال غريك ‪� ..‬أما املولى فهو من تركن �إليه‪،‬‬
‫وتعتمد عليه‪ ،‬وحتتمي به عند ال�شدة والرخاء ويف ال�سراء وال�ضراء ‪.)52(»..‬‬
‫كيل‪ :‬الوالية ت�شمل معاين كثرية‪ ،‬وال تقت�صر‬‫‪ æ‬ال َوليِ ُّ ‪ -‬ال َودو ُد ‪ -‬املُ�ست َعانُ ‪ -‬ال َو ُ‬
‫على معنى واحد‪ ،‬وهي معنى عام يدخل حتته الكثري من ال�صور واملعاين؛ ولذا ُع َّد التوكل‬
‫(‪�( )51‬شرح دعاء قنوت الوتر) لل�شيخ ابن عثيمني عند قوله‪(:‬وتولنا فيمن توليت)‪.‬‬
‫(‪�( )52‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( )330:‬املويل)‪.‬‬
‫‪430‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫واملودة واال�ستعانة والن�صرة �آحاد ًا من �أفراد الوالية و�صور ًا من �صورها الكثرية‪ ،‬لأن الوالية‬
‫تبد�أ من املحبة واملودة‪ ،‬ومتتد مرور ًا بالتوكل والإنابة واال�ستعانة وغريها من �أعمال القلوب‬
‫والأب��دان‪ ،‬حتى تنتهي �إلى الن�صرة يف الدنيا والفوز بالآخرة‪ ،‬وكما قال ‪�-‬سبحانه‪ -‬داعي ًا‬
‫عباده �إلى تفوي�ض الأم��ر �إليه والتوكل عليه‪ ،‬والثقة بح�سن تدبريه �سبحانه لكونه (الويل‬
‫املولى)‪}:‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ{[التوبة‪ ،]51:‬وقال تعالى‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ{[�آل عمران‪ ،]122 :‬يقول �أبو حيان عند تف�سريه لهذه‬
‫الآية‪« :‬ملا ذكر ‪-‬تعالى‪ -‬ما همت به الطائفتان من الف�شل‪ ،‬و�أخرب ‪-‬تعالى‪� -‬أنه وليهما‪،‬‬
‫و َمنْ كان اهلل وليه فال يفو�ض �أمره �إال �إليه‪� ،‬أمرهم بالتوكل عليه»(‪ .)53‬كما �أن التوكل‬
‫على اهلل (الوكيل)‪ ،‬هو مقت�ضى واليته ‪�-‬سبحانه‪ -‬لعباده‪ ،‬فالعبد امل�ؤمن يوقن ب�أن اهلل هو‬
‫الويل املولى‪ ،‬مالك التدبري والت�صريف والإعانة‪ ،‬الذي تكفل مب�صالح العباد‪ ،‬ف�أجرى �أرزاقهم‬
‫اليهم‪ ،‬ودفع امل�صائب عنهم‪ ،‬ون�صرهم على �أعدائهم‪ ،‬مما يبعث يف قلب امل�ؤمن قوة اال�ستعانة‬
‫باهلل (املُ�ستعان)‪ ،‬والتوكل عليه‪ ،‬والتفوي�ض �إليه‪ ،‬والر�ضا به يف كل ما يجريه على عبده‪.‬‬
‫ويف املحبة والود‪ ،‬يقول اهلل وا�صف ًا �أولياءه‪ ،‬و�أنه ‪�-‬سبحانه ‪ -‬يحبهم ويحبونه‪} :‬ﮜ ﮝ‬
‫ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯬﯭﯮﯯ ﯰﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ{[املائدة‪ ،]56-54:‬ويقول‬
‫الر�سول ‪ ¤‬مو�ضح ًا �أو�صاف �أولياء اهلل وحمذر ًا من معاداتهم‪�( :‬إن اهلل قال‪ :‬من عادى يل‬
‫ولي ًا فقد �آذنته باحلرب‪ ،‬وما تقرب �إيل عبدي ب�شيء �أحب �إيل مما افرت�ضت عليه‪ ،‬وما‬
‫يزال عبدي يتقرب �إيل بالنوافل حتى �أحبه)(‪.)54‬‬
‫(‪ )53‬تف�سري (البحر املحيط) لأبي حيان (الآية ‪� – 122‬آل عمران)‪.‬‬
‫(‪ )54‬رواه البخاري برقم (‪.)6502‬‬
‫سيب‬
‫ُ‬ ‫الح‬ ‫الو ُ‬
‫كيل ‪َ -‬‬ ‫ستع ُ‬
‫ان ‪َ -‬‬ ‫َ‬ ‫الم‬
‫دود ‪ُ -‬‬
‫الو ُ‬
‫الم ْولَى ‪َ -‬‬
‫ِي ‪َ -‬‬
‫الول ُّ‬
‫المجموعة الثالثة والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪431‬‬

‫�سيب‪ :‬ربط الكفاية بالتوكل من ربط الأ�سباب مب�سبباتها‪ ،‬فاهلل‬ ‫حل ُ‬‫كيل ‪ -‬ا َ‬‫‪ æ‬ال َو ُ‬
‫‪�-‬سبحانه‪ -‬هو (ال َوكي ُل) الذي ُيعتمد عليه يف ق�ضاء احلوائج‪ ،‬ويفو�ض الأمر �إليه‪ ،‬وهو‬
‫�سيب) الذي يكفي من يثق به‪ ،‬ويح�سن التوكل عليه‪ ،‬ويحقق االلتجاء �إليه‪ ،‬وكلما كان‬ ‫(احل ُ‬‫َ‬
‫العبد ح�سنَ الظنّ باهلل‪ ،‬عظيم الرجاء فيما عنده‪� ،‬صادق التوكــــــل عليــــــــه‪ ،‬ف�إن اهلل‬
‫ال يخ ّيب �أمله فيـــــــــه البتـــــــة‪ ،‬قــــــال البقاعي يف تف�سري قولــــه تعــــــالى‪ }:‬ﰂ ﰃ‬
‫«}ح ْ�س ُب َنا{ �أي كافينا اهلل امللك الأعلى يف‬ ‫ﰄ ﰅ ﰆ{[�آل عمران‪َ :]173:‬‬
‫القيام مب�صاحلنا‪ ،‬ومل��ا ك��ان ذل��ك هو �ش�أن الوكيل وك��ان يف الوكالء من ي��ذم قال‪:‬‬
‫} ﰅ ﰆ{ �أي املوكول �إليه املفو�ض �إليه جميع الأمور»(‪ ،)55‬وقد ي�ستبطئ‬
‫العبد املتوكل كفاية اهلل له يف نوائبه وحاجاته‪ ،‬وهذا من عجلة العبد وغفلته عن ِح َكم اهلل‬
‫الباهرة الذي جعل لكل �شيء قدر ًا‪ ،‬يقول ابن القيم‪« :‬ومن ذلك قوله تعالى‪ }:‬ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ{[الطالق‪،]3:‬‬
‫فلما ذك��ر كفايته للمتوكل عليه‪ ،‬فرمبا �أوه��م ذل��ك تعجيل الكفاية وق��ت التوكل‪،‬‬
‫فعقبه بقوله‪ } :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ{ �أي وقتاً ال يتعداه‪ ،‬فهو ي�سوقه �إلى‬
‫وقته الذي قدره له‪ ،‬فال ي�ستعجل املتوكل ويقول‪ :‬قد توكلت ودعوت فلم �أ َر �شيئاً‪،‬‬
‫ومل حت�صل يل الكفاة‪ ،‬فاهلل بالغ �أمره يف وقته الذي قدره له»(‪.)56‬‬
‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬
‫‪ æ‬املَ ْو َلى ‪ -‬ال َوليِ ُّ ‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سميه ‪�-‬سبحانه (ال َوليِ ّ ) و(ا َمل ْو َلى) «�صفتا‬
‫(ا ْل ِوال َية) َو(المْ ُ َواالة)»(‪« ،)57‬وهما من �صفات الأفعال»(‪ ،)58‬قال تعالى‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ{[البقرة ‪ ،]257 :‬وقوله تعالى‪ }:‬ﰃ ﰄ ﰅ‬
‫(‪ )55‬تف�سري (نظم الدرر) للبقاعي عند تف�سري (�آل عمران‪.)173 :‬‬
‫(‪�( )56‬إعالم املوقعني عن رب العاملني) البن القيم (جـ‪� - 4 :‬ص‪)161 :‬‬
‫(‪�( )57‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)272:‬‬
‫(‪�( )58‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( )498 - 331:‬الويل واملويل)‪.‬‬
‫‪432‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ{[حممد‪ ،]11:‬ومن ال�سنة قوله ‪ ..(:¤‬اللهم‬


‫�آت نف�سي تقواها‪ ،‬وزكها �أنت خري من ز َّكاها‪� ،‬أنت وليها وموالها ‪.)59()..‬‬
‫‪ æ‬ال َودو ُد‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال َودود) «�صفة (ال ِود) وهي من‬
‫�صفات الأفعال»(‪ ،)60‬قال تعالى‪} :‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ{[هود‪ ،]90:‬قال ابن القيم‪(« :‬ال�� َو ُد ُود) امل ُ َت َودِّد �إلى عباده بنعمه‪ ،‬الذي َي َو ُّد من‬
‫تاب �إليه و�أقبل عليه‪ ،‬وهو ال َو ُد ُود ‪�-‬أي�ضاً‪� -‬أي املحبوب»(‪.)61‬‬
‫‪ æ‬املُ�ست َعانُ ‪ُ « :‬ي��و� َ��ص� ُ�ف اهلل ‪َ -‬ع � َّز َ‬
‫وج� � َّل‪ -‬ب��أن��ه (امل�ستعان)‪ ،‬ال��ذي ي�ستعني به‬
‫ع�ب��اده فيعينهم‪ ،‬وه��ذا ث��اب��ت بالكتاب وال ��� ُّ�س � َّن��ة»(‪ ،)62‬ق��ال تعالى‪ } :‬ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫وفيها‪� .. ( :‬إذا‬ ‫ﭥ{[الفاحتة‪ ،]5:‬ومن ال�سنة و�صية الر�سول ‪ ¤‬البن عبا�س‬
‫�س�ألت فا�س�أل اهلل‪ ،‬و�إذا ا�ستعنت فا�ستعن باهلل ‪ ،)63()..‬قال القرطبي ‪(« :‬املُ�ست َعانُ )‬
‫ُم ْ�ستف َعل من العون‪ ،‬وهو و�صف ذاتي هلل ‪-‬تعالى»(‪.)64‬‬
‫كيل‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه �سبحانه (ال َوكيل) «�صفة التوكل بالغري وهي‬ ‫‪ æ‬ال َو ُ‬
‫�صفة من �صفات الأفعال»(‪ ,)65‬قال تعالى‪َ }:‬و َت َو َّك ْل َع َلى اللهَّ ِ َو َك َفى ِباللهَّ ِ َو ِكيال{[الأحزاب‪،]3:‬‬
‫املجاهد يف �سبيل اهلل‬
‫ِ‬ ‫ثل‬
‫ومن ال�سنة حديث �أبي هريرة ‹‪ ،‬قال‪ :‬قال ر�سول اهلل ‪َ ( :¤‬م ِ‬
‫‪ -‬واهلل �أعلم مبن يجاهد يف �سبيله ‪ -‬كمثل ال�صائم القائم‪ ،‬وتو َّكل اهلل للمجاهد يف‬
‫دخ َلهُ اجلنة‪� ،‬أو ُي ْر ِج َعهُ �سامل ًا مع � ٍ‬
‫أجر �أو غنيمة)(‪.)66‬‬ ‫�سبيله �إن تو َّفاه‪� :‬أن ُي ِ‬
‫(‪ )59‬رواه م�سلم برقم (‪.)2722‬‬
‫(‪�( )60‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)494:‬الودود)‬
‫(‪( )61‬التبيان يف �أميان القر�آن) البن القيم (�ص‪.)146 - 145 :‬‬
‫(‪�( )62‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)231 :‬‬
‫(‪ )63‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)7957‬‬
‫(‪( )64‬الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي ‪ -‬حتقيق‪ :‬حممد ح�سن جبل وطارق �أحمد حممد (جـ‪�-1:‬ص‪.)545:‬‬
‫(‪�( )65‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( )607 :‬الوكيل)‪.‬‬
‫(‪ )66‬رواه البخاري برقم‪.)2787( :‬‬
‫سيب‬
‫ُ‬ ‫الح‬ ‫الو ُ‬
‫كيل ‪َ -‬‬ ‫ستع ُ‬
‫ان ‪َ -‬‬ ‫َ‬ ‫الم‬
‫دود ‪ُ -‬‬
‫الو ُ‬
‫الم ْولَى ‪َ -‬‬
‫ِي ‪َ -‬‬
‫الول ُّ‬
‫المجموعة الثالثة والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪433‬‬

‫حل�سيب) «�صفة (ا َ‬
‫حل ْ�ســـــب)»(‪)67‬‬ ‫�سيب‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ا َ‬
‫حل ُ‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫‪ ..‬ق��ال تعالى‪ }:‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ{[الأنفال‪ ،]62:‬ومن ال�سنة ق�صة الرجل الذي �أثنى على رجل عند النبي‪¤‬‬
‫فقال ‪( :¤‬ويلك!‪ ،‬قطعت عنق �أخيك ‪ -‬ثالثا ‪ -‬من كان منكم مادح ًا ال حمالة‬
‫فليقل‪� :‬أح�سب فالنا‪ ،‬واهلل ح�سيبه‪ ،‬وال �أزكي على اهلل �أحد ًا‪� ،‬إن كان يعلم(‪ ،)68‬قال‬
‫ابن القيم‪َ }«:‬و َمنْ َي َت َو َّك ْل َع َلى اللهَّ ِ َف ُه َو َح ْ�س ُبهُ{‪� :‬أي كايف من يثق به يف نوائبه ومهماته‪،‬‬
‫حل ْ�س ُب) الكايف‪َ } ،‬ح ْ�س ُب َنا اللهَّ ُ { كافينا اهلل»(‪.)69‬‬
‫يكفيه كل ما �أهمه‪ ،‬و(ا َ‬

‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬


‫‪ æ‬الحْ َ مِيدُ ‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال َوليِ ّ ) مرة واحدة يف قوله تعالى‪:‬‬
‫}ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ{[ال�شورى‪ ،]28:‬وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪� -‬أن‬
‫«اهلل هو الذي يتولى �ش�ؤون عباده‪ ،‬ويدبر �أمورهم على نحو ي�ستوجب احلمد‬
‫والثناء؛ الت�صافه ب�صفات الكمال من العلم واحلكمة واخل�برة والعزة‪ ..‬فواليته‬
‫مو�صوفة بالكمال‪ ،‬وما كمل كان جدي ًرا يف ذاته باحلمد والثناء‪ ،‬فكيف �إذا كان يف‬
‫ذلك �صالح من حتت واليته‪ ،‬وا�ستقامة �أمورهم؟‪ ،‬ولذلك كان اهلل ‪ -‬وحده ‪ -‬احلقيق‬
‫باحلمد على املنع‪ ،‬وعلى العطاء‪ ،‬وعلى املحبوب وعلى املكروه‪ ،‬وال يحمد على املكروه‬
‫�سواه»(‪ ،)70‬قال ال�شيخ ال�سعدي‪} « :‬ﯧ ﯨ{‪ :‬الذي يتولى عباده ب�أنواع التدبري‪،‬‬
‫ويتولى القيام مب�صالح دينهم ودنياهم‪ } ،‬ﯩ{ يف واليته وتدبريه‪} ،‬ﯩ{‬
‫على ما له من الكمال‪ ،‬وما �أو�صله �إلى خلقه من �أنواع الإف�ضال» (‪.)71‬‬
‫(‪�( )67‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( )621:‬احل�سيب)‪.‬‬
‫(‪ )68‬رواه البخاري برقم (‪.)6162‬‬
‫(‪( )69‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ‪� - 1:‬ص‪.)471 :‬‬
‫(‪( )70‬مطابقة �أ�سماء اهلل احل�سنى) د‪ .‬جنالء كردي (�ص‪.)660 :‬‬
‫(‪( )71‬تف�سري ال�سعدي عند تف�سري الآية (‪ )28‬من �سورة (ال�شورى) (�ص‪.)705:‬‬
‫‪434‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ري‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحــــانـــــه (ال َوليِ ُّ ) مرة واحــــدة يف قولــه‬
‫‪ æ‬الن َِّ�ص ُ‬
‫تعالى‪ }:‬ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ{[الن�ساء‪ .]45:‬وورد‬
‫االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ا َمل ْو َلى) (‪ 4‬مرات) منها قوله تعالى‪}:‬ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ{[الأنفال‪ ،]40:‬وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم‬
‫‪� -‬أن «اهلل هو مولى عباده امل�ؤمنني بوالية خا�صة‪ ،‬فهو ‪�-‬سبحانه‪ -‬نا�صرهم‬
‫وم�ؤيدهم‪ ،‬واالق�تران هنا يف هاتني الآيتني ي��راد به املعنى اخلا�ص‪� :‬أي �أن ا�سمه‬
‫‪�-‬سبحانه (الن�صري) هو مقت�ضى ا�سمه ‪�-‬سبحانه (املولى)»(‪ .)72‬يقول البقاعي‪« :‬وملا‬
‫كان الويل قد (ال تكون)(‪ )73‬فيه قوة الن�صرة‪ ،‬والن�صري قد ال يكون له �شفقة الويل‪،‬‬
‫وكانت الن�صرة �أعظم ما ُيحتاج �إل��ى ال��ويل فيه؛ �أفردها بالذكر �إعالماً باجتماع‬
‫الو�صفني‪ ،‬مكرراً الفعل واال�سم الأعظم اهتماماً ب�أمرها فقال‪َ }:‬و َك َفى ِباللهَّ ِ { �أي‬
‫الذي له العظمة كلها } َن ِ�صري ًا{ �أي ملن وااله فال ي�ضره عداوة �أحد‪ ،‬فثقوا بواليته‬
‫ون�صرته دونهم‪ ،‬وال تبالوا ب�أحد منهم وال من غريهم‪ ،‬فهو يكفيكم اجلميع»(‪،)74‬‬
‫ويقول ال�شعراوي‪« :‬هناك قريب‪ ،‬وهناك ‪�-‬أي�ضاً‪ -‬ن�صري‪ ،‬فقد يكون هناك من هو‬
‫قريب منك وال ين�صرك‪ ،‬لكن اهلل و ّ‬
‫يل ون�صري»(‪.)75‬‬
‫‪ æ‬القدير‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه �سبحانه (الويل) مرة واحدة يف قوله تعالى‪:‬‬
‫} ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ{‬
‫[ال�شورى‪ ،]9:‬واحلكمة يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم – لتقرير من هو �أحق بالوالية؟ هل هي‬
‫تلك املعبودات التي ال متلك لنف�سها �ضرا وال نفع ًا ف�ضال عن �أن متلكه لغريها‪� ،‬أم هو اهلل‬
‫الواحد القهار الذي يحيي املوتى وهو على كل �شيء قدير؟‪ ،‬فهو احلقيق �سبحانه ب�أن ُيتخذ‬
‫(‪( )72‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪.)474 :‬‬
‫(‪ )73‬يف الأ�صل (تكون) ولعلها (ال تكون) كي ي�ستقيم املعنى‪� ،‬أ�سوة بتف�سري البقاعي لآية الن�ساء (ال يكون فيه قوة الن�صر)‪.‬‬
‫(‪( )74‬نظم الدرر يف تنا�سب الآيات وال�سور) للبقاعي (الن�ساء ‪ -‬الآية ‪.)45‬‬
‫(‪( )75‬تف�سري خواطر حممد متويل ال�شعراوي) (�سورة الن�ساء ‪ -‬الآية ‪( )45‬جـ‪� - 4 :‬ص‪.)2278 :‬‬
‫سيب‬
‫ُ‬ ‫الح‬ ‫الو ُ‬
‫كيل ‪َ -‬‬ ‫ستع ُ‬
‫ان ‪َ -‬‬ ‫َ‬ ‫الم‬
‫دود ‪ُ -‬‬
‫الو ُ‬
‫الم ْولَى ‪َ -‬‬
‫ِي ‪َ -‬‬
‫الول ُّ‬
‫المجموعة الثالثة والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪435‬‬

‫فليخ�صوه بالوالية‪ ،‬دون من ال يقدر على �شيء‪ ،‬يقول القا�سمي‪ } « :‬ﯣ ﯤ ﯥ {‬


‫ُّ‬ ‫ولي ًا‪،‬‬
‫�أي‪ :‬هو الذي يجب �أن ُيتولى وحده‪ ،‬و ُيعتقد �أنه املولى وال�سيد دون غريه‪ ،‬لتوليه‬
‫�سبحانه كل �شيء‪ ،‬و�سلطانه وحكمه ‪ } ..‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ{ �أي‪:‬‬
‫هو املحيي القادر‪ ،‬فكيف ت�ستقيم والية غريه؟»(‪.)76‬‬
‫‪ æ‬الحْ َ قّ ‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ا َمل ْو َلى) مرتني‪ ،‬قال تعالى‪ }:‬ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ{[الأنعام‪ ] 62:‬و[يون�س‪ ،]30:‬ذلك للإ�شارة �إلى �أنه ال مولى وال رب‬
‫وال مالك بحق �إال اهلل وحده ‪�-‬سبحانه‪ .‬فملك اهلل حق‪ ،‬و�صفات الكمال ال تكون حقيقة �إال‬
‫له ‪�-‬سبحانه‪ ،‬بينما غريه من اخللق‪ ،‬و�إن كان له ملك يف بع�ض الأوقات‪ ،‬على بع�ض الأ�شياء‪،‬‬
‫«}م ْولاَ هُ ُم{ �أي ربهم }الحْ َ قّ {‬
‫ف�إنه ملك قا�صــــر باطل زائل‪ ،‬يقول الألو�سي يف تف�سريه‪َ :‬‬
‫ال»(‪.)77‬‬ ‫�أي املتحقق ال�صادق يف ربوبيته ال ما اتخذوه رباً باط ً‬
‫يم الحْ َ ِك ُ‬
‫يـــــم‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحانـــــــه (ا َمل ْو َلى) مرة واحدة يف‬ ‫‪ æ‬ا ْل َع ِل ُ‬
‫قوله تعــــــــالى‪ }:‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ{[التحرمي‪،]2:‬‬
‫وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬الإ�شارة �أن اهلل (ا َمل ْو َلى) يفعل مع امل�ؤمنني فعل القريب‬
‫ال�صديق‪ ،‬الذي يعلم م�صاحلهم‪ ،‬وي�ضع ‪� -‬سبحانه ‪ -‬كل ما ي�صدر عنه �إليهم يف �أتقن‬
‫حماله و�أحكم موا�ضعه‪ ،‬يقول ابن عا�شور‪« :‬هو النا�صر ومتويل تدبري ما �أ�ضيف �إليه‪،‬‬
‫واملي�سر ‪ ..‬وعطف عليها جملة } َوهُ َو ا ْل َع ِل ُيم الحْ َ ِك ُيم{ �أي‬
‫وهو هنا كناية عن الر�ؤوف ّ‬
‫العليم مبا ي�صلحكم فيحملكم على ال�صواب والر�شد وال�سداد‪ ،‬وهو احلكيم فيما‬
‫ي�شرعه‪� ،‬أي يجري �أحكامه على احلكمة‪ ،‬وهي �إعطاء الأ ْفعال ما تقت�ضيه حقائقها‬
‫دون الأوهام والتخيالت»(‪.)78‬‬
‫(‪)76‬تف�سري القا�سمي (حما�سن الت�أويل) (جـ‪� - 14:‬ص‪ )292-291:‬عند تف�سري الآية (‪ )9‬من �سورة ال�شورى‪.‬‬
‫(‪ )77‬تف�سري (روح املعاين) للألو�سي (الآية ‪� - 30‬سورة يون�س)‪.‬‬
‫(‪ )78‬تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور عند تف�سري (التحرمي‪.)2 :‬‬
‫‪436‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪:‬‬


‫‪ æ‬الأثر العلمي االعتقادي‪:‬‬
‫اهلل ‪� -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬هو (ال�� َوليِ ُّ ‪ -‬املَ ْو َلى ‪ -‬ال�� َودو ُد ‪ -‬املُ�ست َعانُ ‪ -‬ال َو ُ‬
‫كيل‬
‫�سيب)‪ ،‬الذي تكفل ب�أمور اخلالئق جميعها بواليته العامة‪ ،‬وخ�ص �أوليائه امل�ؤمنني‬ ‫حل ُ‬ ‫‪-‬ا َ‬
‫بواليته اخلا�صة‪ ،‬فهو ‪� -‬سبحانه ‪ -‬ويل امل�ؤمنني‪ ،‬يحبهم ويحبونه‪ ،‬ي�ستعينون به؛ فيعينهم‬
‫ويتولى �أمرهم‪ ،‬ويدبر �أحوالهم‪ ،‬وهو موالهم امل�ستعان الوكيل‪ ،‬الذي يركنون �إليه‪ ،‬ويعتمدون‬
‫عليه‪ ،‬وي�ستعينون به عند ال�شدة والرخاء‪ ،‬ويف ال�سراء وال�ضراء‪ ،‬وهو ح�سيبهم الذي كفاهم‪،‬‬
‫وحقق مرادهم‪ ،‬وغفر ذنوبهم و�أيدهم ون�صرهم على �أعدائهم ‪ ..‬فنعم املولى ونعم الن�صري‪.‬‬
‫‪ æ‬الأثر العملي‪:‬‬
‫‪ 1.1‬حمبة اهلل و�إف��راده وحده بالعبادة‪ ،‬ونفيها عما �سواه‪ ،‬والطم�أنينة والثقة‬
‫يف ن�صرته وكفايته‪ ،‬و�صدق التوكل عليه ‪�-‬سبحانه‪ ،‬واليقني بذهاب �أعداء اهلل‬
‫و�أع��داء �أوليائه‪ ،‬وقطع دابرهم‪ ،‬و�إن ظهروا يف وقت ما فلحكمة‪ ،‬ونهايتهم �إلى‬
‫زوال؛ لأنهم مقطوعوا ال�صلة باهلل ‪ ،‬يقول الإمام ابن القيم ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪:‬‬
‫ال‪ ،‬وك�شف له عن معاين هذا اال�سم ولطفه‪،‬‬ ‫«فمن ظهر له ا�سم (الودود) مث ً‬
‫وتع ُّلقه بظاهر العبد وباطنه‪ ،‬كان احلال احلا�صل له من ح�ضرة هذا اال�سم‬
‫حب و�شوقٍ ول��ذ ِة ال �أحلى منها‪ ،‬وال �أطيب‬
‫منا�س ًبا له‪ ،‬فكان حال ا�شتغال ٍّ‬
‫بح�سب ا�ستغراقه يف �شهود معنى هذا اال�سم ِّ‬
‫وحظه من �أث��ره»(‪ ،)79‬وهذا‬
‫يثمر جتريد املحبة هلل ‪-‬تعالى‪ -‬والعبودية ال�صادقة له ‪�-‬سبحانه‪  .‬‬
‫‪2.2‬ال�سعي �إلى نيل والية اهلل واالت�صاف ب�صفات �أوليائه املتقني‪ ،‬وذلك بتحقيق‬
‫عبوديته ‪�-‬سبحانه‪ -‬وتقواه والتقرب �إليه بالعمل ال�صالح‪ ،‬فبهذا تنال والية اهلل‬
‫‪-‬تعالى‪ -‬كما قال �سبحانه‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫(‪( )79‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ ‪� :3‬ص ‪.)149‬‬
‫سيب‬
‫ُ‬ ‫الح‬ ‫الو ُ‬
‫كيل ‪َ -‬‬ ‫ستع ُ‬
‫ان ‪َ -‬‬ ‫َ‬ ‫الم‬
‫دود ‪ُ -‬‬
‫الو ُ‬
‫الم ْولَى ‪َ -‬‬
‫ِي ‪َ -‬‬
‫الول ُّ‬
‫المجموعة الثالثة والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪437‬‬

‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ{[يون�س‪ ،]63-62:‬وقوله‬
‫تعالى ‪ } :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ{[الأنعام‪:‬‬
‫‪� .]127‬أما من يزعم �أنه من �أولياء اهلل‪ ،‬وهو بعيد عن التوحيد ولزوم الكتاب‬
‫وال�س َّنة‪ ،‬وذلك مبا يعرف عنهم من ال�شرك وال�شعوذة واخلرافات‪ ،‬والوقوع يف ما‬‫ُّ‬
‫نهى اهلل عنه‪ ،‬وترك ما �أمر به‪ ،‬فه�ؤالء �أبعد ما يكونون عن �أولياء اهلل ‪-‬تعالى‪،‬‬
‫وهم �أولياء ال�شيطان وحزبه‪  .‬‬
‫‪�3.3‬صدق التوكل على اهلل وحده يف جلب املنافع‪ ،‬ودفع امل�ضار ونف�ض القلب واليد عمن‬
‫�سواه؛ لأنه ‪�-‬سبحانه‪ -‬ال�ضامن لرزق عباده املدبر ل�ش�ؤونهم‪ ،‬الكايف مل�صاحلهم‬
‫بحكمة وعلم وقدرة مطلقة‪ ،‬وهذا يقت�ضي عدم التعلق بالأ�سباب مع فعلها؛ لأن‬
‫اهلل ‪ -‬تعالى ‪� -‬أمر بالأخذ بالأ�سباب ال�شرعية والنظر فيها �إلى م�سببها وخالقها‬
‫وهو اهلل ‪�-‬سبحانه‪ -‬الذي �إن �شاء نفع بها‪ ،‬و�إن �شاء �أبطلها فعاد الأمر والت�أثري‬
‫والتدبري �إلى اهلل وحـده الذي ال يعجـزه �شيء يف الأر�ض وال يف ال�سـماء‪ .‬‬
‫‪4.4‬حمبة �أولياء اهلل ‪-‬تعالى‪ ،‬وتوليهم ون�صرتهم‪ ،‬واحل��ذر من ظلمهم و�أذيتهم‪،‬‬
‫والترب�ؤ من �أعداء اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬وبغ�ضهم وجهادهم‪ ،‬وهذا من مقت�ضيات عقيدة‬
‫التوحيد القائمة على الوالء للم�ؤمنني‪ ،‬والرباءة من الكافرين‪ ،‬يقول ‪�( :¤‬إن‬
‫اهلل قال‪ :‬من عادى يل وليا فقد �آذنته باحلرب ‪.)80()..‬‬
‫‪5.5‬الثقة بكفاية اهلل‪ ،‬وتوليه لعباده ال�صاحلني‪ ،‬ون�صرته لهم‪ ،‬و�إح�سان الظن به‬
‫‪�-‬سبحانه‪ ،‬وعدم الرهبة من قوة الكافرين‪� ،‬إذا �أُخذ بالأ�سباب‪ ،‬مع التوكل على‬
‫اهلل وحده؛ فاملن�صور من ن�صره اهلل ‪-‬تعالى‪ ،‬واملخذول من خذله‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫}ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ{[�آل عمران‪  .]160 :‬‬
‫(‪ )80‬رواه البخاري برقم (‪.)6502‬‬
‫‪438‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫�سيب) من الأ�سماء الدالة‬
‫حل ُ‬‫كيل ‪ -‬ا َ‬
‫(ال َوليِ ُّ ‪ -‬املَ ْو َلى ‪ -‬ال َودو ُد ‪ -‬املُ�ست َعانُ ‪ -‬ال َو ُ‬
‫حل ْ�سب)‪ ،‬وهي �صفات تورث عند‬ ‫على �صفات اهلل (ا ْل ِوال َية َو المْ ُ َواالة ‪ -‬الود ‪ -‬التوكل بالغري ‪ -‬ا َ‬
‫العبد امل�ؤمن �إح�سا�س ًا بالقرب من خالقه‪ ،‬مع الإح�سا�س بالرحمة واللطف واحلب والعناية‪ ،‬مما‬
‫مينح العالقة بني العبد وربه قوة وطعم ًا غري م�ألوف‪ ،‬ي�سكب يف القلب والروح من الر�ضا واليقني‬
‫والطم�أنينة ما ال �سبيل لو�صفه �أو نعته؛ ولذا جند معظم الآيات التي ورد فيها الثناء على اهلل‬
‫‪�-‬سبحانه وتعالى‪ -‬بهذه الأ�سماء مفعمة بالعواطف وامل�شاعر اجليا�شة التي اقت�ضاها املوقف؛‬
‫كقول اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬على ل�سان يو�سف ‪ }:‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵ{[يو�سف‪ ،]101:‬وقوله ‪-‬تعالى‪ -‬عن حال الر�سول ‪ ¤‬و�صحابته يف موقعة حمراء‬
‫الأ�سد بعد م�صيبة غزوة «�أحـــــد» وتخـــــويف النــــا�س لهـــــم‪ }:‬ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬
‫ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ{[�آل‬
‫عمران‪]173:‬؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل ‪�-‬سبحانه وتعالى‪ -‬والثناء عليه‪ ،‬والتو�سل �إليه‬
‫بهذه الأ�سماء‪ ،‬يف حاجات العبد التي تنا�سب معانيها‪ ،‬كحال العبد املظلوم املقهور املرهوب‪� ،‬أو‬
‫العبد اخلائف على دينه‪ ،‬الذي يدعو ربه �أن يث ّبته له‪ ،‬ويحفظه عليه‪ ،‬حتى يلقاه‪ ،‬ومن ذلك ما‬
‫جاء عن نبينا ‪ ¤‬قوله‪(:‬يا ويل الإ�سالم و�أهله ثبتني به حتى �ألقاك)(‪ ،)81‬ومن دعائه‪:¤‬‬
‫(اللهم �إين �أعوذ بك من العجز والك�سل‪ ،‬واجلنب والبخل‪ ،‬والهرم وعذاب القرب‪ ،‬اللهم �آت‬
‫نف�سي تقواها‪ ،‬وزكها �أنت خري من زكاها‪� ،‬أنت وليها وموالها‪ ،‬اللهم �إين �أعوذ بك من علم‬
‫ال ينفع‪ ،‬ومن قلب ال يخ�شع‪ ،‬ومن نف�س ال ت�شبع‪ ،‬ومن دعوة ال ي�ستجاب لها(‪ ،)82‬وقوله ‪:¤‬‬
‫(دعوات املكروب‪ :‬اللهم رحمتك �أرجو‪ ،‬فال تكلني �إلى نف�سي طرفة عني‪� ،‬أ�صلح يل �ش�أين‬
‫كله‪ ،‬ال �إله �إال �أنت)(‪ ،)83‬وحديث �أبي �سعيد اخلدري ‹ الآنف‪� ،‬أن النبي ‪ ¤‬قال‪( :‬كيف‬
‫(‪� )81‬أخرجه الطرباين و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة برقم (‪.)1823‬‬
‫(‪ )82‬رواه م�سلم برقم (‪.)2722‬‬
‫(‪ )83‬رواه �أبو داود وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)3388‬‬
‫سيب‬
‫ُ‬ ‫الح‬ ‫الو ُ‬
‫كيل ‪َ -‬‬ ‫ستع ُ‬
‫ان ‪َ -‬‬ ‫َ‬ ‫الم‬
‫دود ‪ُ -‬‬
‫الو ُ‬
‫الم ْولَى ‪َ -‬‬
‫ِي ‪َ -‬‬
‫الول ُّ‬
‫المجموعة الثالثة والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪439‬‬

‫�أنعم‪ ،‬و�صاحب القرن قد التقم القرن وا�ستمع الإذن متى ي�ؤمر بالنفخ فينفخ؟!) فك�أن‬
‫ذلك ثقل على �أ�صحاب النبي ‪ ،¤‬فقال لهم‪( :‬قولوا‪ :‬ح�سبنا اهلل ونعم الوكيل‪ ،‬على اهلل‬
‫توكلنا)(‪ ،)84‬ومن و�صيته ‪ ¤‬ملعاذ‪( :‬يا معاذ‪ ،‬واهلل �إين لأحبك‪� ،‬أو�صيك يا معاذ‪ ،‬ال تدعن‬
‫يف دبر كل �صالة �أن تقول‪ :‬اللهم �أعني على ذكرك‪ ،‬و�شكرك‪ ،‬وح�سن عبادتك(‪.)85‬‬
‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬
‫‪ æ‬ق��ال تعالى‪} :‬ﭥ ﭦ ﭧ{[احلجر‪� ،]95:‬إن��ه وع��د وتهديد من‬
‫املولى لكل من ينتق�ص نبيه ‪� ،¤‬أو ي�ستهزيء به‪� ،‬أو ي�سخر منه‪� ،‬أو يطعن فيه؛ فقد توعده‬
‫كاف عبده ‪ ،¤‬وال زالت الأخبار ُتنقل وتتواتر عرب‬‫اهلل مبا �شاء من �أن��واع العقوبة‪ ،‬و�أن اهلل ٍ‬
‫الع�صور مب�صري املجرمني ممن تظاهر باال�ستهزاء بالنبي ‪ ،¤‬والطعن فيه‪ ،‬وكيف ق�صمهم‬
‫اهلل و�أخزاهم‪ ،‬يقول �شيخ الإ�سالم ابن تيمية‪�« :‬إ َّن اهلل منتق ٌم لر�سوله ‪ ¤‬ممن طعن عليه‬
‫مي ِّكن النا�س �أن يقيموا عليه احلد‪ ،‬ونظري‬ ‫و�س َّبه‪ ،‬و ُم ْظ ِه ٌر لِدِ ي ِن ِه و ِل َكذِ بِ الكاذب �إذا مل ُ‬
‫َ‬
‫هذا ما َح َّد َث َنا به �أعدا ٌد من امل�سلمني ال ُعدُول‪� ،‬أهل الفقه واخلربة‪ ،‬ع َّما جربوه مراتٍ‬
‫متعدد ٍة يف َح ْ�صا ِر احل�صون واملدائن التي بال�سواحل ال�شامية‪ ،‬ملَّا حا�صر امل�سلمون‬
‫فيها بني الأ�صفر يف زماننا‪ ،‬قالوا‪ :‬كنا نحن َن ِ‬
‫حا�ص ُر احل ِْ�ص َن �أو املدينة ال�شهر �أو‬
‫�أكرث من ال�شهر وهو ممتن ٌع علينا حتى نكاد ني�أ�س منه‪ ،‬حتى �إذا تعر�ض �أه ُل ُه ل َِ�س ِّب‬
‫عر�ضه َت َع َّجلنا فتحه وت َي َّ�سر‪ ،‬ومل يكد يت�أخر �إال يوماً‬
‫ر�سولِ اهلل ‪ ¤‬والوقيع ِة يف ِ‬
‫�أو يومني �أو نحو ذلك» (‪ ،)86‬وي��روي ابن حجر الع�سقالين عن جمال الدين �إبراهيم بن‬
‫تن�صر بع�ض �أمراء املغول‪ ،‬فح�ضر جماعة من كبار الن�صارى‬ ‫حممد الطيبي فيقول‪ّ « :‬‬
‫واملغول‪ ،‬فجعل واحد منهم ينتق�ص النبي ‪ ،¤‬وبقربهم كلب �صيد مربوط‪ ،‬فلما‬
‫فخ َّم َ�شه!‪ ،‬فخل�صوه منه‪،‬‬ ‫�أكرث الن�صراين من انتقا�صه للنبي ‪ ،¤‬وثب عليه الكلب َ‬
‫وق��ال بع�ض من ح�ضر‪ :‬هذا بكالمك يف نبي اهلل حممد ‪ ،!¤‬فقال‪ :‬كال‪ ،‬بل هذا‬
‫الكلب عزيز النف�س‪ ،‬ر�آين �أ�شري بيدي فظن �أين �أريد �ضربه!‪ ،‬ثم عاد �إلى ما كان فيه‬
‫(‪ )84‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (‪.)1980‬‬
‫(‪ )85‬رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)7969‬‬
‫(‪( )86‬ال�صارم امل�سلول على �شامت الر�سول) البن تيمية (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)228 :‬‬
‫‪440‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫من �سب وطعن ف�أطال!‪ ،‬فوثب الكلب مرة �أخرى على عنق هذا الن�صراين‪ ،‬فقب�ض‬
‫على َز ْر َد َمته(‪ )87‬فقلعها‪ ،‬فمات من حينه!‪ ،‬ف�أ�سلم ب�سبب ذلك الكثري من املغول»(‪.)88‬‬
‫‪ æ‬و�صى الزبري بن العوام ‹‪ ،‬ابنه عبد اهلل ‹‪ ،‬يوم وقعة اجلمل فقال له ‪« :‬يا‬
‫عجزت عن �شيء منه (يعني ‪َ :‬د ْي َنه)‪ ،‬فا�ستعن عليه مبوالي‪ ،‬قال‪ :‬فواهلل؛ ما‬ ‫َ‬ ‫بني!‪� ،‬إن‬
‫دريت ما �أراد حتى قلت‪ :‬يا �أبت!‪ ،‬من موالك؟‪ ،‬قال‪ :‬اهلل‪ .‬قال‪ :‬فواهلل‪ ،‬ما وقعت يف‬
‫كربة من َد ْينِه �إ َّال قلـت‪ :‬يا مولى الزبري‪ ،‬اقـ�ض عنه َد ْي َنه فيق�ضيه»(‪.)89‬‬
‫‪ æ‬قيل لعمر بن عبدالعزيز يف مر�ض موته‪ :‬ه�ؤالء بنوك ‪ -‬وكانوا اثني ع�شر ‪� -‬أال‬
‫تو�صي لهم ب�شيء ف�إنهم فقراء؟‪ ،‬فقال‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ{ [االعراف‪ ،]196:‬واهلل ال �أعطيتهم حق �أحد‪ ،‬وهم بني رجلني‪� :‬إما �صالح‬
‫فاهلل يتولى ال�صاحلني‪ ،‬و�إما غري �صالح فما كنت لأعينه على ف�سقه!»‪ ،‬ويف رواية‪:‬‬
‫«�أف�أدع له ما ي�ستعني به على مع�صية اهلل ف�أكون �شريكه فيما يعمل بعد املوت؟!‪ ،‬ما‬
‫كنت الفعل!»‪ .‬ثم ا�ستدعى �أوالده فودعهم وعزاهم بهذا‪ ،‬و�أو�صاهم بهذا الكالم ثم قال‪:‬‬
‫«ان�صرفوا ع�صمكم اهلل و�أح�سن اخلالفة عليكم»‪ .‬قال‪ :‬فلقد ر�أينا بع�ض �أوالد عمر بن‬
‫عبد العزيز يحمل على ثمانني فر�س ًا يف �سبيل اهلل‪ ،‬وكان بع�ض �أوالد �سليمان بن عبد امللك ‪-‬‬
‫مع كرثة ما ترك لهم من االموال ‪ -‬يتعاطى وي�س�أل من �أوالد عمر بن عبد العزيز‪ ،‬لأن عمر‬
‫وكل ولده �إلى اهلل ‪ ،‬و�سليمان وغريه �إمنا يكلون �أوالدهم �إلى ما يدعون لهم من الأموال‬
‫الفانية‪ ،‬في�ضيعون وتذهب �أموالهم يف �شهوات �أوالدهم»(‪.)90‬‬
‫‪ æ‬قال رجل لـمعروف الكرخي» �أو�صني! قال‪ :‬توكل على اهلل حتى يكون جلي�سك‬
‫و�أني�سك ومو�ضع �شكواك‪ ،‬و�أكرث ذكر املوت حتى ال يكون لك جلي�س غريه‪ ،‬و�أعلم �أن‬
‫(‪ )87‬ا ل َّز ْرد ََم ُة‪ :‬مو�ضع االبتالع من الرقبة‪ ،‬وهي حتت احللقوم والل�سانُ مر ّكب فيها‪.‬‬
‫(‪( )88‬الدرر الكامنة يف �أعيان املائة الثامنة) البن حجر الع�سقالين (جـ‪� – 4 :‬ص‪ ،)153 – 152:‬طبعة‪ :‬جمل�س دائرة‬
‫املعارف العثمانية‪ ،‬وب�إ�شراف‪ :‬حممد عبد املعيد �ضان‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1392 ،‬هـ‪1972 /‬م‪.‬‬
‫(‪ )89‬رواه البخاري برقم (‪.)3129‬‬
‫(‪()90‬البداية والنهاية ) للإمام ابن كثري (�ص‪ )1435 :‬يف �أحدث �سنة (‪ 101‬هـ)‪.‬‬
‫سيب‬
‫ُ‬ ‫الح‬ ‫الو ُ‬
‫كيل ‪َ -‬‬ ‫ستع ُ‬
‫ان ‪َ -‬‬ ‫َ‬ ‫الم‬
‫دود ‪ُ -‬‬
‫الو ُ‬
‫الم ْولَى ‪َ -‬‬
‫ِي ‪َ -‬‬
‫الول ُّ‬
‫المجموعة الثالثة والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪441‬‬

‫ال�شفاء لمِ ا نزل بك كتمانه‪ ،‬و�أن النا�س ال ينفعونك وال ي�ضرونك وال يعطونك وال‬
‫مينعونك»(‪.)91‬‬
‫‪ æ‬كان يزيد بن حكيم يقول‪ « :‬واهلل ما هبت �شيئاً قط هيبتي لرجل ظلمته و�أنا‬
‫�أعلم �أنه ال نا�صر له �إال اهلل تعالى! فيقول‪ :‬ح�سبك اهلل‪ ،‬اهلل بيني وبينك»(‪.)92‬‬
‫‪ æ‬قال قتادة‪ :‬كان هرم بن ح ّيان يقول‪« :‬ما �أقبل عب ٌد بقلبه �إلى اهلل‪� ،‬إال �أقبل اهلل‬
‫بقلوب امل�ؤمنني �إليه حتى يرزقه و ّدهم»(‪.)93‬‬
‫‪ æ‬يقول ابن تيمية‪ « :‬وهو �سبحانه ملّا جعل بني الزوجني مودة ورحمة كان كل منهما‬
‫يود الآخر ويرحمه‪ ،‬وهو �سبحانه كما ثبت يف احلديث ال�صحيح �أرحم بعباده من الوالدة‬
‫بولدها‪ ،‬وقد بني احلديث ال�صحيح �أن فرحه بتوبة التائب �أعظم من فرح الفاقد‬
‫ماله ومركوبه يف مهلكة �إذا وجدهما بعد الي�أ�س‪ ،‬وهذا الفرح يقت�ضي �أنه �أعظم مودة‬
‫لعبده امل�ؤمن من امل�ؤمنني بع�ضهم لبع�ض‪ ،‬كيف وكل ود يف الوجود فهو من فعله؟!‪،‬‬
‫ف��ال��ذي جعل ال��ود يف القلوب ه��و �أول��ى ب��ال��ود كما ق��ال اب��ن عبا�س وجم��اه��د وغريهما‬
‫يف ق��ول��ه ت �ع��ال��ى‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ{[مرمي‪ ،]96:‬قال يحبهم‪ ،‬وقد دل احلديث الذي يف ال�صحيحني على �أن ما يجعله‬
‫من املحبة يف قلوب النا�س هو بعد �أن يكون هو قد �أحبه‪ ،‬و�أمر جربيل �أن ينادي ب�أن اهلل‬
‫يحبه‪ ،‬فنادى جربيل يف ال�سماء �أن اهلل يحب فالنا ف�أحبوه‪ ،‬ويف مناجاة بع�ض الداعني‪:‬‬
‫لي�س العجب من حبي لك مع حاجتي �إليك‪ ،‬العجب من حبك يل مع غناك عني!»(‪.)94‬‬

‫‪ æ‬قال اهلل تعالى‪} :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬


‫ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ{ [�آل عمران‪ ،]160:‬قال ابن القيم‪:‬‬
‫(‪�()91‬صفة ال�صفوة) البن اجلوزي (جـ‪� – 2 :‬ص‪.)321 :‬‬
‫(‪()92‬وفيات الأعيان و�أنباء �أبناء الزمان) لأبي العبا�س بن خلكان (جـ‪� – 6:‬ص‪.)324 :‬‬
‫(‪�( )93‬سري �أعالم النبالء) للإمام الذهبي (�ص‪ )4064 :‬يف ترجمة العابد هرم بن ح ّيان العبدي‬
‫(‪( )94‬النبوات) البن تيمية (‪.)79‬‬
‫‪442‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫«تاهلل! ما عدا عليك العدو �إال بعد �أن تولى عنك الويل! فال تظن �أن ال�شيطان َغلب‬
‫�ساقتك �إلى فعل اخلريات‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫نف�سك هي التي‬ ‫حت�سب �أ َّن‬
‫ْ‬ ‫ولكن احلافظ � ْأع َر�ض ‪ ..‬وال‬
‫بل اعل ْم �أ َّنك عب ٌد �أح َّبك اهلل فال تف ِّرط يف هذه املح َّب ِة فـين�ساك»(‪ .)95‬وقال يف مو�ضع‬
‫�آخر‪« :‬قال تعالى‪ } :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ{[املائدة‪ ،]54 :‬لي�س العجب‬
‫ني‬
‫ري م�سك ٍ‬
‫من قوله ُيحبونه‪� ,‬إمنا العجب من قوله ُيحبهم!‪ .‬لي�س العجب من فق ٍ‬
‫يحب حم�سنا �إليه‪� ,‬إمن��ا العجب من حم�سن يحب فقريا م�سكينا!»(‪ .)96‬وقال يف‬
‫مو�ضع ثالث‪« :‬من ا�شتغل باهلل عن نف�سه‪ ،‬كفاه اهلل م�ؤونة نف�سه‪ ،‬ومن ا�شتغل باهلل‬
‫عن النا�س‪ ،‬كفاه اهلل م�ؤونة النا�س‪ ،‬ومن ا�شتغل بنف�سه عن اهلل‪ ،‬و َكلَ ُه اهلل �إلى نف�سه‪،‬‬
‫ومن ا�شتغل بالنا�س عن اهلل‪ ،‬و َكلَ ُه اهلل �إليهم»(‪.)97‬‬
‫‪« æ‬ملا �أ َّلف الع ّالمة القا�ضي نا�صر الدين البي�ضاوي رحمه اهلل (ت ‪ ٦85‬هـ) تف�سريه‬
‫امل�شهور (�أنوار التنزيل و�أ�سرار الت�أويل) و�أكمله‪ ،‬ذهب به �إلى ال�سلطان ببغداد‪ ،‬ف َم َّر يف طريقه‬
‫بقرية فيها �أحد امل�شايخ‪ ،‬فنزل عنده و�أ�ضافه‪ ،‬ف�س�أله ال�شيخ‪� :‬أين ق�صدك؟ قال‪� :‬إلى بغداد‪.‬‬
‫أبذلت املجهود يف تنقيحه وتهذيبه‪ ،‬ويل‬ ‫فت تف�سرياً � ُ‬ ‫قال‪ :‬وما تريد منها؟ قال‪� :‬إين �ص ّن ُ‬
‫ّ‬
‫جتهيزهن وال مال يل‪ ،‬ف��أردت �أن �أذه��ب �إل��ى ال�سلطان‬ ‫بنات قد �أد َر ْك� َ�ن‪ ،‬فاحتجت �إل��ى‬
‫ٌ‬
‫رت قوله‬ ‫ف�س َ‬‫جهازهن‪ .‬فقال له ال�شيخ‪ :‬مب ّ‬
‫ّ‬ ‫ع�سى �أن يح ّل يل من عنده ما �أ�ستعني به يف‬
‫ف�سرناه ب�أ ّنا ال نعبد �إال �إياك‪،‬‬
‫تعالى‪ } :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ{[الفاحتة‪]5:‬؟‪ .‬قال‪ّ :‬‬
‫وال ن�ستعني �إال بك‪ .‬فقال له‪ :‬فكيف ت�ستعني بغريه؟!‪ .‬ف�أ ّثر كالمه يف قلب الع ّالمة‪ ،‬وتن ّبه‬
‫ورجع من حيث جاء‪ ،‬ومل يذهب �إلى بغداد‪ .‬فمن �أجل ذلك و�ضع اهلل القبول على تف�سريه‪ ،‬ف�أقبل‬
‫عليه العلماء من ِّ‬
‫كل جه ٍة ي�أخذون عنه‪ ،‬وح�صل له نفع كبري»(‪.)98‬‬

‫(‪()95‬الفوائد) البن القيم (�ص‪.)68 :‬‬


‫(‪()96‬الفوائد) البن القيم (�ص‪.)69 :‬‬
‫(‪( )97‬الفوائد) البن القيم (�ص‪.)107 :‬‬
‫(‪( )98‬الرحلة الع ّيا�شية) لعبداهلل بن حممد الع ّيا�شي (جـ‪� – 1:‬ص‪.)250-249 :‬‬
‫جيب‬
‫ُ‬ ‫الم‬
‫ِيب ‪ُ -‬‬ ‫الس ِّي ُد ‪ُّ -‬‬
‫الص َم ُد ‪ -‬القَ ر ُ‬ ‫المجموعة الرابعة والعشرون ‪َّ :‬‬ ‫‪443‬‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ ‪24‬ـــــــــة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬الإِ َجا َب ُة‬
‫(‪)88 - 87 - 86 - 85‬‬
‫يب ‪ -‬املُ ُ‬
‫جيب‬ ‫ال�ص َم ُد ‪ -‬ال َق ِر ُ‬
‫ال�س ِّي ُد ‪َّ -‬‬
‫َّ‬
‫‪444‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الـمجـمـوعـ ‪24‬ـة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬الإِ َجا َب ُة‬
‫( ‪) 88 - 87 - 86 - 85‬‬
‫يب ‪ -‬املُ ُ‬
‫جيب‬ ‫ال�ص َمدُ ‪ -‬ال َق ِر ُ‬
‫ال�س ِّيدُ ‪َّ -‬‬‫َّ‬
‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫ال�س ِّيدُ ‪ :‬مل يرد يف القر�آن الكرمي‪ ،‬و�إمنا ورد يف ال�سنة من حديث عبد اهلل بن‬ ‫‪َّ æ‬‬
‫ال�شخري ‹‪ ،‬قال‪« :‬انطلقت يف وفد بني عامر �إلى ر�سول اهلل ‪ ،¤‬فقلنا‪� :‬أنت �سيدنا‬ ‫ّ‬
‫ال‪ ،‬و�أعظمنا طو ًال‪ ،‬فقال‪( :‬قولوا بقولكم �أو‬
‫(ال�س ِّي ُد اهلل) قلنا‪ :‬و�أف�ضلنا ف�ض ً‬ ‫فقال‪َّ :‬‬
‫ببع�ض قولكم‪ ،‬وال َي ْ�س َت ْج ِر َئ َّن ُكم ال�شيطان)»(‪.)1‬‬
‫ال�ص َمدُ ‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة‪ ،‬يف قوله تعالى‪ }:‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬ ‫‪َّ æ‬‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ{[الإخال�ص‪ ،]2-1:‬ويف ال�سنة ما جاء يف احلديث القد�سي‪ ( :‬كذبني‬
‫ابن �آدم ‪ ..‬و�أما �شتمه �إياي فقوله‪ :‬اتخذ اهلل ولد ًا‪ ،‬و�أنا الأحد ال�صمد‪ ،‬مل �ألد ومل‬
‫�أولد‪ ،‬ومل يكن يل كفئا �أحد)(‪.)2‬‬
‫يب‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 3‬مرات)‪ ،‬منها قوله تعالى‪}:‬ﭚ ﭛ ﭜ‬ ‫‪ æ‬ال َق ِر ُ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ{[�سب�أ‪،]50:‬‬
‫ومن ال�سنة حديث �أبي مو�سى الأ�شعري ‹‪� ،‬أن النبي ‪ ¤‬قال‪( :‬يا �أيها النا�س‪ ،‬اربعوا‬
‫على �أنف�سكم‪ ،‬ف�إنكم ال تدعون �أَ َ�ص َّم وال غائبا‪� ،‬إنه معكم �إنه �سميع قريب ‪-‬تبارك‪-‬‬
‫ا�سمه وتعالى جده)(‪.)3‬‬
‫جيب‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي مرتني يف قوله تعالى‪ } :‬ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ‬
‫‪ æ‬املُ ُ‬
‫(‪ )1‬رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف �صحيح �أبي داود برقم (‪.)4806‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪.)4974‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري برقم (‪.)2992‬‬
‫جيب‬
‫ُ‬ ‫الم‬
‫ِيب ‪ُ -‬‬ ‫الس ِّي ُد ‪ُّ -‬‬
‫الص َم ُد ‪ -‬القَ ر ُ‬ ‫المجموعة الرابعة والعشرون ‪َّ :‬‬ ‫‪445‬‬

‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ{[هود‪ ،]61:‬ويف قوله تعالى‪} :‬ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ{‬


‫[ال�صافات‪ ،]75:‬ومل يرد اال�سم يف ال�سنة ب�سند �صحيح‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬
‫ال�س ِّيدُ ‪�« :‬صفة م�شبهة للمو�صوف بال�سيادة‪ ،‬فعله �سا َد ي�سو ُد �سيادة‪ ،‬فهو‬ ‫‪َّ æ‬‬
‫ال�س ِّي ُد) يطلق على الرب‪،‬‬ ‫�سائد و�س ِّيد»(‪ ،)4‬وقال يف الل�سان‪« :‬ال�س�ؤدد‪ :‬ال�شرف ‪ ..‬و( َّ‬
‫وامل��ال��ك‪ ،‬وال�شريف‪ ،‬والفا�ضل‪ ،‬وال�ك��رمي‪ ،‬واحلليم‪ ،‬ومحُ ْ َتمِ ل �أَذى قومه‪ ،‬وال��زوج‪،‬‬
‫ال�س ِّي ُد) �إذا �أطلق عليه ‪-‬تعالى‪ -‬فهو مبعنى‪:‬‬ ‫والرئي�س‪ ،‬واملقدَّم»(‪ ،)5‬وقال ابن القيم‪َّ (« :‬‬
‫املالك‪ ،‬واملولى‪ ،‬والرب‪ ،‬ال باملعنى الذي ُيطلق على املخلوق واهلل �أعلم»(‪.)6‬‬
‫ال�ص َمدُ ‪« :‬م�صدر ( َ�ص َم َد)‪ ،‬فعله َ�ص َم َد َي ْ�صمِ ُد َ�ص ْمدا»(‪ ،)7‬وقال يف الل�سان‪:‬‬ ‫‪َّ æ‬‬
‫ال�س ِّي ُد املُطاع الذي ال ُي ْق�ضى دونه �أَمر‪ ،‬وقيل‪ :‬الذي‬ ‫«�صمد �إليه‪َ :‬ق َ�صدَه ‪ ..‬و( َّ‬
‫ال�ص َمد)‪َّ :‬‬
‫ُي ْ�ص َم ُد �إِليه يف احلوائج �أَي ُي ْق َ�صدُ»(‪ ،)8‬وقال اخلطابي‪ ..« :‬و�أ�صل ال�صمد‪ :‬الق�صد‪ ،‬يقال‬
‫ال�ص َم ُد) عند‬
‫للرجل‪� :‬أ�صمِ د َ�ص ْم َد فالن �أي‪� :‬أق�صد ق�صده»(‪ ،.)9‬وقال ابن جرير‪َّ (« :‬‬
‫العرب هو ال�سيد الذي ي�صمد �إليه‪ ،‬الذي ال �أحد فوقه‪ ،‬وكذلك ت�سمي �أ�شرافها»(‪.)10‬‬
‫يب‪�« :‬صفة م�شبهة للمو�صوف بال ُق ْرب‪ ،‬فعله ق� ُر َب يق ُرب ُق ْرباً فهو‬ ‫‪ æ‬ال َق ِر ُ‬
‫َقريب»(‪« ،)11‬وال ُق ْر ُب يف اللغة نقي�ض البعد‪ ،‬قرب ال�شيء يقرب قرباً وقرباناً �أي دنا‬
‫فهو قريب»(‪.)12‬‬
‫(‪ )4‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪� :‬س و د)‪.‬‬
‫(‪( )5‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ‪� - 3 :‬ص‪.)228 :‬‬
‫(‪( )6‬بدائع الفوائد) البن القيم (جـ‪� - 3 :‬ص‪. )213 :‬‬
‫(‪ )7‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪� :‬ص م د)‪.‬‬
‫(‪( )8‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ‪� - 3 :‬ص‪.)258 :‬‬
‫(‪�( )9‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)85 :‬‬
‫(‪ )10‬تف�سري الطربي عند تف�سري الآية (‪ )2‬من �سورة الإخال�ص‪.‬‬
‫(‪ )11‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ق ر ب)‪.‬‬
‫(‪�( )12‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( )476:‬القريب)‪.‬‬
‫‪446‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪ æ‬املُ ُ‬
‫جيب‪« :‬ا� �س��م ف��اع��ل‪ ،‬فعله �أج� � َ‬
‫�اب ُي�ج�ي��ب �إج��اب��ة‪ ،‬ف�ه��و مجُ �ي��ب‪ ،‬و�أج ��اب‬
‫�س�ؤاله‪ :‬رد عليه و�أفاده عما �س�أل عنه‪ ،‬و�أجاب طلبه‪ ،‬قبله وق�ضى حاجته»(‪ ،)13‬قال‬
‫الراغب‪« :‬واجل��واب يقال يف مقابلة ال�س�ؤال‪ ،‬وال�س�ؤال على �ضربني‪ :‬طلب مقال‪،‬‬
‫وجوابه املقال‪ ،‬وطلب نوال‪ ،‬وجوابه النوال‪ ،‬فعلىاملعنى الأول‪ :‬قوله تعالى‪ } :‬ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ{[الأحقاف‪ ،]31:‬وعلى الثاين قوله تعالى‪ } :‬ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ{[يون�س‪.)14(»]89:‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬


‫ال�س ِّيدُ ‪« :‬مالك اخللق‪ ،‬واخللق كلهم عبيده»(‪ ،)15‬قال احلليمي‪َّ (« :‬‬
‫ال�س ِّي ُد) املحتاج‬ ‫‪َّ æ‬‬
‫�إليه بالإطالق‪ ،‬ف�إن �سيد النا�س �إمنا هو ر�أ�سهم الذي �إليه يرجعون‪ ،‬وب�أمره يعملون‪،‬‬
‫ال�س ِّي ُد) هو �س ِّيد‬
‫وعن ر�أيه ي�صدرون‪ ،‬ومن قوله ي�ستهدون ‪ ،)16(»..‬وقال ابن القيم‪َّ (« :‬‬
‫اخللق ومالك �أمرهم الذي �إليه يرجعون‪ ،‬وب�أمره يعملون‪ ،‬وعن قوله ي�صدرون‪،‬‬
‫ف�إذا كانت املالئكة والإن�س واجلن خل ًقا له ‪�-‬سبحانه وتعالى‪ -‬ومِ ْل ًكا له‪ ،‬لي�س لهم‬
‫وكل حوائجهم �إليه؛ كان هو ‪�-‬سبحانه‬ ‫وكل رغباتهم �إليه‪ُّ ،‬‬
‫غنى عنه طرفة عني‪ُّ ،‬‬
‫وتعالى (ال�سيد) على احلقيقة»(‪.)17‬‬
‫ال�ص َمدُ ‪« :‬امل�صمود باحلوائج‪� ،‬أي املق�صود بها»(‪ ،)18‬قال اخلطابي‪َّ (« :‬‬
‫ال�ص َم ُد)‬ ‫‪َّ æ‬‬
‫ال�سيد الذي ي�صمد �إليه يف الأمور‪ ،‬ويق�صد يف احلوائج والنوازل»(‪ ،)19‬وقال ابن القيم‪:‬‬
‫ال�ص َم ُد) من ت�صمد نحوه القلوب بالرغبة والرهبة؛ وذلك لكرثة خ�صال اخلري فيه‪،‬‬ ‫«( َّ‬
‫(‪ )13‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ج و ب)‪.‬‬
‫(‪( )14‬معجم مفردات �ألفاظ القر�آن) للراغب الأ�صفهاين (جـ‪� - 1:‬ص‪( )133:‬مادة جوب)‪.‬‬
‫(‪()15‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ‪� - 3 :‬ص‪ .)229 :‬ويف (ال�صحاح ‪ -‬جـ‪� - 2 :‬ص‪ )490:‬وعزاه للزهري‪.‬‬
‫(‪( )16‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪.)69:‬‬
‫(‪( )17‬حتفة املودود ب�أحكام املولود) البن القيم (�ص‪.)88 :‬‬
‫(‪( )18‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪ )155:‬وعزا القول للحليمي‪.‬‬
‫(‪�( )19‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)85 :‬‬
‫جيب‬
‫ُ‬ ‫الم‬
‫ِيب ‪ُ -‬‬ ‫الس ِّي ُد ‪ُّ -‬‬
‫الص َم ُد ‪ -‬القَ ر ُ‬ ‫المجموعة الرابعة والعشرون ‪َّ :‬‬ ‫‪447‬‬

‫ال�ص َم ُد)‪ :‬هو الذي تق�صده‬


‫وكرثة الأو�صاف احلميدة له»(‪ ،)20‬وقال ال�شيخ ال�سعدي‪َّ (« :‬‬
‫اخلالئق كلها يف جميع حاجاتها و�أحوالها و�ضروراتها ملا له من الكمال املطلق يف ذاته‬
‫و�صفاته و�أ�سمائه و�أفعاله»(‪.)21‬‬
‫يب‪ِ :‬من عبده بالإحاطة‪ِ ،‬ومن داعيه بالإجابة‪ِ ،‬ومن مطيعه بالإثابة‪ ،‬يقول‬ ‫‪ æ‬ال َق ِر ُ‬
‫يب) ‪ ..‬فهو ‪�-‬سبحانه‪ -‬قريب من املح�سنني بذاته ورحمته قرباً لي�س‬ ‫ابن القيم‪(« :‬ال َق ِر ُ‬
‫له نظري‪ ،‬وهو مع ذلك فوق �سماواته على عر�شه ‪ ..‬وقربه نوعان‪ :‬قربه من داعيه‬
‫يب) القريب من عبده‬ ‫بالإجابة‪ ،‬ومن مطيعه بالإثابة»(‪ ،)22‬وقال القا�سمي‪(« :‬ال َق ِر ُ‬
‫ب�سماعه دعائه‪ ،‬ور�ؤيته ت�ض ّر َعه‪ ،‬وعلمه به»(‪ ،)23‬وقال ال�شيخ ال�سعدي‪(« :‬ال َق ِر ُ‬
‫يب) ‪ ..‬هو‬
‫القريب من كل �أحد‪ ،‬وقربه ‪-‬تعالى‪ -‬نوعان‪ :‬قرب عام من كل �أحد بعلمه‪ ،‬وخربته‪،‬‬
‫ومراقبته‪ ،‬وم�شاهدته‪ ،‬و�إحاطته‪ .‬وقرب خا�ص من عابديه‪ ،‬و�سائليه‪ ،‬وحمبيه‪ ،‬وهو‬
‫قرب ال تدرك له حقيقة‪ ،‬و�إمنا تعلم �آثاره؛ من لطفه بعبده‪ ،‬وعنايته به‪ ،‬وتوفيقه‬
‫وت�سديده»(‪.)24‬‬
‫جيب‪« :‬الذي يقابل الدعاء وال�س�ؤال بالعطاء والقبول»(‪ ،)25‬قال اخلطابي‪:‬‬ ‫‪ æ‬املُ ُ‬
‫جيب) ال��ذي يجيب امل�ضطر �إذا دع��اه‪ ،‬ويغيث امللهوف �إذا ن � ��اداه»(‪ ،)26‬ويقول‬ ‫«(املُ ُ‬
‫جيب) الذي ينيل �سائله ما يريد‪ ،‬وال يقدر على ذلك غريه»(‪ .)27‬وقال‬ ‫احلليمي‪(« :‬املُ ُ‬
‫جيب) ‪ ..‬فهو املجيب �إجابة عامة للداعني‪ ،‬مهما كانوا‪ ،‬و�أين كانوا ‪..‬‬ ‫ال�سعدي‪(« :‬املُ ُ‬
‫وهو املجيب �إجابة خا�صة‪ ،‬للم�ستجيبني له‪ ،‬املنقادين ل�شرعه»(‪.)28‬‬
‫(‪( )20‬ال�صواعق املر�سلة) البن القيم (جـ‪� -3 :‬ص‪.)1025 :‬‬
‫(‪ )21‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)16 :‬‬
‫(‪( )22‬املرتع الأ�سنى ‪ ..‬من كتب ابن القيم) لعبد العزيز الداخل �ص‪.)530-528( :‬‬
‫(‪( )23‬تف�سري حما�سن الت�أويل) للقا�سمي (جـ ‪� – 2 :‬ص‪.)91:‬‬
‫(‪ )24‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)20 :‬‬
‫(‪( )25‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)283 :‬‬
‫(‪�( )26‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي �ص (‪.)72‬‬
‫(‪( )27‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪ )174 - 173 :‬وعزاه للحليمي‪.‬‬
‫(‪ )28‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)20 :‬‬
‫‪448‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬


‫و(ال�س ِّيدُ) هو‬
‫َّ‬ ‫‪ æ‬املَا ِل ُك ‪َّ -‬‬
‫ال�س ِّيدُ ‪( :‬ا َملا ِل ُك) هو املالك لكل �شيء املت�صرف فيه‪،‬‬
‫املالك جلن�س من يعقل‪ ،‬ممن يجب عليهم طاعته ‪�-‬سبحانه؛ ولذا كان (ا َملا ِل ُك) �أعم من‬
‫ال�س ِّي ُد) يف املالكني؛ كالعبد يف اململوكات‪ ،‬فكما‬
‫(ال�س ِّي ِد)‪ ،‬يقول �أبو هالل الع�سكري‪َّ (« :‬‬ ‫َّ‬
‫ال يكون العبد �إال ممن يعقل‪ ،‬فكذلك ال يكون ال�سيد �إال ممن يعقل‪ ،‬و(ا َملا ِل ُك) يكون‬
‫لذلك ولغريه‪ ،‬فيقال هذا �سيد العبد ومالك العبد‪ ،‬ويقال هو مالك الدار وال يقال‬
‫(�س ِّيدٌ)؛ لأنه مالك جلن�س من يعقل»(‪.)29‬‬
‫�سيد الدار ‪ ..‬واهلل ‪-‬تعالى َّ‬
‫ال�ص َمدُ ‪َّ :‬‬
‫(ال�س ِّيدُ) هو �س ِّيد اخللق‪ ،‬ومالك التدبري‪ ،‬واملحتاج �إليه‬ ‫ال�س ِّيدُ ‪َّ -‬‬
‫‪َّ æ‬‬
‫(ال�س ِّي ُد) هو وحده امللج�أ واملق�صد عند ال�شدائد واحلاجات؛ فهو‬ ‫بالإطالق‪ ،‬ف���إذا كان َّ‬
‫(ال�ص َم ُد)؛ ولذا فكل �صمد �سيد‪ ،‬وال عك�س‪ ،‬يقول �أبو هالل الع�سكري‪« :‬ال�سيد‪ :‬املالك‬ ‫َّ‬
‫لتدبري ال�سواد وهو اجلمع ‪ ..‬وقولنا ال�صمد‪ :‬يقت�ضي القوة على الأمور ‪ ..‬ويجوز‬
‫�أن يقال �إن��ه يقت�ضي ق�صد النا�س �إليه يف احلوائج ‪ ،..‬وكيفما ك��ان ف�إنه �أبلغ من‬
‫ال�سيد‪� ،‬أال ترى �أنه يقال ملن ي�سود ع�شريته �سيد وال يقال له �صمد حتى يعظم �ش�أنه‪،‬‬
‫فيكون املق�صود دون غريه‪ ،‬ولهذا يقال �سيد �صمد‪ ،‬ومل ي�سمع �صمد �سيد»(‪.)30‬‬
‫اطنُ ) يدل على كمال قربه العام لكل �شيء‪ ،‬الذي‬ ‫اطنُ ‪ -‬ال َق ِر ُ‬
‫يب‪( :‬ال َب ِ‬ ‫‪ æ‬ال َب ِ‬
‫مقت�ضاه �إحاطته ‪�-‬سبحانه‪ -‬جلميع الأ�شياء فال �شيء �أقرب �إلى �شيء منه‪� ،‬أما (ال َق ِر ُ‬
‫يب)‬
‫فيدل على كمال قربه اخلا�ص من عباده و�أوليائه‪ ،‬يقول ابن القيم‪« :‬وف��ى ال�صحيح‬
‫عن النبي ‪ ¤‬ق��ال‪�( :‬أق��رب ما يكون العبد من ربه وهو �ساجد)(‪ ،)31‬وق��ال ‪:¤‬‬
‫(�أقرب ما يكون الرب من العبد يف جوف الليل الآخر)(‪ ،)32‬فهذا قرب خا�ص غري‬
‫(‪( )29‬الفروق اللغوية) لأبي هالل الع�سكري (�ص ‪.)198‬‬
‫(‪()30‬الفروق اللغوية) لأبي هالل الع�سكري(�ص ‪.)191‬‬
‫(‪ )31‬رواه م�سلم برقم (‪.)482‬‬
‫(‪ )32‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)1173‬‬
‫جيب‬
‫ُ‬ ‫الم‬
‫ِيب ‪ُ -‬‬ ‫الس ِّي ُد ‪ُّ -‬‬
‫الص َم ُد ‪ -‬القَ ر ُ‬ ‫المجموعة الرابعة والعشرون ‪َّ :‬‬ ‫‪449‬‬

‫قرب الإِحاطة وقرب البطون»(‪ ،)33‬ويقول ال�شيخ فوزي ال�سعيد‪« :‬فاهلل ‪-‬تعالى‪ -‬هو‬
‫يب)‪ ،‬و(ال َب ِاطنُ ) يتعلق بكل النا�س وكل �شيء‪ ،‬وهو �أقرب‬ ‫اطنُ ) و�أي�ضاً (ال َق ِر ُ‬
‫(ال َب ِ‬
‫يب) جت��ده للعباد‪ ،‬فهذا ال�ق��رب خم�صو�ص‬ ‫�إل��ى �أي �شيء م��ن نف�سه‪� ،‬إمن��ا (ال َق ِر ُ‬
‫للعباد»(‪.)34‬‬

‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬


‫ال�س ِّيدُ ‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه َّ‬
‫(ال�س ِّيد) «�صفة (ال�سيادة) وهي‬ ‫‪َّ æ‬‬
‫ال�س ِّيدُ اهلل)(‪.)36‬‬
‫من �صفات الذات»(‪ ،)35‬الثابتة بال�سنة النبوية‪ ،‬لقوله ‪َّ (:¤‬‬
‫(ال�ص َمدية) «وهي‬ ‫ال�ص َمدُ ‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه َّ‬
‫(ال�ص َمد) �صفة َّ‬ ‫‪َّ æ‬‬
‫من �صفات اهلل الذاتية الثابتة بالكتاب وال�سنة»(‪ .. )37‬قال تعالى‪ }:‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ{[الإخال�ص‪ ،]2-1:‬وقوله ‪( :¤‬اهلل �أحدٌ ‪ ،‬الواحدُ ال�صمدُ ‪ ،‬تعدل‬
‫ثلث القر�آن)(‪.)38‬‬
‫‪ æ‬ال َق ِر ُ‬
‫يب‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال َق ِريب) «�صفة (ا ْل ُق ْرب) وهي‬
‫من �صفات اهلل الفعلية الثابتة بالكتاب وال�سنة»(‪ ..)39‬قال تعالى‪} :‬ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ{[البقرة ‪ ،]186 :‬وقوله ‪ ¤‬يف‬
‫احلديث القد�سي‪ ..(:‬من تق َّرب مني �شرب ًا تق َّربتُ منه ذراع ًا‪ ،‬ومن تق َّرب مني ذراع ًا‬
‫تق َّربتُ منه باع ًا ‪.)40()..‬‬
‫(‪( )33‬طريق الهجرتني و باب ال�سعادتني) البن القيم (�ص‪.)23:‬‬
‫(‪�( )34‬سل�سلة اخل�شوع يف ال�صالة) لل�شيخ فوزي ال�سعيد (املحا�ضرة العا�شرة)‪.‬‬
‫(‪�( )35‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)644 :‬ال�سيد)‪.‬‬
‫(‪ )36‬رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)3700‬‬
‫(‪�( )37‬صفات اهلل ‪ ) -‬لل�سقاف (�ص‪.)230 - 229 :‬‬
‫(‪ )38‬رواه ابن ماجة و�صححه الألباين يف �صحيح ابن ماجه برقم (‪.)3056‬‬
‫(‪�( )39‬صفات اهلل ‪ ) -‬لل�سقاف (�ص‪.)75 :‬‬
‫(‪ )40‬رواه البخاري برقم (‪ ،)7405‬وم�سلم برقم (‪.)2675‬‬
‫‪450‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪ æ‬املُ ُ‬
‫جيب‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سم (املُجيب) «�صفة (ا ِلإ َجا َبة) وهي من �صفات‬
‫اهلل الفعلية الثابتة بالكتاب وال�سنة»(‪ )41‬قال تعالى‪ }:‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ{ [�آل عمران‪ ،]195:‬وقوله ‪(:¤‬ادعوا اهلل و�أنتم موقنون‬
‫بالإجابة‪ ،‬واعلموا �أن اهلل ال ي�ستجيب دعاء من قلب غافل اله)(‪.)42‬‬

‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬


‫‪ æ‬املُ ُ‬
‫جيب‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال َق ِريب) مـــرة واحـــــدة يف قوله تعالى‪:‬‬
‫} ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ{[هود‪ ،]61:‬وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪-‬‬
‫�أن «اهلل ‪�-‬سبحانه‪ -‬عندما ي�س�أله عباده ويدعونه ف�إنه ي�سمع دعاءهم وي�ستجيب لهم‪،‬‬
‫وال مينعه علوه فوق خلقه عن �سماع دعائهم؛ لأنه قريب لهم ي�سمع دعاءهم ويق�ضي‬
‫حوائجهم على اختالف لغاتهم وتفنن حاجاتهم‪ ،‬فهو ‪�-‬سبحانه‪ -‬قريب يف علوه عالٍ‬
‫يف قربه»(‪.)43‬‬

‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪:‬‬


‫‪ æ‬الأثر العلمي االعتقادي‪:‬‬
‫ال�س�ؤدد احلقيقي هلل وحده‪ ،‬فهو املالك‪ ،‬واخللق كلهم عبيده‪ ،‬لي�س بهم غنية عنه‪،‬‬
‫ُّ‬
‫رب �سواه‪ ،‬وال‬
‫وهو وحده ‪�-‬سبحانه‪ -‬ال�صمد املق�صود يف كل حاجات عباده‪ ،‬فلي�س لهم ٌّ‬
‫مق�صود غريه‪ ،‬يق�صدونه يف جميع �ش�ؤونهم‪ ،‬وهو قريب من �أوليائه‪ ،‬يحبهم وين�صرهم‬
‫وي�ؤيدهم وي�سمع دعائهم‪ ،‬ويرى مكانهم‪ ،‬ويجيب �س�ؤالهم‪ ،‬وال يخ ّيب رجائهم‪ ،‬ويحب‬
‫‪�-‬سبحانه‪� -‬أن ي�س�أله عباده جميع حاجاتهم‪ ،‬ويف كل �ش�ؤونهم‪ ،‬ووعدهم على ذلك كله‬
‫بالإجابة فهو ‪�-‬سبحانه‪ -‬القريب املجيب‪  .‬‬
‫(‪�( )41‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)40 :‬‬
‫(‪ )42‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)245‬‬
‫(‪( )43‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪.)656 :‬‬
‫جيب‬
‫ُ‬ ‫الم‬
‫ِيب ‪ُ -‬‬ ‫الس ِّي ُد ‪ُّ -‬‬
‫الص َم ُد ‪ -‬القَ ر ُ‬ ‫المجموعة الرابعة والعشرون ‪َّ :‬‬ ‫‪451‬‬

‫‪ æ‬الأثر العملي‪:‬‬
‫‪1.1‬حمبة اهلل ال�سيد املالك‪ ،‬واملت�صرف يف �ش�ؤون اخللق‪ ،‬ال��ذي ت�صمد له‬
‫اخلالئق‪ ،‬وتهرع �إليه يف ق�ضاء احلاجات وتفريج الكربات‪ ،‬فهو ‪�-‬سبحانه‪-‬‬
‫القادر اللطيف بعباده‪ ،‬الرحيم بهم‪ ،‬القريب منهم‪ ،‬امل�ستجيب لهم‪ ،‬كما قال‬
‫�سبحانه‪} :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯴﯵ{[البقرة ‪  .]186 :‬‬
‫‪2.2‬تعظيمه ‪�-‬سبحانه‪ ،‬و�إجالله‪ ،‬وحمده‪ ،‬والثناء عليه‪ ،‬و�إف��راده وحده بالتوكل‪،‬‬
‫وتفوي�ض الأمور �إليه �سبحانه‪ ،‬والثقة يف كفايته وقدرته لأنه ‪�-‬سبحانه‪-‬‬
‫الكامل يف �س�ؤدده و�أ�سمائه و�صفاته‪ ،‬ال�سيد ال�صمد‪ ،‬املق�صود من جميع عباده‬
‫يف ق�ضاء احلاجات‪ ،‬وهذا يقت�ضي اخلوف منه ‪�-‬سبحانه‪ -‬ورج��اءه وحده‪،‬‬
‫والأخذ ب�أ�سباب مر�ضاته‪ ،‬وترك ما ي�سخطه ‪�-‬سبحانه‪ -‬ويغ�ضبه‪ ،‬وبالتايل‬
‫يزول اخلوف والتعظيم من قلوب النا�س نحو ال�سيد من الب�شر الذي ال ميلك‬
‫لنف�سه نف ًعا وال �ض ًرا ف�ض ًال عن �أن ميلكه لغريه‪ ،‬فال يذل له وال يخ�ضع‪ ،‬و�إمنا‬
‫يذل هلل وحده ال�سيد ال�صمد‪  .‬‬
‫‪3.3‬الإميان بقربه ‪�-‬سبحانه‪ -‬القرب العام جلميع اخلالئق بالإحاطة والعلم‬
‫والرقابة وال�سمع والب�صر‪ ،‬وهذا يثمر يف القلب اخلوف منه ‪�-‬سبحانه‪-‬‬
‫ومراقبته واحلياء منه‪ ،‬واالبتعاد عن معا�صيه وامتثال �أوامره‪ ،‬وامل�سارعة‬
‫يف مر�ضاته‪ .‬‬
‫‪4.4‬قوة الرجاء يف اهلل ‪�-‬سبحانه‪ ،‬وع��دم الي�أ�س من رحمته‪ ،‬والت�ضرع بني‬
‫يديه‪ ،‬فهو قريب ملن ناجاه‪ ،‬جميب ملن دع��اه‪ ،‬وه��ذا يثمر الأم��ل وال�� َّروح‬
‫يف القلب‪ ،‬ويزرع ح�سن الظن به ‪�-‬سبحانه‪ -‬يف ق�ضاء احلاجات وتفريج‬
‫الكربات‪  .‬‬
‫‪452‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪5.5‬ال�شرف وال�س�ؤدد احلقيقي يف هذه الدنيا �إمنا ينال بطاعة اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬وتقواه‪،‬‬
‫حيث �إن الكرامة وال�شرف والرفعة وعلو الذكر ‪ -‬وهذه �أركان ال�س�ؤدد‪� -‬إمنا هي‬
‫لأنبياء اهلل و�أوليائه وهم ال�سادة على النا�س‪� ،‬أما الكفر ُة واملنافقون وال ُف َّ�س ُاق‬
‫فال كرامة لهم وال �سيادة؛ ولذا جاء النهي عن ت�سمية املنافق بال�سيد‪ ،‬كما جاء‬
‫يف احلديث‪( :‬ال تقولوا للمنافق �سيد)(‪.)44‬‬

‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫وال�ص َمدية)‪،‬‬‫ال�ص َم ُد) من الأ�سماء الدالة على �صفات اهلل الذاتية (ال�سيادة َّ‬
‫(ال�س ِّيدُ ‪َّ -‬‬
‫َّ‬
‫جيب) من الأ�سماء الدالة على �صفات اهلل الفعلية (ا ْل ُق ْرب‬‫يب واملُ ُ‬‫وا�سماه ‪�-‬سبحانه (ال َق ِر ُ‬
‫والإِ َجا َبة) والرتباط معاين هذه الأ�سماء بق�ضاء حاجات العباد‪ ،‬و�سماع دعائهم‪ ،‬و�إجابة‬
‫�س�ؤالهم‪ ،‬وحتقيق مطالبهم‪ ،‬كان من املنا�سب دعاء اهلل ‪�-‬سبحانه وتعالى‪ -‬والثناء عليه‪،‬‬
‫والتو�سل �إليه بهذه الأ�سماء‪ ،‬يف جميع حاجات العباد الدينية والدنيوية‪ ،‬قال تعالى‪}:‬ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ{[البقرة‪ ،]186 :‬وقال‬
‫يف دعوته لقومه‪ }:‬ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ‬ ‫‪-‬تعالى‪ -‬حاكي ًا قول نبيه �صالح‬
‫ﰈ ﰉ{[هود‪ ،]61:‬ومما جاء عن نبينا ‪� ¤‬أنه �سمع رج ًال يقول‪« :‬اللهم �إين �أ�س�ألك‬
‫�أين �أ�شهد �أنك �أنت اهلل ال �إله �إال �أنت الأحد ال�صمد الذي مل يلد ومل يولد ومل يكن‬
‫له كفوا �أحد» فقال‪( :‬لقد �س�ألت اهلل باال�سم الذي �إذا �سئل به �أعطى‪ ،‬و�إذا دعي به‬
‫�أجاب)(‪.)45‬‬

‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬


‫‪ æ‬قال عبداهلل بن م�سعود ‹‪� ..« :‬إن قري�شا ملا غلبوا النبي ‪ ¤‬وا�ستع�صوا عليه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫(اللهم �أعني عليهم ب�سبع ك�سبع يو�سف)‪ ،‬ف�أخذتهم �سنة‪� ،‬أكلوا فيها العظام وامليتة من‬
‫(‪ )44‬رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف �صحيح �أبي داود برقم (‪.)4163‬‬
‫(‪ )45‬رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف �صحيح �أبي داود برقم (‪.)1493‬‬
‫جيب‬
‫ُ‬ ‫الم‬
‫ِيب ‪ُ -‬‬ ‫الس ِّي ُد ‪ُّ -‬‬
‫الص َم ُد ‪ -‬القَ ر ُ‬ ‫المجموعة الرابعة والعشرون ‪َّ :‬‬ ‫‪453‬‬

‫اجلهد‪ ،‬حتى جعل �أحدهم يرى ما بينه وبني ال�سماء كهيئة الدخان من اجلوع!‪ ،‬قالوا‪ } :‬ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ{[الدخان‪ ،]12:‬فقيل له‪� :‬إن ك�شفنا عنهم عادوا‪ ،‬فدعا‬
‫رب��ه؛ فك�شف عنهم‪ ،‬فعادوا‪ ،‬فانتقم اهلل منهم يوم ب��در‪ ،‬فذلك قوله تعالى‪} :‬ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ{ �إلى قوله ‪-‬جل ذكره ‪ } -‬ﯤ ﯥ{[الدخان‪- 10 :‬‬
‫‪.)46(»]16‬‬
‫‪ æ‬قال تعالى‪} :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ{[الن�ساء‪ ،]32:‬قال النبي ‪�( :¤‬إذا‬
‫كثْ‪ ،‬ف�إنَّه ي�س�أَلُ ر َّبه)(‪.)47‬‬
‫�س�أَل � َأح ُدكم‪ ،‬ف ْل ُي رِ‬
‫قال تعالى‪} :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ{[الرحمن‪،]29:‬‬ ‫‪æ‬‬

‫قال ‪( :¤‬يف �ش�أنه �أن يغفر ذنبا‪ ،‬ويك�شف كربا‪ ،‬ويجيب داعيا‪ ،‬ويرفع قوما‪ ،‬وي�ضع‬
‫�آخرين)(‪.)48‬‬
‫‪ æ‬عن �أبي ذر الغفاري ‹ عن النبي ‪ ¤‬فيما يرويه عن ربه �أنه قال‪( :‬يا عبادي‬
‫تظاملوا‪ ،‬يا عبادي كلكم ٌّ‬
‫�ضال‬ ‫الظلم على نف�سي وجعل ُته بينكم حم َّر ًما؛ فال َّ‬
‫َ‬ ‫�إين ح َّر ُ‬
‫مت‬
‫�إال من هدي ُته؛ فا�ستهدوين �أَهْ ِدكم‪ ،‬يا عبادي كلكم ٌ‬
‫جائع �إال من �أطعم ُته؛ فا�ستطعموين‬
‫�أُطعمكم‪ ،‬يا عبادي كلكم عا ٍر �إال من ك�سو ُته؛ فا�ستك�سوين �أ ْك ُ�س ُكم‪ )49()..‬احلديث‪ ،‬قال‬
‫ابن رجب احلنبلي‪« :‬ويف احلديث دليل على �أن اهلل ُّ‬
‫يحب �أن ي�س�أله العباد جميع‬
‫م�صالح دينهم ودنياهم‪ ،‬من الطعام وال�شراب والك�سوة وغري ذلك‪ ،‬كما ي�س�ألونه‬
‫الهداية واملغفرة ويف احلديث‪( :‬لي�س�أل �أحدكم ربه حاجته كلها حتى �ش�سع نعله �إذا‬
‫انقطع)(‪ ،)50‬وكان بع�ض ال�سلف ي�س�أل اهلل يف �صالته كل حوائجه حتى ملح عجينه‬
‫(‪ )46‬رواه البخاري برقم (‪.)4822‬‬
‫(‪ )47‬رواه ابن حبان و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة (جـ‪ 3:‬برقم‪ ) 1325:‬ويف �صحيح اجلامع برقم‪.)591( :‬‬
‫(‪� )48‬أخرجه ابن ماجة وابن حبان و�صححه الألباين يف (كتاب ال�سنة ومعه ظالل اجلنة يف تخريج ال�سنة) برقم (‪.)301‬‬
‫(‪ )49‬رواه م�سلم برقم (‪.)2577‬‬
‫(‪�)50‬أخرجه الرتمذي وابن حبان و�ضعفه الألباين يف ال�سل�سلة ال�ضعيفة برقم (‪ )1362‬ويف �ضعيف اجلامع برقم (‪.)4946‬‬
‫‪454‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫يل احلاج ُة‬ ‫لتعر�ض َ‬


‫ُ‬ ‫وعلف �شاته‪ .‬ويف الإ�سرائيليات‪� :‬أن مو�سى قال‪( :‬يا ِّ‬
‫رب �إنه‬
‫من الدنيا‪ ،‬ف�أ�ستحيي �أن �أ�س�ألك‪ ،‬قال‪� :‬سلني حتى ملح عجينك وعلف حمارك)‪ .‬ف�إن‬
‫كل ما يحتاج العبد �إليه �إذا �س�أله من اهلل فقد �أظهر حاجته فيه‪ ،‬وافتقاره �إلى اهلل‪،‬‬
‫وذاك يحبه اهلل‪ ،‬وكان بع�ض ال�سلف ي�ستحيي من اهلل �أن ي�س�أله �شيئا من م�صالح‬
‫بال�سنة �أولى»(‪.)51‬‬ ‫الدنيا‪ ،‬واالقتداء ُّ‬
‫‪} æ‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ{[الن�ساء‪ ،]32:‬قالت عائ�شة ‪�َ « :‬س ُلوا اللهَّ َ‬
‫ك َّل �شي ٍء حتى ال�شِّ ْ�س َع(‪ ،)52‬ف�إ َّن اللهَّ َ َ �إِ ْن مل ُي َي�سِّ ْر ُه مل َي َت َي َّ�س ْر»(‪ .)53‬وقال �سفيان بن‬
‫ُع َي ْينة‪« :‬مل ي�أمر بال�س�ؤال �إال ِل ُي ْعطِ َي»(‪.)54‬‬
‫‪ æ‬قال �سفيان بن عيينة‪« :‬ال مينعن �أحدكم من الدعاء ما يعلم من نف�سه‪،‬‬
‫ف� ��إن اهلل �أج ��اب دع ��اء ��ش��ر اخل �ل��ق �إب�ل�ي����س مل��ا ق ��ال‪ } :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ{[احلجر‪ ،]36:‬ف�أجابه‪} :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ{[احلجر‪ .)55(»]37:‬وحج‬
‫�سفيان بن عيينة عام (‪197‬هـ) فلما و�صل مزدلفة و�صلى املغرب والع�شاء‪ ،‬ا�ستلقى على‬
‫فرا�شه‪ ،‬ثم قال‪« :‬قد وافيت هذا املو�ضع �سبعني عاما‪� ،‬أقول يف كل �سنة‪ :‬اللهم ال‬
‫جتعله �آخر العهد من هذا املكان‪ ،‬و�إين قد ا�ستحييت من اهلل من كرثة ما �أ�س�أله‬
‫ذلك‪ ،‬فرجع فتويف يف ال�سنة الداخلة يوم ال�سبت �أول يوم من رجب �سنة (‪198‬هـ) وهو‬
‫ابن �إحدى وت�سعني �سنة»(‪.)56‬‬
‫(‪( )51‬جامع العلوم احلكم) البن رجب احلنبلي (�ص‪.)517:‬‬
‫َّ‬ ‫دخ ُل بني الإ�صب َع نْي و ُي َ‬
‫دخل ط َر ُفه يف الثق ِْب الذي يف �صد ِر ِ‬
‫النعل‪.‬‬ ‫ال�سيرْ ٌ الذي ُي َ‬ ‫(‪ِّ )52‬‬
‫ال�ش ْ�س ُع‪َ : ‬‬
‫(‪� )53‬أخرجه �أبو يعلى يف م�سنده (جـ‪� - ٨ :‬ص‪ - ٤٥ & ٤٤ :‬برقم‪ ،)٤٥٦٠ :‬والبيهقي يف �شعب الإميان (جـ‪� - ٢ :‬ص‪٣٦٩ :‬‬
‫‪ -‬برقم‪ ،)١٠٨١ :‬والإمام �أحمد يف‪ ‬الزهد (�ص‪ - ١٦٦ :‬برقم‪ )١١٣٠ :‬وح�سنه الألباين موقوفا على عائ�شة وقال عنه‪:‬‬
‫«هذا �سند موقوف جيد؛ رجاله كلهم ثقات رجال م�سلم»‪(  ‬ال�سل�سلة ال�ضعيفة‪ :‬جـ‪� - ١ :‬ص‪ - ٧٦ :‬حديث رقم‪ & ٢١ :‬جـ‪:‬‬
‫‪� - ٣‬ص‪ - ٥٤٠:‬حديث رقم‪.)١٣٦٣ :‬‬
‫(‪ )54‬تف�سري (اجلامع لأحكام القر�آن) للقرطبي عند تف�سري الآية (‪ )32‬من �سورة (الن�ساء)‪.‬‬
‫(‪�( )55‬إحياء علوم الدين)لأبي حامد الغزايل (جـ‪� – 1 :‬ص‪�( )309 :‬آداب الدعاء‪ :‬ال�سابع)‪.‬‬
‫(‪�( )56‬صفة ال�صفوة) البن اجلوزي (جـ‪� – 2 :‬ص‪ )237 :‬والذي حدث عنه ابن �أخيه‪ :‬احل�سن بن عمران بن عيينة‪.‬‬
‫جيب‬
‫ُ‬ ‫الم‬
‫ِيب ‪ُ -‬‬ ‫الس ِّي ُد ‪ُّ -‬‬
‫الص َم ُد ‪ -‬القَ ر ُ‬ ‫المجموعة الرابعة والعشرون ‪َّ :‬‬ ‫‪455‬‬

‫‪ æ‬عندما كان الإمام �أحمد م�سجون ًا‪ ،‬وقد توعده اخلليفة العبا�سي امل�أمون‪ ،‬جاء‬
‫خادم ال�سجن وهو مي�سح دموعه بطرف ثوبه ويقول‪« :‬يع ُّز َّ‬
‫علي �أبا عبد اهلل �أن امل�أمون‬
‫قد َ�س ّل �سيفاً مل ي�س ّله قبل ذلك‪ ،‬و�أن��ه يق�سم بقرابته من ر�سول اهلل ‪ ¤‬لئن مل‬
‫جتبه �إلى القول بخلق القر�آن ليقتلنك بذلك ال�سيف‪ ،‬قال‪ :‬فجثى الإم��ام �أحمد‬
‫على ركبتيه‪ ،‬ورمق بطرفه �إلى ال�سماء‪ ،‬وق��ال‪� :‬سيدي!‪َ ،‬غ َّر حِ ْل ُمك هذا الفاجر‬
‫حتى جتر�أ على �أولياءك بال�ضرب والقتل‪ ،‬اللهم ف�إن مل يكن القر�آن كالمك غري‬
‫خملوق فاكفنا م�ؤنته‪ ،‬قال‪ :‬فجاءهم ال�صريخ مبوت امل�أمون يف الثلث الأخري من‬
‫الليل‪ ،‬قال �أحمد‪ :‬ففرحت»(‪.)57‬‬
‫‪ æ‬ق��ال اب��ن كثري‪« :‬جمعت الرحلة ب�ين حممد ب��ن جرير ال��ط�بري‪ ،‬وحممد بن‬
‫�إ�سحاق ابن خزمية‪ ،‬وحممد بن ن�صر املروزي‪ ،‬وحممد بن هارون ال ّروياين مب�صر‪،‬‬
‫ف�أرملوا(‪ ،)58‬ومل يبق عندهم ما ي ُقوتهم‪ ،‬و�أ�ض َّر بهم اجلوع‪ ،‬فاجتمعوا ليلة يف منزل‬
‫كانوا ي�أوون �إليه‪ ،‬فاتفق ر�أيهم على �أن َي ْ�ستَهموا وي�ضربوا ال ُقرعة‪ ،‬فمن خرجت عليه‬
‫ال ُقرعة ذهب وت ََ�س َّو َل لأ�صحابه الطعام!‪ ،‬فخرجت القرعة على حممد بن خزمية‪ ،‬فقال‬
‫لأ�صحابه‪� :‬أمهلوين حتى �أتو�ض�أ و�أ�صلي �صالة اخلِ �َيترَ ة (اال�ستخارة)‪ ،‬فاندفع‬
‫يف ال�صالة‪ ،‬وم��ا ه��ي �إال حل�ظ��ات؛ ف ��إذا ه��م بال�شموع ور��س��ول م��ن َواليِ م�صر‬
‫يدق الباب‪ ،‬ففتحوا الباب فنزل عن دابته‪ ،‬فقال‪� :‬أيكم حممد بن ن�صر؟‪ ،‬فقيل‪:‬‬ ‫ُّ‬
‫هو ه��ذا‪ ،‬ف�أخرج �صرة فيها خم�سون دينارا فدفعها �إليه‪ ،‬ثم قال‪� :‬أيكم حممد بن‬
‫جرير؟‪ ،‬قالوا‪ :‬هو ذا‪ ،‬ف�أخرج �صرة فيها خم�سون دينارا فدفعها �إليه‪ ،‬ثم قال‪� :‬أيكم‬
‫حممد بن هارون؟‪ ،‬قالوا‪ :‬هو ذا‪ ،‬ف�أخرج �صرة فيها خم�سون دينارا فدفعها �إليه‪ ،‬ثم‬
‫قال‪� :‬أيكم حممد بن خزمية؟‪ ،‬قال‪ :‬هو ذا ي�صلي‪ ،‬فلما فرغ دفع �إليه ال�صرة وفيها‬
‫خم�سون دينار ًا‪ ،‬ثم قال‪� :‬إن الأمري كان قائ ً‬
‫ال بالأم�س فر�أى يف املنام خيا ًال قال‪:‬‬
‫(‪( )57‬البداية والنهاية) البن كثري (�ص‪ )1618 :‬يف �أحدث �سنة (‪ 241‬هـ)‪.‬‬
‫(‪� )58‬أي َنفِدَ زادُهُ م‪.‬‬
‫‪456‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫� ّإن املحامد طووا َك ْ�شحهم جيا ًعا‪ ،‬ف�أنفذ �إليكم هذه ِّ‬
‫ال�صرار‪ ،‬و�أق�سم عليكم �إذا‬
‫يل؛ �أمدكم!»(‪.)59‬‬‫نفدت فابعثوا �إ َّ‬
‫‪ æ‬جاء رجل �إلى الزاهد «�أحمد بن �أبي غالب»‪ ،‬فقال له‪� :‬سل يل فالنا يف كذا (�أي‬
‫ا�شفع يل عنده)‪ ،‬فقال �أحمد‪ :‬قم معي ف�صل ركعتني‪ ،‬ون�س�أل اهلل تعالى‪ ،‬ف�إين ال �أترك‬
‫بابا مفتوحا و�أق�صد بابا مغلقا!»(‪.)60‬‬
‫‪ æ‬قال ابن كثري‪« :‬روى البيهقي‪� :‬أن رجال جاء �إلى الإمام �أحمد فقال‪� :‬إن �أمي مقعدة‬
‫منذ ع�شرين �سنة‪ ،‬وقد بعثتني �إليك لتدعو اهلل لها‪ .‬فك�أنه غ�ضب من ذلك‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫نحن �أحوج �أن تدعو هي لنا!‪ .‬ثم دعا اهلل لها‪ .‬فرجع الرجل �إلى �أمه فدق الباب‪،‬‬
‫فخرجت �إليه على رجليها وقالت‪ :‬قد وهبني اهلل العافية»(‪.)61‬‬
‫‪ æ‬قال عطاء بن �أبي رباح‪ :‬جاءين «طاوو�س بن كي�سان اليماين» بكالم حمرب من‬
‫القول فقال‪ :‬يا عطاء �إياك �أن تطلب حوائجك �إلى من غ ّل َق دونك �أبوابه‪ ،‬وجعل دونها‬
‫ُح ّجابه‪ ،‬وعليك مبن �أمرك �أن ت�س�أله ووعدك الإجابة»(‪.)62‬‬
‫‪ æ‬قال �أب��و �إ�سحاق اجلبنياين‪« :‬بلغنا عن ٍ‬
‫معلم عفيف‪ ،‬رئ��ي وه��و يدعو حول‬
‫الكعبة ويقول‪ :‬اللهم �أميا غالم علمته‪ ،‬فاجعله يف عبادك ال�صاحلني‪ ،‬فبلغني �أنه‬
‫َخ َّرج على يديه نحواً من ت�سعني عامل و�صالح»(‪.)63‬‬
‫‪ æ‬قال جعفر الربمكي لأبيه يحيى بن خالد بن برمك وهم يف احلب�س‪« :‬يا �أبت!‬
‫بعد الأم��ر والنهي‪ ،‬والأم��وال العظيمة‪� ،‬أ�صارنا الدهر �إلى القيود ولب�س ال�صوف‬
‫واحلب�س!‪ ،‬فقال له �أبوه‪ :‬يا بني! دعوة مظلوم �سرت بليل غفلنا عنها ومل يغفل اهلل‬
‫(‪�( )59‬سري �أعالم النبالء) للذهبي (�ص‪ )3367 :‬يف �سرية‪( :‬حممد بن جرير الطربي) ونقلها عن اخلطيب البغدادي‪.‬‬
‫(‪( )60‬املق�صد الأر�شد يف ذكر �أ�صحاب الإمام �أحمد) البن مفلح (جـ‪� – 1:‬ص‪ )152:‬عند ترجمة‪� :‬أحمد بن �أبى غالب بن‬
‫الطالية احلربى الزاهد‪ ،‬برقم (‪.)111‬‬
‫(‪()61‬البداية والنهاية) البن كثري (�ص‪ )1617 :‬يف �أحدث �سنة (‪ 241‬هـ)‪.‬‬
‫(‪( )62‬حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ‪� – 8 :‬ص‪.)141 :‬‬
‫(‪( )63‬ترتيب املدارك وتقريب امل�سالك) للقا�ضي عيا�ض (جـ‪� – 6:‬ص‪.)246 – 245 :‬‬
‫جيب‬
‫ُ‬ ‫الم‬
‫ِيب ‪ُ -‬‬ ‫الس ِّي ُد ‪ُّ -‬‬
‫الص َم ُد ‪ -‬القَ ر ُ‬ ‫المجموعة الرابعة والعشرون ‪َّ :‬‬ ‫‪457‬‬

‫عنها! ثم �أن�شا يقول‪:‬‬


‫رب قوم قد غدوا يف نعمة زمنا والدهر ريان غدق‬ ‫ ‬
‫ثم �أبكاهم دما حني نطق»(‪.)64‬‬ ‫�سكت الدهر زمانا عنهم ‬ ‫ ‬
‫‪ æ‬قال ابن القيم‪�« :‬س�ؤال املخلوق للمخلوق �س�ؤال الفقري للفقري‪ ،‬والرب تعالى‬
‫كلما �س�ألته َك ُرمت عليه‪ ،‬ور�ضي عنك‪ ،‬و�أحبك‪ ،‬واملخلوق كلما �س�ألته هنت عليه‪،‬‬
‫و�أبغ�ضك‪ ،‬ومقتك»(‪.)65‬‬
‫‪ æ‬عن عثمان بن عطاء عن �أبيه قال‪« :‬كان �أبو م�سلم اخلوالين �إذا ان�صرف من‬
‫امل�سجد �إلى منزله كبرّ على باب منزله فتكبرّ امر�أته‪ ،‬ف���إذا كان يف �صحن داره كبرّ‬
‫فتجيبه امر�أته‪ ،‬ف�إذا بلغ �إلى باب بيته كبرّ فتجيبه امر�أته‪ ،‬فان�صرف ذات ليلة فكبرّ‬
‫عند باب داره فلم يجبه �أحد!‪ ،‬فلما كان يف ال�صحن كبرّ فلم يجبه �أحد!‪ ،‬فلما كان يف‬
‫باب بيته كبرّ فلم يجبه �أحد!‪ ،‬وكان �إذا دخل بيته �أخذت امر�أته رداءه ونعليه‪ ،‬ثم �أتته‬
‫بطعامه!‪ ,‬قال‪ ،‬فدخل ف�إذا البيت لي�س فيه �سراج‪ ،‬و�إذا امر�أته جال�سة منك�سة تنكت بعود‬
‫معها‪ .‬فقال لها‪ :‬ما لك؟‪ ،‬قالت‪� :‬أنت لك منزلة من معاوية‪ ،‬ولي�س لنا خادم‪ ،‬فلو �س�ألته‬
‫خادما‪ -‬و�أعطاك!‪ ،‬قال‪ :‬اللهم من �أف�سد ّ‬
‫علي امر�أتي ف� ْأع ِم‬ ‫ف� َأخ َد َمنا ‪�-‬أي جعل لنا ً‬
‫ب�صره‪ .‬قال‪ :‬وقد جاءتها امر�أة قبل ذلك فقالت‪ :‬زوجك له منزلة من معاوية فلو قلت له‬
‫ي�س�أل معاوية �أن ُيخدمه ويعطيه َل ِع ْ�شتُم!‪ ،‬قال‪ :‬فبينا تلك املر�أة جال�سة يف بيتها �إذ �أنكرت‬
‫ب�صرها!‪ ،‬فقالت‪ :‬ما ل�سراجكم طفئ؟‪ ،‬قالوا‪ :‬ال‪ ،‬فعرفت ذنبها!‪ ،‬ف�أقبلت �إلى �أبي م�سلم‬
‫تبكي‪ ،‬وت�س�أله �أن يدعو اهلل لها يرد عليها ب�صرها‪ .‬قال‪ :‬فرحمها �أبو م�سلم فدعا‬
‫اهلل لها‪ ،‬فرد عليها ب�صرها!»(‪.)66‬‬
‫‪ æ‬كان �أبو معن ثمامة بن �أ�شر�س النمريي من زعماء املبتدعة الذين ُيظهرون‬
‫(‪( )64‬تاريخ بغداد) للخطيب البغدادي (جـ‪� - 14:‬ص‪.)136 :‬‬
‫(‪( )65‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ‪� – 2:‬ص‪ )131:‬يف منزلة (التوكل)‪.‬‬
‫(‪�( )66‬صفوة ال�صفوة) لأبي الفرج ابن اجلوزي (جـ‪� - 4 :‬ص‪.)212 - 211 :‬‬
‫‪458‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫البدعة ويحاربون ال�سنة‪ ،‬وك��ان مقرب ًا من اخللفاء العبا�سيني‪ :‬امل�أمون‪ ،‬واملعت�صم‪،‬‬


‫والواثق‪ ،‬وبلغ من �شدة عداوته لأهل ال�سنة �أن �أغرى اخلليفة العبا�سي (الواثق) بالعامل‪:‬‬
‫�أحمد بن ن�صر املروزي ال�سني اخلزاعي لأجل �أنه كان يطعن على القدرية واملبتدعة‪،‬‬
‫ووافقه يف �سعيه وو�شايته ابن الزيات وابن �أبي د�ؤاد‪ ،‬فا�ستمع لهم (الواثق) وقتله؛ فندم‬
‫على فعله‪ ،‬وعاتبهم على ذلك!‪ ،‬فقال ابن الزيات تطييب ًا لقلب (الواثق)‪� :‬إن مل يكن‬
‫قتله �صوابا فقتلني اهلل بني املاء والنار!‪ ،‬وقال ابن �أبي د�ؤاد‪ :‬حب�سني اهلل يف جلدي‬
‫علي ال�سيوف �إن مل يكن قتله‬ ‫�إن مل يكن قتله �صوابا!‪ ،‬وقال ثمامة‪� :‬س ّلط اهلل َّ‬
‫�صوابا!‪ .‬فا�ستجاب اهلل دعواتهم!‪ ،‬ف�أما ابن الزيات ف�إنه ملا دخل احلمام؛ خ�سف به‬
‫الأر�ض‪ ،‬ووقع يف الأتون‪ ،‬وهلك فيه بني املاء والنار!‪ ،‬و�أما ابن �أبي د�ؤاد؛ ف�أ�صابه الفالج‪،‬‬
‫فبقي يف جلده حبو�س ًا �إلى �أن مات!‪ ،‬و�أما ثمامة؛ فر�آه بنو خزاعة مبكة‪ ،‬وقالوا‪ :‬هذا‬
‫الذي �سعى يف دم عاملنا (�أحمد بن ن�صر) ثم �أحاطوا به‪ ،‬وتبادروه بال�سيف فقتلوه‪ ،‬ثم‬
‫�أخرجوا جيفته من احلرم حتى �أكلته ال�سباع»(‪.)67‬‬

‫(‪( )67‬التب�صري يف الدين ومتييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكني) للأ�سفراييني (�ص‪.)80:‬‬
‫ير‬
‫ص ُ‬‫ور ‪ -‬ال َّن ِ‬ ‫اك ُر ‪َّ -‬‬
‫الش ُك ُ‬ ‫المجموعة الخامسة والعشرون ‪َّ :‬‬
‫الش ِ‬ ‫‪459‬‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ ‪25‬ـــــــــة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ُّ :‬‬
‫ال�شك ُْر‬
‫(‪)91 - 90 - 89‬‬
‫ال�شا ِك ُر ‪َّ -‬‬
‫ال�ش ُكو ُر ‪ -‬ال َّن ِ�ص ُري‬ ‫َّ‬
‫‪460‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الـمجـمـوعـ ‪25‬ـة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ُّ :‬‬
‫ال�شك ُْر‬
‫( ‪) 91 - 90 - 89‬‬
‫ال�شا ِك ُر ‪َّ -‬‬
‫ال�ش ُكو ُر ‪ -‬الن َِّ�ص ُ‬
‫ري‬ ‫َّ‬
‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫ال�شا ِك ُر‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي مرتني‪ ،‬يف قوله تعالى‪ }:‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫‪َّ æ‬‬
‫ﮞ{[البقرة‪ ،]158:‬وقوله تعالى‪} :‬ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ{[الن�ساء‪ ،]147:‬ومل يرد اال�سم يف ال�سنة النبوية ب�سند �صحيح‪.‬‬
‫ال�ش ُكو ُر‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 4‬م��رات)‪ ،‬منها قوله تعالى‪}:‬ﯻ‬
‫‪َّ æ‬‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ{[فاطر‪ ،]30:‬ومل يرد‬
‫اال�سم يف ال�سنة النبوية ب�سند �صحيح‪.‬‬
‫ري‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 4‬مرات)‪ ،‬منها قوله تعالى‪ }:‬ﯫ ﯬ‬ ‫‪ æ‬الن َِّ�ص ُ‬
‫ﯳ{[احلج‪ ،]78:‬ومن حديث �أن�س بن مالك ‹‪:‬‬ ‫ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ُ‬
‫�أن ر�سول اهلل ‪ ¤‬كان �إذا غزا قال‪( :‬اللهم �أنت ع�ضدي‪� ،‬أنت ن�صريي‪ ،‬بك �أحول‪ ،‬بك‬
‫�أ�صول‪ ،‬بك �أقاتل)(‪.)1‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬
‫‪َّ æ‬‬
‫ال�شا ِك ُر‪« :‬ا�سم فاعل للمو�صوف بال�شكر‪ ،‬فعله َ�ش َك َر َي�ش ُكر ُ�شك ًرا‪ ،‬فهو �شاكر‪،‬‬
‫وال�شكر‪ :‬الثناء اجلميل على الفعل اجلليل‪ ،‬وجم��ازاة الإح�سان بالإح�سان»(‪ ،)2‬قال‬
‫الزجاجي‪« :‬ال�شكر‪ :‬مقابلة املنعم على فعله بثناء عليه‪ ،‬وقبول لنعمته‪ ،‬واعرتاف بها»(‪.)3‬‬
‫(‪ )1‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)4757‬‬
‫(‪�( )2‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)576:‬ال�شاكر)‬
‫(‪( )3‬ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص‪.)87 :‬‬
‫ير‬
‫ص ُ‬‫ور ‪ -‬ال َّن ِ‬ ‫اك ُر ‪َّ -‬‬
‫الش ُك ُ‬ ‫المجموعة الخامسة والعشرون ‪َّ :‬‬
‫الش ِ‬ ‫‪461‬‬

‫و�شكوراً‪َ ،‬‬
‫وال�ش ُكور‪ :‬املثيب‬ ‫‪َّ æ‬‬
‫ال�ش ُكو ُر‪�« :‬صيغة مبالغة‪ ،‬فعله �شكر َي�ش ُكر ُ�شك ًرا ُ‬
‫لل�شاكر على �شكره‪ ،‬املجازي على احل�سنة ب�أ�ضعافها»(‪ ،)4‬وقال يف الل�سان‪« :‬ال�شكر‪:‬‬
‫عرفان الإح�سان ون�شره ‪ ..‬ورجل َ�شكو ٌر‪ :‬كثري ُّ‬
‫ال�ش ْك ِر ‪ ..‬وال�شكر من اهلل‪ :‬املجازاة‪،‬‬
‫و(ال�ش ُكور)‪ :‬من �صفات اهلل‪ ،‬معناه‪� :‬أَنه يزكو عنده القلي ُل من‬
‫َّ‬ ‫والثناء اجلميل ‪..‬‬
‫�أَعمال العباد في�ضاعف لهم اجلزاء»(‪.)5‬‬
‫ري‪�« :‬صيغة مبالغة‪ ،‬على وزن فعيل‪ ،‬من ا�سم الفاعل (النا�صر)»(‪،)6‬‬ ‫‪ æ‬الن َِّ�ص ُ‬
‫«ن�صره‪� :‬أي �أيده و�أعانه على عدوه‪ ،‬و(ال َّن ِ�ص ُري)‪ :‬كثري الت�أييد والعون بدعم وقوة‪،‬‬
‫وهو الذي ال يخذل وليه»(‪.)7‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬


‫‪َّ æ‬‬
‫ال�شا ِك ُر‪« :‬الذي يثيب على القليل بالكثري»(‪ ،)8‬قال البي�ضاوي‪َّ (« :‬‬
‫ال�ش ِاك ُر) املثيب‪،‬‬
‫ال�ش ُكو ُر)‬
‫ال�ش ِاك ُر) و ( َّ‬
‫الذي يقبل الي�سري‪ ،‬ويعطي اجلزيل»(‪ ،)9‬وقال ال�شيخ ال�سعدي ‪َّ ( « :‬‬
‫الذي ي�شكر القليل من العمل اخلال�ص النقي النافع‪ ،‬ويعفو عن الكثري من الزلل‪،‬‬
‫ال‪ ،‬بل ي�ضاعفه �أ�ضعافاً م�ضاعفة بغري عد وال ح�ساب‪،‬‬ ‫وال ي�ضيع �أجر من �أح�سن عم ً‬
‫ومن ُ�شكره �أنه يجزي باحل�سنة ع�شرة �أمثالها �إلى �سبعمائة �ضعف �إلى �أ�ضعاف كثرية‪،‬‬
‫وقد يجزي اهلل العبد على العمل ب�أنواع من الثواب العاجل قبل الآجل‪ ،‬ولي�س عليه‬
‫حق واجب مبقت�ضى �أعمال العباد‪ ،‬و�إمنا هو الذي �أوجب احلق على نف�سه كرماً منه‬
‫وجوداً‪ ،‬واهلل ال ي�ضيع �أجر العاملني به �إذا �أح�سنوا يف �أعمالهم و�أخل�صوها هلل»(‪.)10‬‬
‫(‪ )4‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪� :‬ش ك ر)‪.‬‬
‫(‪( )5‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ‪� - 4 :‬ص‪.)424 - 423 :‬‬
‫(‪ )6‬تف�سري (مفاتيح الغيب) للرازي عند تف�سري (الآية‪� - 107:‬سورة البقرة)‪.‬‬
‫(‪ )7‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ن �ص ر)‪.‬‬
‫(‪( )8‬تف�سري القر�آن العظيم) البن كثري (الآية‪� -158:‬سورة البقرة)‪.‬‬
‫(‪ )9‬تف�سري (�أنوار التنزيل وا�سرار الت�أويل) للبي�ضاوي (الآية‪-147:‬الن�ساء)‪.‬‬
‫(‪ )10‬تو�ضيح الكافية ال�شافية (�ص‪)126-125‬احلق الوا�ضح املبني (�ص‪.)70‬‬
‫‪462‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪َّ æ‬‬
‫ال�ش ُكو ُر‪« :‬ال��ذي يثيب من �أطاعه ب�أ�ضعاف م�ضاعفة»(‪ ،)11‬ق��ال اب��ن القيم‪:‬‬
‫ال�ش ُكو ُر) ال��ذي ُيعطي العبد ويو ِّفقه ملا ي�شكره عليه‪ ،‬وي�شكر القلي َل من العمل‬
‫«( َّ‬
‫والعطاء‪ ،‬فال ي�ستق ّله �أن ي�شكره‪ ،‬وي�شكر احل�سنة بع�شر �أمثالها �إلى �أ�ضعاف م�ضاعفة‪،‬‬
‫وي�شكر عبده بقوله ب�أن ُيثني عليه بني مالئكته ويف ملأه الأعلى‪ ،‬و ُيلقي له ال�شكر‬
‫بني عباده‪ ،‬وي�شكره بفعله‪ ،‬ف�إذا ترك له �شي ًئا �أعطاه �أف�ضل منه‪ ،‬و�إذا بذل له �شي ًئا ر َّده‬
‫عليه �أ�ضعا ًفا م�ضاعفة‪ ،‬وهو الذي و َّفقه للرتك والبذل‪ ،‬و�شكره على هذا وذاك»(‪،)12‬‬
‫ثيب عليه الكثري من‬ ‫ال�ش ُكو ُر) الذي ي�شكر الي�سري من الطاعة َف ُي ُ‬‫وقال اخلطابي‪َّ (« :‬‬
‫الثواب‪ ،‬ويعطي اجلزي َل من النعمة‪ ،‬فري�ضى بالي�سري من ال�شكر»(‪ ،)13‬وقال الغزايل‪:‬‬
‫ال�ش ُكو ُر) ال��ذي يجازي بي�سري الطاعات كثري ال��درج��ات‪ ،‬ويعطي بالعمل يف �أيام‬ ‫«( َّ‬
‫معدودة‪ ،‬نعيماً يف الآخرة غري حمدود»(‪.)14‬‬
‫ري‪« :‬النا�صر للم�ؤمنني على �أعدائهم‪ ،‬و�أعداء دينهم»(‪ ،)15‬قال احلليمي‪:‬‬ ‫‪ æ‬الن َِّ�ص ُ‬
‫«(ال َّن ِ�ص ُري) املوثوق منه ب�أن ال ي�س ِّلم وليه وال يخذلــه»(‪ .)16‬ويقول ال�شيخ ال�سعدي‪:‬‬
‫«} ﭘ ﭙ ﭚ{ [الن�ساء‪ ،]45 :‬ين�صرهم على �أعدائهم‪ ،‬ويبني لهم ما يحذرون‬
‫منهم ويعينهم عليهم‪ ،‬فواليته ‪-‬تعالى‪ -‬فيها ح�صول اخل�ير‪ ،‬ون�صره‪ :‬فيه زوال‬
‫ال�شر»(‪.)17‬‬

‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬


‫ال�شا ِك ُر ‪َّ -‬‬
‫ال�ش ُكو ُر‪َّ :‬‬
‫(ال�ش ِاك ُر) ا�سم فاعل للمو�صوف بال�شكر‪ ،‬وهو يدل على �أ�صل‬ ‫‪َّ æ‬‬
‫(‪ )11‬تف�سري (فتح القدير) لل�شوكاين (الآية ‪� - 17‬سورة التغابن)‪.‬‬
‫(‪( )12‬عدة ال�صابرين وذخرية ال�شاكرين) البن القيم (�ص‪.)281 - 280 :‬‬
‫(‪�( )13‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)66 - 65 :‬‬
‫(‪( )14‬املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص‪.)95 :‬‬
‫(‪( )15‬تف�سري الطربي) عند تف�سري (الآية ‪� - 45‬سورة الن�ساء)‪.‬‬
‫(‪( )16‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪ )179 :‬وعزاه للحليمي‪.‬‬
‫(‪ )17‬تف�سري ال�سعدي (الآية ‪� - 45‬سورة الن�ساء) (�ص‪.)146 :‬‬
‫ير‬
‫ص ُ‬‫ور ‪ -‬ال َّن ِ‬ ‫اك ُر ‪َّ -‬‬
‫الش ُك ُ‬ ‫المجموعة الخامسة والعشرون ‪َّ :‬‬
‫الش ِ‬ ‫‪463‬‬

‫ال�شكر‪� ،‬أي �أن اهلل ‪�-‬سبحانه وتعالى‪ -‬ي�شكر عبده على طاعته‪ ،‬ويجزيه ويثيبه‪ ،‬و�أما ا�سم‬
‫(ال�ش ُكو ُر) فهو من �صيغ املبالغة‪ ،‬على وزن فعول‪ ،‬التي تدل على الكرثة والقوة يف الفعل‪،‬‬ ‫َّ‬
‫(�ش ُكو ٌر) ي�شكر الطاعة الي�سرية ب�أنواعها‬ ‫�أي كرثة ال�شكر وعظم اجلزاء‪ ،‬فاهلل ‪-‬ع َّز َّ‬
‫وجل‪َّ -‬‬
‫ثيب عليها اخلري الكثري والعطاء اجلزيل مرة بعد مرة‪ ،‬فهذا اال�سم يدل على‬ ‫املختلفة‪َ ،‬و ُي ُ‬
‫كرثة وتكرار ال�شكر على الطاعات ب�شتى �أنواعها‪� ،‬إلى جانب عظم الثواب وجزالته مقارنة‬
‫بطاعة العبد وعمله؛ ولذا ف�إن من ال ي�شكر �إال نوع ًا واح��د ًا من الطاعات‪� ،‬أو ي�شكر ملرة‬
‫واحدة فقط ال يقال له ال�شكور‪ ،‬قال املاوردي عن �أحد �أوجه الفرق بني ال�شاكر وال�شكور‪�« :‬أن‬
‫ال�شكور من تكرر منه ال�شكر‪ ،‬وال�شاكر من وقع منه ال�شكر»(‪.)18‬‬
‫ري‪ :‬الن�صرة على الأعداء �أحد �أوجه ُ�ش ْكر اهلل لأوليائه‪ ،‬واهلل‬ ‫اكر ‪ -‬الن َِّ�ص ُ‬ ‫‪َّ æ‬‬
‫ال�ش ُ‬
‫(�ش ُكو ٌر)‪ ،‬ي�شكر من �أطاعه‪ ،‬ون�صــــر دينـــــــه‪ ،‬وجاهد يف �سبيلــــــه؛ ب�أن ين�صـــــره وي�ؤيده كما‬ ‫َ‬
‫حق على اهلل �أن يعطي‬ ‫قال تعالى‪ } :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ{[حممد‪ ،]7:‬قال قتاده‪« :‬لأنه ّ‬
‫من �س�أله‪ ،‬وين�صر من ن�صره»(‪ ،)19‬وقال ابن جرير الطربي عند تف�سريه لقوله تعالى‪:‬‬
‫}ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ{[احلج‪« :]40:‬ولـيعي ّ‬
‫نن اهلل‬
‫من يقاتل يف �سبيله‪ ،‬لتكون كلمته العليا علـى عد ِّوه‪َ .‬ف َن ْ�ص ُر اهلل عبده‪ :‬معونته �إياه‪،‬‬
‫و َن ْ�ص ُر العبد ربه‪ :‬جهاده فـي �سبيله‪ ،‬لتكون كلمته العليا‪ ،‬وقوله‪} :‬ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ{ �إن اهلل لقويّ على ن�صر من جاهد فـي �سبيله من �أهل واليته وطاعته‪ ،‬عزيز‬
‫فـي ُملكه‪ ،‬منـيع فـي �سلطانه‪ ،‬ال يقهره قاهر‪ ،‬وال يغلبه غالب»(‪.)20‬‬

‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬


‫وال�ش ُكور) «�صفة‬ ‫ال�شا ِك ُر ‪َّ -‬‬
‫ال�ش ُكو ُر‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سميه ‪�-‬سبحانه َّ‬
‫(ال�شا ِكر َّ‬ ‫‪َّ æ‬‬
‫ال�ش ْكر) وهي من �صفات اهلل الفعلية الثابتة بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)21‬قال تعالى‪} :‬ﯲ ﯳ‬ ‫( ُّ‬
‫(‪ )18‬تف�سري (النكت والعيون) للماوردي (الآية‪� - 13:‬سورة �سب�أ)‪.‬‬
‫(‪ )19‬تف�سري (جامع البيان) للطربي عند تف�سري [حممد‪. 7:‬‬
‫(‪ )20‬تف�سري (جامع البيان) للطربي عند تف�سري [احلج‪. 40:‬‬
‫(‪�( )21‬صفات اهلل ‪ ) -‬لل�سقاف (�ص‪.)154 :‬‬
‫‪464‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ{[الن�ساء‪ ،]147:‬ومن‬
‫ال�سنة ما حكاه النبي ‪�( :¤‬أن رج ًال ر�أى كلب ًا ي�أكل الرثى من العط�ش‪ ،‬ف�أخذ الرجل خفه‪،‬‬
‫فجعل يغرف له به حتى �أرواه‪ ،‬ف�شكر اهلل له ف�أدخله اجلنة)(‪ ،)22‬وقوله ‪( :¤‬بينما‬
‫رجل مي�شي بطريق‪ ،‬وجد غ�صن �شوك على الطريق‪ ،‬ف�أخره ف�شكر اهلل له فغفر له)(‪.)23‬‬
‫‪ æ‬الن َِّ�ص ُري‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال َّن ِ�صري) «�صفة (الن�صرة)‬
‫وهي �صف ٌة من �صفات الأفعال»(‪ ،)24‬قال تعالى‪ } :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ{[حممد‪،]7:‬‬
‫ومن ال�سنة قوله ‪� ..(:¤‬صدق وعده‪ ،‬و َن َ�ص َر عبده‪ ،‬وهزم الأحزاب وحده)(‪ ،)25‬قال‬
‫الراغب‪« :‬الن�صر والن�صرة‪ :‬العون»(‪.)26‬‬
‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬
‫يم‪ :‬ورد االق��ت�ران م��ع ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال َّ�����ش ِ‬
‫��اك��ر) م��رت�ين منها قوله‬ ‫ال َع ِل ُ‬ ‫‪æ‬‬
‫تعالى‪} :‬ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽ{[الن�ساء‪ ،]147:‬وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬كما يقول ال�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل‪:‬‬
‫«�أن اهلل ‪�-‬سبحانه‪ -‬عليم مبن ي�ستحق ال�شكر على عمله‪ ،‬وقبوله و�إثابته عليه‪،‬‬
‫فلي�س كل عامل ومتطوع باخلري يقبل اهلل �سعيه وي�شكره عليه‪ ،‬فهو ‪�-‬سبحانه‪-‬‬
‫�أعلم بال�شاكرين حقيقة‪ ،‬وباملتقربني املخل�صني يف تقربهم لــه ‪�-‬سبحانه‪ -‬كما قال‬
‫�سبحانه‪ }:‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ{[الأنعام‪ ،)27(»]53:‬ويقول ابن عا�شور‪�« :‬إن‬
‫اهلل �شاك ٌر‪� ،‬أي ال ي�ضيع �أجر حم�سن‪ ،‬عليم ال يخفى عنه �إح�سانه‪ ،‬وذكر الو�صفني‬
‫لأن ترك الثواب عن الإح�سان ال يكون �إ ّال عن جحود للف�ضيلة �أو جهل بها فلذلك‬
‫نفيا بقوله‪ } :‬ﮝ ﮞ{»(‪.)28‬‬
‫(‪ )22‬رواه البخاري برقم (‪ ،)2363-173‬ورواه م�سلم برقم (‪.)2244‬‬
‫(‪ )23‬رواه الن�سائي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)2874‬‬
‫(‪�( )24‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( )335:‬الن�صري)‪.‬‬
‫(‪ )25‬رواه البخاري برقم (‪ ،)6385‬وم�سلم برقم (‪.)1344‬‬
‫(‪( )26‬املفردات يف غريب القر�آن) للراغب الأ�صفهاين (جـ‪� - 2:‬ص‪( )639 :‬مادة ن�صر)‪.‬‬
‫(‪( )27‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪.)351 :‬‬
‫(‪ )28‬تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور عند تف�سري [البقرة‪.]158:‬‬
‫ير‬
‫ص ُ‬‫ور ‪ -‬ال َّن ِ‬ ‫اك ُر ‪َّ -‬‬
‫الش ُك ُ‬ ‫المجموعة الخامسة والعشرون ‪َّ :‬‬
‫الش ِ‬ ‫‪465‬‬

‫(ال�ش ُكور) مرة واحدة يف قوله‬ ‫‪ æ‬الحْ َ ل ُ‬


‫ِيم‪ :‬ورد االق�تران مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه َّ‬
‫ت��ع��ال��ى‪} :‬ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦ{ [التغابن‪ ،]17:‬و�سر ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬كما يقول �سيد قطب‪« :‬وتبارك‬
‫اهلل‪ ،‬ما �أكرمه وما �أعظمه!‪ ،‬وهو ين�شئ العبد ثم يرزقه‪ ،‬ثم ي�س�أله ف�ضل ما‬
‫�أعطاه قر�ضاً ي�ضاعفه‪ ،‬ثم ي�شكر لعبده الذي �أن�ش�أه و�أعطاه‪ ،‬ويعامله باحللم يف‬
‫تق�صريه هو عن �شكره مواله ‪ ..‬يا اهلل!»(‪ ،)29‬وقال ال�شيخ ال�شنقيطي‪ }« :‬ﯥ‬
‫ﯦ{ ُ�ش ْك ُر اهلل لعبده هو جمازاته له بالأجر اجلزيل على العمل القليل‪.‬‬
‫وقوله‪ } :‬ﯦ{ �أي ال يعجل بالعقوبة‪ ،‬بل ي�سرت ويتجاوز عن ذنوبه‪ ،‬وجميء‬
‫هذا التذييل هنا ي�شعر بالتوجيه يف بع�ض نواحي �إ�صالح الأ�سرة‪ ،‬وهو �أن يقبل‬
‫كل من الزوجني عمل الآخر ب�شكر‪ ،‬ويقابل كل �إ�ساءة بحلم ليتم معنى ح�سن‬
‫الع�شرة؛ ولأن الإنفاق ي�ستحق املقابلة بال�شكر والعداوة تقابل باحللم»(‪.)30‬‬

‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪:‬‬


‫‪ æ‬الأثر العلمي االعتقادي‪:‬‬
‫اهلل ‪� -‬سبحانه وتعالى ‪�( -‬شاك ٌر �شكو ٌر ن�صري)‪ ،‬ال ي�ضيع عنده عمل‬
‫املح�سنني‪ ،‬بل ي�ضاعف الأجر بال ح�سبان‪ ،‬ويقبل الي�سري من العمل‪ ،‬ويثيب عليه‬
‫الثواب الكثري‪ ،‬والعطاء اجلزيل‪ ،‬ويرزق من ي�شاء بغري ح�ساب ‪ ..‬ي�شكر ال�شاكرين‪،‬‬
‫تقرب �إليه ذراع ًا‪،‬‬
‫ويذكر الذاكرين‪ ،‬ويغفر للم�ستغفرين‪ ،‬ومن تق َّرب �إليه �شرب ًا َّ‬
‫تقرب �إليه باع ًا‪ ،‬ومن جاء باحل�سنة زاد له فيها ح�سن ًا‪،‬‬
‫تقرب �إليه ذراع ًا َّ‬‫ومن َّ‬
‫و�آتاه من لدنه �أجر ًا عظيم ًا‪  .‬‬
‫(‪( )29‬يف ظالل القر�آن) ل�سيد قطب‪( :‬التغابن‪( )17:‬جـ‪� -6:‬ص‪.)3591‬‬
‫(‪ )30‬تف�سري (�أ�ضواء البيان) لل�شنقيطي (الآية ‪- 17‬التغابن)‪( .‬القول منقول عن ال�شيخ)‪.‬‬
‫‪466‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪ æ‬الأثر العملي‪:‬‬
‫‪1.1‬حمبة اهلل‪ ،‬وال�سعي يف مر�ضاته‪ ،‬حيث غمر ‪� -‬سبحانه ‪ -‬العباد بف�ضله و�إح�سانه‬
‫وكرمه‪ ،‬وهو الذي �أنعم عليهم بنعمة الإيجاد والإعداد والإمداد‪ ،‬ومع ذلك ي�شكرهم‬
‫‪�-‬سبحانه‪ -‬على العمل القليل الذي هو بتوفيقه وف�ضله‪ ،‬وي�ضاعف لهم الأجور ويغفر‬
‫لهم الذنوب‪ ،‬ف�سبحانه من �إله بر رحيم جواد كرمي ي�ستحق احلمد كله‪ ،‬واحلب كله‪،‬‬
‫و�إفراده وحده بالعبادة‪ ،‬ال �شريك له‪ ،‬يقول ابن القيم‪« :‬و�أبلغ من ذلك �أنه �سبحانه‬
‫هو الذي �أعطى العبد ما يح�سن به �إلى نف�سه‪ ،‬و�شك َره على قليله بالأ�ضعاف‬
‫امل�ضاعفة التي ال ن�سبة لإح�سان العبد �إليها‪ ،‬فهو املح�سن ب�إعطاء الإح�سان‬
‫أحق با�سم (ال�شكور) منه ‪�-‬سبحانه؟!»(‪.)31‬‬
‫و�إعطاء ال�شكر‪ ،‬ف َمنْ � ُّ‬
‫‪2.2‬احلياء من اهلل والقيام ب�شكر نعمه ‪�-‬سبحانه‪ -‬وحمده‪ ،‬وذلك بالقلب والل�سان‬
‫واجل��وارح‪ ،‬ويف ذلك يقول �سيد قطب‪« :‬و�إذا ك��ان اخلالق املن�شئ‪ ،‬املنعم املتف�ضل‪،‬‬
‫الغني عن العاملني‪ ،‬ي�شكر لعباده �صالحهم و�إميانهم و�شكرهم وامتنانهم؛ وهو‬
‫غني عنهم وعن �إميانهم‪ ،‬وعن �شكرهم وامتنانهم‪� ،‬إذا كان اخلالق املن�شئ‪ ،‬املنعم‬
‫املتف�ضل‪ ،‬الغني ع��ن العاملني ي�شكر‪ ،‬ف�م��اذا ينبغي للعباد املخلوقني املحدثني‬
‫املغمورين بنعمة اهلل جت��اه اخلالق ال��رازق املنعم املتف�ضل ال�ك��رمي؟!‪� ،‬أال �إنها‬
‫اللم�سة الرفيقة العميقة التي ينتف�ض لها القلب ويخجل وي�ستجيب‪� ،‬أال �إنها‬
‫الإ��ش��ارة املنرية �إل��ى معامل الطريق‪ ..‬الطريق �إل��ى اهلل الواهب املنعم‪ ،‬ال�شاكر‬
‫العليم»(‪.)32‬‬
‫‪�3.3‬شكر اهلل ال يقت�صر على الل�سان‪ ،‬و�إمنا ي�شمل �أعمال القلوب واجل��وارح‪ ،‬وقد‬
‫و�صف اهلل لنا خوا�ص خلقه‪ ،‬و�أحب النا�س �إليه‪ ،‬ب�أنهم كانوا من ال�شاكرين‪ ،‬فقال‬
‫تعالى‪ } :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ{[الإ�سراء‪،]3:‬‬
‫(‪( )31‬عدة ال�صابرين وذخرية ال�شاكرين) البن القيم (�ص‪.)282 - 281 :‬‬
‫(‪( )32‬يف ظالل القر�آن) ل�سيد قطب (جـ‪�-6:‬ص‪( )3591:‬الآية‪-147‬الن�ساء)‪.‬‬
‫ير‬
‫ص ُ‬‫ور ‪ -‬ال َّن ِ‬ ‫اك ُر ‪َّ -‬‬
‫الش ُك ُ‬ ‫المجموعة الخامسة والعشرون ‪َّ :‬‬
‫الش ِ‬ ‫‪467‬‬

‫‪} :‬ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬ ‫وقال عن خليله �إبراهيم‬


‫ﭸ{[النحل‪ ،]121 :‬وقوله ‪ ¤‬لعائ�شة عندما �أ�شفقت عليه من طول القيام‬
‫يف العبادة‪�( :‬أفال �أكون عبدً ا �شكو ًرا)(‪ ،)33‬ومما جاء من دعائه ‪ .. ( :¤‬رب‬
‫اجعلني لك �شكار ًا‪ ،‬لك ذكار ًا‪ ،‬لك رهاب ًا‪ ،‬لك مطواع ًا‪ ،‬لك خمبت ًا‪� ،‬إليك �أواه ًا‬
‫منيب ًا‪ ،‬رب تقبل توبتي‪ ،‬واغ�سل حوبتي‪ ،‬و�أجب دعوتي‪ ،‬وثبت حجتي‪ ،‬و�سدد‬
‫ل�ساين‪ ،‬واهد قلبي‪ ،‬وا�سلل �سخيمة �صدري)(‪  .)34‬‬
‫‪ 4.4‬الثقة بكفاية اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬وتوليه لعباده ال�صاحلني ون�صرته لهم و�إح�سان الظن‬
‫به ‪�-‬سبحانه‪ ،‬وعدم الرهبة من قوة الكافرين �إذا �أُخذ بالأ�سباب‪ ،‬والتوكل على‬
‫اهلل وحده يف ذلك؛ فاملن�صور من ن�صره اهلل ‪-‬تعالى‪ ،‬واملخذول من خذله‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪} :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ{[�آل عمران‪.]160 :‬‬
‫‪� 5.5‬إن اهلل �شكور‪ ،‬يحب ال�شاكرين له‪ ،‬ال�شاكرين لعباده املح�سنني‪ ،‬الذين �أجرى اهلل‬
‫على �أيديهم من الأ�سباب ما نفعت عباده‪ ،‬ولذا ف�إن من �آثار ا�سميه (ال�شاكر وال�شكور)‪:‬‬
‫االت�صاف بال�شكر‪ ،‬ب�أن يكون امل�سلم �شكور ًا لكل من �أ�سدى �إليه معروف ًا‪ ،‬والبعد عن �ضده‬
‫من اجلحود‪ ،‬يقول النبي ‪( :¤‬ال ي�شكر اهلل من ال ي�شكر النا�س)(‪ ،)35‬ويقول الإمام ابن‬
‫القيم‪« :‬وملّا كان ‪�-‬سبحانه‪ -‬هو ال�شكور على احلقيقة‪ ،‬كان �أحب خلقه �إليه من ات�صف‬
‫ب�صفة ال�شكر‪ ،‬كما �أن �أبغ�ض خلقه �إليه من َّ‬
‫عطلها وات�صف ب�ضدها‪ ،‬وه��ذا �ش�أن‬
‫�أ�سمائه احل�سنى‪� ،‬أحب خلقه �إليه من ات�صف مبوجبها‪ ،‬و�أبغ�ضهم �إليه من ات�صف‬
‫ب�أ�ضدادها؛ ولهذا يبغ�ض الكفور الظامل‪ ،‬واجل��اه��ل‪ ،‬والقا�سي القلب‪ ،‬والبخيل‪،‬‬
‫واجلبان‪ ،‬واملهني‪ ،‬واللئيم‪ ،‬وهو ‪�-‬سبحانه‪ -‬جميل يحب اجلمال‪ ،‬عليم يحب العلماء‪،‬‬
‫رحيم يحب الراحمني‪ ،‬حم�سن يحب املح�سنني‪� ،‬شكور يحب ال�شاكرين»(‪.)36‬‬
‫(‪ )33‬رواه م�سلم برقم (‪.)2820‬‬
‫(‪ )34‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي (‪ )3803‬باعتبار ترقيم (جامع الرتمذي) و(‪ )2816‬باعتبار ال�صحيح منه ‪.‬‬
‫(‪ )35‬رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)7719‬‬
‫(‪( )36‬عدة ال�صابرين وذخرية ال�شاكرين) البن القيم (�ص‪.)283 - 282 :‬‬
‫‪468‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫(ال�ش ْكر ‪-‬‬
‫ري) من �أ�سماء الأفعال الدالة على �صفة ُّ‬ ‫(ال�شا ِك ُر ‪َّ -‬‬
‫ال�ش ُكو ُر ‪ -‬الن َِّ�ص ُ‬ ‫َّ‬
‫الن�صرة)‪ ،‬وهي من �صفات اهلل الفعلية‪ ،‬املتعلقة بامل�شيئة‪� ،‬إن �شاء اهلل فعلها ‪� -‬سبحانه‬
‫‪ -‬و�إن �شاء مل يفعلها‪ .‬و�شكر اهلل لعباده‪ ،‬وجمازاته لهم بالثواب اجلزيل‪ ،‬والعطاء الكثري‪،‬‬
‫متعلق بطاعتهم و�شكرهم له ‪�-‬سبحانه‪ ،‬كما قال تعالى‪} :‬ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ{[الن�ساء‪ ،]147:‬وقول اهلل تعالى‪:‬‬
‫}ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ{[�إبراهيم‪]7:‬؛ ولذا ُع ّد �شكر العبد لربه �شطر الإميان‪ ،‬كما قال ابن القيم‪�« :‬إن‬
‫ون�صف �شكر»(‪ ،)37‬ومعظم الآيات التي وردت فيها هذه‬‫ٌ‬ ‫الإميان ن�صفان‪ٌ :‬‬
‫ن�صف �صرب‪،‬‬
‫الأ�سماء‪ ،‬كانت ت�صف �شكر العبد و�إح�سانه وطاعته‪ ،‬كما يف قوله تعالى‪ } :‬ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ{[ال�شورى‪ ،]23:‬وقوله تعالى‪ } :‬ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ{[البقرة‪ .]158:‬فمن املمكن القول ب�أنه من املنا�سب دعاء اهلل‪،‬‬
‫والثناء عليه‪ ،‬والتو�سل �إليه‪ ،‬بهذه الأ�سماء مع كل طاعة ونعمة‪ ،‬كي يكون �سبب ًا للمزيد من‬
‫ف�ضله‪ ،‬وحار�س ًا وحافظ ًا لنعمته‪ ،‬كما �أخرب به �سبحانه عن خوا�ص خلقه فقال ‪-‬تعالى‪ -‬عن‬
‫‪} :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬ ‫نبيه �سليمان‬
‫ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯕﯖﯗﯘﯙ‬
‫ﯚ{[النمل‪ ،]19:‬وقوله تعالى‪ } :‬ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ{[النمل‪ ،]40:‬وكان‬
‫نبينا‪ ،¤‬يدعو ربه �أن يعينه على ذكره و�شكره وح�سن عبادته‪ ،‬كما جاء عنه ‪�( :¤‬أحتبون‬
‫�أيها النا�س �أن جتتهدوا يف الدعاء؟‪ ،‬قولوا‪ :‬اللهم �أعنا على �شكرك‪ ،‬وذكرك‪،‬‬
‫وح�سن عبادتك)(‪ ،)38‬ومن حديث �شداد بن �أو�س ‹‪ ،‬قال‪ :‬كان ر�سول اهلل ‪ ¤‬يعلمنا‬
‫�أن نقول‪( :‬اللهم �إين �أ�س�ألك الثبات يف الأمر‪ ،‬و�أ�س�ألك عزمية الر�شد‪ ،‬و�أ�س�ألك �شكر‬
‫(‪( )37‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ‪� - 2 :‬ص‪.)442 :‬‬
‫(‪ )38‬رواه احلاكم و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)81‬‬
‫ير‬
‫ص ُ‬‫ور ‪ -‬ال َّن ِ‬ ‫اك ُر ‪َّ -‬‬
‫الش ُك ُ‬ ‫المجموعة الخامسة والعشرون ‪َّ :‬‬
‫الش ِ‬ ‫‪469‬‬

‫نعمتك وح�سن عبادتك‪ ،‬و�أ�س�ألك ل�سان ًا �صادق ًا وقلب ًا �سليم ًا‪ ،‬و�أعوذ بك من �شر ما‬
‫تعلم‪ ،‬و�أ�س�ألك من خري ما تعلم‪ ،‬و�أ�ستغفرك مما تعلم �إنك �أنت عالم الغيوب)(‪ ،)39‬ويف‬
‫طلب الن�صر قال تعالى وا�صف ًا �أولياءه‪ ،‬وركونهم �إليه‪ ،‬واعتمادهم عليه‪ } :‬ﰈ ﰉ‬
‫ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ{[البقرة‪ ،]286:‬وقوله ‪-‬تعالى‪ -‬عن ن��وح‪ } :‬ﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ{[امل�ؤمنون‪ ،]26:‬ودعا�ؤه ‪( :¤‬اللهم متعني ب�سمعي وب�صري‪،‬‬
‫واجعلهما الوارث مني‪ ،‬وان�صرين على من ظلمني‪ ،‬وخذ منه بث�أري)(‪.)40‬‬
‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬
‫‪ æ‬جاء رجل من الأعراب‪� ،‬إلى النبي ‪ ،¤‬ف�آمن به واتّبعه‪ ،‬ثم قال‪� :‬أهاجر معك؟‪،‬‬
‫ف�أو�صى به النبي ‪ ¤‬بع�ض �أ�صحابه‪ ،‬فلما كانت غزوة‪ ،‬غنم النبي ‪�َ ¤‬س ْبي ًا‪ ،‬فق�سم‪ ،‬وق�سم‬
‫عطي ما ُق�سم له‪ ،‬وكان يرعى ظهرهم‪ ،‬فلما جاء دفعوه �إليه‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا؟!‪ ،‬قالوا‪:‬‬ ‫له‪ ،‬ف�أُ َ‬
‫ق�سم ق�سمه لك النبي ‪ ،¤‬ف�أخذه‪ ،‬فجاء به �إلى النبي ‪ ،¤‬فقال‪ :‬ما هذا؟!‪ ،‬قال‪( :‬ق�سمته‬
‫لك)‪ ،‬قال‪ :‬ما على هذا ا ّتبعتك!‪ ..‬ولكني ا ّتبعتك على �أن �أرمى �إلى ههنا ‪-‬و�أ�شار �إلى‬
‫حلقه‪ -‬ب�سهم ف�أموت‪ ،‬ف�أدخل اجلنة‪ ،‬فقال النبي ‪�( :¤‬إن ت�صدق اهلل ي�صدقك)‪ ،‬فلبثوا‬
‫قلي ًال‪ ،‬ثم نه�ضوا يف قتال العدو‪ ،‬ف�أُتي به النبي ‪ُ ¤‬ي ْحمل‪ ،‬قد �أ�صابه �سهم حيث �أ�شار!‪،‬‬
‫فقال النبي ‪�( :¤‬أهو هو؟!) قالوا‪ :‬نعم!‪ ،‬قال‪�( :‬صدق اهلل ف�صدقه)‪ ،‬ثم كفنه النبي ‪¤‬‬
‫يف جبته‪ ،‬ثم ق ّدمه ف�صلى عليه‪ ،‬فكان فيما ظهر من �صالته‪( :‬اللهم هذا عبدك‪ ،‬خرج‬
‫مهاجر ًا يف �سبيلك‪َ ،‬ف ُق ِتل �شهيد ًا‪� ،‬أنا �شهيد على ذلك)(‪.)41‬‬
‫قالت‪ :‬كان ر�سول اهلل ‪ ¤‬يكرث من قول‪�( :‬سبحان اهلل وبحمده‪،‬‬ ‫عن عائ�شة‬ ‫‪æ‬‬
‫�أ�ستغفر اهلل و�أتوب �إليه) فقلت ‪ :‬يا ر�سول اهلل‪� ،‬أراك تكرث من قول‪�( :‬سبحان اهلل‬
‫وبحمده‪� ،‬أ�ستغفر اهلل و�أتوب �إليه)؟‪ ،‬قال‪( :‬خربين ربي �أين �س�أرى عالمة يف �أمتي‪ ،‬ف�إذا‬
‫(‪ )39‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة برقم (‪.)3228‬‬
‫(‪ )40‬رواه الرتمذي وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)1310‬‬
‫(‪ )41‬رواه الن�سائي و�صححه الألباين يف �صحيح الن�سائي برقم (‪.)1952‬‬
‫‪470‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ر�أيتها �أكثـــرت من قول‪� :‬سبحــان اهلل وبحمده‪� ،‬أ�ستغفر اهلل و�أتوب �إليه‪ ،‬فقد ر�أيتها‪:‬‬
‫} ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ{‪ :‬فتح مكة‪} ،‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ{[الن�صر‪.)42()]3-1:‬‬
‫‪ æ‬عن النعمان بن ب�شري ‹ قال‪ : :‬قال النبي ‪( : ¤‬التحدث بنعمة اهلل �شكر‪،‬‬
‫وتركها كفر‪ ،‬ومن ال ي�شكر القليل ال ي�شكر الكثري‪ ،‬ومن ال ي�شكر النا�س ال ي�شكر‬
‫اهلل‪ ،‬واجلماعة بركة‪ ،‬والفرقة عذاب)(‪.)43‬‬
‫نفر ممن كان‬ ‫ُ‬
‫ثالثة ٍ‬ ‫‪ æ‬عن عبداهلل بن عمر قال‪ :‬قال النبي ‪( :¤‬بينما‬
‫بع�ضهم لبع�ض‪:‬‬ ‫مطر‪ ،‬ف�أووا �إلى غا ٍر فانطبق عليهم‪ ،‬فقال ُ‬ ‫قبلكم مي�شون‪� ،‬إذ �أ�صابهم ٌ‬
‫رجل منكم مبا يعلم �أنه قد‬ ‫كل ٍ‬ ‫�إنه واهلل يا ه�ؤالء‪ ،‬ال ينجيكم �إال ال�صدقُ ‪ ،‬فليد ُع ُّ‬
‫فر ٍق‬‫ري عمل يل على َ‬ ‫�صدق فيه‪ .‬فقال واح ٌد منهم‪ :‬اللهم �إن كنت تعلم �أنه كان يل �أج ٌ‬
‫الفرق فزرع ُته‪ ،‬ف�صار من �أمره �أين‬ ‫عمدت �إلى ذلك َ‬ ‫ُ‬ ‫من �أر ٍز‪ ،‬فذهب وتركه‪ ،‬و�إين‬
‫ف�سقها‪،‬‬‫فقلت‪ :‬اعمد �إلى تلك البقر ُ‬ ‫أجره‪ُ ،‬‬ ‫يطلب � َ‬
‫ُ‬ ‫بقرا‪ ،‬و�أنه �أتاين‬
‫ا�شرتيت منه ً‬
‫البقر‪ ،‬ف�إنها من ذلك‬‫ِ‬ ‫فر ٌق من �أر ٍز‪ ،‬فقلت له‪ :‬اعمد �إلى تلك‬‫فقال يل‪� :‬إمنا يل عندك َ‬
‫ففرج عنا‪ ،‬فان�ساحت‬ ‫الفرق‪ ،‬ف�ساقها‪ ،‬ف�إن كنت تعلم �أين فعلت ذلك من خ�شيتك ِّ‬ ‫َ‬
‫عنهم ال�صخر ُة‪ .‬فقال الآخ ُر‪ :‬اللهم �إن كنت تعلم‪ :‬كان يل �أبوان �شيخان كبريان‪،‬‬
‫ليلة‪ ،‬فجئت وقد رقدا‪ ،‬و�أهلي‬ ‫غنم يل‪ ،‬ف�أبط�أت عليهما ً‬ ‫نب ٍ‬ ‫ليلة بل ِ‬
‫كل ٍ‬ ‫فكنت �آتيهما َّ‬
‫يت�ضاغون من اجلوع‪ ،‬فكنتُ ال �أ�سقيهم حتى ي�شرب �أبواي‪ ،‬فكرهتُ �أن‬ ‫َ‬ ‫وعيايل‬
‫الفجر‪،‬‬
‫ُ‬ ‫�أوقظهما وكرهتُ �أن �أ َدعهما في�ستكنا ل�شربتهما‪ ،‬فلم �أزل �أنتظر حتى طلع‬
‫ففرج عنا‪ ،‬فان�ساحت عنهم ال�صخر ُة‬ ‫ف�إن كنت تعلم �أين فعلتُ ذلك من خ�شيتك ِّ‬
‫عم‪ ،‬من‬ ‫حتى نظروا �إلى ال�سماءِ ‪ .‬فقال الآخ ُر‪ :‬اللهم �إن كنت تعلم �أنه كان يل ُ‬
‫ابنة ٍّ‬
‫مبائة دينا ٍر‪ ،‬فطلبتها‬‫ِ‬ ‫يل‪ ،‬و�أين راودتها عن نف�سها ف�أبت �إال �أن �آتيها‬ ‫النا�س �إ َّ‬
‫ِ‬ ‫�أحب‬
‫قعدت بني رج َليها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫قدرت‪ ،‬ف�أتيت بها فدفع ُتها �إليها ف�أمكنتني من نف�سها‪ ،‬فلما‬ ‫ُ‬ ‫حتى‬
‫(‪ )42‬رواه م�سلم برقم (‪.)484‬‬
‫(‪� )43‬أخرجه البيهقي يف (�شعب الإميان) (جـ‪� – 6 :‬ص‪ )243 – 242 :‬برقم (‪ ،)4105‬وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع‬
‫برقم (‪.)3014‬‬
‫ير‬
‫ص ُ‬‫ور ‪ -‬ال َّن ِ‬ ‫اك ُر ‪َّ -‬‬
‫الش ُك ُ‬ ‫المجموعة الخامسة والعشرون ‪َّ :‬‬
‫الش ِ‬ ‫‪471‬‬

‫َ‬
‫املائة دينا ٍر‪ ،‬ف�إن كنت‬ ‫تف�ض اخلا َ‬
‫مت �إال بحقه‪ ،‬فقمتُ وتركتُ‬ ‫هلل وال َّ‬
‫اتق ا ِ‬
‫قالت‪ِ :‬‬
‫ففرج عنا‪ ،‬ففرج اهلل عنهم فخرجوا)(‪.)44‬‬ ‫تعلم �أين فعلت ذلك من خ�شي ِتك ِّ‬
‫‪ æ‬كان ال�شعر حا�ضرا يف جهاد النبي ‪ ¤‬لأعدائه‪ ،‬ومن ذلك ما جاء عن الرباء بن‬
‫عازب ‹‪� :‬أن النبي ‪ ¤‬قال لكعب بن مالك ‹‪�( :‬أنت الذي تقول‪ :‬هَ َّمتْ ؟) قال كعب‪:‬‬
‫نعم يا ر�سول اهلل‪:‬‬
‫ال ِب(‪)46‬‬ ‫َف َلـ ُي ْغـ َلبنَ َّ ُم َغا ِل ُـب ا ْل َغـ َّ‬ ‫َه َّم ْت َ�س ِخي َن ُة(‪� )45‬أَنْ ُت َغا ِل َب َر َّب َها‬
‫ْ�س َل َك َذ ِل َك)(‪.)47‬‬ ‫فقال ‪�( :¤‬أَ َما �إِنَّ اللهَّ َ لمَ ْ َين َ‬
‫ذب كعب بن مالك ‹ عن النبي ‪ ¤‬وعن امل�سلمني‪ ،‬ورد على امل�شركني‬ ‫ويف رواية‪ :‬ملا َّ‬
‫يف غزوة اخلندق بق�صيدة ع�صماء وختمها بقوله‪:‬‬
‫َو َلـ ُيـ ْغـ َلـبنَ َّ ُم َغا ِل ُـب ا ْل َغـ َّال ِب‬ ‫َز َع َم ْت َ�س ِخ ْي َن ُة �أَنْ َ�س َت ْغ ِل ُب َر َّب َها‬
‫قال له النبي ‪�( :¤‬أترى اهلل �شكر لك قولك)‪ ،‬ويف رواية ابن ه�شام‪( :‬لقد‬
‫�شكرك اهلل يا كعب على قولك هذا)(‪.)48‬‬
‫‪ æ‬دخل زيد بن �أ�سلم على ال�صحابي اجلليل �أبي دجانة (�سماك بن خر�شة‬
‫ال�ساعدي) وهو مري�ض وكان وجهه يتهلل!‪ ،‬فقال له‪ :‬ما لوجهك يتهلل؟! فقال‬
‫�أبو دجانة‪« :‬ما من عملي �شيء �أوثق عندي من اثنتني‪� :‬أما �إحداهما فكنت ال‬
‫�أتكلم فيما ال يعنيني‪ ،‬و�أما الأخرى فكان قلبي للم�سلمني �سليما»(‪.)49‬‬
‫(‪ )44‬متفق عليه‪ :‬رواه البخاري برقم (‪ )3465‬ورواه م�سلم برقم (‪ )2743‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫و�سمن‪ ،‬وقيل‪ :‬دقيق ومتر ثم ي�ضاف �إليه املاء �أو اللنب‬
‫لقب لقري�ش‪ ،‬وهي طعا ٌم �ساخنٌ ‪ُ ،‬يتخذ من دقيق ٍ‬ ‫(‪�َ )45‬س ِخينة‪ٌ :‬‬
‫«�س ِخينة»‪ ،‬ومل‬
‫حتى ي�صبح �أغلظ من احل�ساء‪ ،‬فيطبخ ثم ي�ؤكل‪ ،‬وكانت قري�ش تُكرث من �أكلها؛ حتى لقبت بها و�سموا َ‬
‫تكن قري�ش تكره ذلك‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫(‪ )46‬لأن الذي يظن �أنه ُيغالب العزيزا ْل َغال ِب �أو ُيعجز القوي القهار‪ ،‬هو يف احلقيقة مغلوب مذموم مدحور م�صداقا‬
‫لقوله تعالى‪ } :‬ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ{[املجادلة‪.]21:‬‬
‫(‪� )47‬أخرجه احلاكم يف م�ستدركه (جـ‪� – 3:‬ص‪ )556 :‬برقم (‪ )6065‬وقال‪� :‬صحيح الإ�سناد‪ ،‬ووافقه الذهبي‪،‬‬
‫و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة‪( :‬جـ‪� – 4:‬ص‪ )619 – 618 :‬برقم (‪.)1970‬‬
‫(‪� )48‬أنظر (�سرية النبي ‪ )¤‬البن ه�شام (جـ‪� – 3:‬ص‪ ،)290 – 289 :‬و(اال�ستيعاب يف معرفة الأ�صحاب) البن‬
‫عبدالرب (�ص‪ ،)626:‬و(الإ�صابة يف متييز ال�صحابة) البن حجر (جـ‪� – 10:‬ص‪.)550 – 549 :‬‬
‫(‪�( )49‬صفة ال�صفوة) البن اجلوزي (جـ‪� – 1 :‬ص‪.)486 :‬‬
‫‪472‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪ æ‬قال تعالى‪ } :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ{[طه‪،]124:‬‬


‫أحد عن ذكر ر ّبه �إال �أظلم عليه وقتُه‪ ،‬وت�شو�ش عليه‬ ‫قال بع�ضهم‪« :‬ال ُيعر�ض � ٌ‬
‫رزقهُ‪ ،‬وكان يف عي�شة �ضنك»(‪.)50‬‬
‫‪ æ‬كتب �سامل بن عبد اهلل �إلى عمر بن عبد العزيز‪ ،‬ومما جاء يف كتابه‪�« :‬إذا‬
‫كنت تنزع هلل‪ ،‬وتعمل هلل‪� ،‬أتاح اهلل لك رجاال وكاال ب�أعوان اهلل‪ ،‬و�إمنا العون‬
‫من اهلل على قدر النية‪ ،‬ف�إذا متت نية العبد؛ مت عون اهلل له‪ ،‬ومن ق�صرت‬
‫نيته‪ ،‬ق�صر من اهلل العون له بقدر ذلك»(‪.)51‬‬
‫‪ æ‬قال مالك بن �أن�س‪« :‬من �صدق يف حديثه؛ متع بعقله‪ ،‬ومل ي�صبه ما ي�صيب‬
‫النا�س من الهرم واخلرف» وقال له رجل‪ :‬خرفت؟! فقال له‪� :‬إمنا يخرف الكذابون»(‪.)52‬‬
‫وقال حممد بن كعب‪« :‬من قر�أ القر�آن ُمتع بعقله و�إن بلغ مائتي �سنة»(‪.)53‬‬
‫‪ æ‬قال �أبو �سليمان الداراين(‪« :)54‬من �أح�سن يف نهاره؛ كوفئ يف ليله‪ ،‬ومن‬
‫�أح�سن يف ليله؛ كوفئ يف نهاره‪ ،‬ومن �صدق يف ترك ال�شهوة؛ ذهب اهلل بها من قلبه‪،‬‬
‫واهلل �أكرم من �أن ُيع ِّذب قلبا ب�شهوة ُت ِر َكت له»(‪.)55‬‬
‫‪« æ‬كانت �أم «�أبي جعفر بن ب�سطام» قد عودته منذ كان طف ًال‪� ،‬أن جتعل له يف كل ليلة‪،‬‬
‫حتت خمدته التي ينام عليها رغيف ًا من اخلبز‪ ،‬ف�إذا كان من الغد ت�صدقت به عنه!‪ ،‬فلما‬
‫حدثت امل�شاحنة بني الوزير «ابن الفرات» وبني «�أبي جعفر بن ب�سطام» َت ّ‬
‫ق�صده الوزير بالأذية‪،‬‬
‫واملكاره‪ ،‬ولقي منه يف ذلك �شدائد كثرية‪ .‬فدعى الوزير « ابن الفرات» خ�صيمه «�أبا جعفر بن‬
‫ب�سطام» وقال له‪� :‬ألك مع �أمك خرب يف رغيف؟! قال‪ :‬ال!‪ ،‬فقال الوزير‪ :‬ال بد �أن ت�صدقني!‪.‬‬
‫ال‪ ،‬وحدّث بها على �سبيل التطايب بذلك‬ ‫فذكر �أبو جعفر ق�صة �أمه معه منذ �أن كان طف ً‬
‫من �أفعال الن�ساء!‪ .‬فقال ابن الفرات‪ :‬ال تفعل!‪ ،‬ف�إين بت البارحة‪ ،‬و�أنا �أدبر عليك تدبرياً‬
‫لو مت ال�ست�أ�صلتك!‪ ،‬فنمت‪ ،‬فر�أيت يف منامي‪ ،‬ك�أن بيدي �سيفاً م�سلو ًال‪ ،‬وقد ق�صدتك‬
‫(‪ )50‬تف�سري (اجلامع لأحكام القر�آن) للقرطبي عند تف�سري الآية (‪ )124‬من �سورة (طه)‪.‬‬
‫(‪( )51‬حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ‪� – 5 :‬ص‪.)285 :‬‬
‫(‪( )52‬ترتيب املدارك وتقريب امل�سالك) للقا�ضي عيا�ض (جـ‪� – 2:‬ص‪.)64 :‬‬
‫(‪�( )53‬صفة ال�صفوة) البن اجلوزي (جـ‪� – 2 :‬ص‪.)133 :‬‬
‫(‪ )54‬عبد الرحمن بن �أحمد بن عطية العن�سي‪.‬‬
‫(‪�( )55‬صفة ال�صفوة) البن اجلوزي (جـ‪� – 4 :‬ص‪.)229 :‬‬
‫ير‬
‫ص ُ‬‫ور ‪ -‬ال َّن ِ‬ ‫اك ُر ‪َّ -‬‬
‫الش ُك ُ‬ ‫المجموعة الخامسة والعشرون ‪َّ :‬‬
‫الش ِ‬ ‫‪473‬‬

‫لأقتلك به‪ ،‬فاعرت�ضتني �أمك بيدها رغيف ترت�سك به مني‪ ،‬فما و�صلت �إليك‪ ،‬وانتبهت!‪،‬‬
‫وواهلل! ال ر�أيت مني بعدها �سوءاً �أبداً»(‪.)56‬‬
‫‪ æ‬قال �شيخ اال�سالم ابن تيمية‪« :‬كل ما وقع يف قلب امل�ؤمن من خواطر الكفر‬
‫والنفاق فكرهه و�ألقاه ازداد �إميا ًنا ويقي ًنا‪ ،‬كما �أن كل من حدثته نف�سه بذنب فكرهه‬
‫�صالحا وب ًرا وتقوى»(‪.)57‬‏‬
‫ً‬ ‫ونفاه عن نف�سه وتركه للهّ ازداد‬
‫‪ æ‬‏قال عبد اهلل بن وهب‪« :‬كل ملذو ٍذ له لذ ٌة واحد ٌة‪� ،‬إال العبادة‪ ،‬ف�إن لها ثالث‬
‫لذاتٍ ‪� :‬إذا كنت فيها‪ ،‬و�إذا تذكرتها‪ ،‬و�إذا �أعطيت ثوابها»(‪.)58‬‬
‫‪ æ‬لقد �سعى خ�صوم �شيخ الإ�سالم ابن تيمية ‪ -‬رحمه اهلل ‪� -‬إلى الطعن يف عقيدته‪،‬‬
‫والو�شاية به‪ ،‬والت�سبب يف �سجنه‪ ،‬مرات عديدة‪ ،‬حلب�س كلمته وقلمه‪ ،‬والعمل على �إخماد علمه‬
‫وم�ؤلفاته‪ ،‬حتى و�صل بهم احلال �إلى انتزاع الأوراق والأقالم منه يف �سجنه الأخري‪ ،‬كل ذلك خوف ًا‬
‫لكن �سعيهم يف تباب‪ ،‬وعملهم �إلى خ�سار‪،‬‬ ‫ورعب ًا من كلمات احلق التي �أجراها اهلل على ل�سانه‪َّ ،‬‬
‫واهلل غالب على �أمره‪ ،‬فهذه كلمات �شيخ الإ�سالم ابن تيمية متلأ الدنيا برمتها‪ ،‬وهذه كتبه‬
‫طارت بها الركبان وبلغت الآفاق‪ ،‬وو�صلت �إلى �أقا�صي الدنيا‪ ،‬وم�شارق الأر�ض ومغاربها‪ ،‬حتى ما‬
‫وبر وال مد ٍر �إال دخلته‪ ،‬و�أ�صبح ا�سمه على كل ل�سان ‪ ..‬واهلل ‪�-‬سبحانه‪� -‬شكور‪ ،‬ي�شكر‬
‫تركت بيت ٍ‬
‫من �شكره َوع َب َده‪ ،‬و�أخل�ص الدين له‪ ،‬وجاهد يف �سبيله‪ ،‬وهلل عاقبة الأمور ‪ ..‬لقد ظن الكثري �أن‬
‫علم �شيخ الإ�سالم ابن تيمية �سيندثر مبوته وحيد ًا يف �سجنه‪ ،‬و�سيتال�شى ويندر�س حتت �ضربات‬
‫معاول الهدم والتدمري من �أهل اخلرافة والأهواء وامللل والنحل الباطلة‪ ،‬ولكن خاب ظنهم‪ ،‬وهو‬
‫م�صدا ٌق ملا تنب�أ به ال�شيخ �أحمد بن مري احلنبلي يف ر�سالته �إلى تالميذ �شيخ الإ�سالم بعد وفاته‪،‬‬
‫يو�صيهم بكتب ال�شيخ‪ ،‬ويحثهم على ن�شر علمه‪ ،‬ويط ّيب خواطرهم ب�أن امل�ستقبل للحق ب�إذن اهلل‬
‫‪-‬تعالى‪ ،‬فقال‪ « :‬واهلل ‪� -‬إن �شاء اهلل ‪ -‬ليقيمن اهلل ‪�-‬سبحانه‪ -‬لن�صر هذا الكالم‪ ،‬ون�شره‬
‫وتدوينه وتفهمه‪ ،‬وا�ستخراج مقا�صده‪ ،‬وا�ستح�سان عجائبه وغرائبه رجا ًال هم �إلى الآن‬
‫يف �أ�صالب �آبائهم‪ ،‬وهذه هي �س َّنة اهلل اجلارية يف عباده وبالده»(‪ ،)59‬وقد قال ال�شيخ بكر‬
‫(‪( )56‬الفرج بعد ال�شدة) للقا�ضي التنوخي (جـ‪� – 2:‬ص‪.)293 - 292:‬‬
‫(‪ )57‬جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية (املجلد‪� – 10 :‬ص‪.)767 :‬‬
‫(‪( )58‬كتاب التهجد) لأبي حممد عبداحلق الإ�شبيلي (�ص‪ )225 :‬رقم الأثر (‪.)1135‬‬
‫(‪( )59‬املداخل �إلى �آثار �شيخ الإ�سالم ابن تيمية) لل�شيخ بكر �أبو زيد (�ص‪.)92 :‬‬
‫‪474‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫�أبو زيد ‪ -‬يرحمه اهلل ‪ -‬معلق ًا على نبوة ال�شيخ �أحمد بن مري احلنبلي‪« :‬وقد َب َّرت ميني ابن‬
‫ُم ِّرى ‪ -‬بحمد اهلل ومنته ‪ -‬فقام ال�شيخ عبد الرحمن بن قا�سم املتوفى �سنة ‪1392‬هـ ‪ -‬رحمه‬
‫اهلل تعالى ‪ -‬مب�ساعدة ابنه حممد املتوفى �سنة ‪1421‬هـ ‪ -‬رحمه اهلل تعالى ‪ -‬بعد نحو �ستة‬
‫قرون بهذه املهمة اجلليلة يف ‪ :‬جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية»(‪.)60‬‬
‫‪ æ‬قال ابن تيمية‪�« :‬إن النا�س مل يتنازعوا يف � ّأن عاقبة الظلم وخيمة‪ ،‬وعاقبة‬
‫العدل كرمية‪ ،‬ولهذا يروى‪� :‬أن اهلل ين�صر الدولة العادلة و�إن كانت كافرة‪ ،‬وال ين�صر‬
‫الدولة الظاملة و�إن كانت م�ؤمنة»(‪.)61‬‬
‫‪ æ‬يقول ابن القيم‪�« :‬سمعت �شيخ الإ�سالم ابن تيمية يقول‪�( :‬إذا مل جتد للعمل‬
‫حالوة يف قلبك‪ ،‬وان�شراحاً‪ ،‬فاتهمه!‪ ،‬ف�إن الرب ‪-‬تعالى (�شكور)؛ يعني �أنه البد �أن‬
‫يثيب العامل على عمله يف الدنيا؛ من حالوة يجدها يف قلبه‪ ،‬وقوة ان�شراح‪ ،‬وقرة‬
‫عني‪ ،‬فحيث مل يجد ذلك فعمله مدخول»(‪.)62‬‬
‫‪ æ‬قال ابن القيم‪« :‬وعليك باملطالب العالية‪ ،‬واملراتب ال�سامية‪ ،‬التي ال ُتنال �إال بطاعة‬
‫اهلل‪ ،‬ومن كان هلل كما يريد؛ كان اهلل له فوق ما يريد‪ ،‬فمن �أَقبل ِ�إليه تل ّقاه من بعيد‪ ،‬ومن‬
‫ت�صرف بحوله وقوته �أَالن له احلديد‪ ،‬ومن ترك لأَجله �أَعطاه فوق املزيد»(‪.)63‬‬
‫‪ æ‬قال ابن كثري يف حوادث �سنة (‪ 418‬هـ)‪ « :‬وفيها ورد كتاب من حممود بن‬
‫�سبكتكني يذكر �أنه دخل بالد الهند‪ ،‬و�أنه ك�سر ال�صنم االعظم‪ ،‬الذي لهم‪ ،‬امل�سمى‬
‫بـ(�سومنات)‪ ،‬وقد كانوا يفدون �إليه من كل فج عميق‪ ،‬كما يفد النا�س �إلى الكعبة‬
‫البيت احلرام و�أعظم‪ ،‬وينفقون عنده النفقات‪ ،‬والأموال الكثرية‪ ،‬التي ال تو�صف وال‬
‫تعد ‪ ..‬وقد كان البعيد من الهنود يتمنى لو بلغ هذا ال�صنم‪ ،‬وكان يعوق ال�سلطان‬
‫حممود بن �سبكتكني طول املفاوز وكرثة املوانع والآفات‪ ،‬ثم ا�ستخار اهلل ملا بلغه خرب‬
‫هذا ال�صنم وع ّباده‪ ،‬فندب جي�شه لذلك فانتدب معه ثالثون �ألفا من املقاتلة‪ ،‬ممن‬
‫(‪ )60‬امل�صدر ال�سابق‪.‬‬
‫(‪ )61‬جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية (املجلد‪� – 28 :‬ص‪.)63-62:‬‬
‫(‪( )62‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ ‪� - 2:‬ص‪.)68 :‬‬
‫(‪( )63‬طريق الهجرتني وباب ال�سعادتني) البن القيم (�ص‪ )25 :‬ف�صل‪( :‬يف �أن حقيقة الفقر توجه العبد بجميع �أحواله �إلى اهلل)‪.‬‬
‫ير‬
‫ص ُ‬‫ور ‪ -‬ال َّن ِ‬ ‫اك ُر ‪َّ -‬‬
‫الش ُك ُ‬ ‫المجموعة الخامسة والعشرون ‪َّ :‬‬
‫الش ِ‬ ‫‪475‬‬

‫�أختارهم لذلك‪� ،‬سوى املتطوعة‪ ،‬ف�س ّلمهم اهلل حتى انتهوا �إلى بلد هذا الوثن‪ ،‬ونزلوا‬
‫ب�ساحة ع ّباده‪ ،‬ف�إذا هو مبكان بقدر املدينة العظيمة‪ ،‬فما كان ب�أ�سرع من �أن هزمهم‬
‫وملَ َكه ‪ ..‬وقد بذل الهنود لل�سلطان حممود �أمواال جزيلة ليرتك لهم هذا ال�صنم‬
‫الأعظم‪ ،‬ف�أ�شار من �أ�شار من االمراء على ال�سلطان ب�أخذ الأموال‪ ،‬و�إبقاء هذا ال�صنم‬
‫لهم‪ ،‬فقال‪ :‬حتى �أ�ستخري اهلل ‪ ،‬فلما �أ�صبح‪ ،‬قال‪� :‬إين فكرت يف الأمر الذي ذكر‪،‬‬
‫فر�أيت �أنه �إذا نوديت يوم القيامة‪� :‬أين حممود الذي ك�سر ال�صنم؟ �أحب �إلى من �أن‬
‫يقال‪ :‬الذي ترك ال�صنم لأجل ما يناله من الدنيا؟!‪ ،‬ثم عزم فك�سره رحمه اهلل‪،‬‬
‫فوجد عليه وفيه من اجلواهر واللآلئ والذهب واجلواهر النفي�سة ما ينيف على‬
‫ما بذلوه له ب�أ�ضعاف م�ضاعفة!‪ ،‬فغنمها‪ ،‬وقلع هذا الوثن و�أوقد حتته النار»(‪.)64‬‬
‫‪ æ‬قيل لأبي بكر امل�سكي‪�« :‬إنا ن�شم منك رائحة امل�سك مع الدوام!‪ ،‬فما �سببه؟‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫علي حتى‬ ‫واهلل يل �سنون عديدة مل �أم�س امل�سك‪ ،‬ولكن �سبب ذلك �أن امر�أة احتالت َّ‬
‫�أدخلتني دارها‪ ،‬و�أغلقت دوين الأبواب‪ ،‬وراودتني عن نف�سي!‪ ،‬فتحريت يف �أمري‪،‬‬
‫ف�ضاقت بي احليل‪ ،‬فقلت لها‪� :‬إن يل حاجة �إلى الطهارة‪ ،‬ف�أمرت جارية لها �أن مت�ضي‬
‫بي �إلى بيت الراحة(‪ ،!)65‬ففع َل ْت‪ ،‬فلما دخلت بيت الراحة �أخذت ال َعذِ رة(‪ )66‬و�ألقيتها‬
‫على جميع ج�سمي!‪ ،‬ثم رجعت �إليها و�أنا على تلك احلالة‪ ،‬فلما ر�أتني ده�شت!‪ ،‬ثم‬
‫�أمرت ب�إخراجي فم�ضيت �إلى بيتي واغت�سلت‪ ،‬فلما كانت تلك الليلة ر�أيت يف املنام قائ ًال‬
‫يقول يل‪ :‬فعلت ما مل يفعله �أحد غريك‪ ،‬لأطينب ريحك يف الدنيا والآخرة‪ ،‬ف�أ�صبحت‬
‫وامل�سك يفوح مني!‪ ،‬وا�ستمر ذلك �إلى الآن»(‪.)67‬‬
‫ً‬
‫مرابطا‬ ‫‪ æ‬قال الأوزاعي‪ :‬عن عبد اهلل بن حممد‪ ،‬قال‪« :‬خرجت �إلى �ساحل البحر‬
‫وكان َرا ِب ُط َنا يومئذ عري�ش م�صر‪ ،‬فلما انتهيت �إلى ال�ساحل ف�إذا �أنا بخيمة‪ ،‬فيها رجل قد‬
‫ذهب يداه ورجاله وثقل �سمعه وب�صره‪ ،‬وماله من جارحة تنفعه �إال ل�سانه!‪ ،‬وهو يقول‪ :‬اللهم‬
‫(‪( )64‬البداية والنهاية) للإمام ابن كثري (�ص‪ )1802 :‬يف �أحدث �سنة (‪ 418‬هـ)‪.‬‬
‫خلالء ومكان ق�ضاء احلاجة‪.‬‬ ‫(‪)65‬بيت الراحة‪ :‬هو ال َك ِنيف وا َ‬
‫َ‬
‫والغائط الذي يلقيه الإِن�سان‪.‬‬ ‫(‪)66‬ال َع ِذرة‪ :‬الرجيع‬
‫(‪()67‬املواعظ واملجال�س) لعبد الرحمن بن اجلوزي (�ص‪.)224 :‬‬
‫‪476‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫�أَ ْوز ِْعنِي �أن �أحمدك حمدًا‪� ،‬أكافئ به �شكر نعمتك التي �أنعمت بها َّ‬
‫علي‪ ،‬وف�ضلتني على‬
‫كثري ممن خلقت تف�ضيال!‪ ،‬قلت‪ :‬واهلل لآت َّني هذا الرجل‪ ،‬ولأ�س�أل َّنه �أ َّنى له هذا الكالم‪،‬‬
‫أتيت الرجل ف�سلمت عليه‪ ،‬فقلت‪� :‬سمعتك ت�شكر اهلل على‬ ‫فه ٌم �أم عل ٌم �أم �إلها ٌم �أُ ْل ِه َمه؟!‪ ،‬ف� ُ‬
‫هذه النعمة!‪ ،‬ف�أي نعمة من نعم اهلل عليك حتمده عليها‪ ،‬و�أي ف�ضيلة تف�ضل بها عليك ت�شكره‬
‫عليها؟!‪ ،‬قال‪ :‬وما ترى ما �صنع ربي؟ واهلل لو �أر�سل ال�سماء َّ‬
‫على نا ًرا ف�أحرقتني‪ ،‬و�أمر‬
‫اجلبال فدمرتني‪ ،‬و�أمر البحار ف�أغرقتني‪ ،‬و�أمر الأر�ض فبلعتني‪ ،‬ما ازددت لربي �إال‬
‫على من ل�ساين هذا!‪ ،‬ولكن يا عبد اهلل �إذ �أتيتني‪ ،‬يل �إليك حاجة‪ ،‬قد‬ ‫ُ�شك ًرا‪ ،‬لمِ َا �أنعم َّ‬
‫تراين على �أي حالة �أنا‪� ،‬أنا ل�ست �أقدر لنف�سي على ُ�ض ٍّر وال نفع‪ ،‬ولقد كان معي ُب َن ٌّي يل‬
‫يتعاهدين يف وقت �صالتي فيو�ضيني‪ ،‬و�إذا جعت �أطعمني‪ ،‬و�إذا عط�شت �سقاين‪ ،‬ولقد‬
‫هلل ما م�شى َخ ْل ٌق يف حاجة‬
‫فتح�س�سه يل رحمك اهلل‪ .‬فقلت‪ :‬وا ِ‬ ‫َّ‬ ‫فقدته منذ ثالثة �أيام‪،‬‬
‫خلق‪ ،‬كان �أعظم عند اهلل �أجر ًا ممن مي�شي يف حاج ِة مثلك!‪ ،‬فم�ضيت غري بعيد يف طلب‬ ‫ٍ‬
‫الغالم‪ ،‬حتى �صرت بني كثبان من الرمل‪ ،‬ف�إذا �أنا بالغالم قد افرت�سه َ�س ُب ٌع و�أكل حلمه‪،‬‬
‫فا�سرتجعت وقلت‪� :‬أنى يل وجه رقيق �آتي به الرجل؟!‪ ،‬فبينما �أنا مقبل نحوه‪� ،‬إذ خطر‬
‫على قلبي ذكر النبي �أيوب ‪ ،‬فلما �أتيته �سلمت عليه‪ ،‬فرد َع َل َّي ال�سالم‪ ،‬فقال‪� :‬أل�ست‬
‫ب�صاحبي؟ قلت‪ :‬بلى‪ .‬قال‪ :‬ما فعلت يف حاجتي؟ فقلت‪� :‬أنت �أكرم على اهلل �أم �أيوب النبي؟‬
‫قال‪ :‬بل �أيوب النبي‪ .‬فال زلت �أذكره ببالئه و�صربه و�شكره‪ ،‬وهو يقول‪ :‬لقد كان �صاب ًرا‬
‫�شاك ًرا حامدًا!‪ ،‬حتى قال‪� :‬أوجز رحمك اهلل!‪ ،‬فقلت له‪� :‬إن الغالم الذي �أر�سلتني يف طلبه‬
‫وجدته بني ُكثبان الرمل‪ ،‬وقد افرت�سه َ�س ُب ٌع ف�أكل حلمه‪ ،‬ف�أعظم اهلل لك الأجر و�ألهمك‬
‫ال�صرب!‪ ،‬فقال‪ :‬احلمد هلل الذي مل يخلق من ذريتي خلقاً يع�صيه‪ ،‬فيعذبه بالنار!‪ ،‬ثم‬
‫ا�سرتجع‪ ،‬و�شهق �شهقة فمات!‪ ،‬فقلت‪� :‬إنا هلل و�إنا �إليه راجعون‪َ ،‬ع ُظ َم ْت ُم ِ�صي َب ِتي‪َ ،‬ر ُج ٌل مثل‬
‫ف�سجيته ب�شمل ٍة كانت‬ ‫ال�س َباعُ‪ ،‬و�إن قعدتُ ‪ ،‬مل �أقدر على خري وال نفع‪َّ .‬‬ ‫هذا �إن تركته �أكلته ِّ‬
‫علي �أربعة رجال‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا عبد‬ ‫علي‪ ،‬وقعدت عند ر�أ�سه باكي ًا‪ ،‬فبينما �أنا قاعد �إذ دخل َّ‬ ‫َّ‬
‫اهلل‪ ،‬ما حالك وما ق�صتك؟ فق�ص�صت عليهم ق�صتي وق�صته‪ ،‬فقالوا يل‪ :‬اك�شف لنا عن‬
‫فانكب القوم عليه‪ ،‬يقبلون عينيه مرة‪ ،‬ويديه‬ ‫َّ‬ ‫وجهه‪ ،‬فع�سى �أن نعرفه‪ .‬فك�شفت عن وجهة‪،‬‬
‫ني طاملا ُغ ّ�ضت عن حمارم اهلل‪ ،‬وب�أبي ج�سم طاملا كان �ساجدً ا‬ ‫�أخرى‪ ،‬ويقولون‪ :‬ب�أبي ع ٌ‬
‫ير‬
‫ص ُ‬‫ور ‪ -‬ال َّن ِ‬ ‫اك ُر ‪َّ -‬‬
‫الش ُك ُ‬ ‫المجموعة الخامسة والعشرون ‪َّ :‬‬
‫الش ِ‬ ‫‪477‬‬

‫فقلت‪ :‬من هذا يرحمكم اهلل؟ فقالوا‪ :‬هذا �أبو قالبة اجلرمي(‪� ،)68‬صاحب‬ ‫والنا�س نيام‪ُ .‬‬
‫فغ�سلناه وكف َّناه ب�أثواب كانت معنا‪،‬‬
‫ابن عبا�س ‪ ،‬لقد كان �شديد احلب هلل وللنبي ‪َّ .¤‬‬
‫علي الليل‪ ،‬و�ضعت‬ ‫وان�صرفت �إلى رباط‪ ،‬فلما �أن َجنَّ َّ‬
‫ُ‬ ‫و�صلينا عليه ودف َّناه‪ .‬فان�صرف القوم‬
‫تان من ُح َل ِل اجلنة‪،‬‬
‫ر�أ�سي‪ ،‬فر�أيته فيما يرى النائم يف رو�ضة من ريا�ض اجلنة‪ ،‬وعليه ُح َّل ِ‬
‫وهو يتلو الوحي‪} :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ{[الرعد‪ُ ،]24:‬‬
‫فقلت‪� :‬أل�ست‬
‫هلل درجاتٍ ال ُت َنال �إال بال�صرب عند‬ ‫ب�صاحبي؟ قال‪ :‬بلى‪ .‬قلت‪� :‬أ ّنى لك هذا؟ قال‪� :‬إن ِ‬
‫البالء‪ ،‬وال�شكر عند الرخاء‪ ،‬مع خ�شية اهلل يف ال�س ِّر والعالنية»(‪.)69‬‬
‫‪ æ‬يقول ال�شيخ الطنطاوي ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪« :‬وهذه الق�صة واقعة �أعرف �أ�شخا�صها‬
‫و�أعرف تفا�صيلها ‪ ..‬كان يف دم�شق م�سجد كبري ا�سمه جامع التوبة‪ ،‬وهو جامع‬
‫مبارك فيه �أن�س وجمال‪� ،‬سمي بجامع التوبة لأنه كان خاناً ترتكب فيه �أنواع املعا�صي‪،‬‬
‫فا�شرتاه �أحد امللوك يف القرن ال�سابع الهجري‪ ،‬وهدمه وبناه م�سجداً‪ ،‬وكان فيه منذ‬
‫نحو �سبعني �سنة �شيخ مربي عامل عامل ا�سمه ال�شيخ �سليم ال�سيوطي‪ ،‬وكان �أهل احلي‬
‫يثقون به‪ ،‬ويرجعون �إليه يف �أمور دينهم و�أمور دنياهم‪ ،‬وكان م�ضرب املثل يف فقره‬
‫ويف �إبائه وعزة نف�سه‪ ،‬وكان ي�سكن يف غرفة امل�سجد‪ .‬م ّر عليه يومان مل ي�أكل �شيئاً‪،‬‬
‫ولي�س عنده ما يطعمه وال ما ي�شرتي به طعاماً‪ ،‬فلما جاء اليوم الثالث �أح�س ك�أنه‬
‫م�شرف على املوت‪ ،‬وف ّكر ماذا ي�صنع‪ ،‬فر�أى �أنه بلغ ح ّد اال�ضطرار الذي يجوز له �أكل‬
‫حي‬
‫امليتة �أو ال�سرقة مبقدار احلاجة‪ ،‬و�آثر �أن ي�سرق ما يقيم �صلبه‪ ،‬وكان امل�سجد يف ّ‬
‫من الأحياء القدمية‪ ،‬والبيوت فيها متال�صقة وال�سطوح مت�صلة‪ ،‬ي�ستطيع املرء �أن‬
‫ينتقل من �أول احلي �إلى �آخره م�شياً على ال�سطوح‪ ،‬ف�صعد �إلى �سطح امل�سجد وانتقل‬
‫منه �إلى الدار التي تليه فلمح بها ن�ساء فغ�ض من ب�صره وابتعد‪ ،‬ونظر فر�أى �إلى‬
‫جانبها داراً خالية و�ش ّم رائحة الطبخ ت�صدر منها‪ ،‬ف�أح�س من جوعه ملا �شمها ك�أنها‬
‫(‪� )68‬أبو قالبة عبد اهلل بن زيد بن عمرو اجلرمي الب�صري‪ ،‬تابعي ثقة‪ ،‬كان من �أئمة الهدى‪ ،‬والفقهاء ذوي الألباب‪ ،‬و�أعلم‬
‫النا�س بالق�ضاء و�أ�شدهم منه فرارا‪� ،‬أريد على الق�ضاء ف�أبى وهرب �إلى ال�شام‪ ،‬وهو ممن ابتلي يف بدنه ودينه‪ ،‬فمات بعري�ش‬
‫م�صر عام ‪ 104‬هـ‪ ،‬وقد ذهبت يداه ورجاله‪ ،‬وب�صره‪ ،‬وهو مع ذلك حامد �شاكر‪ ،‬قال عنه �أيوب ال�سختياين‪ :‬ما �أدركت بهذا‬
‫امل�صر �أعلم بالق�ضاء من �أبي قالبة‪ ،‬ابتاله اهلل بال�ضراء‪ ،‬ف�صرب واحت�سب وجتمل‪.‬‬
‫(‪ )69‬روى حكايته حممد بن حبان يف (الثقات) (جـ‪� – 5:‬ص‪( ،)5 - 3 :‬طبعة دائرة املعارف العثمانية بحيدر �آباد الدكن‬
‫الهند – ‪ 1393‬هـ)‪.‬‬
‫‪478‬‬ ‫سنَىتصنيفًا ومعنى‬
‫الح ْ‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫مغناطي�س جتذبه �إليها‪ ،‬وكانت الدور من طبقة واحدة‪ ،‬فقفز قفزتني من ال�سطح �إلى‬
‫ال�شرفة‪ ،‬ف�صار يف الدار‪ ،‬و�أ�سرع �إلى املطبخ‪ ،‬فك�شف غطاء القدر‪ ،‬فر�أى بها باذجناناً‬
‫حم�شواً‪ ،‬ف�أخذ واحدة‪ ،‬ومل يبال من �شدة اجلوع ب�سخونتها‪ ،‬ع�ض منها ع�ضة‪ ،‬فما كاد‬
‫يبتلعها حتى ارتد �إليه عقله ودينه‪ ،‬وقال لنف�سه‪� :‬أعوذ باهلل‪� ،‬أنا طالب علم مقيم يف‬
‫امل�سجد‪ ،‬ثم �أقتحم املنازل و�أ�سرق ما فيها؟!‪َ ،‬ف َكبرُ َ عليه ما فعل‪ ،‬وندم وا�ستغفر ورد‬
‫الباذجنانة‪ ،‬وعاد من حيث جاء‪ ،‬فنزل �إلى امل�سجد‪ ،‬وقعد يف حلقة ال�شيخ وهو ال يكاد‬
‫من �شدة اجلوع يفهم ما ي�سمع‪ ،‬فلما انق�ضى الدر�س وان�صرف النا�س‪ ،‬جاءت امر�أة‬
‫م�سترتة‪ ،‬ومل يكن يف تلك الأيام امر�أة غري م�سترتة‪ ،‬فكلمت ال�شيخ بكالم مل ي�سمعه‪،‬‬
‫فتلفت ال�شيخ حوله فلم ير غريه‪ ،‬فدعاه وقال له‪ :‬هل �أنت متزوج؟‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪:‬‬
‫هل تريد الزواج؟!‪ ،‬ف�سكت! ف�أعاد عليه ال�شيخ‪ :‬قل‪ ،‬هل تريد الزواج؟‪ ،‬قال‪ :‬واهلل يا‬
‫�سيدي ما عندي ثمن رغيف! فكيف �أتزوج؟!‪ ،‬قال ال�شيخ‪� :‬إن هذه املر�أة خربتني �أن‬
‫زوجها تويف و�أنها غريبة عن هذا البلد‪ ،‬لي�س لها فيه وال يف الدنيا �إال عم عجوز فقري‪،‬‬
‫وقد جاءت به معها‪ -‬و�أ�شار �إليه قاعداً يف ركن احللقة‪ -‬وقد ورثت دار زوجها ومعا�شه‪،‬‬
‫ال يتزوجها على �سنة اهلل ور�سوله‪ ،‬لئال تبقى منفردة‪ ،‬فيطمع‬ ‫وهي حتب �أن جتد رج ً‬
‫فيها الأ�شرار‪ ،‬فهل تريد �أن تتزوج بها؟‪ ،‬قال‪ :‬نعم!‪ ،‬قال لها ال�شيخ‪ :‬هل تقبلني به‬
‫زوجاً؟‪ ،‬قالت‪ :‬نعم‪ .‬فدعا بعمها ودعا ب�شاهدين‪ ،‬وعقد العقد‪ ،‬ودفع املهر عن التلميذ‪،‬‬
‫وقال له‪ :‬خذ بيدها‪� ،‬أو �أخذت بيده‪ ،‬فقادته �إلى بيتها‪ ،‬فلما دخلته ك�شفت عن وجهها‪،‬‬
‫فر�أى �شباباً وجما ًال‪ ،‬ور�أى البيت هو البيت الذي نزله‪ ،‬و�س�ألته‪ :‬هل ت�أكل؟‪ ،‬قال‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬فك�شفت غطاء القدر‪ ،‬فر�أت الباذجنانة‪ ،‬فقالت‪ :‬عجباً من دخل الدار فع�ضها؟!‪،‬‬
‫فبكى الرجل وق�ص عليها اخلرب‪ ،‬فقالت له‪ :‬هذه ثمرة الأمانة‪ ،‬عففت عن الباذجنانة‬
‫احلرام‪ ،‬ف�أعطاك اهلل الدار كلها و�صاحبتها باحلالل!»(‪.)70‬‬

‫(‪( )70‬ف�صول يف الثقافة والأدب) للطنطاوي (�ص‪.)21 – 19 :‬‬


‫ن ‪َّ -‬‬
‫الشافِ ي ‪ُ -‬‬
‫الم َس ِّع ُر‬ ‫الم ْؤمِ ُ‬
‫المجموعة السادسة والعشرون ‪ُ :‬‬ ‫‪479‬‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ ‪26‬ـــــــــة‬
‫الط َم�أ ِني َن ُة‬ ‫مو�ضوع الأ�سماء‪ُّ :‬‬
‫واال�ستقرار‬
‫(‪)94 - 93 - 92‬‬
‫املُ�ؤْ ِم ُن ‪َّ -‬‬
‫ال�ش يِاف ‪ -‬املُ َ�س ِّع ُر‬
‫‪480‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الـمجـمـوعـ ‪26‬ـة‬
‫الط َم�أ ِني َن ُة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ُّ :‬‬
‫( ‪) 94 - 93 - 92‬‬
‫املُ�ؤْ ِم ُن ‪َّ -‬‬
‫ال�ش يِاف ‪ -‬املُ َ�س ِّع ُر‬
‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫‪ æ‬املُ�ؤْ ِمنُ ‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي مرة واح��دة‪ ،‬يف قوله تعالى‪}:‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ‬
‫ﯞﯟﯠﯡ{[احل�شر‪ ،]23:‬ومل يرد اال�سم يف ال�سنة النبوية ب�سند �صحيح‪.‬‬
‫ال�شاف‪ :‬مل يرد هذا اال�سم الكرمي يف القر�آن العظيم‪ ،‬و�إمنا ورد يف ال�سنة النبوية‪،‬‬ ‫‪َّ æ‬‬
‫من حديث عائ�شة قالت‪� :‬أن النبي ‪ ¤‬كان ُي َع ِّوذ بع�ض �أهله‪ ،‬مي�سح بيده اليمنى‬
‫ويقول‪( :‬اللهم رب النا�س‪� ،‬أذهب البا�س‪ ،‬ا�شفه و�أنت ال�شايف‪ ،‬ال �شفاء �إال �شفا�ؤك‪،‬‬
‫�شفاء ال يغادر �سقما)(‪.)1‬‬
‫‪ æ‬املُ َ�س ِّع ُر‪ :‬مل يرد اال�سم يف القر�آن الكرمي‪ ،‬و�إمنا ورد يف ال�سنة النبوية‪ ،‬من حديث‬
‫�أن�س ‹‪ ،‬قال‪ :‬غال ال�سعر على عهد ر�سول اهلل ‪ ¤‬فقالوا‪ :‬يا ر�سول اهلل‪�َ ،‬س ِّعر لنا!‪،‬‬
‫قال‪�( :‬إن اهلل هو املُ َ�س ِّع ُر القاب�ض البا�سط الرزاق‪ ،‬و�إين لأرجو �أن �ألقى ربي ولي�س‬
‫�أحد منكم يطلبني مبظلمة يف دم وال مال)(‪.)2‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬
‫‪ æ‬املُ�ؤْمِنُ ‪« :‬ا�سم فاعل من �آمن ُي�ؤمن �إمياناَ‪ ،‬فهو ُم�ؤمِ ن»(‪ ،)3‬وله معنيان‪:‬‬
‫الأول‪� :‬أن يتعدى فعل (�آم ��ن) بنف�سه‪ ،‬فيكون مبعنى ال�ت��أم�ين‪� :‬أي �إع�ط��اء الأم��ن‬
‫والأم��ان‪ ،‬و�آمنته �ضد �أخفته‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪} :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري برقم (‪ )5743‬وم�سلم برقم (‪.)2191‬‬
‫(‪ )2‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (‪.)1314‬‬
‫(‪ )3‬معجم اللغة العربية املعا�صرة للدكتور �أحمد خمتار عمر (مادة‪� :‬أ م ن)‪.‬‬
‫ن ‪َّ -‬‬
‫الشافِ ي ‪ُ -‬‬
‫الم َس ِّع ُر‬ ‫الم ْؤمِ ُ‬
‫المجموعة السادسة والعشرون ‪ُ :‬‬ ‫‪481‬‬

‫ﭤ{[قري�ش‪ ،]4:‬قال ابن قتيبة‪ ..« :‬وقد يكون (امل�ؤمن) من الأمان ؛ �أي ‪ :‬ال ي�أمن �إال‬
‫من �أ َّم َنه اهلل»(‪ ،)4‬وقال ابن عا�شور‪(« :‬املُ�ؤْ ِمنُ ) ا�سم فاعل من (�آمن) الذي همزته للتعدية‪،‬‬
‫�أي جعل غريه �آمناً»(‪.)5‬‬
‫الثاين‪� :‬أن يتعدى فعل (�آمن) بالباء �أو الالم‪ ،‬فيكون مبعنى الت�صديق واالنقياد‪،‬‬
‫ومنه قوله تعالى‪ }:‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ{ [يو�سف‪� ،]17:‬أي‪:‬‬
‫مب�ص ّدق لقولنا‪ ،‬وقوله تعالى‪}:‬ﭣ ﭤ ﭥ{[البقرة‪ ،]136:‬وقوله تعالى‪ }:‬ﮅ‬
‫ﮆ ﮇﮈ{[العنكبوت‪ ،]26:‬قال ابن قتيبة‪�« :‬أ�صل الإميان‪ :‬الت�صديق ‪ ..‬فالعبد م�ؤمن‬
‫�أي‪ :‬م�صدِّق حم ِّقق‪ ،‬واهلل (م�ؤمن) �أي‪ :‬م�صدِّق ما وع��ده وحم ِّققه»(‪ .)6‬وقد َّ‬
‫رج َح‬
‫الغزايل املعنى الأول بحجة �أنه �أكمل باملدح يف حق اهلل ‪�-‬سبحانه‪ ،‬قال الغزايل‪« :‬الأمان‬
‫�أليق باملدح يف حق اهلل تعالى من الت�صديق‪ ،‬ف�إن الت�صديق �أليق بغريه؛ �إذ يجب على‬
‫امل�صدَّق به فوق رتبة امل�صدِّق»(‪.)7‬‬ ‫الكل الإميان به والت�صديق بكالمه‪ ،‬ف�إن رتبة َ‬
‫وال�شفاء هو الدواء‬ ‫ال�شاف‪« :‬ا�سم فاعل‪ ،‬فعله �شفي َي�شفِي �شِ فا ًء‪ ،‬فهو �شايف‪ِّ ،‬‬ ‫‪َّ æ‬‬
‫ال�سقم»(‪ ،)8‬و(ال�شايف) الذي ي�شفي الأب��دان من‬ ‫الذي يكون �سبباً فيما يربئ من َّ‬
‫وال�شكوك»(‪.)9‬‬ ‫ال�ش َبه ُّ‬
‫الأمرا�ض والآفات‪ ،‬وي�شفي ال�صدور من ُّ‬
‫‪ æ‬املُ َ�س ِّع ُر‪« :‬ا�سم فاعل من الت�سعري‪ ،‬فعله �س َّع َر ُي�س ِّعر ت�سعرياً‪ ،‬فهو ُم َ�س ِّعر‪.. ،‬‬
‫و�س َّعر َّ‬
‫ال�شي َء‪ :‬ث َّمنه وقدَّره وحدَّد �سِ ْع َره»(‪« ،)10‬يقال‪ْ � :‬أ�س َعر �أهل ال�سوق َ‬
‫و�س َّع ُروا �إذا‬
‫اتفقوا على �سِ ْعر ‪ ..‬و(امل ُ َ�س ِّع ُر) �سبحانه‪ -‬هو الذي يزيد ال�شيء ويرفع من قيمته �أو‬
‫ت�أثريه ومكانته»(‪.)11‬‬
‫(‪( )4‬تف�سري غريب القر�آن) البن قتيبة (�ص ‪.)9‬‬
‫(‪ )5‬تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور عند تف�سري (الآية ‪ -23‬احل�شر)‪.‬‬
‫(‪( )6‬تف�سري غريب القر�آن) البن قتيبة (�ص ‪.)9‬‬
‫(‪( )7‬املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص‪.)44 :‬‬
‫(‪�( )8‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)625:‬ال�شايف)‬
‫(‪ )9‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر(مادة‪� :‬ش ف ي)‪.‬‬
‫(‪ )10‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪� :‬س ع ر)‪.‬‬
‫(‪�( )11‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)550 - 549 :‬امل�سعر)‪.‬‬
‫‪482‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬


‫‪ æ‬املُ�ؤْمِنُ ‪« :‬الذي منح الأمن والأمان لعباده يف الدنيا والآخرة»(‪ ،)12‬قال الغزايل‪:‬‬
‫«(املُ�ؤْ ِمنُ ) الذي ُي ْعزى �إليه الأمن والأمان ب�إفادته �أ�سبابه‪ ،‬و�سده طرق املخاوف»(‪،)13‬‬
‫وقال ابن القيم‪(« :‬املُ�ؤْ ِمنُ ) يف �أحد التف�سريين‪ :‬امل ُ َ�صدِّق الذي ُي َ�صدِّق ال�صادقني مبا‬
‫يقيم لهم من �شواهد �صدقهم‪ ،‬فهو الذي �صدَّق ر�سله و�أنبياءه فيما ب َّلغوا عنه‪ ،‬و�شهد‬
‫دل بها على �صدقهم»(‪ ،)14‬وقال يف مو�ضع �آخر‪:‬‬ ‫لهم ب�أنهم �صادقون بالدالئل التي َّ‬
‫«واخلائف �إذا َ�ص َد َق يف اللجئ �إليه‪ ،‬وجده ُم�ؤ ِّمنا من اخل��وف»(‪ ،)15‬وقال القرطبي‪:‬‬
‫«(املُ�ؤْ ِمنُ ) امل�صدِّق لر�سله ب�إظهار معجزاته عليهم‪ ،‬و ُم َ�صدِّق امل�ؤمنني ما وعدهم به‬
‫من الثواب‪ ،‬و ُم َ�صدِّق الكافرين ما �أوعدهم من العقاب‪ ،‬وقيل‪( :‬املُ�ؤْ ِمنُ ) الذي ي�ؤ ِّمن‬
‫�أولياءه من عذابه‪ ،‬وي�ؤ ِّمن عباده من ظلمه‪ ،‬يقال‪� :‬آمنه من الأمان الذي هو �ض ّد‬
‫اخلوف»(‪.)16‬‬
‫ال�شاف‪« :‬الذي ي�شفي عباده من الأ�سقام»(‪ ،)17‬قال ابن جرير الطربي ‪-‬رحمه‬ ‫‪َّ æ‬‬
‫اهلل تعالى‪ }« :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ{[ال�شعراء‪ ،]80:‬يقول‪ :‬و�إذا �سقم ج�سمي‬
‫ال�شاف) الذي ي�شفي ال�صدور من‬ ‫واعت ّل‪ ،‬فهو يربئه ويعافـيه»(‪ ،)18‬وقال احلليمي‪َّ (« :‬‬
‫ال�ش َب ِه وال�شكوك‪ ،‬ومن احل�سد والغلول‪ ،‬والأبدان من الأمرا�ض والآفات ال يقدر على‬ ‫ُّ‬
‫ذلك غريه»(‪.)19‬‬
‫‪ æ‬املُ َ�س ِّع ُر‪« :‬الذي ُيرخ�ص الأ�شياء و ُيغليها وفق تدبريه»(‪ ،)20‬قال املناوي‪(« :‬املُ َ�س ِّع ُر)‬
‫(‪ )12‬معجم اللغة العربية املعا�صرة للدكتور �أحمد خمتار عمر (مادة‪� :‬أ م ن)‪.‬‬
‫(‪( )13‬املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص‪.)67 :‬‬
‫(‪( )14‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ‪� - 3:‬ص‪.)466:‬‬
‫(‪( )15‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ‪� - 3:‬ص‪.)324:‬‬
‫(‪ )16‬تف�سري (اجلامع لأحكام القر�آن) للقرطبي (الآية ‪� - 23‬سورة احل�شر)‪.‬‬
‫(‪�( )17‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)151:‬‬
‫(‪( )18‬تف�سري الطربي) عند تف�سري الآية (‪ )80‬من �سورة ال�شعراء‪.‬‬
‫(‪( )19‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪ )220 - 219 :‬وعزاه للحليمي‪.‬‬
‫(‪�( )20‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)550 :‬امل�سعر)‬
‫ن ‪َّ -‬‬
‫الشافِ ي ‪ُ -‬‬
‫الم َس ِّع ُر‬ ‫الم ْؤمِ ُ‬
‫المجموعة السادسة والعشرون ‪ُ :‬‬ ‫‪483‬‬

‫الذي يرفع �سعر الأقوات وي�ضعها‪ ،‬فلي�س ذلك �إال �إليه‪ ،‬وما تواله اهلل بنف�سه‪ ،‬ومل‬
‫يكله �إلى عباده‪ ،‬ال دخل لهم فيه»(‪ ،)21‬وقال القرطبي‪(« :‬املُ َ�س ِّع ُر) مقلب ال�سعر ورافعه‬
‫وخاف�ضه وفق تقديره وتدبريه»(‪،)22‬‬
‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬
‫ال�شايف ‪ -‬املُ َ�س ِّع ُر‪� :‬أجمع احلكماء على �أن عوامل الأمل وال�شقاء‪ ،‬التي‬ ‫‪ æ‬املُ ْ�ؤمِنُ ‪َّ -‬‬
‫تهدد �سعادة الب�شر‪ ،‬وا�ستقرار جمتمعاتهم تتمثل يف املثلث امل��ؤمل (اخل��وف ‪ -‬املر�ض ‪-‬‬
‫اجلوع)؛ ولذا �أ�شار الر�سول ‪� ¤‬إلى هذه العوامل الثالثة‪ ،‬و�أن من عافاه اهلل منها فك�أمنا‬
‫ملك الدنيا برمتها‪ ،‬فقال ‪( :¤‬من �أ�صبح منكم �آمنا يف �سربه‪ ،‬معافى يف ج�سده‪ ،‬عنده‬
‫قوت يومه‪ ،‬فك�أمنا حيزت له الدنيا بحذافريها)(‪ ،)23‬وقد ذ ّكر اهلل عباده‪ ،‬وامنت عليهم‬
‫بنعمة الأمن ورغد العي�ش و�أنها من موجبات طاعته واتباع دينه‪ ،‬فقال �سبحانه‪ }:‬ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ{[قري�ش‪،]4-3:‬‬
‫ال�شافيِ ‪ -‬املُ َ�س ِّع ُر) قد ارتبطت معانيها‬
‫ونح�سب �أن هذه الأ�سماء احل�سنى الثالثة (املُ�ؤْ ِمنُ ‪َّ -‬‬
‫باملقومات الأ�سا�سية للمجتمعات امل�ستقرة ال�سعيدة ‪ ..‬واهلل �أعلم‪.‬‬
‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬
‫‪ æ‬املُ�ؤْمِنُ ‪(« :‬املُ�ؤْ ِمنُ ) ا�سم من �أ�سماء اهلل ‪-‬جل وعال‪ ،‬يت�ضمن �صفة كمال‪ ،‬وهي‬
‫�صفة (الأم��ن)‪ ،‬مبعنى‪� :‬أن اهلل ‪-‬جل وعال‪ -‬ا�سمه (املُ�ؤْ ِمنُ )؛ لأنه ُي َ�ؤ ِّمنُ عباده من‬
‫اخلوف والفزع يوم القيامة»(‪ ،)24‬وهي �صفة ثابتة بالكتاب وال�سنة‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ{[قري�ش‪ ،]4:‬وقوله تعالى‪} :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ{[الأنفال‪،]11:‬‬
‫ومن ال�سنة قوله ‪( :¤‬اللهم ا�سرت عورتي‪ ،‬و�آمن روعتي‪ ،‬واق�ض عني ديني)(‪.)25‬‬
‫(‪( )21‬في�ض القدير �شرح اجلامع ال�صغري) للمناوي (جـ‪� - 2 :‬ص‪.)337:‬‬
‫(‪( )22‬الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي ‪ -‬حتقيق‪ :‬حممد ح�سن وطارق �أحمد (جـ‪�-1:‬ص‪)503:‬بت�صرف ي�سري‪.‬‬
‫(‪ )23‬رواه الرتمذي وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)6042‬‬
‫(‪�( )24‬شرح �أ�صول اعتقاد �أهل ال�سنة واجلماعة) لل�شيخ حممد ح�سن عبد الغفار‪ ،‬عند حديثه عن (�سياق ما روي عن النبي‬
‫يف دعائم الإميان وقواعده ‪ -‬تعريف الإميان لغة و�شرع ًا)‪.‬‬
‫(‪ )25‬رواه الطرباين وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)1262‬‬
‫‪484‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪ æ‬ا ل َّ‬
‫�����ش��اف‪ :‬ا ل���ص�ف��ة ا مل���ش�ت�ق��ة م��ن ا ��س�م��ه ‪�� -‬س�ب�ح��ا ن��ه (ا ل ��� َّ�ش��اف) « ��ص�ف��ة‬
‫( ال�شفاء ) وهي �صفة من �صفات ا لأفعال» (‪ ،)26‬الثابتة بالكتاب وال�سنة‪ ،‬قال‬
‫‪ } :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ{[ال�شعراء ‪، ] 80‬‬ ‫‪-‬تعالى‪ -‬عن نبيه �إبراهيم‬
‫�أنها قالت‪ :‬كان �إذا ا�شتكى ر�سول اهلل ‪ ¤‬رقاه‬ ‫ومن ال�سنة حديث عائ�شة‬
‫حا�سد �إذا‬
‫ٍ‬ ‫جربيل‪ ،‬قال‪ ( :‬با�سم اهلل يربيك‪ ،‬ومن كل داءٍ ي�شفيك‪ ،‬ومن �شر‬
‫ح�سد‪ ،‬و�شر كل ذي عني ) (‪.)27‬‬
‫‪ æ‬املُ َ�س ِّع ُر‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (املُ َ�س ِّعر) «�صفة (الت�سعري) وهي‬
‫�صف ٌة من �صفات الأفعال»(‪ ،)28‬الثابتة يف ال�سنة النبوية‪ ،‬قال ‪�( :¤‬إن اهلل هو املُ َ�س ِّع ُر‬
‫القاب�ض البا�سط ال��رزاق‪ ،‬و�إين لأرجو �أن �ألقى ربي ولي�س �أحد منكم يطلبني‬
‫مبظلمة يف دم وال مال)(‪.)29‬‬

‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬


‫‪ æ‬املُ َه ْيمِ ُن‪ :‬ورد االق�تران مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه (املُ ��ؤْمِ � ُ�ن) م��رة واح��دة يف‬
‫ق��ول��ه ت��ع��ال��ى‪} :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬ ‫ﯘﯙﯚ‬
‫ﯡ{[احل�شر‪ ،]23:‬وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬كما قال ابن عا�شور‪:‬‬
‫«وتعقيب (املُ�ؤْمِ ُن) بـ (املُ َه ْيمِ ن) لدفع توهم �أن ت�أمينه عن �ضعف �أو عن خمافة‬
‫غ�يره‪ ،‬ف�أُعلموا �أن ت�أمينه حلكمته‪ ،‬مع �أن��ه رقيب ّ‬
‫مطلع على �أح��وال خلقه‬
‫فت�أمينه �إياهم رحمة بهم»(‪.)30‬‬
‫(‪�( )26‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)627:‬ال�شايف)‪.‬‬
‫(‪ )27‬رواه م�سلم برقم (‪.)2185‬‬
‫(‪�( )28‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)551-550:‬امل�سعر)‬
‫(‪ )29‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (‪.)1059‬‬
‫(‪ )30‬تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور عند تف�سري (الآية ‪ -23‬احل�شر)‪.‬‬
‫ن ‪َّ -‬‬
‫الشافِ ي ‪ُ -‬‬
‫الم َس ِّع ُر‬ ‫الم ْؤمِ ُ‬
‫المجموعة السادسة والعشرون ‪ُ :‬‬ ‫‪485‬‬

‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪:‬‬


‫‪ æ‬الأثر العلمي االعتقادي‪:‬‬
‫اهلل ‪� -‬سبحانه ‪ -‬هو (املُ�ؤْ ِمنُ ) الذي ي� ِّؤمن عباده من اخلوف‪ ،‬ويدفع عنهم كل خطر‪،‬‬
‫ويلقي يف قلوبهم الطم�أنينة وال�سكينة‪ ،‬وهو ‪� -‬سبحانه ‪َّ -‬‬
‫(ال�شاف) من املر�ض‪ ،‬مر�ض القلوب‬
‫كال�شبه وال�شكوك وال�شهوات واحل�سد واحلقد‪ ،‬ومر�ض الأبدان من الأ�سقام والآفات‪ ،‬وهو‬
‫(املُ َ�س ِّع ُر) الذي يزيد �سعر ال�سلع ويغليها‪ ،‬ويرفع من قيمتها‪� ،‬أو يرخ�صها وي�ضعها‪ ،‬ويخف�ض‬
‫من قيمتها‪ ،‬وفق تدبريه وم�شيئته وحكمته‪.‬‬
‫‪ æ ‬الأثر العملي‪:‬‬
‫‪ 1.1‬حمبة اهلل والتعلق به وحده‪ ،‬و�إجالله‪ ،‬وكرثة ذكره و�شكره‪ ،‬واللجوء �إليه وحده‬
‫‪�-‬سبحانه‪ -‬يف حتقيق �أمن الأوطان‪ ،‬و�شفاء الأبدان‪ ،‬ورخ�ص الأ�سعار ورغد العي�ش‪.‬‬
‫‪2.2‬حتقيق الإمي��ان باهلل وح��ده‪ ،‬والتوكل عليه‪ ،‬واللجوء �إليه يف ك�شف الكربات‪ ،‬فهو‬
‫ال�سبيل الوحيد ل�ل�أم��ن وال�شفاء ورغ��د العي�ش‪ ،‬وق��د وع��د ‪� -‬سبحانه ‪ -‬باخلري‬
‫وال�سعادة والأمن ال�شامل لكل الب�شر؛ �إن هم �آمنوا به ‪�-‬سبحانه‪ ،‬وخ�ضعوا ل�شريعته‬
‫و�أحكامه‪ ،‬قال ‪-‬تعالى‪ -‬حمذر ًا من ال�شرك وعالقته بالأمن‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ{[الأنعام‪ ،]82:‬وقال‬
‫‪�-‬سبحانه‪ -‬داعي ًا النا�س �إل��ى اال�ست�شفاء بكالمه‪}:‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ{[الإ�سراء‪ ،]82:‬وقال تعالى‬
‫يف الإميان و�أنه ال�سبيل �إلى العي�ش الرغيد‪ }:‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗﭘﭙ ﭚﭛﭜﭝﭞ ﭟﭠﭡ‬
‫ﭢ{[الأعراف‪  .]96:‬‬
‫على عبده امل�ؤمن من الأمرا�ض واملخاوف والفقر‬ ‫‪3.3‬ال�صرب على ما يقدره اهلل‬
‫‪486‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫والغالء وامل�صائب‪ ،‬والنظر �إلى �أنها يف ذاتها �شفاء لأمرا�ض يف القلب قد تفتك به‬
‫لو ا�ستمرت فيه‪ ،‬في�أتي املكروه �أو امل�صيبة ليكونا �سب ًبا يف التخل�ص منها‪ ،‬وبذا يكون‬
‫املر�ض ذاته �شفاء!‪ ،‬ولي�س ال�شفاء بال�ضرورة هو املعافاة من املر�ض‪ ،‬ويف ذلك يقول‬
‫ابن القيم وهو يعدد حكم اهلل يف امل�صائب‪« :‬ال�سابع‪� :‬أن يعلم �أن هذه امل�صيبة‬
‫هي دواء نافع �ساقه �إليه الطبيب العليم مب�صلحته‪ ،‬الرحيم به‪ ،‬فلي�صرب‬
‫على جترعه‪ ،‬وال يتقي�أه بت�سخطه و�شكواه‪ ،‬فيذهب نفعه باط ً‬
‫ال»(‪.)31‬‬
‫‪�4.4‬سالمة القلب نحو عباد اهلل‪ ،‬وت�أمينهم من العدوان‪ ،‬والعمل على �إذهاب �أمرا�ض‬
‫قلوبهم و�أج�سادهم ح�سب العلم والقدرة‪ ،‬وال�سماحة يف التعامل معهم يف البيع‬
‫وال�شراء‪ ،‬وعدم ظلمهم و�أكل حقوقهم‪ ،‬فاملتعبد با�سمه ‪�-‬سبحانه (املُ�ؤْ ِمن) يت�صف‬
‫ب�صفة ال�سالمة‪ ،‬و َي ُك َّف �شره و�أذاه عن النا�س‪ ،‬بحيث ي�أمنونه‪ ،‬قال ‪( :¤‬امل�سلم‬
‫من �سلم امل�سلمون من ل�سانه و يده‪ ،‬وامل�ؤمن من �أمنه النا�س على دمائهم و‬
‫�أموالهم)(‪ .)32‬واملتعبد با�سمه �سبحانه َّ‬
‫(ال�شايف) ي�سعى يف �إي�صال اخلري‪ ،‬وك�شف‬
‫الكربات‪ ،‬وق�ضاء احلاجات‪ ،‬و�أن يكون �سبب ًا يف �إذهاب الأمرا�ض القلبية واجل�سدية‬
‫ح�سب العلم والقدرة‪ ،‬قال ‪( :¤‬من ا�ستطاع منكم �أن ينفع �أخاه فليفعل)(‪.)33‬‬
‫واملتعبد با�سمه ‪�-‬سبحانه (املُ َ�س ِّعر) يتقي اهلل يف معامالته‪ ،‬فال ي�ستغل النا�س يف‬
‫زيادة الأ�سعار‪� ،‬أو يخفي الأق��وات �سعي ًا للتفرد واالحتكار‪ ،‬بل يكون حري�ص ًا على‬
‫نفعهم‪� ،‬صبور ًا على ديونهم‪ ،‬مراعي ًا حلاجتهم‪� ،‬سمح ًا �إذا باع و�إذا ا�شرتى و�إذا‬
‫اقت�ضى‪ ،‬قال النبي ‪( :¤‬رحم اهلل رج ً‬
‫ال �سمح ًا �إذا باع‪ ،‬و�إذا ا�شرتى‪ ،‬و�إذا‬
‫اقت�ضى)(‪.)34‬‬
‫(‪( )31‬طريق الهجرتني) البن القيم (�ص‪.)229 :‬‬
‫(‪ )32‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)6710‬‬
‫(‪ )33‬رواه البخاري برقم (‪.)2076‬‬
‫(‪ )34‬رواه م�سلم برقم (‪.)2199‬‬
‫ن ‪َّ -‬‬
‫الشافِ ي ‪ُ -‬‬
‫الم َس ِّع ُر‬ ‫الم ْؤمِ ُ‬
‫المجموعة السادسة والعشرون ‪ُ :‬‬ ‫‪487‬‬

‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫(املُ�ؤْم ُِن ‪ -‬ال�شَّ يِ‬
‫اف ‪ -‬امل َُ�س ِّع ُر) من �أ�سماء اهلل الدالة على �صفات (الأمن ‪-‬‬
‫ال�شفاء ‪ -‬الت�سعري)‪ ،‬والرتباط هذه املعاين العظيمة بعوامل ا�ستقرار حياة الب�شر يف‬
‫الأمن وال�صحة واالقت�صاد‪ ،‬كان من املنا�سب دعاء اهلل ‪� -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬والثناء‬
‫عليه‪ ،‬بهذه الأ�سماء‪ ،‬يف جميع حاجات العباد التي تنا�سب تلك املعاين‪ ..‬قال تعالى‪:‬‬
‫} ﭢﭣﭤ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭵﭶﭷ‬
‫ﭸ ﭹ{ [النحل‪ ،]112:‬وق��ال ‪-‬تعالى‪ -‬منكر ًا على كفار قري�ش‬
‫عذرهم املوهوم يف عدم اتباع احلق‪ ،‬ومقرر ًا ‪�-‬سبحانه‪� -‬أن الأمن ال يكون �إال يف‬
‫جواره‪ ،‬و�أن اخلوف ال يكون �إال يف البعد عن هداه‪} :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ{ [الق�ص�ص‪ ،]57:‬وم��ن ال�سنة‬
‫دعا�ؤه‪( :¤‬اللهم ا�سرت عورتي‪ ،‬و�آمن روعتي‪ ،‬واق�ض عني ديني)(‪ ،)35‬وكان ‪¤‬‬
‫ُي َع ِّو ُذ بع�ض �أ�صحابه‪ ،‬فيم�سح بيمينه ويقول‪�( :‬أذهب البا�س رب النا�س‪ ،‬وا�شف �أنت‬
‫ال�شايف‪ ،‬ال �شفاء �إال �شفا�ؤك‪� ،‬شفاء ال يغادر �سقما)(‪.)36‬‬

‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬


‫‪ æ‬عن �أُ َب ّي بن كعب ‹‪ ،‬قال‪« :‬ملا قدم ر�سول اهلل ‪ ¤‬و�أ�صحابه املدينة‪ ،‬و�آوتهم‬
‫الأن���ص��ار‪ ،‬رمتهم ال�ع��رب ع��ن ق��و���س واح ��دة‪ ،‬فكانوا ال يبيتون �إال بال�سالح وال‬
‫ي�صبحون �إال فيه!‪ ،‬فقالوا‪ :‬ترون �أنا نعي�ش حتى نبيت �آمنني مطمئنني ال نخاف‬
‫�إال اهلل؟!‪ ،‬فنزلت‪} :‬ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫(‪ )35‬رواه الطرباين وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)1262‬‬
‫(‪ )36‬رواه البخاري برقم (‪.)5750‬‬
‫‪488‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ{ [النور‪.)37(»]55:‬‬
‫‪ æ‬عن �أن�س بن مالك ‹‪ ،‬ق��ال‪ :‬دخل ر�سول اهلل ‪ ¤‬على �شاب و هو يف امل��وت ‪,‬‬
‫فقال ‪( :‬كيف جتدك؟) قال‪� :‬أرجو اهلل يا ر�سول اهلل‪ ،‬و�أخاف ذنوبي‪ ,‬فقال ر�سول ‪:¤‬‬
‫(ال يجتمعان(‪ )38‬يف قلب عبد يف مثل هذا املوطن(‪� ،)39‬إال �أعطاه اهلل الذي يرجو‪،‬‬
‫َو�أ ّمنه من الذي يخاف)(‪.)40‬‬
‫‪« æ‬قيل خلرمي الناعم‪ :‬ما النعمة؟‪ ،‬قال‪ :‬الأمن‪ ،‬ف�إنه لي�س خلائف عي�ش‪ ،‬والغنى‪،‬‬
‫ف�إنه لي�س لفقري عي�ش‪ ،‬وال�صحة‪ ،‬ف�إنه لي�س ل�سقيم عي�ش‪ ،‬قال‪ :‬ثم ماذا؟‪ ،‬قال‪ :‬ال‬
‫مزيد بعدها»(‪.)41‬‬
‫‪ æ‬قال وهب بن منبه‪�« :‬إذا ه ّم الوايل باجلور‪� ،‬أو عمل به‪� ،‬أدخل اهلل النق�ص يف‬
‫�أهل مملكته يف الأ�سواق‪ ،‬والزروع‪ ،‬وال�ضروع‪ ،‬وكل �شيء‪ ،‬و�إذا هم باخلري والعدل �أو‬
‫عمل به �أدخل اهلل الربكة يف �أهل مملكته كذلك»(‪.)42‬‬
‫علي �سرتك‪ ،‬وال ت�صرف ع ّني‬
‫أعرابي فقال‪« :‬الله ّم حطني ب�أمانك‪ ،‬و�أرخ ّ‬
‫‪ æ‬دعا � ٌّ‬
‫علي من ال يخافك‪ ،‬وال تو ّلني غريك يا من يتو ّلى ال�صاحلني»(‪.)43‬‬
‫وجهك‪ ،‬وال ت�س ّلط ّ‬

‫(‪ )37‬رواه احلاكم و�صححه الوادعي يف (ال�صحيح امل�سند من �أ�سباب النزول) (�ص‪.)169 :‬‬
‫(‪ )38‬يعني‪ :‬اخلوف و الرجاء‪.‬‬
‫(‪ )39‬يعني‪ :‬االحت�ضار‪.‬‬
‫(‪ )40‬رواه الرتمذي وابن ماجة و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة برقم (‪.)1051‬‬
‫(‪( )41‬نرث الدر) للآبي (جـ‪� - 4 :‬ص‪.)133 :‬‬
‫(‪( )42‬امل�ستطرف يف كل فن م�ستظرف) ل�شهاب الدين الأب�شيهي (جـ‪� – 1:‬ص‪( ،)160 :‬الباب التا�سع ع�شر‪ :‬يف العدل‬
‫والإح�سان والإن�صاف)‪.‬‬
‫(‪( )43‬الب�صائر والذخائر) لأبي حيان التوحيدي (جـ‪� – 8 :‬ص‪.)89 :‬‬
‫تير‬
‫الس ُ‬
‫ِي ‪ِّ -‬‬
‫الحي ُّ‬
‫ِيم ‪َ -‬‬
‫الحل ُ‬
‫المجموعة السابعة والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪489‬‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ ‪27‬ـــــــــة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬الحْ ِ ْل ُم‬
‫(‪)97 - 96 - 95‬‬
‫ال�س ِّت ُري‬ ‫يم ‪ -‬ا َ‬
‫حل ِي ُّي ‪ِ -‬‬ ‫ا َ‬
‫حل ِل ُ‬
‫‪490‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الـمجـمـوعـ ‪27‬ـة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬الحْ ِ ْل ُم‬
‫( ‪) 97 - 96 - 95‬‬
‫يم ‪ -‬ا َ‬
‫حل ِي ُّي ‪ -‬ال�س ِّت ُ‬
‫ري‬ ‫ا َ‬
‫حل ِل ُ‬
‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫يم‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 11‬م��رة)‪ ،‬منها قوله تعالى‪ }:‬ﯔ ﯕ‬ ‫‪ æ‬ا َ‬
‫حل ِل ُ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ{[البقرة ‪ ،]263 :‬ومن ال�سنة‬
‫حديث ابن عبا�س �أن ر�سول اهلل ‪ ¤‬كان يقول عند الكرب‪( :‬ال �إله �إال اهلل العظيم‬
‫احلليم‪ ،‬ال �إله �إال اهلل رب العر�ش العظيم‪ ،‬ال �إله �إال اهلل رب ال�سماوات ورب الأر�ض‪،‬‬
‫ورب العر�ش الكرمي)(‪.)1‬‬
‫‪æ‬ا َ‬
‫حل ِي ُّي‪ :‬مل يرد هذا اال�سم الكرمي يف القر�آن العظيم‪ ،‬و�إمنا ورد يف ُّ‬
‫ال�س َّنة النبوية‪،‬‬
‫كرمي‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫من حديــث �سلـمان الفار�سي ‹؛ ق��ال‪ :‬قـال ر�سول اهلل ‪�( :¤‬إنَّ ربكم َح ِي ٌّي‬
‫ي�ستحي �أن يب�سط العبد يديه �إليه‪ ،‬ف ُري َّدهما ِ�صفر ًا)(‪.)2‬‬
‫ري‪ :‬مل يرد اال�سم الكرمي يف القر�آن العظيم‪ ،‬و�إمنا ورد يف ُّ‬
‫ال�س َّنة‪ ،‬من حديــث‬ ‫‪ æ‬ال�س ِّت ُ‬
‫يعلى بن �أمية ‹‪� :‬أن ر�سول اهلل ‪ ¤‬ر�أى رج ًال يغت�سل بالرباز(‪ ،)3‬ف�صعد املنرب‪ ،‬فحمد اهلل‬
‫ري‪ ،‬يحب احلياء وال�سرت‪ ،‬ف�إذا اغت�سل‬ ‫يم َح ِي ٌّي ِ�س ِّت ٌ‬
‫َح ِل ٌ‬ ‫و�أثنى عليه‪ ،‬وقال‪�( :‬إن اهلل‬
‫�أحدكم‪ ،‬فلي�سترت)(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري برقم (‪.)6346‬‬


‫(‪ )2‬رواه �أبو داود وابن ماجة وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)2070‬‬
‫(‪ )3‬املو�ضع املنك�شف بغري ُ�سترْ َ ٍة‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه �أبو داود والن�سائي واللفظ له و�صححه الألباين يف �صحيح الن�سائي برقم (‪ )404‬و�صحيح اجلامع برقم (‪.)1756‬‬
‫تير‬
‫الس ُ‬
‫ِي ‪ِّ -‬‬
‫الحي ُّ‬
‫ِيم ‪َ -‬‬
‫الحل ُ‬
‫المجموعة السابعة والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪491‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬


‫يم‪�« :‬صفة م�شبهة للمو�صوف باحلِ ْلم‪ ،‬فعله َح ُل َم َيح ُلم حِ لماً‪ ،‬فهو‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫حل ِل ُ‬
‫حل� ِل�ي� ُم)‪ :‬ال�صبور ال��ذي ال‬ ‫حليم»(‪ ،)5‬قال يف الل�سان‪« :‬احلِ � ْل� ُم‪ :‬الأَن��ا ُة والعقل‪ ..‬و(ا َ‬
‫ي�ستخفه ع�صيان الع�صاة‪ ،‬وال ي�ستفزه الغ�ضب عليهم»(‪ ،)6‬قال الأ�صفهاين‪« :‬احللم‪:‬‬
‫�ضبط النف�س والطبع عن هيجان الغ�ضب‪ ،‬وجمعه �أحالم»(‪.)7‬‬
‫حل ِي ُّي‪�« :‬صفة م�شبهة للمو�صوف باحلياء‪ ،‬فعله حي َِي َيح َيا حيا ًء‪ ،‬فهو‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫َحي ِّي»(‪ ،)8‬وع ّرف الراغب الأ�صفهاين احلياء عند املخلوق بقوله‪« :‬انقبا�ض النف�س عن‬
‫القبائح‪ ،‬وتركه لذلك»(‪ ،)9‬قال ال�شيخ الهرا�س‪« :‬وحيا�ؤه ‪-‬تعالى‪ -‬و�صف يليق به‪،‬‬
‫اب‬
‫لي�س كحياء املخلوقني‪ ،‬الذي هو تغري وانك�سار يعرتي ال�شخ�ص عند خوف ما ُي َع ُ‬
‫�أو ُي َذم‪ ،‬بل هو ترك ما لي�س يتنا�سب مع �سعة رحمته‪ ،‬وكمال جوده وكرمه‪ ،‬وعظيم‬
‫عفوه وحلمه»(‪.)10‬‬
‫‪ æ‬ال�س ِّت ُري‪�« :‬صيغة مبالغة‪ ،‬من ا�سم الفاعل ال�ساتر‪ ،‬فعله �سترَ َ َي�سترُ َ�سترْ اً‪،‬‬
‫ري) هو الذي من‬ ‫«و�سترَ َ ال�شيء‪� :‬أَخفاه ‪ ..‬و(ال�س ِّت ُ‬
‫فهو �ساتِر»(‪ ،)11‬وقال يف الل�سان‪َ :‬‬
‫وال�ص ْون»(‪.)12‬‬ ‫�ش�أْنه و�إرادته حب ال�سرت َّ‬
‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬
‫يم‪« :‬ذو الأناة‪ ،‬الذي ال يعجل علـى من ع�صاه وخالف �أمره بـالنقمة»(‪،)13‬‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫حل ِل ُ‬
‫(‪ )5‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ح ل م)‪.‬‬
‫(‪( )6‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ‪� - 12 :‬ص‪.)146 :‬‬
‫(‪( )7‬املفردات يف غريب القر�آن) للراغب الأ�صفهاين (جـ‪� - 1 :‬ص‪( )171 :‬مادة حلم)‪.‬‬
‫(‪ )8‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ح ي ي)‪.‬‬
‫(‪( )9‬املفردات يف غريب القر�آن) للراغب الأ�صفهاين (جـ‪� - 1:‬ص‪( )184:‬مادة حيي)‪.‬‬
‫(‪�( )10‬شرح الق�صيدة النونية) للدكتور حممد خليل هرا�س (جـ‪� - 2:‬ص‪.)86 :‬‬
‫(‪ )11‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪� :‬س ت ر)‪.‬‬
‫(‪( )12‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ‪� - 4 :‬ص‪.)343 :‬‬
‫(‪( )13‬تف�سري الطربي) عند تف�سري (الآية ‪� - 155‬آل عمران) والقول البن جرير‪.‬‬
‫‪492‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫غ�ضب‪ ،‬وال َي�س َتخِ ُّف ُه‬


‫ٌ‬ ‫فح والأن��اةِ‪ ،‬الذي ال َي�ستف ُّز ُه‬‫ال�ص ِ‬ ‫قال اخلطابي‪َ (« :‬‬
‫احل ِل ُيم) ذو َّ‬
‫عا�ص‪ ،‬وال ي�ستحق ال�صافح مع العج ِز ا�سم احلِ ِلم‪ � ،‬مّإنا‬ ‫ُ‬
‫ع�صيان ٍ‬ ‫جه ُل جاهل‪ ،‬وال‬
‫عج ُل بالعقوبة»(‪ ،)14‬وقال ال�شيخ‬ ‫ال�ص ُفو ُح مع القدرة‪ ،‬واملت� يّأن الذي ال َي َ‬
‫احلليم) هو َّ‬
‫ُ‬ ‫(‬
‫احل ِل ُيم) الذي َي��دِ ُّر على خلقه النعم الظاهرة والباطنة‪ ،‬مع معا�صيهم‬ ‫ال�سعدي‪َ (« :‬‬
‫وك�ثرة زالت�ه��م‪ ،‬فيحلم عن مقابلة العا�صني بع�صيانهم‪ ،‬وي�ستعتبهم كي يتوبوا‪،‬‬
‫احل ِل ُيم) ال��ذي له احللم الكامل‪،‬‬ ‫وميهلهم كي ينيبوا»(‪ ،)15‬وقال ال�شيخ الهرا�س‪َ (« :‬‬
‫الذي و�سع �أهل الكفر والف�سوق والع�صيان‪ ،‬حيث �أمهلهم ومل يعاجلهم بالعقوبة؛‬
‫رجاء � ْأن يتوبوا‪ ،‬ولو �شاء لأخذهم بذنوبهم فور �صدورها منهم‪ ،‬ف�إن الذنوب تقت�ضي‬
‫ترتب �آثارها عليها من العقوبات العاجلة املتنوعة‪ ،‬ولكن حلمه ‪�-‬سبحانه‪ -‬هو الذي‬
‫اقت�ضى �إمهالهم»(‪.)16‬‬
‫‪ æ‬ا َ‬
‫حل ِي ُّي‪ :‬الذي ال َي� ُر ُّد من دعاه‪ ،‬وال يف�ضح من ع�صاه‪ ،‬قال ابن القيم ‪« :‬وهو‬
‫احل ِي ُّي) فلي�س يف�ضح عبده‪ ،‬عند التجاهر منه بالع�صيان»(‪ ،)17‬ويقول الهرا�س‪:‬‬ ‫( َ‬
‫«وحيا�ؤه ‪-‬تعالى‪ -‬و�صف يليق به‪ ،‬لي�س كحياء املخلوقني‪ ،‬الذي هو تغري وانك�سار‬
‫يعرتي ال�شخ�ص عند خوف ما ُيعاب �أو يذم‪ ،‬بل هو ترك ما لي�س يتنا�سب مع �سعة‬
‫رحمته‪ ،‬وكمال جوده وكرمه‪ ،‬وعظيم عفوه وحلمه‪ ،‬فالعبد يجاهره باملع�صية مع‬
‫�أن��ه �أفقر �شيء �إل�ي��ه‪ ،‬و�أ�ضعفه لديه‪ ،‬وي�ستعني بنعمه على مع�صيته‪ ،‬ولكن الرب‬
‫‪�-‬سبحانه‪ -‬مع كمال غناه‪ ،‬ومتام قدرته عليه‪ ،‬ي�ستحي من هتك �سرته وف�ضيحته‪،‬‬
‫في�سرته مبا يهي�ؤه له من �أ�سباب ال�سرت‪ ،‬ثم بعد ذلك يعفو عنه ويغفر»(‪ ،)18‬ويقول‬
‫احل ِي ُّي) ‪ ..‬وهذا من رحمته وكرمه وكماله وحلمه �أن العبد يجاهر‬ ‫ال�شيخ ال�سعدي‪َ (« :‬‬
‫باملعا�صي مع فقره ال�شديد �إليه‪ ،‬حتى �أنه ال ميكنه �أن يع�صي �إال �أن يتقوى عليها‬
‫(‪�( )14‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)63:‬‬
‫(‪ )15‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)20 -19:‬‬
‫(‪�( )16‬شرح الق�صيدة النونية) للدكتور حممد خليل هرا�س (جـ‪� - 2:‬ص‪.)87:‬‬
‫(‪�( )17‬شرح الق�صيدة النونية) للدكتور حممد خليل هرا�س (جـ‪� - 2:‬ص‪.)86 :‬‬
‫(‪ )18‬امل�صدر ال�سابق‪.‬‬
‫تير‬
‫الس ُ‬
‫ِي ‪ِّ -‬‬
‫الحي ُّ‬
‫ِيم ‪َ -‬‬
‫الحل ُ‬
‫المجموعة السابعة والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪493‬‬

‫بنعم رب��ه‪ ،‬وال��رب مع كمال غناه عن اخللق كلهم‪ ،‬من كرمه ي�ستحيي من هتكه‬
‫�ض له من �أ�سباب ال�سرت‪ ،‬ويعفو‬‫وف�ضيحته‪ ،‬و�إحالل العقوبة به‪ ،‬في�سرته مبا ُي َق ِّي ُ‬
‫عنه‪ ،‬ويغفر له‪ ،‬فهو يتحبب �إلى عباده بالنعم‪ ،‬وهم يتبغ�ضون �إليه باملعا�صي‪ ،‬خريه‬
‫�إليهم بعدد اللحظات‪ ،‬و�شرهم �إليه �صاعد‪ ،‬وال يزال امللك الكرمي ي�صعد �إليه منهم‬
‫باملعا�صي وكل قبيح‪ .‬وي�ستحيي ‪-‬تعالى‪ -‬ممن �شاب يف الإ�سالم �أن يعذبه‪ ،‬وممن ميد‬
‫يديه �إليه �أن يردهما �صف ًرا‪ ،‬ويدعو عباده �إلى دعائه‪ ،‬ويعدهم بالإجابة»(‪.)19‬‬
‫ري‪« :‬الذي يحب ال�سرت لعباده امل�ؤمنني؛ �سرت عوراتهم‪ ،‬و�سرت ذنوبهم»(‪،)20‬‬ ‫‪ æ‬ال�س ِّت ُ‬
‫احل ِي ُّي) فلي�س يف�ضح عبده‪ ،‬عند التجاهر منه بالع�صيان‪،‬‬ ‫قال ابن القيم ‪« :‬وهو ( َ‬
‫لكـــنه يلقـي عليــــه �ســـــرته‪ ،‬فهو (ال�ستِّري) و�صاحب الغفران»(‪ ،)21‬وقال البيهقي‪:‬‬
‫ريا وال يف�ضحهم يف امل�شاهد‪ ،‬كذلك‬ ‫«(ال�س ِّت ُري) يعني �أنه �ساتر ي�سرت على عباده كث ً‬
‫يحب من عباده ال�سرت على �أنف�سهم واجتناب ما ي�شينهم»(‪ ،)22‬ويقول ابن الأثري‪:‬‬
‫يي)‬ ‫«(ال�س ِّت ُري) من �ش�أنه و�إرادت��ه حب ال�سرت وال�صون»(‪ ،)23‬ومر معنا يف ا�سم َ‬
‫(احل ّ‬
‫كالم ال�شيخ ال�سعدي والهرا�س عن معنى ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال�س ِّت ُري)‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬
‫ري ‪ -‬ا َ‬
‫حل ِي ُّي ‪ :‬ما نزل عقاب �إال بذنب‪ ،‬وما رفع �إال با�ستغفار وتوبة‪،‬‬ ‫يم ‪-‬ال�س ِّت ُ‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫حل ِل ُ‬
‫ومن رحمة اهلل بعبده العا�صي �أنه ميهله وي�سرته‪ ،‬وال يعاجله بالعقوبة‪ ،‬وهذا من مقت�ضيات‬
‫حل ِي ّي –ال�ستِّري)‪ .‬فالعبد العا�صي بحاجة �أو ُال‪ - :‬كي يتقي �ش�ؤم‬
‫حل ِليم –ا َ‬
‫�أ�سمائه احل�سنى (ا َ‬
‫حل ِليم)‪ ،‬وبحاجة‬‫مع�صيته ‪� -‬إلى عدم تعجيل العقوبة‪ ،‬وهذا من لوازم ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ا َ‬
‫ثاني ًا‪� :‬إلى ال�سرت وعدم الف�ضيحة‪ ،‬وهذا من لوازم ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال�س ِّتري)‪ ،‬وبحاجة‬
‫(‪( )19‬احلق الوا�ضح املبني) لل�شيخ ال�سعدي (�ص‪.)55 - 54 :‬‬
‫(‪�( )20‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)141 :‬‬
‫(‪�( )21‬شرح الق�صيدة النونية) للدكتور حممد خليل هرا�س (جـ‪� - 2:‬ص‪.)86 :‬‬
‫(‪( )22‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪.)224 :‬‬
‫(‪( )23‬النهاية) البن الأثري (جـ‪� -2 :‬ص‪.)341:‬‬
‫‪494‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ثالث ًا‪� :‬إلى قبول االعتذار‪ ،‬وحتقيق حاجات العبد العا�صي التي ال تنتهي‪ ،‬عندما يرفع‬
‫يديه بالدعاء‪ ،‬متقرب ًا �إلى اهلل‪ ،‬مفتقر ًا �إليه‪ ،‬منطرح ًا بني يديه‪ ،‬متذل ًال له‪ ،‬وخائف ًا من‬
‫�ش�ؤم مع�صيته‪ ،‬و�أن تكون عائق ًا �أمام �إجابة دعوته‪ ،‬في�ستحي �صاحب امللك وامللكوت‪ ،‬والعزة‬
‫واجلربوت‪ ،‬يف عليائه من عبده‪ ،‬ويجيب دعاءه‪ ،‬وال يرد يديه �صفر ًا‪ ،‬وهذا من لوازم ا�سمه‬
‫حل ِي ّي)‪ ،‬ولعل ذلك ما يف�سر جمع النبي ‪ ¤‬للأ�سماءالثالثة يف منا�سبة واحدة‬ ‫‪�-‬سبحانه (ا َ‬
‫كما جاء يف احلديث �أول الباب‪.‬‬
‫ال�ص ُبو ُر‪ :‬يف �إثبات ا�سم (ال�صبور) هلل ‪-‬تعالى‪ -‬نظ ٌر لعدم وروده‬‫يم ‪َّ -‬‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫حل ِل ُ‬
‫يف كتاب اهلل �أو �صحيح ال�سنة‪ ،‬و�إمنا ا�شتقه بع�ضهم هلل ‪-‬تعالى‪ -‬من حديث �أبي مو�سى‬
‫الأ�شعري ‹‪ ،‬قال‪ :‬قال ‪( :¤‬ما �أحد �أ�صرب على �أذى �سمعه من اهلل‪َ ،‬ي ّدعون له الولد‪،‬‬
‫وج َّل‪ -‬بـ (ال�صرب)‬ ‫ثم يعافيهم ويرزقهم)(‪ ،)24‬قال ال�شيخ ال�سقاف‪ْ « :‬‬
‫و�ص ُف اهلل ‪َ -‬ع َّز َ‬
‫ثابت؛ كما م َّر يف حديث �أبي مو�سى ‹‪� ،‬أما ا�سم (ال�صبور)‪ ،‬فورد يف حديث �سرد‬
‫�رف �آي� ًة �أو حديثاً �صحيحاً ُي ْث ِبتُ هذا‬
‫الأ�سماء عند الرتمذي‪ ،‬وهو �ضعيف‪ ،‬وال �أع� ُ‬
‫اال�سم له ‪�-‬سبحانه وتعالى»(‪ ،)25‬ويف الفرق بني (ال�صبور) و(احلليم) يقول اخلطابي‪:‬‬
‫«معنى (ال�صبور) يف �صفة اهلل ‪�-‬سبحانه‪ -‬قريب من معنى (احلليم)‪� ،‬إال �أن الفرق‬
‫بني الأمرين �أنهم ال ي�أمنون العقوبة يف �صفة (ال�صبور) كما ي�سلمون منها يف �صفة‬
‫(احلليم)‪ ،‬واهلل �أعلم بال�صواب»(‪ ،)26‬وقال �إ�سماعيل حقي‪« :‬والفرق بني (احلليم)‬
‫و(ال�صبور) �أن املذنب ال ي�أمن العقوبة يف �صفة (ال�صبور) كما ي�أمنها يف �صفة‬
‫(احلليم)‪ ،‬يعنى �أن (ال�صبور) ي�شعر ب�أنه يعاقب يف الآخرة بخالف (احلليم)»(‪،)27‬‬
‫وقال الدكتور النابل�سي‪« :‬ا�سم (احلليم) �أو�سع من ا�سم (ال�صبور)‪( ،‬ال�صبور) ي�ؤخر‬
‫العقاب‪ ،‬لكن العقاب واقع‪� ،‬إمنا (احلليم) ي�ؤخره‪ ،‬وقد يعفو»(‪.)28‬‬
‫(‪ )24‬رواه البخاري برقم (‪ )7378‬ورواه م�سلم برقم (‪ ،)2804‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫(‪�( )25‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪ )159 :‬بت�صرف ي�سري‪.‬‬
‫(‪�( )26‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)98 :‬‬
‫(‪ )27‬تف�سري (روح البيان) لإ�سماعيل حقي عند تف�سري [فاطر‪. 41:‬‬
‫(‪( )28‬مو�سوعة �أ�سماء اهلل احل�سنى) للنابل�سي (جـ ‪� – 1‬ص‪.)699 :‬‬
‫تير‬
‫الس ُ‬
‫ِي ‪ِّ -‬‬
‫الحي ُّ‬
‫ِيم ‪َ -‬‬
‫الحل ُ‬
‫المجموعة السابعة والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪495‬‬

‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬


‫(احل ِليم) �صفة (الحْ ِ ْلم) وهي �صف ٌة‬
‫يم‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه َ‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫حل ِل ُ‬
‫ثابت ٌة هلل بالكتاب وال�سنة‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ{[فاطر‪ ،]41:‬ومن ال�سنة‬
‫حديث ابن عبا�س �أن ر�سول اهلل ‪ ¤‬كان يقول عند الكرب‪( :‬ال �إله �إال اهلل العظيم‬
‫احلليم‪ ،‬ال �إله �إال اهلل رب العر�ش العظيم‪ ،‬ال �إله �إال اهلل رب ال�سماوات ورب الأر�ض‪،‬‬
‫ورب العر�ش الكرمي)(‪ ،)29‬و�صفة (الحْ ِ ْلم) «�صفة من �صفات الأفعال»(‪ ،)30‬قال ال�شيخ‬
‫ابن جربين‪« :‬ومعروف �أن هذه ال�صفات الفعلية ك�صفة الرحمة‪ ،‬و�صفة احللم‪ ،‬مما‬
‫يثبتها �أهل ال�سنة»(‪.)31‬‬
‫(احل ِي ّي) �صفة (الحْ َ َياء) وهي‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫حل ِي ُّي‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه َ‬
‫وج َّل‪ -‬بالكتاب وال�سنة‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬ ‫�صف ٌة ثابت ٌة هلل َ‬
‫‪-‬ع َّز َ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ{[البقرة‪ ،]26:‬ومن ال�سنة حديث �أبي واقد الليثي ‹‪:‬‬
‫�أن الر�سول ‪ ¤‬ق��ال‪ ..( :‬و�أم��ا الآخ��ر فا�ستحيا‪ ،‬فا�ستحيا اهلل منه‪ ،‬و�أم��ا الآخر‬
‫حلي ِّي) دل على �صفة من �صفات‬ ‫ف�أعر�ض‪ ،‬ف�أعر�ض اهلل عنه)(‪« ،)32‬وا�سم اهلل (ا َ‬
‫الأفعال»(‪.)33‬‬
‫ري ‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال�ستِّري) «�صفة ( ِ‬
‫ال�ست) وهي‬ ‫‪ æ‬ال�س ِّت ُ‬
‫وج َّل‪ -‬ثابت ٌة بال�سنة ال�صحيحة»(‪ ،)34‬من حديث �أبي هريرة ‹‪:‬‬
‫�صف ٌة فعلي ٌة هلل ‪َ -‬ع َّز َ‬
‫قوله ‪( :¤‬ال ي�سرت عبدٌ عبدً ا يف الدنيا �إال �سرته اهلل يوم القيامة)(‪.)35‬‬
‫(‪ )29‬رواه البخاري برقم (‪.)6346‬‬
‫(‪�( )30‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( )435:‬احلليم)‪.‬‬
‫(‪( )31‬الإر�شاد �شرح ملعة االعتقاد) البن جربين (�ص‪.)58 :‬‬
‫(‪ )32‬رواه البخاري برقم (‪ ،)66‬ورواه م�سلم برقم (‪.)1405‬‬
‫(‪�( )33‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( )367:‬احليي)‪.‬‬
‫(‪�( )34‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)141 :‬‬
‫(‪ )35‬رواه م�سلم برقم (‪.)2590‬‬
‫‪496‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬


‫‪ æ‬ال َغ ُفو ُر‪ :‬ورد االقرتان بني ا�سمي اهلل (احلليم) و(الغفور) (‪ 6‬مرات)‪ُ ،‬قدِّ م‬
‫(الغفور) على (احلليم) (‪ 4‬م��رات) كقوله تعالى‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ{ [البقرة‪ ،]225:‬ويالحظ يف الآيات‬
‫الأربع التي ُقدم فيها (الغفور) على (احلليم) �أن اخلطاب موجه للم�ؤمنني‪ ،‬و�سياق الآيات‬
‫يتحدث عن حمظورات �شرعية‪ ،‬و�أعمال منهي عنها‪ ،‬فكان من املنا�سب تقدمي املغفرة على‬
‫�سبب الإمهال وعدم تعجيل العقوبة؛ لكون الذنب وما �سيرتتب عليه من املعا�صي والعذاب‬
‫هو الهاج�س وال�شاغل للم�ؤمنني‪ ،‬ومن ثم بيان علة املغفرة وهو حلمه �سبحانه كي يكون ذلك‬
‫در�س ًا يتعلم منه امل�ؤمنون فال يعودون �إلى مثل هذه الأعمال املنهي عنها‪� ،‬إلى جانب التخلق‬
‫بخ�صال العفو وال�صفح واحللم‪ ،‬و�سيتم احلديث عن هذا االقرتان يف جمموعة املغفرة‪.‬‬
‫�أما تقدمي (احلليم) على (الغفور) فقد ورد مرتني يف قوله تعالى‪ } :‬ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ{ [الإ�سراء‪ ،]44:‬وقوله تعالى‪ } :‬ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ{[فاطر‪،]41:‬‬
‫فيالحظ يف كلتا الآيتني �أنهما جاءتا يف �سياق الرد على امل�شركني الذين زعموا �أن مع اهلل �آلهة‬
‫�أخرى‪} :‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ{[الإ�سراء‪ ،]43:‬واخلطاب يتحدث عن عظمة‬
‫اخلالق و�سطوته‪ ،‬وخ�ضوع كل �شيء جلربوته وعظمته‪ ،‬و�أن امل�ؤاخذة والعقاب هو اجلزاء‬
‫امل�ستحق لهم مبقت�ضى عدله وان�صافه‪ ،‬ولكن حللمه �سبحانه مل يعاجلهم بالعقوبة امل�ستحقة‪،‬‬
‫بل �أمهلهم لعلهم يتوبون ف َيغفر لهم‪ ،‬فكان من املنا�سب تقدمي (احلليم) لبيان �سبب عدم‬
‫تعجيل العقوبة‪ ،‬والرتغيب يف التوبة و�أن بابها ال زال مفتوحا وهو ينتظرهم‪ ،‬ومتى ما دخلوه‬
‫و�آمنوا و�أ�صبحوا �أهال للعفو واملغفرة ف�سيجدون اهلل } ﮥ{‪ ،‬يقول البقاعي‪(« :‬حليم ًا)‬
‫�أي لي�س من �ش�أنه املعاجلة بالعقوبة للع�صاة؛ لأنه ال ي�ستعجل �إال من يخاف الفوت‬
‫تير‬
‫الس ُ‬
‫ِي ‪ِّ -‬‬
‫الحي ُّ‬
‫ِيم ‪َ -‬‬
‫الحل ُ‬
‫المجموعة السابعة والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪497‬‬

‫فينتهز الفر�ص‪ ،‬ورغب يف الإقالع‪ ،‬م�شرياً �إلى �أنه لي�س عنده ما عند حلماء الب�شر من‬
‫ال�ضيق احلامل لهم على �أنهم �إذا غ�ضبوا بعد طول الأناة ال يغفرون‪ ،‬بقوله (غفور ًا) �أي‬
‫محَ َّ ا ٌء لذنوب من رجع �إليه‪ ،‬و�أقبل باالعرتاف عليه‪ ،‬فال يعاقبه وال يعاتبه»(‪ ،)36‬ويقول‬
‫ال�شيخ ال�سعدي‪ }« :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ{ حيث مل يعاجل بالعقوبة من قال فيه قوال‬
‫تكاد ال�سماوات والأر�ض تتفطر منه وتخر له اجلبال ولكنه �أمهلهم‪ ،‬و�أنعم عليهم‬
‫وعافاهم‪ ،‬ورزقهم ودعاهم �إلى بابه ليتوبوا من هذا الذنب العظيم‪ ،‬ليعطيهم الثواب‬
‫اجلزيل‪ ،‬ويغفر لهم ذنبهم‪ ،‬فلوال حلمه ومغفرته ل�سقطت ال�سماوات على الأر�ض‪،‬‬
‫وملا ترك على ظهرها من دابة»(‪ ،)37‬ويقول القا�سمي‪ }« :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ{ �أي‪:‬‬
‫حيث مل يعاجلهم بالعقوبة‪ ،‬مع كفرهم وق�صورهم يف النظر‪ ،‬ولو تابوا لغفر لهم ما‬
‫كان منهم»(‪ .)38‬ويقول ابن عا�شور‪« :‬ولذلك �أتبع بالتذييل بو�صف اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬باحللم‬
‫واملغفرة ملا ي�شمله �صفة (احلليم) من حلمه على امل�ؤمنني �أن ال يزعجهم بفجائع‬
‫عظيمة‪ ،‬وعلى امل�شركني بت�أخري م�ؤاخذتهم‪ ،‬ف�إن الت�أخري من �أثر احللم‪ ،‬وما تقت�ضيه‬
‫�صفة الغفور من �أن يف الإِمهال �إعذاراً للظاملني لعلهم يرجعون»(‪.)39‬‬
‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫‪ æ‬الأثر العلمي االعتقادي‪:‬‬
‫(ح ِي ٌّي) يحب �أهل احلياء‪�( ،‬س ِّت ٌ‬
‫ري)‬ ‫(ح ِلي ٌم) يحب �أهل احللم‪َ ،‬‬
‫اهلل ‪�-‬سبحانه وتعالى َ‬
‫يحب �أهل ال�سرت‪ ،‬ال يعجل على عباده بالعقوبة على ذنوبهم ومعا�صيهم وظلمهم‪ ،‬بل ميهلهم‬
‫وي�سرتهم ويدعوهم �إلى التوبة‪ ،‬و�إذا رفعوا �أيديهم �إليه بالدعاء ف�إنه َح ِي ٌّي كرمي‪ُ ،‬يجيب‬
‫دعاءهم‪ ،‬ويغفر ذنوبهم‪.‬‬
‫(‪ )36‬تف�سري (نظم الدرر) للبقاعي عند تف�سري الآية (‪ )41‬من �سورة (فاطر)‪.‬‬
‫(‪ )37‬تف�سري (ال�سعدي) عند تف�سري الآية (‪ )44‬من �سورة الإ�سراء (�ص‪.)410:‬‬
‫(‪ )38‬تف�سري القا�سمي (حما�سن الت�أويل) (جـ‪� - 10 :‬ص‪ ) 235 :‬عند تف�سري الآية (‪ )44‬من �سورة الإ�سراء‪.‬‬
‫(‪ )39‬تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور عند تف�سري (فاطر ‪.)41 -‬‬
‫‪498‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪ æ‬الأثر العملي‪:‬‬
‫‪ 1.1‬حمبة اهلل و�إجالله وتعظيمه وحمده و�شكره‪ ،‬والثناء عليه‪ ،‬والتوبة �إليه‪ ،‬حيث‬
‫�إن حلمه و�سرته وحياءه اقت�ضى ال�صرب على عباده الع�صاة‪ ،‬وعدم اال�ستعجال يف‬
‫عقوبتهم لعلهم ي�ستعتبون ويتوبون‪ ،‬فعن �أبي مو�سى الأ�شعري ‹‪ ،‬عن ر�سول‬
‫اهلل ‪ ¤‬قال‪( :‬ما �أحد �أ�صرب على �أذى �سمعه من اهلل‪ ،‬يدعون له الولد‪،‬‬
‫ثم يعافيهم ويرزقهم)(‪ ،)40‬ولو عاجل اهلل الع�صاة بعذابه ومل يحلم‬
‫عليهم ملا بقي على وجه الأر�ض �أحد‪ ،‬كما قال �سبحانه‪}:‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ{[النحل‪.]61:‬‬
‫‪2.2‬احل�ي��اء منه ‪�-‬سبحانه‪ ،‬واالن�ك���س��ار ب�ين ي��دي��ه‪ ،‬وم�ق��ت النف�س‪ ،‬واالع�ت�راف‬
‫بتق�صريها‪ ،‬حيث ينعم ‪�-‬سبحانه على عباده‪ ،‬ويحلم عنهم‪ ،‬وي�سرتهم‪ ،‬وهم‬
‫متمادون يف معا�صيه!‪ ،‬و�صف ابن القيم هذا احلياء بقوله‪« :‬هو حياء ممتزج‬
‫من حمبة وخوف‪ ،‬وم�شاهدة عدم �صالح عبوديته ملعبوده‪ ،‬و�أن قدره �أعلى‬
‫و�أجل منها‪ ،‬فعبوديته له توجب ا�ستحيا ًء منه ال حمالة»(‪.)41‬‬
‫‪3.3‬فتح باب الرجاء وعدم الي�أ�س من رحمة اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬واملبادرة �إلى التوبة والإنابة‬
‫عن الذنوب مهما عظمت؛ لأنه ‪�-‬سبحانه‪ -‬ما � َّأخر العقوبة على الذنب �إال للإنابة‬
‫والتوبة‪ ،‬ولذلك اقرتن ا�سمه ‪�-‬سبحانه (احلليم) با�سمه ‪�-‬سبحانه (الغفور)‪.‬‬
‫‪4.4‬احلذر من غ�ضبه ‪�-‬سبحانه‪ -‬لأن (احلليم) �إذا غ�ضب مل يقف لغ�ضبه �شيء‪.‬‬
‫وحلمه ‪�-‬سبحانه‪� -‬صادر عن قوة وقدرة‪ ،‬واهلل (احلليم) ال يغ�ضب �إال على‬
‫من ال ي�ستحق الرحمة‪ ،‬وال ي�صلح يف حقه احللم‪ ،‬وذلك بعد �أن �أُعطي املهلة‬
‫والوقت الكايف‪ ،‬ليتوب ويهتدي فلم ي�ستجب‪ .‬‬
‫‪5.5‬جماهدة النف�س بالتخلق بهذه الأخالق الكرمية‪ ،‬احللم واحلياء وال�سرت‪ ،‬فاهلل‬
‫‪�-‬سبحانه‪َ -‬ح ِلي ٌم يحب �أهل احللم‪َ ،‬ح ِي ٌّي يحب �أهل احلياء‪�ِ ،‬س ِّت ٌري يحب �أهل ال�سرت‪.‬‬
‫(‪ )40‬رواه البخاري برقم (‪ )7378‬ورواه م�سلم برقم (‪ ،)2804‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫(‪( )41‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ‪� - 2:‬ص‪.)263:‬‬
‫تير‬
‫الس ُ‬
‫ِي ‪ِّ -‬‬
‫الحي ُّ‬
‫ِيم ‪َ -‬‬
‫الحل ُ‬
‫المجموعة السابعة والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪499‬‬

‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫ري) من الأ�سماء الدالة على �صفات اهلل الفعلية‬ ‫ِيم ‪ -‬ا َ‬
‫حل ِي ُّي ‪ -‬ال�س ِّت ُ‬ ‫(ا َ‬
‫حلل ُ‬
‫(الحْ ِ ْلم والحْ َ َياء وال�سِ ت)؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل‪ ،‬والتو�سل �إليه‪ ،‬والثناء‬
‫عليه بهذه الأ�سماء يف جميع �أحوال العباد التي تنا�سب معانيها‪ ،‬كحال العبد اخلائف‬
‫من �شر ذنبه‪ ،‬وهو يف �أ�شد احلاجة لن�صرة ربه‪ ،‬وك�شف ما به من �ضر وكرب؛ ولذا‬
‫ورد عن النبي ‪� ¤‬أنه كان يقول عند الكرب‪( :‬ال �إله �إال اهلل العظيم احلليم‪ ،‬ال‬
‫�إله �إال اهلل رب العر�ش العظيم‪ ،‬ال �إله �إال اهلل رب ال�سماوات ورب الأر�ض‪،‬‬
‫ورب العر�ش الكرمي)(‪ ،)42‬وكذلك �س�ؤال اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬با�سمه َ‬
‫(احلي ِّي) حال الأمل‬
‫يف �إجابة الدعاء‪ ،‬والطمع يف ف�ضل اهلل ‪-‬تعالى‪ ،‬كما ورد عنه ‪ ¤‬قوله‪َّ �( :‬إن ربكم‬
‫ري َّدهما ِ�صفر ًا)(‪ ،)43‬وورد‬
‫َح ِي ٌّي كرمي‪ ،‬ي�ستحي �أن يب�سط العبد يديه �إليه‪ ،‬ف ُ‬
‫عنه ‪ ¤‬الدعاء بالو�صف الذي ت�ض ّمنه ا�سم (ال�ستِّري) يف قوله ‪( :¤‬اللهم ا�سرت‬
‫عورتي و�آمن روعتي واق�ض عني ديني)(‪.)44‬‬
‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬
‫يد ُعون له الولد‬ ‫‪ æ‬قال النبي ‪( :¤‬ما �أحد �أ�صرب على �أذى �سمعه من اهلل‪َّ ،‬‬
‫ثم يعافيهم ويرزقهم)(‪ ،)45‬ويف احلديث القد�سي عن النبي ‪( :¤‬قال اهلل‪ :‬ي�شتمني‬
‫كذ َبني وما ينبغي له!‪� ،‬أما �شت ُْمه فقوله‪� :‬إن‬ ‫ابن �آدم‪ ،‬وما ينبغي له �أن ي�ش ِت َمني‪ ،‬و ُي ِّ‬
‫يل ولدا‪ ،‬و�أما تكذيبه فقوله‪ :‬لي�س ُيعيدُ ين كما َبدَ �أين)(‪ .)46‬يقول الإمام ابن الق َّيم‬
‫معلق ًا على احلديثني العظيمني‪« :‬وهو �سبحانه مع هذا ال�شتم له‪ ،‬والتكذيب يرزق ال�شامت‬
‫امل ُ َك ِّذب ويعافيه! ويدفع عنه‪ ،‬ويدعوه �إلى جنته‪ ،‬ويقبل توبته �إذا تاب �إليه‪ ،‬ويبدله‬
‫(‪ )42‬رواه البخاري برقم (‪.)6346‬‬
‫(‪ )43‬رواه �أبو داود وابن ماجة وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)2070‬‬
‫(‪ )44‬رواه الطرباين وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)1262‬‬
‫(‪ )45‬رواه البخاري برقم (‪ ،)7378‬ورواه م�سلم برقم (‪ ،)2804‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫(‪ )46‬رواه البخاري برقم (‪.)3193‬‬
‫‪500‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ب�سيئاته ح�سنات‪ ،‬ويتلطف به يف جميع �أحواله‪ ،‬وي�ؤهِّله لإر�سال ر�سله �إليه‪ ،‬وي�أمرهم‬
‫ب�أن يلينوا له القول‪ ،‬ويرفقوا به»(‪.)47‬‬
‫‪ æ‬جاء رجل �إل��ى النبي ‪ ¤‬فقال‪ :‬يا ر�سول اهلل‪� ،‬إين عاجلت ام��ر�أة يف �أق�صى‬
‫املدينة‪ ،‬و�إين �أ�صبت منها ما دون �أن �أم�سها‪ ،‬ف�أنا هذا‪ ،‬فاق�ض َّيف ما �شئت‪ ،‬فقال له‬
‫عمر‪ :‬لقد �سرتك اهلل‪ ،‬لو �سرتت نف�سك!‪ ،‬قال‪ :‬فلم يرد النبي ‪� ¤‬شيئا‪ ،‬فقام الرجل‬
‫فانطلق‪ ،‬ف�أتبعه النبي ‪ ¤‬رجال دعاه‪ ،‬وتال عليه هذه الآية‪} :‬ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ{[هود‪،]114:‬‬
‫فقال رجل من القوم‪ :‬يا نبي اهلل‪ ،‬هذا له خا�صة؟‪ ،‬قال‪( :‬بل للنا�س كافة)»(‪.)48‬‬
‫‪ æ‬عن عبداهلل بن م�سعود ‹‪ ،‬قال‪ : :‬قال النبي ‪( :¤‬ا�ستحيوا من اهلل ‪-‬تعالى‪-‬‬
‫حق احلياء‪ ،‬من ا�ستحيا من اهلل حق احلياء فليحفظ الر�أ�س وما وعى‪ ،‬وليحفظ‬
‫البطن وما حوى‪ ،‬وليذكر املوت وال ِبال‪ ،‬ومن �أراد الآخرة ترك زينة احلياة الدنيا‪،‬‬
‫فمن فعل ذلك فقد ا�ستحيا من اهلل حق احلياء)(‪.)49‬‬
‫‪ æ‬قال النبي ‪ُ ( :¤‬يح�شر النا�س يوم القيامة حفاة عراة)‪ ،‬فقالت امر�أة‪ :‬يار�سول‬
‫اهلل‪ ،‬كيف يرى بع�ضنا بع�ض ًا؟!‪ ،‬قال‪�( :‬إن الأب�صار �شاخ�صة‪ ،‬فرفع ب�صره �إلى ال�سمــاء)‪،‬‬
‫فقالــت‪ :‬يا ر�سول اهلل‪ ،‬ادع اهلل �أن ي�سرت عورتي‪ ،‬قال‪( :‬اللهم ا�سرت عورتها)(‪.)50‬‬
‫�شيء‬
‫جلده ٌ‬ ‫ريا‪ ،‬ال ُيرى من ِ‬ ‫‪ æ‬قال النبي ‪�( :¤‬إن مو�سى كان اً‬
‫رجل حي ًيا �ست ً‬
‫رت هذا الت�س َ‬
‫رت‪� ،‬إال من‬ ‫َ‬
‫إ�سرائيل‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما ي�ست ُ‬ ‫ا�ستحياء منه‪ ،‬ف�آذاه من �آذاه من بني �‬
‫ً‬
‫َ‬
‫آفة(‪ ،)51‬و�إن اهلل �أراد �أن يُبرَ َئه مما قالوا‬ ‫أدرة و�إما � ٌ‬
‫بر�ص و�إما � ٌ‬
‫بجلده‪� :‬إما ٌ‬‫ِ‬ ‫عيب‬
‫ٍ‬
‫احلجر‪ ،‬ثم اغت�سل‪ ،‬فلما فر َغ �أقبل �إلى‬
‫ِ‬ ‫ملو�سى‪ ،‬فخال يو ًما وحده‪ ،‬فو�ضع ثيا َبه على‬
‫احلجر‪ ،‬فجعل‬‫َ‬ ‫احلجر عدا بثو ِبه‪ ،‬ف�أخذ مو�سى ع�صاه وطلب‬ ‫َ‬ ‫ثيا ِبه لي� َ‬
‫أخذها‪ ،‬و�إن‬
‫(‪�( )47‬شفاء العليل) البن القيم (جـ‪� – 3:‬ص‪ )1194 -1193 :‬الباب (‪ :)23‬يف ا�ستيفاء �شبه النافني للحكمة والتعليل‪.‬‬
‫(‪ )48‬رواه م�سلم برقم (‪.)2763‬‬
‫(‪ )49‬رواه الإمام �أحمد والرتمذي وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)935‬‬
‫(‪ )50‬رواه الطرباين والهيثمي وقال يف الدرر ال�سنية‪( :‬خال�صة حكم املحدث الهيثمي املكي‪� :‬صحيح)‪.‬‬
‫باخل ْ�صي ِة‪ ،‬والآ َف ُة‪ :‬ال َع ُ‬
‫يب‪.‬‬ ‫اجللد‪ ،‬والأدْر ُة‪ :‬ان ِتفا ٌخ يكونُ ِ‬ ‫بر�ص و�إما �أدر ٌة‪ ،‬و�إما �آف ٌة‪ :‬ال َرب ُ�ص‪ُ :‬ب َق ُع ٍ‬
‫بيا�ض تَكونُ على ِ‬ ‫(‪� )51‬إما ٌ‬
‫تير‬
‫الس ُ‬
‫ِي ‪ِّ -‬‬
‫الحي ُّ‬
‫ِيم ‪َ -‬‬
‫الحل ُ‬
‫المجموعة السابعة والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪501‬‬

‫َ‬
‫إ�سرائيل‪ ،‬فر�أوه‬ ‫لأ من بني �‬ ‫حجر(‪ ،)52‬حتى انتهى �إلى م ٍ‬ ‫ُ‬ ‫حجر‪ ،‬ثوبي‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يقول‪ :‬ثوبي‬
‫احلجر‪ ،‬ف�أخذ ثو َبه فلب�سه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫اهلل‪ ،‬و�أبر�أه مما يقولون‪ ،‬وقام‬‫عريا ًنا �أح�سنَ ما خلق ُ‬
‫أثر �ضر ِبه‪ ،‬ثال ًثا �أو �أرب ًعا‬
‫باحلجر ل ُندَ ًبا من � ِ‬
‫ِ‬ ‫هلل �إن‬
‫باحلجر �ضر ًبا بع�صاه‪ ،‬فوا ِ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫وطفق‬
‫خم�سا‪ ،‬فذلك قو ُله‪} :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬ ‫�أو ً‬
‫ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ {[الأحزاب‪.)53()]69:‬‬
‫�سارق �إلى �أمري امل�ؤمنني عمر بن اخلطاب ‹‪،‬‬ ‫‪ æ‬قال �أن�س بن مالك ‹‪� :‬أُ ِت َي ِب ٍ‬
‫قط قب َلها!‪ ،‬فقال عمر‪« :‬كذبتَ !‪ ،‬ما كان ُ‬
‫اهلل ل ُي�س ِّل َم عبدًا‬ ‫�سرقت ُّ‬
‫ُ‬ ‫هلل ما‬
‫فقال ال�سارق‪ :‬وا ِ‬
‫ذنب‪ ،‬فقط َعه»(‪ ،)54‬وقال ال�سيوطي‪�« :‬إن اهلل تعالى �أجرى العادة �أنه ال يف�ضح‬ ‫عند �أولِ ٍ‬
‫�أحدًا من �أول مرة»(‪.)55‬‬
‫‪ æ‬قال تعالى‪ } :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ{[املائدة‪ ]94:‬قال �إبن عبا�س ‪« :‬يا‬
‫�صاحب الذنب ال ت�أمنن من �سوء عاقبته‪ ،‬وملا يتبع الذنب �أعظم من الذنب �إذا عملته‪،‬‬
‫ف�إن قلة حيائك ممن على اليمني وعلى ال�شمال و�أنت على الذنب �أعظم من الذنب‬
‫الذي عملته‪ ،‬و�ضحكك و�أن��ت ال تدري ما اهلل �صانع بك �أعظم من الذنب‪ ،‬وفرحك‬
‫بالذنب �إذا ظفرت به �أعظم من الذنب‪ ،‬وحزنك على الذنب �إذا فاتك �أعظم من الذنب‬
‫�إذا ظفرت به‪ ،‬وخوفك من الريح �إذا حركت �سرت بابك و�أنت على الذنب وال ي�ضطرب‬
‫ف�ؤادك من نظر اهلل �إليك �أعظم من الذنب �إذا عملته» (‪.)56‬‬
‫ق���ال ت �ع��ال��ى‪ } :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬ ‫‪æ‬‬
‫ﭧ{[حممد‪ ،]31:‬كان الف�ضيل بن عيا�ض �إذا قر�أ هذه الآية بكى وقال‪« :‬اللهم ال‬
‫(‪َ )52‬ث ْوبي َحج ُر‪َ ،‬ث ْوبي َح َج ُر‪� :‬أي ُينادي على َ‬
‫احلج ِر ل ُيعط َيه ثو َبهُ‪.‬‬
‫(‪ )53‬رواه البخاري برقم (‪.)3404‬‬
‫(‪� )54‬أخرجه البيهقي يف ال�سنن الكربى (جـ‪� – 7:‬ص‪ )276:‬يف (كتاب ال�سرقة‪ :‬باب ما جاء يف الإقرار بال�سرقة والرجوع عنه)‪،‬‬
‫وقال عنه ابن حجر الع�سقالين‪� :‬إ�سناده قوي (التلخي�ص احلبري يف تخريج �أحاديث الرافعي الكبري) البن حجر (جـ‪� – 3:‬ص‪:‬‬
‫‪( )483‬الطبعة الأولى – ‪ 1429‬هـ ‪ -‬دار الكتب العلمية)‪.‬‬
‫(‪( )55‬تدريب الراوي يف �شرح تقريب النواوي) للحافظ عبد الرحمن بن �أبي بكر ال�سيوطي (جـ‪� – 1:‬ص‪( )331:‬مكتبة الريا�ض‬
‫احلديثة – حتقيق عبد الوهاب عبد اللطيف)‪.‬‬
‫(‪( )56‬حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) للأ�صبهاين (جـ‪� - 1:‬ص‪.)324:‬‬
‫‪502‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫تب ُلنا! ف�إنك ان بلوتنا ف�ضحتنا‪ ،‬وهتكت �أ�ستارنا‪ ،‬وعذبتنا»(‪.)57‬‬


‫‪ æ‬ق��ال عمر ب��ن ذر‪« :‬ي ��ا �أه ��ل امل �ع��ا� �ص��ي‪ ،‬ال ت �غ�ت�روا ب �ط��ول ح�ل��م اهلل عنكم‪،‬‬
‫واح��ذروا �أ�سفه؛ ف�إنه قال �سبحانه‪} :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬
‫ﮭ{[الزخرف‪� ،)58(»]55:‬أي‪ :‬ملا �أغ�ضبونا انتقمنا منهم‪.‬‬
‫‪ æ‬كان يحيى بن معاذ يقول‪�« :‬سبحان من يذنب عبده وي�ستحيي هو!»(‪.)59‬‬
‫‪ æ‬قال علقمة بن مرثد‪ :‬كان الأ�سود بن زيد يجتهد يف العبادة‪ ،‬وي�صوم حتى ي�ص ّفر‬
‫ّ‬
‫ويخ�ضر‪ ،‬فلما احت�ضر بكى!‪ ،‬قيل له‪ :‬ما هذا اجلزع؟!‪ ،‬قال‪ :‬ومايل ال �أجزع!‪ ،‬ومن �أحق مني‬
‫باجلزع؟!‪ ،‬واهلل لو �أتيت باملغفرة من اهلل لأهمني احلياء منه مبا قد �صنعت!‪ ،‬ف�إن‬
‫الرجل ليكون بينه وبني الرجل الذنب ال�صغري فيعفو عنه‪ ،‬فال يزال م�ستحياً منه!»(‪.)60‬‬
‫‪ æ‬قال �أبو حامد اخللقاين لأحمد بن حنبل‪« :‬يا �أبا عبد اهلل هذه الق�صائد الرقاق؛‬
‫التي يف ذكر اجلنة والنار‪� ،‬أي �شيء تقول فيها؟ فقال‪ :‬مثل �أي �شيء؟ قلت يقولون‪:‬‬
‫�إذا ما قـــال يل ربي �أمــــــا ا�ستحييـــت تع�صيني‬ ‫ ‬
‫وتخفي الذنب من خلقي وبالع�صيان ت�أتيني‬ ‫ ‬
‫علي! ف�أعدت عليه‪ ،‬فقام ودخل بيته ورد الباب‪ ،‬ف�سمعت‬‫قال الإم��ام �أحمد‪� :‬أع��د َّ‬
‫نحيبه من داخل البيت! وهو يقول‪:‬‬
‫�إذا ما قـــال يل ربي �أمــــــا ا�ستحييـــت تع�صيني‬ ‫ ‬
‫خلقي وبالع�صيان ت�أتيني»(‪)61‬‬ ‫وتخفي الذنب من ‬ ‫ ‬
‫‪ æ‬قال يحي بن معني‪« :‬ما ر�أي��ت على رجل خط�أ �إال �سرتته‪ ،‬و�أحببت �أن �أزين‬
‫�أم��ره‪ ،‬وما ا�ستقبلت رجال يف وجهه ب�أمر يكرهه‪ ،‬ولكن �أب�ين له خط�أه فيما بيني‬
‫(‪ )57‬تف�سري «مدارك التنزيل وحقائق الت�أويل» للن�سفي عند تف�سري الآية (‪ )31‬من �سورة حممد‪( ،‬جـ‪� – 4:‬ص‪.)150 :‬‬
‫(‪�( )58‬سري �أعالم النبالء) للإمام الذهبي (�ص‪ )2900 :‬يف ترجمة الإمام الزاهد عمر بن ذر الكويف‪.‬‬
‫(‪( )59‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ‪� – 2 :‬ص‪.)261 :‬‬
‫(‪�( )60‬صفوة ال�صفوة) لأبي الفرج ابن اجلوزي (جـ‪� – 3 :‬ص‪.)23 :‬‬
‫(‪()61‬تلبي�س �إبلي�س) البن اجلوزي (�ص‪ )279 - 278:‬عند حديثه عن مذهب الإمام �أحمد يف الباب العا�شر‪ :‬يف ذكر تلبي�س‬
‫�إبلي�س َع َلى ال�صوفية فيِ ال�سماع والرق�ص‪.‬‬
‫تير‬
‫الس ُ‬
‫ِي ‪ِّ -‬‬
‫الحي ُّ‬
‫ِيم ‪َ -‬‬
‫الحل ُ‬
‫المجموعة السابعة والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪503‬‬

‫وبينه‪ ،‬ف�إن قبل ذلك‪ ،‬و�إال تركته»(‪.)62‬‬


‫‪ æ‬قال بالل بن �سعد‪�« :‬إن لكم رباً لي�س �إلى عقاب �أحدكم ب�سريع‪ ،‬يقيل العرثة‪،‬‬
‫ويقبل التوبة‪ ،‬و ُيقبل على املُقبل‪ ،‬ويعطف على املدبر»(‪.)63‬‬
‫‪ æ‬قال عبداهلل بن املبارك‪« :‬كان الرجل �إذا ر�أى من �أخيه ما يكره �أمره يف �سرت‪,‬‬
‫في�ؤجر يف �سرته‪ ،‬وي�ؤجر يف نهيه‪� ،‬أما اليوم �إن ر�أى �أحد ما يكره‪ ،‬ا�ستغ�ضب �أخاه‪،‬‬
‫وهتك �سرته»(‪.)64‬‬
‫‪ æ‬قال عبداهلل بن املبارك‪ « :‬قدمت مكة ف��إذا النا�س قد قحطوا من املطر وهم‬
‫ي�ست�سقون يف امل�سجد احلرام‪ ،‬وكنت يف النا�س مما يلي باب بني �شيبة‪� ،‬إذ �أقبل غالم �أ�سود‬
‫عليه قطعتا خي�ش‪ ،‬قد ائتزر ب�إحداهما و�ألقى الأخرى على عاتقه‪ ،‬ف�صار يف مو�ضع َخ ِف ٍّي‬
‫�إلى جانبي‪ ،‬ف�سمعته يقول‪� :‬إلهي!‪� ،‬أَ ْخلَ َقتِ الوجو َه(‪ )65‬كرث ُة الذنوبِ وم�ساوئ الأعمالِ ‪،‬‬
‫وقد من َْعتنا َ‬
‫غيث ال�سماء لت�ؤ ّدب اخلليقة بذلك‪ ،‬ف�أ�س�ألك يا حلي ًما ذا �أن��اة‪ ،‬يا من‬
‫ال يعرف عبادُه منه �إال اجلميل‪ ،‬ا�سقهم ال�ساعة ال�ساعة!‪ ،‬قال ابن املبارك ‪ :‬فلم يزل‬
‫يقول‪ :‬ال�ساعة ال�ساعة!‪ ،‬حتى ا�ستوت بالغمام‪ ،‬و�أقبل املطر من كل مكان‪ ،‬وجل�س مكانه‬
‫ُي�س ّبح‪ ،‬و�أخ��ذت �أبكي!‪ ،‬فلما قام تبعته حتى عرفت مو�ضعه فجئت �إلى ف�ضيل بن عيا�ض‬
‫فقال يل‪ :‬مايل �أراك كئي ًبا؟‪ ،‬فقلت‪� :‬س َبقنا �إلى اهلل غرينا فتواله دوننا!‪ ،‬قال‪ :‬وما ذاك؟!‪،‬‬
‫فق�ص�صت عليه الق�صة ف�صاح و�سقط» (‪.)66‬‬
‫‪ æ‬قال ابن القيم‪« :‬من ا�ستحى من اهلل عند مع�صيته؛ ا�ستحيى اهلل من عقوبته‬
‫يوم يلقاه‪ ،‬ومن مل ي�ستحي من اهلل عند مع�صيته؛ مل ي�ستحي اهلل من عقوبته»(‪.)67‬‬
‫‪ æ‬قال ابن اجل��وزي‪« :‬من عرف مكر اهلل ب�أعدائه مل يغرت بطول احللم‪ ،‬ف�إن‬
‫(‪�( )62‬سري �أعالم النبالء) للإمام الذهبي (�ص‪ )4205 :‬يف ترجمة احلافظ الإمام يحي بن معني الغطفاين املري‪.‬‬
‫(‪( )63‬حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ‪� – 5 :‬ص‪.)223 :‬‬
‫(‪( )64‬رو�ضة العقالء ونزهة الف�ضالء) لأبي حامت حممد بن حبان الب�ستي (�ص‪.)197 :‬‬
‫وح�سنها‪.‬‬ ‫(‪� )65‬أَ ْخ َل َق ِت الوجوه‪� :‬أي َب ِليت وذهب جمالها َ‬
‫و�صفا�ؤها ُ‬
‫(‪�( )66‬صفة ال�صفوة) لأبي الفرج عبد الرحمن اجلوزي (جـ‪� - 2 :‬ص‪)269 :‬‬
‫(‪( )67‬اجلواب الكايف ملن �س�أل عن الدواء ال�شايف) للإمام �أبن القيم (�ص‪.)79 :‬‬
‫‪504‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫العواقب عنا مغيبات‪ ،‬و�سهام الأق�ضية �إلينا م�ص ّوبات»(‪.)68‬‬


‫‪ æ‬قال �أحمد بن �أبي احلواري‪ « :‬حدثني حممد بن حامت فقال‪ :‬قال الف�ضيل بن عيا�ض‪:‬‬
‫لو ُخيرّ ت بني �أن �أبعث ف�أدخل اجلنة‪ ،‬وبني �أن ال �أبعث؛ الخرتت �أن ال �أبعث!‪ ،‬قلت ملحمد‬
‫بن حامت‪� :‬أهذا من احلياء؟ قال‪ :‬نعم!‪ ،‬هذا من طريق احلياء من اهلل »(‪.)69‬‬
‫‪ æ‬قال وهيب بن منبه‪ « :‬بلغنا واهلل �أعلم يف قول بع�ض احلكماء‪ :‬يا رب و�أي �أهل‬
‫دهر مل يع�صوك‪ ،‬ثم كانت نعمتك عليهم �سابغة‪ ،‬ورزق��ك عليهم دارا‪� ,‬سبحانك ما‬
‫�أحلمك‪ ،‬وعزتك �إنك ل ُتع�صى ثم ُت�سبغ النعمة‪ ،‬وتدر ال��رزق‪ ،‬حتى لك�أنك يا ربنا ما‬
‫تغ�ضب»(‪.)70‬‬
‫‪ æ‬قال �أبو العالية(‪�« :)71‬سي�أتي على النا�س زمان تخرب �صدورهم من القر�آن‪،‬‬
‫وتبلى كما تبلى ثيابهم‪ ،‬ال يجدون له حالوة وال لذاذة‪� ،‬إن ق�صروا عن ما �أمروا به؛‬
‫قالوا‪� :‬إن اهلل غفور رحيم!‪ ،‬و�إن عملوا ما نهوا عنه؛ قالوا‪� :‬إن اهلل ال يغفر �أن ي�شرك‬
‫به ويغفر ما دون ذلك»(‪.)72‬‬
‫‪ æ‬ر�أى حممد بن املنكدر رجال مع امر�أة يف خراب وهو يكلمها فقال‪�« :‬إن اهلل يراكما‪،‬‬
‫�سرتنا اهلل و�إياكما» (‪.)73‬‬
‫برج ٍل قد َ�ص َل َبه احلجاج بن يو�سف الثقفي‪ ،‬فقال‪ « :‬يا ِّ‬
‫رب!‪� ،‬إن‬ ‫‪ æ‬م َّر عامر بن بهدلة ُ‬
‫حلمك على الظاملني قد �أ�ض َّر باملظلومني!‪ ،‬فر�أى يف منامه �أن القيامة قد قامت‪ ،‬وك�أنه قد‬
‫ناد ينادي‪ :‬حلمي على الظاملني‬ ‫دخل اجلنة‪ ،‬فر�أى امل�صلوب فيها يف �أعلى عليني‪ ،‬و�إذا ُم ٍ‬
‫�أح َّل املظلومني يف �أعلى ع ِّليني»(‪.)74‬‬
‫(‪( )68‬التذكرة يف الوعظ) البن اجلوزي (�ص‪.)46 :‬‬
‫(‪( )69‬حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ‪� – 8 :‬ص‪.)84 :‬‬
‫(‪( )70‬حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ‪� – 8 :‬ص‪.)151 :‬‬
‫(‪ )71‬رفيع بن مهران الرياحي الب�صري‪.‬‬
‫(‪( )72‬تاريخ دم�شق) البن ع�ساكر (جـ‪� – 18:‬ص‪.)181 :‬‬
‫(‪( )73‬جامع العلوم واحلكم) البن رجب (�ص‪ ،)388 :‬و�أ�صله يف (الأمر باملعروف والنهي عن املنكر) البن �أبي الدنيا (�ص‪.)86 :‬‬
‫(‪( )74‬ربيع الأبرار ون�صو�ص الأخبار) لأبي القا�سم حممود الزخم�شري (جـ‪� – 3:‬ص‪( )308 :‬الباب ‪ :48‬الظلم وذكر الظلمة)‪.‬‬
‫واب‬
‫الت ُ‬ ‫العفوُّ ‪ -‬الغَ ُفور ‪ -‬الغَ َّف ُ‬
‫ار ‪َّ -‬‬ ‫المجموعة الثامنة والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪505‬‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ ‪28‬ـــــــــة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬المْ َ ْغ ِف َر ُة‬
‫(‪)101 - 100 - 99 - 98‬‬
‫ال َعف ُّو ‪ -‬ال َغ ُفور ‪ -‬ال َغ َّفا ُر ‪ -‬ال َّت َّو ُ‬
‫اب‬
‫‪506‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الـمجـمـوعـ ‪28‬ـة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬المْ َ ْغ ِف َر ُة‬
‫(‪)101 - 100 - 99 - 98‬‬
‫ال َعف ُّو ‪ -‬ال َغ ُفور ‪ -‬ال َغفَّا ُر ‪ -‬ال َّت َّو ُ‬
‫اب‬
‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫‪ æ‬ال َعف ُّو‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 5‬مرات) منها قوله تعالى‪ }:‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ{[الن�ساء‪ ،]149:‬ويف ال�سنة من حديث‬
‫هلل �أَ َر�أَ ْي��تَ �إِ ْن َوا َفقْتُ َل ْيلَ َة ا ْل َق ْد ِر َما َ�أ ْد ُع��و؟‪ ،‬قا َل‪:‬‬
‫�أنها قالت‪َ ( :‬يا َر ُ�سو َل ا ِ‬ ‫عائ�شة‬
‫ت ُّب ا ْل َع ْف َو َف ْ‬
‫اع ُف َعنِّي)(‪.)1‬‬ ‫قويل‪ :‬الل ُه َّم �إِن ََّك َع ُف ٌّو حُ ِ‬
‫‪ æ‬ال َغفُور‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 91‬مرة) منها قوله تعالى‪ }:‬ﯴ ﯵ ﯶ‬
‫ﯷ ﯸ ﯹ{[احلجر‪ ،]49:‬ويف ال�سنة �أن �أبابكر ال�صديق ‹‪ ،‬قال للنبي ‪:¤‬‬
‫علمني دعاء �أدعو به يف �صالتي‪ ،‬قال‪( :‬قل‪ :‬اللهم �إين ظلمت نف�سي ظلما كثريا‪،‬‬
‫وال يغفر الذنوب �إال �أنت‪ ،‬فاغفر يل مغفرة من عندك‪ ،‬وارحمني‪� ،‬إنك �أنت الغفور‬
‫الرحيم)(‪.)2‬‬
‫‪ æ‬ال َغفَّا ُر‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 5‬م��رات) منها قوله تعالى} ﭷ ﭸ‬
‫قالت‪� :‬أن‬ ‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ {[�ص‪ ،]66:‬ويف ال�سنة حديث عائ�شة‬
‫النبي ‪ ¤‬ك��ان �إذا ت�ضور(‪ )3‬من الليل‪ ،‬ق��ال‪( :‬ال �إله �إال اهلل الواحد القهار‪ ،‬رب‬
‫ال�سماوات والأر�ض وما بينهما العزيز الغفار)(‪.)4‬‬
‫(‪ )1‬رواه الرتمذي وابن ماجة و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع (‪.)4423‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري برقم (‪ )6326‬وم�سلم برقم (‪.)2705‬‬
‫(‪ )3‬ت�ضور‪� :‬أي تلوى وتقلب لي ًال يف فرا�شه‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه الن�سائي واحلاكم و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)4693‬‬
‫واب‬
‫الت ُ‬ ‫العفوُّ ‪ -‬الغَ ُفور ‪ -‬الغَ َّف ُ‬
‫ار ‪َّ -‬‬ ‫المجموعة الثامنة والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪507‬‬

‫اب‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 11‬مرة) منها قوله تعالى‪ }:‬ﯙ ﯚ ﯛ‬ ‫‪ æ‬ال َّت َّو ُ‬
‫قال‪( :‬كان‬ ‫ﯜ ﯝ{[التوبة‪ ،]104:‬ويف ال�سنة من حديث عبد اهلل بن عمر‬
‫عد لر�سول اهلل ‪ ¤‬يف املجل�س الواحد ُ‬
‫مائة مرة من قبل �أن يقوم‪َ :‬ر ِّب اغْ ِف ْر ليِ‬ ‫ُي ُّ‬
‫َو ُت ْب َع َلي‪� ،‬إِن ََّك �أَنْتَ ال َّت َّو ُ‬
‫اب ا ْل َغ ُفو ُر)(‪.)5‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬


‫‪ æ‬ال َعف ُّو‪�« :‬صيغة مبالغة على وزن َف ُعول من ال َعفو‪ ،‬يقال‪َ :‬عفا َي ْعفو َعفوا‪،‬‬
‫فهو عاف و َعف ٌّو‪ ،‬وال َع ْفو‪ :‬هو التجا ُو ُز عن الذنب و َت ْرك العِقاب عليه‪ ،‬و�أَ�صله امل َ ْح ُو‬
‫والط ْم�س‪ ،‬م�أْخوذ من قولهم َع َفت الريا ُح الآثا َر ِ�إذا َد َر َ�س ْتها ومحَ َ ْتها»(‪ .)6‬قال اخلليل‬
‫حق ُعقوبة فترَ َ ك َته ومل تعاقبه عليها فقد َع َف ْو َت عنه عفواً»(‪.)7‬‬ ‫بن �أحمد‪« :‬كل من ْا�س َت َّ‬
‫وغ ْفراناً‪ ،‬فهو غافر‪ ،‬واملفعول‬ ‫‪ æ‬ال َغ ُفور‪�« :‬صيغة مبالغة‪ ،‬من َغ َف َر َيغفِر َغ ْفراً ُ‬
‫َم ْغفور‪ ،‬وغفر ذنبه‪ :‬عفا عنه‪ ،‬و�ساحمه‪ ،‬ف�سرته بالعفو وامل�ساحمة»(‪« ،)8‬و�أَ�صل ال َغف ِر‬
‫التغطية وال�سرت‪ ،‬وكل �شيء �سرتته فقد غفرته‪ ،‬يقال‪ :‬غف َر اهلل ذنوبه �أَي �سرتها‪،‬‬
‫و(ال َغ ُفور) على وزن فعول التي تدل على الكرثة والقوة يف الفعل»(‪.)9‬‬
‫وغ ْفراناً‪ ،‬فهو غافر‪ ،‬واملفعول‬ ‫‪ æ‬ال َغفَّا ُر‪�« :‬صيغة مبالغة‪ ،‬من َغ َف َر َيغفِر َغ ْفراً ُ‬
‫ال�سترْ وامل�ساحمة»(‪ ،)10‬و(ال َغ َّفا ُر) «على وزن‬ ‫َم ْغفور‪ ،‬و(ال َغ َّفا ُر) كثري الغفران �أو َّ‬
‫ف ّعال‪ ،‬وهو كثري املغفرة»(‪.)11‬‬
‫(‪ )5‬رواه ابن ماجه و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)3486‬‬
‫(‪�( )6‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)338:‬العفو)‬
‫(‪( )7‬ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص‪ )134 :‬وعزاه للخليل بن �أحمد‪.‬‬
‫(‪ )8‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬غ ف ر)‪.‬‬
‫(‪�( )9‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)488 - 487:‬الغفور)‬
‫(‪ )10‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬غ ف ر)‪.‬‬
‫(‪�( )11‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)662:‬الغفار)‬
‫‪508‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪ æ‬ال َّت َّو ُ‬


‫اب‪« :‬من �صيغ املبالغة‪ ،‬فعله َ‬
‫تاب يتوب َت ْوباً و َت ْو َب ًة‪ ،‬والتوبة الرجوع عن‬
‫ال�شيء �إلى غريه‪ ،‬وترك الذنب على �أجمل الوجوه»(‪ ،)12‬قال الزجاجي‪« :‬جاء ( َت َّو ٌ‬
‫اب)‬
‫على �أبنية املبالغة؛ لقبوله توبة عباده‪ ،‬وتكرير الفعل منهم دفعة بعد دفعة‪ ،‬وواحداً‬
‫بعد واحد‪ ،‬على طول الزمان»(‪.)13‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬


‫‪ æ‬ال َعف ُّو‪« :‬الذي ميحو ال�سيئات‪ ،‬ويتجاوز عن املعا�صي»(‪ ،)14‬قال ابن جرير‪�« :‬إن‬
‫اهلل مل يزل ( َعف ُّواً) عن ذنوب عباده‪ ،‬وتركه العقوبة على كثري منها ما مل ي�شركوا‬
‫به»(‪ ،)15‬وقال احلليمي‪(« :‬ال َعف ُّو) الوا�ضع عن عباده تبعات خطاياهم و�آثامهم‪ ،‬فال‬
‫ي�ستوفيها منهم»(‪ ،)16‬ويقول ال�شيخ ال�سعدي‪(« :‬ال َعف ُّو ال َغ ُفور ال َغ َّفا ُر) الذي مل يزل وال‬
‫يزال بالعفو معروفاً‪ ،‬وبالغفران وال�صفح عن عباده مو�صوفاً»(‪.)17‬‬
‫‪ æ‬ال َغ ُفور ‪ -‬ال َغفَّا ُر‪« :‬الذي ي�سرت الذنوب بف�ضله‪ ،‬ويتجاوز عن عبده بعفوه»(‪ ،)18‬يقول‬
‫اخلطابي‪(« :‬ال َغ ُفور) الذي تكرث منه املغفرة‪ ،‬و(ال َغ َّفا ُر) الذي يغفر ذنوب عباده مرة بعد‬
‫�أخرى ‪ ..‬ال�س َّتار لذنوب عباده‪ ،‬وامل�سدل عليهم ثوب عطفه ور�أفته»(‪ ،)19‬وقال البيهقي‪:‬‬
‫«(ال َغ َّفا ُر) ال�س َّتار لذنوب عباده مرة بعد �أخرى‪ ،‬و(ال َغ ُفور) الذي يكرث من املغفرة»(‪.)20‬‬
‫‪ æ‬ال َّت َّو ُ‬
‫اب‪« :‬الذي يتوب على من ي�شاء من عبيده ويقبل توبته»(‪ ،)21‬يقول ال�سعدي‪:‬‬
‫«(ال َّت َّو ُاب) الذي مل يزل يتوب على التائبني‪ ،‬ويغفر ذنوب املنيبني ‪ ..‬فهو التائب على‬
‫(‪�( )12‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)449 :‬التواب)‬
‫(‪( )13‬ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص‪.)63 :‬‬
‫(‪( )14‬املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص‪.)124:‬‬
‫(‪( )15‬تف�سري الطربي) عند تف�سري الآية (‪ )43‬من �سورة الن�ساء‪.‬‬
‫(‪( )16‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص‪ )149:‬وعزاه للحليمي‪.‬‬
‫(‪ )17‬تف�سري ال�سعدي (ف�صل يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص ‪.)17 :‬‬
‫(‪�( )18‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)662:‬الغفار)‬
‫(‪�( )19‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪ 65 :‬و ‪.)52‬‬
‫(‪( )20‬االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص‪.)40 - 39:‬‬
‫(‪( )21‬االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص‪.)45 :‬‬
‫واب‬
‫الت ُ‬ ‫العفوُّ ‪ -‬الغَ ُفور ‪ -‬الغَ َّف ُ‬
‫ار ‪َّ -‬‬ ‫المجموعة الثامنة والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪509‬‬

‫التائبني �أو ًال بتوفيقهم للتوبة‪ ،‬والإقبال بقلوبهم �إليه‪ ،‬وهو التائب على التائبني‬
‫بعد توبتهم قبو ًال لها وعف ًوا عن خطاياهم»(‪ ،)22‬وقال اخلطابي‏ ‏‪(« :‬الت ُ‬
‫َّواب) الذي‬
‫يتوب على عبده‪ ،‬ويقبل توبته‪ ،‬كلما تكررت التوبة تكرر القبول‏»(‪.)23‬‬

‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬


‫‪ æ‬ال َغ ُفور ‪ -‬ال َعف ُّو‪ :‬الأكرث على �أن (العفو)‪ :‬عدم امل�ؤاخذة بالذنب ب�إ�سقاط العقوبة‪،‬‬
‫وهو ال يقت�ضي ال�سرت‪ ،‬و(الغفران) ال�سرت وال�صون من عذاب الف�ضيحة والتخجيل واملعاتبة‬
‫واللوم‪ ،‬قــــال �أبو حيـــان‪ }« :‬ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ {[البقرة‪ ،]286:‬العفو‪ :‬ال�صفح عن‬
‫ال��ذن��ب‪ :‬و�إ�سقاط العقاب‪ ،‬وه��و ال يقت�ضي ال�سرت‪ ،‬يقال‪ :‬عفا عنه �إذا و ّقفه على‬
‫الذنب ثم �أ�سقط عنه عقوبة ذل��ك ال��ذن��ب‪ ،‬ف�س�ألوا الإ�سقاط للعقوبة �أو ًال؛ لأنه‬
‫الأه��م‪� ،‬إذ فيه التعذيب اجل�سماين‪ .‬والغفران‪� :‬سرت الذنب عليهم �صوناً لهم من‬
‫عذاب التخجيل»(‪ ،)24‬وقال ابن عرفة‪« :‬العفو‪ :‬عدم امل�ؤاخذة بال ّذنب‪ ،‬وال يلزم من‬
‫عدم امل�ؤاخذة �سرت؛ لأنه قد ال ي�ؤاخذه به و ُيظهره عليه‪ ،‬واملغفرة‪ :‬ال�سرت»(‪ ،)25‬وقال‬
‫ابن عادل‪« :‬العفو �أن ي�سقط عنه العقاب‪ ،‬واملغفرة �أن ي�سرت عليه جرمه �صوناً له‬
‫من عذاب ال َّت ْخجِ يل والف�ضيحة»(‪ ،)26‬وقال البقاعي‪ }« :‬ﰂ ﰃ{ �أي ارفع عنا‬
‫ال‪ ،‬فالأول العفو عن عقاب‬ ‫عقاب الذنوب كلها } ﰄ ﰅ{ �أي وال تذكرها لنا �أ�ص ً‬
‫اجل�سم‪ ،‬والثاين العفو عن عذاب الروح»(‪ ،)27‬وقال الرازي‪(« :‬العفو) �أن ي�سقط عنه‬
‫العقاب‪ ،‬و(املغفرة) �أن ي�سرت عليه جرمه �صوناً له من عذاب التخجيل والف�ضيحة‪،‬‬
‫علي‪ ،‬ف�إن اخلال�ص من‬ ‫ك�أن العبد يقول‪� :‬أطلب منك العفو‪ ،‬و�إذا عفوت عني فا�سرته َّ‬
‫ع��ذاب القرب �إمن��ا يطيب �إذا ح�صل عقيبه اخلال�ص من ع��ذاب الف�ضيحة‪ ،‬والأول‪:‬‬
‫(‪ )22‬تف�سري ال�سعدي (ف�صل يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص ‪.)17 :‬‬
‫(‪�( )23‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)90:‬‬
‫(‪ )24‬تف�سري (البحر املحيط) لأبي حيان عند تف�سري [البقرة‪. 286 :‬‬
‫(‪ )25‬تف�سري (التف�سري) البن عرفة عند تف�سري [البقرة‪. 286 :‬‬
‫(‪ )26‬تف�سري (اللباب يف علوم الكتاب) البن عادل عند تف�سري [البقرة‪. 286 :‬‬
‫(‪ )27‬تف�سري (نظم الدرر يف تنا�سب الآيات وال�سور) للبقاعي عند تف�سري [البقرة‪. 286 :‬‬
‫‪510‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫هو العذاب اجل�سماين‪ ،‬والثاين‪ :‬هو العذاب الروحاين»(‪ ،)28‬وقال الغزايل‪« :‬الغفران‬
‫ينبئ عن ال�سرت‪ ،‬والعفو ينبئ عن املحو‪ ،‬واملحو �أبلغ من ال�سرت»(‪ ،)29‬وقد ا�ستدرك‬
‫�شيخ الإ�سالم ابن تيمية‪ ،‬وتلميذه ابن القيم ‪ -‬رحمهما اهلل ‪ -‬على ه�ؤالء مفهوم (املغفرة)‪،‬‬
‫وذكرا �أنه �أو�سع مدلو ًال من (ال�سرت)‪ ،‬وي�شمل الوقاية من �شر الذنب برمته‪ ،‬مبحوه و�سرته‪،‬‬
‫يقول �شيخ الإ�سالم ابن تيمية‪« :‬و�إذا غفر الذنب زالت عقوبته‪ ،‬ف�إن املغفرة هي وقاية �شر‬
‫ب‪.‬‏ ومن النا�س من يقول‏‪:‬‏ الغفر ال�سرت‪ ،‬ويقول‏‪:‬‏ �إمنا �سمي املغفرة والغفار ملا فيه‬
‫الذن ‏‬
‫من معنى ال�سرت‪ ،‬وتف�سري ا�سم اللهّ (الغفار) ب�أنه ال�ستار‏‪ ،‬وهذا تق�صري يف معنى الغفر‪،‬‬
‫ف�إن املغفرة معناها وقاية �شر الذنب بحيث ال يعاقب على الذنب‪ ،‬فمن غفر ذنبه مل‬
‫يعاقب عليه‏‪ ،‬و�أما جمرد �سرته فقد يعاقب عليه يف الباطن‪ ،‬ومن عوقب على الذنب‬
‫باط ًنا �أو ظاه ًرا مل يغفر له‪ ،‬و�إمنا يكون غفران الذنب �إذا مل يعاقب عليه العقوبة‬
‫امل�ستحقة بالذنب»(‪ ،)30‬ويقول ابن القيم‪« :‬طلب املغفرة من اهلل هو حمو الذنب‪ ،‬و�إزالة‬
‫�أثره‪ ،‬ووقاية �شره‪ ،‬ال كما ظنه بع�ض النا�س‪� :‬أنها ال�سرت‪ ،‬ف�إن اهلل ي�سرت على من يغفر‬
‫له ومن ال يغفر له»(‪ ،)31‬وقد �أو�ضح �شيخ الإ�سالم ابن تيمية – رحمه اهلل‪� -‬أن (املغفرة)‬
‫�أعم و�أو�سع مدلو ًال من (العفو)‪ ،‬لزيادتها على حمو الذنب بالر�ضى والقبول‪ ،‬فقال عند‬
‫تف�سريه لقوله تعالى‪ } :‬ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ {[البقرة‪(« :]286:‬العفو) مت�ضمن لإ�سقاط‬
‫حقه ِق َبلهم وم�ساحمتهم ب��ه‪ ،‬و(املغفرة) مت�ضمنة لوقايتهم �شر ذنوبهم‪ ،‬و�إقباله‬
‫عليهم‪ ،‬ور�ضاه عنهم‪ ،‬بخالف (العفو) املجرد‪ ،‬ف�إن العايف قد يعفو‪ ،‬وال ُيقبل على من‬
‫عفا عنه‪ ،‬وال ير�ضى عنه‪ ،‬فالعفو ترك حم�ض‪ ،‬واملغفرة �إح�سان وف�ضل وجود»(‪،)32‬‬
‫وهذا ما يف�سر التدرج يف قوله تعالى ‪ } :‬ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ{[البقرة‪،]286:‬‬
‫وهو من قبيل التدرج من الفرع �إلى الأ�صل‪ ،‬ومن الأخ�ص فائدة �إلى الأعم‪ ،‬فطلب (العفو)‬
‫(‪ )28‬تف�سري (مفاتيح الغيب ‪ -‬التف�سري الكبري) للرازي عند تف�سري [البقرة‪. 256 :‬‬
‫(‪( )29‬املق�صد الأ�سنى) للغزايل (�ص‪،)124 :‬‬
‫(‪( )30‬جمموع الفتاوى) ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية (جـ‪� – 10 :‬ص‪،)317 :‬‬
‫(‪( )31‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ‪� - 1:‬ص‪.)307:‬‬
‫(‪( )32‬جمموع الفتاوى) ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية (جـ‪� -14 :‬ص‪( )140 :‬تف�سري �سورة البقرة)‪،‬‬
‫واب‬
‫الت ُ‬ ‫العفوُّ ‪ -‬الغَ ُفور ‪ -‬الغَ َّف ُ‬
‫ار ‪َّ -‬‬ ‫المجموعة الثامنة والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪511‬‬

‫وهو �إ�سقاط العقاب على الذنب‪ ،‬وم�ساحمتهم به‪ ،‬ومن ثم (املغفرة) املت�ضمنة لوقايتهم �شر‬
‫ذنوبهم‪ ،‬و�إقباله – �سبحانه‪ -‬عليهم‪ ،‬ور�ضاه عنهم‪ ،‬و�أخري ًا (الرحمة) املت�ضمنة للأمرين مع‬
‫زيادة الإح�سان والعطف والرب‪ ،‬فالثالثة تت�ضمن النجاة من ال�شر والفوز باخلري‪.‬‬
‫ومعلوم �أن كل فعل حمرم يرتكبه امل�سلم ف�إن له وزر ًا و�أثر ًا يتمثل يف عــــــدد اخلطايـــا‬
‫وال�سيئات املقدرة له‪ .‬فهنا فعل حمرم مدون يف كتاب الأعمال كما قال �سبحانه‪} :‬ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ{[اجلاثية‪ ،]29:‬وهنا ‪�-‬أي�ض ًا‪-‬‬
‫�سيئات مقدرة للفعل املحرم م�سجلة يف كتاب ال�سيئات‪ ،‬فاخت�ص (العفو) ب�إ�سقاط العقاب‬
‫مبحو �آثار الذنوب من ال�سيئات املقدرة يف كتاب ال�سيئات‪ ،‬مع بقاء الذنب كعمل وفعل يف‬
‫كتاب الأعمال‪ ،‬للعر�ض والتذكري به واملعاتبة عليه‪ ،‬بينما (املغفرة) وقاية �شر الذنب برمته‬
‫كتابي الأعمال وال�سيئات‪ ،‬يقول الر�ضواين‪ ..« :‬قال القرطبي‪( :‬كل من ا�ستحق‬ ‫وحموه من ْ‬
‫عقوبة فترُ ِكت له فقد ُعف َِي عنه‪ ،‬فالعفو‪ :‬محَ ْ � ُو الذنب)‪ ،‬واملق�صود مبحو الذنب‬
‫حمو الوزر‪� ،‬أي ال�سيئات املو�ضوعة على فعل الذنب ‪� ..‬أما الأفعال ذاتها املح�سوبة‬
‫باحلركات وال�سكنات فهي يف كتاب العبد حتى يلقى ربه‪ ،‬فيدنيه منه ويع ّرفه بذنبه‬
‫و�سوء فعله‪ ،‬ثم ي�سرتها عليه»(‪ ،)33‬وبهذا يتبني �أن املغفرة �أبلغ من العفو‪.‬‬
‫‪ æ‬ال َغ ُفور ‪ -‬ال َغ َّفا ُر‪( :‬ال َغ ُفور) يدل على املبالغة يف قوة و�صف املغفرة‪« ،‬ولذا ف�إن (ال َغ ُفور)‬
‫هو من يغفر الذنوب العظام‪ ،‬و(ال َغ َّفا ُر) يدل على املبالغة يف الكرثة على املغفرة وتكرارها‬
‫وقتاً بعد وقت‪ ،‬وهو من يغفر الذنوب الكثرية‪ ،‬فـ (ال َغ ُفور) للكيف يف الذنب‪ ،‬و(ال َغ َّفا ُر) للكم‬
‫فيه»(‪ ،)34‬يقول الغزايل‪(« :‬ال َغ ُفور) يدل على كرثة املغفرة بالإ�ضافة �إلى كرثة الذنوب‪ ،‬حتى‬
‫�أن من ال يغفر �إال نوعاً واحداً من الذنوب‪ ،‬فال يقال له‪ :‬الغفور‪ .‬و(ال َغ َّفا ُر) ي�شري �إلى كرثة‬
‫غفران الذنوب على �سبيل التكرار‪� ،‬أي يغفر الذنوب مرة بعد �أخ��رى‪ ،‬حتى �أن من يغفر‬
‫الذنوب جميعاً‪ ،‬ولكن �أول مرة‪ ،‬وال يغفر للعائد �إلى الذنب مرة بعد �أخرى؛ مل ي�ستحق‬
‫(‪�( )33‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)339:‬العفو) (بت�صرف ي�سري)‪.‬‬
‫(‪�( )34‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)663 - 662 :‬الغفار)‬
‫‪512‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ا�سم الغفار»(‪ ،)35‬وقال يف مو�ضع �آخر‪(« :‬ال َغ َّفا ُر) مبالغة يف املغفرة‪ ،‬بالإ�ضافة �إلى مغفرة‬
‫متكررة مرة بعد �أخرى‪ ،‬فال َف َّعال ُي ْنبئ عن كرثة الفعل‪ ،‬وال َف ُعول ُي ْنبئ عن جودته وكماله‬
‫و�شموله‪ ،‬فهو ( َغ ُفو ٌر) مبعنى تام الغفران كامله‪ ،‬حتى يبلغ �أق�صى درجات املغفرة»(‪.)36‬‬
‫‪ æ‬ال َغفُ ور ‪ -‬الت ُ‬
‫َّواب‪( :‬التَّوبة) تت�ضمن املغفرة �إال �أن جزاءها يزيد يف تبديل‬
‫ال�سيئات باحل�سنات‪ ،‬وكما هو مقرر ف��إن (التوبة) تت�ضمن �أم��ر ًا ما�ضي ًا وحا�ضر ًا‬
‫وم�ستقب ًال‪ ،‬فالندم على الذنب يف املا�ضي‪ ،‬والإقالع عنه يف احلا�ضر‪ ،‬والعزم على عدم‬
‫العودة‪ ،‬مع اجلزم على الإتيان بامل�أمور يف امل�ستقبل‪ ،‬و�أما (اال�ستغفار) فهو عن �أمر‬
‫ما�ض؛ ولذا فقد ي�ستغفر العبد ومل يتب كما هو حال كثري من النا�س‪ ،‬يقول ابن القيم‪:‬‬
‫«�إن املذنب مبنزلة من ركب طريقا ت�ؤديه �إلى هالكه‪ ،‬وال تو�صله �إلى املق�صود‪،‬‬
‫فهو م�أمور �أن يوليها ظهره ويرجع �إلى الطريق التي فيها جناته‪ ،‬والتي تو�صله‬
‫�إلى مق�صوده وفيها فالحه‪ ،‬فههنا �أمران ال بد منهما‪ :‬مفارقة �شيء والرجوع‬
‫�إلى غريه‪ ،‬فخ�صت التوبة بالرجوع واال�ستغفار باملفارقة»(‪ .)37‬واهلل ‪�-‬سبحانه‪-‬‬
‫يقبل توبة عبده �إذا تاب‪ ،‬وهذا من مقت�ضيات ا�سمه (ال َّت َّواب)‪.‬‬
‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬
‫‪ æ‬ال َعف ُّو‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال َعف ّو) «�صفة (ا ْل َع ْفو َوالمْ ُ َعا َفاة)‬
‫وهي �صفة فعلية ثابتة هلل بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)38‬قال تعالى‪ } :‬ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ‬
‫ﰍ{[البقرة‪ ،]286:‬ومن ال�سنة دعا�ؤه ‪ ¤‬على اجلنازة‪(:‬اللهم اغفر له‪،‬‬
‫وارحمه‪ ،‬وعافه واعف عنه)(‪ ،)39‬وقوله ‪(:¤‬اللهم �إين �أعوذ بر�ضاك من �سخطك‪،‬‬
‫ومبعافاتك من عقوبتك)(‪ ،)40‬وال ي�ستعاذ �إال باهلل �أو ب�صفة من �صفاته‪.‬‬
‫(‪( )35‬املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص‪.)41:‬‬
‫(‪( )36‬املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص‪.)95:‬‬
‫(‪( )37‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ‪� - 1:‬ص‪.)308:‬‬
‫(‪�( )38‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)183 :‬‬
‫(‪ )39‬رواه م�سلم برقم (‪.)963‬‬
‫(‪ )40‬رواه م�سلم برقم (‪.)486‬‬
‫واب‬
‫الت ُ‬ ‫العفوُّ ‪ -‬الغَ ُفور ‪ -‬الغَ َّف ُ‬
‫ار ‪َّ -‬‬ ‫المجموعة الثامنة والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪513‬‬

‫‪ æ‬ال َغ ُفو ُر ‪ -‬ال َغفَّا ُر‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سميه ‪�-‬سبحانه (ال َغ ُفور ‪ -‬ال َغ َّفار)‬
‫«�صفة (المْ َ ْغ ِف َرة َوا ْل� ُغ� ْف� َران) وهي �صفة فعلية ثابتة هلل بالكتاب وال�سنة»(‪،)41‬‬
‫ق��ال اهلل تعالى‪ } :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ{[الق�ص�ص‪ ،]16:‬ومن ال�سنة دع��ا�ؤه ‪(:¤‬اللهم اغفر يل خطيئتي وجهلي‪،‬‬
‫و�إ�سرايف يف �أمري‪ ،‬وما �أنت �أعلم به مني ‪.)42()..‬‬
‫اب‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (التَّواب) «�صفة (ال َّت ْوب) وهي‬ ‫‪ æ‬ال َّت َّو ُ‬
‫�صفة فعلية ثابتة هلل بالكتاب وال�سنة»(‪ ،)43‬قال تعالى‪} :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ{[التوبة‪،]117:‬‬
‫ومن ال�سنة قوله ‪(:¤‬لو �أنَّ البن �آدم وادي ًا من ذهب �أحب �أن يكون له واديان‪ ،‬ولن‬
‫ويتوب اهلل على من تاب)(‪.)44‬‬
‫ُ‬ ‫ميلأ فاه �إال الرتاب‪،‬‬
‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬
‫‪ æ‬القدير‪ :‬ورد االقرتان مع (ال َعف ّو) مرة واحدة يف قوله تعالى‪ }:‬ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ{ [الن�ساء‪ ،]149:‬وحكمة ذلك ‪-‬‬
‫واهلل �أعلم ‪ -‬الإ�شارة �إلى �أن عفو اهلل عن ذنوب عباده �صادر عن قادر على �إنزال العقوبة‪،‬‬
‫«والعفو املمدوح هو الذي ي�صدر عن قادر على االنتقام ثم هو يعفو»(‪ ،)45‬فالقدرة بال‬
‫عفو نق�ص‪ ،‬والعفو بال قدرة ي�ستلزم عجز ًا‪ ،‬والعفو مع القدرة غاية الكمال‪.‬‬
‫‪ æ‬الغفور‪ :‬ورد االقرتان مع (ال َعف ّو) (‪ 4‬مرات) منها قوله تعالى‪ }:‬ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ{ [الن�ساء‪ ،]99:‬واحلكمة من ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم – ما‬
‫�أ�شرنا �إليه عند حديثنا عن الفرق بني (العفو ) و(الغفور) و�أن املق�صود هو التدرج من الفرع‬
‫�إلى الأ�صل‪ ،‬ومن الأخ�ص فائدة �إلى الأعم‪ ،‬فاهلل ي�سامح على الذنب ويقبل على العبد‪ ،‬فاخت�ص‬
‫(‪�( )41‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)235 :‬‬
‫(‪ )42‬رواه م�سلم برقم (‪.)2719‬‬
‫(‪�( )43‬صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص‪.)77 :‬‬
‫(‪ )44‬رواه البخاري برقم (‪ )6439‬وم�سلم برقم (‪.)1048‬‬
‫(‪( )45‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪.)425 :‬‬
‫‪514‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫(العفو) ب�إ�سقاط العقاب عن الذنب‪ ،‬وامل�ساحمة به‪ ،‬وت�ضمنت (املغفرة) الوقاية من �شر الذنب‪،‬‬
‫والإقبال على امل�ستغفر والر�ضى عنه‪ ،‬كما قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية‪(« :‬العفو) مت�ضمن‬
‫لإ�سقاط حقه ِق َبلهم وم�ساحمتهم به‪ ،‬و(املغفرة) مت�ضمنة لوقايتهم �شر ذنوبهم‪ ،‬و�إقباله‬
‫عليهم‪ ،‬ور�ضاه عنهم‪ ،‬بخالف (العفو) املجرد‪ ،‬ف�إن العايف قد يعفو وال يُقبل على من عفا‬
‫عنه‪ ،‬وال ير�ضى عنه‪ ،‬فالعفو ترك حم�ض‪ ،‬واملغفرة �إح�سان وف�ضل وجود»(‪.)46‬‬
‫‪ æ‬الكرمي‪ :‬ورد االقرتان مع (ال َعف ّو) يف �إحدى روايات الرتمذي حلديث عائ�شة‬
‫يف دعاء ليلة القدر وفيه قوله ‪( : ¤‬قويل‪ :‬اللهم �إنك عفو [كرمي] حتب العفو فاعف‬
‫عني)(‪ ،)47‬وال �شك �أن عفو اهلل ومغفرته ما هو �إال �أث ٌر من �آثار كرمه وف�ضله ورحمته‪� ،‬إال �أن‬
‫زيادة (كرمي) يف احلديث بعد قوله (عفو) ال �أ�صل لها حيث ورد احلديث من طرق عديدة‪،‬‬
‫وخرجه �أ�صحاب اجلوامع وال�سنن وامل�سانيد‪ ،‬دون زيادة ا�سم (كرمي)‪.‬‬
‫‪ æ‬الرحيم‪ :‬ورد االقرتان مع (ال َغ ُفور) (‪ 71‬مرة) منها قوله تعالى‪ }:‬ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ{ [البقرة‪ ،]192:‬ومرة واحدة مع �صفة الرحمة العامة يف قول اهلل تعالى‪:‬‬
‫} ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ{[الكهف‪ ،]58:‬وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬الإ�شارة‬
‫�إلى «�أن مغفرة اهلل لعبده مع ا�ستحقاقه للعقوبة مبقت�ضى عدله؛ �إن هو �إال �أثر‬
‫من �آثار رحمته �سبحانه»(‪ .)48‬والإ�شارة كذلك �إلى «�أن وراء املغفرة مناز َل رفيعة من‬
‫الإكرام‪ ،‬ودرجات عليا من الف�ضل والإنعام‪ ،‬ويف ذلك تقوية لداعي الرجاء يف ح�صول‬
‫املغفرة‪ٌ ،‬‬
‫وحث على التعر�ض ملزيد من الرحمة بالإقبال على العمل ال�صالح‪ ،‬والإكثار‬
‫من الطاعات»(‪ ،)49‬ولعل احلكمة يف تقدمي (الغفور) على (الرحيم) �أن املغفرة تخلية‬
‫(‪( )46‬جمموع الفتاوى) ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية (جـ‪� – 14 :‬ص‪( )140 :‬تف�سري �سورة البقرة)‪،‬‬
‫(‪ )47‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (‪ ،)3513‬ثم نبه ال�شيخ الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة �إلى اخلط�أ‬
‫يف زيادة ا�سم (الكرمي) يف احلديث وقال‪« :‬وقع يف �سنن الرتمذي بعد قوله‪( :‬عفو) زيادة‪( :‬كرمي)! وال �أ�صل لها يف �شيء من‬
‫امل�صادر املتقدمة‪ ،‬وال يف غريها ممن نقل عنها‪ ،‬فالظاهر �أنها مدرجة من بع�ض النا�سخني �أو الطابعني» حتى قال‪« :‬و�أما التحقيق‬
‫فيقت�ضي عدم ذكرها مطلق ًا؛ �إال لبيان �أنه ال �أ�صل لها» ال�سل�سلة ال�صحيحة (جـ‪� -7:‬ص‪ )1012 - 1011:‬برقم احلديث‪.)3337( :‬‬
‫(‪( )48‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪.)147 :‬‬
‫(‪( )49‬مطابقة �أ�سماء اهلل احل�سنى) للدكتورة جنالء كردي (�ص‪.)321 :‬‬
‫واب‬
‫الت ُ‬ ‫العفوُّ ‪ -‬الغَ ُفور ‪ -‬الغَ َّف ُ‬
‫ار ‪َّ -‬‬ ‫المجموعة الثامنة والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪515‬‬

‫و�سالمة من الوزر والذنوب‪ ،‬والرحمة حتلية وغنيمة من الأجر والثواب‪ ،‬والتخلية مقدمة‬
‫على التحلية‪ ،‬وال�سالمة مطلوبة قبل الغنيمة‪ ،‬ويف ذلك يقول ابن القيم‪« :‬وملا كان دفع ال�شر‬
‫مقد ًما على جلب اخلري قدم ا�سم (ال َغ ُفور) على (الرحيم) حيث وقع»(‪.)50‬‬
‫‪ æ‬احلليم‪ :‬ورد االقرتان مع (ال َغ ُفور) (‪ 4‬مرات) منها قوله تعالى‪ }:‬ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮟ {[البقرة‪ ،]235:‬وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬الإ�شارة �إلى «�أن من مقت�ضى‬
‫حلمه ‪� -‬سبحانه ‪� -‬أنه يغفر ذنوب عباده‪ ،‬ويتوب عليهم‪ ،‬وال ي�ؤاخذهم عليها»(‪،)51‬‬
‫ويقول ابن عا�شور‪�« :‬إنه (احلليم) �سبحانه‪ -‬الذي ال ي�ستفزه التق�صري يف جانبه‪ ،‬وال‬
‫يغ�ضب للفعلة‪ ،‬ويقبل املعذرة‪ ،‬وبالتايل ف��إن من مقت�ضيات حلمه ‪�-‬سبحانه‪� -‬أن‬
‫يغفر ذنوب عباده‪ ،‬ويتوب عليهم‪ ،‬وال ي�ؤاخذهم عليها»(‪.)52‬‬
‫‪ æ‬ال�شكور‪ :‬ورد االقرتان مع (ال َغ ُفور) (‪ 3‬مرات) منها قوله تعالى‪ }:‬ﯽ‬
‫ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ{[فاطر‪ ،]30:‬وال�سر يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬الإ�شارة‬
‫�إلى �أن اهلل «يغفر ذنوب عباده وي�صفح عن �سيئاتهم‪ ،‬و�إذا �أح�سنوا وعملوا �صا ً‬
‫حلا مل‬
‫تكن ذنوبهم ال�سالفة لتحول بينهم وبني ثواب اهلل لهم‪ ،‬و�شكره على طاعتهم له»(‪.)53‬‬
‫‪ æ‬الودود‪ :‬ورد االقرتان مع (ال َغ ُفور) مرة واحدة يف قوله تعالى‪ }:‬ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ{ [الربوج ‪ ،]14-13:‬وال�سر يف ذلك ‪-‬واهلل �أعلم‪ -‬للداللة على‬
‫�أن مغفرته لعباده‪ ،‬وقبوله لتوبتهم هي من موجبات حمبته للم�ستغفرين املنيبني‪ ،‬وكما قال‬
‫ابن القيم‪« :‬ف�إن الرجل قد يغفر ملن �أ�ساء �إليه وال يحبه‪ ،‬وكذلك قد يرحم من ال‬
‫يحب‪ ،‬والرب ‪-‬تعالى‪ -‬يغفر لعبده �إذا تاب �إليه‪ ،‬ويرحمه ويحبه مع ذلك‪ ،‬ف�إنه يحب‬
‫التوابني‪ ،‬و�إذا تاب �إليه عبده �أحبه ولو كان منه ما كان»(‪.)54‬‬
‫(‪( )50‬بدائع الفوائد) البن القيم (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)80 :‬‬
‫(‪( )51‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪.)564 :‬‬
‫(‪ )52‬تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور عند تف�سري [البقرة‪. 225:‬‬
‫(‪( )53‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪.)575 :‬‬
‫(‪( )54‬التبيان يف �أميان القر�آن) البن القيم (�ص‪.)146:‬‬
‫‪516‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪ æ‬الرحيم‪ :‬ورد االقرتان مع (ال َّت َّواب) (‪ 9‬مرات) منها قوله تعالى‪ }:‬ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ{[التوبة‪ ,]104:‬وال�سر يف ذل��ك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬الإ��ش��ارة‬
‫�إل��ى �أن «توفيق اهلل لعباده �إل��ى التوبة‪ ،‬ثم قبولها منهم‪ ،‬وتوبته عليهم‪،‬‬
‫مع ا�ستحقاقهم للعقوبة مبقت�ضى عدله ‪�-‬سبحانه‪ ،‬ما هو �إال �أث��ر من �آث��ار‬
‫رحمته»(‪.)55‬‬
‫‪ æ‬احلكيم‪ :‬ورد االقرتان مع (ال َّت َّواب) مرة واحدة بعد ذكر احلدود ال�شرعية يف زنى‬
‫ح�صن‪ ،‬وقذف املح�صنات‪ ،‬و�أحكام املالعنة‪ ،‬يف قوله تعالى‪ }:‬ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ‬ ‫غري املُ َ‬
‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ{ [النور‪ ,]10:‬ولعل احلكمة من االقرتان الإ�شارة �إلى �أن‬
‫ت�شريع تلك احلدود كان من �أجل ا�ست�صالح النا�س‪ ،‬و�صيانة املجتمعات‪ ،‬وحفظ الأعرا�ض‪،‬‬
‫والتوبة على املذنبني وهذا من كمال حكمته �سبحانه‪ ،‬قال الزرك�شي‪ « :‬ف�إِ َّن الذي َيظه ُر‬
‫ا�صلَ َة‪ } :‬ﭲ ﭳ{؛ لأن الرحم َة منا�سب ٌة للتوبة‪ ،‬وخ�صو�صاّ‬ ‫يف �أ َّولِ ال َّنظ ِر �أن ا ْل َف ِ‬
‫دقيق من �أجله قال‪} :‬ﰊ{ وهو‬ ‫ولكن ههنا معنى ٌ‬ ‫من هذا ال َّذ ْن ِب العظيم‪َّ ،‬‬
‫�أن ُي َن ِّب َه على فائدة م�شروعي ِة ال ِّل َعانِ وهي َّ‬
‫ال�سترْ ُ عن هذه الفاح�شة العظيمة‪ ،‬وذلك‬
‫يم الحْ ِ َك ِم‪ ،‬فلهذا كان }ﰊ{ بليغاّ يف هذا املقام دون } ﭳ{»(‪،)56‬‬ ‫من عَظِ ِ‬
‫وقال ابن عا�شور‪« :‬هذا تذييل لمِ َا م َّر من الأحكام العظيمة امل�شتملة على التف�ضل من‬
‫اهلل والرحمة منه‪ ،‬وامل�ؤذنة ب�أنه تواب على من تاب من عباده‪ ،‬واملثبتة بكمال حكمته‬
‫‪-‬تعالى‪� -‬إذ و�ضع ال�شدة مو�ضعها‪ ،‬والرفق مو�ضعه‪ ،‬وكف بع�ض النا�س عن بع�ض‪،‬‬
‫فلما دخلت تلك الأحكام حتت كل هذه ال�صفات كان ذكر ال�صفات تذيي ً‬
‫ال‪ ...‬ويف‬
‫ذكر و�صف (احلكيم) هنا مع و�صف (تواب) �إ�شارة �إلى �أن يف هذه التوبة حكمة‪ ،‬وهي‬
‫ا�ست�صالح النا�س»(‪.)57‬‬
‫(‪( )55‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪ )150-149:‬بت�صرف ي�سري‪.‬‬
‫(‪( )56‬الربهان يف علوم القر�آن) للزرك�شي‪( :‬جـ‪� - 1:‬ص‪.)91 :‬‬
‫(‪ )57‬تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور عند تف�سري [النور‪ :‬الآية ‪. 10‬‬
‫واب‬
‫الت ُ‬ ‫العفوُّ ‪ -‬الغَ ُفور ‪ -‬الغَ َّف ُ‬
‫ار ‪َّ -‬‬ ‫المجموعة الثامنة والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪517‬‬

‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪:‬‬


‫‪ æ‬الأثر العلمي االعتقادي‪:‬‬
‫اهلل هو الذي مل يزل ‪-‬وال يزال‪ -‬بالعفو معروف ًا‪ ،‬وبالغفران وال�صفح عن عباده‬
‫مو�صوف ًا‪ ،‬كل �أحد م�ضطر �إلى عفوه ومغفرته‪ ،‬كما هو م�ضطر �إلى رحمته وكرمه‪ ،‬وقد‬
‫وعد باملغفرة والعفو ملن �أتى ب�أ�سبابها‪ ،‬فهو ‪�-‬سبحانه‪ -‬قابل الدعاء بالعطاء‪ ،‬واالعتذار‬
‫باالغتفار‪ ،‬والإنابة بالإجابة‪ ،‬والتوبة بغفران احلوبة‪ ،‬و�إذا تاب العبد �إلى اهلل ب�س�ؤاله‪ ،‬تاب‬
‫اهلل عليه بنواله وعطاياه‪ ،‬وكلما تكررت التوبة تكرر القبول‪.‬‬

‫‪ æ‬الأثر العملي‪:‬‬
‫‪ 1.1‬حمبة اهلل وح�م��ده و�شكره على رحمته لعباده‪ ،‬وغفرانه لذنوبهم‪ ،‬وعفوه‬
‫ملعا�صيهم‪ ،‬وتوبته على ظلمهم‪ ،‬مع ظهور �آثار هذا ال�شكر واحلمد واملحبة على‬
‫امل�ؤمن يف توقي معا�صي اهلل يف جميع �ش�ؤون احلياة‪ ،‬ومتى ما ز ّلت القدم ووقع‬
‫امل�ؤمن يف الذنب‪ ،‬فليتذكر �أ�سماء اهلل (الغفور الغفار العفو التواب) ‪ ،‬ويطرد‬
‫الي�أ�س والقنوط من قلبه‪ ،‬ويح�سن الظن بربه الذي يغفر الذنوب جمي ًعا‪.‬‬
‫‪2.2‬فتح باب الأمل والرجاء يف مغفرة الذنوب‪ ،‬والبعد عن القنوط وتعاظم غفران‬
‫الذنوب مهما كربت �أو كرثت كما قال تعالى‪ }:‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ{[الزمر‪ .]53 :‬‬
‫‪3.3‬الإكثار من الأعمال ال�صاحلة واحل�سنات؛ لأنها من �أ�سباب احل�صول على مغفرة‬
‫اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬لل�سيئات ال�سالفة؛ قال اهلل ‪} :‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ{[طه‪.]82:‬‬
‫‪518‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪4.4‬تعظيم اهلل ‪�-‬سبحانه‪ ،‬وعدم التجر�ؤ على املعا�صي اتكا ًال على مغفرته ورحمته‪،‬‬
‫واعتماد ًا على عفوه وكرمه‪ ،‬و�أن ذلك من �سوء الظن باهلل ‪�-‬سبحانه‪ ،‬يقول ابن‬
‫القيم‪« :‬بل ح�سن الظن ينفع من تاب وندم‪ ،‬و�أقلع وبدل ال�سيئة باحل�سنة‪،‬‬
‫وا�ستقبل بقية عمره باخلري وال�ط��اع��ة‪ ،‬ث��م �أح�سن الظن بعدها‪ ،‬فهذا‬
‫ح�سن ظن‪ ،‬والأول غرور‪ ،‬قال تعالى‪}:‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ{‬
‫[البقرة‪ ،]218:‬فجعل ه��ؤالء �أهل الرجاء ال البطالني والفا�سقني‪ ،‬وقال‬
‫تعالى‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ{[النحل‪ ،]119 :‬ف�أخرب‬
‫‪�-‬سبحانه‪� -‬أن��ه بعد ه��ذه الأ�شياء غفور رحيم ملن فعلها‪ ،‬فالعالمِ ي�ضع‬
‫الرجاء موا�ضعه‪ ،‬واجلاهل املغرت ي�ضعه يف غري موا�ضعه»(‪.)58‬‬
‫‪5.5‬احلياء من اهلل الرب الرحيم التواب الغفور الذي يفرح بتوبة عبده‪ ،‬وهذا‬
‫احلياء �إذا متكن من القلب �أثمر تعظي ًما هلل وحيا ًء منه‪ ،‬ومبادرة �إلى طاعته‬
‫وترك معا�صيه قدر اجلهد واال�ستطاعة‪.‬‬
‫‪6.6‬جماهدة النف�س على التخلق بخلق ال�صفح عن النا�س و�سرت �أخطائهم وعوراتهم‪،‬‬
‫والعفو عنهم‪ ،‬ومقابلة ال�سيئة باحل�سنة‪ ،‬قال ‪( :¤‬ومن �سرت م�سل ًما �سرته اهلل‬
‫يوم القيامة)(‪.)59‬‬
‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫(العفو ‪ -‬ال َغ ُفور ‪ -‬ال َغ َّفا ُر ‪ -‬الت ُ‬
‫َّواب) من �أ�سماء الأفعال الدالة على �صفات اهلل الفعلية‬
‫(ا ْل َع ْفو َو المْ ُ َعا َفاة ‪ -‬المْ َ ْغ ِف َرة َو ا ْل ُغ ْف َران ‪ -‬ال َّت ْوب)‪ ،‬وهي �صفات تتعلق بامل�شيئة‪� ،‬إن �شاء اهلل‬
‫فعلها ‪� -‬سبحانه ‪ -‬و�إن �شاء مل يفعلها؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل ‪�-‬سبحانه وتعالى‪-‬‬
‫(‪( )58‬اجلواب الكايف) البن القيم (�ص‪.)26 :‬‬
‫(‪ )59‬رواه البخاري برقم (‪ )2442‬ورواه م�سلم برقم (‪.)2580‬‬
‫واب‬
‫الت ُ‬ ‫العفوُّ ‪ -‬الغَ ُفور ‪ -‬الغَ َّف ُ‬
‫ار ‪َّ -‬‬ ‫المجموعة الثامنة والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪519‬‬

‫والثناء عليه‪ ،‬والتو�سل �إليه بهذه الأ�سماء‪ ،‬يف حاجات العبد التي تنا�سب معانيها‪ ،‬كاحلالة‬
‫التي ي�شعر فيها العبد بالندم على ما اقرتفت يداه من الذنوب واملعا�صي‪ ،‬وظلمه لنف�سه‪،‬‬
‫‪ }:‬ﮇ‬ ‫وتق�صريه يف حق ربه ‪�-‬سبحانه وتعالى‪ -‬ومن ذلك قوله ‪-‬تعالى‪ -‬عن مو�سى‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ{[الق�ص�ص‪ ،]16:‬وقد‬
‫دعا اهلل عباده �إلى ا�ستغفاره عند عمل ال�سوء �أو ظلم النف�س بالذنوب فقال �سبحانه‪}:‬ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ{[الن�ساء‪،]110:‬‬
‫وجاء عن �أبي هريرة ‹‪� :‬أن ر�سول اهلل ‪ ¤‬كان يقول يف �سجوده‪(:‬اللهم اغفر يل ذنبي‬
‫كله‪ِ ،‬د ّقه وجله‪ ،‬و�أوله و�آخره‪ ،‬وعالنيته و�سره)(‪.)60‬‬

‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬


‫‪ æ‬قال النبي ‪�( :¤‬أذنب عبد ذن ًبا فقال‪ :‬اللهم اغفر يل ذنبي‪ ،‬فقال اهلل تبارك‬
‫وتعالى‪� :‬أذنب عبدي ذن ًبا‪ ،‬فعلم �أن له ر ًّبا يغفر الذنب وي�أخذ بالذنب‪ ،‬ثم عاد‬
‫ف�أذنب فقال‪� :‬أي ربي اغفر يل ذنبي‪ ،‬فقال تبارك وتعالى‪� :‬أذنب عبدي ذن ًبا‪ ،‬فعلم‬
‫�أن له ر ًّبا يغفر الذنب وي�أخذ بالذنب‪ ،‬ثم عاد ف�أذنب فقال‪� :‬أي ربي اغفر يل ذنبي‬
‫فقال تبارك وتعالى‪� :‬أذنب عبدي ذن ًبا‪ ،‬فعلم �أن له ر ًّبا يغفر الذنب وي�أخذ بالذنب‪،‬‬
‫قد غفرت لعبدي فليعمل ما �شاء)(‪.)61‬‬
‫‪ æ‬كان رجل من �أهل ال�شام ذا ب�أ�س‪ ،‬وكان يفد �إلى عمر بن اخلطاب ‹‪ ،‬ففقده‬
‫عمر!‪ ،‬فقال‪ :‬ما فعل ف�لان بن فالن؟ فقالوا‪ :‬يا �أمري امل�ؤمنني تتابع يف هذا ال�شراب‬
‫(يق�صدون اخلمر)!‪ ،‬فدعا عمر كاتبه‪ ،‬وقال‪ :‬اكتب‪ :‬من عمر بن اخلطاب �إلى فالن‬
‫بن ف�لان‪� ،‬سالم عليك‪ ،‬ف��إين �أحمد �إليك اهلل ال��ذي ال �إل��ه �إال ه��و‪ } :‬ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ{ [غافر‪ ،]3:‬ثم قال‬
‫لأ�صحابه‪ :‬ادعوا اهلل لأخيكم �أن ُيقبل بقلبه‪ ،‬ويتوب اهلل عليه‪ ،‬فلما بلغ الرجل كتاب‬
‫(‪ )60‬رواه م�سلم برقم (‪.)483‬‬
‫(‪ )61‬متفق عليه‪� :‬أخرجه البخاري برقم (‪ )7507‬وم�سلم برقم (‪.)2758‬‬
‫‪520‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫عمر ‹‪ ،‬جعل يقر�أه ويردده ويقول‪ } :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ{ ‪ ،‬قد‬


‫حذرين عقوبته‪ ،‬ووعدين �أن يغفر يل‪ ،‬فلم يزل يرددها على نف�سه‪ ،‬ثم بكى!‪ ،‬ثم نزع ف�أح�سن‬
‫النزع‪ ،‬فلما بلغ عمر خربه قال‪ :‬هكذا فا�صنعوا‪� ،‬إذا ر�أيتم �أخ�اً لكم زل زلة‪ ،‬ف�سددوه‬
‫ووفقوه وادعوا اهلل له �أن يتوب عليه‪ ،‬وال تكونوا �أعواناً لل�شيطان عليه»(‪.)62‬‬
‫‪ æ‬قال تعالى‪ } :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ{[اال�سراء‪ ،]25:‬يف تف�سري (الأ َّواب)‬
‫يقول �سعيد بن امل�سيب‪« :‬هو الرجل يذنب ذنباً ثم يتوب‪ ،‬ثم يذنب ثم يتوب»(‪.)63‬‬
‫‪ æ‬قال الربيع بن �صبيح‪�« :‬شكا رج� ٌل �إل��ى احل�سن الب�صري اجلدوبة‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫ا�ستغفر اهلل‪ ,‬و�شكا �آخر �إليه‪ :‬الفقر‪ ,‬فقال له‪ :‬ا�ستغفر اهلل‪ ،‬وقال له �آخر‪ :‬ادع اهلل �أن‬
‫يرزقني ولداً‪ ،‬فقال له‪ :‬ا�ستغفر اهلل‪ ،‬و�شكا �إليه �آخر‪ :‬جفاف ب�ستانه‪ ،‬فقال له‪ :‬ا�ستغفر‬
‫اهلل‪ ،‬فقلت للح�سن‪� :‬أتاك رجال ي�شكون �أنواعاً ف�أمرتهم كلهم باال�ستغفار!‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬
‫قلت من عندي �شيئاً‪� ،‬إن اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬يقول يف �سورة (نوح)‪ } :‬ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﭑ ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ{[نوح‪.)64(»]12 - 10 :‬‬
‫‪ æ‬قال بكر بن �سليمان ال�صواف‪« :‬دخلنا على مالك بن �أن�س يف الع�شية التي ُقب�ض‬
‫فيها‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا �أبا عبد اهلل! كيف جتدك؟‪ ،‬قال‪ :‬ما �أدري ما �أقول لكم؟‪� ،‬إال �أنكم �ستعاينون‬
‫غدا من عفو اهلل ما مل يكن لكم يف ح�ساب! قال‪ :‬ثم ما برحنا حتى �أغم�ضناه»(‪.)65‬‬
‫‪ æ‬قال البخاري‪� :‬سمعت بع�ض �أ�صحابنا يقول‪ :‬عاد حماد بن �سلمة �سفيان الثوري‪،‬‬
‫فقال �سفيان‪« :‬يا �أبا �سلمة‪� ،‬أترى اهلل يغفر ملثلي؟!‪ ،‬فقال حماد‪ :‬واهلل لو خريت بني‬
‫(‪( )62‬حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ‪� – 4 :‬ص‪ ،)98 -97 :‬وذكره ابن كثري يف تف�سريه عند‬
‫تف�سري الآية (‪ )3‬من �سورة (غافر)‪.‬‬
‫(‪ )63‬تف�سري (جامع البيان) للطربي عند تف�سري‪�( :‬سورة الإ�سراء ‪ -‬الآية‪.)25 :‬‬
‫(‪ )64‬تف�سري (اجلامع لأحكام القر�آن) للقرطبي‪ ،‬وتف�سري (لباب الت�أويل يف معاين التنزيل) للخازن عند تف�سري (�سورة نوح‬
‫– الآيات‪.)12-10 :‬‬
‫(‪()65‬ح�سن الظن باهلل) البن �أبي الدنيا (�ص‪ )61 :‬رقم الأثر (‪.)85‬‬
‫واب‬
‫الت ُ‬ ‫العفوُّ ‪ -‬الغَ ُفور ‪ -‬الغَ َّف ُ‬
‫ار ‪َّ -‬‬ ‫المجموعة الثامنة والعشرون ‪َ :‬‬ ‫‪521‬‬

‫حما�سبة اهلل �إياي‪ ،‬وبني حما�سبة �أبوي‪ ،‬الخرتت حما�سبة اهلل؛ وذلك لأن اهلل �أرحم‬
‫بي من �أبوي»(‪.)66‬‬
‫‪ æ‬قال عبدال�صمد بن يزيد‪� :‬سمعت الف�ضيل بن عيا�ض يقول‪�« :‬إذا �أتاك رجل ي�شكو‬
‫�إليك رج ًال؛ فقل‪ :‬يا �أخي اعف عنه‪ ،‬ف�إن العفو �أقرب للتقوى‪ ،‬ف�إن قال‪ :‬ال يحتمل‬
‫قلبي العفو‪ ،‬ولكن �أنت�صر كما �أم��رين اهلل قل‪ :‬ف��إن كنت حت�سن تنت�صر مث ً‬
‫ال‬
‫مبثل‪ ،‬و�إال فارجع �إلى باب العفو‪ ،‬ف�إنه باب �أو�سع‪ ،‬ف�إنه من عفا و�أ�صلح ف�أجره على‬
‫اهلل‪ ،‬و�صاحب العفو ينام الليل على فرا�شه‪ ،‬و�صاحب االنت�صار يقلب الأمور»(‪.)67‬‬
‫‪« æ‬خطب اخلليفة الأموي عبدامللك بن مروان خطبة بليغة‪ ،‬ثم قطعها وبكى بكاء‬
‫�شديد ًا!‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا رب!‪� ،‬إن ذنوبي عظيمة‪ ،‬و�إن قليل عفوك �أعظم منها‪ ،‬فامح بقليل‬
‫عفوك عظيم ذنوبي‪ ،‬فبلغ ذلك احل�سن الب�صري فبكى!‪ ،‬وق��ال‪ :‬لو كان كالم يكتب‬
‫بالذهب لكتب هذا الكالم»(‪.)68‬‬
‫‪ æ‬قال �سفيان بن عيينة‪َ :‬كانَ دعاء مطرف ْبن َع ْبد اللهَّ ِ ‪« :‬ال َّل ُه َّم �إين �أ�ستغفرك‬
‫مما تبت �إليك منه ُث َّم عدت فيه‪ ،‬و�أ�ستغفرك مما جعلته َلك َعلَى نف�سي ُث َّم مل �أف‬
‫ِبهِ‪ ،‬و�أ�ستغفرك مما زعمت �أين �أردت ِب ِه وجهك فخالط قلبي فيه َما قد علمت» وقال‬
‫حممد بن وا�سع‪ :‬كان مطرف بن عبداهلل يقول‪« :‬اللهم ار���ض عنا‪ ،‬ف��إن مل تر�ض عنا‬
‫فاعف عنا‪ ،‬ف�إن املولى يعفو عن عبده وهو عنه غري را�ض»(‪.)69‬‬
‫‪ æ‬ملا �أخرج ال�سلطان «ابن قلوون» �شيخ الإ�سالم ابن تيمية من �سجنه يف م�صر‪،‬‬
‫طلب منه �أن يفتيه بقتل من �آذاه من العلماء والق�ضاة الواقعني يف البدعة‪ ،‬والذين �أفتوا‬
‫بقتل ابن تيمية مرار ًا! ّ‬
‫فعظم �شيخ الإ�سالم �أولئك الق�ضاة والعلماء‪ ،‬و�أنكر �أن ينال �أحدا‬
‫منهم ب�سوء‪ ،‬وقال لل�سلطان‪� :‬إذا قتلت ه�ؤالء ال جتد بعدهم مثلهم!‪ ،‬ومن �آذاين فهو‬
‫يف حل‪ ،‬ومن �آذى اهلل ور�سوله فاهلل ينتقم منه‪ ،‬و�أن��ا ال �أنت�صر لنف�سي‪ ،‬وما زال‬
‫(‪�( )66‬سري �أعالم النبالء) للذهبي (�ص‪ )1566 :‬عند حديثه عن ترجمة (حماد بن �سلمة بن دينار الب�صري برقم‪.)1826 :‬‬
‫(‪( )67‬حلية الأولياء) للأ�صفهاين (جـ‪� - 8 :‬ص‪ )112 :‬عند حديثه عن ترجمة (الف�ضيل بن عيا�ض)‪.‬‬
‫(‪( )68‬تهذيب الكمال) للمزي (جـ‪� -18 :‬ص‪ )412 - 411 :‬عند حديثه عن ترجمة (عبد امللك بن مروان بن احلكم)‪.‬‬
‫(‪ )69‬كال القولني يف (حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ‪� – 2 :‬ص‪.)207 :‬‬
‫‪522‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫بال�سلطان حتى َح ُلم عنهم و�صفح‪ .‬فلما بلغ قا�ضي املالكية «ابن خملوف» ‪ -‬وهو ممن‬
‫ظاهر على �شيخ الإ�سالم – فعل ابن تيمية قال‪ :‬ما ر�أينا مثل ابن تيمية!‪ ،‬حر�ضنا عليه‬
‫فلم نقدر عليه‪ ،‬وقدر علينا ف�صفح عنا وحاجج عنا»(‪.)70‬‬
‫‪ æ‬قال الأ�صمعي‪ :‬ر�أيت �أعرابيا �أخذ بحلقتي باب الكعبة وهو يقول‪�« :‬سائلك واقف‬
‫عند بابك‪ ،‬قد ذهبت �أيامه‪ ،‬وبقيت �آثامه‪ ،‬وانقطعت �شهوته‪ ،‬وبقيت تبعاته‪ ،‬فار�ض‬
‫عنه‪ ،‬و�إن مل تر�ض عنه؛ فاعف عنه غري را�ض»(‪.)71‬‬
‫‪ æ‬دعا �أعرابي فقال‪« :‬اللهم �إن��ك �أمرتنا �أن نعفوا عمن ظلمنا‪ ،‬وق��د ظلمنا‬
‫�أنف�سنا فاعف عنا»(‪.)72‬‬
‫‪« æ‬قال اال�صمعي‪ :‬ملا ح�ضرت احلجاج الوفاة �أن�ش�أ يقول‪:‬‬
‫ب�أنني ٌ‬
‫رجل من �سا ِكنِي النـــا ِر‬ ‫حلف االعدا ُء واجتهدوا ‬ ‫رب قد َ‬ ‫يا ِّ‬
‫مي العف ِو غ َّفا ِر‬ ‫ما عِ لمهُم بكر ِ‬ ‫ويحهُـــــــــــــــــــ ُ م‬
‫�أيحلفون على َعميا َء َ‬
‫قال ف�أُخرب بذلك احل�سن الب�صري فقال‪ :‬تاهلل �إن جنا فبهما!‪ .‬وقال عمر بن‬
‫عبد العزيز‪ :‬ما ح�سدت احلجاج عدو اهلل على �شيء ح�سدي �إ ّي��اه على حبه القر�آن‬
‫و�إعطائه �أهله‪ ،‬وقوله حني ح�ضرته الوفاة‪ :‬اللهم اغفر يل ف�إن النا�س يزعمون �أنك‬
‫ال تفعل!»(‪.)73‬‬
‫‪ æ‬قال ابن تيمية‪« :‬ما انتقم �أحد قط لنف�سه �إال �أورثه ذلك ُذ ًال يجده يف نف�سه‪ ،‬ف�إذا‬
‫عفا �أع� َّزه اهلل تعالى‪ ،‬وهذا مما �أخرب به ال�صادق امل�صدوق ‪ ¤‬حيث يقول‪( :‬ما زاد اهلل‬
‫عبدا بعف ٍو �إال ع َّزاً)(‪.)75( »)74‬‬
‫(‪()70‬البداية والنهاية) للإمام �أبن كثري (�ص‪ )2134 :‬يف �أحدث �سنة (‪ 709‬هـ)‪.‬‬
‫(‪()71‬جمهرة خطب العرب) لأحمد زكي �صفوت (جـ‪� – 3 :‬ص‪.)330 :‬‬
‫(‪( )72‬البيان والتبيني) لأبي عثمان عمرو بن بحر اجلاحظ (�ص‪.)516 :‬‬
‫(‪( )73‬البداية والنهاية) للإمام �أبن كثري (�ص‪ )1404 :‬يف �أحدث �سنة (‪ 95‬هـ)‪.‬‬
‫(‪ )74‬رواه م�سلم برقم (‪.)2588‬‬
‫(‪( )75‬جامع امل�سائل) ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية (املجموعة الأولى – �ص‪ )170 :‬حتقيق‪ :‬حممد عزيز �شم�س‪ ،‬و�إ�شراف‪:‬‬
‫بكر �أبو زيد‪.‬‬
‫ار‬
‫الج َّب ُ‬
‫ار ‪َ -‬‬
‫ه ُ‬ ‫المجموعة التاسعة والعشرون ‪ :‬القَ ِ‬
‫اه ُر ‪ -‬القَ َّ‬ ‫‪523‬‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ ‪29‬ـــــــــة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ا ْل َق ْه ُر‬
‫(‪)104 - 103 - 102‬‬
‫ال َق ِاه ُر ‪ -‬ال َق َّها ُر ‪ -‬ا َ‬
‫جل َّبا ُر‬
‫‪524‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الـمجـمـوعـ ‪29‬ـة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ا ْل َق ْه ُر‬
‫(‪) 104 - 103 - 102‬‬
‫اه ُر ‪ -‬ال َق َّها ُر ‪ -‬ا َ‬
‫جل َّبا ُر‬ ‫ال َق ِ‬
‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫اه ُر‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي مرتني يف قوله تعالى‪ } :‬ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ‬
‫‪ æ‬ال َق ِ‬
‫ﰇ ﰈ ﰉ{[الأنعام‪ ،]18:‬وقوله تعالى‪} :‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ{[الأنعام‪ ،]61:‬ومل‬
‫يرد اال�سم يف ال�سنة ب�سند �صحيح‪.‬‬
‫‪ æ‬ال َق َّها ُر‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 6‬م��رات)‪ ،‬اق�ترن يف جميعها با�سمه‬
‫‪�-‬سبحانه (الواحد)‪ ،‬منها قوله تعالى‪ }:‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ{‬
‫قالت‪ :‬كان النبي ‪� ¤‬إذا ت�ضور من‬ ‫[الرعد‪ ،]16:‬ومن ال�سنة حديث عائ�شة‬
‫الليل(‪ ،)1‬قال‪( :‬ال �إله �إال اهلل الواحد القهار‪ ،‬رب ال�سماوات والأر�ض وما‬
‫بينهما العزيز الغفار)(‪.)2‬‬
‫جل َّبا ُر‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي مرة واح��دة يف قوله تعالى‪ } :‬ﯙ‬ ‫‪ æ‬ا َ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ{[احل�شر‪ ،]23:‬ومن‬
‫ال�سنة حديث ابن عمر قال‪ :‬ر�أي��ت ر�سول اهلل ‪ ¤‬على املنرب‪ ،‬وهو يقول‪( :‬ي�أخذ‬
‫اجلبار �سماواته و�أرا�ضيه بيديه)(‪.)3‬‬
‫(‪ )1‬ت�ضور‪� :‬أي تلوى وتقلب ليال يف فرا�شه‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الن�سائي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)4693‬‬
‫(‪ )3‬رواه م�سلم برقم (‪.)2788‬‬
‫ار‬
‫الج َّب ُ‬
‫ار ‪َ -‬‬
‫ه ُ‬ ‫المجموعة التاسعة والعشرون ‪ :‬القَ ِ‬
‫اه ُر ‪ -‬القَ َّ‬ ‫‪525‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬


‫اه ُر‪« :‬ا�سم فاعل للمو�صوف با ْل َق ْهرِ‪ ،‬فعله َق َه َر َي ْقهَر َق ْهراً‪ ،‬فهو قاهِ ر‪،‬‬‫‪ æ‬ال َق ِ‬
‫وقهرت ال�شيء غلبته وعلوت عليه مع �إذالله باال�ضطرار»(‪ ،)4‬وقال يف الل�سان‪« :‬القهر‪:‬‬
‫الغلبة والأخ��ذ من فوق‪ ،‬قال الأزهري‪ :‬واهلل (القاهر القهار)‪ :‬قهر خلقه ب�سلطانه‬
‫وقدرته‪ ،‬و�صرفهم على ما �أراد طوعاً وكرهاً ‪ ..‬وتقول‪� :‬أخذتهم قهراً‪� :‬أي من غري‬
‫ر�ضاهم»(‪ .)5‬قال البغوي‪( « :‬القاهر)‪ :‬الغالب‪ ،‬ويف القهر زيادة معنى على القدرة‪ ،‬وهو‬
‫منع غريه عن بلوغ املراد»(‪.)6‬‬
‫‪ æ‬ال َق َّها ُر‪�« :‬صيغة مبالغة‪ ،‬من ا�سم الفاعل (القاهِ ر)‪ ،‬فعله َق َه َر َي ْقهَر َق ْهراً‪،‬‬
‫فهو (قاهِ ر وق َّهار)‪ ،‬و(الق َّهار)‪ :‬كثري ال َق ْهر وال َغلَبة»(‪.)7‬‬
‫جل َّبا ُر‪�« :‬صيغة مبالغة‪ ،‬من ا�سم الفاعل (اجلا ِبر)‪ ،‬وهو املو�صوف باجلرب‪،‬‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫فعله جبرَ َ َيجبرُ َجبرْ اَ‪ ،‬فهو جا ِبر وج َّبار‪ ،‬و�أ�صل اجلرب �إ�صالح ال�شيء ب�ضرب من‬
‫القهر‪ ،‬ومنه جرب العظم �أي �أ�صلح ك�سره‪ ،‬وجرب الفقري �أغناه‪ ،‬وي�ستعمل اجلرب‬
‫مبعنى الإكراه على الفعل والإلزام بال تخري»(‪ .)8‬وقال ابن جزي الغرناطي‪(« :‬الجْ َ َّبا ُر)‬
‫يف معناه قوالن‪� :‬أحدهما‪� :‬أنه من الإجبار مبعنى القهر‪ ،‬والآخر‪� :‬أنه من اجلرب �أن‬
‫يجرب عباده برحمته‪ ،‬والأول �أظهر»(‪.)9‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬
‫اه ُر ال َق َّها ُر‪« :‬الذي يدبر خلقه مبا يريد‪ ،‬فال ي�ستطيع �أحد رد تدبريه‪ ،‬واخلروج‬
‫‪ æ‬ال َق ِ‬
‫(‪�( )4‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( )568 - 567 :‬القاهر)‪.‬‬
‫(‪( )5‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ‪� - 5 :‬ص‪.)120 :‬‬
‫(‪ )6‬تف�سري (معامل التنزيل) للبغوي (الآية ‪� - 18‬سورة الأنعام)‪.‬‬
‫(‪ )7‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ق هـ ر)‪.‬‬
‫(‪�( )8‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( )277 - 276 :‬اجلبار)‪.‬‬
‫(‪ )9‬تف�سري (الت�سهيل لعلوم التنزيل) البن جزي الغرناطي (احل�شر‪.)23 :‬‬
‫‪526‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫من حتت قهره وتقديره»(‪ ،)10‬قال اخلطابي‪(« :‬ال َق َّها ُر)‪ :‬الذي قهر اجلبابرة من عتاة‬
‫خلقه بالعقوبة‪ ،‬وقهر اخللق كلهم باملوت»(‪ ،)11‬ويقول احلليمي‪(« :‬ال َق ِاه ُر) الذي يدبر‬
‫خلقه مبا يريد‪ ،‬فيقع يف ذلك ما ي�شق ويثقل‪ ،‬ويغم ويحزن‪ ،‬ويكون منه �سلب احلياة‪،‬‬
‫�أو بع�ض اجلوارح‪ ،‬فال ي�ستطيع �أحد رد تدبريه‪ ،‬واخلروج من تقديره ‪ ..‬و (ال َق َّها ُر)‬
‫الذي َيقهر وال ُيقهر بحال»(‪ .)12‬ويقول ال�شيخ عبدالرحمن ال�سعدي‪(« :‬ال َق َّها ُر) لكل‬
‫�شيء الذي خ�ضعت له املخلوقات‪ ،‬وذلت لعزته وقوته وكمال اقتداره»(‪.)13‬‬
‫‪æ‬ا َ‬
‫جل َّبا ُر‪« :‬ال��ذي قهر جميع العباد‪ ،‬و�أذع��ن له �سائر اخللق‪ ،‬ال��ذي يجرب الكبري‪،‬‬
‫ويغني الفقري»(‪ ،)14‬قال الطربي‪َ (« :‬‬
‫اجل َّبا ُر)‪ :‬امل�صلح �أم��ور خلقه‪ ،‬امل�صرفهم فيما فيه‬
‫�صالحهم»(‪ ،)15‬ويقول البي�ضاوي‪َ (« :‬‬
‫اجل َّبا ُر)‪ :‬الذي جرب خلقه على ما �أراده‪� ،‬أو جرب‬
‫حالهم مبعنى �أ�صلحه»(‪ .)16‬ويقول اخلطابي‪َ (« :‬‬
‫اجل َّبا ُر) الذي جرب اخللق على ما �أراد‬
‫من �أمره ونهيه»(‪ ،)17‬وقال ابن القيم‪« :‬قال حممد بن كعب‪� :‬إمنا �سمي ( َ‬
‫اجل َّبا ُر) لأنه جرب‬
‫اخللق على ما �أراد‪ ،‬واخللق �أدق �ش�أناً من �أن يع�صوا ربهم طرفة عني �إال مب�شيئته»(‪.)18‬‬

‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬


‫اه ُر ‪ -‬ال َق َّها ُر‪ :‬قيل �إن (ال َق ِاهر) الذي يدبر خلقه مبا يريد‪ ،‬فال ي�ستطيع �أحد‬
‫‪ æ‬ال َق ِ‬
‫رد تدبريه‪ ،‬و(ال َق َّها ُر) الذي َيقهر وال ُيقهر‪ ،‬قال احلليمي‪(« :‬ال َق ِاه ُر) الذي يدبر خلقه مبا‬
‫يريد‪ ،‬فيقع يف ذلك ما ي�شق ويثقل‪ ،‬ويغم ويحزن‪ ،‬ويكون منه �سلب احلياة‪� ،‬أو بع�ض‬
‫(‪ )10‬تف�سري (لباب الت�أويل يف معاين التنزيل) للخازن (الأنعام‪.)18 :‬‬
‫(‪�( )11‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)53 :‬‬
‫(‪( )12‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص ‪.)164 - 163‬‬
‫(‪ )13‬تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص‪.)18 :‬‬
‫(‪ )14‬تف�سري ال�سعدي (الآية ‪� - 23‬سورة احل�شر) (�ص‪.)792 :‬‬
‫(‪( )15‬تف�سري الطربي) عند تف�سري الآية (‪ )23‬من �سورة احل�شر‪.‬‬
‫(‪ )16‬تف�سري (�أنوار التنزيل وا�سرار الت�أويل) للبي�ضاوي (الآية ‪ - 23‬احل�شر)‪.‬‬
‫(‪�( )17‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)48 :‬‬
‫(‪�( )18‬شفاء العليل) البن القيم (جـ‪� - 2:‬ص‪.)757 :‬‬
‫ار‬
‫الج َّب ُ‬
‫ار ‪َ -‬‬
‫ه ُ‬ ‫المجموعة التاسعة والعشرون ‪ :‬القَ ِ‬
‫اه ُر ‪ -‬القَ َّ‬ ‫‪527‬‬

‫اجلوارح‪ ،‬فال ي�ستطيع �أحد رد تدبريه‪ ،‬واخلروج من تقديره ‪ ..‬و(ال َق َّها ُر) الذي َيقهر‬
‫وال ُيقهر بحال»(‪ .)19‬وقيل‪�« :‬إن (ال َق ِاهر) هو الذي له علو القهر الكلي املطلق باعتبار‬
‫جميع املخلوقات وعلى اختالف تنوعهم فهو قاهر فوق عباده‪ ،‬يدبرهم مبا يريد‬
‫‪�-‬سبحانه‪ ،‬فال يقوى �أحد �أن ينازعه �أو يغالبه‪ ،‬بل كل �شيء حتت قهره و�سلطانه ‪� ..‬أما‬
‫(ال َق َّهار) فهو الغالب ملن عاداه‪ ،‬الذي له علو القهر باعتبار الكرثة‪� ،‬أو باعتبار نوعية‬
‫املقهور ‪ ..‬فاهلل ‪�-‬سبحانه وتعالى‪ -‬كثري القهر للظاملني والطغاة على مر الع�صور‬
‫وكر الدهور‪ ،‬كما قال ‪�-‬سبحانه‪ -‬عن كرثة �إهالكه للمجرمني‪}:‬ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬ{ [الق�ص�ص‪ ،]58:‬وهو ‪�-‬سبحانه‪ -‬قهار لأعظم الطغاة و�أكابر املجرمني‬
‫كما قال �سبحانه‪ }:‬ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ{[الق�ص�ص‪.)20(»]78:‬‬
‫‪æ‬ا َ‬
‫جل َّبار ‪ -‬ال َق َّها ُر‪َ :‬‬
‫(اجل َّبا ُر) من اجلرب و«�أ�صل اجلرب‪� :‬إ�صالح ال�شيء ب�ضرب‬
‫من القهر»(‪)21‬؛ ولذا قال الطربي‪َ (« :‬‬
‫اجل َّبا ُر)‪ :‬امل�صلح �أم��ور خلقه‪ ،‬امل�صرفهم فيما‬
‫فيه �صالحهم»(‪ ،)22‬فاهلل – �سبحانه ‪ -‬يجرب العباد على ما �أراده‪ ،‬مما فيه �صالحهم‪،‬‬
‫وهو من �أ�سماء التعظيم‪ ،‬يقول ابن القيم‪« :‬و�أما ( َ‬
‫اجل َّبا ُر) يف �أ�سماء الرب ‪-‬تعالى؛ ف�سر‬
‫ب�أنه الذي يجرب الك�سري‪ ،‬ويغني الفقري‪ ،‬والرب ‪-‬تبارك وتعالى‪ -‬كذلك‪ ،‬ولكن لي�س‬
‫اجل َّبار)؛ ولهذا قرنه با�سمه (املتكرب)‪ ،‬و�إمنا هو من (اجلربوت)‪،‬‬ ‫هذا معنى ا�سمه ( َ‬
‫وكان النبي ‪ ¤‬يقول‪�( :‬سبحان ذي اجلربوت وامللكوت والكربياء والعظمة)(‪،)23‬‬
‫اجل َّبا ُر) ا�سم من �أ�سماء التعظيم كاملتكرب وامللك والعظيم والقهار»(‪� ،)24‬أما‬ ‫فــ ( َ‬
‫(‪( )19‬الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ‪� - ١ :‬ص ‪.)164 - 163‬‬
‫(‪�( )20‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( )387-386:‬القهار)‪ .‬بت�صرف ي�سري‬
‫(‪( )21‬املفردات يف غريب القر�آن) للراغب الأ�صفهاين (جـ‪� - 1:‬ص‪( )111:‬مادة‪ :‬جرب)‪.‬‬
‫(‪( )22‬تف�سري الطربي) عند تف�سري الآية (‪ )23‬من �سورة احل�شر‪.‬‬
‫(‪ )23‬رواه �أبو داود �صححه الألباين يف �صحيح �أبي داود برقم (‪.)873‬‬
‫(‪�( )24‬شفاء العليل) البن القيم (جـ‪� - 2 :‬ص‪.)756 - 755 :‬‬
‫‪528‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫(ال َق َّها ُر) فهو الغالب ملن عاداه‪ ،‬وهو من القهر‪« ،‬القهر‪ :‬اال�ستيال ُء والغلبة على طريق‬
‫اجل َّبا ِر) و(ال َق َّها ِر)‪َ ( :‬‬
‫اجل َّبار) املتعظم‬ ‫التذليل»(‪ ،)25‬قال اجل�صا�ص‪« :‬الفرق بني ( َ‬
‫باالقتدار‪ ،‬ومل يزل اهلل جباراً‪ ،‬واملعنى‪� :‬أن ذاته تدعو العوارف بها �إلى تعظيمها‪� ،‬أما‬
‫(ال َق َّهار)‪ :‬هو الغالب ملن ناو�أه‪� ،‬أو كان يف حكم املناوي‪ ،‬مبع�صيته �إياه»(‪.)26‬‬

‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬


‫اه ُر ‪ -‬ال َق َّها ُر‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سميه ‪�-‬سبحانه (ال َق ِاهر) و(ال َق َّهار)‬
‫‪ æ‬ال َق ِ‬
‫«�صفة (ا ْل َق ْه ِر) وهي �صف ٌة من �صفات الأفعال»(‪ ،)27‬قال تعالى‪ } :‬ﰂ ﰃ ﰄ‬
‫ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ{[الأنعام‪ ،]18:‬وق��ال تعالى‪}:‬ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ{[يو�سف‪.]39:‬‬
‫(اجل َّبار) «�صفة (الجْ َ برَ ُ وت) �أي‬ ‫‪æ‬ا َ‬
‫جل َّبا ُر‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه َ‬
‫العظمة كو�صف ذات‪ ،‬و�صفة (الإجبار) مبعنى الإ�صالح كو�صف فعل»(‪ ،)28‬فمن الأول‬
‫قوله ‪�(:¤‬سبحان ذي اجلربوت وامللكوت والكربياء والعظمة)(‪ ،)29‬قال ابن قتيبة ‪:‬‬
‫‪� :‬أن النبي ‪¤‬‬ ‫«(جربوته)‪ :‬جتبرُّ ه‪� ،‬أي‪ :‬تعظمه»(‪ ،)30‬ومن الثاين حديث ابن عبا�س‬
‫كان يقول بني ال�سجدتني‪( :‬اللهم اغفر يل وارحمني َواجبرُن واهدين وارزقني)(‪،)31‬‬
‫قال ابن الأثري‪َ (« :‬واجبرُن) �أي �أغنني‪ ،‬من جرب اهلل م�صيبته؛ �أي‪ :‬ر ّد عليه ما ذهب‬
‫منه وع ّو�ضه»(‪.)32‬‬
‫(‪( )25‬ب�صائر ذوي التمييز) لللفريوز �أبادي (مادة قهر)‪.‬‬
‫(‪�( )26‬أحكام القر�آن) للج�صا�ص (جـ‪� - 4 :‬ص‪ )42 :‬بت�صرف ي�سري‪.‬‬
‫(‪�( )27‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( )569 - 387 :‬القهار ‪ -‬القاهر)‪.‬‬
‫(‪�( )28‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( )278 :‬اجلبار)‪.‬‬
‫(‪ )29‬رواه �أبو داود �صححه الألباين يف �صحيح �أبي داود برقم (‪.)873‬‬
‫(‪( )30‬تف�سري غريب القر�آن) البن قتيبة (�ص‪.)19 :‬‬
‫(‪ )31‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (‪.)233‬‬
‫(‪( )32‬النهاية يف غريب احلديث) البن الأثري (جـ‪� - 1:‬ص‪.)236 :‬‬
‫ار‬
‫الج َّب ُ‬
‫ار ‪َ -‬‬
‫ه ُ‬ ‫المجموعة التاسعة والعشرون ‪ :‬القَ ِ‬
‫اه ُر ‪ -‬القَ َّ‬ ‫‪529‬‬

‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬


‫ري‪ :‬ورد اقرتان اال�سمني مع ا�سم اهلل (ال َق ِاهر) مرة واحدة يف‬ ‫يم خْ َ‬
‫ال ِب ُ‬ ‫‪ æ‬الحْ َ ِك ُ‬
‫قوله تعالى‪ }:‬ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ{[الأنعام‪ ,]18:‬وال�سر يف ذلك ‪-‬‬
‫واهلل �أعلم ‪� -‬أن «ا�سم اهلل (ال َق ِاه ُر) يلقي يف القلب معنى القهر والفوقية هلل ‪-‬تعالى‪،‬‬
‫و�أنهما خمت�صان باهلل ‪ ،‬فيمتلئ القلب خو ًفا ووج ً‬
‫ال من اهلل‪ ،‬حتى �إذا �أخذ الروع‬
‫من النف�س م�أخذه �أتته اجلملة التالية التي فيها و�صف اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬لنف�سه �أنه‬
‫(حكيم خبري) فتلقي يف القلب الراحة واالطمئنان؛ لأنهما تدالن على كمال �سلطان‬
‫اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬ونفاذ �أم��ره‪ ،‬وجريان ذل��ك على مقت�ضى احلكمة واخل�برة‪ ،‬واخلري‬
‫وال�سداد‪ ،‬فتطمئن النفو�س من اخلوف وت�سكن عن القلق واال�ضطراب»(‪.)33‬‬
‫‪ æ‬املُ َت َكبرِّ ُ ‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه َ‬
‫(اجل َّبار) مرة واحدة يف قوله تعالى‪:‬‬
‫}ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ{[احل�شر‪ ،]23:‬وال�سر‬
‫اجل َّبا ُر) مقرو ًنا‬ ‫يف ذلك ‪ -‬واهلل �أعلم ‪ -‬كما قال ابن القيم‪« :‬جعل اهلل ‪�-‬سبحانه‪ -‬ا�سمه ( َ‬
‫وكل واحدٍ من هذه الأ�سماء الثالثة يت�ض َّمن اال�سمني الآخرين‪،‬‬ ‫بـ (ال َع ِزيز واملُ َت َكب)‪ُّ ،‬‬
‫وه��ذه الأ�سماء الثالثة نظري الأ�سماء الثالثة وه��ي (الخْ َ ��ا ِل��قُ ا ْل� َب��ا ِر ُئ المْ ُ َ�ص ِّو ُر)‪ ،‬فـ‬
‫اجل َّبا ُر)‪( ،‬املُ َت َكبرِّ ُ ) يجريان جمرى التف�صيل ملعنى ا�سم (ال َع ِزيز)‪ ،‬كما �أن (ا ْل َبا ِرئ‬ ‫( َ‬
‫اجل َّبا ُر) من �أو�صافه يرجع �إلى كمال القدرة‪،‬‬ ‫المْ ُ َ�ص ِّور) تف�صيل ملعنى ا�سم (الخْ َ ا ِلق)‪ ،‬فـ ( َ‬
‫والعزة‪ ،‬وامللك؛ ولهذا كان من �أ�سمائه احل�سنى»(‪ .)34‬ويقول ابن عا�شور‪« :‬ووجه ذكر‬
‫هذه ال�صفات الثالث عقب �صفة (املهيمن)؛ �أن جميع ما ذكره �آنفاً من ال�صفات ال‬
‫ي�ؤذن �إال باطمئنان العباد لعناية ربهم بهم‪ ،‬و�إ�صالح �أمورهم‪ ،‬و�أن �صفة (املهيمن)‬
‫ت�ؤذن ب�أمر م�شرتك فعقبت ب�صفة (العزيز)؛ ليعلم النا�س �أن اهلل غالب ال يعجزه‬
‫(‪( )33‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص‪.)417 :‬‬
‫(‪�( )34‬شفاء العليل) البن القيم (جـ‪� - 2 :‬ص‪.)757 :‬‬
‫‪530‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫�شيء‪ ،‬و�أتبعت ب�صفة (اجلبار) الدالة على �أ ّنه م�سخر املخلوقات لإِرادت��ه‪ ،‬ثم �صفة‬
‫(املتكرب) الدالة على �أن��ه ذو الكربياء‪ ،‬ي�صغر كل �شيء دون كربيائه‪ ،‬فكانت هذه‬
‫الم املُ�ؤْ ِمنُ )‬
‫ال�س ُ‬ ‫ال�صفات يف جانب التخويف‪ ،‬كما كانت ال�صفات قبلها (ا َمل ِل ُك ال ُق ُّد ُ‬
‫و�س َّ‬
‫يف جانب الإِطماع»(‪.)35‬‬
‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫‪ æ‬الأثر العلمي االعتقادي‪:‬‬
‫اهلل هو الواحد القهار‪ ،‬العزيز اجلبار‪ ،‬الذي ق�صم ظهور اجلبابرة‪ ،‬و�أذل رقاب‬
‫الأكا�سرة‪ ،‬وقطع الآمال باحلافرة ‪ ..‬فهو ‪� -‬سبحانه ‪ -‬القاهر فوق عباده‪ ،‬ومن �سواه فهو مربوب‬
‫مقهور ‪ ..‬خلق احلجارة ال�شديدة و�س ّل َط عليها احلديد يك�سرها ويفتتها‪ ،‬و�س ّل َط على احلديد‬
‫النار تذيبه وتك�سر قوته‪ ،‬و�س ّل َط على النار املاء يك�سرها ويطفئها‪ ،‬و�س ّل َط على املاء الهواء يفتته‬
‫ويبخره‪ ،‬وكم من �إن�سان يتمنى �أن يولد له فال يولد له‪ ،‬و�أن ال ي�شيب في�شيب‪ ،‬ويريد �أن يعز فيذل‪،‬‬
‫ ‪ ‬‬ ‫و�أن ي�ستغني فيفتقر ‪ ..‬وذلك من �آيات كمال القاهر اجلبار‪ ،‬الواحد القهار ‪�-‬سبحانه‪.‬‬
‫الأثر العملي‪:‬‬ ‫‪æ‬‬

‫‪ 1.1‬تعظيم اهلل واخلوف منه‪ ،‬والتعلق به‪ ،‬والتوكل عليه وحده ‪�-‬سبحانه‪ ،‬وقطع‬
‫العالئق بالأ�سباب املقهورة مع فعلها؛ لأن حقيقة التوكل هي متام االعتماد على‬
‫اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬مع متام الثقة بكفايته و�إعانته؛ لأنه املتفرد بت�صريف �أمور عباده؛‬
‫ولهذا كان من �أذكاره ‪ ¤‬يف الركوع وال�سجود قوله‪�( :‬سبحان ذي اجلربوت‬
‫وامللكوت والكربياء والعظمة)(‪.)36‬‬
‫‪2.2‬التوا�ضع هلل ‪-‬تعالى‪ -‬بقبول حكمه وما نزل من احلق‪ ،‬والتوا�ضع للخلق وترك‬
‫التجرب والتكرب عليهم‪ ،‬مع دوام االنك�سار هلل اجلبار‪ ،‬واالفتقار �إليه‪ ،‬وطلب‬
‫املغفرة منه‪ ،‬رغبة يف �أن يجرب اهلل ك�سره‪ ،‬ويغفر ذنبه‪ ،‬ويدمي فقره �إليه‪  .‬‬
‫(‪ )35‬تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور عند تف�سري (احل�شر‪.)23:‬‬
‫(‪ )36‬رواه �أبو داود �صححه الألباين يف �صحيح �أبي داود برقم (‪.)873‬‬
‫ار‬
‫الج َّب ُ‬
‫ار ‪َ -‬‬
‫ه ُ‬ ‫المجموعة التاسعة والعشرون ‪ :‬القَ ِ‬
‫اه ُر ‪ -‬القَ َّ‬ ‫‪531‬‬

‫‪3.3‬من معاين (اجلبار) الذي يجرب ك�سر عباده ويغنيهم من االفتقار‪ ،‬وهذا يثمر يف‬
‫قلب امل�ؤمن حمبة اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬واالنك�سار بني يديه‪ ،‬وطلب احلاجات منه وحده؛‬
‫ولذا كان من دعائه ‪ ¤‬يف اجلل�سة بني ال�سجدتني‪( :‬اللهم اغفر يل وارحمني‬
‫َواجبرُن واهدين وارزقني)(‪.)37‬‬
‫‪4.4‬الأخذ ب�أ�سباب القوة؛ لأن اهلل القاهر قادر على �أن يقهر الظاملني ب�أمره‬
‫الكوين‪ ،‬لكنه جعل العباد مبتلني بتدبريه ال�شرعي لتظهر �آثار �أ�سمائه فيهم‪ ،‬فال‬
‫بد للموحدين �أن ي�ستعينوا باهلل القاهر �أو ًال‪ ،‬ثم يتقنوا الأخذ ب�أ�سباب القوة عند‬
‫اللقاء لينت�صروا على الأعداء‪.‬‬
‫‪5.5‬الثقة باهلل‪ ،‬والتوكل عليه؛ لأنه – �سبحانه ‪ -‬قهار جبار‪ ،‬ال يعجزه �شيء يف الأر�ض‬
‫وال يف ال�سماء‪ ،‬ويقدر على ما ال يقدر عليه غريه‪ ،‬ومهما بلغت قوة املخلوقني فاهلل‬
‫قاهر فوقهم‪ ،‬ونوا�صيهم بيده‪ ،‬وهو الواحد القهار‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ{[غافر‪.]16:‬‬

‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫اه ُر ‪ -‬ال َق َّها ُر ‪ -‬ا َ‬
‫جل َّبا ُر) من الأ�سماء الدالة على �صفات اهلل الفعلية (ا ْل َق ْه ِر‬ ‫(ال َق ِ‬
‫واجلرب والإجبار)‪� ،‬أو ال�صفة الذاتية (الجْ َ برَ ُ وت)‪ ،‬وكل �شيء يف الوجود فهو حتت قهر اهلل‬
‫و�سلطانه‪ ،‬خا�ضع جلربوته وعظمته‪ ،‬وكربيائه وقدرته؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل ‪-‬‬
‫�سبحانه وتعالى ‪ -‬والثناء عليه‪ ،‬والتو�سل �إليه‪ ،‬بهذه الأ�سماء؛ حال �شعور امل�سلم باخلوف‬
‫واخل�شية والظلم من عدو متكرب جبار‪ ،‬فريفع امل�سلم يديه �إلى ال�سماء‪ ،‬قائ ًال ‪ :‬يا رب‪ ،‬ياذا‬
‫(اجل َّبار) ما جاء من‬ ‫القهر واجلربوت‪ ،‬اكفنيه مبا �شئت ‪ ..‬وباملعنى الثاين ال�سمه ‪�-‬سبحانه َ‬
‫حديث ابن عبا�س ‪� :‬أن النبي ‪ ¤‬كان يقول بني ال�سجدتني‪( :‬اللهم اغفر يل وارحمني‬
‫َواجبرُنيِ واهدين وارزقني)(‪ ،)38‬قال ابن الأثري‪َ (« :‬واجبرُ يِن) �أي �أغنني‪ ،‬من جرب‬
‫اهلل م�صيبته؛ �أي‪ :‬ر ّد عليه ما ذهب منه وع ّو�ضه»(‪.)39‬‬
‫(‪ )37‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (‪.)233‬‬
‫(‪ )38‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (‪.)233‬‬
‫(‪( )39‬النهاية يف غريب احلديث) البن الأثري (جـ‪� - 1:‬ص‪.)236 :‬‬
‫‪532‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬


‫�شيء من الدنيا �إال و�ض َعه)(‪،)40‬‬
‫هلل �أن ال يرتفع ٌ‬ ‫‪ æ‬قال النبي ‪( :¤‬حقٌّ على ا ِ‬
‫يقول ال�شيخ ابن عثيمني‪« :‬كل ارتفاع يكون يف الدنيا ف�إنه البد �أن ي�ؤول �إلى انخفا�ض‪ ،‬ف�إن‬
‫�صحب هذا االرتفاع ارتفاع وعلو يف النفو�س؛ ف�إن الو�ضع �إليه �أ�سرع‪ ،‬لأن الو�ضع يكون‬
‫عقوبة‪� ،‬أما �إذا مل ي�صحبه �شيء‪ ،‬ف�إنه البد �أن يرجع ويو�ضع‪ ،‬كما قال اهلل تبارك وتعالى‪:‬‬
‫}ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯞﯟﯠﯡ‬
‫ﯢ ﯣ{ ‪� ،‬أي ظهر فيه من كل نوع‪ } :‬ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪﯫﯬﯭﯮ ﯯﯰﯱﯲ ﯳﯴﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ{[يون�س‪ ،]24:‬ذهبت كلها‪ ،‬كل هذه الزينة‪ ،‬وكل هذا النبات الذي‬
‫اختلط من كل �صنف‪ ،‬كله يزول ك�أن مل يكن‪ ،‬وهكذا الدنيا كلها تزول ك�أن مل تكن‪،‬‬
‫حتى الإن�سان نف�سه يبدو �صغرياً �ضعيفاً‪ ،‬ثم يقوى‪ ،‬ف�إذا انتهت قوته عاد �إلى ال�ضعف‬
‫والهرم‪ ،‬ثم �إلى الفناء والعدم‪ ،‬فما من �شيء ارتفع من الدنيا �إال و�ضعه اهلل »(‪.)41‬‬
‫‪ æ‬عن جبري بن نفري ق��ال‪« :‬ملا فتحت قرب�ص ُف��رق بني �أهلها‪ ،‬فبكى بع�ضهم �إلى‬
‫بع�ض‪ ،‬فر�أيت �أبا الدرداء ‹‪ ،‬جال�ساً وحده يبكي!‪ ،‬فقلت‪ :‬يا �أبا الدرداء ما يبكيك يف يوم‬
‫�أعز اهلل فيه الإ�سالم و�أهله؟‪ ،‬فقال‪ :‬ويحك يا جبري!‪ ،‬ما �أهون اخللق على اهلل �إذا �أ�ضاعوا‬
‫�أمره‪ ،‬بينما هي �أمة قاهرة ظاهرة لهم امللك‪ ،‬تركوا �أمر اهلل ف�صاروا �إلى ما ترى!»(‪.)42‬‬
‫‪ æ‬يقول احل�سن الب�صري عن �أهل املعا�صي والذنوب‪« :‬و�إن َه ْملَ َجتْ ِب ِه ْم‬
‫ِين(‪َ ،)43‬و َط ْق َط ْقت ِب ِه ْم ا ْل ِب َغ ُال(‪[ ،)44‬و�أطافت بهم ال ِّرجال‪ ،‬وتعاقبت لهم‬ ‫ا ْلبرَ َ اذ ُ‬
‫الأموال]‪� ،‬إن ُذ َّل املع�صية لفي قلوبهم‪� ،‬أبى اهلل �إال �أن ُيذِ ّل من ع�صاه»(‪.)45‬‬
‫(‪ )40‬رواه البخاري برقم (‪.)2872‬‬
‫(‪�( )41‬شرح ريا�ض ال�صاحلني) لل�شيخ ابن عثيمني (جـ‪� - 3:‬ص‪ )534-533:‬رقم احلديث (‪.)611‬‬
‫(‪()42‬حلية الأولياء) للأ�صفهاين (جـ‪� - 1:‬ص‪ )217 - 216:‬عند حديثه عن ترجمة ال�صحابي اجلليل (�أبي الدرداء ‹)‬
‫و�أخرجه الإمام �أحمد يف (الزهد) (برقم‪� – 763 :‬ص‪ )117 :‬والطربي يف تاريخه (جـ‪� - 3:‬ص‪.)318:‬‬
‫جل َّث ِة‪ ،‬غليظ الأع�ضاء‪ ،‬قوي الأرجل‪ ،‬عظيم احلوافر‪ ،‬واجلمع ‪:‬‬ ‫اخل ْلقة‪� ،‬ضخم ا ُ‬ ‫(‪ )43‬البرِ ْ َذ ْونُ ‪ :‬نوع من اخليول‪ ،‬عظيم ِ‬
‫َب َر ِاذينُ ‪ ،‬وهَ ْم َل َج ْت‪� :‬أي �سارت �سري ًا ح�سن ًا يف ُ�س ْرعة‪.‬‬
‫َ‬
‫واحل ْمل‪� ،‬أبوه حمار و�أ ُّمه فر�س‪ ،‬وهو عقيم ال يلد‪َ .‬و َطق َْطقْت‪� :‬أي �أحدَ َثت َ�صوت ًا ِب َح َوا ِف ِر ِها‬
‫أهلي لل ُّركوب َ‬ ‫(‪ )44‬ال َبغْل‪ :‬حيوان � ّ‬
‫عند �سريها على �أر�ض �صلبة‪.‬‬
‫(‪( )45‬اجلواب الكايف) البن القيم (�ص‪ ،)٦٧ :‬وما بني القو�سني زيادة ذكرها ابن عبد ربه يف (العقد الفريد) (جـ‪- ٣:‬‬
‫�ص‪ )١٥٣:‬ومل يذكر فيها ا ْلبرَ َ ِاذين‪.‬‬
‫ار‬
‫الج َّب ُ‬
‫ار ‪َ -‬‬
‫ه ُ‬ ‫المجموعة التاسعة والعشرون ‪ :‬القَ ِ‬
‫اه ُر ‪ -‬القَ َّ‬ ‫‪533‬‬

‫‪�« æ‬سمع رج ٌل من امل�ستهزئني املتهمني يف دينهم؛ قارئ ًا يقر�أ قوله تعالى‪ }:‬ﭾ ﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ{[امللك‪ ،]30:‬فقال‪ :‬جت��يء به ‪� -‬أي امل��اء ‪-‬‬
‫الف�ؤو�س واملعاول‪ ،‬فنام من ليلته تلك‪ ،‬ف�أ�صبح وقد ذهب ماء عينه!‪ ،‬وبقي �أعمى �إلى‬
‫�أن مات»(‪ ،)46‬و�إمنا عوقب بذهاب ماء عينيه؛ لأن اجلزاء من جن�س العمل‪ ،‬نعوذ باهلل من‬
‫اخلذالن‪ ،‬ومن اجلراءة على اهلل و�آياته‪.‬‬
‫رج ٌل يح�ضر معنا‬ ‫‪ « æ‬قال حممد بن منتاب‪� :‬أنّ ِع َّز الدين املُو�صلي كتب �إليه فقال‪ :‬كان ُ‬
‫ال�سب يف �أبي بكر وعُمر وعثمان جميعا‪ ،‬فلما انتقلت اخلطبة‬ ‫�سوق الطعام‪ ،‬وكان كثري ِّ‬
‫ال�سب يف دولة الرف�ض �آنذاك‪ ،‬افرتى و�سب‪ ،‬و�أكرث يف ال ُفح�ش وخب‪ ،‬قلت‪ :‬قبي ٌح بك‬ ‫�إلى ِ‬
‫ت�س َّب قوماً حطوا رحالهم يف اجل ّنة من �سبعمائـــة عام!‪� ،‬أال يُغنيك‪} :‬ﯴ‬ ‫وقد �شبت �أن ُ‬
‫ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ {[البقرة‪،]134:‬‬
‫قال‪ :‬واهلل �إن �أبا بك ٍر وعُمر وعُثمان يف ال ّنار‪ ،‬قالها يف ملأ!‪ ،‬فقام �شعر ج�سدي‪ ،‬فرفعت‬
‫يدي �إلى ال�سماء‪ ،‬وقلت‪ :‬الله ّم يا قاه ٌر فوق عباده‪ ،‬يا من ال يخفى عليه �شيء‪� :‬أ�س�ألك �إن‬
‫كان هذا الكلب على احلق ف�أنزل بي �آية‪ ،‬و�إن كان ظاملاً ف�أنزل به ما يعلم ه�ؤالء اجلماعة‬
‫�أ ّن ُه على الباطل يف احلال‪ ،‬فما ا�ستتم دعاءه حتى َو ِر َمتْ عيناه‪ ،‬وكادت تخرج من مكانها‪،‬‬
‫فحمل‬‫وا�س ّود ج�سده حتى �صار كالقار‪ ،‬وانتفخ‪ ،‬وخرج من حلقه �شيء يَ�صر ُع الطيور!‪ُ ،‬‬
‫�إل��ى بيته‪ ،‬فما ج��اوز ثالثة �أي��ام حتى م��ات‪ ،‬ومل يتمكن �أح��د من غ�سله مما يجري من‬
‫ج�سمه وعينه‪ ،‬ويُلقى يف احلفرة عن بعد ويُهال عليه الترُ اب»(‪.)47‬‬
‫‪« æ‬قال �أحمد بن �شعيب‪ :‬كنا عند بع�ض املحدثني بالب�صرة فحدثنا بحديث‬
‫النبي ‪�( :¤‬إن املالئكة لت�ضع �أجنحتها لطالب العلم)(‪ ،)48‬ويف املجل�س معنا رجل‬
‫من املعتزلة فجعل ي�ستهزئ باحلديث‪ ،‬فقال‪ :‬واهلل لأط��رق��ن غ��داً نعلي مب�سامري‪،‬‬
‫ف�أط�أ بها �أجنحة املالئكة‪ ،‬ففعل‪ ،‬وم�شى يف النعلني‪ ،‬فجفت رجاله جميعاً‪ ،‬ووقعت‬
‫فيهما الآكِلة»(‪ ،)49‬وقال الطرباين‪�« :‬سمعت �أبا يحيى زكريا بن يحيى ال�ساجي قال‪ :‬كنا‬
‫(‪ )46‬تف�سري (التف�سري الكبري) للإمام الطرباين عند تف�سري‪�[ :‬سورة امللك‪ :‬الأية‪. 30:‬‬
‫(‪( )47‬تاريخ الإ�سالم) للذهبي (اجلزء الأخري (الذيل)) (جـ‪� – 53 :‬ص‪ )118 – 117 :‬يف حوادث �سنة (‪ 710‬هـ)‪.‬‬
‫(‪ )48‬رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)1956‬‬
‫(‪ )49‬قال يف الل�سان‪( :‬ال ِآكلة‪ :‬داء يقع يف الع�ضو ف َي�أْت َِكل منه)‪ ،‬وهو �شبيه بالغرغرينا‪ ،‬وعالجها برت الع�ضو الذي �أ�صيب به‪.‬‬
‫‪534‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫من�شي يف بع�ض �أزقة الب�صرة �إلى باب بع�ض املحدثني‪ ،‬ف�أ�سرعنا امل�شي‪ ،‬وكان معنا‬
‫رجل ماجن‪ ،‬متهم يف دينه‪ ،‬فقال‪ :‬ارفعوا �أرجلكم عن �أجنحة املالئكة‪ ،‬ال تك�سروها‬
‫كامل�ستهزئ‪ ،‬فما زال من مو�ضعه حتى جفت رجاله و�سقط!»(‪.)50‬‬
‫وجه �سليمان بن عبد امللك (حممد بن يزيد) �إلى العراق ليطلق �أهل ال�سجون‪،‬‬ ‫‪ æ‬ملا َّ‬
‫ويق�سم الأم��وال �ض َّيق على (يزيد بن �أبي م�سلم)‪ ،‬فلما ُوليِّ يزيد بن عبد امللك اخلالفة‬
‫َو َّلى (يزيد بن �أبي م�سلم) �أفريقية‪ ،‬وكان (حممد بن يزيد) وال ًيا عليها؛ فا�ستخفى! فطلبه‬
‫يزيد بن �أبي م�سلم‪ ،‬و�شدد يف طلبه! ف�أُ ِتي به �إليه يف �شهر رم�ضان عند املغرب‪ ،‬وكان يف يد‬
‫يزيد بن �أبي م�سلم عنقود عنب‪ ،‬فقال ملحمد بن يزيد حني ر�آه‪ :‬يا حممد بن يزيد! طاملا‬
‫�س�ألتُ اهلل � ْأن ميكنني منك‪ ،‬فقال‪ :‬و�أنا واهلل طاملا �س�ألتُ اهلل � ْأن يجريين منك‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫واهلل ما �أجارك‪ ،‬وال �أعاذك‪ ،‬و� ْإن �سبقني َملَك املوت �إلى قب�ض روحك �سبق ُته! واهلل‪،‬‬
‫ال �آكل هذه احلبة من العنب حتى �أقتلك!‪ ،‬ثم �أمر به ف ُكتِّف‪ ،‬و ُو ِ�ضع يف ال ِّنطع‪ ،‬وقام‬
‫ال�سياف‪ ،‬ف�أقيمت ال�صالة؛ فو�ضع يزيد العنقود ِمن يده‪ ،‬وتقدم لي�صلي‪ ،‬وكان �أهل �أفريقية‬
‫قد �أجمعوا على قتله‪ ،‬فلما رفع ر�أ�سه �ضربه رجل بعمود على ر�أ�سه فقتله! وقيل ملحمد بن‬
‫يزيد‪ :‬اذهب حيث �شئتَ ! ف�سبحان َمن قتل الأمري‪ ،‬وفك الأ�سري!»(‪.)51‬‬
‫‪ æ‬قال ابن القيم‪« :‬كثري م��ن اجل�ه��ال اعتمدوا على رحمة اهلل وع�ف��وه وكرمه‪،‬‬
‫ف�ضيعوا �أمره ونهيه‪ ،‬ون�سوا �أنه �شديد العقاب‪ ،‬و�أنه ال يرد ب�أ�سه عن القوم املجرمني‪،‬‬
‫ومن اعتمد على العفو مع الإ�صرار على الذنب فهو كاملعاند»(‪ .)52‬وقال يف مو�ضع �آخر‪:‬‬
‫«ومن رحمته بهم �أن حذرهم نف�سه؛ لئال يغرتوا به؛ فيعاملوه مبا ال تحَ �سن معامل ُته‬
‫به‪ ،‬كما قال تعالى‪ } :‬ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ{ [�آل عمران‪ ،]30 :‬قال‬
‫غري واحد من ال�سلف‪ :‬من ر�أفته بالعباد حذرهم من نف�سه‪ ،‬لئال يغرتوا به»(‪.)53‬‬
‫(‪( )50‬مفتاح دار ال�سعادة) البن القيم (جـ‪� - 1 :‬ص‪.)86 :‬‬
‫(‪( )51‬امل�ستطرف يف كل فن م�ستظرف) ل�شهاب الدين الأب�شيهي (جـ‪� – 2:‬ص‪( ،)71 :‬الباب ال�سابع واخلم�سون‪ :‬ما جاء يف‬
‫الي�سر بعد الع�سر والفرج بعد ال�شدة)‪.‬‬
‫(‪( )52‬اجلواب الكايف ملن �س�أل عن الدواء ال�شايف) للإمام �أبن القيم (�ص‪.)27 :‬‬
‫(‪�( )53‬إغاثة اللهفان من م�صايد ال�شيطان) للإمام �أبن القيم (جـ‪� - 2:‬ص‪.)175:‬‬
‫الوار ُ‬
‫ِث‬ ‫الم ِّؤ ُ‬
‫خر ‪َ -‬‬ ‫المقَ ِّد ُم ‪ُ -‬‬
‫المجموعة الثالثون ‪ُ :‬‬ ‫‪535‬‬

‫الــمــجــمــوعـــــــ ‪30‬ـــــــــة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ال ِو َرا َث ُة‬
‫(‪)107 - 106 - 105‬‬
‫املُ َق ِّد ُم ‪ -‬املُ� ِّؤخ ُر ‪ -‬ال َوا ِر ُث‬
‫‪536‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫الـمجـمـوعـ ‪30‬ـة‬
‫مو�ضوع الأ�سماء‪ :‬ال ِو َرا َث ُة‬
‫(‪)107 - 106 - 105‬‬
‫املُ َق ِّد ُم ‪ -‬املُ�ؤخِّ ُر ‪ -‬ال َوا ِر ُث‬
‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪:‬‬
‫‪ æ‬املُ َق ِّد ُم املُ�ؤخَّ ُر‪ :‬مل يرد اال�سمان يف القر�آن الكرمي‪ ،‬و�إمنا وردا يف ال�سنة النبوية‬
‫ق��ال‪ :‬كان النبي ‪� ¤‬إذا قام من الليل يتهجد ق��ال‪( :‬اللهم‬ ‫من حديث ابن عبا�س‬
‫لك احلمد‪� ،‬أنت نور ال�سموات والأر�ض ومن فيهن‪ ،‬ولك احلمد‪� ،‬أنت قيم ال�سموات‬
‫والأر���ض ومن فيهن‪ ،‬ولك احلمد‪� ،‬أنت احلق‪ ،‬ووعدك حق‪ ،‬وقولك حق‪ ،‬ولقا�ؤك‬
‫حق‪ ،‬واجلنة حق‪ ،‬والنار حق‪ ،‬وال�ساعة حق‪ ،‬والنبيون حق‪ ،‬وحممد حق‪ ،‬اللهم لك‬
‫�أ�سلمت‪ ،‬وعليك توكلت‪ ،‬وبك �آمنت‪ ،‬و�إليك �أنبت‪ ،‬وبك خا�صمت‪ ،‬و�إليك حاكمت‪،‬‬
‫فاغفر يل ما قدمت وما �أخرت‪ ،‬وما �أ�سررت وما �أعلنت‪� ،‬أنت املقدم و�أنت امل�ؤخر‪ ،‬ال‬
‫�إله �إال �أنت)(‪.)1‬‬
‫‪ æ‬ال َوا ِر ُث‪ :‬ورد يف القر�آن الكرمي (‪ 3‬مرات) منها قوله تعالى‪}:‬ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ{[احلجر ‪ ،]23 :‬ومل يرد اال�سم يف ال�سنة ب�سند �صحيح‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪:‬‬
‫‪ æ‬املُ َق ِّد ُم املُ�ؤخَّ ُر‪( :‬املُ َقدِّ ُم) «ا�سم فاعل للمو�صوف بالتقدمي‪ ،‬فعله ق َّد َم ي َقدِّم‬
‫تقدميا‪ ،‬فهو مقدِّم»(‪ ،)2‬و(املُ� ِّؤخ ُر) «ا�سم فاعل للمو�صوف بالت�أخري‪ ،‬فعله � َّأخ َر ي� ِّؤخر‬
‫ت�أخرياَ‪ ،‬فهو م� ِّؤخر»(‪ ،)3‬والتقدمي والت�أخري‪ :‬ترتيب الأ�شياء‪ ،‬وتقدمي �أو ت�أخري بع�ضها على‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري برقم (‪.)6317‬‬
‫(‪ )2‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬ق د م)‪.‬‬
‫(‪ )3‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪� :‬أ خ ر)‪.‬‬
‫الوار ُ‬
‫ِث‬ ‫الم ِّؤ ُ‬
‫خر ‪َ -‬‬ ‫المقَ ِّد ُم ‪ُ -‬‬
‫المجموعة الثالثون ‪ُ :‬‬ ‫‪537‬‬

‫بع�ض‪ ،‬يقول ابن الأثري‪(« :‬املُ َقدِّ ُم) الذي ُي َق ِّد ُم الأ�شياء‪ ،‬وي�ضعها يف موا�ضعها‪ ،‬فمن‬
‫ا�ستحق التقدمي قدَّمه ‪ ..‬و(املُ� ِّؤخ ُر) الذي ي� ِّؤخ ُر الأ�شياء‪ ،‬في�ضعها يف موا�ضعها‪ ،‬وهو‬
‫ِ�ضدُّ املقدِّم»(‪.)4‬‬
‫‪ æ‬ال�� َوا ِر ُث‪« :‬ا�سم فاعل‪ ،‬فعله ور َِث ي�رِث وراث � ًة و�إ ْرث �اً‪ ،‬فهو وارث ووري��ث»(‪،)5‬‬
‫«والوراثة يف حقنا انتقال املال �أو امللك من املتقدم �إلى املت�أخر‪ ،‬ومنه وارث مال امليت‬
‫الذي ميلك تركته‪ ،‬ووارث امللك يرث �سلطانه‪ ،‬و(ال َوا ِر ُث) �سبحانه‪ -‬هو الباقي الدائم‬
‫بعد فناء اخللق»(‪ ،)6‬قال ابن منظور‪(« :‬ال َوا ِر ُث) �صفة من �صفات اهلل ‪ ،‬وهو الباقي‬
‫الدائم الذي يرث اخلالئق ويبقى بعد فنائهم‪ ،‬واهلل يرث الأر�ض ومن عليها‪ ،‬وهو‬
‫خري الوارثني‪� ،‬أي يبقى بعد فناء الكل‪ ،‬و َي ْفنى مَن �سواه‪ ،‬فريجع ما كان مِ ْل َك العِباد‬
‫ِ�إليه وحده ال �شريك له»(‪.)7‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪:‬‬


‫‪ æ‬املُ َق ِّد ُم املُ�ؤخِّ ُر‪« :‬املق ّدم ملن �شاء‪ ،‬وامل� ّؤخر ملن �شاء‪ ،‬بحكمته»(‪ ،)8‬قال اخلطابي‪:‬‬
‫«(املُ َقدِّ ُم املُ� ِّؤخ ُر) املنزل الأ�شياء منازلها‪ ،‬يقدم ما ي�شاء منها‪ ،‬وي�ؤخر ما �شاء‪ ،‬قدَّم‬
‫املقادير قبل �أن يخلق اخللق‪ ،‬وقدَّم من �أحب من �أوليائه على غريهم من عبيده‪،‬‬
‫ورف��ع اخللق بع�ضهم ف��وق بع�ض درج ��ات‪ ،‬وق �دَّم م��ن �شاء بالتوفيق �إل��ى مقامات‬
‫ال�سابقني‪ ،‬و� َّأخر من �شاء عن مراتبهم‪ ،‬وثبطهم عنها‪ ،‬و� َّأخر ال�شيء عن حني توقعه؛‬
‫لعلمه مبا يف عواقبه من احلكمة»(‪ ،)9‬قال البيهقي‪( « :‬املُ َقدِّ ُم املُ� ِّؤخ ُر) املنزل للأ�شياء‬
‫(‪( )4‬النهاية يف غريب احلديث) البن الأثري (جـ‪� - 4 :‬ص‪( )25 :‬مادة‪ :‬قدم) و(جـ‪� - 1 :‬ص‪( )29 :‬مادة‪� :‬أخر)‪.‬‬
‫(‪ )5‬معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة‪ :‬و ر ث)‪.‬‬
‫(‪�( )6‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)688:‬الوارث)‪.‬‬
‫(‪( )7‬ل�سان العرب) البن منظور (جـ‪� - 2 :‬ص‪.)199 :‬‬
‫(‪( )8‬احلق الوا�ضح املبني) لل�سعدي (�ص‪.)100:‬‬
‫(‪�( )9‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)87-86 :‬‬
‫‪538‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫منازلها‪ُ ،‬يقدم ما �شاء ومن �شاء‪ ،‬وي�ؤخر ما �شاء ومن �شاء»(‪.)10‬‬


‫‪ æ‬ال�� َوا ِر ُث‪« :‬الباقي بعد فناء خلقه‪ ،‬و�إليه مرجع كل �شيء وم�صريه»(‪ ،)11‬قال‬
‫اخلطابي‪(« :‬ال َوا ِر ُث) الباقي بعد فناء اخللق‪ ،‬وامل�سرتد �أمالكهم وموارثهم بعد موتهم‪،‬‬
‫ومل يزل اهلل باق ًيا مال ًكا لأ�صول الأ�شياء كلها‪ ،‬يورثها من ي�شاء‪ ،‬وي�ستخلف فيها من‬
‫�أحب»(‪ ،)12‬وقال الألو�سي‪(« :‬ال َوا ِر ُث) الباقي بعد فناء اخللق قاطبة‪ ،‬املالك للملك عند‬
‫انق�ضاء زم��ان امللك املجازي‪ ،‬احلاكم يف الكل �أو ًال و�آخ��راً‪ ،‬ولي�س لأح��د �إال الت�صرف‬
‫ال�صوري وامللك املجازي»(‪.)13‬‬

‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪:‬‬


‫‪ æ‬املُ َقدِّ ُم ‪ -‬املُ� ِّؤخ ُر ‪ -‬ال�� َوا ِر ُث‪( :‬املُ َقدِّ ُم) الذي ُيقدم ما �شاء ومن �شاء‪ ،‬و َي َ�ضعه‬
‫موا�ضعه مبقت�ضى احلكمة‪ ،‬و(املُ� ِّؤخ ُر) الذي ي�ؤخر ما �شاء ومن �شاء‪ ،‬مبقت�ضى حكمته‪،‬‬ ‫يف ِ‬
‫ثم يرثهم (ال� � َوا ِر ُث) �سبحانه‪ -‬كما ق��ال تعالى‪} :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ{[مرمي‪ ،]40:‬يقول ابن جرير‪ }« :‬ﮙ ﮚ{[احلجر‪ ،]23:‬ونحن نرث‬
‫حي �سوانا �إذا جــاء ذلك الأجل‪..‬‬‫الأر�ض ومن عليها‪ ،‬ب�أن منيت جميعهم‪ ،‬فال يبقى ّ‬
‫}ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ{[احلجر‪ ،]24:‬ول�ق��د علمنا‬
‫الأم ��وات منكم ي��ا بني �آدم فتقدّم م��وت��ه‪ ،‬ولقد علمنا امل�ست�أخرين ال��ذي��ن ا�ست�أخر‬
‫حي‪ ،‬ومن هو حادث منكــــم‪ ،‬ممـــــن مل يحدث بعدُ‪ ،)14(»..‬ويقــول‬ ‫موتهم؛ ممن هو ّ‬
‫الألـــو�سي‪}« :‬ﮙ ﮚ{[احلجر‪� ،]23:‬أي الباقون بعد فناء اخللق قاطبة‪ ،‬املالكون‬
‫للملك عند انق�ضاء زمان امللك املجازي‪ ،‬احلاكمون يف الكل؛ �أو ًال و�آخراً‪ ،‬ولي�س لأحد‬
‫(‪( )10‬االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص ‪.)44‬‬
‫(‪( )11‬املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص‪.)132:‬‬
‫(‪�( )12‬ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص‪.)97-96 :‬‬
‫(‪ )13‬تف�سري (روح املعاين) للألو�سي (الآية ‪� - 23‬سورة احلجر)‪.‬‬
‫(‪ )14‬تف�سري (جامع البيان) البن جرير الطربي (الآية‪ 23:‬و ‪ – 24‬احلجر)‪.‬‬
‫الوار ُ‬
‫ِث‬ ‫الم ِّؤ ُ‬
‫خر ‪َ -‬‬ ‫المقَ ِّد ُم ‪ُ -‬‬
‫المجموعة الثالثون ‪ُ :‬‬ ‫‪539‬‬

‫�إال الت�صرف ال�صوري‪ ،‬وامللك املجازي‪ ،‬ويف هذا تنبيه على �أن املت�أخر لي�س بوارث‬
‫للمتقدم كما يرتاءى من ظاهر احلال»(‪.)15‬‬
‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪:‬‬
‫‪ æ‬املُ َق ِّد ُم املُ�ؤخِّ ُر‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سميه ‪�-‬سبحانه (املُ� َق��دِّ م) و(املُ�� ِّؤخ��ر)‬
‫«�صفات (ال َّت ْق ِدمي وال َّت�أْ ِخري) وهي من �صفات الأفعال»(‪ ،)16‬الثابتة بالكتاب وال�سنة‪،‬‬
‫قال تعالى‪} :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ{[ق‪ ،]28:‬وقال تعالى‪ } :‬ﯾ‬
‫ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ{[�إبراهيم ‪ ،]44:‬ومن ال�سنة حديث �أدنى �أهل اجلنة‬
‫منزلة‪ ،‬قال الر�سول ‪�( :¤‬إن �أدنى �أهل اجلنة منز ًال؛ رجل �صرف اهلل وجهه عن النار‬
‫ِق َب َل اجلنة‪ ،‬ومثل له �شجرة ذات ظل‪ ،‬فقال‪� :‬أي رب قدمني �إلى هذه ال�شجرة ف�أكون‬
‫يف ظلها‪ ،‬فقال اهلل‪ :‬هل ع�سيت �أن ت�س�ألني غريه؟‪ ،‬قال‪ :‬ال وعزتك‪ ،‬فقدمه اهلل‬
‫�إليها‪ ،)17()..‬وقوله ‪( :¤‬ال يزال قوم يت�أخرون عن ال�صف الأول‪ ،‬حتى ي�ؤخرهم‬
‫اهلل يف النار)(‪.)18‬‬
‫‪ æ‬ال َوا ِر ُث‪ :‬ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه ‪�-‬سبحانه (ال َوا ِرث) «�صفة (الوراثة) وهي‬
‫م��ن �صفات اهلل الثابتة بالكتاب ‪ ..‬وه��ي �صفة ذات �إن ك��ان تقدير املعنى (الباقي‬
‫الدائم) ال��ذي ي ��ؤول �إليه الإرث ومنه قوله تعالى‪} :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ{[مرمي‪ ،]40:‬وتكون �صفة فعل �إن كان معناه ال��وارث جلميع الأ�شياء‬
‫بعد زوال من �شاء من خلقه‪� ،‬أو توريث من �شا ء ما �شاء يف ملكه‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪:‬‬
‫}ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ{[الأعراف‪.)19(»]128:‬‬
‫(‪ )15‬تف�سري (روح املعاين) للألو�سي عند تف�سري (الآية‪� – 23:‬سورة احلجر)‪.‬‬
‫(‪�( )16‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)536 - 529 :‬املقدم وامل�ؤخر)‪.‬‬
‫(‪ )17‬رواه الإمام احمد و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)1557‬‬
‫(‪ )18‬رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)7699‬‬
‫(‪�( )19‬أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص‪( .)689:‬الوارث)‬
‫‪540‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪:‬‬


‫‪ æ‬املُ�ؤخِّ ُر‪ :‬ورد االقرتان مع ا�سمه ‪�-‬سبحانه (املُ َق ِّدم) يف دعاء تهجده ‪ ¤‬وفيه‪:‬‬
‫(‪� ..‬أنت املقدِّ م و�أنت امل�ؤخِّ ر‪ ،‬ال �إله �إال �أن��ت)(‪ ,)20‬واحلكمة من ذلك – واهلل �أعلم‬
‫– �أن الكمال ال يتم يف معنى التقدمي �أو الت�أخري �إال باجتماعهما‪ ،‬فهما من الأ�سماء‬
‫املزدوجة املتقابلة التي ال يطلق واحد مبفرده على اهلل �إال مقرون ًا بالآخر‪ ،‬ف�إن الكمال يف‬
‫اقرتانهما‪ ،‬ال افرتاقهما‪ ،‬يقول ابن القيم‪« :‬فهذه الأ�سماء املزدوجة جتري الأ�سماء‬
‫منها جمرى اال�سم الواحد الذي ميتنع ف�صل بع�ض حروفه عن بع�ض‪ ،‬فهي و�إن‬
‫تعددت جارية جمرى اال�سم الواحد‪ ،‬ولذلك مل جتئ مفردة‪ ،‬ومل تطلق عليه �إال‬
‫مقرتنة فاعلمه»(‪.)21‬‬

‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪:‬‬


‫‪ æ‬الأثر العلمي االعتقادي‪:‬‬
‫اهلل هو (املُ َقدِّ ُم) وهو (املُ�ؤِّخ ُر) املنزل الأ�شياء منازلها‪ ،‬يق ّدم ما �شاء منها‪،‬‬
‫وي�ؤخر ما �شاء بحكمته‪ ،‬وهذا التقدمي يكون كون ًيا كتقدمي بع�ض املخلوقات على بع�ض‪،‬‬
‫وت�أخري بع�ضها على بع�ض‪ ،‬كتقدمي الأ�سباب على م�سبباتها‪ ،‬وال�شروط على م�شروطاتها‪،‬‬
‫ويكون �شرع ًيا كما َف ّ�ضل الأنبياء على اخللق‪ ،‬و َف ّ�ضل بع�ضهم على بع�ض‪ ،‬و َف ّ�ضل بع�ض عباده‬
‫على بع�ض‪ ،‬وق ّدمهم يف العلم‪ ،‬والإمي��ان‪ ،‬والعمل‪ ،‬والأخ�لاق‪ ،‬و�سائر الأو�صاف‪ ،‬و� َّأخر من‬
‫�أخر منهم ب�شيء من ذلك وكل هذا تبع حلكمته‪ ،‬وهو (ال � َوا ِر ُث) الباقي بعد فناء اخللق‪،‬‬
‫الذي �إليه مرجع كل �شيء وم�صريه‪ ،‬كما قال �سبحانه‪} :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ{[مرمي‪.]40:‬‬
‫(‪ )20‬رواه البخاري برقم (‪.)6317‬‬
‫(‪( )21‬بدائع الفوائد) البن القيم (جـ‪� – 1:‬ص‪.)167 :‬‬
‫الوار ُ‬
‫ِث‬ ‫الم ِّؤ ُ‬
‫خر ‪َ -‬‬ ‫المقَ ِّد ُم ‪ُ -‬‬
‫المجموعة الثالثون ‪ُ :‬‬ ‫‪541‬‬

‫‪ æ‬الأثر العملي‪:‬‬
‫‪ 1.1‬التعلق باهلل وحده‪ ،‬والتوكل عليه؛ لأنه ‪�-‬سبحانه‪ -‬ال مقدم ملا �أخر‪ ،‬وال م�ؤخر ملا ق ّدم‪،‬‬
‫فمهما حاول الب�شر من تقدمي �شيء مل يرد اهلل تقدميه‪� ،‬أو ت�أخري �أمر مل يرد اهلل‬
‫‪-‬تعالى‪ -‬ت�أخريه؛ فلن ي�ستطيعوا‪ ،‬وهذا يخل�ص القلب من اخلوف من املخلوق �أو رجائه؛‬
‫لأنه ال ميلك تقدمي �شيء �أو ت�أخريه �إال ب��إذن اهلل وح��ده‪ ،‬فهو املقدم وهو امل�ؤخر وهو‬
‫الوارث الذي يحفظ ما يبقى للعبد بعد موته من مال وولد وهو خري الوارثني‪  .‬‬
‫‪2.2‬التقدم احلقيقي النافع هو التقدم �إلى طاعة اهلل وجنته ومر�ضاته‪ ،‬والت�أخر عن ذلك هو‬
‫الت�أخر احلقيقي املذموم‪� ،‬أما التقدم يف الدنيا والت�أخر عنها فلي�س مبقيا�س للتقدم والت�أخر؛‬
‫ولذا ينبغي للم�سلم �أن يتو�سل �إلى ربه ‪�-‬سبحانه‪ -‬بهذين اال�سمني الكرميني لنيل التقدم‬
‫احلقيقي عنده ‪�-‬سبحانه‪ ،‬وترك كل ما ي�ؤخر عن جنته ومر�ضاته‪ ،‬يقول الإمام ابن القيم‪:‬‬
‫«فالعبد �سائر ال واقف؛ ف�إما �إلى فوق‪ ،‬و�إما �إلى �أ�سفل‪ ،‬و�إما �إلى �أمام‪ ،‬و�إما �إلى وراء‪،‬‬
‫ولي�س يف الطبيعة‪ ،‬وال يف ال�شريعة وقوف البتة‪ ،‬ما هو �إال مراحل تطوى �أ�سرع َط ٍّي‬
‫�إلى اجلنة �أو �إلى النار‪ ،‬فم�سرع ومبطئ‪ ،‬ومتقدم ومت�أخر‪ ،‬ولي�س يف الطريق واقف‬
‫البتة‪ ،‬و�إمنا يتخالفون يف جهة امل�سري‪ ،‬ويف ال�سرعة والبطء كما قال تعـــالى‪ } :‬ﯶ‬
‫ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ{[املدثر‪ ،]37-35:‬ومل يذكر‬
‫واقفاً؛ �إذ ال منزل بني اجلنة والنار‪ ،‬وال طريق ل�سالك �إلى غري الدارين البتة‪ ،‬فمن‬
‫مل يتقدم �إلى هذه بالأعمال ال�صاحلة فهو مت�أخر �إلى تلك بالأعمال ال�سيئة»(‪)22‬؛‬
‫ولذا كان تقدم امل�سلم �إلى طاعة اهلل يف دنياه‪ ،‬طريق ًا للفوز باجلنة التي ال يورثها اهلل �إال‬
‫للمتقني‪ ،‬كما قال �سبحانه‪ } :‬ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ{[مرمي‪.]63:‬‬
‫‪3.3‬الإميان بحكمته ‪�-‬سبحانه‪ -‬البالغة يف تقدمي ما قدم‪ ،‬وت�أخري ما � َّأخر‪ ،‬و�أن �أي �أمر ُقدِّ م‬
‫�أو �أُ ِّخر ف�إمنا هو بعلم اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬و�إرادته وحكمته البالغة‪ ،‬وهذا ي�شمل كل �شيء قدم �أو‬
‫(‪( )22‬مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ ‪� - 1:‬ص‪.)267 :‬‬
‫‪542‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ف�ضل على غريه‪� ،‬أو �أخر عنه‪ ،‬ومن ذلك تقدمي الآجال وت�أخريها‪ ،‬وتقدمي �أو تف�ضيل بع�ض‬
‫الأزمنة والأمكنة على بع�ضها‪� ،‬أو تقدمي �إيجاد �شيء على �شيء �آخر‪� ،‬أو تقدمي عقوبة �أقوام‬
‫وت�أخري �آخرين‪� ،‬أو تقدمي بع�ض خلقه وتف�ضيلهم على بع�ض‪ ،‬كما قال �سبحانه‪} :‬ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ{[اجلمعة‪ .]4-3:‬‬
‫‪4.4‬تقدمي من ق َّدمه اهلل وت�أخري من � َّأخره ‪�-‬سبحانه‪ ،‬وذلك ب�أن يكون ميزان التقدمي‬
‫والت�أخري‪ ،‬واحلب والبغ�ض‪ ،‬والوالء والرباء هو ميزان اهلل ال كما يزن به �أكرث النا�س‬
‫اليوم‪ ،‬حيث يقدِّ مون �أهل اجلاه واملال والرئا�سات وغريها من �أعرا�ض الدنيا على غريهم‬
‫من �أهل الدين والتقوى وهذا يخالف ميزان اهلل يف التقدمي والت�أخري قال تعالى‪ } :‬ﯠ‬
‫ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ ﯨﯩﯪﯫ‬
‫ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ{[اجلاثية‪ ،]21:‬ولقد كان الر�سول ‪ ¤‬و�أ�صحابه‬
‫الكرام يعملون بهذا امليزان يف تقدمي الرجال واملواقف وغريها‪.‬‬
‫‪5.5‬عدم االغرتار بقوة الباطل وانتفا�شه ف�إن اهلل له باملر�صاد‪ ،‬و�سي�أتي الوقت الذي يزهقه اهلل‬
‫فيه‪ ،‬ويورث عباده امل�ؤمنني الأر���ض وميكنهم فيها‪ ،‬كما يف قوله تعالى عن مو�ســـى‬
‫‪}:‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ {[الأعــــــــــراف ‪� ،]128 :‬إلـــى قولــــه تعـــــالى‪ } :‬ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ{[الأعراف‪.]137:‬‬
‫‪6.6‬عدم االغرتار بالدنيا واحلذر من الركون �إليها؛ لأن م�آلها �إلى الفناء وال يبقى �إال ما قدمه‬
‫العبد لنف�سه يوم القيامة‪ ،‬قال ‪( :¤‬يقول ابن �آدم‪ :‬مايل مايل!‪ ،‬قال‪ :‬وهل لك يا‬
‫ابن �آدم من مالك �إال ما �أكلت ف�أفنيت‪� ،‬أو لب�ست ف�أبليت‪� ،‬أو ت�صدقت ف�أم�ضيت)(‪.)23‬‬
‫(‪ )23‬رواه م�سلم برقم (‪.)2958‬‬
‫الوار ُ‬
‫ِث‬ ‫الم ِّؤ ُ‬
‫خر ‪َ -‬‬ ‫المقَ ِّد ُم ‪ُ -‬‬
‫المجموعة الثالثون ‪ُ :‬‬ ‫‪543‬‬

‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪:‬‬
‫(املُ َق ِّد ُم ‪ -‬املُ�ؤِّ ُ‬
‫خر ‪ -‬ال َوا ِر ُث) من �أ�سماء اهلل احل�سنى الدالة على �صفات (ال َّت ْق ِدمي‬
‫وال َّت�أْ ِخري والوراثة)؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل‪ ،‬والتو�سل �إليه‪ ،‬والثناء عليه بهذه‬
‫الأ�سماء يف جميع حاجات العبد التي تنا�سب معانيها‪ ،‬كدعاء اهلل يف نيل الت َّقدم احلقيقي‬
‫عنده ‪�-‬سبحانه‪ ،‬وترك كل ما ي�ؤخر عن جنته ومر�ضاته‪� ،‬أو الدعاء بالولد والذرية ال�صاحلة‬
‫يف قوله تعالى‪ } :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬ ‫كما دعا زكريا‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ{الأنبياء‪ ،]89:‬ومن ال�سنة قوله ‪ .. ( :¤‬اللهم اغفر يل ما قدمت‬
‫وما �أخرت‪ ،‬وما �أ�سررت وما �أعلنت‪� ،‬أنت املقدم و�أنت امل�ؤخر‪ ،‬و�أنت على كل �شيء‬
‫ق��دي��ر)(‪ ،)24‬ودع��ا�ؤه ‪( :¤‬اللهم متعني ب�سمعي وب�صري‪ ،‬واجعلهما ال��وارث مني‪،‬‬
‫ان�صرين على من ظلمني‪ ،‬خذ منه بث�أري)(‪.)25‬‬
‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪:‬‬
‫‪ æ‬قال تعالى‪ } :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ {[امل�ؤمنون‪ ،]61-60:‬قالت عائ�شة ‪�« :‬س� ُ‬
‫ألت ر�سو َل‬
‫اللهَّ ِ ‪ ¤‬عن ه ِذ ِه الآي ِة‪} :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ{ فقلت‪�« :‬أَ ُه ُم ا َّل َ‬
‫ذين ي�شربو َن‬
‫هم ا َّلذينَ ي�صومونَ وي�ص ُّلونَ‬ ‫يق!‪ ،‬و َل ِك َّن ُ‬ ‫ال�صدِّ ِ‬
‫بنت ِّ‬‫قال ‪( :¤‬ال يا َ‬ ‫اخلم َر وي�س ِرقو َن؟»‪َ ،‬‬
‫ات َوهُ ْم َل َها‬ ‫ويت�صدَّ قونَ ‪َ ،‬وهُ م يخافونَ �أن ال ُتق َب َل من ُهم �أُو َل ِئ َك ُي َ�سا ِر ُعونَ يِف خْ َ‬
‫اليرْ َ ِ‬
‫َ�سا ِب ُقونَ )(‪ ،)26‬قال ال�شيخ الألباين معلقا على احلديث‪« :‬وال�سر يف خوف امل�ؤمنني �أن ال‬
‫تقبل منهم عبادتهم‪ ،‬لي�س هو خ�شيتهم �أن ال يوفيهم اهلل �أجورهم‪ ،‬ف�إن هذا خالف وعد‬
‫اهلل �إياهم يف مثل قوله تعالى‪} :‬ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ{[�آل عمران‪ ،]57:‬بل �إنه ليزيدهم عليها كما قال تعالى‪} :‬ﯻ ﯼ‬
‫ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ{[فاطر‪ ،]30:‬و اهلل تعالى ال يخلف‬
‫(‪ )24‬رواه البخاري برقم (‪.)6398‬‬
‫(‪ )25‬رواه الرتمذي وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (‪.)1310‬‬
‫(‪ )26‬رواه الرتمذي واحلاكم والإمام �أحمد و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (‪ )3175‬وال�سل�سلة ال�صحيحة (جـ‪- 1 :‬‬
‫�ص‪ )304 - 306 :‬برقم (‪.)162‬‬
‫‪544‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫وعده كما قال يف كتابه‪ ،‬و �إمنا ال�سر �أن القبول متعلق بالقيام بالعبادة كما �أمر اهلل‬
‫‪ ،‬و هم ال ي�ستطيعون اجلزم ب�أنهم قاموا بها على مراد اهلل‪ ،‬بل يظنون �أنهم ق�صروا يف‬
‫ذلك‪ ،‬و لهذا فهم يخافون �أن ال تقبل منهم ‪ .‬فليت�أمل امل�ؤمن هذا!»(‪.)27‬‬
‫‪ æ‬قال احل�سن الب�صري‪« :‬ح�ضر باب عمر بن اخلطاب ‹‪� ،‬سهيل بن عمرو‪ ،‬واحل��ارث ابن‬
‫ه�شام‪ ،‬و�أبو �سفيان بن حرب ‪ ،‬ونفر من قري�ش من تلك الر�ؤو�س‪ ،‬و�صهيب وبالل وتلك املوايل‬
‫الذين �شهدوا ً‬
‫بدرا‪ ،‬فخرج �آذن عمر ف�أذن للموايل‪ ،‬وترك الر�ؤو�س‪ ،‬فقال �أبو �سفيان ‪ :‬مل �أر كاليوم قط!‪،‬‬
‫ي�أذن له�ؤالء العبيد ويرتكنا على بابه وال يلتفت �إلينا‪ ،‬فقال �سهيل بن عمرو‪ ،‬وكان رجال عاق ًال‪:‬‬
‫�أيها القوم‪� ،‬إين واهلل �أرى الذي يف وجوهكم‪� ،‬إن كنتم غ�ضاباً فاغ�ضبوا على �أنف�سكم‪ ،‬دُع َي القوم‪،‬‬
‫ودُعيتم‪ ،‬ف�أ�سرعوا و�أبط�أمت‪ ،‬فكيف بكم �إذا دُعوا ليوم القيامة وتركتم!‪� ،‬أما واهلل ملا �سبقوكم �إليه‬
‫من الف�ضل مما ال ترون �أ�شد عليكم فوتاً من بابكم هذا الذي نناف�سهم عليه‪ ،‬ونف�ض ثوبه وانطلق‪،‬‬
‫قال احل�سن‪ :‬و�صدق واهلل �سهيل‪ ،‬ال يجعل اهلل عبدا �أ�سرع �إليه كعبد �أبط�أ عنه»(‪.)28‬‬
‫‪« æ‬فر�ض عمر بن اخلطاب ‹‪ ،‬لأ�سامة بن زيد ؛ ثالثة �آالف وخم�سمائة‪ ،‬وفر�ض‬
‫البنه عبد اهلل ‹‪ ،‬ثالثة �آالف‪ ،‬فقال عبد اهلل بن عمر لأبيه‪ :‬لمِ َ َف ّ�ضلت �أُ�سامة َّ‬
‫علي؟‪ ،‬فواهلل‬
‫ما �سبقني �إلى م�شهد!‪ ،‬فقال له‪ :‬لأن زيداً ‹‪ ،‬كان �أحب �إلى ر�سول اهلل‪ ¤‬من �أبيك‪،‬‬
‫وكان �أ�سامة �أحب �إلى ر�سول اهلل ‪ ¤‬منك‪ ،‬ف�آثرت حِ َّب ر�سول اهلل‪ ،¤‬على حِ ِّبي»(‪.)29‬‬
‫‪ æ‬قال ابن اجلوزي‪« :‬كما قدّمك اهلل على �سائر احليوانات؛ فقدِّمه يف قلبك‬
‫على ك ِّل املطلوبات‪ ،‬و�آخيب َة من َجهِل ُه‪ ،‬و�أفق َر من � َ‬
‫أعر�ض عنه‪ ،‬و� َّ‬
‫أذل من اعتز بغريهِ‪،‬‬
‫و�آح�سر َة من ا�شتغل بغري خدمته» (‪.)30‬‬
‫‪ æ‬قال �أبو حازم �سلمة بن دينار‪« :‬عجبا لقوم يعملون لدار يرحلون عنها كل يوم‬
‫مرحلة‪ ،‬ويدعون �أن يعملوا لدار يرحلون �إليها كل يوم مرحلة»(‪.)31‬‬
‫(‪ )27‬ال�سل�سلة ال�صحيحة للألباين (جـ‪� - 1 :‬ص‪ )306 :‬عند ت�صحيحه للحديث رقم (‪.)162‬‬
‫(‪�( )28‬صفوة ال�صفوة) البن اجلوزي (جـ‪� – 1:‬ص‪ )733 - 732 :‬عند حديثه عن ترجمة (�سهيل بن عمرو) و�أخرجه الإمام‬
‫�أحمد يف (الزهد) (برقم‪� – 592 :‬ص‪ ،)94 :‬و�أخرجه الهيثمي يف (جممع الزوائد (‪ ))48/8‬وقال‪ :‬رجاله رجال ال�صحيح‬
‫�إال �أن احل�سن مل ي�سمع من عمر‏‏‪.‬‬
‫(‪� )29‬أخرجه الرتمذي يف �سننه و�ضعفه الألباين يف �ضعيف الرتمذي برقم (‪.)3813‬‬
‫(‪�( )30‬صيد اخلاطر) البن اجلوزي (�ص‪ )660:‬يف الف�صل رقم (‪ )309‬بعنوان‪( :‬ويحك! اغتنم �ساعات عمرك ف�إنها حمدودة)‪.‬‬
‫(‪�( )31‬صفة ال�صفوة) البن اجلوزي (جـ‪� – 2 :‬ص‪.)165 :‬‬
‫الوار ُ‬
‫ِث‬ ‫الم ِّؤ ُ‬
‫خر ‪َ -‬‬ ‫المقَ ِّد ُم ‪ُ -‬‬
‫المجموعة الثالثون ‪ُ :‬‬ ‫‪545‬‬

‫ال َن ْدعُو َلك َط ِبي ًبا؟!‪،‬‬ ‫‪ æ‬قال عبدامللك بن عمري للتابعي اجلليل الربيع بن خثيم يف مر�ضه‪� :‬أَ َ‬
‫ون‪ ،‬ثم َت َف َّك َر!‪ ،‬فقال‪} :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬ ‫فقال الربيع‪� :‬أَ ْنظِ ُر يِ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ{[الفرقان‪َ ,]39-38:‬ف َذ َك َر مِ ْن حِ ْر ِ�ص ِه ْم‬
‫َعلَى الدُّ ْن َيا‪َ ،‬و َر ْغ َب ِت ِه ْم فِيهَا‪َ ،‬ق َال‪ :‬ف َق ْد َكا َنتْ فيهم مر�ضى و�أوجاع‪ ،‬وكان منهم �أَطِ َّباءُ‪َ ،‬ف َ‬
‫ال‬
‫هلل َ‬
‫ال َت ْدعُو َن ليِ َط ِبي ًبا»(‪.)32‬‬ ‫المْ ُدَا ِوي َب ِق َي‪َ ،‬و َال المْ ُدَا َوى‪َ ،‬هلَ َك ا ْل َناعِ ت َوالمْ ْن ُع ُ‬
‫وت َل ُه‪َ ،‬وا ِ‬
‫أر�ضا له بثمانني �أل ًفا‪ ،‬فقيل له‪ :‬لو اتَّخذت لولدك‬
‫‪ æ‬باع عبداهلل بن عتبة بن م�سعود � ً‬
‫ذخرا لولدي!‪،‬‬ ‫ذخرا يل عند اهلل‪ ،‬واجعل اهلل ْ‬ ‫من هذا املال ْ‬
‫ذخرا! (‪ ،)33‬فقال‪« :‬بل �أجعله ْ‬
‫وق�سمه بني ذوي احلاجة» (‪.)34‬‬
‫‪ æ‬لقى ‫‏الف�ضيل بن عيا�ض‬ رجال ؛ فقال له الف�ضيل‪« :‬كم ُع ُمرك؟ قال الرجل‪� :‬ستون‬
‫�سنة! قال الف�ضيل‪� :‬إذا �أنت منذ �ستني �سنة ت�سري �إلى اهلل تو�شك �أن ت�صل! فقال الرجل‪:‬‬
‫�إنا هلل و�إنا �إليه راجعون! قال الف�ضيل‪ :‬هل تعرف معناها؟! ‪.‬قال‪ :‬نعم �أعرف �أين عبد هلل‬
‫و�أين �إليه راجع! قال الف�ضيل‪ :‬يا �أخي‪ ،‬من عرف �أنه هلل عبد‪ ،‬و�أنه �إليه راجع‪ ،‬فليعلم‬
‫�أنه موقوف بني يديه‪ ،‬وليعلم انه م�سئول‪ ،‬ومن علم �أنه م�سئول فليعد لل�س�ؤال جوابا!‪،‬‬
‫فبكى الرجل وقال‪ :‬ما احليلة؟ فقال الف�ضيل‪ :‬ي�سرية! تحُ �سن فيما بقى‪ ،‬يغفر اهلل لك ما‬
‫قد م�ضى وما بقى‪ ،‬ف�إنك �إن �أ�س�أت فيما بقى �أُخذت مبا م�ضى وما بقى»(‪.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬ )35‬‬

‫مت الكتاب بحمد اهلل‪،،،‬‬

‫(‪ُ ()32‬م�صنف ابن �أبي �شيبة) لأبي بكر عبد اهلل بن حممد بن �أبي �شيبة العب�سي الكويف (جـ‪� - 12 :‬ص‪ )145 :‬برقم (‪.)35867‬‬
‫(‪ )33‬الذُّخْ ر‪ :‬ما ُيخ ّبى و ُيدَّخر و ُيحتفظ به لوقت احلاجة‪.‬‬
‫(‪( )34‬ربيع الأبرار ون�صو�ص الأخيار) للزخم�شري (جـ‪� - 4:‬ص‪.)374:‬‬
‫(‪( )35‬حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ‪� – 8 :‬ص‪.)113 :‬‬
‫‪546‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫امل�صادر واملراجع‬
‫المصادر والمراجع‬ ‫‪547‬‬

‫امل�صادر واملراجع‬
‫القر�آن الكرمي وعلومه‬
‫‪ )1‬القر�آن الكرمي‪.‬‬
‫‪( )2‬املعجم املفهر�س لألفاظ القر�آن الكرمي)‪ ،‬حممد ف�ؤاد عبدالباقي‪ ،‬املكتبة اال�سالمية ‪-‬‬
‫ا�ستانبول‪ ،‬الطبعة ‪ 1402‬هـ‪.‬‬
‫‪( )3‬ت�أويل م�شكل القر�آن) لأبي حممد عبد اهلل بن م�سلم بن قتيبة الدينوري‪ ،‬علق عليه‪� :‬إبراهيم‬
‫�شم�س الدين‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1428‬هـ ‪2007 -‬م‪.‬‬
‫‪( )4‬التبيان يف �أميان القر�آن)‪ ،‬للإمام �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبداهلل بن �سامل‬
‫البطاطي‪ ،‬دار عامل الفوائد ‪ -‬مكة‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1429‬هـ‪.‬‬
‫‪ )5‬تف�سري (ابن كثري) امل�سمى (تف�سري القر�آن العظيم)‪ ،‬للحافظ �أبي الفداء �إ�سماعيل بن عمر‬
‫بن كثري القر�شي الدم�شقي‪ ،‬دار ابن حزم ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1420‬هـ‪.‬‬
‫‪ )6‬تف�سري (�أ�ضواء البيان يف �إي�ضاح القر�آن بالقر�آن)‪ ،‬لل�شيخ حممد الأمني بن حممد بن املختار‬
‫اجلكني ال�شنقيطي‪ ،‬حتقيق‪ :‬مكتب البحوث والدرا�سات‪ ،‬دار الفكر ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة ‪ 1415‬هـ‪.‬‬
‫‪( )7‬تف�سري �آيات �أ�شكلت) ل�شيخ الإ�سالم �أحمد بن عبداحلليم بن عبدال�سالم ابن تيمية‪ ،‬درا�سة‬
‫وحتقيق‪ :‬عبدالعزيز بن حممد اخلليفة‪ ،‬مكتبة الر�شد – الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأولى‪ 1417 :‬هـ ‪1996 -‬م‪.‬‬
‫‪ )8‬تف�سري (البحر املحيط)‪ ،‬لأبي حيان حممد بن يو�سف ال�شهري ب�أبي حيان الأندل�سي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫عادل �أحمد عبد املوجود وال�شيخ علي حممد معو�ض‪ ،‬ومب�شاركة الدكتور زكريا عبد املجيد النوقي‬
‫والدكتور �أحمد النجويل اجلمل‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1422‬هـ‪.‬‬
‫‪ )9‬تف�سري (البغوي) امل�سمى (معامل التنزيل)‪ ،‬للإمام �أبي حممد احل�سني بن م�سعود البغوي‪ ،‬دار‬
‫ابن حزم ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1423‬هـ‪.‬‬
‫‪ )10‬تف�سري (البي�ضاوي) امل�سمى (�أنوار التنزيل و�أ�سرار الت�أويل) لنا�صر الدين �أبو اخلري عبد‬
‫اهلل ابن عمر بن حممد البي�ضاوي‪ ،‬دار الفكر – بريوت‪.‬‬
‫‪ )11‬تف�سري (التحرير والتنوير)‪ ،‬ملحمد الطاهر بن عا�شور‪ ،‬الدار التون�سية للن�شر ‪ -‬تون�س‪1404،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )12‬تف�سري (الت�سهيل لعلوم التنزيل) ملحمد بن �أحمد بن حممد بن جزي الغرناطي الكلبي‪ ،‬دار‬
‫الكتاب العربي – لبنان‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪1403‬هـ‪.‬‬
‫‪ )13‬تف�سري (اجلاللني)‪ ،‬للإمام جالل الدين حممد بن �أحمد املحلي‪ ،‬وجالل الدين عبدالرحمن‬
‫بن �أبي بكر ال�سيوطي‪ ،‬دار ابن كثري ‪ -‬دم�شق‪ ،‬الطبعة ‪ 1407‬هـ‪.‬‬
‫‪548‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪ )14‬تف�سري (اخلازن) امل�سمى (لباب الت�أويل يف معاين التنزيل)‪ ،‬لعالء الدين علي بن حممد بن‬
‫�إبراهيم البغدادي ال�شهري باخلازن‪ ،‬دار الفكر ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة ‪ 1399‬هـ‪.‬‬
‫‪ )15‬تف�سري (الرازي) امل�سمى (التف�سري الكبري) �أو (مفاتيح الغيب)‪ ،‬للإمام فخر الدين‬
‫الرازي – حتقيق‪ :‬عماد زكي البارودي‪ ،‬املكتبة التوفيقية – القاهرة‪ ،‬الطبعة الأولى‪.‬‬
‫‪ )16‬تف�سري (روح البيان) لإ�سماعيل حقي بن م�صطفى الإ�ستانبويل احلنفي اخللوتي‪ ،‬دار �إحياء‬
‫الرتاث العربى‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1421‬هـ‪.‬‬
‫‪ )17‬تف�سري (ال�سعدي)‪ ،‬امل�سمى (تي�سري الكرمي الرحمن يف تف�سري كالم املنان) لل�شيخ عبد الرحمن بن‬
‫نا�صر ال�سعدي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد الرحمن بن معال اللويحق‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1417‬هـ‪.‬‬
‫‪ )18‬تف�سري (ال�سمرقندي) امل�سمى (بحر العلوم)‪ ،‬لأبي الليث ن�صر بن حممد بن �أحمد بن‬
‫�إبراهيم ال�سمرقندي‪ ،‬حتقيق‪ :‬ال�شيخ علي حممد معو�ض وال�شيخ عادل �أحمد عبد املوجود والدكتور‬
‫زكريا عبداملجيد النوقي ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1413‬هـ‪.‬‬
‫‪ )19‬تف�سري (ال�سمعاين) لأبي املظفر من�صور بن حممد بن عبد اجلبار ال�سمعاين‪ ،‬حتقيق ‪ :‬يا�سر‬
‫بن �إبراهيم وغنيم بن عبا�س بن غنيم‪ ،‬دار الوطن – الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأولى‪.‬‬
‫‪ )20‬تف�سري (ال�سيوطي) امل�سمى (الدر املنثور يف التف�سري بامل�أثور) للإمام جالل الدين عبد‬
‫الرحمن بن �أبي بكر ال�سيوطي‪ ،‬دار الفكر – بريوت‪1993 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )21‬تف�سري (ال�شوكاين) امل�سمى (فتح القدير)‪ ،‬للإمام حممد بن علي بن حممد ال�شوكاين‪،‬‬
‫مبراجعة يو�سف الغو�ش‪ ،‬دار املعرفة ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪ 1428‬هـ‪.‬‬
‫‪ )22‬تف�سري (ال�ضوء املنري على التف�سري من كتب الإمام ابن القيم)‪ ،‬للإمام �شم�س الدين ابن قيم‪،‬‬
‫جمع علي احلمد املحمد ال�صاحلي‪ ،‬م�ؤ�س�سة النور للطباعة بعنيزة وبالتعاون مع مكتبة ال�سالم بالريا�ض‪.‬‬
‫‪ )23‬تف�سري (الطربي) امل�سمى (جامع البيان يف ت�أويل القر�آن)‪ ،‬للإمام �أبي جعفر حممد بن‬
‫جرير بن الطربي‪ ،‬حتقيق‪� :‬أحمد حممد �شاكر‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1420‬هـ‪.‬‬
‫‪ )24‬تف�سري (القا�سمي) امل�سمى (حما�سن الت�أويل)‪ ،‬مل�ؤلفه ال�شيخ حممد جمال الدين القا�سمي‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬وتعليق ال�شيخ حممد ف�ؤاد عبدالباقي‪ ،‬دار الفكر ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1398‬هـ‪.‬‬
‫‪ )25‬تف�سري (القرطبي) امل�سمى (اجلامع لأحكام القر�آن واملبني ملا ت�ضمنه من ال�سنة و�آي‬
‫الفرقان)‪ ،‬للإمام �أبي عبداهلل �شم�س الدين حممد بن �أحمد بن �أبي بكر القرطبي‪ ،‬حتقيق‪ :‬الدكتور‬
‫عبداهلل بن عبداملح�سن الرتكي‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1427‬هـ‪.‬‬
‫‪ )26‬تف�سري (اللباب يف علوم الكتاب)‪ ،‬لأبي حف�ص عمر بن علي بن عادل الدم�شقي احلنبلي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫عادل �أحمد عبد املوجود وال�شيخ علي حممد معو�ض‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1419‬هـ‪.‬‬
‫المصادر والمراجع‬ ‫‪549‬‬

‫‪ )27‬تف�سري (املاوردي) امل�سمى (النكت والعيون)‪ ،‬لأبي احل�سن علي بن حممد بن حبيب الب�صري‬
‫املاوردي‪ ،‬مراجعة وتعليق ال�سيد بن عبداملق�صود بن عبدالرحيم‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪.‬‬
‫‪ )28‬تف�سري (الن�سفي) امل�سمى (مدارك التنزيل وحقائق الت�أويل)‪ ،‬لأبي الربكات عبداهلل بن‬
‫�أحمد بن حممود الن�سفي‪ ،‬حتقيق‪ :‬يو�سف علي بديوي وحميي الدين ديب متو‪ ،‬دار الكلم الطيب ‪-‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1419‬هـ‪.‬‬
‫‪ )29‬تف�سري (روح املعاين يف تف�سري القر�آن العظيم وال�سبع املثاين)‪ ،‬لأبي الف�ضل �شهاب الدين‬
‫ال�سيد حممود الألو�سي البغدادي‪ ،‬دار �إحياء الرتاث العربي ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪ )30‬تف�سري (زاد امل�سري يف علم التف�سري)‪ ،‬للإمام �أبي الفرج جمال الدين عبدالرحمن بن اجلوزي‬
‫القر�شي البغدادي‪ ،‬املكتب الإ�سالمي‪ -‬بريوت ودار ابن حزم ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى اجلديدة ‪1423‬هـ‪.‬‬
‫‪ )31‬تف�سري (غريب القر�آن)‪ ،‬لأبي حممد عبداهلل بن م�سلم بن قتيبة‪ ،‬حتقيق‪ :‬ال�سيد �أحمد �صقر‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة ‪ 1398‬هـ‪.‬‬
‫‪( )32‬خواطر ال�شعراوي) لل�شيخ حممد متويل ال�شعراوي (ن�سخة حا�سوبية)‪.‬‬
‫‪( )33‬عمدة احلفاظ يف تف�سري �أ�شرف الألفاظ) لأبي العبا�س �شهاب الدين �أحمد بن يو�سف بن‬
‫عبد الدائم املعروف بال�سمني احللبي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد با�سل عيون ال�سود‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية‬
‫– بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪ 1417 ،‬هـ ‪ 1996 -‬م‪.‬‬
‫‪( )34‬يف ظالل القر�آن)‪� ،‬سيد قطب‪ ،‬دار العلم للطباعة والن�شر‪ -‬جدة‪ ،‬الطبعة الثانية ع�شرة ‪1406‬هـ‪.‬‬
‫‪( )35‬املفردات يف غريب القر�آن)‪ ،‬الراغب الأ�صفهاين احل�سني بن حممد‪ ،‬مركز الدرا�سات‬
‫مبكتبة نزار الباز‪ ،‬مكتبة نزار م�صطفى الباز – مكة‪.‬‬
‫احلديث النبوي و�شروحه‬
‫‪( )36‬جامع الأ�صول يف �أحاديث الر�سول)‪ ،‬للإمام جمد الدين ابن الأثري اجلزري‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫عبدالقادر الأرنا�ؤوط‪ ،‬رئا�سة �إدارات البحوث العلمية واالفتاء‪ ،‬الطبعة ‪ 1390‬هـ‪.‬‬
‫‪( )37‬جامع العلوم واحلكم)‪ ،‬للإمام ابن رجب زين الدين �أبو الفرج عبد الرحمن بن �شهاب‬
‫الدين‪ ،‬تعليق وحتقيق‪ :‬ماهر يا�سمني الفحل‪ ،‬دار ابن كثري ‪ -‬دم�شق‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1429‬هـ‪.‬‬
‫‪�( )38‬شرح حديث لبيك اللهم لبيك) للحافظ عبدالرحمن بن �أحمد بن رجب البغدادي احلنبلي‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬د‪ .‬الوليد بن عبدالرحمن الفريان‪ ،‬دار عامل الفوائد للن�شر والتوزيع – مكة املكرمة‪ ،‬الطبعة‬
‫الأولى ‪ 1417‬هـ‪.‬‬
‫‪�( )39‬شرح ريا�ض ال�صاحلني) لل�شيخ حممد بن �صالح العثيمني‪ ،‬دار الوطن – الريا�ض‪1425 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪�( )40‬صحيح البخاري) امل�سمى (اجلامع ال�صحيح امل�سند)‪ ،‬للإمام احلافظ حممد بن �إ�سماعيل‬
‫البخاري‪ ،‬حتقيق‪ :‬حمب الدين اخلطيب‪ ،‬املكتبة ال�سلفية ‪ -‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1400‬هـ‪.‬‬
‫‪550‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪�( )41‬صحيح الرتغيب والرتهيب)‪ ،‬ال�شيخ حممد نا�صر الدين الألباين‪ ،‬مكتبة املعارف ‪-‬‬
‫الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1421‬هـ‪.‬‬
‫‪�( )42‬صحيح اجلامع ال�صغري وزيادته)‪ ،‬ال�شيخ حممد نا�صر الدين الألباين‪ ،‬املكتب الإ�سالمي‬
‫‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1406‬هـ‪.‬‬
‫‪�( )43‬صحيح �سنن ابن ماجة)‪ ،‬ال�شيخ حممد نا�صر الدين الألباين‪ ،‬مكتب الرتبية العربي لدول‬
‫اخلليج‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1407‬هـ‪.‬‬
‫‪�( )44‬صحيح �سنن �أبي داود)‪ ،‬ال�شيخ حممد نا�صر الدين الألباين‪ ،‬مكتب الرتبية العربي لدول‬
‫اخلليج‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1409‬هـ‪.‬‬
‫‪�( )45‬صحيح �سنن الرتمذي)‪ ،‬ال�شيخ حممد نا�صر الدين الألباين‪ ،‬مكتب الرتبية العربي لدول‬
‫اخلليج‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1408‬هـ‪.‬‬
‫‪�( )46‬صحيح �سنن الن�سائي)‪ ،‬ال�شيخ حممد نا�صر الدين الألباين‪ ،‬مكتب الرتبية العربي لدول‬
‫اخلليج‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1409‬هـ‪.‬‬
‫‪�( )47‬صحيح م�سلم) امل�سمى (امل�سند ال�صحيح املخت�صر من ال�سنن)‪ ،‬م�سلم بن احلجاج الق�شريي‬
‫الني�سابوري‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد بن ف�ؤاد عبدالباقي‪ ،‬دار �إحياء الكتب العربية‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1374‬هـ‪.‬‬
‫‪( )48‬عمدة القاري �شرح �صحيح البخاري)‪ ،‬للإمام بدر الدين حممود بن �أحمد العيني‪ ،‬دار‬
‫الفكر ‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫‪( )49‬فتح الباري ب�شرح �صحيح البخاري)‪ ،‬للحافظ ابن حجر الع�سقالين‪ ،‬بيت الأفكار الدولية‬
‫‪ -‬الأردن‪ ،‬الطبعة ‪2006‬م‪.‬‬
‫‪( )50‬كنز العمال يف �سنن الأقوال والأفعال)‪ ،‬لعالء الدين علي املتقي بن ح�سام الدين الهندي‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬بكري حياين و�صفوة ال�سقا‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة ‪ 1399‬هـ‪.‬‬
‫‪( )51‬امل�ستدرك على ال�صحيحني) لأبي عبد اهلل احلاكم حممد بن عبد اهلل بن حممد بن حمدويه‬
‫بن ُنعيم بن احلكم الني�سابوري‪ ،‬حتقيق‪ :‬م�صطفى عبد القادر عطا‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬الأولى‪ 1411 ،‬هـ ‪1990 -‬م‪.‬‬
‫‪ُ ( )52‬م�صنف ابن �أبي �شيبة) امل�سمى (الكتاب امل�صنف يف الأحاديث والآثار) لأبي بكر عبد اهلل‬
‫بن حممد بن �أبي �شيبة العب�سي الكويف‪ ،‬حتقيق‪� :‬أبي حممد �أ�سامة بن �إبراهيم بن حممد‪ ،‬النا�شر‬
‫الفاروق احلديثة للطباعة والن�شر– القاهرة‪ ،‬الطبعة الأولى‪1429 ،‬هـ ‪2008 -‬م‪.‬‬
‫‪( )53‬املنهاج يف �شرح �صحيح م�سلم بن احلجاج)‪ ،‬للإمام احلافظ حميي الدين �أبو زكريا النووي‪،‬‬
‫بيت الأفكار الدولية ‪ -‬الأردن‪ ،‬الطبعة ‪ 1421‬هـ‪.‬‬
‫المصادر والمراجع‬ ‫‪551‬‬

‫‪( )54‬م�شكاة امل�صابيح)‪ ،‬للحافظ حممد بن عبداهلل اخلطيب التربيزي‪ ،‬حتقيق ال�شيخ‪ :‬حممد‬
‫نا�صر الدين الألباين‪ ،‬املكتب الإ�سالمي ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1399‬هـ‪.‬‬
‫‪( )55‬النهاية يف غريب احلديث والأثر)‪ ،‬ملجد الدين ابن الأثري اجلزري‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممود‬
‫الطناحي وطاهر الزاوي‪ ،‬دار �إحياء الرتاث العربي ‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫�شروح الأ�سماء احل�سنى‬
‫‪�( )56‬أ�سماء اهلل احل�سنى)‪ ،‬لل�شيخ عبد اهلل بن �صالح بن عبد العزيز الغ�صن‪ ،‬دار الوطن ‪-‬‬
‫الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1417‬هـ‪.‬‬
‫‪�( )57‬أ�سماء اهلل احل�سنى الثابتة يف الكتاب وال�سنة)‪ ،‬للدكتور حممد عبدالرازق الر�ضواين‪،‬‬
‫مكتبة �سل�سبيل ‪ -‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1426‬هـ‪.‬‬
‫‪( )58‬ا�شتقاق �أ�سماء اهلل)‪ ،‬لأبي القا�سم عبدالرحمن الزجاجي‪ ،‬حتقيق‪ :‬الدكتور عبد رب احل�سني‬
‫املبارك‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1406‬هـ‪.‬‬
‫‪( )59‬الأ�سماء وال�صفات)‪ ،‬للإمام �أبي بكر �أحمد بن احل�سني البيهقي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد اهلل بن حممد‬
‫احلا�شدي‪ ،‬مكتبة ال�سوادي‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1412‬هـ‪.‬‬
‫‪( )60‬الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى)‪ ،‬للإمام �أبي عبداهلل �شم�س الدين حممد بن �أحمد‬
‫بن �أبي بكر القرطبي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عرفان بن �سليم الع�شا ح�سونة‪ ،‬املكتبة الع�صرية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‬
‫ت�صوير للطبعة الأولى ‪ 1398‬هـ‪.‬‬
‫‪( )61‬تف�سري �أ�سماء اهلل احل�سنى)‪ ،‬لأبي �إ�سحاق �إبراهيم بن ال�سري الز ّّجاج‪ ،‬حتقيق‪� :‬أحمد‬
‫يو�سف الدقاق‪ ،‬دار امل�أمون للرتاث ‪ -‬دم�شق‪ ،‬الطبعة اخلام�سة ‪ 1406‬هـ‪.‬‬
‫‪( )62‬تف�سري �أ�سماء اهلل احل�سنى)‪ ،‬للعالمة ال�شيخ عبد الرحمن بن نا�صر ال�سعدي‪ ،‬درا�سة‬
‫وحتقيق‪ :‬عبيد بن علي العبيد‪ ،‬اجلامعة الإ�سالمية باملدينة املنورة‪ ،‬الطبعة ‪ 1421‬هـ‪.‬‬
‫‪( )63‬اجلامع لأ�سماء اهلل احل�سنى)‪ ،‬حامد الطاهر‪ ،‬دار الفجر ‪ -‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1423‬هـ‪.‬‬
‫‪�( )64‬شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى)‪ ،‬للإمام البي�ضاوي‪ ،‬حتقيق‪ :‬ال�شيخ خالد اجلندي‪ ،‬دار املعرفة ‪-‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1430‬هـ‪.‬‬
‫‪�( )65‬شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى)‪ ،‬من كتب الإمام �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية‪� ،‬إعداد‪ :‬حممد‬
‫�أحمد عي�سى‪ ،‬دار الغد اجلديد ‪ -‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1429‬هـ‪.‬‬
‫‪( )66‬فقه الأ�سماء احل�سنى)‪ ،‬عبدالرزاق بن عبد املح�سن البدر‪ ،‬دار التوحيد ‪ -‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪ 1430‬هـ‪.‬‬
‫‪( )67‬املرتع الأ�سنى يف ريا�ض الأ�سماء احل�سنى من كتب ابن القيم)‪ ،‬جمع و�إعداد‪ :‬عبدالعزيز‬
‫الداخل (ن�سخة حا�سوبية)‪.‬‬
‫‪552‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪( )68‬مطابقة �أ�سماء اهلل احل�سنى مقت�ضى املقام يف القر�آن الكرمي) للدكتورة جنالء بنت‬
‫عبداللطيف كامل كردي‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1423‬هـ‪.‬‬
‫‪( )69‬مع اهلل)‪ ،‬للدكتور �سلمان بن فهد العودة‪ ،‬م�ؤ�س�سة اال�سالم اليوم‪-‬الريا�ض‪،‬الطبعة الثانية ‪1430‬هـ‪.‬‬
‫‪( )70‬املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى)‪ ،‬لأبي حامد الغزايل‪ ،‬درا�سة وحتقيق‪ :‬حممد‬
‫عثمان اخل�شت‪ ،‬مكتبة القر�آن ‪ -‬القاهرة‪ ،‬الطبعة ‪ 1414‬هـ‪.‬‬
‫‪( )71‬مو�سوعة �أ�سماء اهلل احل�سنى)‪ ،‬للأ�ستاذ الدكتور حممد راتب النابل�سي‪ ،‬دار املكتبي ‪-‬‬
‫دم�شق‪ ،‬الطبعة اخلام�سة ‪1429‬هـ‪.‬‬
‫‪( )72‬النهج الأ�سمى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى)‪ ،‬لل�شيخ حممد احلمود النجدي‪ ،‬مكتبة الإمام‬
‫الذهبي ‪ -‬الكويت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1429‬هـ‪.‬‬
‫‪( )73‬وهلل الأ�سماء احل�سنى فادعوه بها)‪ ،‬عبدالعزيز بن نا�صر اجلليل‪ ،‬دار طيبة ‪ -‬الريا�ض‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪ 1429‬هـ‪.‬‬
‫‪( )74‬وهلل الأ�سماء احل�سنى) للدكتور يو�سف املرع�شلي‪ ،‬دار املعرفة‪-‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1427‬هـ‪.‬‬
‫التوحيد والعقيدة‬
‫‪( )75‬الإر�شاد �شرح ملعة االعتقاد)‪ ،‬لل�شيخ عبداهلل بن عبدالرحمن اجلربين‪ ،‬حتقيق‪ :‬الدكتور‬
‫حممد ابن حمد املنيع‪ ،‬دار الإفهام ‪ -‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪ 1430‬هـ‪.‬‬
‫‪( )76‬الأ�سئلة والأجوبة الأ�صولية على العقيدة الوا�سطية)‪ ،‬ال�شيخ عبدالعزيز بن حممد‬
‫ال�سلمان‪ ،‬رئا�سة �إدارات البحوث العلمية والإفتاء‪ ،‬الطبعة العا�شرة ‪ 1400‬هـ‪.‬‬
‫‪( )77‬اال�ستقامة) للإمام �شيخ الإ�سالم تقي الدين �أبو العبا�س �أحمد بن عبد احلليم بن عبد‬
‫ال�سالم بن عبد اهلل بن �أبي القا�سم بن حممد ابن تيمية احلراين احلنبلي الدم�شقي‪ ،‬النا�شر‪:‬‬
‫جامعة الإمام حممد بن �سعود ‪ -‬املدينة املنورة‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1403‬هـ‪.‬‬
‫‪( )78‬االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد)‪ ،‬للإمام �أبي بكر �أحمد بن احل�سني البيهقي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫الدكتور ال�سيد اجلميلي‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1408‬هـ‪.‬‬
‫‪( )79‬التب�صري يف الدين ومتييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكني) لأبي املظفر طاهر بن‬
‫حممد الأ�سفراييني ‪ ،‬حتقيق‪ :‬كمال يو�سف احلوت‪ ،‬النا�شر‪ :‬عامل الكتب ‪ -‬لبنان ‪ -‬املدينة النبوية ‪،‬‬
‫الطبعة الأولى‪1403 :‬هـ ‪1983 -‬م‪.‬‬
‫‪( )80‬تذكرة امل�ؤت�سي �شرح عقيدة احلافظ عبد الغني املقد�سي)‪ ،‬لل�شيخ عبد الرزاق بن عبد‬
‫املح�سن البدر‪ ،‬دار غرا�س ‪ -‬الكويت‪ ،‬الطبعة ‪ 1424‬هـ‪.‬‬
‫‪( )81‬تي�سري العزيز احلميد يف �شرح كتاب التوحيد)‪ ،‬لل�شيخ �سليمان بن عبداهلل بن حممد بن‬
‫عبدالوهاب‪ ، ،‬رئا�سة �إدارات البحوث العلمية واالفتاء‪.‬‬
‫المصادر والمراجع‬ ‫‪553‬‬

‫‪( )82‬احلق الوا�ضح املبني يف �شرح توحيد الأنبياء واملر�سلني من الكافية ال�شافية) لل�شيخ‬
‫عبدالرحمن بن نا�صر ال�سعدي‪ ،‬دار ابن القيم للن�شر – الدمام‪ ،‬الطبعة الثانية‪ 1407 ،‬هـ ‪ 1987 -‬م‪.‬‬
‫‪( )83‬درء تعار�ض العقل والنقل) ) ل�شيخ الإ�سالم �أحمد بن عبد احلليم بن عبد ال�سالم ابن‬
‫تيمية‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬حممد ر�شاد �سامل‪ ،‬النا�شر‪ :‬جامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية‪ ،‬اململكة‬
‫العربية ال�سعودية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ 1411 ،‬هـ ‪1991 -‬م‪.‬‬
‫‪( )84‬ا ُ‬
‫خل َرا�سانية يف �شرح عقيدة ال َّراز َّيني) لل�شيخ عبدالعزيز بن مرزوق الطريفي‪ ،‬مكتبة دار‬
‫املنهاج‪ -‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأولى‪ 1437 ،‬هـ ‪2016 -‬م‪.‬‬
‫‪( )85‬ذم الكالم و�أهله) لأبي �إ�سماعيل عبد اهلل بن حممد الأن�صاري الهروي‪ ،‬حتقيق‪� :‬أبو جابر‬
‫عبداهلل بن حممد بن عثمان الأن�صاري‪ ،‬النا�شر‪ :‬مكتبة الغرباء الأثرية ‪ -‬املدينة النبوية ‪ ،‬الطبعة‬
‫الأولى‪ 1419:‬هـ ‪1998 -‬م‪.‬‬
‫‪�( )86‬ش�أن الدعاء)‪ ،‬لأبي �سليمان حمد بن حممد اخلطابي‪ ،‬حتقيق‪� :‬أحمد يو�سف الدقاق‪ ،‬دار‬
‫الثقافة العربية ‪ -‬دم�شق‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ 1412‬هـ‪.‬‬
‫‪�( )87‬شرح الق�صيدة النونية)‪ ،‬الدكتور حممد خليل هرا�س‪ ،‬دار الكتب‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1406‬هـ‪.‬‬
‫‪�( )88‬شرح العقيدة الوا�سطية) ملحمد بن خليل ح�سن ه ّرا�س‪ ،‬حتقيق‪ :‬علوي بن عبد القادر‬
‫ال�سقاف‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الهجرة للن�شر والتوزيع – اخلرب‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ 1415‬هـ‪.‬‬
‫‪�( )89‬شرح العقيدة الطحاوية) للإمام العالمة ابن �أبي العز احلنفي‪ ،‬قام ب�شرحها‪ :‬ف�ضيلة‬
‫الدكتور �سفر بن عبدالرحمن احلوايل‪ ،‬دار ال�صفوة للن�شر والتوزيع – �شربا (م�صر)‪ ،‬الطبعة‬
‫الأولى ‪ 1434‬هـ ‪2013 -‬م‪.‬‬
‫‪�( )90‬شعب الإميان) �أو (اجلامع يف �شعب الإميان) للإمام احلافظ �أبي بكر �أحمد بن احل�سني‬
‫البيهقي‪� ،‬أ�شرف على حتقيقه‪ :‬خمتار �أحمد الندوي‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬عبدالعلي عبداحلميد حامد‪ ،‬مكتبة‬
‫الر�شد – الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1423‬هـ ‪2003 -‬م‪.‬‬
‫‪�( )91‬شفاء العليل يف م�سائل الق�ضاء والقدر واحلكمة والتعليل)‪ ،‬للإمام �شم�س الدين ابن قيم‬
‫اجلوزية‪ ،‬حتقيق‪ :‬الدكتور �أحمد بن �صالح ال�صمعاين‪ ،‬دار ال�صميعي ‪ -‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1429‬هـ‪.‬‬
‫‪( )92‬ال�صارم امل�سلول علي �شامت الر�سول) للإمام �شيخ الإ�سالم تقي الدين �أبي العبا�س �أحمد‬
‫بن عبد احلليم بن عبد ال�سالم بن عبد اهلل بن �أبي القا�سم بن حممد ابن تيمية النمريي احلراين‬
‫الدم�شقي احلنبلي‪ ،‬درا�سة وحتقيق‪ :‬حممد بن عبداهلل احللواين & حممد كبري �أحمد �شودري‪،‬‬
‫النا�شر‪ :‬رمادي للن�شر ‪ -‬الدمام‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1417‬هـ ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫‪( )93‬ال�صواعق املر�سلة يف الرد على اجلهمية واملعطلة)‪ ،‬للإمام �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬علي بن حممد الدخيل اهلل‪ ،‬دار العا�صمة ‪ -‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1408‬هـ‪.‬‬
‫‪554‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪�( )94‬صفات اهلل الواردة يف الكتاب وال�سنة)‪ ،‬علوي بن عبدالقادر ال�سقاف‪ ،‬دار الهجرة ‪-‬‬
‫الثقبة‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1414‬هـ‪.‬‬
‫‪( )95‬قاعدة يف املحبة)‪ ،‬ل�شيخ اال�سالم تقي الدين �أبو العبا�س �أحمد بن عبد احلليم بن عبد‬
‫ال�سالم بن عبد اهلل بن �أبي القا�سم بن حممد ابن تيمية احلراين احلنبلي الدم�شقي ‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪.‬‬
‫حممد ر�شاد �سامل‪ ،‬مكتبة الرتاث الإ�سالمي‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪( )96‬القواعد الكلية للأ�سماء وال�صفات عند ال�سلف)‪ ،‬الدكتور �إبراهيم بن حممد الربيكان‪،‬‬
‫دار ابن القيم ‪ -‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1425‬هـ‪.‬‬
‫‪( )97‬القواعد املثلى يف �صفات اهلل و�أ�سمائه احل�سنى)‪ ،‬لل�شيخ حممد بن �صالح بن عثيمني‪،‬‬
‫حتقيق‪� :‬أ�شرف بن عبداملق�صود بن عبدالرحيم‪ ،‬مكتبة ال�سنة ‪ -‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1414‬هـ‪.‬‬
‫‪( )98‬كتاب التوحيد) للحافظ عبدالرحمن بن �أحمد بن رجب البغدادي احلنبلي‪ ،‬حتقيق‪� :‬صربي‬
‫بن �سالمة �شاهني‪ ،‬دار القا�سم للن�شر – الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1415‬هـ‪.‬‬
‫‪( )99‬كتاب العظمة) لأبي ال�شيخ الأ�صبهاين عبداهلل بن حممد بن جعفر بن ح ّيان‪ ،‬درا�سة وحتقيق‪:‬‬
‫ر�ضاء اهلل بن حممد �إدري�س املباركفوري‪ ،‬دارة العا�صمة‪ :‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأولى‪ 1408 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪( )100‬الكوا�شف اجللية عن معاين الوا�سطية)‪ ،‬ال�شيخ عبدالعزيز املحمد ال�سلمان‪ ،‬رئا�سة‬
‫�إدارات البحوث العلمية واالفتاء‪ ،‬الطبعة احلادية ع�شرة ‪ 1402‬هـ‪.‬‬
‫‪( )101‬املجلى يف �شرح القواعد املثلى لل�شيخ ابن عثيمني)‪ ،‬كاملة الكواري‪ ،‬دار ابن حزم ‪-‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1422‬هـ‪.‬‬
‫‪( )102‬جمموع الفتاوى)‪ ،‬ل�شيخ اال�سالم تقي الدين �أحمد بن تيمية‪ ،‬جمع ال�شيخ عبدالرحمن بن‬
‫قا�سم‪ ،‬رئا�سة �إدارات البحوث العلمية واالفتاء‪ ،‬الطبعة‪ :‬ت�صوير للطبعة الأولى ‪ 1398‬هـ‪.‬‬
‫‪( )103‬جمموعة فتاوى ابن تيمية امل�صرية)‪ ،‬ل�شيخ الإ�سالم تقي الدين �أحمد بن تيمية‪ ،‬دار‬
‫الفكر ‪ -‬القاهرة‪ ،‬الطبعة ‪ 1400‬هـ‪.‬‬
‫‪( )104‬خمت�صر ال�صواعق املر�سلة على اجلهمية واملعطلة) للإمام �شم�س الدين حممد بن �أبي‬
‫بكر بن �أيوب بن �سعد ابن قيم اجلوزية‪ ،‬اخت�صره‪ :‬ابن املو�صلي �شم�س الدين حممد بن حممد بن عبد‬
‫الكرمي بن ر�ضوان البعلي‪ ،‬حتقيق‪� :‬سيد �إبراهيم‪ ،‬دار احلديث – القاهرة‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1412‬هـ‪.‬‬
‫‪( )105‬خمت�صر العلو للعلي الغفار)‪ ،‬للحافظ �أبي عبداهلل �شم�س الدين حممد بن �أحمد الذهبي‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬ال�شيخ حممد نا�صر الدين الألباين‪ ،‬املكتب الإ�سالمي ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1401‬هـ‪.‬‬
‫‪( )106‬معتقد �أهل ال�سنة واجلماعة يف �أ�سماء اهلل احل�سنى)‪ ،‬للدكتور حممد بن خليفة التميمي‪،‬‬
‫دار �إيالف‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1417‬هـ‪.‬‬
‫المصادر والمراجع‬ ‫‪555‬‬

‫‪( )107‬املغربية يف �شرح العقيدة القريوانية) لل�شيخ عبدالعزيز الطريفي‪ ،‬مكتبة دار املنهاج‪-‬‬
‫الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأولى‪ 1438 ،‬هـ‪.‬‬
‫الفقه و�أ�صوله‬
‫‪�( )108‬إعالم املوقعني عن رب العاملني)‪ ،‬للإمام �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية‪ ،‬درا�سة وحتقيق‪:‬‬
‫طه عبدالر�ؤوف �سعد‪ ،‬مكتبة الكليات الأزهرية ‪ -‬القاهرة‪ ،‬الطبعة ‪ 1388‬هـ‪.‬‬
‫‪( )109‬حتفة املودود ب�أحكام املولود)‪ ،‬للإمام �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية‪ ،‬عبد املنعم العاين‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1403‬هـ‪.‬‬
‫ال�سرية وال�شمائل والأذكار‬
‫‪( )110‬جالء الأفهام يف ال�صالة وال�سالم على خري الأنام ‪ ،)¤‬للإمام �شم�س الدين ابن قيم‬
‫اجلوزية‪ ،‬دار ابن كثري‪ ،‬الطبعة الأولى‪1408 ,‬هـ‪.‬‬
‫‪( )111‬زاد املعاد يف هدي خري العباد ‪ ،)¤‬للإمام �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية‪ ،‬حتقيق‪� :‬شعيب‬
‫وعبدالقادر الأرن�ؤوط‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثالثة ع�شرة ‪ 1406‬هـ‪.‬‬
‫‪�( )112‬سرية النبي ‪ ،)¤‬لأبي حممد عبد امللك بن ه�شام‪ ،‬حممد حميي الدين عبداحلميد‪،‬‬
‫النا�شر‪ :‬رئا�سة �إدارات البحوث العلمية واالفتاء والدعوة والإر�شاد‪.‬‬
‫‪( )113‬الوابل ال�صيب من الكلم الطيب)‪ ،‬للإمام �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد‬
‫عبدالرحمن عو�ض‪ ،‬دار الكتاب العربي ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1405‬هـ‪.‬‬
‫اللغة العربية‬
‫‪( )114‬الفروق اللغوية) لأبي هالل احل�سن بن عبداهلل الع�سكري‪ ،‬حتقيق‪ :‬عماد زكي البارودي‪ ،‬املكتبة التوفيقية‬
‫– القاهرة‪ .‬وهناك ن�سخة حا�سوبية من الكتاب ملحق بها كتاب (فروق اللغات) لل�سيد نور الدين اجلزائري‪.‬‬
‫‪( )115‬ل�سان العرب)‪ ،‬جمال الدين حممد بن مكرم ابن منظور‪ ،‬دار الفكر ‪ -‬دار �صادر ‪ -‬بريوت‪،‬‬
‫الطبعة الأولى ‪ 1410‬هـ‪.‬‬
‫الأخالق والآداب والرقائق‬
‫‪�( )116‬إحياء علوم الدين) للإمام �أبي حامد حممد بن حممد الغزايل‪ ،‬النا�شر‪ :‬مكتبة ومطبعة‬
‫فوترا – �إندوني�سيا‪.‬‬
‫‪�( )117‬أدب الدنيا والدين)‪ ،‬لأبي احل�سن علي بن حممد بن حبيب الب�صري املاوردي‪� ،‬شرح‬
‫وتعليق‪ :‬حممد كرمي راجح‪ ،‬دار اقر�أ ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪ 1405‬هـ‪.‬‬
‫‪( )118‬الآداب ال�شرعية) لأبي عبد اهلل حممد ابن مفلح املقد�سي احلنبلي‪ ،‬حتقيق‪� :‬شعيب‬
‫الأرنا�ؤوط وعمر الق َّيام‪ ،‬النا�شر م�ؤ�س�سة الر�سالة– بريوت‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1419 ،‬هـ ‪1999 -‬م‪.‬‬
‫‪556‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪�( )119‬إغاثة اللهفان من م�صايد ال�شيطان)‪ ،‬للإمام �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫حممد حامد الفقي‪ ،‬دار املعرفة – بريوت‪ ،‬توزيع عبا�س الباز – مكة‪.‬‬
‫‪( )120‬بدائع الفوائد)‪ ،‬للإمام �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية‪ ،‬دار الكتاب العربي – بريوت‪.‬‬
‫‪( )121‬الرب وال�صلة) للحافظ جمال الدين �أبي الفرج عبدالرحمن ابن اجلوزي البغدادي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫عادل عبد املوجود و علي معو�ض‪ ،‬م�ؤ�س�سة الكتب الثقافية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى‪1413 :‬هـ‪1993 -‬م‪.‬‬
‫‪( )122‬ب�ستان العارفني) للإمام يحيى بن �شرف الدين النووي‪ ،‬مكتبة الرتاث الإ�سالمي – القاهرة‪.‬‬
‫‪( )123‬الب�صائر والذخائر) لأبي حيان التوحيدي‪ ،‬علي بن حممد بن العبا�س‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬وداد‬
‫القا�ضي‪ ،‬النا�شر ‪ :‬دار �صادر ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى ‪ 1408 ،‬هـ‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫‪( )124‬التذكرة يف �أحوال املوتى و�أمور الآخرة) للإمام �أبي عبداهلل حممد بن �أحمد بن �أبي بكر‬
‫بن فرح الأن�صاري القرطبي‪ ،‬حتقيق‪ :‬جمدي فتحي ال�سيد‪ ،‬دار ال�صحابة للرتاث – طنطا (م�صر)‪،‬‬
‫الطبعة الأولى ‪1415 ،‬هـ – ‪1994‬م‪.‬‬
‫‪( )125‬التذكرة يف الوعظ) للإمام الواعظ ابن اجلوزي عبد الرحمن بن علي بن حممد القر�شي‪،‬‬
‫حتقيق‪� :‬أحمد عبد الوهاب فتيح‪ ،‬دار املعرفة – بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪.1986 – 1406 ،‬‬
‫‪( )126‬تلبي�س �إبلي�س) للحافظ �أبي الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي القر�شي املعروف بابن‬
‫اجلوزي‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬ال�سيد اجلميلي‪ ،‬دار الكتاب العربي – بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1405 ،‬هـ – ‪1985‬م‪.‬‬
‫‪( )127‬تهذيب مدارج ال�سالكني)‪ ،‬للإمام �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية‪ ،‬تهذيب‪ :‬عبد املنعم‬
‫�صالح العلي العزّي‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1408‬هـ‪.‬‬
‫‪( )128‬جمهرة خطب العرب يف ع�صور العربية الزاهرة) لأحمد زكي �صفوت‪ ،‬حتقيق‪ :‬مفيد‬
‫حممد قميحة‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬م�صر‪ ،‬الطبعة الثانية ‪١٤٠٦‬هـ‪.‬‬
‫‪( )129‬اجلواب الكايف ملن �س�أل عن الدواء ال�شايف)‪ ،‬للإمام �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪( )130‬ح�سن الظن باهلل) لأبي بكر عبداهلل بن حممد بن عبيد بن �سفيان القر�شي املعروف بابن �أبي‬
‫الدنيا‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبداحلميد �شانوحه‪ ،‬م�ؤ�س�سة الكتب الثقافية – بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1413 ،‬هـ – ‪1993‬م‪.‬‬
‫‪( )131‬حياة احليوان الكربى) لأبي البقاء‪ ،‬كمال الدين حممد بن مو�سى بن عي�سى بن علي‬
‫الدمريي‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1424 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪( )132‬احليوان) لأبي عثمان عمرو بن بحر اجلاحظ‪ ،‬حتقيق و�شرح‪ :‬عبدال�سالم حممد هارون‪،‬‬
‫مكتبة ومطبعة م�صطفى البابي احللبي و�أوالده ‪ -‬م�صر‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1385‬هـ ‪1965 -‬م‪.‬‬
‫‪( )133‬ربيع الأبرار ون�صو�ص الأخبار) لأبي القا�سم حممود بن عمر الزخم�شري‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫عبدالأمري مهنا‪ ،‬م�ؤ�س�سة الأعلمي للمطبوعات ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1412‬هـ ‪1992 -‬م‪.‬‬
‫المصادر والمراجع‬ ‫‪557‬‬

‫‪( )134‬الرحلة العيا�شية‪1661 :‬م – ‪1663‬م) لعبداهلل بن حممد العيا�شي‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪� .‬سعيد الفا�ضلي‬
‫ود‪� .‬سليمان القر�شي‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار ال�سويدي للن�شر والتوزيع‪� -‬أبوظبي ‪ ،‬الطبعة الأولى‪2006 ،‬م‪.‬‬
‫‪( )135‬الروح يف الكالم على �أرواح الأموات والأحياء) للإمام حممد بن �أبي بكر �أيوب الزرعي‬
‫�أبو عبد اهلل ابن قيم اجلوزية ‪ -‬النا�شر ‪ :‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت ‪ 1395 ،‬هـ‪1975 -‬م‪.‬‬
‫‪( )136‬رو�ضة العقالء ونزهة الف�ضالء) للإمام احلافظ �أبي حامت حممد بن حبان الب�ستي‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬حممد حمي الدين عبد احلميد‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت ‪� ،‬سنة الن�شر‪1397 :‬هـ ‪-‬‬
‫‪1977‬م‪.‬‬
‫‪( )137‬ال�شكر هلل )‪ ،‬لأبي بكر عبداهلل بن حممد املعروف بابن �أبي الدنيا‪ ،‬درا�سة وحتقيق‪:‬‬
‫حممد ال�سعيد ب�سيوين زغلول‪ ،‬م�ؤ�س�سة الكتب الثقافية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1413‬هـ‪.‬‬
‫‪�( )138‬صيد اخلاطر) للإمام الواعظ �أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن حممد القر�شي املعروف بابن‬
‫اجلوزي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عامر بن علي يا�سني‪ ،‬دار ابن خزمية – الريا�ض‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1418 ،‬هـ–‪1997‬م‪.‬‬
‫‪( )139‬طريق الهجرتني وباب ال�سعادتني)‪ ،‬للإمام �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫�أحمد �إبراهيم زهوة‪ ،‬دار الكتاب العربي ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة ‪ 1426‬هـ‪.‬‬
‫‪( )140‬عدة ال�صابرين وذخرية ال�شاكرين)‪ ،‬للإمام �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية‪ ،‬دار ابن‬
‫كثري‪ -‬دم�شق وبريوت‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1409‬هـ‪.‬‬
‫‪( )141‬العقد الفريد)‪ ،‬للفقيه �أحمد بن حممد بن عبد ربه الأندل�سي‪ ،‬حتقيق‪ :‬الدكتور مفيد‬
‫حممد قميحة‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1404‬هـ‪.‬‬
‫‪( )142‬عيون الأخبار) لأبي حممد عبد اهلل بن م�سلم بن قتيبة الدينوري‪ ،‬دار الكتب العلمية‬
‫– بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى‪1406 ،‬هـ ‪1986 -‬م‪.‬‬
‫‪( )143‬الفرج بعد ال�شدة)‪ ،‬لأبي بكر عبداهلل بن حممد املعروف بابن �أبي الدنيا‪ ،‬حتقيق‪ :‬م�صطفى‬
‫عبدالقادر عطا‪ ،‬م�ؤ�س�سة الكتب الثقافية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1413‬هـ‪.‬‬
‫‪( )144‬الفرج بعد ال�شدة) للقا�ضي �أبي علي املح�سن بن علي التنوخي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبود ال�شاجلي‪ ،‬دار‬
‫�صادر – بريوت‪� ،‬سنة الن�شر‪1398 :‬هـ ‪1978 -‬م‪.‬‬
‫‪( )145‬الفوائد)‪ ،‬للإمام �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية‪ ،‬دار الكتب العلمية‪-‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1393‬هـ‪.‬‬
‫‪( )146‬ف�صول �إ�سالمية) للأديب علي الطنطاوي‪ ،‬النا�شر ‪ :‬دار الدعوة ‪ -‬دم�شق‪ ،‬الطبعة الأولى‬
‫‪ 1380 ،‬هـ‪1960 ،‬م‪.‬‬
‫‪( )147‬ف�صول يف الثقافة والأدب)‪ ،‬ال�شيخ علي الطنطاوي‪ ،‬جمع وترتيب حفيد امل�ؤلف‪ :‬جماهد‬
‫م�أمون ديرانية‪ ،‬دار املنار ‪ -‬جدة‪ ،‬الطبعة الأولى ‪2007‬م‪.‬‬
‫‪558‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪( )148‬قوت القلوب يف معاملة املحبوب وو�صف طريق املريد �إلى مقام التوحيد) لأبي طالب‬
‫املكي حممد بن علي بن عطية احلارثي‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬عا�صم �إبراهيم الكيايل‪ ،‬دار الكتب العلمية –‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية‪ 1426 ،‬هـ ‪2005 -‬م‪.‬‬
‫‪( )149‬كتاب التهجد) للحافظ �أبي حممد عبداحلق بن عبدالرحمن الإ�شبيلي‪ ،‬حتقيق‪ :‬م�سعد‬
‫ال�سعدين و حممد بن احل�سن‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1415‬هـ ‪1994 -‬م‪.‬‬
‫‪( )150‬لطائف املعارف فيما ملوا�سم العام من الوظائف) للإمام احلافظ زين الدين �أبي الفرج‬
‫ال�سوا�س‪ ،‬دار ابن كثري – دم�شق‬‫عبدالرحمن بن �أحمد بن رجب احلنبلي الدم�شقي‪ ،‬حتقيق‪ :‬يا�سني ّ‬
‫و بريوت‪ ،‬الطبعة اخلام�سة ‪ 1420‬هـ ‪1999 -‬م‪.‬‬
‫‪( )151‬املجال�سة وجواهر العلم) للقا�ضي �أبي بكر �أحمد بن مروان بن حممد الدِّ ينوري ‪ ،‬دار ابن‬
‫حزم – بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1423‬هـ ‪2002 -‬م‪.‬‬
‫‪( )152‬جمموعة الق�صائد الزهديات)‪ ،‬جمع ال�شيخ عبدالعزيز املحمد ال�سلمان ‪-‬يرحمه اهلل‪.‬‬
‫‪( )153‬خمتارات من �أدب العرب) للأ�ستاذ �أبي احل�سن علي احل�سني الندوي‪ ،‬النا�شر ‪ :‬دار‬
‫ال�شروق – جدة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1400 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪( )154‬خمت�صر منهاج القا�صدين)‪ ،‬للإمام �أحمد بن عبدالرحمن بن قدامة املقد�سي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫�شعيب وعبدالقادر الأرن�ؤوط‪ ،‬مكتبة دار الإميان ‪ -‬دم�شق‪ ،‬الطبعة ‪ 1398‬هـ‪.‬‬
‫‪( )155‬مدارج ال�سالكني بني منازل �إياك نعبد و�إياك ن�ستعني)‪ ،‬للإمام �شم�س الدين ابن قيم‬
‫اجلوزية‪ ،‬دار الكتاب العربي ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1393‬هـ‪.‬‬
‫‪( )156‬امل�ستطرف يف كل فن م�ستظرف) ل�شهاب الدين حممد بن �أحمد الأب�شيهي‪ ،‬ب�إ�شراف‬
‫املكتب العاملي للبحوث‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار مكتبة احلياة ‪ -‬بريوت‪� ،‬سنة الن�شر‪1412 :‬هـ ‪1992 -‬م‪.‬‬
‫‪( )157‬مفتاح دار ال�سعادة ومن�شور والية العلم واالرادة)‪ ،‬للإمام �شم�س الدين ابن قيم‬
‫اجلوزية‪ ،‬دار جند للن�شر والتوزيع ‪ -‬الريا�ض‪ ،‬الطبعة ‪ 1402‬هـ‪.‬‬
‫‪( )158‬املواعظ واملجال�س)‪ ،‬لأبي الفرج جمال الدين عبدالرحمن بن علي ابن اجلوزي القر�شي‬
‫حتقيق‪ :‬حممد �إبراهيم �سنبل‪ ،‬دار ال�صحابة للرتاث – طنطا‪ ،‬الطبعة الأولى – ‪ 1411‬هـ‪ 1992 ،‬م‪.‬‬
‫‪( )159‬مواقف ذات عرب وكلمات يف املنهج والطريق) للدكتور عمر �سليمان الأ�شقر‪ ،‬النا�شر ‪:‬‬
‫الدار ال�سلفية – الكويت‪ ،‬الطبعة الأولى‪1406 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪( )160‬نرث الدر)‪ ،‬لأبي �سعد من�صور بن احل�سني الآبي‪ ،‬حتقيق‪ :‬خالد عبد الغني حمفوظ‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1424‬هـ‪.‬‬
‫‪( )161‬نفح الطيب من غ�صن الأندل�س الرطيب) ل�شهاب الدين �أحمد بن حممد املقري‬
‫التلم�ساين‪ ،‬حتقيق‪� :‬إح�سان عبا�س‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار �صادر‪ -‬بريوت ‪ ،‬الطبعة الأولى‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫المصادر والمراجع‬ ‫‪559‬‬

‫�سري و�أعالم وتراجم‬


‫‪( )162‬اال�ستيعاب يف معرفة الأ�صحاب) للحافظ �أبي عمر يو�سف بن عبداهلل بن عبدالرب القرطبي‬
‫النمري‪ ،‬حتقيق‪ :‬عادل ُمر�شد‪ ،‬دار الأعالم – ع ّمان (الأردن)‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪ 1423 ،‬هـ ‪2002 -‬م‪.‬‬
‫‪( )163‬الإ�صابة يف متييز ال�صحابة) للحافظ �أبي الف�ضل �أحمد بن علي بن حجر الع�سقالين‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬د‪ .‬عبداهلل بن عبداملح�سن الرتكي بالتعاون مع مركز هجر للبحوث والدرا�سات العربية‬
‫والإ�سالمية – القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬الأولى‪ 1429 ،‬هـ ‪2008 -‬م‪.‬‬
‫‪( )164‬البداية والنهاية) للإمام احلافظ عماد الدين �إ�سماعيل بن عمر بن كثري القر�شي ال�شافعي‬
‫ح�سان عبداملنان‪ ،‬بيت الأفكار الدولية – الأردن‪.‬‬
‫ال�شهري بابن كثري‪ ،‬اعتنى به‪ّ :‬‬
‫‪( )165‬البيان املغرب يف �أخبار الأندل�س واملغرب) البن عذاري املراك�شي‪� ،‬أبو عبد اهلل حممد بن‬
‫حممد ‪ ،‬اعتنى به‪ :‬ج‪� .‬س‪ .‬كوالن‪�ِ ،‬إ‪ .‬ليفي بروفن�سال‪ ،‬دار الثقافة – بريوت‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1983 ،‬م‪.‬‬
‫‪( )166‬تاريخ الإ�سالم ووفيات امل�شاهري والأعالم)‪ ،‬للحافظ �أبي عبداهلل �شم�س الدين حممد بن �أحمد‬
‫الذهبي‪ ،‬حتقيق‪ :‬الدكتور عمر عبدال�سالم تدمري‪ ،‬دار الكتاب العربي ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1420‬هـ‪.‬‬
‫‪( )167‬تاريخ بغداد) وذيوله‪( :‬تاريخ بغداد)‪ :‬للحافظ �أبي بكر �أحمد بن علي بن ثابت املعروف‬
‫باخلطيب البغدادي‪ ،‬ومن �ضمن الكتب امللحقة بالكتاب‪( :‬ذيل تاريخ بغداد) البن النجار‪ ،‬النا�شر ‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬درا�سة وحتقيق‪ :‬م�صطفى عبد القادر عطا‪ ،‬الطبعة الأولى‪ 1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪( )168‬تاريخ اخللفاء) جلالل الدين عبد الرحمن بن �أبي بكر ال�سيوطي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حمدي‬
‫الدمردا�ش‪ ،‬النا�شر‪ :‬مكتبة نزار م�صطفى الباز‪ ،‬الطبعة الأولى‪1425 :‬هـ‪2004-‬م‪.‬‬
‫‪( )169‬تاريخ ق�ضاة الأندل�س) وامل�سمى (املراقبة العليا فيمن ي�ستحق الق�ضاء والفتيا) لأبي‬
‫احل�سن بن عبداهلل بن احل�سن ال ُنباهي املالقي الأندل�سي‪ ،‬حتقيق جلنة �إحياء الرتاث العربي يف‬
‫دار الآفاق اجلديدة‪ ،‬النا�شر دار الآفاق اجلديدة – بريوت‪ ،‬الطبعة اخلام�سة‪1403 ،‬هـ ‪1983 -‬م‪.‬‬
‫‪( )170‬تاريخ مدينة دم�شق وذكر ف�ضلها وت�سمية من حلها من االماثل �أو اجتاز بنواحيها من‬
‫وارديها و�أهلها) للحافظ �أبي القا�سم علي بن احل�سن ابن هبة اهلل ال�شافعي املعروف بابن ع�ساكر‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬علي �شريي‪ ،‬دار الفكر للطباعة والن�شر والتوزيع ‪ -‬بريوت ‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1419‬هـ ‪1998 -‬م‪.‬‬
‫‪( )171‬ترتيب املدارك وتقريب امل�سالك ملعرفة �أعالم مذهب مالك) لأبي الف�ضل القا�ضي‬
‫عيا�ض بن مو�سى اليح�صبي‪ ،‬حتقيق‪ :‬جزء ‪ :1‬ابن تاويت الطنجي‪ ،‬جزء ‪ :4 ،3 ،2‬عبد القادر‬
‫ال�صحراوي‪ ،‬جزء ‪ :5‬حممد بن �شريفة‪ ،‬جزء ‪� :8 ،7 ،6‬سعيد �أحمد �أعراب‪ ،‬النا�شر‪ :‬مطبعة ف�ضالة‬
‫‪ -‬املغرب‪ ،‬الطبعة الأولى ‪1403‬هـ ‪1983 -‬م‪.‬‬
‫‪( )172‬تهذيب الكمال)‪ ،‬لأبي احلجاج يو�سف بن الزكي عبدالرحمن املزي‪ ،‬حتقيق‪ :‬الدكتور ب�شار‬
‫عواد معروف‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1400‬هـ‪.‬‬
‫‪560‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪( )173‬حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء)‪ ،‬للحافظ �أبي نعيم �أحمد بن عبد اهلل الأ�صفهاين‪ ،‬دار‬
‫الفكر ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة ‪ 1416‬هـ‪.‬‬
‫‪( )174‬الديباج املذهب يف معرفة �أعيان علماء املذهب) البن فرحون املالكي‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬حممد‬
‫الأحمدي �أبو النور‪ ،‬دار الرتاث للطبع والن�شر – القاهرة‪.‬‬
‫‪( )175‬الذيل على طبقات احلنابلة) للحافظ عبدالرحمن بن �أحمد بن رجب البغدادي احلنبلي‬
‫– حتقيق‪ :‬حممد حامد الفقي‪ ،‬مطبعة ال�سنة املحمدية ‪ -‬م�صر‪1372 ،‬هـ ‪1952 -‬م‪.‬‬
‫‪( )176‬الزهد)‪ ،‬لإمام �أهل ال�سنة �أبي عبداهلل �أحمد بن حممد بن حنبل‪ ،‬ن�سقه ورتبه‪ :‬حممد عبد‬
‫ال�سالم �شاهني‪ ،‬دار الكتب ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1420‬هـ‪.‬‬
‫‪�( )177‬سري �أعالم النبالء)‪ ،‬للحافظ �أبي عبداهلل �شم�س الدين حممد بن �أحمد الذهبي‪ ،‬رتبه‬
‫واعتنى به‪ :‬ح�سان عبد املنان‪ ،‬بيت الأفكار الدولية ‪ -‬الأردن‪ ،‬الطبعة ‪ 1424‬هـ‪.‬‬
‫‪�( )178‬صفوة ال�صفوة)‪ ،‬للإمام �أبي الفرج جمال الدين عبدالرحمن بن علي بن اجلوزي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫حممود فاخوري وحممد روا�س قلعه جي‪ ،‬دار املعرفة ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1406‬هـ‪.‬‬
‫‪( )179‬طبقات احلنابلة) لأبي احل�سني ابن �أبي يعلى‪ ،‬حممد بن حممد‪ ,‬حتقيق‪ :‬حممد حامد‬
‫الفقي‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار املعرفة – بريو‪.‬‬
‫ال�سبكي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫‪( )180‬طبقات ال�شافعية الكربى)‪ ،‬تاج الدين �أبي الن�صر عبدالوهاب ُّ‬
‫عبدالفتاح احللو وحممود الطناحي‪ ،‬دار �إحياء الكتب العربية ‪ -‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1383‬هـ‪.‬‬
‫‪( )181‬علماء ومفكرون عرفتهم) ملحمد املجذوب‪ ،‬دار ال�شواف – الريا�ض‪ ،‬الطبعة الرابعة‪1992 ،‬م‪.‬‬
‫‪( )182‬املداخل �إلى �آثار �شيخ الإ�سالم ابن تيمية وما حلقها من �أعمال)‪ ،‬ال�شيخ بكر بن‬
‫عبداهلل �أبو زيد‪ ،‬دار عامل الفوائد ‪ -‬مكة املكرمة‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ 1422‬هـ‪.‬‬
‫‪( )183‬املق�صد الأر�شد يف ذكر �أ�صحاب الإمام �أحمد) �إبراهيم بن حممد بن عبد اهلل بن حممد‬
‫ابن مفلح‪� ،‬أبو �إ�سحاق‪ ،‬برهان الدين (املتوفى‪884 :‬هـ) د عبد الرحمن بن �سليمان العثيمني مكتبة‬
‫الر�شد ‪ -‬الريا�ض – ال�سعودية ‪ -‬الطبعة الأولى‪1410 ،‬هـ ‪1990 -‬م‪.‬‬
‫‪( )184‬وفيات الأعيان و�أنباء �أبناء الزمان)‪ ،‬لأبي العبا�س �شم�س الدين �أحمد بن حممد بن‬
‫خلكان‪ ،‬حتقيق‪� :‬إح�سان عبا�س‪ ،‬دار �صادر ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة ‪ 1994‬م‪.‬‬
‫مواقع وكتب �إلكرتونية‬
‫ال�س ِن َّية ب�إ�شراف علوي بن عبدالقادر ال�سقاف‪www.dorar.net :‬‬ ‫‪ )185‬موقع ال ُّد َرر َّ‬
‫‪www.altafsir.com‬‬ ‫‪ )186‬موقع «التف�سري» ‪:‬‬
‫‪ )187‬كتاب �إلكرتوين‪ :‬معجم اللغة العربية املعا�صرة للدكتور �أحمد خمتار عمر – ‪ 1425‬هـ‪.‬‬
‫الفهارس‬ ‫‪561‬‬

‫الفهار�س‬
‫�أو ًال‪ :‬فهر�س املجموعات‪ :‬فهر�س املجموعات مع الأ�سماء‬

‫ثانيا‪ :‬الفهر�س الأبجدي‪ :‬الأ�سماء احل�سنى مرتبة �أبجدي ًا‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬الفهر�س العام‪ :‬فهر�س املو�ضوعات‪.‬‬


‫‪562‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫�أو ًال‪ :‬فهر�س املجموعات‪ :‬فهر�س املجموعات مع الأ�سماء‬


‫جماميع الأ�سماء‬ ‫�أرقام الأ�سماء ال�صفحة‬ ‫رقم املجموعة‬
‫اهلل ‪ -‬الرب ‪ -‬الإله‬ ‫‪73‬‬ ‫‪3-1‬‬ ‫املجموعـ‪1‬ـة‬
‫الواحد ‪ -‬الأحد ‪ -‬الوتر‬ ‫‪92‬‬ ‫‪6-4‬‬ ‫املجموعـ‪2‬ـة‬
‫الأول ‪ -‬الآخر ‪ -‬الظاهر ‪ -‬الباطن‬ ‫‪103‬‬ ‫‪10 - 7‬‬ ‫املجموعـ‪3‬ـة‬
‫احلميد ‪ -‬اجلميل ‪ -‬الطيب‬ ‫‪115‬‬ ‫‪13 - 11‬‬ ‫املجموعـ‪4‬ـة‬
‫ال�سبوح ‪ -‬القدو�س ‪ -‬ال�سالم ‪ -‬املتكرب‬ ‫‪131‬‬ ‫‪17 - 14‬‬ ‫املجموعـ‪5‬ـة‬
‫الكبري ‪ -‬العظيم ‪ -‬املجيد‬ ‫‪149‬‬ ‫‪20 - 18‬‬ ‫املجموعـ‪6‬ـة‬
‫العلي ‪ -‬الأعلى ‪ -‬املتعال‬ ‫‪165‬‬ ‫‪23 - 21‬‬ ‫املجموعـ‪7‬ـة‬
‫احلي ‪ -‬ال�سميع ‪ -‬الب�صري‬ ‫‪177‬‬ ‫‪26 - 24‬‬ ‫املجموعـ‪8‬ـة‬
‫العامل ‪ -‬العليم ‪ -‬اخلبري ‪ -‬احلكيم‬ ‫‪191‬‬ ‫‪30 - 27‬‬ ‫املجموعـ‪9‬ـة‬
‫الرحمن ‪ -‬الرحيم ‪ -‬الر�ؤوف‬ ‫‪213‬‬ ‫‪33 - 31‬‬ ‫املجموعـ‪10‬ـة‬
‫القادر ‪ -‬القدير ‪ -‬املقتدر‬ ‫‪231‬‬ ‫‪36 - 34‬‬ ‫املجموعـ‪11‬ـة‬
‫القوي ‪ -‬املتني ‪ -‬العزيز ‪ -‬الأعز‬ ‫‪247‬‬ ‫‪40 - 37‬‬ ‫املجموعـ‪12‬ـة‬
‫الغني ‪ -‬الوا�سع ‪ -‬القيوم‬ ‫‪263‬‬ ‫‪43 - 41‬‬ ‫املجموعـ‪13‬ـة‬
‫امللك ‪-‬املالك ‪ -‬املليك‬ ‫‪279‬‬ ‫‪46 - 44‬‬ ‫املجموعـ‪14‬ـة‬
‫الكرمي ‪ -‬الأكرم ‪ -‬اجلواد ‪ -‬الرب‬ ‫‪289‬‬ ‫‪50 - 47‬‬ ‫املجموعـ‪15‬ـة‬
‫اللطيف ‪ -‬الرفيق‬ ‫‪305‬‬ ‫‪52 - 51‬‬ ‫املجموعـ‪16‬ـة‬
‫اخلالق ‪ -‬اخلالق ‪ -‬البارئ ‪ -‬امل�صور‪ -‬املح�سن‬ ‫‪317‬‬ ‫‪57 - 53‬‬ ‫املجموعـ‪17‬ـة‬
‫املحيط ‪ -‬احلافظ ‪ -‬احلفيظ ‪ -‬املهيمن‬ ‫‪333‬‬ ‫‪61 - 58‬‬ ‫املجموعـ‪18‬ـة‬
‫الرازق ‪ -‬الرزاق ‪ -‬املقيت‬ ‫‪351‬‬ ‫‪64 - 62‬‬ ‫املجموعـ‪19‬ـة‬
‫املعطي ‪ -‬الوهاب ‪ -‬املنان ‪ -‬القاب�ض ‪ -‬البا�سط‬ ‫‪363‬‬ ‫‪69 - 65‬‬ ‫املجموعـ‪20‬ـة‬
‫احلق ‪ -‬املبني ‪ -‬الهادي ‪ -‬احلكم ‪ -‬الفتاح‬ ‫‪381‬‬ ‫‪74 - 70‬‬ ‫املجموعـ‪21‬ـة‬
‫الرقيب ‪ -‬ال�شهيد ‪ -‬احلا�سب ‪ -‬الديان‬ ‫‪399‬‬ ‫‪78 - 75‬‬ ‫املجموعـ‪22‬ـة‬
‫الويل ‪ -‬املولى ‪ -‬الودود ‪ -‬امل�ستعان ‪ -‬الوكيل ‪ -‬احل�سيب‬ ‫‪421‬‬ ‫‪84 - 79‬‬ ‫املجموعـ‪23‬ـة‬
‫ال�سيد ‪ -‬ال�صمد ‪ -‬القريب ‪ -‬املجيب‬ ‫‪443‬‬ ‫‪88 - 85‬‬ ‫املجموعـ‪24‬ـة‬
‫ال�شاكر ‪ -‬ال�شكور ‪ -‬الن�صري‬ ‫‪459‬‬ ‫‪91 - 89‬‬ ‫املجموعـ‪25‬ـة‬
‫امل�ؤمن ‪ -‬ال�شايف ‪ -‬امل�سعر‬ ‫‪479‬‬ ‫‪94 - 92‬‬ ‫املجموعـ‪26‬ـة‬
‫احلليم ‪ -‬احليي ‪ -‬ال�ستري‬ ‫‪489‬‬ ‫‪97 - 95‬‬ ‫املجموعـ‪27‬ـة‬
‫العفو ‪ -‬الغفور ‪ -‬الغفار ‪ -‬التواب‬ ‫‪505‬‬ ‫‪101 - 98‬‬ ‫املجموعـ‪28‬ـة‬
‫القاهر ‪ -‬القهار ‪ -‬اجلبار‬ ‫‪523‬‬ ‫‪104 - 102‬‬ ‫املجموعـ‪29‬ـة‬
‫املقدم ‪ -‬امل�ؤخر ‪ -‬الوارث‬ ‫‪535‬‬ ‫‪107 - 105‬‬ ‫املجموعـ‪30‬ـة‬
‫الفهارس‬ ‫‪563‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬الفهر�س الأبجدي‪ :‬الأ�سماء احل�سنى مرتبة ترتيب ًا �أبجدي ًا‬
‫املجموعة‬ ‫ال�صفحة‬ ‫اال�سم‬ ‫املجموعة‬ ‫ال�صفحة‬ ‫اال�سم‬

‫املجموعـ‪18‬ـة‬ ‫‪334‬‬ ‫احلفيظ‬ ‫املجموعـ‪1‬ـة‬ ‫‪74‬‬ ‫اهلل‬


‫املجموعـ‪21‬ـة‬ ‫‪382‬‬ ‫احلق‬ ‫املجموعـ‪2‬ـة‬ ‫‪92‬‬ ‫الأحد‬
‫املجموعـ‪21‬ـة‬ ‫‪382‬‬ ‫احلكم‬ ‫املجموعـ‪3‬ـة‬ ‫‪104‬‬ ‫الآخر‬
‫املجموعـ‪9‬ـة‬ ‫‪192‬‬ ‫احلكيم‬ ‫املجموعـ‪12‬ـة‬ ‫‪248‬‬ ‫الأعز‬
‫املجموعـ‪27‬ـة‬ ‫‪490‬‬ ‫احلليم‬ ‫املجموعـ‪7‬ـة‬ ‫‪166‬‬ ‫الأعلى‬
‫املجموعـ‪4‬ـة‬ ‫‪116‬‬ ‫احلميد‬ ‫املجموعـ‪15‬ـة‬ ‫‪290‬‬ ‫الأكرم‬
‫املجموعـ‪8‬ـة‬ ‫‪178‬‬ ‫احلي‬ ‫املجموعـ‪1‬ـة‬ ‫‪74‬‬ ‫الإله‬
‫املجموعـ‪27‬ـة‬ ‫‪490‬‬ ‫احليي‬ ‫املجموعـ‪3‬ـة‬ ‫‪104‬‬ ‫الأول‬
‫املجموعـ‪17‬ـة‬ ‫‪318‬‬ ‫اخلالق‬ ‫املجموعـ‪17‬ـة‬ ‫‪318‬‬ ‫البارئ‬
‫املجموعـ‪9‬ـة‬ ‫‪192‬‬ ‫اخلبري‬ ‫املجموعـ‪20‬ـة‬ ‫‪364‬‬ ‫البا�سط‬
‫املجموعـ‪17‬ـة‬ ‫‪318‬‬ ‫اخلالق‬ ‫املجموعـ‪3‬ـة‬ ‫‪104‬‬ ‫الباطن‬
‫املجموعـ‪22‬ـة‬ ‫‪400‬‬ ‫الديان‬ ‫املجموعـ‪15‬ـة‬ ‫‪290‬‬ ‫الرب‬
‫املجموعـ‪10‬ـة‬ ‫‪214‬‬ ‫الرءوف‬ ‫املجموعـ‪8‬ـة‬ ‫‪178‬‬ ‫الب�صري‬
‫املجموعـ‪19‬ـة‬ ‫‪352‬‬ ‫الرازق‬ ‫املجموعـ‪28‬ـة‬ ‫‪506‬‬ ‫التواب‬
‫املجموعـ‪1‬ـة‬ ‫‪74‬‬ ‫الرب‬ ‫املجموعـ‪29‬ـة‬ ‫‪524‬‬ ‫اجلبار‬
‫املجموعـ‪10‬ـة‬ ‫‪214‬‬ ‫الرحمن‬ ‫املجموعـ‪4‬ـة‬ ‫‪116‬‬ ‫اجلميل‬
‫املجموعـ‪10‬ـة‬ ‫‪214‬‬ ‫الرحيم‬ ‫املجموعـ‪15‬ـة‬ ‫‪290‬‬ ‫اجلواد‬
‫املجموعـ‪19‬ـة‬ ‫‪352‬‬ ‫الرزاق‬ ‫املجموعـ‪22‬ـة‬ ‫‪400‬‬ ‫احلا�سب‬
‫املجموعـ‪16‬ـة‬ ‫‪306‬‬ ‫الرفيق‬ ‫املجموعـ‪18‬ـة‬ ‫‪338‬‬ ‫احلافظ‬
‫املجموعـ‪22‬ـة‬ ‫‪400‬‬ ‫الرقيب‬ ‫املجموعـ‪23‬ـة‬ ‫‪422‬‬ ‫احل�سيب‬
‫‪564‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫املجموعة‬ ‫ال�صفحة‬ ‫اال�سم‬ ‫املجموعة‬ ‫ال�صفحة‬ ‫اال�سم‬

‫املجموعـ‪13‬ـة‬ ‫‪264‬‬ ‫الغني‬ ‫املجموعـ‪5‬ـة‬ ‫‪132‬‬ ‫ال�سبوح‬


‫املجموعـ‪21‬ـة‬ ‫‪382‬‬ ‫الفتاح‬ ‫املجموعـ‪27‬ـة‬ ‫‪490‬‬ ‫ال�ستري‬
‫املجموعـ‪20‬ـة‬ ‫‪364‬‬ ‫القاب�ض‬ ‫املجموعـ‪5‬ـة‬ ‫‪132‬‬ ‫ال�سالم‬
‫املجموعـ‪11‬ـة‬ ‫‪232‬‬ ‫القادر‬ ‫املجموعـ‪8‬ـة‬ ‫‪178‬‬ ‫ال�سميع‬
‫املجموعـ‪29‬ـة‬ ‫‪524‬‬ ‫القاهر‬ ‫املجموعـ‪24‬ـة‬ ‫‪440‬‬ ‫ال�سيد‬
‫املجموعـ‪5‬ـة‬ ‫‪132‬‬ ‫القدو�س‬ ‫املجموعـ‪26‬ـة‬ ‫‪480‬‬ ‫ال�شايف‬
‫املجموعـ‪11‬ـة‬ ‫‪232‬‬ ‫القدير‬ ‫املجموعـ‪25‬ـة‬ ‫‪460‬‬ ‫ال�شاكر‬
‫املجموعـ‪24‬ـة‬ ‫‪440‬‬ ‫القريب‬ ‫املجموعـ‪25‬ـة‬ ‫‪460‬‬ ‫ال�شكور‬
‫املجموعـ‪29‬ـة‬ ‫‪524‬‬ ‫القهار‬ ‫املجموعـ‪22‬ـة‬ ‫‪400‬‬ ‫ال�شهيد‬
‫املجموعـ‪12‬ـة‬ ‫‪248‬‬ ‫القوي‬ ‫املجموعـ‪24‬ـة‬ ‫‪440‬‬ ‫ال�صمد‬
‫املجموعـ‪13‬ـة‬ ‫‪264‬‬ ‫القيوم‬ ‫املجموعـ‪4‬ـة‬ ‫‪116‬‬ ‫الطيب‬
‫املجموعـ‪6‬ـة‬ ‫‪150‬‬ ‫الكبري‬ ‫املجموعـ‪3‬ـة‬ ‫‪104‬‬ ‫الظاهر‬
‫املجموعـ‪15‬ـة‬ ‫‪290‬‬ ‫الكرمي‬ ‫املجموعـ‪9‬ـة‬ ‫‪192‬‬ ‫العامل‬
‫املجموعـ‪16‬ـة‬ ‫‪306‬‬ ‫اللطيف‬ ‫املجموعـ‪12‬ـة‬ ‫‪248‬‬ ‫العزيز‬
‫املجموعـ‪30‬ـة‬ ‫‪536‬‬ ‫امل�ؤخر‬ ‫املجموعـ‪6‬ـة‬ ‫‪150‬‬ ‫العظيم‬
‫املجموعـ‪26‬ـة‬ ‫‪480‬‬ ‫امل�ؤمن‬ ‫املجموعـ‪28‬ـة‬ ‫‪506‬‬ ‫العفو‬
‫املجموعـ‪14‬ـة‬ ‫‪280‬‬ ‫املالك‬ ‫املجموعـ‪7‬ـة‬ ‫‪166‬‬ ‫العلي‬
‫املجموعـ‪21‬ـة‬ ‫‪382‬‬ ‫املبني‬ ‫املجموعـ‪9‬ـة‬ ‫‪192‬‬ ‫العليم‬
‫املجموعـ‪7‬ـة‬ ‫‪166‬‬ ‫املتعال‬ ‫املجموعـ‪28‬ـة‬ ‫‪506‬‬ ‫الغفار‬
‫املجموعـ‪5‬ـة‬ ‫‪132‬‬ ‫املتكرب‬ ‫املجموعـ‪28‬ـة‬ ‫‪506‬‬ ‫الغفور‬
‫الفهارس‬ ‫‪565‬‬

‫املجموعة‬ ‫ال�صفحة‬ ‫اال�سم‬ ‫املجموعة‬ ‫ال�صفحة‬ ‫اال�سم‬

‫املجموعـ‪30‬ـة‬ ‫‪536‬‬ ‫الوارث‬ ‫املجموعـ‪12‬ـة‬ ‫‪248‬‬ ‫املتني‬


‫املجموعـ‪13‬ـة‬ ‫‪264‬‬ ‫الوا�سع‬ ‫املجموعـ‪24‬ـة‬ ‫‪440‬‬ ‫املجيب‬
‫املجموعـ‪2‬ـة‬ ‫‪92‬‬ ‫الوتر‬ ‫املجموعـ‪6‬ـة‬ ‫‪105‬‬ ‫املجيد‬
‫املجموعـ‪23‬ـة‬ ‫‪422‬‬ ‫الودود‬ ‫املجموعـ‪17‬ـة‬ ‫‪318‬‬ ‫املح�سن‬
‫املجموعـ‪23‬ـة‬ ‫‪422‬‬ ‫الوكيل‬ ‫املجموعـ‪18‬ـة‬ ‫‪334‬‬ ‫املحيط‬
‫املجموعـ‪23‬ـة‬ ‫‪422‬‬ ‫الويل‬ ‫املجموعـ‪23‬ـة‬ ‫‪422‬‬ ‫امل�ستعان‬
‫املجموعـ‪20‬ـة‬ ‫‪364‬‬ ‫الوهاب‬ ‫املجموعـ‪26‬ـة‬ ‫‪480‬‬ ‫امل�سعر‬
‫املجموعـ‪17‬ـة‬ ‫‪318‬‬ ‫امل�صور‬
‫املجموعـ‪20‬ـة‬ ‫‪364‬‬ ‫املعطي‬
‫املجموعـ‪11‬ـة‬ ‫‪232‬‬ ‫املقتدر‬
‫املجموعـ‪30‬ـة‬ ‫‪536‬‬ ‫املقدم‬
‫املجموعـ‪19‬ـة‬ ‫‪352‬‬ ‫املقيت‬
‫املجموعـ‪14‬ـة‬ ‫‪280‬‬ ‫امللك‬
‫املجموعـ‪14‬ـة‬ ‫‪280‬‬ ‫املليك‬
‫املجموعـ‪20‬ـة‬ ‫‪364‬‬ ‫املنان‬
‫املجموعـ‪18‬ـة‬ ‫‪334‬‬ ‫املهيمن‬
‫املجموعـ‪23‬ـة‬ ‫‪422‬‬ ‫املولى‬
‫املجموعـ‪25‬ـة‬ ‫‪460‬‬ ‫الن�صري‬
‫املجموعـ‪21‬ـة‬ ‫‪382‬‬ ‫الهادي‬
‫املجموعـ‪2‬ـة‬ ‫‪92‬‬ ‫الواحد‬
‫‪566‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫ثالث ًا‪ :‬الفهر�س العام‪ :‬فهر�س املو�ضوعات‪.‬‬


‫ال�صفحة‬ ‫املو�ضوع‬
‫‪5‬‬ ‫مقدمة الطبعة الثانية‬
‫‪9‬‬ ‫التمهيد‪:‬‬
‫‪10‬‬ ‫مقدمة الطبعة الأولى‬
‫‪13‬‬ ‫منهجية الكتاب‪:‬‬
‫‪13‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬للكتاب ق�صة‪.‬‬
‫‪16‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬ما اجلديد؟‪.‬‬
‫‪23‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬عدد الأ�سماء‪.‬‬
‫‪32‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬اخلطة الرئي�سة للبحث‪.‬‬
‫‪35‬‬ ‫الباب الأول‪� :‬ضوابط �إح�صاء �أ�سماء اهلل احل�سنى‪:‬‬
‫‪36‬‬ ‫املبحث الأول‪ :‬تف�سري قول اهلل تعالى‪ } :‬ﭳﭴﭵ {‪.‬‬
‫‪42‬‬ ‫املبحث الثاين‪� :‬ضوابط حتديد �أ�سماء اهلل احل�سنى‪.‬‬
‫‪46‬‬ ‫ال�ضابط الأول‪� :‬أ�سماء اهلل احل�سنى توقيفية‪.‬‬
‫‪48‬‬ ‫ال�ضابط الثاين‪� :‬صحة الإطالق ب�أن يفيد اال�سم املدح والثناء بنف�سه دون قيد‪.‬‬
‫‪50‬‬ ‫ال�ضابط الثالث‪ :‬داللة اال�سم على الكمال املطلق يف الو�صف‪.‬‬
‫‪51‬‬ ‫مثال تطبيقي لإحتماالت حتقق ال�ضوابط الثالثة‪.‬‬
‫‪59‬‬ ‫الباب الثاين‪ :‬عدد �أ�سماء اهلل احل�سنى‪:‬‬
‫‪60‬‬ ‫املبحث الأول‪ :‬الأحاديث الواردة يف حتديد عدد الأ�سماء‪.‬‬
‫‪61‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬مناهج العلماء يف تتبع �أ�سماء اهلل احل�سنى‪.‬‬
‫‪66‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬مراتب الإح�صاء‪.‬‬
‫‪68‬‬ ‫املبحث الرابع‪� :‬أحاديث �سرد الأ�سماء‪.‬‬
‫‪69‬‬ ‫املبحث اخلام�س‪ :‬احلكمة من تخ�صي�ص العدد (‪ )99‬لإ�ستحقاق ثواب الإح�صاء‪.‬‬
‫‪71‬‬ ‫الباب الثالث‪� :‬شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى‪:‬‬
‫‪73‬‬ ‫املجموعـ‪1‬ـة‪ :‬اهلل ‪ -‬الرب ‪ -‬الإله‬
‫‪74‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪.‬‬
‫‪75‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪.‬‬
‫‪76‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪.‬‬
‫‪77‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪.‬‬
‫‪80‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪.‬‬
‫‪81‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪.‬‬
‫‪83‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪84‬‬ ‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪86‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪.‬‬
‫الفهارس‬ ‫‪567‬‬

‫‪91‬‬ ‫املجموعـ‪2‬ـة‪ :‬الواحد ‪ -‬الأحد ‪ -‬الوتر‬


‫‪92‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪.‬‬
‫‪92‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪.‬‬
‫‪93‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪.‬‬
‫‪94‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪.‬‬
‫‪95‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪.‬‬
‫‪95‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪.‬‬
‫‪99‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪100‬‬ ‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪100‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪.‬‬
‫‪103‬‬ ‫املجموعـ‪3‬ـة‪ :‬الأول ‪ -‬الآخر ‪ -‬الظاهر ‪ -‬الباطن‬
‫‪104‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪.‬‬
‫‪104‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪.‬‬
‫‪105‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪.‬‬
‫‪107‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪.‬‬
‫‪107‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪.‬‬
‫‪109‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪.‬‬
‫‪110‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪112‬‬ ‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪112‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪.‬‬
‫‪115‬‬ ‫املجموعـ‪4‬ـة‪ :‬احلميد ‪ -‬اجلميل ‪ -‬الطيب‬
‫‪116‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪.‬‬
‫‪116‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪.‬‬
‫‪118‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪.‬‬
‫‪119‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪.‬‬
‫‪120‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪.‬‬
‫‪121‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪.‬‬
‫‪122‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪124‬‬ ‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪124‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪.‬‬
‫‪131‬‬ ‫املجموعـ‪5‬ـة‪ :‬ال�سبوح ‪ -‬القدو�س ‪ -‬ال�سالم ‪ -‬املتكرب‬
‫‪132‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪.‬‬
‫‪133‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪.‬‬
‫‪134‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪.‬‬
‫‪135‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪.‬‬
‫‪568‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪138‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪.‬‬


‫‪140‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪.‬‬
‫‪142‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪145‬‬ ‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪146‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪.‬‬
‫‪149‬‬ ‫املجموعـ‪6‬ـة‪ :‬الكبري ‪ -‬العظيم ‪ -‬املجيد‬
‫‪150‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪.‬‬
‫‪151‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪.‬‬
‫‪151‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪.‬‬
‫‪153‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪.‬‬
‫‪154‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪.‬‬
‫‪154‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪.‬‬
‫‪155‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪157‬‬ ‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪158‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪.‬‬
‫‪165‬‬ ‫املجموعـ‪7‬ـة‪ :‬العلي ‪ -‬الأعلى ‪ -‬املتعال‬
‫‪166‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪.‬‬
‫‪166‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪.‬‬
‫‪167‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪.‬‬
‫‪168‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪.‬‬
‫‪169‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪.‬‬
‫‪169‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪.‬‬
‫‪171‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪172‬‬ ‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪173‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪.‬‬
‫‪177‬‬ ‫املجموعـ‪8‬ـة‪ :‬احلي ‪ -‬ال�سميع ‪ -‬الب�صري‬
‫‪178‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪.‬‬
‫‪178‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪.‬‬
‫‪179‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪.‬‬
‫‪181‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪.‬‬
‫‪181‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪.‬‬
‫‪182‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪.‬‬
‫‪184‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪186‬‬ ‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪187‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪.‬‬
‫الفهارس‬ ‫‪569‬‬

‫‪191‬‬ ‫املجموعـ‪9‬ـة‪ :‬العامل ‪ -‬العليم ‪ -‬اخلبري ‪ -‬احلكيم‬


‫‪192‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪.‬‬
‫‪193‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪.‬‬
‫‪194‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪.‬‬
‫‪195‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪.‬‬
‫‪197‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪.‬‬
‫‪198‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪.‬‬
‫‪202‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪205‬‬ ‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪206‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪.‬‬
‫‪213‬‬ ‫املجموعـ‪10‬ـة‪ :‬الرحمن ‪ -‬الرحيم ‪ -‬الر�ؤوف‬
‫‪214‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪.‬‬
‫‪214‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪.‬‬
‫‪216‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪.‬‬
‫‪216‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪.‬‬
‫‪218‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪.‬‬
‫‪218‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪.‬‬
‫‪222‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪223‬‬ ‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪224‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪.‬‬
‫‪231‬‬ ‫املجموعـ‪11‬ـة‪ :‬القادر ‪ -‬القدير ‪ -‬املقتدر‬
‫‪232‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪.‬‬
‫‪233‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪.‬‬
‫‪234‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪.‬‬
‫‪235‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪.‬‬
‫‪239‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪.‬‬
‫‪240‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪.‬‬
‫‪241‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪243‬‬ ‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪244‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪.‬‬
‫‪247‬‬ ‫املجموعـ‪12‬ـة‪ :‬القوي ‪ -‬املتني ‪ -‬العزيز ‪ -‬الأعز‬
‫‪248‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪.‬‬
‫‪249‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪.‬‬
‫‪250‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪.‬‬
‫‪251‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪.‬‬
‫‪570‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪251‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪.‬‬


‫‪252‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪.‬‬
‫‪256‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪258‬‬ ‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪258‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪.‬‬
‫‪263‬‬ ‫املجموعـ‪13‬ـة‪ :‬الغني ‪ -‬الوا�سع ‪ -‬القيوم‬
‫‪264‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪.‬‬
‫‪264‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪.‬‬
‫‪265‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪.‬‬
‫‪267‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪.‬‬
‫‪267‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪.‬‬
‫‪268‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪.‬‬
‫‪271‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪272‬‬ ‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪273‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪.‬‬
‫‪279‬‬ ‫املجموعـ‪14‬ـة‪ :‬املالك ‪ -‬امللك ‪ -‬املليك‬
‫‪280‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪.‬‬
‫‪280‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪.‬‬
‫‪281‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪.‬‬
‫‪282‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪.‬‬
‫‪283‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪.‬‬
‫‪283‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪.‬‬
‫‪284‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪285‬‬ ‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪286‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪.‬‬
‫‪289‬‬ ‫املجموعـ‪15‬ـة‪ :‬الكرمي ‪ -‬الأكرم ‪ -‬اجلواد ‪ -‬الرب‬
‫‪290‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪.‬‬
‫‪290‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪.‬‬
‫‪292‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪.‬‬
‫‪294‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪.‬‬
‫‪297‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪.‬‬
‫‪297‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪.‬‬
‫‪298‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪299‬‬ ‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪300‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪.‬‬
‫الفهارس‬ ‫‪571‬‬

‫‪305‬‬ ‫املجموعـ‪16‬ـة‪ :‬الرفيق ‪ -‬اللطيف‬


‫‪306‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪.‬‬
‫‪307‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪.‬‬
‫‪307‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪.‬‬
‫‪308‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪.‬‬
‫‪309‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪.‬‬
‫‪309‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪.‬‬
‫‪310‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪311‬‬ ‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪312‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪.‬‬
‫‪317‬‬ ‫املجموعـ‪17‬ـة‪ :‬اخلالق ‪ -‬اخلالق ‪ -‬الباريء ‪ -‬امل�صور ‪ -‬املح�سن‬
‫‪318‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪.‬‬
‫‪319‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪.‬‬
‫‪321‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪.‬‬
‫‪323‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪.‬‬
‫‪324‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪.‬‬
‫‪325‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪.‬‬
‫‪327‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪329‬‬ ‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪330‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪.‬‬
‫‪333‬‬ ‫املجموعـ‪18‬ـة‪ :‬املحيط ‪ -‬احلافظ ‪ -‬احلفيظ ‪ -‬املهيمن‬
‫‪334‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪.‬‬
‫‪335‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪.‬‬
‫‪336‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪.‬‬
‫‪337‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪.‬‬
‫‪340‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪.‬‬
‫‪341‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪.‬‬
‫‪342‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪343‬‬ ‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪345‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪.‬‬
‫‪351‬‬ ‫املجموعـ‪19‬ـة‪ :‬الرازق ‪ -‬الرزاق ‪ -‬املقيت‬
‫‪352‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪.‬‬
‫‪352‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪.‬‬
‫‪353‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪.‬‬
‫‪354‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪.‬‬
‫‪572‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪355‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪.‬‬


‫‪356‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪.‬‬
‫‪356‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪358‬‬ ‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪359‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪.‬‬
‫‪363‬‬ ‫املجموعـ‪20‬ـة‪ :‬املعطي ‪ -‬الوهاب ‪ -‬املنان ‪ -‬القاب�ض ‪ -‬البا�سط‬
‫‪364‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪.‬‬
‫‪365‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪.‬‬
‫‪366‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪.‬‬
‫‪368‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪.‬‬
‫‪372‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪.‬‬
‫‪373‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪.‬‬
‫‪373‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪375‬‬ ‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪376‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪.‬‬
‫‪381‬‬ ‫املجموعـ‪21‬ـة‪ :‬احلق ‪ -‬املبني ‪ -‬الهادي ‪ -‬احلكم ‪ -‬الفتاح‬
‫‪382‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪.‬‬
‫‪383‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪.‬‬
‫‪384‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪.‬‬
‫‪387‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪.‬‬
‫‪388‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪.‬‬
‫‪390‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪.‬‬
‫‪392‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪394‬‬ ‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪395‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪.‬‬
‫‪399‬‬ ‫املجموعـ‪22‬ـة‪ :‬الرقيب ‪ -‬ال�شهيد ‪ -‬احلا�سب ‪ -‬الديان‬
‫‪400‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪.‬‬
‫‪401‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪.‬‬
‫‪402‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪.‬‬
‫‪404‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪.‬‬
‫‪406‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪.‬‬
‫‪407‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪.‬‬
‫‪408‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪409‬‬ ‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪410‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪.‬‬
‫الفهارس‬ ‫‪573‬‬

‫‪421‬‬ ‫املجموعـ‪23‬ـة‪ :‬الويل ‪ -‬املولى ‪ -‬الودود ‪ -‬امل�ستعان ‪ -‬الوكيل ‪ -‬احل�سيب‬


‫‪422‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪.‬‬
‫‪424‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪.‬‬
‫‪426‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪.‬‬
‫‪428‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪.‬‬
‫‪431‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪.‬‬
‫‪433‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪.‬‬
‫‪436‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪438‬‬ ‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪439‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪.‬‬
‫‪443‬‬ ‫املجموعـ‪24‬ـة‪ :‬ال�سيد ‪ -‬ال�صمد ‪ -‬القريب ‪ -‬املجيب‬
‫‪444‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪.‬‬
‫‪445‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪.‬‬
‫‪446‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪.‬‬
‫‪448‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪.‬‬
‫‪449‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪.‬‬
‫‪450‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪.‬‬
‫‪450‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪452‬‬ ‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪452‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪.‬‬
‫‪459‬‬ ‫املجموعـ‪25‬ـة‪ :‬ال�شاكر ‪ -‬ال�شكور ‪ -‬الن�صري‬
‫‪460‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪.‬‬
‫‪460‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪.‬‬
‫‪461‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪.‬‬
‫‪462‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪.‬‬
‫‪463‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪.‬‬
‫‪464‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪.‬‬
‫‪465‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪468‬‬ ‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪469‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪.‬‬
‫‪479‬‬ ‫املجموعـ‪26‬ـة‪ :‬امل�ؤمن ‪ -‬ال�شايف ‪ -‬امل�سعر‬
‫‪480‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪.‬‬
‫‪480‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪.‬‬
‫‪482‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪.‬‬
‫‪574‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

‫‪483‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪.‬‬


‫‪483‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪.‬‬
‫‪484‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪.‬‬
‫‪485‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪487‬‬ ‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪487‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪.‬‬
‫‪489‬‬ ‫املجموعـ‪27‬ـة‪ :‬احلليم ‪ -‬احليي ‪ -‬ال�ستري‬
‫‪490‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪.‬‬
‫‪491‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪.‬‬
‫‪491‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪.‬‬
‫‪493‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪.‬‬
‫‪495‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪.‬‬
‫‪496‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪.‬‬
‫‪497‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪499‬‬ ‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪499‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪.‬‬
‫‪505‬‬ ‫املجموعـ‪28‬ـة‪ :‬العفو ‪ -‬الغفور ‪ -‬الغفار ‪ -‬التواب‬
‫‪506‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪.‬‬
‫‪507‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪.‬‬
‫‪508‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪.‬‬
‫‪509‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪.‬‬
‫‪512‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪.‬‬
‫‪513‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪.‬‬
‫‪517‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪518‬‬ ‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪519‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪.‬‬
‫‪523‬‬ ‫املجموعـ‪29‬ـة‪ :‬القاهر ‪ -‬القهار ‪ -‬اجلبار‬
‫‪524‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪.‬‬
‫‪525‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪.‬‬
‫‪525‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪.‬‬
‫‪526‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪.‬‬
‫‪528‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪.‬‬
‫‪529‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪.‬‬
‫‪530‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫الفهارس‬ ‫‪575‬‬

‫‪531‬‬ ‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪532‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪.‬‬
‫‪535‬‬ ‫املجموعـ‪30‬ـة‪ :‬املقدم ‪ -‬امل�ؤخر ‪ -‬الوارث‬
‫‪536‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬الدليل وعدد مرات الورود‪.‬‬
‫‪536‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعنى اللغوي‪.‬‬
‫‪537‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬املعنى ال�شرعي‪.‬‬
‫‪538‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬الفروق بني الأ�سماء‪.‬‬
‫‪539‬‬ ‫خام�س ًا‪ :‬ال�صفة امل�شتقة‪.‬‬
‫‪540‬‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى‪.‬‬
‫‪540‬‬ ‫�سابع ًا‪ :‬الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪543‬‬ ‫ثامن ًا‪ :‬مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء‪.‬‬
‫‪543‬‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬لطائف و�أقوال‪.‬‬
‫‪546‬‬ ‫امل�صادر واملراجع‬
‫‪561‬‬ ‫الفهار�س‬
‫‪576‬‬ ‫تصنيفًا ومعنى‬ ‫الح ْسنَى‬
‫اء ُ‬ ‫ا َ‬
‫أل ْس َم ُ‬

You might also like