Professional Documents
Culture Documents
Asmaaa Alhsna011 PDF
Asmaaa Alhsna011 PDF
طريقة ُم َي َّ�س َر ٌةُ ,ت�س ِّهل عليك حفظ �أ�سماء اهلل احل�سنى،
وفهم معانيها ،واختيار املنا�سب منها عند الدعاء
ماجد عبداهلل عبدالعزيز العبداجلبار 1433 ،هـ ح
فهر�سة مكتبة امللك فهد الوطنية �أثناء الن�شر
العبداجلبار ،ماجد عبداهلل عبدالعزيز
الأ�سماء احل�سنى :ت�صنيف ًا ومعنى /ماجد عبداهلل
عبدالعزيز العبداجلبار -ط - 2الريا�ض 1433 ،هـ
� 576ص؛ � 16.5سم * � 24سم
ردمك978 - 603 - 02 - 7757 - 5 :
-1الأ�سماء وال�صفات �أ .العنوان
1439 / 10406 ديوي 241
بينها ،و�سرعة ا�ستح�ضارها يف �أغرا�ض الدعاء املتنوعة ،واحلكم ــة �ضالة امل�ؤمن �أ ّنى وجدها
قد جمع يف كتابه بني عدة �أ�سماء لوجود رابط بينها دون �أن يعني فهو �أحق بهــا ،واهلل
ذلك الرتادف يف معانيها ،كقوله تعالى } :ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ
ﯼ ﯽ{[احلديد ،]3:قال ابن القيم م�شريا �إلى العالقة بينها« :فمدار هذه الأ�سماء على
الإحاطة ،وهي �إحاطتان :زمانية ومكانية»( ،)1وكقوله تعالى} :ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ
ﯧ{[احل�شر ،]24:قال ابن عا�شور« :و�إمنا ذكرت هذه ال�صفات متتابعة لأن من
جمموعها يح�صل ت�صور الإبداع الإلهي للإن�سان»( ،)2كما جمع نبيه ¤بني بع�ض الأ�سماء
ري ،يحب احلياء وال�سرت ،ف�إذا اغت�سل ِيم َح ِي ٌّي �سِ ِّت ٌ
َحل ٌ كقوله �( :¤إن اهلل
�أحدكم ،فلي�سترت)( ،)3وتطرقنا لهذه العالقة امل�شرتكة يف حمور منفرد عند حديثنا عن كل
جمموعة.
الثانية :التقدمي والت�أخري يف الرتتيب بني املجموعات �أو بني الأ�سماء يف كل جمموعة،
وكذلك م�سمى مفاتيح بع�ض املجموعات ،وبعد الت�أمل والبحث فقد �أجريت تغيريا طفيفا يف
ترتيب بع�ض املجموعات� ،أو م�سمياتها� ،أو يف ترتيب الأ�سماء داخلها ،ولعل املجموعة الوحيدة
التي اقت�صرت عليها امللحوظات يف مدى تنا�سب الأ�سماء املدرجة فيها هي جمموعة (ال�شكر)
والتي ا�شتملت على الأ�سماء الثالثة( :ال�شاكر وال�شكور والن�صري) و�أن ا�سم (الن�صري) ال
يتنا�سب مع مو�ضوع املجموعة ولعله �أقرب �إلى جمموعة (العزة) ( :القوي – املتني – العزيز
– الأعز) ،وهذا يف عمومه �صحيح ،ولكن بالت�أمل الدقيق جند �أن �صفات «القوة» و«املتانة»
مت�صف ًا بها ،ولها تعلق بكثري و«العزة» تعد من ال�صفات الذاتية التي مل يزل وال يزال اهلل
من �أحوال الب�شر املختلفة ،ولي�ست مقت�صرة على ن�صر امل�ؤمنني و�إهالك املجرمني فح�سب،
بل تتجاوزه �إلى �أمور ال عالقة لها بالن�صر كالرزق مثال ،قال تعالى} :ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ
ﮈ ﮉ ﮊ{[الذاريات ،]58:فكان من الأن�سب �إدراج ا�سم (الن�صري) يف جمموعة
ي�شكر من (ال�شكر) لكون الن�صرة من �آحاده و�أفراده ،وهي من �صفات الأفعال ،واهلل
(( )1طريق الهجرتني وباب ال�سعادتني) البن القيم (�ص.)24 :
( )2تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور (احل�شر – الآية (.))24
( )3رواه �أبو داود والن�سائي واللفظ له و�صححه الألباين يف �صحيح الن�سائي برقم ( )404و�صحيح اجلامع برقم (.)1756
مقدمة الطبعة الثانية 7
ن�صر دينه وكتابه ونبيه ¤بالن�صر والتمكني يف الدنيا والآخرة ،قال تعالى } :ﯘ ﯙ ﯚ
ﯛ{[حممد ،]7:ولقائل �أن يقول� :ألي�ست املغفرة والتوبة من �شكر اهلل لعباده؟ ،نقول:
بلى! ،ولكن «الن�صرة» �أخ�ص من «املغفرة» ،ومتعلقة بحالة وفئة خم�صو�صة ،بينما «املغفرة»
تعد من املطالب العامة التي تتعلق بحياة كل م�سلم ،وهي مطلب حلظي وم�ستمر وت�ستحق �أن
ُيخ�ص�ص لها جمموعة .كما �أنه ال مينع �أن تكون جمموعة مرتبطة ب�أخرى كارتباط جمموعة
«الكرم واجلود» مبجموعة «الغنى وال�سعة»� ،أو جمموعة «املغفرة» مبجموعة «الرحمة والر�أفة»،
و«ال�شكر» بـ«الوالية» ،وغريها من املجموعات� ،إال �أن لها خ�صو�صية ت�ستحق �أن تفرد لأجلها
يف جمموعة ،و�إن كانت بالعموم جز ًء من جمموعة �أخرى� ،أو متعلقة بها ،وهذا يظهر جليا يف
االقرتانات ،كاقرتان «املغفرة» و«التوبة» بـ«الرحمة» يف قوله تعالى }:ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ
ﭴ{ [البقرة ,]192:وقوله تعالى } :ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ{[التوبة,]104:
للإ�شارة �إلى �أن املغفرة والتوبة للعبد املذنب -امل�ستحق للعقوبة مبقت�ضى العدل -ما هي �إال �أث ٌر
من �آثار رحمة اهلل .
الثالثة :رغبة الكثري من الإخوة يف زيادة اللطائف والق�ص�ص املعربة التي تتنا�سب
مع مو�ضوع كل جمموعة من جماميع الأ�سماء احل�سنى ،وقد �سعيت كثريا يف حتقيق ذلك،
و�سرب الكثري من �أمهات الكتب بحثا عن الق�ص�ص والأقوال املنا�سبة ،حتى ت�ضاعفت يف
معظم املجموعات.
الرابعة :عدم منا�سبة «املحور العا�شر» اخلا�ص بالق�صائد واالبتهاالت ملو�ضوع الكتاب ،ومن
باب �أولى ملو�ضوع كل جمموعة على حدة ،ونزوال عند هذه الرغبة فقد �ألغينا هذا املحور واقت�صرنا
على املحاور الت�سعة الباقية.
لعل التغري الكبري الذي �سوف تالحظونه يف الطبعة الثانية؛ يتمثل يف الزيادة الكبرية
يف املحور التا�سع (اللطائف) والذي ُا�ستبدل م�سماه �إلى (لطائف و�أقوال) لي�ضاف
�إليه الكثري من �أقوال ال�سلف ال�صالح التي تتنا�سب مع مو�ضوع كل جمموعة ،كما عوجلت
الأخطاء املطبعية والإمالئية� ،إلى جانب بع�ض التعديالت والإ�ضافات هنا وهناك ال�سيما
املحور ال�ساد�س (فوائد االقرتانات).
تكاد الطبعة الأولى �أن تنفد من الأ�سواق ،ورغبة يف ن�شر هذا الكتاب ،ونزوال عند رغبة
سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الكثريين بن�شره على الإنرتنت وال �سيما من خارج اململكة ،فقد خ�ص�صت الطبعة الثانية
للن�شر الإلكرتوين على هيئة ملف ( ،)PDFو�س�أتريث يف طباعته حلني ا�ستقبال جميل
�أفكاركم وملحوظاتكم ،فال تبخلوا بها على �أخيكم ،فهي -كما ذكرت -الو�سيلة الوحيدة يف
�إحداث االرتقاء النوعي لهذا الكتاب وجعله �أكرث من جمرد رقم ي�ضاف �إلى قائمة الكتب
التي متتلئ بها �أرفف املكتبات ،مع رجائي اخلا�ص لكل من وجد فائدة منا�سبة �أو قو ًال م�أثورا
�أو حكمة خفية �أو ق�صة معربة تتنا�سب مع �أي حمور من حماور املجموعات �أن يرا�سلني بها
على بريدي الإلكرتوين.
�أ�س�أل اهلل الواحد الأحد ،ال�سيد ال�صمد �أن يجعل هذا العمل خال�ص ًا لوجهه الكرمي و�أن ينفع به
امل�سلمني� ،إنه جواد كرمي واحلمد هلل رب العاملني.
�أبو �أحمد
غرة �صفر 1440 -هـ
MajidAbduljabbar@gmail.com
9
متهيــد
10 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
�إال هو رب العاملني»( ،)3ويقول ابن العربي�« :شرف العلم ب�شرف املعلوم ،والبارئ �أ�شرف
املعلومات؛ فالعلم ب�أ�سمائه �أ�شرف العلوم»( ،)4ويقول الرازي�« :أ�شرف اللذات لذة العلم
واملعرفة ،و�أ�شرف العلم العلم الإلهي؛ ل�شرف معلومه ،و�شدة احلاجة �إليه»(.)5
أ�سا�س والقاعد َة ال�صلبة التي يعتلي عليها بنيان
ول�شرف هذا العلم و�أهميته كان ال َ
الدين و�أركانه ،وعلى قدر توثيق الأ�سا�س و�إحكامه يعلو البنيان وت�سلم الأركان .يقول ابن
القيم« :من �أراد علو بنيانه فعليه بتوثيق �أ�سا�سه و�إحكامه ،و�شدة االعتناء به،
ف�إن علو البنيان على قدر توثيق الأ�سا�س و�إحكامه ،فالأعمال والدرجات بنيان،
و�أ�سا�سها الإميان ,ومتى كان الأ�سا�س وثيقا حمل البنيان واعتلى عليه ،و�إذا تهدم
�شيء من البنيان �سهل تداركه ,و�إذا كان الأ�سا�س غري وثيق مل يرتفع البنيان ومل
يثبت ..وهذا الأ�سا�س �أمران ،الأول� :صحة املعرفة باهلل و�أمره و�أ�سمائه و�صفاته،
والثاين :جتريد االنقياد له ولر�سوله دون ما �سواه»(.)6
ومما يدل على �شرف هذا العلم و�أهميته �أنه ال تكاد تخلو منه �آية من �آيات الذكر احلكيم،
و�أعظم �آية يف القر�آن الكرمي (�آية الكر�سي) ت�ضمنت ذكر �أ�سماء اهلل و�صفاته ،و�أف�ضل �سور
وعدَ َلت �سورة (الإخال�ص) القر�آن (الفاحتة) ا�شتملت على ذكر اهلل ،وذكر �أ�سمائه و�صفاتهَ ،
ثلث القر�آن؛ لأن فيها �صفة الرحمن ،وجاء يف ال�صحيح ق�صة ال�صحابي اجلليل الذي �أُر�سل يف
�سرية ،فكان ي�صلي ب�أ�صحابه ،ويختم قر�آءته يف كل ركعة ب�سورة الإخال�ص ،وعلل فعله بقوله:
فب�شره النبي ¤وقال�( :أخربوه �أن اهلل «لأنها �صفة الرحمن ،و�أنا �أُحِ ُّب �أن �أقر�أ بها»ّ ،
ُي ِح ُّبه)( ،)7فاهلل يحب �أ�سماءه و�صفاته ،ويحب من يحب ذكرها ،ويحب ظهور �آثارها على
مي يحب �أهل الكرم ،جوا ٌد يحب �أهل العبد ،ف�إنه جمي ٌل يحب اجلمال ،عف ٌو يحب �أهل العفو ،كر ٌ
قوي يحب امل�ؤمن القوي,
والبٌ ،اجلود ،علي ٌم يحب �أهل العلم ،حم�سنٌ ب ٌر يحب �أهل الإح�سان رِ
طيب يحب الطيبني والطيبات ،والطيب من كل �شيء هو خمتاره تعالى. ٌ
(( )3مفتاح دار ال�سعادة) البن القيم (جـ� – 1 :ص.)111 – 110 :
(�( )4أحكام القر�آن) البن العربي (جـ� - 2 :ص.)993 :
(( )5ال�صواعق املر�سلة) البن القيم (جـ� - 2:ص )665 :وعزاه للرازي يف كتابه (اق�سام اللذات).
(( )6الفوائد) البن القيم (�ص.)156 - 155 :
( )7متفق عليه (رواه البخاري برقم ( ،)7375ورواه م�سلم برقم (.))813
12 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
والإميانُ -كما هو مقرر عند �أهل ال�سنة واجلماعة -اعتقا ٌد بالقلب ،وقو ٌل بالل�سان،
وعم ٌل باجلوارح والأركان ،فهناك تالزم بني االعتقاد وبني القول والعمل ،فالأول �أ�سا�س،
والثاين ثمرة له ،ومن مقت�ضياته وموجباته ،و�أعظم ما ُعمرت به القلوب ،و�أُن�يرت به
ال�صدور؛ العلم واليقني ب�أ�سماء اهلل احل�سنى ،و�صفاته العلى؛ ذلك �أن العلم باهلل يورث
عبادته وحده ،وخ�شيته وتعظيمه و�إجالله وحمبته والتوكل عليه ،وتفوي�ض الأمور كلها �إليه،
وكلما حقق العبد معاين �أ�سماء اهلل احل�سنى اعتقاد ًا وذكر ًا وعم ًال؛ كان �أكمل النا�س توحيد ًا
و�إميان ًا ،و�أ�شدهم هلل تعظيما و�إجالال ،و�أ�صدقهم ت�سليما واتباعا.
ومع �أهمية املو�ضوع ،و�أثره الكبري يف عقيدة امل�ؤمن وثباته ،ونظرته �إلى احلياة والكون
والدنيا برمتها ،ودوره العظيم يف بث روح الطم�أنينة والأم��ل ،ال �سيما يف ظل الفنت التي
تعي�شها الأمة اليوم� ،إال �أن الكثريين غفلوا عنه ،لأ�سباب عديدة ،لي�س هذا جمال ذكرها
وا�ستق�صائها ،ولكني �أح�سب �أن الرتابة التي �صاحبت ُطرق عر�ض وطرح مو�ضوع �أ�سماء اهلل
احل�سنى كان له �أكرب الأثر يف عزوف الكثريين عنه ،ف�ض ًال عن ا�ست�صحابه يف دروب احلياة
التي ال غنى مل�سلم يرجو النجاة فيها �إال به.
ولأجل هذا كله ،وللحاجة املا�سة لإعادة طرح املو�ضوع من جديد ،وب�أ�سلوب
بديع مبتكر ،جنمع فيه ما اف�ترق ،ونرتب منه ما تناثر واختلط ،ج��اءت فكرة
�إ��ص��دار ه��ذا الكتاب ال��ذي كانت ب��داي��ات��ه منذ م��ا يزيد ع��ن رب��ع ق��رن� ،أ��س��أل اهلل
الكرمي ،رب العر�ش العظيم� ،أن ينفع به كاتبه وقارئه � ..إن��ه ويل ذلك والقادر
عليه ،واحلمد هلل رب العاملني.
�أبو �أحمد
غرة رجب 1433 -هـ
MajidAbduljabbar@gmail.com
تمهيد 13
منهجية الكتاب
�أو ًال :للكتاب ق�صة:
خالل �أيام ال�صبا طرق م�سامعي حديث ر�سول اهلل �(:¤إن هلل ت�سعة وت�سعني
ا�سم ًا؛ مائة �إال واحد ًا ،من �أح�صاها دخل اجلنة)( ،)8ففرحت به فرح ًا عظيم ًا ،وعقدت
العزم على حفظ �أ�سماء اهلل احل�سنى ،ومعرفة معانيها ،والدعاء بها يف مقا�صد الدعاء
املتنوعة ،كما �أمرنا �-سبحانه -يف قوله تعالى } :ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ
ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ{[الأعراف ،]180:ف�ش ّمرت عن
�ساعد اجلد ،وجمعت العديد من امل�ؤلفات امل�صنفة يف هذا الباب ،وكان منها القدمي ومنها
احلديث ،وقمت ببحث الأ�سماء احل�سنى الثابتة ،وتلخي�صها يف مذكرة ال زلت �أحتفظ بها
�إلى اليوم ،وبعد البحث والتلخي�ص واجهتني خم�س مع�ضالت:
الأولى :تن ّوع تعداد وح�صر �أ�سماء اهلل احل�سنى بني امل�صنفات امل�ؤلفة يف هذا
الباب؛ فما جتده هنا ال جتده هناك! ،وتف�سري معنى اال�سم هناك يختلف عن معناه هنا!،
ناهيك عن �سرد �أ�سماء م�شتقة باجتهادات وا�ستدالالت حتتاج �إلى مراجعة وحترير.
الثانية :الذهول عن �أ�سماء اهلل احل�سنى املنا�سبة للدعاء ،ون�سيانها عند احلاجة،
وعدم وجود قاعدة �أو طريقة ُت�س ِّهل حفظ �أ�سماء اهلل احل�سنى عن ظهر قلب ،وا�ستح�ضار
املنا�سب منها يف �أغرا�ض الدعاء املتنوعة ،ال �سيما غري امل�شتهر منها على الأل�سن ،وقد ثبت
الن�ص بوروده نحو( :احلق املبني املتني الد َّيان املنان الوا�سع الوارث) وغريها.
الثالثة :التقارب يف املعاين بني بع�ض �أ�سماء اهلل احل�سنى املتباينة يف اال�شتقاق،
نحو( :الواحد والأحد)( ،البا�سط واملعطي والوهاب)(،الواحد والوتر)( ،اجلبار
وال �ق �ه��ار)( ،ال��رح �ي��م وال� � ��ر�ؤوف)( ،ال �ك��رمي واجل � ��واد)( ،املحيط واملهيمن)،
( )8متفق عليه؛ رواه البخاري برقم ( ،)2736ورواه م�سلم برقم (.)2677
14 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
توقفت كثري ًا عند تعليق ابن القيم -رحمه اهلل -على هذا احلديث العظيم ،وكيف
جمع النبي ¤ب�ألفاظه القليلة هذه املعاين العظيمة ال�شاملة ،التي قد ال تتحرك بها خواطر
أنى وجدها فهو �أحق
كثري ممن ي�ستعيذ من هذه الأ�شياء الثمانية! ،واحلكمة �ضالة امل�ؤمن � ّ
بها! ،لتنقدح يف ذهني فكرة هذا الكتاب يف اال�ستفادة من هذا املنهج اجلميل يف حماولة
ترتيب وت�صنيف �أ�سماء اهلل احل�سنى املتقاربة يف معانيها ،ويجمعها مو�ضوع واحد ،بحيث
ترتبط �أ�سماء كل جمموعة بعامل م�شرتك ،ويعد هذا العامل مفتاح املجموعة ،ومن خالل
املفاتيح تت�شكل يف عقل القارئ خارطة ذهنية لكل املجموعات ،ت�سهل على امل�سلم حفظ
�أ�سماء اهلل احل�سنى عن ظهر قلب مع ا�ستح�ضار املنا�سب منها عند الدعاء ،مع معرفته
ب�أ�سماء كل جمموعة ،وفهم معانيها ،والفروق التي بينها.
لدي بعد درا�سة الأ�سماء احل�سنى املح�صاة يف هذا الكتاب وعددها (107
جت َّمع َّ
�أ�سماء) ثالثون جمموعة كالتايل:
جماميع الأ�سماء
املفتاح املجموعة
ُ :
اهلل -ال َّر ُّب -الإِ َل ُه وه َّي ُةالأُ ُل ِ
1.1
:ال َو ِاح ُد -ال َأح ُد -ال ِوت ُر ال َو ْح َدا ِن َّي ُة 2.2
الظ ِاه ُر -ال َب ِاطنُ :الأ َّو ُل -ال ِآخ ُر َّ - اط ُة ال َإح َ
3.3
اجلمِ ي ُل َّ -
الط ِّي ُب احلمي ُد َ - َ : احل ْم ُد َ 4.
4
الم -املُ َت َكبِرّ ُال�س ُ و�س َّ - بوح -ال ُق ُّد ُال�س ُُّ : ال َت ْن ِـزي ُه 5.5
:ال َك ِب ُري -ال َع ِظ ُيم -ا َملجي ُد ا ْل َع َظ َم ُة
6.6
:ال َع ِل ُّي -ال ْأعلى -املت َع ُال ا ْل ُع ُل ُّو
7.7
ال�سمِ ي ُع -ال َب ِ�ص ُري َ :
احل ُّي َّ - الحْ َ َيا ُة 8.
8
:ال َعالمِ ُ -الع ِل ُيم -اخل ِب ُري -الحْ َ ِك ُيم الحِْ ْك َم ُة
9.9
:ال َّر ْح َمنُ -ال َّر ِح ُيم -ال َّر� ُ
ؤوف ال َّر ْح َم ُة
1010
18 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
وبعد ت�صميم اخلارطة الذهنية ،وحفظ مفاتيح املجموعات ،ف�إننا نح�سب �أن كل م�سلم �سيكون
قادر ًا على حفظ �أ�سماء اهلل احل�سنى ،وفهم معانيها ،والفروق التي بينها ،وا�ستح�ضارها عند
احلاجة �إليها يف �أغرا�ض الدعاء الكثرية.
تمهيد 19
فمجموعة (الهداية) -مث ًال -حتوي خم�سة �أ�سماء من �أ�سماء اهلل احل�سنى ( :ا َ
حل ُّق
حلك ُم -ال َف َّتا ُح) ،وهي مرتبطة فيما بينها مبو�ضوع الهداية للحق، ني -ا ْلهَادِي -ا َ
-امل ُ ِب ُ
حل ُّق) هو املتحقق كونه ووجوده ،وهو ذو احلق يف �أمره والتحاكم �إليه ،والثبات عليه .فاهلل (ا َ
ني) الذي وعد ونهيه ،ووعده ووعيده ،وجميع ما �أنزل على ل�سان ر�سله و�أنبيائه ،وهو (امل ُ ِب ُ
عباده �أن يبني لهم هذا احلق وال يكتمه ،و�أن يقيم عليهم احلجة ببيانه ،كما قال �سبـ ـحـ ــان ـ ـ ــه:
}ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ
ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕﰖ ﰗ ﰘ ﰙ{البقرة .]256:ومن
رحمته بعباده �أن ن ّوع بيانه لهذا احلق من خالل الفطـرة الـتي فطـر النـا�س عليهــا ،ومن
خـ ـ ــالل �آيـ ـ ـ ـ ـ ــات الكون واخللق ،كم ــا قـال �سبحان ــه} :ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ
ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ{[ف�صلت ،]53:ومن خالل �إر�سال الر�سل و�إنزال
الكتب ،كما قال �سبحانه } :ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ
ﭮ{[النحل ،]44:حتى بان احلق من الباطل بيان ًا �شافي ًا ،تقوم به احلجة؛ وهذا
البيان هو ما �أطلق عليه العلماء (هداية البيان والإر�شاد) ،التي ع َّرف اهلل مبوجبها طريقي
اخلري وال�شر ،و�سبيلي النجاة والهالك ،وهو مقت�ضى ا�سمه �-سبحانه( -ا ْلهَادِي) كما قال
�سبحانه } :ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ{ [�آل عمران .]103:وقوله تعالى:
}ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ{ [الن�ساء ،]26:وهذه
�سبب و�شرط ال موجب ،و�أما الهداية امل�ستلزمة لالهتداء
ت�ستلزم الهدى التام ،ف�إنها ٌ
ُ الهداية ال
فهي (هداية التوفيق والإلهام) ،كما يف قوله تعالى } :ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ
ﮜ{ [فاطر .]8:وقوله تعالى } :ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ{[الأحزاب]4:
والقلوب ُم َع َّر َ�ض ٌة لل�شهوات وال�شبهات ّ
والعي ،وقد يخفى عليها هذا احلق بعد البيان املعجز،
والداللة الوا�ضحة ،فيكون ال�ضالل ،ويحدث االختالف ،وعندئذ فاهلل هو (ا َ
حلك َم)،
وهو �أولى من يتحاكم النا�س �إلى قوله الف�صل املحكم ،كما قال �سبحانه} :ﯯ ﯰ
ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ{ [ال�شــورى ،]10:وق ـ ــوله �سبحانه } :ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ{
[الأنبياء .]112:وملا جبلت عليه بع�ض الأنف�س من الظلم واجلهل والكِبرْ واحل�سد ف�إنها قد
20 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
ت�أبى االنقياد حلكم اهلل ،وال تقبل احلق ،وتعادي �أهله ،وهنا ال بد من جميء احلق وظهوره،
فيق�ضي اهلل (ال َف َّتا ُح) بحكمه ،ويفتح على امل�ؤمنني برحمته ون�صره ،ب�إظهار �أثر ر�ضاه على
�أوليائه ،وغ�ضبه على �أعدائه ،قال تعالى} :ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ
ﮒ ﮓ ﮔ{[�سب�أ ،]26:وقـ ــال -تعالى -حكاي ـ ــة عن �شعيــب }:ﯘ ﯙ
ﯚ ﯛﯜﯝﯞﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣﯤﯥ
ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ
ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ
ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ
ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ
ﮓﮔﮕﮖ{[الأعراف.]89-87:
�أح�سب �أن العالقة التي ربطت الأ�سماء اخلم�سة يف جمموعة الهداية �ش ّكلت لدى
القارئ خارطة ذهنية جتمع هذه الأ�سماء �ضمن جمموعة واحدة ،ي�سهل ا�ستح�ضارها عند
احلاجة �إليها ،ال �سيما يف �أغرا�ض الدعاء املنا�سبة ملعاين هذه الأ�سماء ،كحال امل�سلم الذي
عجز عن بيان حجته� ،أو �أ�شكل عليه فهم م�س�ألته� ،أو �ضاع عليه دليل براءته� ،أو احتاج ل�سند
لتنفيذ ما ُح ِك َم له� ،أو الدعاء بالهداية للطريق امل�ستقيم ,وغريها من املنا�سبات ..وما قيل
هنا يقال عن بقية املجموعات كما �سي�أتي معنا يف الكتاب.
يف حالة وجود �أكرث من تف�سري ملعنى اال�سم ف�إن االختيار يقت�صر عند الفرز والت�صنيف
على املعنى الأقوى والأ�شهر والأقرب الذي جاء به الن�ص� ،أو ورد عن ال�سلف ال�صالح ،مع
الإ�شارة -ما �أمكن� -إلى املعاين الأخرى – التي حتتملها اللغة -عند احلديث عن اال�سم
يف معناه اللغوي وال�شرعي .فا�سم اهلل (الباطن) -مث ًال -ورد يف الن�ص مبعنى (القرب
والدنو) ،لقوله ..( :¤و�أنت الباطنُ َفلي�س دونك �شيء ،)14() ..وجاء عن بع�ض
( )14رواه م�سلم برقم (.)2713
تمهيد 21
مف�سري الأ�سماء مبعنى (املحتجب) ،وهو معنى يحتمله املعنى اللغوي لال�سم ،ف ُقدم املعنى
الذي ورد به الن�ص عند فرز وت�صنيف الأ�سماء ،دون النظر للمعاين الأخرى؛ لكون الهدف
من ت�صنيف الأ�سماء يف جمموعات هو ت�سهيل حفظها وتي�سري ا�ستح�ضارها عند احلاجة
�إليها يف مقا�صد الدعاء املتنوعة ،ولي�س املق�صد ح�صر معنى اال�سم يف املعنى امل�شرتك
الذي يجمع الأ�سماء يف كل جمموعة.
نوع العالقة امل�شرتكة التي تربط الأ�سماء فيما بينها يف كل جمموعة ،تختلف من
جمموعة �إلى �أخرى ،فبع�ض املجموعات تت�شارك �أ�سما�ؤها يف اال�شتقاق من �صفة واحدة؛
كما هو احلال -مث ًال -يف جمموعة (امللك -املالك -املليك) ،وا�شرتاكها يف اال�شتقاق من
�صفة (امل ُ ْلك) ،وهذا لي�س بجديد يف هذا الكتاب ،بل �إن معظم امل�ؤلفات التي ُ�صنفت يف
�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى ت�ضم عادة بني الأ�سماء امل�شتقة من �صفة واحدة.
وقد تكون العالقة يف تقارب املعنى ،وهو يف �أكرث املجموعات؛ كما هو احلال –مث ًال-
يف جمموعة (الواحد -الأحد -الوتر) وتقاربهم يف معنى الوحدانية� ،أو يف جمموعة
(املعطي -الوهاب -املنان -القاب�ض -البا�سط) وا�شرتاكها يف معنى العطاء� ،أو
يف جمموعة (العفو -الغفور -الغفار -التواب) وا�شرتاكها يف معنى مغفرة الذنوب
وحموها ،والوقاية من �شرها.
خا�ص ًا، وقد تكون العالقة يف تكامل املعنى العام للمجموعة ،حيث يفيد ك ُّل ا�سم ً
معنى ّ
وبا�شرتاك �أ�سماء املجموعة جميعها يت�ضح املعنى العام؛ كما هو احلال – مث ًال -يف جمموعة
(الأول -الآخر -الظاهر -الباطن) وداللتها على الإحاطة العامة الزمانية واملكانية،
وهكذا يف بقية املجموعات.
خالل مراحل الفرز كنت �أبحث عن املعنى اللغوي وال�شرعي لكل ا�سم ،ومن ثم �إحلاقه
علي �إحلاق بع�ض الأ�سماء لعدم وجود رابط بينها باملجموعة التي تنا�سبه ،وقد ي�ستع�صي َّ
وبني الأ�سماء الأخرى يف بقية املجموعات ،ف�أجتاوزها �إلى غريها ،ومع التقدم يف البحث
تظهر جمموعة جديدةُ ،يلحق بها ما مت جتاوزه.
22 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
علي يف نهاية البحث ثالثة �أ�سماء مل يجمعها �أي رابط بالأ�سماء احل�سنى ا�ستع�صى َّ
الأخرى يف جميع املجموعات امل�صنفة ،وهي (امل�ؤمن -ال�شايف -امل�س ّعر) ،ول�صعوبة �إدراج
كل ا�سم منها يف جمموعة على حدة؛ اجتهدت كثري ًا يف درا�سة معانيها على �أمل �إحلاقها
ببقية املجموعات ،ولكن دون �أن �أ�صل لرابط م�شرتك يطمئن �إليه القلب ،وبعد طول ت�أمل
وبحث؛ وقعت عيني على حديث ر�سول اهلل ( :¤من �أ�صبح منكم �آمنا يف �سربه ،معافى
يف ج�سده ،عنده قوت يومه ،فك�أمنا حيزت له الدنيا بحذافريها)( ،)15لتن�ضم
الأ�سماء الثالثة مع بع�ضها البع�ض يف جمموعة واحدة ،وترتبط �آثارها باملقومات الأ�سا�سية
للمجتمعات امل�ستقرة ال�سعيدة( :الأم��ن – ال�صحة – الرخاء) ،والكل يكاد �أن ُيجمع
على �أن عوامل الأمل وال�شقاء التي تهدد �سعادة الب�شر وا�ستقرار املجتمعات تتمثل يف امل َث َّلث
املرعب( :اخلوف -املر�ض -اجلوع)؛ ولذا �أ�شار الر�سول � ¤إلى هذه العوامل الثالثة،
و�أن من عافاه اهلل منها؛ فك�أمنا ملك الدنيا برمتها .وهو م َث َّلثٌ ال يكاد يفرتق ،فمتى ما وقع
�أحدهم حلق به �صاحباه ،كما هو احلال يف الدول التي انت�شرت فيها الفنت واحلروب ،فقد
ابتليت بلبا�س اخلوف ،وتف�شي الأمرا�ض ،وارتفاع الأ�سعار ..واهلل امل�ستعان.
يظل اختيار الأ�سماء وتوزيعها يف كل جمموعة ،وترتيب املجموعات� ،أم��راً
ال للإ�صابة واخلط�أ ،فقد يكون من الأن�سب نقل هذا ،وتقدمي ذاك، اجتهاديا قاب ً
�أو تغيري ا�سم هذه املجموعة ،وتقدميها �أو ت�أخريها ،وغريها من املقرتحات التي ال
غنى لهذا البحث عنها؛ ولذا �آمل من كل قارئ �أن يرا�سلني مبقرتحاته وملحوظاته
على بريدي الإلكرتوين التايل:
MajidAbduljabbar@gmail.com
حلف ِّي)؛ لأنه �إمنا ورد مقيداً يف قوله -تعالى -عن �إبراهيـم } :ﯞ
تر ّدد يف �إدخال (ا َ
ﯟ ﯠ ﯡ{ [مرمي.)16(»]47:
و�أح�صى ال�شيخ علوي ال�سقاف يف كتابه ( 101ا�سماً) مبا فيها لفظ اجلاللة (الل)،
مع توقفه يف �إدخال ا�سمني( :العامل) و(ال��وارث) ،وقال « :فقد �أ�ضفت ثالثة �أ�سماء
وهي( :ال َّد َّيان) و(املقيت) و(الهادي)، ترجح يل بالدليل �أنها من �أ�سماء اهلل
َّ
وتوقفت يف ا�سمني فلم �أُوردهما يف هذه الطبعة وهما( :العامل) و(الوارث)»(.)17
و�أح�صى ال�شيخ الر�ضواين ( 100ا�سم) مع لفظ اجلاللة (الل) ،وقد �أح�سن يف كتابه
ب�إف�صاحه عن �ضوابط حمددة ،وقواعد منهجية لعملية الإح�صاء ،وقرر يف بحثه �أن الأ�سماء
احل�سنى التي تع َّرف اهلل بها �إلى عباده ( 99ا�سماً) فقط ،فقال« :وم��ا نود التنبيه
�إليه مما جتتمع الأدلة عليه يف هذه الق�ضية ،ومن خالل اعتقاد ال�سلف -املبني على
الن�صو�ص القر�آنية والنبوية� -أنه ال �شك يف �أن جملة �أ�سماء اهلل -تعالى -الكلية تعد
�أم��راً من الأم��ور الغيبية التي ا�ست�أثر اهلل بها ،و�أنها غري حم�صورة يف عدد معني،
وه��ذا ن�ص ظاهر يف رواي��ة ابن م�سعود ‹ ،وال يفهم من حديث �أب��ي هريرة ‹
الذي ورد فيه الن�ص على ت�سعة وت�سعني ا�سما ح�صرها جميعها مبجموعها الكلي؛
لأن املق�صود ب�إح�صاء هذا العدد �إح�صاء الأ�سماء احل�سنى التي تع َّرف اهلل بها
�إلى عباده يف كتابه ويف �سنة ر�سوله ،¤وال يدل على ح�صر �أ�سماء اهلل الكلية يف هذا
العدد ،ولو كان املراد احل�صر لقال النبي � : ¤إن �أ�سماء اهلل ت�سعة وت�سعون ا�سما من
�أح�صاها دخل اجلنة �أو نحو ذلك؛ فمعنى احلديث �أن هذا العدد الذي تع َّرف اهلل به
�إلى عباده يف كتابه ويف �سنة ر�سوله ¤من جملة �أ�سماء اهلل ومن �ش�أنه �أن من
�أح�صاه دخل اجلنة»( ،)18و�سي�أتي احلديث عن منهج العلماء يف تعداد �أ�سماء اهلل احل�سنى.
(( )16القواعد املثلى) لل�شيخ ابن عثيمني (�ص.)25:
(�( )17صفات اهلل ) لل�شيخ ال�سقاف (�ص - 8:الطبعة الثانية -دار الهجرة بالريا�ض 1422هـ).
(�( )18أ�سماء اهلل احل�سنى الثابتة يف الكتاب وال�سنة) للدكتور حممود عبدالرازق الر�ضواين (�ص.)32 :
تمهيد 25
P P P P P P P ال�سقاف
P P P P P P الر�ضواين
بعد مراجعة وتدقيق جميع هذه الأ�سماء البالغة ( 105ا�سماء) ،وعر�ضها على ال�ضوابط
ال�شرعية والقواعد العلمية التي �سن�شري �إليها الحق ًا ،تبني لنا ما يلي:
ورود (( )97ا�سماً) منها على �سبيل الإطالق ،دالة على ذات اهلل ومراد ًا به ال َع َلمية،
ودالة على الو�صفية وكمالها.
�أما بقية الأ�سماء وهي� 8( :أ�سماء) فلم ترد مطلقة ،و�إمنا وردت مقيدة كما يلي:
ال�شهيدُ ) يف قوله تعالى }:ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ{[الن�ساء]33: َّ (1.1
وقوله تعالى } :ﰓ ﰔ ﰕﰖ ﰗ ﰘ ﰙ{[الن�ساء.]79:
�سيب) يف قوله تعالى} :ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ حل ُ(2.2ا َ
ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ{[الن�ساء ،]86:وقوله تعالى } :ﰅ ﰆ ﰇ
ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ{[الن�ساء.]6:
(3.3املُقيتُ ) يف قوله تعالى } :ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ{[الن�ساء.]85:
فيظ) يف قوله تعالى } :ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ
حل ُ(4.4ا َ
ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ{[هود.]57:
يط) يف قوله تعالى} :ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ
(املح ُ
ُ 5.5
ﮭ ﮮ ﮯ{[الن�ساء.]126:
تمهيد 27
�أما اال�سم الأخري (ا ْل َها ِدي) فقد ذكره ال�شيخ ال�سقاف �ضمن تعداده ،و�أ�شار ّ
الزجاج
�إلى �أن التقييد يف مثل هذه الآيات �إمنا هو لت�أكيد ال�صفة ،وح�صر كمالها فيه �-سبحانه-
الزجاج }« :ﭕ ﭖ ﭗ {[الن�ساء ]45:وما مبعنى :ا ْك َت ُفوا باهلل هَادِياً َو َن ِ�صرياً .قال ّ
�أَ�شبهه يف القر�آن :معنى الباء لل َّتوكيد ،واملعنى :كفى اهلل ولياً� ،إِال �أَن الباء دخلت يف
ا�سم الفاعل؛ لأَن معنى الكالم الأَم ُر ،واملعنى :ا ْك َت ُفوا باهلل ولياً»( ،)26وممن �أدرجه
يف �أ�سماء اهلل احل�سنى من العلماءَّ :
اخلطابي( ،)27واحلليمي والبيهقي( ،)28والقرطبي(،)29
وابن حجر( ،)30وال�شيخ ال�سعدي( ،)31وال�شيخان ابن باز وابن جربين( ،)32رحمهم اهلل
�أجمعني ،وال�شيخان عبداهلل الغ�صن( ،)33و عبدالرزاق البدر( ،)34حفظهم اهلل.
ومن خالل تتبعي لأ�سماء اهلل احل�سنى يف امل�صنفات الأخرى تبني يل ثبوت
ا�سمني ،مل يدرجا يف تعداد الكتب الثالثة املختارة �آنفاً ،وهما (املُ�ست َعا ُن) و(الحْ َ ا�سِ ُب)،
وفقاً ملا يلي:
(املُ�ست َعانُ ) :ورد يف القر�آن الكرمي (مرتني) مقيد ًا ب�شيء خم�صو�ص يف طلب
العون على ق�ضاء حاجة خم�صو�صة ،يف قول اهلل تعالى }:ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ
ﮏ ﮐ ﮑ{[يو�سف ،]18:وقوله تعالى } :ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ
ﯭ ﯮ ﯯ{[الأنبياء ،]112:وورد مطلق ًا ،وم��راد ًا به ال َع َلمية ،يف �صحيح ال�سنة من قول
ال�صحابي اجلليل عثمان بن عفان ‹ ،عندما فتح له �أبو مو�سى الأ�شعري ‹ باب احلائط،
و�أخربه بقول النبي ( :¤افتح له ،وب�شره باجلنة ،على بلوى ت�صيبه) فقال عثمان« :اهلل
(( )26ل�سان العرب) البن منظور (جـ� - 15 :ص )226:مادة (كفى).
(�( )27ش�أن الدعاء) للخطابي (�ص.)95 :
(( )28الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ� - ١ :ص )202:ونقل فيه قول احلليمي.
(( )29الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي -حتقيق :حممد ح�سن جبل وطارق �أحمد حممد (جـ� - 1 :ص.)376 :
(( )30فتح الباري �شر ح �صحيح البخاري) البن حجر الع�سقالين (�ص - 2806:رقم احلديث.)6410 :
( )31تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص.)20 :
(�( )32شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى يف �ضوء الكتاب وال�سنة) مل�ؤلفه �سعيد القحطاين (�ص.)2:
(�( )33أ�سماء اهلل احل�سنى) لل�شيخ عبداهلل بن �صالح الغ�صن (�ص .)185 :
(( )34فقه الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالرزاق البدر (�ص .)137 :
30 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
امل�ستعان»( ،)35وورد �-أي�ض ًا -من حديث قتادة بن النعمان ‹ ،وفيه قوله .. « :ف�أتيت ر�سول
اهلل ¤فكلمته ،فقالَ ( :ع َم َ
دت �إلى �أهل بيتُ ،ذ ِك َ��ر منهم �إ�سالم و�صالح ،ترميهم
بال�سرقة على غري ثبت وبينة؟!) ..قال قتادة :فرجعت ،ول��وددت �أين خرجت من
بع�ض م��ايل ومل �أكلم ر�سول اهلل ¤يف ذل��ك ،ف�أتاين عمي رفاعة بن زيد ‹ ،فقال:
يا ابن �أخي ما �صنعت؟ ..ف�أخربته مبا قال يل ر�سول اهلل ،¤فقال :اهلل امل�ستعان ،فلم
يلبث �أن نزل القر�آن .)36(»..وممن عده و�أدرجه �ضمن �أ�سماء اهلل احل�سنى :احلافظ ابن
حجر( ،)37والإمام القرطبي( ،)38وال�شيخ عبدالعزيز بن باز( ،)39رحمهم اهلل �أجمعني.
ا�س ُب) :ورد اال�سم يف القر�آن الكرمي ،يف قوله تعالى}:ﭪ ﭫ ﭬ (الحْ َ ِ
ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ
ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ{[الأنبياء ،]47:ويقال يف �إثباته ما قيل يف ا�سم اهلل (ا ْل َها ِدي).
وممن عده و�أدرجه �ضمن �أ�سماء اهلل احل�سنى :القرطبي( ،)40وال�شيخ عبداهلل بن �صالح
الغ�صن( ،)41وال�شيخ حممد احلمود النجدي( ,)42والأكرث مل يدرجه �ضمن الأ�سماء ،و�إن
ُاعترب معناه �ضمن معاين ا�سمه �-سبحانه( -احل�سيب).
وبذلك يكون عدد الأ�سماء احل�سنى التي �سنتطرق �إليها ون�شرحها يف هذا الكتاب -ب�إذن
اهلل تعالى� 107( -أ�سماء) موزعة وم�صنفة ح�سب معانيها املتقاربة �إلى ( 30جمموعة)
كالتايل:
( )35رواه البخاري برقم (.)6216
(� )36أخرجه الرتمذي واحلاكم والطرباين وح�سنه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم ( )3036باعتبار ترقيم (جامع
الرتمذي) و برقم ( )2432باعتبار ال�صحيح منه.
(( )37فتح الباري �شرح �صحيح البخاري) البن حجر الع�سقالين (�ص - 2806:رقم احلديث.)6410 :
(( )38الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي -حتقيق :حممد ح�سن جبل وطارق �أحمد حممد (جـ� - 1 :ص.)544 :
(�( )39شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى يف �ضوء الكتاب وال�سنة) مل�ؤلفه �سعيد القحطاين (�ص.)2:
(( )40الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي -حتقيق :حممد ح�سن جبل وطارق �أحمد حممد (جـ� - 1 :ص.)207 :
(�( )41أ�سماء اهلل احل�سنى) لل�شيخ عبداهلل بن �صالح الغ�صن (�ص .)176 :
(( )42النهج الأ�سمى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للنجدي (�ص.)258 :
تمهيد 31
املجموعة املت�ضمنة ال�سم اهلل (الغفور) ،و(العزيز الغفور) نذكره عند احلديث عن املجموعة
املت�ضمنة ال�سم اهلل (العزيز).
ولعله من املنا�سب �أن ن�شري �إلى �أن هذا املحور مقت�صر على احلديث عن احلكمة العامة من
اقرتان اال�سمني مع بع�ضهما دون التطرق �إلى مطابقة االقرتان ملقت�ضى املقام يف كل �آية من �آيات
القر�آن الكرمي �إال يف �أ�ضيق احلدود وما تقت�ضيه احلاجة؛ لأن هذا يطول ويحتاج �إلى بحث منفرد،
وبع�ض االقرتانات تكررت ع�شرات املرات ،ولو تتبعنا كل �آية للحديث عن منا�سبة االقرتان ملو�ضوع الآية
لطالت ال�صفحات ،وت�ضاعف حجم الكتاب.
املحور ال�سابع :الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء:
وخ�ص�ص للحديث عن دعاء العبادة ب�شقية االعتقادي والعملي املتعلق بالأ�سماء احل�سنى
املدرجة يف كل جمموعة .ويف جانب الثمرة العملية للإميان بهذه الأ�سماء؛ ا�ستفدت كثري ًا من
الآثار الإميانية التي ذكرها ال�شيخ عبدالعزيز بن نا�صر اجلل ّيل يف كتابة اجلميل (وهلل الأ�سماء
احل�سنى فادعوه بها) ،فجزاه اهلل خري ًا وحفظه وبارك فيه.
املحور الثامن :مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء:
وخ�ص�ص للحديث عن دعاء امل�س�ألة ،وحاجات الب�شر التي ينا�سبها متجيد اهلل
والثناء عليه بالأ�سماء احل�سنى املدرجة يف كل جمموعة ،مع اال�ست�شهاد مبا ينا�سبها من الأدعية
الواردة يف كتاب اهلل ،و�صحيح �سنة نبيه .¤
املحور التا�سع :لطائف و�أقوال:
وهو يهتم بذكر ق�ص�ص معربة ،ولطائف م�ؤثرة ،ومواقف و�أقوال منا�سبة ملعاين الأ�سماء
احل�سنى املدرجة يف كل جمموعة ،وكان الهدف من و�ضع هذا املحور ذكر �أمثلة عملية ومواقف
تطبيقية لدعاء العبادة ،وكيفية ت�أثري �أ�سماء اهلل احل�سنى يف حياة الب�شر.
هذا ما تي�سر بحثه ،وكتابته ..ف�أ�س�أل اهلل الكرمي ،رب العر�ش العظيم� ،أن
يجعله خال�ص ًا لوجهه اجلليل ،و�أن ينفع به كاتبه وقارئه يف الدنيا والآخرة� ،إنه �سميع
الدعاء ،و�أهل الرجاء ،وهو ح�سبنا ونعم الوكيل.
35
الباب الأول
�ضوابط �إح�صاء �أ�سماء اهلل احل�سنى
36 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الباب الأول
�ضوابط �إح�صاء �أ�سماء اهلل احل�سنى
املبحث الأول :تف�سري قول اهلل تعالى } :ﭳ ﭴ ﭵ{:
امتدح اهلل �أ�سماءه العظيمة ،وو�صفها ب�أنها ح�سنى ،وتكرر ذلك يف �أربعة
موا�ضع من القر�آن الكرمي:
• يف قوله تعالى } :ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ
ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ{[الأعراف.]180:
• وقوله تعالى }:ﮊﮋ ﮌﮍ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮕﮖ{[الأ�سراء.]110 :
• وقوله تعالى } :ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ{[طه.]8:
• وقوله تعالى} :ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ{[احل�شر.]24:
وحيث �إن معني الآيات متقارب يف و�صف �أ�سماء اهلل الكرمية ب�أنها ح�سنى،
ف�إننا �سنكتفي بتف�سري �آية الأعراف ،ونذكر �أقوال العلماء يف تف�سريها:
• قوله تعالى } :ﭳﭴ{� :أي �أن هلل �أ�سماء ،هي �أح�سن الأ�سماء؛ لداللتها على �أح�سن
م�سمى ،و�أ�شرف مدلول .يقول ال�شيخ ال�سعدي« :هذا بيان لعظيم جالله ،و�سعة �أو�صافه ،ب�أن له
الأ�سماء احل�سنى� ،أي :له كل ا�سم ح�سن»( ،)1والألف والالم يف لفظ } ﭴ{ للعهد؛ مبعنى
�أنها معهودة موجودة ،ومبثوثة يف الكتاب وال�سنة .يقول ابن حزم« :والأ�سماء احل�سنى بالألف والالم
ال تكون �إال معهودة ،وال معروف يف ذلك �إال ما ن�ص اهلل -تعالى -عليه ..وهي الأ�سماء املذكورة يف
القر�آن وال�سنة»( .)2وقال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية« :الأ�سماء احل�سنى املعروفة هي التي يدعى
اهلل بها ،وهي التي جاءت يف الكتاب وال�سنة ،وهي التي تقت�ضي املدح والثناء بنف�سها»(.)3
• قوله تعالى } :ﮫ{� :أي �أح�سن الأ�سماء و�أج ّلها؛ لأنها تنبئ عن �أ�سمى املعاين
(( )1تف�سري ال�سعدي) عند تف�سري (�سورة :الأعراف – الآية.)180 :
(( )2املحلى) البن حزم (جـ� - 1 :ص.)30 - 29:
(�( )3شرح العقيدة الأ�صفهانية) ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية (�ص.)19 :
الباب األول :ضوابط إحصاء األسماء الحسنى 37
حل َ�سن ،وحتت هذا و�أ�شرفها .قال ال�سيد املرت�ضى }« :ﮫ{ :جمع الأَ ْح َ�سن ال جمع ا َ
حل َ�سن من �صفات الألفاظ ،ومن �صفات املعاين ،فكل لفظ له �سر نفي�س :وذلك �أن ا َ
معنيانَ :ح َ�سن و�أَ ْح َ�سن ،فاملراد الأَ ْح َ�سن منهما حتى ي�صبح جمعه ُح ْ�س َنى ،وال يف�سر
حل َ�سن منهما �إال الأح�سن بهذا الوجه»( .)4وقال ابن الوزير اليماين« :اعلم �أن ا ُ
حل ْ�س َنى با َ
حل َ�سن ،ف�إن جمعه ح�سان وح�سنة ،ف�أ�سماء اهلل يف اللغة :هو جمع الأَ ْح َ�سن ،ال جمع ا َ
التي ال تحُ �صى ك ُّلها ُح ْ�س َنى؛ �أي� :أح�سن الأ�سماء ،وهو مثل قوله تعالى } :ﭷﭸ
ﭹﭺﭻ ﭼ{[الروم� ،]27 :أي :الكمال الأعظم يف ذاته و�أ�سمائه ونعوته،
فلذلك وجب �أن تكون �أ�سما�ؤه �أح�سن الأ�سماء ،ال �أن تكون ح�سنة وح�سا ًنا ال �سوى ،وكم
ال و�شرعاً؛ ولغة وعرفاً؟!»(.)5 بني احل�سن والأح�سن من التفاوت العظيم عق ً
يقول ابن القيم�« :أ�سما�ؤه كلها �أ�سماء مدح وحمد وثناء ومتجيد؛ ولذلك كانت
ح�سنى ،و�صفاته كلها �صفات كمال ،ونعوته كلها نعوت جالل ،و�أفعاله كلها حكمة
ورحمة وم�صلحة وعدل»( ،)6ويقول يف مو�ضع �آخر« :واملق�صود �أن الرب �أ�سما�ؤه كلها
ح�سنى ،لي�س فيها ا�سم �سوء ،و�أو�صافه كلها كمال ،لي�س فيها �صفة نق�ص ،و�أفعاله
كلها حكمة ،لي�س فيها فعل خال عن احلكمة وامل�صلحة ،وله املثل الأعلى يف ال�سماوات
والأر�ض وهو العزيز احلكيم ،مو�صوف ب�صفة الكمال ،مذكور بنعوت اجلالل ،من ّزه
عن ال�شبيه واملثال ،ومن ّزه عما ي�ضاد �صفات كماله؛ فمن ّزه عن املوت امل�ضاد للحياة،
وعن ال�سِ َن ِة والنوم وال�سهو والغفلة امل�ضاد للقيومية ،ومو�صوف بالعلم ،من ّزه عن
�أ� �ض��داده كلها م��ن الن�سيان وال��ذه��ول وع��زوب �شيء ع��ن علمه ،مو�صوف بالقدرة
التامة ،من ّزه عن �ضدها من العجز واللغوب والإعياء ،مو�صوف بالعدل من ّزه عن
الظلم ،مو�صوف باحلكمة من ّزه عن العبث ،مو�صوف بال�سمع والب�صر من ّزه عن
�أ�ضدادهما من ال�صمم والبكم ،مو�صوف بالعلو والفوقية من ّزه عن �أ�ضداد ذلك،
( )4تف�سري (حما�سن الت�أويل) جلمال الدين القا�سمي (جـ� - 16 :ص ،)116 :عند تف�سري (�سورة :احل�شر – الآية.)24 :
(( )5العوا�صم والقوا�صم يف الذب عن �سنة �أبي القا�سم )¤البن الوزير اليماين (جـ� - 7 :ص.)228 :
(( )6مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ� - 1:ص.)125 :
38 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
مو�صوف بالغنى التام من ّزه عما ي�ضاده بوجه من الوجوه ،وم�ستحق للحمد كله،
في�ستحيل �أن يكون غري حممود»(.)7
ووجه كون �أ�سماء اهلل ح�سنى جاء من طريقني:
. الأولى :لداللتها على �أح�سن و�أعظم و�أ�شرف و�أجل و�أقد�س م�سمى وهو (الل)
الثانية� :أنها مت�ضمنة ل�صفات كاملة ،ال نق�ص فيها وال عيب بوجه من الوجوه.
قال ال�شيخ عبد العزيز ال�سلمان« :كانت �أ�سماء اهلل ح�سنى؛ لداللتها على �أح�سن
م�سمى ،و�أ�شرف مدلول»(.)8
• قوله تعالى } :ﭶ ﭷ{ :والدعاء ي�شمل دعاء الطلب وامل�س�ألة ،ودعاء الثناء
والعبادة .يقول ابن القيم « :وال��دع��اء بها يتناول دع��اء امل�س�ألة ودع��اء الثناء ،ودع��اء
التعبد ،وهو �-سبحانه -يدعو عباده �إلى �أن يعرفوه ب�أ�سمائه و�صفاته ،ويثنوا عليه
بها ،وي�أخذوا بحظهم من عبوديتها ،وهو �-سبحانه -يحب موجب �أ�سمائه و�صفاته،
فهو (عليم) يحب كل عليم( ،جواد) يحب كل جواد( ،وتر) يحب الوتر( ،جميل) يحب
اجلمال( ،عفو) يحب العفو و�أهله( ،حيي) يحب احلياء و�أهله( ،ب ّر) يحب الأبرار،
(�شكور) يحب ال�شاكرين ،)9(»..ويقول ال�شيخ ال�سعدي« :ومن متام كونها (ح�سنى) �أنه
ال يدعى �إال بها ،ولذلك قال } :ﭶﭷ{ وهذا �شامل لدعاء العبادة ،ودعاء امل�س�ألة،
فيدعى يف كل مطلوب مبا ينا�سب ذلك املطلوب ،فيقول الداعي -مثال -ال ّلهم اغفر
يل وارحمني� ،إنك �أنت (الغفور الرحيم) ،وتب َعلَ َّي يا (تواب) ،وارزقني يا (رزاق)،
والطف بي يا (لطيف) ،ونحو ذلك»(.)10
والدعاء هو« :ا�ستدعاء العبدِ ر َّبه العناية ،وا�ستمدادُه منه املعونة ،وحقيقته �إظهار
االفتقار �إلى اهلل -تعالى -والتربّ�ؤ من احلول والقوة ،وهو �سمة العبودية وا�ست�شعا ُر
(( )7طريق الهجرتني) البن القيم ( �ص.)98 - 97 :
(( )8الأ�سئلة والأجوبة الأ�صولية على العقيدة الوا�سطية) لل�شيخ عبدالعزيز بن حممد ال�سلمان (�ص.)51 :
(( )9مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ� - 1:ص.)420 :
(( )10تف�سري ال�سعدي) عند تف�سري (�سورة :الأعراف – الآية.)180 :
الباب األول :ضوابط إحصاء األسماء الحسنى 39
الذلة الب�شر َّية ،وفيه معنى الثناء على اهلل ،و�إ�ضافة اجلود والكرم �إليه»( ،)11وهو نوعان:
الأول :دعاء م�س�ألة :وهو طلب الداعي بل�سان املقال ما ينفعه من جلب منفعة �أو
دفع م�ضرة ،في�س�أل اهلل ويثني عليه ،ويتو�سل �إليه ب�أ�سمائه احل�سنى التي تنا�سب حاجته
ومطلبه ،مع ا�ستح�ضار ما ت�ضمنته تلك الأ�سماء احل�سنى من كمال الأو�صاف وجاللها.
يقول ابن القيم« :دعاء امل�س�ألة :هو طلب ما ينفع الداعي ،وطلب ك�شف ما ي�ضره �أو
دفعه ،وكل من ميلك ال�ضر والنفع ف�إنه هو املعبود حقاً ،واملعبود ال بد �أن يكون مالكاً
للنفع وال�ضرر ،ولهذا �أنكر اهلل -تعالى -على من عبد من دونه ماال ميلك �ضراً وال
نفعاً»( ،)12ويقول القرطبي }« :ﭶ ﭷ{ �أي :اطلبوا منه ب�أ�سمائه؛ فيطلب بكل
ا�سم ما يليق به ،تقول :يا (رحيم) ارحمني ،يا (حكيم) احكم يل ،يا (رازق) ارزقني،
يا (هادي) اهدين ،يا (ف ّتاح) افتح يل ،يا (ت ّواب) تب ّ
علي؛ وهكذا»(.)13
الثاين :دعاء عبادة :ويكون بل�سان احلال ،وهو كما قال الدكتور الر�ضواين« :ظهور �أثر
�أ�سماء اهلل على اعتقاد العبد و�أقواله و�أفعاله ،بحيث يراعي يف �سلوكه توحيد العبودية هلل يف
كل ا�سم �أو و�صف على حدة ،فهو دعاء بل�سان احلال� ،أو دعاء �سلوكي ومظهر �أخالقي وحال
�إمياين ،يبدو فيه امل�سلم موحداً هلل يف كل ا�سم من الأ�سماء احل�سنى بحيث تنطق �أفعاله �أنه
ال معبود بحق �سواه ،و�أنه بفعله هذا ي�شهد �أال �إله �إال اهلل»( .)14يقول ابن القيم« :لكل �صفة
عبودية خا�صة ،هي من موجباتها ومقت�ضياتها� ،أعني من موجبات العلم بها ،والتحقق
مبعرفتها ،وهذا مطرد يف جميع �أن��واع العبودية التي على القلب واجل��وارح ،ف ِع ْلم العبد
بتف ُّرد الربِّ -تعالى -بال�ض ِّر والنفع ،والعطاء واملنع ،واخللق والرزق ،والإحياء والإماتة،
يثمر له عبودية التوكل عليه باطناً ،ولوازم التوكل وثمراته ظاهرا ،وعلمه ب�سمعه -تعالى-
وب�صره وعلمه ،و�أنه ال يخفى عليه مثقال ذرة يف ال�سماوات وال يف الأر�ض ،و�أنه يعلم ال�سر
و�أخفى ،ويعلم خائنة الأعني وما تخفي ال�صدور ،يثمر له حفظ ل�سانه وجوارحه وخطرات
(�( )11ش�أن الدعاء) للخطابي (�ص.)4 :
(( )12بدائع الفوائد) البن القيم (جـ� - 3:ص.)2 :
( )13تف�سري القرطبي (اجلامع لأحكام القر�آن) عند تف�سري الآية ( )180من �سورة الأعراف.
(�( )14أ�سماء اهلل احل�سنى الثابتة يف الكتاب وال�سنة) للدكتور حممود عبدالرازق الر�ضواين (�ص.)180 :
40 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
قلبه عن كل ما ال ير�ضي اهلل ،و�أن يجعل تعلق هذه الأع�ضاء مبا يحبه اهلل وير�ضاه ،فيثمر
له ذلك احلياء باطناً ،ويثمر له احلياء اجتناب املحرمات والقبائح ،ومعرفته بغناه وجوده
وكرمه وب��ره و�إح�سانه ورحمته؛ توجب له �سعة ال��رج��اء ،وتثمر له من �أن��واع العبودية
الظاهرة والباطنة بح�سب معرفته وعلمه ،وكذلك معرفته بجالل اهلل وعظمته وعزه،
تثمر له اخل�ضوع واال�ستكانة واملحبة ،وتثمر له تلك الأحوال الباطنة �أنواعاً من العبودية
الظاهرة هي موجباتها ،وكذلك علمه بكماله وجماله و�صفاته العلى ،يوجب له حمبة
خا�صة ،مبنزلة �أنواع العبودية ،فرجعت العبودية كلها �إلى مقت�ضى الأ�سماء وال�صفات»(،)15
ال�سلمي« :ف�إن اهلل ذكر �صفاته لعباده ليعرفوها ،ويعاملوه مبا ينا�سبها من الأحوال ويقول َّ
والأق��وال والأع�م��ال ،فو�صف نف�سه بالربوبية ليعبدوه ،وبالكمال ليمجدوه ،وباجلالل
ليوقروه ،وبالإف�ضال لي�شكروه ،وباجلمال ليحبوه ،وبالكربياء ليهابوه ،وبالقرب منهم
لرياقبوه ،وب�سعة الرحمة لريجوه ،وب�شدة النقمة ليخافوه ،وبالعظمة ليخ�ضعوا لعظمته،
وبالعزة ليتذللوا لعزته ،وبالإح�سان �إليهم لري�ضوا عنه ،وباالطالع عليهم لي�ستحوا منه،
وبالتفرد بالإلهية لئال يعبدوا �سواه ،وبالتوحد بالنفع وال�ضر لئال يعتمدوا �إال عليه ،وال
ي�ستندوا �إال �إليه ،فتجلى لهم يف كتابه ب�صفاته ليحثهم مبعرفتها على التم�سك بكتابه،
والتخلق ب�آدابه»( ,)16وقال ال�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل�« :إن التعبد هلل �سبحانه با�سمه (الرقيب)
يثمر يف القلب مراقبة اهلل يف ال�سر والعلن ،يف الليل والنهار ،يف اخللوة واجللوة ،لأنه
�-سبحانه -مع عبده ال تخفى عليه خافية؛ ي�سمع كالمنا وي��رى مكاننا ،ويعلم خائنة
الأعني وما تخفي ال�صدور ،ف�إذا �أيقن العبد بهذه احلقائق �سعى �إلى حفظ قلبه و�سمعه
وب�صره ول�سانه وجوارحه كلها من �أن يكون منها �أو فيها ما ي�سخط اهلل»(.)17
• قوله تعالى } :ﭹﭺﭻﭼ ﭽ{ :يقول ابن القيم « :والإحلاد
يف �أ�سمائه؛ هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن احلق الثابت لها ،وهو م�أخوذ
(( )15مفتاح دار ال�سعادة) البن القيم (جـ� - 2 :ص.)492 - 491 :
(( )16الإ�شارة �إلى الإيجاز يف بع�ض �أنواع املجاز) لعز الدين عبد العزيز بن عبد ال�سالم ال�سلمي (�ص.)206 :
(( )17وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلليل (�ص.)640 :
الباب األول :ضوابط إحصاء األسماء الحسنى 41
من امليل ،كما يدل عليه مادته (ل ح د) فمنه اللحد ،وهو ال�شق يف جانب القرب ،الذي
قد مال عن الو�سط � ..إذا عرف هذا فالإحلاد يف �أ�سمائه -تعالى� -أنواع:
�أحدها :ت�سمية الأ�صنام بها؛ كت�سميتهم الالت من الإلهية ،والعزى من العزيز ،وت�سميتهم
ال�صنم �إالهاً ،وهذا �إحلاد حقيقة ،ف�إنهم عدلوا ب�أ�سمائه �إلى �أوثانهم و�آلهتهم الباطلة.
الثاين :ت�سميته مبا ال يليق بجالله ،كت�سمية الن�صارى له �أبا ،وت�سمية الفال�سفة
له موجباً بذاته� ،أو علة فاعلة بالطبع ،ونحو ذلك.
ثالثها :و�صفه مبا يتعالى عنه ويتقد�س من النقائ�ص ،كقول �أخبث اليهود� :إنه
فقري ،وقولهم� :إنه ا�سرتاح بعد �أن خلق خلقه ،وقولهم } :ﯥ ﯦ ﯧ{[املائدة.]64:
راب�ع�ه��ا :تعطيل الأ��س�م��اء ع��ن معانيها ،وجحد حقائقها ،كقول م��ن يقول من
اجلهمية و�أتباعهم� :إنها �ألفاظ جمردة ،ال تت�ضمن �صفات وال معاين ،فيطلقون عليه
ا�سم ال�سميع والب�صري واحلي والرحيم واملتكلم واملريد ،ويقولون :ال حياة له ،وال
�سمع ،وال ب�صر ،وال كالم ،وال �إرادة تقوم به ،وهذا من �أعظم الإحلاد فيها عقال و�شرعا
ولغة وفطرة ،وهو يقابل �إحلاد امل�شركني ،ف�إن �أولئك �أعطوا �أ�سماءه و�صفاته لآلهتهم،
وه�ؤالء �سلبوه �صفات كماله ،وجحدوها وعطلوها ،فكالهما ملحد يف �أ�سمائه.
خام�سها :ت�شبيه �صفاته ب�صفات خلقه تعالى اهلل عما يقول امل�شبهون علوا كبريا»(.)18
مبا مل ي�سم به نف�سه يف كتابه عد بع�ض العلماء من الإحل��اد ت�سمية اهللوقد َّ
�أو على ل�سان ر�سوله ،¤قال الإمام البغوي« :قال �أهل املعاين :الإحل��اد يف �أ�سماء اهلل
ت�سميته مبا مل يت�سم به ،ومل ينطق به كتاب اهلل ،وال �سنة ر�سوله»( ،)19وقال ابن
حجر« :قال �أهل التف�سري :من الإحلاد يف �أ�سمائه ت�سميته مبا مل يرد يف الكتاب �أو
ال�سنة ال�صحيحة»( ،)20وقال ابن حزم« :ف َم َن َع -تعالى� -أن ي�سمى �إال ب�أ�سمائه احل�سنى،
و�أخرب �أن من �سماه بغريها فقد �أحلد»(.)21
(( )18بدائع الفوائد) البن القيم (جـ� - 1:ص.)170 - 169 :
( )19تف�سري (معامل التنزيل) للبغوي عند تف�سري [�سورة :الأعراف – الآية.]180 :
(( )20فتح الباري) البن حجر الع�سقالين (�ص - 2807:رقم احلديث.)6410 :
(( )21املحلى) البن حزم (جـ� - 1 :ص.) 29:
42 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
جانب ت�أكيد �أهمية حتديد ال�ضوابط املنهجية ،والقواعد العلمية ،وفائدتها العظيمة يف
�إحكام عملية الإح�صاء ،وتعيني �أ�سماء اهلل احل�سنى قبل البدء ب�شرحها واحلديث عنها.
وقد اهتم بع�ض العلماء ب�ضوابط حتديد �أ�سماء اهلل احل�سنى ،وم�ستندهم
يف ذلك قول اهلل تعالى }:ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ
ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ{[الأعراف ،]180:وتتمثل �أهم ال�ضوابط الرئي�سة
يف حتديد �أ�سماء اهلل احل�سنى فيما يلي:
• ال�ضابط الأول� :أ�سماء اهلل احل�سنى توقيفية:
�أ�سماء اهلل احل�سنى توقيفية؛ �أي ال بد من ثبوت وروده��ا بن�ص القر�آن الكرمي �أو
�صحيح ال�سنة ،فهي تتلقى عن طريق اخلرب (ال�سمع) ال بالآراء واالجتهادات ،ويجب الوقوف
عند ذلك وعدم جت��اوزه ،فال ُيزاد عليه وال ُينق�ص ،والدليل قوله تعالى } :ﭳ ﭴ
ﭵ{ فالألف والالم يف لفظ } ﭴ{ للعهد؛ مبعنى �أنها معهودة موجودة ،ومبثوثة
يف الكتاب وال�سنة ،وهو ما �أ�شار �إليه ابن حزم يف قوله« :والأ�سماء احل�سنى بالألف والالم
ال تكون �إال معهودة ،وال معروف يف ذلك �إال ما ن�ص اهلل -تعالى -عليه ..وهي الأ�سماء
املذكورة يف القر�آن وال�سنة»( ،)23يقول �أبو �سليمان اخلطابي« :ومن علم هذا الباب � -أعني
الأ�سماء وال�صفات -وما يدخل يف �أحكامه ،ويتعلق به من �شرائط� ،أنه ال يتجاوز فيها
التوقيف»( ،)24وقال ابن القي ــم تعليق ًا على ق ــول الر�سول ¤يف حديــث ابن م�سعــود‹:
(� ..أ�س�ألك بكل ا�سم هو لك� ،سميت به نف�سك « :)25()..فاحلديث �صريح يف �أن �أ�سماءه
لي�ست من فعل الآدم�ي�ين وت�سمياتهم»( ،)26ويقول ال�شيخ ابن عثيمني�« :أ�سماء اهلل
-تعالى -توقيفية ال جمال للعقل فيها ،وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء
(( )23املحلى) البن حزم (جـ� - 1 :ص.)30 - 29:
(�( )24ش�أن الدعاء) للخطابي (�ص.)111 :
( )25رواه الإمام �أحمد والطرباين وابن حبان واحلاكم ،و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة برقم (.)199
(�( )26شفاء العليل) البن القيم (جـ� - 3:ص - 1355 :الباب ال�سابع والع�شرون :يف دخول الإميان بالق�ضاء والقدر والعدل
والتوحيد واحلكمة حتت قوله ( : ¤ما�ض َّيف حكمك ،عدل َّيف ق�ضا�ؤك).
44 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
به الكتاب وال�سنة فال يزاد فيها وال ينق�ص؛ لأن العقل ال ميكنه �إدراك ما ي�ستحقه
-تعالى -من الأ�سماء ،فوجب الوقوف يف ذلك على الن�ص ..ولأن ت�سميته -تعالى -مبا
مل ي�سم به نف�سه �أو �إنكار ما �س ّمى به نف�سه جناية يف حقه -تعالى»( ،)27ويقول ال�شيخ بكر
�أبو زيد عند حديثه عن ا�سم (ال�صانع) ..« :هذا على ر�أي من اكتفى يف �إطالق الأ�سماء
بورود الفعل ،وقد غ َّلط املحققون هذا ال��ر�أي يف مباحث مطولة نفي�سة ،وق��رروا �أن
�أ�سماء اهلل توقيفية»(.)28
ومن امل�سائل اخلالفية املتعلقة بهذا ال�ضابط :هل امل��راد بالتوقف يف �أ�سماء اهلل
احل�سنى ا�شرتاط ورود اال�سم ن�صاً� ،أم �أن امل��راد كون �أ�صل اال�سم امل�شتق توقيفياً؟،
�أي ثبوت (ال�صفة) التي �أُ�شتق منها اال�سم .فا�سما (العزيز) و(الوهاب) -مث ًال -وردا ن�ص ًا يف
قوله تعالى } :ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ{[�ص ،]9 :بينما ا�سما (الباقي)
و(اجلليل) – وهما من الأ�سماء التي وردت يف اجلمع املدرج بحديث �أبي هريرة ‹ -مل
ترد ن�ص ًا يف الكتاب �أوال�سنة الثابتة ،و�إمنا ا�شتقت من �صفات (ا ْل َب َقا ُء) و(الجْ َ ُ
الل) الثابتة
يف قوله تعالى } :ﯴ ﯵ ﯶ{ [طه ]73 :ويف قوله تعالى } :ﮄ ﮅ هلل
ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ{ [الرحمن ،]27 :ف�أجاز كثري من املتقدمني ا�شتقاق الأ�سماء من
ال�صفات ،وا�شرتطوا لذلك ثبوت ال�صفة بورودها يف الكتاب �أو ال�سنة ،و�أن تقت�ضي الكمال
املطلق الذي يحمد عليه الرب ومي��دح ،وال يوهم نق�ص ًا بوجه من الوجوه .يقول الدكتور
حممد خليفة التميمي عن منهج ا�شتقاق الأ�سماء من ال�صفات الثابتة« :وهذا ال ّنهج نا�صره
وعا�ضده �أكرث العلماء الذين اهت ّموا بجمع الأ�سماء احل�سنى ،وبخا�صة املتقدّمني
منهم ,فمن خالل ا�ستقرائي جلميع العلماء وج��دت �أن الكثري منهم يراعي ذلك
ال�شرط عند ذكره للأ�سماء في�أخذون بع�ض الأ�سماء بطريق اال�شتقاق ،ولكن مع
ونق�ص ،ومد ٍح وذم،
ٍ ري منق�سم ٍة �إلى كمالٍ
التق ّيد ب�أن تكون ال�صفة يف حال �إطالقها غ َ
ري و�شرٍّ ,فالب ّد يف حال �إطالقها �أن تكون مدحا مطلقا»( ،)29وقد خالف هذا الر�أي
�أو خ ٍ
(( )27القواعد املثلى) لل�شيخ ابن عثيمني يرحمه اهلل (�ص.)12 :
(( )28معجم املناهي اللفظية) لل�شيخ بكر بن عبداهلل �أبو زيد يرحمه اهلل (�ص.)207 :
(( )29معتقد �أهل ال�سنة واجلماعة يف �أ�سماء اهلل احل�سنى) للدكتور حممد خليفة التميمي (�ص.)127 - 126 :
الباب األول :ضوابط إحصاء األسماء الحسنى 45
بع�ض العلماء ،واحتجوا ب�أن اهلل اخت�ص بالأ�سماء احل�سنى التي �أطلقها على نف�سه يف
حمكم كتابه ،وفيما �أوحاه �إلى ر�سوله ،¤ولي�س لأحد �أن ي�سميه مبا مل ي�سم به نف�سه ،وهو
�-سبحانه� -أعلم مبا يليق بجالله ،ومر معنا قول ابن القيم�« :أن �أ�سماء اهلل لي�ست من
فعل الآدميني وت�سمياتهم»( ،)30واهلل �أطلق على نف�سه �أ�سما ًء كـ (الرحمن) فقال
�سبحانه } :ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ{[الإ�سراء،]110:
وو�صف نف�سه بـ (الرحمة) فقال تعالى } :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ
ﭗ{[الأنعام ،]147:وذكر من �أفعاله �أنه يرحم فقال �سبحانه } :ﭖ ﭗ ﭘ
ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ{[يو�سف ،]53:ومع ذلك �أمر عباده ب�أن يتعبدوه ويدعوه ب�أ�سمائه
التي �سمى بها نف�سه دون �صفاته ،فيقال :عبدالرحمن ،ويدعى (يا رحمن ارحمنا) ،لكن ال
ُيتعبد ب�صفاته وال يدعى بها ،فال يقال عبد الرحمة ،وال يدعى :يا رحمة اهلل ارحمينا؛ ومهما
بلغت عقول الب�شر من توقد الذهن وعل ِّو العلم ف�إنها تظل عاجزة عن �إدراك ما ي�ستحقه اهلل
�-سبحانه وتعالى -من الأ�سماء احل�سنى وال�صفات العلى ،وهو �-سبحانه� -أعلم مبا يليق
بجالله وعظمته كما قال ..( :¤ال �أح�صي ثناء عليك� ،أنت كما �أثنيت على نف�سك)(،)31
فالأولى الوقوف عند ذلك دون زيادة �أو نق�صان ،فنثبت هلل ما �أثبته لنف�سه يف كتابه
�أو على ل�سان ر�سوله ¤من الأ�سماء ،وال نزيد على ذلك با�شتقاق �أو قيا�س �أو غريه ،وقد
�أ�شارت �إلى ذلك اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء يف جوابها على �س�ؤال �أحد ال�سائلني
عن ا�سم (الف�ضيل) :وهل هو من �أ�سماء اهلل احل�سنى؟ ..فقالت� .. « :أخرب �-سبحانه-
عن نف�سه ب�أنه اخت�ص بالأ�سماء احل�سنى املت�ضمنة لكمال �صفاته ،ولعظمته وجالله،
و�أمر عباده �أن يدعوه بها ت�سمية له مبا �سمى به نف�سه ،و�أن يدعوه بها ت�ضرعاً وخفية
يف ال�سراء وال�ضراء ،ونهاهم عن الإحلاد فيها بجحدها �أو �إنكار معانيها� ،أو بت�سميته
ي�سم به نف�سه� ،أو بت�سمية غريه بها ،وتوعد من خالف يف ذلك ب�سوء العذاب.مبا مل ِّ
وقد �سمى اهلل نف�سه ب�أ�سماء يف حمكم كتابه ،وفيما �أوحاه �إلى ر�سوله ¤من ال�سنة
الثابتة ولي�س من بينها ا�سم (الف�ضيل) ،ولي�س لأحد �أن ي�سميه بذلك؛ لأن �أ�سماءه
(�( )30شفاء العليل) البن القيم (جـ� - 3:ص.)1355 :
( )31رواه م�سلم برقم (.)486
46 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
-تعالى -توقيفية ،ف�إنه �-سبحانه -هو �أعلم مبا يليق بجالله ،وغ�يره قا�صر عن
ذلك ،فمن �سماه بغري ما �سمى به نف�سه �أو �سماه به ر�سوله ¤فقد �أحلد يف �أ�سمائه
وانحرف عن �سواء ال�سبيل ..و�أ�سماء اهلل توقيفية فال ي�سمى �-سبحانه� -إال مبا
�سمى به نف�سه �أو �سماه به ر�سوله ¤وال يجوز �أن ي�سمى با�سم عن طريق القيا�س
�أو اال�شتقاق من فعل ونحوه خالفاً للمعتزلة والك َّرامية ،فال يجوز ت�سميته ب ّنا ًء،
وال ماكراً ،وال م�ستهزئاً� ،أخذاً من قوله تعالى} :ﯰ ﯱ ﯲ{[الذاريات،]47:
وق��ول��ه} :ﭛﭜﭝ{ [�آل عمران ،]54:وقوله تعالى} :ﯬ ﯭ
ﯮ{[البقرة ،]15:وال يجوز ت�سميته زارع�اً ،وال ماهداً ،وال فالقاً ،وال من�شئـــــاً ،وال
ـــــــــال ،وال �شديداً ،ونحــــو ذلـــــك �أخــــــذاً مـن قولـــه تعالى} :ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ
قـــاب ً
ﮟ {[الواقعة ،]64:وقوله تعالى } :ﯸ ﯹ{[الذاريات ،]48:وقوله:
} ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ{[الأنعام ،]95:وقوله} :ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ
ﯮ{[الواقعة ،]72:وقوله } :ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ{[غافر]3:؛ لأنها مل
ت�ستعمل يف هذه الن�صو�ص �إال م�ضافة ،ويف �إخبا ٍر على غري طريق الت�سمي ،ال مطلقة،
فال يجوز ا�ستعمالها �إال على ال�صفة التي وردت عليها يف الن�صو�ص ال�شرعية ،فيجب
�أال يع َّبد يف الت�سمية �إال ال�سم من الأ�سماء التي �سمى بها نف�سه �صريحاً يف القر�آن،
�أو �سماه بها ر�سوله ¤فيما ثبت عنه من الأحاديث»( ،)32ومن الفوائد التي �أ�شار �إليها
ال�شيخ ابن عثيمني عند تف�سريه لقوله تعالى } :ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ{[البقرة،]260:
قوله « :ومنها� :إثبات ا�سمني من �أ�سماء اهلل؛ وهما( :العزيز) و(احلكيم) ،و�إثبات ما
ت�ضمناه من ال�صفة؛ وهي (العزة) ،و(احلكمة)؛ لأن كل ا�سم من �أ�سماء اهلل فهو
مت�ضمن ل�صفة وال عك�س؛ يعني :لي�س كل �صفة ي�ؤخذ منها ا�سم ،لكن كل ا�سم
ي�ؤخذ منه �صفة؛ لأن �أ�سماء اهلل �أعالم ،و�أو�صاف ،فكل ا�سم من �أ�سمائه مت�ضمن
(( )32فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واالفتاء) (جـ� -11:ص ،)458 - 454 :رقم الفتوى ( )3862برئا�سة رئي�س
اللجنة ال�شيخ عبدالعزيز بن عبداهلل بن باز وم�شاركة نائبه ال�شيخ عبدالرزاق عفيفي وع�ضوية كل من ال�شيخ عبداهلل بن قعود
وال�شيخ عبداهلل بن غديان رحمهم اهلل �أجمعني.
الباب األول :ضوابط إحصاء األسماء الحسنى 47
لل�صفة التي دل عليها ا�شتقاقه� ،أو لوازمها»( ،)33وقال ال�شيخ بكر �أبو زيد عند تعداده لأوجه
الأ�سماء التي يحرم ت�سمية املولود بها .. « :ومن هذا :الغلط يف التعبيد لأ�سما ٍء ُي ُّ
ظن �أنها
من �أ�سماء اهلل -تعالى -ولي�ستْ كذلك؛ مثل :عبد املق�صود ،عبد ال�ستار ،عبد املوجود،
عبد املعبود ،عبد الهوه ،عبد امل ْر�سل ،عبد الوحيد ،عبد الطالب ،عبد النا�صر ،عبد
القا�ضي ،عبد اجلامع ،عبد احلنان ،عبد ال�صاحب – للحديث ال�صحيح( :ال�صاحب يف
ال�سفر)( – )34عبد الويف ..فهذه يكون اخلط�أ فيها من جهتني :من جهة ت�سمية اهلل مبا
مل ير ْد به ال�سمع ،و�أ�سما�ؤه �-سبحانه -توقيفي ٌة على الن�ص من كتابٍ �أو �سنةٍ ،واجلهة
الثانية :التعبيد مبا مل ي�سم اهلل به نف�سه وال ر�سوله ،¤وكثري منها من �صفات اهلل
ال ُعلى ،لكن قد غلط غلطاً بيناً من جعل هلل من كل �صفة ا�سماً ،وا�شتق له منها ،فقــول
اهلل تعالى} :ﭹ ﭺ ﭻ{[غافر ،]20:ال ي�شتق هلل منها ا�سم القا�ضي ،لهذا فال
يقال :عبد القا�ضي ،وهكذا»( ،)35وقال ال�شيخ عبداهلل الغ�صن� « :إن �أ�سماء اهلل م�شتقة ،لكن
ال يجوز لنا �أن ن�شتق من الفعل� ،أو من ال�صفة ا�سماً؛ لأن �أ�سماء اهلل – وهي التي وردت
ب�صيغة اال�سم – توقيفية ،فال ن�سمي اهلل �إال مبا �سمى به نف�سه� ،أو �سماه به ر�سوله ،¤
ال �إذا كان الفعل متعدياً� ،أو
ف�إذا ثبت اال�سم بالن�ص ،جاز لنا �أن ن�شتق منه �صفة وفع ً
كل فامل�س�ألة لي�س هذا حمل ب�سطها�صفة فقط �إذا كان الفعل الزماً -واهلل �أعلم»( ،)36وعلى ٍ
وحترير النزاع فيها ،و�إمنا الإ�شارة �إلى �سبب �إيراد الأ�سماء امل�شتقة يف م�صنفات الكثري من
العلماء املتقدمني.
وخروجاً من اخل�لاف فقد اقت�صرنا يف هذا الكتاب على الأ�سماء التي ثبت
ورودها ب�صورة اال�سم دون اال�شتقاق.
وعليه ف�إن �أ�سماء اهلل احل�سنى ن�صية توقيفية ،تعتمد يف �إثباتها على ورودها ب�صورة
اال�سم يف الكتاب و�صحيح ال�سنة ،وال ُت�ستنبط عن طريق القيا�س �أو اال�شتقاق.
(( )33تف�سري �سورة البقرة) لل�شيخ ابن عثيمني [البقرة. 260:
( )34رواه م�سلم برقم (.)1342
(( )35معجم املناهي اللفظية) لل�شيخ بكر بن عبداهلل �أبو زيد عند احلديث عن ا�سم (عبد املطلب).
(�( )36أ�سماء اهلل احل�سنى) لل�شيخ عبداهلل الغ�صن (�ص )147 :بت�صرف ي�سري.
48 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
• ال�ضابط الثاين�« :صحة الإطالق ب�أن يفيد اال�سم املدح والثناء بنف�سه دون
متعلق �أو قيد»(:)37
�أي ال بد �أن يرد اال�سم يف �سياق الن�ص مفردا مطلقا ،يفيد املدح والثناء على اهلل
حل ْ�سن والكمال ،ويخ�ص�ص كمال بنف�سه؛ ودون قـيد �أو �إ�ضافة؛ لأن التقييد يحد من �إطالق ا ُ
اال�سم مبا قيد به� ،أو �أ�ضيف �إليه ،واهلل � -سبحانه -و�صف �أ�سماءه باحل�سنى؛ �أي البالغة
مطلق احل�سن بال حد وال قيد .قال الإمام ابن القيم« :فعليك مبراعاة ما �أطلقه �-سبحانه-
على نف�سه من الأ�سما ِء وال�صفات ،والوقوف معها ،وعدم �إطالق ما مل يطلقه على
نف�سه ما مل يكن مطابقاً ملعنى �أ�سمائه و�صفاته ،وحينئذ فيطلق املعنى ملطابقته له،
ال� ،أو منق�سماً �إلى ما ميدح به وغريه ،ف�إنه ال
دون اللفظ ،وال �سيما �إذا كان جمم ً
يجوز �إطالقه �إال مقيداً ،وهذا كلفظ الفاعل وال�صانع ،ف�إنه ال يطلق عليه فى �أ�سمائه
احل�سنى �إال �إطالقاً مقيداً� ،أطلقه على نف�سه كقوله تعالى } :ﯗﯘﯙ{[الربوج،]16:
} ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ{[�إبراهيم ،]27:وقوله } :ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ{[النمل:
،)38(»]88ومما جاء يف فتوى اللجنة الدائمة .. « :وال يجوز ت�سميته زارعاً ،وال ماهداً،
ال ،وال �شديداً ،ونحو ذلك �أخذاً من قوله تعالى} :ﮛ
وال فالقاً ،وال من�شئاً ،وال قاب ً
ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ{[الواقعة ،]64:وقوله تعالى } :ﯸ ﯹ{[الذاريات،]48:
وقوله } :ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ{[الأنعام ،]95:وقوله} :ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ
ﯭ ﯮ{[الواقعة ،]72:وقوله } :ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ{[غافر]3:؛ لأنها
مل ت�ستعمل يف هذه الن�صو�ص �إال م�ضافة ،ويف �إخبا ٍر على غري طريق الت�سمي ،ال
مطلقة ،)39(»..ويقول الدكتور الر�ضواين« :من ال�شروط الأ�سا�سية الالزمة لإح�صاء
الأ�سماء احل�سنى �أن يرد اال�سم يف �سياق الن�ص مفردا مطلقا دون �إ�ضافة ُم َقـ ِّيدة �أو قرينة
ظاهرة حتد من الإطالق؛ وذلك ب�أن يفيد املدح والثناء على اهلل بنف�سه؛ لأن الإ�ضافة
(( )37معتقد �أهل ال�سنة واجلماعة يف �أ�سماء اهلل احل�سنى) للدكتور حممد خليفة التميمي (�ص.)55 :
(( )38طريق الهجرتني) البن القيم ( �ص.)271:
(( )39فتاوى اللجنة الدائمة)� ،سبق الإ�شارة �إلى م�صدرها انظر �ص.48:
الباب األول :ضوابط إحصاء األسماء الحسنى 49
حل ْ�سن والكمال على قدر ما �أ�ضيف �إليه اال�سم �أو ُق ِّيد به،
والتقييد يحدان من �إطالق ا ُ
واهلل ذكر �أ�سماءه بالالنهائية يف احل�سن ،وهذا يعني الإطالق التام الذي يتناول جالل
الذات وال�صفات والأفعال»( ،)40وخالف جم ٌع من �أهل العلم هذا الر�أي ،وذهبوا �إلى اعتبار
وعدها من �أ�سماء اهلل احل�سنى ،و�أن ُح�سن اال�سم وكماله يظهر
الأ�سماء املقيدة وامل�ضافةِّ ,
بالتقييد والإ�ضافة ،واحتجوا بدعاء النبي ¤بهذه الأ�سماء املقيدة ،كقوله ( :¤اللهم منزل
الكتاب ،وجمري ال�سحاب ،وهازم الأحزاب ،اهزمهم وان�صرنا عليهم)( ،)41يقول �شيخ
الإ�سالم ابن تيمية« :وكذلك �أ�سما�ؤه امل�ضافة مث ل � :أرحم الراحمني ،وخري الغافرين،
ورب العاملني ،ومالك يوم الدين ،و�أح�سن اخلالقني ،وجامع النا�س ليوم ال ريب فيه،
ومقلب القلوب ،وغري ذلك مما ثبت يف الكتاب وال�سنة ،وثبت يف الدعاء بها ب�إجماع
امل�سلمني»( ،)42ويقول ال�شيخ ابن عثيمني« :ومن �أ�سماء اهلل -تعالى -ما يكون م�ضافاً،
مثل( :مالك امللك) و (ذي اجلالل والإكرام)»( ،)43وهي كثرية يف القر�آن وال�سنة( ,)44وينبغي
مراعاة التقييد والإ�ضافة الواردة يف الن�ص ،والوقوف عنده ،وعدم اطالق املقيد �أو ف�صل امل�ضاف.
وحيث وقع اخلالف يف اعتبار الأ�سماء املقيدة وامل�ضافة ،وهل تعد من �أ�سماء اهلل
احل�سنى؟ فقد اقت�صرنا يف هذا الكتاب على �إح�صاء الأ�سماء احل�سنى التي وردت ب�صيغة
اال�سم املطلق الذي يفيد املدح والثناء بنف�سه دون قيد �أو �إ�ضافة.
(�( )40أ�سماء اهلل احل�سنى الثابتة يف الكتاب وال�سنة) للدكتور حممود عبدالرازق الر�ضواين (�ص.)65 :
( )41متفق عليه :رواه البخاري برقم ( )2965وم�سلم برقم (.)1742
(( )42جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية) جمع عبدالرحمن بن قا�سم( :جـ� - 22 :ص.)485 :
(( )43القواعد املثلى) لل�شيخ ابن عثيمني (�ص.)25:
( )44ومن �أمثلة الأ�سماء املقيدة الواردة يف الكتاب وال�سنة� :أرحم الراحمنيَ } :وهُ َو �أَ ْر َح ُم ال َّر ِاحمِ نيَ{[يو�سف - 92:بديع
احل ِاكمِ نيَ{[يو�سف- 80: ال�س َما َو ِات َوا َلأ ْر ِ�ض{[البقرة - 117:خري احلاكمنيَ } :وهُ َو َخيرْ ُ َ ال�سماوات والأر�ض} :بَدِ ي ُع َّ
خري الغافرينَ } :و�أَ ْنتَ َخيرْ ُ ال َغا ِف ِرينَ {[الأعراف - 155:خري الفاحتنيَ } :و�أَ ْنتَ َخيرْ ُ ال َفاتحِِ نيَ{[الأعراف - 89:خري
الل َخيرْ ُ ا َمل ِاك ِرينَ {[الأنفال - 30:رفيع الدرجات: ا�ص ِرينَ {[�آل عمران - 150:خري املاكرينَ } :و َهّ ُ النا�صرينَ } :وهُ َو َخيرْ ُ ال َّن ِ
الم َ هّ َ َ
اب{[�إبراهيم - 51:عالم الغيوبَ } :و�أ َّن الل َع ُ َ هّ َ
ات{[غافر� - 15:سريع احل�ساب�} :إِ َّن الل َ�س ِري ُع ِ
احل َ�س ِ الد َر َج ِ
} َر ِفي ُع َّ
الل َوالإ ْك َر ِام{[الرحمن - 78:غافر الذنب وقابل التوب و�شديد }ذي الجْ َ ِ وب{[التوبة - 78:ذو اجلالل والإكرامِ : ا ْل ُغ ُي ِ
الطول{[غافر - 3:فاطر ال�سماوات والأر�ضَ } ::ف ِاط ِر اب ِذي َّ َ
ق ع ال د ي َ
�ش
ِ َ ِ ِ ْ ِ دِ ُ ِ ِ بوتّ َ ال لب ا َ
ق و بنْ ّ
الذ َ ر
ِِف ا َ
}غ الطول: وذو العقاب
احل ِّب َوال َّن َوى{[الأنعام - 95:حميي املوتى�} :إِ َّن ا َّل ِذي ال�س َما َو ِات َوالأَ ْر ِ�ض{[فاطر - 1:فالق احلب والنوى�} :إِ َّن َهّ َ
الل َفا ِلقُ َ َّ
ال�س َما َو ِات َوالأَ ْر ِ�ض{[النور – 35:ومما جاء يف �أَ ْح َياهَ ا لمَ ُ ْح ِيي ا َمل ْوتَى{[ف�صلت - 39:نور ال�سماوات والأر�ضَ :هّ ُ
}الل ُنو ُر َّ
ال�سنة ال�صحيحة :جمري ال�سحاب -منزل الكتاب -هازم الأحزاب -مقلب القلوب – مذهب الب�أ�س ..وغريها الكثري.
50 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
• مثال تطبيقي:
لتو�ضيح هذه ال�ضوابط� ،سوف نناق�شها من خالل �أمثلة تطبيقية ،لالحتماالت
ال�ستة( )48لإمكانية حتققها:
• االحتمال الأول :حتقق كل ال�ضوابط الثالثة:
بورود اال�سم ن�ص ًا يف القر�آن �أو �صحيح ال�سنة ،و�أن يراد به ال َع َلمِية دون قيد �أو
�إ�ضافة ،و�أن يكون دا ًال على الكمال املطلق.
وحتقق ذلك يف جميع �أ�سماء اهلل احل�سنى الثابتة يف الكتاب و�صحيح ال�سنة ،ومثال
ري) الذي حتققت فيه كل ال�ضوابط الثالثة؛ بورود اال�سم على ذلك ا�سم اهلل (ا َ
خل ِب ُ
�سبيل الإطالق ،ومراداً به ال َعلَمية ،ودا ًال على الو�صفية وكمالها؛ كما يف قوله تعالى:
} ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ{[التحرمي ،]3:وكذلك
يف الخْ َ ِب ُري)()49؛ ولذا عده كل العلماء �ضمن قولهَ ( :¤لتُخْ برِ ِ ي ِني �أَ ْو َل ُيخْ برِ َ يِّن ِ
اللط ُ
ري) :العامل بكنه �أ�سماء اهلل احل�سنى ،و�شرحوه يف م�صنفاتهم ،يقول اخلطابي(« :ا َ
خل ِب ُ
ري) :ال��ذي انتهى علمه ال�شيء ،املطلع على حقيقته»( ،)50ويقول ابن القيم(« :ا َ
خل ِب ُ
�إلى الإحاطة ببواطن الأ�شياء وخفاياها كما �أحاط بظواهرها ،فكيف يخفى على
(اللطيف اخلبري) ما حتويه ال�ضمائر وتخفيه ال�صدور؟!»(.)51
• االحتمال الثاين :حتقق ال�ضابط الأول والثاين دون الثالث:
بورود اال�سم ن�صا يف القر�آن �أو �صحيح ال�سنة ،و مرادا به ال َع َلمِية دون قيد او
�إ�ضافة ،ولكن دون الداللة على الكمال املطلق.
ويتحقق مث ًال يف ا�سم (الدهر) فهذا اال�سم ورد يف �صحيح ال�سنة من حديث �أبي
()48هي يف احلقيقة ثمانية احتماالت ،ولكن اثنني منها يدخالن من باب الأولى �ضمن �أحد االحتماالت ولذا ُاخت�صرت
االحتماالت �إلى �ستة ،و�سوف ي�شار �إلى ذلك عند احلديث عن االحتمال اخلام�س.
( )49رواه م�سلم برقم (.)974
(�( )50ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص.)63 :
(( )51ال�صواعق املر�سلة) البن القيم (جـ� - 2 :ص.)492:
52 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
هريرة ‹ قال :قال ر�سول اهلل ( :¤قال اهلل -تعالى :ي�ؤذيني ابن �آدم ،ي�سب الدهر،
و�أنا الدهر ،بيدي الأمر� ،أُ َق ِّلب الليل والنهار)( ،)52فال�ضابط الأول متحقق يف ورود
اال�سم ب�سند �صحيح عن النبي ،¤وال�ضابط الثاين كذلك متحقق يف ورود اال�سم على
�سبيل الإطالق دون قيد �أو �إ�ضافة ،ومراد ًا به ال َع َل ِمية� ،أما ال�ضابط الثالث فغري متحقق
لكون (الدهر) ا�سم جامد ال يت�ضمن و�صفا يفيد املدح والثناء على اهلل بنف�سه ،يقول ال�شيخ
ابن عثيمني(« :الدهر) لي�س من �أ�سماء اهلل -تعالى -لأنه ا�سم جامد ال يت�ضمن معنى
يلحقه بالأ�سماء احل�سنى ،ولأنه ا�سم للوقت والزمن ،قال اهلل -تعالى -عن منكري
ال�ب�ع�ـ��ث } :ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ{ [اجلاثية،]24:
يريدون مرور الليايل والأيام ،ف�أما قوله ( : ¤قال اهلل :ي�ؤذيني ابن �آدم ي�سب
الدهر ،و�أنا الدهر ،بيدي الأمر� ،أُ َق ِّلب الليل والنهار) ،فال يدل على �أن الدهر من
�أ�سماء اهلل -تعالى -وذلك �أن الذين ي�سبون الدهر �إمنا يريدون الزمان الذي هو
حمل احلوادث ،ال يريدون اهلل -تعالى -فيكون معنى قوله( :و�أنا الدهر) ما ف�سره
بقوله( :بيدي الأمر �أُ َق ِّلب الليل والنهار) فهو �-سبحانه -خالق الدهر وما فيه ،وقد
بني �أنه يق ِّلب الليل والنهار وهما الدهر ،وال ميكن �أن يكون املق ِّلب هو املق َّلب ،وبهذا
يتبني �أنه ميتنع �أن يكون الدهر يف هذا احلديث مراداً به اهلل تعالى»(.)53
• االحتمال الثالث :حتقق ال�ضابط الأول والثالث دون الثاين:
بورود اال�سم ن�صا يف القر�آن �أو �صحيح ال�سنة ،وداللته على الكمال املطلق ،دون �أن
يراد به ال َع َلمِية ب�سبب التقييد �أو الإ�ضافة.
ويتحقق يف �أ�سماء كثرية جد ًا ،ال �سيما امل�ضافة منها ،نحو ا�سم (ال�سريع) فال�ضابط
الأول متحقق لوروده يف قوله تعالى } :ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ{[املائدة ،]4:وقوله
تعالى } :ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ{[الأنعام ،]165:وال�ضابط الثالث متحقق �-أي�ض ًا -يف
ال�س ْرعَة)( )54له �-سبحانه -يقول ابن جرير
داللته على كمال الو�صفية ،وثبوت �صفة ( ُّ
( )52متفق عليه :رواه البخاري برقم ( )7491ورواه م�سلم برقم (.)2246
(( )53القواعد املثلى) لل�شيخ ابن عثيمني (�ص.)12 :
(�( )54صفات اهلل عز و جل الواردة يف الكتاب و ال�سنة) لل�سقاف (�ص.)144 :
الباب األول :ضوابط إحصاء األسماء الحسنى 53
الطربي« :و�إنـما و�صف -ج��ل ث�ن��ا�ؤه -نف�سه ب�سرعة الـح�ساب؛ لأن��ه -جل ذك��ره -
ُي ْح�صي ما ُي ْح�صى من �أعمال عبـاده بغري عقد �أ�صابع ،وال فكر ،وال روية فعل العجزة
ال�ضعفة من الـخـلق ،ولكنه ال يخفـى علـيه �شيء فـي الأر�ض وال فـي ال�سماء ،وال يعزب
عنه مثقال ذ ّرة فـيهما ،ثم هو مـجا ٍز عبـاده علـى كل ذلك؛ فلذلك -جل ذكره -اُ ْم ُتدِ َح
ب�سرعة الـح�ساب»( ،)55ويقول الزجاجي�« :إنه �سريع احل�ساب لعباده ،و�أن �أفعاله ت�سرع
فال يبطئ منها �شيء عما �أراد؛ لأنه بغري مبا�شرة وال عالج ،وال كلفة ،و�إمنا �أمره
ل�شيء �إذا �أراده �أن يقول له كن فيكون»(� ،)56أما ال�ضابط الثاين فهو غري متحقق لكون
ال�س ْرعَة) يف الآيتني قد قيدت باحل�ساب والعقاب ومل تطلق ،وهذا يجعل ح�سن اال�سم مقرون ًا
( ُّ
بالتقييد والإ�ضافة الظاهرة يف الن�ص ،يقول ال�شيخ الر�ضواين« :من ال�شروط الأ�سا�سية
الالزمة لإح�صاء الأ�سماء احل�سنى �أن َي ِر َد اال�سم يف �سياق الن�ص مفرداً مطلقاً دون
�إ�ضافة ُم َقـ ِّيدة �أو قرينة ظاهرة حتد من الإط�لاق؛ وذل��ك ب��أن يفيد امل��دح والثناء
حل ْ�س ِن والكمال علىعلى اهلل بنف�سه؛ لأن الإ�ضافة والتقييد يحدان من �إط�لاق ا ُ
قدر ما �أ�ضيف �إليه اال�سم �أو قيد به ،واهلل ذكر �أ�سماءه بالالنهائية يف ا ُ
حل ْ�س ِن ،وهذا
يعني الإطالق التام الذي يتناول جالل الذات وال�صفات والأفعال ...ور�سول اهلل ¤
دعا يوم الأحزاب على امل�شركني فقال يف دعائه( :اللهم منزل الكتاب� ،سريع احل�ساب،
اللهم اهزم الأح��زاب)( ،)57فهذا كله تقييد يجعل ح�سن اال�سم مقروناً بالإ�ضافة
الظاهرة يف الن�ص ،ولو �أطلق ال ي�صح»( ،)58ومن الأ�سماء التي وردت م�ضافة �-أي�ض ًا-
ا�سما (ال�شديد) و(الفالق) يف قوله تعالى } :ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ{[غافر،]3:
وقوله تعالى } :ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ {[غافر ،]3:وقوله } :ﭒ
ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ{[الأنعام ،]95:وقوله تعالى } :ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ
ﭫ{[الأنعام ،]96:وقد �أ�شارت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بعدم جواز
( )55تف�سري (جامع البيان يف تف�سري القر�آن) للطربي عند تف�سري (�سورة :البقرة – الآية.)202 :
(( )56ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) البي القا�سم الزجاجي (�ص.)127 :
( )57متفق عليه :رواه البخاري برقم ( )2933وم�سلم برقم (.)1742
(�( )58أ�سماء اهلل احل�سنى الثابتة يف الكتاب وال�سنة) للدكتور حممود عبدالرازق الر�ضواين (�ص 65 :و .)67
54 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
�إطالقها ك�أ�سماء ب�سبب التقييد بالإ�ضافة فقالت« :وال يجوز ت�سميته زارعاً ،وال ماهداً ،وال
ال ،وال �شديداً ،ونحو ذلك �أخذاً من قوله} :ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ فالقاً ،وال من�شئاً ،وال قاب ً
ﮟ {[الواقعة ،]64:وقوله } :ﯸ ﯹ{[الذاريات ،]48:وقوله } :ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ
ﭖ{[الأنعام ،]95:وقوله} :ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ{[الواقعة،]72:
وقوله } :ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ{[غافر]3:؛ لأنها مل ت�ستعمل يف هذه الن�صو�ص �إال
م�ضافة ،ويف �إخبار على غري طريق الت�سمي ،ال مطلقة .)59(» ..
التي تكون مدحاً يو�صف بها ،ويف املقام التي ال تكون مدحاً ال يو�صف بها ،وكذلك ال
ي�سمى اهلل به فال يقال� :إ َّن من �أ�سماء اهلل املاكر»( ،)60وبالتايل ف�إن ال�ضابط الثالث غري
متحقق �-أي�ض ًا -لعدم �إطالق ال�صفة كما �أ�شار ال�شيخ ابن عثيمني -رحمه اهلل تعالى.
• االحتمال اخلام�س :حتقق ال�ضابط الثاين والثالث دون الأول(:)61
ب�أن يكون اال�سم مرادا به ال َع َلمِية دون قيد او �إ�ضافة ،ودا ًال على الكمال املطلق،
ولكن دون وروده ن�صا يف القر�آن �أو �صحيح ال�سنة.
ويتحقق مث ًال يف ا�سم (الر�شيد) فال�ضابط الثاين متحقق يف وروده ب�صيغة اال�سم
دون قيد يف حديث �سرد الأ�سماء عند الرتمذي ،وال�ضابط الثالث متحقق �-أي�ض ًا -لداللته
بال�سنة ال�صحيحة ،لقول على كمال الو�صفية يف (ال ُّر ْ�شد) ،وهي �صفة ثابتة هلل
النبي( :¤الإمام �ضامن ،وامل�ؤذن م�ؤمتن ،اللهم �أر�شد الأئمة ،واغفر للم�ؤذنني)(،)62
قوله ُر ْ�شد ،وفعله ُر ْ�شد ،و�أحكامه ُر ْ�شد ،وهو الذي �أر�شد اخللق �إلى م�صاحلهم، فاهلل
وير�شد احلريان ال�ضال ويهديه �إلى ال�صراط امل�ستقيم� ،إال �أن ال�ضابط الأول غري متحقق
لعدم ورود اال�سم يف القر�آن الكرمي �أو �صحيح ال�سنة ،و�إمنا ورد يف �إحدى روايات حديث �أبي
هريرة ‹( )63والذي �أ�شار فيه النبي � ¤إلى عدد �أ�سماء اهلل احل�سنى ،حيث اجتهد �أحد
رواة احلديث (الوليد بن م�سلم) يف جمع هذه الأ�سماء؛ كي يف�سر بها احلديث ،و�أدرجه
(( )60املجموع الثمني) لل�شيخ ابن عثيمني (جـ� - 2 :ص.)65 :
( )61ومن باب الأولى دخل �ضمن هذا املعنى احتماالن مل يذكرا �ضمن االحتماالت ال�ستة وهما:
• �أن يراد باال�سم ال َع َلمِ ية دون قيد �أو �إ�ضافة ،ولكن دون وروده ن�ص ًا يف القر�آن �أو �صحيح ال�سنة ،ودون داللته على الكمال
املطلق ،ومثاله ا�سم (ال�ضار) ،فهذا اال�سم مل يرد ا�سم ًا وال و�صف ًا وال فع ًال يف القر�آن �أو يف �صحيح ال�سنة ،و�إمنا ورد ب�صيغة
اال�سم يف حديث (ال�سرد) الذي رواه الرتمذي ،وهي رواية �ضعيفة كما �سيتبني� ،إ�ضافة �إلى عدم داللته على الكمال املطلق.
• �أن يكون اال�سم دا ًال على الكمال املطلق ،ولكن دون وروده ن�ص ًا يف القر�آن �أو يف �صحيح ال�سنة ،ودون �أن يراد به ال َع َلمِ ية :مثل
ا�سم (املق�صود) ،فهو يدل على الكمال املطلق هلل رب العاملني الذي تق�صده اخلالئق يف الرغائب ،وعند حلول امل�صائب وال�شدائد،
ولكن هذا اال�سم مل يرد ن�صا يف القر�آن وال يف ال�سنة ،و�إمنا �أ�شتقه بع�ضهم من قوله تعالى } :ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ
ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ{[النحل ، 9:وعلى �صحة اال�ست�شهاد فهو فع ٌل ولي�س ا�سم ًا مراد ًا به ال َع َلمِ ية،
( )62رواه �أبو داود والرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)2787
( )63وهي الرواية التي �أخرجها الرتمذي يف كتاب الدعوات وحكم الألباين ب�ضعفها يف �ضعيف اجلامع برقم (.)1943
56 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
فيه ،وهو لي�س من كالم النبي¤؛ فظن الكثريون �أنه منه ،يقول �شيخ الإ�سالم ابن تيمية:
«�أن الت�سعة والت�سعني ا�س ًما مل يرد يف تعيينها حديث �صحيح عن النبي ،¤و�أ�شهر
ما عند النا�س فيها حديث الرتمذي الذي رواه الوليد بن م�سلم عن �شعيب عن �أبي
حمزة ،وحفاظ �أهل احلديث يقولو ن: هذه الزيادة مما جمعه الوليد بن م�سلم عن
�شيوخه من �أهل احلديث»(.)64
واالحتمال اخلام�س ينطبق على جميع الأ�سماء التي يجوز الإخبار بها عن
اهلل ،ال �سيما امل�شتقة من �أفعاله �-سبحانه -ودلت على الكمال املطلق يف الو�صف،
يقول ابن القيم�« :إن ما يدخل يف باب الإخبار عنه -تعالى� -أو�سع مما يدخل يف باب
�أ�سمائه و�صفاته ،كال�شيء واملوجود والقائم بنف�سه ،ف�إنه يخرب به عنه ،وال يدخل يف
�أ�سمائه احل�سنى و�صفاته العليا»( ،)65وقال يف مو�ضع �آخر« :وكذلك باب الإخبار عنه
باال�سم �أو�سع من ت�سميته به ،ف�إنه يخرب عنه ب�أنه �شيء ،وموجود ،ومذكور ،ومعلوم،
ومراد ،وال ي�سمى بذلك»(.)66
ب�أن ال يرد اال�سم ن�صا يف القر�آن �أو �صحيح ال�سنة ،و مل ُيرد به ال َع َلمِية ،وال يدل
على الكمال املطلق يف الو�صفية.
وحتقق ذل��ك مث ًال يف ا�سم (امل�ستهزئ) ،وه��و ا�سم مل ي��رد يف ال��ق��ر�آن الكرمي �أو
�صحيح ال�سنة كا�سم مراد ًا به ال َع َلمية ،و�إمنا ورد كفعل من �أفعال اهلل يف مقابلة ا�ستهزاء
املنافقني بامل�ؤمنني ،يف قوله تعالى} :ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ
(( )64جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية) جمع عبدالرحمن بن قا�سم (جـ� – 22 :ص.)482 :
(( )65بدائع الفوائد) البن القيم (جـ� - 1 :ص.)161 :
(( )66مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ� - 3 :ص.)415 :
الباب األول :ضوابط إحصاء األسماء الحسنى 57
الباب الثاين
عدد �أ�سماء اهلل احل�سنى
60 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الباب الثاين
عدد �أ�سماء اهلل احل�سنى
ورد عن الر�سول ¤حديثان �صحيحان ي�شريان �إلى عدد �أ�سماء اهلل احل�سنى؛ وهما:
• ما رواه �أبو هريرة ‹ قال :قال ر�سول اهلل �( :¤إن هلل ت�سعة وت�سعني
ا�سم ًا ،مائة �إال واحداً ،من �أح�صاها دخل اجلنة)( ،)1ويف رواية( :هلل ت�سعة
وت�سعون ا�سم ًا ،مائة �إال واحداً ،ال يحفظها �أحد �إال دخل اجلنة ،وهو وتر يحب
الوتر)(.)2
( )1متفق عليه :رواه البخاري برقم ( ،)2736ورواه م�سلم برقم (.)2677
( )2رواه البخاري برقم ( ،)6410ورواه م�سلم برقم ( )2677ون�ص م�سلم( :هلل ت�سعة وت�سعون ا�سما ،من حفظها دخل اجلنة،
و�إن اهلل وتر يحب الوتر).
( )3رواه الإمام �أحمد والطرباين وابن حبان واحلاكم ،و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة برقم (.)199
الباب الثاني :عدد أسماء اهلل الحسنى 61
الدكتور حممد التميمي« :من قال� :إنها ثالثمائة� ،أو �ألف� ،أو �ألف وواحد� ،أو �أربعة �آالف،
�أو مائة �ألف و�أربعة وع�شرون �ألفا ،فهي �أقوال عارية عن البينة ،وهي لي�ست �إال جمرد
دعوى ال دليل وال برهان عليها ،وهي من جن�س الأقوال التي ال زمام لها وال خطام،
فال يلتفت �إليها ،وقد حرم اهلل علينا �أن نتقول عليه� ،أو �أن نقفوا ما لي�س لنا به علم،
فقد قال تعالى} :ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ{[الإ�سراء.)6(»]36:
القول الثالث :وهو القول الو�سط الذي عليه جمهور العلماء ،وم�ضى عليه �سلف الأمة
و�أئمتها ،يف �أن �أ�سماء اهلل احل�سنى غري حم�صورة بعدد معني ،وا�ست�شهدوا بحديث
عبداهلل ابن م�سعود ،مع التوقف يف حتديد الأ�سماء ،وتعيينها على الكتاب وال�سنة،
وفق �ضوابط حمددة ،و�أن حديث �أبي هريرة ‹ يفيد الإخبار عن دخول اجلنة ب�إح�صائها،
ال الإخبار بح�صر الأ�سماء ،يقول ابن تيمية عند �س�ؤاله عن ح�صر الدعاء بالت�سعة والت�سعني
ا�سم ًا فقط « :هذا القول و�إن كان قد قاله طائفة من املت�أخرين ك�أبي حممد ابن حزم
وغريه ،ف�إن جمهور العلماء على خالفه ،وعلى ذلك م�ضى �سلف الأمة و�أئمتها ،وهو
ال�صواب»( ،)7وقال يف مو�ضع �آخر « :وال�صواب الذي عليه جمهور العلماء �أن قول النبي:¤
(�إن هلل ت�سعة وت�سعني ا�سما -مائة �إال واحدا -من �أح�صاها دخل اجلنة) معناه �أن من
�أح�صى الت�سعة والت�سعني من �أ�سمائه دخل اجلنة ،ولي�س مراده �أنه لي�س له �إال ت�سعة
وت�سعون ا�سماً»( ،)8وقال ابن القيم�« :أن الأ�سماء احل�سنى ال تدخل حتت ح�صرٍ ،وال تحُ دُّ
ملك بعددٍ ،ف�إن هلل -تعالى� -أ�سماء و�صفات ا�ست�أثر بها يف علم الغيب عنده ،ال يعلمها ٌ
بكل ا�سم هو لك� ،سميت به نف�سك، ٌ
مر�سل ،كما يف احلديث ال�صحيح�( :أ�س�ألك ِّ نبي
مقرب ،وال ٌ
ٌ
�أو �أنزلته يف كتابك� ،أو ا�ست�أثرت به يف علم الغيب عندك) ،فجعل �أ�سماءه ثالثة �أق�سام:
ق�سم� :س َّمى به نف�سه؛ ف�أظهره ملن �شاء من مالئكته �أو غريهم ،ومل ينزل به كتابه.
وق�سم� :أنزل به كتابه ،فتعرف به �إلى عباده.
(()6معتقد �أهل ال�سنة واجلماعة يف �أ�سماء اهلل احل�سنى) للدكتور حممد بن خليفة التميمي (�ص.)75:
(( )7جمموع فتاوى ابن تيمية) جمع عبدالرحمن بن قا�سم (جـ� - 22 :ص.)442 - 441 :
(()8درء تعار�ض العقل والنقل) (جـ� - 3 :ص.)332 :
الباب الثاني :عدد أسماء اهلل الحسنى 63
ومدائح و�أنواع من الثناء مل تتحرك بها اخلواطر ،وال هج�ست يف ال�ضمائر ،وال الحت
ملتو�سم ،وال �سنحت يف فكر ..ويف ال�صحيح عنه ¤يف حديث ال�شفاعة ملا ي�سجد بني ِّ
يدى ربه قالَ ( :ف َي ْف َت ُح َقل ِبي ِم ْن محَ َ ا ِمد ِه ِب َ�ش ْيءٍ ال �أُ ْح ِ�سنُهُ الآن)( ،)15وكان يقول يف
�سجوده( :اللهم �أعوذ بر�ضاك من �سخطك ،وبعفوك من عقوبتك ،و�أعوذ بك منك ،ال
�أح�صي ثناء عليك� ،أنت كما �أثنيت على نف�سك)( ،)16فال يح�صي �أَحد من خلقه ثنا ًء
عليه البتة ،وله �أ�سما ٌء و�أو�صاف وحمد وثنا ٌء ال يعلمه ملك مقرب وال نبي مر�سل،
ون�سبة ما يعلم العباد من ذلك �إلى ما ال يعلمونه كنقرة ع�صفور يف بحر»(.)17
تتبعنا يف هذا الكتاب (� 107أ�سماء) من �أ�سماء اهلل احل�سنى الثابتة يف الكتاب وال�سنة،
باعتبار التغاير يف الأ�سماء امل�شتقة من �صفة واحدة( )18نحو( :ال َقا ِد ُر وال َقدِ ي ُر وامل َ ْق َتدِ ُر)
ال ُق) و(ال َّراز ُِق وال َّر َّز ُاق) وغريها ،و�أن بع�ضها يزيد بخ�صو�صي ٍة يف املعنى خل َّ
خلال ُِق وا َ
و(ا َ
عن الآخر ،يقول ابن حجر« :وال يبقى بعد ذلك �إال النظر يف الأ�سماء امل�شتقة من �صف ٍة
واحد ٍة مثل( :ال َقدِ ي ُر وامل َ ْق َتدِ ُر وال َقا ِد ُر) و(الغفور والغفار والغافر) و(العلي والأعلى
واملتعال) و(امللك واملليك واملالك) و(الكرمي والأكرم) و(القاهر والقهار) و(اخلالق
( )15حديث ال�شفاعة مروي عن كثري من ال�صحابة ،وهذا اللفظ من حديث �أن�س ‹ ب�صيغة( :ويلهمني حمامد �أحمده بها
ال حت�ضرين الآن) البخاري برقم (.)7510
(( )17طريق الهجرتني) البن القيم (�ص.)114: ( )16رواه م�سلم برقم (.)486
( )18الذي ذهب �إليه �أكرث املحققني �أن التماثل والرتادف يف اللغة قليل جد ًا ،وهو يف القر�آن نادر �أو �شبه معدوم ،يقول �شيخ الإ�سالم
ابن تيمية« :الرتادف يف اللغة قليل ،و�أما يف �ألفاظ القر�آن ف�إما نادر و�إما معدوم « (جمموع فتاوى ابن تيمية (جـ� – 13 :ص،))341 :
والأ�سماء امل�شتقة من �صفة واحدة تندرج �ضمن ذلك نحو (اخلالق واخل ّالق) و(الغفور والغفار) وغريها ،فهي تعد متغايرة لكون بع�ضها
يزيد بخ�صو�صية عن الآخر ،والأ�سماء املتقاربة يف معانيها واملتباينة يف ا�شتقاقها هي �أي�ض ًا متغايرة من باب �أولى نحو (املعطي والوهاب)
�أو (اخلالق والبارئ) وغريها و�سي�أتي بيان الفروق بينها ،وال يبقى �إال التو�ضيح ب�أن تعدد الأ�سماء امل�شتقة من �صفة واحد ال يوجب لل�صفة
زيادة وال للفعل �أكرث مما له ،لأن �صفات اهلل تعالى قد تناهت يف الكمال ،وهي منزهة عن قبول الزيادة والنق�صان ،فالتغاير يف معاين
الأ�سماء امل�شتقة من �صفة واحدة يتوجه كمالها �إلى كرثة املتعلق وتعدد املفعوالت ولي�س �إلى الو�صف و�أ�صل الفعل نف�سه ،فالفروق بني
ال�صيغ �إمنا هي من حيث تعلقها باملخلوقني ،ولي�س من حيث تعلقها باهلل �سبحانه ،فـ(اخلالق) مثال يدل على �صفة (اخللق) و�أن اهلل
تعالى مبدع للأ�شياء من غري مثال �سابق ،وا�سم (اخلالق) يدل كذلك على �صفة (اخللق) �إلى جانب الإ�شارة �إلى وجه الكمال والإبداع
يف تكرار اخللق وتكثريه مبا ال حتيط به الأوهام وال تدركه العقول والأفهام ،و(املغفرة) من ال�صفات الثابتة هلل تعالى ،وهي �سرت الذنب
وحموه ،و�إزالة �أثره ،والوقاية من �شرهّ ،
ودل عليها ا�سماه �سبحانه (ال َغ ُفور وال َغفَّار) ،ومع �أنهما م�شتقان من �صفة واحدة �إال �أن الفرق بني
ُ َ
اال�سمني هو من حيث تعلقهما باملذنبني وبالذنوب ،وهما يدالن على ِعظم (املغفرة) وكمالها ،فا�سم (الغفور) ال يدل على الزيادة يف �صفة
(املغفرة) ،و�إمنا ي�شري لقوتها ،و�أنه �سبحانه يغفر الذنوب الكبرية ،وال يتعاظمه ذنب �أن يغفره ،وال تعجزه مع�صية وال كبرية �أن ي�سرتها
ويتجاوز عنها ،و�أما ا�سمه �سبحانه (ال َغفَّار) في�شري �إلى �أنه �سبحانه يغفر الذنوب الكثرية على �سبيل التكرار� ،أي يغفر ذنوب عباده مرة
بعد �أخرى ،وكلما تكررت ذنوبهم تكررت مغفرته ،واهلل �أعلم.
الباب الثاني :عدد أسماء اهلل الحسنى 65
واخلالق) و(ال�شاكر وال�شكور) و(العامل والعليم) ،ف�أما �أن يقال :ال مينع ذلك من
عدها ،ف�إن فيها التغاير يف اجلملة ،ف�إن بع�ضها يزيد بخ�صو�صي ٍة على الآخر لي�ست
فيه ،وقد وقع االتفاق على �أن (ال َّر ْح َم ُن وال َّرحِ ي ُم) ا�سمان مع كونهما م�شتقني من
�صف ٍة واحدةٍ ،ولو منع من عد ذلك للزم �أن ال يعد ما ي�شرتك اال�سمان فيه مثال من
حيث املعنى؛ مثل (اخلالق البارئ امل�صور) لكنها عدت؛ لأنها ولو ا�شرتكت يف معنى
الإيجاد واالخرتاع فهي مغايرة من جه ٍة �أخرى ،وهي �أن (اخلالق) يفيد القدرة على
الإيجاد ،و(البارئ) يفيد املوجد جلوهر املخلوق ،و(امل�صور) يفيد خالق ال�صورة يف
تلك الذات املخلوقة ،و�إذا كان ذلك ال مينع املغايرة مل ميتنع عدها �أ�سماء مع ورودها
-والعلم عند اهلل تعالى»( ،)19مع التوقف يف �إدراج خم�سة �أ�سماء؛ حلاجتها �إلى بحث
وت�أمل ونظر ،ومعرفة مدى حتقق �شروط و�ضوابط الإح�صاء فيها� ,إلى جانب اخلالف البني
بني العلماء يف �إدراجها �ضمن �أ�سماء اهلل احل�سنى وهي( :الكفيل( – )20الغالب(– )21
ال�صادق( – )22الطبيب( – )23ال�صانع(.))24
ف�أ�س�أل اهلل الكرمي ،الفتاح العليم ،رب العر�ش العظيم� ،أن يفتح علينا من وا�سع
رحمته ،وخزائن علمه� ،إنه ويل ذلك والقادر عليه ،واحلمد هلل رب العاملني.
(( )19فتح الباري) البن حجر الع�سقالين (�ص – 2806 :رقم احلديث.)6410 :
( )20الكفيل :لقوله تعالى } :ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ{[النحل ]91:ومن ال�سنة قوله �( :¤أنه ذكر رج ً
ال
من بني �إ�سرائيل� ،س�أل بع�ض بني �إ�سرائيل �أن ي�سلفه �ألف دينار ،فقال :ائتني بال�شهداء �أ�شهدهم ،فقال :كفى
باهلل �شهيداً ،قال ف�أئتني بالكفيل ،قال :كفى باهلل كفي ً
ال ،قال� :صدقت )..احلديث رواه البخاري برقم ( ،)2291ويف
حالة ثبوت اال�سم �سيدرج يف جمموعة الوالية بعد ا�سم اهلل (الوكيل).
( )21الغالب :لقوله تعالى } ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ{ [يو�سف ،]21:ويف حالة ثبوت
اال�سم �سيدرج يف جمموعة العزّة بعد ا�سم اهلل (املتني).
( )22ال�صادق :لقوله تعالى } :ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ{[الأنعام ،]146:وقوله تعالى} :ﮉ ﮊ ﮋﮌ
ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ {[�آل عمران ،]95:وقوله تعالى } :ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ
ﭦ ﭧ{[الن�ساء ،]122:ويف حالة ثبوت اال�سم �سيدرج يف جمموعة احلمد بعد ا�سم اهلل (الطيب).
( )23الطبيب :لقوله ( :¤اهلل الطبيب ،بل �أنت رجل رفيق ،طبيبها الذي خلقها) رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف
�صحيح �أبي داود برقم ( )4207ويف حالة ثبوت اال�سم �سيدرج يف جمموعة الطم�أنينة بعد ا�سم اهلل (ال�شايف).
( )24ال�صانع :لقوله .. ( :¤ف�إن اهلل �صانع ما �شاء ،ال مكره له) رواه م�سلم برقم ( ،)2679و قوله �( :¤إن اهلل
�صانع كل �صانع و�صنعته) رواه البيهقي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم ( )1777ويف حالة ثبوت اال�سم �سيدرج يف
جمموعة اخللق بعد ا�سم اهلل (امل�صور).
66 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
العقل واملعرفة ،والعرب تقول :فالن ذو ح�صاة؛ �أي ذو عقل ومعرفة بالأمور ،وهذا
املعنى م�أخوذ من احل�صاة وهي العقل ،فيكون معنى «�أح�صاها»� :أن من عرفها وعقل
معانيها ،و�آم��ن بها دخ��ل اجل �ن��ة»( ،)29وقال ابن حجر « :امل��راد بالإح�صاء :الإحاطة
مبعانيها»(.)30
وال�صواب �أن الإح�صاء �شامل جلميع هذه املعاين علم ًا وعم ًال ،فهو يبد�أ من العلم والإميان
بها ،من خالل حفظها ،و�ضبطها ،مع فهم معانيها ،وا�ستظهارها عن ظهر قلب ،وينتهي بالعمل،
من خالل دعاء اهلل والثناء عليه بها ،وظهور �آثارها يف حياة امل�ؤمن؛ ولذا «ذكر �أهل العلم
�أن �إح�صاء �أ�سماء اهلل احل�سنى ي�شمل مراتب عظيمة ،ال ي�صدق على �أحد ب�أنه �أح�صاها
على وجه التمام والكمال� ،أو حفظها ،حتى ي�أتي بها ،وهذه املراتب تتمثل فيما يلي:
�أو ًال :عدها وحفظها وا�ستح�ضارها ،و�أخذها من �أدلتها� ،سواء ما ورد منها يف الكتاب �أو ال�سنة.
ثانياً :فهم معانيها ,ومعرفة مدلوالتها.
ثالثاً :معرفة �آثارها يف الكون واحلياة والقلب قدر الطاقة؛ لأن هذا ميدان يتفاوت
النا�س يف حتقيقه.
بها ,والتعبد له �-سبحانه -بها ،و�شهود �آثارها يف القلب، رابعاً :دع��اء اهلل
والل�سان ،واجلوارح ،والعمل بها»( .)31يقول ابن القيم « :مراتب �إح�صاء �أ�سمائه التي من
�أح�صاها دخل اجلنة ثالث مراتب ,وهذا هو قطب ال�سعادة ومدار النجاة والفالح:
املرتبة الأولى� :إح�صاء �ألفاظها وعددها.
املرتبة الثانية :فهم معانيها ومدلولها.
املرتبة الثالثة :دعا�ؤه بها كما قال تعالىَ } :وللِهَّ ِ الأ�سماء الحْ ُ ْ�س َنى َفا ْدعُو ُه ِبهَا{ ,وهو مرتبتان:
�إحداهما :دعاء ثناء وعبادة.
والثانية :دعاء طلب وم�س�ألة ,فال يثنى عليه �إال ب�أ�سمائه احل�سنى و�صفاته
العلى ,وكذلك ال ي�س�أل �إال بها»(.)32
(�( )29ش�أن الدعاء) للخطابي (�ص.)29 - 28 :
(( )30فتح الباري) البن حجر الع�سقالين (�ص - 2806:رقم احلديث.)6410 :
(( )31وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلليل ( �ص.)46 - 45 :
(( )32بدائع الفوائد) البن القيم (جـ� – 1 :ص.)164:
68 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
(( )33جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية) جمع عبدالرحمن بن قا�سم (جـ� – 22 :ص.)482 :
(( )34جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية) جمع عبدالرحمن بن قا�سم (جـ� – 6 :ص.)379 :
( )35تف�سري (القر�آن الكرمي) البن كثري عند تف�سري [�سورة :الأعراف -الآية.]182 :
الباب الثاني :عدد أسماء اهلل الحسنى 69
ق��ال� :إمن��ا خ�ص هذا العدد �إ�شارة �إل��ى �أن الأ�سماء ال ت�ؤخذ قيا�سا»( ،)40مبعنى �أنها
معدودة ،ولي�ست مرتوكة لعقول الب�شر ي�شتقونها بقيا�س �أو غريه ،فال يقا�س على ا�سم اهلل
(اجلواد) ا�سم (ال�سخي) مث ًال� ،أو ا�سم (العارف) على ا�سم اهلل (العامل)؛ لأن �أ�سماء
اهلل احل�سنى توقيفية ،وال بد من ثبوت الن�ص بورودها يف القر�آن الكرمي� ،أو �صحيح ال�سنة،
ويجب الوقوف عند ذلك ،فال يزاد عليه وال ينق�ص.
القول اخلام�س� :أن العدد ( )99هو منتهى الأعداد الفردية من غري تكرار ،والعدد
احدُ الفرد �أف�ضل من الزوج ،وال ِوت ُر �أف�ضل من ال�شفع؛ لأن اهلل �-سبحانه -هو (ال ِو ُ
تر ال َو ِ
ال َأحدُ ) ،قال ابن حجر الع�سقالين « :وقيل �إن العدد زوج وفرد ،والفرد �أف�ضل من الزوج،
ومنتهى الأفراد من غري تكرار ت�سعة وت�سعون ،لأن مائة وواحدا يتكرر فيه الواحد.
و�إمنا كان الفرد �أف�ضل من الزوج لأن الوتر �أف�ضل من ال�شفع؛ لكون الوتر من �صفة
اخلالق ،وال�شفع من �صفة املخلوق ،وال�شفع يحتاج للوتر من غري عك�س»(.)41
القول ال�ساد�س� :أن العدد ( )100هو حد الكمال يف الأعداد ،و�أ�سماء اهلل ( )99ا�سم ًا،
وبا�سم اجلاللة (الل) تكمل املائة ،وكما هو مقرر ف�أجنا�س الأعداد ثالثة� :آحاد وع�شرات
ومئات ،ومن بعده مبتد�أ لآحاد �آخر جديد ،قال ابن حجر الع�سقالين « :وقيل �إن الكمال
يف العدد حا�صل يف املائة؛ لأن الأعداد ثالثة �أجنا�س� :آحاد وع�شرات ومئات ،والألف
مبتد�أ لآحاد �آخر ،ف�أ�سماء اهلل مائة ا�ست�أثر اهلل منها بواحد ،وهو اال�سم الأعظم فلم
يطلع عليه �أحداً فك�أنه قيل مائة لكن واحد منها عند اهلل ،وقال غريه :لي�س اال�سم
الذي يكمل املائة خمفياً بل هو ا�سم اجلاللة (الل) ،وممن جزم بذلك ال�سهيلي ،فقال:
الأ�سماء احل�سنى مائة على عدد درجات اجلنة ،والذي يكمل املائة( :الل) ،وي�ؤيده قوله
تعالىَ } :وللِهَّ ِ الأ�سماء الحْ ُ ْ�س َنى َفا ْدعُو ُه ِبهَا { ،فالت�سعة والت�سعون هلل فهي زائدة عليه،
وبه تكمل املائة»(.)42
واهلل �أعلم ،،
الباب الثالث
�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى
المجموعة األولى :اهلل -الرب -اإلله 73
الــمــجــمــوعـــــــ1ـــــــــة
مو�ضوع الأ�سماء :الأُ ُل ِ
وه َّي ُة
()3 - 2 - 1
ُ
اهلل -ال َّر ُّب -ا ِ
لإ َلهُ
74 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الــمــجــمــوعـــ1ـــة
مو�ضوع الأ�سماء :الأُ ُل ِ
وه َّي ُة
()3 - 2 - 1
ُ
اهلل -ال َّر ُّب -الإِ َلهُ
�أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود:
æاهلل :ورد يف القر�آن الكرمي ( 2707مرات) ،قال تعالى } :ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ
ﭿ ﮀ{[الق�ص�ص ،]30:منها ( 5مرات) ب�صيغة الدعاء (ال َّل ُه َّم) قال تعالى:
} ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ{[املائدة ،]114:ومن ال�سنة
قوله �( :¤إن اهلل ال ينام ،وال ينبغي له �أن ينامَ ،يرفع الق�سط ويخف�ضه ،و ُيرفع
�إليه عمل النهار بالليل ،وعمل الليل بالنهار)(.)1
æال َّر ُّب :ورد يف القر�آن الكرمي �أكرث من ( 871مرة) منها قوله تعالى}:ﭨ
ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ{[ي�س ،]58:وقوله تعالى } :ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ{[�سب�أ،]15:
ومن ال�سنة قوله ( :¤يقال جلهنم :هل امتلأت؟ وتقول :هل من مزيد؟ في�ضع ال َّر ُّب
-تبارك وتعالى -قدمه عليها ،فتقول :قط قط)(.)2
æالإِ َلهُ :ورد يف القر�آن الكرمي �أكرث من ( 31مرة) منها قوله تعالى }:ﯽ
ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ{[البقرة ،]163:وقوله تعالى } ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ
ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ{[الن�ساء ،]171:ومن ال�سنة ق�صة �صحابة ر�سول اهلل ،¤
الذين غدر بهم الأعراب عند بئر الرجيع ،وفيه قول ال�صحابي اجلليل خبيب بن عدي ‹
للم�شركني قبل ا�ست�شهاده( :ذروين �أركع ركعتني ،فرتكوه فركع ركعتني ،ثم قال :لوال
�أن تظنوا �أن ما بي جزع لطولتها ،اللهم �أح�صهم عددا:
على �أي �شق كان هلل م�صرعي ول�ست �أبايل حني �أقتل م�سلم ًا
يبارك على �أو�صال �شلو ممزع وذلك يف ذات الإله و�إن ي�شـــ�أ
( )2رواه البخاري برقم (.)4849
( )1رواه م�سلم برقم (.)179
المجموعة األولى :اهلل -الرب -اإلله 75
..ف�أخرب النبي � ¤أ�صحابه خربهم وما �أ�صيبوا ،)3()..قال ابن حجر الع�سقالين:
«و�سمعه النبي ¤فلم ينكره فكان جائزا»(.)4
ثاني ًا :املعنى اللغوي:
æاهلل :اختلف العلماء يف �أ�صل هذا اال�سم :هل هو ا�سم علم ،و� ٌ
أ�صل بنف�سه،
ال ا�شتقاق له� ،أم �أنه ا�سم م�شتق ،وله �أ�صل م�شتق منه؟:
-القول الأول( :اهلل) ا�سم علم غري م�شتق ،وهو علم للذات املقد�سة« ،يجري
يف العبارة عنه �-سبحانه -جمرى الأ�سماء الأعالم يف املخلوقني ،وهي قولنا :زيد
وعمرو ،والألف والالم الزمة له ،ال لتعريف وال لغريه ،واختار هذا القول ال�شافعي،
واحلليمي ،واخلطابي ،والغزايل ،و�أبو املعايل ،والقا�ضي �أبو بكر بن العربي،
و�أبو احل�سن بن احل�صار ،وكثري من املحققني»( ،)5وكذلك هو قول «اخلليل بن
�أحمد الفراهيدي مع حكاية القول الآخر عنه ،وابن مالك النحوي ال�شهري»(،)6
والزجاج( )7وغريهم .وقالوا� :إن الألف والالم يف (اهلل) من بنية هذا اال�سم ،ومل يدخال
للتعريف؛ ولذا ال يجوز حذفهما عند دخول حرف النداء عليه ،وحرف النداء ال يجتمع مع
�ألف والم التعريف ،ف�أنت تقول :يا (اهلل) ،وال تقول :يا (الرحمن) �أو يا (الب�صري) ،و�إمنا
تقول :يا (رحمن) و يا (ب�صري) ،وا�ستدلوا على ذلك �-أي�ض ًا -ب�أن ا�سم (اهلل) َ
يو�صف وال
يو�صف به؛ ولذا ُجعل �أمام �سائر الأ�سماء ،فيقال( :امللك القدو�س) من �أ�سماء (اهلل) ،وال
يقال( :اهلل) من �أ�سماء (امللك).
-القول الثاين( :اهلل) ا�سم م�شتق ،واختلفوا يف �أ�صل ا�شتقاقه ،والأكرثون �أنه
م�شتق من (الإله) ،وقالوا�« :أ�صله (الإله) ،ثم حذفت الهمزة تخفيفاً ،فاجتمعت المان،
ف�أدغمت الالم الأولى يف الثانية ،فقيل( :اهلل) ،ف�إله (فِعال) مبعنى (مفعول) ك�أنه
م�ألوه �أي معبود ،م�ستحق للعبادة؛ يعبده اخللق وي�ؤلهونه»( ،)8قال ابن القيم« :القول
( )3رواه البخاري برقم (.)3045
(( )4فتح الباري) البن حجر الع�سقالين (جـ� - 3 :ص.)3307 :
(( )5الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي (�ص.)276:
( )6تف�سري (جواهر التف�سري) للخليلي عند تف�سري (الآية� - 1:سورة الفاحتة).
(( )7تف�سري الأ�سماء) للزجاج (�ص.)25:
(( )8ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص .)24- 23 :
76 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
ال�صحيح �أن (الل) �أ�صله (الإله) ،كما هو قول �سيبويه ،وجمهور �أ�صحابه� ،إال من
�شذ منهم»(.)9
رب ،فعله َر َّب َي ُر ّب ر ّباً ،فهو ّ
راب ،واملفعول َمربوب وربيب.. ، æال َّر ُّب« :م�صدر َّ
والرب :ال�سيد ومالك ال�شيء»( ،)10قال الأ�صفهاين« :الرب يف الأ�صل :الرتبية ،وهو ُّ
�إن�شاء ال�شيء حاال فحاال �إلى حد التمام ..فالرب :م�صدر م�ستعار للفاعل ،وال يقال
(ال َّر ُّب) مطلقا �إال هلل -تعالى -املتكفل مب�صلحة املوجودات»(.)11
لوه ًة و�أُ ِ
لوه َي ًة ،قال æالإِ َلهُ � :صفة م�شبهة للمو�صوف بالألوهية ،فعله �أ َل َه َي�أ َل ُه �إ َل َه ًة و�أُ َ
الألو�سي�(« :إله) �صفة م�شبهة مبعنى م�ألوه ،وا�شتقاقه من �أله كعبد� ،إالهة كعبادة،
وكل ما و�ألوهة كعبودة ،و�ألوهية كعبودية»( ،)12قال يف الل�سان(« :الإله) :اهلل
ا ُتخذ من دونه معبوداً فهو �إ َل ٌه عند متخذه ،واجلمع �آ ِل َه ٌة ،والآ ِل َه ُة :الأَ�صنام� ،سموها
ت ُّق لها ،و�أَ�سما�ؤُهم َت ْت َب ُع اعتقاداتهم ،ال ما عليه بذلك؛ العتقادهم �أَن العبادة حَ ُ
ال�شيء يف نف�سه»(.)13
ثالث ًا :املعنى ال�شرعي:
«عل ٌم على الرب -تبارك وتعالى»(« )14الذي َي�أْ َلهه كل �شيء ،ويعبده كل
æاهللَ :
خـلق»( ،)15قال ابن القيم(« :الل) امل�ألوه املعبود الذي ت�ألهه اخلالئق حمبة وتعظيما
وخ�ضوعا ،وفزعا �إليه يف احلوائج والنوائب»( ،)16وقال ال�شيخ ال�سعدي(« :الل) هو
امل�ألوه املعبود ،ذو الألوهية ،والعبودية على خلقه �أجمعني ،ملا ات�صف به من �صفات
الألوهية التي هي �صفات الكمال»(.)17
(( )9بدائع الفوائد) البن القيم (جـ� - 2 :ص.)250 :
( )10معجم اللغة العربية املعا�صرة للدكتور �أحمد خمتار (مادة :رب ب).
(( )11املفردات) للراغب الأ�صفهاين (�ص.)245 :
( )12تف�سري (روح املعاين) لاللو�سي (الفاحتة - :الآية.)1 :
(( )13ل�سان العرب) البن منظور (جـ � - 13:ص( )467 :مادة� :أله).
(( )14تف�سري القر�آن الكرمي) البن كثري ،عند تف�سري (الفاحتة - :الآية.)1 :
( )15تف�سري (جامع البيان) للطربي عند تف�سري (�سورة الفاحتة :الآية ( ،))1والقول للإمام الطربي وعزاه البن عبا�س.
(( )16مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ� - 1 :ص.)33 - 32 :
( )17تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص.)16 :
المجموعة األولى :اهلل -الرب -اإلله 77
æال َّر ُّب« :الذي يربينا بنعمه و�إح�سانه ،وهو مالك ذواتنا ورقابنا و�أنف�سنا»(،)18
قال ابن جرير(« :ال َّر ُّب) ال�سيد الذي ال �شِ ْبه له ,وال مثل فـي �س�ؤدده ،والـم�صلـح
�أمر خـلقه بـما �أ�سبغ علـيهم من نعمه ،والـمالك الذي له الـخـلق والأمر»( ،)19ويقول
ابن القيم -رحمه اهلل }« :ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ{[الفاحتة ,]2:ربوبيته للعامل
تت�ض َّمن ت�صرفه فيه ،وتدبريه له ،ونفاذ �أمره ك َّل وقتٍ فيه ،وكونه معه ك َّل �ساع ٍة يف
�ش�أنٍ ،يخلق ويرزق ،ويمُ يت و ُيحيي ،ويخف�ض ويرفع ،و ُيعطي ومينع ،و ُي ِع ُّز و ُيذٍ ُّل،
و ُي�ص ِّرف الأمور مب�شيئته و�إرادته»( .)20ويقول ال�شيخ ال�سعدي(« :ال َّر ُّب) املربي جميع
عباده بالتدبري و�أ�صناف النعم ،و�أَ َخ ُّ�ص من هذا تربيته لأ�صفيائه ب�إ�صالح قلوبهم
و�أرواحهم ،و�أخالقهم»(.)21
æالإِ َلهُ « :املعبود املحبوب ،الذي ال ت�صلح العبادة والذل واخل�ضوع واحلب �إال له»(،)22
قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية -رحمه اهلل تعالى(« :الإِ َل ُه) هو امل�ألوه؛ �أي :امل�ستحق لأن
ي�ؤله؛ �أي يعبد ،وال ي�ستحق �أن ي�ؤله ويعبد �إال اهلل وحده ،وكل معبود �سواه من لدن
عر�شه �إلى قرار �أر�ضه باطل»( .)23ويقول ابن القيم(« :الإِ َل ُه) هو امل�ستحق ل�صفات
الكمال ،املنعوت بنعوت اجلالل ،وهو الذي ت�ألهه القلوب ،وت�صمد �إليه باحلب
واخلوف والرجاء»(.)24
رابع ًا :الفروق بني الأ�سماء:
لإ َلهُ :باعتبار القول الأول يف لفظ اجلاللة (الل) �أنه ا�سم ٍ
علم غري م�شتق æاهلل -ا ِ
الإله) يتوجه �إلى �أن (الل) عل ٌم للذات املقد�سة املت�صفة بجميع
ف�إن الفرق بني (الل) و( ِ
(( )18بدائع الفوائد) البن القيم (جـ� - 4 :ص.)132 :
(( )19تف�سري الطربي) عند تف�سري (الفاحتة -الآية.)2 :
(( )20ال�صواعق املر�سلة) البن القيم (جـ� - 4 :ص.)1223 :
( )21تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص.)16 :
(( )22بدائع الفوائد) البن القيم (جـ� - 4 :ص.)132 :
(( )23جمموع فتاوى ابن تيمية) جمع عبدالرحمن القا�سم (جـ� - 13 :ص.)202 :
(�( )24شفاء العليل) البن القيم (جـ� - 2:ص.)830 :
78 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
�صفات الكمال ،املنزهة عن جميع �صفات النق�ص ،و(الإِله) هو امل�ألوه املعبود الذي َي ْ�أ َلهه كل
�شيء ،قال تعالى} :ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ{ [�ص.]65:
وباعتبار القول الثاين يف لفظ اجلاللة (الل) �أنه ا�سم م�شتق؛ ف�إن الفرق بني
الإله) يتوجه �إلى �أن �أ�صل و�ضع لفظ اجلاللة (الل) هو للمعبود الإله احلق؛ ولذا
(الل) و( ِ
مل يطلق يف جاهلية وال �إ�سالم على غري اخلالق �-سبحانه -وهو �أحد �أوجه تف�سري قوله تعالى:
} ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ{[مرمي ،]65:واملعنى :هل تعلم �أحد ًا ُي�سمى (الل) غري احلق تبارك
وتعالى؟!� ،أو يقال له (الل) �إال (الل) �سبحانه؟ ،و�أما (الإِله) ف�أ�صل و�ضعه ملطلق املعبود،
ولكنه ُخ َّ�ص باملعبود بحق ،يقول اخلليلي�« :إذا �أُطلق ا�سم اجلاللة (الل) مل يتبادر �إلى ذهن
�أي �أحد -من �أي ملة كان� -إال �أ َّن املراد به احلي الدائم خالق كل �شيء ،و�أما (الإِله)
�ص يف الإِ�سالم باملعبود باحلق �-سبحانه وتعالى- فهو يطلق على املعبود ،و�إمنا ُخ َّ
ولذلك �إذا �أطلقه غري امل�سلم قد يتبادر �أن املراد به غري اهلل -تعالى -واهلل �-سبحانه-
قد حكى يف كتابه عن امل�شركني قولهم } :ﮄ ﮅ ﮆ{[ ﭑ ،]6:ومل يحك
عنهم ما يدل على �أنهم يطلقون ا�سم اجلاللة (الل) على غريه -تعالى -بل حكى
عنهم ما يدل على �أنهم يخ�صونه به �-سبحانه -فقد قال تعالى } :ﯕ ﯖ ﯗ
ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ{[لقمان ،]25:ويف هذا ما يدل على اختالف مفهوم
الكلمتني عندهم ،فـ (ا ِلإله) هو املعبود و(الل) هو اخلالق القادر على كل �شيء ،و�إمنا
انح�صر معنى (الإِله) عند امل�سلمني يف اهلل �-سبحانه -لأنه املعبود بحق ،وكل ما يعبد
�سواه فهو معبود بباطل ،وبهذا يت�ضح �أن (الإِله) معناه كلي ينح�صر يف فرد»(.)25
æاهلل والرب( :اللهّ و ِ
الإ َل ُه) هو امل�ستحق للعبادة ،امل�ألوه الذي تعظمه القلوب ،وتعبده
عن حمبة وتعظيم وطاعة وت�سليم ،و�أما (ال َّر ُّب) فهو القائم باخللق والتدبري ،يتكفل بخلق
املوجودات و�إن�شائها ،ويقوم على هدايتها و�إ�صالحها وحفظها ،قال الر�ضواين « :وحقيقة
معنى الربوبية تقوم على ركنني كما قال -تعالى -عن مو�سى وهو يبني حقيقة
( )25تف�سري (جواهر التف�سري) للخليلي (الآية� - 2:سورة الفاحتة).
المجموعة األولى :اهلل -الرب -اإلله 79
من ملح الب�صر من اليمن �إلى فل�سطني ،بينما يف الآية الثانية كان احلديث عن احلكمة
والعلم والهداية ،فكان من املنا�سب الإتيان با�سم اجلاللة (الل).
و�أ�سماء (اللهّ والإله) مع ا�سم (ال َّر ّب) من الأ�سماء التي جتتمع معانيها عند
االفرتاق ،وتفرتق عند االجتماع ،بحيث «�إذا اجتمع (ال َّر ُّب) و (الإل ُه) يف مو�ضع ون�ص
واحد ف�إنهما يفرتقان يف املعنى؛ حيث يتوجه معنى (ال َّر ُّب) �إلى املالك املت�صرف القادر
اخلالق املحيي املميت املتفرد بخ�صائ�ص الربوبية ،و(الإله) يتوجه �إلى املعبود امل�ألوه
الذي يجب �أن يوحده العباد ب�أفعالهم� ،أما �إذا افرتقا حيث ذكر كل منهما يف مو�ضع
ف�إنهما يجتمعان بحيث يدل �أحدهما على معناه كما يت�ضمن معنى الآخر»(.)28
خام�س ًا :ال�صفة امل�شتقة:
æاهلل والإله :ال�صفة امل�شتقة من ا�سميه �-سبحانه( -اللهّ والإِ َل ُه) «�صفة (الإِ َل ِه َّي ُة
والأُ ُلوهِ َّي ُة) وهي من �صفات اهلل الثابتة بالكتاب وال�سنة»( ،)29قال تعالى } :ﯦ ﯧ ﯨ
ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ{[البقرة،]133:
ومن ال�سنة دعا�ؤه ..( :¤فاغفر يل ما قدمت وما �أخرت ،وما �أ�سررت وما �أعلنت� ،أنت
�إلهي ،ال �إله �إال �أنت)(« ،)30وا�سما (اللهّ والإله) دال على �صفة من �صفات الذات»(.)31
æال َّر ُّب :ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه �-سبحانه( -ال َّر ّب) «�صفة (ال ُّر ُبو ِب َّي ُة) وهي
من �صفات اهلل الذاتية الثابتة بالكتاب وال�سنة»( ،)32قال تعالى} :ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ
ﭰ ﭱ{[هود ،]56:ومن ال�سنة ق�صة الغالم امل�ؤمن وفيه قوله ..( :¤ف�سمع جلي�س
للملك كان قد عمي ،ف�أتاه بهدايا كثرية ،فقال :ما ههنا لك �أجمع� ،إن �أنت �شفيتني.
فقال� :إين ال �أ�شفي �أحدا! �إمنا ي�شفي اهلل .ف�إن �أنت �آمنت باهلل؛ دعوت اهلل ف�شفاك،
ف�آمن باهلل ،ف�شفاه اهلل ،ف�أتى امللك فجل�س �إليه كما كان يجل�س ،فقال له املل ـ ــك :من
(( )28وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص.)95:
(�( )29صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص.)56:
( )30رواه البخاري برقم (.)7499
(�( )31أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( .)701:الإله).
(�( )32صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص.)122:
المجموعة األولى :اهلل -الرب -اإلله 81
ر ّد عليك ب�صرك؟ قال :ربي .قال :ولـــك رب غريي؟! قـ ــال :ربي وربك اهلل .)33()..
�ساد�س ًا :فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى:
æاقرتان معظم �أ�سماء اهلل احل�سنى مع ا�سم (اهلل)
اقرتنت معظم �أ�سماء اهلل احل�سنى مع ا�سميه �-سبحانه( -الل) و (الإِ َله) ،و�سر ذلك
-واهلل �أعلم -للإ�شارة �إلى �أن الألوهية م�ستلزمة جلميع معاين الأ�سماء احل�سنى ،ودالة عليها
بالإجمال ،يقول اهلل تعالى } :ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ{[طه ،]8:وقال تعالى:
}ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ{[البقرة ،]255:وقال تعالى} :ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ
ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ{[البقرة ،]163:وقال تعالى} :ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ
ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ{[�آل عمران ،]6:وقال تعالى} :ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ
ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ{[�ص ،]65:وقال تعالى} :ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ
ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ
ﯠ ﯡ{[احل�شر .]23:يقول ابن القيم« :ا�سم (الل) دال على جميع الأ�سماء
احل�سنى وال�صفات العليا ..ولهذا ي�ضيف اهلل -تعالى� -سائر الأ�سماء احل�سنى �إلى هذا
اال�سم العظيم كقوله تعالى } :ﭳ ﭴ ﭵ{[الأعراف ]180:ويقال( :الرحمن
والرحيم والقدو�س وال�سالم والعزيز واحلكيم) من �أ�سماء (الل) ،وال يقال( :الل) من
�أ�سماء (الرحمن) وال من �أ�سماء (العزيز) ونحو ذلكَ .ف ُع ِل َم �أن ا�سمه (الل) م�ستلزم
جلميع معاين الأ�سماء احل�سنى ،دال عليها بالإجمال ،والأ�سماء احل�سنى تف�صيل وتبيني
ل�صفات الإلهية التي ا�شتق منها ا�سم (الل) ،وا�سم (الل) دال على كونه م�ألوها معبوداً،
ت�ألهه اخلالئق حمبة وتعظيما وخ�ضوعا ،وفزعا �إليه يف احلوائج والنوائب»(.)34
æاقرتان معظم �أ�سماء اهلل احل�سنى مع ا�سم (ال َّر ّب)
اقرتن مع ا�سم اهلل (ال َّر ّب) معظم �أ�سماء اهلل احل�سنى� ،إذ �إن من �صفات الرب
( )33رواه م�سلم برقم (.)3005
(( )34مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ � :1ص.)41 :
82 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
�-سبحانه -كونه قاد ًرا ،خال ًقا ،بار ًئا ،م�صو ًرا ،ح ًيا ،قيو ًما ،علي ًما� ،سمي ًعا ،ب�ص ًريا،
ميا ،معط ًيا� ،إلى غريها من ال�صفات ،فمن ذلك قوله تعالى } :ﰗ حم�س ًنا ،جوادًا ،كر ً
ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ{[الأنعام ،]165:وقوله تعالى } :ﭜ ﭝ
ﭞ ﭟﭠ{[الأنعام ،]133:وقوله تعالى } :ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ
ﯜ{[يو�سف ،]100:وقوله تعالى }:ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ{[هود ،]66:وقوله
تعالى} :ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ{[احلجر ،]86:وقوله تعالى } :ﰆ ﰇ ﰈ
ﰉ ﰊ ﰋ{[الإ�سراء ،]17:وقوله تعالى } :ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ
ﮰ{[�ص ،]9:وقوله تعالى } :ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ{[االنفطار ،]6:وقوله
تعالى} :ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ{[الدخان ،]6:وغريها من الآيات .واملت�أمل
يف معاين هذه الأ�سماء ،يجد �أنها من م�ستلزمات الربوبية ،القائمة على اخللق والتدبري ،ويف
ذلك يقول ال�شيخ عبدالعزيز اجلليل« :من �أخ�ص �صفات (ال َّر ّب) الرحمة والر�أفة
بعباده ،و�أنها من موجبات ربوبيته .ومن ذلك تربيته لعباده ،و�إنعامه عليهم ،و�إر�ساله
الر�سل �إليهم و�إنذارهم وتب�شريهم .وهذه هي من لوازم الرتبية العامة ،و�أما الرتبية
اخلا�صة من اهلل لأوليائه بتوفيقهم ،وحفظهم ،ورعايتهم ،وتربيتهم .فالرحمة،
والر�أفة ،واملغفرة وا�ضحة جلية يف ذلك -واهلل �أعلم»(.)35
�سابع ًا :الآثار االعتقادية للإميان بهذه الأ�سماء ومقت�ضياتها العملية:
æالأثر العلمي االعتقادي:
اهلل – �سبحانه وتعالى – ذو الألوهية على اخللق �أجمعني ،فهو امل�ستحق للعبادة وحده
دون غريه ،امل�ألوه الذي تعظمه القلوب ،وتخ�ضع له وتعبده ،عن حمبة وتعظيم ،وطاعة وت�سليم
ملا ات�صف به من ال�صفات العلى والأ�سماء احل�سنى ،وهو (ال َّر ُّب) املتكفل بخلق املوجودات
و�إن�شائها ،املدبر لها والقائم على هدايتها و�إ�صالحها ،وهو املربي لأوليائه ،املوفقهم للإميان
به ،الذي يحفظهم وين�صرهم ويدفع عنهم ال�صوارف والعوائق احلائلة بينهم وبينه.
(( )35وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص.)103-102 :
المجموعة األولى :اهلل -الرب -اإلله 83
æالآثار العملية:
-1الإقرار ب�ألوهية وربوبية اهلل يقت�ضي وي�ستلزم توحيد اهلل ب�أفعاله ،وتوحيده
ب�أفعال العباد� ،إذ �إن اخلالق لهذا الكون وما فيه ،واملت�صرف فيه بالإحياء ،والإماتة،
واخللق ،والرزق ،والتدبري ،هو امل�ستحق للعبادة وحـده� ،إذ كيف ُيعبد خملوق �ضعيف،
و ُيجعل ندً ا هلل -تعالى -يف املحبة والتعظيم والعبادة وهو مل َي ْخ ُلق؟! ،وال ميلك لنف�سه تدب ًريا
ف�ض ًال عن �أن ميلكه لغريه! ..وهـذا ما احتج اهلل به على امل�شركني الذين �أقروا بربوبيته
�-سبحانه -ولكنهم مل يعبدوه وحده ،قال تعالى} :ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ
ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ
ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ
ﯪ ﯫ{[الزمر.]38 :
-2حمبة اهلل حمبة عظيمة تتقدم على حمبة النف�س ،والأهل ،والولد ،والدنيا
جمي ًعا؛ لأنه امل�ألوه املعبود وحده ،الذي يربي عباده وينقلهم من طور �إلى طور ،وينعم عليهم
مبا يقيم حياتهم ومعا�شهم ،وهذا ي�ستلزم حمبة من يحبه اهلل -تعالى -وما يحبه ،وبغ�ض
ما يبغ�ضه �-سبحانه -ومن يبغ�ضه ،واملواالة واملعاداة فيه ،وامل�سارعة يف مر�ضاته ،وتعظيمه
و�إجالله و�شكره وحمده احلمد الالئق بجالله وعظمته و�سلطانه و�إنعامه.
-3التوكل على اهلل �-سبحانه -يف جلب املنافع ،ودفع امل�ضار ،ويف ت�صريف جميع �أموره،
فال يتعلق �إال باهلل -تعالى -وال يرجو �إال هو ،وال يخاف �إال منه �-سبحانه� -إذ كيف يتعلق مبخلوق
�ضعيف مثله ،ال ميلك لنف�سه نف ًعا وال �ض ًرا وال مو ًتا وال حياة وال ن�شو ًرا .ف�ض ًال عن �أن ميلكه لغريه؟.
-4ال�شـعور بالعـزة به �-سـبحانه -والتعلق به وحده ،و�سقوط اخلوف والهيبة من
اخللق والتعلق بهم؛ فهـو اهلل �-سـبحانه -رب كل �شيء وخالقه ،ورازق كل حي ،وهو املدبر
لكـل �شيء ،والقاهـر لكل �شيء ،فال ُيعـتز �إال به ،وال ُيتوكل �إال عليه ،وال ُيل ِتج�أ وال ُيت�ضرع �إال
�إليه ،وكلما عرف العبد �إلهه وربه ب�أ�سمائه و�صفاته �أ ّث َر هذا يف دعائه ،وقوة رجائه ،وجلوئه،
وت�ضرعه لربه �-سبحانه ،والوثوق بكفايته �-سبحانه -وقدرته على ق�ضاء حوائج عباده.
84 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
-5طم�أنينة القلب و�سعادته و�أن�سه باهلل وحده ،ويف ذلك يقول �شيخ الإ�سالم ابن
تيمية رحمه اهلل تعالى« :ف�إن اللذة والفرحة وال�سرور وطيب الوقت والنعيم الذي ال
ميكن التعبري عنه� ،إمنا هو يف معرفة اهلل � -سبحانه وتعالى -وتوحيده والإميان
به ،وانفتاح احلقائق الإميانية واملعارف القر�آنية ،كما قال بع�ض ال�شيوخ :لقد
كنت يف حال �أقول فيها� :إن كان �أهل اجلنة يف هذه احلال �إنهم لفي عي�ش طيب،
وقال �آخر: لتمر على القلب �أوقات يرق�ص فيها طرباً ،ولي�س يف الدنيا نعيم ي�شبه
نعيم الآخرة �إال نعيم الإميان واملعرفة ..ولي�س للقلوب �سرور ،وال لذة تامة� ،إال
ت َّكن حمبته �إال بالإعرا�ض عن كل يف حمبة اهلل ،والتقرب �إليه مبا يحبه ،وال مُ َ
حمبوب �سواه ،وهذه حقيقة ال �إله �إال اهلل»(.)36
ثامن ًا :مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء:
(اهلل -الإِ َلهُ -ال َّر ُّب) من �أ�سماء الذات الدالة على �صفات اهلل الذاتية (الإِ َل ِه َّي ُة
والأُ ُل ِ
وه َّي ُة وال ُّر ُبو ِب َّي ُة) ،وهي �صفات جامعة لكل معاين الأ�سماء احل�سنى وال�صفات الإلهية العلى؛
ولذا اقرتن بهذه الأ�سماء الثالثة العظيمة عامة الأذكار والأدعية امل�أثورة؛ فالتهليل والتكبري
والتحميد والت�سبيح واحلوقلة واحل�سبلة واال�سرتجاع والب�سملة وغريها من الأذكار مقرتنة
بهذه الأ�سماء غري منفكة عنها ..يقول ابن القيم عن ا�سم (اهلل) « :فما ذكر هذا اال�سم يف
كثه ،وال عند خوف �إال �أزاله ،وال عند كرب �إال ك�شفه ،وال عند َغ ٍم وه ٍَم قليل �إال رّ
و�سعه ،وال تعلق به �ضعيف �إال �أفاده القوة ،وال ذليل �إال�إال ف َّرجه ،وال عند �ضيق �إال َّ
�أناله العز ،وال فقري �إال �صريه غنيا ،وال م�ستوح�ش �إال �آن�سه ،وال مغلوب �إال �أيده
ون�صره ،وال م�ضطر �إال ك�شف �ضره ،وال �شريد �إال �آواه ،فهو اال�سم الذي تك�شف
به الكربات ،وت�ستنزل به الربكات والدعوات ،وتقال به العرثات ،وت�ستدفع به
ال�سيئات ،وت�ستجلب به احل�سنات ،)37(»..ويقول ال�شيخ ال�سعدي(« :الرب) هو املربي
جميع عباده بالتدبري و�أ�صناف النعم .و�أَ َخ ُّ�ص من هذا تربيته لأ�صفيائه ب�إ�صالح
( )36جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية (املجلد� - 28 :ص.)32 - 31 :
(� )37أورده ال�شيخ �سليمان بن عبداهلل يف كتابه (تي�سري العزيز احلميد)(�ص )15 - 14 :ومل �أجده فيما بني يدي من م�ؤلفات ابن القيم.
المجموعة األولى :اهلل -الرب -اإلله 85
قلوبهم و�أرواحهم ،و�أخالقهم؛ ولهذا كرث دعا�ؤهم له بهذا اال�سم اجلليل؛ لأنهم
يطلبون منه هذه الرتبية اخلا�صة»( ،)38ومن �أمثلة هذه الأدعية قوله -تعالى -عن
} :ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ ﭗﭘﭙﭚ �أبوينا (�آدم وحواء)
ﭛ ﭜ{[الأعراف ،]23:وقوله تعالى عن نوح } :ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ
ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ{ [نوح ،]28:وقوله
تعالى عـ ــن مو�سى } :ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ
} :ﭑﭒﭓﭔ ﮆ ﮇ{[الأعراف ،]151:وقوله عن عي�سى
ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ
ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ{[املائدة ]114:وقوله تعالى عن يو�سف } :ﮉ ﮊ ﮋ
ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ{[يو�سف ،]33:وغريها من الآيات.
و�أما ال�سنة النبوية فقلما يخلو ذكر م�أثور �أو دعاء جامع من هذه الأ�سماء ،ولذا
ُع َّد ْت هذه الأ�سماء الثالثة �أ�شهر �أ�سمائه و�أعالها حم ًال يف جوامع الكلم والذكر
والدعاء عنه ،¤ولعلنا نكتفي بحديث �سيد اال�ستغفار ،يف قوله �( :¤سيد اال�ستغفار
�أن تقول :اللهم �أنت ربي ال �إله �إال �أنت ،خلقتني و�أنا عبدك ،و�أنا على عهدك
ووعدك ما ا�ستطعت� ،أعوذ بك من �شر ما �صنعت� ،أبوء لك بنعمتك علي ،و�أبوء
لك بذنبي فاغفر يل ،ف�إنه ال يغفر الذنوب �إال �أنت .قال :ومن قالها من النهار
موقنا بها ،فمات من يومه قبل �أن مي�سي ،فهو من �أهل اجلنة ،ومن قالها من الليل
وهو موقن بها ،فمات قبل �أن ي�صبح ،فهو من �أهل اجلنة)(.)39
فقال :يا حممد� ،أتانا ر�سولك ،فزعم لنا �أنك تزعم �أن (الل) �أر�سلك .قال�( :صدق) .قال:
فمن خلق ال�سماء؟ قال( :الل) .قال :فمن خلق الأر�ض؟ قال( :الل) .قال :فمن ن�صب
هذه اجلبال ،وجعل فيها ما جعل؟ قال( :الل) .قال :فبالذي خلق ال�سماء ،وخلق الأر�ض،
ون�صب هذه اجلبال ،اللهّ �أر�سلك؟! قال( :نعم) .قال :وزعم ر�سولك �أن علينا خم�س �صلوات
يف يومنا وليلتنا؟ قال�( :صدق) ،قال :فبالذي �أر�سلك ،الل �أمرك بهذا؟ قال( :نعم) .قال:
وزعم ر�سولك �أن علينا زكاة �أموالنا؟ قال�( :صدق) .قال :فبالذي �أر�سلك ،الل �أمرك بهذا؟
قال( :نعم) .قال :وزعم ر�سولك �أن علينا �صوم �شهر رم�ضان يف �سنتنا؟ قال�( :صدق) .قال:
فبالذي �أر�سلك ،الل �أمرك بهذا؟ قال( :نعم) .قال :وزعم ر�سولك �أن علينا حج البيت من
ا�ستطاع �إليه �سبيال؟ قال�( :صدق) .قال :ثم ولى ،قال :والذي بعثك باحلق ،ال �أزيد عليهن
وال �أنق�ص منهن .فقال النبي ( :¤لئن �صدق ليدخلن اجلنة)(.)40
ؤو�س اخلالئقِ يوم القيامةِ، æقال النبي �( :¤إ َّن اهلل �س ُي َخ ِّل ُ�ص رجلاً من �أمتي على ر� ِ
كل �سج ٍّل مث ُل م ِّد الب�ص ِر ،ثم يقول� :أتنك ُر من هذا �سجلُّ ،
ني اًّ فين�ش ُر عليه ت�سع ًة وت�سع َ
ُ
�شي ًئا؟� ،أظلمك كتبتي احلافِظون؟ ،يقول :ال يا ربِّ ،فيقول� :أفلَ َك عذر؟ ،فيقول :ال يا ربِّ ،
فيقول :بلَى!� ،إ َّن لك عندنا ح�سن ًة ،و�إ َّنه ال ُظلم عليك اليوم ،فيخر ُج بطاق ًة فيها �أ�شهد �أن
ال �إله �إال اهلل ،و�أ�شهد �أ َّن حممدًا عبدُه ور�سوله ،فيقول :اح�ضر وزنك فيقول يا ربِّ ! ،ما
ال�سجلاَّ ُت يف ك َّفة، ال�سجلاَّ ت؟ فقال :ف�إ َّن َك ال ُتظلَ ُم ،قالَ :
فتو�ض ُع ِّ هذه البطاق ُة مع هذه ِّ
ال�سجلاَّ ُت وث ُقلتِ البطاق ُة! ،وال يثق ُل مع ا�س ِم اهلل �شي ٌء)(.)41
والبطاق ُة يف ك َّف ٍة فطا�شت ِّ
أمام
ر�سول اهللَ � ¤بدَوي ،فجل�س ُ �ضيف ٌّ æقال ثوبان ‹ مولى ر�سول اهلل « :¤نزل بنا ٌ
فرحهم بالإ�سال ِم؟ ،وكيف حدَ ُبهم( )42على ال�صال ِة؟ ،فما النا�س ،كيف ُ بيو ِته ،فجعل ي�س�أ ُله عن ِ
هلل َ ¤ن ِ�ضر ًا( ،)43فلما انت�صف النها ُر زال ُيخ ُربه من ذلك بالذي َي�س ُّره حتى ر�أيتُ وج َه ِ
ر�سول ا ِ
( )40رواه م�سلم برقم (.)12
( )41رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)1776
( )42حدَ ُبهم على ال�صال ِة :حر�صهم عليها ،وتعلقهم بها ،ومالزمتهم لها.
(َ )43ن ِ�ضر ًا� :أي �أ�شرق وجهه ¤و�أ�سفر و�أ�ضاء بهج ًة و�سرورا وفرح ًا مبا �سمع.
المجموعة األولى :اهلل -الرب -اإلله 87
�سحرة ،من �أ�شد ال َّنا�س كفرا ،ر�سخ الإميان فيِ ُقلوبهم حني قالوا ما قالوا ،ومل يبالوا بعذاب
فرعون ،وترى الرجل من ه�ؤالء ي�صحب الإميان �س ِّتني �سنة ،ثم يَبيع ُه ِبثمن ي�سري»(.)53
æقال �سفيان الثوري« :لي�س �شيء �أقطع لظهر �إبلي�س من قول :ال �إله �إال اهلل»(.)54
æقال ابن رجب« :كان ب�شر بن احلايف يخطو يف داره ،ويقول« :كفى بي ع ّزا �أين لك
رب»(.)55
عبد ،وكفى بي فخرا �أنك يل ّ
æكان �أبو احل�سن الكان�شي يقول« :وعزتك وجاللك ما ع�صيتك ا�ستخفافاً بحقك،
وال جحوداً لربوبيتك ،لكن ح�ضرين جهلي ،وغاب عني حلمي ،وا�ستفزين عدوي ،و�إين
عليها يا �إلهي لنادم»(.)56
æقال ابن القيم :قر�أ قارئ } :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ
ﭙ ﭚ ﭛ{[التكوير ]3-1:ويف احلا�ضرين �أبو الوفاء بن عقيل ،فقال له قائل:
يا �سيدي ،هب �أنه �أن�شر املوتى للبعث واحل�ساب ،وزوج النفو�س بقرنائها بالثواب والعقاب،
فلم هدم الأبنية ،و�سري اجلبال ،ودك الأر�ض ،وفطر ال�سماء ،ونرث النجوم ،وكور ال�شم�س؟!،
فقال �أبو الوفاء�« :إمنا بنى لهم الدار لل�سكنى والتمتع ،وجعلها وجعل ما فيها لالعتبار
والتفكر واال�ستدالل عليه بح�سن الت�أمل والتذكر ،فلما انق�ضت مدة ال�سكنى،
و�أجالهم من الدار ،خربها النتقال ال�ساكن منها ،ف�أراد �أن يعلمهم ب�أن الكون كان
معموراً بهم ،ويف �إحالة الأحوال ،و�إظهار تلك الأهوال ،وبيان املقدرة بعد بيان العزة،
وتكذيب لأهل الإحلاد وزنادقة املنجمني وعباد الكواكب وال�شم�س والقمر والأوثان،
فيعلم الذين كفروا �أنهم كانوا كاذبني ،ف�إذا ر�أوا �آلهتهم قد انهدمت ،و�أن معبوداتهم
قد انترثت وانفطرت ،وحمالها قد ت�شققت ،ظهرت ف�ضائحهم ،وتبني كذبهم،
وظهر �أن العامل مربوب حمدث مدبر ،له رب ي�صرفه كيف ي�شاء ،تكذيبا ملالحدة
( )53تف�سري ال�سمعاين (جـ� – 3:ص)343 :عند تف�سري �سورة (طه) الآيات (.)73 - 72
(�( )54سري �أعالم النبالء) للإمام الذهبي (�ص )1846 :يف ترجمة الإمام �سفيان الثوري.
(�()55شرح حديث لبيك اللهم لبيك) للحافظ ابن رجب احلنبلي (�ص.)67:
(()56الديباج املذهب يف معرفة �أعيان علماء املذهب) البن فرحون (جـ� - 1:ص.)327 :
90 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الفال�سفة؛ القائلني بال ِقدَم ،فكم هلل -تعالى -من حكمة يف هدم هذه الدار ،وداللة
على عظم عزته وقدرته و�سلطانه وانفراده بالربوبية ،وانقياد املخلوقات ب�أ�سرها
لقهره ،و�إذعانها مل�شيئته ،فتبارك اهلل رب العاملني» (.)57
æخرج عمر بن ذر �إلى مكة ،فلما اتى احلرم دعا« :اللهم �إنا قد �أطعناك يف �أحب
اال�شياء �إليك �أن تطاع فيه :االميان بك واالقرار بك ،ومل نع�صك يف �أبغ�ض اال�شياء
�أن ُتع�صى فيه :الكفر واجلحد بك ،اللهم فاغفر لنا بينهما ،و�أنت قلت} :ﮣ
ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ{[النحل ،]38:ونحن نق�سم باهلل جهد
ثن من ميوت!� ،أفرتاك جتمع بني �أهل الق�سمني يف دار واحدة؟»(.)58 �أمياننا ل َت ْب َع َّ
æقال ابن تيمية« :فالقلب ال ي�صلح ،وال يفلح ،وال يلتذ ،وال ُي�س ّر ،وال يطيب،
وال ي�سكن ،وال يطمئن� ،إال بعبادة ربه ،وحبه والإنابة �إليه، ولو ح�صل له كل ما
يلتذ به من املخلوقات مل يطمئن ومل ي�سكن� ،إذ فيه فقر ذاتي �إلى ربه ،ومن حيث
هو معبوده وحمبوبه ومطلوبه ،وبذلك يح�صل له الفرح وال�سرور واللذة والنعمة
وال�سكون والطم�أنينة»(.)59
æقال ابن القيم« :يف القلب خلة وفاقه ال ي�سدها �شيء البته �إال ذكر اهلل ،ف�إذا
�صار �شعار القلب بحيث يكون هو الذاكر بطريق الأ�صالة ،والل�سان تبع له ،فهذا
هو الذكر الذي ي�سد اخللة ،و ُيفني الفاقة ،فيكون �صاحبه غنيا بال مال ،عزيزا بال
ع�شرية ،مهيبا بال �سلطان»( .)60وقال يف مو�ضع �آخر« :متى كان العبد باهلل ،هانت
عليه امل�شاق ،وانقلبت املخاوف يف حقه �أمانا ،فباهلل يهون كل �صعب ،وي�سهل كل
ع�سري ،ويقرب كل بعيد ،وباهلل تزول الأحزان والهموم والغموم ،فال هم مع اهلل،
وال غم مع اهلل ،وال حزن مع اهلل»(.)61
(( )57بدائع الفوائد) البن القيم (جـ� - 3 :ص.)189 :
(�()58سري �أعالم النبالء) للإمام الذهبي (�ص )2900 :يف ترجمة الإمام الزاهد عمر بن ذر الكويف.
(( )59جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية (املجلد� – 10 :ص.)194:
(( )60الوابل ال�صيب) للإمام �أبن القيم (�ص ،)92-91:عند حديثه عن فوائد الذكر (الفائدة الثامنة والثالثون).
(( )61اجلواب الكايف ملن �س�أل عن الدواء ال�شايف) للإمام �أبن القيم (�ص.)222 :
المجموعة الثانية :الواحد -األحد -الوتر 91
الــمــجــمــوعـــــــ2ـــــــــة
مو�ضوع الأ�سماء :ال َو ْحدَ ا ِن َّي ُة
()6 - 5 - 4
تر
اح ُد -ال َأح ُد -ال ِو ُ ال َو ِ
92 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الــمــجــمــوعـــــــ2ـــــــــة
مو�ضوع الأ�سماء :ال َو ْحدَ ا ِن َّي ُة
()6 - 5 - 4
تر
احدُ -ال َأحدُ -ال ِو ُ ال َو ِ
�أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود:
احدُ :ورد يف القر�آن الكرمي ( 22مرة) منها قوله تعالى }:ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ æال َو ِ
ﯽ ﯾ{[غافر ،]16:ويف ال�سنة ق�صة ال�صحابي الذي ق�ضى �صالته فقال« :الله َّم �إين
مل َي ُكن له ُكفواً �أح ٌدمل ُيول ْد و ْ
مل َيل ْد و ْ
ال�ص َم ُد الذِي ْ ألك َيا اهلل ب� َ
أنك الواحِ ُد الأح ُد َّ �أ�س� َ
الثا)(.)1 قد ُغ ِف َر له ث َ
إنك �أنت الغفو ُر ال َّرحِ يم» ,فقال النبي ْ (:¤ �أن تغ ِف َر يل ذنوبيَ � ،
æال َأحدُ :ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة يف قوله تعالى } :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ{
[الإخال�ص ،]1:ويف ال�سنة ما جاء يف احلديث القد�سي ..( :و�أما �شتمه �إياي فقوله اتخذ
اهلل ولدا ،و�أنا الأحد ال�صمد ،مل �ألد ومل �أولد ،ومل يكن يل كفئا �أحد)(.)2
تر :مل يرد ذكر هذا اال�سم الكرمي يف القر�آن العظيم ،و�إمنا ورد يف ال�سنة æال ِو ُ
واحدً اَ ،
ال َي ْحفظ َها النبوية ،يف قول النبي ( :¤هلل ِت�س َعة و ِت�س ُعون ا�س ًما؛ ِما َئة �إال ِ
وتر ُي ِح ُّب الوتر)(.)3 �أحدٌ �إِال َدخل ا َ
جلنة ،وهو ٌ
æال َأحدُ « :ا�سم فاعل� ،أو �صفة م�شبهة للمو�صوف بالأحدية ،فعله � َّأحد ي� ِّؤحد
ت�أحيدا وتوحيدا� ،أي حقق الوحدانية ملن وحده»( ،)5والأحد :الواحد الذي ال نظري له.
تر :م�صدر و َت َر ،وقيل� :أوتَر ،فعله و َت َر يَترِ ُ َوتر ًا و ِوتر ًا ،فهو وا ِتر ،واملفعول æال ِو ُ
َم ْوتور ،وقيل� :أوتَر ُيو ِتر وتر ًا ،وال ِو ْت ُر �ضد ال�شفع ،قال يف الل�سان(« :ال ِو ْت ُر) :ال َف ْر ُد �أَو ما مل
َي َت َ�ش َّف ْع من ال َع َد ِد»( ،)6قال عطاء(« :ال ِو ْت ُر) اهلل الواحد ،وال�شفع جميع اخللق خلقوا
�أَزواجاً»(.)7
ثالث ًا :املعنى ال�شرعي:
احدُ :ال َف ْرد «الذي ال �شريك له وال عديل»( ,)8قال اخلطابي(« :ال َو ِاحدُ) ال َف ْرد
æال َو ِ
وحدَه ،ومل يكن معه � َآخ ُر»( ،)9وقال البيهقي(« :ال َو ِاحدُ) الفرد الذي الذي مل َيزل ْ
مل يزل وحده بال �شريك»( ،)10وقال ال�سعدي(« :ال َو ِاح ُد ال َأحدُ) الذي توحد بجميع
الكماالت ،بحيث ال ي�شاركه فيها م�شارك ،ويجب على العبيد توحيده ،عقدا ،وقوال،
وعمال ،ب�أن يعرتفوا بكماله املطلق ،وتفرده بالوحدانية ،ويفردوه ب�أنواع العبادة»(.)11
æال َأحدُ :ال َف ْرد «الذي ال �شبيه له وال نظري»( ،)12قال ابن الأثري(« :ال َأحدُ) ال َف ْرد
الذي مل َيزل وحدَه ،ومل يكن معه �آخ ُر»( ،)13وقال القرطبي(« :ال َأحدُ) الواحد الوِتر،
الذي ال �شبيه له ،وال نظري ،وال �صاحبة ،وال ولد ،وال �شريك»( ،)14وقال ابن كثري:
«(ال َأحدُ) الذي ال نظري له وال وزير ،وال نديد وال �شبيه وال عديل»(.)15
(�( )5أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( .)468:الأحد).
(( )6ل�سان العرب) البن منظور (جـ � - 5 :ص( )273 :مادة :وتر).
(( )7ل�سان العرب) البن منظور (جـ � - 5 :ص( )273 :مادة :وتر).
(( )8االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص.)47:
(�( )9ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص.)82 :
(( )10االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص.)44:
(( )11تف�سري ال�سعدي) ف�صل (ملحق الأ�سماء) (�ص.)16:
(( )12االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص.)47:
(( )13النهاية يف غريب احلديث) البن الأثري (جـ� - 1 :ص.)27 :
( )14تف�سري (اجلامع لأحكام القر�آن) للقرطبي (الآية� - 1 :سورة الإخال�ص).
( )15تف�سري (القر�آن الكرمي) البن كثري (الآية� - 1 :سورة الإخال�ص).
94 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
تر« :ال َف ْرد الذي ال �شريك له وال نظري»( ,)16قال اخلطابي(« :ال ِوت ُر) الفرد ..
æال ِو ُ
وهو الواحد الذي ال �شريك له ،وال نظري له ،املتفرد عن خلقه ،البائن منهم ..فهو
�-سبحانه -وتر ،وجميع خلقه �شفعُ ،خلقوا �أزواجاً»(.)17
رابع ًا :الفروق بني الأ�سماء:
تر)( :ال َواحِ ُد) املو�صوف بالوحدانية التي ال تقبل احدُ -ال َأحدُ -ال ِو ُ
(ال َو ِ
تعدد الذات ،وما يف الوجود �شيء من جن�س الإله �أ�ص ًال �إال �إله واحد ال ثاين له � -سبحانه -
وال �شريك وال نديد .و(ال َأح ُد) هو املو�صوف بالأحدية التي ال تقبل ال�شبيه واملثيل والنظري،
يقول اخلطابي(« :ال َواحِ د) املنفرد بالذات ،ال ي�ضامه �آخر ،و(ال َأحد) املنفرد باملعنى
ال ي�شاركه فيه �أحد»( ،)18ويقول النابل�سي« :للأعداد معنى كمي و�آخر نوعي ،فقولنا:
فالن ترتيبه الرابع على زمالئه؛ ال يفهم منه �أنهم �أربعة �أ�شخا�ص فقط ،وهذا ما
يو�صف باملعنى النوعي للعدد ،و�أما قولنا :جاء �أربعة �أ�شخا�ص ،فيق�صد �أنهم �أربعة
�أ�شخا�ص فقط ،وهذا هو املعنى الكمي ،وا�سم اهلل (ال َواحِ د) ي�شري �إلى املعنى الكمي يف
�أنه �-سبحانه -متفرد يف ربوبيته و�إلهيته فال �شريك له ،وا�سمه �-سبحانه (ال َأحد)
ي�شري �إلى املعنى النوعي يف �أنه متفرد يف �صفاته فال مثيل له ،فـ (ال َواحِ دُ) ال �شريك
له ،و(ال َأحدُ) ال مثيل له»(� .)19أما (الوِت ُر) فهو املو�صوف بالوترية التي ال تقبل ال�شفعية
والزوجية ،فلي�ست له – �سبحانه وتعالى� -صاحبة وال ولد كما و�صف نف�سه �-سبحانه -يف
كتابه ،فقال تعالى } :ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ{[اجلن ،]3:وخلق جميع
اخلالئق على الزوجية ،قال تعالى } :ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ{ [الذاريات ،]49:قال
جماهد(« :ال ِو ْت ُر) اهلل ،وما خلق اهلل من �شيء فهو �شفع».)20(.
(( )16االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص.)48 :
(�( )17ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص .)30-29
(�( )18ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص.)83 :
(( )19مو�سوعة �أ�سماء اهلل احل�سنى) للنابل�سي (جـ � :2ص .)314 -313
( )20تف�سري (جامع البيان يف تف�سري القر�آن) للطربي عند تف�سري الآية ( )3من �سورة (الفجر).
المجموعة الثانية :الواحد -األحد -الوتر 95
«ف�إن القهر مالزم للوحدة ،فال يكون اثنان قهاران مت�سـاويني يف قهرهما �أبدًا،
فالذي يقهر جـميع الأ�شـياء هو الواحد الذي ال نظري له ،وهو الذي ي�ستحق �أن
يعبد وحده كما كان قاه ًرا وحده»( ،)28ويف �إ�شارة ملعنى لطيف يف االقرتان يقول �أبو
العبا�س احللبي« :وغلب ازدواج هاتني ال�صفتني وهما (الوحدانية) و(القهر) ،وذلك
بديع وهو �أن الغلبة والإذالل من ملوك الدنيا �إمنا يكون ب�أعوانهم وجندهم ملعنى ٍ
م�ستغن
ٍ و َعددَهم و ُعددِهم .واهلل تعالى يقهر كل اخللق وهو واحد �أحد ،فرد �صمد
ري �سبحانه»(.)29
عن ظه ٍ
æالرحمن الرحيم :ورد االقرتان مع ا�سميه �سبحانه (الإله الواحد) مرة واحدة
يف قول اهلل تعالى} :ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ{[البقرة،]163:
واحلكمة يف ذلك -واهلل �أعلم – �إما لإثبات وحدانية اهلل و�إلهيته لكونه �سبحانه هو مولى
النعم كلها� ،أ�صولها وفروعها ،وما ذلك �إال �أثر من �آثار رحمته التي و�سعت كل �شيء،
و�إما للإ�شارة �إلى �أنه مع كونه �سبحانه �إله ًا واحد ًا قاهر ًا غالب ًا لكل �شيء ،فال ينفي �أن
يكون رحيم ًا ر�ؤوف ًا ودود ًا ،و�أن رحمته �سبقت غ�ضبه ،فعن املعنى الأول يقول البي�ضاوي:
«}ﯽ ﯾ ﯿ{ خطاب عام� ،أي امل�ستحق منكم العبادة ،واح ٌد ال �شريك له
ي�صح �أن ُيعبد �أو ُي�سمى �إلها } ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ{ تقرير للوحدانية } ...ﰅ
ﰆ{ كاحلجة عليها ،ف�إنه ملا كان مولى النعم كلها �أ�صولها وفروعها وما �سواه
�إما نعمة �أو منعم عليه مل ي�ستحق العبادة �أحد غريه»( ،)30ويقول ال�شيخ ال�سعدي:
«يخرب تعالى -وهو �أ�صدق القائلني � -أنه } ﯾ ﯿ { �أي :متوحد منفرد يف ذاته،
و�أ�سمائه ،و�صفاته ،و�أفعاله ،فلي�س له �شريك يف ذاته ،وال �سمي له وال كفو ،وال مثل،
وال نظري ،وال خالق ،وال مدبر غريه ،ف�إذا كان كذلك ،فهو امل�ستحق لأن ي�ؤله ويعبد
بجميع �أنواع العبادة ،وال ي�شرك به �أحد من خلقه ،لأنه } ﰅ ﰆ{ املت�صف
(( )28تف�سري ال�سعدي) عند تف�سري الآية ( )65من (�سورة� :ص) (�ص.)662 :
(( )29عمدة احلفاظ يف تف�سري �أ�شرف الألفاظ) لأبي العبا�س ال�سمني احللبي ،مادة (ق هـ ر) (جـ� – 3:ص.)344 :
( )30تف�سري البي�ضاوي (�أنوار التنزيل و�أ�سرار الت�أويل) عند تف�سري الآية ( )163من �سورة البقرة.
المجموعة الثانية :الواحد -األحد -الوتر 97
بالرحمة العظيمة ،التي ال مياثلها رحمة �أحد ،فقد و�سعت كل �شيء وعمت كل
حي ،فربحمته ِوجدت املخلوقات ،وبرحمته ح�صلت لها �أنواع الكماالت ،وبرحمته
اندفع عنها كل نقمة ،وبرحمته ع ّرف عباده نف�سه ب�صفاته و�آالئه ،وبينَّ لهم كل
ما يحتاجون �إليه من م�صالح دينهم ودنياهم ،ب�إر�سال الر�سل ،و�إنزال الكتب .ف�إذا
ُعلم �أن ما بالعباد من نعمة ،فمن اهلل ،و�أن �أحدا من املخلوقني ،ال ينفع �أحدا،
ُعلم �أن اهلل هو امل�ستحق جلميع �أنواع العبادة ،و�أن ُيفرد باملحبة واخلوف ،والرجاء،
والتعظيم ،والتوكل ،وغري ذلك من �أنواع الطاعات .و�أن من �أظلم الظلم ،و�أقبح
القبيح� ،أن ُيعدل عن عبادته �إلى عبادة العبيد ،و�أن ُي�شرك املخلوق من تراب ،برب
الأرباب� ،أو ُيعبد املخلوق املد َبر العاجز من جميع الوجوه ،مع اخلالق املد ِبر القادر
القوي ،الذي قهر كل �شيء ودان له كل �شيء .ففي هذه الآية� ،إثبات وحدانية الباري
و�إلهيته ،وتقريرها بنفيها عن غريه من املخلوقني وبيان �أ�صل الدليل على ذلك
وهو �إثبات رحمته التي من �آثارها وجود جميع النعم ،واندفاع جميع النقم ،فهذا
دليل �إجمايل على وحدانيته»( ،)31وما يقوي هذا املعنى ما �أ�شارت �إليه الآية التالية
لآية االقرتان من التذكري بنعم اهلل العظيمة فقال تعالى} ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ
ﭖﭗﭘ ﭙﭚﭛﭜﭝ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭤ
ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭯﭰﭱﭲﭳ
ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ{.
و�أما املعنى الثاين فقد �أ�شار �إليه الرازي بقوله« :واعلم �أ ّنه �سبحانه �إنمّ ا ّ
خ�ص
ال�صفتني} ﰅ ﰆ{؛ ل ّأن ذكر الإله ّية الفردان ّية هذا املو�ضع بذكر هاتني ّ
ُيفيد القهر والعل ّو ،فع ّقبهما بذكر هذه املبالغة يف ال ّرحمة ترويحا للقلوب عن هيبة
الإله ّية ،وع ّزة الفردان ّية ،و�إ�شعاراً ب� ّأن رحمته �سبقت غ�ضبه ،و�أ ّنه ما خلق اخللق �إلاّ
لل ّرحمة والإح�سان»(.)32
( )31تف�سري (ال�سعدي) عند تف�سري الآية ( )163من �سورة البقرة (�ص.)60:
( )32تف�سري الرازي (التف�سري الكبري) عند تف�سري الآية ( )163من �سورة البقرة.
98 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الوكيل :ورد االقرتان مع ا�سمه �سبحانــه (الواحد) مرة واح ــدة يف قوله تعالى: æ
}ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ
ﮋ ﮌ ﮍ{[الن�ساء ،]171:واحلكمة يف ذلك -واهلل �أعلم -للإ�شارة �إلى �أن من
لوازم الوحدانية اال�ستقالل والكفاية يف احلفظ والتدبري ،واهلل الواحد �سبحانه هو (الوكيل)
الغني عنهم من كل وجه ،وهم املحتاجون �إليه يف اخللق �أُمو َرهم �إليه وحده ،فهو ُّ الذي َي ِك ُل كل ِ
كل �شيء ،وهو �سبحانه منز ٌه عن كل �صور العجز والق�صور واحلاجة كاتخاذ الولد� ،أو ال�شريك
يف امللك� ،أو الويل من الذل� ،سبحانه وتعالى عما يقول الظاملون علوا كبريا ،قال القا�سمي:
«} ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ{ �أيْ ِ :بال ّذاتِ ،ال َت َعدُّ َد فِي ِه ِب َو ْج ٍه ما ..وقوله تعالى } :ﮃ ﮄ ﮅ
ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ{ تعليل لتنزهه مما ن�سب �إليه ،مبعنى �أن كل ما فيهما َخلقه
و ُملكه ،فكيف يكون بع�ض ملكه جزءا منه؟� ،إذ البنوة وامللك ال يجتمعان! } .ﮋ
ﮌ ﮍ{ �أي� :إليه يكل كل اخللق �أمورهم ،وهو غني عنهم ،ف�أنى يت�صور يف
حقه اتخاذ الولد ،الذي هو �ش�أن العجزة املحتاجني يف تدبري �أمورهم �إلى من يخلفهم
ويقوم مقامهم»( ،)33وقال �أبو حيان }« :ﮋ ﮌ ﮍ{ �أي :كافيا يف تدبري
خملوقاته وحفظها ،فال حاجة �إلى �صاحبة وال ولد وال معني»(.)34
ال�ص َمدُ :ورد االقرتان مع ا�سمه �-سبحانه (ال َأحد) مرة واحدة يف قول اهلل تعالى يف
َّ æ
�سورة الإخال�ص }:ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ{[الإخال�ص ،]2-1:ويف ال�سنة ما
جاء يف احلديث القد�سي..(:و�أما �شتمه �إياي فقولـه :اتخذ اهلل ولد ًا ،و�أنا اهلل الأحد
ال�صمد ،مل �ألد ،ومل �أولد ،ومل يكن يل كفو ًا �أحد)( ،)35وال�سر يف ذلك -واهلل �أعلم � -أن
ال�ص َمد) هو الذي تق�صده وحده اخلالئق كلها ،وت�صمد �إليه يف حاجاتها ،و�ضروراتها «( َّ
ملا له �-سبحانه -من الكمال املطلق يف ذاته و�أ�سمائه و�صفاته و�أفعاله؛ لأن من معاين
(ال َأحد) الكامل املطلق املتفرد يف ذاته و�أ�سمائه ،و�صفاته ،و�أفعاله ،وربوبيته ،و�إلهيته،
(ال�ص َمد) �إال على من هذه �صفاته (الوَاحِ د ال َأحد)»(.)36
وال ي�صدق ا�سم َّ
( )33تف�سري القا�سمي (حما�سن الت�أويل) (جـ� - 5:ص )680-679:عند تف�سري الآية ( )171من �سورة الن�ساء.
( )34تف�سري �أبي حيان (البحر املحيط) عند تف�سري الآية ( )171من �سورة الن�ساء.
( )35رواه البخاري برقم (.)4974
(( )36وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص.)114 - 113 :
المجموعة الثانية :الواحد -األحد -الوتر 99
التي مل نعلمه ـ ــا �إال مـ ــن قريب ،وهــو م�ص ـ ــداق لقولـ ـ ــه تعالى} :ﮩ ﮪ ﮫ
ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ{[ي�س.]36:
ثامن ًا :مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء:
تر) من �أ�سماء الذات الدالة على �صفات اهلل الذاتية احدُ -ال َأحدُ -ال ِو ُ
(ال َو ِ
(ال َو ْحدَا ِن َّية والأحدية وا ْلوِترية) وهي �صفات ذات ،مل يزل وال يزال اهلل مت�صف ًا بها،
وال تعلق لها بامل�شيئة؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل ،والتو�سل �إليه ،والثناء عليه ،بها يف
جميع �أغرا�ض الدعاء وحاجات العبد ..ومما ورد يف ال�سنة بخ�صو�ص الثناء على اهلل
بهذه الأ�سماء ،ما جاء عن النبي � :¤أنه �سمع رج ًال يقول(:الله َّم �إين �أ�س� َ
ألك َيا اهلل ،ب� َ
أنك
مل َي ُكن له ُكفوا �أح ٌد �أن تغف َر يل مل ُيولدْ ،و ْ
مل َيل ْد و ْ
ال�ص َم ُد الذِ ي ْ
الواحِ ُد الأحد َّ
قد غ ِف َر له -ث َالثا)( ،)38ويف رواية �أنه �سمع ذنوبيَ � ،
إنك �أنت الغفو ُر ال َّرحِ يم) قال لهْ (:
مل َيل ْد و ْ
مل ُيول ْد ال�ص َم ُد الذِ ي ْ
ألك ب�أنك �أنت اهلل الأحد َّ رج ًال يقول( :الله َّم �إين �أ�س� َ
الذي �إذا ُ�س ِئل به
اهلل با�سمِه الأعظم ِ لقد َ�س�أل َ
مل َيكن له كفوا �أح ٌد) ،فقال ْ ( :¤ و ْ
اب)(.)39
� ْأعطى ،و�إذا ُد ِع َي به � َأج َ
تا�سع ًا :لطائف و�أقوال:
æقال ر�سول اهلل ¤للح�صني اخلزاعي قبل �إ�سالمه(:يا �أبا عمران ،كم �إله ًا تعبد؟
قال� :أعبد �سبعة� ،ستة يف الأر�ض ،وواحداً يف ال�سماء .قال :ف�إذا هلك املال من تدعو؟!
قال� :أدعو الذي يف ال�سماء .قال :ف�إذا انقطع القطر من تدعو؟ قال� :أدعو الذي يف
ال�سماء .قال :ف�إذا جاع العيال من تدعو؟ قال� :أدعو الذي يف ال�سماء .قال :في�ستجيب
لك وحده �أم ي�ستجيبون لك كلهم؟ قال :بل ي�ستجيب وحده .فقال :ي�ستجيب لك
وحده ،وينعم عليك وحده ،وت�شركهم يف ال�شكر� ،أم �أنك تخاف �أن يغلبوه عليك؟
قال ح�صني :ال ،ما يقدرون عليه .فقال :يا ح�صني� ،أَ ْ�س ِل ْم �أع ّل ْمك كلمات ينفعك اهلل
بهن) فلما �أ�سلم قال :يا ر�سول اهلل علمني الكلمتني التي وعدتني ،قال ( :قل :اللهم
( )38رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف �صحيح �أبي داود برقم (.)869
( )39رواه ابن ماجة و�صححه الألباين يف �صحيح ابن ماجة برقم (.)3111
المجموعة الثانية :الواحد -األحد -الوتر 101
مع قوم طاملا �أبغ�ضناهم لك»( .)44وقال �سليمان بن احلكم بن عوانة« :دعا رجل بعرفات
فقال :ربنا ال تعذبنا بالنار بعد �أن �أ�سكنت توحيدك قلوبنا ،قال :ثم بكى! ،وقال :ما
�إخالك تفعل بعفوك ،ثم بكى! ،وقال :ولئن فعلت فبذنوبنا لتجمعن بيننا وبني قوم
طاملا عاديناهم فيك»(.)45
æقيل لأعرابي« :هل حتدث نف�سك بدخول اجلنة؟ قال :واهلل ما �شككت قط �أين
�سوف �أخطو يف ريا�ضها ،و�أ�شرب من حيا�ضها ،و�أ�ستظل ب�أ�شجارها ،و�آكل من ثمارها،
و�أتفي�أ بظاللها ،و�أتر�شف من قاللها ،و�أ�ستمتع بحورها يف غرفها وق�صورها! قيل له:
�أفبح�سن ٍة قدمتها؟ �أم ب�صاحل ٍة �أ�سلفتها؟ قال :و�أي ح�سن ٍة �أعلى �شرفا ،و�أعظم خطرا
من �إمياين باهلل تعالى ،وجحودي لكل معبود �سوى اهلل تبارك وتعالى؟! قيل له� :أفال
تخ�شى الذنوب؟ قال :جعل اهلل املغفرة للذنوب ،والرحمة للخط�أ ،والعفو للجرم ،وهو
�أكرم من �أن يعذب حمبيه يف نار جهنم! ،فكان النا�س يف م�سجد الب�صرة يقولون :لقد
ح�سن ظن الأعرابي بربه ،وكانوا ال يذكرون حديثه �إال اجنلت غمامة الي�أ�س عنهم،
وغلب �سلطان الرجاء عليهم»(.)46
æمدح �أحد ال�شعراء �أمري طرب�ستان (احل�سن بن زيد العلوي) فقال« :اهلل فرد ،وابن
قلت :اهلل فرد ،وابن زيد عبد! ،ثم نزل عن
زيد فرد! فقال احل�سن :ويلك! ،ال تقل! ،هال َ
�سريره ،وخ ّر هلل �ساجدا ،و�أل�صق خده بالرتاب ،ومل يعط ذلك ال�شاعر �شيئا!.)47(».
�صاف( )48قتيبة بن م�سلم الترّ ك ،وهاله �أم ُرهم� ،س�أل عن æقال الأ�صمعي« :ملا ّ
ب�صب�ص( )50ب�أ�صبعه
ُ حممد بن وا�سع .فقيل :هو ذاك يف امليمنة جانح( )49على قو�سهُ ،ي
ري( ،)51و�شابٍ
�سيف �شه ٍ
يل من مئة �ألف ٍ أحب �إ َّ
نحو ال�سماء ،فقال قتيبة :لتلك الإ�صبع � ُّ
طرير(.)53( »)52
(( )44جمهرة خطب العرب) لأحمد زكي �صفوت (جـ� – 3 :ص)329 :
(( )45ح�سن الظن باهلل) البن �أبي الدنيا (�ص )19 :رقم الأثر (.)12
(( )46الب�صائر والذخائر) لأبي حيان التوحيدي (جـ� – 8 :ص.)146 :
(( )47البداية والنهاية) للإمام �أبن كثري (�ص )1650 :يف �أحدث �سنة ( 270هـ)� )48( .صاف :واجههم يف املعركة.
ب�صب�ص ب�أ�صبعه� :أي يحرك ب�إ�صبعه نحو ال�سماء.
ُ (ُ )50ي ( )49جانح على قو�سه� :أي مائ ًال ومتكئ ًا عليه.
(� )51سيف �شهري� :أي م�سلول من غمده ،ومرفوع يف وجه العدو.
�شاب طرير :يعني ال�شاب املجاهد ذو املنظر والرواء والهيئة احل�سنة ،وقيل :و�صف لل�سيف ال�شهري ب�أنه حاد وقاطع. (ٍ )52
(�( )53سري �أعالم النبالء) للذهبي (�ص )3754 :يف ترجمة (حممد بن وا�سع الأزدي) برقم (.)5948
المجموعة الثالثة :األول -اآلخر -الظاهر -الباطن 103
الــمــجــمــوعـــــــ3ـــــــــة
اط ُة العامة مو�ضوع الأ�سماء :ال َإح َ
()10 -9 - 8 - 7
اط ُن
اه ُر -ال َب ِ الأ َّو ُل -ال ِآخ ُر َّ -
الظ ِ
104 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الـمــجـمـوعــ3ــة
اط ُة العامةمو�ضوع الأ�سماء :ال َإح َ
()10 -9 - 8 - 7
اط ُن
اه ُر -ال َب ِ الأ َّو ُل -ال ِآخ ُر َّ -
الظ ِ
�أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود:
اطنُ :وردت هذه الأ�سماء يف القر�آن الكرمياه ُر وال َب ِ æالأ َّو ُل وال ِآخ ُر َّ
والظ ِ
مرة واحدة يف قول اهلل تعالى } :ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ
ﯽ{[احلديد ،]3:ويف ال�سنة من حديث �أبي هريرة ‹ قال :كان ر�سول اهلل ¤ي�أ ُم ُرنا
ورب العر�ش العظيم، ورب الأر�ض َّ
رب ال�سماوات َّ�إذا �أخذنا م�ضجعنا �أن نقول( :اللَّهم َّ
احلب والنَّوى و ُمنزِّ َل التورا ِة والإجنيل والفرقان� ،أعو ُذ
ِّ كل �شيءَ ،
فالق ورب ِّر َّبنا َّ
�شيء ،و�أنتَ آخذ بنا�صيته ،اللهم �أنت ال ُ
أول فلي�س قبلك ٌ كل �شيء �أنت � ٌ
�شر ِّبك من ِّ
اهر فلي�س فوقك �شيء ،و�أنت الباطنُ َفلي�س آخر فلي�س بعدَ َك �شيء ،و�أنتَ َّ
الظ ُ ال ُ
�ض عنا الدَّ ين و�أغْ ِننا من الفقر)(.)1 دونك �شيءْ ،
اق ِ
ثاني ًا :املعنى اللغوي:
æالأ َّو ُل« :على وزن �أفعل ،فعله �آل ي�ؤول �أ ْوال ،وهو �صفة م�شبهة للمو�صوف
بالأولية ،وهو الذي يرتتب عليه غريه»( ،)2قال الراغب(« :الأ َّو ُل) هو الذي يرتتب
الزجاج(« :الأ َّو ُل) هو مو�ضع التقدم وال�سبق»(.)4
عليه غريه»( ،)3وقال ّ
æال ِآخ ُر« :ا�سم فاعل ملن ات�صف بالآخرية ،فعله �أَ َخر َي�أْخر �أخراً ،والآخِ ُر ما
يقابل الأَ َّول»( ،)5قال الزجاج(« :الآخِ ُر) هو املت�أخر عن الأ�شياء كلها ويبقى بعدها»(.)6
( )1رواه م�سلم برقم (.)2713
(�( )2أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( .)298 :الأول)
(( )3مفردات �ألفاظ القر�آن) للراغب الأ�صفهاين (�ص )40 - 39 :
(( )4تف�سري �أ�سماء اهلل احل�سنى) لأبي �إ�سحاق الزجاج (�ص .)59
(�( )5أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( .)304 :الآخر)
(( )6تف�سري �أ�سماء اهلل احل�سنى) لأبي �إ�سحاق الزجاج (�ص .)60
المجموعة الثالثة :األول -اآلخر -الظاهر -الباطن 105
اه ُر« :ا�سم فاعل ملن ات�صف بالظهور ،و(الظاهِ ُر) خالف (الباطن)، َّ æ
الظ ِ
فعله َظ َه َر َي ْظ َه ُر ُظهُوراً فهو ظاهر وظهري ،والظهور العلو واالرتفاع ،يقال:
ال�س ْطح يعني �صار فوقه ،قال تعالى}:ﰛ ﰜ ﰝ َظهَر على احلائط وعلى َّ
ﰞ{[الكهف� ،]97:أَي ما َق َد ُروا �أَن َي ْعلوا عليه»(.)7
اطنُ « :ا�سم فاعل ملن ات�صف بالبطون ،والبطون خالف الظهور ،فعله æال َب ِ
طن بطوناً»( ،)8يقال« :بطنت هذا الأمر :عرفت باطنه ،ومنه الباطن يف �صفة طن َي ْب ُ
َب َ
اهلل »( ،)9قال الزجاج(« :ال َباطِ ُن) هو العامل ببطانة ال�شيء»( ،)10وقال ابن جرير:
«(ال َباطِ ُن) هو الباطن جلميع الأ�شياء ،فال �شيء �أقرب �إلى �شيء منه»(.)11
بعدك �شيء ،)18()..قال ابن جرير(« :الآخِ ُر) بعد كل �شيء بغري نهاية»( ،)19وقال
اخلطابي(« :الآخِ ُر) الباقي بعد فناء اخللق»( ،)20وقال البيهقي(« :الآخِ ُر) هو الذي
ال انتهاء لوجوده»(.)21
اه ُر« :الذي لي�س فوقه �شيء»( ،)22كما ف�سرها خري الب�شر بقوله ..( :¤و�أنتَ َّ æ
الظ ِ
اهر فلي�س فوقك �شيء )23()..؛ ولذا قال ابن القيم« :ا�سمه (الظاهر) من لوازمه َّ
الظ ُ
�أن ال يكون فوقه �شيء كما يف ال�صحيح( :و�أنت الظاهر فلي�س فوقك �شيء) ،بل هو
�-سبحانه -فوق كل �شيء ،)24(»..ويقول ابن جريرَّ (« :
الظاهِ ُر) عال كل �شيء دونه،
وهو العايل فوق كل �شيء ،فال �شيء �أعلى منه»(.)25
اطنُ « :الذي لي�س دونه �شيء»( ،)26وهو تف�سري النبي ¤بقوله .. ( :و�أنت
æال َب ِ
الباطنُ َفلي�س دونك �شيء .. ،)27()..يقول ابن جرير(« :ال َباطِ ُن) يقول :وهو
الباطن جلميع الأ�شياء ،فال �شيء �أقرب �إلى �شيء منه»( ،)28ويقول ابن القيم« :و�أما
التعبد با�سمه (ال َباطِ ن) ف�إذا �شهدت �إحاطته بالعوامل وقرب البعيد منه ،وظهور
البواطن له ،وبدو ال�سرائر ،و�أنه ال �شيء بينه وبينها ،فعامله مبقت�ضى هذا ال�شهود،
وطهر له �سريرتك ف�إنها عنده عالنية ،و�أ�صلح له غيبك ف�إنه عنده �شهادةّ ،
وزك له
باطنك ف�إنه عنده ظاهر»( ،)29ويقول ال�شيخ ال�سعدي(« :ال َباطِ ُن) يدل على اطالعه
( )18رواه م�سلم برقم (.)2713
( )19تف�سري الطربي (احلديد -الآية.)3:
(�( )20ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص.)88 :
(( )21االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص .)44
(( )22جمموع فتاوى ابن تيمية) جمع عبدالرحمن القا�سم (جـ� - 2:ص.)406 :
( )23رواه م�سلم برقم (.)2713
(( )24مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ � - 1 :ص.)31 :
( )25تف�سري الطربي (احلديد -الآية.)3:
(( )26جمموع فتاوى ابن تيمية) جمع عبدالرحمن القا�سم (جـ� - 2:ص.)406:
( )27رواه م�سلم برقم (.)2713
( )28تف�سري الطربي (احلديد -الآية.)3:
(( )29طريق الهجرتني وباب ال�سعادتني) البن القيم (�ص.)25 :
المجموعة الثالثة :األول -اآلخر -الظاهر -الباطن 107
على ال�سرائر ،وال�ضمائر ،واخلبايا ،واخلفايا ،ودقائق الأ�شياء ،كما يدل على كمال
قربه ودنوه ،وال يتنافى الظاهر والباطن؛ لأن اهلل لي�س كمثله �شيء يف كل النعوت،
فهو العلي يف دنوه ،القريب يف علوه»(.)30
رابع ًا :الفروق بني الأ�سماء:
خل�ص ابن القيم -رحمه اهلل تعالى -الفروق بني هذه الأ�سماء الأربعة( :الأ َّو ُل
والظاهِ ُر وال َباطِ ُن) واحلكمة من اقرتانها جميع ًا؛ فقال ..« :فمدار هذه الأ�سماء
والآخِ ُر َّ
الأربعة على الإحاطة ،وهي �إحاطتان :زمان َّية ،ومكان َّية ،ف�أحاطت �أول َّي ُته و�آخر َّي ُته
بال َق ْبلِ وال َب ْعدِ ،فكل �سابق انتهى �إلى �أول َّيتِه ،وك ُل �آخرٍ انتهى �إلى �آخر َّيتِه ،ف�أحاطت
�أول َّي ُته و�آخر َّي ُته بالأوائل والأواخر ،و�أحاطت ظاهر َّي ُته وباطن َّي ُته بك ِّل ظاه ٍر وباطن،
فما من ظاهرٍ �إال واهلل فوقه ،وما من باطن �إال واهلل دونه ،وما من �أولٍ �إال واهلل
قبله ،وما من �آخرٍ �إال واهلل بعده ،فالأ َّو ُل ِق َد ُمه ،والآخ ُر دوامه وبقا�ؤه ،والظاهر
كل �شيء علوه وعظمته ،والباطن قربه ودنوه ،ف�سبق ك َّل �شيء ب�أول َّيته ،وبقي بعد ُّ
ب�آخر َّيتِه ،وعال على كل �شيء بظهوره ،ودنا من كل �شيء ببطونه»(.)31
خام�س ًا :ال�صفة امل�شتقة:
æالأ َّو ُل وال ِآخ ُر :ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه �-سبحانه (الأ َّول) �صفة « (الأ َّولية)
ثابتة بالكتاب وال�سنة ،ومعناه :الذي لي�س قبله �شيء»(،)32 وهي �صفة ذاتيـة هلل
وال�صفة امل�شتقة من ا�سمه �-سبحانه (الآخِ ر) �صفة « (الآخِ ِر َّية) وهي �صف ٌة ذاتي ٌة هلل
وج ّل َ -ثابتة بالكتاب وال�سنة ..ومعناه :الذي لي�س بعده �شيء»( ،)33قال تعالى: َ -ع َّز َ
} ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ{[احل ــديد ،]3:ويف احلديث
(( )30تف�سري �أ�سماء اهلل احل�سنى) لل�شيخ ال�سعدي (�ص.)170:
(( )31طريق الهجرتني وباب ال�سعادتني) البن القيم (�ص.)24 :
(�( )32صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص.)37 :
(�( )33صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص.)284 - 283 :
108 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
وخالقه وبارئه ،فهو �إلهه وغايته التي ال �صالح له ،وال فالح ،وال كمال �إال ب�أن
يكون وحده غايته ونهايته ومق�صوده.
3.3توجه القلب �إليه ،ومتام الذل بني يديه ،واخل�ضوع جلنابه وعظمته ،وال�ضراعة
�إليه وحده دون �سواه ،مع تزكية النف�س و�إ�صالحها ،وتطهري الباطن وتنقية القلب
وعمارته بالإميان والتقى ،فهو �-سبحانه -حميط بالعوامل ،وعليم بالبواطن
وال�سرائر ،وكما ق ـ ــال عن نف�سه �سبحانـ ـ ــه } :ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ{[طه]7:
4.4الإخال�ص يف العمل و�أن خري ما يدخره املرء لنف�سه هو ما �أريد به وجه اهلل
-تبارك وتعالى ،فهو �-سبحانه -املتفرد بالبقاء الأبدي ال�سرمدي ،وقد ذكر ابن
القيم �أن التعبد هلل با�سمه (الآخر) �أن جتعله وحده غايتك ،فكما انتهت �إليه
الأواخر ،وكان بعد كل �آخر فكذلك اجعل نهايتك �إليه.
5.5حمبة الأولية يف طلب اخلري ،وطلب الأ�سبقية يف التزام الأمر ،قال -تعالى-
يف و�صف عباده املوحدين } :ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ{
[امل�ؤمنون ،]61:فليحر�ص املرء على اال�ستزادة من الأعمال ال�صاحلة ،واال�ستكثار
منها ،و�أن ف�ضل اهلل وجوده ال نهاية له ،يقول ابن القيم -رحمه اهلل تعالى..« :
الغايات والنهايات ك ُّلها �إليه تنتهي} :ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ{[النجم]42 :؛
فانتهت �إليه الغايات والنهايات ،ولي�س له �-سبحانه -غاي ٌة والنهاي ٌة؛ ال
يف وجوده ،وال يف مزيد جوده� ،إذ هو الأول الذي لي�س قبله �شيء ،والآخر
الذي لي�س بعده �شيء ،وال نهاية حلمده وعطائه؛ بل ك َّلما ازداد له العبد
ال ،وك َّلما ازداد له طاعة؛ زاده ملجده مثوبة ،وك َّلما ازداد منه
�شك ًرا زاده ف�ض ً
قر ًبا الح له من جالله وعظمته ما مل ي�شاهده قبل ذلك ،وهكذا �أبدًا ال
يقف على غاية وال نهايةٍ؛ ولهذا جاء�( :إ َّن �أهل اجلنة يف مزيدٍ ٍ
دائم بال
انتهاء)»(.)49
(( )49مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ � :2ص .)268
112 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
ثامن ًا :مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء:
اط ُن) :من �أ�سماء الذات الدالة على �صفات اه ُر وال َب ِ َّ
والظ ِ (الأ َّو ُل وال ِآخ ُر
والظهور والبطون) وهي �صفات ذات ،مل يزل -وال اهلل الذاتية (الأ َّولية والآخرية َّ
يزال -اهلل مت�صف ًا بها ،وال َت َعلُّقَ لها بامل�شيئة؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل ،والتو�سل
�إليه ،والثناء عليه ،وتعظيمه ومتجيده بها يف جميع �أغرا�ض الدعاء وحاجات العبد الدينية
والدنيوية؛ ك�س�ؤال اهلل مغفرة الذنوب ،والنجاة من عذاب القرب ،وق�ضاء ال َّدين واال�ستعاذة
�شيء ،و�أنتَ ال ُ
آخر أول فلي�س قبلك ٌ من الفقر ،ومن ذلك قوله .. ( :¤اللهم �أنت ال ُ
الباطن َفلي�س دونك
ُ اهر فلي�س فوقك �شيء ،و�أنت فلي�س بعدَ َك �شيء ،و�أنتَ َّ
الظ ُ
�أن النبي ¤ الدين و�أغْ ِننا من الفقر)( ،)50ومن حديث �أم �سلمة
�ض عنا َّ �شيءْ ،
اق ِ
كان يدعو به�ؤالء الكلمات (:اللهم �أنت الأ َّو ُل فال �شيء قبلك ،و�أنت ال ِآخ ُر فال �شيء
بعدك� ،أعوذ بك من �شر كل دابة نا�صيتها بيدك ،و�أعوذ بك من الإثم ،والك�سل،
وعذاب القرب ،وفتنة الغنى ،وفتنة الفقر ،و�أعوذ بك من امل�أثم واملغرم ،اللهم نقني
من اخلطايا كما نقيت الثوب الأبي�ض من الدن�س ،اللهم باعد بيني وبني خطاياي
كما باعدت بني امل�شرق واملغرب)(.)51
تا�سع ًا :لطائف و�أقوال:
æقال ر�سول اهلل �(:¤إن ال�شيطان ي�أتي �أحدكم فيقول :من خلق ال�سماء؟
فيقول :اهلل .فيقول من خلق الأر�ض؟ فيقول :اهلل .فيقول :من خلق اهلل؟! ف�إذا
وجد ذلك �أحدكم فليقل� :آمنت باهلل و ر�سوله)(.)52
( )50رواه م�سلم برقم (.)2713
(� )51أخرجه احلاكم يف (امل�ستدرك) (جـ� – 1 :ص – 705 :برقم )1922 :وقال :هذا حديث �صحيح الإ�سناد ،و�أخرجه
الطرباين يف (املعجم الكبري) (جـ� – 23 :ص 316 :برقم ،)717 :والأو�سط (جـ� – 6 :ص 213 :برقم ،)6218 :وابن عبد الرب
يف (التمهيد) (جـ� – 24 :ص ،)54-53 :و�أخرجه الهيثمي يف جممع الزوائد (جـ� – 10:ص )176:وقال :رواه الطرباين يف
الأو�سط ،ورجاله رجال ال�صحيح غري حممد بن زنبور ،وعا�صم بن عبيد ،وهما ثقتان.
( )52رواه الطرباين و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)1656
المجموعة الثالثة :األول -اآلخر -الظاهر -الباطن 113
æعن �أبي هريرة ‹ قال :قال يل ر�سول اهلل ( :¤ال يزال ي�س�ألونك يا �أبا
هريرة ،حتى يقولوا :هذا اهلل ،فمن خلق اهلل؟!) قال :فبينا �أنا يف امل�سجد؛ �إذ جاءين
نا�س من الأعراب ،فقالوا :يا �أبا هريرة ،هذا اهلل ،فمن خلق اهلل؟ قال« :ف�أخذ ح�صى
بكفه فرماهم .قال :قوموا ،قوموا� ،صدق خليلي»(.)53
æعن �أبي زميل قال�« :س�ألت ابن عبا�س فقلت :ما �شيء �أجده يف �صدري؟
قال :ما هو؟ قال :قلت :واهلل ال �أتكلم به .قال :فقال يل� :أ�شي ٌء من �شك؟ قلت :بلى!
فقال يل :ما جنا من ذلك �أحد! حتى �أنز َل اهلل} :ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ
ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ
وجدت يف نف�سك �شي ًئاَ ،ف ُق ْل } :ﯴ ﯵ
َ ﯤ{[يون�س ،]94 :قال :فقال يل :ف�إذا
ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ{[احلديد.)54(»]3:
æقال �أبو حف�ص لأبي عثمان الني�سابوري� :إذا جل�ست للنا�س فكن ً
واعظا لقلبك
ونف�سك ،وال يغرنك اجتماعهم عليك ،ف�إنهم يراقبون ظاهرك ،واهلل يراقب
باطنك»(.)55
æقال تعالى عن �أهل اجلنة ونعيمها وخلود �أهلها } :ﭑ ﭒ ﭓ
ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ
ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ {[الن�ساء ،]122:وقال تعالى عن �أهل النار
وعذابهم ودوام �شقائهم } :ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ
{[اجلن ،]23:قد يبدو يف الظاهر �أن بقاء �أهل اجلنة والنار متعار�ض مع �إفراد اهلل بالبقاء
و�أنه الآخر الذي لي�س بعده �شيء! ،لكن هذا التعار�ض يزول �إذا علمنا �أن (البقاء) �صفة ذاتية
هلل مالزمة للذات ،كما �أن الأزلية (الأولية) �صفة ذاتية له �أي�ضا� ،أما بقاء املخلوقات
( )53رواه م�سلم برقم (.)135
( )54رواه �أبو ادود وح�سنه الألباين يف �صحيح �أبي داود برقم (.)5110
(( )55مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ � - 2 :ص.)66 :
114 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
يف اجلنة والنار وخلودهم و�أبدي ِتهم فهو لي�س من طبيعتها وال من خ�صائ�صها الذاتية ،بل
من طبيعتها جميعا الفناء ،ولكن ُكتب لها اخللود ب�إرادة اهلل و�إبقائه ،قال د.الر�ضواين:
«ال بد �أن نفرق يف ق�ضية البقاء والآخرية بني ما يبقى ببقاء اهلل وما يبقي ب�إبقاء
اهلل� ،أو نفرق بني بقاء الذات وال�صفات الإلهية وبقاء املخلوقات التي �أوجدها اهلل
كاجلنة والنار وما فيهما ،فاجلنة مثال باقية ب�إبقاء اهلل ،وما يتجدد فيها من نعيم
متوقف يف وجوده على م�شيئة اهلل� ،أما ذاته و�صفاته فباقية ببقائه ،و�شتان بني ما
يبقي ببقاء اهلل وما يبقي ب�إبقائه ،فاجلنة خملوقة خلقها اهلل وكائنة ب�أمره وهي
رهن م�شيئته وحكمه؛ فم�شيئة اهلل حاكمة على ما يبقى فيها وما ال يبقى ،ومن ثم
ف�إن ال�سلف ال�صالح يعتربون خلد اجلنة و�أهلها �إلى ما ال نهاية �إمنا هو ب�إبقاء اهلل
و�إرادته ،فالبقاء عندهم لي�س من طبيعة املخلوقات وال من خ�صائ�صها الذاتية ،بل
من طبيعتها جميعا الفناء ،فاخللود لي�س لذات املخلوق �أو طبيعته ،و�إمنا هو مبدد
دائم من اهلل تعالى و�إبقاء م�ستمر ال ينقطع»(.)56
الــمــجــمــوعـــــــ4ـــــــــة
حل ْم ُد وال َث َن ُ
اء مو�ضوع الأ�سماء :ا َ
()13 - 12 - 11
يل َّ -
الط ِّي ُب ميد -ا َ
جل ِم ُ حل ُ ا َ
116 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الـمـجـمـوعــ4ـــة
حل ْمدُ وال َث َن ُ
اء مو�ضوع الأ�سماء :ا َ
()13 - 12 - 11
حلميدُ -ا َ
جلم ُ
ِيل َّ -
الط ِّي ُب ا َ
�أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود:
حلميدُ :ورد يف القر�آن الكرمي ( 17مرة) ،منها قوله تعالى }:ﮥ ﮦ ﮧ
æا َ
ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ{ [فاطر ،]15:ومن ال�سنة حديث كعب بن ُعجرة‹
يف الت�شهد ،وفيه قوله ..( :¤قولوا :اللهم ِّ
�صل على حممد وعلى �آل حممد ،كما �صليت
على �إبراهيم وعلى �آل �إبراهيم� ،إنك حميد جميد)(.)1
ِيل :مل يرد ا�سمه �-سبحانه (ا َ
جلمِ يل) يف القر�آن الكرمي ،و�إمنا ورد يف æا َ
جلم ُ
ال�سنة النبوية من حديث عبداهلل بن م�سـعود ‹ :عن النبي ¤قال( :ال يدخل اجلنة
من كان يف قلبه مثقال ذرة من كرب) ..قال رجل� :إن الرجل يحب �أن يكون ثوبه
ٌ
جميل يحب اجلمال ،الكرب بطر احلق ح�س ًنا ،ونعله ح�س ًنا ،فقال �( :¤إن اهلل
وغمط النا�س)(.)2
َّ æ
الط ِّي ُب :مل يرد ا�سمه �-سبحانه ( َّ
الط ِّي ُب) يف القر�آن الكرمي ،و�إمنا ورد يف ال�سنة
طيب وال
النبوية من حديث �أبي هريرة ‹� :أن ر�سول اهلل ¤قال�( :أيها النا�س� ،إن اهلل ٌ
يقبل �إال طي ًبا .)3()..
ثاني ًا :املعنى اللغوي:
æا َ
حلميدُ �« :صيغة مبالغة على وزن فعيل مبعنى ا�سم املفعول وهو املحمود،
( )1متفق عليه :رواه البخاري برقم ( )3370وم�سلم برقم (.)406
( )2رواه م�سلم برقم (.)91
( )3رواه م�سلم برقم (.)1015
المجموعة الرابعة :الحميد -الجميل -الطيب 117
فعله َحمِ َد َيح َم ُد ح ْمداً ،واحلمد نقي�ض الذم ،مبعنى ال�شكر والثناء ..و(احلميد)
فعيل» منحلمي ُد) « ٌ �-سبحانه -هو امل�ستحق للحمد والثناء»( ،)4قال ابن القيم(« :ا َ
ال» �إذا عدل به عن احلمد ،وهو مبعنى حممود ..وهو �أبلغ من املحمود ،ف�إن «فعي ً
«مفعول» دل على �أن تلك ال�صفة قد �صارت مثل ال�سجية الغريزية ،واخللق الالزم ..
ولهذا كان حبيب �أبلغ من حمبوب؛ لأن احلبيب الذي ح�صلت فيه ال�صفات والأفعال
التي ُيحب لأجلها ،فهو حبيب يف نف�سه و�إن ُقدِّر �أن غريه ال يحبه لعدم �شعوره به� ،أو
ملانع منعه من حبه ،و�أما املحبوب فهو الذي تعلق به حب املحب ،ف�صار حمبوباً بحب
الغري له ،و�أما احلبيب فهو حبيب بذاته و�صفاته ،تعلق به حب الغري �أو مل يتعلق ..
حلمي ُد) الذي له من ال�صفات و�أ�سباب احلمد ما يقت�ضي �أن يكون حمموداً و�إن فـ(ا َ
مل يحمده غريه ،فهو حميد يف نف�سه ،واملحمود من تعلق به حمد احلامدين»(.)5
جلمال ،فعله َج ُم َل َيج ُمل َجما ًال ،فهو ِيل�« :صفة م�شبهة للمو�صوف با َ æا َ
جلم ُ
جلمِ ي ُل)
حل ْ�س ُن والبهاء ،وهو نقي�ض القبح»( .)6قال اله َّرا�س(« :ا َ جميل ،واجلمال :ا ُ
هو ا�سم له �-سبحانه -من اجلمال ،وهو احل�سن الكثري»(.)7
يب طِ يباَ æالطَّ ِّي ُب�« :صفة م�شبهة للمو�صوف بالطِ يب ،فعله َ
طاب يطِ ُ
خلبيث ،والط ِّي ُب من كل �شي ٍء الط ِّي ُب خالف ا َ وطِ يبة ،فهو ط ِّيب»( ،)8و« َّ
ف�ض ُله و�أَح�سنُه ..و َب ْل َدة َط ِّيبة �أَي �آمن ٌة كثري ُة
والط ِّيباتُ من الكالم �أَ َ �أَ َ
ف�ض ُلهَّ ،
الط ِّي ُب مبعنى الطاهر»( .)9وقال النووي�« :أ�صل الطيب اخلري ..وقد َي ِر ُد َّ
الزكاة والطهارة وال�سالمة من اخلبث»(.)10
(�( )4أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( .)501:احلميد)
(( )5جالء الأفهام) البن القيم (.)244 - 243
( )6معجم اللغة العربية املعا�صرة للدكتور �أحمد خمتار عمر (مادة :ج م ل).
(�( )7شرح الق�صيدة النونية) للدكتور حممد خليل هرا�س (جـ� - 2:ص.)69 :
( )8معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة :ط ي ب).
(( )9ل�سان العرب) البن منظور (جـ� - 1 :ص 563 :و .)566
(�( )10شرح م�سلم) للنووي (جـ� - 7:ص .)100
118 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
هو اجلمال املطلق ،الذي هو اجلمال على احلقيقة؛ ف�إ َّن جمال هذه املوجودات على
كرثة �ألوانه وتعدد فنونه هو من بع�ض �آثار جماله ،فيكون هو �-سبحانه� -أولى بذلك
الو�صف من كل جميل ،ف�إ َّن واهب اجلمال للموجودات الب َّد �أ َّن يكون بالغاً من هذا
الو�صف �أعلى الغايات ،وهو �-سبحانه (اجلميل) بذاته و�أ�سمائه و�صفاته و�أفعاله»(.)18
الط ِّي ُب« :املنزه عن النقائ�ص ،املقد�س عن الآفات»( ،)19قال ابن القيم« :فهو َّ æ
طيب و�أفعاله طيبة ،و�صفاته �أطيب �شيء ،و�أ�سما�ؤه �أطيب الأ�سماء ،وا�سمه َّ
(الط ِّي ُب)،
وال ي�صدر عنه �إال طيب ،وال ي�صعد �إليه �إال طيب ،وال يقرب منه �إال طيب ،فكله
طيب ،و�إليه ي�صعد الكلم الطيب ،وفعله طيب ،والعمل الطيب يعرج �إليه ،فالطيبات
كلها له ،وم�ضافة �إليه� ،صادرة عنه ،ومنتهية �إليه ...ف�إذا كان هو �-سبحانه َّ
(الط ِّي ُب)
على الإطالق فالكلمات الطيبات ،والأفعال الطيبات ،وال�صفات الطيبات ،والأ�سماء
الطيبات؛ كلها له �-سبحانه ،ال ي�ستحقها �أحد �سواه ،بل ما طاب �شيء قط �إال بطيبته
�-سبحانه ،فطيب ك ِّل ما �سواه من �آثار طيبته»(.)20
الفراء« :اعلم �أنه غري ممتنع و�صفه تعالى باجلمال و�أن ذلك �صف ٌة راجعة �إلى الذات،
حل ْ�سن»(.)28
لأ َّن اجلمال يف معنى ا ُ
َّ æ
الط ِّي ُب :ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه �-سبحانه ( َّ
الط ِّيب) «�صفة (الطِ يبة) وهي
�صفة من �صفات الذات والفعل معاً»( ،)29لقوله �( :¤أيها النا�س� ،إن اهلل ٌ
طيب وال
يقبل �إال طي ًبا.)30( )..
والأ�صحاب واملناكح .يقول ابن القيم�« :إن اهلل �-سبحانه وتعالى -اختار من كل
جن�س من �أجنا�س املخلوقات �أطيبه ،واخت�صه لنف�سه وارت�ضاه دون غريه،
ف�إنه -تعالى -طيب ال يحب �إال الطيب ،وال يقبل من العمل والكالم
وال�صدقة �إال الطيب ،فالطيب من كل �شيء هو خمتاره -تعالى»(.)37
ثامن ًا :مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء:
الط ِّي ُب) من �أ�سماء الذات الدالة على �صفات اهلل الذاتية جلمِي ُل َّ -
حلمي ُد -ا َ (ا َ
حل ْمد -الجْ َ َمال -الطِ يبة) ،التي مل يزل -وال يزال -اهلل مت�صف ًا بها ،وال تعلق لها بامل�شيئة؛
(ا َ
ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل ،والتو�سل �إليه ،والثناء عليه ،وتعظيمه ومتجيده بها؛ يف جميع
�أغرا�ض الدعاء وحاجات العبد ..ومما جاء يف ال�سنة النبوية بخ�صو�ص الثناء على اهلل ،
والدعاء بهذه الأ�سماء وال�صفات قوله (:¤من جل�س يف جمل�س ،فكرث فيه لغطه ،فقال
قبل �أن يقوم من جمل�سه ذلك� :سبحانك اللهم ربنا وبحمدك� ،أ�شهد �أن ال �إله �إال �أنت،
�أ�ستغفرك و �أتوب �إليك� ،إال غفر له ما كان يف جمل�سه ذلك)( ،)38وكان ¤يقول يف ركوعه
و�سجوده�(:سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ،اللهم اغفر يل)( ،)39ودعائه ( :¤اللهم �إين
�أ�س�ألك الطيبات وترك املنكرات ،وحب امل�ساكني ،و�أن تغفر يل وترحمني وتتوب علي،
و�إذا �أردت فتنة يف قوم فتوفني غري مفتون)( ،)40وجاء عنه � ¤أنه كان �إذا �س ّلم من �صالته
قال( :اللهم �إين �أ�س�ألك علما نافعا ورزقا طيبا وعمال متقبال)(.)41
تا�سع ًا :لطائف و�أقوال:
æعن �صهيب الرومي ‹ قال :قال ر�سول اهلل �( :¤إذا دخل �أهل اجلنة اجلنة،
قال :يقول اهلل -تبارك وتعالى :تريدون �شيئ ًا �أزيدكم؟ فيقولون� :أمل تبي�ض وجوهنا؟!,
�أمل تدخلنا اجلنة وتنجنا من النار؟! ,قال :ف ُيك�شف احلجاب! ،فما �أعطوا �شيئا
�أحب �إليهم من النظر �إلى ربهم )(.)42
(( )37زاد املعاد يف هدي خري العباد) البن القيم (جـ� - 1:ص.)65:
( )38رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)6192
( )39رواه البخاري برقم (.)794
( )40رواه الإمام �أحمد و�صححه الألباين يف (تخريج كتاب ال�سنة برقم.)388:
( )41رواه ابن ماجة و�صححه الألباين يف (�صحيح ابن ماجة) برقم (.)753
( )42رواه م�سلم برقم (.)181
المجموعة الرابعة :الحميد -الجميل -الطيب 125
æقالت عائ�شة « :كان لأبي بكر ال�صديق غالم يخرج له اخلراج ,وكان �أبو
بكر ي�أكل من خراجه ,فجاء يوما ب�شيء ف�أكل منه �أبو بكر ،فقال له الغالم :تدري
ما هذا؟ فقال �أبو بكر :ما هو؟ قال :كنت تكهنت لإن�سان يف اجلاهلية -وما �أح�سن
الكهانة �إال �أين خدعته -فلقيني ف�أعطاين بذلك هذا الذي �أكلت منه .ف�أدخل �أبو
بكر يده فقاء كل �شيء يف بطنه»(.)43
æقال تعالى } :ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ {[الزمر ،]75:قال
ابن كثري� :أي نطق الكون �أجمعه؛ ناطقه وبهيمه ،هلل رب العاملني ،باحلمد يف حكمه
وعدله ،ولهذا مل ي�سند القول �إلى قائل ،بل �أطلقه فدل على �أن جميع املخلوقات
�شهدت له باحلمد»( .)44وقال احل�سن الب�صري« :لقد دخل �أهل النا ِر النا َر ،و�إن حمده
لفي قلوبهم ما وجدوا عليه �سبيال»(.)45
æقال تعالى} :ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ
ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ {[النحل ،]97 :قال
ابن القيم« :امل�ؤمن املخل�ص هلل من �أطيب النا�س عي�شاً ،و�أنعمهم با ًال ،و�أ�شرحهم
�صدراً ،و�أ�سرهم قلباً ،وهذه جنة عاجلة قبل اجلنة الآجلة»(.)46
æقال تعالى } :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ
ﭜ{ [الواقعة: ،]79-77قال ابن تيمية« :ف�إذا كان ورقه ال مي�سه �إال املطهرون،
فمعانيه ال يهتدي بها �إال القلوب الطاهرة»(.)47
æقيل للح�سن الب�صري :ما بال املتهجدين بالليل من �أح�سن النا�س وجوها؟ ،فقال:
ف�ألب�سهم من نوره»(.)48 «لأنهم خلوا بالرحمن
( )43رواه البخاري برقم (.)3842
(( )44تف�سري القر�آن الكرمي) البن كثري عند تف�سري الآية ( )75من �سورة (الزمر).
(�( )45شفاء العليل) البن القيم (جـ� – 3:ص ،)1135:الباب الثاين والع�شرين (يف �إثبات حكمة الرب تعالى يف خلقه و�أمره).
(( )46اجلواب الكايف ملن �س�أل عن الدواء ال�شايف) للإمام �أبن القيم (�ص.)235 :
(( )47جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية (املجلد� – 5 :ص.)552 - 551:
(( )48خمت�صر منهاج القا�صدين) البن قدامة املقد�سي (�ص )67:عند حديثه عن (قيام الليل وف�ضله).
126 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
æقال �أبو الفي�ض ذو النون بن �إبراهيم امل�صري« :ما طابت الدنيا �إال بذكره ،وال
طابت الآخرة �إال بعفوه ،وال طابت اجلنان �إال بر�ؤيته»(.)49
æقال الأ�صمعي :قيل لأعرابي�« :إنك متوت ،قال :و�إلى �أين يذهب بي؟ قالوا� :إلى
اهلل تعالى! ،قال :فما �أكره �أن �أذهب �إلى من مل �أر اخلري قط �إال منه»(.)50
ال�صالحِ َ ة فيِ ا ْلقلب؛ الَ ْع َمال َّ
æقال ابن تيمية« :الحْ �سن َوالجْ مال ا َّلذِي يكون عَن ْ أ
ال ْع َمال ا ْل َفا�سِ دَة فيِ ا ْلقلب؛ ي�سري ي�سري �إِ َلى ا ْل َو ْجه ،والقبح وال�شني ا َّلذِي يكون عَن َْ أ
ال�صالحِ َ ة والأعمال ا ْل َفا�سِ دَة، الَ ْع َمال َّ�إلى الوجه َك َما تقدم ،ث َّم �إِن َذلِك يقوى ِب ُق َّوة ْ أ
ال ْثم والعدوان؛ قوى َفكلما كرث ا ْلرب َوال َّتقوى؛ قوى الحْ �سن َوالجْ مالَ ،وكلما قوى ْ إِ
ا ْلق ْبح وال�شنيَ ،ح َّتى ي ْن َ�سخ َذلِك مَا َكا َن لل�صورة من ح�سن وقبح ،فكم ممِ َّ ن مل تكن
ال�صالحِ َ ة مَا عظم ِب ِه جماله وبها�ؤه َح َّتى ظهر َذلِك الَ ْع َمال َّ
�صورته َح َ�س َنة َو َلكِن له من ْ أ
ال ْ�ص َرار على القبائح فيِ �آخر ا ْل ُعمر عِ ْند على �صورتهَ ،و ِل َه َذا ظهر َذلِك ظهورا َبينا عِ ْند ِْ إ
الطاعَة كلما كربوا ا ْزدَا َد ح�سنها وبها�ؤهاَ ،ح َّتى ال�سنة َو َّ
قرب المْ َ ْوت ،فرنى ُو ُجوه �أهل ّ
يكون �أحدهم فيِ كربه �أح�سن و�أجمل مِ ْن ُه فيِ �صغره! ،وجند ُو ُجوه �أهل ا ْل ِب ْدعَة َوالمْ َ ْع ِ�ص َية
كلما كربوا عظم قبحها و�شينهاَ ،ح َّتى لاَ َي ْ�س َتطِ يع ال ّنظر �إِ َل ْيهَا من َكا َن منبهرا بهَا فيِ
َحال ال�صغر جلمال �صورتهَاَ ،و َه َذا َظاهر لكل اُ ْح ُد فِي َمن يعظم بدعته وفجوره»(.)51
æقال الفقيه عبد الرحمن بن �أبي ليلى�« :إين لأ�ساير رج ًال� ،إذ مر بح ّمال معه رمان ،فتناول
منه رمانة � -أي �سرقها -فجعلها يف كمه ،فعجبت من ذلك! ،ثم رجعت �إلى نف�سي وكذبت
ب�صرى ،حتى مر ب�سائل فقري ،ف�أخرجها فناوله �إياها ،فعلمت �أين ر�أيتها ،فقلت له :ر�أيتك قد
فعلت عجبا! ،قال :وما هو؟ قلت :ر�أيتك �أخذت رمانة من حمال و�أعطيتها �سائال؟ فقال� :أما
علمت �أين �أخذتها وكانت �سيئة و�أعطيتها فكانت ع�شر ح�سنات؟! فقال له ابن �أبي ليلى� :أما علمت
�أنك �أخذتها فكانت �سيئة و�أعطيتها فلم تقبل منك؟»( ،)52فاهلل طيب وال يقبل �إال طيبا!.
(( )49حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ� – 9 :ص.)372 :
(( )50الب�صائر والذخائر) لأبي حيان التوحيدي (جـ� – 4 :ص.)242 :
(( )51اال�ستقامة) البن تيمية (جـ� – 1 :ص.)365 - 364 :
(( )52احليوان) للجاحظ (جـ� – 3:ص )17 :و(ربيع الأبرار) للزخم�شري (جـ� – 2:ص.)30 - 29 :
المجموعة الرابعة :الحميد -الجميل -الطيب 127
« æقال عبداهلل بن �أبي نوح :قال يل رجل على بع�ض ال�سواحل :كم عاملته -تبارك
ا�سمه -مبا يكره فعاملك مبا حتب؟ قلت :ما �أُح�صي ذلك كرثة .قال :فهل ق�صدت
يل و�أعانني .قال :فهل �س�ألته �إليه يف �أمر كربك فخذلك؟ قلت :ال ،واهلل ولكنه �أح�سن �إ َّ
�شي ًئا قط فلم يعطكه؟ قلت :وهل منعني �شي ًئا �س�ألته؟ وما �س�ألته �شي ًئا قط �إال �أعطاين ،وال
ا�ستعنت به �إال �أعانني .قال� :أر�أيت لو �أن بع�ض بني �آدم فعل بك بع�ض هذه اخلالل ما
كان جزا�ؤه عندك؟ قلت :ما كنت �أقدر له مكاف�أة وال جزاء .قال :فربك �أحق و�أحرى �أن
ميا وحدي ًثا �إليك ،واهلل ل�شكره �أي�سر
تد�أب نف�سك له يف �أداء �شكره وهو املح�سن قد ً
من مكاف�أة عباده� ،إنه -تبارك وتعالى -ر�ضي من العباد باحلمد �شك ًرا!»(.)53
احلارث احلايف» :ما كان بد ُء � ْأم ِرك ،ل َّأن
ِ æقال حممد بن الدينوري� :سئل « ِب ْ�ش ٌر بنَ
ال ع ّياراً()54 ا�سمك بني النا�س ك�أنه ا�سم نبي؟! ،فقال« :هذا من َف ْ�ضل اهلل ،كنت رج ً
�صاحب َع َ�ص َب ٍة (َ ،)55ف ُج ْز ُت يوماً ،ف�إذا �أنا بقرطا�س يف الطريق ،فرفعته ف�إذا فيهِ :ب ْ�س ِم
َ
يم ،ف َم َ�سحته وجعلته يف جيبي ،وكان عندي درهمان ما كنت �أملك هَّ ِ
الل ال َّر ْح َم ِن ال َّرحِ ِ
العطارين ،فا�شرتيت بهما غالية( )56و َم َ�س ْحته يف القرطا�س، غريهما ،فذ َه ْبتُ �إلى َّ
ال يقول( :يا ب�شر بن احلارث؛ َر َف ْعتَ ْا�س َمنا
َفن ْمتُ تلك الليلـة ،فر�أيتُ يف املنام ك�أن قائ ً
ا�س َمك يف الدنيا والآخرة) ،ثم كان ما كان!»(.)57 ب ْعن الطريق وطـ َّيبته ،لأُ َطـ ِّي نَ َّ
æقال يحي بن معاذ�« :سبحان من ط ّيب الدنيا للعارفني مبعرفته ،و�سبحان من
ط ّيب لهم الآخرة مبغفرته ،فتلذذوا �أيام احلياة بالذكر يف جمال�س معرفته ،وغداً يتلذذون
يف ريا�ض القد�س ب�شراب مغفرته ،فلهم الدنيا زر ُع ِذ ِكر ،ولهم يف الآخرة ربيع ِبر� ،ساروا
على املطايا من �شكره ،حتى و�صلوا �إلى العطايا من ُذخ ِره ،ف�إنه ملك كرمي» (.)58
ف�ضربت �أعنا ُقهم ،و�أقيمت �صال ُة املغرب وقد «�أُتي ّ
احلج ُاج بقوم ممن خرجوا عليه ،ف�أمر بهم ُ æ
(( )53عدة ال�صابرين وذخرية ال�شاكرين) البن القيم (�ص.)137 :
( )54الع َّيار :هو كثري احلركة والتطواف ،واملجيء والذهاب.
(�)55صاحب َع َ�ص َبة� :أي رج ٌل ُ�ص ْلب البدن �شدي ٌد يف اكتناز اللحم.
وع ْنبرَ ٍ ُ
وع ٍود ود ُْه ٍن. ()56الغا ِل َية :نو ٌع من ِّ
الطيب؛ َم َر َّك ٌب من ِم ْ�س ٍك َ
(()57حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) للأ�صفهاين (جـ� - 8:ص.)336:
128 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
بقي من القوم واحد ،فقال لقتيبة بن م�سلم :ان�صرف به معك حتى ت ْغدُو به َّ
علي .قال ُقتيبة :فخرجتُ
والرج ُل معي ،فلما ك َّنا ببع�ض الطريق قال يل :هل لك يف خري؟! قلت :وما ذاك؟! قال� :إين واهلل ما
ِيت مبا ترى ،وعندي ودائع و�أموال، خرجت على امل�سلمني ،وال ا�ستحللت قِتالهم ،ولكن ابتـُل ُ ُ
حق ح َّقه ،و�أُو�صي، فهل لك �أن تـ ُ َخ َّل َي �سبيلي ،وت�أذ َن يل حتى �آت َي �أهلي ،و�أ ُر َّد على كل ذي ٍّ
وت�ضاح ْكتُ لقوله ،و َم َ�ضينا هُ نيه ًة ،ثم �أعا َد
َ علي �أن �أرج َع حتى �أ�ض َع يدي يف يدك؟! فعجبتُ له، ولك َّ
علي �أن �أعو َد �إليك .فما ملكتُ نف�سي حتى قلت له :اذهب! علي القول ،وقال� :إين �أعاهدُك اهلل ،لك ِّ ّ
�صنعت بنف�سي؟! و�أتيتُ �أهلي مهمو ًما مغمو ًما ،ف�س�ألوين ُ خ�صه �أُ�س ِق َط يف يدي ،فقلت :ماذا
فلما توارى َ�ش ُ
أطول ليلة ،فلما كان عند � َأذان الفجر عن �ش�أين ف�أخربتهم ،فقالوا :لقد اجرت� َأت على ّ
احلجاج .فبتنا ب� ِ
جعلت لك عه َد اهلل رجعت؟! قال� :سبحان اهلل! ُ �إذا الباب ُيط َرق ،فخرجتُ ف�إذا �أنا بالرجل ،فقلت� :أَ َ
ا�ستطعت لأنفع َّنك .وانطلقتُ به حتى �أجل�س ُته على ُ علي ،ف�أخو ُنك وال �أرجع! فقلت� :أما واهلل �إن ّ
ريك؟! قلت� :أ�صلح اهلل الأمري ،هو بالباب، باب احلجاج ،ودخلت! فلما ر�آين قال :يا ُقتيبة� ،أين �أ�س ُ
وقد ا َّتفق يل معه ق�ص ٌة عجيبة ،قال :ما هي؟! فحدثتـُه احلديث ،ف�أَذن له فدخل ،ثم قال :يا قتيب ُة،
أحتب �أن �أه َبه لك؟! قلت :نعم .فقال :هو لك ،فان�صرف به معك! .فلما خرجتُ به قلت له :خذ �أيَّ � ُّ
طريقٍ �شئت ،فرفع طرفه �إلى ال�سماء وقال :لك احلم ُد يا رب ،وما ك ّلمني بكلمة ،وال قال يل �أح�سنتَ وال
ريا، �أ�س�أتَ ! فقلت يف نف�سي :هو جمنون واهلل! فلما كان بعد ثالثة �أيام جاءين ،وقال يل :جزاك اهلل خ ً
كرهت �أن �أُ�ش ِرك مع َحمدِ اهلل حم َد �أحد»(.)59 ذهب عني ما �صنعت ،ولكن ُ �أما واهلل ما َ
æقال تعالى} :ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ{[الزمر ،]73:قال الن�سفي� :أي
يب جل َّنة مُ�سَ بَّباً عن ِ
الط ِ ِّرت من َخب َِث اخلطايا ..وجعل دخو َل ا َ « ِط ْب ُت ْم من َد َن�س املعا�صيُ ،
وطه مُ
وط َّيبَها من ك ِّل ني ،ومثوى الطاهرين ،قد طهَّرها اهلل من ك ِّل َد َن ٍ�سَ ، والطها َر ِة ،لأنها دا ُر َ
الط ِّي ِب َ َ
يدخ ُلها �إال منا�سب لها ،مو�صوف ب�صفتها»( ،)60وقال ابن القيم« :ح ّرم اهلل �سبحانه قذ ٍر ،فال ُ
وطهره ف�إنها دار َ
الط ِّي ِبني»(،)61 وخبَث ،وال يدخلها �إال بعد ِطيبه ُ اجلنة على من يف قلبه جنا�سة َ
ويقول يف مو�ضع �آخر�« :إن اجلنة َط َّيبَة ،ال يدخلها �إال َط َّيب ،ولهذا تقول املالئكة لأهلها:
}ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ{[الزمر ،]73:فلي�س يف اجلنة ذرة َخبث ،وعلى
(( )58حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) للأ�صفهاين (جـ� - 10:ص.)58 - 57:
(( )59غرر اخل�صائ�ص الوا�ضحة) لأبي �إ�سحاق جمال الدين حممد بن �إبراهيم بن يحيى الكتبي املعروف بالوطواط (جـ� 1:ص.)16:
( )60تف�سري الن�سفي (مدارك التنزيل) عند تف�سري الآية ( )73من �سورة (الزمر).
(�( )61إغاثة اللهفان من م�صايد ال�شيطان ) البن القيم (جـ� - 1:ص.)56:
المجموعة الرابعة :الحميد -الجميل -الطيب 129
امل�ؤمن مطالعة َخبَث جنايته ،والوقوف على اخلطر فيها ،والت�شمري لتداركها ،والتخل�ص من
ِر ِّقها ،وطلب النجاة بتمحي�صها ،كتمحي�ص الذهب والف�ضة وهو تخلي�صهما من َخ َب ِثهما»(،)62
ولقد �أ�شار الكتاب وال�سنة �إلى �أن متحي�ص امل�ؤمن وتطهريه من َد َن ِ�س ذنوبه ومعا�صيهَ ،وخ َب ِث �سيئاته
َوخطاياه مير ب�أربع مراحل متتالية� ،إن مل ِتف مرحلة بالتمحي�ص ُك ِّله انتقل للتي بعدها حتى ي�صل
طيبا طاهر ًا ً
نقيا �إلى املرحلة الأخرية والتي ال بد �أن يُه َّذب خاللها ويتطهر من كل َخ َب ِثه ليخرج منها ً
الط ِّي ِبني ،ومثوى الطاهرين ،يف جنة رب العاملني والتي ال يدخلها �إال طيب: ً
�صاحلا لدخول دار َ
املرحلة الأولى :دار الدنيا ،ويكون التمحي�ص فيها بخم�سة �أمور:
)1التوبة الن�صوح :وهي رجوع العبد �إلى اهلل تعالى بالإقالع عن الذنب ،والندم على ما
احلق �إنْ كان الذنب متعلق ًا
فات ،والعزم على �أال يعاوده يف امل�ستقبل ،مع التحلل من �صاحب ِّ
بحق �آدمي ،قال تعالى } :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ
ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ{[التحدمي،]8:
)2اال�ستغفار ال�صادق امل�صحوب مبفارقة الذنب ،والندم عليه ،قال تعالى} :ﭭ
ﭮ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭷﭸﭹ
ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ{[عمران.]135:
)3عمل احل�سنات املاحية قال تعالى } :ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ{[هود،]114:
متحها .)63().. َ
احل�سنة ُ َ
ال�سيئة وقال ¤ ..( :و�أتبع
امل�سلم �إال َك َّف َر اهلل بها عنه ،ح َّتى
َ �صيبة ُت�صيب
)4امل�صائب املكفرة ،لقوله ( :¤ما من ُم ٍ
وكة ُي�شا ُكها)( ،)64وهذه امل�صائب م�صاحبة للم�سلم يف حياته وحتى �سكرات موته. َّ
ال�ش ِ
)5دعاء امل�سلم لأخيه امل�سلم يف ظهر الغيب ،ودعاء املالئكة وا�ستغفارهم للم�ؤمنني.
ف�إن محُ ِّ َ�ص و َت َطهَّر كان من َ
الط ِّي ِبني الذين تتوفاهم املالئكة وهم يب�شرونه باجلنة ،و�إن مل
تف هذه الأمور بتمحي�صه وتخلي�صه ،فلم تكن التوبة �شاملة وتامة� ،أو مل يكن اال�ستغفار ِ
�صادقاً وم�صحوبا مبفارقة الذنب� ،أو مل تكن احل�سنات يف كميتها وكيفيتها وافية بالتكفري،
وال امل�صائب كذلك� ،إما ل ِع َظم اجلناية� ،أو ل�ضعف املُمَحَّ �ص انتقل للمرحلة الثانية.
(( )62مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ� - 1:ص )143 - 141:بت�صرف.
( )63رواه الرتمذي والإمام �أحمد وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)97
( )64رواه البخاري برقم ( )5640واللفظ له ،ورواه م�سلم برقم (.)2572
130 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الــمــجــمــوعـــــــ5ـــــــــة
مو�ضوع الأ�سماء :ال َتن ِْـز ْيهُ
()17 - 16 - 15 - 14
ال�سال ُم -املُ َت َكبرِّ ُ وح -ال ُق ُّد ُ
و�س َّ - ال�س ُّب ُ
ُ
132 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الـمجـمـوعـ5ـة
مو�ضوع الأ�سماء :ال َتن ِْـزيهُ
()17 - 16 - 15 - 14
الم -املُ َت َك رِّ ُ
ب ال�س ُ بوح -ال ُق ُّد ُ
و�س َّ - ال�س ُ ُّ
�أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود:
وح :مل يرد هذا اال�سم الكرمي يف القر�آن العظيم ،و�إمنا ورد يف ال�سنة النبوية،
ال�س ُّب ُ
ُ æ
وح ُق ُّد ُ
و�س � :أن ر�سول اهلل ،¤كان يقول يف ركوعه و�سجوده�ُ ( :س ُّب ٌ من حديث عائ�شة
رب املالئكة والروح)(.)1
و�س :ورد يف القر�آن الكرمي مرتني ،منها قوله تعالى } :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ال ُق ُّد ُ æ
æال ُق ُّد ُ
و�س�« :صيغة مبالغة ،فعله قدُ�س َيقدُ�س ُقدْ�ساً ،فهو ق ِِدّي�س و ُقدُّ و�س،
و�س) :املُق َدّ�س ،الطاهر ،املنزه عن النقائ�ص»( ،)8وقال ابن قتيبةُ (« :ق ُّد ٌ
و�س) و(ال ُق ُّد ُ
مبني على ( ُف ُّعول) ،من (القد�س) ،وهو الطهارة»(.)9 ٌّ
ال�سال ُم« :م�صدر َ�س ِل َم َي�سلَ ُم �سالماً و�سالمة ،اُ�س ُتعمِ ل ا�سماً للمو�صوف
َّ æ
بال�سالمة ،وال�سالمة الأمن والرباءة من كل �آفة ظاهرة وباطنة»( .)10قال ابن
القيم« :حقيقة هذه اللفظة ..الرباءة واخلال�ص والنجاة من ال�شر والعيوب ،وعلى
هذا املعنى تدور ت�صاريفها»(.)11
æاملُ َت َكبرِّ ُ « :الذي تكرب عن كل نق�ص ،وتعظم عما ال يليق به»( ،)24قال قتادة:
«(امل ُ َت َكبرِّ ُ ) :الذي تكرب عن ك ّل �شر»( ،)25وقال ال�شيخ ال�سعدي(« :امل ُ َت َكبرِّ ُ ) عن ال�سوء،
والنق�ص ،والعيوب ،لعظمته وكربيائه»( ،)26وقال اخلطابي(« :امل ُ َت َكبرِّ ُ ) املتعايل عن
�صفات اخللق ،ويقال :الذي يتكرب على عتاة خلقه �إذا نازعوه العظمة فيق�صمهم»(.)27
رابع ًا :الفروق بني الأ�سماء:
وح -ال ُق ُّد ُ
و�س :يرجع الت�سبيح والتقدي�س �إلى معنى واحد ،وهو تبعيد اهلل ال�س ُّب ُ
ُ æ
� -سبحانه وتعالى -عن ال�سوء على وجه التعظيم .والتبعيد معناه :التنزيه ،وف َّرق بع�ضهم
و�س)
ال�س ُّبوح) ت�صريح بالتنزيه هلل ،وذلك يت�ضمن التعظيم ،ببنما (ال ُقدُّ ُبينهما ب�أن ( ُ
ت�صريح بالعظمة ،وذلك يت�ضمن التنزيه ،قال احلليمي« :التقدي�س ُم َ�ض َّم ٌن يف �صريح
الت�سبيح ،والت�سبيح ُم َ�ض َّم ٌن يف �صريح التقدي�س؛ لأن نفي املذا ِّم �إثبات للمدائح ..
�إال �أن قولنا (هو كذا) ظاهره التقدي�س ،وقولنا (لي�س بكذا) ظاهره الت�سبيح.. ،
وقد جمع اهلل -تبارك وتعالى -بينهما يف �سورة الإخال�ص ،ف َقا َل تعالى }:ﭑ ﭒ
ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ{ فهذا تقدي�س ،ثم قال } :ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ
ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ{ فهذا ت�سبيح»( ،)28وقال �إ�سماعيل حقي« :قال
يف التي�سري :الت�سبيح نفي ما ال يليق به ،والتقدي�س �إثبات ما يليق به»( ،)29وعلى
هذا فالت�سبيح تنزيه اهلل – تعالى -عن كل ما ال يليق به يف ذاته و�صفاته و�أفعاله ،و�إثبات
املحا�سن والكمال املقابل ،يقول ابن تيمية« :والأمر بت�سبيحه يقت�ضي تنزيهَه عن كل عيب
إثبات �صفاتِ الكمال له ،ف�إ َّن ال َت�سب ِي َح يقت�ضي التنزيه والتعظي َم»(� .)30أما
و�سوءٍ ،و� َ
( )24تف�سري (فتح القدير) لل�شوكاين عند تف�سري الآية ( )23من �سورة احل�شر.
(( )25تف�سري الطربي) عند تف�سري الآية ( )23من �سورة احل�شر .
( )26تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص .)17 :
(�( )27ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص.)48 :
(( )28الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ� - ١ :ص.)108 - 107:
( )29تف�سري (روح البيان) لإ�سماعيل حقي عند تف�سري( :الآية - 30 :البقرة).
( )30فتاوى ابن تيمية (جـ � – 16ص.)126 – 125 :
136 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
التقدي�س :فهو تطهري اهلل � -سبحانه -ب�إثبات الكمال له يف كل و�صف اخت�ص به ،مع التنزيه
و�س ،ال�سالم) :املعظم املنزه عن البليغ عما يوجب نق�صان ًا ،يقول ال�شيخ ال�سعدي(« :ال ُقدُّ ُ
�صفات النق�ص كلها»( .)31وقيل� :إن الت�سبيح باعتبار االعتقادات يف تنزيه اهلل -تعالى -عن
كل ما ال يليق به �-سبحانه ،والتقدي�س باعتبار الطاعات البدنية يف تنزيه اهلل ب�أفعال العباد
بتزكيتها و�إخال�صها هلل وحده ،كما قال �-سبحانه -عن مالئكته } :ﭣ ﭤ ﭥ
ﭦ ﭧ{ [البقرة ،]30:قال اخلليلي�« :إن الت�سبيح باعتبار االعتقادات ،والتقدي�س
باعتبار الطاعات البدنية ..والتقدي�س مبعنى التطهري ،ومرادهم به تطهريهم
لأنف�سهم من معا�صي اهلل لأجله -تعالى»(.)32
و�س) املنزه ،الذي برئ من كل عيب ونق�ص الم :قيل� :إن (ال ُقدُّ َ
ال�س ُ æال ُق ُّد ُ
و�س َّ -
ال�سالم) الذي ال يلحقه نق�ص يف امل�ستقبل .قال الرازي« :كونه يف املا�ضي واحلا�ضر ،و( َّ
قدو�ساً� ،إ�شارة �إلى براءته عن جميع العيوب يف املا�ضي واحلا�ضر ،وكونه �سليماً،
�إ�شارة �إلى �أنه ال يطر�أ عليه �شيء من العيوب يف الزمان امل�ستقبل ،ف�إن الذي يطر�أ
عليه �شيء من العيوب ف�إنه تزول �سالمته وال يبقى �سليماً»( .)33وقيل �إن ( َّ
ال�سالم)
املنزه عن الظلم واجلور ،وهو �أخ�ص من (ال ُقدُّ و�س) .قال ابن عا�شور عند تف�سري قول
اهلل تعالى } :ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ{ [احل�شر:]23:
«بعد �أن ُع ِّق َب بـ } ﯖ{ للداللة على نزاهة ذاتهُ ،ع ِّق َب بـ } ﯗ{ للداللة
على العدل يف معاملته اخللق ..ونزاه ُة ت�صرفاته الظاهر ِة عن اجلور والظلم»(،)34
ف�أفعال اهلل – �سبحانه – �ساملة ومنزهة عن ال�شر ،وهو م�صداق لقوله ..(:¤واخلري كله
يف يديك ،وال�شر لي�س �إليك)( ،)35يقول ابن القيم ..« :ف�إن ال�شر ال يدخل يف �شيء من
�صفاته ،وال يف �أفعاله ،كما ال يلحق ذاته -تبارك وتعالى ،ف�إن ذاته لها الكمال املطلق
الذي ال نق�ص فيه بوجه من الوجوه ،و�أو�صافه كذلك لها الكمال املطلق ،واجلالل
( )31تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص .)17 :
(( )32جواهر التف�سري) للخليلي [البقرة. 30:
( )33تف�سري مفاتيح الغيب للرازي عند تف�سري الآية ( )23من �سورة احل�شر .
( )34تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور (احل�شر -الآية (.)23
( )35رواه م�سلم برقم (.)771
المتَ َك ِّب ُر
الم ُ -
الس ُ
وس َّ - ُّوح ُ -
القدُّ ُ السب ُ
المجموعة الخامسة ُ : 137
التام ،وال عيب فيها وال نق�ص بوجه ما ،وكذلك �أفعاله كلها خريات حم�ضة ال �شر
ال ،)36(»..وقال يف مو�ضع �آخر ..« :وكذلك عذابه وانتقامه و�شدة بط�شه فيها �أ�ص ً
و�سرعة عقابه؛ �سالم من �أن يكون ظلماً �أو ت�شفياً �أو غلظ ًة �أو ق�سو ًة بل هو حم�ض
حكمته وعدله وو�ضعه الأ�شياء موا�ضعها ،وهو مما ي�ستحق عليه احلمد والثناء
كما ي�ستحقه على �إح�سانه وثوابه ونعمه ،بل لو و�ضع الثواب مو�ضع العقوبة لكان
مناق�ضا حلكمته ولعزته ،فو�ضعه العقوبة مو�ضعها هو من عدله وحكمته وعزته،
فهو �سالم مما يتوهم �أعدا�ؤه واجلاهلون به من خالف حكمته ،وق�ضا�ؤه وقدره
�سالم من العبث واجلور والظلم.)37(»..
ال�سالم) على معنيني« :الأول :ال�سالمة ال�سال ُم – املُ َت َكبرِّ ُ :تدور معاين ( َّ
َّ æ
والرباءة من كل عيب ونق�ص يف ذاته �-سبحانه� -أو �أفعاله �أو �أ�سمائه و�صفاته .والثاين:
�أنه �-سبحانه -م�صدر ال�سالم والأمن»( ،)38و�أما (امل ُ َت َكبرِّ ُ ) ففيه وجهان؛ �أحدهما :الذي
العظيم املتعايل القاه ُر لعتاة خلقه .فباعتبارُ تكرب عن كل �سوء ونق�ص و�شر وظلم ،والثاين:
ال�سالم) �إلى الأمن
املعنى الثاين يف كال اال�سمني؛ فالفرق َبينِّ ٌ وا�ضح ،حيث يتوجه معنى ( َّ
واالطمئنان وال�سالمة للخلق ،و(امل ُ َت َكب) �إلى القاهر القا�صم لعتاة خلقه .وباعتبار
املعنى الأول :ف�إن الفرق يتوجه �إلى �أن (امل ُ َت َكب) �أخ�ص يف معناه من ( َّ
ال�سالم) ،ويتوجه
�إلى تنزيه اهلل �-سبحانه وتعالى -من �أن يكون عذابه – �سبحانه -وانتقامه و�شدة بط�شه،
و�سرعة عقابه؛ ظل ًما �أو ت�شف ًيا �أو غلظة �أو ق�سوة ،بل هو حم�ض حكمته وعدله وو�ضعه الأ�شياء
ال�سال ُم) فهو �أعم ،ويت�ضمن تنزيه يف موا�ضعها ،وهو مما ي�ستحق عليه احلمد والثناء ،و �أما ( َّ
اهلل عن كل �سوء يف ذاته و�صفاته و�أفعاله ،يقول ابن عا�شور« :فكانت هذه ال�صفات } المْ ُ َه ْيمِ ُن
ا ْل َعزِي ُز الجْ َ َّبا ُر المْ ُ َت َكب{ يف جانب التخويف كما كانت ال�صفات قبلها } :املَل ُِك ال ُقدُّ ُ
و�س
ال�سال ُم المْ ُ�ؤْمِ ُن{ يف جانب الإِطم ـ ــاع»( ،)39و يق ـ ــول ابن القيم عن ا�سم اهلل ( َّ
ال�سالم): َّ
(( )36الفوائد) البن القيم (ج� - 2 :ص.)210 :
(( )37بدائع الفوائد) البن القيم(جـ� - 2 :ص.)136 - 135:
(( )38وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص .)206:
( )39تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور (احل�شر -الآية (.))23
138 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
« ..هذا هو حقيقة التنزيه الذي نزه اهلل به نف�سه ،ونزهه به ر�سوله ،¤فهو ال�سالم
من ال�صاحبة والولد ،وال�سالم من الكفء والنظري ..و�إذا �أنت نظرت �إلى �أفراد �صفات
كماله وجدت كل �صفة �سال ًما مما ي�ضاد كما َلها؛ فحياته �سالم من املوت ،ومن ال�سِ َن ِة
والنوم ،وكذلك قيوميته وقدرته �سالم من التعب واللغوب ،وعلمه �سالم من عزوب
�شيء عنه� ،أو عرو�ض ن�سيان �أو حاجة �إلى تذكر وتفكر ،و�إرادته �سالم من خروجها
عن احلكمة وامل�صلحة ،وكلماته �سالم من الكذب والظلم ..وغناه �سالم من احلاجة
�إلى غريه بوجه ..وملكه �سالم من منازع فيه� ،أو م�شارك� ،أو معاون� ،أو �شافع عنده
بدون �إذنه ..و�إلهيته �سالم من م�شارك له فيها ..وحلمه وعفوه و�صفحه ومغفرته
وجتاوزه �سالم من �أن تكون عن حاجة منه �أو ذل ..كذلك عذاب اهلل وانتقامه و�شدة
بط�شه ،و�سرعة عقابه �سالم من �أن يكون ظل ًما �أو ت�شف ًيا �أو غلظة �أو ق�سوة ..وق�ضا�ؤه
وقدره �سالم من العبث واجلور والظلم ،و�شرعه ودينه �سالم من التناق�ض واالختالف
واال�ضطراب ..وعطا�ؤه �سالم من كونه معاو�ضة �أو حلاجة �إلى املعطى ،ومنعه �سالم
حمتاجا
ً من البخل وخوف الإمالق ..وا�ستوا�ؤه وعلوه على عر�شه �سالم من �أن يكون
�إلى ما يحمله �أو ي�ستوي عليه ،بل العر�ش حمتاج �إليه ،وحملته حمتاجون �إليه،
فهو الغني عن العر�ش ،وعن حملته ،وعن كل ما �سواه ..فت�أمل كيف ت�ضمن ا�سمه
ال�سال ُم) كل ما ُن ِّزه عنه -تبارك وتعالى .وكم ممن حفظ هذا اال�سم ال يدري ما ( َّ
ت�ضمنه من هذه الأ�سرار واملعاين؟!»(.)40
خام�س ًا :ال�صفة امل�شتقة:
وح) ،وهذا ثابت بال�سنة
(ال�س ُّب ُ وح« :يو�صف اهلل َ -ع َّز َ
وج َّل -ب�أنه ُ ال�س ُّب ُ
ُ æ
ال�صحيحة»( ،)41ومن ال�سنة ما روته عائ�شة � :أن ر�سول اهلل ،¤كان يقول يف ركوعه
وح ُق ُّد ٌ
و�س رب املالئكة والروح)(.)42 و�سجوده�ُ ( :س ُّب ٌ
(( )40بدائع الفوائد) البن القيم (جـ� - 2 :ص )137 – 135:بت�صرف ي�سري.
(�( )41صفات اهلل ) -لل�سقاف (�ص.)139 :
( )42رواه م�سلم ( .)487
المتَ َك ِّب ُر
الم ُ -
الس ُ
وس َّ - ُّوح ُ -
القدُّ ُ السب ُ
المجموعة الخامسة ُ : 139
التفرغ لذكر اهلل يف وقتها ،وترك اللهو والتجارة ،وابتغاء ما عند اهلل ،وهو خري من
اللهو ومن التجارة .ومن ثم تذكر } :ﯕ{ ..الذي ميلك كل �شيء مبنا�سبة
التجارة التي ي�سارعون �إليها ابتغاء الك�سب ،وتذكر } ﯖ{ الذي يتقد�س
ويتنزه ويتوجه �إليه بالتقدي�س والتنزيه كل ما يف ال�سماوات والأر�ض ،مبنا�سبة اللهو
الذي ين�صرفون �إليه عن ذكره ،وتذكر} ﮎ{ ..مبنا�سبة املباهلة التي يدعى
�إليها اليهود واملوت الذي ال بد �أن يالقي النا�س جميعاً والرجعة �إليه واحل�ساب،
وتذكر } ﭜ{ ..مبنا�سبة اختياره الأميني ليبعث فيهم ر�سو ًال يتلو عليهم �آياته
ويزكيهم ويعلمهم الكتاب واحلكمة ..وكلها منا�سبات لطيفة املدخل واالت�صال»(.)55
وميكن �أن يقال� :إن } ﭙ{ هو احلاكم ب�أمره ونهيه ،وتقرر �أن كمال امللك واحلكم،
يكمن يف ثالثة �أمور :الأول :نزاهة وطهارة احلاكم يف ذاته و�صفاته و�أفعاله ،و�أنه لي�س كامللوك
املعروفني بالنقائ�ص والعيوب ،واملت�صفني عادة بالهوى واجلهل والظلم .وثاني ًا :قدرة احلاكم
وقوته يف نفاذ �أمره ونهيه ،و�أنه ال راد لق�ضائه ،وال معقب حلكمه .وثالث ًاِ :حكمة احلاكم،
و�سالمة �أمره ونهيه وت�صرفاته من ال�شر والعبث ،و�أنه ال يفعل �إال ال�صواب؛ ف�أفعاله �سديدة،
وحكمه مت َقن ،وي�ضع الأ�شياء يف موا�ضعها الالئقة بها؛ ولذا ورد ذكر الأ�سماء} ﭚ ﭛ
ﭜ{ بعد ا�سم } ﭙ{ لطم�أنة العباد بعناية ربهم بهم ،وهدايته � -سبحانه -ملا فيه
�صالحهم يف الدنيا والآخرة ،ف�أفيد �-أو ًال -نزاهة ذاته و�صفاته و�أفعاله و�أوامره ونواهيه
و�س{ ،ثم نزاهة قدرته وقوته يف نفاذ حكمه و�أوامره ونواهيه ،و�أنه ال بو�صف } ال ُقدُّ ِ
غالب له �-سبحانه -بو�صف } ﭛ{ ،و�أخري ًا نزاهة حكمه و�أوامره من اجلور وال�شر
والعبث ،و�أنه مطلع على مبادئ الأمور وعواقبها ،الذي ي�ضع الأ�شياء موا�ضعها ،فال
يتوجه �إليه �س�ؤال ،وال يقدح يف حكمته مقال بو�صف } ﭜ{ واهلل �أعلم.
æالمْ ُ�ؤْمِنُ :ورد االقرتان مع ا�سمه �-سبحانه ( َّ
ال�سالم) مرة واحدة ،يف قوله تعالى}:ﮭ ﮮ
ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ {[احل�شر ،]23:وال�سر يف ذلك -واهلل
( )55تف�سري (يف ظالل القر�آن) ل�سيد قطب (اجلمعة -الآية (( ))1جـ� - 6 :ص.)3564 :
142 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
�أعلم -كما يقول ابن عا�شور« :وذكر و�صف } ﯘ { عقب الأو�صاف التي قبله� ،إمتام
لالحرتا�س من توهّم و�صفه -تعالى -بـ } ﯕ{ �أنه كامللوك املعروفني بالنقائ�ص ،ف�أفيد
�-أو ًال -نزاهة ذاته بو�صف } ﯖ{ ،ونزاهة ت�صرفاته املغ َّيبة عن الغدر وال َكيد بو�صف
} ﯘ{ ،ونزاه ُة ت�صرفاته الظاهر ِة عن اجلور والظلم بو�صف } ﯗ{»(.)56
�سابع ًا :الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء:
æالأثر العلمي االعتقادي:
رب) يف ذاته و�أ�سمائه و�صفاته و�أفعاله، اهلل -تعالى �ُ ( -س ُّبو ٌح ُقدُّ ٌ
و�س �سال ٌم متك ٌ
ف�أ�سما�ؤه كلها ُح�سنى ال عيب فيها ،و�صفاته كلها عليا ال نق�ص فيها ،و�أفعاله كلها حكمة وعزة
ال خلل فيها وال �شر ،وهو �-سبحانه -منزه عن كل النقائ�ص والعيوب ،مرب�أ عن كل الآفات
واخللل ،متكرب عن كل �شر و�سوء ..وله الكمال املطلق يف �ألوهيته وربوبيته و�أ�سمائه و�صفاته
و�أفعاله كما قال �سبحانه } :ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ{[ال�شورى.]11:
æالأثر العملي:
1.1حمبة اهلل � -سبحانه -وتعظيمه و�إجالله؛ لأنه �-سبحانه -املت�صف ب�صفات
الكمال واجلالل ،واملنزه عن النقائ�ص والعيوب؛ ومن كان هذا و�صفه ف�إن
النفو�س جمبولة على حبه وتعظيمه ،وهذه املحبة تورث حالوة يف القلب ،ونو ًرا
يف ال�صدر ،وهذا هو النعيم الدنيوي احلقيقي.
لنف�سه �أو �أثبته له ر�سوله ¤من الأ�سماء احل�سنى �2.2إثبات ما �أثبته اهلل
وال�صفات العلى ،من غري حتريف وال تعطيل ،وال تكييف وال متثيل ،كما
قال اهلل �-سبحانه -عن نف�سه } :ﭡ ﭢﭣﭤ ﭥﭦ
ﭧ{[ال�شورى.]11:
3.3تنزيه اهلل – تعالى -يف �أقواله و�أفعاله و�أ�سمائه و�صفاته عن كل نق�ص وعيب،
ويت�ضمن ذلك تنزيهه � -سبحانه -عن ال�شريك وال�صاحبة والولد ،وتقدي�سه
وتعظيمه ،فهو اهلل الواحد الأحد ال�صمد الذي مل يلد ،ومل يولد ،ومل يكن له كف ًوا
( )56تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور (احل�شر -الآية (.))23
المتَ َك ِّب ُر
الم ُ -
الس ُ
وس َّ - ُّوح ُ -
القدُّ ُ السب ُ
المجموعة الخامسة ُ : 143
�أحد ..وتنزيه حكمه و�شرعه عن النق�ص والعيب واجلور وعدم منا�سبته للواقع؛
و�أن امل�صلحة يف غريه من القوانني الو�ضعية ،وتعظيم اهلل وتقدي�سه من خالل
التحاكم �إلى �شرعه ،واحلكم به ،والت�سليم له .
4.4كرثة ذكره �-سبحانه -وت�سبيحه وحتميده �آناء الليل ،و�أطراف النهار ،وال�شعور
بالأن�س وال َروح باالن�ضمام �إلى بقية العوامل يف هذا الكون العظيم التي ت�سبح
وت�سجد له ،كما قال �سبحانه } :ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ اهلل
ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ
ﮨ{[الإ�سراء.]44:
،والثقة بوعده ال�صادق ،و�أن اهلل – �سبحانه – عند ظن 5.5ح�سن الظن باهلل
عبده كما قال ( :¤قال اهلل -تعالى� :أنا عند ظن عبدي بي� ،إن ظن خريا
فله ،و�إن ظن �شرا فله)( ،)57والبعد عن ظن ال�سوء برب العاملني؛ لأن ظن ال�سوء
باهلل -تعالى -يقدح يف تنزيهه �-سبحانه ،كما قال تعالى } :ﮗ ﮘ
ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ
ﮣﮤ{[الفتح ،]6:فمن ظنَّ ب�أن اهلل � -سبحانه -ال ين�ص ُر ر�سو َله ودينه ،وال
ظن �أن اهلل -يتم �أمره ،وال ي�ؤيده ،وي�ؤيد حزبه؛ فقد ظن باهلل ظن ال�سوء ،ومن َّ
معطل َني عن الأمر والنهي ،وال ُير�سل �إليهم ر�سله، �سبحانه -ي ُرتك خلقه ُ�سدىَّ ،
ينزل عليهم كتبه ،بل يرتكهم هَ َم ًال كالأنعام ،فقد َظ َّن باهلل ظن ال�سوء ،ومن وال ِّ
ظن �أن اهلل لن يجمع عبيده بعد موتهم للثواب والعقاب يف دار يجازي املح�سنَ فيها
َ
و�صدق ر�سله ،و�أن �أعداءه ب�إح�سانه ،وامل�سي َء ب�إ�ساءته ويظه ُر للعاملني ك ِّلهم �صد َقه
ظن به ظن ال�سوءِ ،ومن ظن باهلل �أن يكون يف ملكه ما ال كانوا هم الكاذبني ،فقد َّ
ظن باهلل �أنه ال
ظن به ظن ال�سوء ،ومن َّ ي�شاء وال َي ْق ِد ُر على �إيجاده وتكوينه ،فقد َّ
أر�ض ،وال النجوم ،وال
ال�سماوات وال ِ
ِ ب�ص ُر ،وال يعلم املوجودات ،وال َعدد َي�سمع وال ُي ِ
آدم وحركاتهم و�أفعالهم ،وال يعلم �شي ًئا من املوجودات يف الأعيان ،فقد ظن به بني � َ
( )57رواه الإمام �أحمد و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)4315
144 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
ظن باهلل خالف ما و�صف به نف�سه وو�صفه به ر�سوله ظن ال�سوء ،وباجلملة ،فمن َّ
� ،¤أو عطل حقائق ما و�صف به نف�سه ،وو�صفته به ُر�سله ،فقد ظن به ظن ال�سوء.
6.6االعتقاد واليقني ب�أن من �أراد الأمن وال�سالم �سواء يف نف�سه� ،أو يف بيته� ،أو يف
والأن�س به ،وااللتزام ب�أحكامه جمتمعه ف�إنه ال يكون �إال يف الإميان باهلل
و�شريعته التي كلها �أمن و�سالم على الفرد والأ�سرة واملجتمع.
7.7التوا�ضع هلل -تعالى -بتوحيده وعبادته ،واالنقياد للحق الذي جاء يف كتابه �-سبحانه-
وعلى ل�سان ر�سوله ،¤والتوا�ضع لعباد اهلل وعدم التكرب عليهم ،والبعد عن ظلمهم
وه�ضم حقوقهم ،كما قال ( :¤الكرب بطر احلق وغمط النا�س)( ،)58والبن القيم
كالم نفي�س يف التوا�ضع للحق و�أ�صناف النا�س الأربعة يف تكربهم عليه ومعار�ضتهم
له ،فقال� ..« :أن ال يعار�ض �شي ًئا مما جاء به الر�سول ¤ب�شيء من املعار�ضات
الأربعة ال�سارية يف العامل ،امل�سماة باملعقول ،والقيا�س ،والذوق ،وال�سيا�سة:
الأول :للمنحرفني � -أهل الكرب من املتكلمني -الذين عار�ضوا ن�صو�ص
الوحي مبعقوالتهم الفا�سدة ،وقالوا� :إذا تعار�ض العقل والنقل قدمنا العقل
وعزلنا النقل؛ �إما َع ْزل تفوي�ض ،و�إما َع ْزل ت�أويل.
الثاين :للمتكربين -من املنت�سبني �إلى الفقه -قالوا� :إذا عار�ض القيا�س
والر�أي الن�صو�ص ،قدمنا القيا�س على الن�ص ،ومل نلتفت �إليه.
الثالث :للمتكربين املنحرفني -من املنت�سبني �إلى الت�صوف والزهد -ف�إذا
تعار�ض عندهم الذوق والأمر ،ق َدّموا الذوق واحلال ومل يعب�ؤوا بالأمر.
الرابع :للمتكربين املنحرفني من الوالة والأمراء اجلائرين �إذا تعار�ضت عندهم
ال�شريعة وال�سيا�سة ،قدموا ال�سيا�سة ومل يلتفتوا �إلى حكم ال�شريعة»(.)59
يف الدنيا �أو يف الآخرة،8.8اليقني ب�أنه ما من متكرب وطاغية �إال و�سيق�صمه اهلل
قال النبي ( :¤يح�شر املتكربون يوم القيامة �أمثال الذر يف �صور الرجال،
يغ�شاهم الذل من كل مكان ،ي�ساقون �إلى �سجن يف جهنم ي�سمى ُبو ُل�س،
( )58رواه م�سلم برقم (.)91
(( )59مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ � :2ص.)347 :
المتَ َك ِّب ُر
الم ُ -
الس ُ
وس َّ - ُّوح ُ -
القدُّ ُ السب ُ
المجموعة الخامسة ُ : 145
تعلوهم نار الأنيار ،ي�سقون من ع�صارة �أهل النار ،طينة اخلبال)( ،)60وهذا
يثمر يف قلب امل�ؤمن عدم االغرتار بقوة الأعداء وجربوتهم؛ ف�إن اهلل فوقهم
وقا�صمهم متى �أخذ امل�ؤمنون ب�أ�سباب الن�صر و�شروطه.
ثامن ًا :مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء:
ب) من �أ�سماء الذات الدالة على الم -املُ َت َك رِّ ُ
ال�س ُ
و�س َّ -
وح -الق ُُّد ُ
(ال�س ُّب ُ
ُ
ال�سبوح -ال ُقدُّ و�س -ال�سالمة -ا ْل ِكبرْ وا ْل ِكبرْ ِ َياء) ..ولذا�صفات اهلل الذاتية ( ُّ
كان من املنا�سب دعاء اهلل � -سبحانه وتعالى -والثناء عليه ،بهذه الأ�سماء ،يف جميع
حاجات العبد ،بل �إن �أحب الكالم �إلى اهلل تنزيهه وت�سبيحه ،وذكر حمامده ،كما جاء
عنه �( :¤إن �أحب الكالم �إلى اهلل� ،سبحان اهلل وبحمده)( ،)61ومما جاء يف ال�سنة
بخ�صو�ص الدعاء والثناء على اهلل � -سبحانه وتعالى -بهذه الأ�سماء وال�صفات� :أن
النبي ¤كان يقول يف ركوعه و�سجوده�( :سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ،اللهم اغفر
يل)( ،)62وكان � ¤إذا هب من الليل( :كرب ع�شراً ،وحمد ع�شراً ،وقال� :سبحان
اهلل وبحمده ع�شراً ،وقال� :سبحان امللك القدو�س ع�شراً ،وا�ستغفر ع�شراً ،وهلل
ع�شراً ،ثم قال :اللهم �إين �أعوذ بك من �ضيق الدنيا و�ضيق يوم القيامة ع�شراً،
جمل�س �إال قال�( :سبحانك اللهم ربي
ٍ ثم يفتتح ال�صالة)( ،)63وكان :¤ال يقوم من
و بحمدك ،ال �إله �إال �أنت� ،أ�ستغفرك و �أتوب �إليك ،وقال :ال يقولهن �أحد حيث
يقوم من جمل�سه �إال غفر له ،ما كان منه يف ذلك املجل�س)( ،)64ومما ورد من
ال�سال ُم) قوله ¤يف حديث ــه عن يــوم القيامة:الدعاء بالو�صف الذي دل عليه ا�سم ( َّ
( ..ونبيكم قائم على ال�صراط يقول :رب �سلِّم �سلِّم ،حتى تعجز �أعمال العباد،
حتى يجيء الرجل فال ي�ستطيع ال�سري �إال زحف ًا .)65() ..
( )60رواه الإمام �أحمد والرتمذي وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع (.)8040
( )61رواه م�سلم برقم (.)2731
( )62رواه البخاري برقم ( ،)794وم�سلم برقم (.)484
( )63رواه �أبو داود وح�سنه الألباين يف �صحيح �أبي داود برقم (.)5085
( )64رواه احلاكم و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)4867
( )65رواه م�سلم برقم (.)195
146 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
ف�سمع لهن ت�سبيح كحنني النحل)( ،)72ومن حديث عبد اهلل النبي �( : ¤أخذ يف يده ح�صياتُ ،
بن عمرو قال :نهى ر�سول اهلل ¤عن قتل ال�ضفدع ،وقال( :نقيقها ت�سبيح)(.)74(»)73
æكان «خالد بن الريان املحاربي» �صاحب حر�س عبد امللك بن مروان وابنيه الوليد
و�سليمان ،فلما ا�ستُخ ِلف عمر بن عبد العزيز؛ ور�أى خالد بن الريان قادما عليه من بعيد قال
عمر ملن عنده�« :أترون هذا املقبل؟! ،واهلل �إن كنت لأ�سري يف مركب الوليد و�سليمان
جلدَد( ،)75ف�إن كان يفعل بي ذلك ويل من قرابتهم ،ف ُيلقي دابتي يف الوحل ،ويركب ا َ
فهو لغريي �أ�شد احتقارا! فلما دنا و�سلم ،قال له عمر� :إنك قد ق�ضيت من هذا ال�سيف
وطرا ،فتفرغ لنف�سك ،وان�صرف �إلى �أهلك ،وخذ يا غالم �سيفه ،فقال خالد� :أن�شدك
اهلل يا �أمري امل�ؤمنني! و�إن هذا مل يكن رجائي فيك! ،فعزله عمر ،وقال :اللهم �إين قد
ب�شر حتى مات! ،قال نوفلو�ضعت لك خالد بن الريان ،اللهم ال ترفعه �أبدا! ،فلم يزل ٍ
بن الفرات :ما ر�أيت �شريفا خمد ذكره حتى ال يذكر مثله! �إن كان النا�س ليقولون:
ما فعل خالد �أحي �أو قد مات؟!»(.)76
æنقل �أبو طالب املكي قول �سفيان الثوري« :من �أذنب ذنباً ،فعلم �أن اللهّ تعالى قدّره
عليه ،ورجى غفران ـ ـ ــه؛ غف ـ ــر اللهّ لـ ـ ــه ذنبـ ــه ،لأن اللهّ تــعالى عيرّ قوماً فقال تع ــالى:
}ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ {[ف�صلت ،]23:وقد قال �سبحانه وتعالى يف
مثله } :ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ {[الفتح� ،]12:أي هلكى ،ثم قال �أبو
طالب املكي :ففي الآيتني دليل على � ّأن من ظنّ ح�سناً كان من �أهل النجاة»(.)77
( )72قال عنه ابن كثري يف تف�سريه( :حديث م�شهور يف امل�سانيد) ،واحلديث رواه الهيثمي يف جممع الزوائد وقال :روي ب�إ�سنادين
ورجال �أحدهما ثقات ويف بع�ضهم �ضعف ،و�صحح الألباين مثله يف تخريج (كتاب ال�سنة) برقم ( )1146من حديث �أبي ذر
أر�ض َف َخ َر ْ�سنَ ). (وح َ�صياتٌ مو�ضوع ٌة بني يديه ف�أخذهن يف ِيد ِه َ
ف�س َّب ْحنَ يف ِيد ِه ثم �أخذهن فو�ضعهن على ال ِ الغفاري وفيهَ :
ً ً
( )73رواه البيهقي يف ال�سنن و�صححه موقوفا ،وقال عنه النووي� :صح موقوفا على عبداهلل بن عمرو بن العا�ص ،وقال
ال�شنقيطي يف �أ�ضواء البيان [الأنعام : 141:الظاهر يف مثل هذا الذي �صح عن عبد اهلل بن عمرو � ..أنه يف حكم املرفوع ،لأنه
ال جمال للر�أي فيه ،لأن علم ت�سبيح ال�ضفدع ..ال يكون بالر�أي.
( )74تف�سري(القر�آن الكرمي) البن كثري عند تف�سري [الإ�سراء. 44 :
ال�ص ْلبة ،امل�ستوية. اجلدَ د� :أي يخ�ص نف�سه بالأَر�ض الغليظةُّ ،
( )75يركب َ
(( )76تاريخ دم�شق) البن ع�ساكر (جـ� – 16:ص.)30 - 29 :
(( )77قوت القلوب) لأبي طالب املكي (جـ.)362 – 1:
148 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
( )78ال�سلطان �ألب �آر�سالن :ال�سلطان الثاين للدولة ال�سلجوقية ،وكان والي ًا على خر�سان قبل �أن يتولى حكم ال�سالجقة بعد
وفاة عمه ال�سلطان ُطغ ُرل بك ،وهو قائد معركة (مالذكرد) ال�شهرية مع البيزنطيني �سنة 463هـ.
( )79هراة :مدينة قدمية من �أهم مدن خرا�سان ،فتحها امل�سلمون بقيادة الأحنف بن قي�س عام 22هـ ،وتقع اليوم يف �شمال غربي �أفغان�ستان.
ال�صفْر :النحا�س الأ�صفر.
(ُ )80
(�( )81سري �أعالم النبالء) للذهبي (�ص )2510-2509 :يف ترجمة العامل عبداهلل بن حممد الأن�صاري الهروي برقم (.)3406
جيد
ُ الم
يم َ -
ظ ُالع ِ
ير َ - المجموعة السادسة َ :
الك ِب ُ 149
الــمــجــمــوعـــــــ6ـــــــــة
مو�ضوع الأ�سماء :ا ْل َع َظ َم ُة
()20 - 19 - 18
يم -املَ ُ
جيد ال َك ِب ُ
ري -ال َع ِظ ُ
150 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الــمــجــمــوعـــ6ــــة
مو�ضوع الأ�سماء :ا ْل َع َظ َم ُة
()20 - 19 - 18
يم -املَجيدُ ال َك ِب ُ
ري -ال َع ِظ ُ
�أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود:
ري :ورد يف القر�آن الكرمي ( 6مرات) ،منها قوله تعالى}:ﮋ ﮌ æال َك ِب ُ
ﮍ ﮎ ﮏ{[الرعد ،]9:ومن ال�سنة قوله �(:¤إذا ق�ضى اهلل الأمر
يف ال�سماء� ،ضربت املالئكة ب�أجنحتها خ�ضعانا لقوله ،كال�سل�سة على �صفوان،
ف�إذا فزع عن قلوبهم ،قالوا :ماذا قال ربكم؟ ،قالوا للذي قال :ا َ
حلقَّ َو ْه َو ال َع ِل ُّى
ري )(.)1ال َك ِب ُ
يم :ورد يف القر�آن الكرمي ( 6مرات) منها قوله تعالى }:ﯷ ﯸ ﯹﯺ æال َع ِظ ُ
ﯻ ﯼ ﯽ{[البقرة ،]255:ومن ال�سنة كان ر�سول اهلل � ¤إذا دخل امل�سجد قال:
(�أعوذ باهلل العظيم ،و بوجهه الكرمي ،و �سلطانه القدمي ،من ال�شيطان الرجيم،
وقال� :إذا قال ذلك حفظ منه �سائر اليوم)(.)2
æاملَجيدُ :ورد يف القر�آن الكرمي مرتني يف قوله تعالى} :ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ
ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ{[هود ]73:وقوله تعالى }:ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ
ﯕ{[الربوج ،]15-14:ومن ال�سنة تعليم الر�سول ¤ل�صحابته كيفية ال�سالم وال�صالة
عليه بقوله(:قولوا :اللهم �صل على حممد وعلى �آل حممد ،كما �صليت على �إبراهيم،
وعلى �آل �إبراهيم� ،إنك حميد جميد .)3()..
( )1رواه البخاري برقم (.)4701
( )2رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)4715
( )3رواه البخاري برقم (.)3370
جيد
ُ الم
يم َ -
ظ ُالع ِ
ير َ - المجموعة السادسة َ :
الك ِب ُ 151
اخلطابي(« :ال َك ِب ُري) :املو�صوف باجلالل ،وكرب ال�ش�أن ،ف�صغر دون جالله كل كبري،
ويقال :هو الذي كرب عن �شبه املخلوقني»( ،)12وقال الزجاجي(« :ال َك ِب ُري) :العظيم
اجلليل»( ،)13ويقول ابن القيم« :فاهلل �-سبحانه� -أكرب من كل �شيء ،ذا ًتا وقد ًرا ومعنى
وعزة وجاللة ،فهو �أكرب من كل �شيء يف ذاته و�صفاته و�أفعاله»(.)14
يم« :الذي له العظمة ..فهو -تعالى� -أعظم من كل �شيء ،يف ذاته و�صفاته æال َع ِظ ُ
يم) :ذو العظـمة واجلالل يف ملكه و�سلطانه»(،)16 و�أفعاله»( ،)15قال الزجاجي(« :ال َع ِظ ُ
وقال ال�شيخ ال�سعدي ..« :واعلم �أن معاين التعظيم الثابتة هلل وحده نوعان؛ �أحدهما:
�أنه مو�صوف بكل �صفة كمال ،وله من ذلك الكمال �أكمله ،و�أعظمه و�أو�سعه ،فله
العلم املحيط ،والقدرة النافذة ،والكربياء ،والعظمة .. ،والثاين� :أنه ال ي�ستحق �أحد
يعظموه بقلوبهم،عظم اهلل؛ في�ستحق من عباده �أن ّ عظم كما ُي ّمن اخللق �أن ُي ّ
و�أل�سنتهم ،وجوارحهم؛ وذلك ببذل اجلهد يف معرفته ،وحمبته ،والذل له ،واالنك�سار
له ،واخل�ضوع لكربيائه ،واخلوف منه ،و�إعمال الل�سان بالثناء عليه ،وقيام اجلوارح
ب�شكره وعبوديته» (.)17
æاملَجيدُ « :وا�سع ال�صفات عظيمها ،كثري ال ّنعوت كرميها»( ،)18قال ابن جرير :جَ
«(ميدٌ):
متجد بفعاله ،وجمده خلقه ذو جمد ومدح وثناء كرمي»( ،)19وقال الأزهري(« :ا َملجي ُد)َّ :
لعظمته»( ،)20ويقول ابن القيم(« :ا َملجي ُد) :هو املت�ضمن لكرثة �صفات كماله و�سعتها ،وعدم
�إح�صاء اخللق لها ،و�سَ َع ِة �أفعاله وكرثة خريه ودوامه»( ،)21ويقول ال�شيخ ال�سعدي« :واملجد:
هو عظمة ال�صفات و�سعتها ،فله �صفات الكمال ،وله من كل �صفة كمال �أكملها و�أمتها
و�أعمها»(.)22
(�( )12ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص.)66 :
(( )13ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص.)155 :
(( )14ال�صواعق املر�سلة) البن القيم (جـ� - 4:ص.)1379 :
(( )15املرتع الأ�سنى ..من كتب ابن القيم) لعبد العزيز الداخل (�ص.)552 :
(( )16ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص.)111 :
(( )17احلق الوا�ضح املبني) لل�شيخ ال�سعدي (�ص )28 - 27 :بت�صرف ي�سري.
(( )18فقه الأ�سماء احل�سنى) للبدر (�ص.)237 :
(( )19تف�سري الطربي) عند تف�سري الآية ( )73من �سورة هود.
(( )20ل�سان العرب) البن منظور (جـ� - 3:ص )395:ون�سبه للأزهري يف (التهذيب).
(( )21التبيان يف �أميان القر�آن) البن القيم (�ص.)147 :
( )22تف�سري ال�سعدي عند تف�سري الآية ( )73من �سورة هود.
جيد
ُ الم
يم َ -
ظ ُالع ِ
ير َ - المجموعة السادسة َ :
الك ِب ُ 153
æالأثر العملي:
1.1اخلوف من اهلل واحلياء منه ،واخل�شوع واخل�ضوع له ،واال�ستكانة والتذلل
لعظمته وجربوته وحمبته ،و�إفراده وحده بالعبادة ،وظهور �أثر ذلك يف املبادرة
�إلى طاعته فيما �أمر به ،واجتناب ما نهى عنه وزجر ،والإخال�ص له �-سبحانه-
يف ذلك ،وتعظيم �أمره ،واالنقياد حلكمه.
�2.2إثبات ما �أثبته لنف�سه �أو �أثبته له ر�سوله ¤من الأ�سماء وال�صفات اجلليلة
وتنزيهه وتعظيمه �-سبحانه -من م�شابهة �أحد من خلقه كما يف قوله �سبحانه:
} ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ{[ال�شورى ،]11 :ومن نفى
عنه �-سبحانه� -صفاته �أو �أ ّولها �أو فو�ض معانيها بدعوى �أن �إثباتها يوهم ت�شبيهه
باملخلوقني فقد �ضل �ضال ًال مبي ًنا ،ومل يعظم ربه �-سبحانه.
3.3تعظيم �أمره �-سبحانه -ونهيه ،وتعظيم ن�صو�ص الكتاب وال�سنة واال�ست�سالم لها
وعدم التقدم بني يدي اهلل -تعالى -ور�سوله ¤بر�أي �أو اجتهاد.
4.4تعظيم �شعائر اهلل وحرماته؛ قال اهلل تعالى}:ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ
ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ{[احلج ،]32 :ومن تعظيم �شعائر اهلل -تعالى -تعظيم
احلج و�شعائره ،وتعظيم �شعرية ال�صالة ،والزكاة ،وال�صيام ،واجلهاد ،والأمر
باملعروف والنهي عن املنكر ،وغريها من �شعائر اهلل -تعالى -وفرائ�ضه ،ومن
تعظيم حرمات اهلل -تعالى -تعظيم مناهيه واجتنابها ،كالربا والزنا و�شرب اخلمر
و�سائر الكبائر واملحرمات ،فاجتناب حمارم اهلل -تعالى -دليل على تعظيم اهلل
-تعالى -وتوقريه ،ولتعظيم �أوامر اهلل -تعالى ،يقول ابن القيم« :تعظيم الأمر
والنهي نا�شئ عن تعظيم الآمر والناهي ف�إن اهلل -تعالى -ذم من ال يعظم
�أمره ونهيه ،وقال �-سبحانه وتعالى } :ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ {[نوح،]13 :
قالوا يف تف�سريها :ما لكم ال تخافون هلل تعالى عظمة.)37( »...
(( )37الوابل ال�صيب) البن القيم (�ص .)26
جيد
ُ الم
يم َ -
ظ ُالع ِ
ير َ - المجموعة السادسة َ :
الك ِب ُ 157
æروى البيهقي �أن عبد امللك بن مروان وقع منه فل�س يف بئر قذرة ،فاكرتى( )54عليه
رج ًال بثالثة ع�شر دينار ًا حتى �أخرجه منها ،فقيل له يف ذلك! فقال� :إنه كان منقو�ش عليه
ا�سم اهلل »(.)55
æقال الإمام ال�شافعي�« :إذا خفت على عملك ال ُعجب ،فاذكر ر�ضى من تطلب،
ويف �أي نعيم ترغب ،ومن �أي عقاب ترهب ،فمن ف ّكر يف ذلك �ص ُغر عنده عمله»(.)56
æقال ب�شر احلايف« :لو تفكر النا�س يف عظمة اهلل؛ ملا ع�صوا اهلل»(.)57
æكان �أهل العلم يعظمون ربهم ،ويقدرونه حق قدره ،ومن ذلك تعظيم كل ما
له عالقة به �سبحانه ،كتعظيم كالمه وتعظيم بيوته ،حتى قال �سعيد بن امل�سيب« :ال
تقولوا م�صيحيف وال م�سيجيد ,ما كان هلل هو عظيم ح�سن جميل»(.)58
æقال الأعم�ش :قال يل مطرف بن عبداهلل« :وجدت الغفلة التي �ألقاها اللهَّ فيِ
قلوب ال�صديقني من خلقه رحمة رحمهم بها ،ولو �ألقى فيِ قلوبهم اخلوف َعلَى قدر
معرفتهم ِب ِه َما هن�أهم العي�ش»(.)59
æومن تعظيم اهلل تعالى تعظيم ر�سوله ¤وتوقريه ،وتعظيم �سنته وحديثه ،قال عبد
اهلل بن املبارك« :كنت عند الإمام مالك بن �أن�س وهو يحدثنا حديث ر�سول اهلل ،¤
فلدغته عقرب �ست ع�شرة مرة! ،ومالك يتغري لونه وي�صفر ،وال يقطع حديث ر�سول
اهلل ،¤فلما فرغ من املجل�س وتفرق النا�س ،قلت :يا �أبا عبداهلل ،لقد ر�أيت منك
عجباً! ،فقال :نعم!� ،إمنا �صربت �إجال ًال حلديث ر�سول اهلل .)60(»¤
(� )54أي �أ�ست�أجر.
(( )55البداية والنهاية) للإمام �أبن كثري (�ص )1374 :يف �أحدث �سنة ( 86هـ).
(�( )56سري �أعالم النبالء) للذهبي (�ص.)3286 :
(( )57حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ� – 8 :ص.)337 :
(�( )58سري �أعالم النبالء) للذهبي (�ص.)1828 :
(( )59حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ� – 2 :ص.)210 :
(( )60الديباج املذهب) البن فرحون (جـ� - 1 :ص.)104 :
جيد
ُ الم
يم َ -
ظ ُالع ِ
ير َ - المجموعة السادسة َ :
الك ِب ُ 161
æقال �أبو الوفاء ابن عقيل« :لقد عظم اهلل �سبحانه احليوان ،ال �سيما ابن �آدم ،حيث
�أباحه ال�شرك عند الإكراه ،وخوف ال�ضرر على نف�سه ،فقال تعالى} :ﭽ ﭾ
ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ{ [النحل ،]106:من
قدَّم حرمة نف�سك على حرمته ،حتى �أباحك �أن تتوقى وحتامي عن نف�سك بذكره،
مبا ال ينبغي له �سبحانه ،حلقيق �أن تعظم �شعائره ،وتوقر �أوامره وزواجره ،وع�صم
عر�ضك ب�إيجاب احل ّد بقذفك ،و َع َ�صم مالك بقطع م�سلم يف �سرقته ،و�أ�سقط �شطر
ال�صالة لأجل م�شقتك ،و�أقام م�سح اخلف مقام غ�سل ال ِّرجل �إ�شفا ًقا عليك من م�شقة
وحفظا ل�صحتك ،وزجرك عن م�ضارك ً اخللع واللب�س ،و�أباحك امليتة �سدًّا لرمقك،
بحد عاجلٍ ،ووعيد �آجلَ ،و َخرق العوائد لأجلك ،و�أنزل الكتب �إليك� .أيح�سن بك
-مع هذا الإكرام � -أن ُترى على ما نهاك منهم ًكا ،وعما �أمرك متنك ًبا ،وعن داعيه
معر�ضا ،ول�سنته هاج ًرا ،ولداعي عدوك فيه مطي ًعا؟ ،يعظمك وهُ َو هُ و ،وتهمل �أمره ً
أهبط �إلى الأر�ض من امتنع من �سجدة حط رتب عباده لأجلك ،و� َ و�أنت �أنت! .هو ّ
ي�سجدها لك ..ما �أوح�ش ما تالعب ال�شيطان بالإن�سان بينا يكون بح�ضرة احلق، ُ
ومالئك ُة ال�سماء �سجو ٌد له ،ترتامى به الأحوال واجلهاالت باملبد�أ وامل�آل� ،إلى �أن
ل�شم�س �أو لقمر ..ماٍ يوجد �ساجدًا ل�صورة يف حجر� ،أو ل�شجرة من ال�شجر� ،أو
�أوح�ش زوال النعم ،وتغيرّ الأحوال ،واحل ْو َر بعد الكور!»(.)61
� æأو�ضح �شيخ الإ�سالم ابن تيمية العالقة الرا�سخة والوثيقة بني الإميان وبني تعظيم
اهلل ،وتعظيم ر�سوله ،¤فقال « :وال فرق بني من يعتقد �أن اهلل ربه ،و�أن اهلل
�أمره بهذا الأمر ،ثم يقول� :إنه ال يطيعه! ،لأن �أمره لي�س ب�صواب وال �سداد ،وبني
من يعتقد �أن حممدا ر�سول اهلل ،¤و�أنه �صادق واجب االتباع يف خربه و�أمره ،ثم
ي�سبه �أو يعيب �أمره �أو �شيئا من �أحواله� ،أو ينتق�صه انتقا�صا ال يجوز �أن ي�ستحقه
(( )61الذيل على طبقات احلنابلة) البن رجب احلنبلي (جـ� – 1 :ص.)153 :
162 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
قول وعمل ،فمن اعتقد الوحدانية يف الألوهية هلل الر�سول ،¤وذلك �أن الإميان ٌ
�سبحانه وتعالى ،والر�سالة لعبده ور�سوله ،¤ثم مل ُيتبع هذا االعتقاد موجبه
من الإجالل والإكرام -والذي هو حال يف القلب ،يظهر �أثره على اجلوارح ،بل
قارنه اال�ستخفاف والت�سفيه واالزدراء بالقول �أو بالفعل -كان وجود ذلك االعتقاد
كعدمه ،وكان ذلك موجبا لف�ساد ذلك االعتقاد ،ومزيال ملا فيه من املنفعة وال�صالح،
�إذ االعتقادات الإميانية تزكي النفو�س وت�صلحها ،فمتى مل توجب زكاة النف�س وال
�صالحها ،فما ذاك �إال لأنها مل تر�سخ يف القلب ،ومل َت ِ�صر �صفة ونعتاً للنف�س»(.)62
æويقول تلميذه ابن الق ّيم يف بداية حديثه عن منزلة (التعظيم)« :هذه املنزلة تابعة
الرب تعالى يف القلب ،و�أعرف النا�س به للمعرفة ،فعلى قدر املعرفة يكون تعظيم ّ
�أ�شدهم له تعظي ّماً و�إجال ًال ،وقد ذم اهلل تعالى من مل يعظمه حق عظمته ،وال عرفه
حق معرفته ،وال و�صفه حق �صفته ،قال تعالى } :ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ {[نوح ،]13:قال
ابن عبا�س وجماهد« :ال ترجون هلل عظمة» ،وقال �سعيد بن جبري« :ما لكم ال تعظمون
اهلل حق عظمته ،وقال الكلبي :ال تخافون هلل عظمة»(.)63
æقال الباجي :طلع �شيخنا عز الدين بن عبدال�سالم مرة �إلى ال�سلطان يف يوم
عيد �إلى القلعة ،ف�شاهد الع�ساكر م�صطفني بني يديه ،وجمل�س اململكة ،وما ال�سلطان فيه
يوم العيد من الأبهة ،وقد خرج على قومه يف زينته على عادة �سالطني الديار امل�صرية،
و�أخذت الأمراء تقبل الأر�ض بني يدي ال�سلطان ،فالتفت ال�شيخ �إلى ال�سلطان وناداه :يا
�أيوب! ،ما حجتك عند اهلل �إذا قال لك� :أمل �أبوئ لك ملك م�صر ثم تبيح اخلمور؟!
فقال :هل جرى هذا؟! فقال :نعم! احلانة الفالنية يباع فيها اخلمور! وغريها
من املنكرات ،و�أنت تتقلب يف نعمة هذه اململكة! .يناديه كذلك ب�أعلى �صوته،
والع�ساكر واقفون! فقال :يــا �سيدي ،هذا ما عملتـ ــه �أن ـ ــا ،بل كان م ـ ــن زمـ ــان
(( )62ال�صارم امل�سلول علي �شامت الر�سول) ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية (جـ� – 3:ص.)701 - 700 :
(( )63مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ� – 2:ص )495:يف حديثه عن منزلة (التعظيم).
جيد
ُ الم
يم َ -
ظ ُالع ِ
ير َ - المجموعة السادسة َ :
الك ِب ُ 163
النجوم اثنتا ع�شرة جنمة ،فقلت له� :إين �أطيعك يف �أوامرك الع�سكرية ،و�أطيع اهلل
يف �أوامره ،فال طاعة ملخلوق يف مع�صية اخلالق� ،إنك حتمل على كتفيك اثنتي ع�شرة
جنمة ،فانظر �إلى �سماء اهلل لرتى كم حتمل من النجوم؟! ،فبهت القائد وردد:
ال�سماء ..ال�سماء ..جنوم ال�سماء! وم�ضى غ�ضبان �أ�سِ فا»(.)68
الــمــجــمــوعـــــــ7ـــــــــة
مو�ضوع الأ�سماء :ا ْل ُع ُل ُّو وا ْل َف ْو ِق َّي ُة
()23 - 22 - 21
ال َع ِل ُّي -ال ْأعلى -املت َع ُ
ال
166 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الـمجـمـوعـ7ـة
مو�ضوع الأ�سماء :ا ْل ُع ُل ُّو وا ْل َف ْو ِق َّي ُة
()23 - 22 - 21
ال َع ِل ُّي -ال ْأعلى -املت َع ُ
ال
�أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود:
æال َع ِل ُّي :ورد يف القر�آن الكرمي ( 8مرات) منها قوله تعالى } :ﯷ ﯸ ﯹﯺ
ﯻ ﯼ ﯽ{[البقرة ،]255:ويف ال�سنة من حديث عبد اهلل بن عبا�س � :أَنَّ
ول اللهَّ ِ ¤قال( :كلمات الفرج :ال �إله �إال اهلل احلليم الكرمي ،ال �إله �إال اهلل
َر ُ�س َ
العلي العظيم ،ال �إله �إال اهلل رب ال�سماوات ال�سبع ورب العر�ش الكرمي)(. )1
æال ْأعلى :ورد يف القر�آن الكرمي مرتني ،يف قول اهلل تعالى } :ﮟ ﮠ ﮡ
ﮢ{[ال ْأعلى ]1:وقوله تعالى } :ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ{[الليل ]20:وجاء عن النبي � ¤أنه
كان �إذا قر�أَ } :ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ{[القيامة ،]40:قال�( :سبحا َن َك فبلى!)
و�إذا قر�أَ } :ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ{[الأعلى ،]1:قال�( :سبحانَ ر ِّب َي ال ْأعلى)(.)2
ال :ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة ،يف قوله تعالى}:ﮋ ﮌ
املت َع ُ æ
( )1رواه ابن �أبي الدنيا و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)4571
( )2رواه �أبو داود والبيهقي و�صححه الألباين يف (�صفة �صالة النبي �( )¤ص.)105 :
( )3رواه الإمام �أحمد و�صححه �أحمد �شاكر برقم (.)5608
المجموعة السابعة :العلي -األعلى -المتعال 167
َيع ُلو عل ّواً ،فهو عالٍ ،والعلو :الرفعة والعظمة»( ،)4قال يف الل�سانُ « :علو ك ّل �شيء:
�أَ ْر َف ُعه ..وعال ال�شي ُء ُع ُل ًّوا فهو َع ٌّلي ..وال َع ُّ
لي :ال َّرفي ُع ..قال الأزهري( :ال َعل ُِّي)
ال�شريف ،فعيل من َعال َي ْع ُلو ،وهو مبعنى العايل ،وهو الذي لي�س فوقه �شيء»(.)5
æال ْأعلى« :ا�سم تف�ضيل ،من عال يعلو� ،أي� :أكرث ارتفاعاً ،و(ال ْأعلى) رفيع
القدر واملنزلة ،الذي بلغ الغاية يف علو الرتبة ،فال رتبة لغريه �إال وهي منحطة
عنه»( ،)6قال يف الل�سان(« :الأَ ْعلى) :هو اهلل الذي هو �أَ ْعلى من كل عالٍ ،وا�سمه
ال�شرف ،وذو ال ُعال� :صاحب ال�صفات ُ (الأَ ْعلى) �أَي �صفته �أَعلى ال�صفات ،وال َعال ُء:
ال ُعال ،وال ُعال :جمع ال ُع ْليا �أَي جمع ال�صفة ال ُعليا والكلمة الع ْليا»(.)7
ال« :ا�سم فاعل من تعالى ،فعله َتعالى َيتعالى َتعالياً ،فهو ُمتعالٍ ، æاملت َع ُ
والتمجد ،و(املت َع ُال) :ال ّرفيع
ّ ّ
والتعظم ،والتقدّ�س، والتعايل :الت�سامي ،والرت ّفع،
القدر ،امل�ستعلي على كل �شي ٍء بقدرته وقهره»( ،)8قال الر�ضواين(« :املُت َعايل) القاه ُر
خللقه بقدرته التامة ،و�أغلب املف�سرين جعلوا اال�سم دا ًال على علو القهر ،وهو �أحد
معاين العلو ،فـ (املُت َعايل) هو امل�ستعلي على كل �شيء بقدرته»(.)9
ثالث ًا :املعنى ال�شرعي:
جميع �أنواع العلو الثالثة: الذي عليه ال�سلف ال�صالح� ،أن هلل
æفله علو الذات من ا�سمه (ال َعل ِّي) ،و�أنه �-سبحانه -م�ستو على عر�شه ،فوق جميع
خلقه ،بائن منهم ،منف�صل عنهم ،يعلم �أعمالهم ،وي�سمع �أقوالهم ،ويرى حركاتهم و�سكناتهم ال
تخفى عليه خافية ،كما قال �-سبحانه -عن مالئكته}:ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ{ [النحل.]50:
( )4معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة :ع ل و).
(( )5ل�سان العرب) البن منظور (جـ � - 15:ص 83 :و ( ) 85مادة :عال).
( )6معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة :ع ل و).
(( )7ل�سان العرب) البن منظور (جـ � - 15:ص( )85 :مادة :عال).
( )8معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة :ع ل و).
(�( )9أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص.)378 :
168 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
æوله علو القدر وال�صفات من ا�سمه (ال ْأعلى) فله – �سبحانه -ال�صفات العلى
التي ال ي�ستحقها غريه ،وهو �-سبحانه -منزه عن جميع النقائ�ص والعيوب املنافية لإلهيته
وربوبيته و�أ�سمائه و�صفاته ،كما قال �سبحانه عن نف�سه } :ﮘ ﮙ ﮚ{ [النحل.]60:
æوله علو القهر من ا�سمه (املت َعال) ،الذي لي�س فوقه �شيء يف قهره وقوته ،فال
غالب له وال منازع بل كل �شيء حتت قهره و�سلطانه ،قال تعالى }:ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ
ﰇ ﰈ ﰉ{[الأنعام.]18:
يقول ابن القيم « :ف�إن من لوازم ا�سم (ال َعل ٌِّي) العلو املطلق بكل اعتبار فله العلو
املطلق من جميع الوجوه :علو القدر ،وعلو القهر ،وعلو الذات ،فمن جحد علو
الذات فقد جحد لوازم ا�سمه (ال َعل ٌِّي)»( ،)10ويقول ال�شيخ ال�سعدي(« :ال َعل ٌِّي ال ْأعلى)
هو الذي له العلو املطلق من جميع الوجوه :علو الذات ،وعلو القدر وال�صفات ،وعلو
القهر ،فهو الذي على العر�ش ا�ستوى ،وعلى امللك احتوى ،وبجميع �صفات العظمة
والكربياء واجلالل واجلمال وغاية الكمال ات�صف ،و�إليه فيها املنتهى»(.)11
رابع ًا :الفروق بني الأ�سماء:
دلت هذه الأ�سماء الثالثة امل�شتقة من �صفة (ال ُع ْلو) على معاين العلو الثالثة:
)1فله �-سبحانه -علو الذات من ا�سمه (ال َعل ِّي) ،قال ابن جرير يف قوله تعالى } « :ﭨ
ﭩ ﭪ{ [ال�شورى ،]4:ذو عل ّو وارتفاع على ك ّل �شيء ،والأ�شياء كلها دونه»(.)12
)2وله علو القدر وال�صفات من ا�سمه (ال ْأعلى) ،قال القا�سمي(« :ال ْأعلى) هو
الأرفع يف كل �شيء ،قدرة وملكاً و�سلطاناً»(.)13
)3وله علو القهر والغلبة من ا�سمه (املت َعال) ،قال ابن كثري(« :املت َع ُال) على كل �شيء
قد �أحاط بكل �شيء علما ،وقهر كل �شيء ،فخ�ضعت له الرقاب ،ودان له العباد طوعا
وكرها»(.)14
(( )10مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ � :1ص.)31 :
( )11تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص.)16 :
(( )12تف�سري الطربي) عند تف�سري الآية ( )4من �سورة ال�شورى.
( )13تف�سري القا�سمي (حما�سن الت�أويل) (جـ � :10ص )125عند تف�سري الآية ( )1من �سورة الأعلى.
(( )14تف�سري ابن كثري) عند تف�سري الآية ( )9من �سورة الرعد.
المجموعة السابعة :العلي -األعلى -المتعال 169
قال الر�ضواين« :والثابت ال�صحيح �أن معاين العلو عند ال�سلف ال�صالح ثالثة
معان دلت عليها �أ�سماء اهلل امل�شتقة من �صفة العلو ،فا�سم اهلل (ال َعل ِّي) دل على علو
ال) دل على علو القهر»(.)15 الذات ،وا�سمه (ال ْأعلى) دل على علو ال�ش�أن ،وا�سمه (املت َع ُ
خام�س ًا :ال�صفة امل�شتقة:
ال�صفة امل�شتقة من �أ�سمائه �-سبحانه (ال َعل ُِّي وال ْأعلى واملت َع ُال) «�صفة (ا ْل ُع ُل ّو
وال�س َّنة»( ،)16قال اهلل تعالى: وا ْل َف ْو ِق َّي ُة) ،وهي من �صفــات اهلل الذاتية الثابتة بالكتاب ُّ
،]16:وجاء عنه ¤ }ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ{[امللك
قوله�(:أال ت�أمنوين ،و�أنا �أمني َمن يف ال�سماء؟!)( ،)17ولل�صحابة والتابعني ومن �سار على
نهجهم من �أهل ال�سنة واجلماعة �آثار كثرية عن ُع ُل ِو اهلل وفو ِق َّي ِته ،و�أنه � -سبحانه وتعالى -
«فوق جميع خملوقاته ،م�ست ٍو على عر�شه يف �سمائه ،عايل على خلقه ،بائن منهم ،يعلم
�أعمالهم ،وي�سمع �أقوالهم ،ويرى حركاتهم و�سكناتهم ،ال تخفى عليه خافية»(.)18
حكمته �-سبحانه� -أال تتلقى النفو�س الب�شرية مراد اهلل منه مبا�شرة ،و�إمنا بتوجيه
خطابه بو�سائط يف�ضي بع�ضها �إلى بع�ض وبكيفيات ثالث (طرق الوحي) لتي�سري
تل ّقي خطابه ،ووعيه دون اختالل فيه وال خروج عن طاقة املتل ِّقني»(.)23
�سابع ًا :الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء:
æالأثر العلمي االعتقادي:
هلل العلو املطلق بجميع الوجوه واالعتبارات ،فهو (ال َع ِل ّي) علو الذات ،قد ا�ستوى على
عر�شه ،وعال على جميع خلقه ،عل ّو ًا يليق بجالله وعظمته �-سبحانه .وهو (الأعلى)علو القدر
وال�صفات ،املو�صوف ب�صفات الكمال ،املنعوت بنعوت اجلالل ،املنزّه عن العيوب والنقائ�ص
ال) علو القهر ،لي�س فوقه �شيء يف قهره وقوته ،فال غالب له وال منازع ،بل واملثال .وهو (املت َع ُ
كل �شيء حتت قهره و�سلطانه ،ما �شاء كان ،وما مل ي�ش�أ مل يكن وهو �-سبحانه -فعال ملا يريد.
æالأثر العملي:
1.1حمبة اهلل وتعظيمه وتنزيهه عن النقائ�ص والعيوب مع اخل�ضوع والتذلل له
�-سبحانه ،وهذان هما ركنا العبودية� ،إذ �إن حقيقة العبودية �إمنا تن�ش�أ من غاية
احلب هلل تعالى مع غاية التذلل له �-سبحانه.
2.2التوا�ضع هلل -تعالى -وقبول ما �أنزل من احلق ،والر�ضى ب�أحكامه ونواهيه ،و�إذا
كانت املالئكة يف ال�سماء تخ�شع عند �سماع قوله و�إلقاء وحيه كما جاء ذلك يف
قوله تعالى } :ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ
ﭨ ﭩ{[�سب�أ� ،]23:إذا كان هذا �أمرها وهذا قولها وفعلها ،فحري بالعبد �أن
يخ�شع ل�سماع كالم ربه ،ويطمئن قلبه عند ذكره ،ويطيع �أوامره ويبتعد عن نواهيه.
3.3احلذر من العلو يف الأر�ض بغري احلق ،وجتنب ظلم العباد ،والتكرب عليهم ،و�أن
العبد مهما تكرب وعال وظلم؛ ف�إن اهلل (العلي املتعال) فوقه.
( )23تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور عند تف�سري الآية 51من �سورة ال�شورى (بت�صرف).
172 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
ثامن ًا :مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء:
(ال َع ِل ُّي -ال ْأعلى -املت َع ُال) من �أ�سماء الذات الدالة على �صفات اهلل الذاتية (ا ْل ُع ُل ّو
وا ْل َف ْو ِق َّية) وهي �صفات ذات ،مل يزل -وال يزال -اهلل مت�صف ًا بها ،وال تعلق لها بامل�شيئة؛
ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل ،والتو�سل �إليه ،والثناء عليه ،وتعظيمه ومتجيده بها يف جميع
�أغرا�ض الدعاء وحاجات العبد ..وهي بال �شك �أ�سماء عظيمة تدعو العبد �إلى ا�ست�شعار عظمة
ربه يف علوه على خلقه ،فيقف بني يديه وقوف العبد الذليل ،الذي اعرتف بذنبه و�أقر بعجزه،
وهو يعلم �أن دعاءه وكالمه �صاعد �إليه ،معرو�ض عليه ..ونح�سب �أن عبد ًا ا�ست�شعر هذا امل�شهد
العظيم حري ب�إجابة دعوته وحتقيق مطلبه ..ومما جاء يف ال�سنة النبوية من متجيد اهلل
بهذه الأ�سماء قول النبي َ (:¤من تعا َّر(ِ )24من الل ْيل فقال ِحني َي�ستي ِقظ :ال � َ
إله �إال اهلل
ير�ُ ،س ْبحان اهلل ،واحل ْمدُ
قد ٌ
يك له ،له امللك وله احل ْمدُ وهو على كل �شيء ِ وحدَ ه ال �ش ِر َ
ْ
ثم َدعا: يمَّ ، إله �إال اهلل ،واهلل �أ ْكبرَ ُ ،وال حول وال قوة �إال باهلل ال َع ِل ٌّي ِ
العظ ِ هلل وال � َ
َرب اغ ِفر يلُ :غ ِف َر له)( ،)25وجاء رجل �إلى النبي ¤فقال� :إين ال �أ�ستطيع �أن �آخذ من
القر�آن �شيئاً ،فعلمني ما يجزئني منه .قال(:قل� :سبحان اهلل واحلمد هلل وال �إله
�إال اهلل واهلل �أكرب وال حول وال قوة �إال باهلل العلي العظيم) ..قال يا ر�سول اهلل :هذا
هلل فما يل؟ ..قال( :قل اللهم ارحمني وارزقني وعافني واهدين) فلما قام قال
هكذا بيده .فقال ر�سول اهلل �( :¤أما هذا فقد ملأ يده من اخلري)(.)26
(( )24تعار) � :أي ا�ستيقظ من نومه من الليل.
( )25رواه ابن ماجه و�صححه الألباين يف �صحيح ابن ماجة برقم (.)3128
( )26رواه �أبو داود وح�سنه الألباين يف �صحيح �أبي داود برقم (.)742
المجموعة السابعة :العلي -األعلى -المتعال 173
ال�سماء ،قال :من �أنا؟ ،قالت� :أنت ر�سول اهلل .قال� :أعتقها ،ف�إنها م�ؤمنة)(.)28
قال تعالى} :ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ
ﮕﮖ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮞ
ﮟ{[الأحزاب ،]27-26:بعد اخليانة العظمى ليهود بني قريظة يف غزوة الأحزاب،
حا�صرهم النبي ¤فنزلوا على حكمه ،فطلبت «الأو�س» �أن ُيح ّكم فيهم زعيمهم �سعد بن
معاذ ‹ -وكانت بنو قريظة حليف ًا للأو�س يف اجلاهلية -فوافق النبي ،¤وحكم فيهم
�سعد بن معاذ ‹ :ب�أن ُيقتل الرجال ،و ُت�سبى الذرية ،و ُتق�سم الأموال ،فقال النبي :¤
( َل َق ْد َح َك ْمتَ ِفي ِه ْم ِب ُحك ِْم المْ َ ِل ِك ِم ْن َف ْو ِق َ�س ْب ِع َ�س َما َوات)(.)29
كان زيد بن احلارثة ‹ قد تبناه النبي ¤قبل الهجرة ،وكان يدعى «زيد بن حممد» ف�أراد
اهلل �أن ُي�ش ّرع �شرع ًا عام ًا يف �أن الأدعياء لي�سوا يف حكم الأبناء حقيقة ،و�أنه ال جناح على من
تبناهم يف نكاح �أزواجهم ،فل ّما ط ّلق زيد بن احلارثة ‹ زينب بنت جح�ش ،ز ّوجها اهلل
لنبيه ،¤ويف ذلك يقول املولى } :ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ
ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ{[الأحزاب ]37:فدخل عليها النبي ¤من دون � ٍ
إذن
وال خطبة وال �شهود وال جتديد عقد وال تقرير �صداق ،فكانت زينب تفخر على �أزواج
وزوجني ُ
اهلل تعالى من فوقِ �سب ِع �سماواتٍ »(.)30 زوج ُك َّن �أهالي ُك َّنَ ، النبي ¤وتقول َ « :
يف مر�ض موت �أم امل�ؤمنني ال�ص ّديقة بنت ال�ص ّديق عائ�شة ،دخل عليها عبداهلل بن
يحب �إال طيباً،
أحب ن�ساء ر�سول اهلل � ¤إليه ،ومل يكنْ ُّ عبا�س وقال لهاُ « :ك ْنتِ � َّ
و�أنزل اهلل َب َرا َء َتكِ من فوق �سبع �سماوات»( ،)31ي�شري ‹ �إلى حادثة الإفك وتربئة
لعائ�شة يف قوله تعالى } :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ اهلل
ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ{[النور.]11:
æقال تعالى} :ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ( )32ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ
( )28رواه م�سلم (.)537
(� )29أخرجه الن�سائي والبيهقي واللفظ له ،وح�سنه الألباين يف (خمت�صر العلو) (�ص )87:وبرقم (.)15
( )30رواه البخاري برقم (.)7420
(� )31أخرجه الإمام �أحمد واحلاكم والهيثمي والدارمي واللفظ له و�صححه الألباين يف (خمت�صر العلو) (�ص )130:وبرقم
( )106وقال� :سنده �صحيح على �شرط م�سلم.
الوحي ِبتح ِو ِيل القبلة من بيت املقد�س �إلى البيت احلرام (الكعبة).
ِ نزول
ِ ل
ِ ُّفا
و َ
�ش َ
ت ء
ِ ما ال�س
َّ يف (َ )32ت َق ُّلبَ و َْج ِه َك� :أي َت َر ُّد َد ْوج ِه َك و َت َ�ص ُّر َف َن َظ ِر َك
المجموعة السابعة :العلي -األعلى -المتعال 175
�سمعني ،قال :اللهم �أنت تعلم �أين لو �أعلم �أن هذا هاهنا مل �أتكلم!»(.)37
æقال الف�ضيل بن عيا�ض« :عاملوا اهلل بال�صدق يف ال�سر ,ف�إن الرفيع من
رفعه اهلل ،و�إذا �أحب اهلل عبدا �أ�سكن حمبته يف قلوب العباد»(.)38
قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية وهو يتحدث عن املُ ِنكرين ل�صفة ال ُع ُل ِّو هلل تعالى: æ
«لهذا جتد املُنكِر لهذه الق�ضية ُي ِق ُّر بها عند ال�ضرورة وال يلتفت �إلى ما اعتقدوه
من املعار�ض لها ،فالنفاة لعل ِّو اهلل �إذا َح َز َب �أحدهم �شِ ّد ٌة؛ َو َّج َه قل َبه �إلى العل ِّو يدعو
اهلل! ،ولقد كان عندي من ه�ؤالء النافني لهذا من هو من م�شايخهم وهو يطلب
مني حاجة ،و�أنا �أخاطبه يف هذا املذهب ك�أين غري منكر له ،و� ّأخرت ق�ضاء حاج َته
حتى �ضاق �صدره؛ فرفع طرفه ور�أ�سه �إلى ال�سماء وقال :يا اهلل! ،فقلت له� :أنت
حمق! ،ملن ترفع َط َر َفك ور�أ�سك؟! ،وهل فوق عندك �أحد؟! ،فقال� :أ�ستغفر اهلل،
ورجع عن ذلك ملّا تبني له �أن اعتقادَه ُيخالف ف ِْط َر َته ،ثم بي ّنت له ف�ساد هذا القول؛
فتاب من ذلك ،ورجع �إلى قول امل�سلمني امل�ستقر يف ف َِطرهم»(.)39
} æﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ
ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ{[غافر ،]37-36:قال ال�شيخ عبدالعزيز
رث مِ ن � ْأن تحُ �صى؛ ف ِْطر ّي ًة وعقل َّي ًة ونقل َّية ،وهذا الطريفي« :الدالئل على عل ِّو اهلل �أك ُ
حل َيوان التي ال عقل لها َتعرف عل َّو ر ِّبها؛ ف�إنها � ّإن ال يقت�ص ُر على العقول ،بل ف َِط ُر ا َ
�ش َكتْ ؛ �س َمتْ ورفعت َب َ�ص َرها �إلى ال�سماء ،حتى �إ َّن فرعون ـ مع عنا ِد ِه وكف ِر ِه وا�ستهزا ِئ ِه
توجه �إلى العل ِّو؛ ُيرِي ُد االطالع �إلى �إل ِه مو�سى ،وما يكو ُن هذا �إال لأ َّنه يُ�ؤمِ ُن �أ َّن الإل َه
َّ
جح ُدهُْ � :إن ُوجِ دَ ،فلن يكون �إال يف ال�سماء ،و�أن مو�سى قال له ذلك ،وما �أنكر الذي َي َ
على مو�سى مكا َنه ،ولك َّنه �أن َك َر وجودَه؛ لأنه لو كان موجوداً ،فلن يكون يف غري ال ُع ُل ِّو.
وج َد يف ف ِْط َر ِت ِه َرغب ًة ِّ
ببث وما من �إن�سانٍ مهما كان دِي ُنه ا�شتكى الظل َم والقه َر� ،إال َ
�شكوا ُه �إلى ال�سماء ،ومناجا ِة م َْن فيها ،ولو كان قد تد َّين بخالف ذلك»(.)40
(�( )37سري �أعالم النبالء) للإمام الذهبي (�ص.)1205 :
(( )38حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ� – 8 :ص.)88 :
(( )39درء تعار�ض العقل والنقل) ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية (جـ� – 6:ص.)344 – 343 :
(( )40املغربية يف �شرح العقيدة القريوانية) لل�شيخ عبدالعزيز الطريفي (�ص.)106 - 105 :
ير
ص ُيع -ال َب ِ
السمِ ُ الح ُّ
ي َّ - المجموعة الثامنة َ : 177
الــمــجــمــوعـــــــ 8ـــــــــة
مو�ضوع الأ�سماء :الحْ َ َيا ُة
()26 - 25 - 24
ري
يع -ال َب ِ�ص ُ ال�س ِم ُ ا َ
حل ُّي َّ -
178 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الـمجـمـوعـ8ـة
مو�ضوع الأ�سماء :الحْ َ َيا ُة
()26 - 25 - 24
ري
ِيع -ال َب ِ�ص ُ
ال�سم ُ ا َ
حل ُّي َّ -
�أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود:
حل ُّي :ورد يف القر�آن الكرمي ( 5مرات) ،منها قوله تعالى }:ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ æا َ
ﭙ{[�آل عمران ،]2:وقوله تعالى}:ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ{ [الفرقان،]58:
اللهم لك �أ�سلمت وبك ومن ال�سنة حديث ابن عبا�س �أن ر�سول اهلل ¤كان يقولّ ( :
�آمنت ،وعليك تو ّكلت ،و�إليك �أنبت ،وبك خا�صمتّ ،
اللهم �إنيّ �أعوذ بعزّ تك ،ال �إله �إ ّال
واجلن والإن�س ميوتون)(.)1ّ �أنت؛ �أن ت�ضلني� ،أنت الحْ َ ُّي الذي ال ميوت،
ِيع :ورد يف القر�آن الكرمي ( 45مرة) ،منها قوله تعالى } :ﭡ ﭢ ال�سم ُ َّ æ
ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ{[ال�شورى ،] 11 :ومن ال�سنة قوله �( :¤أيها النا�س،
ولكن تدعون �سميع ًا ب�صري ًا)(.)2أ�صم وال غائب ًاْ ،
ار َبعوا على �أن ُف ِ�سكم ف�إنكم ال َت ْدعونَ � َّ
ري :ورد يف القر�آن الكرمي ( 42مرة) ،منها قوله تعالى }:ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ æال َب ِ�ص ُ
ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ{[الن�ساء .]58:ومن ال�سنة قوله �( :¤أيها النا�س ،ار َبعوا على
ولكن تدعون �سميع ًا ب�صري ًا)(.)3
أ�صم وال غائب ًاْ ،
�أن ُف ِ�سكم ف�إنكم ال َت ْدعونَ � َّ
ثاني ًا :املعنى اللغوي:
æا َ
حل ُّي�« :صفة م�شبهة للمو�صوف باحلياة ،فعله َح َّي َي َح ُّي حياة ،وا َ
حل ُّي من
نقي�ض امليت»( ،)4قال الزجاجي« :فاهلل احلي الباقي الذي ال يجوز عليه كل �شيء ُ
( )1رواه م�سلم برقم (.)2717
( )2رواه البخاري برقم (.)2830
( )3املرجع ال�سابق.
(�( )4أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص.)406 :
ير
ص ُيع -ال َب ِ
السمِ ُ الح ُّ
ي َّ - المجموعة الثامنة َ : 179
ريا»(.)5
وتعالى عن ذلك عل ًوا كب ً املوت وال الفناء،
ِيع « :من �أ ْبنِي ِة املُبالغة ،فعله �سَ مِ َع ي�سَ ْمع �سَ معا»( ،)6وال�سمع يراد به
ال�سم ُ
َّ æ
ال�سمِ ي ُع) املدرك للأ�صوات التي يدركها املخلوقون �إدراك الأ�صوات ،قال احلليميَّ (« :
ب�آذانهم»(.)7
æال َب ِ�ص ُري�« :صفة م�شبهة للمو�صوف بال َب َ�صر ،فعله َب ُ�ص َر ُي ِ
ب�ص ُر َب َ�صراً فهو
ب�صري»(« ،)8والب�صري �-سبحانه -هو املت�صف بالب�صر ،والب�صر �صفة من �صفات
ذاته ،تليق بجالله ،يجب �إثباتها هلل دون متثيل �أو تكييف� ،أو تعطيل �أو حتريف ،فهو
الذي يب�صر جميع املوجودات يف عامل الغيب وال�شهادة ،ويرى الأ�شياء كلها مهما
خفيت �أو ظهرت ومهما دقت �أو عظمت»( ،)9يقول ابن القيم« :الذي لكمال ب�صره يرى
تفا�صيل خلق الذرة ال�صغرية ،و�أع�ضاءها وحلمها ودمها وخمها وعروقها ،ويرى
دبيبها على ال�صخرة ال�صماء ،يف الليلة الظلماء ،ويرى ما حتت الأر�ضني ال�سبع ،كما
يرى ما فوق ال�سموات ال�سبع»(.)10
ثالث ًا :املعنى ال�شرعي:
حل ُّي« :الدائم الذي ال ميوت ،وال يبيد ،وال يفنى»( ،)11قال ابن جرير: æا َ
«(ا َ
حل ُّي) ،الذي له احلياة الدائمة ،والبقاء الذي ال �أول له بحد ،وال �آخر له ب�أمد� ،إذ
كان كل ما �سواه ف�إنه و�إن كان حيا فلحياته �أول حمدود ،و�آخر ممدود ،ينقطع بانقطاع
�أمدها ،وينق�ضي بانق�ضاء غايتها»( ،)12وقال اخلطابي(« :ا َ
حل ُّي) الذي مل يزل موجوداً،
(( )5ا�شتقاق الأ�سماء) للزجاجي (�ص.)102 :
(�( )6أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص.)318 :
(( )7الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ� - ١ :ص.)120 :
( )8معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة :ب �ص ر).
(�( )9أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص.)326 :
(( )10طريق الهجرتني وباب ال�سعادتني) البن القيم (�ص.)107 :
(( )11تف�سري الطربي) عند تف�سري الآية ( )1من �سورة �آل عمران ،والقول البن جرير الطربي.
(( )12جامع البيان يف ت�أويل القر�آن) البن جرير الطربي عند تف�سري الآية ( )255من �سورة (البقرة).
180 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
وباحلياة مو�صوفاً ،مل حتدث له حياة بعد موت ،وال يعرت�ضه املوت بعد احلياة ،و�سائر
الأحياء َي ْعرتيهم املوت �أو العدم يف �أحد طريف احلياة �أو فيهما معاً }:ﮖ ﮗ ﮘ
حل ُ ّي) الذي له جميع معاين ﮙ ﮚ{ [الق�ص�ص ،)13(»]88:وقال ال�شيخ ال�سعدي(« :ا َ
احلياة الكاملة ،من ال�سمع والب�صر والقدرة والإرادة وغريها ،وال�صفات الذاتية»(،)14
حل ُّي) املو�صوف باحلياة الكاملة الأبدية ،التي ال يلحقها موت وال فناء؛ وقال الهرا�س(« :ا َ
لأنها ذاتية له �-سبحانه»(.)15
ِيع« :ال�سميع ملا تنطق به خلقه من قول»( ،)16قال ابن القيم: ال�سم َُّ æ
ال�سمِ ي ُع) الذي ي�سمع �ضجيج الأ�صوات ،باختالف اللغات ،على تفنن احلاجات، «( َّ
يف �أقطار الأر�ض وال�سماوات ،فال ي�شتبه عليه ،وال يختلط ،وال يلتب�س ،وال ُي ُ
غلط ُه
ال�سمِ ي ُع) الذي ي�سمع ال�سر والنجوى� ،سوا ٌء عنده �سمع»( ،)17ويقول اخلطابيَّ (« :
اجلهر واخلفوت ،والنطق وال�سكوت ،وقد يكون ال�سماع مبعنى القبول والإجابة»(.)18
ال�سمِ ي ُع) الذي ي�سمع جميع الأ�صوات باختالف اللغات على وقال ال�شيخ ال�سعديَّ (« :
تفنن احلاجات»(.)19
ري « :الذي �أحاط ب�صره بجميع املب�صرات»( ،)20قال ابن القيم: æال َب ِ�ص ُ
ري) الذي يرى دبيب النملة ال�سوداء ،على ال�صخرة ال�صماء ،حتت �أطباق «(ال َب ِ�ص ُ
ري) املدرك للأ�شخا�ص الأر�ض ،يف الليلة الظلماء»( ،)21وقال احلليمي(« :ال َب ِ�ص ُ
ري) الذيوالألوان التي يدركها املخلوقون ب�أب�صارهم»( .)22وقال ال�سعدي(« :ال َب ِ�ص ُ
يب�صر كل �شيء و�إن رق �أو �صغر ،)23(»..وقال الهرا�س( « :الب�صري) املدرك جلميع
(�( )13ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص.)80:
( )14تف�سري ال�سعدي عند تف�سري الآية ( )254من �سورة البقرة.
(�( )15شرح الق�صيدة النونية) للدكتور حممد خليل هرا�س (جـ� - 2:ص.)112 :
(()16تف�سري الطربي) عند تف�سري الآية ( )11من �سورة ال�شورى.
(( )17ال�صواعق املر�سلة) البن القيم (جـ� - 3 :ص.)1083 :
(�( )18ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص.)59:
( )19تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص.)17 :
(( )20املرتع الأ�سنى ..من كتب ابن القيم) لعبد العزيز الداخل (�ص.)445 :
(( )21ال�صواعق املر�سلة) البن القيم (جـ� - 3 :ص.)1083 :
(( )22الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ� - ١ :ص.)122 :
( )23تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص.)17 :
ير
ص ُيع -ال َب ِ
السمِ ُ الح ُّ
ي َّ - المجموعة الثامنة َ : 181
املرئيات من الأ�شخا�ص والألوان مهما لطفت �أو بعدت ،فال ت�ؤثر على ر�ؤيته
احلواجز والأ�ستار» (.)24
رابع ًا :الفروق بني الأ�سماء:
ِيع ال َب ِ�ص ُري :الفروق وا�ضحة بني الأ�سماء ،فـ (ا َ
حل ُّي) الذي له جميع ال�سم ُ æا َ
حل ُّي َّ
ال�سمِ ي ُع) املدرك جلميع امل�سموعات ،الذي
معاين احلياة ،التي ال يلحقها موت وال فناء ،و( َّ
ري) املدرك
�أحاط �سمعه بجميع الأ�صوات ،على اختالف اللغات ،وتفنن احلاالت ،و(ال َب ِ�ص ُ
جلميع املب�صرات ،الذي �أحاط ب�صره بكل �شيء من خلقه.
خام�س ًا :ال�صفة امل�شتقة:
æا َ
حل ُّي :ال�صفات امل�شتقة من ا�سمه �-سبحانه (ا َ
حل ّي) «�صفة (الحَْ َياة) وهي
�صف ٌة ذات َّي ٌة ثابت ٌة هلل َ -ع َّز وج َّل -بالكتاب وال�سنة»( ،)25قال تعالى} :ﭦ ﭧ
ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ{[الفرقان ،]58:ومن ال�سنة قوله � ...(:¤أنت احلي الذي ال ميوت،
واجلن والإن�س ميوتون)(.)26
ِيع :ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه �-سبحانه ( َّ
ال�سمِ يع) «�صفة ( َّ
ال�س ْم ِع) وهي ال�سم ُ
َّ æ
�صف ٌة ذات َّي ٌة ثابت ٌة هلل َ -ع َّز وج َّل -بالكتاب وال�سنة»( ،)27قال تعالى }:ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ
ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ{[املجادلة،]1:
ومن ال�سنة قوله ..( :¤فناداين ملك اجلبال ،ف�سلم علي ،ثم قال :يا حممد� ،إن اهلل
قد �سمع قول قومك ،و�أنا ملك اجلبال .)28()..
æال َب ِ�ص ُري :ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه �-سبحانه (ال َب ِ�صري) «�صفة (ال َب َ�صرِ) وهي
(�( )24شرح العقيدة الوا�سطية) ملحمد بن خليل ه ّرا�س (�ص.)97 :
(�( )25صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص.)109 :
( )26رواه م�سلم برقم (.)2717
(�( )27صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص.)149 :
( )28متفق عليه :رواه البخاري برقم ( ،)3231وم�سلم برقم (.)1795
182 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
�صف ٌة ذات َّي ٌة ثابت ٌة هلل َع َّز وج َّل بالكتاب وال�سنة»( ،)29قال تعالى }:ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ
ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ{[احلديد ،]4:ومن ال�سنة قوله ¤للنا�س( :يا �أيها النا�س ،اربعــوا
أ�صم وال غائب ًا ،ولكن تدعون �سميع ًا َب�صري ًا.)30()...
على �أنف�سكم� ،إنكم ال تدعون � َّ
�ساد�س ًا :فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى:
حل ّي) ( 3مرات) منها قوله تعالى: æال َق ُّي ُ
وم :ورد االقرتان مع ا�سمه �-سبحانه (ا َ
} ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ{[طه ،]111 :وال�سر يف ذلك
-واهلل �أعلم -لت�ضمن هذين اال�سمني الكرميني معاين �أ�سماء اهلل و�صفاته و�أفعاله،
يقول ال�شيخ ال�سعدي(« :ا َ
حل ُّي) اجلامع ل�صفات الذات ،و(ال َق ُّيو ُم) اجلامع ل�صفات
الأفعال»( ،)31ويقول ابن القيم�« :إن احلياة مت�ضمنة جلميع �صفات الكمال ،م�ستلزم ٌة
لها ،و�صفة القيومية مت�ضمنة جلميع �صفات الأفعال؛ ولهذا كان ا�سم اهلل الأعظم
حل ُّي ال َق ُّيو ُم)»( ،)32ويقول يف
الذي �إذا دُعي به �أجاب ،و�إذا �سئل به �أعطى هو ا�سم (ا َ
مو�ضع �آخر�« :إن احلياة م�ستلزمة جلميع �صفات الكمال ،وال يتخلف عنها �صفة منها
�إال ل�ضعف احلياة ،ف�إذا كانت حياته �أكمل حياة و�أمتها ا�ستلزم �إثباتها �إثبات ك ِّل كمال
ُي�ضاد نفي كمال احلياة ..و�أما (ال َق ُّيو ُم) فهو مت�ضمن كمال غناه وكمال قدرته،
ف�إنه القائم بنف�سه ،ال يحتاج �إلى من يقيمه بوجه من الوجوه ،وهذا من كمال غناه
بنف�سه عما �سواه ،وهو املقيم لغريه ،فال قيام لغريه �إال ب�إقامته ،وهذا من كمال
َ
امل�ستغيث قدرته وعزته ،فانتظم هذان اال�سمان �صفات الكمال والغنى التام ،فك�أن
م�ستغيث بكل ا�سم من �أ�سماء الرب -تعالى ،وبكل �صفة من �صفاته ،فما �أولى ٌ بهما
اال�ستغاثة بهذين اال�سمني �أن يكونا يف مظنة تفريج الكربات ،و�إغاثة اللهفان ،و�إنالة
الطلبات»(.)33
(�( )29صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص.)69 :
( )30رواه البخاري برقم (.)2830
( )32تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص.)19 :
(( )32املرتع الأ�سنى ..من كتب ابن القيم) لعبد العزيز الداخل (�ص.)275 :
(( )33بدائع الفوائد) البن القيم (جـ� - 2 :ص.)184 :
ير
ص ُيع -ال َب ِ
السمِ ُ الح ُّ
ي َّ - المجموعة الثامنة َ : 183
حني ي�ست�شعر الداعي �أنه يخاطب من ي�سمعه وي�صغي �إلى جنواه»( .)36ويقول ابن
القيم عن اقرتان (العليم) بـ (ال�سميع) يف قول اهلل تعالى} :ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ
ومعنى ُيق�صد ،عقب ُه با�سم
ً ﭵ ﭶ{[البقرة« :]227:ف�إن الطالق ملَّا كان لفظاً ُي�سمع،
(ال�سميع) لل ُّنطق به (العليم) مب�ضمونه»( ،)37وقال الرازي عند تف�سري قول اهلل تعالى:
}ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ
ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ{[البقرة « :]137:ثم �إن اهلل تعالى ملا وعد نبيه ¤بالن�صرة
واملعونة على امل�شركني �أتبعه مبا يدل على �أن ما ي�سرون وما يعلنون من هذا الأمر
ال يخفى عليه تعالى فقال } :ﮖ ﮗ ﮘ{ وفيه وجهان ،الأول� :أنه وعيد
لهم ،واملعنى �أنه يدرك ما ي�ضمرون ويقولون وهو عليم بكل �شيء فال يجوز لهم �أن
يقع منهم �أمر �إال وهو قادر على كفايته �إياهم فيه ،والثاين� :أنه وعد للر�سول ،¤
يعني :ي�سمع دعاءك ويعلم نيتك وهو ي�ستجيب لك ويو�صلك �إلى مرادك» (.)38
ال�سمِ يع) مرة واحدة يف قولهيب :ورد االقرتان مع ا�سمه �-سبحانه ( َّ æال َق ِر ُ
تعالى} :ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ
ﭪ ﭫ{ [�سب�أ ،]50:وال�سر يف ذلك -واهلل �أعلم -كما يقول القرطبي }«:ﭩ
ﭪ ﭫ{� :أي �سميع ممن دعاه ،قريب الإجابة»( ،)39ويقول ال�شيخ حممد متويل
ال�شعراوي }«:ﭩ ﭪ ﭫ{ (�سَ مِ ي ٌع) �أي :يعرف مطلوبي ،وي�سمع مني كل
علي يف الإجابة»(.)40 َن َف�س ،وهو �-سبحانه -مع �سمعه ( َقر ٌ
ِيب) منى ال يبطئ ّ
� سابع ًا :الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء:
æالأثر االعتقادي:
هو احلي الباقي ،الذي له جميع معاين احلياة الكاملة ،وهي حياة غري م�سبوقة اهلل
(( )36وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص ،)350- 349 :وانظر (مطابقة �أ�سماء اهلل احل�سنى) د جنالء
(( )37جالء الأفهام) البن القيم (�ص.)135 : كردي (�ص.)248 - 247 :
( )38تف�سري (مفاتيح الغيب) للرازي عند تف�سري الآية ( )137من �سورة البقرة (بت�صرف ي�سري).
(( )39تف�سري القرطبي) عند تف�سري االية ( )50من �سورة �سب�أ.
( )40تف�سري (خواطر حممد متويل ال�شعراوي) (�سورة �سب�أ -الآية .) 50
ير
ص ُيع -ال َب ِ
السمِ ُ الح ُّ
ي َّ - المجموعة الثامنة َ : 185
بعدم ،وال يلحقها زوال وفناء ،وال يعرتيها نق�ص وال عيب ،وت�ستلزم كمال �صفاته �-سبحانه؛ من
علمه و�سمعه وب�صره وقدرته و�إرادته ورحمته وفعله ما ي�شاء� ،إلى غري ذلك من �صفات كماله.
æالأثر العملي:
1.1حمبة اهلل و�إجالله وتوحيده ،ليقني العبد ب�أن ربه له احلياة الكاملة التي
تت�ضمن جميع �صفات الكمال من ال�سمع والب�صر والقدرة والعلم وغريها ،وما
يثمره ذلك يف القلب من االبتهاج واللذة وال�سرور ،الذي ُت ْد َف ُع به الكروب،
والهموم ،والغموم.
2.2التوكل ال�صادق على اهلل احلي ال�سميع الب�صري ،الذي له احلياة الكاملة ،كما قال
�سبحانه} :ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ{[الفرقان ،]58:وقوله تعالى} :ﮒ ﮓ
ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ{[ال�شعراء217:
،]219-واحلي الذي ال ميوت �أبدًا وال ت�أخذه �سنة وال نوم ،هو اهلل ال�سميع الب�صري
�سبحانه ،فال يكون التوكل ال�صادق �إال عليه وحده �سبحانه ،فهو ذخر العبد وملج�أه
يف كل حني ،وبالتايل يقطع امل�ؤمن تعلقه ورجاءه يف املخلوقني ال�ضعفاء ،الذين ميوتون
وينامون ويغفلون وين�سون ،وال ميلكون لأنف�سهم �ض ًرا وال نف ًعا ف�ض ًال عن �أن ميلكوه
لغريهم.
3.3الإخال�ص هلل -تعالى -يف جميع الأعمال ،واللجوء �إليه يف حاجات الدنيا
والآخرة ،لأنه �-سبحانه -ي�سمع كالمنا ،ويرى مكاننا ،ويعلم خائنـ ــة الأعني
ومـ ــا تخفي ال�صـ ــدور ،كما قال �سبحانه} :ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ
ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ {[ال�شعراء ،]218:وكما قال ( :¤ثكلتك �أمك يا معاذ!،
وهل يكب النا�س يف النار على وجوههم �إال ح�صائد �أل�سنتهم)(.)41
واخلوف منه ،حيث ال تخفى عليه خافية يف ليل �أو نهار ،يف �سر �أو 4.4مراقبة اهلل
( )41رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)5136
186 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
�إعالن ،يف باطن الأر�ض �أو على ظهرها ،وهذا يثمر يف قلب امل�ؤمن خو ًفا من اهلل ،
ترتجمه الأع�ضاء واجلوارح �إلى عمل �صالح ،فال ي�سمع وال يب�صر �إال ما يحبه اهلل
وير�ضاه ،قال ¤فيما يرويه عن ربه( :وما تقرب �إيل عبدي ب�شيء �أحب �إيل
مما افرت�ضت عليه ،وما يزال عبدي يتقرب �إيل بالنوافل حتى �أحبه ،ف�إذا
�أحببته ،كنت �سمعه الذي ي�سمع به ،وب�صره الذي يب�صر به ،ويده التي
يبط�ش بها ،ورجله التي مي�شي بها .)42()..
5.5ال�صرب على ما يالقيه العبد من �أذى اخللق وخا�صة من الكافرين واملنافقني
والفا�سقني؛ لأن اهلل ي�سمع كالمهم ،ويرى مكانهم ،وال يخفى عليه �أمرهم،
} :ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ كما قال �-سبحانه -ملو�سى وهارون
ﯣ ﯤ{[طه ،]46 :والإميان بهذا يثمر يف القلب ال�صرب والر�ضى
والطم�أنينة واال�ستعانة به �-سبحانه ،وانتظار فرجه ون�صره ،وعدم ا�ستبطاء
ذلك؛لأن اهلل �-سبحانه -ي�سمع ويرى ويعلم ،ولكنه ميهل وال يهمل.
ثامن ًا :مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء:
ري) من الأ�سماء الدالة على �صفات اهلل الذاتية ال�سمِ ي ُع -ال َب ِ�ص ُ (ا َ
حل ُّي َّ -
وال�س ْمع وال َب َ�صر) ،وهي �صفات ذات ،مل يزل -وال يزال -اهلل مت�صف ًا بها ،وال
(الحَْ َياة َّ
تعلق لها بامل�شيئة؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل ،والتو�سل �إليه ،والثناء عليه بها ،يف
جميع �أغرا�ض الدعاء وحاجات العبد ..وقد حفل القر�آن الكرمي بنماذج كثرية للدعاء
والثناء بهذه الأ�سماء؛ قال -تعالى -داعي ًا عباده �إلى دعائه} :ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ
ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ{[غافر ،]65:وقال تعالى:
} ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
ﭟ{[البقرة ،]127:وقوله تعالى } :ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ
( )42رواه البخاري برقم (.)6502
ير
ص ُيع -ال َب ِ
السمِ ُ الح ُّ
ي َّ - المجموعة الثامنة َ : 187
البارحة؟ ،فقام علبة بن زيد ،فقال له ر�سول اهلل �( :¤إن اهلل قد َق ِبل �صدَ َقتك)(.)46
æعن قتادة قال :خرج عمر بن اخلطاب ‹ من امل�سجد ومعه اجلارود العبدي،
ف�إذا بامر�أة َب ِرزة على ظهر الطريق ،ف�سلم عليها عمر فردت عليه ال�سالم .فقالت :هيها
يا عمر! ،عهدتك و�أنت ت�سمى عمرياً يف �سوق عكاظ ترع ال�صبيان بع�صاك ،فلم
تذهب الأيام حتى �سُ ميت عمر ،ثم مل تذهب الأيام حتى �سميت �أمري امل�ؤمنني،
فاتق اهلل يف الرعية ،واعلم �أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد ،ومن خاف
أكرثت على �أمري امل�ؤمنني �أيتها املر�أة! .فقال عمر:
املوت خ�شي الفوت .فقال اجلارود :قد � ِ
دعها� ،أما تعرفها؟! هذه خولة بنت حكيم امر�أة عبادة بن ال�صامت ،التي �سمع
اهلل قولها من فوق �سبع �سماوات ،ف�أنزل فيها } :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ
ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ{[املجادلة ،]1:فعمر
�أحق واهلل �أن ي�سمع لها»(.)47
æورد يف بع�ض الإ�سرائيليات :يقول اهلل �« :أي�ؤمل غريي لل�شدائد ،وال�شدائد
بيدي و�أنا احلي القيوم؟! ،ويرجى غريي ،ويطرق بابه بالبكرات ،وبيدي مفاتيح
اخلزائن ،وبابي مفتوح ملن دعاين؟! ،من ذا الذي �أ َّملني لنائبة فقطعت به؟!� ،أو
من ذا الذي رجاين لعظيم فقطعت رجاءه؟!� ،أو من ذا الذي طرق بابي فلم �أفتحه
فيبخ ُلني عبدي؟!، له؟!� ،أنا غاية الآمال ،فكيف تنقطع الآمال دوين؟!� ،أبخيل �أنا ِّ
�ألي�س الدنيا والآخرة والكرم والف�ضل كله يل؟! ،فما مينع امل�ؤ ِّملني �أن ي�ؤ َّملوين؟! ،لو
جمعت �أهل ال�سموات والأر�ض ،ثم �أعطيت كل واحد منهم ما �أعطيت اجلميع ،وبلَّغت
واحد �أم َله ،مل ينق�ص ذلك من ملكي ع�ضو ذرة ،فكيف ينق�ص ملك �أنا ق ِّي ُمه؟!، ٍ كل
فيا ب�ؤ�س ًا للقانطني من رحمتي ،ويا ب�ؤ�س ًا ملن ع�صاين وتو َّثب على حمارمي»(.)48
( )46رواه ابن حجر الع�سقالين يف (نتائج الأفكار يف تخريج �أحاديث الأذكار).
( )47رواه ابن القيم يف (خمت�صر ال�صواعق) ,واحلافظ بن حجر يف الإ�صابة و�ضعفه الألباين يف (�شرح الطحاوية) برقم (.)284
(( )48جامع العلوم احلكم) البن رجب احلنبلي (�ص( & )526:حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) للأ�صفهاين (جـ– 10:
�ص.)187:
ير
ص ُيع -ال َب ِ
السمِ ُ الح ُّ
ي َّ - المجموعة الثامنة َ : 189
املخلوق يوجب عبوديته له ،في�أ�سه منه يوجب غنى قلبه عنه ،كما قيل :ا�ستغن
عمن �شئت تكن نظريه ،و�أف�ضل على من �شئت تكن �أمريه ،واحتج �إلى من �شئت تكن
�أ�سريه، فكذلك طمع العبد يف ربه ،ورجا�ؤه له يوجب عبوديته له ،و�إعرا�ض قلبه
عن الطلب من غري اللهّ ،والرجاء له يوجب ان�صراف قلبه عن العبودية للهّ ،ال�سيما
من كان يرجو املخلوق وال يرجو اخلالق ،بحيث يكون قلبه معتمدًا �إما على رئا�سته
وجنوده و�أتباعه ومماليكه ،و�إما على �أهله و�أ�صدقائه ،و�إما على �أمواله وذخائره،
و�إما على �ساداته وكربائه ،كمالكه وملكه ،و�شيخه وخمدومه وغريهم ،ممن هو
قد مات �أو ميوت. قال تعالى:}ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ
ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ {[الفرقان]58: ،وكل من ع ّلق قلبه باملخلوقات
�أن ين�صروه� ،أو يرزقوه� ،أو �أن يهدوه خ�ضع قلبه لهم ،و�صار فيه من العبودية لهم
ريا لهم مدب ًرا لهم مت�صر ًفا بهم ،فالعاقل ينظر
بقدر ذلك ،و�إن كان يف الظاهر �أم ً
�إلى احلقائق ال �إلى الظواهر»(.)55
يا من يرى مد البعو�ض جناحها()56
يف ظلمة ِ ال��ل��ي��ل ِ البهيم ِ الأل��ي��ل ِ ي��ا َم���نْ َي���رى َم��� ّد البعو�ض جناحها
وامل�����خّ م���ن ت��ل��ك ال��ع��ظ��ام ال��ن ّ��ح��ل ِ وي� ��رى م �ن��اط ع��روق �ه��ا يف ن�ح��ره��ا
�لا م���ن م��ف�����ص��ل يف م��ف�����ص��ل ِ م��ت��ن��ق ً وي����رى خ���ري��� َر ال����دم ِ يف �أوداج���ه���ا
يف ظ��ل��م��ة الأح�������ش���ا ب���غ�ي�ر مت���ق���ل ِ وي���رى و���ص��ول غ��ذا اجل��ن�ين ببطنها
يف ���س�يره��ا وح��ث��ي��ث��ه��ا امل�����س��ت��ع��ج��ل ِ وي���رى م �ك��ان ال� ��وطء م��ن �أق��دام �ه��ا
يف ق�����اع ب���ح���ر ٍ م��ظ��ل��م ٍ م���ت���ه���ول ِ وي����رى وي�����س��م��ع ح�����س م���ا ه���و دون��ه��ا
م���ا ك�����انَ م��ن��ي يف ال����زم����ان الأول ���ي ب���ت���وب���ة ٍ مت���ح���و ب��ه��ا ام نُ ْ
����ُن��� ع���ل َّ
(()55جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية) (جـ� – 10 :ص=.)185 -184 :
( )56لأبي العالء املعري
يم
ك ُ ير -ا ْل َ
ح ِ ِيم َ -
الخ ِب ُ العل ُ
ِم َ -
العال ُ
المجموعة التاسعة َ : 191
الــمــجــمــوعـــــــ9ـــــــــة
مو�ضوع الأ�سماء :الحْ ِ ْك َم ُة
()30 - 29 - 28 - 27
ري � -ٱلحْ َ ِك ُ
يم يم -ا َ
خل ِب ُ ال َعالمِ ُ -ال َع ِل ُ
192 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الـمجـمـوعـ9ـة
مو�ضوع الأ�سماء :ا ْل ِع ْل ُم والحْ ِ ك ُ
ْمة
()30 - 29 - 28 - 27
ري � -ٱلحْ ِك ُ
يم العالمِ ُ -الع ِل ُ
يم -اخل ِب ُ
�أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود:
æالعالمِ ُ :ورد يف القر�آن الكرمي ( 15مرة) منها قوله تعالى } :ﯰ ﯱ ﯲ
ﯳ{[الأنبياء ،]81:و�أ�ضيف يف ع�شر منها �إلى الغيب وال�شهادة كقوله تعالى}:ﯨ
:كان نبي اهلل¤ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ{[التغابن ،]18:ومن ال�سنة قول عائ�شة
�إذا قام من الليل افتتح �صالته فقال( :اللهم رب جربائيل وميكائيل و�إ�سرافيل ،فاطر
ال�سماوات والأر�ض ،عامل الغيب وال�شهادة� ،أنت حتكم بني عبادك فيما كانوا فيه
يختلفون ،اهدين ملا اختلف فيه من احلق ب�إذنك� ،إنك تهدي من ت�شاء �إلى �صراط
م�ستقيم)(.)1
يم :ورد يف القر�آن الكرمي ( 154مرة) منها قوله تعالى } :ﮓ æالع ِل ُ
ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ {[البقرة ،]137:ومن ال�سنة حديث �أبي �سعيد اخلدري ‹ قال:
كان ر�سول اهلل � ¤إذا قام �إلى ال�صالة بالليل كرب ثم يقول�( :سبحانك اللهم وبحمدك،
وتبارك ا�سمك ،وتعالى جدك ،وال �إله غريك ،ثم يقول :اهلل �أكرب كبريا ،ثم يقول
�أعوذ باهلل ال�سميع العليم من ال�شيطان الرجيم ،من همزه ونفخه ونفثه)(.)2
ري :ورد يف القر�آن الكرمي ( 45مرة) منها قوله تعالى } :ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ æاخل ِب ُ
�أن ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ{[التحرمي ،]3:ومن ال�سنة حديث عائ�شة
ري)(.)3 اللط ُ
يف الخْ ِب ُ ِ النبي ¤قال لها( :لتُخْ برِ ِ ي ِني �أ ْو ل ُيخْ برِنيِّ
( )1رواه م�سلم برقم (.)770
( )2رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (.)201
( )3رواه م�سلم برقم (.)974
يم
ك ُ ير -ا ْل َ
ح ِ ِيم َ -
الخ ِب ُ العل ُ
ِم َ -
العال ُ
المجموعة التاسعة َ : 193
يم :ورد يف القر�آن الكرمي ( 91مرة) منها قوله تعالى }:ﰂ ﰃ ﰄ æالحْ ِك ُ
ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ{[الأنعام ،]18:ومن ال�سنة ق�صة الأعرابي الذي جاء �إلى النبي ،¤
فقال :علمني كالما �أقوله .قال« :قل :ال �إله �إال اهلل وحده ال �شريك له ،اهلل �أكرب
كبريا ،واحلمد هلل كثريا� ،سبحان اهلل رب العاملني ،ال حول وال قوة �إال باهلل العزيز
احلكيم»(.)4
فهو حكيم ،واحلكيم من الب�شر من ت�صدر �أعماله و�أقواله عن رو ّية �سديدة ،ور�أي
�سليم ،واحلكمة� :صواب الأمر و�سداده ،وو�ضع ال�شيء يف مو�ضعه»( ،)10وقال الراغب:
«احلكمة �إ�صابة احلق بالعلم والعقل ،فاحلكمة من اهلل تعالى معرفة الأ�شياء
و�إيجادها على غاية الإحكام ،ومن الإن�سان معرفة املوجودات وفعل اخلريات ،وهذا
�صف به لقمان يف قوله } :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ{[لقمان)11( ،»]12: هو الذي ُو ِ
ويقول ابن جرير(« :الحْ كِي ُم) :هو فيما يدبر من �أمر خلقه ،حكيم ال يدخل تدبريه
خلل»( ،)12ويقول ابن القيم(« :الحْ كِي ُم) الذي ال ي�ضع ال�شيء �إال يف مو�ضعه»(.)13
مبا كان ،و(العلِيم) :مبا يكون ،فمن الأول علم غيب املا�ضي كقوله تعالى }:ﮕ ﮖ
ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ
ﮪ{[هود ،]49:وعلم غيب احلا�ضر كقوله تعالى }:ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ
ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽﭾ{[التوبة ،]101:ومن الثاين علم غيب امل�ستقبل
كقوله تعالى}:ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ
ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ{
[لقمان ،]34:قال ال�سمعاين« :قيل :العليم والعامل مبعنى واحد ،ومنهم من فرق
بني العليم والعامل ،فقال :العامل :مبا كان ،والعليم :مبا يكون»( ،)26وقال ّ
الزجاج:
«(العلِي ُم) فيه �صفة زائدة على ما يف (العال) ،وحكي عن قطرب �أن قولنا (علِي ٌم) يف
ا�سم اهلل -تعالى -يفيد العلم بالغيوب»(.)27
ري( :العلِيم) هو العامل بظواهر الأ�شياء بينما (اخل ِبري) لبواطن
يم -اخل ِب ُ
æالع ِل ُ
ري) الذي انتهى علمه �إلى الإحاطة ببواطن الأ�شياء وخفاياها ،يقول ابن القيم(« :اخل ِب ُ
الأ�شياء وخفاياها كما �أحاط بظواهرها»( ،)28ويقول الغزايل« :العلم �إذا �أ�ضيف �إلى
ريا»( ،)29وقال �أبو هالل الع�سكري:
اخلفايا الباطنة �سمي خربة و�سمي �صاحبها خب ً
«الفرق بني اخلرب والعلم� :أن اخلرب هو العلم بكنه املعلومات على حقائقها ففيه
معنى زائد على العلم»(.)30
يم :احلكمة �أخ�ص من العلم� ،إذ هي �إجراء العلم على نحو خا�صيم -الحْ ِك ُ
æالع ِل ُ
يحقق �أ�سمى الغايات ،قال اخلازن« :الفرق بني (الحْ كِيم) و(العال) �أن (العال) هو
الذي يعلم الأ�شياء بحقائقها و(الحْ كِي ُم) هو الذي يعمل مبا يوجبه العلم»( ،)31ويقول
(( )26تف�سري ال�سمعاين) لأبي املظفر من�صور ال�سمعاين (الآية - 247البقرة).
(( )27تف�سري �أ�سماء اهلل احل�سنى) لأبي �إ�سحاق الزجاج (�ص.)101:
(( )28ال�صواعق املر�سلة) البن القيم) (جـ� - 2 :ص.)492 :
(( )29املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص.)93 :
(( )30معجم الفروق اللغوية) لأبي هالل الع�سكري (�ص .)95:
(( )31تف�سري لباب الت�أويل) للخازن الآية ( )22من �سورة يو�سف.
يم
ك ُ ير -ا ْل َ
ح ِ ِيم َ -
الخ ِب ُ العل ُ
ِم َ -
العال ُ
المجموعة التاسعة َ : 197
ابن القيم« :احلكمة تت�ضمن كمال علمه وخربته ،و�أنه �أمر ونهى ،وخلق وقدّر ،ملا له
يف ذلك من احلكم والغايات احلميدة؛ التي ي�ستحق عليها كمال احلمد»( ،)32ويقول
ابن عا�شور« :تعقيب (العلِيم) بـ (الحْ كِيم) من �إتباع الو�صف ب�أخ�ص منه ،ف�إن مفهوم
احلكمة زائد على مفهوم العلم؛ لأن احلكمة كمال يف العلم فهو كقولهم خطيب م�صقع،
و�شاعر مفلق ،ويف «معارج النور» لل�شيخ لطف اهلل الأر�ضرومي :ويف (الحْ كِيم) ذو احلكمة
وهي العلم بال�شيء و�إتقان عمله»( ،)33ويقول ال�شيخ ال�سعدي( ..« :الحْ كِي ُم) هو وا�سع
العلم ،واالطالع على مبادئ الأمور وعواقبها»(.)34
خام�س ًا :ال�صفة امل�شتقة:
يم والعالمِ ُ :ال�صفة امل�شتقة من ا�سميه �-سبحانه (العلِيم والعال) «�صفة æالع ِل ُ
(ا ْل ِع ْلم) وهي �صف ٌة ذاتي ٌة ثابت ٌة هلل -ع ّز وج ّل -بالكتاب وال�سنة»( ،)35قال تعالى}:ﯩ
ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ{[البقرة .]255 :ومن ال�سنة قوله ¤يف اال�ستخارة:
(اللهم �إين �أ�ستخريك بعلمك)(.)36
æاخل ِب ُري :ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه �-سبحانه (اخل ِبري) «�صفة (اخلربة) وهي
�صف ٌة ذاتي ٌة ثابت ٌة هلل ع ّز وج ّل بالكتاب وال�سنة»( ،)37قال تعالى } :ﮋ ﮌ ﮍ
�أن النبي ¤قال لها( :لتُخْ برِ ِ ي ِني ﮎ{ [التحرمي ،]3 :ومن ال�سنة حديث عائ�شة
ري)(.)38 اللط ُ
يف الخْ ِب ُ ِ �أ ْو ل ُيخْ برِنيِّ
æالحْ ِك ُ
يم :ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه �-سبحانه (الحْ كِيم) «�صفة (الحْ ِ ْكمة) وهي
�صف ٌة ذاتي ٌة ثابت ٌة هلل -ع ّز وج ّل -بالكتاب وال�سنة»( ،)39قال تعالى } :ﰎ ﰏ
(( )32مدارج ال�سالكني) البن القيم) (جـ� - 3 :ص.)460 - 459 :
( )33تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور عند تف�سري (الآية 32:من البقرة).
(( )34احلق الوا�ضح املبني) لل�شيخ ال�سعدي (�ص.)50:
(�( )35صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص.)184 :
( )36رواه البخاري برقم (.)6382
(�( )37أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( ) :اخلبري).
( )38رواه م�سلم برقم (.)974
(�( )39صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص.)100 :
198 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
ﰖ {[الذاريات ،]30 :فهو كذلك راجع �إلى القوة الغالبة ،وامل�شيئة الطليقة التي
تعلو على �سنن الكون ونوامي�سه ،واقرتان القوة باحلكمة هو �ضمان انتظام الأمور ،و�أال
تتحول �إلى عبث يف�ضي �إلى اختالل ال�سنن وف�ساد الكون ،فاحلكمة هنا لها ال�صدارة،
يليها العلم الذي على �أ�سا�سه يكون �إجراء ال�سنن على ما قدر لها� ،أو تعطيلها حلكمة
ترجع لعلـم (العليم)»(.)42
ري :ورد االقرتان مع ا�سمه �-سبحانه (العلِيم) ( 4مرات) منها قول اهلل æالخْ ِب ُ
تعالى } :ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ{[الن�ساء ،]35:وكما �أ�شرنا يف الفرق بني (العليم)
و(اخلبري) يف حالة اجتماعهما ،فـ(العليم) يدل على �شمول علمه وعمومه لكل �شيء،
و(اخلبري) يدل على تغلغل علمه �سبحانه �إلى اخلفايا وبواطن الأمور ،وبذلك يكون العلم
ببواطن الأمور وخفاياها ودقائقها مذكور ًا مرتني :مرة بطريق العموم يف (العليم) ،ومرة
بطريق اخل�صو�ص يف (اخلبري) ،يقول ال�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل(« :العليم اخلبري) �إذا
اجتمعا افرتقا ،و�إذا افرتقا اجتمعا؛ مبعنى �أنه �إذا ذكر ا�سمه �-سبحانه (العليم)
مفر ًدا ف�إنه ي�شمل �إحاطة علم اهلل بالظواهر والبواطن ،وكذلك لو ذكر ا�سمه
�-سبحانه (اخلبري) مفر ًدا� .أما �إذا اجتمعا يف �آية واحدة ف�إن (العليم) يفيد الإحاطة
العلمية بالعامل امل�شهود ،و(اخلبري) بعامل الغيب والبواطن»(.)43
ير :ورد االقرتان مع ا�سمه �-سبحانه (العلِيم) ( 4مرات) منها قوله تعالى: القد ُ
ِ æ
}ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ{[ال�شورى،]50:
وال�سر يف ذلك -واهلل �أعلم -للداللة على «كمال اهلل يف الو�صفية؛ لأن العلم بدون
قدرة عجز ،والقدرة بدون علم مظنة الإف�ساد والظلم والطغيان»( ،)44وكذلك ف�إن
تقدير اهلل وما يفعله بعبادة منوط بالعلم واحلكمة ،وما ُي�شاهد من تنوع �أحوال العباد
وتقلبهم بني احلرمان والعطاء ،والفقر والغنى ،وال�صحة واملر�ض ،والقوة وال�ضعف ،وطول
العمر وق�صره؛ كله �أ�سا�سه (العلم) ،ومبناه (القدرة) ،و�أنه �سبحانه عليم مبا ي�صلح عباده
وما يف�سدهم ،و�أن وراء ذلك حكمة بالغة ي�ستحق عليها احلمد وال�شكر.
(( )42مطابقة �أ�سماء اهلل احل�سنى) للدكتورة جنالء كردي (�ص )556 - 555 :بت�صرف ي�سري يف التقدمي والت�أخري.
(( )43وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص ,)353 :وانظر (مطابقة �أ�سماء اهلل احل�سنى) د جنالء كردي (�ص.)433 :
(( )44وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص.)354 :
يم
ك ُ ير -ا ْل َ
ح ِ ِيم َ -
الخ ِب ُ العل ُ
ِم َ -
العال ُ
المجموعة التاسعة َ : 201
يم :ورد االقرتان مع ا�سمه �-سبح ــانه (العلِيم) ( 3مرات) منها قوله تعالى:
æاحل ِل ُ
} ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ{[الأحزاب ،]51:وال�سر يف ذلك -
واهلل �أعلم -بيان «�أن اهلل لو يعامل عباده ويجازيهم مبا يعلمه �-سبحانه -من
ذنوبهم الظاهرة ،وما تخفيه قلوبهم من املعا�صي الباطنة ،لهلكوا ،ولكنه �-سبحانه-
حليم عمن ع�صاه ،يغفر له وميهله ،وال يعاجله بالعقوبة ،لعله يتوب وينيب»(،)45
يقول ابن القيم« :ف�إن املخلوق يحلم عن جهل ،ويعفو عن عجز ،والرب -تعالى -يحلم
مع كمال علمه ،ويعفو مع متام قدرته ،وما �أ�ضيف �شيء �إلى �شيء �أزين من حلم �إلى
علم ،ومن عفو �إلى اقتدار»(.)46
ري :ورد االقرتان مع ا�سمـ ــه �-سبحانه (الخْ ِبري) ( 5مرات) منها قوله
الب�ص ُ
ِ æ
تعالى } :ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ{[فاطر ،]31:وال�سر يف ذلك -واهلل �أعلم -الإ�شارة
�إلى «�شمول علم اهلل -تعالى -للبواطن واحلقائق ،وكذلك للذوات وامل�شاهدات
واملب�صرات»( ،)47يقول ابن عا�شور(« :اخلبري) العامل بدقائق الأمور املعقولة
واملح�سو�سة والظاهرة واخلفية ،و(الب�صري) العامل بالأمور املب�صرة ،وتقدمي
اخلبري على الب�صري لأنه �أ�شمل ،وذكر الب�صري َع ِق َبه للعناية بالأعمال التي هي من
املب�صرات ،وهي غالب �شرائع الإِ�سالم»(.)48
ري :ورد االقرتان مع ا�سمه �-سبحانه (الحْ كِيم) ( 4مرات) منها قوله تعالى:
æاخل ِب ُ
} ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ{[�سب�أ ،]1:وال�سر يف ذلك -واهلل �أعلم -كما
يقول ابن القيم« :ثم عقب هذا احلمد وامللك با�سم } ﭡ ﭢ{ الدالني على
كمال الإرادة ،و�أنها ال تتعلق مبرا ٍد �إال حلكمة بالغة وعلى كمال العلم ،و�أنه كما
يتعلق بظواهر املعلومات؛ فهو متعلق ببواطنها التي ال تدرك �إال بخربة ،فن�سبة
احلكمة �إلى الإرادة كن�سبة اخلربة �إلى العلم ،فاملراد ظاهر ،واحلكمة باطنة ،والعلم
(( )45وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص.)352 - 351 :
(( )46عدة ال�صابرين وذخرية ال�شاكرين) البن القيم (�ص.)276:
(( )47وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص.)396 :
( )48تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور عند تف�سري (الآية 31:من فاطر).
202 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
ظاهر واخلربة باطنة ،فكمال الإرادة �أن تكون واقعة على وجه احلكمة ،وكمال العلم
�أن يكون كا�ش ًفا عن اخلربة ،فاخلربة باطن العلم وكماله ،واحلكمة باطن الإرادة
وكمالها»( ،)49كما يدل اقرتان (احلكيم اخلبري) على «جريان ت�صرفه و�سلطانه –
�سبحانه على مقت�ضى الإ�صالح ،واخلري وال�سداد ،ومنع الف�ساد ،ف�إذا وقع للعبد من
�أقداره ما يكره؛ فليوقن �أن وراءه حكمة بالغة ال يدركها �إال (اخلبري) الذي
تغلغل علمه �إلى اخلفايا وبواطن الأمور ،فتطمئن النفو�س من خوف ،وت�سكن
القلوب من قلق وا�ضطراب»(.)50
æاحلميد :ورد االقرتان مع ا�سمه �-سبحانه (الحْ كِيم) مرة واحدة يف قوله تعالى:
} ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ{[ف�صلت ،]42:وال�سر يف ذلك -واهلل �أعلم -الإ�شارة �إلى �أن هذا
القر�آن منزل من حكيم متقن يف فعله ،ال ي�شوب فعله خلل وال زلل ،حممود على الإِطالق،
يقول ال�شيخ ال�سعدي } « :ﮝ ﮞ ﮟ{ يف خلقه و�أمره ي�ضع كل �شيء مو�ضعه،
وينزله منازله }،ﮠ{ على ما له من �صفات الكمال ،ونعوت اجلالل ،وعلى ما له
ال على متام احلكمة ،وعلى حت�صيل من العدل والإف�ضال ،فلهذا كان كتابه م�شتم ً
امل�صالح واملنافع ،ودفع املفا�سد وامل�ضار ،التي يحمد عليها»(.)51
� سابع ًا :الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء:
æالأثر العلمي االعتقادي:
�شمول علم اهلل لكل �شيء يف ال�سماوات والأر�ض ،فاهلل – �سبحانه -يعلم ما
كان من الأمور املا�ضية التي وقعت ،ويعلم ما يكون من الأمور امل�ستقبلية التي مل تقع بعد،
ويعلم ما مل يكن ،لو كان كيف يكون ..وعلمه – �سبحانه � -شمل جليل الأمور وحقريها،
و�صغريها وكبريها ،ويعلم -تعالى -ظواهر الأ�شياء وبواطنها ،غيبها و�شهادتها ،ويعلم
(( )49بدائع الفوائد) (جـ� - 1 :ص.)79 :
(( )50مطابقة �أ�سماء اهلل احل�سنى) للدكتورة جنالء كردي (�ص.)508 - 507 :
( )51تف�سري ال�سعدي عند تف�سري (االية � - 42سورة ف�صلت).
يم
ك ُ ير -ا ْل َ
ح ِ ِيم َ -
الخ ِب ُ العل ُ
ِم َ -
العال ُ
المجموعة التاسعة َ : 203
-تعالى -جزئيات الأمور وخبايا ال�صدور ،وخفايا ما وقع ويقع؛ فهو الذي �أحاط علمه
بجميع الأ�شياء يف كل الأوقات ،وعلمه �-سبحانه -غري م�سبوق بجهل ،وال ملحوق بن�سيان،
قال تعالى }:ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ
ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﰂﰃﰄﰅﰆﰇ ﰈﰉﰊ
ﰋ ﰌ{[الأنعام.]59:
الأثر العملي: æ
4.4تثبيت امل�ؤمنني يف ميدان ال�صراع والنزال مع الباطل و�أهله .ف�إذا ق�صر علم الب�شر
عن العلم والإحاطة بكيد الكافرين ومكرهم ف�إن اهلل ال تخفى عليه من �أمورهم
خافية ،وهو من ورائهم حميط وعليهم قدير .وهذا الإميان يطمئن قلب امل�ؤمن،
ويقوي �ضعفه ،يف مواجهة اخل�صوم وكيدهم ،ويجعله قادر ًا على مقارعة عدوه
غري هياب وال وجل ،قال تعالى}:ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ
ﮆ{[ي�س.]76:
5.5الرجاء والأن�س باهلل -تعالى -ودفع الي�أ�س والقنوط من القلب؛ لأن العبد �إذا
�أيقن �أن ربه يعلم حاله ،وال تخفى عليه خافية يف ليل �أو نهار ،يف بر �أو بحر �أو
�سماء ،ف�إن ذلك يثمر يف قلب امل�ؤمن تعلقه بربه -تعالى ،العامل ب�أحوال عباده،
فيت�ضرع بني يديه ،ويوجه �شكواه �إليه ،ويلقي بحاجته عند بابه .ف�إذا وافق هذا
االنطراح واالنك�سار ح�سن ظن باهلل -تعالى -وقوة ا�ضطرار ،مل تتخلف الإجابة،
وجاءه الفرج من ربه العليم احلكيم ،الرب الرحيم.
6.6اال�ست�سالم والر�ضا مبا يقدره اهلل من الأحكام الكونية القدرية من م�صائب
و�أمرا�ض وغريها ،مما ال ن�ستطيع دفعه بالأ�سباب ال�شرعية ،مع اليقني ب�أن كل ما
يكتبه اهلل علينا من م�صائب وغريها فهي خري لنا �إما عاج ًال �أو �آج ًال ،ولقد
كان �أنبياء اهلل يدركون ما يف �أ�سماء اهلل من العبوديات وما يلزم عليها
من الر�ضا والت�سليم والطم�أنينة لق�ضاء اهلل وقدره ،فهذا نبي اهلل يعقوب -عليه
ال�صالة وال�سالم -عندما جاءه اخلرب بحب�س ابنه الثاين عند عزيز م�صر -
-توجه برجائه ودعائه هلل } :ﮧ ﮨ وقد �سبق ذلك فقده ليو�سف -
ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ
- ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ{[يو�سف ،]83:وكذلك احلال ليو�سف -
عندما جمعه اهلل ب�أبويه ،حيث قال } :ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ
ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ
يم
ك ُ ير -ا ْل َ
ح ِ ِيم َ -
الخ ِب ُ العل ُ
ِم َ -
العال ُ
المجموعة التاسعة َ : 205
ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ{[يو�سف.]100:
7.7احلر�ص على التزود من العلم النافع ،والتوا�ضع هلل -تعالى -وللخلق بهذا العلم،
وعدم التكرب والفخر به ،وهــذا �إمنا يت ـ�أتى باليقني ب�أنه ال علم من علوم الدين
والدنيــا �إال من اهلل قال تعالى}:ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ
ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ{[البقرة.]32 :
ثامن ًا :مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء:
يم) من �أ�سماء الذات الدالة على �صفات ري � -ٱلحْ ِك ُ (العالمِ ُ -الع ِل ُ
يم -اخل ِب ُ
اهلل الذاتية (ا ْل ِعلْم واخلربة والحْ ِ كْمة) ،وهي �صفات ذات ،مل يزل -وال يزال -اهلل
مت�صف ًا بها؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل � -سبحانه وتعالى -والثناء عليه ،والتو�سل
�إليه ،بهذه الأ�سماء يف جميع حاجات العبد .والقر�آن الكرمي مليء بالأمثلة يف دعاء اهلل
�-سبحانه ،والثناء عليه بهذه الأ�سماء ،قال -تعالى -عن دعاء �إبراهيم و�إ�سماعيل -عليهما
ال�سالم ،يف طلب قبول العمل } :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ
ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ{[البقرة ،]127:وقوله -تعالى -عن دعاء امر�أة عمران يف
قبول نذرها}:ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ
ﮱ ﯓ ﯔ{[�آل عمران ،]35:وقوله -تعالى -عن دعاء يعقوب } :ﮧ ﮨ ﮩ
ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ
ﯜ{[يو�سـف ،]83:وقوله -تعالى -عن ا�ستجابته لدعـاء يو�سف } :ﮜ
ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ{ [يو�سف ،]34:وقوله -تعالى -عن
املالئكة يف دعائها للم�ؤمنني }:ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ
ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ{[غافر ،]8:وغريها
كثري .ويت�أكد الدعاء والثناء بهذه الأ�سماء عند �س�ؤال اهلل العلم والفهم واحلكمة ،ومن
قال�« :ضمني النبي� ¤إلى �صدره ،وقال( :اللهم ع ِّلمه ذلك حديث ابن عبا�س
206 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
احلكمة)( ،)53وكذلك يت�أكد الدعاء بهذه الأ�سماء وال�صفات حال اال�ستخارة ،كما جاء عنه
�( :¤إذا هَ ّم �أحدكم بالأمر فلريكع ركعتني من غري الفري�ضة ،ثم ليقل :اللهم �إين
�أ�ستخريك بعلمك ،و�أ�ستقدرك بقدرتك ،و�أ�س�ألك من ف�ضلك العظيم؛ ف�إنك تقدر وال
�أقدر ،وتعلم وال �أعلم ،و�أنت عالم الغيوب.)54()..
تا�سع ًا :لطائف و�أقوال:
ير�ضع من
ُ æمن حديث الثالثة الذين تكلموا يف املهد قوله ..( :¤وبينا �صبي
ْ
اجعل ابني اللهم
ح�سنة ،فقالت �أ ُّمهَّ : ٍ و�شارة
ٍ فارهة
ٍ دابة
راكب على ٍ رجل ٌ �أ ِّمه ،فم َّر ٌ
اللهم ال جتعلني مث َله! ،ثم مثل هذا! فرتك الثدي و�أقبل �إليه فنظر �إليه فقالَّ : َ
ر�سول اهلل ¤وهو يحكي يرت�ضع!) قال الراوي :فك�أين �أنظ ُر �إلى ِ
ُ �أقبل على ثديه فجعل
بجارية وهم ي�ضربونها ٍ مي�صها! قال( :ومروا
فمه ،فجعل ُّ ارت�ضاعه ب�إ�صب ِعه ال�سباب ِة يف ِ
َ
ُ
الوكيل! فقالت �أ ُّمه :اللهم تقول :ح�سبي اهلل ونعمُ �سرقت! وهي ِ زنيت،ويقولونِ :
اللهم اجعلني مث َلها! فهناك جتعل ابني مث َلها! فرتك الر�ضا َع ونظر �إليها ،فقالَّ : ْ ال
الهيئة فقلتُ :اللهم اجعل ابني ِ احلديث ،فقالتَ :ح ْل َقى( !)55مر ٌ
رجل ح�سنُ َ تراجعا
مث َله ،فقلت :اللهم ال جتعلني مث َله! ،ومروا بهذه الأ َم ِة وهم ي�ضربونها ويقولون:
اللهم اجعلني مث َلها! ،قال: جتعل ابني مث َلها ،فقلتَّ : ْ �سرقت ،فقلتُ َّ :
اللهم ال ِ زنيت،
ِ
اللهم ال جتعلني مث َله ،و�إن هذه يقولون لها: َّ الرجل كان جبا ًرا! فقلت: َ �إن ذاك
اللهم اجعلني مث َلها)(.)56 و�سرقت ،ومل ت�سرقْ ! فقلتَّ :
ِ زنيت ،ومل تزنِ ! ِ
æقال عدي بن حامت الطائي ‹ « :قال يل النبي ( :¤يا عدي بن حامت� ،أ�سلم
ت�سلم) فقلت� :إين على دين ،قال�( :أنا �أعلم بدينك منك!) ،قلت� :أنت �أعلم بديني
( )53رواه البخاري برقم (.)3756
( )54رواه البخاري برقم (.)6382
(َ )55ح ْل َقى :كلمة مبعنى الدعاء� ،أي �أ�صابه اهلل بوجع يف َحلقه ،وهي جتري على الل�سان وتقال على �سبيل العتب والتعجب ال
ْ
على نية وقوع ذلك وهو مذهب م�شهور يف الدعاء على ال�شيء من غري �إرادة وقوعه كقولهم :قاتلك اهلل ،وتربت يداك وغريه.
( )56متفق عليه :البخاري برقم ( ،)3436وم�سلم برقم ( ،)2550من حديث �أبي هريرة.
يم
ك ُ ير -ا ْل َ
ح ِ ِيم َ -
الخ ِب ُ العل ُ
ِم َ -
العال ُ
المجموعة التاسعة َ : 207
�إ�سالم بع�ض ال�صحابة ،ولأهمية هذا العلم ،ودوره الكبري يف تثبيت الإميان ،والثقة بهذا الدين،
والو�صول �إلى درجة اليقني؛ خ�ص�ص ال�شارع باب ًا كبري ًا لهذا العلم ،و�أ�سماه �أ�شراط ال�ساعة،
وعالمات القيامة ال�صغرى والكربى ،وهي �أحداث م�ستقبلية �أخرب الكتاب وال�سنة بوقوعها قبل
قيام ال�ساعة ،وقد وقع القليل منها يف حياة الر�سول ،¤وبع�ضها بعده ،وال زال الكثري منها مل
يقع بعد .وتعد هذه العالمات الغيبية من �أعظم الدالئل على علم اهلل �-سبحانه وتعالى -مبا يكون
ف�ض ًال عما كان .وكمثال على ذلك ما جاء عن �أبي ن�ضرة قال :كنا عند جابر بن عبد اهلل
فقال( :يو�شك �أهل العراق �أن ال يجبى �إليهم قفيز( )65وال درهم ،قلنا :من �أين ذاك؟ قال:
من قبل العجم( ،)66مينعون ذاك .ثم قال :يو�شك �أهل ال�شام �أن ال يجبى �إليهم دينار وال
مدي( ،)67قلنا :من �أين ذاك؟ قال :من قبل الروم ،ثم �سكت هنية ،ثم قال :قال ر�سول اهلل
:¤يكون يف �آخر �أمتي خليفة يحثي املال حثي ًا ،ال يعده عدد ًا)( ،)68فهذه ثالث �آيات
غيبية ،ك�شفها اهلل لنا على ل�سان ر�سوله ،¤ومن يدري فلعل الأولى هي ح�صار العراق الذي
ا�ستمر (� 12سنة) (من عام 1991م وحتى 2003م) عندما تواط�أت جميع �أمم الأر�ض -غري
العرب ،وهم العجم -على تطبيقه ،ولعل الثانية ح�صار ال�شعب ال�سوري امل�سلم �إبان ثورته �ضد
نظامه الطائفي الن�صريي والذي تواط�أ الروم على تنفيذه .ومن الدقائق اللطيفة يف احلديث،
�أنه ذكر (الدرهم) يف ح�صار العراق ،بينما ذكر (الدينار) يف ح�صار ال�شام ،والدرهم �أقل
بكثري من الدينار ،مما ي�شري �إلى قوة احل�صار يف الأولى دون الثانية ،كما هو مالحظ اليوم .ف�إن
كان هذا احلديث املعجز؛ �إخبار ًا مبا وقع يف احل�صارين ،فهل نحن على �أعتاب الآية الثالثة؟!.
æعن جبري بن نفري ،عن �أبيه قال« :جل�سنا �إلى املقداد بن الأ�سود يوم ًا ,فمر
به رجل فقال :طوبى لهاتني العينني اللتني ر�أتا ر�سول اهلل ¤واهلل �إنا لوددنا �أن ر�أينا ما
ر�أيت ,و�شهدنا ما �شهدت ,فا�ستغ�ضب! فجعلت �أعجب! ،ما قال �إال خريا! ،ف�أقبل �إليه
فقال :ما يحمل الرجل �أن يتمنى حم�ضراً غيبه اهلل عنه؟ ال يدري لو �شهده كيف
كان يكون فيه؟! واهلل لقد ح�ضر ر�سول اهلل � ¤أقوام �أكبهم اهلل على مناخرهم
( )65القفيز :مكيال �أهل العراق للحبوب ،واملق�صود منع الطعام.
( )66العجم :كل �شعوب الأر�ض من غري العرب.
( )67املدي :مكيال �أهل ال�شام للحبوب ،واملق�صود منع الطعام.
( )68رواه م�سلم برقم (.)2913
يم
ك ُ ير -ا ْل َ
ح ِ ِيم َ -
الخ ِب ُ العل ُ
ِم َ -
العال ُ
المجموعة التاسعة َ : 209
يف جهنم ,مل يجيبوه ،ومل ي�صدقوه� ,أوال حتمدون اهلل �إذ �أخرجكم ال تعرفون �إال
ربكم ,م�صدقني ملا جاء به نبيكم ,قد كفيتم البالء بغريكم ،واهلل لقد َبعث اهلل
النبي ¤على �أ�شد حال بعث عليها فيه نبي من الأنبياء يف فرتة وجاهلية ,ما
يرون �أن ديناً �أف�ضل من عبادة الأوثان ,فجاء بفرقان ف َّرق به بني احلق والباطل،
وف َّرق بني الوالد وولده ،حتى �إن كان الرجل لريى والده وولده �أو �أخاه كافراً,
وقد فتح اهلل قفل قلبه للإميان ,يعلم �أنه �إن هلك دخل النار ،فال تقر عينه وهو
يعلم �أن حبيبه يف النار ,و �إنها للتي قال اهلل تعالى } :ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ
ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ{[الفرقان.)69(»]74:
æعن عثمان بن الهيثم قال« :كان رجل بالب�صرة من بني �سعد ،وكان قائداً
من قادة عبيد اهلل بن زياد ،ف�سقط على ال�سطح فانك�سرت رجاله ،فدخل عليه
�أبو قالبة يعوده ،فقال له� :أرجو �أن تكون لك خرية! ،فقال له :يا �أبا قالبة ،و�أي
لي جميعاً؟! فقال �أبو قالبة :ما �سرت اهلل عليك �أكرث .فلما كان بعد
خري يف ك�سر ر ِْج َّ
ثالث ليال ورد عليه كتاب ابن زياد� :أن يخرج فيقاتل احل�سني ‹ .فقال للر�سول:
قد �أ�صابني ما ترى! .فما كان �إال �سبع ًا حتى وافى اخلرب بقتل احل�سني ‹! ،فقال
الرجل :رحم اهلل �أبا قالبة ،لقد �صدق!� ،إنه كان خرية يل»(.)70
æقال احل�سن الب�صري« :ال تكرهوا النقمات الواقعة ،والباليا احلادثة،
فلَ ُر َّب �أم ٍر تكرهه فيه جناتك ،ول ُر ّب �أم ٍر ت�ؤثره فيه عطبك»(� )71أي :هالكك.
امل�سيب« :بينما رجل واقف بالليل يف �شجر كثري ،وقد َع َ�صفت الريح،
æقال �سعيد بن ّ
فوقع يف نف�س الرجل� :أترى اهلل يعلم ما ي�سقط من هذا الورق؟! ،فنودي من جانب
الغ ْي�ضة( )72ب�صوت عظيم }:ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ{[امللك.)73(»]14:
æقال الإمام �أحمد بن حنبل« :قال تبارك وتعالى } :ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ
(� )69أخرجه الإمام �أحمد و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة (جـ - 6 :رقم.)2823 :
(� )70صفة ال�صفوة (جـ� – 3 :ص.)238 :
(�( )71شفاء العليل) للإمام �أبن القيم (جـ� – 1:ص� )350:ضمن مرتبة (العلم) يف (الباب العا�شر :يف مراتب الق�ضاء والقدر).
( )72الغي�ضة :ال�شجر الكثري امللتف.
( )73تف�سري (اجلامع لأحكام القر�آن) للقرطبي عند تف�سري الآية ( )14من �سورة (امللك).
210 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
متيزاً وا�ضحاً قاطعاً ،و�سيظل كذلك �أب��داً ،و�سيظل كذلك ت�صديقا لقول اهلل تعالى
يف الآية التالية} :ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ
ﰃ ﰄ{[البقرة ،]24:والتحدي هنا عجيب ،واجلزم بعدم �إمكانه �أعجب ،ولو
كان يف الطاقة تكذيبه ما توانوا عنه حلظة ،وما من �شك �أن تقرير القر�آن الكرمي
�أنهم لن يفعلوا ،وحتقق هذا كما قرره؛ هو بذاته معجزة ال �سبيل �إلى املماراة فيها،
ولقد كان املجال �أمامهم مفتوحاً ،فلو �أنهم ج��اءوا مبا ينق�ض هذا التقرير القاطع
النهارت حجية القر�آن ،ولكن هذا مل يقع ولن يقع»( ,)76فالقران كالم اهلل املُ ْع ِجز،
وكالمه من علمه �سبحانه ،ومع ِعظم هذه ال�صفات وجاللها ف�إن اهلل َي َّ�س َر القر�آن لعباده كي
ويحفظو ُه يف �صدو ِرهم ،واهلل على كل �شيء قدير ،و�إال فالأ�صل عدم قدرة ُ َيت ُلو ُه ب�أل�سن ِتهم،
وم ّن ٌة منه عليهم ،قال تعالى} :ﮞ الب�شر على ذلك ،وهذا ال َت ْي ِ�سري رحمة من اهلل لعبادهِ ،
ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ{[القمر ،]١٧:قال ابن عبا�س » :لوال �أ َّن اهلل
ني ما ا�ستطاع �أَ َح ٌد من الخَْ ْلقِ �أن َي َت َك َّل َم بكالم ا ِ
هلل » (.)77 َي َّ�س َر ُه على ل�سان ْالآدَمِ ِّي َ
æقال ابن تيمية « :النا�س �أربعة �أق�سام؛ منهم من يكون �صالحه على ال�سراء،
ومنهم من يكون �صالحه على ال�ضراء ،ومنهم من ي�صلح على هذا وهذا ،ومنهم
من ال ي�صلح على واحد منهما ،والإن�سان الواحد قد جتتمع له هذه الأحوال الأربعة
يف �أوقات متعددة �أو يف وقت واحد باعتبارها �أنواعاً يُبتلى بها ،وقد جاء يف احلديث
املرفوع�( :إن من عبادي من ال ي�صلحه �إال الغنى ولو �أفقرته لأف�سده ذلك ،و�إن من
عبادي من ال ي�صلحه �إال الفقر ولو �أغنيته لأف�سده ذلك ،و�إن من عبادي من ال
ي�صلحه �إال ال�سقم ولو �أ�صححته لأف�سده ذلك ،وذلك �أين �أدبر عبادي �إين بهم خبري
ب�صري( .)78فكما �أن التنعم العاجل لي�س بنعمة يف احلقيقة ،قد يكون يف احلقيقة بالء
و�شرا باعتبار املع�صية فيه ،والطاعة املتقدمة قد تكون حابطة و�سببا لل�شر باعتبار
ما يعقبها من ردة وفتنة ،فكذلك الت�أمل العاجل قد يكون يف احلقيقة خريا ونعمة،
( )76تف�سري (يف ظالل القر�آن) ل�سيد قطب عند تف�سري الآيات ( )24-23من �سورة (البقرة) (جـ� - 1 :ص.)42 :
(( )77تف�سري ابن كثري) عند تف�سريه ل�سورة (القمر) الآية (.)17
( )78رواه البيهقي يف (الأ�سماء وال�صفات) برقم (( )231جـ� 1 :ص )308 - 307 :و�أبو نعيم يف (احللية) (جـ� - 8:ص318 :
)319-من حديث �أن�س بن مالك ،و�ضعفه الألباين يف ال�سل�سلة ال�ضعيفة برقم ( ،)1775وقال�( :ضعيف جدا).
212 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
واملع�صية املتقدمة قد تكون �سببا للخري باعتبار التوبة وال�صرب علي ما تعقبه من
م�صيبة ،لكن تتبدل الطاعة واملع�صية ،وهذا يقت�ضي �أن العبد حمتاج يف كل وقت �إلى
اال�ستعانة باهلل على طاعته ،وتثبيت قلبه ،وال حول وال قوة �إال باهلل»(.)79
æقال ابن القيم رحمه اهلل « :فهكذا الرب �سبحانه ال مينع عبده امل�ؤمن �شيئا
من الدنيا �إال وي�ؤتيه �أف�ضل منه و�أنفع له .ولي�س ذلك لغري امل�ؤمن .ف�إنه مينعه
احلظ الأدنى اخل�سي�س ,وال ير�ضى له به ليعطيه احلظ الأعلى النفي�س .والعبد
جلهله مب�صالح نف�سه ,وجهله بكرم ربه وحكمته ولطفه ,ال يعرف التفاوت بني ما
منع منه وبني ما ادخر له .بل هو مولع بحب العاجل و�إن كان دنيئا ,وبقلة الرغبة
يف الآجل و�إن كان عليا .ولو �أن�صف العبد ربه ,و�أنى له بذلك ,لعلم �أن ف�ضله عليه
فيما منعه من الدنيا ولذاتها ونعيمها و�أعظم من ف�ضله عليه فيما �آتاه من ذلك,
فما منعه �إال ليعطيه ,وال ابتاله �إال ليعافيه ,وال امتحنه �إال لي�صافيه ,وال �أماته �إال
ليحييه ,وال �أخرجه �إلى هذه الدار �إال ليت�أهب منها للقدوم عليه ولي�سلك الطريق
املو�صلة �إليه»( .)80وقال يف مو�ضع �آخر « :لوال محَِ ُن الدنيا وم�صائ ُبها ،لأ�صاب العب َد
ال،ال و�آج ً �سبب هالكه عاج ً ِب وال ُعجب والفرعنة وق�سوة القلب ما هو ُ مِ ن �أدْواء الك رْ ِ
فمن رحم ِة �أرحم الراحمني �أن يتف َّقده يف الأحيان ب�أنواع من �أدوية امل�صائب ،تكون
حِ مية له من هذه الأدواء ،وحِ فظاً ل�صحة عُبوديتهِ ،وا�ستفراغاً للمواد الفا�سدة
الرديئة املهلكة منه ،ف�سبحا َن مَن يرح ُم ببالئه ،ويبتلى بنعمائه كما قيل:
�ض ا ْل َق ْو ِم ِبال ِّن َع ِم َو َي ْب َتلِى ُ
اهلل ب ْع َ َق ْد ُي ْن ِع ُم ُ
اهلل ِبا ْل َب ْل َوى وَ� ْإن َع ُظ َمتْ
لط َغوا ،و َب َغ ْوا ،و َع َت ْوا، فلوال �أنه �سبحانه يداوي عباده ب�أدوية املحن واالبتالءَ ،
واهلل �سبحانه �إذا �أراد بعبد خرياً �سقاه دوا ًء من االبتالء واالمتحان على قدر ُ
حاله ي�ستف ِر ُغ به من الأدواء املهلكة ،حتى �إذا ه َّذبه ون َّقاه و�ص َّفاه� ،أ َّهلَه ل ِ
أ�شرف
مراتب الدنيا ،وهى عبودي ُته ،و�أرفع ثواب الآخرة ،وهو ر�ؤي ُته و ُقربه»(.)81
(( )79قاعدة يف املحبة) ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية (�ص.)171 – 170 :
(()80الفوائد) للإمام �أبن القيم (�ص.)57 :
(( )81زاد املعاد يف هدي خري العباد) للإمام �أبن القيم (جـ� – 4 :ص( .)195 :ف�صل :يف هديه ¤يف عالج حر امل�صيبة وحزنها).
ُ
َّؤوف
يم -الر
َّح ُ َّح َم ُ
ن -الر ِ المجموعة العاشرة :الر ْ 213
الــمــجــمــوعـــــــ10ـــــــــة
مو�ضوع الأ�سماء :ال َّر ْح َم ُة وال َّر�أ َف ُة
()33 - 32 - 31
يم -ال َّر� ُ
ؤوف ال َّر ْح َم ُن -ال َّر ِح ُ
214 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الـمجـمـوعـ10ـة
مو�ضوع الأ�سماء :ال َّر ْح َم ُة وال َّر�أ َف ُة
()33 - 32 - 31
يم -ال َّر� ُ
ؤوف ال َّر ْح َم ُن -ال َّر ِح ُ
�أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود:
æال َّر ْح َمنُ :ورد يف القر�آن الكرمي ( 57مرة) منها قوله تعالى }:ﮊ ﮋ ﮌ
ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ {[الإ�سراء ،]110:ومن ال�سنة قوله :¤
(قال اهلل تبارك وتعالى� :أنا اهلل ،و�أنا الرحمن ،خلقت الرحم ،و�شققت لها من
ا�سمي ،فمن و�صلها و�صلته ،ومن قطعها بتته)(.)1
يم :ورد يف القر�آن الكرمي ( 114مرة) منها قوله تعالى }:ﯴ ﯵ æال َّر ِح ُ
ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ{[احلجر ،]49:وم ــن ال�سنــة حديث �أبي بكــر ال�صديق ‹ �أنه
قال للنبي :¤علمني دعاء �أدعو به يف �صالتي ،قال( :قل :اللهم �إين ظلمت نف�سي ظلما
كثريا ،وال يغفر الذنوب �إال �أنت ،فاغفر يل مغفرة من عندك ،وارحمني� ،إنك �أنت
الغفور الرحيم)(.)2
ؤوف :ورد يف القر�آن الكرمي ( 10مرات) منها قوله تعالى }:ﭝ ﭞ ﭟ
æال َّر� ُ
ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ{[احل�شر .]10 :
رح َم َيرحم َرحم ًة ،فهو راحم واملفعول َم ْرحوم ،قال ال�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل(« :ال َّر ْح َمنُ ِ
ال َّر ِح ُيم) م�شتقان من (ال َّر ْحمة) على وجه املبالغة وهي :ال ِّر َّق ُة وال َّت َع ُّط ُف ،و�إن كان
ا�سم (ال َّر ْح َمن) �أ�شد مبالغة من ا�سم (ال َّر ِحيم)؛ لأن بناء َفعَلاَ ن �أ�شد مبالغة من
فعيل ،وبناء فعالن لل�سعة وال�شمول»( ،)4وقال ال�شيخ الر�ضواين(« :ال َّر ْح َمنُ ) :املت�صف
بالرحمة العامة ال�شاملة حيث خلق عباده ورزقهم ،وهداهم �سبلهم ،و�أمهلهم فيما
ا�ستخلفهم وخولهم ،وا�سرتعاهم يف �أر�ضه ،وا�ست�أمنهم يف ملكه ليبلوهم �أيهم
�أح�سن عمال ،ومن ثم ف�إن رحمة اهلل يف الدنيا و�سعتهم جميعا ،ف�شملت امل�ؤمنني
والكافرين»(.)5
يم�« :صيغة مبالغة من ا�سم الفاعل (راحم) ،وهي فعيل مبعنى æال َّر ِح ُ
فاعلٍ ،كقدير مبعنى قادر ..و(ال َّر ِح ُيم) دل على �صفة الرحمة اخلا�صة التي ينالها
امل�ؤمنون ،فـ (ال َّر ْح َمنُ ) دل على �صفة الرحمة العامة؛ ولذا ُبني على وزن فعالن؛ لأَن
معناه الكرثة ،فرحمته و�سِ َعتْ كل �شيء وهو �أَ ْر َح ُم الراحمني ،و�أَما (ال َّر ِح ُيم) فدل
على الرحمة اخلا�صة؛ الخت�صا�ص امل�ؤمنني بها كما يف قوله تعالى } :ﰑ
ﰓ{[الأحزاب ،]43:قال عبد اهلل بن عبا�س ( :هما ا�سمان رقيقان، ً ﰒ
�أَحدهما �أَرق من الآخر)»(.)6
ؤوف�« :صفة م�شبهة للمو�صوف بالرَ�أفة ،فعله ر� َأف َير�أف رَ�أفة ،فهو æال َّر� ُ
رائف ،واملفعول مرءوف به»( ،)7و«الر�أفة� :أبلغ الرحمة و�أر ُّقها»( ،)8يقول ّ
الزجاج:
«يقال :فالن رحيم ،ف�إذا ا�شتدت رحمته فهو ر�ؤوف»(.)9
(( )4وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص.)118 :
(�( )5أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( .)232:الرحمن)
(�( )6أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( .)239 :الرحيم) (بت�صرف ي�سرب)
( )7معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة :ب �س ط).
(�( )8ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص .)91
(( )9تف�سري �أ�سماء اهلل احل�سنى) لأبي �إ�سحاق الزجاج (�ص .)62
216 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
وقال يف اجلمع بني ما قرره يف قوله ال�سابق وبني دعاء النبي َ ..( :¤رح َمن الدنْيا وال ِآخ َرة
ورحي َم ُهما)(« :)16فالظاهر يف اجلواب -واهلل �أعلم � -أن (ال َّر ِح َيم) خا�ص بامل�ؤمنني
ِ
كما ذكرنا ،لكنه ال يخت�ص بهم يف الآخرة ،بل ي�شمل رحمتهم يف الدنيا �-أي�ضاً ،فيكون
معنى رحيمهما :رحمته بامل�ؤمنني فيهما»( ،)17وذكر بع�ض �أهل العلم �أن الفرق متعلق
بالداللة الو�صفية لكال اال�سمني الكرميني« ،فـ (ال َّر ْح َمنُ ) دال على �صفة ذاتية ،و(ال َّر ِح ُيم)
دال على �صفة فعلية»( ،)18يقول ال�شيخ ابن عثيمني« :هنا رحمة هي �صفته ،هذه دل عليها
دل عليها (ال َّر ِح ُيم)،(ال َّر ْح َمنُ )؛ ورحمة هي فعله� ،أي �إي�صال الرحمة �إلى املرحومّ ،
و(ال َّر ْح َم ُن ال َّر ِح ُيم) ا�سمان من �أ�سماء اهلل يدالن على الذات ،وعلى �صفة الرحمة ،وعلى
الأثر� :أي احلكم الذي تقت�ضيه هذه ال�صفة»( ،)19ويقول ابن القيم(« :ال َّر ْح َمنُ ) دال
على ال�صفة القائمة به �-سبحانه ،و(ال َّر ِح ُيم) دال على تعلقها باملرحوم؛ فكان الأول
للو�صف ،والثاين للفعل ،فالأول دال على �أن الرحمة �صفته ،والثاين دال على �أنه
يرحم خلقه برحمته ،و�إذا �أردت فهم هذا فت�أمل قوله تعالى } :ﰑ ﰒ
ﰓ{[الأحزاب ،]43:وقوله تعالى } :ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ{[التوبة ،]117:ومل
يجئ قط رحمن بهم ،فعلم �أن (ال َّر ْح َمنَ ) هو املو�صوف بالرحمة ،و( َّر ِح ٌيم) هو الراحم
برحمته»(.)20
يم( :الرحمة) �أعم من (الر�أفة)؛ ولذا ُع ّدت (الر�أفة) æال َّر� ُ
ؤوف -ال َّر ِح ُ
�أ�شد (الرحمة) و�أرقها ،يقول الز ََّّجاج« :يقال :فالن رحيم ،ف�إذا ا�شتدت رحمته ،فهو
رَ�ؤوف»( ،)21و(الرحمة) تقت�ضي �إي�صال النعم عموم ًا ،وقد ي�صاحبها �أمل وكراهة ،ك�شرب
الدواء املر رجاء ال�شفاء ،و�أما (الر�أفة) فتقت�ضي �إي�صال النعم �صافية عن الأمل والكراهة،
يقول القرطبي�« :إن (الر�أفة) نعمة ملذة من جميع الوجوه ،و(الرحمة) قد تكون
(� )16أخرجه الطرباين وح�سنه الألباين يف �صحيح الرتغيب برقم (.)1821
( )17تف�سري �أ�ضواء البيان لل�شنقيطي عند تف�سري الآية ( )3من الفاحتة.
(( )18النهج الأ�سمى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للنجدي (�ص.)59 :
( )19تف�سري ابن عثيمني الفاحتة وجزء عم (جـ� -1:ص.)30:
(( )20بدائع الفوائد) البن القيم (جـ� - 1 :ص.)24 :
(( )21تف�سري �أ�سماء اهلل احل�سنى) لأبي �إ�سحاق الزجاج (�ص .)62
218 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
دال على �أنه يرحم خلقه برحمته»( ،)27وقيل: دال على �أن الرحمة �صفته ،والثاين ٌّ ٌّ
�إنه من عطف اخلا�ص على العام كما و�ضح يف الفروق بني الأ�سماء؛ يف �أن (ال َّر ْح َمن) ذو
الرحمة الوا�سعة ال�شاملة جلميع اخلالئق يف الدنيا ،وللم�ؤمنني يف الآخرة ،و(ال َّر ِحيم)
ذو الرحمة اخلا�صة بامل�ؤمنني يف الدنيا والآخرة.
æالب�صري :ورد االقرتان مع ا�سمه �سبحانه (الرحمن) مرة واحدة يف قوله تعالى:
} ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ
ﮧ{[امللك ،]19:واحلكمة يف ذلك -واهلل �أعلم -للإ�شارة �إلى �أن اهلل ذو رحمة
وا�سعة ملأت كل �شيء ،و�أنه ب�صري بخلقه ،عليم بهم ،وكيف يو�صل رحمته ولطفه �إليهم،
بدءا باخللق والإيجاد ،ومرورا باحلياة والإمداد ،وانتهاء بامل�آل واملعاد ،فهو �سبحانه قد خلق
اخللق على �أح�سن الوجوه و�أحكمها و�أتقنها التي تليق بها وبدورها ،ومن ثم رعاها يف كل
حلظة رعاية اخلبري الب�صري ،وما �إم�ساك الطري يف اجلو �إال ك�إم�ساك الأر�ض يف الف�ضاء،
وك�إم�ساك ال�سماء �أن تقع على الأر�ض �إال ب�إذنه �سبحانه ،وهو مقت�ضى �سعة رحمته التي
و�سعت كل �شيء ،وعمت كل حي ،قال تعالى } :ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ
ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ َ{[احلج ،]65 :قال �أبو ال�سعود« :الوا�س ُع رحم ُت ُه
للجري يف الهوا ِء } ..ﮤ ِ ك َّل �شي ٍء ب� ْأن بر�أهُ َّن على �أ�شكالٍ وخ�صائ�صَ ،وهي�أهُ َّن
ري امل�صنوعاتِ »( .)28وقال ابن كثري: ﮥ ﮦ ﮧ{ يعل ُم كيفي َة �إبدا ِع املبدعاتِ وتدبـ ِ
« } ﮟ ﮠ{ �أي :يف اجلو } ﮡ ﮢ{ �أي :مبا �سخر لهن من الهواء من رحمته
ولطفه} ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ{ �أي :مبا ُي�صلح كل �شيء من خملوقاته»(.)29
æاخلبري :ورد االقتــران مع ا�سمه �سبحانه (الرحمــن) مرة واحدة يف قوله
تعالى} :ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ
ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ{[الفرقان ،]59:فال�سياق يف الآية يتحدث عن خلق ال�سموات
(( )27بدائع الفوائد) البن القيم (جـ� - 1 :ص.)24 :
( )28تف�سري �أبي ال�سعود (�إر�شاد العقل ال�سليم �إلى مزايا الكتاب الكرمي) عند تف�سري الآية ( )19من �سورة املُلك.
(( )29تف�سري ابن كثري) عند تف�سري الآية ( )19من �سورة املُلك.
220 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
والأر�ض ،واال�ستواء على العر�ش ،وعموم ملكوته وجربوته وقهره و�سلطانه لكل �شيء ،وهي
معاين ت�سكب يف النف�س اخلوف والرهبة لهذا اخلالق العظيم الذي له علو الذات ،وعلو
القدر وال�صفات ،وعلو القهر ،فكان من املنا�سب التعقيب عليها بذكر ا�سمه (الرحمن)
ترويح ًا للقلوب ،وتطمينا لها ،و�إ�شعار ًا ب�أن رحمته �سبقت غ�ضبه وو�سعت كل �شيء ،و�أنه
�أبدع هذا الكون ،ود ّبره بعموم الرحمة والرب والإح�سان ،و�أن �صفات احلمد والكمال ،واملدح
واجلالل لهذا الإله العظ ــيم قد بلغـ ــت مــن العظمة وال�شمـ ــول ما ال �سبيل ملعرفتـ ــه �إال
بالرجـ ــوع �إليـه �سبحانه } :ﮄ ﮅ ﮆ{ ،يقول ال�شيخ ال�سعدي}« :ﭵ ﭶ
ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ{ بعد ذلك } ﮀ ﮁ{ الذي
هو �سقف املخلوقات و�أعالها و�أو�سعها و�أجمله ــا } ﮃ{ ا�ست ـ ــوى على عر�شه
ال ـ ـ ــذي و�سع ال�سم ـ ــاوات والأر�ض با�سمــه } ﮬ{ الذي و�سعت رحمته كل �شيء
فا�ستوى على �أو�سع املخلوقات ،ب�أو�سع ال�صفات .ف�أثبت بهذه الآية خلقه للمخلوقات
واطالعه على ظاهرهم وباطنهم وعلوه فوق العر�ش ومباينته �إياهم } ،ﮄ ﮅ
ﮆ{ يعني بذلك نف�سه الكرمية ،فهو الذي يعلم �أو�صافه وعظمته وجالله ،وقد
�أخربكم بذلك و�أبان لكم من عظمته ما ت�سعدون به من معرفته ،فعرفه العارفون
وخ�ضعوا جلالله ،وا�ستكرب عن عبادته الكافرون وا�ستنكفوا عن ذلك»( ،)30ويقول
ابن عا�شور « :وفرع على و�صفه ب ـ ـ} ﮬ{ قوله } ﮄ ﮅ ﮆ{ للداللة
على �أن يف رحمته من العظمة وال�شمول ما ال تفي فيه العبارة فيعدل عن زيادة
التو�صيف �إلى احلوالة على عليم بت�صاريف رحمته»(.)31
æال َودو ُد :ورد االقرتان مع (ال َّر ِحيم) مرة واحدة يف قوله تعالى} :ﭩ
ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ{[هود ،]90:وال�سر يف ذلك -واهلل �أعلم-
للداللة على �أن رحمة اهلل لعباده ،وقبوله لتوبتهم؛ هي من موجبات حمبته للمنيبني ،وكما
()30تف�سري (ال�سعدي) عند تف�سري الآية ( )59من �سورة الفرقان (�ص.)533:
()31تف�سري ابن عا�شور (التحرير والتنوير) عند تف�سري الآية ( )59من �سورة الفرقان.
ُ
َّؤوف
يم -الر
َّح ُ َّح َم ُ
ن -الر ِ المجموعة العاشرة :الر ْ 221
قال ابن القيم« :ف�إن الرجل قد يغفر ملن �أ�ساء �إليه وال يحبه ،وكذلك قد يرحم من ال
يحب ،والرب -تعالى -يغفر لعبده �إذا تاب �إليه ويرحمه ،ويحبه مع ذلك ،ف�إنه يحب
التوابني ،و�إذا تاب �إليه عبده �أحبه ولو كان منه ما كان»(.)32
æال َغ ُفور :ورد االقرتان مع (ال َّر ِحيم) مرة واحدة يف قوله تعالى} :ﭤ ﭥ ﭦ
ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ{
[�سب�أ ]2:وجميع االقرتانات بني اال�سمني والتي جتاوزت ( 71اقرتان ًا) ُقدِّ م (ال َغفُور) على
(ال َّر ِحيم) للإ�شارة �إلى �أن مغفرة اهلل لعبده �أثر من �آثار رحمته ،عدا هذه الآية الوحيدة،
حيث قدم (ال َّر ِحيم) على (ال َغفُور) وال�سر يف ذلك -واهلل �أعلم -كما قال ابن القيم:
«لتقدم �صفة العلم فح�سن ذكر (ال َّر ِحيم) بعده ليقرتن به فيطابق قوله } :ﮰ
ﮱﯓ ﯔﯕﯖ ﯗﯘﯙﯚ ﯛ ﯜﯝ
ﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧﯨﯩ
ﯪ ﯫ{[غافر ..)33(»]7 :وقيل للتنا�سب مع معنى الآية يف تقدمي الولوج والنزول
على اخلروج والعروج ،قال الرازي« :رحيم بالإنزال؛ حيث ينزل الرزق من ال�سماء،
غفور عندما تعرج �إليه الأرواح والأعمالَ ،فرحِ م �أو ًال بالإنزال ،وغفر ثانياً عند
العروج»( ،)34وقيل �«:إن الآية مل يتقدمها ما ي�شعر بالذنب واخلط�أ �أو التق�صري،
و�إمنا كل الذي ُذكِر هو حمد اهلل الذي له ما يف ال�سماوات والأر�ض ،ويعلم ما يف
باطن الأر�ض ،وما يخرج منها ،وما ينزل من ال�سماء وما ي�صعد �إليها ،ففي هذا من
م�صالح النا�س الكثري ،وهو ال يعدو �أن يكون رحمة من اهلل -تبارك وتعالى؛ لذلك
قدمت الرحمة على املغفرة»(.)35
يم :ورد االقرتان مع (ال َّر�ؤوف) ( 8مرات) منها قوله تعالى }:ﯡ ﯢ ﯣ
æال َّر ِح ُ
(( )32التبيان يف �أميان القر�آن) البن القيم (�ص.)146:
( )33بدائع الفوائد البن القيم (جـ � - 1ص.)74 :
( )34تف�سري (مفاتيح الغيب) للرازي عند تف�سري الآية ( )2من �سورة �سب�أ.
(( )35ريا�ض النعيم) لأبي عبد الرحمن �سلطان علي (جـ � - 1ص.)61 :
222 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
ﯤ ﯥ{[احلديد ،]9:وال�سر يف ذلك -واهلل �أعلم -الداللة على �أن ر�أفة اهلل �سبحانه
بعباده هي من موجبات الرحمة و�آثارها ،و(الر�أفة) �أعلى معاين (الرحمة) و�أ�شد ما يكون منها.
�سابع ًا :الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء:
æالأثر العلمي االعتقادي:
اهلل هو (ال َّر ْح َمن) ذو الرحمة العامة يف الدنيا جلميع اخلالئق حتى الكفار ،وهي رحمة
ج�سدية دنيوية باملال والطعام وال�شراب وامللب�س وامل�سكن وغريها ،وكذلك هو (ال َّر ِحيم)
�-سبحانه -ذو الرحمة اخلا�صة التي خ�ص بها عباده امل�ؤمنني ،وهي رحمة �إميانية دنيوية
�أخروية بالتوفيق للإميان والتثبيت عليه ،والإكرام بدخول اجلنة والنجاة من النار ،وهو
�-سبحانه (ال َّر�ؤوف) بعبادهُ ،ي ِت ُّم عليهم نعمته ،ويوفقهم للطرق التي ينالون بها اخلريات.
æالأثر العملي:
1.1حمبة اهلل املحبة العظيمة ،وتعظيمه �-سبحانه -لأجل هذه الرحمة التي
و�سعت كل �شيء ،والنظر والتفكر يف �آثارها يف الآفاق ،ويف النف�س ،والتي ال تعد وال
حت�صى .وهذا يثمر جتريد املحبة هلل -تعالى -والعبودية ال�صادقة له �-سبحانه-
وتقدمي حمبته على النف�س والأهل واملال والنا�س جمي ًعا ،وامل�سارعة �إلى
مر�ضاته ،والدعوة �إلى توحيده ،واجلهاد يف �سبيله ،وفعل كل ما يحبه وير�ضاه،
يقول ابن القيم يف و�صفه ل�شمول رحمة اهلل �سبحانه « :و�أنت لو ت�أملت العامل
بعني الب�صرية لر�أيته ممتل ًئا بهذه الرحمة الواحدة كامتالء البحر
مبائه واجلو بهوائه ..وت�أمل قوله تعالى } :ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ
ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ{[الرحمن ]4 - 1:كيف جعل اخللق
والتعليم نا�ش ًئا عن �صفة الرحمة متعل ًقا با�سم } ﮬ{ ،وجعل معاين
ال�سورة مرتبطة بهذا اال�سم ،وختمها بقوله } :ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ
ﮋ{[ الرحمن ،]78 :فاال�سم الذي تبارك هو اال�سم الذي افتتح به
ال�سورة� ،إذ جميء الربكة كلها منه ،وبه و�ضعت الربكة يف كل مبارك ،فكل
ُ
َّؤوف
يم -الر
َّح ُ َّح َم ُ
ن -الر ِ المجموعة العاشرة :الر ْ 223
ما ذكر عليه بورك فيه ،وكل ما �أخلي منه نزعت منه الربكة»(.)36
2.2عبودية الرجاء والتعلق برحمة اهلل ،وعدم الي�أ�س ،ف�إن اهلل -تعالى -قد
و�سعت رحمته كل �شيء ،وهو الذي يغفر الذنوب جمي ًعا ،ومتى ما حقق امل�ؤمن
هذه العبودية وهذا الرجاء؛ �أثمر الأمل يف النفو�س املكروبة ،وح�سن الظن باهلل
-تعالى -وانتظار الفرج بعد ال�شدة ومغفرة الذنوب .
3.3التعر�ض لرحمة اهلل -تعالى -بفعل �أ�سبابها ،ومن �أعظم ما ت�ستجلب به رحمة اهلل
تعالى فعل ما ير�ضيه ،واجتناب ما ي�سخطه ،قال تعالى } :ﭥ ﭦ
ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ
ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ {[الأعراف.]157-156:
ثامن ًا :مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء:
يم -ال َّر� ُ
ؤوف) من �أ�سماء الأفعال الدالة على �صفات اهلل الفعلية (الرحمة (ال َّر ِح ُ
وال َّر�أ َفة) ،وهي �صفات تتعلق بامل�شيئة� ،إن �شاء اهلل فعلها � -سبحانه -و�إن �شاء مل يفعلها ،كما
�أن (ال َّر ْح َمنُ ) من �أ�سماء الذات الدالة على �صفة (الرحمة)؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء
اهلل �-سبحانه وتعالى -والثناء عليه ،والتو�سل �إليه بهذه الأ�سماء يف حاجات العبد التي تنا�سب
معانيها ،كحال ال�ضعف والفقر والندم على اقرتاف الذنوب ،والرجاء يف نعيمي الدنيا والآخرة،
وغريها من الأحوال واحلاجات� ،صح عنه ¤قوله ..( :رحمن الدنيا والآخرة ،ورحيمهما،
تعطيهما من ت�شاء ،ومتنع منهما من ت�شاء ،ارحمني رحمة ُت ْغنيني بها َعن رحمة من
�سواك)( ،)37و�س�ؤال النبي ¤يف حديث اخت�صام امللأ الأعلى ..( :قالْ :
�سل ،قلت :اللهم
�إين �أ�س�ألك فعل اخلريات ،وترك املنكرات ،وحب امل�ساكني ،و�أن تغفر يل وترحمني،
و�إذا �أردت فتنة يف قوم فتوفني غري مفتون ،و�أ�س�ألك حبك ،وحب من يحبك ،وحب
(( )36خمت�صر ال�صواعق املر�سلة على اجلهمية واملعطلة) البن القيم (جـ� – 2:ص.) 350 :
(� )37أخرجه الطرباين وح�سنه الألباين يف �صحيح الرتغيب برقم (.)1821
224 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
عمل يقرب �إلى حبك) قال ر�سول اهلل �( :¤إنها حق ،فادر�سوها ثم تعلموها)(.)38
تا�سع ًا :لطائف و�أقوال:
اجلن
ِ ً
رحمة واحد ًة بني رحمة� ،أنزل منها
ٍ هلل َ
مائة æقال النبي �( :¤إن ِ
ُ
الوح�ش ُ
تعطف والبهائم والهوا ِم ،فبها يتعاطفون ،وبها يرتاحمون ،وبها
ِ إن�س
وال ِ
القيامة)(.)39
ِ يرحم بها عبا َده يو َم
ُ ً
رحمة، ولدها ،و�أخّ َر ُ
اهلل ت�س ًعا وت�سعني على ِ
خلفأعرابي ف�أنا َخ راحل َت ُه ث َّم ع َقلها ف�ص َّلى َ æعن جابر بن عبداهلل قال :جا َء � ٌّ
ر�سول اللهَّ ِ � ¤أتى راحل َت ُه ،ف�أطل َق عِ قا َلها ،ث َّم ر ِك َبها ،ث َّم
ُ ر�سولِ اللهَّ ِ ،¤فل َّما �س َّل َم
ر�سول اللهَّ ِ :¤
ُ نادى :ال َّله َّم ارحمني وحم َّمدًا وال ُت�شر ِْك يف رحمتِنا �أحدًا! ،فقا َل
قال؟) ،قالوا :بلى! ،فقا َل( :لقد ري ُه؟!� ،أمل ت�سمعوا ما َ أ�ضل �أم بع ُ(ما تقولونَ � :أه َو � ُّ
ُ
اخلالئق رحمة َ
تعاط ُف بها ً رحمة ،ف� َ
أنزل ٍ خلق َ
مائة عة!� ،إنَّ اللهَّ َ َ
وا�س ً ً
رحمة ِ َّ
حظ َر
ٌ
ت�سعة وت�سعونَ ،تقولونَ � :أه َو � ُّ
أ�ضل �أم بع ُريه؟!)(.)40 وبهائمها ،وعندَ ُه
ُ إن�سها
جنُّها و� ُ
æقال تعالى وا�صفا حال فرعون عند �إغراقه } :ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ
ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ {[يون�س ،]90:قال
حال البحر( )41ف�أَ ُد ُّ�سه يف َف ِم
جربيل :لو ر�أي ُتني و�أنا � ُآخ ُذ من ِ
ُ النبي ( :¤قال يل
ُ
الرحمة)(.)42 َ
خمافة �أن ُتدر َكه ِفرعونَ
æقال رجل :يا ر�سول اهلل� :إين لأذبح ال�شاة ف�أرحمها ،فقال ( :¤وال�شاة� ،إن
رحمتها رحمك اهلل مرتني)(.)43
æعن عمر بن اخلطاب ‹ قال( :قدم على ر�سول اهلل ِ ¤ب�سَ ْبي ،ف�إذا امر�أة من
( )38رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (.)2582
( )39رواه م�سلم برقم (.)2752
( )40رواه الإمام �أحمد و�أبوداود واحلاكم و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم.)5130( :
( )41حال البحر :طينه الأ�سود املننت.
( )42رواه الإمام �أحمد والرتمذي و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة برقم ( ،)2015ويف �صحيح اجلامع برقم (.)5206
(� )43أخرجه الطرباين و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة (جـ - 1 :برقم.)26 :
ُ
َّؤوف
يم -الر
َّح ُ َّح َم ُ
ن -الر ِ المجموعة العاشرة :الر ْ 225
ال�سبي ،تبتغي� ،إذا وجدت �صبيا يف ال�سبي� ،أخذته ف�أل�صقته ببطنها و�أر�ضعته! ،فقال
لنا ر�سول اهلل �( :¤أترون هذه املر�أة طارحة ولدها يف النار؟!) قلنا :ال ،واهلل! ،وهي
أرح ُم بعبا ِد ِه من هذه بولدها)(.)44
تقدر على �أن ال تطرحه ،فقال ر�سول اهلل ( :¤هلل � َ
æقال عمر بن عبدالعزيز« :اللهم �إن مل �أكن �أهال �أن �أبلغ رحمتك؛ ف�إن رحمتك
�أهل �أن تبلغني ،رحمتك و�سعت كل �شيء و�أنا �شيء؛ فلت�سعني رحمتك يا �أرحم
الراحمني ،اللهم �إنك خلقت قوما ف�أطاعوك فيما �أمرتهم ،وعملوا يف الذي خلقتهم
له ،فرحمتك �إياهم كانت قبل طاعتهم لك يا �أرحم الراحمني»(.)45
æقال تعالى} :ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ
ﮉ{[الأنعام ،]12:قال ابن عقيل« :لوال �أن القلوب ُتوقن باجتماع ثانٍ لتفطرت
املرائر لفراق املحبوبني»(.)46
æقال معيوف« :كنا يف البحر ،فهبت الريح ،وهاجت الأمواج ،وا�ضطربت
ال�سفن ،وبكى النا�س ،فقيل ملعيوف :هذا �إبراهيم بن �أدهم ،لو �س�ألته �أن يدعو اهلل،
قال :كان نائماً يف ناحية من ال�سفينة ،ملفوف ر�أ�سه ،فدنا �إليه ،فقال :يا �أبا �إ�سحاق،
ما ترى ما فيه النا�س؟ فرفع ر�أ�سه ،وقال :اللهم قد �أريتنا قدرتك ف�أرنا رحمتك.
فهد�أت ال�سفن!»(.)47
æقال ابن عيينةَ « :ت ِب َع ُ
ابن املنكدر جِ نازة �سفيهٍ ،ف ُعوتب! ،فقال�« :إين واهلل
لأ�ستحي من اهلل �أن �أرى رحمته عجزت عن �أحد»(.)48
æقيل لب�شر بن من�صور وهو ميوت�« :أراك ُت�سَ ر من املوت؟! فعجب وقال� :أجتعل
( )44رواه البخاري برقم ( ،)5999وم�سلم برقم ( )2754واللفظ مل�سلم.
(( )45حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ� – 5 :ص.)299 :
(( )46ذيل تاريخ بغداد) البن النجار (جـ� - 17:ص )200 :وهو ملحق مع (تاريخ بغداد) للخطيب البغدادي.
(( )47حلية الأولياء) للأ�صفهاين (جـ� - 8:ص )6-5:يف ترجمة (�إبراهيم بن �أدهم).
(( )48حلية الأولياء) للأ�صفهاين (جـ� - 3 :ص )148 :يف ترجمة (حممد بن املنكدر).
226 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
واحللم والأناة ،فكان قيام العامل العلوي وال�سفلي مب�ضمون هذا الكتاب الذي لواله
لكان للخلق �ش� ٌأن �آخر! ،وكان عن �صفة الرحمة اجلنة و�سكانها و�أعمالها ،فربحمته
ُخلِقت ،وبرحمته عُمِ َرت ب�أهلها ،وبرحمته و�صلوا �إليها ،وبرحمته طاب عي�شهم فيها،
ات وجهه وبرحمته احتجب عن خلقه بالنور ،ولو ك�شف ذلك احلجاب لأحرقت �سُ ُب َح ُ
ما انتهى �إليه َب َ�ص ُر ُه من خلقه( .)56ومن رحمته �أنه يعيذ من �سَ َخطِ ِه ِب ِر�ضَ اهُ ،ومن
عقوبته بعفوه ،ومن نف�سه بنف�سه( ،)57ومن رحمته �أن خلق للذكر من احليوان
�أنثى من جن�سه ،و�ألقى بينهما املحبة والرحمة ،ليقع بينهما التوا�صل الذي به دوام
التنا�سل ،وانتفاع الزوجني ،وَيمَُ َّت ُع كل واحدٍ منهما ب�صاحبه ،ومن رحمته �أحوج اخللق
بع�ض لتعطلت َم َ�صالحُِ ُه ْم بع�ضهم �إلى بع�ض لتتم َم َ�صالحُِ ُه ْم ،ولو �أغنى بع�ضهم عن ٍ
َوا ْن َح َّل نظامها ،وكان من متام رحمته بهم �أن جعل فيهم ا ْل َغن َِّي والفقري ،والعزيز
والذليل ،والعاجز والقادر ،والراعي واملرعي ،ثم �أفقر اجلميع �إليه ،ثم َع َّم اجلميع
برحمته .ومن رحمته �أنه خلق مائة رحمةٍ ،كل رحم ٍة منها طِ َب ُاق ما بني ال�سماء
والأر�ض ،ف�أنزل منها �إلى الأر�ض رحم ًة واحد ًة ،ن�شرها بني اخلليقة ليرتاحموا بها،
فبها َت ْعطِ ُف الوالدة على ولدها ،والطري والوح�ش والبهائم ،وبهذه الرحمة ِق َوا ُم
العامل ونظامه( .)58وت�أمل قوله تعالى } :ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ
ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ{ [الرحمن ،]4-1:كيف جعل اخللق والتعليم نا�ش ًئا عن
�صفة الرحمة متعل ًقا با�سم (ال َّر ْح َم ِن) ،وجعل معاين ال�سورة مرتبط ًة بهذا اال�سم
قبل ينامَ ،يخ ِف ُ�ض ال ِق ْ�س َط ويرف ُعهُ ،يرف َع �إليه عم ُل ِ
الليل َ ينام ،وال ينبغي له �أن َ
اهلل ال ُ ( )56ي�شري حلديث النبي �( :¤إنَّ َ
الليلِ ،حجا ُبه النو ُر ،لو ك�شفه لأح َر َق ْت ُ�س ُبحاتُ وجهِ ه ما انتهى �إليه ب�ص ُره من خل ِقه) رواه
عمل ِ قبل ِ عمل النهارُِ ،
وعمل النها ِر َ ِ
م�سلم برقم�ُ ،)179( :س ُب َحاتُ وجهه :نوره وجالله وبها�ؤه ،وقيل :حما�سنه( .النووي)
أعوذ بك منك ال �أُ ْح�صى ثنا ًء �سخطك ,ومبعافا ِتك من عقوب ِتك ,و� ُ أعوذ بر�ضاك من ِ ( )57ي�شري �إلى دعاء النبي ( :¤اللهم � ُ
نف�سك) رواه م�سلم برقم.)486( : عليك �أنت كما �أثنيتَ على ِ
أر�ض،
طباق ما بني ال�سما ِء وال ِ أر�ض مائ َة رحم ٍة ،ك ُّل رحم ٍة ُ ال�سماوات وال َ
ِ َ
( )58ي�شري حلديث النبي �( :¤إن اهلل خلق يوم خلق
يوم القيام ِة�َ ،أ ْكم َلها
ُ كان إذا � ف ،بع�ض
ٍ على ها ُ
بع�ض ري
ُ والط ُ
والوح�ش ها، أر�ض رحم ًة ،فبها ُ
تعطف الوالد ُة على ولدِ فجعل منها يف ال ِ
بهذه الرحم ِة) رواه م�سلم برقم.)2753( :
ُ
َّؤوف
يم -الر
َّح ُ َّح َم ُ
ن -الر ِ المجموعة العاشرة :الر ْ 229
ليتقاطعون فتقل �أموالهم ويقل عددهم ،وذلك لكرثة ن�صيب ه�ؤالء من ال َّر ْح َمةِ،
وقلة ن�صيب ه�ؤالء منها .ويف احلديث�( :إن �صلة الرحم تزيد يف العمر)( ،)61و�إذا
ريا ن�شر عليهم �أث ًرا من �آثار ا�سمه (ال َّر ْح َم ِن) َف َع َّم َر به �أراد اهلل ب�أهل الأر�ض خ ً
البالد و�أحيا به العباد ،ف�إذا �أراد بهم �ضُ ًّرا �أم�سك عنهم ذلك الأثر ،فحل بهم من
البالء بح�سب ما �أم�سك عنهم من �آثار ا�سمه (ال َّر ْح َم ِن)( ،)62ولهذا �إذا �أراد اهلل
�سبحانه �أن ُي َخ ِّر َب هذه الدَّا َر ويقيم القيامة �أم�سك عن �أهلها �أث َر هذا اال�سم وقب�ضه
�ض الرحمة التي �أنزلها �إلى الأر�ضَ ،ف َت�ضَ ُع لذلك �شي ًئا ف�شي ًئا ،حتى �إذا جاء َو ْع ُد ُه َق َب َ
حلوام ُل ما يف ُبطونِهاَ ،و َت ْذ َه ُل املرا�ضع عن �أوالدها ،في�ضيف �سبحانه تلك الرحمة ا َ
التي رفعها وقب�ضها من الأر�ض �إلى ما عنده من الرحمة فيكمل بها مائة رحم ٍة(،)63
فريحم بها �أهل طاعته وتوحيده وت�صديق ر�سله وتابعهم .و�أنت لو ت�أملت العامل
بعني الب�صرية لر�أيته ممتلئاً بهذه ال َّر ْح َم ِة الواحدة كامتالء البحر بمَِ ائِه َِ ،والجَْ ِّو
�ض ِّد ذلك فهو مقت�ضى قوله�(:سبقت رحمتي غ�ضبي)()64 بهوائهِ ،وما يف خِ ال ِل ِه من ِ
الحق و�إن �أبط�أ ،وفيه حكم ٌة ال تناق�ضها ال َّر ْح َم ُة ،فهو �أحكم احلاكمني فامل�سبوق ال بد ٌ
و�أرحم الراحمني»(.)65
( )61احلديث له �شواهد كثرية يقوي بع�ضها بع�ضا كما ذكر ال�شيخ الألباين ،ومن ذلك حديث �أبي �سعيد اخلدري ‹ عن
النبي ¤قال�( :صدقة ال�سر تطفئ غ�ضب الرب ،و�صلة الرحم تزيد يف العمر ،وفعل املعروف يقي م�صارع ال�سوء) �أخرجه
الإمام البيهقي يف �شعب الإميان و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (,)3760
اجلوارُِ ،ي َع ِّم ْرنَ الدِّ يا َر ،و َي ِزدْنَ يف الأعمارِ) رواه الإمام
وح�سنُ ِخل ُل ِقُ ، (�ص َل ُة ال َّر ِح ِمُ ،
وح�سنُ ا ُ ( )62ي�شري حلديث النبي ِ :¤
�أحمد والبيهقي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)3767
أر�ض منها رحم ًة ،ف ِبها
فجعل يف ال ِأر�ض ،مائ َة رحم ٍةَ ، موات وال َ
ال�س ِ ( )63ي�شري حلديث النبي ( :¤خلقَ اللهَّ ُ ع َّز وج َّلَ ،
يوم خلقَ َّ
يوم القيام ِة، والط ُري ،و�أخَّ َر ِت�سع ًة وت�سع َني �إلى ِ
يوم القيام ِة ،ف�إذا كانَ ُ بع�ضَّ ، بع�ضها ع َلى ٍ هائم ُ ُ
تعطف الوالد ُة على ولدِ ها ،وال َب ُ
�أَ ْكم َلها ا ِب َه ِذ ِه ال َّرحم ِة) �أخرجه ابن ماجة و�صححه الألباين يف �صحيح ابن ماجة برقم ( )3485و�أنظر �إلى ما �سبق �إيراده ُ للهَّ
يف الهام�ش رقم (.)58
(� )64سبق ذكره يف الهام�ش رقم (.)55
(( )65خمت�صر ال�صواعق املر�سلة على اجلهمية واملعطلة) البن القيم (جـ� – 2:ص.)351 - 349 :
ير -المقتدِ ُر القادِ ُر َ -
القدِ ُ المجموعة الحادية عشرة َ : 231
الــمــجــمــوعـــــــ11ـــــــــة
مو�ضوع الأ�سماء :ا ْل ُق ْد َر ُة
() 36 - 35 - 34
املقتد ُر
ِ ال َقا ِد ُر -ال َق ِد ُ
ير -
232 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الـمجـمـوعـ11ـة
مو�ضوع الأ�سماء :ا ْل ُق ْد َر ُة
()36 - 35 - 34
املقتد ُر
ِ ال َقا ِد ُر -ال َق ِد ُ
ير -
�أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود:
æال َقا ِد ُر :ورد يف القر�آن الكرمي ( 12مرة) ،منها قوله تعالى } :ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ
ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ {[الأنعام ، 65 :وقوله تعالى } :ﭠ ﭡ ﭢ { [املر�سالت،]23:
ومن ال�سنة قوله ¤ملا �سئل :كيف يح�شر النا�س على وجوههم؟! ،قال�( :إن الذي �أم�شاهم
على �أرجلهم يف الدنيا ،قادر على �أن مي�شيهم على وجوههم يوم القيامة)( ،)1ومن
حديث ابن م�سعود ‹ وفيه .. :فقالوا :مم ت�ضحك يا ر�سول اهلل؟ قال( :من �ضحك
رب العاملني حني قال� :أت�ستهزئ مني و�أنت رب العاملني؟! فيقول� :إين ال �أ�ستهزئ
منك ،ولكني على ما �أ�شاء قادر)(.)2
ير :ورد يف القر�آن الكرمي ( 45مرة) منها قوله تعالى } :ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ æال َق ِد ُ
ﮐ ﮑ{[الروم ،]54:ومن ال�سنة قوله ( :¤من تعا َّر(ِ )3من الل ْيل فقال حني
يك له ،له امللك وله احل ْمدُ وهو على كل �شيء �شر َ ي�ستيقظ :ال �إلهَ �إال اهلل ْ
وحدَ ه ال ِ
ير� ،سبحان اهلل ،واحلمد هلل وال �إلهَ �إال اهلل ،واهلل �أكرب ،وال حول وال قوة �إال قد ٌ
ِ
باهلل العلي العظيم ،ثم دعا :رب اغفر يل؛ ُغ ِف َر له)(.)4
املقتد ُر :ورد يف القر�آن الكرمي ( 4مرات) ،منها قوله تعالى } :ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ
ِ æ
( )1رواه الإمام �أحمد والن�سائي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع (.)1687
( )2رواه م�سلم برقم (.)187
( )3تعا ّر� :أي ا�ستيقظ من نومه من الليل.
( )4رواه البخاري برقم (.)1154
ير -المقتدِ ُر
المجموعة الحادية عشرة :القَ ادِ ُر -القَ دِ ُ 233
وم ٌال يتمكن من فعل �شيء ما ،و�إذا ُو ِ�ص َف بها اهلل -تعالى -فهي نفي العجز عنه ،حُ
�أن يو�صف غري اهلل بالقدرة املطلقة»( ,)11قال ابن تيمية« :القدرة :هي قدرته على
الفعل»( ،)12قال الر�ضواين(« :ال َقدِ ي ُر) هو الذي يتولى تنفيذ املقادير ،ويخلقها على
ما جاء يف �سابق التقدير»(.)13
املقتد ُر« :ا�سم فاعل من اقتدر ،فعله اقتدر علىَ ،يقتدر اقتداراً ،فهو ُم ْقتدِ ر،
ِ æ
واملفعول ُم ْقتدَر عليه»( ،)14قال يف الل�سان« :االقتدا ُر على ال�شيء :ال ُق ْد َر ُة عليه»(،)15
و�أ�شار �شيخ الإ�سالم ابن تيمية �إلى �أن« :االقتدار� :سرعة التكوين بالقدرة»( ،)16وقال
اخلطابي(« :املقتدِ ر) وزنه مفتعل من القدرة� ،إال �أن االقتدار �أبلغ و�أعم؛ لأنه يقت�ضي
الإطالق ،والقدرة قد يدخلها نوع من الت�ضمني باملقدور عليه» (.)17
ثالث ًا :املعنى ال�شرعي:
æال َقا ِد ُر« :القادر على كل �شيء ،فال يعجزه �شيء يريده ،بل هو الف َّعال ملا يريد»(،)18
قال الزجاج« :اهلل (ال َقا ِد ُر) على ما ي�شا ُء ،ال ُيعجزه �شيء ،وال يفوته مطلوب»(،)19
وقال البيهقي(« :ال َقا ِد ُر) الذي له القدرة ال�شاملة ،والقدرة له �صفة قائمة بذاته»(.)20
æال َق ِد ُ
ير« :التام القدرة ،ال ُيالب�س قدرته عجز بوجه»( ،)21قال ابن جرير الطربي:
«} ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ{ [امللك ]1:يقول :وهو على ما ي�شاء فعله ذو قدرة ،ال مينعه
من فعله مانع ،وال يحول بينه وبينه عجز»( ،)22وقال ابن القيم« :و�أنه على كل �شيء
(( )11املفردات) للراغب الأ�صفهاين (مادة :قدر) �( -ص.)510:
(( )12جمموع فتاوى ابن تيمية) جمع عبدالرحمن القا�سم (جـ� -8 :ص.)18:
(�( )13أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص.)343 :
( )14معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة :ق د ر).
(( )15ل�سان العرب) البن منظور (جـ� - 5 :ص( )3547:مادة :قدر).
(( )16جمموع فتاوى ابن تيمية) جمع عبدالرحمن القا�سم (جـ� -8 :ص.)182:
(�( )17ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص.)86 :
(( )18املرتع الأ�سنى ..من كتب ابن القيم) لعبد العزيز الداخل (�ص.)558 :
(( )19تف�سري �أ�سماء اهلل احل�سنى) لأبي �إ�سحاق الزجاج (�ص .)59
(( )20االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص.)44:
(( )21الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ� - ١ :ص )113 :وعزا القول للحليمي.
( )22تف�سري (جامع البيان يف تف�سري القر�آن) للطربي عند تف�سري [امللك. 1:
ير -المقتدِ ُر
المجموعة الحادية عشرة :القَ ادِ ُر -القَ دِ ُ 235
( َقدِ ي ٌر) فال يخرج عن مقدوره �شيء من املوجودات؛ �أعيانها و�أفعالها و�صفاتها ،كما
ال يخرج عن علمه ،فكل ما تعلق به علمه من العامل تعلقت به قدرته وم�شيئته»(،)23
ويقول ال�شيخ ال�سعدي (« :ال َقدِ ي ُر) كامل القدرة ،بقدرته �أوجد املوجودات ،وبقدرته
دبرها ،وبقدرته َ�س َّواها و�أحكمها ،وبقدرته يحيي ومييت ،ويبعث العباد للجزاء،
ويجازي املح�سن ب�إح�سانه ،وامل�سيء ب�إ�ساءته ،الذي �إذا �أراد �شيئاً قال له } :كن
فيكون{ ،وبقدرته يق ّلب القلوب وي�صرفها على ما ي�شاء ويريد»(.)24
املقتد ُر« :التام القدرة ،الذي ال ميتنع عليه �شيء»( ،)25قال اخلطابي( « :املقتدِ ُر)
ِ æ
التام القدرة ،الذي ال ميتنع عليه �شيء ،وال يحتجز عنه مبنعة وقوة»( ،)26ويقول
احلليمي( « :املقتدِ ُر) املظهر قدرته بفعل ما يقدر عليه»(.)27
رابع ًا :الفروق بني الأ�سماء:
املقتد ُر :املراحل التي مير بها املخلوق من كونه معلومة يف ِ ير - æال َقا ِد ُر -ال َق ِد ُ
علم اهلل � ،إلى الواقع امل�شهود ت�سمى عند ال�سلف ال�صالح مبراتب القدر ،وهي �أربع
َع ِلم ،فكتب ،ف�شاء ،فخلق ،قال مراتب :العلم والكتابة وامل�شيئة واخللق ،فاهلل
النبي(:¤كتب اهلل مقادير اخلالئق قبل �أن يخلق ال�سماوات والأر�ض بخم�سني �ألف
واملقتد ُر)
ِ �سنة ،قال :وعر�شه على املاء)( ،)28و�أ�سماء اهلل احل�سنى (ال َقا ِد ُر وال َق ِد ُ
ير
دالة على �صفة (القدرة) ،وهي �صفة ذاتية ،مل يزل -وال يزال -اهلل مت�صف ًا بها .ومع �أن
هذه الأ�سماء م�شتقة من �صفة واحدة �إال �أن بع�ضها ي�شري �إلى خ�صو�صية لي�ست يف الآخر،
تدل على الكمال املطلق لقدرته �-سبحانه -التي ال يعجزها �شيء ،وهذه الكماالت تتمثل
فيما يلي:
(( )23طريق الهجرتني وباب ال�سعادتني) البن القيم (�ص.)95 :
(( )24تف�سري ال�سعدي) (ف�صل يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص.)18 :
(( )25االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص.)44:
(�( )26ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص.)86 :
(( )27الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ� - ١ :ص )81 :وعزا القول للحليمي.
( )28رواه م�سلم برقم (.)2653
236 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الأول :يف �أن اهلل قادر على كل �شيء ،على ما يفعله ،وعلى ما ال يفعله ،فما
�شاء اهلل كائن بقدرته ال حمالة ،وما مل ي�ش�أ مل يكن ،لعدم م�شيئته له ،ال لعدم قدرته عليه،
فاخت�ص ا�سم (ال َقادِر) بهذا الكمال ،وع َّرفه العلماء ب�أنه «هو الذي �إن �شاء فعل ،و�إن �شاء
مل يفعل»( ،)29وتقرر لديهم �أن ما �شاء اهلل كان ،وما مل ي�ش�أ مل يكن ،يقول �شيخ الإ�سالم
ابن تيمية « :قال تعال ى: } ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ
ﭞ{[امل�ؤمنون18:] ،قال املف�سرون: لقادرون على �أن نذهب به حتى متوتوا ً
عط�شا،
وتهلك موا�شيكم ،وتخـ ـ ــرب �أرا�ضيكم ،ومعلوم �أنه مل يذهب بـ ــه ،وهـ ــذا كقوله:} ﮯ
ﮰ ﮱ ﯓ{ �إلى قوله: } ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ{ [الواقعة82-68:] ،وهذا
يدل على �أنه قادر على ما ال يفعله ،ف�إنه �أخرب �أنه لو �شاء جعل املاء �أُجاجاً وهو مل
يفعلـه ،ومثل هذا: ..} ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ{[يون�س99:] } ،ﭫ ﭬ ﭭ
ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ{[البقرة253:]،
ف�إنه �أخرب يف غري مو�ضع �أنه لو �شاء لفعل �أ�شياء وهو مل يفعلها»(.)30
و�شاءه يف اللوح املحفوظ وهو (ال�شيء املعلوم) الثاين :يف �أن ما كتبه اهلل
�أو (الثبوت العلمي الكتابي) ،كائن ال حمالة ،وال بد من وقوعه يف وقته الذي ق ّدره له
�-سبحانه ،فاخت�ص ا�سم (ال َقدِ ير) بهذا الكمال ،وتعلق باملُق َّدر (الثبوت العلمي) قبل
خلقه وتكوينه ،وقبل �أن يكون �شيئاً مذكورا ،كما قال �سبحانه } :ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ
ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ {[الإن�سان1:] ،وتقرر لدى العلماء �أن ما تعلقت به امل�شيئة
تعلقت به القدرة ،وما تعلقت به القدرة من املوجودات تعلقت به امل�شيئة ،وال يكون �شيء �إال
بقدرته وم�شيئته ،و(ال َقدِ ي ُر) هو الفعال ملا يريد كما و�صف نف�سه �سبحانه } :ﯗ ﯘ
ﯙ {[الربوج16:] ،وهو املتحقق منه خلق وتكوين و�إظهار ما كتبه و�شاءه يف اللوح املحفوظ
يف وقته الذي ق ّدره له و�أراده ،قال �أبو هالل الع�سكري(« :ال َقا ِد ُر) :هو الذي �إن �شاء فعل،
(( )29املق�صد الأ�سنى) للغزايل (�ص ،)119:وجاء القول عن ابن تيمية يف (�شرح العقيدة الأ�صفهانية) املدرجة �ضمن
(جمموعة فتاوى ابن تيمية امل�صرية (دار الفكر)) (جـ� - 5 :شرح العقيدة� :ص.)23:
(( )30جمموع فتاوى ابن تيمية) جمع عبدالرحمن القا�سم (جـ� -8 :ص.)10:
ير -المقتدِ ُر
المجموعة الحادية عشرة :القَ ادِ ُر -القَ دِ ُ 237
وذلك كله داخـل فـي قوله } :ﮠ ﮡ ﮢ{»( )35ويقول تعالى } :ﭧﭨﭩﭪ
ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ{[املمتحنة ،]7:عند نزول الآية
كانت قري�ش حتمل لواء العداء ،فنزلت هذه الآية م�شرية �إلى �أنه �سبق يف علم اهلل �إ�سالم
بع�ض ه�ؤالء ،و�أن اهلل قدير على خلق وتكوين ما قدره يف علمه من �إ�سالمهم ،وهو ما وقع فيما
بعد ،يقول ابن جرير« :يقول -تعالى -ذكره :ع�سى اهلل �أيها امل�ؤمنون �أن يجعل بينكم
وبني الذين عاديتم من �أعدائي من م�شركي قري�ش مو ّدة ،ففعل اهلل ذلك بهم ،ب�أن
�أ�سلم كثري منهم ،ف�صاروا لهم �أولياء و�أحزاباً»( ،)36ويقول ال�شيخ ال�سعدي« :ويف هذه
الآية �إ�شارة وب�شارة �إلى �إ�سالم بع�ض امل�شركني ،الذين كانوا �إذ ذاك �أعداء للم�ؤمنني،
وقد وقع ذلك»( ،)37ومن ذلك قوله تعالى } :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ
ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ{[احلج ،]39:وهو ما وقع بعد الهجرة ،وقوله -تعالى -عن يهود
املدينة } :ﮎﮏﮐﮑ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ
ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ
ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ{[البقرة ،]109:قال القا�سمي }« :ﮦ ﮧ ﮨ
ﮩ{ وهو الإذن يف قتالهم و�إجالئهم} ،ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ{ فينتقم
منهم �إذا �آن �أوانه»( ،)38وغريها كثري.
الثالث :يف �سرعة التكوين بالقدرة ،و �إظهار املُق َّدر وخلقه وتكوينه و�إيجاده ،وهو
ما تعلق بـ (الثبوت والوجود العيني) ،فاخت�ص ا�سم (املقتدِ ر) بهذا الكمال ،مما ي�شري
�إلى كمال قدرته �-سبحانه -يف الإيجاد والتنفيذ والتكوين ،و(املقتدِ ُر) ا�سم الفاعل من
(اقتدر) ،و(اقتدر) �أبلغ من (قدر) ،واالقتدار� :شدة القدرة ،وال ينا�سب �أن يكون معلق ًا،
بل هو (مقتدِ ٌر) الآن ،وا�سم الفاعل ي�ستعمل عادة يف زمن احلال؛ ولذا كان (املقتدِ ُر)
( )35تف�سري (جامع البيان يف تف�سري القر�آن) للطربي عند تف�سري [الأحزاب. 26:
( )36تف�سري (جامع البيان يف تف�سري القر�آن) للطربي عند تف�سري [املمتحنة. 7:
(( )37تف�سري ال�سعدي) عند تف�سري [املمتحنة. 7:
(( )38تف�سري القا�سمي) (جـ� - 1 :ص )223:عند تف�سري[ :البقرة. 109:
ير -المقتدِ ُر
المجموعة الحادية عشرة :القَ ادِ ُر -القَ دِ ُ 239
املظهر ملا قــدره ،ومن �أمثلة ذلك ما �أ�شار �إليه �-سبحانه -يف ق�صة �آل فرعون ،وتكذيبهم
لآياته ،وانتقامه منهم ،و�أخذهم �أخذ عزيز مقتدر } :ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ
ﯞ{[القمر ،]42:وقوله تعالى} :ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ
ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ
ﰖ{[الكهف ،]45:قال ال�شوكاين�« :أي مقتدراً على كل �شيء من الأ�شياء؛ يحييه
ويفنيه بقدرته ال يعجز عن �شيء»( ،)39وقال ابن عادل« :قادراً بتكوينه �أو ًال ،وتنميته
و�سطاً ،و�إبطاله �آخراً»( ،)40يقول ال�شيخ الر�ضواين(« :ال َقا ِد ُر) الذي ُي َقدِّر املقادير
يف علمه ،وعلمه املرتبة الأولى من ق�ضائه وقدره ،و(القدير) يدل على القدرة
وتنفيذ امل ُ َقدَّر وخلقه وفق �سابق التقدير� ،أما (املقتدِ ُر) فجمع يف داللته بني ا�سم
اهلل (ال َقا ِد ُر) و(ال َقدِ ي ُر) معاً ،وهو �شبيه يف داللته با�سم اهلل (املليك) فهو جامع
ال�سمي (املالك) لأعيان خلقه( ،امللك) املت�صرف فيهم مبقت�ضى حكمته ،ولعل ذلك
هو �سر اقرتان اال�سمني( :املليك واملقتدر) يف قوله تعالى }:ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ
ﭴ ﭵ{[القمر ،]55:لداللتيهما املزدوجتني»(.)41
فاهلل ( َقا ِد ٌر) �إن �شاء فعل و�إن �شاء مل يفعل ،وهو ( َقدِ ي ٌر) على �إظهار وخلق ما
�شاء يف وقته الذي ق ّدره له وحدده ،ومتى ما ظهر املقدور ووجد فهو دليل على �أنه (مقتدِ ٌر)
ال يعجزه �شيء � ..سبحانه -من َقا ِد ٍر َقدِ يرٍ مقتدِ ٍر.
خام�س ًا :ال�صفة امل�شتقة:
املقتد ُر :ال�صفة امل�شتقة من �أ�سماء اهلل �-سبحانه (ال َقادِر -
ِ æال َقا ِد ُر -ال َق ِد ُ
ير -
ال َقدِ ير -املقتدِ ر) «�صفة (ا ْل ُق ْد َرة) وهي �صفة ذاتية ثابتة هلل بالكتاب وال�سنة»( ،)42قال
تعالى }:ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ{[القيامة ،]4:وقال تعالى } :ﭑ ﭒ ﭓ
( )39تف�سري (فتح القدير) لل�شوكاين ،عند تف�سري [الكهف. 45:
( )40تف�سري (اللباب يف علوم الكتاب) البن عادل عند تف�سري [الكهف. 45:
(�( )41أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص�()343:ص )544-543:بت�صرف ي�سري.
(�( )42صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص.)199 :
240 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
تعالى } :ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ
ﯧ ﯨ{[ي�س ،]81:و(القادر) هو الذي �إن �شاء فعل ،و�إن �شاء مل يفعل ،وقد �أخرب
�سبحانه يف موا�ضع كثرية من كتابه �أنه لو �شاء لفعل �أ�شياء وهو مل يفعلها ،وما �شاءه �سبحانه
فهو كائن بقدرته ال حمالة ،وما مل ي�ش�أ مل يكن ،لعدم م�شيئته له ،ال لعدم قدرته عليه ،وقد
�أ�شار �سبحانه لهذه احلقيقة يف الآية التي تليها }:ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ
ﯱ ﯲ ﯳ{ [ي�س ،]82:واالقرتان بني (القادر) وبني (الخْ َلاَّ قُ ا ْل َع ِليم) ورد يف
�سياق الرد على م�شركي قري�ش عندما حتدى �أحدهم النبي ¤يف البعث بعد املوت وقال
كما حكاه �سبحانه }:ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ{
[ي�س ،]78:فكان هذا اال�ستفهام الإنكاري والدليل العقلي من �ضمن احلجج والرباهني
الدالة على قدرته �سبحانه على البعث بعد املوت ،و�أن من َق َد َر على خلق ال�سماوات والأر�ض
وعظم �ش�أنهما فهو على خلق الإن�سان �أقدر ،وهو م�صداق لقوله تعالى: مع ِكرب جرمهما ِ
}ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ
بنف�سه �سبحانه على هذا اال�ستفهام بقوله } :ﯥ{ نف�سه ِﯟ {[غافر ،]57:ف�أجاب َ
وك�أنه –يحكي ما يعتلج يف �صدور امل�شركني وا�ستيقنته �أنف�سهم و�إن مل ي�صرحوا به ،ومن
ثم �أكد حقيقة قدرته على اخللق ،والبعث بعد املوت بقوله تعالى } :ﯦ ﯧ ﯨ{
وهي حقيقة م�شاهدة يف كل حلظة ،وتتمثل يف �إبداع اخللق كم ًا وكيف ًا ،فيعيد ما خلق ويكرره
( )43رواه م�سلم برقم (.)2202
ير -المقتدِ ُر
المجموعة الحادية عشرة :القَ ادِ ُر -القَ دِ ُ 241
كما كان ،ويخلق خلق ًا جديدا �أح�سن مما كان ،ومع ذلك فهو عليم مبا يخلق ،كيف يخلقه
و�أين ومتى واحلكمة من خلقه� ،سبحانه من خالق عليم ،يقول ال�شيخ ال�سعدي .. « :ثم ذكر
دليال رابعا فقال} :ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ { على �سعتهما وعظمهما
} ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ{ �أي� :أن يعيدهم ب�أعيانهم } ،ﯥ{ قادر على ذلك،
ف�إن خلق ال�سماوات والأر�ض �أكرب من خلق النا�س }،ﯦ ﯧ ﯨ{ وهذا
دليل خام�س ،ف�إنه تعالى (الخْ َ القُ ) ،الذي جميع املخلوقات ،متقدمها ومت�أخرها،
�صغريها وكبريها ،كلها �أثر من �آثار خلقه وقدرته ،و�أنه ال ي�ستع�صي عليه خملوق
�أراد خلقه .ف�إعادته للأموات ،فرد من �أفراد �آثار خلقه»(.)44
æالغفور والرحيم :ورد االقرتان مرة واحدة مع ا�سمه �-سبحانه (القدير) يف
قوله تعالى } :ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ
ﭷ{[املمتحنة ،]7:وال�سر يف ذلك -واهلل �أعلم – الإ�شارة �إلى «�أن رحمة اهلل
ومغفرته �إمنا هي عن مقدرة ال عن �ضعف»( ،)45يقول ال�شيخ ال�سعدي يف كالم نفي�س:
«واهلل قدير على كل �شيء ،ومن ذلك هداية القلوب وتقليبها من حال �إلى حال،
واهلل غفور رحيم ال يتعاظمه ذنب �أن يغفره ،وال يكرب عليه عيب �أن ي�سرته»(.)46
واملغفرة والرحمة املمدوحة هي التي ت�صدر عن قادر على االنتقام ثم هو يغفر ويرحم.
جاء يف �سابق التقدير ،ال يعجزه �شيء يريده ،وال ميتنع عليه ،وال يحتجز عنه مبنعة �أو قوة ،وقدرته
� -سبحانه -تامة ومطلقة و�شاملة ونافذة ،قد �سلمت من اللغوب والتعب والإعياء والعجز ،ولكمالها
فكل �شيء طوع �أمره وحتت تدبريه ،فما �شاء كان ،وما مل ي�ش�أ مل يكن ،وهو الفعال ملا يريد �-سبحانه .
æالأثر العملي:
1.1اال�ستعانة باهلل -تعالى ،وح�سن التوكل عليه ،ومتام االلتجاء �إليه ،والر�ضى بق�ضائه
وقدره ،و�أنه وحده �-سبحانه -القـ ــادر على ق�ضاء احلوائج وتفريج الكربات ،ومن
قوله .. (:¤واعلم �أن الأمة لو اجتمعت على �أن حدي ـ ـ ــث ابن عبا�س
ينفعوك ب�شيء ،مل ينفعوك �إال ب�شيء قد كتبه اهلل لك ،و�إن اجتمعوا
على �أن ي�ضروك ب�شيء مل ي�ضروك �إال ب�شيء قد كتبه اهلل عليك ،رفعت
الأقالم وجفت ال�صحف)( ،)47فال ركون �إال �إليه �-سبحانه -وال اعتماد �إال
واملنجمني وال�سحرة
عليه ،ومن ادعى علم الغيب والقدرة على الت�أثري من الع ّرافني ّ
والكهان فهو م�ضل كاذب؛ لأن علم التقدير �سر بيد (ال َقادِر) وحده.
�2.2إجالل اهلل �-سبحانه -ومهابته ،والتوا�ضع لعباده ،واالبتعاد عن ظلمهم ،وعدم
االغرتار بالقدرة عليهم ،لأن الإميان بقدرة اهلل -تعالى -وانتقامه للمظلومني
من الظلمة ،يجعل العبد يرتدع عن الظلم والعدوان ،وكما قيل�« :إذا دعتك
قدرتك �إلى ظلم العباد فتذكر قدرة اهلل عليك».
�3.3سالمة العبد من �أمرا�ض القلوب؛ كاحلقد واحل�سد ونحوهما ،لإميانه ب�أن الأمور كلها
بتقدير اهلل ،و�أنه �-سبحانه -هو الذي �أعطى العباد وقدر لهم �أرزاقهم ،فالف�ضل
ف�ضله ،والعطاء عطا�ؤه؛ ولذا يقال للحا�سد�« :إنه عدو نعمة اهلل على عباده».
4.4تقوية عزمية العبد و�إرادته يف احلر�ص على اخلري وطلبه ،والبعد عن ال�شر
( )47رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)7957
ير -المقتدِ ُر
المجموعة الحادية عشرة :القَ ادِ ُر -القَ دِ ُ 243
والهرب منه ،ويف حديث �أبي هريرة ‹ قوله ..(:¤احر�ص على ما ينفعك
وا�ستعن باهلل وال تعجز ،و�إن �أ�صابك �شيء فال تقل :لو �أين فعلت كان كذا
وكذا ،ولكن قل :قدر اهلل ،وما �شاء فعل ،ف�إن لو تفتح عمل ال�شيطان)(.)48
5.5ح�سن رجاء اهلل ،ودوام �س�ؤاله والإكثار من دعائه ،والطمع يف �إنعامه؛ لأن الأمور كلها
بيده ،وهو على كل �شيء قدير؛ ولذا قال مطرف بن عبداهلل« :تذكرت ما جماع
اخلري ف�إذا اخلري كثري :ال�صوم ،وال�صالة ،و�إذا هو بيد اهلل و�إذا �أنت ال تقدر
على ما يف يد اهلل �إ ّال �أن ت�س�أله فيعطيك ،ف�إذا جماع اخلري :الدعاء»(.)49
6.6الثقة يف رحمة اهلل وحكمته ولطفه ،ودفع الي�أ�س والإحباط والهلع ،ال �سيما يف ظل
امل�صائب والكوارث وت�سلط الأعداء ..فاهلل �-سبحانه -قادر على رفع امل�صائب
وق�صم الكفرة ،فهو على كل �شيء قدير والكل يف قب�ضته وحتت قهره ،ولكنها
احلكمة التي قد ال حتتملها عقول الب�شر.
ثامن ًا :مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء:
املقتد ُر) من �أ�سماء الذات الدالة على �صفة اهلل الذاتية
ِ (ال َقا ِد ُر -ال َق ِد ُ
ير -
(ا ْل ُق ْد َرة) وهي �صفة ذاتية ،مل يزل -وال يزال -اهلل مت�صف ًا بها ،وال تعلق لها بامل�شيئة،
فاهلل �-سبحانه وتعالى -قدير ذو قدرة تامة ،ال يعجزه �شيء ،وكل �شيء طوع �أمره وحتت
تدبريه؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل ،والتو�سل �إليه ،والثناء عليه ،وتعظيمه ومتجيده
بهذه الأ�سماء يف جميع �أغرا�ض الدعاء وحاجات العبد ،ويت�أكد ذلك حال �ضعف العبد وذله،
وقلة حيلته وحاجته ،وطلبه ملغفرة ذنوبه ،ومن دعاء النبي ( :¤رب اغفر يل خطيئتي
وجهلي ،و�إ�سرايف يف �أمري كله ،وما �أنت �أعلم به مني ،اللهم اغفر يل خطاياي،
وعمدي وجهلي وهزيل ،وكل ذلك عندي ،اللهم اغفر يل ما قدمت وما �أخرت ،وما
( )48رواه م�سلم برقم (.)2664
(� )49أخرجه الإمام �أحمد يف (الزهد) يف �أخبار (مطرف بن ال�شخري رحمه اهلل) (برقم� – 1344 :ص.)195 :
244 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
�أ�سررت وما �أعلنت� ،أنت املقدم و�أنت امل�ؤخر ،و�أنت على كل �شيء قدير)(.)50
تا�سع ًا :لطائف و�أقوال:
قال تعالى}:ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ æ
ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ
ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ( )51ﯫ ﯬ
ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ( )52ﯷ
ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ{[البقرة.]259:
æعن �أبي هريرة ‹ قال :قال النبي ( :¤كان رجل ي�سرف على نف�سه ،فلما
ح�ضره املوت قال لبنيه� :إذا �أنا مت ف�أحرقوين ،ثم اطحنوين ،ثم ذروين يف الريح،
علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه �أحد .فلما مات ُفعل به ذلك، فواهلل لئن قدر َّ
ف�أمر اهلل الأر�ض فقال :اجمعي ما فيك منه ،ففعلت ،ف�إذا هو قائم ،فقال :ما حملك
على ما �صنعت؟ قال :يا رب ْ
خ�ش َي ُتك ،فغفر له)(.)53
æب�صق ر�سول اهلل ¤يوما على كفه ،وو�ضع عليها �إ�صبعه ثم قال( :يقول اهلل
تعالى :يا ابن �آدم� ،أنّى تعجزين وقد خلقتك من مثل هذه! ،حتى �إذا �سويتك،
وعدلتك ،م�شيت بني بردين وللأر�ض منك وئيد( ,)54فجمعت ومنعت ,حتى �إذا بلغت
أت�صدق ،و�أنّى �أوان الت�صدق!)(.)55
نف�سك الرتاقي ،قلتّ � :
æقال ال�صحابي اجلليل �أبو م�سعود عقبة بن عمرو ‹ :كنت �أ�ضرب غالماً يل
بال�سوط .ف�سمعت �صوتاً من خلفي يقول( :اعلم� ،أبا م�سعود!) فلم �أفهم ال�صوت من
( )50رواه البخاري برقم (.)6398
( } )51لمَ ْ َيت ََ�س َّنهْ{� :أي مل يتغري خالل هذه املدة الطويلة.
ن�ش ُزهَ ا{ :نحركها ونرفع بع�ضها على بع�ض ،ون�صل بع�ضها ببع�ض. (ُ } )52ن ِ
( )53رواه البخاري برقم ( )3481ورواه م�سلم برقم ( )2756واللفظ للبخاري.
( )54الوئيد� :صوت �شدة الوطء على الأر�ض ،ي�سمع كالدَّويّ من ُبعد([.النهاية يف غريب احلديث) البن الأثري (جـ� - 5:ص.])143 :
( )55رواه احلاكم و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)8144
ير -المقتدِ ُر
المجموعة الحادية عشرة :القَ ادِ ُر -القَ دِ ُ 245
الغ�ضب! ،قال :فلما دنا مني� ،إذ هو ر�سول اهلل ،¤ف�إذا هو يقول( :اعلم �أبا م�سعود،
اعلم �أبا م�سعود!) قال :ف�ألقيت ال�سوط من يدي ،فقال( :اعلم� ،أبا م�سعود� ،أن اهلل
�أقدر عليك منك على هذا الغالم) ،قال :فقلت :ال �أ�ضرب مملوكا بعده �أبدا ويف رواية:
فقلت :يا ر�سول اهلل ،هو ح ٌر لوجه اهلل .فقال�(:أما لو مل تفعل ،للفحتك النار� ،أو
مل�ستك النار)(.)56
æنزل جربيل على يعقوب ،ف�شكا �إليه ما هو فيه ،فقال له جربيل�« :أال
�أعلمك دعا ًء �إذا �أنت دعوت به فرج اهلل عنك؟ قال :بلى ،قال :قل :يا من ال يعلم كيف
هو �إال هو ،ويا من ال يبلغ كنه قدرته غريه ،فرج عني ف�أتاه الب�شري»!(.)57
æقال الف�ضيل بن عيا�ض« :من خاف اهلل مل ي�ضره �شيء ،ومن خاف غري اهلل
مل ينفعه �أحد»(.)58
æقال وهيب بن الورد « :بينا �أنا واقف يف بطن الوادي� ،إذا �أنا برجل قد اخذ مبنكبي
فقال :يا وهيب خف اهلل لقدرته عليك ،وا�ستحيي منه لقربه منك ،قال :فالتفت فلم
�أر �أحدا»(.)59
æقيل لأعرابي :مب عرفت اهلل؟ ،قال« :بنق�ض عزائم ال�صدور ،و�سوق االختيار
�إلى حبائل املقدور»(.)60
æارتكب عبد اهلل بن م�سلم بن حمارب جناية ،فلما �صار بني يدي هارون الر�شيد قال:
«يا �أمري امل�ؤمنني� ،أ�س�ألك بالذي �أنت بني يديه � ّ
أذل مني بني يديك ،وبالذي هو �أقدر
على عقابك ،منك على عقابي ،ملا عفوت عني!»( ،)61فعفا عنه ملا ذكر قدرة اهلل .
( )56رواه م�سلم برقم (.)1659
(( )57الفرج بعد ال�شدة) البن �أبي الدنيا (�ص.)34 :
(( )58حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ� – 8 :ص )88 :يف ترجمة (الف�ضيل بن العيا�ض).
(( )59حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ� – 8 :ص)140 :يف ترجمة (وهيب بن الورد).
(( )60نفح الطيب من غ�صن الأندل�س الرطيب) للتلم�ساين (جـ� – 5ص.)289 :
(�( )61أدب الدنيا والدين) للماوردي (�ص.)268 :
246 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
أعرابي فقال�« :سبحان من عال فقهر ،و َقدِ َر فغفر ،و�سبحان من ُيح ّيي
æدعا � ٌّ
املوتى ،ويمُ يت الأحياء ،وهو على ك ّل �شي ٍء قدير»(.)62
الــمــجــمــوعـــــــ12ـــــــــة
مو�ضوع الأ�سماء :ا ْل ِع َّز ُِة
()40 - 39 - 38 - 37
يز -ال ّأع ُز ال َق ِو ُّي -املَ ِت ُ
ني -ال َع ِز ُ
248 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الـمجـمـوعـ12ـة
مو�ضوع الأ�سماء :ا ْل ُق َّو ُِة وا ْل ِع َّز ُِة
()40 - 39 - 38 - 37
يز -ال ّأع ُز ال َق ِو ُّي -املَ ِت ُ
ني -ال َع ِز ُ
�أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود:
æال َق ِو ُّي :ورد يف القر�آن الكرمي ( 9مرات) منها قوله تعالى }:ﮊ ﮋ ﮌ
�أنها َقالت ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ{[ال�شورى ،]19:ومن حديث عائ�شة
الريح على امل�شركني ،فكفى اهلل امل�ؤمنني القتال عن يوم اخلندق « :وبعث اهلل
وكان اهلل قوياً عزيزاً»(.)1
æاملَ ِتنيُ :ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة يف قوله تعالى }:ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ
ﮉ ﮊ{[الذاريات ،]58:ومن ال�سنة قول ابن م�سعود ‹ قال�« :أقر�أين ر�سول اهلل :¤
} ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ{»(.)2
يز :ورد يف القر�آن الكرمي ( 88مرة) منها قوله تعالى}:ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ
ال َع ِز ُ æ
ﮚ{[ال�شعراء ،]9:ومن ال�سنة قول عائ�شة :كان النبي � ¤إذا ت�ض ّور من الليل( ،)3قال:
(ال �إله �إال اهلل الواحد القهار ،رب ال�سماوات والأر�ض وما بينهما العزيز الغفار)(.)4
æال ّأع ُز :مل يرد هذا اال�سم الكرمي يف القر�آن العظيم ،و�إمنا ورد يف الأثر املوقوف
على عبد اهلل بن م�سعود وعبد اهلل بن عمر �أنهما كانا يقوالن يف ال�سعي بني ال�صفا
واملروة « :رب اغفر وارحم ،وجتاوز ع َّما تعلم� ،إنك �أنت الأع ُّز الأكرم»(.)5
( )1رواه الإمام �أحمد وح�سنه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة برقم (.)67
( )2رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف �صحيح �أبي داود برقم (.)3993
( )3ت�ض ّور� :أي تل ّوى وتق ّلب لي ًال يف فرا�شه.
( )4رواه الن�سائي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)4693
( )5رواه ابن �أبي �شيبة والطرباين والبيهقي وقال الألباين يف (منا�سك احلج والعمرة � -ص : )28:رواه ابن �أبي �شيبة ب�إ�سنادين �صحيحني.
األع ُز
ّ العز ُ
ِيز - المتِ ُ
ين َ - يَ -المجموعة الثانية عشرة :القَ وِ ُّ 249
مت نُ
ميت َمتان ًة فهو متني، æامل َ ِت ُ
ني�« :صفة م�شبهة للمو�صوف باملتانة ،فعله نُ َ
�أي قوي مع �صالبة وا�شتداد ،واملتني :هو ال�شيء الثابت يف قوته ،ال�شديد يف عزمه
ومتا�سكه ،والوا�سع يف كماله وعظمته ..فال تنقطع قوته ،وال تت�أثر قدرته»(.)8
يز�« :صفة م�شبهة للمو�صوف بالعزة ،فعله ع َّز َي ِع ّز عِ ّزاً وعِ ّز ًة ،فهو æال َع ِز ُ
عزيز»(« ،)9و(الع ـ ـ ِ ُّزة) :حالـ ــة مانعـ ـ ــة للإِن�س ـ ــان من �أَن ُيغلب ،ومعن ــاه ــا :املنعة
والغلب ـ ــة ،ومنه قولـه تعالى } :ﮣ ﮤ ﮥ{[�ص� ]23:أي :غلبني ،وقيل معناه:
�صار �أعز مني يف املخاطبة واملخا�صمة ،ومن �أمثال العرب( :من ع َّز ب َّز)؛ �أي :من غلب
�سلب ،و(العزيز) :الذى َي ْقهَر وال ُي ْقهر»(.)10
æال ّأع ُز :من �صيغ �أفعل التف�ضيل ،ولي�س م�صوغ ًا للمفا�ضلة ،و�إمنا للداللة على قوة
االت�صاف بالعزة ،والأعز مبعنى نفا�سة ال َق ْدر ،و�أنه �-سبحانه -ال يعادله �شيء يف عزته ،وال
مثيل له وال نظري.
(�( )6أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( .)398 :القوي).
(( )7ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص.)149 :
(�( )8أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( .)402 :املتني).
( )9معجم اللغة العربية املعا�صرة للدكتور �أحمد خمتار عمر (مادة :ع ز ز).
(( )10املفردات) للراغب الأ�صفهاين (مادة :عزَّ).
250 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الظاملني املجرمني ،والكفرة امللحدين ،وبرزت عزته يف �إعزاز دينه و�إجناء �أنبيائه و�أوليائه،
يقول الألو�سي(« :القوي العزيز) �أي القادر على كل �شيء ،والغالب عليه يف كل وقت،
ويندرج يف ذلك الإجناء والإهالك»( ،)31ويقول الطربي� }« :إ َّن اللهَّ َ َل َقوِيٌّ َعزِي ٌز{ �إن اهلل
لقويّ علـى ن�صر من جاهد فـي �سبـيـله من �أهل واليته وطاعته ،عزيز فـي ُملكه ،منـيع
فـي �سلطانه ،ال يقهره قاهر ،وال يغلبه غالب»(.)32
æالحْ َ ِك ُ
يم :ورد االقرتان مع ا�سمه �-سبحانه (ال َعزِيز) ( 47مرة) منها قوله تعالى:
} ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ{[�آل عمران ،]6:وال�سر يف ذلك -واهلل �أعلم -كما قال ابن
القيم�« :إن العزة :كمال القدرة ،واحلكمة كمال العلم ،وبهاتني ال�صفتني يق�ضي -
�سبحانه وتعالى -ما ي�شاء ،وي�أمر وينهى ،ويثني ويعاقب ،فهاتان ال�صفتان :م�صدر
اخللق والأمر» ( ،)33وقال ابن الوزير« :ويف هذه الآيات و�أمثالها؛ نكتة لطيفة ،يف
جمعه بني العزة واحلكمة ،وذلك �أن اجتماعهما عزيز يف املخلوقني ،ف�إن �أهل العزة
من ملوك الدنيا ،يغلب عليهم الع�سف يف الأحكامَ ،ف َّبني خمالفته لهم يف ذلك،
ف�إن عظيم عزته مل يبطل لطيف حكمته ورحمته ،من له الكمال املطلق واملجد
املحقق»( ,)34ويقول ال�شيخ ابن عثيمني�« :إن اجلمع بني اال�سمني دال على كمالٍ �آخر ،وهو
�أن عزته -تعالى -مقرونة باحلكمة ،فعزته ال تقت�ضي ظل ًما وجو ًرا و�سوء فعل،
كما قد يكون من �أعزاء املخلوقني ،ف�إن العزيز منهم قد ت�أخذه العزة بالإثم فيظلم
ويجور وي�سيء الت�صرف ،وكذلك حكمه -تعالى -وحكمته مقرونان بالعز الكامل
بخالف حكم املخلوق وحكمته ف�إنهما يعرتيهما الذل»(.)35
يــم :ورد االقرتان مع ا�سمه �سبحانه (ال َعزِيز) ( 13مرة) منها قوله تعالى:
æال َّر ِح ُ
( )31تف�سري (روح املعاين) للألو�سي (تف�سري الآية 66من �سورة هود).
( )32تف�سري (جامع البيان) للطربي (الآية 40من �سورة احلج).
(( )33اجلواب الكايف) البن القيم (�ص.)137 :
(�( )34إيثار احلق على اخللق يف رد اخلالفات) البن الوزير (جـ� - 1 :ص.)200:
(( )35القواعد املثلى) البن عثيمني (�ص.)10 :
254 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
نف�سـه}:ا ْل َعزِي ُز ال َّرحِ ي ُم{ } -ا ْل َعزِي ُز الحْ َ كِي ُم{ } -ال َعزِي ُز ال َغ ُفو ُر{ } -ا ْل َعزِي ُز
ا ْل َغ َّفا ُر{ } -ا ْل َعزِي ِز ا ْل َوهَّابِ { ،بينما العزيز من العباد -يف الأغلب -نقي�ض ذلك
متاماً؛ فهو يتجرب ويطغى ويبط�ش ،ف ُيخاف �إف�ساده وبغيه وبط�شه وتعد ال�سالمة
من �أذاه غاية املطلوب»( ،)38وميكن تف�سري احلكمة من االقرتان بني «اال�سمني اجلليلني
على الرهبة والرغبة ،فـ(العزيز) خليق �أن ينتقم ممن تنكب �صراطه ،و�أعر�ض عن
أمان من التعر�ض لغ�ضبه وبط�شه ،و(احلميد) جدير �أن �سبيله ،فال�سري يف طريقه � ٌ
ي�شكر من اتبع هداه ،وقدّم بني يديه �أعما ًال �صاحلة تقربه �إلى مواله» (.)39
æال َغ ُفو ُر -ا ْل َغفَّا ُر :اقرتن ا�سم (ال َعزِيز) مع ا�سم (ال َغ ُفور) مرتني ،يف قوله تعالى:
} ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ{[فاطر ،]28:وقوله تعالى:
} ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ{[امللك ،]2:ومع (ا ْل َغ َّفار) ( 3مرات) ،يف قوله
تعالى }:ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ{[�ص ،]66:وقوله تعالى }:ﯬ
ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ{[الزمر ،]5:وقوله
تعالى } :ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ{[غافر ،]42:و�سر ذلك -واهلل �أعلم« :لتو�ضيح
�أن اهلل العزيز الغالب لكل �شيء القاهر فوق عباده ،قادر على �أن ي�أخذ عباده بذنوبهم،
ويعذب مبا ي�شاء من �أنواع العذاب ،ولكنه �-سبحانه -مع عزته وقهره� ،إال �أنه غفور
رحيم ،وعفوه ومغفرته تكون منه �سبحانه عن عزة وقدرة ،ال عن �ضعف وعجز ،فهو
كامل يف عزته ،وكامل يف مغفرته ،وكامل يف اجلمع بني عزته ومغفرته»(� ،)40إلى جانب
�أن «} ﭥ ﭦ{ يجعل العباد يتقلبون بني اخلوف والرجاء ،فخوفهم من (ال َعزِيز)
مينعهم من اجلر�أة على معا�صيه لأنه ال يفوته من �أ�ساء العمل ،ورجا�ؤهم يف (الغفور)
يفيء بهم – مهما �ضلوا – �إلى �سواء ال�صراط ،لأن مغفرته و�سعت كل �شيء» (.)41
(( )38وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص )384 - 383 :بت�صرف ي�سري ،وانظر (مطابقة �أ�سماء اهلل
احل�سنى) د .جنالء كردي (�ص.)208 :
(( )39مطابقة �أ�سماء اهلل احل�سنى) للدكتورة جنالء كردي (�ص.)537 - 536 :
(( )40وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص.)411 :
(( )41مطابقة �أ�سماء اهلل احل�سنى) للدكتورة جنالء كردي (�ص.)198 :
256 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
اب :اقرتن مع (ال َعزِيز) مرة واحدة ،يف قوله تعالى }:ﮪ ﮫ ﮬ æا ْل َو َّه ُ
ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ{[�ص ،]9:و�سر ذلك -واهلل �أعلم� -أن اجتماع «(العزيز الوهاب)
يقت�ضي الت�صرف التام هلل � -سبحانه -يف �صنوف العطاء املادي منها واملعنوي ،ال
ينازعه فيها منازع ،وال يغالبه فيها مغالب؛ لأن العزيز :هو الذي ال مانع ملا �أعطى،
معط �إلى ُم ْع َط ًى �إال ب�إذنه
وال معطي ملا منع ،وال ينوب عنه نائب ،وال ي�صل عطاء من ٍ
�-سبحانه ،فعزته مت�ضمنة الإنعام على خلقه والتف�ضل عليهم ،وتف�ضله و�إنعامه
�-سبحانه� -صادران عن عزة وقدرة ،وغنى وتف�ضل ،ال جللب نفع �أو دفع �ضر»(.)42
æاملُّ ْق َت ِد ُر :ورد االقرتان مع ا�سمه (ال َعزِيز) مرة واحدة ،يف قوله تعالى }:ﯘ
ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ{[القمر ،]42:وذلك للإ�شارة �إلى �أن « (العزيز) هو
الظاهر الذي ال ُيغلب �أبدًا ،و(املقتدر) الذي ال يعجزه �شيء ،واقرتانهما فيه معنى
زائد وكمال �آخر يفيد قوة الأخذ والعقاب»(.)43
مبر�ضاته ،مع اليقني ب�أن توحيد العبودية له �-سبحانه -هو �سبيل ال�سعادة ،فال
يحيد العبد عنه �أبد ًا ،مهما تعدد البالء ،وتقلبت الأحوال بني ال�سراء وال�ضراء،
مع �شعور العبد دوم ًا ب�أنه قوي ب�إميانه ،متني يف التم�سك به ،عزيز باالنت�ساب
�إليه ،لأن اهلل – �سبحانه – قوي ،ويحب امل�ؤمن القوي ،لقوله ( :¤امل�ؤمن
القوي خري و�أحب �إلى اهلل من امل�ؤمن ال�ضعيف ،ويف كل خري ،)44()..وقد
عد الإ�سالم القوة من العنا�صر الأ�سا�سية يف حتميل الأمانة كما قال �سبحانه:
} ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ{[الق�ص�ص .]26:
2.2الثقة باهلل ،والتوكل عليه يف كل الأمور؛ لأنه – �سبحانه -القوي املتني ،العزيز
الأعز ،الذي ال يعجزه �شيء يف الأر�ض وال يف ال�سماء ،ويقدر على ما ال يقدر
عليه غريه ،فال رازق �إال هو �-سبحانه ،وال رزق �إال من بابه ،كما قال �سبحانه:
} ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ{[ال�شورى،]19:
وال نا�صر �إال هو ،وال ن�صر �إال من عنده ،كما قال تعالى }:ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ
ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ{[الأنفال ،]10:ومهما بلغت قوة املخلوقني
فاهلل فوقهم ،ونوا�صيهم بيده ،وهو القوي العزيز ،قال تعالى } :ﮔ ﮕ
ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ{[املنافقون.]8:
3.3ال�شعور بالعزة يف توحيد اهلل ،وعبوديته وحبه ،ويقينه �أن العزة يف اتباع �أمره،
و�أنه �-سبحانه -العزيز الذي جعل العزة لنبيه ¤و�أتباعه وحزبه ،وال ير�ضى
بدي ًال عن عزة الإ�سالم و�أهله حتى لو كانت لأهله وع�شريته وقومه ،في�صدع
باحلق وال يخاف يف اهلل لومة الئم .
4.4التوا�ضع ومعرفة قدر النف�س ،والبعد عن �إيذاء اخللق وظلمهم واالعتداء عليهم،
ونفي العجب بالنف�س وقوتها وغرورها ،فاملخلوق مهما �أوتي من ملك وقوة
و�سلطان ومال و�أوالد فهو ذليل �ضعيف �أمام قوة اهلل -تعالى .
( )44رواه م�سلم برقم (.)2664
258 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
ثامن ًا :مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء:
يز -ال ّأع ُز) من �أ�سماء الذات الدالة على �صفات اهلل ني -ال َع ِز ُ (ال َق ِو ُّي -املَ ِت ُ
الذاتية (ا ْل ُق َّو ِة -المْ َ َتا َن ِة -ا ْل ِع ِّز وا ْل ِع َّز ِة) ،وهي �صفات ذات ،مل يزل -وال يزال -اهلل مت�صف ًا
بها ،ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل � -سبحانه وتعالى -والثناء عليه ،والتو�سل �إليه ،بهذه
الأ�سماء يف جميع حاجات العبد ،ويت�أكد ذلك حال ال�ضعف واملر�ض والفقر ،وحال اخلوف
والظلم والقهر ،ومن ذلك ما ورد من حديث �أن�س بن مالك ‹� ،أن ر�سول اهلل ¤قال له:
(�إذا ا�شتكيت ف�ضع يدك حيث ت�شتكي ،وقل :ب�سم اهلل� ،أعوذ بعزة اهلل و قدرته من
�شر ما �أجد من وجعي هذا ،ثم ارفع يدك ثم �أعد ذلك وتر ًا)( ،)45ومن حديثه �-أي�ض ًا-
�أن ر�سول اهلل ¤قال( :اللهم لك �أ�سلمت ،وبك �آمنت ،وعليك توكلت ،و�إليك �أَ َن ْبتُ ،
وبك خا�صمت ،اللهم �إين �أعوذ بعزتك ،ال �إله �إال �أنت؛ �أن ت�ضلني� ،أنت احلي الذي
ال ميوت ،واجلن و الإن�س ميوتون)( ،)46ومن حديث �أبي هريرة ‹ قال :قال ر�سول
اهلل�( :¤أال �أدلك على كلمة من حتت العر�ش من كنز اجلنة؟ ..تقول :ال حول و ال
قوة �إال باهلل فيقول اهلل� :أ�سلم عبدي و ا�ست�سلم)( ،)47والقر�آن وال�سنة مليئة بالأدعية
املتعلقة بهذه الأ�سماء.
تا�سع ًا :لطائف و�أقوال:
æقال النبي �( :¤إذا خرج الرج ُل من بي ِت ِه فقالِ :ب ْ�س ِم اهللِ ،توكلتُ على اهللِ،
قال حِ ي َنئِذٍ :هُ دِ يتَ و ُكفِيتَ و ُوقِيتَ ،ف َت َت َن َّحى له
هلل .قالُ :ي ُ
ال حو َل وال قو َة �إال با ِ
�شيطان � َآخ ُر :كيف لك برجلٍ قد هُ دِ يَ و ُكف َِي و ُوق َِي؟)(.)48ٌ ُ
فيقول ال�شياط ُ
ني،
æقال طارق بن �شهاب« :ملا قدم عمر بن اخلطاب ‹ ال�شام عر�ضت له خما�ضة،
فنزل عن بعريه ،ونزع خفيه ف�أخذهما بيده ،و�أخذ بخطام راحلته ،ثم خا�ض املخا�ضة ،فقال
( )45رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)346
( )46رواه م�سلم برقم (.)2717
( )47رواه احلاكم و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم.)2614( :
( )48رواه �أبو داود والن�سائي وابن حبان و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)499
األع ُز
ّ العز ُ
ِيز - المتِ ُ
ين َ - يَ -المجموعة الثانية عشرة :القَ وِ ُّ 259
ال عظي ًما عند �أهل الأر�ض! ،نزعت له �أبو عبيدة ‹ :لقد فعلت يا �أمري امل�ؤمنني فع ً
خفيك ،و ُقدت راحلتك ،وخ�ضت املخا�ضة! .ف�صك عمر يف �صدر �أبي عبيدة!؛ وقال� :أوه!
(ميد بها �صوته) ،لو غريك يقولها� ،أنتم كنتم �أذل النا�س ،و�أ�ضل النا�س ،ف�أع َّزكم اهلل
بالإ�سالم ،فمهما تطلبوا العزة بغريه ُيذِ ُلكم اهلل »(.)49
æذكر اهلل ،يف كتابه الكرمي ،ع�شرات الق�ص�ص لأمم كفرت باهلل وبر�سله
واغرتت بقوتها و�شدتها وعمارتها يف الأر�ض ،ف�أخذهم اهلل �أخذ عزيز مقتدر ،قال
تعالى } :ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ
ﮢ ﮣ ﮤ{[ف�صلت ،]15:وقـ ــال تعالى}:ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ
ﭥﭦﭧﭨ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ
ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ
ﭽ{[العنكبوت ،]40:بيان مف�صل لأنواع العذاب الذي َ�ص ّبه اهلل (ال َقوِيُّ ) على
من كذب دينه ،وعادى ر�سله ،يقول ابن القيم وا�صف ًا �أنواع العذاب« :وما الذي �أغرق �أهل
الأر�ض كلهم حتى عال املاء فوق ر�ؤو�س اجلبال؟! وما الذي �سلط الريح العقيم على
قوم عاد حتى �ألقتهم موتى على وجه الأر�ض ك�أنهم �أعجاز نخل خاوية ،ودمرت ما
م َّر عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابهم حتى �صاروا عربة للأمم �إلى
يوم القيامة؟! وما الذي �أر�سل على قوم ثمود ال�صيحة حتى قطعت قلوبهم يف
�أجوافهم وماتوا عن �آخرهم؟! .وما الذي رفع قرى قوم لوط حتى �سمعت املالئكة
نبيح كالبهم ،ثم قلبها عليهم فجعل عاليها �سافلها ،ف�أهلكهم جميعاً ،ثم �أتبعهم
حجارة من �سجيل ال�سماء �أمطرها عليهم ،فجمع عليهم من العقوبة ما مل يجمعه
على �أمة غريهم ولإخوانهم �أمثالها ،وما هي من الظاملني ببعيد؟! وما الذي �أر�سل
كالظلل فلما �صار فوق ر�ؤو�سهم �أمطر عليهم ناراً على قوم �شعيب �سحاب العذاب ُ
تلظى؟! وما الذي �أغرق فرعون وقومه يف البحر ثم ُنقلت �أرواحهم �إلى جهنم،
(( )49كنز العمال) للمتقي الهندي (جـ� - 12 :ص - 618:برقم )35909 :والأثر �أخرجه احلاكم يف امل�ستدرك ،و�أبو نعيم يف
احللية ،والبيهقي يف �شعب االميان.
260 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
فالأج�ساد للغرق والأرواح للحرق؟! وما الذي خ�سف بقارون وداره وماله و�أهله؟!
وما الذي �أهلك القرون من بعد نوح ب�أنواع العقوبات ودمرها تدمرياً؟!»(.)50
æكان عمر بن عبد العزيز يف �سفر مع �سليمان بن عبد امللك ،ف�أ�صابتهم ال�سماء
برعد وبرق وظلمة وريح �شديدة؛ حتى فزعوا لذلك! ،وجعل عمر بن عبد العزيز ي�ضحك!،
فقال له �سليمان :ما ي�ضحكك يا ُعمر؟!� ،أما ترى ما نحن فيه! ،قال :يا �أمري امل�ؤمنني!
هذا �آثار رحمته فيه �شدائد كما ترى ،فكيف ب�آثار �سخطه وغ�ضب َه؟!»(.)51
æقال ابن رجب« :كان �أحمد يدعو ويقول :اللهم �أع ّزين بطاعتك ،وال تذلني
مبع�صيتك .وكان دعاء �إبراهيم بن �أدهم :اللهم انقلني من ذل املع�صية �إلى عز
الطاعة .ويف بع�ض الآثار الإلهية يقول اهلل تبارك وتعالى� :أنا العزيز فمن �أراد العز
فليطع العزيز»(.)52
æقال داود بن ن�صري الطائي« :ما �أخرج اهلل عبدا من ذل املعا�صي �إلى عز التقوى
�إال �أغناه بال مال ،و�أعزه بال ع�شرية ،و�آن�سه بال ب�شر»(.)53
æقال �إبراهيم اخلوا�ص« :على َقد ِر �إعزاز املرء لأمر اهلل؛ ُيلب�سه اهلل من ع ّزه،
ويقيم له الع َّز يف قلوب امل�ؤمنني»(.)54
æقال �أبو بلج الفزاري «�أُتي احلجاج بن يو�سف برجل كان جعل على نف�سه �إن ظفر به
�أن يقتله ،قال :فلما دخل عليه ،تكلم بكالم ،فخلى �سبيله ،فقيل له� :أي �شيء قلت؟! ،فقال:
قلت :يا عزيز ،يا حميد ،يا ذا العر�ش املجيد ،ا�صرف عني ما �أطيق ،وما ال �أطيق،
واكفني �شر كل جبار عنيد»(.)55
(( )50اجلواب الكايف) البن القيم (�ص.)47-46:
(( )51البداية والنهاية ) للإمام ابن كثري (�ص )1421 :يف �أحدث �سنة ( 99هـ).
(( )52لطائف املعارف) للحافظ ابن رجب احلنبلي (�ص )64:يف ف�صل (وظائف �شهر اهلل املحرم :املجل�س الثالث يف قدوم احلاج).
(�( )53صفة ال�صفوة) البن اجلوزي (جـ� – 3 :ص.)132 :
(�( )54صفة ال�صفوة) البن اجلوزي (جـ� – 4 :ص.)101 :
(( )55الفرج بعد ال�شدة) البن �أبي الدنيا (�ص )45 :برقم (.)64
األع ُز
ّ العز ُ
ِيز - المتِ ُ
ين َ - يَ -المجموعة الثانية عشرة :القَ وِ ُّ 261
æيقول ابن القيم� :سمعت �شيخ الإ�سالم ابن تيمية يقول�« :إن يف الدنيا جنة من مل
يدخلها مل يدخل جنة الآخرة»( .)56قال :وح�ضرته مرة �صلى الفجر ،ثم جل�س يذكر اهلل
يل وقال« :هذه غدوتي ،ولو مل �أتغد -تعالى� -إلى قريب من انت�صاف النهار ،ثم التفت �إ َّ
الغداء �سقطت قوتي» ،وقال يل مرة« :ال �أترك الذكر �إال بنية �إجمام النف�س و�إراحتها
لأ�ستعد بتلك الراحة لذكر �آخر»(.)57
æقال طاوو�س بن كي�سان اليماين :دخلت على احلجاج بن يو�سف مبكة ،فثنى يل و�سادا
فجل�ست ،فبينا نحن نتحدث �إذ �سمعت �صوت �أعرابي يف الوادي رافعا �صوته بالتلبية! ،فقال
َلي بامللبي! ،ف�آُ َتي به ،فقال :ممِ َّ ن الرجل؟ ،قال :من �أفناء النا�س()58؛ قال :لي�س
احلجاج« :ع َّ
عن هذا �س�ألتك! ،قالَ :ف َع َّم �س�ألتني؟ ،قال :من �أي البلدان �أنت؟ ،قال :من �أهل اليمن؛
فت حممد بن يو�سف()59؟ ،قالَ :خ ّلفته َج�سيماً خ ّراجاً و ّالج ًا!؛ قال له احلجاج :فكيف َخ ّل َ
قال :لي�س عن هذا �س�ألتك! ،قالَ :ف َع َّم �س�ألتني؟ ،قال :كيف َخ َّلفت �سريته يف النا�س؟ ،قال:
َخ َّلفته ظلوماَ غ�شوماً عا�صياً للخالق مطيعاً للمخلوق! ،فا ْزو َّر( )60من ذلك احلجاج!،
وقال :ما �أقدمك على هذا ،وقد تعلم مكانه مني؟! ،فقال له الأعرابي� :أفرتاه مبكانه منك
وقا�ض َد ْينه ،ومُ�صدّق َنب ّيه ¤؟!،
�أع َّز مني مبكاين من اهلل تبارك وتعالى ،و�أنا واف ٌد َب ْيتهٍ ،
فوجم()61لها احلجاج ،ومل يد ِر له جواباً حتى خرج الرجل بال �إذن! .قال طاوو�س: قالَ :
فتبعته حتى �أتي امللتزم فتعلق ب�أ�ستار الكعبة ،فقال :بك �أعوذ ،و�إليك �ألوذ ،فاجعل يل
يف اللهف �إلى جوارك ،وال ِّر�ضا ب�ضمانك ،مندوح ًة عن م ْنع الباخلني ،وغِ ً
نى ع ّما يف
�أيدي امل�ست�أثرين ،اللهم عد بفرجك القريب ،ومعروفك القدمي ،وعادتك احل�سنة .قال
طاوو�س :ثم اختفى يف النا�س ف�ألفيته بعرفات قائم ًا على قدميه وهو يقول :اللهم �إن كنت مل
َت ْقبل َح ِّجي و َن�صَ بي و َتعبي ،فال تحَ ْ ِرمني �أج َر امل�صاب على مُ�صيبته ،فال �أعلم مُ�صيبة
�أعْظ َم ممِ ّ ن َو َرد َح ْو�ضك وان�صرف حمروماً من �سعة َرحمتك»(.)62
( )56مدارج ال�سالكني البن القيم (جـ� - 1 :ص.)454 :
( )57الوابل ال�صيب البن القيم (�ص.)63 :
(� )58أفناء النا�س� :أي من �أَخْ الطهم وعامتهم ،فهو غري معروف ،وال ُيعلم من هو وممن هو.
( )59حممد بن يو�سف الثقفي� :أخو احلجاج بن يو�سف وكان والي ًا على اليمن.
( )60ا ْزو َّر منه� :أي غ�ضب منه و�أعر�ض وانحرف بوجهه عنه ،وال َّز ِّي ُر من الرجال :الغ�ضبانُ .
بو�س مع ال�سكوت على َغ ْي ٍظ.
جوم :ال ُع ُ
( )61ال ُو ُ
(( )62العقد الفريد) البن عبد ربه الأندل�سي (جـ� – 4:ص.)9-8 :
262 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
æتولى اخلليفة العبا�سي «القائم ب�أمر اهلل» عبداهلل بن �أحمد القادر اخلالفة عام
( 422هـ) وكان البويهيون م�سيطرين على اخلالفة منذ دخولهم بغداد عام ( 334هـ) ،حيث
تدهورت �أحوال اخلالفة العبا�سية واندثرت معاملها ،و�أ�صبح اخللفاء �ألعوبة ب�أيدي �أمراء
ووزراء وقادة البويهيني ،وكان �أحد قادتهم ويدعى «الب�سا�سريي» قد جتاوز حده ،وهجم على
دار اخلالفة ،و�سجن اخلليفة العبا�سي «القائم ب�أمر اهلل» ،و�أظهر الت�شيع وخطب للم�ستن�صر
العبيدي الباطني �صاحب م�صر ،و�أ ّذن ب َّ
ـ(حي على خري العمل) ،وانتقم من �أعيان �أهل بغداد
انتقام ًا عظيم ًا! .فلج�أ اخلليفة «القائم ب�أمر اهلل» يف حمنته �إلى اهلل تعالى ،وانغم�س يف
ورعا دي ًنا زاهدً ا عالمِ ًا قوي اليقني باهلل تعالى كثري ال�صدقة وال�صرب ،وبلغ من
طاعته ،وكان ً
يقينه بربه �أن �أر�سل �إليه �شكواه يف ر�سالة خطها بيده ،وعهد بها �إلى �أعرابي ،وطلب �إليه �أن
ُتقر�أ يف بيت اهلل احلرام ،و ُتعلق على �أ�ستار الكعبة ،ومما جاء فيها �« :إِ َلى اهلل العظيم ،من
غني بعلمك ني عَبده ،اللهم �إنك العامل بال�سرائرَّ ،
املط ِل ُع على ال�ضمائر ،اللهم �إنك ٌّ امل�سك ِ
واطالعك على خلقك عن �إعالمي ،هذا عبد من عبيدك (يق�صد الب�سا�سريي) ،قد كفر
ِن ْع َمتك َومَا �شكرهاَ ،و�ألقى العواقب َومَا ذكرهَا� ،أطغاه حلمك ،وجترب ب�أمانكَ ،ح َّتى
تعدّى علينا ب ْغيا ،و�أ�ساء �إلينا عتواً وعدواً ،اللهم َق َّل النا�صرَ ،واعت َّز الظامل ،و�أنت َّ
املط ِل ُع
العامل ،واملن�صف احلاكمِ ،ب َك نعتز عليه ،و�إليك نهرب من بني يديه ،فقد تع ّزز علينا
باملخلوقني ،ونحن نعتز بك يا رب العاملني ،اللهم �إِ َّنا حاكمناه �إليك ،وتوكلنا يف �إِن�صافِنا
ال َم َت َنا هذه �إلى َح َرمكَ ،ووثِقنا يف ك�شفها ب َك َرمِ ك ،فاحكم بيننا منه عليك ،ورفعنا ُظ َ
باحلق و�أنت خري احلاكمنيَ ،و� ْأظهر قدرتك فيه ،و�أرنا ما نرجتيه ،فقد �أَ َخذته ا ْل ِع َّزة
بالإثم ،اللهم فا�سلبه عزه ،وملكنا بقدرتك نا�صيته ،يا �أرحم الراحمني ،يا رب العاملني،
و�صلى اهلل على حممد»( )63فما لبث �أنُ قتل« الب�سا�سريي» على يد طغرلبك ال�سلجوقي،
وبعث بر�أ�سه �إلى اخلليفة ،بعد �أن اخرجه من �سجنه معزز ًا مكرم ًا ،وبذلك �أ�سقطت دولة
البويهيني على �أيدي ال�سالجقة وانتهت �سيطرتهم عام ( 447هـ).
( )63انظر (تاريخ دم�شق) البن ع�ساكر (جـ� – 53:ص ،)84 :و(�سري اعالم النبالء) للذهبي عند ترجمة اخلليفة العبا�سي:
القائم ب�أمر اهلل عبداهلل بن �أحمد بن �إ�سحاق (رقم� - 3127 :ص ،)2337:و(تاريخ اخللفاء) جلالل الدين ال�سيوطي (�ص:
،)299و(تاريخ الإ�سالم ووفيات امل�شاهري والأعالم) للذهبي (جـ� – 31:ص.)231-230 :
الواسِ ُع -القَ ي ُ
ُّوم المجموعة الثالثة عشرة :الغَ ن ُّ
ِي َ - 263
الــمــجــمــوعـــــــ13ـــــــــة
مو�ضوع الأ�سماء:ال َق ُّي ْو ِم َّي ُة
()43 - 42 - 41
ال َغ ِن ُّي -ال َو ِ
ا�س ُع -ال َق ُّيو ُم
264 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الـمجـمـوعـ13ـة
مو�ضوع الأ�سماء :ال َق ُّي ْو ِم َّي ُة
()43 - 42 - 41
ال َغ ِن ُّي -ال َو ِ
ا�س ُع -ال َق ُّيو ُم
�أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود:
æال َغ ِن ُّي :ورد يف القر�آن الكرمي ( 18مرة) ،منها قوله تعالى}:ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ
ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ{[احلج ،]64:ومن ال�سنة حديث
عائ�شة � ،أن النبي ¤قال( :اللهم �أنت اهلل ال �إله �إال �أنت� ،أنت ا ْل َغ ِن ُّى ونحن
الفقراء� ،أنزل علينا الغيث ،واجعل ما �أنزلت لنا قوة وبالغا �إلى حني)(.)1
ا�س ُع :ورد يف القر�آن الكرمي ( 9مرات) ،منها قوله تعالى }:ﮔ ﮕ
ال َو ِ æ
ال�ضيق ..و(الوا�سِ ُع) :هو الذي َو�سِ َع ِر ْز ُقه جمي َع َخ ْلقِه، ويف الل�سان« :ال�سعة :نقي�ض ِّ
و َو�سِ عتْ رحم ُته كل �شيء ،وغِ ناه كل َف ْقرٍ ،وقال ابن الأَنباري( :الوا�سِ ُع) من �أ�سماء
ري العطا ِء الذي َي َ�س ُع ملا ُي ْ�س�أَ ُل»(.)7 اهلل :الكث ُ
وم�« :صيغة مبالغة ،من القيام ،فعله قا َم َي ُقوم قِياماً فهو قائم»( ،)8ويف æال َق ُّي ُ
الل�سان« :القيا ُم :نقي�ض اجللو�س ..و(ال َق ُّيو ُم) :من �أبنية املبالغة ،ومعناها ال َق ّيام
ب�أُمور اخللق وتدبري العامل يف جميع �أَحواله ..و(ال َق ُّيو ُم) :من �أ�سماء اهلل املعدودة،
وهو القائم بنف�سه مطلقاً ال بغريه ،وهو مع ذلك يقوم به كل موجود حتى ال يت�صور
وجود �شيء ،وال دوام وجوده �إال به»( ،)9وقال اخلطابي( « :ال َق ُّيو ُم) :من ال ِق َيا ِم ،وهو
نعت املبالغة يف القيام على ال�شيء ،ويقال :هو القيم على كل �شيء بالرعاية له،
ويقال :قمت بال�شيء �إذا وليته بالرعاية وامل�صلحة»(.)10
ثالث ًا :املعنى ال�شرعي:
æال َغ ِن ُّي« :الذي ال يحتاج �إلى �أحد يف �شيء ،وكل �أحد حمتاج �إليه»( ،)11يقول
ابن القيم(« :ال َغن ُِّي) الغني بذاته ،الذي كل ما �سواه حمتاج �إليه ،ولي�س به حاجة
�إلى �أحد»( ،)12وقال اخلطابي(« :ال َغن ُِّي) الذي ا�ستغنى عن اخللق ،وعن ن�صرتهم،
وت�أييدهم مللكه ،فلي�ست به حاجة �إليهم ،وهم �إليه فقراء حمتاجون»( ،)13وقال ال�شيخ
( )5معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة :و �س ع).
(�( )6ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص.)72:
(( )7ل�سان العرب) البن منظور (جـ� - 8 :ص.)392 :
(�( )8أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص.)411 :
(( )9ل�سان العرب) البن منظور (جـ� - 12 :ص 496 :و .)504
(�( )10ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص.)81:
(( )11ل�سان العرب) البن منظور (جـ� - 15 :ص )135 :وعزاه البن الأثري.
(�( )12شفاء العليل) البن القيم (جـ� - 2:ص.)787 :
(�( )13ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص.)93 - 92:
266 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
ال�سعدي(« :ال َغن ُِّي) ..فهو الغني بذاته ،الذي له الغنى التام املطلق ،من جميع الوجوه
واالعتبارات لكماله ،وكمال �صفاته ،فال يتطرق �إليها نق�ص بوجه من الوجوه،
وال ميكن �أن يكون �إال غن ًيا؛ لأن غناه من لوازم ذاته ،كما ال يكون �إال خال ًقا قاد ًرا
راز ًقا حم�س ًنا فال يحتاج �إلى �أحد بوجه من الوجوه ،فهو الغني الذي بيده خزائن
ال�سماوات والأر�ض ،وخزائن الدنيا والآخرة»(.)14
ا�س ُع« :الكث ُري العطا ِء الذي َي َ�س ُع ملا ُي ْ�س َ�أ ُل»( ،)15قال اخلطابي(« :ال َوا�سِ ُع)
æال َو ِ
الغني الذي و�سع غناه مفاقر عباده ،وو�سع رزقه جميع خلقه»( ،)16ويقول احلليمي:
«(ال َوا�سِ ُع) الكثري مقدوراته ومعلوماته ،واعرتاف له ب�أنه ال يعجزه �شيء ،وال
يخفى عليه �شيء ،ورحمته و�سعت كل �شيء»( .)17وقال ال�شيخ ال�سعدي(« :ال َوا�سِ ُع) ..
الوا�سع ال�صفات والنعوت ومتعلقاتها بحيث ال يح�صي �أحد ثناء عليه ،بل هو كما
�أثنى على نف�سه ،وا�سع العظمة وال�سلطان وامللك ،وا�سع الف�ضل والإح�سان ،عظيم
اجلود والكرم»(.)18
æال َق ُّيو ُم« :القائم بتدبري �أَمر َخلقه يف �إن�شائهم ،ورزقهم ،وعلمه ب�أمكنتهم»( ،)19قال
ابن جرير(« :ال َق ُّيو ُم) ال َق ِّيم بحفظ كل �شيء ،ورزقه ،وتدبريه ،وت�صريفه فيما �شاء و�أحب،
من تغيري وتبديل وزيادة ونق�ص»( ،)20وقال ابن القيم(« :ال َق ُّيو ُم) الذي قام بنف�سه؛ فلم
يحتج �إلى �أحد ،وقام كل �شيء به ،فكل ما �سواه حمتاج �إليه بالذات»( ،)21وقال احلليمي:
«(ال َق ُّيو ُم) القائم على كل �شيء من خلقه؛ يدبره مبا يريد -ج َّل وعال»( .)22وقال ال�شيخ
( )14تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص.)19 :
َ
(( )15ل�سان العرب) البن منظور (جـ� - 8 :ص )392 :وعزاه البن الأنباري.
(�( )16ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص.)72:
(( )17الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ� - ١ :ص.)115 :
( )18تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص.)20 :
(( )19ل�سان العرب) البن منظور (جـ� - 12 :ص .)504 :وعزاه للزجاج .
(( )20تف�سري الطربي) عند تف�سري الآية ( )1من �سورة �آل عمران.
(( )21مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ� - 2:ص.)111 :
(( )22الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ� - ١ :ص.)131 :
الواسِ ُع -القَ ي ُ
ُّوم المجموعة الثالثة عشرة :الغَ ن ُّ
ِي َ - 267
ال�سعدي(« :ال َق ُّيو ُم) ..القائم بنف�سه ،القيوم لأهل ال�سموات والأر�ض ،القائم بتدبريهم
و�أرزاقهم ،وجميع �أحوالهم»(.)23
رابع ًا :الفروق بني الأ�سماء:
æال َغ ِن ُّي -ال َو ِ
ا�س ُع(:الوَا�سِ ُع) �أعم يف معناه من (ال َغن ِّي) ولذا �شمل معنى (الوَا�سِ ع)
كل �شيء كما يقول ابن القيم« :واهلل �-سبحانه -هو (الوَا�سِ ُع) �أي وا�سع العطاء ،وا�سع الغنى،
وا�سع الف�ضل ..وال�سعة ..تكون يف الذوات واملعاين»( ،)24يقول الزجاجي(« :الوَا�سِ ُع) قد
يت�ضمن من املعنى ما ال يت�ضمنه (ال َغن ُِّي) ،ويت�صرف فيما ال يت�صرف يف (ال َغن ِّي)؛
كقولنا :يا وا�سع الف�ضل ،يا وا�سع الرحمة ،وكقوله تعالى }:ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ
ﯢ ﯣ {[غافر ،]7:عمت رحمتك كل �شيء ،و�أحاط علمك بكل �شيء»(.)25
و�أعطاه من �أ�صناف املال ،)29()..ودعا�ؤه ¤يف �صالة اجلنازة ..( :و�أكرم ُن ُز َلهِّ ،
وو�سع
مدخله.)30()..
æال َق ُّيو ُم :ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه �-سبحانه (ال َق ُّيوم) «�صفة (القيومية) وهي
�صف ٌة ذات َّي ٌة ثابت ٌة هلل َ -ع َّز وج َّل -بالكتاب وال�سنة»( ،)31قال تعالى } :ﯬ ﯭ ﯮ
ﯯ{ [طه ،]111 :وقوله تعالى}:ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ{[الرعد،]33:
ومن ال�سنة دعاء النبي ¤يف تهجده ..( :لك احلمد؛ �أنت َق ِّيم ال�سماوات والأر�ض ومن
ُ
أ�ستغيث)(.)33 فيهن)( ،)32وكان ال ّنبي � ¤إذا ك َرب ُه �أم ٌر ،قال( :يا ُّ
حي يا ق ُّيو ُم برحم ِتك �
�ساد�س ًا :فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى:
æالحْ َ مِيدُ :ورد االقرتان مع ا�سمه �-سبحانه (ال َغن ِّي) ( 10مرات) منها قوله
تعالى } :ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ{ [فاطر ،]15:للإ�شارة
غني عن عباده ،وعن عبادتهم ،ولي�ست به حاجة لأحد يف �شيء؛ ومع �إلى �أنه – �سبحانه – ٌ
ذلك فهو حميد ،يحمد من �أطاعه وعبده ،ويجازيه �أف�ضل اجلزاء مع غناه عن عبادته ،وهذا
غاية الإكرام والف�ضل ،وقيل� :أنه مع غناه – �سبحانه -عن عبادة خلقه ،وطاعتهم ،فهو
ي�أمرهم بها رحمة بهم ،و�شفقة عليهم ،لأن �سعادتهم يف الدنيا والآخرة متوقفة عليها ،قــال
الرازي }« :ﮬ ﮭ ﮮ{ فال ي�أمركم بالعبادة الحتياجه �إليكم ،و�إمنا هو لإ�شفاقه
عليكم»( )34لأنه } ﮯ{.
يم :ورد االقرتان مع ا�سمه �سبحانه (ال َغن ِّي) مرة واحدة يف قوله تعالى }:ﯔ æا َ
حل ِل ُ
ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ{[البقرة ،]263:وال�سر يف
ذلك -واهلل �أعلم -كما قال ابن القيم« :وفيه معنيان� :أحدهما� :أن اهلل غني عنكم ،لن
( )29رواه م�سلم برقم (.)1905
( )30رواه م�سلم برقم (.)963
(�( )31أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص.)412 :
( )32رواه البخاري برقم (.)7385
( )33رواه الرتمذي وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)4777
(( )34تف�سري مفاتيح الغيب) للرازي عند تف�سري الآية ( )15من �سورة (فاطر).
الواسِ ُع -القَ ي ُ
ُّوم المجموعة الثالثة عشرة :الغَ ن ُّ
ِي َ - 269
يناله �شيء من �صدقاتكم ،و�إمنا احلظ الأوفر لكم يف ال�صدقة ،فنفعها عائد عليكم
مين بنفقته وي�ؤذي ،مع غنى اهلل التام عنها وعن ال �إليه �-سبحانه وتعالى ،فكيف ُّ
املان بالعقوبةُ ،
و�ض ّمن هذا :الوعيد كل ما �سواه؟! ،ومع هذا فهو حليم �إذ مل يعاجل ّ
له والتحذير .واملعنى الثاين� :أنه �-سبحانه وتعالى -مع غناه التام من كل وجه فهو
املو�صوف باحللم والتجاوز وال�صفح ،مع عطائه الوا�سع و�صدقاته العميقة ،فكيف
ي�ؤذي �أحدكم غريه مبنه و�أذاه ،مع قلة ما يعطي ونزارته وفقره»(.)35
æال َك ِر ُ
مي :ورد االقرتان مع ا�سمه �-سبحانه (ال َغن ِّي) مرة واحدة يف قوله تعالى:
} ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ{[النمل ،]40:وال�سر يف ذلك
-واهلل �أعلم -كما قال ابن القيم« :اهلل �سبحانه غني كرمي ،عزيز رحيم ،فهو حم�سن
�إلى عبده مع غناه عنه ،يريد به اخلري ،ويك�شف عنه ال�ضر ،ال جللب منفعة �إليه
من العبد ،وال لدفع م�ضرة ،بل رحمة منه و�إح�سا ًنا»( ،)36وقيل �إنَّ اهلل غني عن عباده،
وال ي�ضره كفر من كفر� ،أو مع�صية من ع�صى ،ومع ذلك فهو � -سبحانه -كرمي؛ ومن كرمه
كرثة ف�ضله على من يكفر بنعمه ،ويجعلها و�سيلة �إلى مع�صيته ،يقول ابن عا�شور« :من كفر
َف ْ�ضل اهلل عليه؛ ب�أن ع َبد غري اهلل ،ف�إن اهلل غني عن �شكره ،وهو كرمي يف �إمهاله
ورزقه يف هذه الدنيا»(.)37
æالرحمن :ورد االقرتان ك�صفة مع ا�سمه �سبحانه (الغني) مرة واحدة يف
قوله تعالى } :ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ
ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ{ [الأنعام،]133:
غني عن جميع خلقه ،من جميع ٌ واحلكمة يف ذلك -واهلل �أعلم -للإ�شارة �إلى �أن اهلل
الوجوه ،فال تنفعه طاعتهم ،وال ت�ضره مع�صيتهم ،وهم الفقراء �إليه يف جميع �ش�ؤونهم
و�أحوالهم ،ومع كونه غني ًا عنهم فهو رحيم بهم ،يريد بهم الي�سر ،وال يريد بهم الع�سر،
(( )35طريق الهجرتني و باب ال�سعادتني) البن القيم (�ص.)302 :
(�( )36إغاثة اللهفان ) البن القيم (جـ� - 1 :ص.)41 :
( )37تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور عند تف�سري (الآية 40:من النمل).
270 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
ويغدق عليهم اخلري ،ويدفع عنهم ال�شر ،ويجازي ال�شكور ويكرمه ،وميهل الكفور ويرزقه،
لعله يتذكر �أو يخ�شى ،وكل ذلك رحمة منه وف�ضال ،يقول ال�شوكاين }« :ﭜ ﭝ{
�أي عن خلقه ال يحتاج �إليهم ،وال �إلى عبادتهم ،وال ينفعه �إميانهم ،وال ي�ض ّره كفرهم،
ومع كونه غنياً عنهم ،فهو ذو رحمة بهم ،ال يكون غناه عنهم مانعاً من رحمته لهم،
وما �أح�سن هذا الكالم الرباين و�أبلغه ،وما �أقوى االقرتان بني الغنى والرحمة يف
هذا املقام ،ف�إن الرحمة لهم مع الغنى عنهم هي غاية التف�ضل والتط ّول»( ،)38ويقول
القا�سمي }« :ﭜ ﭝ{ عن جميع خلقه من جميع الوجوه ،وهم الفقراء �إليه
ال لهم،يف جميع �أحوالهم }:ﭞ ﭟ{ �أي :يرتحم عليهم بالتكليف ،تكمي ً
وميهلهم على املعا�صي .وفيه تنبيه على �أن ما �سبق ذكره من الإر�سال لي�س لنفعه
�سبحانه ،بل لرتحمه على العباد»(.)39
æٱ� ْل َع ِل ُ
يم :ورد االقتـ ــران مع ا�سمه �-سبحانـ ــه (الوَا�سِ ع) ( 7مرات) منها قوله تعالى:
} ﮏﮐ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖ{[البقرة ،]261:وال�سر يف ذلك -واهلل �أعلم -كما
يقول ابن القيم« :فختم الآية با�سمني من �أ�سمائه احل�سنى مطابقني ل�سياقهما وهما:
(الوَا�سِ ُع) و(ا ْل َعلِي ُم) فال ي�ستبعد العبد هذه امل�ضاعفة ،وال ي�ضيق عنها عطنه( ،)40ف�إن
امل�ضاعف �-سبحانه -وا�سع العطاء ،وا�سع الغنى ،وا�سع الف�ضل ،ومع ذلك فال يظن �أن
�سعة عطائه تقت�ضي ح�صولها لكل منفق ،ف�إنه عليم مبن ت�صلح له امل�ضاعفة ،وهو �أهل
لها ،ومن ال ي�ستحقها وال هو �أهل لها ،ف�إن كرمه وف�ضله �-سبحانه تعالى -ال يناق�ض
حكمته ،بل ي�ضع ف�ضله موا�ضعه؛ ل�سعته ورحمته ،ومينعه من لي�س من �أهله بحكمته
وعلمه»( ،)41ويقول يف مو�ضع �آخر« :ف�إنه وا�سع العطاء ،عليم مبن ي�ستحق ف�ضله ،ومن
ي�ستحق عدله ،فيعطي هذا بف�ضله ،ومينع هذا بعدله ،وهو بكل �شيء عليم»(.)42
( )38تف�سري ال�شوكاين (فتح القدير) عند تف�سري الآية ( )133من �سورة الأنعام.
( )39تف�سري القا�سمي (حما�سن الت�أويل) (جـ� 6:ص 727-726:عند تف�سري الآية ( )133من �سورة الأنعام.
( )40العطن هنا :ال�صرب واحليلة.
(( )41طريق الهجرتني و باب ال�سعادتني) البن القيم (�ص.)300 :
(( )42طريق الهجرتني و باب ال�سعادتني) البن القيم (�ص)308 :
الواسِ ُع -القَ ي ُ
ُّوم المجموعة الثالثة عشرة :الغَ ن ُّ
ِي َ - 271
� æٱلحْ َ ِك ُ
يم :ورد االقرتان مع ا�سمه �-سبحانه (ال َوا�سِ ع) مرة واحدة يف
قول اهلل تعالى} :ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ
ﮖ{[الن�ساء ،]130:و�سر ذلك -واهلل �أعلم -كما �أ�شار ال�شيخ عبد الرحمن
ال�سعدي عند تف�سريه لقوله تعالى } :ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ{[الن�ساء�« :]130:أي
كثري الف�ضل ،وا�سع الرحمة ،و�صلت رحمته و�إح�سانه �إلى حيث و�صل �إليه علمه،
وكان مع ذلك (حكي ًما) �أي :يعطي بحكمته ومينع حلكمته ،ف�إذا اقت�ضت حكمته
منع بع�ض عباده من �إح�سانه؛ ب�سبب يف العبد ال ي�ستحق معه الإح�سان ،حرمه
عد ًال وحكمة»( ،)43فاهلل �-سبحانه وتعالى -مع كونه وا�سع العطاء والف�ضل والإح�سان؛
فهو وا�سع احلكمة ،ي�ضع ف�ضله و�إح�سانه يف �أف�ضل موا�ضعه ،فيعطي هذا بف�ضله وكرمه،
ومينع هذا بعدله ورحمته ،وكم من العباد من ال ُي ْ�ص ِل ُح �إميانه �إال الفقر؟! ،ولو ب�سط اهلل
له الرزق ،وو�سعه عليه لأف�سده ذلك.
�سبحانه } :ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ
ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧﯨ
ﯩ ﯪ ﯫ{[غافر ،]7:ومما جاء عن نبينا ¤قوله�(:إنكم �شكومت جدب دياركم،
وا�ستئخار املطر عن �إبان زمانه عنكم ،وقد �أمركم اهلل ووعدكم �أن ي�ستجيب
لكم :احلمد هلل رب العاملني ،الرحمن الرحيم ،مالك يوم الدين ،ال �إله �إال اهلل يفعل
ما يريد ،اللهم �أنت اهلل ال �إله �إال �أنت� ,أنت الغني ونحن الفقراء� ،أنزل علينا الغيث،
واجعل ما �أنزلت لنا قوة وبالغا �إلى حني)( ،)45وقوله ( :¤من قال �أ�ستغفر اهلل الذي
ال �إله �إال هو احلي القيوم و�أتوب �إليه ُغ ِفر له و�إن كان قد فر من الزحف)(.)46
ري كان عندنا ،فتعا َل وطحنت �صاعًا من �شع ٍُ ذبحنا بهيم ًة لنا،يا ر�سو َل اهلل!� ،إن��ا قد ْ
ر�سول اهلل ¤وقال( :يا �أه َل اخلندقِ !� ،إ َّن جاب ًرا قد �صنع لكم �أنت يف نف ٍر معك ،ف�صاح ُ
هلل ( :¤ال ُت َّ
نزلن بُرم َتكم ،وال تخ ِبز َّن عجين َتكم، فح َّي هال بكم( ،))60وقال ُ
ر�سول ا ِ ُ�سو ًراَ ،
جئت امر�أتي ،فقالتِ :ب َكالنا�س ،حتى ُ هلل ¤يقدم َ ُ
ر�سول ا ِ ُ
فجئت وج��اء حتى �أج�� َئ)،
أخرجت له عجي َن َتنا فب�ص َق فيها وبارك ،ثم
ُ فعلت الذي قلتِ يل ،ف� و ِب َك( ،!)61فقلتُ :قد ُ
عمِد �إلى بُرمتِنا فب�صق فيها وبا َرك ،ثم قال( :ادعي خابز ًة ف ْلتخ ِب ْز معكِ ،واقدَحي()62
من بُرمتِكم وال ُتن ِزلوها) ،وهم �أل ٌ��ف ،ف�أُق�سِ ُم باهلل لأَكلوا حتى تركوه وانح َرفوا ،و�إ َّن
بُرمَتنا ل َت َغ ُّط كما هي( ،)63و�إ َّن عجين َتنا ل ُتخب ُز كما هو»(.)64
æقال تعالى } :ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ {[ال�شرح ،]1:قال ابن كثري« :يعني� :أما �شرحنا
لك �صدرك؟ �أي :ن ّورناه ،وجعلناه ف�سيحاً رحيباً وا�سعاً ..وكما �شرح اهلل �صدره ،¤
كذلك جعل �شرعه ف�سيحاً وا�سعاً �سمحاً �سه ً
ال ،ال حرج فيه وال �إ�صر وال �ضيق»(.)65
æقال �سعيد بن امل�سيب« :من �أ�ستغنى باهلل �أفتقر �إليه النا�س»( .)66وح�ضر
ال�شافعي ميتا فلما ُ�س ّج َي نظر �إليه وق��ال« :اللهم بغِناك عنه ،وفقره اليك ،اغفر
ل����ه»( .)67وك��ان من دع��اء �أح��ده��م« :ال َّل ُه َّم �أغنني باالفتقار �إِ َل��� ْي���كَ ،و اَل تفقرين
باال�ستغناء َع ْنك»(.)68
(� )60صنع لكم ُ�سو ًراَ ،ف َح َّي هَ لاً ِب ُك ْم� :أي طعام ًا ،ف َه ُل ُّموا ُم ِ
�سرعني.
(ِ )61ب َك َو ِب َك� :أي عاتبته ودعت عليه ب�أن ي َف َع َل اهلل ِبه كذا وكذا؛ خوفا من ف�ضيحتها لقلة الطعام وكرثة النا�س ،وهو مذهب
م�شهور يف الدعاء على ال�شيء من غري �إرادة وقوعه.
ُنزلوه عنها.
ِ ت وال ، ة
ِ جار احل
ِ وقِفَ وهو ر د
ْ ق
ِ ال من اغريفُنزلوها� :أي ِ (َ )62وا ْقدَ حي من ُب ْر َم ِتكم وال ت ِ
ُّ
عام َوما ُلوا عنه ،وال ِق ْد ُر َل َت ِغط ،يعني َّ
القوم �أ َكلوا و�شبعوا حتَّى تَركوا الط َ ُّ
رمتنا ل َت َغط كما هي� :أي �أنَّ َ ( )63تركوه وانح َرفوا و�إنَّ ُب َ
طيط كما هي.�أ َّنها ممُ َت ِلئ ٌة تَفو ُر بحيث ُي�س َم ُع لها َغ ٌ
( )64متفق عليه ،رواه البخاري برقم ( ،)4102وم�سلم برقم (.)2039
(( )65تف�سري القر�آن الكرمي) البن كثري عند تف�سري الآية ( )1من �سورة (ال�شرح).
(�( )66صفة ال�صفوة) البن اجلوزي (جـ� – 2 :ص.)81 :
(�( )67صفة ال�صفوة) البن اجلوزي (جـ� – 2 :ص.)251 :
(( )68نرث الدر) للآبي (جـ� – 6 :ص.)55 :
276 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
æقال ابن القيم�« :إن اهلل �سبحانه هو القيوم املقيم لكل �شيء من املخلوقات
طائعها وعا�صيها ،فكيف تكون قيوميته مبن �أَحبه وتواله و�آثره على ما �سواه ،ور�ضى
ال ونا�صراً ومعيناً وهادياً ،فلو ك�شف الغطا َء عن �ألطافه
به من النا�س حبيباً ورباً ،ووكي ً
وب��ره و�صنعه له من حيث يعلم وم��ن حيث ال يعلم ل��ذاب قلبه حبا ً ل��ه و�شوقاً �إليه
ويقع �شكراً له ،ولكن حجب القلوب عن م�شاهدة ذلك �إخالدها �إلى عامل ال�شهوات
والتعلق بالأ�سباب ،ف�صدت عن كمال نعيمها ،وذلك تقدير العزيز العليم .و�إال ف�أيُّ
قلب يذوق حالوة معرفة اهلل وحمبته ثم يركن �إلى غريه وي�سكن �إلى ما �سواه؟ هذا
ما ال يكون �أب��داً ،ومن ذاق �شيئاً من ذلك وع��رف طريقاً مو�صلة �إل��ى اهلل ثم تركها
و�أقبل على �إرادته وراحاته و�شهواته ولذاته وقع يف �آثار املعاطب و�أودع قلبه �سجون
امل�ضايق وعذب يف حياته عذاباً مل يعذبه �أحد من العاملني ،فحياته عجز وغم وحزن،
وموته كدر وح�سرة ،ومعاده �أ�سف وندامة ،قد فرط عليه �أمره و�شتت عليه �شمله،
و�أح�ضرت نف�سه الغموم والأحزان ،فال لذة اجلاهلني ،وال راحة العارفني ،ي�ستغيث
فال يغاث وي�شتكى فال ي�شكى ،فقد ترحلت �أفراحه و�سروره مدبرة و�أقبلت �آالمه،
و�أحزانه وح�سراته مقبلة ،فقد �أُبدل ب�أُن�سه وح�شه وبعزه ذ ًال وبغناه فقراً وبجمعيته
ت�شتيتاً»(.)69
� æأر�سل الأمري �إلى اخلليل بن �أحمد الفراهيدي ليخربه �إن كان يريد منه �أن ي�صله
م�ستغن عنك بالذي �أغناك عني»(.)70
ٍ ب�شيء ،فقال له اخلليل�« :أنا
æقال �أبو بكر الكتاين(�« :)71إذا �صح االفتقار �إلى اهلل تعالى� ،صح الغنى ،لأنهما
حاالن ال يتم �أحدهما �إال ب�صاحبه»(.)72
(( )69طريق الهجرتني وباب ال�سعادتني) البن القيم (�ص )150 - 149 :يف (م�شاهد النا�س يف املعا�صي والذنوب :منزلة
اال�ستقامة).
( )70من الق�ص�ص امل�شتهرة عن اخلليل بن �أحمد الفراهيدي ومل �أعرث عن م�صدرها!.
( )71حممد بن علي الكتاين.
(( )72تاريخ دم�شق) البن ع�ساكر (جـ� – 54:ص.)257 :
الواسِ ُع -القَ ي ُ
ُّوم المجموعة الثالثة عشرة :الغَ ن ُّ
ِي َ - 277
æقال الأ�صمعي �سمعت �أعرابيا يف فالة من الأر�ض وهو يقول يف دعائه« :اللهم
�إن ا�ستغفاري �إي��اك مع كرثة ذنوبي لل�ؤم ،و�إن تركي اال�ستغفار مع معرفتي ب�سعة
غني عني؟! ،وكم �أتبغ�ض �إليك
يل بنعمتك و�أنت ٌ رحمتك لعجز� ،إلهى كم حتببتَ �إ َّ
ري �إليك؟!� ،سبحان من �إذا توعد عفا ،و�إذا وعد وفى»(.)73
بذنوبي و�أنا فق ٌ
æقال ابن املهنا « :قال بع�ض العقالء� :إن الرجل ليجفوين ،ف�إذا ذكرت ا�ستغنائي
عنه وجدت جلفائه بردا على كبدي» (.)74
� æأ�صيب النا�س يف جنوب اجلزيرة العربية (يقال �أنها منطقة جازان) بجدب وقحط
�شديد عام 973هـ1565/م ،حتى عرفت تلك ال�سنة ب�سنة (�أم العظام)؛ لأن النا�س �أحرقت
العظام و�أكلتها من �شدة اجلوع ،فخرجوا لال�ست�سقاء ،و�أَ َّمهم ال�شيخ القا�ضي حممد بن علي
ابن عمر احلكمي ال�شهري بـ ( ابن عمر ال�ضمدي ) فلما وقف �أمام النا�س حمد اهلل و�أثنى
عليه مبا هو �أهله ،ثم ارجتل هذه الق�صيدة ارجتا ًال ،فما انتهى منها �إال وقد انهمر املطر،
وما ا�ستطاع احلراك من مكانه �إال حممو ًال على �أكتاف الرجال من �شدة املطر ،ومما جاء
يف ق�صيدته(:)75
ف����ل����ن ي���خ���ي���ب ل����ن����ا يف رب����ن����ا �أم�����ل ال�ضر� ,أو �ضاقت بنا احليل م�سنا ّ �إِن ّ
ر ّب����������ا ي����ح����ول����ه����ا ع����ن����ا ف��ت��ن��ت��ق��ل و ِ�إن �أن����اخ����ت ب��ن��ا ال���ب���ل���وى ف������إن لنا
�إل�����ي�����ه ن����رف����ع �����ش����ك����وان����ا ون��ب��ت��ه��ل اهلل يف ك����ل خ���ط���ب ح�����س��ب��ن��ا وك��ف��ى
وم�����ن ع��ل��ي��ه ����س���وى ال���رح���م���ن ن��ت��ك��ل م���ن ذا ن���ل���وذ ب���ه يف ك�����ش��ف ك��رب��ت��ن��ا
ويف ح��ي��ا���ض ن����داه ال��� َّن���ه���ل و ال�� َع�� َل��ل وكيف يرجى �سوى الرحمن م��ن �أح��د
ل����غ��ي�ره ي���ت���وق���ى احل���������ادث اجل���ل���ل ال ي���رجت���ى اخل��ي�ر �إال م���ن ل���دي���ه وال
ويف ي����د اهلل ل���ل�������س����ؤال م����ا ����س����أل���وا خ�����زائ�����ن اهلل ت���غ���ن���ي ك َّ
�������ل م��ف��ت��ق ٍ��ر
(( )73جمهرة خطب العرب) لأحمد زكي �صفوت (جـ� – 3 :ص.)328 :
(( )74طبقات احلنابلة) البن �أبي يعلى (جـ� - 1 :ص.)325 :
(( )75المية ابن عمر ال�ضمدي يف اال�ست�سقاء) حتقيق ودرا�سة :د .عبداهلل بن حممد �أبو داه�ش.
278 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
م���ق���ب���ول���ة م�����ا ل����ه����ا رد وال م��ل��ل و�����س����ائ����ل اهلل م����ا زال�������ت م�����س��ائ��ل��ه
ف��ه��و ال���رج���اء مل���ن �أع���ي���ت ب���ه ال�سبل ف��اف��زع �إل����ى اهلل واق����رع ب���اب رحمته
�أوالك ي��خ��ل ع��ن��ك ال��ب���ؤ���س وال��وج��ل و�أح�����س��ن ال��ظ��ن يف م���والك وار����ض مبا
ف��ال��ع�����س��ر ب��ال��ي�����س��ر م���ق���رون ومت�صل و�إن �أ���ص��اب��ك ع�����س��ر ف��ان��ت��ظ��ر ف��رج�� ًا
ف�������ذاك ق������ول ���ص��ح��ي��ح م����ال����ه ب���دل وانظر �إلى قوله :ادع��وين ا�ستجب ل ُك ُم
وك����م �أن�����ال ذوي الآم������ال م���ا �أم���ل���وا ك����م �أن����ق����ذ اهلل م�������ض���ط���ر ًا ب��رح��م��ت��ه
ف����م����ا ل����ن����ا ب�����ت�����ويل دف�����ع�����ه ِق���� َب����ل ي���ا م���ال���ك امل���ل���ك ف���ارف���ع م���ا �أ ّمل بنا
حتى قوله:
م���ن���ه امل������آ ِث�����م وال���ع�������ص���ي���ان وال���زل���ل ي���ارب ف��ارح��م م�سيئ ًا م��ذن��ب��ا ُ
عظمت
وع���ن ح��م��ي��د امل�����س��اع��ي ع��اق��ه الك�سل ق���د �أث���ق���ل ال���ذن���ب والأوزار ع��ات��ق��ه
وج���وه �أه���ل امل��ع��ا���ص��ي م��ن ل��ظ��ى ظلل وال ت�������س��� ّود ل����ه وج���ه���ا �إذا غ�����ش��ي��ت
�إين ْام����ر�ؤ ���س��اء م��ن��ي ال��ق��ول والعمل �أ���س��ت��غ��ف��ر اهلل م���ن ق���ويل وم���ن عملي
ي��ح��ط ع��ن��ي م���ن وزري ب��ه��ا ال��ث��ق��ل ومل �أق��������� ّدم ل��ن��ف�����س��ي ق����ط ���ص��احل��ة
�إن ق���ال :خالفت �أم���ري �أي��ه��ا الرجل ي���ا خ��ج��ل��ت��ي م���ن ع��ت��اب اهلل ي����وم غ��دٍ
ب�����ه إ� َّ
يل ومل ت���ع���م���ل مب�����ا ع��م��ل��وا ع��ل��م��ت م���ا ع��ل��م ال���ن���اج���ون وات�����ص��ل��وا
ف����إن���ن���ي ال���ي���وم م��ن��ه��ا خ���ائ���ف َو ِج����ل ي�����ارب ف��اغ��ف��ر ذن���وب���ي ك��ل��ه��ا ك��رم�� ًا
���ط عنهم م��ن الآث����ام م��ا احتملوا وح ّ ُ واغ��ف��ر لأه���ل ودادي ك��ل م��ا اكت�سبوا
ع���ل���ي���ه���م وت�����ق����� َّب ْ
�����ل ك�����ل م�����ا ف��ع��ل��وا ُ���ب
واع���م���م ب��ف�����ض��ل��ك ك���ل امل���ؤم��ن�ين وت ْ
������ن ي��ح��ف��ى وي��ن��ت��ع��ل
حم���م���د خ��ي�ر َم ْ و����ص���ل رب ع��ل��ى امل��خ��ت��ار م���ن م�ضر
ف����إن���ه���م ُغ������رر الإ������س��ل��ام واحل���ج���ل و�آل�����ه ال���غ���ر ,والأ����ص���ح���اب ع���ن ط��رف
المل ُ
ِيك المال ُ
ِك َ - المل ُ
ِك َ - المجموعة الرابعة عشرة َ : 279
الــمــجــمــوعـــــــ14ـــــــــة
مو�ضوع الأ�سماء :املُ ْل ُك
()46 - 45 - 44
املَ ِل ُك -املَا ِل ُك -املَ ِل ُ
يك
280 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الـمجـمـوعـ14ـة
مو�ضوع الأ�سماء :املُ ْل ُك
()46 - 45 - 44
املَ ِل ُك -املَا ِل ُك -املَ ِل ُ
يك
�أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود:
æاملَ ِل ُك :ورد يف القر�آن الكرمي ( 5مرات) منها قوله تعالى}:ﯘ ﯙ ﯚ
ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ{[امل�ؤمنون ،]116:ومن ال�سنة قوله ( : ¤يقب�ض اهلل -تبارك
وتعالى -الأر�ض يوم القيامة ،ويطوي ال�سماء بيمينه ،ثم يقول� :أنا املَ ِل ُك� ،أين
ملوك الأر�ض؟)(.)1
æاملَا ِل ُك :ورد يف القر�آن الكريـ ــم مرتني م�ضا ًف ــا؛ يف قـ ــوله تعالى} :ﮇ ﮈﮉ
ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ{[�آل عمــران،]26:
وقول ــه تعـالى}:ﭞ ﭟ ﭠ{[الفاحتة ،]4:ومن ال�سنة قوله �( :¤إن �أخنع ا�سم
عند اهلل رجل ت�سمى ملك الأمالك ،ال مالك �إال اهلل)(.)2
يك :ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة يف قوله تعالى}:ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ
æاملَ ِل ُ
ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ{ [القمر.]55،54:
العجني �أملكه ملكا �إذا �شددت عجنه وبالغت فيه) ،و(املَل ُِك) هو النافذ الأمر يف ملكه»(،)4
و«امل ُ ْل ُك :احتواء ال�شيء والقدرة التامة الكاملة على الت�صرف فيه بالأمر والنهي»(.)5
æاملَا ِل ُك« :ا�سم فاعل ،من َملَ َك يمَ ْ ل ُِك فهو مال ٌِك ،فاهلل مالِك الأ�شياء كلها،
وم�صرفها على �إرادته ،ال ميتنع عليه منها �شيء؛ لأن املالك لل�شيء -يف كالم العرب
-هو :املت�صرف فيه ،القادر عليه»(.)6
يك« :من �صيغ املبالغة ،على وزن فعيل ،فعله َملَ َك يمَ ْ ل ُِك مِ لكا و ُملكا، æاملَ ِل ُ
ِيك) ُملَكاء ،و(املَل ُ
ِيك) املالك العظيم امللك»(.)7 وجمع (املَل ُ
ثالث ًا :املعنى ال�شرعي:
æاملَ ِل ُك -املَا ِل ُك -املَ ِل ُ
يك« :الآمر الناهي ،املعز املذل ،الذي ي�ص ّرف �أمور عباده كما
يحب ،ويقلبهم كما ي�شاء»( ،)8قال ابن جرير( « :املَل ُِك) الذي ال ملك فوقه ،وال �شيء
�إال دونه»( ،)9وقال ابن كثري« :املال ُِك جلميع الأ�شياء املت�صرف فيها بال ممانعة وال
مدافعة»( ،)10وقال الليث« :ملك امللوك ،له امللك ،وهو مالك يوم الدين ،وهو مليك
اخللق� ،أي ربهم ومالكهم»( ،)11وقال ابن القيم« :املت�ص ِّرف يف املمالك ك ِّلها وحده؛
ت�ص ُّرف َمل ٍِك قاد ٍر قاهرٍ ،عادلٍ رحيم ،تا ُّم امللك؛ ال ُينازعه يف ملكه منازعٌ ،وال ُيعار�ضه
معار�ض»( ،)12وقال يف مو�ضع �آخر« :فمن �شهد م�شهد نزول الأمر واملرا�سيم الإلهية ٌ فيه
�إلى �أقطار العوامل ب�أنواع التدبري والت�ص ُّرف من الإماتة والإحياء ،والتولية والعزل،
(�( )4أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص.)245:
(( )5ل�سان العرب) البن منظور (جـ� - 10:ص )492 :و (�أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص.)245:
(( )6ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص.)43:
(�( )7أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص.)539:
(( )8بدائع الفوائد) البن القيم (جـ� - 2:ص.)249 :
(( )9تف�سري الطربي) عند تف�سري الآية ( )23من �سورة احل�شر (جـ � :28ص.)36
(( )10تف�سري ابن كثري) عند تف�سري الآية ( )23من �سورة احل�شر (جـ � :4ص.)343
(( )11ل�سان العرب) البن منظور (جـ� - 10:ص)491 :
(( )12طريق الهجرتني و باب ال�سعادتني) البن القيم (�ص.)105 :
282 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
واخلف�ض والرفع ،والعطاء واملنع ،وك�شف البالء و�إر�ساله ،وتقلب الدول ومداولة الأيام
بني النا�س� ،إلى غري ذلك من الت�صرف يف اململكة التي ال يت�صرف فيها �سواه ،فمرا�سمه
نافذة كما ي�شاء ..فمن �أعطى هذا امل�شهد حقه معرفة وعبودية ا�ستغنى به»( ،)13وقال
يف مو�ضع ثالث(« :املَل ُِك) يدل على ما ي�ستلزم حقيقة ملكه؛ من قدرته وتدبريه ،وعطائه
ومنعه ،وثوابه وعقابه ،وبث ر�سله يف �أقطار مملكته ،و�إعالم عبيده مبرا�سيمه وعهوده
�إليهم ،وا�ستوائه على �سرير مملكته؛ الذي هو عر�شه املجيد»(.)14
æالحْ َ قُّ :ورد االقرتان يف كتاب اهلل مرتني مع ا�سمه �-سبحانه (املَلِك) يف �سورة طه
وامل�ؤمنون ،قال تعالى }:ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ{[طه ]114 :و[امل�ؤمنون ]116 :وال�سر يف
ذلك -واهلل �أعلم -الإ�شارة �إلى �أن «ملك اهلل حق ،و�صفات الكمال ال تكون حقيقة
�إال له �سبحانه ،بينما غريه من اخللق ،و�إن كان له ملك يف بع�ض الأوقات على بع�ض
الأ�شياء ،ف�إنه ملك قا�صر باطل زائل ،و�أما الرب �-سبحانه وتعالى -فال يزال وال
ال»( ،)22قال �أبو ال�سعود} « :ﭓ ﭔ{ :الذي يح ُّق له
يزول ملكاً حياً قيوماً جلي ً
(�( )17صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص.)240 :
( )18رواه �أبو داود والن�سائي وح�سنه الألباين يف �صحيح �أبي داود (.)776
(( )19ل�سان العرب) البن منظور (جـ� - 10:ص)492 :
( )20رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف �صحيح �أبي داود برقم (.)1267
(( )21وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص.)198 :
( )22تف�سري ال�سعدي عند تف�سري الآية ( )114من �سورة طه.
284 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
لك على الإطالقِ � ،إيجاداً و�إعداماًَ ،بدءاً و�إعادة� ،إحيا ًء و�إمات ًة ،عقاباً و�إثاب ًةُّ ،
وكل امل ُ ُ
مملوك له مقهو ٌر حتتَ ملكوتِه» (.)23 ٌ ما �سوا ُه
ـــدر :ورد االقت ــران مع ا�سمه �سبحانه (املليك) مــرة واحدة يف قولـ ــه æاملُّ ْق َت ِ
تعالى}:ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ{[القمر ]55:وال�سر يف ذلك -واهلل �أعلم
-جل وعال -هو املت�ص ِّرف يف املمالك ك ِّلها وحده؛ ت�ص ُّرف ملك -الإ�شارة �إلى �أن اهلل َّ
قاد ٍر على الثواب ،قادر على العقاب ،تا ُّم امللك؛ ال ُينازعه يف ملكه مناز ٌع ،وال ُيعار�ضه فيه
معار�ض� ،أما املخلوق ال�ضعيف فمهما �أوتي من القوة والقدرة وامللك فكل ذلك حمدود، ٌ
ِيك ُّم ْق َتدِ ِر) لأن القربة
ومو�صوف بالعجز والق�صور ،واملوت والفناء ،يقول الرازيَ (« :مل ٍ
من امللوك لذيذة كلما كان امللك �أ�شد اقتداراً كان املتقرب منه �أ�شد التذاذاً ،وفيه
�إ�شارة �إلى خمالفة معنى القرب منه من معنى القرب من امللوك؛ ف�إن امللوك
ُي َق ِّربون من يكون ممن يحبونه وممن يرهبونه ،خمافة �أن يع�صوا عليه وينحازوا
�إلى عدوه فيغلبونه ،واهلل ُّم ْق َتدِ ٌر ،ال يق ّرب �أحداً �إال بف�ضله»( ،)24وقال املاوردي:
ِيك ُّم ْق َتدِ ِر) ليعلم املتقون �أنه – �سبحانه -قادر على حفظ ما �أنعم به عليهم «( َمل ٍ
ودوامه لهم»(.)25
و�أنزل الكتب ،خلري العباد و�سعادتهم يف دنياهم و�أخراهم ،وهو املالك احلقيقي خلزائن
ال�سماوات والأر�ض ،وملكه ال ينق�ص بالعطاء والإح�سان ،بل يزداد ،وهو مليك مقتدر ،قاهر
للملوك والطغاة املتكربين ،ومهلكهم ملا طغوا وبغوا وظنوا �أنهم معاجزون هلل -تعالى -كما
فعل ذلك باجلبابرة والفراعنة ،فانطوى ملكهم و�أ�صبحوا ن�س ًيا من�س ًيا.
æالأثر العملي:
1.1كمال التوحيد من العبد ،يف �صرف العبادة -بكل انواعها -هلل وحده ال �شريك له،
من اخلوف والرجاء ،والدعاء واال�ستغاثة واال�ستعاذة واال�ستعانة والذبح ،وغريها
من العبادات الظاهرة والباطنة ..قال تعالى } :ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ
ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ{[فاطر]13:
2.2قبول حكم اهلل و�شرعه ،والر�ضى بق�ضائه وقدره ،ورف�ض ما �سواه ،والإعرا�ض عن
التحاكم لغريه ،فاحلكم هلل وحده ،قال تعالى }:ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ{[يو�سف .]67 :
3.3التعلق باهلل امللك وحده �-سبحانه -يف طلب الرزق ،واالطمئنان �إلى ما كتبه اهلل للعبد
مع الأخذ بالأ�سباب التي �أمر بها دون التعلق �أو االطمئنان �إليها .
4.4تعظيم اهلل وحده ،والتوا�ضع خللقه ،وعدم االغرتار مبا م ّلكنا اهلل �إياه من هذه الدنيا
الفانية ،والتعلق به �-سبحانه -يف مواجهة الطواغيت واجلبابرة والظلمة .
ثامن ًا :مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء:
(املَ ِل ُك -املَا ِل ُك -املَ ِل ُ
يك) من �أ�سماء الذات الدالة على �صفات اهلل الذاتية (المْ ُ ْلك
َوالمْ َلَ ُكوت) وهي �صفات ذات ،مل يزل -وال يزال -اهلل مت�صف ًا بها ،وال تعلق لها بامل�شيئة؛
ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل ،والتو�سل �إليه ،والثناء عليه ،وتعظيمه ومتجيده بها يف
جميع �أغرا�ض الدعاء وحاجات العبد ..وكما تقرر ف�إن من مقت�ضيات هذه الأ�سماء �أن
اهلل � -سبحانه -هو املت�صرف يف خلقه ب�أمره وفعله كيف ي�شاء « ..يغفر ذن ًبا ،و ُيف ّرج
286 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
ريا ،ويجربويفك عان ًيا ،و ُيغني فق ً كر ًبا ،ويك�شف غ ًما ،وين�صر مظلو ًما ،وي�أخذ ظاملًاُّ ،
ال ،ويُذِ ُّل عزي ًزا ،و ُيعطي
مري�ضا ،و ُيقيل عرث ًة ،وي�سرت عور ًة ،و ُي ِع ُّز ذلي ً
ً ريا ،وي�شفي
ك�س ً
ال ،و ُيذهب بدول ٍة وي�أتي ب�أخرى ،ويداول الأَيام بني النا�س ،ويرفع �أقوا ًما وي�ضع �سائ ً
�آخرين»( .. )26ولذا خ�ص اهلل �-سبحانه وتعالى -هذا اال�سم العظيم يف دعوة عباده �إلى
ال�سماءِ ُ
�س�ؤاله ودعائه ،كما �صح عن الر�سول ¤يف احلديث العظيمَ (:ين ِزل اهلل �إلى ّ
الدن َيا ُكل ل ْي ٍلة ِحني يمَ ْ ِ�ضي ثلث الل ْي ِل الأ ّول ف َيقول� :أنا امل ِل ُك� ،أنا امل ِل ُك ،من َذا الذي
ُّ
يب لهُ ؟)( ،)27وكان من دعائه (:¤الل ُهم �أنت امل ِل ُك َال �إلهَ �إ ّال �أنت� ،أنت تج ََي ْدعونيِ ف� ْأ�س ِ
رتفت ِب َذن ِبي ،فاغ ِفر يل ُذ ُنو ِبي َجمي ًعا� ،إنهُ َال َيغ ِف ُر َر ِّبي َو�أنا عبدُ َكَ ،ظل ْمت نف�سي َو ْ
اع َ
ال �أنت)(.)28 وب �إ َّ
الذ ُن َ
� æأو�صى اخلليفة الرا�شد علي بن �أبي طالب ‹ ،مالك بن اال�شرت النخعي ملا
واله على م�صر يف عام 39هـ ،ومما جاء يف و�صيته« :و�إذا �أح��دث لك ما �أن��ت فيه من
لطانك �أُ َّبهة �أو مخَ ِ يلَة( ،)31فانظر �إيل عِ َظم ُم ْلك اهلل فوقك ،وقدرته منك على ما
ُ�س َ
ال تقدر عليه من نف�سك ،ف�إن ذلك ُي َطامِ ن(� )32إليك من طِ ماَحك( ،)33و َي ُك َّف عنك
من َغ ْربك( ،)34ويفئ �إليك ما َع َزب عنك من عقلك(.)36(»)35
æقال ابن عيينه « :دخل اخلليفة الأموي ه�شام بن عبدامللك البيت احلرام ،ف�إذا
هو ب�سامل بن عبداهلل بن عمر ،فقال� :سلني حاجة .فقال �سامل� :إين �أ�ستحيي من اهلل �أن
�أ�س�أ َل يف بيته َغيرْ َ ه ،فلما خرجا ،قال ه�شـام :الآن ف�سلنـي حاجة .فقال له �سامل :من
حوائج الدنيا �أم من حوائج الآخرة؟! ،فقال ه�شام :من حوائج الدنيـا .فقال �سامل :واهلل
ما �س�ألت الدنيا ممن ميلكها -وهو اهلل تعالى -فكيـف �أ�س�ألها ممن ال ميلكهـا؟!»(.)37
æقال زرقان « :ملا احت�ضر اخلليفة العبا�سي الواثق باهلل (هارون بن املعت�صم)
�أمر بالب�سط فطويت ،و�أل�صق خده بالرتاب ،وجعل يقول :يا من ال يزول ملكه ،ارحم
من قد زال ملكه»(.)38
æقال الأ�صمعي :« ر�أيتُ �أعرابياً �أمامه �شا ٌء( ،)39فقلت له :ملن هذا ال�شاء؟ فقال:
هي هلل عندي»( .)40ور�أى جعفر بن �سليمان �أعرابي ًا يف �إبل قد ملأت الوادي فقال له :ملن
هذه الإبل؟ قال :هلل يف يدي(.)41
الكبرْ وال ُعجب والز َّْه ُو.
( )31الأبهة واملخيلةِ :
(ُ )32ي َط ِامن :يخف�ض
الط َماح :الفخر.
(ِ )33
( )34ال َغ ْرب :احلدة.
( )35يفئ �إليك ما َعزَ ب عنك� :أي يعيد �إليك ما غاب وخ ِفي عنك.
(( )36ربيع الأبرار ون�صو�ص الأخيار) للزخم�شري (جـ� - 5:ص.)189 :
(�( )37سري �أعالم النبالء) للذهبي (�ص )1761 :يف ترجمة�( :سامل بن عبداهلل بن عمر بن اخلطاب).
(�( )38سري �أعالم النبالء) للذهبي (�ص )4047 :يف ترجمة( :الواثق باهلل :هارون بن املعت�صم بن امل�أمون بن الر�شيد).
( )39ال�شاء :املجموعة من الغنم ،ومفردها (�شاة).
(( )40العقد الفريد) البن عبد ربه الأندل�سي (جـ� - 4 :ص.)28 :
(( )41ربيع الأبرار ون�صو�ص الأخيار) للزخم�شري (جـ� - 2:ص.)83 :
288 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
æقال عبد اهلل بن عون« :لو �أن رجال انقطع �إلى ه�ؤالء امللوك يف الدنيا النتفع،
فكيف مبن ينقطع �إلى من له ال�سموات واالر�ض وما بينهما وما حتت الرثى؟!»(.)42
æقال يو�سف بن احل�سني� :سمعت ذا النون( )43يقول�« :أنت ملك مقتدر ،و�أنا عبد
مفتقر� ،أ�س�ألك العفو تذلال ،ف�أعطنيه تف�ضال»(.)44
æبعث بع�ض خلفاء بني �أمية �إلى �أبي حازم ( )45مبال فرده! ،فقيل له :يا �أبا حازم!
خذ املال ف�إنك م�سكني! ،فقال« :كيف �أكون م�سكينا وموالي له ما يف ال�سموات وما يف
الأر�ض وما بينهما وما حتت الرثى؟!»(.)46
الــمــجــمــوعـــــــ15ـــــــــة
مو�ضوع الأ�سماء :ا ْل َك َر ُم
()50 - 49 - 48 - 47
جل َوا ُد -البرَ ُّ رمي -الأَ ْك َر ُم -ا َ
ال َك ُ
290 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الـمجـمـوعـ15ـة
مو�ضوع الأ�سماء :ا ْل َك َر ُم
()50 - 49 - 48 - 47
رمي -الأَ ْك َر ُم -ا َ
جل َوا ُد -البرَ ُّ ال َك ُ
�أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود:
رمي :ورد يف القر�آن الكرمي مرتني منها قوله تعالى }:ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ æال َك ُ
ﭫ ﭬ{ [االنفطار .. ]6 :ومن ال�سنة قوله �( :¤إن اهلل -تعالىَ -ح ِي ٌي َك ِر ٌ
مي،
ُ
الرجل �إليه يديه �أن َي ُر َّدهُ َما ِ�صف ًْرا خائبتني)(.)1 ي�ستحي �إِ َذا رفع
æالأَ ْك َر ُم :ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة يف قوله تعالى}:ﮆﮇﮈ{[العلق،]3:
وجاء عن عبد اهلل بن م�سعود وعبد اهلل بن عمر �أنهما كانا يقوالن يف ال�سعي بني ال�صفا
عما تعلم؛ إنك أنت األع ُّز األكرم»(.)2 واملروة« :رب اغفر وارحم ،وجتاوز َّ
æا َ
جل َوا ُد :مل يرد هذا اال�سم الكرمي يف القر�آن العظيم ،و�إمنا ورد يف ال�سنة النبوية،
يح ُّب اجلو َد،
جواد ِ
ٌ اهلل -تعالى- من حديث ابن عبا�س قال :قال النبي �( :¤إِنَّ َ
أخالق ،ويكر ُه ِ�سف�سا َفها)(.)3
يل ال ِ ويح ُّب معا َ
ِ
æالبرَ ُّ :ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة يف قوله تعالى} :ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ
ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ{[الطور .. ]28:ومل يرد اال�سم يف ال�سنة النبوية ب�سند �صحيح.
ثاني ًا :املعنى اللغوي:
æال َك ُ
رمي�« :صفة م�شبهة للمو�صوف بالكرم ،و (الك َر ُم) نقي�ض الل�ؤم ،ك ُر َم
الرجل ك َرما ،فهو َكرِمي ،والكرمي :ال�شيء احل�سن النفي�س ،الوا�سع ال�سخي،
( )1رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)1757
( )2رواه ابن �أبي �شيبة والطرباين والبيهقي وقال عنه الألباين :رواه ابن �أبي �شيبة عن ابن م�سعود وابن عمر ب�إ�سنادين
�صحيحني (منا�سك احلج والعمرة �صفحة .)28
( )3رواه البيهقي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)1744
اد -ال َب ُّر أل ْك َر ُم َ -
الج َو ُ ريم -ا َ المجموعة الخامسة عشرة َ :
الك ُ 291
مي: والك َر ُم :ال�سعة وال�شرف والعزة وال�سخاء عند العطاء»( ،)4وقال يف الل�سان« :ال َكر ُ
ا�سم جامع لكل ما ُي ْح َمد ،وهو اجلامع لأنواع اخلري وال�شرف والف�ضائل»( ،)5قال
مي :ال�صفوح ،هذه ثالثة �أوجه مي :العزيز ،وال َكر ُ
مي :اجلواد ،وال َكر ُ
الزجاجي« :ال َكر ُ
ّ
مي يف كالم العرب»(.)6لل َكر ِ
æالأَ ْك َر ُم :من �صيغ �أفعل التف�ضيل ،وهو «م�صو ٌغ للداللة على قوة االت�صاف
بالكرم ،ولي�س م�صوغاً للمفا�ضلة»(« ،)7فعله َك ُر َم َي ْك ُرم َك َرماً ،والأكر ُم هو الأح�سن
والأنف�س والأو�سع ،والأعظم والأ�شرف ،والأعلى من غريه يف كل و�صف كمال»(،)8
ربا عن نف�سه ب�أنه الأكرم ،وهو الأفعل من قال ابن القيم�« :أعاد الأمر بالقراءة خم ً
الكرم ،وهو كرثة اخلري وال �أحد �أولى بذلك منه �-سبحانه»(.)9
جل ِّيدجل َوا ُد�« :صفة م�شبهة للمو�صوف باجلود ،فعله جا َد َيجود َج ْوداً ،وا َ æا َ
نقي�ض الرديء ،ورجل َجواد يعني �سخي كثري العطاء»( ،)10قال ابن القيم« :وقال �أهل
العلم :اجلواد يف كالم العرب معناه :الكثري العطاء؛ يقال :جاد الرجل يجود جو ًدا
فهو جواد ،قال �أبو عمر بن العالء :اجلواد الكرمي»(.)11
æالبرَ ُّ �« :صفة م�ش َّبهة للمو�صوف بالبرِ ِّ ،فعله َب َّر يَبرِ ُّ ِب ّراً فهو با ُّر و َب ُّر؛
والبرِ ُّ :خري وات�ساع يف الإح�سان ،وهي كلمة جامعة لكل �صفات اخلري والإح�سان؛
كالتقوى ،والطاعة ،وال�صلة ،وال�صدق»( ،)12قال القرطبي« :البرِ ُّ :هو االت�ساع يف
الإح�سان والزيادة منه»( ،)13وقال الرازي« :البرِ ُّ �ضد الإثم ،فدل على �أنه ا�سم عام
(�( )4أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( .) 464 :الكرمي)
(( )5ل�سان العرب) البن منظور (جـ� - 12:ص( )510 :مادة كرم)
(( )6ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص.)176 :
( )7تف�سري التحرير والتنوير البن عا�شور عند تف�سري [العلق :الآية . 3
(�( )8أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( .)655 :الأكرم)
(( )9مفتاح دار ال�سعادة) البن القيم (جـ � - 1ص.)77 :
(�( )10أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( .)679 - 678 :اجلواد)
(( )11وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص.)722 :
( )12معجم اللغة العربية املعا�صرة للدكتور �أحمد خمتار عمر (مادة ب ر ر).
(( )13الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي -حتقيق :حممد ح�سن جبل وطارق �أحمد حممد (جـ� - 1 :ص.)333 :
292 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
جلميع ما ي�ؤجر عليه الإن�سان ،و�أ�صله من االت�ساع ومنه البرَ ُّ الذي هو خالف
البحر الت�ساعه»( ..)14وقوله تعالى} :ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ
ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ { [الطور� ،]28-27:أي ندعوه دعاء
عبادة كما قال الطربي« :نعبده خمل�صني له الدين ،ال ُن�شرك به �شيئاً»( ،)15ودعاء
م�س�ألة :بالت�ضرع �إليه و�س�ؤاله الوقاية من عذاب ال�سموم ،كما قال ابن كثري« :نت�ضرع
�إليه ،فا�ستجاب لنا ،و�أعطانا �س�ؤالنا»( ،)16وقال �أبو حيان« :نعبده ون�س�أله الوقاية
من عذابه»( ،)17واختلف الق ّراء يف قراءة قوله تعالى } :ﯮ ﯯ ﯰ{ فقر�أ �سبعة من
القراء الع�شرة بك�سر الهمزة } :ﯮ{ ،على االبتداء و«ا�ستئناف جملة جديدة فيها
معنى العلة»(�: )18أي بيان علة ا�ستجابة اهلل -تعالى -دعاء �أوليائه بالنجاة من عذابه؛
�أنه �سبحانه« :البرَ ُّ :ال�صادق يف قوله وفيما وعد لأوليائه»( .)19وقر�أ نافع املدين،
والك�سائي ،و�أبو جعفر بفتح الهمزة� } :أ َّن ُه {« ،على التعليل� :أي لأ َّنه»( )20مبعنى� :إننا
كنا من قبل ندعوه ونعبده؛ لأنه هو (البرَ ُّ )؛ ولذا ورد عن ابن عبا�س يف تف�سري (البرَ ّ )
قوالن« ،الأول :ال�صادق فيما وعد ،رواه �أبو �صالح عن ابن عبا�س ،والثاين :اللطيف،
رواه ابن �أبي طلحة عن ابن عبا�س»(.)21
ثالث ًا :املعنى ال�شرعي:
æال َك ُ
رمي« :كثري اخلري ،املح�سن مبا ال يجب عليه ،وال�صفوح عن حق وجب
له»( ،)22قال اخلطابي(« :ال َكر ُ
مي) الذي يبد�أ بالنعمة قبل اال�ستحقاق ،ويتربع
(( )14تف�سري مفاتيح الغيب) للرازي عند تف�سري الآية ( )177من �سورة البقرة.
( )15تف�سري «جامع البيان» للطربي عند تف�سري (الطور.)28:
( )16تف�سري «القر�آن الكرمي» البن كثري عند تف�سري (الطور.)28:
( )17تف�سري «البحر املحيط» لأبي حيان عند تف�سري (الطور.)28:
( )18تف�سري «اللباب يف علوم الكتاب» البن عادل عند تف�سري (الطور )28:بت�صرف.
( )19تف�سري «بحر العلوم» لل�سمرقندي عند تف�سري (الطور.)28:
( )20تف�سري «اللباب يف علوم الكتاب» البن عادل عند تف�سري (الطور.)28:
( )21تف�سري «زاد امل�سري يف علم التف�سري» البن اجلوزي عند تف�سري (الطور.)28:
(( )22االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص.)41:
اد -ال َب ُّر أل ْك َر ُم َ -
الج َو ُ ريم -ا َ المجموعة الخامسة عشرة َ :
الك ُ 293
æا َ
جل َوا ُد« :الكثري العطايا»( ،)30قال ابن القيم عند حديثه عن جود اهلل �-سبحانه:
«�أجود الأجودين ُ ..يحِ ُّب الإح�سان واجلود والعطاء والبرِ َّ ،و�إن الف�ضل ك َّله بيده،
أحب ما �إليه �أن يجود على عباده ،و ُيو�سِ عهم ف�ض ً
ال، واخلري ك َّله منه ،واجلود ك َّله له ،و� ُّ
ويغمرهم �إح�سا ًنا وجو ًدا ،ويتم عليهم نعمته ،وي�ضاعف لديهم منته ،ويتع ّرف �إليهم
ب�أو�صافه و�أ�سمائه ،ويتحبب �إليهم بنعمه و�آالئه ،فهو اجلواد لذاته»( ،)31وقال ال�شيخ
جل َوا ُد) ..الذي عم بجوده جميع الكائنات ،وملأها من ف�ضله وكرمه، ال�سعدي(« :ا َ
ونعمه املتنوعة ،وخ�ص بجوده ال�سائلني بل�سان املقال �أو ل�سان احلال من بر وفاجر،
وم�سلم وكافر ،فمن �س�أل اهلل �أعطاه �س�ؤاله ،و�أناله ما طلب»(.)32
æالبرَ ُّ « :املح�سن ،ال�صادق يف وعده»( ،)33قال ابن جرير «(البرَ ُّ ) اللطيف
بعباده»( )34وقال الزجاج(« :البرَ ُ ّ ) �أنه ُي ْح�سِ ن �إليهم ،وي�صلح �أحوالهم»( ،)35وقال
ُ
املح�سن �إليهمَ ،ع َّم بربه جميع خلقه ،فلم وف على عباده، اخلطابي(« :البرَ ُّ ) ال َع ُط ُ
خل عليهم برزقه ،وهو البرَ ُّ ب�أوليائه �إذ خ�صهم بواليته ،وا�صطفاهم لعبادته ،وهو َي ْب ْ
ال�ص ْف ِح والتجا ُو ِز عنه»(،)36
رب بامل�سيء يف َّ
�سن يف ُم�ضا َعفة الثواب له ،وال ُّ باملح ِ
رب ْ ال ُّ
وقال البيهقي(« :البرَ ُّ ) املح�سن �إلى خلقه ،عمهم برزقه ،وخ�ص من �شاء منهم بواليته،
وم�ضاعفة الثواب له على طاعته ،والتجاوز عن مع�صيته»(.)37
رابع ًا :الفروق بني الأ�سماء:
رمي -الأَ ْك َر ُم( :ال َكرمي) هو البهي ،الكثري اخلري ،العظيم النفع ،الذي من
æال َك ُ
(( )30الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ� - ١ :ص )169 :وعزا القول للحليمي.
(( )31مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ � - :1ص.)212 - 211 :
(( )32احلق الوا�ضح املبني) لل�سعدي (�ص.)67-66 :
( )33تف�سري (اجلاللني) للمحلي وال�سيوطي عند تف�سري (الطور.)28:
(( )34تف�سري الطربي) عند تف�سري (الطور.)28:
(( )35تف�سري �أ�سماء اهلل احل�سنى) لأبي �إ�سحاق الزجاج �ص (.)61
(�( )36ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي �ص (.)90 - 89
(( )37االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص.)45:
اد -ال َب ُّر أل ْك َر ُم َ -
الج َو ُ ريم -ا َ المجموعة الخامسة عشرة َ :
الك ُ 295
�ش�أنه �أن يعطي اخلري الكثري ب�سهولة وي�سر� ،أما (الأَ ْك َر ُم) فهو من �صيغ التف�ضيل ،ولكنه
لي�س م�صوغ ًا للمفا�ضلة ،و�إمنا للداللة على قوة االت�صاف بالكرم ،و�أنه ال كرم ي�سمو �إلى
كرم اهلل �-سبحانه ،وال �إنعام يرقى �إلى �إنعامه ،وال عطاء يوازي عطاءه ،له علو ال�ش�أن يف
كمال و�صف ًا ،ومنه كل خري فع ًال .وقيل يف «الفرق بني كرمه ،فهو الأكرم ح ًقا ،وله كل ٍ
دل على ال�صفة الذاتية والفعلية معا؛ كداللته (ال َكرمي) و(الأَ ْك َرم) �أن (ال َكر َ
مي) َّ
على معاين احل�سب والعظمة وال�سعة والعزة والعلو والرفعة وغري ذلك من �صفات
دل على �صفات الفعل فهو الذي ي�صفح عن الذنوب ،وال مين �إذا �أعطى الذات ،و�أي�ضا َّ
فيكدر العطية باملن ،وهو الذي تعددت نعمه على عباده بحيث ال حت�صى ،وهذا كمال
وجمال يف الكرم� ،أما (الأَ ْك َر ُم) فهو املنفرد بكل ما �سبق يف �أنواع الكرم الذاتي والفعلي،
فهو �-سبحانه� -أكرم الأكرمني»( ،)38وقال القرطبي« :فهذا اال�سم مرتدد بني �أن يكون
من �أ�سماء الذات ،وبني �أن يكون من �أ�سماء الأفعال ،واهلل مل يزل كرمياً وال يزال،
وو�صفه ب�أنه كرمي هو مبعنى نفي النقائ�ص عنه ،وو�صفه بجميع املحامد ،وعلى
هذا الو�صف يكون من �أ�سماء الذات ..و�إن كان فعلياً كان معنى كرمه ما ي�صدر عنه
من الإف�ضال والإنعام على خلقه ،و�إن �أردت التفرقة بني (الأَ ْك َرم وال َكرمي) ،جعلت
(الأَ ْك َرم) الو�صف الذاتي ،و(ال َكرمي) الو�صف الفعلي»(.)39
مي) هو املعطي دون �س�ؤال �أو طلب ،وكما قال اخلطابي: رمي -ا َ
جل َوا ُد( :ال َكر ُ æال َك ُ
«الذي يبد�أ بالنعمة قبل اال�ستحقاق ،ويتربع بالإح�سان من غري ا�ستثابة»( ،)40و�أما
جل َوا ُد) فهو املعطي عند ال�س�ؤال ب�أكرث من طلب ال�سائل؛ ولذا ُنعت (ا َ
جل َوا ُد) عن العرب (ا َ
بكثري العطاء ،قال �أبو هالل الع�سكري « :اجلواد هو الذي يعطي مع ال�س�ؤال ،والكرمي
الذي يعطي من غري �س�ؤال»(.)41
(�( )38أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( .)656:الأكرم)
(( )39الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي -حتقيق :حممد ح�سن جبل وطارق �أحمد حممد (جـ�-1:ص.)112 :
(�( )40ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص.)71 :
(( )41معجم الفروق اللغوية) لأبي هالل الع�سكري وجزء من كتاب ال�سيد نور الدين اجلزائري (برقم . )674
296 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
æال َك ُ
رمي -البرَ ُّ :يجتمع معنى (ال َك َر ِم) و(البرِ ِّ ) يف الإنعام والإف�ضال والإح�سان
وكرثة اخلري� ،إال �أنه ميكن �أن يقال �إن (البرِ َّ ) متعلق بالكمال يف �أداء احلقوق؛ ولذا
مي) هو الذي عم بف�ضله و�إح�سانه جميع خلقه، كان (ال َك َر ُم) �أعم من (البرِ ِّ ) ،فـ(ال َكر ُ
مي): دون ا�ستثناء ،م�ؤمنهم وكافرهم .قال ابن العربي وهو ي�سرد �أوجه معاين (ال َكر ُ
مي) الذي ال يبايل من �أعطى ،وال من ُيح�سن؛ كان م�ؤمناً �أو كافراًُ ،مقراً �أو «(ال َكر ُ
وعدهم جاحداً»( .)42و�أما (البرَ ُّ ) فهو املح�سن �إلى �أوليائه امل�ؤمنني ،ال�صادق يف حتقيق ما َ
به �-سبحانه ،من النجاة من عذابه ،ودخول بحبوحة جنانه ،والعبد –كما هو مقرر عند
�أهل الهدى وال�صواب– ال ي�ستوجب على اهلل ب�سعيه جنا ًة وال فالح ًا وال م�ضاعف ًة للأجر،
ولن ُي ْد ِخ َل اجل َّن َة �أحد ًا َع َم ُل ُه �أبد ًا ،وال ينجيه من النار ،واهلل -تعالى -بف�ضله وبره وحم�ض
جوده و�إح�سانه �أوجب لعبده عليه �-سبحانه -حقوق ًا مبقت�ضى الوعد ،ف�إن وعد(البرَ ِّ )
�إيجاب ،كما جاء من حديث معاذ بن جبل ‹ قال :بينا �أنا رديف النبي ¤فقال( :يا
معاذ) ،قلت :لبيك و�سعديك ،فقال مثلها ثالث ًا ،ثم قال( :هل تدري ما حق اهلل على
العباد؟) ،قلت :ال .قال( :حق اهلل على العباد �أن يعبدوه وال ي�شركوا به �شيئ ًا) ،ثم
�سار �ساعة ،فقال( :يا معاذ) ،قلت :لبيك و�سعديك .قال( :هل تدري ما حق العباد
على اهلل �إذا فعلوا ذلك؟� ،أن ال يعذبهم)( ،)43وهو م�صداق لقوله تعالى } :ﭮ ﭯ
ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ
ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ{[الفرقان ،]16-15 :يقول احلليمي
معدد ًا بع�ض جوانب بره �-سبحانه -بعباده(« :البرَ ُّ ) الرفيق بعباده ،يريد بهم الي�سر
وال يريد بهم الع�سر ،ويعفو عن كثري من �سيئاتهم ،وال ي�ؤاخذهم بجميع جناياتهم،
ويجزيهم باحل�سنة ع�شر �أمثالها ،وال يجزيهم بال�سيئة �إال مثلها ،ويكتب لهم ال َه َّم
باحل�سنة ،وال يكتب عليهم ال َه َّم بال�سيئة»(.)44
(( )42النهج الأ�سمى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للنجدي (�ص.)263 :
( )43متفق عليه :رواه البخاري برقم ،)6267( :وم�سلم برقم (.)30
(( )44الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ� - ١ :ص.)179 :
اد -ال َب ُّر أل ْك َر ُم َ -
الج َو ُ ريم -ا َ المجموعة الخامسة عشرة َ :
الك ُ 297
æمل يقرتن مع ا�سم اهلل (ال َكرمي) ا�سم �آخر ،و�إمنا اقرتن ا�سم اهلل (ال َكرمي) مع
ني) و(العفو) ،ولقد مت التطرق القرتان (الغني الكرمي) يف املجمـ13ــوعة �أ�سماء �أخرى كـ (ال َغ ّ
(القيومية) و�سي�أتي احلديث عن اقرتان (العفو الكرمي) يف املجم ـ28ـ ــوعة (املغفرة).
�سابع ًا :الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء:
æالأثر العلمي االعتقادي:
ٌ
عطوف على عباده ،كثري اخلري والعطاء، اهلل �-سبحانه وتعالى -كرمي جواد ب ٌّر رحي ٌم
عظيم النفع وال�سخاء ،ال ينفد عطا�ؤه ،وال ينقطع �إح�سانه ،الذي يعطي ما ي�شاء ملن ي�شاء
وكيف ي�شاء ب�س�ؤال وغري �س�ؤال ،وهو الذي ال مين �إذا �أعطى فيكدر العطية باملن ،وهو
�-سبحانه -يعفو عن الذنوب ،وي�سرت العيوب ،ويجازي امل�ؤمنني بف�ضله ،ويجازي املعر�ضني
بعدله� ،أكرم الأكرمني ،ال يوازيه كرمي وال يعادله نظري.
æالأثر العملي:
1.1حمبة اهلل -تعالى -على كرمه وجوده ونعمه التي ال حت�صى ،وال�سعي �إلى حتقيق
هذه املحبة ب�شكره �-سبحانه -بالقلب والل�سان واجلوارح ،و�إفراده وحده بالعبادة،
و�أن ال يكون من العبد �إال ما ير�ضي اهلل وحده ،وجماهدة النف�س يف ترك ما
ي�سخطه ،واملبادرة �إلى التوبة عند الوقوع فيما ال ير�ضيه �-سبحانه .ومن لوازم
حمبته حمبة �أوليائه ون�صرتهم وبغ�ض �أعدائه ،والرباءة منهم ومن �شركهم.
2.2احلياء من اهلل �-سبحانه -والت�أدب معه فمع كرثة معا�صي عباده مل مينع
عنهم عطاءه وكرمه وجوده ،وهذا الكرم العظيم يورث يف قلب امل�ؤمن حياء
وانك�سا ًرا وخو ًفا ورجا ًء وبعدً ا عما ي�سخطه �-سبحانه وتعالى ،يقول ابن القيم يف
كالمه عن لطائف �أ�سرار التوبة« :ومنها �أن يعرف بره �-سبحانه -يف �سرته
عليه حال ارتكاب املع�صية ،مع كمال ر�ؤيته له ،ولو �شاء لف�ضحه بني خلقه
فحذروه ،و هذا من كمال بره ،و من �أ�سمائه (البرَ ُّ ) و هذا الرب من �سيده
اد -ال َب ُّر أل ْك َر ُم َ -
الج َو ُ ريم -ا َ المجموعة الخامسة عشرة َ :
الك ُ 299
كان به مع كمال غناه عنه ،و كمال فقر العبد �إليه ،في�شتغل مبطالعة هذه
املنة وم�شاهدة هذا الرب والإح�سان والكرم ،فيبقى مع اهلل �-سبحانه»(.)52
3.3التعلق به وحده �-سبحانه ،والتوكل عليه ،وتفوي�ض الأمور �إليه ،وطلب احلاجات
منه وحده �-سبحانه؛ لأنه الكرمي الذي ال نهاية لكرمه ،بخالف املخلوق الذي
وفان بفنائه ،وهذا
يغلب عليه ال�شح يف العادة ،ولو كان كر ًميا ف�إن كرمه حمدودٍ ،
يورث قوة الرجاء والطمع يف كرمه ورحمته ،وقطع الرجاء من املخلوق .
4.4التخلق بخلق الكرم والتحلي ب�صفة اجلود وال�سخاء على عباد اهلل -تعالى ،ف�إن
اهلل كرمي يحب من عباده الكرماء الذين يفرج اهلل بهم كرب املحتاجني ويغيث
بهم امللهوفني ،وخلق الكرم الذي يحبه اهلل -تعالى -لي�س يف الإ�سراف والتبذير
وت�ضييع الأموال ،و�إمنا هو التو�سط بني الإ�سراف والتبذير ،وبني البخل وال�شح.
5.5املك َرم من �أكرمه اهلل -تعالى -بالإميان والهدى ولو كان فق ًريا مبتلى ،واملهان
من �أهانه اهلل -تعالى -بالكفـ ــر والف�سوق والع�صيان ولو كـ ــان غن ًيــا ووجي ًها
ذا مال وبنني كمـ ــا قال �سبحانه }:ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ{[احلج:
،]18هذا هو ميزان الإكرام والإهانة ولي�ست هي موازين املال والبنني واجلاه
وال�سلطان التي يوزن بها النا�س اليوم.
ثامن ًا :مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء:
رمي -الأَ ْك َر ُم -ا َ
جل َوا ُد -البرَ ُّ ) من �أ�سماء الذات الدالة على �صفات اهلل (ال َك ُ
الذاتية (ا ْل َك َرم والجْ ُ ود وا ْلبرِ ّ ) ،وهي �صفات ذات ،مل يزل -وال يزال -اهلل مت�صف ًا بها ،وال
تعلق لها بامل�شيئة؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل �-سبحانه وتعالى -والثناء عليه ،والتو�سل
�إليه ،بهذه الأ�سماء ،يف جميع حاجات العبد ،ويت�أكد ذلك حال الفقر وطلب الرزق ،وحال
(( )52مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ � :1ص .)206
300 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
املع�صية وطلب املغفرة ،فاهلل � -سبحانه وتعالى -ينفق على خلقه بف�ضله ومدده ،فال تنفد
خزائنه ،وال ينقطع �سخا�ؤه وال ميتنع عطا�ؤه ،ويعطي من ي�شاء بغري ح�ساب ،فعن عائ�شة
قالت :قلت يا ر�سول اهلل� :أر�أيت �إن علمت �أي ليلة ليلة القدر ما �أقول فيها؟ قال:
(قويل :اللهم �إنك عفو كرمي حتب العفو فاعف عني)( ،)53ومن حديث علي ‹
�أنه قال :قال يل ر�سول اهلل �( :¤أال �أعلمك كلمات �إذا قلتهن غفر اهلل لك و �إن كنت
مغفورا لك! ،قل :ال �إله �إال اهلل العلي العظيم ال �إله �إال اهلل احلكيم الكرمي ،ال
�إله �إال اهلل �سبحان اهلل رب ال�سماوات ال�سبع و رب العر�ش العظيم ،احلمد هلل رب
العاملني)(.)54
لأبي الدحداح يف اجلنة) ،ف�أتى امر�أته فقال :يا �أم الدحداح ،اخرجي من احلائط,
ف�إين بعته بنخلة يف اجلنة! ،فقالت :قد ربحت البيع!� ،أو كلمة نحوها»(.)60
جل ا َّلذي ا�شرتى فوجد ال َّر ُ رجل َعقا ًرا لهَ ،
رجل ِمن ٍ æقال النبي ( :¤ا�شرتى ٌ
ال َعقا َر يف َعقا ِره َج َّر ًة فيها َذهَ ٌب ،فقال له ا َّلذي ا�شرتى ال َعقا َرُ :خ ْذ َذهَ َبك منِّي � ،مَّإنا
الذهَ َب .وقال ا َّلذي له ال ُ
أر�ض � :مَّإنا ِب ْع ُتك أر�ض ،ومل �أَ ْب َت ْع منك َّ
ا�شترَ َ ْيتُ منك ال َ
رجل ،فقال ا َّلذي حتا َكما �إليه� :أ َل ُكما َو َلدٌ ؟ قال أر�ض وما فيها ،فتحا َكما �إلى ٍ ال َ
َ
اجلارية ،و�أن ِفقوا الم ،وقال الآخر :يل جار َي ٌة ،قال� :أن ِكحوا ال ُغال َم �أحدُ هما :يل ُغ ٌ
على �أن ُف ِ�سهما منه وت�صدَّ َقا)(.)61
æعن �أبي هريرة ‹ قال�« :إن النبي ¤كان يوما يحدث ،وعنده رجل من �أهل
البادية ،فقال �( :¤أن رجال من �أهل اجلنة ا�ست�أذن ربه يف الزرع! ،فقال له� :أول�ست
فيما �شئت؟! ،قال :بلى ،ولكني �أحب �أن �أزرع ،ف�أ�سرع وبذر ،فتبادر الطرف نباته
وا�ستوا�ؤه وا�ستح�صاده وتكويره �أمثال اجلبال! ،فيقول اهلل تعالى :دونك يا ابن �آدم ،ف�إنه
ال ي�شبعك �شيء!) ،فقال الأعرابي :يا ر�سول اهلل! ،ال جتد هذا �إال قر�شياً �أو �أن�صارياً!،
ف�إنهم �أ�صحاب زرع ،ف�أما نحن فل�سنا ب�أ�صحاب زرع! ،ف�ضحك ر�سول اهلل .)62(»¤
æعن �أبي هريرة ‹ قال :قال ر�سول اهلل ( :¤قال اهلل � :إذا حتدث عبدي
ب�أن يعمل ح�سنة ف�أنا �أكتبها له ح�سنة ما مل يعمل ,ف�إذا عملها ف�أنا �أكتبها بع�شر
�أمثالها .و�إذا حتدث ب�أن يعمل �سيئة ف�أنا �أغفرها له ما مل يعملها ,ف�إذا عملها ف�أنا
�أكتبها له مبثلها) ،وقال ر�سول اهلل ( :¤قالت املالئكة :رب ذاك عبدك يريد �أن
يعمل �سيئة! وهو �أب�صر به ،فقال :ارقبوه ،ف�إن عملها فاكتبوها له مبثلها ،و�إن
تركها فاكتبوها له ح�سنة؛ �إمنا تركها من جرائي) ،وقال ر�سول اهلل �( :¤إذا �أح�سن
(� )60أخرجه الإمام �أحمد وابن حبان ،و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة برقم (.)2964
( )61متفق عليه :رواه البخاري برقم ( ،)3472ورواه م�سلم برقم (.)1721
( )62رواه البخاري برقم (.)7519
302 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
�أحدكم �إ�سالمه فكل ح�سنة يعملها تكتب بع�شر �أمثالها �إلى �سبعمائة �ضعف ،وكل
�سيئة تكتب مبثلها حتى يلقى اهلل)(.)63
æعن عبداهلل بن م�سعود ‹ قال�( :أ�صاب النبي � ¤ضيفا ،ف�أر�سل �إلى �أزواجه
يبتغي عندهن طعاما فلم يجد عند واحدة منهن ،فقال :اللهم �إين �أ�س�ألك من ف�ضلك
ورحمتك ف�إنه ال ميلكها �إال �أنت ،ف�أُهديت له �شاة َم ْ�ص ِل َّية( ،)64فقال :هذه من ف�ضل
اهلل ونحن ننتظر الرحمة)(.)65
æقال �أبو نوفل« :جاء رجل �إلى عمر بن اخلطاب ‹ ،فقال� :أين قتلت نف�س ًا! ،فقال
عمر :ويحك! ،خط�أ �أم عمداً؟ قال :خط�أ! ،قال :هل من والديك �أحد؟ ،قال :نعم! ،قال:
ربه ،و�أح�سن �إليه .فلما انطلق ،قال عمر :والذي �أمك؟ ،قال :بل �أبي! ،قال :انطلق ف َّ
نف�سي بيده لو كانت �أمه حية فبرَ َّ ها ،و�أح�سن �إليها ،رجوت �أال تطعمه النار �أبداً»(.)66
æقال تعالى} :ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ {[النور ،]36:قال عمرو بن ميمون:
«�أدركت �أ�صحاب ر�سول اهلل ¤وهم يقولون « :امل�ساجد بـيوت اهلل ،و�إنه ّ
حق علـى اهلل
�أن ُي ْكرِم من زاره فـيها»(.)67
æقال تعالى يف �ش�أن �أعدائه الذين ح َّرقوا �أولياءه امل�ؤمنني وهم �أحياء } :ﮅ ﮆ
ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ{ [الربوج،]10:
قال احل�سن الب�صري« :انظروا �إلى هذا ا ْل َك َرم َوالجْ ُ ود ،قتلوا �أَ ْو ِل َيا َء ُه وهو يدعوهم �إلى
ال َّت ْو َبة َوالمْ َ ْغ ِف َرة»(.)68
( )63رواه م�سلم برقم (.)129
و�ص َلى ال َّل ْح َم� :أي َ�شوا ُه بالنار( .ل�سان العرب)
(َ )64م ْ�ص ِل َّية � :أي َم ْ�ش ِو َّيةَ ،
( )65رواه الطرباين و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة (جـ – 4 :برقم .)1543 :
(( )66الرب وال�صلة) البن اجلوزي (�ص.)70:
( )67تف�سري (جامع البيان يف تف�سري القر�آن) البن جرير الطربي عند تف�سري الآية ( )36من �سورة (النور).
(( )68تف�سري القر�آن العظيم) البن كثري ،عند تف�سري �سورة (الربوج) الآية (.)10
اد -ال َب ُّر أل ْك َر ُم َ -
الج َو ُ ريم -ا َ المجموعة الخامسة عشرة َ :
الك ُ 303
æقال �سعيد بن امل�سيب« :ما �أكرمت العباد �أنف�سها مبثل طاعة اهلل ،وال
�أهانت �أنف�سها �إال مبع�صية اهلل ،وكفى بامل�ؤمن ن�صرة من اهلل �أن يرى عدوه يعمل
مبع�صية اهلل»(.)69
æقال الف�ضيل بن عيا�ض« :ما من ليلة اختلط ظالمها ،و�أرخى الليل �سربال
�سرتها� ،إال نادى اجلليل :من �أعظم مني جودا ,واخلالئق يل عا�صون ،و�أنا
لهم مراقب� ,أكل�ؤهم يف م�ضاجعهم ك�أنهم مل يع�صوين ،و�أتولى حفظهم ك�أنهم مل
يذنبوا ،من بيني وبينهم �أَ ْج َو ُد بالف�ضل على العا�صي ،و�أتف�ض ُل على امل�سيء ،من ذا
الذي دعاين فلم �أ�سمع �إليه؟ �أو من ذا الذي �س�ألني فلم �أعطه؟ �أم من ذا الذي �أناخ
ببابي ونحيته� ،أنا الف�ضل ومني الف�ضل� ،أنا اجلواد ومني اجلود� ،أنا الكرمي ،ومني
الكرم ،ومن كرمي �أن �أغفر للعا�صي بعد املعا�صي ،ومن كرمي �أن �أعطي التائب ك�أنه
مل يع�صني ،ف�أين عني تهرب اخلالئق؟ و�أين عن بابي يتنحى العا�صون؟»(.)70
æعن علي بن عبد الرحمن قال :كتب بع�ض احلكماء �إلى � ٍأخ له�« :أما بعد ،يا
�أخي ،فقد �أ�صبح بنا من نعم اهلل ما ال نح�صيه ،مع كرثة ما نع�صيه ،فما ندري �أيها
ن�شكر؟!� ،أجميل ما ظهر �أم قبيح ما �سرت؟!»(.)71
æقال �أبو عبيد اخلوا�ص وكان نطوق ًا باحلكمة« :حني علمت �أن موالي يلي
تف�ضل»( .)72وقال
حما�سبتي زال عني حزين! ،قيل :كيف؟ قال :لأن الكرمي �إذا حا�سب ّ
�أبو العيناء :قلت لأعرابي�« :إن اهلل حُما�سبك! فقال� :سررتني ،ف�إن الكرمي �إذا حا�سب
تف�ضل»(.)73
ّ
(( )69حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) للأ�صفهاين (جـ� – 2 :ص ،)164 :و(�صفة ال�صفوة) البن اجلوزي (جـ� – 2 :ص.)81 :
(()70حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ� – 8 :ص.)93-92 :
(( )71ال�شكر هلل ) البن �أبي النيا (�ص )73 :برقم (.)190
(( )72ربيع الأبرار) للزخم�شري (جـ� – 3:ص.)280 :
(( )73نرث الدر) للآبي (جـ� – 6 :ص.)38 :
304 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
æكان التابعي اجلليل الربيع بن خثيم �إذا جاءه َ�سا ِئ ٌل ،قال�« :أطعموا هذا ال�سائ َل
ي�صا( ،!)74فلما �صنعوه، ال�س َّك َر! ،وقال لأهله يوماْ :
ا�ص َن ُعوا ليِ َخ ِب ً ُ�س َّك ًرا ،ف�إن الربيع ُي ُّ
حب ُّ
وخرج ،قال له �أهله: َ دعا رجال به َخ َب ٌل( ،)75فجعل الربيع ُي َل ِّق ُم ُه َو ُل َعا ُب ُه َي ِ�س ُيل ،فلما �أَ َ
كل
َت َك َّل ْف َنا َو َ�ص َن َع َّناُ ،ث َّم �أَ ْط َع ْمته رجال ما َي ْدرِي َما �أَ َك َل! ،فقال الربيع بن خثيمَ :لك َِّن اللهَّ َ
َي ْدرِي»(.)76
تخوفني منك، æقال الأ�صمعي� :سمعت �أعرابي ًا يدعو ويقول« :الله ّم � ّإن ذنوبي ّ
وجودك يب�شرين عنك ،ف�أخرجني باخلوف من اخلطايا ،و�أو�صلني بجودك �إلى العطايا،
حتى �أكون غداّ يف القيامة عتيق كرمك ،كما �أنا يف الدّنيا ربيب نعمك»(.)77
ع�صى فك�أنك æكان من دعاء عبد اهلل بن ثعلبة الب�صري« :اللهم �أنت من حِ ْلمِك ُت َ
ال َترى ،و�أنت من جودك وف�ضلك ُتعطي فك�أنك ال ُت َ
ع�صى ،و�أيُّ زمانٍ مل ت ْع ِ�صك فيه
�سكان �أر�ضك فكنت عليهم بالعفو ع َّوادا ،وبالف�ضل ج َّوادا»(.)78
الــمــجــمــوعـــــــ16ـــــــــة
مو�ضوع الأ�سماء :ال ُّل ْط ُف
()52 - 51
يف -ال َّر ُ
فيق اللَّ ِط ُ
306 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الـمجـمـوعـ16ـة
مو�ضوع الأ�سماء :ال ُّل ْط ُف
()52 - 51
اللَّ ِط ُ
يف -ال َّر ُ
فيق
�أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود:
يف :ورد يف القر�آن الكرمي ( 7مرات) منها قوله تعالى }:ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ
æاللَّ ِط ُ
�أن النبي ¤قال لها: ﭠ ﭡ ﭢ{[امللك ،]14:ومن ال�سنة حديث عائ�شة
(لتخربيني �أو ليخربين اللطيف اخلبري)(.)1
æال َّر ُ
فيق :مل يرد هذا اال�سم الكرمي يف القر�آن العظيم ،و�إمنا ورد يف ُّ
ال�س َّنة النبوية،
من حديث عائ�شة قالت« :ا�ست�أذن رهط من اليهود على النبي ،¤فقالواَّ :
ال�سام
رفيق ،يحب الرفق ال�سام واللعنة ،فقال( :يا عائ�شة �إن اهلل ٌ عليك ،فقلت :بل عليكم َّ
يف الأمر كله) .قلت� :أومل ت�سمع ما قالوا؟! ،قال( :قلت :وعليكم)»( ،)2ومن دعاء
فيق الأعلى(.)4())3 النبي ¤عند وفاته(:اللهم اغفر يل وارحمني و�أحلقني بال َّر ِ
( )2رواه البخاري برقم (.)6927
( )1رواه م�سلم برقم (.)974
( )3ذهب �أكرث �ش َّراح احلديث �إلى �أن املراد بـ (الرفيق الأعلى) :جماعة الأنبياء ومن ذكر يف �آية الن�ساء } ﭽ ﭾ
ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ{ وقد ختمت بقوله } :ﮉ ﮊ ﮋ{[الن�ساء 69:و َي�س ُند هذا القول ويرجحه قول عائ�شة :
�سمعت ر�سول اهلل ¤يقول( :ال ميوت نبي حتى يخري بني الدنيا والآخرة) ،ف�سمعت النبي ¤يقول يف مر�ضه الذي مات
فيه ،و�أخذته بحة ،يقول }( :ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮉ ﮊ
ﮋ{) ،فظننت �أنه ُخ رّي)[متفق عليه :رواه البخاري ( )4435وم�سلم ( ، )2444وقيل املراد :املالئكة الكرام ،ودليله
حديث �أبي مو�سى الأ�شعري ‹�( :أغمي على ر�سول اهلل ¤وهو يف حجر عائ�شة ف�أفاق وهي مت�سح �صدره وتدعو له بال�شفاء
قال :ال ولكن �أ�س�أل اهلل الرفيق الأعلى الأ�سعد :جربيل وميكائيل و�إ�سرافيل)[�أخرجه الهيثمي يف جممع الزوائد (جـ� – 8 :ص:
– 331برقم )14272 :وقال :رواه الطرباين وفيه حممد بن �سالم اجلمحي وهو ثقة وفيه �ضعف ،وبقية رجاله ثقات وقيل �أن
املراد :هو اهلل لأنهما من �أ�سمائه احل�سنى الثابتة ،ويقوي هذا القول قول �أن�س ‹( :كان �آخر ما تكلم به : ¤جالل
ربي الرفيع)[�أخرجه احلاكم و�ضعفه الألباين يف ال�سل�سلة ال�ضعيفة برقم ( ، )4159وقيل املراد به :اجلنة؛ لأن الرفيق هو
املكان الذي حت�صل املرافقة فيه ،قال ابن حجر « :قال اجلوهري :الرفيق الأعلى اجلنة ،وي�ؤيده ما وقع عند �أبي �إ�سحاق:
الرفيق الأعلى اجلنة»[فتح الباري :عند �شرح احلديث رقم (� - )4436ص .. 1924 :واهلل �أعلم.
( )4رواه البخاري برقم (.)5674
ُ
فيق ط ُ
يف -ال َّر المجموعة السادسة عشرة :ال َّل ِ 307
إي�صالها �إلى َمن قدّرها له مِ ن َخ ْلقه»( ،)12وقال ال ِف ْعل ،وال ِع ْل ُم ب َد َقائق َ
امل�صالح و� َ
يف) البرَ ُّ بعباده ،الذي ُ
يلط ُف لهم من حيث ال يعلمون ،و ُي�س ِّب ُب لهم اخلطابي(« :ال َّل ِط ُ
م�صاحلهم من حيث ال يحت�سبون»(.)13
فيق« :املي�سر واملُ�س ِّهل لأ�سباب اخلري كلها»( ،)14قال البيهقي�(« :إنَّ َ
اهلل æال َّر ُ
رفي ٌق) معناه :لي�س بعجول ،و�إمنا يعجل من يخاف الفوت ،ف�أما من كانت الأ�شياء
يف قب�ضته وملكه فلي�س يعجل فيها»( ،)15وقال اله َّرا�س« :ومن �أ�سمائه (ال َّرفيقُ ) ..
فاهلل -تعالى -رفيق يف �أفعاله ،حيث خلق املخلوقات كلها بالتدريج �شي ًئا ف�شي ًئا
بح�سب حكمته ورفقه ،مع �أنه قادر على خلقها دفعة واحدة ويف حلظة واحدة ،وهو
�-سبحانه -رفيق يف �أمره ونهيه ،فال ي�أخذ عباده بالتكاليف ال�شاقة مرة واحدة ،بل
يتدرج معهم من حال �إلى حال حتى ت�ألفها نفو�سهم»( ،)16فاهلل � -سبحانه -رفيق
بعباده يف التي�سري وعدم امل�شقة ،ورفيق بالع�صاة يف حلمه عليهم وعدم معاجلتهم بالعقوبة.
رابع ًا :الفروق بني الأ�سماء:
æاللَّ ِط ُ
يف -ال َّر ُ
فيق :معاين الأ�سماء متقاربه ،وترجع �إلى لطف اهلل ورفقه بعباده،
كما قال تعالى }:ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ{[ال�شورى ،]19:ومعنى (ال َّل ِطيف)
�أعم من (ال َّرفيق) حيث �إن (اللطف) يت�ضمن العلم بدقائق امل�صالح ،وطرق �إي�صالها �إلى
خلقه و�أوليائه ،مع الرفق يف الفعل والتنفيذ ،قال الغزايل(« :ال َّل ِطيف) من يعلم دقائق
امل�صالح وغوام�ضها ،وما دق منها وما لطف ،ثم ي�سلك يف �إي�صالها �إلى امل�ستحق
�سبيل الرفق دون العنف ،ف�إذا اجتمع الرفق يف الفعل ،واللطف يف العلم ،مت معنى
اللطف ،وال يت�صور كمال ذلك يف العلم والفعل �إال هلل -تعالى»(.)17
(( )12النهاية يف غريب احلديث والأثر) البن الأثري (جـ� - 4 :ص( )351 :مادة :لطف).
(�( )13ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص.)62 :
(( )14الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي -حتقيق :حممد ح�سن جبل وطارق �أحمد حممد (جـ� - 1 :ص.)557 :
(( )15الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ� - 1:ص.)141 :
(�( )16شرح الق�صيدة النونية) للدكتور حممد خليل هرا�س (جـ� -2:ص.)93 :
(( )17املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص.)92 :
ُ
فيق ط ُ
يف -ال َّر المجموعة السادسة عشرة :ال َّل ِ 309
الأعرابي :نعم ،فجزاك اهلل من �أهل ع�شرية خرياً ،قال له النبي �( :¤إنك كنت جئتنا
ف�أعطيناك ،فقلت ما قلت ،ويف نف�س �أ�صحابي عليك من ذلك �شيء ،ف�إذا جئت فقل
بني �أيديهم ما قلت بني يدي حتى يذهب عن �صدورهم) ،قال :فلما جاء الأعرابي،
قال ر�سول اهلل �( :¤إن �صاحبكم كان جاءنا ف�س�ألنا ف�أعطيناه ،فقال ما قال ،و�إنا
قد دعوناه ف�أعطيناه ،فزعم �أنه قد ر�ضي �أكذاك؟) قال الأعرابي :نعم ،فجزاك اهلل
من �أهل وع�شرية خريا ،قال �أبو هريرة :فقال النبي �( :¤إن مثلي ومثل هذا الأعرابي
كمثل رجل كانت له ناقة ،ف�شردت عليه ،فا ّتبعها النا�س ،فلم يزيدوها �إال نفورا!،
فقال �صاحب الناقة :خلوا بيني وبني ناقتي ،ف�أنا �أرفق بها و�أعلم بها ،فتوجه �إليها
�صاحب الناقة ،ف�أخذ لها من ق�شام الأر�ض( )29ودعاها حتى جاءت ،وا�ستجابت و�شد
عليها رحلها وا�ستوى عليها ،ولو �أين �أطعتكم حيث قال ما قال؛ دخل النار)(.)30
æقال �أن�س بن مالك ‹ :عاد َ
ر�سول اهلل ¤رجال من امل�سلم ِني قد َخ َفتَ ف�صار مثل
ر�سول اهلل ( :¤هل كنت تدعو ب�شيء �أو ت�س�أله �إياه؟! ،قال :نعم! ،كنتالفرخ! ( ،)31فقال له ُِ
�أقول :اللهم ما كنت ُمعا ِقبي به يف الآخرة ف َع ِّج ْله يل يف الدنيا! ،فقال ُ
ر�سول اهلل � :¤سبحان
اهلل! ال ُتطي ُقه � -أو ال ت�ستطي ُعه! (� - )32أفال قلت :اللهم �آتنا يف الدنيا ح�سنة( )33ويف
الآخرة ح�سنة ( )34وقنا عذاب النار؟! قال �أن�س :فدعا اهلل له ،ف�شفاه) (.)35
æقال تعالى } :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ{[يو�سف ،]96 :قال
احل�سن الب�صري« :ملا ورد الب�شري على يعقوب ،مل يجد عنده �شيئ ًا ُي ِثيبه به؛ فقال:
واهلل ما �أ�صبتُ عندنا �شيئاً ،وما خبزنا �شيئاً منذ �سبع ليال ،ولكن ه ّون اهلل عليك
�شام :ا�سم ملا ي�ؤكل ،م�شتق من ال َق ْ�ش ِم ،و ُق�شام الأر�ض :ما ت�أكله البهائم من نبات الأر�ض. ( )29ال ُق ُ
( )30رواه الهيثمي يف جممع الزوائد ،وابن كثري يف التف�سري ،وهو �ضعيف( .موقع الدرر ال�سنية).
رخ.
ِ َ
ف ال مثل ً
ا نحيف ا ً
ف �ضعي ر
َ �صا الط ِري ،واملعنى� :أَ�ض َع َفه ُ
املر�ض حتَّى رخ) َول ُد َّ
(َ )31خ َفتَ ف�صار مثل الفرخ� :أي َخ َفتَ َ�صوتُه ،و(ال َف ُ
( )32ال تُطي ُقه � -أو ال ت�ستطي ُعه! :-ال تُطي ُقه� :أي يف الدُّنيا ،وال تَ�ستطي ُعه :يف ال ُعق َبى واالخرة(.النووي)
ح�سنُ وقوعه عند العبد؛ من رزق هنيء وا�سع حالل ،وزوجة �صاحلة ،وولد ت َق ُّر به العني، ( )33ح�سنة الدنيا :يدخل فيها كل ما َي ُ
وراحة ،وعلم نافع ،وعمل �صالح ،ونحو ذلك من املطالب املحبوبة واملباحة( .النووي)
( )34ح�سنة الآخرة :هي ال�سالمة من العقوبات يف القرب واملوقف والنار ،وح�صول ر�ضا اهلل ،والفوز بالنعيم املقيم يف اجلنة،
والقرب من اهلل الرحيم الرحمن( .النووي)
( )35رواه م�سلم برقم (.)2688
314 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
�سكراتِ املوت» ،وع ّلق القرطبي على هذا الدعاء فقال« :وهذا الدعاء من �أعظم ما يكون
من اجلوائز ،و�أف�ضل العطايا والذخائر»(.)36
æقال الف�ضيل بن عيا�ض�« :أال ترى كيف يزوي( )37اهلل الدنيا عمن يحب من
جلوع مرة ،وباحلاجة مرة ،كما وي ْرمِ ُرها( )38عليه؟! ،بال ُع ْري م َر ًة ،وبا ُ خلقه ،مُ َ
ت�صنع الوالد ُة ال�شفيق ُة بولدها – عند ال ِف َطام -ت�سقيه مر ًة َ�صبرِ اً( ،)39ومرة
ُح َ�ض�ضاً( ،)40و�إمنا تريد بذلك ما هو خري له»(.)41
�سن َظ ِّني بربي �أنه َبلَ َغ مِ نْ ُل ْط ِف ِه �أَ ْن َو َّ�صى ِب َي ولدي �إذا
æقال ابن عقيل« :من ُح ِ
َكبرِ ْ ت َف َق َال } :ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ
ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ{[الإ�سراء ,]23:ف�أرجو �إذا ُ
�صرت عندَه َرمِ ي ًما �أَن ال
َي ْع�سِ َف ،لأن �أفعال ُه ُت َ�شا ِك ُل �أقوا َل ُه»(.)42
æقال �أبو �سليمان الداراين�« :إمنا الغ�ضب على �أهل املعا�صي جلر�أتهم عليها،
ف�إذا تذكرت ما ي�صريون �إليه من عقوبة الآخرة ،دخلت القلوب الرحمة لهم»(.)43
فهم �أ�صحابه �أن ي�أخذوه « æمر على «�صلة بن �أ�شيم العدوى» فتى يج ُّر ثو َبهَّ ،
ب�أل�سنتهم �أخذا �شديدا ،فقال لهم �صلة :دعوين �أكفكم �أمره ،ثم قال :يا ابن �أخي� ،إن
يل �إليك حاجة ،قال :ما هي؟ ،قال � :أحب �أن ترفع �إزارك ،قال :نعم ،ونعمت عني،
فرفع �إزاره .فقال �صلة لأ�صحابه :هذا كان �أمثل مما �أردمت ،ف�إنكم لو �شتمتموه
و�آذيتموه ل�شتمكم»(.)44
( )36تف�سري (املحرر الوجيز يف تف�سري الكتاب العزيز) البن عطية ،وتف�سري (اجلامع لأحكام القر�آن) للقرطبي عند تف�سري
الآية ( )96من �سورة (يو�سف).
( )37يزوي الدنيا عنه� :أي ُيبعدها وي�صرفها ومينعها.
( )38يمُ َ ْر ِم ُرها عليه :من املرارة �أي يجعلها ُم َّر ًة عليه ،وقيلُ :يق ّلبها ويعدِّ ْيها.
ـ�صـبرِ � :شج ٌر ع�صارته �شديدة املرارة.( )39ال َّ
حل َ�ض�ض :دوا ٌء ُم ٍّر يتخذ من �أبوال الإبل ،وقيل هو ُع�صارة ٍ
�صمغ ُم ٍّر. ( )40ا ُ
(( )41عيون الأخبار) البن قتيبة الدينوري (جـ� – 2:ص ،)387:و(العقد الفريد) البن عبدربه (جـ� - ٣:ص.)١٥٤:
(( )42الآداب ال�شرعية) لأبي عبداهلل حممد بن مفلح املقد�سي احلنبلي (جـ� – 2:ص.)175:
(( )43تاريخ دم�شق) البن ع�ساكر (جـ� – 34:ص.)152 :
(( )44خمت�صر منهاج القا�صدين) البن قدامة املقد�سي (�ص.)130 :
ُ
فيق ط ُ
يف -ال َّر المجموعة السادسة عشرة :ال َّل ِ 315
æقال حممد بن �إبراهيم الرازي« :تال يحيى بن معاذ هذه الآية} :ﮢ ﮣ ﮤ
ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ{[طه ،]44 - 43:قال� :إلهي
و�سيدي ،هذا رفقك مبن يزعم �أنه �إله ،فكيف رفقك مبن يقول �أنت الإله؟»(.)45
« æقحط النا�س يف �آخر فرتة اخلليفة الأموي بالأندل�س عبدالرحمن النا�صر ،ف�أمر
اخلليفة قا�ضيه «منذر ابن �سعيد البلوطي» بالربوز �إلى اال�ست�سقاء بالنا�س فت�أهب القا�ضي
لذلك ،و�صام بني يديه �أيام ًا ،تنف ًال ،و�إناب ًة ،ورهب ًة .واجتمع له النا�س يف م�صلى الرب�ض
بقرطبة ،بارزين �إلى اهلل تعالى يف جمع عظيم .و�صعد اخلليفة النا�صر يف �أعلى م�صانعه
املرتفعة من الق�صر ،لي�شارف النا�س ،وي�شاركهم يف اخلروج �إلى اهلل ،وال�ضراعة له ،ف�أبط�أ
القا�ضي حتى اجتمع النا�س ،وغ�صت بهم �ساحة امل�صلى .ثم خرج نحوهم ما�شي ًا ،مت�ضرع ًا،
خمبت ًا ،متخ�شع ًا؛ وقام ليخطب .فلما ر�أى بدار النا�س �إلى ارتقابه ،وا�ستكانتهم من خيفة
اهلل ،و�إخباتهم له ،وابتهالهم �إليه ،رقت نف�سه ،وغلبته عيناه؛ فا�ستغفر ،وبكى حين ًا؛ ثم
افتتح خطبته ب�أن قال� :سالم عليكم! ثم �سكت ،ووقف �شبه احل�صر ،ومل يكن من عادته.
فنظر النا�س بع�ضهم ببع�ض ،ال يدرون ما عراه ،وال ما �أراد بقوله! ،ثم اندفع تالي ًا قول
اهلل تعالى } :ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ
ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ {[الأنعام ،]54:فا�ستغفروا
ربكم ،وتوبوا �إليه ،وتز ّلفوا بالأعمال ال�صاحلات لديه! قال :فهاج النا�س بالبكاء،
وج�أروا بالدعاء ،وم�ضى على متام خطبته؛ فقرع النفو�س بوعظه ،وانبعث الإخال�ص
بتذكريه؛ فلم ينق�ض النهار حتى �أر�سل اهلل ال�سماء مباء منهمر ،روى الرثى ،وطرد املحل،
و�سكن الأزل ( .)46واهلل لطيف بعباده!»(.)47
æقال ابن قدامة« :واعلم �أن من هو يف البحر على اللوح لي�س ب�أحوج �إلى اهلل
(� )45شعب الإميان للبيهقي برقم (( )4511جـ� - 4 :ص.)121 :
اخل ْ�صب ،واملق�صود احتبا�س املطر وانقطاعه و ُي ْب ُ�س الأَر�ض من
اجلدب وهو نقي�ض ِ
ُ الَ َزل( :ا َمل ْحل)
( )46طرد ا َمل ْحلَ ،و َ�س َكن ْ أ
ال َكلأ .و(الأَ ْزل) ال�شدة وال�ضيق والقحط ،وطرده �أو �سكونه مبعنى ذهابه وانتهائه.
(( )47تاريخ ق�ضاة الأندل�س) لل ُنباهي (�ص.)71 - 70 :
316 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
و�إلى لطفه ممن هو يف بيته بني �أهله وماله ،ف�إذا حققت هذا يف قلبك فاعتمد على
اهلل اعتماد الغريق الذي ال يعلم له �سبب جناة غري اهلل»(.)48
æقال تعالى} :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ
ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩ
ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ
ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ{ [الكهف ،]17-16:قال ابن قتيبة�« :أراد اهلل �أن يع ّرفنا لطفه
للفتية ،وحفظه �إياهم يف املهجع ،واختياره لهم �أ�صلح املوا�ضع لل ّرقود ،ف�أعلمنا �أنه
ب ّو�أهم كهفا يف َم ْق َن�أ ِة اجلبل( ،)49م�ستقبال بنات نع�ش( ،)50فال�شم�س تزو ُّر عنه()51
وت�ستدبره :طالعة ،وجارية ،وغاربة ،وال تدخل عليهم فت�ؤذيهم بح ّرها ،وتلفحهم
ب�سمومها ،وتغيرّ �ألوانهم ،و ُتبلي ثيابهم ،و�أنهم كانوا يف فجوة من الكهف �-أي م ّت�سع
منه -ينالهم فيه ن�سيم الريح وبردها ،وينفي عنهم ُغ ّم َة الغار وكربه» (.)52
خفي ()53
لطف ّ
وكم هلل من ٍ
����ي
����ذ ِك ّ �������د ُّق َخ���� َف����ا ُه َع�����نْ َف���� ْه ِ
����م ال َّ َي ِ �����ف َخ���� ِف ٍّ
����ي �����ط ٍ هلل ِم�������نْ ُل ْ َو َك ْ
����������م ِ
���ب ال��� ِّ��ش ِ��ج ِّ��ي َف���� َف���� َّر َج َل���� ْو َع���� َة ال��� َق��� ْل ِ �����س ٍ��ر �أَتَ�����ى ِم����نْ َب��� ْع ِ���د ُع ْ�����س ٍ��ر َو َك ْ
�����م ُي ْ
َف���تَ��� ْع��� ُق��� ُب��� ُه ا َمل������ َ�����س����� َّر ُة ِب���ال��� َع���� ِ���ش ِّ���ي ��اح��ا ������ر ُت َ
�������س���ا ُء ِب����� ِه َ���ص�� َب ً �������م �أم ٍَو َك ْ
����د ال����ف����ر ِد ال��� َع��� ِل ِّ���ي َف���� ِث����قْ ِب����ال���� َو ِاح ِ ����ك الأح ُ
�������وال َي��� ْو ًم���ا ���ت ِب َ ِ�إ َذا � َ���ض���ا َق ْ
�������ف خ���ف���ي هلل م�������ن ُل�������ط ٍ ف�����ك�����م ِ ���ب
���ط ٌ�����اب َخ ْ ت�������زَ ْع �إذا م���ا ن َ َو َال جَ ْ
( )48املقولة من�سوبة البن قدامة ومل �أعرث عليها فيما بني يدي من املراجع.
(َ )49م ْق َن�أ ُة اجلبل :املكان الظليل الذي ال ت�صيبه ال�شم�س.
( )50بنات نع�ش � :سبعة كواكب ت�شاهد جهة القطب ال�شما ّ
يل� ،شبهت بحملة النع�ش.
( )51تزو ُّر عنه :تتنحى ومتيل عن الكهف.
(( )52ت�أويل م�شكل القر�آن) لأبي حممد عبد اهلل بن م�سلم بن قتيبة الدينوري (�ص .)15 – 14 :
(� )53أورد الق�صيدة ال�شيخ عبدالعزيز ال�سلمان -رحمه اهلل -يف (جمموعة الق�صائد الزهديات) (جـ� – 1 :ص )231 :دون
عزوها لقائلها .والبع�ض ين�سبها �إلى ال�صحابي اجلليل علي بن �أبي طالب ز�ضي اهلل عنه.
س ُ
ن الم ْح ِ
ص ِّو ُر ُ -
الم َ ق -ال َبار ُ
ِئ ُ - الخ َّ
ال ُ الخال ُ
ِق َ - المجموعة السابعة عشرة َ : 317
الــمــجــمــوعـــــــ17ـــــــــة
مو�ضوع الأ�سماء :الخْ َ ْل ُق
()57 - 56 - 55 - 54 - 53
ال ُق -ال َبا ِر ُئ خلا ِل ُق -ا َ
خل َّ ا َ
املُ َ�ص ِّو ُر -املُ ْح ِ�س ُن
318 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الـمجـمـوعـ17ـة
مو�ضوع الأ�سماء :الخْ َ ْل ُق
()57 - 56 - 55 - 54 - 53
ال ُق -ال َبا ِر ُئ -املُ َ�ص ِّو ُر -املُ ْح ِ�س ُن خلا ِل ُق -ا َ
خل َّ ا َ
�أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود:
خلا ِل ُق :ورد يف القر�آن الكرمي ( 8مرات) منها قوله تعالى}:ﯣ ﯤ ﯥ æا َ
اع َة ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ{[احل�شر ،]24:ومن ال�سنة قوله َ (:¤
ال َط َ
لمِ َخْ ُل ٍ
وق فيِ َم ْع ِ�ص َي ِة اخلالق)(.)1
ال ُق :ورد يف القر�آن الكرمي (مرتني) يف قوله تعالى}:ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ æا َ
خل َّ
ﯛ{[احلجر ،]86:وقوله تعالى }:ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ{[ي�س ،]81:ومن ال�سنة
حديث ابن عبا�س ،قال�( :إن العا�ص بن وائل �أخذ عظماً من البطحاء ،ففته بيده،
ثم قال لر�سول اهلل � :¤أ ُيحيي اهلل هذا بعد ما �أَرِم؟! ،فقال ر�سول اهلل ( :¤نعم،
مييتك اهلل ،ثم يحييك ،ثم يدخلك جهنم)( ،)2قال فنزلت الآيات } :ﮈ ﮉ ﮊ
ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ
ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ{ �إلى قوله تعالى } :ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ
ﯻ ﯼ{[ي�س.]83-77:
æال َبا ِر ُئ :ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة يف قوله تعالى}:ﯣ ﯤ ﯥ
ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ{[احل�شر ،]24:وورد مرتني مقيدا وم�ضاف ًا كما حكاه
}:ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ �-سبحانه -على ل�سان مو�سى
ﮠ ﮡ{[البقرة ،]54:ومل يرد اال�سم يف ال�سنة النبوية ب�سند �صحيح.
( )1رواه الإمام �أحمد واحلاكم و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)7520
(� )2أخرجه احلاكم يف امل�ستدرك (جـ� - 2:ص )429:وقال� :صحيح على �شرط ال�شيخني ومل يخرجاه.
س ُ
ن الم ْح ِ
ص ِّو ُر ُ -
الم َ ق -ال َبار ُ
ِئ ُ - الخ َّ
ال ُ الخال ُ
ِق َ - المجموعة السابعة عشرة َ : 319
æاملُ َ�ص ِّو ُر :ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة يف قوله تعالى}:ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ
ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ{[احل�شر ،]24:ومل يرد اال�سم يف ال�سنة النبوية ب�سند �صحيح.
æاملُ ْح ِ�سنُ :مل يرد هذا اال�سم الكرمي يف القر�آن العظيم ،و�إمن��ا ورد يف ُّ
ال�س َّنة
م ِ�سنٌالنبوية ،يف قوله �(:¤إذا حكمتم فاعدلوا ،و�إذا قتلتم ف�أح�سنوا ،ف�إن اهلل حُ ْ
م ِ�سنٌ يحب الإح�سان ،ف�إذا وج ّل َ -حُ ْ
يحب الإح�سان)( ،)3وقوله �( :¤إن اهلل َ -ع َّز َ
قتلتم ف�أح�سنوا القتلة .)4()...
ملحوظة :ي�أتي معنى (املُ ْح ِ�سن) بـ (املتقن واملحكم) وي�أتي �-أي�ض ًا -مبعنى (املنعم
واملتف�ضل) ،فمن الأول قوله تعالى} :ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ{ [ال�سجدة ،]7:ومن
الثاين قول اهلل �-سبحانه وتعالى } :ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ{[الق�ص�ص،]77:
اجل َوا ُد -البرَ ُّ )� ،أُدرج
ولورود املعنى الثاين �ضمن �أ�سماء الكرم واجلود (ال َكر ُمي -الأَ ْك َر ُم َ -
ا�سم (املُ ْح ِ�سنُ ) �ضمن �أ�سماء اخللق وااليجاد ،لتكتمل حلقة اخللق ،مع الإ�شارة للمعنى
(خا ِلقٌ) من حيث �إنه مقدر ،و( َبا ِرئ) من حيث �إنه الثاين .فاهلل � -سبحانه وتعالى َ -
خمرتع موجد ،و( ُم َ�ص ِّو ٌر) من حيث �إنه �أعطى كل خملوق �صورته ،و(محُ ْ ِ�سنٌ ) من حيث
�إنه رتب اخللق و�أخرجه ب�أحكم ترتيب و�أتقن هيئة ،كما قال �سبحانه } :ﮤ ﮥ ﮦ
ﮧﮨﮩﮪﮫ ﮬﮭﮮﮯﮰ
ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ{[امل�ؤمنون.]14:
امل�ستقيم ،وي�ستعمل يف �إبداع ال�شيء من غري �أ�صل وال احتذاء ،قال تعالى } :ﯦ
ﯧ ﯨ{[الأنعام ،]73:وي�ستعمل يف �إيجاد ال�شيء من ال�شيء ،قال
تعالى } :ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ{[الن�ساء ،)6(»]1:قال ابن الأَنباري « :اخللق يف كالم
العرب على وجهني� :أَحدهما الإِ ْن�شاء على مثال �أَ ْبد َعه ،والآخر :التقدير»(،)7
والتقدير :مبعنى املقدر للأ�شياء على مقت�ضى حكمته ووفق م�شيئته.
خل َّال ُق�« :صيغة مبالغة ،من ا�سم الفاعل (ا َ
خلا ِلق) ،فعله خلَ َق يَخ ُلق َخ ْلقاً، æا َ
خل َّال ُق) الذي يخلق خلقاً بعد خلق� ،أو الذي من �ش�أنه �أن يخلق �إلى ما فهو خالِق ،و(ا َ
خلا ِلق) ،تدل على كرثة خلق اهلل تعالى خل َّال ُق) من �صيغ املبالغة من (ا َ
ال يتناهى»( ،)8و(ا َ
و�إيجاده ،فكم يح�صل يف اللحظة الواحدة من باليني املخلوقات التي هي �أثر من �آثار ا�سمه
خل َّالق). �-سبحانه (ا َ
æال َبا ِر ُئ« :ا�سم فاعل ،فعله (ب َر�أ) �أو (بر َِئ) ،ف�إن كان ا�شتقاقه من (ب َر�أ) ؛
فت�صريفه :ب َر�أ َيبرْ َ ُ�أ َب ْرءاً ،فهو َبارِئ ،واملفعول َمبرْ وء ،و(ال َبا ِر ُئ) هنا :اخلالق املوجد
من العدم ،و�إن كان ا�شتقاقه من (بر َِئ) ،فت�صريفه :بر َِئ َيرب�أ برا ًء ،فهو َبارِئ وبريء
و َبراء ،واملفعول َمبرْ وء منه ،و(ال َبا ِر ُئ) هنا :ال�سامل اخلايل من �أي عيب»( ،)9قال
ال ّز ّجاج« :يقال بر�أ اهلل اخللق ،فهو يرب�ؤهم برءا �إذا فطرهم ،والربء خلق على �صفة،
فكل مربوء خملوق ولي�س كل خملوق مربوء؛ وذلك لأن الربء من تربئة ال�شيء من
ال�شيء ،من قولهم بر�أت من املر�ض ،وبرئت من الدين �أبر�أ منه ،فبع�ض اخللق �إذا ُف ِ�صل
من بع�ض ُ�س ِّمي فاع ُله بارئا»( ،)10وقال ابن الأثري(« :ال َبا ِر ُئ) الذي خلق اخللق ،ال عن
مثال� ،إال �أ َّن لهذه اللفظة من االخت�صا�ص باحليوان ما لي�س لها بغريه من املخلوقات،
(( )6املفردات) للأ�صفهاين (مادة :خلق) (�ص.)209:
(( )7ل�سان العرب) (جـ� - 10 :ص( .)85 :مادة :خلق).
( )8معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة :خ ل ق) .بت�صرف
( )9معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة :ب ر �أ).
(( )10تف�سري �أ�سماء اهلل احل�سنى) لأبي �إ�سحاق الزجاج (�ص .)37
س ُ
ن الم ْح ِ
ص ِّو ُر ُ -
الم َ ق -ال َبار ُ
ِئ ُ - الخ َّ
ال ُ الخال ُ
ِق َ - المجموعة السابعة عشرة َ : 321
وقلما ت�ستعمل يف غري احليوان ،فيقال :بر�أ اهلل الن�سمة ،وخلق ال�سماوات والأر�ض»(.)11
æاملُ َ�ص ِّو ُر« :ا�سم فاعل من َ�ص َّور ُي َ�صور ت�صويراً ،فهو ُم�ص ِّور� :إذا فعل ال�صورة،
وال�صورة� :شخ�ص ال�شيء وهيئته من طول وعر�ض ،وكرب و�صغر ،وما ات�صل بذلك
وتعلق به مما يكمله فريى م�صوراً»( ،)12و�ص ّور ال�شيء :جعل له �شكال مت�صور ًا ومتميز ًا
عن غريه ،وال�صورة هي ال�شكل والهيئة �أو الذات املتميزة بال�صفات .قال الراغب« :ال�صورة:
ما ينتق�ش به الأعيان ويتميز بها غريها»(.)13
واحل�س ُن �ضدُّ
ْ æاملُ ْح ِ�سنُ « :ا�سم فاعل ،فعله � َ
أح�سن ُيح�سِ ن �إح�ساناً ،فهو حُم�سِ ٌن،
ال ُق ْبح»( ،)14والإح�سان ي�أتي مبعنيني :الأول :الإنعام على الغري ،والثاين :الإتقان والإحكام.
قال الراغب« :الإح�سان يقال على وجهني� :أحدهما :الإنعام على الغري ..والثاين:
ال ح�سناً»(.)15
�إح�سان يف فعله � ..إذا عمل عم ً
ثالث ًا :املعنى ال�شرعي:
خلا ِل ُق« :الذي خلق جميع املوجودات»( ،)16قال اخلطابي(« :ا َ
خلا ِلقُ ) املبدع æا َ
للخلق ،واملخرتع له على غري مثال �سبق»( ،)17وقال الألو�سي(« :ا َ
خلا ِلقُ ) املقدر للأ�شياء
على مقت�ضى احلكمة� ،أو مبدع الأ�شياء من غري �أ�صل وال احتذاء»( ،)18وقال الر�ضواين:
«(ا َ
خلا ِلقُ ) الذي �أ ْوجد جمي َع الأ�شياء بعد �أن مل تكنْ َم ْو ُجودة ،وقدّر �أمورها يف الأزل
بعد �أن كانت معدومة»(.)19
(( )11جامع الأ�صول يف �أحاديث الر�سول) البن الأثري (جـ� - 4:ص.)177:
(( )12ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص.)243:
(( )13املفردات) للأ�صفهاين (�ص( )378:مادة� :صور).
(�( )14أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( .)615:املح�سن).
(( )15املفردات) للأ�صفهاين (�ص( )156:مادة :ح�سن).
( )16تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص.)17 :
(�( )17ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص.)49 :
( )18تف�سري (روح املعاين) للألو�سي عند تف�سري �سورة (احل�شر) الآية (.)24
(�( )19أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( .)284:اخلالق).
322 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
«(املُ َ�ص ِّو ُر) م�ص ّور ال�صور ،ومركبها على هيئات خمتلفة»( ،)31وقال ابن كثري(« :املُ َ�ص ِّو ُر)
الذي ُين ّفذ ما يريد �إيجاده على ال�صفة التي يريدها»( ،)32وقال الر�ضواين(« :املُ َ�ص ِّو ُر)
الذي �ص ّور املخلوقات ب�شتى ال�صور اجلليلة واخلفية واحل�سية والعقلية»(.)33
حك ُم»( ،)35قال جماهد}« :ﮤ ُ
املتف�ضل املُن ِع ُم»(« )34املت ِقنُ املُ ِ æاملُ ْح ِ�سنُ « :
ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ{[ال�سجدة� ،]7:أحكم كل �شيء خلقه حتى �أتقنه»( ،)36وقال
املناوي« :الإح�سان له و�صف الزم ال يخلو موجود عن �إح�سانه طرفة عني ،فال بد
لكل مكون من �إح�سانه �إليه بنعمة الإيجاد ونعمة الإمداد»( ،)37وقال ابن القيم:
«الذي َتع َّرف �إلى عباده ب�أو�صافه و�أفعاله و�أ�سمائه ،وحتبب �إليهم بنعمه و�آالئه،
وابتد�أهم ب�إح�سانه وعطائه ،فهو (املُ ْح ِ�سنُ ) �إليهم واملجازي على �إح�سانه بالإح�سان،
فله النعمة والف�ضل والثناء احل�سن اجلميل»(.)38
و(ال َبا ِر ُئ) املوجد من العدم على مقت�ضى اخللق والتقدير .. ،و(املُ َ�ص ِّو ُر) املُ�ش ِّكل لكل
موجود على ال�صورة التي �أوجده عليها»( ،)40وق ـ ــال البغ ـ ـ ــوي( « :ا َ
خلا ِلقُ ) املقدِّر
واملقلب لل�شيء بالتدبري �إلى غريه( ،ال َبا ِر ُئ) املن�شئ للأعيان من العدم �إلى الوجود،
(املُ َ�ص ِّو ُر) املمثل للمخلوقات بالعالمات التي يتميز بع�ضها عن بع�ض»( ،)41فاهلل
يقدر ،ثم يخرج مقدوره من العدم ،ثم يهبه عالمة متيزه عما �سواه من املقدورات ،و�أ�شار
ال�شيخ عبدالعزيز اجلليل �إلى �أن« :هذه الفروق تعرف عند اجتماع هذه الأ�سماء� ،أما
عند افرتاقها ف�إن كل ا�سم من هذه الأ�سماء احل�سنى ي�شمل معناه ومعاين اال�سمني
الآخرين -واهلل �أعلم»( ،)42يقول ابن القيم�« :إن ال َبارِئ امل ُ َ�ص ِّور تف�صيل ملعنى ا�سم
الخْ َ ـالِق»( .)43و�أما (املُ ْح ِ�سنُ ) فهو الذي �أحكم اخللق والتقدير ،و�أتقن الإيجاد والتنفيذ،
و�أح�سن الهيئة وال�صورة ،قال تعالى } :ﭶ ﭷ ﭸ {[التغابن ،]3:وقال تعالى:
}ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ{ [ال�سجدة.]7:
خام�س ًا :ال�صفة امل�شتقة:
خل َّالق) ال ُق :ال�صفة امل�شتقة من ا�سميه �-سبحانه (ا َ
خلا ِلق -ا َ خلا ِل ُق -ا َ
خل َّ æا َ
«�صفة (الخْ َ ْل ِق) وهي من �صفات اهلل الفعلية الثابتة بالكتاب وال�سنة»( ،)44قال تعالى:
} ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ{[الأعراف .]54 :ومن ال�سنة قوله ( :¤قال اهلل -تعالى :ومن
�أظلم ممن ذهب يخلق َك َخ ْلقي .)45()..
æال َبا ِر ُئ :ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه �سبحانه (ال َبا ِرئ) «�صفة (الإبراء) كو�صف
( )40تف�سري (�أ�ضواء البيان) لل�شنقيطي عند تف�سري الآية ( )23من �سورة احل�شر.
( )41تف�سري (معامل التنزيل) للبغوي (احل�شر.)24:
(( )42وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص.)446 - 445 :
(�( )43شفاء العليل) البن القيم (جـ� - 2:ص.)757:
(�( )44صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص.)113 :
( )45رواه البخاري برقم ( ،)7559وم�سلم برقم (.)2111
س ُ
ن الم ْح ِ
ص ِّو ُر ُ -
الم َ ق -ال َبار ُ
ِئ ُ - الخ َّ
ال ُ الخال ُ
ِق َ - المجموعة السابعة عشرة َ : 325
الت�صوير بعد الإِيجاد ثالثاً ،واهلل -تعالى -خالق من حيث �إنه مقدِّر ،وبارئ من
مرتب �صور املخرتعات �أح�سن ٌ حيث �إنه خمرتع موجد ،وم�صور من حيث �إنه
ترتيب»( ،)52وبذلك ينتظم اقرتان هذه الأ�سماء الثالثة؛ فاخللق �أوال ً :وهو تقدير وجود
املخلوق ،ثم بريه :وهو �إيجاده من العدم ،ثم جعله بال�صورة التي �شاءها �-سبحانه .وكما
ذكر ال�شيخ عبدالعزيز اجلليل ف�إن هذه الأ�سماء الثالثة تفرتق معانيها عند االجتماع،
وجتتمع عند االفرتاق.
خلا ِلق) مرتني يف قوله تعالى } :ﮏ æال َو ِك ُ
يل :ورد االقرتان مع ا�سمه �-سبحانه (ا َ
ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ{[الزمر ،]62:وقوله تعالى} :ﭑ ﭒ
ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ{
[الأنعام ،]102:واحلكمة من ذلك -واهلل �أعلم -للربط بني اخللق والتدبري ..فكما �أن اهلل –
�سبحانه وتعالى -خالق كل �شيء ،وكل �شيء حمتاج �إليه يف حدوثه و�إيجاده ،فكذلك هو مدبر
لكل �شيء ،وكل �شيء حمتاج �إليه يف �إمداده وبقائه ،يقول الألو�سي« :وحا�صله �أنه -تعالى-
يتولى حفظ كل �شيء بعد خلقه ،فيكون �إ�شارة �إلى احتياج الأ�شياء �إليه -تعالى -يف
بقائها كما �أنها حمتاجة �إليه يف وجودها»(.)53
الواحد القها ُر :ورد االقرتان مع ا�سمه – �سبحانه (ا َ
خلا ِلق) مرة واحدة يف قوله ُ æ
ال �شريك له يف خلقه ،لأنه الواحد القهار ،ف�إنه ال توجد الوحدانية والقهر �إال هلل
وحده ،فاملخلوقات وكل خملوق فوقه خملوق يقهره ،ثم فوق ذلك القاهر قاهر
�أعلى منه ،حتى ينتهي القهر للواحد القهار ،فالقهر والتوحيد متالزمان متعينان
هلل وحده ،فتبني بالدليل العقلي القاهر� ،أن ما ُيدعى من دون اهلل لي�س له �شيء من
خلق املخلوقات ،وبذلك كانت عبادته باطلة»(.)54
æالعليم :ورد االقرتان مع ا�سمه �-سبحانه (الخْ َ َّالق) مرتني يف قوله تعالى} :ﯗ
ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ{ [احلجر ،]86:وقوله تعالى } :ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ
ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ{ [ي�س ،]81:وال�سر يف
ذلك -واهلل �أعلم � -أن «خلقه �-سبحانه -للأ�شياء والأحياء �إمنا هو عن علم منه
�-سبحانه -مبا يخلق ،كيف يخلقه ،ومتى يخلقه ،ويعلم احلكمة من خلقه� ،أي �أنه
�-سبحانه وتعالى -مل يخلق �شي ًئا عب ًثا و�سدى ،بل خلقه عن علم وحكمة و�إرادة»(.)55
æالأثر العملي:
1.1توحيد اهلل �-سبحانه وتعالى ،و�إفراده وحده بالعبادة ،لكونه �-سبحانه -اخلالق
وحده ،وهذا ما احتج به اهلل على امل�شركني الذين ُيق ِّرون ب�أنه اخلالق وحده،
ثم هم يعبدون غريه ممن ال يخلق! ،قال �سبحانه} :ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ
ﮥ{[الأعراف.]191 :
2.2الإقرار بعلم اخلالق �-سبحانه -بجزئيات خلقه كلها� ،صغريها وكبريها ،دقيقها
وجليلها ،ومن �أح�سن الأدلة يف االحتجاج على �إثبات علمه �-سبحانه -باجلزئيات
كلها ،قوله تعالى }:ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ
ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ{[امللك .]14 -13 :
3.3حمبة اهلل غاية احلب ،والتذلل له غاية التذلل؛ لأنه �-سبحانه -الذي خلقنا ،و�أنعم
علينا بنعمة الإيجاد بعد �أن مل نكن �شي ًئا مذكو ًرا ،كما قال تعالى }:ﯜ ﯝ ﯞ
ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ{[الإن�سان ،]1:ثم �أمدنا �-سبحانه-
مبا خلقه يف هذا الكون من نعم ،ومبا خلق يف قلوب الأمهات والآباء من الرحمة
والرعاية ،ومبا �أمدنا به من ال�سمع والب�صر والأفئدة وغري ذلك من النعم التي ال
تعد وال حت�صى.
�4.4شكر اهلل اخلالق �-سبحانه -بالقول والعمل ،وطاعته على نعمة اخللق والإيجاد،
إن�سان من بني �آدم على �ستني وثالثمائة مف�صل ،فمن
كل � ٍقال �(:¤إنه ُخ ِل َق ُّ
َكبرَّ اهللَ ،
وحمِد اهلل ،وهلَّل اهلل ،و�س َّبح اهلل ،وا�ستغفر اهلل ،وعزل حجر ًا
ً
�شوكة �أو عظم ًا من طريق النا�س ،و�أمر مبعروف� ،أو عن طريق النا�س� ،أو
ال�سال َمى ،ف�إنه مي�شي يومئذ
نهى عن منكر ،عدد تلك ال�ستني والثالثمائة ُّ
نف�سه عن النار)( .)57 وقد َز َ
حز َح َ
( )57رواه م�سلم برقم (.)1007
س ُ
ن الم ْح ِ
ص ِّو ُر ُ -
الم َ ق -ال َبار ُ
ِئ ُ - الخ َّ
ال ُ الخال ُ
ِق َ - المجموعة السابعة عشرة َ : 329
5.5تعظيم اهلل �-سبحانه ،وتكبريه و�إجالله عند معاينة خملوقاته العظيمة يف
الآفاق والأنف�س؛ لأن عظمة هذه املخلوقات ودقتها وانتظامها يدل على عظمة
خالقها و�إتقانه ملا خلق ،ولعل مطالعة �سريعة مل�شاهد الإعجاز يف �آث��ار ا�سمه
�-سبحانه (املُ َ�ص ِّور) تبني هذا الأم��ر ،حيث يعي�ش على هذه الأر���ض ما يقرب
من ثمانية مليارات ن�سمة ،كل واحد منهم تغاير �صورته �صورة غريه يف املالمح
وال�سمات ،ويف الألوان والهيئات � ..إنها عظمة هذا اخلالق العظيم الذي �أح�سن
كل �شيء خلقه ،كما قال �سبحانه } :ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ
ﰓ{[النمل.]88 :
6.6قبول �شرع اهلل ،واحلكم به ،والتحاكم �إليه ،وعدم الر�ضا بغريه بدي ًال؛ لأنه ال�شرع
ال�صادر عن اخلالق احلكيم العليم بخلقه ،ونوازعهم ،وم�صاحلهم ،فكان �أح�سن
ال�شرع و�أكمله و�أ�صلحه } :ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ{[امللك.]14 :
ثامن ًا :مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء:
ال ُق -ال َبا ِر ُئ -املُ َ�ص ِّو ُر -املُ ْح ِ�سنُ ) من �أ�سماء الأفعال الدالة على خلا ِل ُق -ا َ
خل َّ (ا َ
�صفات اهلل الفعلية (الخْ َ ْلق والإبراء والت�صوير وا ِلإ ْح َ�سان) ،وهي �صفات تتعلق بامل�شيئة� ،إن
�شاء اهلل فعلها � -سبحانه -و�إن �شاء مل يفعلها؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل �-سبحانه
وتعالى -والثناء عليه ،والتو�سل �إليه ،بهذه الأ�سماء ،يف حاجات العبد التي تنا�سب معانيها،
خللق وجتميل ال�صورة الظاهرة والباطنة ،قال تعالى}:ﮤ ﮥ كدعاء اهلل بتح�سني ا ُ
ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ{[ال�سجدة]7:؛ ولذا جاء عنه � ¤أنه كان
فح�س ْن ُخ ُلقي)( ،)58وجاء يف �صفة �صالته ..« :¤و�إذا ح�سنْتَ َخ ْلقيِّ ، يقول(:اللهم كما َّ
�سجد قال( :اللهم لك �سجدت ،وبك �آمنت ،ولك �أ�سلمت� ،سجد وجهي للذي خلقه
و�صوره ،و�شق �سمعه وب�صره ،تبارك اهلل �أح�سن اخلالقني) ثم يكون من �آخر ما يقول
( )58رواه الإمام �أحمد و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)1307
330 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
بني الت�شهد والت�سليم(:اللهم اغفر يل ما قدمت وما �أخرت ،وما �أ�سررت وما �أعلنت ،وما
�أ�سرفت ،وما �أنت �أعلم به مني� ،أنت املقدم و�أنت امل�ؤخر ،ال �إله �إال �أنت)(.)59
« æملا ويل عمر بن هبرية الفزاري العراق وخرا�سان �سنة ( 103هـ) ،ا�ستدعى
احل�سن الب�صري وحممد بن �سريين وال�شعبي ،فقال لهم� :إن يزيد بن عبدامللك خليفة
اهلل ،ا�ستخلفه على عباده ،و�أخذ عليهم امليثاق بطاعته ،و�أخذ عهدنا بال�سمع والطاعة،
وقد والين ما ترون ،فيكتب �إيل بالأمر من �أمره؛ ف�أنفذ ذلك الأمر ،فما ترون؟! ،فقال ابن
�سريين وال�شعبي قوال فيه تقية! ،فقال ابن هبرية :ما تقول يا ح�سن؟ ،فقال :يا ابن هبرية
خف اهلل يف يزيد ،وال تخف يزيد يف اهلل!� ،إن اهلل مينعك من يزيد ،و�إن يزيد ال
مينعك من اهلل ،و�أو�شك اهلل �أن يبعث �إليك ملكاً فيزيلك عن �سريرك ،ويخرجك
من �سعة ق�صرك� ،إلى �ضيق قربك ،ثم ال ينجيك �إال عملك ،يا ابن هبرية� :إن تع�ص
اهلل ف�إمنا جعل اهلل هذا ال�سلطان نا�صراً لدين اهلل وعباده ،فال تركنب دين اهلل
وعباده ب�سلطان اهلل ،ف�إنه ال طاعة ملخلوق يف مع�صية اخلالق ،ف�أجازهم ابن هبرية
و�أ�ضعف جائزة احل�سن ،فقال ال�شعبي البن �سريين� :سف�سفنا له ف�سف�سف لنا!»(.)64
فجعل يف ي�ساري ،وجيء باخلري، æقال مطرف بن عبداهلل« :لو �أخرج قلبيُ ،
فجعل يف مييني ،ما ا�ستطعت �أن �أولج قلبي منه �شيئاً حتى يكون اهلل ي�ضعه»(.)65
ُ
æقال جار لأبي رجاء العطاردي� :أتيته ب�إبنني يل قد �ألب�ستهم وهي�أتهم ،فقلت :ادع اهلل
يل فيهم بالربكة ،قال« :اللهم قد �أح�سنت نبتهم؛ ف�أح�سن ح�صدتهم»(� .)66أي خامتتهم.
قال تعالى } :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ æ
خل ْلقِ َر ٌّب لحَ ا َد َث ُه( ،)68و�إن اك يف اهلل :لو كان لهذا ا َ دائماً ال َي َت َ�ص َّر ُف()67؛ لقال ّ
ال�ش ُّ
ني( ،)69وجعل اهلل قد حا َد َثه مبا ترون من الآيات� ،إ َّنه جاء ب�ضوء َط َّب َق ما بني اخلا ِف ِق َ
خل ْلقِ وجاء بظلمة َط َّب َقتْ ما فيها معا�شاً و�سراجاً وهاجاً ،ثم �إذا �شاء ذهب بذلك ا َ
ني ،وجعل فيها َ�س َك ًنا ونجُ ُ و ًما وقمراً منرياً .و�إذا �شاء بنى بنا ًء( )70جعل بني اخلا ِف ِق َ
فيه من املطر والربق والرعد وال�صواعق ما �شاء ،و�إذا �شاء �صرف ذلك وجاء ببرَ ْ ٍد
فا�س النا�س ،ثم �إذا �شاء ُي َق ْرق ُِف( )71النا�س ،و�إذا �شاء ذهب بذلك وجاء ِب َح ٍّر ي�أخذ ب�أ ْن َ
ذهب بذلك وجاء بنباتٍ و�أزها ٍر وخ�ضر ٍة وفواكه تده�ش العقول والأفكار من بهجتها
خل ْلقِ َر ّباً ُيحا ِد ُث ُه
النا�س �أ َّن لهذا ا َوح�سنها و�أرواح طيبها ،ثم �إذا �شاء ذهب بذلك ِل َي ْعلَ َم ُ ُ
مبا ترون من الآيات ،كذلك �إذا �شاء �سبحانه ذهب بالدنيا وجاء بالآخرة»( .)72وقال
خليفة العبدي« :لو �أن اهلل تبارك وتعالى مل ُيعبد �إال عن ر�ؤي ٍة ما عبدَه �أحد( ،)73ولكن
امل�ؤمنني تفكروا يف جميء هذا الليل �إذا جاء فملأ كل �شيء ،وغطى كل �شيء ،ويف
ال�س َح ِاب المْ ُ َ�س َّخ ِر َبينْ َ َّ
ال�س َما ِء جميء �سلطان النهار �إذا جاء فمحا �سلطان الليل ،ويف َّ
هلل ما زال امل�ؤمنون يتف َّكرون فيما خل َق الَ ْر ِ�ض ،ويف النجوم ،ويف ال�شتاء وال�صيف ،فوا ِ َو ْ أ
ر ُّبهم تبارك وتعالى حتى �أيقنت قلو ُبهم بربهم ،وحتى ك�أمنا عبدوا اهلل تبارك
وتعالى عن ر�ؤية»(.)74
ريف ال�شيء :تغيريه من جهة �إلى جهة. ( )67ال َيت ََ�ص َّرف� :أي ال َي َت َق َّل ُب وال َت َتغيرَّ ُ �أحواله ،وت َْ�ص ُ
وغي �أحواله. خل ْل ِق َر ٌّب لحَ ا َد َثهُ� :أي جدد وجوده رّ ( )68لو كان لهذا ا َ
قان امل�شرق واملغرب ،وذلك �أن املغرب يقال له اخلا ِفقُ َ
وع َّم ما بينهما ،قال �أبو الهيثم :ا َ
خلا ِف ِ َ
(َ )69ط َّبقَ ما بني اخلا ِف ِقنيَ :ملأ َ
َ
قان ،كما قالوا :الأبوان( .ل�سان العرب) وهو الغائب ،ف َغ َّل ُبوا املغرب على امل�شرق فقالوا :اخلا ِف ِ
َ
أمثال اجلبال فيخرج منه املطر والربق والرعد. ال�سحاب ب�أن ي�سوقه ف َيج َع ُل ُه ُر َكام ًا � َ
ُ ( )70يق�صد بـ(بنى بنا ًء)� :أي �أ َّل َف بني
ُ َ ُ
(ُ )71ي َق ْر ِق ُف� :أي يق َْ�ش َع ُّر ويرتع ُد من الربد ،من ال َق ْر َق َفة� :أي ال ِّر ْعدة ،يقال� :إين لأ َق ْر ِقف من الربد �أي �أ ْر َعدُ.
(( )72تف�سري �آيات �أ�شكلت) ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية (�ص )488 – 486 :والأثر رواه ابن �أبي الدنيا يف كتاب (املطر) ،و�أبو
ال�شيخ الأ�صبهاين يف كتاب (العظمة) ،وذكره ابن اجلوزي يف تف�سريه (زاد امل�سري).
(( )73مل ُيعبد �إال عن ر�ؤي ٍة ما عبدَه �أحد) :لأنه �سبحانه ال يراه �أحد يف الدنيا و�إمنا يراه امل�ؤمنون يف الآخرة ،ومن رحمته بعباده �أن
�أر�سل ر�سله و�أنزل كتبه ونرث �آياته يف خملوقاته ،ودعا عباده للت�أمل والتفكر حتى قامت احلجة ،وتبني �أن اهلل هو احلق املبني
رب �سواه م�صداق ًا لقوله تعالى} :ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ {[ف�صلت.]53: الذي ال �إله غريه وال َّ
(( )74كتاب العظمة) لأبي ال�شيخ الأ�صبهاين (جـ� - 1:ص )326 – 325 :والأثر رواه �أبو نعيم يف (حلية الأولياء) (جـ� - 6:ص.)303 :
ه ْيمِ ُ
ن ُ
فيظ ُ -
الم َ الح الح ُ
افظ َ - ح ُ
يط َ - المجموعة الثامنة عشرة :ا ْل ُم ِ 333
الــمــجــمــوعـــــــ18ـــــــــة
مو�ضوع الأ�سماء :ا ْل َه ْي َم َن ُة
()61 - 60 - 59 - 58
فيظ -املُ َه ْي ِم ُن حل ُ افظ -ا َ
حل ُيط -ا َ
المْ ُ ِح ُ
334 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الـمجـمـوعـ18ـة
مو�ضوع الأ�سماء :ا ْل َه ْي َم َن ُة
()61 - 60 - 59 - 58
حل ُ
فيظ -املُ َه ْيم ُِن افظ -ا َ
حل ُيط -ا َالمْ ُ ِح ُ
�أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود:
يط :ورد يف القر�آن الكرمي ( 8مرات) منها قوله تعالى} :ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ
æالمْ ُ ِح ُ
ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ{[ف�صلت ،]54:ومل يرد اال�سم يف ال�سنة ب�سند
�صحيح .وممن عده من العلماء ،و�أدرجه �ضمن �أ�سماء اهلل احل�سنى :احلافظ ابن حجر(،)1
والإمام القرطبي( ،)2والإمامني البيهقي واحلليمي( ،)3واخلطابي( ،)4وال�شيخ عبدالرحمن
ال�سعدي( ،)5وال�شيخ عبدالعزيز بن باز( ،)6وال�شيخ حممد العثيمني(- )7رحمهم اهلل �أجمعني.
افظ :ورد يف القر�آن الكرمي (مرتني) ب�صيغة املفرد ،يف قول اهلل تعالى: حل ُ æا َ
} ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ{[يو�سف ،]64:وقوله تعالى }:ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ
ﭡ{[الطارق ،]4:ومرتني ب�صيغة اجلمع يف قوله تعالى}:ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ
ﮝ{[احلجر ،]9:وقوله تعالى } :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ
ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ{[الأنبياء ،]82:ومل يرد اال�سم يف ال�سنة ب�سند
�صحيح .وممن عده من العلماء ،و�أدرجه �ضمن �أ�سماء اهلل احل�سنى :احلافظ ابن حجر(،)8
(( )1فتح الباري �شرح �صحيح البخاري) البن حجر الع�سقالين (جـ� - 3 :ص.)2806:
(( )2الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي (�ص .)76 :
(( )3الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ� - ١ :ص )113:ونقل فيه قول احلليمي.
(�( )4ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص.)102 :
( )5تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص.)18 :
(�( )6شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى يف �ضوء الكتاب وال�سنة) مل�ؤلفه �سعيد القحطاين (�ص.)2:
(( )7القواعد املثلي يف �صفات اهلل و�أ�سمائه احل�سنى) البن عثيمني (�ص.)19 :
(( )8فتح الباري �شرح �صحيح البخاري) البن حجر الع�سقالين (جـ� - 3 :ص.)2806:
ه ْيمِ ُ
ن ُ
فيظ ُ -
الم َ الح الح ُ
افظ َ - ح ُ
يط َ - المجموعة الثامنة عشرة :ا ْل ُم ِ 335
ُ
وحفظ ال�شيء� :صيانته من التلف وال�ضياع ،وي�ستعمل احلفظ يف العلم على معنى
«وحف َ
ِظ ال�شيء: ال�ضبط وعدم الن�سيان� ،أو تعاهد ال�شيء وقلة الغفلة عنه»(َ ،)16
�صانه من التلف ،وحر�سه ،ورعاه� ،أو ا�ستظهره عن ظهر قلبه ،و�ضبطه»( .)17فنقي�ض
احلفظ باملعنى الأول :الإهمال والت�ضييع ،وباملعنى الثاين :ال�سهو والن�سيان.
هيمن َه ْي َمن ًة،
هيمن ُي ُ
َ æاملُ َه ْيمِنُ « :ا�سم فاعل للمو�صوف بالهيمنة ،فعله
والهيمنة على ال�شيء :ال�سيطرة عليه ،وحفظه ،والتمكن منه»(« ،)18وهيمن على
ال�شيء :راقبه ،و�سيطر عليه ،وحفظه»(.)19
حل ُ
فيظ« :العامل بكل �شيء ،والقادر على كل �شيء ،والبالغ احلفظ له»(،)26 æا َ
فيظ) هو احلافظ ..يحفظ ال�سماوات والأر�ض وما فيهما، احل ُقال اخلطابيَ (« :
لتبقى مدة بقائها فال تزول وال تندثر ..وهو الذي يحفظ عبده من املهالك
واملعاطب ،ويقيه م�صارع ال�سوء ..ويحفظ على اخللق �أعمالهم ،ويح�صي عليهم
�أقوالهم ،ويعلم نياتهم ،وما ُتكِنُّ �صدورهم ،وال تغيب عنه غائبة وال تخفى عليه
احل ُ
فيظ) :املوثوق منه برتك الت�ضييع»( ،)28وقال خافية»( ،)27وقال احلليميَ (« :
احل ُ
فيظ) يت�ضمن معنيني � ..أنه ال�شيخ عبدالرحمن ال�سعدي -رحمه اهلل تعالىَ (« :
قد حفظ على عباده ما عملوه من خري و�شر ،وطاعة ومع�صية ..و�أنه -تعالى-
احلافظ لعباده من جميع ما يكرهون»(.)29
æاملُ َه ْيمِنُ « :امل�سيطر ،القائم على خلقه ب�أعمالهم و�أرزاقهم و�آجالهم ،احلافظ
لهم»( ،)30قال الغزايل(« :املُ َه ْي ِمنُ ) القائم على خلقه ب�أعمالهم و�أرزاقهم و�آجالهم،
و�إمنا قيامه عليهم باطالعه وا�ستيالئه وحفظه»( ،)31وقال البيهقي(« :املُ َه ْي ِمنُ )
ال�شهيد على خلقه مبا يكون منهم من قول �أو عمل .. ،وقيل هو :الأمني ،وقيل هو:
الرقيب على ال�شيء واحلافظ له»( ،)32وقال ال�شيخ ال�سعدي(« :املُ َه ْي ِمنُ ) املطلع على
خفايا الأمور وخبايا ال�صدور الذي �أحاط بكل �شيء عل ًما»(.)33
بالتدبري»( ،)34والقيام على ال�شيء بالتدبري يت�ضمن �أربعة �أمور :الأول :مراقبة ال�شيء،
والإحاطة به ،واالطالع على خفاياه ،وهذا يرجع �إلى العلم ،والثاين :ال�سيطرة
واال�ستيالء على ال�شيء ،ب�أن يكون مقدور ًا عليه من كل وجه ،ويرجع ذلك �إلى كمال
القدرة ،والثالث :القيام باحلفظ و�صون ال�شيء من املهالك وال�شرور ،والرابع :املداومة
بالقيام على ال�شيء ،ورعايته ،بكل ما له من رزق وعمل و�أجل .فباعتبار املعنى الأول
يط) ،الذي �أحاط بكل �شيء علماً وقدرة ،قال الع�سكري: والثاين فهو �-سبحانه (المْ ُ ِح ُ
«�أ�صل املحيط املطيف بال�شيء من حوله ،مبا هو كال�سور الدائر عليه؛ مينع �أن
يخرج عنه ما هو منه ،ويدخل فيه ما ليـ ـ ــ�س فيه ،ويكون من قبيل العلم ،وقبيل
القدرة .قال تعالى} :ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ{ [الن�ساء ،]126:ي�صلح
�أن يكون معناه �أن كل �شيء يف مقدوره ،فهو مبنزلة ما قب�ض القاب�ض عليه يف
�إمكان ت�صريفه ،وي�صلح �أن يكون معناه �أنه يعلم بالأ�شياء من جميع وجوهها،
قال تعالى } :ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ{[الطالق� ،]12:أي َع ِل َمه من جميع
وجوهه»( .)35وباعتبار املعاين الثالثة (الأول والثاين والثالث) ،فاهلل �-سبحانه-
(احل ُ
فيظ) ،ف�إذا �أ�ضيف �إليها املعنى الرابع ،فاهلل �-سبحانه -هو (املُ َه ْيمِ نُ ) ،قال هو َ
الغزايل(« :املُ َه ْيمِ نُ ) القائم على خلقه ب�أعمالهم و�أرزاقهم و�آجالهم ،و�إمنا قيامه
عليهم باطالعه وا�ستيالئه وحفظه ،وكل م�شرف على كنه الأمر م�س�ؤول عليه،
حافظ له ،فهو مهيمن عليه ،والإ�شراف يرجع �إلى العلم ،واال�ستيالء �إلى كمال
القدرة ،واحلفظ �إلى الفعل ،فاجلامع بني هذه املعاين ا�سمه املهيمن ،ولن يجتمع
ذلك على الإطالق والكمال �إ ّال هلل -تعالى»( ،)36وقد ع ّرف ابن عبا�س (املُ َه ْيمِ نُ )
بالأمني ،كما رواه ابن جرير الطربي( ،)37والأمني على ال�شيء :القائم عليه مبا ي�صلحه،
(( )34الفروق اللغوية) لأبي هالل الع�سكري (�ص .)218
(( )35الفروق اللغوية) لأبي هالل الع�سكري (�ص .)96
(( )36املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص.)69 :
(( )37تف�سري الطربي) عند تف�سري الآية ( )23من �سورة احل�شر.
ه ْيمِ ُ
ن ُ
فيظ ُ -
الم َ الح الح ُ
افظ َ - ح ُ
يط َ - المجموعة الثامنة عشرة :ا ْل ُم ِ 339
وال يت�أتى له ذلك �إال ب�أن يكون عامل ًا به ،قادر ًا عليه ،حفيظ ًا له؛ ولذا و�صف اهلل خوا�ص
عباده بذلك ،فقال تعالى } :ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ{[الق�ص�ص،]26:
وقوله تعالى } :ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ{[يو�سف.]55:
افظ) ا�سم فاعل للمو�صوف باحلفظ ،وهو يدل على �أ�صل حل ُ حل ُ
فيظ( :ا َ افظ -ا َ
حل ُ æا َ
احلفظ ،يف �أن اهلل -تعالى -هو احلافظ للموجودات الظاهرة التي يطول �أمد بقائها ،كالأر�ض
وال�سماوات واملالئكة ،والتي ال يطول �أمد بقائها مثل احليوانات والنبات وغريها؛ ولذا فجميع
فيظ) فهو من حل ُ حل ُ
افظ) كانت من هذا الباب� .أما (ا َ الآيات الأربع التي ورد فيها ا�سم اهلل (ا َ
�أبنية املبالغة على وزن (فعيل) ،وهو م�صو ٌغ للداللة على �شمول احلفظ ،و�أنه لي�س مقت�صر ًا على
املوجودات الظاهرة؛ بل يتجاوزه �إلى املوجودات الباطنة مما نراه ومما ال نراه ،وقد ورد مرتني
يف القر�آن الكرمي مقرتن ًا بالعلو املطلق ،مما يزيد معنى احلفظ كما ًال على كمال ،وجما ًال فوق
اجلمال ،قال تعالى } :ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ{[هود ،]57:وقوله تعالى } :ﯩ ﯪ ﯫ
فيظ) ب�أنه« :احلافظ جداً»( ،)38مما يدل ﯬ ﯭ{[�سب�أ]21:؛ ولذا ع ّرف الغزايل (ا َ
حل ُ
حلفيظ) ي�شري �إلى عموم حفظه �-سبحانه -لكل �شيء :الظاهر الذي نراه ،والباطن على �أن (ا َ
الذي ال نراه ،بدء ًا من �أكرب �شيء يف ملكوت ال�سماوات والأر�ض ،وحتى �أ�صغر جزء تتخيله عقول
فيظ) �سبحانه ،يحفظ ال�شيء ،ويحفظ ما فيه ،مما نعلمه ،ومما ال نعلمه! حل ُ
الب�شر! فاهلل (ا َ
حتى اجل�سيمات ال�صغرية يف الذرة ،يحفظها ب�شحناتها ،و�سرعاتها ،ومداراتها ،وهي تطوف
حول النواة؛ لئال يختل تركيبها ،وت�ضطرب مكوناتها ،وتبقى الذرة على ا�ستقرارها و�سكونها،
فيظ)« :وكذا �شمل حفظه -جلت قدرته ،كل حل ُيقول الغزايل عند حديثه عن ا�سم اهلل (ا َ
ذرة يف ملكوت ال�سماوات والأر�ض ،حتى احل�شي�ش الذي ينبت من الأر�ض ،يحفظ لبابه
بالق�شر ال�صلب ،وطراوته بالرطوبة ،وما ال ينحفظ مبجرد الق�شر يحفظه بال�شوك
النابت منه ليندفع به بع�ض احليوانات املتلفة له»(.)39
(( )38املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص.)100 :
(( )39املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص.)101 :
340 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
ت�ؤذن ب�أمر م�شرتك ،ف ُع ِّقبت ب�صفة } ﯚ{ ليعلم الن ـ ــا�س �أن اهلل غالب
ال يعجزه �شيء ،و�أُتبعت ب�صفة } ﯛ{ الدالة على �أ ّنه م�سخر املخلوقات
لإِرادته ،ثم �صفة } ﯜﯝ{ الدالة على �أنه ذو الكربياء؛ ي�صغر كل �شيء
دون كربيائه ،فكانت هذه ال�صفات يف جانب التخويف ،كما كانت ال�صفات قبلها
يف جانب الإِطماع»(.)48
يخفى عليه �شيء يف الأر�ض وال يف ال�سماء ،فهو احلافظ املح�صي لأعمال عباده،
كما ق��ال �سبحانه } :ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ
ﮈ{[االنفطار.]12-10:
3.3تعظيم اهلل و�إجالله وعبادته وحده؛ لأنه هو اخلالق لهذا الكون العظيم ،وهو
احلافظ له ولل�سماوات والأر�ض �أن تزوال ،وهو القائم املهيمن املدبر لكل نف�س
مبا حتتاجه.
4.4البعد عن ظلم العباد و�أكل حقوقهم ،واالعتداء عليهم ،وتذكر �أن اهلل هو
املحيط احلفيظ املهيمن ،الذي �أحاطت قدرته بكل �شيء ،فال يفوته �شيء ،وال
يعجزه �شيء ،فال يغرت العبد بقدرته على النا�س وظلمهم .
5.5اال�ستهانة بقوة املخلوق من الأعداء الكفرة واملنافقني بعد الأخذ ب�أ�سباب املدافعة
ل�شرهم؛ لأن اهلل حميط بهم ،وقاهر لهم ،ومهيمن عليهم ،و�إذا ح�صل
التقوى وال�صبـ ــر من امل�ؤمنني فلن ي�ضرهـ ــم كيـ ــد الكائدين ،كما قال �سبحانه:
} ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ
ﯵ{[�آل عمران .]120 :
6.6الأخذ ب�أ�سباب حفظ اهلل للعبد ،و�أعظمها :توحيده �-سبحانه ،وفعل ما يحبه اهلل
-تعالى ،واجتناب ما ي�سخطه ،و�أن يكون العبد مطيع ًا لربه يف جميع �ش�ؤونه ،م�ؤمتر ًا
ب�أوامره ،منتهي ًا عن نواهيه؛ قال الر�سول ¤البن عبا�س ( :يا غالم ،احفظ
اهلل يحفظك ،احفظ اهلل جتده جتاهك .)49()..
ثامن ًا :مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء:
حل ُ
فيظ -املُ َه ْيمِنُ ) من �أ�سماء الذات الدالة على �صفات افظ -ا َ
حل ُيط -ا َ
(المْ ُ ِح ُ
( )49رواه الرتمذي و و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)7957
344 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
(الإحاطة والحْ ِ ْفظ وا ْل َه ْي َم َنة) ،وهي من �صفات اهلل الذاتية ،التي مل يزل -وال يزال -اهلل
مت�صف ًا بها ،وال تعلق لها بامل�شيئة؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل ،والتو�سل �إليه ،والثناء
عليه ،وتعظيمه ومتجيده بها يف جميع �أغرا�ض الدعاء وحاجات العبد ،ويت�أكد ذلك عند
اخلوف والهم ،واحلاجة للأمن واحلفظ ،فاهلل �-سبحانه وتعالى -قد �أحاط بكل �شيء من كل
وجه ،حفيظ ًا له ،مهيمنا عليه ،قال -تعالى -عن يعقوب } :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ
ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ{[يو�سف،]64:
وقوله �( :¤إذا �أوى �أحدكم �إلى فرا�شه فلينف�ض فرا�شه بداخلة �إزاره ،ف�إنه ال يدري
ما خلفه عليه ،ثم يقول :با�سمك ربي و�ضعت جنبي وبك �أرفعه� ،إن �أم�سكت نف�سي
فارحمها ،و�إن �أر�سلتها فاحفظها مبا حتفظ به عبادك ال�صاحلني)( ،)50ومن حديث
�أبي قتادة الأن�صاري احلارث بن ربعي ‹� ،أنه كان يف �سفر مع النبي ¤وفيه ..« :فبينما
ر�سول اهلل ¤ي�سري حتى �إبهار الليل و�أنا �إلى جنبه ،فنع�س ر�سول اهلل ،¤فمال عن
راحلته ،ف�أتيته فدعمته ،من غري �أن �أوقظه ،حتى اعتدل على راحلته ،قال :ثم �سار
حتى تهور الليل ،مال عن راحلته ،قال فدعمته من غري �أن �أوقظه ،حتى اعتدل على
راحلته ،قال :ثم �سار حتى �إذا كان من �آخر ال�سحر مال ميلة ،هي �أ�شد من امليلتني
الأوليني ،حتى كاد ينجفل! ،ف�أتيته فدعمته ،فرفع ر�أ�سه فقال( :من هذا؟) قلت:
�أبو قتادة ،قال( :متى كان هذا م�سريك مني؟) قلت :ما زال هذا م�سريي منذ الليلة،
قال( :حفظك اهلل مبا حفظت به نبيه)»( ،)51وقوله ( : ¤اللهم احفظني بالإ�سالم
قائما ،واحفظني بالإ�سالم قاعدا ،واحفظني بالإ�سالم راقدا ،ال ت�شمت بي عدوا
و ال حا�سدا ،اللهم �إين �أ�س�ألك من كل خري خزائنه بيدك ،و�أعوذ بك من كل �شر
خزائنه بيدك)( ،)52ومن حديث ابن عمر :مل يكن ر�سول اهلل ¤يدع ه�ؤالء
الدعوات حني مي�سي وحني ي�صبح( :اللهم �إين �أ�س�ألك العفو والعافية يف الدنيا
( )50رواه البخاري برقم (.)6320
( )51رواه م�سلم برقم (.)681
( )52رواه احلاكم وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)1260
ه ْيمِ ُ
ن ُ
فيظ ُ -
الم َ الح الح ُ
افظ َ - ح ُ
يط َ - المجموعة الثامنة عشرة :ا ْل ُم ِ 345
والآخرة ،اللهم �إين �أ�س�ألك العفو والعافية يف ديني ودنياي و�أهلي ومايل ،اللهم ا�سرت
عوراتي ،و�آمن روعاتي ،واحفظني من بني يدي ومن خلفي ،وعن مييني وعن �شمايل،
ومن فوقي ،و�أعوذ بك �أن �أغتال من حتتي)(.)53
: وزوجه هاجر وابنها �إ�سماعيل وهو يحكي ق�صة �إبراهيم æقال ابن عبا�س
(ثم جاء بها �إبراهي ُم وبابنها �إ�سماعي َل وهي تر�ض ُع ُه ،حتى و�ضعها عند البيتِ ،عند
َد ْو َح ٍة فوق زمز َم يف �أعلى امل�سجدِ ،ولي�س مبك َة يومئذٍ �أحدٌ ،ولي�س بها ماءٌ ،فو�ضعهما
( )53رواه ابن ماجه و�صححه الألباين يف �صحيح ابن ماجة برقم (.)3121
( )54رواه البخاري برقم ( )3653وم�سلم برقم.)2381( :
( )55رواه ابن حبان والطرباين و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة (جـ� – 1:ص )50 - 49 :برقم احلديث.)14( :
346 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
هنالك ،وو�ضع عندهما جِ َرا ًبا في ِه مت ٌر ،و�سقا ًء في ِه ماءٌ ،ثم َق َّفى �إبراهي ُم منطل ًقا،
تذهب وترتكنا بهذا الوادي ،الذي لي�س ُ فتبع ْت ُه �أ ُّم �إ�سماعي َل ،فقالت :يا �إبراهي ُم� ،أين
�شيء؟ ،فقالت ل ُه ذلك مرا ًرا ،وجعل ال يتلفتُ �إليها ،فقالت لهُُ � :
آهلل الذي إن�س وال ٌ في ِه � ٌ
�أمرك بهذا؟ ،قال :نعم! ،قالت� :إذن ال ُي َ�ض ِّي ُع َنا ،ثم رجعتُ � )..إلى قوله ..( :ف�إذا هي
باملَلَ ِك عند مو�ض ِع زمز َم ،فبحث بعق ِبهِ� ،أو قال :بجناحِ هِ ،حتى ظه ِر املاءِ ،فجعلت
وتقول بيدها هكذا ،وجعلت تغ ُر ُف من املا ِء يف �سقائها وهو يفو ُر بعد ما ُ تحَ ُ ُ
و�ض ُه
تغرف ..ف�شربت و�أر�ضعتْ ولدها ،قال لها امللَ ُك :ال تخافوا َّ
ال�ض ْي َع َة ،ف�إ َّن ها هنا بيتُ ُ
اهللِ ،يبنيه هذا الغال ُم و�أبوهُ ،و�إ َّن َ
اهلل ال ُي َ�ض ِّي ُع �أهلَ ُه)(.)56
و�أ�صحابه حتى ا�ست�شهد منهم �سبعة بال َّن ْبل ،وبقي ثالثة وقعوا يف الأ�سر! .ف�أرادت هذيل
ح َّز ر�أ�س «عا�صم بن ثابت» ‹ ليبيعوه من «�سالفة بنت �سعد» ،فبعث اهلل عليه مثل ُّ
الظ َّلة
من ال َّد ْبر( ،)58فمنعتهم من االقرتاب منه ،وحالت بينهم وبينه! ،فقالوا :دعوه حتى مي�سي،
فيذهب عنه ،ثم ن�أخذه ،فبعث اهلل تبارك وتعالى يف الليل �سيال ،وجرى الوادي ،واحتمله
وذهب به فلم ي�صلوا �إليه ومل يجدوه! ،فكان عمر بن اخلطاب (وهو زوج بنت عا�صم بن
ثابت) يقول حني بلغه �أن ال َّد ْبر منعه :حفظ اهلل العبد امل�ؤمن ،كان عا�صم قد و َيف هلل
يف حياته ،فمنعه اهلل منهم بعد وفاته ،كما امتنع منهم يف حياته(.)59
بني لأزيدن يف �صالتي من �أجلك رجاء �أن �أُحفظ
قال ابن امل�سيب البنه« :يا ّ æ
علي
æقال �أبو احل�سن املدائني« :ملا حج املن�صور َم ّر باملدينة ،فقال حلاجبه الربيعَّ :
بجعفر بن حممد ،قتلني اهلل �إن مل �أقتله ،ثم �ألح عليه فح�ضر ،فلما ك�شف ال�سرت بينه وبينه
ومثل بني يديه ،هم�س جعفر ب�شفتيه وقال« :اللهم احر�سني بعينك التي ال تنام ،واكنفني
علي َق ّل لك بحفظك الذي ال يرام ،وال �أهلك و�أنت رجائي ،فكم من نعمة �أنعمتها ّ
عنها �شكري فلم حترمني ،وكم من بلية ابتليت بها َق ّل عندها �صربي فلم تخذلني،
بك �أدر�أ يف نحره ،و�أ�ستعيذ بخريك من �شره ،ف�إنك على كل �شيء قدير ،و�صلى اهلل
على �سيدنا حممد و�آله و�سلم» ،ثم تقرب و�سلم ،فقال �أبو جعفر املن�صور :ال َ�س ّلم اهلل
عليك يا عدو اهلل ،تعمل علي الغوائل( )65يف ملكي ،قتلني اهلل �إن مل �أقتلك ،قال جعفر:
«يا �أمري امل�ؤمنني� ،إن �سليمان � ،أُعطي ف�شكر ،و�إن �أيوب اُبتلي ف�صرب ،و�إن
ُظلم فغفر ،و�أنت على �إرث منهم ،و�أحق َمنْ ت� َّأ�سى بهم» ،فنك�س املن�صور يو�سف
يل �أبا عبد اهلل ،ف�أنت القريب القرابة، ر�أ�سه مل ًيا ،وجعفر واقف ،ثم رفع ر�أ�سه فقال� :إ َّ
وذو الرحم الوا�شجة ،ال�سليم الناحية ،القليل الغائلة ،ثم �صافحه بيمينه ،وعانقه
ب�شماله ،و�أجل�سه معه على فرا�شه وانحرف له عن بع�ضه ،و�أقبل عليه بوجهه يحادثه
وي�س�أله ،ثم قال :يا ربيع ،عجل لأبي عبد اهلل ك�سوته وجائزته و�إذنه»(.)66
æقال الأ�صمعي� :سمعت �أعرابيا يقول وهو متعلق ب�أ�ستار الكعبة�« :إلهي! ،من �أولى
بالزلل َوال َّت ْق ِ�صري مني؟َ ،وقد خلقتني َ�ضعِيفا� .إلهي! من �أولى ِبا ْل َعفو عني مِ ْنك؟،
لي ،وع�صيتك بعلمك، ميط� ،أطعتك ب�إذنك ،والمْ َّنة َلك َع ّ
وق�ضا�ؤك َنافِذ ،وعلمك ِبي حُ ِ
لي ،فبثبات حجتك َوا ْنق َِطاع حجتي ،وبفقري �إِ َل ْيك وغناك عني� ،أَال َوالحْ ّجة َلك َع ّ
غفرت يل ُذ ُنو ِبي»(.)67
æقال الأ�سنوي « :ر�أى امللك العادل نور الدين حممود زنكي يف (عام 557هـ)
النبي ّ ¤يف نومه يف ليلة ثالث مرات ،وهو ي�شري �إلى رجلني �أ�شقرين ،ويقول:
( )65الغوائل :ال�ش ُّر والدواهي واملهالك.
(( )66العقد الفريد) البن عبد ربه الأندل�سي (جـ� - 2 :ص.)35 - 34 :
(( )67نرث الدر) للآبي (جـ� – 6 :ص ،)51 - 50 :و(الب�صائر والذخائر) لأبي حيان التوحيدي (جـ� – 4 :ص.)242 :
ه ْيمِ ُ
ن ُ
فيظ ُ -
الم َ الح الح ُ
افظ َ - ح ُ
يط َ - المجموعة الثامنة عشرة :ا ْل ُم ِ 349
�أجندين �أنقذين من هذين! ،ف�أر�سل �إلى وزيره ،وجتهزا يف بقية ليلتهما على رواحل
خفيفة يف ع�شرين نفرا ،و�صحب ماال كثريا ،وقدم املدينة يف �ستة ع�شر يوما ،فزارا،
ثم �أمر ب�إح�ضار �أهل املدينة بعد كتابتهم ،و�صار يت�صدّق عليهم ،ويت�أمل تلك ال�صفة
�إلى �أن انف�ضت النا�س! ،فقال :هل بقى �أحد؟ ،قالوا :مل يبق �سوى رجلني �صاحلني
عفيفني مغربيني يكرثان ال�صدقة! ،فطلبهما فر�آهما ف�إذا هما الرجالن اللذان
النبي ،!¤ف�س�أل عن منزلهما؟ ف�أُخرب �أنهما قرب احلجرة النبوية!،
�أ�شار �إليهما ّ
ف�أم�سكهما ،وم�ضى �إلى منزلهما ،فلم ير �إال خيمتني ,وكتبا يف الرقائق ,وماال
كثريا ،ف�أثنى عليهما �أهل املدينة بخري كثري! ،فرفع ال�سلطان ح�صريا يف البيت
فر�أى �سردابا حمفورا ينتهي �إلى �صوب احلجرة! ،فارتاعت النا�س لذلك! ،وقال
لهما ال�سلطان� :أ�صدقاين! ،و�ضربهما �ضربا �شديدا فاعرتفا �أنهما ن�صرانيان،
بعثهما �سلطان الن�صارى يف زي حجاج املغاربة ،و� ّأملهما ب�أموال عظيمة ليتحايال
يف الو�صول �إلى اجلناب ال�شريف ،¤ونقله وما يرتتب عليه ،فنزال ب�أقرب رباط،
و�صارا يحفران ليال ،ولكل منهما حمفظة جلد ،والذي يجتمع من الرتاب يخرجانه
يف حمفظتيهما �إلى البقيع بعلة الزيارة .. ،فلما ظهر حالهما بكى ال�سلطان بكاء
�شديدا ،و�أمر ب�ضرب رقابهما ،فقتال حتت ال�شباك الذي يلي احلجرة ال�شريفة »(.)68
و�إمنا يتعا َقبون مع غريِهِ م مِ ن املالئكة؛ كمالئكة الليل والنهار ،وهم َيح ُمو َن العب َد
ني ُ
اهلل �أوليا َء ُه بهم بالت�سديدِ و َيح َف ُظو َن ُه بني وقت و�آخر ،ويف مكانٍ دُو َن � َآخ َر ،و ُي ِع ُ
والهداية ،والكفاية والوقاية .وهذا النوع من املالئكة يقومون بحفظ العبد عن َد �أم ِر
اهلل لهم ،فمنهم مَن َيح َف ُظ �ساعة ،ومنهم مَن َيح َف ُظ يو ًما ،ومنهم من َيح َف ُظ ليلة،
ن�ش�أ عن �صالح العبدِ ؛ كمن هلل الذي ّ وذلك بح�سب مُوجِ ِب احلفظ الذي قام ب�أمر ا ِ
اهلل وا�ستعاذ به عند نزو ِل ِه منز ًال؛ ف ُيح َف ُظ حتى يخر َج منه ،ومَن ُيح َف ُظ عند ذ َك َر َ
ي�ستيقظ �أو ُي�صبح .ومنهم مَن َيح َف ُظ العب َد مِ ن َ قراء ِة ِور ِد ِه عند نومِ هِ ،ف ُيح َف ُظ ح َّتى
ال�صباح ح َّتى امل�ساءِ؛ ب�سبب ِو ْر ِد �صباحهِ ،ومنهم من َيح َف ُظ ُه مِ ن امل�سا ِء ح َّتى ال�صباح؛
والبيت واملا َل»(.)70 َ ب�سبب ِو ْر ِد لي ِلهِ ،ومنهم مَن َيح َف ُظ الول َد
æقال ال�شيخ علي الطنطاوي« :ملا كنت يف رحلة امل�شرق ،وامتدت بي ت�سعة �أ�شهر
تباعاً ،كنت �أفكر يف بناتي هل ع ّراهن �شيء؟ ،هل �أ�صابتهن م�صيبة؟ ،ثم �أقول لنف�سي:
يا نف�س ويحك ،هل كنت تخافني لو كان معهنّ �أخ يحنو عليهنّ � ،أو جد يحفظهنّ ،
فكيف تخافني واحلافظ هو اهلل؟! ،ولو كنت �أنا معهن هل �أملك لهنّ �شيئاً �إن قدر
اهلل ال�ضر عليهنّ ؟ ،فال �ألبث �أن �أ�شعر باالطمئنان .ودهمني مرة ه ٌم مقيم مقعد،
وجعلت �أفكر يف طريق اخلال�ص ،و�أ�ضرب الأخما�س بالأ�سدا�س ،وال �أزال مع ذلك
م�شفقاً مما ي�أتي به الغد ،ثم قلت :ما �أجهلني �إذ �أح�سب �أين �أنا املدبر لأمري و�أحمل
ال ر�ضيعاً ملقى على الأر�ض هم غدي على ظهري ،ومن كان يدبر �أمري ملا كنت طف ً
يل،كالو�سادة ال �أعي وال �أنطق وال �أ�ستطيع �أن �أحمي نف�سي من العقرب �إن د ّبت �إ ّ
والنار �إن �شبت �إلى جنبي� ،أو البعو�ضة �إن ط ّنت حويل؟ ومن رعاين قبل ذلك جنيناً،
وبعد ذلك �صبياً؟ �أفيتخلى اهلل الآن عني؟! ،ور�أيت ك�أن الهم ث ْق ٌل كان على كتفي
و�ألقي عني ،ومنت مطمئناً»(.)71
(( )70ا ُ
خل َرا�سانية يف �شرح عقيدة ال َّراز َّيني) لل�شيخ عبدالعزيز الطريفي (�ص )436 :بت�صرف ي�سري.
( )71كتاب (ف�صول �إ�سالمية) (�ص� )119 – 118 :ضمن مقالة (مبنا�سبة ليلة القدر).
ُ
قيت ِق -ال َّر َّز ُ
اق ُ -
الم المجموعة التاسعة عشرة :ال َّراز ُ 351
الــمــجــمــوعـــــــ 19ـــــــــة
الرز ُْق
مو�ضوع الأ�سماءِّ :
()64 - 63 - 62
اق -املُقيتُال َّرا ِز ُق -ال َّر َّز ُ
352 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الـمجـمـوعـ 19ـة
الرز ُْق
مو�ضوع الأ�سماءِّ :
( )64 - 63 - 62
َّاق -املُقيتُ
ال َّرا ِز ُق -ال َّرز ُ
�أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود:
æال َّرا ِز ُق :ورد يف القر�آن الكرمي ( 5مرات) مقيد ًا ب�صيغة التف�ضيل ،منها قوله
تعالى }:ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ{[�سب�أ ،]39:ومن
ال�سنة حديث �أن�س بن مالك ‹ ،قال« :غال ال�سعر على عهد ر�سول اهلل ،¤فقالوا:
يا ر�سول اهلل َ�س ِّعر لنا؟ ،فقال�( :إن اهلل هو املُ َ�س ِّعر القاب�ض البا�سط ال َّرا ِزقُ ،و�إين
مال)(.)1دم وال ٍ
مبظلمة يف ٍ
ٍ لأرجو �أن �ألقى ربي ولي�س �أحد منكم يطلبني
َّاق :ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة ،يف قوله تعالى}:ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ æال َّرز ُ
ﮉ ﮊ{[الذاريات ،]58:ومن ال�سنة رواية �أخرى من حديث �أن�س ال�سابق بلفظ �(:إن
اهلل هو املُ َ�س ِّعر القاب�ض البا�سط ال َّرزَّاقُ .)2()..
æاملُقيتُ :ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة ،يف قوله تعالى }:ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ
ﯽ{[الن�ساء.]85:
ثاني ًا :املعنى اللغوي:
æال َّرا ِز ُق« :ا�سم فاعل ،فعله َر َز َق ير ُزق َر ْزقاً و ِر ْزقاً ،وال ِّر ْز ُق هو ما ُي ْن َتف ُع به،
وهو ال َعطاء»( ،)3قال الأ�صفهاين« :الرزق :يقال للعطاء اجلاري تارة؛ دنيويا كان �أم
�أخرويا ،وللن�صيب تارة ،وملا ي�صل �إلى اجلوف ويتغذى به تارة ..و(ال َّراز ُِق) يقال
خلالق ال ِّرزق ومعطيه وامل�س ِّبب له ،وهو اهلل -تعالى»(.)4
( )1رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف �صحيح �أبي داود برقم (.)3451
( )2رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (.)1059
(�( )3أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( .)563:الرازق)
(( )4املفردات) للراغب الأ�صفهاين (�ص ،)257مادة (ال ّرزق).
ُ
قيت ِق -ال َّر َّز ُ
اق ُ -
الم المجموعة التاسعة عشرة :ال َّراز ُ 353
َّاق« :من �صيغ املبالغة على وزن ف ّعال من ا�سم الفاعل الرازق»(،)5 æال َّرز ُ
قال اله َّرا�س« :ومن �أ�سمائه (الر َّز ُاق) ،وهو مبالغة من (رازق)؛ للداللة على الكرثة،
م�أخوذ من ال َّر ْزق -بفتح الراء -الذي هو امل�صدر ،و�أما ال ِّرزق -بك�سرها -فهو ا�سم
لنف�س ال�شيء الذي يرزق اهلل به العبد»(.)6
æاملُقيتُ « :ا�سم فاعل للمو�صوف بالإقاتة ،فعله �أقات يقِيت �إقات ًة ،فهو ُمقِيت،
والقوت :ما ي�سد به الرمق ،وي�أكله الإن�سان ويعي�ش به من الرزق ،قال تعالى }:ﯘ
ﯙ ﯚ{[ف�صلت ،)7(»]10:قال الفريوز�أبادي« :والقوت :ما يقوم به بدن الإِن�سان
اللهم اجعل رزق �آل حم ّمد قوت ًا)(� ،)8أَي مقدا ًرا
من الطعام ..وفى دعا ِء النبي َّ ( :¤
مُي َ�سك به الر َمق»(.)9
نوعان :رزق عام� ،شمل البرَ َّ والفاجر والأولني والآخرين ،وهو رزق الأبدان ،ورزق
خا�ص ،وهو رزق القلوب وتغذيتها بالعلم والإميان والرزق احلالل الذي يعني على
�صالح الدين ،وهذا خا�ص بامل�ؤمنني على مراتبهم منه بح�سب ما تقت�ضيه حكمته
ورحمته»( ،)13وقال اله َّرا�س(« :ال َّر َّز ُاق) الكثري الرزق لعباده الذي ال تنقطع عنهم
�أمداده وفوا�ضله طرفة عني»(.)14
æاملُقيتُ « :الذي خلق الأقوات ،وتكفل ب�إي�صالها �إلى اخللق»( ،)15قال القرطبي:
قيت) الذي يعطي كل �إن�سان وحيوان قوته على ممَ َ ّر الأوقات �شيئاً بعد �شيء، «(املُ ُ
فهو ميدها يف كل وقت مبا جعله قواماً لها»( ،)16وقال ال�شيخ ال�سعدي(« :املُ ُ
قيت)
الذي �أو�صل �إلى كل موجود ما به يقتات ،و�أو�صل �إليها �أرزاقها و�صرفها كيف ي�شاء
بحكمته وحمده»(.)17
رزق ،مبالغة يف الإرزاق ،وما يتعلق بق�سمة الأرزاق وترتيب �أ�سبابها يف املخلوقات،
�أال ترى �أن الذئب قد جعل اهلل رزقه يف �أن ي�صيد الثعلب في�أكله ،والثعلب رزقه �أن
ي�صيد القنفذ في�أكله ،والقنفذ رزقه �أن ي�صيد الأفعى في�أكلها ،والأفعى رزقها �أن
ت�صيد الطري فت�أكله ،والطري رزقه يف �أن ي�صيد اجلراد في�أكله .)20(»..
قيت) هو الذيقيت) �أخ�ص من (ال َّرازِ ق)؛ لأن (املُ َُقيت( :املُ ُ
الرازِقُ -امل ُ َّ æ
يعطي كل �إن�سان وحيوان قوته ،فهو خمت�ص بالقوت ،والقوت :ما يقوم به بدن الإِن�سان
واحليوان من الطعام ،و�أما (ال َّرازِ ُق) فهو الذي يرزق خملوقاته بجميع �أنواع الرزق،
الظاهرة كالأَقوات للأَبدان ،والباطنة كا َملعارف والإميان للقلوب وال ُّنفو�س .قال القرطبي:
«والفرق بني القوت والرزق� ،أن القوت ما به قوام البنية مما ي�ؤكل ويقع به
االغتذاء ،والرزق كل ما يدخل حتت ملك العبد مما ي�ؤكل ومما ال ي�ؤكل»(،)21
وقال ال�شيخ عبد العزيز اجلليل« :ويبدو �أن هناك فر ًقا بني ا�سم (املُقيت) وا�سم
أخ�ص من الرزاق؛ لأنه يخت�ص بالقوت� ،أما الرزاق فيتناول(ال َّرزَّاق) ،فاملقيت � ّ
القوت وغري القوت»(.)22
خام�س ًا :ال�صفة امل�شتقة:
æال َّرا ِز ُق -ال َّرز ُ
َّاق :ال�صفة امل�شتقة من ا�سميه �-سبحانه (ال َّرازِق) و(ال َّر َّزاق)
«�صفة (ال َّر ْزق) وهي من �صفات اهلل الفعلية الثابتة بالكتاب وال�سنة»( ،)23قال تعالى:
}ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ{[النحل ،]114 :ومن ال�سنة قوله ( :¤لو �أنَّ
�أحدكم �إذا �أتى �أهله قال :ب�سم اهلل ،اللهم جنبنا ال�شيطان ،وجنب ال�شيطان ما
َر َز ْق َت َنا.)24()..
(�( )20أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص()601 :الرزاق).
(( )21النهج الأ�سماء يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للنجدي (�ص.)139 :
(( )22وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص.)689 :
(�( )23صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص)126 :
( )24رواه البخاري برقم ( )141وم�سلم برقم (.)1434
356 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
æاملُقيتُ :ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه �-سبحانه (املُقيت) «�صفة (الإقاتة) وهي من
�صفات الأفعال»( ،)25قال تعالى } :ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ{ [الن�ساء ،]85:وكان من
م َّم ٍد ُقو ًتا)(.)26
دعائه ( :¤الل ُه َّم ا ْر ُزقْ � َآل حُ َ
æالأثر العملي:
1.1حمبة اهلل و�إف���راده �-سبحانه -بالعبادة واالن��خ�لاع من ال�شرك بجميع
�أنواعه و�أ�شكاله؛ لأن اهلل اخلالق لعباده والرازق لهم هو وحده امل�ستحق للعبادة،
وهذا ما احتج ب ــه �-سبحانه -على امل�شركني حي ـ ــث قـ ــال �سبحانه وتـ ــعالى:
}ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ
ﭞ ﭟ{[النحل .]73 :وهناك حمبة عظيمة خا�صة يف قلوب �أولياء
اهلل و�أ�صفيائه ،حيث َمنَّ عليهم ب�أعظم الرزق و�أنفعه �أال وهو رزق العلم
النافع ،والعمل ال�صالح ،و�سلوك الطريق املو�صلة ملر�ضاته وجناته ،وهذا هو
الرزق على احلقيقة ،قال �( :¤إن اهلل ق�سم بينكم �أخالقكم كما ق�سم
بينكم �أرزاق��ك��م ،و�إن اهلل يعطي الدنيا من يحب و من ال يحب ،وال
يعطي الإميان �إال من �أحب ،فمن َ�ض ّن باملال �أن ينفقه ،وخاف العدو �أن
يجاهده ،وهاب الليل �أن يكابده ،فليكرث من قول� :سبحان اهلل واحلمد
هلل وال �إله �إال اهلل واهلل �أكرب)(.)29
2.2التوكل ال�صادق على اهلل والتعلق به وحده مع فعل الأ�سباب ال�شرعية يف
طلب الرزق وعدم التعلق بها ،لأنه �-سبحانه -خالق الأ�سباب و ُم َ�س ِّبباتها ،وهو
املتفرد برزق عباده ،املتكفل ب�أقواتهم ،وهذا بدوره يثمر الطم�أنينة وال�سكينة
وع��دم الهلع واخل��وف على ال��رزق ،قال تعالى }:ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ
ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ
ﰇ ﰈ{[فاطر ،]3:و�أعظم ما ا�ستجلب به رزق اهلل ،والربكة فيه؛
تقوى اهلل وطاعته قال �سبحانه }:ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ
ﮣ ﮤ ﮥ{[الطالق.]3-2:
(� )29أخرجه الطرباين و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة برقم (.)2714
358 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
3.3ترك الأ�سباب املحرمة يف طلب الرزق ،وعدم اخلوف من املخلوق يف قطع الرزق،
واال�ستعالء على الباطل و�أهله عندما ي�ساومون امل�ؤمن على رزقه يف ترك احلق �أو
فعل الباطل ،وهذا ديدن املنافقني كما و�صفهم �-سبحانه -يف قوله تعالى }:ﭴ
ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ
ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ{[املنافقون .]7:
4.4االبتعاد عن ال�شح والبخل؛ لأن ال�شعور ب�أن ما يف اليد من رزق فهو من اهلل وحده،
وما يف القلب من علم وهداية فاملا ُّن به �-سبحانه -فهو رزقه وف�ضله� ،إن هذا
ال�شعور يدفع بامل�ؤمن �إلى التوا�ضع واجلود مبا رزقه اهلل �-سبحانه -من علم �أو
مال �أو جاه يف �سبيل اهلل -تعالى -و�إي�صاله للمحتاجني �إليه.
5.5حر�ص امل�ؤمن على �أن يجعل �أكرب همه ال�سعي لنيل الرزق الأعظم ،والف�ضل الأكرب،
�أال وهو ر�ضا اهلل �-سبحانه -وجنته ،فاجلنة �أعظم الرزق و�أكرمه ،قال �سبحانه:
} ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭰ ﭱﭲ
ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ{[احلج ،]58:وقوله
�سبحانه }:ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ
ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ{[الطالق.]11 :
ثامن ًا :مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء:
(الرازق -الرزَّاق -املُقيتُ ) من �أ�سماء الأفعال الدالة على �صفات اهلل الفعليةّ
(ال َّر ْزق -الإقاتة) ،فاهلل � -سبحانه وتعالى -قد تكفل برزق جميع اخللق؛ ولذا كان من
املنا�سب دعاء اهلل � -سبحانه وتعالى -والثناء عليه ،بهذه الأ�سماء ،يف حاجات العبد املتعلقة
بالرزق مبفهومه الوا�سع الذي ي�شمل غذاء الأج�ساد والأبدان ،وغذاء القلوب والأرواح،
وحاجات العبد الأخرى كالذرية التي �أ�شار �إليها الر�سول ¤يف احلديث ال�سابق ..(:اللهم
جنبنا ال�شيطان ،وجنب ال�شيطان ما َر َز ْق َت َنا ،)30()..وكاملطر والغيث الذي �سماه اهلل يف
كتابه رزق ًا ،وغريها من احلاجات ،يقول النبي (:¤ال يقل �أحدكم :اللهم اغفر يل �إن
( )30رواه البخاري برقم ( )141وم�سلم برقم ( .)1434
ُ
قيت ِق -ال َّر َّز ُ
اق ُ -
الم المجموعة التاسعة عشرة :ال َّراز ُ 359
�شئت ،ارحمني �إن �شئت ،ارزقني �إن �شئت ،وليعزم م�س�ألته� ،إنه يفعل ما ي�شاء ،ال مكره
له)( ،)31وكان الرجل �إذا �أ�سلم ع ّلمه النبي ¤ال�صالة ،ثم �أمره �أن يدعو به�ؤالء الكلمات:
(اللهم اغفر يل ،وارحمني ،واهدين ،وعافني ،وارزقني)( ،)32ويف رواية(:قل :اللهم
اغفر يل ،وارحمني ،وعافني ،وارزقني ،ف�إن ه�ؤالء جتمع لك دنياك و�آخرتك)(.)33
تا�سع ًا :لطائف و�أقوال:
æعن �أبي هريرة ‹ قال�« :أتيت َّ
النبي ¤ب َت َمراتٍ ،فقلت :يا ر�سول اهلل ،اد ُع
(خذهن
َّ َّ
فيهن بالربكة ،فقال يل: هن( )34ثم دعا يل َّ
فيهن بالربكة ،ف�ض َّم َ ّ َ
اهلل
هن يف ِمزْ َو ِد َك( )35هذا ،كلما � َ
أردت �أن ت�أخذ منه �شي ًئا ف�أدخل فيه يدك فخذه فاج َع ْل َّ
وال تنثرُ ْ ه نَثرْ ً ا( .))36قال �أبو هريرة ‹ :فقد ح َملت من ذلك التمر كذا وكذا
من َو ْ�سقٍ ( )37يف �سبيل اهلل ،وك َّنا ن�أكل منه و ُنطعِم ،وكان ال يفارق َح ْقوي(،)38
حتى كان يو ُم َقتلِ عثمان ‹ ف�إنه انقطع »(.)39
æروى �سعيد بن امل�سيب �أن عمر بن اخلطاب ‹ ،نفر من منى (�سنة 23هـ) ،ف�أناخ
بالأبطح ،وك َّوم كومة من بطحاء ،ف�ألقى عليها طرف ثوبه ،ثم ا�ستلقى عليها ،ورفع يديه �إلى
ال�سماء فقال« :اللهم كربت �سني ،و�ضعفت قوتي ،وانت�شرت رع ّيتي ،فاقب�ضني �إليك
غري م�ض ِّيع وال مفرط»( ،)40ويف رواية البخاري« :اللهم ارزقني �شهادة يف �سبيلك،
واجعل موتي يف بلد ر�سولك )41(»¤قالت حف�صة :و�أنى يكون هذا؟! ،قال :ي�أتي اهلل
به �إن �شاء» ،وكانت تلك �آخر حجة حجها ‹ ،ثم قدم املدينة ،فطعنه �أبو ل�ؤل�ؤة املجو�سي
( )31رواه البخاري برقم (.)7477
( )32رواه م�سلم برقم (.)2697
( )33رواه ابن ماجة و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)4398
( )34ف�ض َّمهنَّ ثم دعا� :أي �أَخذ التمرات و�ضم كلتا يَدَ ْي ِه عليهن ،ثم دعا اهلل �أن ُيبارك لأبي هريرة َ‹ فيهِنَّ .
الطعام. جلد ونحوه ُيو�ضع فيه الزَّاد من َّ راب ،وهو عبارة عن وعاء من ٍ اجل ُفاجع ْلهُنَّ يف ِمزو ِد َك :املِزو ُد هو ِ (ْ )35
راب وخذ ما �شئت ،وال ُت ْف ِر ِغه من التمر ،وال َت ْن ُ�ش ْر ُه َن ْ�ش ًرا.
ِ ِاجل داخل يدك أدخل � ف ً
ا متر منه أخذ � ت أن � أردت � إذا � أي � ا: ً َثرْ
ن ه ْ ثرُ ْ
( )36وال ُ
ن َ
ت
( )37ال َو ْ�س ُقِ :مكيال معلوم ،وهو يعادل � 60صاعا نبويا ،وال�صاع يُقدر بـ( 2,176كجم) وبالتايل فـ «ال َو ْ�سق» يُعادل ( 130٫5كجم) تقري ًبا.
ُ ٌ
راب ال َّت ْم ِر معه ‹ منذ دعا له فيه النبي ¤بالربكة باط الذي ُي َ�ش ُّد ِب ِه ال َو َ�س ُط� ،أي ظل ِج ُ
حل ْق ُو هو ال ِّر ُ( )38ال ُيفار ُِق َح ْقوي :ا َ
اجلراب و�ضاع منه.اليوم الذي ُق ِت َل فيه عثمان بن عفان ‹ ،ا َن ْق َط َع ِ حتى كان ُ
( )39رواه الرتمذي وح�سنه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (.)3839
(� )40أخرجه ابن عبد الرب يف (اال�ستذكار) وقال� :إ�سناده �صحيح.
( )41رواه البخاري برقم (.)1890
360 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
يف �صالة فجر يوم ( 23/12/23هـ) ،فلما عرف من طعنه قال« :احلمد هلل الذي مل
يجعل قاتلي يحاجني عند اهلل ب�سجدة �سجدها قط».
اب يف ُع ّ�شه) يريد:
( :يا رازق الن َّع َ æقال اخلطابي« :وكان من دعاء داود
فرخ الغراب ،وذلك �أنه يقال� :إذا تفق�أت عنه البي�ضة؛ خرج �أبي�ضاً كال�شحمة! ،ف�إذا ر�آه
الغراب �أنكره لبيا�ضه فرتكه! ،في�سوق اهلل -جل وع َّز � -إليه ال َب َّق( ،)42فيقع عليه لزهومة
ريحه( ،)43ف َيل ُق ُطها ،ويعي�ش بها �إلى �أن يحمم ري�شه في�س ّود( ،)44فيعاوده الغراب عند
اب يف ع�شه»(.)45 احلب ،فهذا معنى :رازق الن َّع َ
ذلك ،وي�ألفه ،و ُيلقِط ُه َّ
æقال الق�شريي« :يقال� :إن �سليمان �س�أل ربه �سبحانه وتعالى� ،أن ي�أذن له
�أن ي�ض ّيف يوما جميع احليوانات ،ف�أذن اهلل تعالى له ،ف�أخذ �سليمان يف جمع الطعام
مدة طويلة ،ف�أر�سل اهلل تعالى له حوتاً واحداً من البحر ،ف�أكل كل ما جمعه �سليمان
يف تلك املدة الطويلة ،ثم ا�ستزاده! ،فقال �سليمان :مل يبق عندي �شيء! ،و�أنت ت�أكل
كل يوم مثل هذا؟! ،فقال :رزقي كل يوم ثالثة �أ�ضعاف هذا ،ولكن اهلل مل يطعمني
اليوم �إال ما �أطعمتني �أنت ،فليتك مل ت�ض ّيفني ف�إين بقيت اليوم جائعا حيث كنت
�ضيفك! »،قال الدمريي :ويف هذا �إ�شارة �إلى كمال قدرة اهلل تعالى ،وعظيم �سلطانه ،و�سعة
مع �سعة ملكه وقوة �سلطانه الذي �آتاه اهلل تعالى ،عجز �أن خزائنه� ،إذ مثل �سليمان
ُي�شبع خملوق ًا واحد ًا من خملوقات اهلل تعالى ،ف�سبحانه املتكفل ب�أرزاق خلقه»(.)46
æقال تعالى} :ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ
ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ{[اجلمعة ،]10-9 :كان عراك بن مالك ‹ �إذا
�صلى اجلمعة ان�صرف فوقف على باب امل�سجد وقال« :اللهم �إين �أجبتُ دعوتك ،و�صليتُ
فر�ضيتك ،وانت�شرت كما �أمرتني ،فارزقني من ف�ضلك و�أنت خري الرازقني»(.)47
( )42ال َبقَّ :ال َب ُعو�ض( .ل�سان العرب).
( )43الز ُّْه ُم :الريح املنتنة( .ل�سان العرب).
( )44يحمم ري�شه� :أي ي�س ّود ،واحلمم والأحم :هو الأ�سود من كل �شيء.
(�( )45ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص.)55 :
(( )46حياة احليوان الكربى) لأبي البقاء حممد بن مو�سى الدمريي (جـ� - 1 :ص.)380 :
( )47تف�سري (النكت والعيون) للماوردي عند تف�سري الآية ( )10من �سورة (اجلمعة).
ُ
قيت ِق -ال َّر َّز ُ
اق ُ -
الم المجموعة التاسعة عشرة :ال َّراز ُ 361
æقال �سفيان الثوري« :لي�س لل�شيطان �سالح مثل خوف الفقر ،ف�إذا ُقبل ذلك
منه �أخذ يف الباطل ،وم َن َع احلق ،وتكلم بالهوى ،وظن بربه ظن ال�سوء» (.)48
æقال علي بن بكار� :شكا رجل �إلى �إبراهيم بن �أدهم كرثة عياله! فقال « :يا �أخي!
انظر كل من يف منزلك لي�س رزقه على اهلل فحوله �إلى منزيل! ف�سكت الرجل»(.)49
æقال حامت الأ�صم« :يل �أربع ن�سوة ،وت�سعة من الأوالد ،ما طمع ال�شيطان �أن
يو�سو�س يل يف �شيء من �أرزاقهم ..وما من �صباح �إال وال�شيطان يقول يل :ما ت�أكل؟
وما تلب�س؟ و�أين ت�سكن؟ ،ف�أقول� :آكل املوت ،و�ألب�س الكفن ،و�أ�سكن القرب»(.)50
وقال يف مو�ضع �آخر « :ر�أيت النا�س يف �شك من �أمر الرزق ،فتوكلت على اهلل القائل
�سبحانه } :ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ{ [هود.)51(»]6:
« æحج اخلليل بن �أحمد الفراهيدي فدعا يف حجه �أن يرزقه اهلل تعالى علماً
مل ي�سبقه �أحد �إليه ،وال ي�ؤخذ �إال عنه ،فرجع وقد ُفتح عليه بعلم العرو�ض»(.)52
ال�س َماء ف�أنزلهَ ،و�إِن َكا َن فيِ الأَ ْر�ض
æكان من دعاء �أحدهم« :ال َّل ُه َّم �إِن َكا َن ِر ْزقِي فيِ َّ
َف� ْأخرج ُهَ ،و ِ�إن َكا َن َبعيدا فق ِّربهَ ،و ِ�إن َكا َن َقرِيبا في�سرهَ ،و ِ�إن َكا َن َقلِيال فكثرِّ هَ ،و ِ�إن
َكا َن كثريا َف َبارك فِيهِ»(.)53
« æكان ابن باب�شاذ النحوي يف �سطح جامع م�صر ،وهو ي�أكل �شيئا وعنده نا�س ،فح�ضرهم
ِق ٌّط ،فرموا له لقمة ،ف�أخذها يف فيه ،وغاب عنهم ،ثم عاد �إليهم! ،فرموا له �شيئا �آخر ،ففعل
كذلك ،وتردد مرار ًا كثرية ،وهم يرمون له ،وهو ي�أخذه ويغيب به ،ثم يعود من فوره ،حتى عجبوا
منه ،وعلموا �أن مثل هذا الطعام ال ي�أكله وحده لكرثته! ،فلما ا�سرتابوا حاله تبعوه فوجدوه يرقى
�إلى حائط يف �سطح اجلامع ،ثم ينزل �إلى مو�ضع بيت خال خرب ،وفيه ِق ٌّط �آخر �أعمى ،وكل ما
(�( )48إحياء علوم الدين)لأبي حامد الغزايل (جـ� – 3 :ص.)33 :
(()49تاريخ دم�شق) البن ع�ساكر (جـ� – 6:ص.)345 :
(�()50صفة ال�صفوة) البن اجلوزي (جـ� – 4 :ص.)162 :
(�()51سري �أعالم النبالء) للإمام الذهبي (�ص )1346 :يف ترجمة الإمام حامت الأ�صم.
(()52وفيات الأعيان و�أنباء �أبناء الزمان) لأبي العبا�س بن خلكان (جـ� – 2:ص.)244 :
(( )53نرث الدر) للآبي (جـ� – 6 :ص.)48 :
362 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الــمــجــمــوعـــــــ 20ـــــــــة
مو�ضوع الأ�سماء :ا ْل َع َط ُ
اء
()69 - 68 - 67 - 66 - 65
اب -املَن ُ
َّان -ال َقا ِب ُ
�ض - املُ ْع ُ
طي -ال َو َّه ُ
ا�س ُط
ال َب ِ
364 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الـمجـمـوعـ 20ـة
مو�ضوع الأ�سماء :ا ْل َع َط ُ
اء
()69 - 68 - 67 - 66 - 65
ا�س ُط اب -املَنَّانُ -ال َقا ِب ُ
�ض -ال َب ِ املُ ْعطي -ال َو َّه ُ
�أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود:
æاملُ ْعطي :مل يرد اال�سم يف القر�آن الكرمي ،و�إمنا ورد يف ال�سنة النبوية من حديث
ريا يفقهه
معاوية بن �أبي �سفيان ،قال� :سمعت النبي ¤يقول( :من يرد اهلل به خ ً
يف الدين ،واهلل املعطي و�أنا القا�سم ،وال تزال هذه الأمة ظاهرين على من خالفهم
حتى ي�أتي �أمر اهلل وهم ظاهرون)(.)1
اب :ورد يف القر�آن الكرمي ( 3مرات) منها قوله تعالى }:ﮪ ﮫ ﮬ æال َوهَّ ُ
� :أن النبي ¤كان �إذا ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ{[�ص ،]9:ومن ال�سنة قول عائ�شة
ا�ستيقظ من الليل قال( :ال �إله �إال �أنت �سبحانك ،اللهم �أ�ستغفرك لذنبي ،و�أ�س�ألك
رحمتك ،اللهم زدين علما ،وال تزغ قلبي بعد �إذ هديتني ،وهب يل من لدنك رحمة،
�إنك �أنت الوهاب)(.)2
æاملَنَّانُ :مل يرد هذا اال�سم الكرمي �صريح ًا يف القر�آن الكرمي ،و�إمنا ورد يف ال�سنة
النبوية ،من حديث �أن�س ‹ قال :دخل النبي ¤امل�سجد ،ورجل قد �صلى وهو يدعو،
ويقول يف دعائه( :اللَّهم ال �إله �إال �أنت ،املنَّان بديع ال�سماوات والأر�ض ،ذا اجلالل
والإكرام) ،فقال النبي �( :¤أتدري مبا دعا اهلل؟ ،دعا اهلل با�سمه الأعظم الذي �إذا
دعي به �أجاب ،و�إذا �سئل به �أعطى)(.)3
( )1رواه البخاري برقم (.)3116
( )2رواه �أبو داود و�صححه ابن حبان ( )2359واحلاكم ( )540 /1ووافقه الذهبي.
( )3رواه ابن ماجة و�صـححـه الألباين يف �صـحيح ابن ماجة برقم (.)2809
ِض -ال َباسِ ُ
ط َان -القَ اب ُ
المن ُ
اب َ -
ه ُالو َّ
الم ْعطي َ -
المجموعة العشرون ُ : 365
ا�س ُط :مل يرد اال�سمان الكرميان يف القر�آن العظيم ،و�إمنا وردا يف �ض ال َب ِ æال َقا ِب ُ
ال�سنة النبوية ،من حديث �أن�س ‹ ،قال :غال ال�سعر على عهد ر�سول اهلل ¤فقالوا:
ُ
البا�سط ال َّرزَّاقُ ، ُ
القاب�ض يا ر�سول اهلل�َ ،س ِّع ْر لنا ،فقال �( :¤إن اهلل هو امل َُ�س ِّع ُر
و�إين لأرجو �أن �ألقى ربي ولي�س �أحد منكم يطلبني مبظلمة يف دم وال مال)(.)4
وقوله} :ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ
ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ{[احلجرات ،]17:فاملنة منهم بالقول ،ومنة اهلل عليهم
بالفعل ،وهو هدايته �إياهم كما ذكر»(.)10
�ض�ض ،فعله َق َب َ ا�س ُط( :ال َقا ِب ُ�ض) «ا�سم فاعل للمو�صوف با ْل َق ْب ِ æال َقا ِب ُ
�ض ال َب ِ
�ض َق ْب�ضاً ،فهو قا ِب�ض»( ،)11و(ال َب ِا�س ُط) «ا�سم فاعل للمو�صوف بال َب ْ�س ِط ،فعله َي ْق ِب ُ
يب�سط َب ْ�سطاً ،فهو با�سِ ط»( ،)12والب�سط :نقي�ض القب�ض ،والب�سطة :الزيادة ب�سط ُ َ
وال�سعة .ومنه قولـه تعالى }:ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ{[البقرة،]247:
والقب�ض :التقتري والت�ضييق ،ومنه قول اهلل تعالى } :ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ
ري وال َّت ْ�ض ُ
ييق، ﯳ{[البقرة ،]245 :قال الزجاجي عن هذه الآية« :ال َق ُ
ب�ض :ال َّت ْق ِت ُ
والب�سط :ال َّت ْو�سع ُة يف الرزق والإكثار منه»( ،)13وقال ابن جرير }« :ﯯ ﯰ
ﯱ{ يعني بقولهَ ( :ي ْق ِب ُ�ض) يقرت بقب�ضه الرزق عمن ي�شاء من خلقه ،ويعني
بقولهَ ( :و َي ْب ُ�س ُط) يو�سع بب�سطة الرزق على من ي�شاء منهم»( .)14وقال ابن الأثري:
ريه من الأ�شياء عن العباد ب ُل ْطفه وحِ ْك َم َته، «(ال َقا ِب ُ�ض) الذي مُي�سك الرزق وغ َ
و�سعه عليهم و َي ْق ِب�ض الأ ْرواح عند املَمات .. ،و(ال َب ِا�س ُط) الذي َي ْب ُ�سط الرزق لعباده و ُي ِّ
بجوده ورحمته ،و َي ْب ُ�سط الأرواح يف الأج�ساد عند احلياة»(.)15 ُ
ثالث ًا :املعنى ال�شرعي:
املُ ْعطي« :املم ِّكن من نعمه ،الواهب عطا َءه ملخلوقاته»( ،)16قال احلليمي: æ
«(املُ ْعطي) :هو املُم ِّكن من نعمه»( ،)17وقال ال�شيخ ال�سعدي« :واللهّ هو (املُ ْعطي) ..الذي
ما بالعباد من نعمة �إال منه»(.)18
اب« :املتف�ضل بالعطاء بال عو�ض ،واملانح الف�ضل بال غر�ض ،واملعطي احلاجة æال َو َّه ُ
اب) الذي يجود بالعطاء عن ظهر يد من غري بغري �س�ؤال»( ،)19يقول اخلطابي(« :ال َو َّه ُ
اب) :الكثري الهبة ا�ستثابة»(�)20أي من غري طلب للثواب من �أحد ،وقال الزجاجي(« :ال َو َّه ُ
وج َّل -وهَّاب ،يهب لعباده واحداً بعد واحد ويعطيهم»(.)21 والعطية ..فاهلل َ -ع َّز َ
َم َّن ٌان æاملَنَّانُ « :العظيم الهبات ،الوافر العطايا»( ،)22قال الزجاجي« :فاهلل
على عباده ب�إح�سانه و�إنعامه ورزقه �إياهم»( .)23وقال اخلطابي(« :ا َمل َّنانُ ) كثري
العطاء»(.)24
ا�س ُط« :يقب�ض الأرزاق والأرواح ،ويب�سط الأرزاق والقلوب ،وذلك �ض ال َب ِ æال َقا ِب ُ
تبع ًا حلكمته ورحمته»( ،)25قال البيهقي(« :ال َقا ِب ُ�ض ال َب ِا�س ُط) الذي يو�سع الرزق ويقرته،
يب�سطه بجوده ورحمته ،ويقب�ضه بحكمته ،وقيل :الذي يقب�ض الأرواح باملوت الذي
كتبه على العباد ،والذي يب�سط الأرواح يف الأج�ساد»( ،)26وقال الهرا�س(« :ال َقا ِب ُ�ض
ال َب ِا�س ُط) يقب�ض الأرواح عن الأ�شباح عند املمات ،ويب�سط الأرواح يف الأج�ساد عند
احلياة ،ويقب�ض ال�صدقات من الأغنياء ،و َيب�سط الأرزاق لل�ضعفاء ،ويب�سط الرزق
ملن ي�شاء حتى ال تبقى َفاقة ،و َيقب�ضه عمن ي�شاء حتى ال تبقى طاقة»(.)27
(( )17الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ� - ١ :ص )192 :ون�سبه للحليمي.
( )18تف�سري ال�سعدي عند تف�سري الآية ( )12من �سورة ال�شورى.
( )19معجم اللغة العربية املعا�صرة للدكتور �أحمد خمتار عمر (مادة و هـ ب).
(�( )20ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص.)53 :
(( )21ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص.)126 :
( )22معجم اللغة العربية املعا�صرة للدكتور �أحمد خمتار عمر (مادة م ن ن).
(( )23ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص.)164 :
(�( )24ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص.)100 :
( )25تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص.)19 :
(( )26االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص.)39:
(�( )27شرح الق�صيدة النونية) للدكتور حممد خليل هرا�س (جـ� - 2:ص.)113 :
368 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
أجل ُم َ�س ًّمى ،فل َت�صبرِ ْ ولتح َت ِ�س ْب)( ،)32قال �أبو هالل الع�سكري: وله ما �أعطىٌّ ،
وكل �إلى � ٍ
عطى من املُلك ،وذلك �أنك تعطي زيدا املال لي�شرتي «الإعطاء ال يقت�ضي �إخراج امل ُ َ
لك ال�شيء وتعطيه الثوب ليخيطه لك وال يخرج عن ملكك»( ،)33وقد �سمى اهلل نعيم
الدنيا املادي عطاء ًا ،ومل مينعه عن �أحد ،م�ؤمن ًا كان �أم كافرا ،فقال �سبحانه} :ﭱ ﭲ
ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ {[الإ�سراء ،]20:ومع ذلك
�أ�شار � -سبحانه � -إلى �أنه مالك هذا العطاء ،و�أن العباد م�ستخلفون يف الت�صرف فيه فقال
�سبحانه } :ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ{[النور ،]33:وقوله تعالى }:ﮔ
ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ{[احلديد ،]7:قال ابن عا�شور« :وجيء باملو�صول يف قوله:
} ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ{ دون �أن يقول( :و�أنفقوا من �أموالكم �أو مما
رزقكم اهلل) ملا يف �صلة املو�صول من التنبيه على غفلة ال�سامعني عن كون املال هلل؛
النا�س كاخلالئف عنه يف الت�صرف فيه مد ًة َّما ،فلما �أمرهم با ِلإنفاق منها علىجع َل َ
عباده كان حقاً عليهم �أن ميتثلوا لذلك كما ميتثل اخلازن �أم َر �صاحب املال �إذا �أمره
ب�إنفاذ �شيء منه �إلى من يع ِّينه»(.)34
و�إذا تعلق (ال ِّرزق) باملخلوق املرزوق فهو (هبة) له من اهلل تعالى تف�ض ًال وتكرما
وابتدا ًء من غري ا�ستحقاق عليه �سبحانه ،وجميع ما يف الدنيا كلها من �أولها �إلى �آخرها
هبات من اهلل تعالى لهذا املخلوق ال�ضعيف الذي ال ميلك لنف�سه �ضرا وال نفعا ،وال موتا وال
حياة وال ن�شورا ،قال تعالى } :ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ
ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ {[الزمر ،]49:فـ(الوهاب)
هو اهلل ،الذي تف�ضل بالعطاء بال عو�ض ،ومنح الف�ضل بال غر�ض ،وجاد باحلاجات
من غري �س�ؤال وال ا�ستثابة ،وجميع ما يف الوجود هو هبات من اهلل تعالى ملخلوقاته تف�ضال
( )32متفق عليه :رواه البخاري برقم ( ،)7448وم�سلم برقم ( )923واللفظ للبخاري.
(( )33معجم الفروق اللغوية) لأبي هالل الع�سكري (�ص.)176 :
( )34تف�سري التحرير والتنوير البن عا�شور عند تف�سري �سورة احلديد ،الآية (.)7
ِض -ال َباسِ ُ
ط َان -القَ اب ُ
المن ُ
اب َ -
ه ُالو َّ
الم ْعطي َ -
المجموعة العشرون ُ : 371
وابتدا ًء من غري ا�ستحقاق عليه ،حتى تلك الهبات التي اكت�سبها املخلوق ب�سعيه وجهده
لأن اهلل تعالى هو الذي وهبه تلك الأ�سباب و�سخرها له ،وهذا « قارون » عندما كفر
وا�ستكرب ون�سب ف�ضل اهلل وهباته �إلى نف�سه كما حكاه �سبحانه يف قوله تعالى } :ﭑ ﭒ
ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ{[الق�ص�ص ،]78:نزع اهلل منه �سببا واحدا فقط متمثال يف ثبات
الأر�ض وا�ستق ـ ــراره ــا حتـ ــت قدمي ــه ،ف�إذا به ُيخ�سف مع داره وكنوزه ،قال تعالى:
} ﮗ ﮘ ﮙﮚﮛﮜﮝ ﮞﮟﮠﮡﮢ ﮣﮤﮥ ﮦ
ﮧ{[الق�ص�ص ،]81:وهو ما دعى الذين متنوا مكانه بالأم�س �إلى االتعاظ بعذابه،
وتذكر ِنعم اهلل عليهم ،وعطائه ومننه ،فقالوا كما حكاه تعالى عنهم} :ﮩ ﮪ
ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ
ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ{[الق�ص�ص .]82:وقد مر معنا
�أن الذرية والأوالد «رزق» و«عطية» وكذلك هي «هبة» من اهلل كما حكاه �سبحانه عن �شكر
عبده وخليله �إبراهيم } :ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ
ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ{[�إبراهيم ،]39:وال زال امل�ؤمنون يت�ضرعون �إلى اهلل ويدعونه �أن
يهب لهم من �أزواجهم وذرياتهم قرة �أعني قال تعالى } :ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ
ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ{[الفرقان.]74:
وبالنظر �إلى (ال ِّرزق) نف�سه ،فهو (م ّنة) �أي نعمة عظيمة وثقيلة ،واهلل هو (ا َمل َنانُ )،
عظيم الهبات ،وافر العطايا ،املنعم بالنعم الثقيلة ،التي يعجز املخلوق عن �شكرها ف�ضال
عن �إح�صائها �أو مكافئتها ،قال تعالى } :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ
ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ {[�إبراهيم ،]34:و�أعظم النعم
و�أعالها هو بعثة النبي ¤الذي �أنقذ اهلل به العباد من ال�ضاللة ،وع�صمهم به من الهلكة،
وهداهم به �إلى ال�صراط امل�ستقيم الذي �صلح به احلال يف الدنيا والآخرة ،قال تعالى:
} ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯮﯯﯰ
ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ
372 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
من �صفات اهلل الفعلية الثابتة بالكتاب وال�سنة»( ،)39قال تعالى }:ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ
ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ{[�آل عمران ،]164 :ومن ال�سنة �أن النبي ¤
خرج على حلقة من �أ�صحابه ،فقال (:ما �أجل�سكم؟ ،قالوا :جل�سنا نذكر اهلل ونحمده
ومن به علينا.)40() ..
على ما هدانا للإ�سالم َّ
ا�س ُط :ال�صفات امل�شتقة من ا�سميه �-سبحانه (ال َقا ِب�ض)
�ض -ال َب ِ æال َقا ِب ُ
و(ال َب ِا�سط) «�صفتا (ال َق ْب�ض وال َب ْ�سط) وهما من �صفات اهلل الفعلية الثابتة بالكتاب
وال�سنة»( ،)41قال تعالى } :ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ{[البقرة ،]245 :
ومن ال�سنة ما ورد عنه � ¤أنه كان يدعو بهذا الدعاء( :اللهم ال قاب�ض ملا ب�سطت ،وال
�ضل ملن هديت ،وال معطي ملا منعت، با�سط ملا قب�ضت ،وال هادي ملن �أ�ضللت ،وال ُم ّ
مقرب ملا باعدت ،وال مباعد ملا ق َّربت� ،أعوذ بك من �شر ما
وال مانع ملا �أعطيت ،وال ِّ
�أعطيتنا و�شر ما منعت منا)(.)42
�ساد�س ًا :فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى:
æال َّرا ِز ُق :ورد االقرتان مع (ال َقا ِب�ض ال َب ِ
ا�سط) يف قوله �( :¤إن اهلل هو املُ َ�س ِّع ُر
القاب�ض البا�سط الرازق ،و�إين لأرجو �أن �ألقى ربي ولي�س �أحد يطلبني مبظلمة يف
دم وال مال)( ،)43واحلكمة من ذلك وا�ضحة؛ يف �أن القب�ض والب�سط متعلقان بالرزق ،فاهلل
يو�سع الرزق ويقرته ،يب�سطه ويو�سعه بف�ضله ورحمته ،ويقب�ضه ويقرته بعدله وحكمته.
وال�سعة ،وبيده القب�ض والت�ضييق ،وهو العليم احلكيم ،يد ّر على عباده العطاء ،ويوايل عليهم
نعمه وهباته ،ويجزل لهم يف ال َّنوال ،تف�ض ًال منه و�إكرام ًا ،وهو �-سبحانه -بيده خزائن كل
�شيء ،يقب�ض الرزق عمن ي�شاء حتى ال تبقى طاقة ،ويب�سطه ملن ي�شاء حتى ال تبقى فاقة،
ويعطي من ي�شاء ،ومينع من ي�شاء ،ال مانع ملا �أعطى ،وال معطي ملا منع ،وال تزال هباته على
عباده متوالية ،وعطاياه لهم متتالية ،يف عطاء دائم ،و�سخاء م�ستمر ،فله امل ّنة � -سبحانه -
على عباده ،وال م َّنة لأحد منهم عليه.
æالأثر العملي:
1.1حمبة اهلل � -سبحانه -وحمده ،والثناء عليه ،و�شكره على ما له من العطايا املتنوعة،
والهبات املتتالية ،التي ال تعد وال حت�صى ،وال�شكر ي�ستلزم العمل بطاعته ،واجتناب
حمارمه ،وتعظيم �شرعه ،يقول ابن القيم« :فمنه ال�سبب ومنه اجلزا ُء ،ومنه
التوفيق ومنه العطا ُء �أو ًال و�آخراً ،وهم حمل �إح�سانه فقط ،لي�س منهم
�شيء� ،إمنا الف�ضل كله ،والنعمة كلها ،والإح�سان كله؛ منه �أو ًال و�آخراً؛
يل �أقبله منك ،فالعبد له ،واملال له، �أعطى عبده ماله وقال :تق ّرب بهذا �إ َّ
والثواب منه ،فهو (املُعطي) �أو ًال و�آخراً ،فكيف ال ُي َح ُّب من هذا �ش�أْنه؟!،
وكيف ال ي�ستحي العبد �أن ي�صرف �شيئاً من حمبته �إلى غريه؟! ،ومن
�أولى باحلمد والثنا ِء واملحبة منه؟! ،ومن �أولى بالكرم واجلود والإح�سان
منه؟! ،ف�سبحانه وبحمده ال �إله �إال هو العزيز احلكيم»( .)44
�2.2س�ؤال اهلل وحده والتعلق به يف جلب املنافع وامل�صالح ،ودفع امل�ضار؛ �إذ �إن املخلوق
ال�ضعيف ال ميلك من ذلك �شي ًئا �إال �أن ي���أذن اهلل ويجعله �سب ًبا يف العطية
والهبة ،واحلر�ص على �س�ؤال اهلل املنة العظيمة ،والعطية الغالية ،التي ال تبيد
وال تفنى؛ �أال وهي اجلنة ونعيمها ور�ؤية اهلل .
(( )44طريق الهجرتني) البن القيم (�ص.)261 :
ِض -ال َباسِ ُ
ط َان -القَ اب ُ
المن ُ
اب َ -
ه ُالو َّ
الم ْعطي َ -
المجموعة العشرون ُ : 375
ثامن ًا :مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء:
�ض -ال َبا�سِ ُط) من �أ�سماء الأفعال الدالة اب -املَن ُ
َّان -القَا ِب ُ (املُ ْعطي -ال َو َّه ُ
على �صفات اهلل الفعلية (ا ْل َع َطاء -الوهب -ا َمل ّن والمْ ِنَّة -ال َق ْب�ض وال َب ْ�سط) ،وكما ذكرنا
ف�إن معاين هذه الأ�سماء متقاربة؛ وترجع �إلى �سعة عطائه �-سبحانه -وكثري هباته ،وعظيم
( )45رواه الإمام احمد و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)3067
376 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
مننه ،و�أن قب�ض الرزق وب�سطه بيده وحده �-سبحانه؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل -
�سبحانه وتعالى -والثناء عليه ،بهذه الأ�سماء ،يف كل ما يحتاجه العبد من خريي الدنيا
بحق �إال اهلل وقد وردوالآخرة؛ لأنه ال معطي ،وال واهب ،وال مانّ ،وال قاب�ض ،وال با�سط ٍ
يف القر�آن الكرمي مناذج من دعاء الأنبياء وال�صاحلني يف الثناء على اهلل بهذه الأ�سماء،
قال تعالى }:ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ
} :ﮫ ﮬ ﭠ ﭡ{[�آل عمران ،]38 :وقال �-سبحانه -عن دعوة �سليمان
ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ{[�ص ،]35 :وقال
-تعالى -عن دعوة الرا�سخني يف العلم}:ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ
ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ{[�آل عمران ،]8:وقوله تعالى } :ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ
ﭰ ﭱ ﭲ{[الإ�سراء ،]30:ومن ال�سنة قوله �( :¤إن اهلل يب�سط يده بالليل
ليتوب م�سيء النهار ،ويب�سط يده بالنهار ليتوب م�سيء الليل)(.)46
تا�سع ًا :لطائف و�أقوال:
بالولد والذرية ال�صاحلة ،حمد اهلل على æملَّا منَّ اهلل على خليله �إبراهيم
هذه املنة العظيمة ،والهبة الكبرية ،فقال اهلل �-سبحانه -حاكي َا قول خليله �إبراهيم }:ﯓ ﯔ
ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ{[�إبراهيم،]39:
ولذا جاء عن نبينا ¤قوله( :ما �أنعم اهلل على عبد نعمة فحمد اهلل عليها� ،إال كان
ذلك احلمد �أف�ضل من تلك النعمة)(.)47
æعن مالك بن ن�ضلة اجل�شمي ‹ ،قال :قال النبي ( : ¤الأيدي ثالثة ،فيد
اهلل العليا ،يد املعطي التي تليها ،يد ال�سائل ال�سفلى ،ف�أعط الف�ضل؛ وال تعجز عن
نف�سك)(.)48
( )46رواه م�سلم برقم (.)2760
( )47رواه الطرباين وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)5562
( )48رواه الإمام �أحمد و�أبو داود واحلاكم و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)2794
ِض -ال َباسِ ُ
ط َان -القَ اب ُ
المن ُ
اب َ -
ه ُالو َّ
الم ْعطي َ -
المجموعة العشرون ُ : 377
ُ
فيقول: أدخ ْل ِنيها،
رب � ِ
فيقولْ � :أي ُِّ أهل اجلن َِّة، َ
أ�صوات � ِ منها ،ف�إذا �أدنا ُه منها ،في�سم ُِع �
الدنيا ومث َلها معها؟ قال :يا ر�ضيك �أن �أُعط َي َك ُّ َ يا ابنَ �آد َم ما َي�صريني(َ )52
منك؟ �أ ُي
م�سعود فقال� :أال ت�س�ألوين مِ َّم
ٍ ف�ضحك ابنُرب العاملنيَ؟) ِ هزئ منِّي و�أنتَ ُّ رب! �أت�س َت ُ
ِّ
ُ
ت�ضحك يا هلل .¤فقالوا :مِ َّم ُ
ر�سول ا ِ ت�ضحك؟ قال :هكذا �ضحِ ك ُ � ُ
أ�ضحك؟ فقالواِ :م َّم
رب العاملني؟ أت�ستهز ُئ مني و�أنت ُّ ِ ني حني قال� : رب العامل َ هلل؟ قال( :من َ�ض ِح ِك ِّ ر�سو َل ا ِ
أ�شاء قاد ٌر)(.)53منك ولكنِّي على ما � ُ هزئ َ ُ
فيقول� :إنيِّ ال �أ�س َت ُ
إنك َل ُّ
أحب �إ َّ
يل هلل � َ
النبي ¤فقال :يا ر�سو َل ا ِ قالت« :جاء رج ٌل �إلى ِّ æعن عائ�شة
يل من ولدي ،و�إين لأكون يف البيتِ أحب �إ َّ
يل من �أهلي ،و� ُّأحب �إ َّ من نف�سي ،و�إنك َل ُّ
ذكرت َموتي ومو َتك؛ عرفتُ �أنك �إذا آتيك ف�أنظ ُر �إليك ،و�إذا ُ رب حتى � َ ف�أذك ُرك فما �أ�ص ُ
ني ،و�إين �إذا دخلتُ اجل َّن َة خ�شيتُ �أن ال � َ
أراك! ،فلم ير َّد عليه دخلتَ اجل َّن َة ُرفِعتَ مع ال َّنب ِّي َ
ال�سالم بهذه الآي ِة }:ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ُ ُ
جربيل عليه النب ُّي � ¤شي ًئا حتى نزل
ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ
ﮋ{ [الن�ساء.)54(]69:
ُون(،!)55 æعن مالك بن ن�ضلة اجل�شمي ‹ قال� :أَ َت ْيتُ ر�سو َل َ ¤و َعلَ َّى َث ْو ٌب د ٌ
املال)؟ ،قلت :من ك ِّل املالِ قد �أعطاين مال)؟! ،قلت :نعم! ،قال( :من �أَ ِّي ِ فقال يل�( :أَ َل َك ٌ
اك اللهَّ ُ ما ًال َف ْليرُ َ �أَ َث ُر ِن ْع َم ِة اللهَّ ُ َ
من الإِبلِ َوا ْل َبقر َوالخْ َ ْيلِ َوال َّرقِيقِ ! ،قال( :ف�إذا �آ َت َ
اللهَّ ِ َع َل ْي َك َوكرا َم ِت ِه)(.)56
منك؟� :أي ما يقطع م�س�ألتك ومينعك من �س�ؤايل؟ ،يقال� :صريت ال�شيء �إذا قطعته ،واملعنىُّ � :أي �شيءٍ ( )52ما َي ْ�ص ِري ِني َ
ال�س� َؤال َبيني وبي َنك ،وما ا َّلذي تُط ُلبه حتَّى َت ْق َن َع به و َت ُك َّف عن َم ْ�س�أل ِتك يل؟!. ر�ضيك و َي ُ
قطع ُّ ُي ِ
( )53رواه م�سلم برقم (.)187
(� )54أخرجه الطرباين يف (املعجم الأو�سط) و(ال�صغري) و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة (جـ� - 6 :ص )1044 :برقم (.)2933
(َ )55ث ْو ٌب دُون� :أي َرثٌّ ورديء وغري الئق ب�أهل الغنى.
( )56رواه �أحمد و�أبو داود والن�سائي و�صححه الألباين يف م�شكاة امل�صابيح برقم (�( )4352ص.)1247 – 1246:
ِض -ال َباسِ ُ
ط َان -القَ اب ُ
المن ُ
اب َ -
ه ُالو َّ
الم ْعطي َ -
المجموعة العشرون ُ : 379
�سن ال�صوتِ بالقر�آن ،فكان æقال علقمة بن قي�س :كنت رجال قد �أعطاين اهلل ُح َ
يل ف�أقر�أ عليه! ،قال :فكنت �إذا فرغت من قراءتي، عبد اهلل بن م�سعود ‹ ير�س ُل �إ َّ
زينة القر�آن)(.)57(ح ْ�سنُ ال�صوت ُ
قال :زدنا من هذا ،ف�إين �سمعت ر�سول اهلل ¤يقولُ :
في نعمتك؟ ،فقال :ال َن َف َ�سان ،يدخل æقال مو�سى « :يا رب! ،دلني على َخ ِّ
�أحدهما وهو بارد ،ويخرج الآخر وهو حار ،ولوالهما لف�سد عي�شك ،وهل تبلغ قيمة
نف�س منهما؟!»(.)58
æقال �سعيد بن امل�سيب :حج عمر بن اخلطاب ‹ ،فلما كان ب�ضحيان (قرب مكة)
قال« :ال ِ�إله ِ�إال اهلل املعطي ما �شاء من �شاء ،كنت �أرعى �إبل اخلطاب يف هذا الوادي ،يف
مدرعة �صوف( )59وكان فظاً ،يتعبني ِ�إذا عملت ،وي�ضربني �إذا ق�صرت ،وقد �أ�صبحت
ولي�س بيني وبني اهلل �أحد»(.)60
æكان ابن عمر يقول« :اللهم ال تنزع م ِّني الإِميا َن كما � َ
أعط ْيتنِي ِه»(.)61
æقال تعالى} :ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ {
[النحل ،]18:قال الإمام �أبو �سليمان الداراين(�« :)62إين لأخرج من منزيل ،فما يقع
علي فيه نعمة� ،أو يل فيه عِ ربة»(.)63
ب�صري على �شيء� ،إال ر�أيت هلل َّ
æقال يحيى بن معاذ�« :إن هلل عليك نعمتني :ال�سراء للتذكري ،وال�ضراء
للتطهري ،فكن يف ال�سراء عبداً �شكورا ،ويف ال�ضراء حراً �صبورا»(.)64
(� )57أخرجه الطرباين وح�سنه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة برقم (( )1815جـ� - 4 :ص.)430 - 429 :
(( )58ربيع الأبرار) للزخم�شري (جـ� – 5:ص.)284 :
( )59مدرعة �صوف� :أي جبة من �صوف.
(� )60أخرج الأثر �أبو جعفر الطربي يف تاريخه (تاريخ الأمم وامللوك) (جـ� - 5 :ص.)59 :
( )61رواه ابن �أبي �شيبة يف م�صنفه برقم (( )29536جـ� – 6:ص)69:وقال عنه الألباين� :إ�سناده �صحيح موقوفا (الإميان
البن �أبي �شيبة برقم (.))15
( )62عبد الرحمن بن �أحمد بن عطية العن�سي.
(()63تف�سري القر�آن الكرمي) البن كثري (�آل عمران -الآية )191 :وعزاه البن �أبي الدنيا يف كتابه (التفكر واالعتبار).
(()64نرث الدر) للآبي (جـ� – 7 :ص.)68 :
380 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
æقال �صالح بن جناح الدم�شقي البنه« :يا بني� ،إذا مر بك يوم وليلة قد �سلم فيها
دينك ،وج�سمك ،ومالك ،وعيالك ,ف�أكرث ال�شكر هلل تعالى ,فكم من م�سلوب دينه,
ومنزوع ملكه ,ومهتوك �سرته ,ومق�صوم ظهره يف ذلك اليوم ,و�أنت يف عافية»(.)65
æدخل ابن ال�س ّماك يوم ًا على الر�شيد فدعا الر�شيد مباء لي�شربه فقال :ماء!
نا�شدتك اهلل يا �أمري امل�ؤمنني� ،أر�أيت لو ُمنعت من �شربه ،ما الذي كنت فاعله؟ فقال:
كنت �أفتديه بن�صف ملكي! ،فقال :ا�شرب هنيئاً لك ،فلما فرغ من �شربه قال :نا�شدتك
اهلل� ،أر�أيت لو منعت من خروجه ماذا كنت تفعل؟ قال :كنت �أفتديه بن�صف ملكي،
فقال� :إن ملكاً يفتدى ب�شربة ماء خلليق ب�أال ُيناف�س عليه!»(.)66
أعرابي فقال« :الله ّم �إنيّ �أرى من ف�ضلك ما مل �أ�س�ألك ،فعلمت � ّأن لديك
æدعا � ٌّ
من ال ّنعم ما ال �أعلمه ،ف�صغرت قيمة مطلبي فيما عاينتهّ ،
وق�صرت غاية �أملي ع ّما
�شاهدته»(.)67
الــمــجــمــوعـــــــ 21ـــــــــة
مو�ضوع الأ�سماء :ا ْل ِهدَ ا َي ُة
()74 - 73 - 72 - 71 - 70
كم -ال َف َّت ُاح حل ُ ني -ا ْل َها ِدي -ا َ ا َ
حل ُّق -املُ ِب ُ
382 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الـمجـمـوعـ 21ـة
مو�ضوع الأ�سماء :ا ْلهِدَ ا َي ُة
()74 - 73 - 72 - 71 - 70
كم -ال َف َّت ُ
اح ني -ا ْل َها ِدي -ا َ
حل ُ حلقُّ -املُ ِب ُ ا َ
�أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود:
حلقُّ :ورد يف القر�آن الكرمي ( 11مرة) ،منها قوله تعالى}:ﯘ ﯙ ﯚ æا َ
ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ{[امل�ؤمنون ،]116 :ومن ال�سنة حديث ابن
عبا�س يف ا�ستفتاح الر�سول اهلل � ¤صالته من الليل ،وفيه� ..( :أَنْتَ ا َ
حلقُّ ،ووعدك
حلقُّ ،وقولك ا َ
حلقُّ .)1().. ا َ
æاملُ ِبنيُ :ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة ،يف قوله تعالى } :ﮮ ﮯ ﮰ
ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ{[النور ،]25:ومل يرد يف ال�سنة ب�سند �صحيح.
æا ْل�� َه��ا ِدي :ورد يف ال��ق��ر�آن ال��ك��رمي (م��رت�ين) يف قوله تعالى }:ﯪ ﯫ
ﯬ ﯭ{[الفرقان ،]31:وقوله تعالى } :ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ
ﯭ{ [احلج ،]54:ومل يرد اال�سم يف ال�سنة ب�سند �صحيح.
كم :ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة يف قوله تعالى}:ﮐ ﮑ ﮒ æا َ
حل ُ
ﮓ{[الأنعام ،]114:ومن ال�سنة قوله � ..( :¤إنَّ اهلل هو ا َ
حل َكم ،و�إليه ُ
احلكم)(.)2
َّاح :ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة يف قوله تعالى}:ﮊ ﮋ ﮌ
æال َفت ُ
ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ{[�سب�أ ،]26:ومل يرد اال�سم يف ال�سنة
ب�سند �صحيح.
( )1رواه البخاري برقم (.)6317
( )2رواه �أبو داود والن�سائي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع (.)1845
كم -الفَ َّت ُ
اح الح ُ هادِ ُ
يَ - المب ُ
ِين -ا ْل َ الح ُّ
قُ - المجموعة الحادية والعشرون َ : 383
كم�« :صيغة مبالغة من ا�سم الفاعل احلاكم ،فعله ح َك َم َيح ُكم ُح ْكماً، حل ُ æا َ
يحكم ويف�صل ويق�ضي يف �سائر الأمور»( ،)12قال ابن حل َك ُم هو الذي َفهو حاكم ،وا َ
احل َك ُم) ..مبعنى احلاكِم ،وهو القا�ضيَ ،فهو فع ٌ
ِيل مبعنى فاعِ ٌل»(.)13 الأثريَ (« :
æال َف َّت ُاح�« :صيغة مبالغة ،على وزن ف َّعال ،من ا�سم الفاعل (الفاحت) ،فعله
َف َت َح َي ْف َتح َف ْتحاً ،وال َف ْت ُح نقي�ض ا ِلإغ�ل�اق»( ،)14وقال الراغب« :الفتح �إزال��ة الإغالق
والإ�شكال ،وذلك �ضربان� :أحدهماُ :ي ْد َر ُك بالب�صر كفتح الباب والقفل واملتاع ،نحو
قوله تعالى } :ﭥ ﭦ ﭧ{[يو�سف ،]65:والثاينُ :ي� ْد َر ُك بالب�صرية ..كفتح
امل�ستغلق من العلوم»(.)15
ثالث ًا :املعنى ال�شرعي:
æا َ
حلقُّ « :املوجود حقيقة ،املتحقق وجوده و�إلهيته»( ،)16قال اخلطابي(« :ا َ
حلقُّ)
املتحقق كونه ووجوده ،وكل �شيء �صح وجوده وكونه ،فهو حق»( ،)17وقال الزجاجي:
«(ا َ
حل�� ُّق) �أي اهلل هو احل��ق ،وما ُع ِب َد دون��ه الباطل ،واهلل احل��ق� ،أي ذو احلق يف
�أمره ،ونهيه ،ووعده ،ووعيده ،وجميع ما �أنزل على ل�سان ر�سله و�أنبيائه»( ،)18وقال
حلقُّ) يف ذاته و�صفاته ،فهو واجب الوجود ،كامل ال�صفات والنعوت، ال�شيخ ال�سعدي(« :ا َ
وجوده من لوازم ذاته ،وال وجود ل�شيء من الأ�شياء �إال به ،فهو الذي مل يزل -وال
يزال -باجلالل واجلمال والكمال مو�صو ًفا ،ومل يزل -وال يزال -بالإح�سان معرو ًفا؛
فقوله حق ،وفعله حق ،ولقا�ؤه حق ،ور�سله حق ،وكتبه حق ،ودينه هو احلق ،وعبادته
وحـده ال �شـريك له هي احلق ،وكل �شيء ُي ْن َ�س ُـب �إليه فهو حق} :ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ
(�( )12أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( )651:احلكم).
(( )13ل�سان العرب) البن منظور (جـ� - 12 :ص.)140 :
(�( )14أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( )518:الفتاح).
(( )15املفردات) للراغب الأ�صفهاين (جـ� - 2 :ص .)479:
(( )16النهاية) البن الأثري (جـ � - 1 :ص( )413 :مادة :حقق) والقول البن الأثري.
(�( )17ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص.)76:
(( )18ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص.)178 :
كم -الفَ َّت ُ
اح الح ُ هادِ ُ
يَ - المب ُ
ِين -ا ْل َ الح ُّ
قُ - المجموعة الحادية والعشرون َ : 385
ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ {[احلج.)19(»]62:
æاملُ ِبنيُ« :البينِّ الظاهر ،املظهر للحق من الباطل»( ،)20قال الزجاجي(« :املُ ِبنيُ)
املبني لعباده �سبي َل الر�شاد ،واملو�ضِّ ح لهم الأعمال املوجبة لثوابه ،والأعمال املوجبة
لعقابه ،واملبني لهم ما ي�أتونه و َيذ ُرونه»( ،)21ويقول اخلطابي(« :املُ ِب ُني) ال َب نِّ ُ
ي � ْأمر ُه
البي �أمره ،وقيل: يف الوحدانية ،و�إنه ال �شريك له»( ،)22وقال الأ�صبهاين(« :املُ ِب ُني) نِّ
البي الربوبية وامللكوت ..وقيل� :أبان للخلق ما احتاجوا �إليه»( )23ويقول احلليمي: نِّ
«(املُ ِب ُني) الذي ال يخفى وال ينكتم ،والبارئ -جل ثنا�ؤه -لي�س بخاف وال منكتم؛ لأن
له من الأفعال الدالة عليه ما ي�ستحيل معها �أن يخفى»(.)24
æا ْل�� َه��ا ِدي« :ال��ذي بهدايته اهتدى �أه��ل والي��ت��ه ،وبهدايته اهتدى احل��ي��وان ملا
ي�صلحه»( ،)25قال اخلطابي(« :ا ْل�� َه��ا ِد ُي) ال��ذي َم� َّ�ن ِب� ُه��دا ُه على من �أراد من عباده،
فخ�ص ُه بهدايته ،و�أكرمه بنو ِر توحيده ،كقوله تعالى } :ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ َّ
خل� ْل��قِ م��ن احل�ي��وان �إل��ى م�صاحلها، ﰋ{[يون�س ،]25:وه��و ال��ذي َه �دَى �سائر ا َ
و�ألهمها كيف تطلب ال � ِّر ْزق ،وكيف تتقي امل�ضا َّر واملهالك؟ ،كقوله تعالى} :ﰎ ﰏ
ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ{[طه ،)26(»]50:وقال الزجاجي(« :ا ْل َها ِد ُي) يهدي
عباده �إليه ،و َيدُلهُّم عليه ،وعلى �سبيل اخلري والأعمال املق ِّربة منه »( ،)27وقال
ال�شيخ ال�سعدي(« :ا ْل َها ِد ُي) الذي يهدي وير�شد عباده �إلى جميع املنافع ،و�إلى دفع
امل�ضار ،ويعلمهم ما ال يعلمون ،ويهديهم لهداية التوفيق والت�سديد ،ويلهمهم
التقوى ،ويجعل قلوبهم منيبة �إليه ،منقادة لأمره»(.)28
( )19تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص.)20 :
( )20معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة :ب ي ن).
(( )21ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص.)181 :
(�( )22ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص.)102:
(( )23احلجة يف املحجة) للأ�صبهاين (جـ� - 1 :ص.)143 :
(( )24الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ� - ١ :ص.)46 :
(( )25االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص.)46:
(�( )26ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص.)96-95 :
(( )27ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص.)187 :
( )28تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص.)20 :
386 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
املتخ�ص�ص باحلكم الذي ال ينق�ض حكمه»( ،)29يقول اخلطابي: ّ كم« :احلاكم æا َ
حل ُ
كم) احلاكم ..وهو الذي َ�س ِل َم لـــــــه ا ُ
حل ْك ُم ،ور َّد �إليه فيه الأمر كقوله تعالى: «( َ
احل ُ
} ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ{[الق�ص�ص ،)30(»]88 :ويقول القرطبيَ (« :
احل��ك ُ��م) من
له احلكم ،وهو تنفيذ الق�ضايا و�إم�ضاء الأوام��ر والنواهي»( ،)31ويقول احلليمي:
كم) هو الذي له احلكم ،و�أ�صل احلكم منع الف�ساد ،و�شرائع اهلل -تعالى -كلها «( َ
احل ُ
كم) ..الذي يحكم بني عباده يف ا�ست�صالح للعباد»( ،)32وقال ال�شيخ ال�سعديَ (« :
احل ُ
الدنيا والآخرة بعدله وق�سطه ،فال يظلم مثقال ذرة ،وال ُيح ِّمل �أحدًا وزر �أحد ،وال
يجازي العبد ب�أكرث من ذنبه ،وي�ؤدي احلقوق �إلى �أهلها ،فال يدع �صاحب حق �إال
و�صل �إليه حقه»(.)33
æال َفت ُ
َّاح :القا�ضي بني عباده ،الكا�شف لكل منغلق وم�شكل ،النا�صر لكل م�ؤمن ،قال
اخلطابي( « :ال َفت َُّاح) احلاكم بني عباده ..وقد يكون معناه ً �-
أي�ضا -الذي يفتح �أبواب
الرزق والرحمة لعباده ،ويفتح املنغلق عليهم من �أمورهم و�أ�سبابهم ،ويفتح قلوبهم
وعيون ب�صائرهم ،ليب�صروا احل��ق ،ويكون الفاحت �-أي�ضاً -مبعنى النا�صر»(،)34
وقال احلليمي(« :ال َفت َُّاح) هو احلاكم� :أي يفتح ما انغلق بني عباده ،ومييز احلق من
الباطل ،ويعلي المُ حِ َّق ،ويخزي املبطل ،وقد يكون ذلك منه يف الدنيا والآخرة»(.)35
ويقول البيهقي« :هو احلاكم بني عباده ،ويكون (ال َفت َُّاح) الذي يفتح املنغلق على عباده
من �أمورهم ديناً ودنيا ،ويكون مبعنى النا�صر»(.)36
( )29تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور (الآية 114:من �سورة الأنعام).
(�( )30ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص.)61:
(( )31الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي -حتقيق :حممد ح�سن جبل وطارق �أحمد حممد (جـ�-1:ص.)438:
(( )32الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ� - ١ :ص.)199 :
( )33تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص.)19 :
(�( )34ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي �ص (.)56
(( )35الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ� - ١ :ص )164 :وعزاه للحليمي.
(( )36االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص.)39 :
كم -الفَ َّت ُ
اح الح ُ هادِ ُ
يَ - المب ُ
ِين -ا ْل َ الح ُّ
قُ - المجموعة الحادية والعشرون َ : 387
قد ت�أبى االنقياد حلكم اهلل ،وال تقبل احلق ،وتعادي �أهله ،وهنا ال بد من جميء احلق
وظهوره ،فيق�ضي اهلل (ال َفت َُّاح) بحكمه ،ويفتح على امل�ؤمنني برحمته ون�صره ،ب�إظهار �أثر
ر�ضاه على �أوليائه ،وغ�ضبه على �أعدائه ،قال تعالى} :ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ
ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ{[�سب�أ ،]26:وقال -تعالى -حكايـة عن �شعيب } :ﯘ ﯙ
ﯚ ﯛﯜﯝﯞﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣﯤﯥ
ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ{ �إلى قوله تعالى } :ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ
ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ
ﮛ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮢﮣ ﮤﮥﮦﮧ
ﮨ ﮩ ﮪ{[الأعراف.]91-87:
يم :ورد االق�تران مع ا�سمـــه �-سبحانـــه (ال َفتَّاح) مرة واحـــدة يف قولـــه æا ْل َع ِل ُ
تعالى}:ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ{[�سب�أ،]26:
وال�سر يف ذلك -واهلل �أعلم -للداللة على كمال الفتح ،وا�ستقامة احلكم ،و�أنه قائم على
عليم بالق�ضاء ،ال تخفى عليه خافية ،وال حتف بحكمه �أ�سباب العدل والق�سط ،ل�صدوره عن ٍ
اخلط�أ واجلور النا�شئة عن اجلهل والعجز ،يقول ابن عا�شور�« :أتبع }ا ْل َفت َُّاح{ بـ }ا ْل َع ِليم{
للداللة على �أن حكمه ع �د ُْل محَ ����ض؛ لأن��ه عليم ،ال حت� ُّ�ف بحكمه �أ�سباب اخلط أ�
واجلور النا�شئة عن اجلهل والعجز ،واتباع ال�ضعف النف�ساين النا�شئ عن اجلهل
بالأحوال والعواقب»(.)54
وبهدايتهم هداية البيان والإر�شاد ،ف�أبان لهم اخلري وحثهم عليه ،وع َّرفهم بال�شر
وحذرهم منه ،ودعاهم �إلى التحاكم �إلى حكمه ،والتعلق به وحده الذي بيده مقاليد
كل �شيء وهو الذي بيده مفاتيح العلم والهدى والرحمة والرزق والن�صر ،ومفاتيح ما
انغلق من الأمور .
2.2الر�ضى والطم�أنينة مبا ي�صيب امل�ؤمن من امل�صائب امل�ؤملة ،والإميان ب�أنها كائنة بعلم
اهلل � -سبحانه -و�إرادته وحكمته ،وهي حق ال باطل فيها وال عبث وال ظلم ،والت�سليم
التام لأحكامه ال�شرعية فيما ي�أمر به وينهى عنه ،واليقني ب�أن �أحكام اهلل -تعالى-
كلها حق وخري.
3.3قيام احلجة على اخللق بهذا البيان ،مع ما قام يف العقول والفطر من الآيات البينات
الدالة على وحدانيته ،وتفرده باخللق والأم��ر ،ولكن من رحمته �-سبحانه� -أنه ال
يعذب عباده بحجة العقل والفطرة ،و�إمنا بعد �إر�سال الر�سل وبيانهم للنا�س ،كما قال
تعالى } :ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ{[الأ�سراء .]15:
4.4ال�صدق يف احلديث ،وقول احلق والتم�سك به ،مهما كانت تبعاته؛ ولذا َع َّد الإ�سالم
�أف�ضل اجلهاد كلمة حق عند �سلطان ظامل؛ حلديث �أبي �سعيد اخلدري ‹ ،عن
النبي ¤قال�( :أف�ضل اجلهاد كلمة حق عند �سلطان جائر)(.)55
�5.5شعور العبد بافتقاره التام �إلى ربه �-سبحانه -يف طلب هداية التوفيق والإلهام ،التي
ال ميلكها �إال اهلل كما قال �سبحانه خماطب ًا نبيه ¤يف حر�صه على هداية عمه
�أب���ي ط��ال��ب} :ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ
ﮜ{[الق�ص�ص ،]56:ولذا كان حري ًا بالعبد �أن ي�س�أل ربه الهداية والتثبيت.
�6.6سعي امل�ؤمن �إلى �أن يكون هاد ًيا �إلى اهلل و�إلى �صراطه امل�ستقيم؛ وذلك بن�شر العلم
والدعوة �إلى اهلل �-سبحانه ،و�إر�شاد النا�س �إلى احلق ،وحتذيرهم من الباطل .
7.7الثقة يف ن�صر اهلل -تعالى -وفتحه لعباده امل�ؤمنني فهو �-سبحانه -الذي ي�أتي بالفتح
( )55رواه الإمام �أحمد وابن ماجه و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع (.)1100
394 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
بني عباده امل�ؤمنني و�أعدائه الكافرين ،ومنه الن�صر والتمكني ،فال يجوز بحال �أن
يتطرق �إلى نف�س امل�ؤمن الي�أ�س من فتحه �-سبحانه -ون�صره �إذا �أبط�أ فله �-سبحانه-
احلكمة من ت�أخري الفتح والن�صر.
ثامن ًا :مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء:
كم -ال َفت َُّاح) من الأ�سماء الدالة على �صفة اهلل الذاتية (احل ُّق -املُ ِب ُني -ا ْل َها ِدي َ -
احل ُ َ
(احلقّ ) و�صفات اهلل الفعلية (الإبانة والهداية وا ُ
حل ْكم وا ْل َفتْح)؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء َ
(احلقّ ) يف جميع �أغرا�ض الدعاء ،ومن ذلك ا�ستفتاح اهلل ،والتو�سل �إليه ،والثناء عليه با�سم َ
الر�سول اهلل � ¤صالته من الليل( :اللهم لك احلمد� ،أنت نور ال�سماوات والأر�ض ومن
فيهن ،ولك احلمد� ،أنت قيم ال�سماوات والأر�ض ومن فيهن ،ولك احلمد� ،أنت احلق، ّ
ووعدك حق ،وقولك حق ،ولقا�ؤك حق ،واجلنة حق ،والنار حق ،وال�ساعة حق،
والنبيون حق ،وحممد حق ،اللهم لك �أ�سلمت ،وعليك توكلت ،وبك �آمنت ،و�إليك
�أنبت ،وبك خا�صمت ،و�إليك حاكمت ،فاغفر يل ما قدمت وما �أخرت ،وما �أ�سررت
كم -ال َفت َُّاح) ،فللم�سلم �أن يدعو
احل ُ وما �أعلنت ،)56()..و�أما �أ�سما�ؤه (املُ ِب ُ
ني -ا ْل َها ِدي َ -
مبا �شاء من �أغرا�ض الدعاء التي تنا�سب معاين تلك الأ�سماء ،كمن كان عاجز ًا عن بيان
حجته� ،أو كان يف حاجة لبيان م�س�ألة قد �أ�شكلت عليه� ،أو كان مظلوم ًا وال يجد دلي ًال لرباءته،
�أو �سند ًا لتنفيذ ما حكم له� ،أو الدعاء بالهداية للطريق امل�ستقيم ،ومن ذلك قوله تعالى:
} ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ{[البقرة ،]69:وقوله تعالى} :ﭧ ﭨ
ﭩ{[الفاحتة ،]6:وقوله تعالى } :ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ
ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ{[الأعراف ،]43:وقوله -تعالى -عن نوح } :ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ
ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ
ﮉ ﮊ{[ال�شعراء ،]118:ويف الأثر من حديث عمر ‹ ،قال« :اللهم بني لنا يف
( )56رواه البخاري برقم (.)6317
كم -الفَ َّت ُ
اح الح ُ هادِ ُ
يَ - المب ُ
ِين -ا ْل َ الح ُّ
قُ - المجموعة الحادية والعشرون َ : 395
�أوال دار الإمارة ثم �أتى �إلى مو�ضع امل�سجد الأعظم فاختطه ،فاختلف عليه النا�س
يف القبلة! وقالوا� :إن جميع �أهل املغرب �سي�ضعون قبلتهم على قبلة هذا امل�سجد،
ف�أجهد نف�سك يف تقوميها! ،ف�أقاموا �أياما ينظرون �إلى مطالع ال�شتاء وال�صيف من
النجوم وم�شارق ال�شم�س ،فلما ر�أى �أمرهم قد اختلف بات مغموماً! ،فدعا اهلل
�أن يفرج عنهم ،ف�أتاه �آت يف منامه فقال له� :إذا �أ�صبحت فخذ اللواء يف يدك ،واجعله
على عنقك ،ف�إنك ت�سمع بني يديك تكبرياً ،وال ي�سمعه �أحد من امل�سلمني غريك،
فانظر املو�ضع الذي ينقطع عنك فيه التكبري :فهو قبلتك وحمرابك! .فا�ستيقظ
من منامه ،فتو�ض�أ لل�صالة ،و�أخذ ي�صلي وهو يف امل�سجد ومعه �أ�شراف النا�س ،فلما
�أفجر ال�صبح و�صلى ركعتي ال�صبح بامل�سلمني �إذا بالتكبري بني يديه! فقال ملن حوله:
�أت�سمعون ما �أ�سمع؟ ،فقالوا :ال! ،فعلم �أن الأمر من عند اهلل ،ف�أخذ اللواء فو�ضعه
على عنقه و�أقبل يتبع التكبري حتى و�صل �إلى مو�ضع املحراب فانقطع التكبري فركز
لواءه وقال :هذا حمرابكم! ،فاقتدى به �سائر م�ساجد املدينة ثم �أخذ النا�س يف بناء
الدور وامل�ساكن وامل�ساجد وعمرت القريوان»(.)63
æيقول ابن القيم�« :شهدت �شيخ الإ�سالم -ق ّد�س اهلل روحه � -إذا �أَ ْع َي ْته امل�سائل،
وا�ست�صعبت عليه ،فر منها �إلى التوبة واال�ستغفار ،واال�ستغاثة باهلل ،واللج�أ �إليه،
وا�ستنزال ال�صواب من عنده ،واال�ستفتاح من خزائن رحمته ،فقلما يلبث املدد
الإلهي �أن يتتابع عليه مدًا ،وتزدلف الفتوحات الإلهية �إليه ب�أيتهن يبد�أ»(.)64
� æس�أل بع�ض الدهرية (امللحدين) الإمام ال�شافعي عن دليل ال�صانع (وجود اهلل)؟،
فقال :ورق��ة الفر�صاد( ،)65ت�أكلها دودة القز فيخرج منها الإبري�سم( ،)66والنحل
(( )63البيان املغرب يف �أخبار الأندل�س واملغرب) البن عذاري املراك�شي (جـ� – 1:ص.)21 – 20 :
(�( )64إعالم املوقعني عن رب العاملني) البن القيم (جـ � - 4 :ص.)172 :
( )65الفر�صاد :التوت� ،أي ورق �شجرة التوت ،وهو طعام دود القزّ.
( )66الإِ ْب َر ْي َ�سمَ :
احل ِر ِير.
398 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
فيكون منها الع�سل ،والظباء فينعقد يف نوافجها( )67امل�سك ،وال�شاء فيكون منها
البعر ،ف�آمنوا كلهم وكانوا �سبعة ع�شر! .وقيل لأعرابي :مب عرفت ربك؟! ،فقال :البعرة
تدل على البعري ،والروث يدل على احلمري ،و�آثار الأقدام تدل على امل�سري ،ف�سماء
ذات �أبراج ،وبحار ذات �أمواج� ،أما يدل ذلك على العليم القدير؟!»(.)68
æقال عون بن عبداهلل بن عتبة« :اخلري من اهلل كثري ،ولكنه ال يب�صره من
النا�س �إال ي�سري ،وهو للنا�س من اهلل معرو�ض ،ولكنه ال يب�صره من ال ينظر اليه،
وال يجده من ال يبتغيه ،وال ي�ستوجبه من ال يعلم ب��ه� ،أمل ت��روا ال��ى ك�ثرة جنوم
ال�سماء ف�إ ّنه ال يهتدي بها �إال العلماء!»(.)69
æقال ابن القيم« :كل من �أعر�ض عن �شيء من احلق وجحده ،وقع يف باطل
مقابل ملا �أعر�ض عنه من احل��ق وجحده وال ب��د ،حتى يف الأع�م��ال :من رغ��ب عن
العمل لوجه اهلل وحده؛ ابتاله اهلل بالعمل لوجوه اخللق .فمن رغب عن العمل ملن
�ضره ونفعه وموته وحياته و�سعادته بيده ابتلي بالعمل ملن ال ميلك له �شيئا من
ذلك .وكذلك من رغب عن �إنفاق ماله يف طاعة اهلل ابتلي ب�إنفاقه لغري اهلل وهو
راغم .وكذلك من رغب عن التعب هلل ابتلي بالتعب يف خدمه اخللق وال بد .وكذلك
من رغب عن الهدى بالوحي ابتلي بكنا�سة الآراء وزبالة الأذهان وو�سخ الأفكار»(.)70
æقال تعالى } :ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ{[النازعات ،]19:قال ابن القيم�« :أي �إذا
اهتديت �إليه وعرفته :خ�شيته ،لأن من عرف اهلل خافه ،ومن مل يعرفه مل َي َخفه،
فخ�شيته – تعالى -مقرونة مبعرفته ،وعلى قدر املعرفة تكون اخل�شية»(.)71
( )67النوافج :وعاء امل�سك يف ج�سم الظبي (الغزال) ،وهو عبارة عن ورم وجتمع دموي غليظ �أ�سود يكون يف بطن الظبي قرب ال�سرة.
(( )68نفح الطيب من غ�صن الأندل�س الرطيب) للتلم�ساين (جـ� – 5ص.)289 – 288 :
(( )69حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ� – 4 :ص.)245 :
(( )70مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ� – 1:ص.)165:
(( )71التبيان يف �أميان القر�آن) للإمام ابن القيم (�ص.)220:
ب -الد َّي ُ
ان هيد -ا ْل َحاسِ ُ
ُ قيب َّ -
الش ُ المجموعة الثانية والعشرون :ال َّر 399
الــمــجــمــوعـــــــ 22ـــــــــة
ا�س َب ُة
مو�ضوع الأ�سماء :املُ َح َ
()78 - 77 - 76 - 75
ا�س ُب -الد َّي ُان هيد -الحْ َ ِ قيب َّ -
ال�ش ُ ال َّر ُ
400 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الـمجـمـوعـ 22ـة
ا�س َب ُة
مو�ضوع الأ�سماء :املُ َح َ
() 78 - 77 - 76 - 75
هيد -الحْ َ ِ
ا�س ُب -الد َّي ُان ال�ش ُ قيب َّ - ال َّر ُ
�أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود:
قيب :ورد يف القر�آن الكرمي ( 3مرات) منها قوله تعالى }:ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ æال َّر ُ
قال :خطب ر�سول اهلل ¤ ﮒ ﮓ{[الأحزاب ،]52:ومن ال�سنة حديث ابن عبا�س
فقال( :يا �أيها النا�س� ،إنكم حم�شورون �إلى اهلل حفاة عراة ُغ ْر ًال)( ،)1ثم قر�أ } :ﭯ
ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ{[الأنبياء� ،]104:أال و�إن �أول
اخلالئق يك�سى يوم القيامة �إبراهيم� ،أال و�إنه يجاء برجال من �أمتي في�ؤخذ بهم
ذات ال�شمال ،ف�أقول :يا رب �أُ َ�ص ْي َحا ِبي ،فيقال� :إنك ال تدري ما �أحدثوا بعدك،
ف�أقول كما قال العبد ال�صالح } :ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ
ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ{[املائدة ،]117:فيقال� :إن ه���ؤالء مل
يزالوا مرتدين على �أعقابهم منذ فارقتهم)(.)2
ال�شهيدُ :ورد اال�سم الكرمي يف القر�آن العظيم ( 19مرة) ،منها قوله تعالى }:ﯺ
َّ æ
ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ{[ف�صلت ،]53:ومن ال�سنة ما ورد يف احلديث ال�سابق.
ا�س ُب :ورد اال�سم الكرمي يف القر�آن العظيم مرتني ،يف قوله تعالى}:ﭪ
æالحْ َ ِ
ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ
ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ{[الأنبياء ،]47:وقوله تعالى } :ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ
ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ{[الأنعام ،]62:ومل يرد اال�سم يف ال�سنة
( )1غرال :جمع الأَ ْغ َرل ،وهو الأَ ْقلف غري املخنت ،واملق�صود� :أَي ُق ْلف ًا؛ غري مخَ ْ تُو ِننيَ.
( )2رواه البخاري برقم (.)4625
ب -الد َّي ُ
ان هيد -ا ْل َحاسِ ُ
ُ قيب َّ -
الش ُ المجموعة الثانية والعشرون :ال َّر 401
ب�سند �صحيح ،وقد ع ّده بع�ض العلماء و�أدرج��ه �ضمن �أ�سماء اهلل احل�سنى ،مثل الإمام
القرطبي ،وال�شيخ عبداهلل بن �صالح الغ�صن ،وال�شيخ حممد احلمود النجدي ،والأكرث مل
يدرجه �ضمن الأ�سماء ،و�إن ُاعترب معناه �ضمن معاين ا�سمه �-سبحانه (احل�سيب).
æالد َّيانُ :مل يرد هذا اال�سم الكرمي يف القر�آن العظيم ،و�إمنا ورد يف ُّ
ال�س َّنة النبوية،
من حديث عبد اهلل بن �أني�س اجلهني ‹ ،قال� :سمعت ر�سول اهلل ¤يقول( :يح�شر
النا�س يوم القيامة � -أو قال العباد -عراة ُغ ْر ًال ُب ْه َم ًا!) ..قال :قلنا وما ُب ْه َماً؟،
قال( :لي�س معهم �شيء ،ثم يناديهم ب�صوت ي�سمعه من قرب� :أنا امللك� ،أنا الدَ َّيان،
ال ينبغي لأحد من �أهل النار �أن يدخل النار وله عند �أحد من �أهل اجلنة حق ،حتى
�أق�صه منه ،وال ينبغي لأحد من �أهل اجلنة �أن يدخل اجلنة ولأحد من �أهل النار
عنده حق حتى �أق�صه منه ،حتى اللطمة) ،قال :قلنا :كيف ،و�إمنا ن�أتي عراة غر ًال
ُب ْه َماً؟! ،قال( :احل�سنات وال�سيئات)(.)3
َّ æ
ال�شهيدُ « :املطلع على ما ال يعلمه املخلوقون �إال بال�شهود وهو احل�ضور»( ،)15قال
ال�شهيدُ ) :ال��ذي ال يغيب عنه �شيء� ..أي �أن��ه حا�ضر ي�شاهد الأ�شياءابن الأث�يرَّ (« :
ال�شهيدُ ) :الذي ال يغيب عنه �شيء ،وال يعزب عنه ويراها»( ،)16وقال ابن القيمَّ (« :
مثقال ذرة يف الأر�ض وال يف ال�سماء ،بل هو مطلع على كل �شيء ،م�شاهد له ،عليم
بتفا�صيله»( ،)17وقال ال�سعديَّ (« :
ال�شهيدُ ) املطلع على جميع الأ�شياء� ،سمع جميع
الأ��ص��وات؛ خفيها وجليها ،و�أب�صر جميع امل��وج��ودات؛ دقيقها وجليلها� ،صغريها
وكبريها ،و�أحاط علمه بكل �شيء ،الذي �شهد لعباده وعلى عباده مبا عملوه»(.)18
ا�س ُب« :الذي �أح�صى كل �شيء ،ال يفوته مثقال ذرة»( ،)19قال ابن جرير æالحْ َ ِ
الطربيْ �}َ « :أ�س َر ُع الحْ َ ِا�س ِبنيَ{ �أي �أ�سرع من ح�سب عددكم و�أعمالكم و�آجالكم وغري
ذلك من �أموركم �أيها النا�س ،و�أح�صاها وعرف مقاديرها ومبالغها؛ لأنه ال يح�سب
بعقد َيدٍ ،ولكنه يعلم ذلك ،وال يخفى عليه منه خافية»( ،)20وقال ال�شيخ ال�سعدي:
ا�سب ًا) �أي :عاملا ب�أعمال العباد ،حافظا لها ،مثبتاً لها يف الكتاب ،عاملاً
«كفى به ( َح ِ
ال للعمال جزاءها»(.)21مبقاديرها ومقادير ثوابها وعقابها وا�ستحقاقها ،مو�ص ً
æالد َّيانُ « :املحا�سب املجازي ،ال ُي ِ�ضيع عمل عامل»( ،)22قال القرطبي« :وهو
(الد َّيانُ ) املجازي ،ويف احلديث( :الك ِّي�س من دان نف�سه)(� )23أي حا�سب»( ،)24وقال
ابن القيمَ }« :ي ْو ِم الدِّ ِين{ ف�إنه اليوم الذي يدين اهلل العباد فيه ب�أعمالهم فيثيبهم على
(( )15الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ� - ١ :ص )126وعزا القول للحليمي.
(( )16جامع الأ�صول) البن الأثري (جـ � - 4 :ص.)179 :
(( )17مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ� - 3 :ص.)466 :
( )18تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص.)19 :
(( )19النهج الأ�سماء يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للنجدي (�ص.)258 :
(( )20تف�سري الطربي) عند تف�سري الآية ( )62من �سورة الأنعام.
( )21تف�سري (ال�سعدي) عند تف�سري الآية ( )47من �سورة (الأنبياء).
(( )22فتح الباري) البن حجر (جـ� - 3 :ص ،)3340 :وعزا القول للحليمي.
( )23رواه الرتمذي و�ضعفه الألباين يف �ضعيف اجلامع برقم (.)4310
( )24تف�سري (اجلامع لأحكام القر�آن) للقرطبي (تف�سري �سورة الفاحتة الآية .)4
404 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
اخلريات ويعاقبهم على املعا�صي وال�سيئات»( ،)25وقال احلليمي(« :الدَّ َّيانُ ) احلا�سب
ال ،ولكنه يجزي باخلري خرياً وبال�شر �شراً»(.)26 واملجازي ،الذي ال ي�ضيع عم ً
رابع ًا :الفروق بني الأ�سماء:
هيد) حيث �إن (ال َّرقيب) هو قيب) �أعم من ( َّ
ال�ش ِ قيب َّ -
ال�شهيدُ ( :ال َّر ُ æال َّر ُ
املطلع على جميع الأحوال الظاهرة من الأفعال والأقوال ،والباطنة يف ال�ضمائر وال�سرائر،
�أما ( َّ
ال�شهيدُ ) فهو املطلع على الأعمال الظاهرة من الأقوال والأفعال ،املح�صي لها ،ال�شاهد
عليها ،يقول ال�شيخ الهرا�س« :ف�إذا كان اهلل رقيباً على دقائق اخلفيات ،مطلعاً على ال�سرائر
والنيات ،كان من باب �أولى �شهيداً على الظواهر واجلليات ،وهي الأفعال التي تفعل
بالأركان �أي اجل��وارح»( .)27ويقول الغزايل ..« :ف�إنه -تعالى -عامل الغيب وال�شهادة،
والغيب عبارة عما بطن ،وال�شهادة عبارة عما ظهر ،وهو الذي ي�شاهد ،ف�إذا اعترب العلم
مطلقاً فهو العليم ..و�إذا �أ�ضيف �إلى الأمور الظاهرة فهو ال�شهيد»( ،)28وقيلّ �« :إن
الرقيب فيه زيادة حفظ ،فال�شهيد مطلع �شاهد ينظر �إليه ،و�أما الرقيب فهو مطلع
عليه يحفظ عمله الذي يزاوله ويعمله ،فاهلل -تبارك وتعالى -رقيب �شهيد»(.)29
قيب) هو املراقب واملطلع وامل�شاهد على الدوام ،الذي ال يغيب عنه
وميكن �أن يقال� :أن (ال َّر َ
�شيء من �أحوال العباد ،ي�سمع ويرى ،ويعلم ال�سر و�أخفى؛ مما هج�ست به ال�ضمائر �أو حتركت
به اخلواطر ،فاملراقبة دائمة وم�ستمرة يف كل حني وعلى كل حال ،حتى ولو كان الإن�سان نائما،
قال �سبحانه خماطبا نبيه } :¤ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ
ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ{[ال�شعراء ،]220-217:ف�أحاط علمه
– �سبحانه – بجميع املعلومات ،و�أحاط ب�صره بكل املب�صرات ،و�سمعه بجميع امل�سموعات،
(( )25مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ� - 1:ص.)12 :
(( )26الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ� - ١ :ص )195وعزا القول للحليمي.
(�( )27شرح الق�صيدة النونية) للدكتور حممد خليل هرا�س (جـ� - 2:ص.)89 :
(( )28املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص.)112 :
( )29من �شريط (مراقبة اهلل) لل�شيخ خالد ال�سبت.
ب -الد َّي ُ
ان هيد -ا ْل َحاسِ ُ
ُ قيب َّ -
الش ُ المجموعة الثانية والعشرون :ال َّر 405
قيب) الذي ال يغيب عنه �شيء يف الأر�ض وال يف ال�سموات� .أما ( َّ
ال�شهيدُ ) فهو وهو (ال َّر ُ
متعلق ب�إح�صاء الأعمال التي ت�ستحق املحا�سبة ،والثواب �أو العقاب ،والإخبار عنها ،و�إقامة
احلجة عليها؛ فمتى ما عمل االن�سان عمال قلبيا �أو قوليا �أو فعليا؛ فاهلل (�شهيد) عليه،
هيد) ولذا قال اهلل تعالى على ل�سان عبده ور�سوله قيب) �أعم من ( َّ
ال�ش ِ وبهذا املعنى فـ(ال َّر ُ
عي�سى بن مرمي } :ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ
ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ {� :أي معاين ًا لأحوالهم ،و�شاهد ًا عليهم ،ومانعا لهم من خمالفة
�أمر اهلل تعالى ما دمت مقيم ًا فيهم } ،ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ{ :املراقب
لأعمالهم على الدوام} ،ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ{[املائدة ،]117:مما كان وما �سيكون من
هيد) ب�إح�صاء الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ،وقريب من هذا املعنى -يف تعلق ( َّ
ال�ش ِ
الأعمال واملحا�سبة و�إقامة احلجة -قوله تعالى }:ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ
ﯽ{[املجادلة ،]6:واهلل �أعلم.
ا�س ُب) الذي �أح�صى كل �شيء من الأعمال �إح�صا ًء æالحْ َ ِ
ا�س ُب -الد َّيانُ ( :الحْ َ ِ
دقيق ًا ،وكتب ما ترتب عليها من ال�سيئات واحل�سنات ،وح�سـبك باهلل حا�سبـ ًا وحم�صي ًا،
كما قال اهلل �سبحـانــه } :ﭽ ﭾ ﭿ{[الأنبياء ،]47:وقوله تعالى } :ﯵ
ﯶ ﯷ{[املجادلة ،]6:ولذا و�صف املولى حال املجرمني ،وخوفهم وفزعهم عند
ن�شر كتب �أعمالهم ،وتعجبهم من دقة الإح�صاء ،و�شموله لكل �شيء قد اقرتفته �أيديهم
وعملته جوارحهم من الأقوال والأفعال ال�صغرية واحلقرية ف�ض ًال عن الكبرية والعظيمة،
ف�ضجوا بال�شكوى ل�سوء حالهم وخزيهم وافت�ضاحهم يف ذلك اجلمع ،ودعوا على �أنف�سهم
بالويل والهالك ،فما �أعظمه من موقف ،وما �أ�شده من خزي وعار؛ حيث اجتمع عليهم
خوف العقاب من احلق ،وخوف الف�ضيحة عند اخللق ،فقال تعالى} :ﭾ ﭿ ﮀ
ﮁ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮊﮋﮌﮍﮎ
ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ{[الكهف ،]49:وبعد الإح�صاء
والكتابة يكون اجل��زاء واملحا�سبة للعباد ،واحلكم بينهم يوم املعاد ،وهو مقت�ضى ا�سمه
406 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
�-سبحانه (الد َّيان) �أي املجازي ،كما قال �سبحانه } :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ
ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ{[غافر ،]17:يقول القرطبي« :فيجب على كل
مكلف �أن يعلم �أن اهلل �-سبحانه -هو (الد َّيانُ ) يوم القيامة ،الذي ُيجازي ك ً
ال بعمله،
فيقت�ص للمظلوم من الظامل ،ومن ال�سيد لعبده»(.)30
خام�س ًا :ال�صفة امل�شتقة:
قيب :ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه �-سبحانه (ال َّرقيب) «�صفة (الرقابة) وهي
æال َّر ُ
من �صفات اهلل الذاتية الثابتة بالكتاب وال�سنة»( ،)31قال تعالى } :ﯛ ﯜ ﯝ
ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ{[املائدة ،]117:ومن ال�سنة ما ورد يف
حديث ابن عبا�س الآنف الذكر�..( :إنكم حم�شورون �إلى اهلل حفاة عراة ُغ ْر ًال)..
ال�شهيد) «�صفة (ال�شهادة) ال�شهيدُ :ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه �-سبحانه ( َّ َّ æ
وهي من �صفات اهلل الذاتية الثابتة بالكتاب وال�سنة»( .. )32قال تعالى}:ﭤ ﭥ
ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ {[�آل عمران ،]18 :ومن ال�سنه قوله ¤يف حجة ال��وداع ..(:اللهم
ا�شهد! فليبلغ ال�شاهد الغائب.)33()..
ا�سب) «�صفة (املحا�سبة) æالحْ َ ِ
ا�س ُب :ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه �-سبحانه (الحْ َ ِ
وه��ي من �صفات اهلل الفعلية»( .. )34قال تعالى}:ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ
ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ{[الطالق ،]8:وقوله تعالى} :ﯲ
ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ{[الغا�شية ،]26-25:ومن ال�سنه قول عائ�شة :
�سمعت ر�سول اهلل ¤يقول يف بع�ض �صالته( :اللهم حا�سبني ح�سابا ي�سري ًا) ،قلت:
يا نبي اهلل ،ما احل�ساب الي�سري؟ ،قال�( :أن ينظر يف كتابه ،فيتجاوز عنه� ،إنه من
(( )30الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي -حتقيق :حممد ح�سن جبل وطارق �أحمد حممد (جـ�-1:ص.)421-420:
(�( )31أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( .)612 :الرقيب).
(�( )32أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( )525:ال�شهيد).
( )33رواه البخاري برقم ( ،)7078وم�سلم برقم (.)1679
(�( )34أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص )621:و�أوردها مع ا�سم اهلل (احل�سيب).
ب -الد َّي ُ
ان هيد -ا ْل َحاسِ ُ
ُ قيب َّ -
الش ُ المجموعة الثانية والعشرون :ال َّر 407
æالغفور الرحيم :ورد االقرتان مع ا�سمه �سبحانه (ال�شهيد) مرة واحدة يف قوله
تعالى } :ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ
ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ{[الأحقاف ،]8:واحلكمة يف ذلك
وا�ضحة ،وهي الدعوة �إلى الإقالع عن الذنوب والرجوع �إلى احلق ،والتوبة والإميان ،و�أنه مع
كونه �سبحانه �شهيدا على ذنوب عباده باطالعه ،و�إحاطة �سمعه وب�صره وعلمه؛ �إال �أن ذلك
ال مينع قبوله توبة عباده لكونه �سبحانه (غفورا رحيما) ،وهذا وعد من احلق تعالى
باملغفرة والرحمة �إن هم رجعوا عن الكفر والذنوب و�آمنوا �أو تابوا ،و�إ�شعا ٌر بحلمه �سبحانه
عنهم مع ِعظم ما اقرتفوه وارتكبوه .يقول ابن كثري }ْ « :ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ{ هذا
تهديد ،ووعيد �أكيد ،وترهيب �شديد ،وقوله جل وعال } :ﮄ ﮅ ﮆ{ ترغيب
لهم �إلى التوبة والإنابة� ،أي ومع هذا كله �إن رجعتم وتبتم تاب عليكم وعفا عنكم
وغفر ورحم»(.)39
�سابع ًا :الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء:
æالأثر العلمي االعتقادي:
قيب َّ�شهيدٌ َح ِ
ا�س ٌب د َّيانٌ ) ..رقيب على ما �أك َّنته ال�صدور، اهلل � -سبحانه وتعالى َّ ( -ر ٌ
مطلع على جميع املخلوقات� ،شهيد على املب�صرات بب�صره الذي ال يغيب عنه �شيء ،و�شهيد َّ
وحم�ص على عباده ك َّل ما عملوه،
ٍ حا�سب
ٌ على امل�سموعات ب�سمعه الذي و�سع كل �شيء ،وهو
ويوم القيامة يدينهم ب�أعمالهم ويجازيهم ،فري�ضى على من ي�ستحق الر�ضا ،فريحمه ،ويثيبه،
ويكرمه ،ويدنيه ،ويغ�ضب على من ي�ستحق الغ�ضب ،فيعذبه ،ويعاقبه ،ويهينه ،ويق�صيه.
æالأثر العملي:
1.1اليقظة واحل��ذر واخل��وف من اهلل وحت��ري الإخ�لا���ص والتقوى يف الأق��وال
والأع��م��ال؛ لأن اهلل رقيب على ما يف القلوب من النوايا واملقا�صد ،وال يقبل
(()39تف�سري ابن كثري) عند تف�سري الآية ( )8من �سورة الأحقاف.
ب -الد َّي ُ
ان هيد -ا ْل َحاسِ ُ
ُ قيب َّ -
الش ُ المجموعة الثانية والعشرون :ال َّر 409
ثامن ًا :مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء:
ال�شهيدُ -الحْ َ ِ
ا�س ُب -الد َّيانُ ) من الأ�سماء الدالة على �صفات اهلل قيب َّ -
(ال َّر ُ
(الرقابة وال�شهادة واملحا�سبة والدينونة) ،وهي �صفات مرتبطة ب�أحوال العباد يف
( )40رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)5062
( )41رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)2836
410 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
دنياهم ،و�أن كل �شيء حتت رقابته �-سبحانه ،ال يخفى عليه �شيء؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء
اهلل ،والتو�سل �إليه ،والثناء عليه بهذه الأ�سماء يف كل �أحوال العباد ،ال �سيما حال اخلوف من
املتجربين وامل�ستكربين ،كحال الدعاة ،واملجاهدين والآمرين باملعروف والناهني عن املنكر،
وما ميثله الدعاء والثناء بهذه الأ�سماء من اطمئنان وتثبيت ،كما �أخرب �-سبحانه -عن مو�سى
وهارون عليهما ال�سالم يف قوله تعالى} :ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ
ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ{[طه ،]46-45:و�أما يوم القيامة وما �سيكون
فيه من ح�ساب و�أهوال ،فقد كان حا�ضر ًا يف دعوات الأنبياء كما قال �-سبحانه -عن خليله
} :ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ{[ال�شعراء ،]82:وقوله �إبراهيم
تعالى} :ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ{[�إبراهيم ،]41:وعن
قالت :قلت :يا ر�سول اهلل ،ابن جدعان ،كان يف اجلاهلية ي�صل الرحم، عائ�شة
ويطعم امل�سكني ،فهل ذاك نافعه؟ ،قال( :ال ينفعه� ،إنه مل يقل يوم ًا :رب اغفر يل
خطيئتي يوم الدين)(.)42
تا�سع ًا :لطائف و�أقوال:
æعن عائ�شة قالت� :إن رجال قعد بني يدي النبي ،¤فقال :يا ر�سول اهلل� ،إن
يل مملوكني يكذبونني ويخونونني ويع�صونني ،و�أ�شتمهم و�أ�ضربهم ،فكيف �أنا منهم؟،
قال( :يح�سب ما خانوك وع�صوك وكذبوك ،وعقابك �إياهم ،ف�إن كان عقابك �إياهم
بقدر ذنوبهم كان كفاف ًا ال لك وال عليك ،و�إن كان عقابك �إياهم دون ذنوبهم كان
ف�ضال لك! ،و�إن كان عقابك �إياهم فوق ذنوبهم اقت�ص لهم منك الف�ضل) ،قال :فتنحى
الرجل ،فجعــــــل يبكي ويهتف ،فقــــــال :ر�ســــول اهلل �( :¤أما تقر�أ كتاب اللــــه} :ﭪ
ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ
ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ{[الأنبياء ،]47:فقال الرجل :واهلل يا ر�سول اهلل ما
�أجد يل وله�ؤالء �شيئا خرياً من مفارقتهم� ،أ�شهدكم �أنهم �أحرار كلهم)(.)43
القيامة ،ح َّتى ُيقا َد َّ
لل�شا ِة ِ َ
احلقوق �إلى �أه ِلها يو َم æيقول النبي ( :¤ل�� ُت���ؤ ُّدنَّ
( )42رواه م�سلم برقم (.)214
( )43رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)8039
ب -الد َّي ُ
ان هيد -ا ْل َحاسِ ُ
ُ قيب َّ -
الش ُ المجموعة الثانية والعشرون :ال َّر 411
�إنَّهم ُي َع َّذ ُبونَ عذاب ًا َت ْ�س َم ُعهُ ال َب َها ِئ ُم ،قالت :فما ر�أيته َب ْع ُد يف �صالة �إال َي َت َع َّو ُذ
من عذاب القرب)(.)55
•ومن �أحاديث عذاب القرب :حديث ر�ؤيا املنام الذي ذكر فيه النبي ¤عقوبات و�أحوال
ع�صاة هذه الأم��ة يف ا ْل�َبْرَ ْ َز ِخ ،وهي الفرتة التي تعقب امل��وت وحتى قيام ال�ساعة،
َ
أتاين الليلة� آتيان( ،)56و�إنهما ابتعثاين ،و�إنهما قاال ومما جاء فيه�( :إنه�
يل انطلق ،و�إين انطلقتُ معهما ،و�إنا �أتينا على رجل م�ضطجع ،و�إذا � ُ
آخر
قائم عليه ب�صخرة ،و�إذا هو يهوي بال�صخرة لر�أ�سه ف َي ْثلغ ر� َأ�سهُ فيتدَ هدَ ه
ي�صح ر� ُأ�سه
رجع �إليه ،حتى َّ احلجر في� ُأخ ُذه ،فال َي ُ
َ فيتبع
ُ احلجر ها هنا،
املر َة الأول��ى( .)57قال: مثل ما َف َع َل به ّ
كما كان ،ثم يعو ُد عليه فيفعل به َ
هذان؟ قال :قاال يل :انطلق انطلق ،قال :فانطلقنا، ِ قلتُ لهما� :سبحان اهلل! ،ما
وب من حديد، قائم عليه ب َك ُّل ٍ آخر ٌ ف�أتينا على رجل م�س َت ْل ٍق ل َقفا ُه ،و�إذا � ُ
�شر�شر ِ�ش ْدقه �إلى َقفاه و ِمن َْخره �إلى و�إذا هو ي�أتي �أحدَ ِ�شقّي وجهه ف ُي ِ
قفاه ،وعينه �إلى قفاه ثم يتحول �إلى اجلانب الآخر فيفعل به مثل ما
ي�صح ذلك اجلانب كما فرغ من ذلك اجلانب حتى َّ فعل باجلانب الأول ،فما َي ُ
املرة الأولى( .)58قال :قلت� :سبحانَ مثل ما فعل ّ كان ،ثم يعو ُد عليه فيفعل َ
(� )55أخرجه البخاري برقم ،)6366( :وم�سلم برقم )586( :واللفظ له.
(� )56أتاين الليل َة� آتيان� :أي َم َل َك ِان ،وهما :جربيل وميكائيل عليهما ال�سالم كما ثبت يف رواية البخاري الأخرى برقم (.)1386
()57املعنى :الرجل القائم يقوم ب�شدخ وك�سر ر�أ�س الرجل امل�ضطجع بحجر ،فيتدحرج احلجر وي�سقط �إلى جهة �أخرى ،فيلحق به الرجل
القائم ويلتقطه ،وما �أن يعود �إلى الرجل امل�ضطجع حتى يرجع ر�أ�سه �صحيح ًا كما كان ،فيك�سره مرة �أخرى! وقد ف�سر جربيل وميكائيل
عليهما ال�سالم هذا امل�شهد يف �آخر احلديث (� ..أما الرجل الأول الذي �أتيت عليه يثلغ ر�أ�سه باحلجر ف�إنه الرجل ي�أخذ القر�آن فريف�ضه
وينام عن ال�صالة املكتوبة )..ومنا�سبة العقوبة للذنب �أنه ملا ترك العمل ب�أف�ضل الأ�شياء وهو القر�آن ونام عن �أف�ضل العبادات وهي ال�صالة؛
عوقب يف �أ�شرف �أع�ضائه «الر�أ�س»! وفيه التحذير من النوم عن ال�صالة املكتوبة وترك العمل بالقر�آن الكرمي وما جاء به من �أوامر ونواهي.
( )58املعنى :مع الرجل القائم (كلوب) وهي حديدة حادة عقفاء �أي معطوفة الر�أ�سُ ،يدخلها يف جانب فم الرجل امل�ستلقي
على قفاه ،فيقطع اجللد وي�شقه من فمه وحتى قفاه من اخللف ،ثم يفعل ب�أنفه وعينه مثل ذلك ،ف�إذا انتهى من �أحد �شقي وجهه،
ذهب لل�شق الثاين ويفعل به مثلما فعل بال�شق الأول ،وما �أن ينتهي من ال�شق الثاين حتى ي�صح ال�شق الأول فيعود �إليه من جديد!،
وقد ف�سر جربيل وميكائيل عليهما ال�سالم هذا امل�شهد يف �آخر احلديث (..و�أما الرجل الذي �أتيت عليه ي�شر�شر �شدقه �إلى قفاه،
ومنخره �إلى قفاه ،وعينه �إلى قفاه ،ف�إنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق ( ،)..قال ابن حجر�« :إمنا ا�ستحق
التعذيب ملا ين�ش�أ عن تلك الكذبة من املفا�سد وهو فيها خمتار غري مكره وال ملج�أ ،قال ابن هبرية« :ملا كان الكاذب ي�ساعده �أنفه
وعينه ول�سانه على الكذب برتويج باطله وقعت امل�شاركة بينهم يف العقوبة») (فتح الباري البن حجر الع�سقالين� ،ص3149 :
عند �شرح احلديث رقم ،)7047 :وفيه التحذير من الكذب املتعمد وما ي�شابهه من الكبائر القولية كالغيبة والنميمة والقذف
وغريها ،وخا�صة يف ظل االنفجار الكبري يف و�سائل التوا�صل االجتماعي وما ي�سرته من نقل الأخبار وانت�شارها.
ب -الد َّي ُ
ان هيد -ا ْل َحاسِ ُ
ُ قيب َّ -
الش ُ المجموعة الثانية والعشرون :ال َّر 413
اهلل ما هذان؟ قال :قاال يل :انطلق انطلق ،فانطلقنا ،ف�أتينا على مثل التنُّور
أ�صوات ،قال :فاطل ْعنا فيه، ٌ أح�سب �أنه كان يقول -ف�إذا فيه َل َغ ٌط و� -قال :و� ُ
أ�سفل منهم ،ف�إذا ون�ساء عراة ،و�إذا هم ي�أتيهم َل َه ٌب من � َ ٌ ٌ
رجال ف�إذا فيه
�أتاهم ذلك اللهب َ�ض ْو َ�ض ْوا( .)59قال :قلتُ لهما :ما ه�ؤالء؟ قال :قاال يل :انطلق
ح�سبتُ �أنه كان يقول � -أحمر مثل انطلق ،قال :فانطلقنا ،ف�أتينا على نهر ِ -
رجل قد َج َم َع �سابح َي�س َبح ،و�إذا على َ�شط النهر ٌ رجل ٌ الدم ،و�إذا يف النهر ٌ
ي�سبح ،ثم َّ ي�أتي ذلك الذي َ ي�سبح ما
ُ ال�سابح
ُ عندَ ه حجار ًة كثري ًة ،و�إذا ذلك
فينطلق ي�س َبح ،ثمُ فيلقمهُ حجر ًا
ُ قد جم َع عندَ ه احلجار َة ،فيف َغر له فا ُه
يرجع �إليه ،كلما َر َج َع �إليه ف َغ َر له فا ُه ف�ألقمه حجر ًا( ،)60قال :قلت لهما: ُ
ما هذان؟ قال :قاال يل :انطلق انطلق � ،)..إلى قوله .. ( :¤قلتُ لهما :ف�إين قد
ربك، منذ الليلة َ عجبا ،فما هذا الذي ر�أيت؟ قال :قاال يل� :أما �إنا �س ُنخ ُ ِ ر�أيتُ
الرجل ي�أخذ ُ أول الذي �أتيتَ عليه ُيث َلغ ر�أ�سه باحلجر ،ف�إنه ُ
الرجل ال ُ �أما
الرجل الذي �أتيتَ عليه، ُ القر�آن فريف�ضه وينام عن ال�صالة املكتوبة ،و�أما
ُ
الرجل ومنخ ُره �إلى قفاه ،وعينه �إلى قفاه ،ف�إنه دقهُ �إلى قفاهَ ، �شر�ش ُر ِ�ش ُ
ُي َ
والن�ساء العرا ُة
ُ ُ
الرجال تبلغ الآفاق ،و�أما يغدو من بيته ،فيكذب ال ِكذ َب َة ُ
الذين يف مثل بناءِ التنور ،ف�إنهم الزُّ ناة والزواين ،و�أما الرجل الذي �أتيتَ
( )59املعنى وا�ضح و(التنور) بناء �أعاله �ضيق و�أ�سفله وا�سع يوقد حتته نارا ،و(�ضو�ضوا) �أي �صاحوا و�ضجوا وا�ستغاثوا ورفعوا
�أ�صواتهم ب�ألفاظ غري مفهومة وخمتلطة ،وقيل ارتفعوا حتى كادوا �أن يخرجوا من التنور ،ف�إذا خمدت رجعوا! ،وقد ف�سر جربيل
وميكائيل عليهما ال�سالم هذا امل�شهد يف �آخر احلديث ( ..و�أما الرجال والن�ساء العراة الذين هم يف مثل بناء التنور ،فهم الزناة
والزواين )..قال ابن حجر « :منا�سبة العري والتنور لهم ال�ستحقاقهم �أن يُف�ضحوا لأن عادتهم �أن ي�سترتوا يف اخللوة فعوقبوا بالهتك،
واحلكمة يف �إتيان العذاب من حتتهم كون جنايتهم من �أع�ضائهم ال�سفلى» (فتح الباري البن حجر الع�سقالين� ،ص 3149 :عند �شرح
احلديث رقم 7047 :بت�صرف ي�سري) ،وفيه التحذير من الزنى وما ي�شابهه من الكبائر الفعلية كال�سرقة والظلم والبغي وغريها.
( )60املعنى :كلما �أراد الرجل ال�سابح -والذي يعوم يف النهر الأحمر -اخلروج من النهر فغر فاه �أي فتح فمه ،فيلقمه الرجل
الواقف على �شط النهر حجر ًا ،مينعه من اخلروج ويجربه على العودة �إلى و�سط النهر والتخل�ص من احلجر ،وكلما عاد �ألقم
حجر ًا جديد ًا! ،وقد ف�سر جربيل وميكائيل عليهما ال�سالم هذا امل�شهد يف �آخر احلديث ( ..و�أما الرجل الذي �أتيت عليه ي�سبح
يف النهر ويلقم احلجر ف�إنه �آكل الربا )..قال ابن هبرية�« :إمنا عوقب �آكل الربا ب�سباحته يف النهر الأحمر و�إلقامه احلجارة
لأن �أ�صل الربا يجرى يف الذهب والذهب �أحمر ،و�أما �إلقام امللك له احلجر ف�إنه �إ�شارة �إلى �أنه ال يغني عنه �شيئ ًا وكذلك الربا
ف�إن �صاحبه يتخيل �أن ماله يزداد واهلل من ورائه مبحقه» (فتح الباري البن حجر الع�سقالين� ،ص 3149 :عند �شرح احلديث
رقم ،)7047 :وفيه التحذير من �أكل الربا وعظم عقوبة �آكله.
414 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
م�ضرة فقد �أخط�أ خط�أً فاح�شاً»( ،)65كما ف�سر �شيخ الإ�سالم ابن تيمية حقيقة
للدواب امل�صابة با َمل َغ ِل( )66يف ُب ُطو ِنها عند �أخذها �إلى قبور الكفار
ِّ ما يحدث
واملنافقني وذاك يف �سياق رده على من يتربك بتلك القبور بحجة ت�سببها يف �شفاء
��دواب! ،فقال�« :إمنا يذهبون بها �إلى قبور الكفار واملنافقني ..لأن ه�ؤالء ال ِّ
ُي َع َّذ ُبو َن يف قبورهم ،والبهائم ت�سمع �أ�صوا َتهم ،كما ثبت ذلك يف احلديث
ال�صحيح ،ف�إذا �سمعت ذلك َفزِعت؛ فب�سبب ال ُّرعبِ الذي يح�صل لها ُّ
تنحل
بطونها فرتوث ،ف�إن ال َف َز َع يقت�ضي الإ�سهال»(.)67
æقال تعالى } :ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ
ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ{ [البقرة.]284: قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية[ :روي عن
عائ�شة �أنها قالت« :ما �أعلنت ف�إن اهلل يحا�سبك به ،و�أما ما �أخفيتَ فما عُجلتْ لك
به العقوبة يف الدنيا» ،وهذا قد يكون مما يعاقب فيه العبد بال َغ ِّم ،كما �سئل �سفيان بن
فجزيت ذنب هممت به يف �سرك ومل تفعلهُ ، عيينة عن َغ ٍّم ال ُيعرف �سببه؟ ،فقال« :هو ٌ
َه ًّما به» ،فالذنوب لها عقوبات؛ ال�سر بال�سر ،والعالنية بالعالنية ،وروي عن عائ�شة
مرفوعا قالت� :س�ألت ر�سول اللهّ ¤عن هذه الآية :} ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ
ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ{ فقال ¤ :(يا عائ�شة! ،هذه معاتبة اهلل( )68العبد
اعة ي�ضعها يف ك ِّمهمما ي�صيبه من ال َّن ْك َب ِة( )69واحلمى ،حتى ال�شوكة وال ِب َ�ض َ
فيفقدها َفيرُ َ و ُع لها فيجدها يف جيبه ( ،)70حتى �إن امل�ؤمن ليخرج من ذنوبه
كما يخرج ال ِّتبرْ ُ الأحمر ( )71من ال ِكري()73())72 ،قلت :هذا املرفوع هو -واهلل �أعلم
( )65البداية والنهاية (�ص )1410:يف �أحداث �سنة 96هـ.
َاب مع ال َبقْل ،ف ُي�س ّبب لها ُع ْ�سر ًا و�إم�ساكا �شديد ًا. الدواب يف ُب ُطو ِنها من �أ ْك ِل رُّ
الت ِ َّ ( )66ا َمل َغ ُلَ :و َج ٌع َومغ ٌ
ْ�ص ي�أخذ
(( )67اال�ستغاثة يف الرد على البكري) ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية (�ص.)329 :
( )68معاتبة اهلل� :أي م�ؤاخذته لعبده ب�سبب ذنبه؛ مبا ي�صيبه يف الدنيا من امل�صائب واحلمى حتى ال�شوكة ي�شاكها تكفر بها ذنوبه.
( )69ال َّن ْك َبة :يف الأ�صل �أن ينكبه احلجر �إذا �أ�صاب ظفره �أو �إ�صبعه ،ثم انتقل معناه �إلى احلوادث وامل�صائب التي ت�صيب الإن�سان.
( )70الب�ضاعة :ق�سط من املال ،واملق�صود� :أنه ي�ضع املال الي�سري يف جيبه ،فين�ساه ويهِ م ،ويظن �أنه يف يده ،فيطلبه فال يجده!،
( )71ال ِّتبرْ ُ :فتات الذهب قبل �أن ي�صاغ ،ف�إذا �صيغ فهو ذهب. فيفزع و َيروع ،حتى ينتبه له.
الكري :كري احلداد ،وهو جلد غليظ ذو حافات ،ينفخ به النار حتى تُذكى وتتوهج. (ِ )72
( )73رواه الرتمذي والطربي والطيال�سي والإمام �أحمد ،و�صححه �أحمد �شاكر يف حتقيقه لتف�سري الطربي (جامع البيان يف
ت�أويل القر�آن) وكذلك يف خمت�صره (عمدة التف�سري) الذي �أخت�صر فيه (تف�سري القر�آن العظيم)البن كثري عند تف�سري (�سورة
البقرة – الآية ،)284 :وكذلك �أخرجه ابن حجر الع�سقالين يف (الأمايل املطلقة) (املجل�س� -94 :ص )80 – 79 :وقال عنه:
هذا حديث ح�سن ،و�ضعفه الألباين يف �ضعيف اجلامع برقم ( ،)6086و�ضعيف الرتمذي برقم (.)2991
416 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
-بيان ما ُيعاقب به امل�ؤمن يف الدنيا؛ ولي�س فيه �أن كل ما �أخفاه ُيعاقب به ،بل فيه �أنه �إذا
ُعوقب على ما �أخفاه ُعوقب مبثل ذلك ،وعلى هذا دلت الأحاديث ال�صحيحة ](.)74
æق��ال عمر ب��ن اخل��ط��اب ‹ في خطبة له« :ح��ا��س�ب��وا �أن�ف���س�ك��م ق�ب��ل �أن
حتا�سبوا ،ف�إنه �أهون حل�سابكم ،وزنوا �أنف�سكم قبل �أن توزنوا ،وتز ّينوا للعر�ض
الأكرب ،يوم } ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ {[احلاقة.)75(»]18:
جده �أ�سلم ،قال« :بينما �أنا مع عم َر بن أ�سلم عن �أبيه عن ِّ
عبداهلل بن زيد بن � َ æعن ِ
جوف الليل ،و�إذا امر�أ ٌة
جانب جدار يف ِ يع�س املدينة �إذ �أعيا وا َّتك�أ على ِ
اخلطاب ‹ُّ ،
تقول البنتها :يا ابنتاه ،قومي �إلى ذلك اللنب فامذقيه( )76باملاء ،فقالت لها :يا �أ َّمتاه ،وما
علمت ما كان مِ ن عزمة �أمري امل�ؤمنني اليوم؟! ،قالت :وما كان مِ ن عزمته يا ُبنية؟،
قالت� :إ َّنه �أ َمر مناد ًيا فنادَى� :أال ي�شاب اللنب باملاءْ ،
فقالت لها :يا بنية ،قومي �إلى اللنب
فامذقيه باملاء ،ف�إ َّنك مبو�ضع ال يراك عم ُر وال منا ِدي عمر ،فقالت ال�صبية :يا �أ َّمتاه ،ما
كنت لأطيعه يف امللأ ،و�أع�صيه يف اخلالء!»(.)77
عاذ بن جبل ‹ �إلى بني كالب æملا َوليِ َ اخلالفة عمر بن اخلطاب ‹� ،أر�سل ُم َ
ليق�سم فيهم �أعطياتهم ،ويو ِّزع على فقرائهم َ�صدقات �أغنيائهم ،فقام مبا ُعهد �إليه من �أمر،
ِ
وعاد �إلى زوجه ِبح ِل�س ِه ( )78الذي خرج به يلفه على رقبته ،فقالت له امر�أته� :أين ما جئت
يقظ ُيح�صيرقيب (ٌ )79 به مما ي�أتي به الوالة من هدية لأهليهم؟! ،فقال :لقد كان معي ٌ
َلي! ،فقالت :قد كنتَ �أمين ًا عند ر�سول اهلل ،¤و�أبي بكر‹ ،ثم جاء عمر فبعث معك ع َّ
رقيب ًا ُيح�صي عليك؟! ،و�أ�شاعت ذلك يف ن�سوة عمر ،وا�شتكته لهنَّ ! ،فبلغ ذلك عمر؛ فدعا
معاذ ًا وقال�« :أ�أنا بعثت معك رقيباً يُح�صي عليك؟! فقال :ال يا �أمري امل�ؤمنني ،ولكنني مل
�أج ْد �شيئاً �أعتذر به �إليها �إال ذلك! ،ف�ضحك عمر ‹ ،و�أعطاه �شيئ ًا وقال لهِ � :
أر�ضها به»(.)80
(( )74جمموع فتاوى ابن تيمية) جمع عبدالرحمن القا�سم (جـ� – 14 :ص.)112 – 111 :
(()75كنز العمال) للمتقي الهندي (جـ� - 16 :ص - 159 :برقم )44203 :والأثر �أخرجه ابن املبارك والإمام �أحمد يف الزهد
وابن �أبي الدنيا يف حما�سبة النف�س وغريهم.
( )76املذق :املزج واخللط ،يقال :مذقت اللنب �أي خلطته باملاء.
(�( )77صفوة ال�صفوة) لأبي الفرج ابن اجلوزي (جـ� - 4 :ص.)441 :
احلل�سِ :ك�سا ٌء رقيق يكون على ظهر الدابة وحتت ال َقت َِب ِّ
وال�س ْرج، (ِ )78
َ
( )79يريد بـ(الرقيب) اهلل على �سبيل التورية كي ال تعتب عليه زوجته.
(�( )80صور من حياة ال�صحابة) لعبدالرحمن ر�أفت البا�شا (�ص )503 – 502 :طبعة دار النفائ�س.
ب -الد َّي ُ
ان هيد -ا ْل َحاسِ ُ
ُ قيب َّ -
الش ُ المجموعة الثانية والعشرون :ال َّر 417
æعن عبد اهلل بن م�سعود ‹ قالُ ( :ي�ؤْ َتى بالعبد والأ َم ِة( )81يوم القيامة ،ف ُينادي
منا ٍد على رءو�س الأولني والآخرين :هذا فالن بن فالن ،من كان له حق فلي�أت �إلى
احلق على �أبيها �أو �أخيها �أو زوجِ هَا ،ثم قر�أ } :ﯦ حقه! ،فتفرح املر�أة �أن يكون لها ُّ
ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ {[امل�ؤمنونَ ،]101:ف َي ْغ ِف ُر
فين�صب للنا�س فينادي: اهلل مِ نْ َح ِّق ِه ما ي�شاء ،وال َي ْغ ِف ُر من حقوق النا�س �شيئاَ ،
فالن بن فالنٍ َ ،منْ كان له َح ٌّق فلي�أت �إلى َح ِّقهِ ،فيقولَ :ر ِّبَ ،ف ِن َيت الدنيا! ،من هذا ُ
�أين �أُو ِت ِي ْهم حقوقهم؟! ،قال :خذوا من �أعماله ال�صاحلة ،ف�أعطوا كل ذي َح ِّق َح َّق ُه
مثقال َذ َّرةٍ� ،ضاعفها اهلل له حتى يدخلَه بها ُ ِب َق ْد ِر َطلَ َب ِتهِ ،ف�إن كان ول ّياً هلل ف َف َ�ض َل له
الجْ َ َّن َة ،ثم قر�أ} :ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ
ﮃ ﮄ ﮅ{[الن�ساء ،]40:قال :ا ْد ُخلِ الجْ َ َّن َة؛ و�إن كان عبدا �شقياً؛ قال المْ َلَ ُك:
وبقي طالبون كثري؟ ،فيقول :خذوا من �س ِّيئاته ْم َف�أَ ِ�ضي ُفوهَا �إلى رب َف ِن َيتْ ح�سنات ُهَ ، ِّ
�س ِّيئا ِتهِ ،ثم ُ�ص ُّكوا َل ُه َ�ص ًّكا(� )82إلى النار)(.)83
« æمر ابن عمر براعي غنم ،فقال :يا راعي الغنم ،هل من َج ْزرة()84؟ ،قال الراعي:
لي�س ههنا ر ُّبها( ،!)85قال ابن عمر :تقول� :أكلها الذئب ،فرفع الراعي ر�أ�سه �إلى ال�سماء ،ثم
قال :ف�أين اهلل؟! ،فا�شرتى ابن عمر الراعي ،وا�شرتى الغنم ،ف�أعتقه ،و�أعطاه الغنم»(.)86
æقال �سلمان الفار�سي ‹« :ال�صالة مكيالَ ،ف َمنْ َو َّفى مِ ْك َيا َل ُه ُوفيِّ َ َل ُهَ ,و َمنْ َط َّف َف
ني»(.)87فقد علمتم ما قال اهلل تعالى يف امل ُ َط ِّف ِف َ
( )81العبد والأمة :يف الأ�صل كل النا�س ُح ِّر ِهم وممَ ْ ُل ِوكهم� :إما ُء اللهَّ ِ َ
وع ِبي ُد ُه ،فالعبدُ :هو ال َّرجل ،وال َأم ُة :هي ا َملر�أة.
()82ال�ص ُّك :الكتاب ،وقوله�ُ :ص ُّكوا َل ُه َ�ص ًّكا �أي :اكتبوا له كتاب ًا.
َ
(�)83أخرجه ابن �أبي حامت يف تف�سريه (تف�سري القر�آن العظيم م�سندا) عند تف�سري �سورة (الن�ساء) الآية ( ،)40وقال عنه
ابن كثري يف تف�سريه( :ولبع�ض هذا الأثر �شاه ٌد يف احلديث ال�صحيح) ،و�صحح الأثر �أحمد �شاكر يف حتقيقه لتف�سري الطربي
(جامع البيان) ،وقال عنه( :فهذا الإ�سناد عند ابن �أبي حامت �إ�سناد �صحيح ،واحلديث �أثر موقوف على ابن م�سعود ،ولكني
�أراه من املرفوع حك ًما .ف�إن ما ذكره ابن م�سعود مما ال يعرف بالر�أي ،وما كان ابن م�سعود ليقول هذا من عند نف�سه ،ولي�س هو
ممن ينقل عن �أهل الكتاب ،وال يقبل الإ�سرائيليات).
( )84اجلزرة :ال�شاة التي ت�صلح للذبح.
( )85ر ُّبها� :أي مالكها.
(� )86أخرجه الطرباين و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة (جـ� - 7 :ص )470 - 469 :عند تخريجه حلديث اجلارية
و�س�ؤال النبي ¤لها�( :أين اهلل؟) برقم (.)3161
(� )87أخرجه البيهقي يف (�شعب الإميان) (جـ� – 4:ص )505 :برقم ( )2881وقال املحقق :رجاله ثقات.
418 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
ببايل ف�أقول يف نف�سي :ب�أيّ �شيء ُف�ضِّ ل هذا الرجل علينا حتى ا�شتهر يف النا�س هذه
ال�شهرة؟!� ،إن كان ي�صلي �إ َّنا لن�صلي! ولئن كان ي�صوم �إ َّنا لن�صوم! ،و� ْإن كان يغ ُزو
ف�إنا لنغزو! ،و�إن كان يحج �إ َّنا ُّ
لنحج! ،قال :فك َّنا يف بع�ض َم�سرينا يف طرق ال�شام ليلة
نتع�شى يف بيتٍ �إذ طفئ ال�سرا ُج ،فقام بع�ضنا ف�أخذ ال�سراج وخرج َي�ست�صبح( ،)95فمكث
فنظرت �إلى وجه ابن املبارك وحليته قد ابت َّلت من الدموع، ُ بال�سراج،
هنية ثم جاء ّ
قلت يف نف�سي :بهذه اخل�شية ُف�ضِّ ل هذا الرجل علينا ،ولعله حني فقد ال�سراج ف�صار
الظلمة ذكر القيامة!»(.)96 �إلى ُ
æقال الليث بن �سعد :ر�أى مو�سى بن وردان يف املنام «عبد اهلل بن �أبى حبيبة» بعد
علي ح�سناتي و�سيئاتي ،فر�أيت يف ح�سناتي حبات موته فقال له عبداهللُ « :عر�ضت َّ
رمان التقطتهن ف�أكلهن! ،ور�أيت يف �سيئاتي خيطي حرير كانا يف قلن�سوتي!»(.)97
æقال حامت الأ�صم :اختلفتُ �إل��ى �شقيق ثالثني �سنة فقال يل يوما� :أي �شيء
تعلمت؟ ،فقلت :ر�أيت رزقي من عند ربي؛ فلم �أ�شتغل �إال بربي ،ور�أيت �أن اهلل تعالى
علي ما تكلمت به؛ فلم �أنطق �إال باحلق ،ور�أي��ت �أن اخللق وكل بي ملكني يكتبان َّ
ينظرون �إلى ظاهري ،والرب تعالى ينظر �إلى باطني ،فر�أيت مراقبته �أولى و�أوجب؛
ف�سقطت عني ر�ؤية اخللق ،ور�أيت �أن اهلل م�ستحثاً يدعو اخللق �إليه ،فا�ستعددت له
متى جاءين ال �أحتاج يقتلني ،يعني ملك املوت .فقال يل :يا حامت ما خاب �سعيك»(.)98
æقال الأ�صمعي :قال �أعرابي« :خرجت يف ليلة ظلماء ف�إذا �أنا بجارية ك�أنها علم،
ف�أردتها فقالت :ويلك!� ،أما لك زاجر من عقل �إذ مل يكن لك ناه من دين؟! ،قال� :إ ْيها
واهلل ما يرانا �إال الكواكب ،فقالت :و�أين مكوكبها؟!»(.)99
æجاء رج� ٌل �إل��ى �أب��ي يزيد الب�سطامي ،وق��ال له « :عظني! ،فقال له� :أن�ظ��ر �إل��ى
ال�سماء! ،فرفع الرجل ر�أ�سه ونظر �إلى ال�سماء! ،فقال �أبو يزيد� :أتدري من خلقها؟! ،قال:
( )95ي�ست�صبح� :أي خرج يبحث عما يوقد به امل�صباح.
(�( )96صفوة ال�صفوة) لأبي الفرج ابن اجلوزي (جـ� - 4 :ص.)145 :
(( )97الروح) للإمام �أبن القيم (�ص.)25 :
(�()98صفة ال�صفوة) البن اجلوزي (جـ� – 4 :ص.)162-161 :
(�( )99صفوة ال�صفوة) لأبي الفرج ابن اجلوزي (جـ� - 4 :ص.)395 :
420 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
اهلل تعالى! ،فقال له� :إن الذي خلقها مطلع عليك حيثما كنت فاحذره !»(.)100
æقال تعالى} :ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ
ﭮ ﭯ ﭰ{[�ص ،]28:قال ابن كثري�» :أي :ال نفع ُل ذلك وال َي ْ�س َت ُوو َن عند
اب فيها هذا المْ ُطِ ي ُعَ ،و ُي َعا َق ُب فيها الَ ْم ُر كذلك فال ُب َّد من دَا ٍر �أخرى ُي َث ُ اهلل ،و�إذا كان ْ أ
ال�سلِي َم َة َوا ْلف َِط َر المْ ُ ْ�س َتقِي َم َة على �أَ َّن ُه ال ُب َّد
هذا ا ْل َفاجِ ُر ،وهذا الإر�شاد يدل ا ْل ُع ُقو َل َّ
الظالمِ َ ا ْل َباغِ َي يزداد ماله وولده ونعيمه وميوت ،كذلك من َم َعا ٍد َو َج َزا ٍء َف ِ�إ َّنا نرى َّ
ونرى المْ ُطِ ي َع المْ َ ْظ ُلو َم ميوت ِب َك َمدِ هِ! ،فال بد يف حِ ْك َم ِة احلكيم العليم العادل الذي ال
َي ْظ ِل ُم مِ ْث َقا َل َذ َّر ٍة من �إن�صاف هذا من هذا ،و�إذا مل َي َق ْع هذا يف هذه الدار فتعني �أن
هناك داراً �أخرى لهذا الجْ َ َزا ِء َوالمْ ُ َو َ
ا�ساةِ»(.)101
�إِ َذا َما َخ َل ْو َت َّ
الد ْه َر َي ْو ًما()102
الــمــجــمــوعـــــــ 23ـــــــــة
مو�ضوع الأ�سماء :ا ْل ِوال َي ُة
()84 - 83 - 82 - 81 - 80 - 79
ال َوليِ ُّ -املَ ْو َلى -ال َودو ُد -املُ�ست َع ُان
�سيب
حل ُ كيل -ا َ
ال َو ُ
422 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الـمجـمـوعـ 23ـة
مو�ضوع الأ�سماء :ا ْل ِوال َي ُة
()84 - 83 - 82 - 81 - 80 - 79
�سيب
حل ُ كيل -ا َ
ال َوليِ ُّ -املَ ْو َلى -ال َودو ُد -املُ�ست َعانُ -ال َو ُ
�أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود:
æال َوليِ ُّ :ورد يف القر�آن الكرمي ( 13مرة) ،منها قوله تعالى }:ﯜ ﯝ ﯞ
ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ{[ال�شورى ،]28:ومن
ال�سنة حديث عمرو بن العا�ص ‹ ،قال� :سمعت ر�سول اهلل ¤يقول�( :إن �آل �أبي لي�سوا
ب�أوليائي� ،إمنا َو ِل ِّي َي اهلل و�صالح امل�ؤمنني ،ولكن لهم رحم �أبلها بباللها(.)2())1
æاملَ ْو َلى :ورد يف القر�آن الكرمي ( 12مرة) ،منها قوله تعالى } :ﯫ ﯬ
ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ{[احلج ،]78:ومن حديث الرباء بن عازب ‹ :أن
�أبا�سفيان قال يوم �أحد« :لنا ال ُع ّزى وال ُع ّزى لكم» ،فقال النبي �( :¤أجيبوه) ،قالوا :ما
نقول؟ ،قال( :قولوا :اهلل موالنا وال مولى لكم)(.)3
æال َودو ُد :ورد يف القر�آن الكرمي مرتني يف قوله تعالى}:ﭩ ﭪ ﭫ
ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ{[هود ،]90 :وقوله تعالى }:ﮮ ﮯ ﮰ{[الربوج :
،]14ومل يرد اال�سم يف ال�سنة النبوية ب�سند �صحيح.
æاملُ�ست َعانُ :ورد يف القر�آن الكرمي (مرتني) ،يف قوله تعالى } :ﮊ ﮋﮌ ﮍ
ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ{[يو�سف ،]18:وقوله تعالى } :ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ
(� )1أبلها بباللها� :أي �أ�صلها ِب ِ�ص َل ِت َها.
( )2رواه البخاري برقم (.)5990
( )3رواه البخاري برقم (.)4043
سيب
ُ الح الو ُ
كيل َ - ستع ُ
ان َ - َ الم
دود ُ -
الو ُ
الم ْولَى َ -
ِي َ -
الول ُّ
المجموعة الثالثة والعشرون َ : 423
كيل :ورد يف القر�آن الكرمي ( 13مرة) ،منها قوله تعالى } :ﯶ ﯷ ﯸ æال َو ُ
ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﰀﰁﰂﰃﰄﰅ
ﰆ{[�آل عمران ،]173:ومن ال�سنة حديث �أبي �سعيد اخلدري� ،أن النبي ¤قال:
(كيف �أنعم؟! ،و�صاحب القرن قد التقم القرن ،وا�ستمع الإذن متى ي�ؤمر بالنفخ
فينفخ) فك�أن ذلك ثقل على �أ�صحاب النبي ،¤فقال لهم( :قولوا :ح�سبنا اهلل ونعم
الوكيل ،على اهلل توكلنا)(.)9
( )4رواه البخاري برقم (.)6216
(� )5أخرجه الرتمذي واحلاكم والطرباين وح�سنه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم ( )3036باعتبار ترقيم (جامع الرتمذي)
و برقم ( )2432باعتبار ال�صحيح منه.
(( )6فتح البارئ �شرح �صحيح البخاري) البن حجر الع�سقالين (جـ� - 3 :ص.)2806:
(( )7الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي (�ص .)76 :
(�( )8شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى يف �ضوء الكتاب وال�سنة) مل�ؤلفه �سعيد القحطاين (�ص )2:حيث ذكر� :أنه اجتمع لديه �أكرث من
ت�سعة وت�سعني ا�سم ًا بالأدلة ال�صريحة الثابتة ،وعر�ضها على �سماحة ال�شيخ عبدالعزيز بن ابن باز -رحمه اهلل ،ومن الأ�سماء
التي ثبتت ومل يدخلها يف �شرحه (امل�ستعان وامل�سعر والطيب والوتر).
( )9رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (.)1980
424 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
�سيب :ورد يف القر�آن الكرمي ( 3مرات) ،منها قوله تعالى } :ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ حل ُ æا َ
ﰌ ﰍ ﰎ{[الن�ساء ،]86:ومن ال�سنة ق�صة الرجل الذي �أثنى على رجل عند النبي ¤
فقال ( :¤ويلك! ،قطعت عنق �أخيك -ثالثا ،-من كان منكم مادح ًا ال حمالة فليقل:
�أح�سب فالنا ،واهلل ح�سيبه ،وال �أزكي على اهلل �أحد ًا� ،إن كان يعلم)(.)10
ثاني ًا :املعنى اللغوي:
æال�� َوليِ ُّ �« :صيغة مبالغة من ا�سم الفاعل ال��وايل ،فعله َوليِ َ َيلِي وِالي � ًة،
والويل هو الذي يلي غريه بحيث يكون قريباً منه بال فا�صل»( ،)11قال الزجاجي:
يل ف�لان� :أي هو متويل �أم��ره ،والقيم ب�ش�ؤونه ،ك�أنه يلي «تقول العرب :ف�لان و ُّ
يل فالن �أي نا�صره ،ك�أنه يوليه �إ�صالح �أم��ره بنف�سه ،ال يكله �إلى غريه ،وفالن و ُّ
ن�صره ،فال يحول بينه وبينه»( .)12وهو م�شتق من ال َوليْ ُ � :أي القرب ،ومنه قول النبي ¤
يل �ضد لربيبه عمر بن �أبي �سلمة �«:سم اهلل ،و ُكل مما َيليك»(� ،)13أي :مما يقاربك ،وال َو ُّ
العدو ،واملواالة �ضد املعاداة.
æاملَ ْو َلى :م�شتق �-أي�ض ًا -من ال َوليْ ُ � :أي القرب ،وهو «م�صدر على وزن َمف َعل ،فعله
ويل يلي ولياً ووالية ،واملولى ا�سم يطلق على ال َّرب ،واملالِكَّ ،
وال�س ْيد ،وامل ْنعم ،وامل ْعتق،
وال�ص ْهر ،وال َع ْبد، وال َّن ِ
ا�صر ،واملحِ ب ،والتا ِبع ،واجلار ،وابن ال َع ّم ،واحللِيف ،وال َعقِيدِّ ،
وامل ْنعم عليه»( .)14و«(ا َمل�� ْو َل��ى) :امل�أمول منه الن�صر واملعونة؛ لأن��ه امللك ،وال ملج�أ
للمملوك �إال ملالكه»( ،)15قال ابن عا�شور« :وامل َ ْولى :الذي يتولى �أمر غريه ويدفع عنه،
وفيه معنى الن�صر»(.)16
( )10رواه البخاري برقم (.)6162
(�( )11أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( )496:الويل).
(( )12ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص.)113 :
( )13رواه البخاري برقم (.)5378
(�( )14أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( )330:املويل).
( )15معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة :و ل ي).
( )16تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور عند تف�سري (الأنفال.)40:
سيب
ُ الح الو ُ
كيل َ - ستع ُ
ان َ - َ الم
دود ُ -
الو ُ
الم ْولَى َ -
ِي َ -
الول ُّ
المجموعة الثالثة والعشرون َ : 425
æال َودو ُد�« :صيغة مبالغة من َو َّد َي َو ّد و َّداً ،فهو وا ٌّد واملفعول َم ْودودَ ( ،و َّد الأمر):
�أح َّبه ..و(ال َودودُ) :الوا ّد لأهل طاعته ،املحب لعبيده ب�إي�صال اخلريات �إليهم ،املودود
لكرثة �إح�سانه ،امل�ستحق لأن يو َّد ويعبد ويحمد»( ،)17وقال يف الل�سان« :الو ُّد وامل َ َو َّدة
مبعنى احلب واملحبة ،والودود املحب»(.)18
æاملُ�ست َعانُ « :ا�سم مفعول ،يقال :ا�ستعان به وا�ستعان �إياه»( ،)19فعله «ا�ستعا َن
ني ا�ستعانة ،فهو ُم�ستعني ،واملفعول ُم�ستعان»( ،)20قال الراغب« :اال�ستعانة: ي�ستع ُ
طلب ال�ع��ون ،قال تعالى} :ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ
الظهري على الأَمر .. ،تقول: ﯺ{[البقرة ،)21(»]153:قال يف الل�سان« :ال َع ْو ُنَّ :
ا�س َت َع ْن ُته وا�س َت َعنْتُ به ،ف�أَعا َنني وعاو َنني»(.)22
ْ
لا ،فهو وا ِك��ل ووك �ي��ل»( ،)23قال كيل�« :صفة م�شبهة من َو َك � َل َي� ِك� ُل ْك� ً æال َو ُ
الزجاجي(« :ال َوكي ُل) فعيل من قولك :وكلت �أمري �إلى فالن ،وتوكل به �أي :جعلته
يليه دوين وينظر فيه»( ،)24وقال الراغب« :التوكيل �أن تعتمد على غريك ،وجتعله
نائباً عنك ،والوكيل فعيل مبعنى املفعول»(.)25
�سيب :يف معناه قوالن:
حل ُ æا َ
الأول :مبعنى الكايف ال��ذي منه كفاية العباد ،ومنه قولهم :ح�سيبك اهلل� :أي
ح�سب َح ْ�سب ًا،
ح�س َب َي ُ �سيب) هنا �صفة م�ش َّبهة للمو�صوف َ
باحل ْ�سب ،فعله ُ َ
و(احل ُ كافيك اهلل،
( )17معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة :و د د).
(( )18ل�سان العرب) البن منظور (جـ� - 3 :ص.)454 :
(( )19عمدة القاري �شرح �صحيح البخاري) لبدر الدين العيني (املجلد الثامن) (جـ� - 16:ص.)201:
( )20معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة :ع و ن).
(( )21املفردات) للراغب الأ�صفهاين (جـ� - 2 :ص .)460:
(( )22ل�سان العرب) البن منظور (جـ� - 13 ::ص )299 - 298 :مادة (عون).
( )23معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة :و ك ل).
(( )24ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص.)136 :
(( )25املفردات) للراغب الأ�صفهاين (جـ� - 2 :ص )689 :مادة (وكل).
426 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
�سيب) هو الكايف ،الذي من كان له كان ح�سبه ،واهلل فهو ح�سيب ،قال الغزايلَ « :
(احل ُ
-تعالى -ح�سيب كل �أحد وكافيه»(.)26
الثاين :مبعنى املحا�سب على العمل ،فهو �صيغة مبالغة من ا�سم الفاعل (احلا�سب)
ح�سب ِح�ساب ًا ،فهو حا�سب« ،وهو املو�صوف مبحا�سبة غريه ،واحل�ساب ح�س َب َي ُ
وفعله َ
�ضبط العدد ،وبيان مقادير الأ�شياء املعدودة»(.)27
ثالث ًا :املعنى ال�شرعي:
æال َوليِ ُّ « :ن�صري امل�ؤمنني وظهريهم ؛ يتوالهم بعونه وتوفيقه»( ،)28قال اخلطابي:
«(ال َوليِ ُّ ) :هو النا�صر ،ين�صر عباده امل�ؤمنني ..وهو �-أي�ضاً -املتويل للأمر ،والقائم
يل امل�ؤمنني� ،أي نا�صرهم ،وم�صلح به ،كويل اليتيم»( ،)29وقال الزجاجي« :فاهلل و ٌّ
�ش�ؤونهم ،واملثني عليهم»( ،)30ويقول ابن القيم(« :ال�� َوليِ ُّ ) ويل ال�صاحلني .. ،ومقيل
عرثاتهم ،وغافر زالتهم ،ومقيم �أعذارهم ،وم�صلح ف�سادهم ،والدافع عنهم ،واملحامي
عنهم ،والنا�صر لهم ،والكفيل مب�صاحلهم ،واملنجي لهم من كل كرب ،وامل��ويف لهم
ب��وع��ده ،و�أن��ه ول ّيهم ال��ذي ال ويل لهم ��س��واه ،فهو موالهم احل��ق ،ون�صريهم على
عدوهم ،فنعم املولى ونعم الن�صري»(.)31
æاملَ ْو َلى« :النا�صر املعني»( ،)32قال اخلطابي(« :ا َمل ْو َلى) النا�صر ،واملعني ،وكذلك
الن�صري»( ،)33ويقول احلليمي(« :ا َمل ْو َلى) امل�أمول منه الن�صر واملعونة؛ لأنه هو املالك،
وال َم ْف َز ُع للمملوك �إال مالكه»( .)34وقال الرازي(« :ا َمل ْو َلى) ورد مبعنى ال�سيد والرب
(( )26املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص.)102 :
(�( )27أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( )620:احل�سيب).
(( )28تف�سري الطربي) عند تف�سري الآية ( )257من �سورة البقرة.
(�( )29ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي �ص (.)78
(( )30ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص.)113 :
(( )31املرتع الأ�سنى ..من كتب ابن القيم) لعبد العزيز الداخل (�ص.)570 :
(( )32االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) للبيهقي (�ص.)47 :
(�( )33ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي �ص (.)101
(( )34الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ� - ١ :ص )175 :وعزاه للحليمي.
سيب
ُ الح الو ُ
كيل َ - ستع ُ
ان َ - َ الم
دود ُ -
الو ُ
الم ْولَى َ -
ِي َ -
الول ُّ
المجموعة الثالثة والعشرون َ : 427
والنا�صر فحيث قــــالَ } :ال َم ْو َلى َل ُه ْم{ �أراد ال نا�صر لهم ،وحيث قالَ } :م ْولاَ هُ ُم
الحْ َ قّ { �أي ربهم ومالكهم»(.)35
احلبيب املُ ِح ُّب لأوليائه ،يح ُّبهم ويح ُّبونه»( ،)36قال ابن القيم(« :ال َودو ُد)
ُ æال َودو ُد« :
..هو ال��ذي ُيحِ ُّب �أنبياءه ور�سله و�أول�ي��اءه وعباده امل�ؤمنني ..وهو املحبوب الذي
أحب �إلى العبد من �سمعه وب�صره وجميع احلب ك َّله ،و�أن يكون � َّ ُّ
ي�ستحق �أن ُي َح َّب َّ
حمبوباته»( ،)37وقال ال�شيخ ال�سعدي(« :ال َودو ُد) �أنه يحب عباده امل�ؤمنني ويحبونه،
فهو (فعول) مبعنى (فاعل) ومعنى (مفعول)»(.)38
æاملُ�ست َعانُ « :الذي ي�ستعان به على املطلوب»( ،)39قال ابن القيم(« :املُ�ست َعانُ )
الذى ي�ستعان به على ح�صول املطلوب ودفع املكروه»( ،)40وقال القرطبي(« :املُ�ست َعانُ )
الذي ال َي ْط ُل ُب العون ،بل ُي ْطلَ ُب منه ..وكل �إعانة وعون فمنه وبه �-سبحانه -ال
�إله �إال هو»( ،)41وقال النجدي(« :املُ�ست َعانُ ) الذي ُيطلب منه العون والقوة على فعل
الطاعات ،وترك املحرمات ،وجلب املنافع ،ودفع امل�ضرات»(.)42
æال َو ُ
كيل« :املتويل لتدبري خلقه ،بعلمه ،وكمال قدرته ،و�شمول حكمته»( ،)43قال
ابن القيم« :التوكل :عزل النف�س عن الربوبية وقيامها بالعبودية ،وهذا معنى كون
الرب وكيل عبده� :أي كافيه ،والقائم ب�أموره وم�صاحله؛ لأنه نائبه يف الت�صرف،
فوكالة الرب عبده �أمر وتعبد و�إح�سان له ،وخلعة منه عليه ،ال عن حاجة منه وافتقار
(( )35تف�سري الطربي) عند تف�سري (الآية � - 45سورة الن�ساء).
(( )36التبيان يف �أميان القر�آن) البن القيم (�ص.)146 :
(( )37جالء الأفهام) البن القيم (�ص.)243:
(( )38تف�سري ال�سعدي) عند تف�سري (�سورة هود -الآية.)90 :
(( )39جمموع فتاوى ابن تيمية) جمع عبدالرحمن القا�سم (جـ� - 1 :ص.)22 :
(( )40طريق الهجرتني و باب ال�سعادتني) البن القيم (�ص.)50:
(( )41الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي -حتقيق :حممد ح�سن جبل وطارق �أحمد حممد (جـ�-1:ص.)545:
(( )42النهج الأ�سمى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) ملحمد احلمود النجدي (�ص .)532:
( )43تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص.)18 :
428 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
�إليه كمواالته ،و�أما توكيل العبد ربه :فت�سليم لربوبيته ،وقيام بعبوديته»( ،)44وقال
كيل) الكفيل ب�أرزاق العباد ،والقائم عليهم مب�صاحلهم ،وحقيقته �أنه اخلطابي(« :ال َو ُ
الذي ي�ستقل بالأمر املوكول �إليه ،ومن هذا قول امل�سلمني (ح�سبنا اهلل ونعم الوكيل):
�أي نعم الكفيل ب��أم��ورن��ا ،والقائم ب �ه��ا»( ،)45وق��ال احلليمي(« :ال َوكي ُل) هو املوكول
واملفو�ض �إليه ،علماً ب�أن اخللق والأمر له ،ال ميلك �أحد من دونه �شيئاً»(.)46
�سيب« :الكايف ،الذي من كان له كان ح�سبه»( ،)47قال ابن القيم« :وهو حل ُ æا َ
�سيب) كفاية وحماية ،واحل�سب كايف العبدِ كل �أوان .. ،قال تعالى } :ﮧ ﮨ ( َ
احل ُ
ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ{[الطالق ،]3:كافيه ،و(احل�سب) الكايف ..وقال تعالى}:ﭶ
ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ{ [الأنفال ،]64:اهلل وحده كافيك وكايف
�سيب) العليم بعباده، �أتباعك فال حتتاجون معه �إلى �أحد»( ،)48وقال ال�سعديَ (« :
احل ُ
كايف املتوكلني ،املجازي لعباده باخلري وال�شر بح�سب حكمته وعلمه بدقيق �أعمالهم
�سيب) باملعنى العام الذي يكفي العباد جميع ما وجليلها»( ،)49وقال الهرا�سَ (« :
احل ُ
يهمهم من �أمر دينهم ودنياهم ،فيو�صل �إليهم املنافع ويدفع عنهم امل�ضار .وباملعنى
الأخ�ص الذي يكفي عبده املتقي املتوكل عليه كفاية خا�صة ي�صلح بها»(.)50
رابع ًا :الفروق بني الأ�سماء:
æال�� َوليِ ُّ -املَ ْو َلى( :ال��� َوليِ ُّ ) ذو الوالية اخلا�صة لعباده امل�ؤمنني ،التي تقت�ضي
العناية بهم ،ون�صرهم ،وتوفيقهم ،قال تعالى } :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ
(( )44مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ� - 2 :ص.)127 :
(�( )45ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص.)77 :
(( )46الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ� - ١ :ص )212:وعزاه للحليمي.
(( )47املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص.)102 :
(( )48املرتع الأ�سنى ..من كتب ابن القيم) لعبد العزيز الداخل (�ص.)567 :
( )49تف�سري ال�سعدي ف�صل (�شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) (�ص.)18 :
(�( )50شرح الق�صيدة النونية) للدكتور الهرا�س (جـ� - 2:ص.)104:
سيب
ُ الح الو ُ
كيل َ - ستع ُ
ان َ - َ الم
دود ُ -
الو ُ
الم ْولَى َ -
ِي َ -
الول ُّ
المجموعة الثالثة والعشرون َ : 429
ﭗ ﭘ ﭙﭚ{[البقرة ،]257 :و�أما (ا َمل ْو َلى) فباعتبار املعنى الأول (ال�سيد والرب
وامل��ال��ك) فهو �سبحانه ذو الوالية العامة للخلق �أجمعني؛ مبعنى �أن��ه �سيدهم ومالكهم
وخالقهم ومدبرهم واملت�صرف فيهم مبا �شاء ،قال ال�شيخ ابن عثيمني« :والوالية نوعان:
خا�صة ،كما قال تعالى }:ﭑ ﭒ ﭓ اخلا�صة للم�ؤمنني َّ َّ وخا�صة ،فالوالية
َّ عا َّمة
ﭔ{[البقرة ،]257 :وهي التي تقت�ضي العناية مبن تواله اهلل -ع َّز وج َّل ،والتوفيق
ملا يحبه وير�ضاه� ،أما الوالية العامة ،فهي ت�شمل كل �أحد ،فاهلل ويل كل �أحد ،كما قال
تعالى }:ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ{ [الأنعــــام:
.)51(»]26وباعتبـــــار املعــــنى الثـــاين لـ (ا َمل ْو َلى) (النا�صر واملعني) كما يف قوله �سبحانه:
} ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ{[حممد]11 :؛ ف�إن االختالف
يف معنى اال�سمني يتوجه �إلى �أن (ا َمل ْو َلى) هو املق�صود ،الذي ُيلج�أ �إليه لتويل جميع الأمور،
وامل�أمول منه الن�صر واملعونة ،فهو �-سبحانه -الذي يق�صده �أوليا�ؤه امل�ؤمنون ،فريكنون
�إليه ،ويعتمدون عليه ،ويحتمون به �-سبحانه -عند ال�شدة والرخاء ،ويف ال�سراء وال�ضراء،
كما قال �سبحانه } :ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ{[احلج،]78:
بينما (ال�� َوليِ ُّ ) امل�ستجيب لأوليائه ،الذي يحقق مرادهم ،وي�ستجيب دعاءهم ،ويوفقهم،
ويثبتهم ،وين�صرهم ،كما ق��ال �سبحانه }:ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ
ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ{[ال�شورى ،]28:وقوله تعالى }:ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ
ﰄﰅ{[الأعراف ،]155:يقول الر�ضواين« :والفرق بني الويل واملولى �أن الويل هو
من تولى �أمرك وقام بتدبري حالك وحال غريك � ..أما املولى فهو من تركن �إليه،
وتعتمد عليه ،وحتتمي به عند ال�شدة والرخاء ويف ال�سراء وال�ضراء .)52(»..
كيل :الوالية ت�شمل معاين كثرية ،وال تقت�صر æال َوليِ ُّ -ال َودو ُد -املُ�ست َعانُ -ال َو ُ
على معنى واحد ،وهي معنى عام يدخل حتته الكثري من ال�صور واملعاين؛ ولذا ُع َّد التوكل
(�( )51شرح دعاء قنوت الوتر) لل�شيخ ابن عثيمني عند قوله(:وتولنا فيمن توليت).
(�( )52أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( )330:املويل).
430 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
واملودة واال�ستعانة والن�صرة �آحاد ًا من �أفراد الوالية و�صور ًا من �صورها الكثرية ،لأن الوالية
تبد�أ من املحبة واملودة ،ومتتد مرور ًا بالتوكل والإنابة واال�ستعانة وغريها من �أعمال القلوب
والأب��دان ،حتى تنتهي �إلى الن�صرة يف الدنيا والفوز بالآخرة ،وكما قال �-سبحانه -داعي ًا
عباده �إلى تفوي�ض الأم��ر �إليه والتوكل عليه ،والثقة بح�سن تدبريه �سبحانه لكونه (الويل
املولى)}:ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ
ﮔ{[التوبة ،]51:وقال تعالى } :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ
ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ{[�آل عمران ،]122 :يقول �أبو حيان عند تف�سريه لهذه
الآية« :ملا ذكر -تعالى -ما همت به الطائفتان من الف�شل ،و�أخرب -تعالى� -أنه وليهما،
و َمنْ كان اهلل وليه فال يفو�ض �أمره �إال �إليه� ،أمرهم بالتوكل عليه»( .)53كما �أن التوكل
على اهلل (الوكيل) ،هو مقت�ضى واليته �-سبحانه -لعباده ،فالعبد امل�ؤمن يوقن ب�أن اهلل هو
الويل املولى ،مالك التدبري والت�صريف والإعانة ،الذي تكفل مب�صالح العباد ،ف�أجرى �أرزاقهم
اليهم ،ودفع امل�صائب عنهم ،ون�صرهم على �أعدائهم ،مما يبعث يف قلب امل�ؤمن قوة اال�ستعانة
باهلل (املُ�ستعان) ،والتوكل عليه ،والتفوي�ض �إليه ،والر�ضا به يف كل ما يجريه على عبده.
ويف املحبة والود ،يقول اهلل وا�صف ًا �أولياءه ،و�أنه �-سبحانه -يحبهم ويحبونه} :ﮜ ﮝ
ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮ
ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ
ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯬﯭﯮﯯ ﯰﯱ
ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ{[املائدة ،]56-54:ويقول
الر�سول ¤مو�ضح ًا �أو�صاف �أولياء اهلل وحمذر ًا من معاداتهم�( :إن اهلل قال :من عادى يل
ولي ًا فقد �آذنته باحلرب ،وما تقرب �إيل عبدي ب�شيء �أحب �إيل مما افرت�ضت عليه ،وما
يزال عبدي يتقرب �إيل بالنوافل حتى �أحبه)(.)54
( )53تف�سري (البحر املحيط) لأبي حيان (الآية � – 122آل عمران).
( )54رواه البخاري برقم (.)6502
سيب
ُ الح الو ُ
كيل َ - ستع ُ
ان َ - َ الم
دود ُ -
الو ُ
الم ْولَى َ -
ِي َ -
الول ُّ
المجموعة الثالثة والعشرون َ : 431
�سيب :ربط الكفاية بالتوكل من ربط الأ�سباب مب�سبباتها ،فاهلل حل ُكيل -ا َ æال َو ُ
�-سبحانه -هو (ال َوكي ُل) الذي ُيعتمد عليه يف ق�ضاء احلوائج ،ويفو�ض الأمر �إليه ،وهو
�سيب) الذي يكفي من يثق به ،ويح�سن التوكل عليه ،ويحقق االلتجاء �إليه ،وكلما كان (احل َُ
العبد ح�سنَ الظنّ باهلل ،عظيم الرجاء فيما عنده� ،صادق التوكــــــل عليــــــــه ،ف�إن اهلل
ال يخ ّيب �أمله فيـــــــــه البتـــــــة ،قــــــال البقاعي يف تف�سري قولــــه تعــــــالى }:ﰂ ﰃ
«}ح ْ�س ُب َنا{ �أي كافينا اهلل امللك الأعلى يف ﰄ ﰅ ﰆ{[�آل عمرانَ :]173:
القيام مب�صاحلنا ،ومل��ا ك��ان ذل��ك هو �ش�أن الوكيل وك��ان يف الوكالء من ي��ذم قال:
} ﰅ ﰆ{ �أي املوكول �إليه املفو�ض �إليه جميع الأمور»( ،)55وقد ي�ستبطئ
العبد املتوكل كفاية اهلل له يف نوائبه وحاجاته ،وهذا من عجلة العبد وغفلته عن ِح َكم اهلل
الباهرة الذي جعل لكل �شيء قدر ًا ،يقول ابن القيم« :ومن ذلك قوله تعالى }:ﮧ ﮨ
ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ{[الطالق،]3:
فلما ذك��ر كفايته للمتوكل عليه ،فرمبا �أوه��م ذل��ك تعجيل الكفاية وق��ت التوكل،
فعقبه بقوله } :ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ{ �أي وقتاً ال يتعداه ،فهو ي�سوقه �إلى
وقته الذي قدره له ،فال ي�ستعجل املتوكل ويقول :قد توكلت ودعوت فلم �أ َر �شيئاً،
ومل حت�صل يل الكفاة ،فاهلل بالغ �أمره يف وقته الذي قدره له»(.)56
خام�س ًا :ال�صفة امل�شتقة:
æاملَ ْو َلى -ال َوليِ ُّ :ال�صفة امل�شتقة من ا�سميه �-سبحانه (ال َوليِ ّ ) و(ا َمل ْو َلى) «�صفتا
(ا ْل ِوال َية) َو(المْ ُ َواالة)»(« ،)57وهما من �صفات الأفعال»( ،)58قال تعالى } :ﭑ ﭒ ﭓ
ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ{[البقرة ،]257 :وقوله تعالى }:ﰃ ﰄ ﰅ
( )55تف�سري (نظم الدرر) للبقاعي عند تف�سري (�آل عمران.)173 :
(�( )56إعالم املوقعني عن رب العاملني) البن القيم (جـ� - 4 :ص)161 :
(�( )57صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص.)272:
(�( )58أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( )498 - 331:الويل واملويل).
432 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
حل�سيب) «�صفة (ا َ
حل ْ�ســـــب)»()67 �سيب :ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه �-سبحانه (ا َ
حل ُ æا َ
..ق��ال تعالى }:ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ
ﭝ{[الأنفال ،]62:ومن ال�سنة ق�صة الرجل الذي �أثنى على رجل عند النبي¤
فقال ( :¤ويلك! ،قطعت عنق �أخيك -ثالثا -من كان منكم مادح ًا ال حمالة
فليقل� :أح�سب فالنا ،واهلل ح�سيبه ،وال �أزكي على اهلل �أحد ًا� ،إن كان يعلم( ،)68قال
ابن القيمَ }«:و َمنْ َي َت َو َّك ْل َع َلى اللهَّ ِ َف ُه َو َح ْ�س ُبهُ{� :أي كايف من يثق به يف نوائبه ومهماته،
حل ْ�س ُب) الكايفَ } ،ح ْ�س ُب َنا اللهَّ ُ { كافينا اهلل»(.)69
يكفيه كل ما �أهمه ،و(ا َ
ري :ورد االقرتان مع ا�سمه �-سبحــــانـــــه (ال َوليِ ُّ ) مرة واحــــدة يف قولــه
æالن َِّ�ص ُ
تعالى }:ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ{[الن�ساء .]45:وورد
االقرتان مع ا�سمه �-سبحانه (ا َمل ْو َلى) ( 4مرات) منها قوله تعالى}:ﯧ ﯨ ﯩ
ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ{[الأنفال ،]40:وال�سر يف ذلك -واهلل �أعلم
� -أن «اهلل هو مولى عباده امل�ؤمنني بوالية خا�صة ،فهو �-سبحانه -نا�صرهم
وم�ؤيدهم ،واالق�تران هنا يف هاتني الآيتني ي��راد به املعنى اخلا�ص� :أي �أن ا�سمه
�-سبحانه (الن�صري) هو مقت�ضى ا�سمه �-سبحانه (املولى)»( .)72يقول البقاعي« :وملا
كان الويل قد (ال تكون)( )73فيه قوة الن�صرة ،والن�صري قد ال يكون له �شفقة الويل،
وكانت الن�صرة �أعظم ما ُيحتاج �إل��ى ال��ويل فيه؛ �أفردها بالذكر �إعالماً باجتماع
الو�صفني ،مكرراً الفعل واال�سم الأعظم اهتماماً ب�أمرها فقالَ }:و َك َفى ِباللهَّ ِ { �أي
الذي له العظمة كلها } َن ِ�صري ًا{ �أي ملن وااله فال ي�ضره عداوة �أحد ،فثقوا بواليته
ون�صرته دونهم ،وال تبالوا ب�أحد منهم وال من غريهم ،فهو يكفيكم اجلميع»(،)74
ويقول ال�شعراوي« :هناك قريب ،وهناك �-أي�ضاً -ن�صري ،فقد يكون هناك من هو
قريب منك وال ين�صرك ،لكن اهلل و ّ
يل ون�صري»(.)75
æالقدير :ورد االقرتان مع ا�سمه �سبحانه (الويل) مرة واحدة يف قوله تعالى:
} ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ{
[ال�شورى ،]9:واحلكمة يف ذلك -واهلل �أعلم – لتقرير من هو �أحق بالوالية؟ هل هي
تلك املعبودات التي ال متلك لنف�سها �ضرا وال نفع ًا ف�ضال عن �أن متلكه لغريها� ،أم هو اهلل
الواحد القهار الذي يحيي املوتى وهو على كل �شيء قدير؟ ،فهو احلقيق �سبحانه ب�أن ُيتخذ
(( )72وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص.)474 :
( )73يف الأ�صل (تكون) ولعلها (ال تكون) كي ي�ستقيم املعنى� ،أ�سوة بتف�سري البقاعي لآية الن�ساء (ال يكون فيه قوة الن�صر).
(( )74نظم الدرر يف تنا�سب الآيات وال�سور) للبقاعي (الن�ساء -الآية .)45
(( )75تف�سري خواطر حممد متويل ال�شعراوي) (�سورة الن�ساء -الآية ( )45جـ� - 4 :ص.)2278 :
سيب
ُ الح الو ُ
كيل َ - ستع ُ
ان َ - َ الم
دود ُ -
الو ُ
الم ْولَى َ -
ِي َ -
الول ُّ
المجموعة الثالثة والعشرون َ : 435
ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ{[يون�س ،]63-62:وقوله
تعالى } :ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ{[الأنعام:
� .]127أما من يزعم �أنه من �أولياء اهلل ،وهو بعيد عن التوحيد ولزوم الكتاب
وال�س َّنة ،وذلك مبا يعرف عنهم من ال�شرك وال�شعوذة واخلرافات ،والوقوع يف ماُّ
نهى اهلل عنه ،وترك ما �أمر به ،فه�ؤالء �أبعد ما يكونون عن �أولياء اهلل -تعالى،
وهم �أولياء ال�شيطان وحزبه .
�3.3صدق التوكل على اهلل وحده يف جلب املنافع ،ودفع امل�ضار ونف�ض القلب واليد عمن
�سواه؛ لأنه �-سبحانه -ال�ضامن لرزق عباده املدبر ل�ش�ؤونهم ،الكايف مل�صاحلهم
بحكمة وعلم وقدرة مطلقة ،وهذا يقت�ضي عدم التعلق بالأ�سباب مع فعلها؛ لأن
اهلل -تعالى � -أمر بالأخذ بالأ�سباب ال�شرعية والنظر فيها �إلى م�سببها وخالقها
وهو اهلل �-سبحانه -الذي �إن �شاء نفع بها ،و�إن �شاء �أبطلها فعاد الأمر والت�أثري
والتدبري �إلى اهلل وحـده الذي ال يعجـزه �شيء يف الأر�ض وال يف ال�سـماء .
4.4حمبة �أولياء اهلل -تعالى ،وتوليهم ون�صرتهم ،واحل��ذر من ظلمهم و�أذيتهم،
والترب�ؤ من �أعداء اهلل -تعالى -وبغ�ضهم وجهادهم ،وهذا من مقت�ضيات عقيدة
التوحيد القائمة على الوالء للم�ؤمنني ،والرباءة من الكافرين ،يقول �( :¤إن
اهلل قال :من عادى يل وليا فقد �آذنته باحلرب .)80()..
5.5الثقة بكفاية اهلل ،وتوليه لعباده ال�صاحلني ،ون�صرته لهم ،و�إح�سان الظن به
�-سبحانه ،وعدم الرهبة من قوة الكافرين� ،إذا �أُخذ بالأ�سباب ،مع التوكل على
اهلل وحده؛ فاملن�صور من ن�صره اهلل -تعالى ،واملخذول من خذله ،قال تعالى:
}ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ
ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ{[�آل عمران .]160 :
( )80رواه البخاري برقم (.)6502
438 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
ثامن ًا :مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء:
�سيب) من الأ�سماء الدالة
حل ُكيل -ا َ
(ال َوليِ ُّ -املَ ْو َلى -ال َودو ُد -املُ�ست َعانُ -ال َو ُ
حل ْ�سب) ،وهي �صفات تورث عند على �صفات اهلل (ا ْل ِوال َية َو المْ ُ َواالة -الود -التوكل بالغري -ا َ
العبد امل�ؤمن �إح�سا�س ًا بالقرب من خالقه ،مع الإح�سا�س بالرحمة واللطف واحلب والعناية ،مما
مينح العالقة بني العبد وربه قوة وطعم ًا غري م�ألوف ،ي�سكب يف القلب والروح من الر�ضا واليقني
والطم�أنينة ما ال �سبيل لو�صفه �أو نعته؛ ولذا جند معظم الآيات التي ورد فيها الثناء على اهلل
�-سبحانه وتعالى -بهذه الأ�سماء مفعمة بالعواطف وامل�شاعر اجليا�شة التي اقت�ضاها املوقف؛
كقول اهلل -تعالى -على ل�سان يو�سف }:ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ
ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ
ﯵ{[يو�سف ،]101:وقوله -تعالى -عن حال الر�سول ¤و�صحابته يف موقعة حمراء
الأ�سد بعد م�صيبة غزوة «�أحـــــد» وتخـــــويف النــــا�س لهـــــم }:ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ
ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ{[�آل
عمران]173:؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل �-سبحانه وتعالى -والثناء عليه ،والتو�سل �إليه
بهذه الأ�سماء ،يف حاجات العبد التي تنا�سب معانيها ،كحال العبد املظلوم املقهور املرهوب� ،أو
العبد اخلائف على دينه ،الذي يدعو ربه �أن يث ّبته له ،ويحفظه عليه ،حتى يلقاه ،ومن ذلك ما
جاء عن نبينا ¤قوله(:يا ويل الإ�سالم و�أهله ثبتني به حتى �ألقاك)( ،)81ومن دعائه:¤
(اللهم �إين �أعوذ بك من العجز والك�سل ،واجلنب والبخل ،والهرم وعذاب القرب ،اللهم �آت
نف�سي تقواها ،وزكها �أنت خري من زكاها� ،أنت وليها وموالها ،اللهم �إين �أعوذ بك من علم
ال ينفع ،ومن قلب ال يخ�شع ،ومن نف�س ال ت�شبع ،ومن دعوة ال ي�ستجاب لها( ،)82وقوله :¤
(دعوات املكروب :اللهم رحمتك �أرجو ،فال تكلني �إلى نف�سي طرفة عني� ،أ�صلح يل �ش�أين
كله ،ال �إله �إال �أنت)( ،)83وحديث �أبي �سعيد اخلدري ‹ الآنف� ،أن النبي ¤قال( :كيف
(� )81أخرجه الطرباين و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة برقم (.)1823
( )82رواه م�سلم برقم (.)2722
( )83رواه �أبو داود وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)3388
سيب
ُ الح الو ُ
كيل َ - ستع ُ
ان َ - َ الم
دود ُ -
الو ُ
الم ْولَى َ -
ِي َ -
الول ُّ
المجموعة الثالثة والعشرون َ : 439
�أنعم ،و�صاحب القرن قد التقم القرن وا�ستمع الإذن متى ي�ؤمر بالنفخ فينفخ؟!) فك�أن
ذلك ثقل على �أ�صحاب النبي ،¤فقال لهم( :قولوا :ح�سبنا اهلل ونعم الوكيل ،على اهلل
توكلنا)( ،)84ومن و�صيته ¤ملعاذ( :يا معاذ ،واهلل �إين لأحبك� ،أو�صيك يا معاذ ،ال تدعن
يف دبر كل �صالة �أن تقول :اللهم �أعني على ذكرك ،و�شكرك ،وح�سن عبادتك(.)85
تا�سع ًا :لطائف و�أقوال:
æق��ال تعالى} :ﭥ ﭦ ﭧ{[احلجر� ،]95:إن��ه وع��د وتهديد من
املولى لكل من ينتق�ص نبيه � ،¤أو ي�ستهزيء به� ،أو ي�سخر منه� ،أو يطعن فيه؛ فقد توعده
كاف عبده ،¤وال زالت الأخبار ُتنقل وتتواتر عرباهلل مبا �شاء من �أن��واع العقوبة ،و�أن اهلل ٍ
الع�صور مب�صري املجرمني ممن تظاهر باال�ستهزاء بالنبي ،¤والطعن فيه ،وكيف ق�صمهم
اهلل و�أخزاهم ،يقول �شيخ الإ�سالم ابن تيمية�« :إ َّن اهلل منتق ٌم لر�سوله ¤ممن طعن عليه
مي ِّكن النا�س �أن يقيموا عليه احلد ،ونظري و�س َّبه ،و ُم ْظ ِه ٌر لِدِ ي ِن ِه و ِل َكذِ بِ الكاذب �إذا مل ُ
َ
هذا ما َح َّد َث َنا به �أعدا ٌد من امل�سلمني ال ُعدُول� ،أهل الفقه واخلربة ،ع َّما جربوه مراتٍ
متعدد ٍة يف َح ْ�صا ِر احل�صون واملدائن التي بال�سواحل ال�شامية ،ملَّا حا�صر امل�سلمون
فيها بني الأ�صفر يف زماننا ،قالوا :كنا نحن َن ِ
حا�ص ُر احل ِْ�ص َن �أو املدينة ال�شهر �أو
�أكرث من ال�شهر وهو ممتن ٌع علينا حتى نكاد ني�أ�س منه ،حتى �إذا تعر�ض �أه ُل ُه ل َِ�س ِّب
عر�ضه َت َع َّجلنا فتحه وت َي َّ�سر ،ومل يكد يت�أخر �إال يوماً
ر�سولِ اهلل ¤والوقيع ِة يف ِ
�أو يومني �أو نحو ذلك» ( ،)86وي��روي ابن حجر الع�سقالين عن جمال الدين �إبراهيم بن
تن�صر بع�ض �أمراء املغول ،فح�ضر جماعة من كبار الن�صارى حممد الطيبي فيقولّ « :
واملغول ،فجعل واحد منهم ينتق�ص النبي ،¤وبقربهم كلب �صيد مربوط ،فلما
فخ َّم َ�شه! ،فخل�صوه منه، �أكرث الن�صراين من انتقا�صه للنبي ،¤وثب عليه الكلب َ
وق��ال بع�ض من ح�ضر :هذا بكالمك يف نبي اهلل حممد ،!¤فقال :كال ،بل هذا
الكلب عزيز النف�س ،ر�آين �أ�شري بيدي فظن �أين �أريد �ضربه! ،ثم عاد �إلى ما كان فيه
( )84رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (.)1980
( )85رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)7969
(( )86ال�صارم امل�سلول على �شامت الر�سول) البن تيمية (جـ� - 1 :ص.)228 :
440 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
من �سب وطعن ف�أطال! ،فوثب الكلب مرة �أخرى على عنق هذا الن�صراين ،فقب�ض
على َز ْر َد َمته( )87فقلعها ،فمات من حينه! ،ف�أ�سلم ب�سبب ذلك الكثري من املغول»(.)88
æو�صى الزبري بن العوام ‹ ،ابنه عبد اهلل ‹ ،يوم وقعة اجلمل فقال له « :يا
عجزت عن �شيء منه (يعني َ :د ْي َنه) ،فا�ستعن عليه مبوالي ،قال :فواهلل؛ ما َ بني!� ،إن
دريت ما �أراد حتى قلت :يا �أبت! ،من موالك؟ ،قال :اهلل .قال :فواهلل ،ما وقعت يف
كربة من َد ْينِه �إ َّال قلـت :يا مولى الزبري ،اقـ�ض عنه َد ْي َنه فيق�ضيه»(.)89
æقيل لعمر بن عبدالعزيز يف مر�ض موته :ه�ؤالء بنوك -وكانوا اثني ع�شر � -أال
تو�صي لهم ب�شيء ف�إنهم فقراء؟ ،فقال } :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ
ﭚ{ [االعراف ،]196:واهلل ال �أعطيتهم حق �أحد ،وهم بني رجلني� :إما �صالح
فاهلل يتولى ال�صاحلني ،و�إما غري �صالح فما كنت لأعينه على ف�سقه!» ،ويف رواية:
«�أف�أدع له ما ي�ستعني به على مع�صية اهلل ف�أكون �شريكه فيما يعمل بعد املوت؟! ،ما
كنت الفعل!» .ثم ا�ستدعى �أوالده فودعهم وعزاهم بهذا ،و�أو�صاهم بهذا الكالم ثم قال:
«ان�صرفوا ع�صمكم اهلل و�أح�سن اخلالفة عليكم» .قال :فلقد ر�أينا بع�ض �أوالد عمر بن
عبد العزيز يحمل على ثمانني فر�س ًا يف �سبيل اهلل ،وكان بع�ض �أوالد �سليمان بن عبد امللك -
مع كرثة ما ترك لهم من االموال -يتعاطى وي�س�أل من �أوالد عمر بن عبد العزيز ،لأن عمر
وكل ولده �إلى اهلل ،و�سليمان وغريه �إمنا يكلون �أوالدهم �إلى ما يدعون لهم من الأموال
الفانية ،في�ضيعون وتذهب �أموالهم يف �شهوات �أوالدهم»(.)90
æقال رجل لـمعروف الكرخي» �أو�صني! قال :توكل على اهلل حتى يكون جلي�سك
و�أني�سك ومو�ضع �شكواك ،و�أكرث ذكر املوت حتى ال يكون لك جلي�س غريه ،و�أعلم �أن
( )87ا ل َّز ْرد ََم ُة :مو�ضع االبتالع من الرقبة ،وهي حتت احللقوم والل�سانُ مر ّكب فيها.
(( )88الدرر الكامنة يف �أعيان املائة الثامنة) البن حجر الع�سقالين (جـ� – 4 :ص ،)153 – 152:طبعة :جمل�س دائرة
املعارف العثمانية ،وب�إ�شراف :حممد عبد املعيد �ضان ،الطبعة :الثانية1392 ،هـ1972 /م.
( )89رواه البخاري برقم (.)3129
(()90البداية والنهاية ) للإمام ابن كثري (�ص )1435 :يف �أحدث �سنة ( 101هـ).
سيب
ُ الح الو ُ
كيل َ - ستع ُ
ان َ - َ الم
دود ُ -
الو ُ
الم ْولَى َ -
ِي َ -
الول ُّ
المجموعة الثالثة والعشرون َ : 441
ال�شفاء لمِ ا نزل بك كتمانه ،و�أن النا�س ال ينفعونك وال ي�ضرونك وال يعطونك وال
مينعونك»(.)91
æكان يزيد بن حكيم يقول « :واهلل ما هبت �شيئاً قط هيبتي لرجل ظلمته و�أنا
�أعلم �أنه ال نا�صر له �إال اهلل تعالى! فيقول :ح�سبك اهلل ،اهلل بيني وبينك»(.)92
æقال قتادة :كان هرم بن ح ّيان يقول« :ما �أقبل عب ٌد بقلبه �إلى اهلل� ،إال �أقبل اهلل
بقلوب امل�ؤمنني �إليه حتى يرزقه و ّدهم»(.)93
æيقول ابن تيمية « :وهو �سبحانه ملّا جعل بني الزوجني مودة ورحمة كان كل منهما
يود الآخر ويرحمه ،وهو �سبحانه كما ثبت يف احلديث ال�صحيح �أرحم بعباده من الوالدة
بولدها ،وقد بني احلديث ال�صحيح �أن فرحه بتوبة التائب �أعظم من فرح الفاقد
ماله ومركوبه يف مهلكة �إذا وجدهما بعد الي�أ�س ،وهذا الفرح يقت�ضي �أنه �أعظم مودة
لعبده امل�ؤمن من امل�ؤمنني بع�ضهم لبع�ض ،كيف وكل ود يف الوجود فهو من فعله؟!،
ف��ال��ذي جعل ال��ود يف القلوب ه��و �أول��ى ب��ال��ود كما ق��ال اب��ن عبا�س وجم��اه��د وغريهما
يف ق��ول��ه ت �ع��ال��ى } :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ
ﭙ{[مرمي ،]96:قال يحبهم ،وقد دل احلديث الذي يف ال�صحيحني على �أن ما يجعله
من املحبة يف قلوب النا�س هو بعد �أن يكون هو قد �أحبه ،و�أمر جربيل �أن ينادي ب�أن اهلل
يحبه ،فنادى جربيل يف ال�سماء �أن اهلل يحب فالنا ف�أحبوه ،ويف مناجاة بع�ض الداعني:
لي�س العجب من حبي لك مع حاجتي �إليك ،العجب من حبك يل مع غناك عني!»(.)94
«تاهلل! ما عدا عليك العدو �إال بعد �أن تولى عنك الويل! فال تظن �أن ال�شيطان َغلب
�ساقتك �إلى فعل اخلريات، َ َ
نف�سك هي التي حت�سب �أ َّن
ْ ولكن احلافظ � ْأع َر�ض ..وال
بل اعل ْم �أ َّنك عب ٌد �أح َّبك اهلل فال تف ِّرط يف هذه املح َّب ِة فـين�ساك»( .)95وقال يف مو�ضع
�آخر« :قال تعالى } :ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ{[املائدة ،]54 :لي�س العجب
ني
ري م�سك ٍ
من قوله ُيحبونه� ,إمنا العجب من قوله ُيحبهم! .لي�س العجب من فق ٍ
يحب حم�سنا �إليه� ,إمن��ا العجب من حم�سن يحب فقريا م�سكينا!»( .)96وقال يف
مو�ضع ثالث« :من ا�شتغل باهلل عن نف�سه ،كفاه اهلل م�ؤونة نف�سه ،ومن ا�شتغل باهلل
عن النا�س ،كفاه اهلل م�ؤونة النا�س ،ومن ا�شتغل بنف�سه عن اهلل ،و َكلَ ُه اهلل �إلى نف�سه،
ومن ا�شتغل بالنا�س عن اهلل ،و َكلَ ُه اهلل �إليهم»(.)97
« æملا �أ َّلف الع ّالمة القا�ضي نا�صر الدين البي�ضاوي رحمه اهلل (ت ٦85هـ) تف�سريه
امل�شهور (�أنوار التنزيل و�أ�سرار الت�أويل) و�أكمله ،ذهب به �إلى ال�سلطان ببغداد ،ف َم َّر يف طريقه
بقرية فيها �أحد امل�شايخ ،فنزل عنده و�أ�ضافه ،ف�س�أله ال�شيخ� :أين ق�صدك؟ قال� :إلى بغداد.
أبذلت املجهود يف تنقيحه وتهذيبه ،ويل فت تف�سرياً � ُ قال :وما تريد منها؟ قال� :إين �ص ّن ُ
ّ
جتهيزهن وال مال يل ،ف��أردت �أن �أذه��ب �إل��ى ال�سلطان بنات قد �أد َر ْك� َ�ن ،فاحتجت �إل��ى
ٌ
رت قوله ف�س َجهازهن .فقال له ال�شيخ :مب ّ
ّ ع�سى �أن يح ّل يل من عنده ما �أ�ستعني به يف
ف�سرناه ب�أ ّنا ال نعبد �إال �إياك،
تعالى } :ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ{[الفاحتة]5:؟ .قالّ :
وال ن�ستعني �إال بك .فقال له :فكيف ت�ستعني بغريه؟! .ف�أ ّثر كالمه يف قلب الع ّالمة ،وتن ّبه
ورجع من حيث جاء ،ومل يذهب �إلى بغداد .فمن �أجل ذلك و�ضع اهلل القبول على تف�سريه ،ف�أقبل
عليه العلماء من ِّ
كل جه ٍة ي�أخذون عنه ،وح�صل له نفع كبري»(.)98
الــمــجــمــوعـــــــ 24ـــــــــة
مو�ضوع الأ�سماء :الإِ َجا َب ُة
()88 - 87 - 86 - 85
يب -املُ ُ
جيب ال�ص َم ُد -ال َق ِر ُ
ال�س ِّي ُد َّ -
َّ
444 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الـمجـمـوعـ 24ـة
مو�ضوع الأ�سماء :الإِ َجا َب ُة
( ) 88 - 87 - 86 - 85
يب -املُ ُ
جيب ال�ص َمدُ -ال َق ِر ُ
ال�س ِّيدُ َّ -َّ
�أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود:
ال�س ِّيدُ :مل يرد يف القر�آن الكرمي ،و�إمنا ورد يف ال�سنة من حديث عبد اهلل بن َّ æ
ال�شخري ‹ ،قال« :انطلقت يف وفد بني عامر �إلى ر�سول اهلل ،¤فقلنا� :أنت �سيدنا ّ
ال ،و�أعظمنا طو ًال ،فقال( :قولوا بقولكم �أو
(ال�س ِّي ُد اهلل) قلنا :و�أف�ضلنا ف�ض ً فقالَّ :
ببع�ض قولكم ،وال َي ْ�س َت ْج ِر َئ َّن ُكم ال�شيطان)»(.)1
ال�ص َمدُ :ورد يف القر�آن الكرمي مرة واحدة ،يف قوله تعالى }:ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ َّ æ
ﭕ ﭖ ﭗ{[الإخال�ص ،]2-1:ويف ال�سنة ما جاء يف احلديث القد�سي ( :كذبني
ابن �آدم ..و�أما �شتمه �إياي فقوله :اتخذ اهلل ولد ًا ،و�أنا الأحد ال�صمد ،مل �ألد ومل
�أولد ،ومل يكن يل كفئا �أحد)(.)2
يب :ورد يف القر�آن الكرمي ( 3مرات) ،منها قوله تعالى}:ﭚ ﭛ ﭜ æال َق ِر ُ
ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ{[�سب�أ،]50:
ومن ال�سنة حديث �أبي مو�سى الأ�شعري ‹� ،أن النبي ¤قال( :يا �أيها النا�س ،اربعوا
على �أنف�سكم ،ف�إنكم ال تدعون �أَ َ�ص َّم وال غائبا� ،إنه معكم �إنه �سميع قريب -تبارك-
ا�سمه وتعالى جده)(.)3
جيب :ورد يف القر�آن الكرمي مرتني يف قوله تعالى } :ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ
æاملُ ُ
( )1رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف �صحيح �أبي داود برقم (.)4806
( )2رواه البخاري (.)4974
( )3رواه البخاري برقم (.)2992
جيب
ُ الم
ِيب ُ - الس ِّي ُد ُّ -
الص َم ُد -القَ ر ُ المجموعة الرابعة والعشرون َّ : 445
æاملُ ُ
جيب« :ا� �س��م ف��اع��ل ،فعله �أج� � َ
�اب ُي�ج�ي��ب �إج��اب��ة ،ف�ه��و مجُ �ي��ب ،و�أج ��اب
�س�ؤاله :رد عليه و�أفاده عما �س�أل عنه ،و�أجاب طلبه ،قبله وق�ضى حاجته»( ،)13قال
الراغب« :واجل��واب يقال يف مقابلة ال�س�ؤال ،وال�س�ؤال على �ضربني :طلب مقال،
وجوابه املقال ،وطلب نوال ،وجوابه النوال ،فعلىاملعنى الأول :قوله تعالى } :ﭹ
ﭺ ﭻ ﭼ{[الأحقاف ،]31:وعلى الثاين قوله تعالى } :ﭒ ﭓ ﭔ
ﭕ{[يون�س.)14(»]89:
قرب الإِحاطة وقرب البطون»( ،)33ويقول ال�شيخ فوزي ال�سعيد« :فاهلل -تعالى -هو
يب) ،و(ال َب ِاطنُ ) يتعلق بكل النا�س وكل �شيء ،وهو �أقرب اطنُ ) و�أي�ضاً (ال َق ِر ُ
(ال َب ِ
يب) جت��ده للعباد ،فهذا ال�ق��رب خم�صو�ص �إل��ى �أي �شيء م��ن نف�سه� ،إمن��ا (ال َق ِر ُ
للعباد»(.)34
æاملُ ُ
جيب :ال�صفة امل�شتقة من ا�سم (املُجيب) «�صفة (ا ِلإ َجا َبة) وهي من �صفات
اهلل الفعلية الثابتة بالكتاب وال�سنة»( )41قال تعالى }:ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ
ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ{ [�آل عمران ،]195:وقوله (:¤ادعوا اهلل و�أنتم موقنون
بالإجابة ،واعلموا �أن اهلل ال ي�ستجيب دعاء من قلب غافل اله)(.)42
æالأثر العملي:
1.1حمبة اهلل ال�سيد املالك ،واملت�صرف يف �ش�ؤون اخللق ،ال��ذي ت�صمد له
اخلالئق ،وتهرع �إليه يف ق�ضاء احلاجات وتفريج الكربات ،فهو �-سبحانه-
القادر اللطيف بعباده ،الرحيم بهم ،القريب منهم ،امل�ستجيب لهم ،كما قال
�سبحانه} :ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ
ﯴﯵ{[البقرة .]186 :
2.2تعظيمه �-سبحانه ،و�إجالله ،وحمده ،والثناء عليه ،و�إف��راده وحده بالتوكل،
وتفوي�ض الأمور �إليه �سبحانه ،والثقة يف كفايته وقدرته لأنه �-سبحانه-
الكامل يف �س�ؤدده و�أ�سمائه و�صفاته ،ال�سيد ال�صمد ،املق�صود من جميع عباده
يف ق�ضاء احلاجات ،وهذا يقت�ضي اخلوف منه �-سبحانه -ورج��اءه وحده،
والأخذ ب�أ�سباب مر�ضاته ،وترك ما ي�سخطه �-سبحانه -ويغ�ضبه ،وبالتايل
يزول اخلوف والتعظيم من قلوب النا�س نحو ال�سيد من الب�شر الذي ال ميلك
لنف�سه نف ًعا وال �ض ًرا ف�ض ًال عن �أن ميلكه لغريه ،فال يذل له وال يخ�ضع ،و�إمنا
يذل هلل وحده ال�سيد ال�صمد .
3.3الإميان بقربه �-سبحانه -القرب العام جلميع اخلالئق بالإحاطة والعلم
والرقابة وال�سمع والب�صر ،وهذا يثمر يف القلب اخلوف منه �-سبحانه-
ومراقبته واحلياء منه ،واالبتعاد عن معا�صيه وامتثال �أوامره ،وامل�سارعة
يف مر�ضاته .
4.4قوة الرجاء يف اهلل �-سبحانه ،وع��دم الي�أ�س من رحمته ،والت�ضرع بني
يديه ،فهو قريب ملن ناجاه ،جميب ملن دع��اه ،وه��ذا يثمر الأم��ل وال�� َّروح
يف القلب ،ويزرع ح�سن الظن به �-سبحانه -يف ق�ضاء احلاجات وتفريج
الكربات .
452 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
5.5ال�شرف وال�س�ؤدد احلقيقي يف هذه الدنيا �إمنا ينال بطاعة اهلل -تعالى -وتقواه،
حيث �إن الكرامة وال�شرف والرفعة وعلو الذكر -وهذه �أركان ال�س�ؤدد� -إمنا هي
لأنبياء اهلل و�أوليائه وهم ال�سادة على النا�س� ،أما الكفر ُة واملنافقون وال ُف َّ�س ُاق
فال كرامة لهم وال �سيادة؛ ولذا جاء النهي عن ت�سمية املنافق بال�سيد ،كما جاء
يف احلديث( :ال تقولوا للمنافق �سيد)(.)44
ثامن ًا :مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء:
وال�ص َمدية)،ال�ص َم ُد) من الأ�سماء الدالة على �صفات اهلل الذاتية (ال�سيادة َّ
(ال�س ِّيدُ َّ -
َّ
جيب) من الأ�سماء الدالة على �صفات اهلل الفعلية (ا ْل ُق ْربيب واملُ ُوا�سماه �-سبحانه (ال َق ِر ُ
والإِ َجا َبة) والرتباط معاين هذه الأ�سماء بق�ضاء حاجات العباد ،و�سماع دعائهم ،و�إجابة
�س�ؤالهم ،وحتقيق مطالبهم ،كان من املنا�سب دعاء اهلل �-سبحانه وتعالى -والثناء عليه،
والتو�سل �إليه بهذه الأ�سماء ،يف جميع حاجات العباد الدينية والدنيوية ،قال تعالى}:ﯩ
ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ{[البقرة ،]186 :وقال
يف دعوته لقومه }:ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ -تعالى -حاكي ًا قول نبيه �صالح
ﰈ ﰉ{[هود ،]61:ومما جاء عن نبينا � ¤أنه �سمع رج ًال يقول« :اللهم �إين �أ�س�ألك
�أين �أ�شهد �أنك �أنت اهلل ال �إله �إال �أنت الأحد ال�صمد الذي مل يلد ومل يولد ومل يكن
له كفوا �أحد» فقال( :لقد �س�ألت اهلل باال�سم الذي �إذا �سئل به �أعطى ،و�إذا دعي به
�أجاب)(.)45
اجلهد ،حتى جعل �أحدهم يرى ما بينه وبني ال�سماء كهيئة الدخان من اجلوع! ،قالوا } :ﮡ
ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ{[الدخان ،]12:فقيل له� :إن ك�شفنا عنهم عادوا ،فدعا
رب��ه؛ فك�شف عنهم ،فعادوا ،فانتقم اهلل منهم يوم ب��در ،فذلك قوله تعالى} :ﮓ
ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ{ �إلى قوله -جل ذكره } -ﯤ ﯥ{[الدخان- 10 :
.)46(»]16
æقال تعالى} :ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ{[الن�ساء ،]32:قال النبي �( :¤إذا
كثْ ،ف�إنَّه ي�س�أَلُ ر َّبه)(.)47
�س�أَل � َأح ُدكم ،ف ْل ُي رِ
قال تعالى} :ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ{[الرحمن،]29: æ
قال ( :¤يف �ش�أنه �أن يغفر ذنبا ،ويك�شف كربا ،ويجيب داعيا ،ويرفع قوما ،وي�ضع
�آخرين)(.)48
æعن �أبي ذر الغفاري ‹ عن النبي ¤فيما يرويه عن ربه �أنه قال( :يا عبادي
تظاملوا ،يا عبادي كلكم ٌّ
�ضال الظلم على نف�سي وجعل ُته بينكم حم َّر ًما؛ فال َّ
َ �إين ح َّر ُ
مت
�إال من هدي ُته؛ فا�ستهدوين �أَهْ ِدكم ،يا عبادي كلكم ٌ
جائع �إال من �أطعم ُته؛ فا�ستطعموين
�أُطعمكم ،يا عبادي كلكم عا ٍر �إال من ك�سو ُته؛ فا�ستك�سوين �أ ْك ُ�س ُكم )49()..احلديث ،قال
ابن رجب احلنبلي« :ويف احلديث دليل على �أن اهلل ُّ
يحب �أن ي�س�أله العباد جميع
م�صالح دينهم ودنياهم ،من الطعام وال�شراب والك�سوة وغري ذلك ،كما ي�س�ألونه
الهداية واملغفرة ويف احلديث( :لي�س�أل �أحدكم ربه حاجته كلها حتى �ش�سع نعله �إذا
انقطع)( ،)50وكان بع�ض ال�سلف ي�س�أل اهلل يف �صالته كل حوائجه حتى ملح عجينه
( )46رواه البخاري برقم (.)4822
( )47رواه ابن حبان و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة (جـ 3:برقم ) 1325:ويف �صحيح اجلامع برقم.)591( :
(� )48أخرجه ابن ماجة وابن حبان و�صححه الألباين يف (كتاب ال�سنة ومعه ظالل اجلنة يف تخريج ال�سنة) برقم (.)301
( )49رواه م�سلم برقم (.)2577
(�)50أخرجه الرتمذي وابن حبان و�ضعفه الألباين يف ال�سل�سلة ال�ضعيفة برقم ( )1362ويف �ضعيف اجلامع برقم (.)4946
454 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
æعندما كان الإمام �أحمد م�سجون ًا ،وقد توعده اخلليفة العبا�سي امل�أمون ،جاء
خادم ال�سجن وهو مي�سح دموعه بطرف ثوبه ويقول« :يع ُّز َّ
علي �أبا عبد اهلل �أن امل�أمون
قد َ�س ّل �سيفاً مل ي�س ّله قبل ذلك ،و�أن��ه يق�سم بقرابته من ر�سول اهلل ¤لئن مل
جتبه �إلى القول بخلق القر�آن ليقتلنك بذلك ال�سيف ،قال :فجثى الإم��ام �أحمد
على ركبتيه ،ورمق بطرفه �إلى ال�سماء ،وق��ال� :سيدي!َ ،غ َّر حِ ْل ُمك هذا الفاجر
حتى جتر�أ على �أولياءك بال�ضرب والقتل ،اللهم ف�إن مل يكن القر�آن كالمك غري
خملوق فاكفنا م�ؤنته ،قال :فجاءهم ال�صريخ مبوت امل�أمون يف الثلث الأخري من
الليل ،قال �أحمد :ففرحت»(.)57
æق��ال اب��ن كثري« :جمعت الرحلة ب�ين حممد ب��ن جرير ال��ط�بري ،وحممد بن
�إ�سحاق ابن خزمية ،وحممد بن ن�صر املروزي ،وحممد بن هارون ال ّروياين مب�صر،
ف�أرملوا( ،)58ومل يبق عندهم ما ي ُقوتهم ،و�أ�ض َّر بهم اجلوع ،فاجتمعوا ليلة يف منزل
كانوا ي�أوون �إليه ،فاتفق ر�أيهم على �أن َي ْ�ستَهموا وي�ضربوا ال ُقرعة ،فمن خرجت عليه
ال ُقرعة ذهب وت ََ�س َّو َل لأ�صحابه الطعام! ،فخرجت القرعة على حممد بن خزمية ،فقال
لأ�صحابه� :أمهلوين حتى �أتو�ض�أ و�أ�صلي �صالة اخلِ �َيترَ ة (اال�ستخارة) ،فاندفع
يف ال�صالة ،وم��ا ه��ي �إال حل�ظ��ات؛ ف ��إذا ه��م بال�شموع ور��س��ول م��ن َواليِ م�صر
يدق الباب ،ففتحوا الباب فنزل عن دابته ،فقال� :أيكم حممد بن ن�صر؟ ،فقيل: ُّ
هو ه��ذا ،ف�أخرج �صرة فيها خم�سون دينارا فدفعها �إليه ،ثم قال� :أيكم حممد بن
جرير؟ ،قالوا :هو ذا ،ف�أخرج �صرة فيها خم�سون دينارا فدفعها �إليه ،ثم قال� :أيكم
حممد بن هارون؟ ،قالوا :هو ذا ،ف�أخرج �صرة فيها خم�سون دينارا فدفعها �إليه ،ثم
قال� :أيكم حممد بن خزمية؟ ،قال :هو ذا ي�صلي ،فلما فرغ دفع �إليه ال�صرة وفيها
خم�سون دينار ًا ،ثم قال� :إن الأمري كان قائ ً
ال بالأم�س فر�أى يف املنام خيا ًال قال:
(( )57البداية والنهاية) البن كثري (�ص )1618 :يف �أحدث �سنة ( 241هـ).
(� )58أي َنفِدَ زادُهُ م.
456 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
� ّإن املحامد طووا َك ْ�شحهم جيا ًعا ،ف�أنفذ �إليكم هذه ِّ
ال�صرار ،و�أق�سم عليكم �إذا
يل؛ �أمدكم!»(.)59نفدت فابعثوا �إ َّ
æجاء رجل �إلى الزاهد «�أحمد بن �أبي غالب» ،فقال له� :سل يل فالنا يف كذا (�أي
ا�شفع يل عنده) ،فقال �أحمد :قم معي ف�صل ركعتني ،ون�س�أل اهلل تعالى ،ف�إين ال �أترك
بابا مفتوحا و�أق�صد بابا مغلقا!»(.)60
æقال ابن كثري« :روى البيهقي� :أن رجال جاء �إلى الإمام �أحمد فقال� :إن �أمي مقعدة
منذ ع�شرين �سنة ،وقد بعثتني �إليك لتدعو اهلل لها .فك�أنه غ�ضب من ذلك ،وقال:
نحن �أحوج �أن تدعو هي لنا! .ثم دعا اهلل لها .فرجع الرجل �إلى �أمه فدق الباب،
فخرجت �إليه على رجليها وقالت :قد وهبني اهلل العافية»(.)61
æقال عطاء بن �أبي رباح :جاءين «طاوو�س بن كي�سان اليماين» بكالم حمرب من
القول فقال :يا عطاء �إياك �أن تطلب حوائجك �إلى من غ ّل َق دونك �أبوابه ،وجعل دونها
ُح ّجابه ،وعليك مبن �أمرك �أن ت�س�أله ووعدك الإجابة»(.)62
æقال �أب��و �إ�سحاق اجلبنياين« :بلغنا عن ٍ
معلم عفيف ،رئ��ي وه��و يدعو حول
الكعبة ويقول :اللهم �أميا غالم علمته ،فاجعله يف عبادك ال�صاحلني ،فبلغني �أنه
َخ َّرج على يديه نحواً من ت�سعني عامل و�صالح»(.)63
æقال جعفر الربمكي لأبيه يحيى بن خالد بن برمك وهم يف احلب�س« :يا �أبت!
بعد الأم��ر والنهي ،والأم��وال العظيمة� ،أ�صارنا الدهر �إلى القيود ولب�س ال�صوف
واحلب�س! ،فقال له �أبوه :يا بني! دعوة مظلوم �سرت بليل غفلنا عنها ومل يغفل اهلل
(�( )59سري �أعالم النبالء) للذهبي (�ص )3367 :يف �سرية( :حممد بن جرير الطربي) ونقلها عن اخلطيب البغدادي.
(( )60املق�صد الأر�شد يف ذكر �أ�صحاب الإمام �أحمد) البن مفلح (جـ� – 1:ص )152:عند ترجمة� :أحمد بن �أبى غالب بن
الطالية احلربى الزاهد ،برقم (.)111
(()61البداية والنهاية) البن كثري (�ص )1617 :يف �أحدث �سنة ( 241هـ).
(( )62حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ� – 8 :ص.)141 :
(( )63ترتيب املدارك وتقريب امل�سالك) للقا�ضي عيا�ض (جـ� – 6:ص.)246 – 245 :
جيب
ُ الم
ِيب ُ - الس ِّي ُد ُّ -
الص َم ُد -القَ ر ُ المجموعة الرابعة والعشرون َّ : 457
(( )67التب�صري يف الدين ومتييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكني) للأ�سفراييني (�ص.)80:
ير
ص ُور -ال َّن ِ اك ُر َّ -
الش ُك ُ المجموعة الخامسة والعشرون َّ :
الش ِ 459
الــمــجــمــوعـــــــ 25ـــــــــة
مو�ضوع الأ�سماءُّ :
ال�شك ُْر
()91 - 90 - 89
ال�شا ِك ُر َّ -
ال�ش ُكو ُر -ال َّن ِ�ص ُري َّ
460 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الـمجـمـوعـ 25ـة
مو�ضوع الأ�سماءُّ :
ال�شك ُْر
( ) 91 - 90 - 89
ال�شا ِك ُر َّ -
ال�ش ُكو ُر -الن َِّ�ص ُ
ري َّ
�أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود:
ال�شا ِك ُر :ورد يف القر�آن الكرمي مرتني ،يف قوله تعالى }:ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ
َّ æ
ﮞ{[البقرة ،]158:وقوله تعالى} :ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ
ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ{[الن�ساء ،]147:ومل يرد اال�سم يف ال�سنة النبوية ب�سند �صحيح.
ال�ش ُكو ُر :ورد يف القر�آن الكرمي ( 4م��رات) ،منها قوله تعالى}:ﯻ
َّ æ
ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ{[فاطر ،]30:ومل يرد
اال�سم يف ال�سنة النبوية ب�سند �صحيح.
ري :ورد يف القر�آن الكرمي ( 4مرات) ،منها قوله تعالى }:ﯫ ﯬ æالن َِّ�ص ُ
ﯳ{[احلج ،]78:ومن حديث �أن�س بن مالك ‹: ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ُ
�أن ر�سول اهلل ¤كان �إذا غزا قال( :اللهم �أنت ع�ضدي� ،أنت ن�صريي ،بك �أحول ،بك
�أ�صول ،بك �أقاتل)(.)1
ثاني ًا :املعنى اللغوي:
َّ æ
ال�شا ِك ُر« :ا�سم فاعل للمو�صوف بال�شكر ،فعله َ�ش َك َر َي�ش ُكر ُ�شك ًرا ،فهو �شاكر،
وال�شكر :الثناء اجلميل على الفعل اجلليل ،وجم��ازاة الإح�سان بالإح�سان»( ،)2قال
الزجاجي« :ال�شكر :مقابلة املنعم على فعله بثناء عليه ،وقبول لنعمته ،واعرتاف بها»(.)3
( )1رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)4757
(�( )2أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( .)576:ال�شاكر)
(( )3ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) لأبي القا�سم الزجاجي (�ص.)87 :
ير
ص ُور -ال َّن ِ اك ُر َّ -
الش ُك ُ المجموعة الخامسة والعشرون َّ :
الش ِ 461
و�شكوراًَ ،
وال�ش ُكور :املثيب َّ æ
ال�ش ُكو ُر�« :صيغة مبالغة ،فعله �شكر َي�ش ُكر ُ�شك ًرا ُ
لل�شاكر على �شكره ،املجازي على احل�سنة ب�أ�ضعافها»( ،)4وقال يف الل�سان« :ال�شكر:
عرفان الإح�سان ون�شره ..ورجل َ�شكو ٌر :كثري ُّ
ال�ش ْك ِر ..وال�شكر من اهلل :املجازاة،
و(ال�ش ُكور) :من �صفات اهلل ،معناه� :أَنه يزكو عنده القلي ُل من
َّ والثناء اجلميل ..
�أَعمال العباد في�ضاعف لهم اجلزاء»(.)5
ري�« :صيغة مبالغة ،على وزن فعيل ،من ا�سم الفاعل (النا�صر)»(،)6 æالن َِّ�ص ُ
«ن�صره� :أي �أيده و�أعانه على عدوه ،و(ال َّن ِ�ص ُري) :كثري الت�أييد والعون بدعم وقوة،
وهو الذي ال يخذل وليه»(.)7
َّ æ
ال�ش ُكو ُر« :ال��ذي يثيب من �أطاعه ب�أ�ضعاف م�ضاعفة»( ،)11ق��ال اب��ن القيم:
ال�ش ُكو ُر) ال��ذي ُيعطي العبد ويو ِّفقه ملا ي�شكره عليه ،وي�شكر القلي َل من العمل
«( َّ
والعطاء ،فال ي�ستق ّله �أن ي�شكره ،وي�شكر احل�سنة بع�شر �أمثالها �إلى �أ�ضعاف م�ضاعفة،
وي�شكر عبده بقوله ب�أن ُيثني عليه بني مالئكته ويف ملأه الأعلى ،و ُيلقي له ال�شكر
بني عباده ،وي�شكره بفعله ،ف�إذا ترك له �شي ًئا �أعطاه �أف�ضل منه ،و�إذا بذل له �شي ًئا ر َّده
عليه �أ�ضعا ًفا م�ضاعفة ،وهو الذي و َّفقه للرتك والبذل ،و�شكره على هذا وذاك»(،)12
ثيب عليه الكثري من ال�ش ُكو ُر) الذي ي�شكر الي�سري من الطاعة َف ُي ُوقال اخلطابيَّ (« :
الثواب ،ويعطي اجلزي َل من النعمة ،فري�ضى بالي�سري من ال�شكر»( ،)13وقال الغزايل:
ال�ش ُكو ُر) ال��ذي يجازي بي�سري الطاعات كثري ال��درج��ات ،ويعطي بالعمل يف �أيام «( َّ
معدودة ،نعيماً يف الآخرة غري حمدود»(.)14
ري« :النا�صر للم�ؤمنني على �أعدائهم ،و�أعداء دينهم»( ،)15قال احلليمي: æالن َِّ�ص ُ
«(ال َّن ِ�ص ُري) املوثوق منه ب�أن ال ي�س ِّلم وليه وال يخذلــه»( .)16ويقول ال�شيخ ال�سعدي:
«} ﭘ ﭙ ﭚ{ [الن�ساء ،]45 :ين�صرهم على �أعدائهم ،ويبني لهم ما يحذرون
منهم ويعينهم عليهم ،فواليته -تعالى -فيها ح�صول اخل�ير ،ون�صره :فيه زوال
ال�شر»(.)17
ال�شكر� ،أي �أن اهلل �-سبحانه وتعالى -ي�شكر عبده على طاعته ،ويجزيه ويثيبه ،و�أما ا�سم
(ال�ش ُكو ُر) فهو من �صيغ املبالغة ،على وزن فعول ،التي تدل على الكرثة والقوة يف الفعل، َّ
(�ش ُكو ٌر) ي�شكر الطاعة الي�سرية ب�أنواعها �أي كرثة ال�شكر وعظم اجلزاء ،فاهلل -ع َّز َّ
وجلَّ -
ثيب عليها اخلري الكثري والعطاء اجلزيل مرة بعد مرة ،فهذا اال�سم يدل على املختلفةَ ،و ُي ُ
كرثة وتكرار ال�شكر على الطاعات ب�شتى �أنواعها� ،إلى جانب عظم الثواب وجزالته مقارنة
بطاعة العبد وعمله؛ ولذا ف�إن من ال ي�شكر �إال نوع ًا واح��د ًا من الطاعات� ،أو ي�شكر ملرة
واحدة فقط ال يقال له ال�شكور ،قال املاوردي عن �أحد �أوجه الفرق بني ال�شاكر وال�شكور�« :أن
ال�شكور من تكرر منه ال�شكر ،وال�شاكر من وقع منه ال�شكر»(.)18
ري :الن�صرة على الأعداء �أحد �أوجه ُ�ش ْكر اهلل لأوليائه ،واهلل اكر -الن َِّ�ص ُ َّ æ
ال�ش ُ
(�ش ُكو ٌر) ،ي�شكر من �أطاعه ،ون�صــــر دينـــــــه ،وجاهد يف �سبيلــــــه؛ ب�أن ين�صـــــره وي�ؤيده كما َ
حق على اهلل �أن يعطي قال تعالى } :ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ{[حممد ،]7:قال قتاده« :لأنه ّ
من �س�أله ،وين�صر من ن�صره»( ،)19وقال ابن جرير الطربي عند تف�سريه لقوله تعالى:
}ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ{[احلج« :]40:ولـيعي ّ
نن اهلل
من يقاتل يف �سبيله ،لتكون كلمته العليا علـى عد ِّوهَ .ف َن ْ�ص ُر اهلل عبده :معونته �إياه،
و َن ْ�ص ُر العبد ربه :جهاده فـي �سبيله ،لتكون كلمته العليا ،وقوله} :ﭿ ﮀ ﮁ
ﮂ{ �إن اهلل لقويّ على ن�صر من جاهد فـي �سبيله من �أهل واليته وطاعته ،عزيز
فـي ُملكه ،منـيع فـي �سلطانه ،ال يقهره قاهر ،وال يغلبه غالب»(.)20
ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ{[الن�ساء ،]147:ومن
ال�سنة ما حكاه النبي �( :¤أن رج ًال ر�أى كلب ًا ي�أكل الرثى من العط�ش ،ف�أخذ الرجل خفه،
فجعل يغرف له به حتى �أرواه ،ف�شكر اهلل له ف�أدخله اجلنة)( ،)22وقوله ( :¤بينما
رجل مي�شي بطريق ،وجد غ�صن �شوك على الطريق ،ف�أخره ف�شكر اهلل له فغفر له)(.)23
æالن َِّ�ص ُري :ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه �-سبحانه (ال َّن ِ�صري) «�صفة (الن�صرة)
وهي �صف ٌة من �صفات الأفعال»( ،)24قال تعالى } :ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ{[حممد،]7:
ومن ال�سنة قوله � ..(:¤صدق وعده ،و َن َ�ص َر عبده ،وهزم الأحزاب وحده)( ،)25قال
الراغب« :الن�صر والن�صرة :العون»(.)26
�ساد�س ًا :فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى:
يم :ورد االق��ت�ران م��ع ا�سمه �-سبحانه (ال َّ�����ش ِ
��اك��ر) م��رت�ين منها قوله ال َع ِل ُ æ
تعالى} :ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ
ﯽ{[الن�ساء ،]147:وال�سر يف ذلك -واهلل �أعلم -كما يقول ال�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل:
«�أن اهلل �-سبحانه -عليم مبن ي�ستحق ال�شكر على عمله ،وقبوله و�إثابته عليه،
فلي�س كل عامل ومتطوع باخلري يقبل اهلل �سعيه وي�شكره عليه ،فهو �-سبحانه-
�أعلم بال�شاكرين حقيقة ،وباملتقربني املخل�صني يف تقربهم لــه �-سبحانه -كما قال
�سبحانه }:ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ{[الأنعام ،)27(»]53:ويقول ابن عا�شور�« :إن
اهلل �شاك ٌر� ،أي ال ي�ضيع �أجر حم�سن ،عليم ال يخفى عنه �إح�سانه ،وذكر الو�صفني
لأن ترك الثواب عن الإح�سان ال يكون �إ ّال عن جحود للف�ضيلة �أو جهل بها فلذلك
نفيا بقوله } :ﮝ ﮞ{»(.)28
( )22رواه البخاري برقم ( ،)2363-173ورواه م�سلم برقم (.)2244
( )23رواه الن�سائي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)2874
(�( )24أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( )335:الن�صري).
( )25رواه البخاري برقم ( ،)6385وم�سلم برقم (.)1344
(( )26املفردات يف غريب القر�آن) للراغب الأ�صفهاين (جـ� - 2:ص( )639 :مادة ن�صر).
(( )27وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص.)351 :
( )28تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور عند تف�سري [البقرة.]158:
ير
ص ُور -ال َّن ِ اك ُر َّ -
الش ُك ُ المجموعة الخامسة والعشرون َّ :
الش ِ 465
æالأثر العملي:
1.1حمبة اهلل ،وال�سعي يف مر�ضاته ،حيث غمر � -سبحانه -العباد بف�ضله و�إح�سانه
وكرمه ،وهو الذي �أنعم عليهم بنعمة الإيجاد والإعداد والإمداد ،ومع ذلك ي�شكرهم
�-سبحانه -على العمل القليل الذي هو بتوفيقه وف�ضله ،وي�ضاعف لهم الأجور ويغفر
لهم الذنوب ،ف�سبحانه من �إله بر رحيم جواد كرمي ي�ستحق احلمد كله ،واحلب كله،
و�إفراده وحده بالعبادة ،ال �شريك له ،يقول ابن القيم« :و�أبلغ من ذلك �أنه �سبحانه
هو الذي �أعطى العبد ما يح�سن به �إلى نف�سه ،و�شك َره على قليله بالأ�ضعاف
امل�ضاعفة التي ال ن�سبة لإح�سان العبد �إليها ،فهو املح�سن ب�إعطاء الإح�سان
أحق با�سم (ال�شكور) منه �-سبحانه؟!»(.)31
و�إعطاء ال�شكر ،ف َمنْ � ُّ
2.2احلياء من اهلل والقيام ب�شكر نعمه �-سبحانه -وحمده ،وذلك بالقلب والل�سان
واجل��وارح ،ويف ذلك يقول �سيد قطب« :و�إذا ك��ان اخلالق املن�شئ ،املنعم املتف�ضل،
الغني عن العاملني ،ي�شكر لعباده �صالحهم و�إميانهم و�شكرهم وامتنانهم؛ وهو
غني عنهم وعن �إميانهم ،وعن �شكرهم وامتنانهم� ،إذا كان اخلالق املن�شئ ،املنعم
املتف�ضل ،الغني ع��ن العاملني ي�شكر ،ف�م��اذا ينبغي للعباد املخلوقني املحدثني
املغمورين بنعمة اهلل جت��اه اخلالق ال��رازق املنعم املتف�ضل ال�ك��رمي؟!� ،أال �إنها
اللم�سة الرفيقة العميقة التي ينتف�ض لها القلب ويخجل وي�ستجيب� ،أال �إنها
الإ��ش��ارة املنرية �إل��ى معامل الطريق ..الطريق �إل��ى اهلل الواهب املنعم ،ال�شاكر
العليم»(.)32
�3.3شكر اهلل ال يقت�صر على الل�سان ،و�إمنا ي�شمل �أعمال القلوب واجل��وارح ،وقد
و�صف اهلل لنا خوا�ص خلقه ،و�أحب النا�س �إليه ،ب�أنهم كانوا من ال�شاكرين ،فقال
تعالى } :ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ{[الإ�سراء،]3:
(( )31عدة ال�صابرين وذخرية ال�شاكرين) البن القيم (�ص.)282 - 281 :
(( )32يف ظالل القر�آن) ل�سيد قطب (جـ�-6:ص( )3591:الآية-147الن�ساء).
ير
ص ُور -ال َّن ِ اك ُر َّ -
الش ُك ُ المجموعة الخامسة والعشرون َّ :
الش ِ 467
ثامن ًا :مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء:
(ال�ش ْكر -
ري) من �أ�سماء الأفعال الدالة على �صفة ُّ (ال�شا ِك ُر َّ -
ال�ش ُكو ُر -الن َِّ�ص ُ َّ
الن�صرة) ،وهي من �صفات اهلل الفعلية ،املتعلقة بامل�شيئة� ،إن �شاء اهلل فعلها � -سبحانه
-و�إن �شاء مل يفعلها .و�شكر اهلل لعباده ،وجمازاته لهم بالثواب اجلزيل ،والعطاء الكثري،
متعلق بطاعتهم و�شكرهم له �-سبحانه ،كما قال تعالى} :ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ
ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ{[الن�ساء ،]147:وقول اهلل تعالى:
}ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ
ﭸ{[�إبراهيم]7:؛ ولذا ُع ّد �شكر العبد لربه �شطر الإميان ،كما قال ابن القيم�« :إن
ون�صف �شكر»( ،)37ومعظم الآيات التي وردت فيها هذهٌ الإميان ن�صفانٌ :
ن�صف �صرب،
الأ�سماء ،كانت ت�صف �شكر العبد و�إح�سانه وطاعته ،كما يف قوله تعالى } :ﭥ ﭦ
ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ{[ال�شورى ،]23:وقوله تعالى } :ﮘ ﮙ
ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ{[البقرة .]158:فمن املمكن القول ب�أنه من املنا�سب دعاء اهلل،
والثناء عليه ،والتو�سل �إليه ،بهذه الأ�سماء مع كل طاعة ونعمة ،كي يكون �سبب ًا للمزيد من
ف�ضله ،وحار�س ًا وحافظ ًا لنعمته ،كما �أخرب به �سبحانه عن خوا�ص خلقه فقال -تعالى -عن
} :ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ نبيه �سليمان
ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯕﯖﯗﯘﯙ
ﯚ{[النمل ،]19:وقوله تعالى } :ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ
ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ
ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ{[النمل ،]40:وكان
نبينا ،¤يدعو ربه �أن يعينه على ذكره و�شكره وح�سن عبادته ،كما جاء عنه �( :¤أحتبون
�أيها النا�س �أن جتتهدوا يف الدعاء؟ ،قولوا :اللهم �أعنا على �شكرك ،وذكرك،
وح�سن عبادتك)( ،)38ومن حديث �شداد بن �أو�س ‹ ،قال :كان ر�سول اهلل ¤يعلمنا
�أن نقول( :اللهم �إين �أ�س�ألك الثبات يف الأمر ،و�أ�س�ألك عزمية الر�شد ،و�أ�س�ألك �شكر
(( )37مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ� - 2 :ص.)442 :
( )38رواه احلاكم و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)81
ير
ص ُور -ال َّن ِ اك ُر َّ -
الش ُك ُ المجموعة الخامسة والعشرون َّ :
الش ِ 469
نعمتك وح�سن عبادتك ،و�أ�س�ألك ل�سان ًا �صادق ًا وقلب ًا �سليم ًا ،و�أعوذ بك من �شر ما
تعلم ،و�أ�س�ألك من خري ما تعلم ،و�أ�ستغفرك مما تعلم �إنك �أنت عالم الغيوب)( ،)39ويف
طلب الن�صر قال تعالى وا�صف ًا �أولياءه ،وركونهم �إليه ،واعتمادهم عليه } :ﰈ ﰉ
ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ{[البقرة ،]286:وقوله -تعالى -عن ن��وح } :ﯧ
ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ{[امل�ؤمنون ،]26:ودعا�ؤه ( :¤اللهم متعني ب�سمعي وب�صري،
واجعلهما الوارث مني ،وان�صرين على من ظلمني ،وخذ منه بث�أري)(.)40
تا�سع ًا :لطائف و�أقوال:
æجاء رجل من الأعراب� ،إلى النبي ،¤ف�آمن به واتّبعه ،ثم قال� :أهاجر معك؟،
ف�أو�صى به النبي ¤بع�ض �أ�صحابه ،فلما كانت غزوة ،غنم النبي �َ ¤س ْبي ًا ،فق�سم ،وق�سم
عطي ما ُق�سم له ،وكان يرعى ظهرهم ،فلما جاء دفعوه �إليه ،فقال :ما هذا؟! ،قالوا: له ،ف�أُ َ
ق�سم ق�سمه لك النبي ،¤ف�أخذه ،فجاء به �إلى النبي ،¤فقال :ما هذا؟! ،قال( :ق�سمته
لك) ،قال :ما على هذا ا ّتبعتك! ..ولكني ا ّتبعتك على �أن �أرمى �إلى ههنا -و�أ�شار �إلى
حلقه -ب�سهم ف�أموت ،ف�أدخل اجلنة ،فقال النبي �( :¤إن ت�صدق اهلل ي�صدقك) ،فلبثوا
قلي ًال ،ثم نه�ضوا يف قتال العدو ،ف�أُتي به النبي ُ ¤ي ْحمل ،قد �أ�صابه �سهم حيث �أ�شار!،
فقال النبي �( :¤أهو هو؟!) قالوا :نعم! ،قال�( :صدق اهلل ف�صدقه) ،ثم كفنه النبي ¤
يف جبته ،ثم ق ّدمه ف�صلى عليه ،فكان فيما ظهر من �صالته( :اللهم هذا عبدك ،خرج
مهاجر ًا يف �سبيلكَ ،ف ُق ِتل �شهيد ًا� ،أنا �شهيد على ذلك)(.)41
قالت :كان ر�سول اهلل ¤يكرث من قول�( :سبحان اهلل وبحمده، عن عائ�شة æ
�أ�ستغفر اهلل و�أتوب �إليه) فقلت :يا ر�سول اهلل� ،أراك تكرث من قول�( :سبحان اهلل
وبحمده� ،أ�ستغفر اهلل و�أتوب �إليه)؟ ،قال( :خربين ربي �أين �س�أرى عالمة يف �أمتي ،ف�إذا
( )39رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة برقم (.)3228
( )40رواه الرتمذي وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)1310
( )41رواه الن�سائي و�صححه الألباين يف �صحيح الن�سائي برقم (.)1952
470 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
ر�أيتها �أكثـــرت من قول� :سبحــان اهلل وبحمده� ،أ�ستغفر اهلل و�أتوب �إليه ،فقد ر�أيتها:
} ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ{ :فتح مكة} ،ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ
ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ{[الن�صر.)42()]3-1:
æعن النعمان بن ب�شري ‹ قال : :قال النبي ( : ¤التحدث بنعمة اهلل �شكر،
وتركها كفر ،ومن ال ي�شكر القليل ال ي�شكر الكثري ،ومن ال ي�شكر النا�س ال ي�شكر
اهلل ،واجلماعة بركة ،والفرقة عذاب)(.)43
نفر ممن كان ُ
ثالثة ٍ æعن عبداهلل بن عمر قال :قال النبي ( :¤بينما
بع�ضهم لبع�ض: مطر ،ف�أووا �إلى غا ٍر فانطبق عليهم ،فقال ُ قبلكم مي�شون� ،إذ �أ�صابهم ٌ
رجل منكم مبا يعلم �أنه قد كل ٍ �إنه واهلل يا ه�ؤالء ،ال ينجيكم �إال ال�صدقُ ،فليد ُع ُّ
فر ٍقري عمل يل على َ �صدق فيه .فقال واح ٌد منهم :اللهم �إن كنت تعلم �أنه كان يل �أج ٌ
الفرق فزرع ُته ،ف�صار من �أمره �أين عمدت �إلى ذلك َ ُ من �أر ٍز ،فذهب وتركه ،و�إين
ف�سقها،فقلت :اعمد �إلى تلك البقر ُ أجرهُ ، يطلب � َ
ُ بقرا ،و�أنه �أتاين
ا�شرتيت منه ً
البقر ،ف�إنها من ذلكِ فر ٌق من �أر ٍز ،فقلت له :اعمد �إلى تلكفقال يل� :إمنا يل عندك َ
ففرج عنا ،فان�ساحت الفرق ،ف�ساقها ،ف�إن كنت تعلم �أين فعلت ذلك من خ�شيتك ِّ َ
عنهم ال�صخر ُة .فقال الآخ ُر :اللهم �إن كنت تعلم :كان يل �أبوان �شيخان كبريان،
ليلة ،فجئت وقد رقدا ،و�أهلي غنم يل ،ف�أبط�أت عليهما ً نب ٍ ليلة بل ِ
كل ٍ فكنت �آتيهما َّ
يت�ضاغون من اجلوع ،فكنتُ ال �أ�سقيهم حتى ي�شرب �أبواي ،فكرهتُ �أن َ وعيايل
الفجر،
ُ �أوقظهما وكرهتُ �أن �أ َدعهما في�ستكنا ل�شربتهما ،فلم �أزل �أنتظر حتى طلع
ففرج عنا ،فان�ساحت عنهم ال�صخر ُة ف�إن كنت تعلم �أين فعلتُ ذلك من خ�شيتك ِّ
عم ،من حتى نظروا �إلى ال�سماءِ .فقال الآخ ُر :اللهم �إن كنت تعلم �أنه كان يل ُ
ابنة ٍّ
مبائة دينا ٍر ،فطلبتهاِ يل ،و�أين راودتها عن نف�سها ف�أبت �إال �أن �آتيها النا�س �إ َّ
ِ �أحب
قعدت بني رج َليها،
ُ قدرت ،ف�أتيت بها فدفع ُتها �إليها ف�أمكنتني من نف�سها ،فلما ُ حتى
( )42رواه م�سلم برقم (.)484
(� )43أخرجه البيهقي يف (�شعب الإميان) (جـ� – 6 :ص )243 – 242 :برقم ( ،)4105وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع
برقم (.)3014
ير
ص ُور -ال َّن ِ اك ُر َّ -
الش ُك ُ المجموعة الخامسة والعشرون َّ :
الش ِ 471
َ
املائة دينا ٍر ،ف�إن كنت تف�ض اخلا َ
مت �إال بحقه ،فقمتُ وتركتُ هلل وال َّ
اتق ا ِ
قالتِ :
ففرج عنا ،ففرج اهلل عنهم فخرجوا)(.)44 تعلم �أين فعلت ذلك من خ�شي ِتك ِّ
æكان ال�شعر حا�ضرا يف جهاد النبي ¤لأعدائه ،ومن ذلك ما جاء عن الرباء بن
عازب ‹� :أن النبي ¤قال لكعب بن مالك ‹�( :أنت الذي تقول :هَ َّمتْ ؟) قال كعب:
نعم يا ر�سول اهلل:
ال ِب()46 َف َلـ ُي ْغـ َلبنَ َّ ُم َغا ِل ُـب ا ْل َغـ َّ َه َّم ْت َ�س ِخي َن ُة(� )45أَنْ ُت َغا ِل َب َر َّب َها
ْ�س َل َك َذ ِل َك)(.)47 فقال �( :¤أَ َما �إِنَّ اللهَّ َ لمَ ْ َين َ
ذب كعب بن مالك ‹ عن النبي ¤وعن امل�سلمني ،ورد على امل�شركني ويف رواية :ملا َّ
يف غزوة اخلندق بق�صيدة ع�صماء وختمها بقوله:
َو َلـ ُيـ ْغـ َلـبنَ َّ ُم َغا ِل ُـب ا ْل َغـ َّال ِب َز َع َم ْت َ�س ِخ ْي َن ُة �أَنْ َ�س َت ْغ ِل ُب َر َّب َها
قال له النبي �( :¤أترى اهلل �شكر لك قولك) ،ويف رواية ابن ه�شام( :لقد
�شكرك اهلل يا كعب على قولك هذا)(.)48
æدخل زيد بن �أ�سلم على ال�صحابي اجلليل �أبي دجانة (�سماك بن خر�شة
ال�ساعدي) وهو مري�ض وكان وجهه يتهلل! ،فقال له :ما لوجهك يتهلل؟! فقال
�أبو دجانة« :ما من عملي �شيء �أوثق عندي من اثنتني� :أما �إحداهما فكنت ال
�أتكلم فيما ال يعنيني ،و�أما الأخرى فكان قلبي للم�سلمني �سليما»(.)49
( )44متفق عليه :رواه البخاري برقم ( )3465ورواه م�سلم برقم ( )2743واللفظ للبخاري.
و�سمن ،وقيل :دقيق ومتر ثم ي�ضاف �إليه املاء �أو اللنب
لقب لقري�ش ،وهي طعا ٌم �ساخنٌ ُ ،يتخذ من دقيق ٍ (�َ )45س ِخينةٌ :
«�س ِخينة» ،ومل
حتى ي�صبح �أغلظ من احل�ساء ،فيطبخ ثم ي�ؤكل ،وكانت قري�ش تُكرث من �أكلها؛ حتى لقبت بها و�سموا َ
تكن قري�ش تكره ذلك.
ّ َ
( )46لأن الذي يظن �أنه ُيغالب العزيزا ْل َغال ِب �أو ُيعجز القوي القهار ،هو يف احلقيقة مغلوب مذموم مدحور م�صداقا
لقوله تعالى } :ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ{[املجادلة.]21:
(� )47أخرجه احلاكم يف م�ستدركه (جـ� – 3:ص )556 :برقم ( )6065وقال� :صحيح الإ�سناد ،ووافقه الذهبي،
و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة( :جـ� – 4:ص )619 – 618 :برقم (.)1970
(� )48أنظر (�سرية النبي )¤البن ه�شام (جـ� – 3:ص ،)290 – 289 :و(اال�ستيعاب يف معرفة الأ�صحاب) البن
عبدالرب (�ص ،)626:و(الإ�صابة يف متييز ال�صحابة) البن حجر (جـ� – 10:ص.)550 – 549 :
(�( )49صفة ال�صفوة) البن اجلوزي (جـ� – 1 :ص.)486 :
472 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
لأقتلك به ،فاعرت�ضتني �أمك بيدها رغيف ترت�سك به مني ،فما و�صلت �إليك ،وانتبهت!،
وواهلل! ال ر�أيت مني بعدها �سوءاً �أبداً»(.)56
æقال �شيخ اال�سالم ابن تيمية« :كل ما وقع يف قلب امل�ؤمن من خواطر الكفر
والنفاق فكرهه و�ألقاه ازداد �إميا ًنا ويقي ًنا ،كما �أن كل من حدثته نف�سه بذنب فكرهه
�صالحا وب ًرا وتقوى»(.)57
ً ونفاه عن نف�سه وتركه للهّ ازداد
æقال عبد اهلل بن وهب« :كل ملذو ٍذ له لذ ٌة واحد ٌة� ،إال العبادة ،ف�إن لها ثالث
لذاتٍ � :إذا كنت فيها ،و�إذا تذكرتها ،و�إذا �أعطيت ثوابها»(.)58
æلقد �سعى خ�صوم �شيخ الإ�سالم ابن تيمية -رحمه اهلل � -إلى الطعن يف عقيدته،
والو�شاية به ،والت�سبب يف �سجنه ،مرات عديدة ،حلب�س كلمته وقلمه ،والعمل على �إخماد علمه
وم�ؤلفاته ،حتى و�صل بهم احلال �إلى انتزاع الأوراق والأقالم منه يف �سجنه الأخري ،كل ذلك خوف ًا
لكن �سعيهم يف تباب ،وعملهم �إلى خ�سار، ورعب ًا من كلمات احلق التي �أجراها اهلل على ل�سانهَّ ،
واهلل غالب على �أمره ،فهذه كلمات �شيخ الإ�سالم ابن تيمية متلأ الدنيا برمتها ،وهذه كتبه
طارت بها الركبان وبلغت الآفاق ،وو�صلت �إلى �أقا�صي الدنيا ،وم�شارق الأر�ض ومغاربها ،حتى ما
وبر وال مد ٍر �إال دخلته ،و�أ�صبح ا�سمه على كل ل�سان ..واهلل �-سبحانه� -شكور ،ي�شكر
تركت بيت ٍ
من �شكره َوع َب َده ،و�أخل�ص الدين له ،وجاهد يف �سبيله ،وهلل عاقبة الأمور ..لقد ظن الكثري �أن
علم �شيخ الإ�سالم ابن تيمية �سيندثر مبوته وحيد ًا يف �سجنه ،و�سيتال�شى ويندر�س حتت �ضربات
معاول الهدم والتدمري من �أهل اخلرافة والأهواء وامللل والنحل الباطلة ،ولكن خاب ظنهم ،وهو
م�صدا ٌق ملا تنب�أ به ال�شيخ �أحمد بن مري احلنبلي يف ر�سالته �إلى تالميذ �شيخ الإ�سالم بعد وفاته،
يو�صيهم بكتب ال�شيخ ،ويحثهم على ن�شر علمه ،ويط ّيب خواطرهم ب�أن امل�ستقبل للحق ب�إذن اهلل
-تعالى ،فقال « :واهلل � -إن �شاء اهلل -ليقيمن اهلل �-سبحانه -لن�صر هذا الكالم ،ون�شره
وتدوينه وتفهمه ،وا�ستخراج مقا�صده ،وا�ستح�سان عجائبه وغرائبه رجا ًال هم �إلى الآن
يف �أ�صالب �آبائهم ،وهذه هي �س َّنة اهلل اجلارية يف عباده وبالده»( ،)59وقد قال ال�شيخ بكر
(( )56الفرج بعد ال�شدة) للقا�ضي التنوخي (جـ� – 2:ص.)293 - 292:
( )57جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية (املجلد� – 10 :ص.)767 :
(( )58كتاب التهجد) لأبي حممد عبداحلق الإ�شبيلي (�ص )225 :رقم الأثر (.)1135
(( )59املداخل �إلى �آثار �شيخ الإ�سالم ابن تيمية) لل�شيخ بكر �أبو زيد (�ص.)92 :
474 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
�أبو زيد -يرحمه اهلل -معلق ًا على نبوة ال�شيخ �أحمد بن مري احلنبلي« :وقد َب َّرت ميني ابن
ُم ِّرى -بحمد اهلل ومنته -فقام ال�شيخ عبد الرحمن بن قا�سم املتوفى �سنة 1392هـ -رحمه
اهلل تعالى -مب�ساعدة ابنه حممد املتوفى �سنة 1421هـ -رحمه اهلل تعالى -بعد نحو �ستة
قرون بهذه املهمة اجلليلة يف :جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية»(.)60
æقال ابن تيمية�« :إن النا�س مل يتنازعوا يف � ّأن عاقبة الظلم وخيمة ،وعاقبة
العدل كرمية ،ولهذا يروى� :أن اهلل ين�صر الدولة العادلة و�إن كانت كافرة ،وال ين�صر
الدولة الظاملة و�إن كانت م�ؤمنة»(.)61
æيقول ابن القيم�« :سمعت �شيخ الإ�سالم ابن تيمية يقول�( :إذا مل جتد للعمل
حالوة يف قلبك ،وان�شراحاً ،فاتهمه! ،ف�إن الرب -تعالى (�شكور)؛ يعني �أنه البد �أن
يثيب العامل على عمله يف الدنيا؛ من حالوة يجدها يف قلبه ،وقوة ان�شراح ،وقرة
عني ،فحيث مل يجد ذلك فعمله مدخول»(.)62
æقال ابن القيم« :وعليك باملطالب العالية ،واملراتب ال�سامية ،التي ال ُتنال �إال بطاعة
اهلل ،ومن كان هلل كما يريد؛ كان اهلل له فوق ما يريد ،فمن �أَقبل ِ�إليه تل ّقاه من بعيد ،ومن
ت�صرف بحوله وقوته �أَالن له احلديد ،ومن ترك لأَجله �أَعطاه فوق املزيد»(.)63
æقال ابن كثري يف حوادث �سنة ( 418هـ) « :وفيها ورد كتاب من حممود بن
�سبكتكني يذكر �أنه دخل بالد الهند ،و�أنه ك�سر ال�صنم االعظم ،الذي لهم ،امل�سمى
بـ(�سومنات) ،وقد كانوا يفدون �إليه من كل فج عميق ،كما يفد النا�س �إلى الكعبة
البيت احلرام و�أعظم ،وينفقون عنده النفقات ،والأموال الكثرية ،التي ال تو�صف وال
تعد ..وقد كان البعيد من الهنود يتمنى لو بلغ هذا ال�صنم ،وكان يعوق ال�سلطان
حممود بن �سبكتكني طول املفاوز وكرثة املوانع والآفات ،ثم ا�ستخار اهلل ملا بلغه خرب
هذا ال�صنم وع ّباده ،فندب جي�شه لذلك فانتدب معه ثالثون �ألفا من املقاتلة ،ممن
( )60امل�صدر ال�سابق.
( )61جمموع فتاوى �شيخ الإ�سالم ابن تيمية (املجلد� – 28 :ص.)63-62:
(( )62مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ � - 2:ص.)68 :
(( )63طريق الهجرتني وباب ال�سعادتني) البن القيم (�ص )25 :ف�صل( :يف �أن حقيقة الفقر توجه العبد بجميع �أحواله �إلى اهلل).
ير
ص ُور -ال َّن ِ اك ُر َّ -
الش ُك ُ المجموعة الخامسة والعشرون َّ :
الش ِ 475
�أختارهم لذلك� ،سوى املتطوعة ،ف�س ّلمهم اهلل حتى انتهوا �إلى بلد هذا الوثن ،ونزلوا
ب�ساحة ع ّباده ،ف�إذا هو مبكان بقدر املدينة العظيمة ،فما كان ب�أ�سرع من �أن هزمهم
وملَ َكه ..وقد بذل الهنود لل�سلطان حممود �أمواال جزيلة ليرتك لهم هذا ال�صنم
الأعظم ،ف�أ�شار من �أ�شار من االمراء على ال�سلطان ب�أخذ الأموال ،و�إبقاء هذا ال�صنم
لهم ،فقال :حتى �أ�ستخري اهلل ،فلما �أ�صبح ،قال� :إين فكرت يف الأمر الذي ذكر،
فر�أيت �أنه �إذا نوديت يوم القيامة� :أين حممود الذي ك�سر ال�صنم؟ �أحب �إلى من �أن
يقال :الذي ترك ال�صنم لأجل ما يناله من الدنيا؟! ،ثم عزم فك�سره رحمه اهلل،
فوجد عليه وفيه من اجلواهر واللآلئ والذهب واجلواهر النفي�سة ما ينيف على
ما بذلوه له ب�أ�ضعاف م�ضاعفة! ،فغنمها ،وقلع هذا الوثن و�أوقد حتته النار»(.)64
æقيل لأبي بكر امل�سكي�« :إنا ن�شم منك رائحة امل�سك مع الدوام! ،فما �سببه؟ ،فقال:
علي حتى واهلل يل �سنون عديدة مل �أم�س امل�سك ،ولكن �سبب ذلك �أن امر�أة احتالت َّ
�أدخلتني دارها ،و�أغلقت دوين الأبواب ،وراودتني عن نف�سي! ،فتحريت يف �أمري،
ف�ضاقت بي احليل ،فقلت لها� :إن يل حاجة �إلى الطهارة ،ف�أمرت جارية لها �أن مت�ضي
بي �إلى بيت الراحة( ،!)65ففع َل ْت ،فلما دخلت بيت الراحة �أخذت ال َعذِ رة( )66و�ألقيتها
على جميع ج�سمي! ،ثم رجعت �إليها و�أنا على تلك احلالة ،فلما ر�أتني ده�شت! ،ثم
�أمرت ب�إخراجي فم�ضيت �إلى بيتي واغت�سلت ،فلما كانت تلك الليلة ر�أيت يف املنام قائ ًال
يقول يل :فعلت ما مل يفعله �أحد غريك ،لأطينب ريحك يف الدنيا والآخرة ،ف�أ�صبحت
وامل�سك يفوح مني! ،وا�ستمر ذلك �إلى الآن»(.)67
ً
مرابطا æقال الأوزاعي :عن عبد اهلل بن حممد ،قال« :خرجت �إلى �ساحل البحر
وكان َرا ِب ُط َنا يومئذ عري�ش م�صر ،فلما انتهيت �إلى ال�ساحل ف�إذا �أنا بخيمة ،فيها رجل قد
ذهب يداه ورجاله وثقل �سمعه وب�صره ،وماله من جارحة تنفعه �إال ل�سانه! ،وهو يقول :اللهم
(( )64البداية والنهاية) للإمام ابن كثري (�ص )1802 :يف �أحدث �سنة ( 418هـ).
خلالء ومكان ق�ضاء احلاجة. ()65بيت الراحة :هو ال َك ِنيف وا َ
َ
والغائط الذي يلقيه الإِن�سان. ()66ال َع ِذرة :الرجيع
(()67املواعظ واملجال�س) لعبد الرحمن بن اجلوزي (�ص.)224 :
476 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
�أَ ْوز ِْعنِي �أن �أحمدك حمدًا� ،أكافئ به �شكر نعمتك التي �أنعمت بها َّ
علي ،وف�ضلتني على
كثري ممن خلقت تف�ضيال! ،قلت :واهلل لآت َّني هذا الرجل ،ولأ�س�أل َّنه �أ َّنى له هذا الكالم،
أتيت الرجل ف�سلمت عليه ،فقلت� :سمعتك ت�شكر اهلل على فه ٌم �أم عل ٌم �أم �إلها ٌم �أُ ْل ِه َمه؟! ،ف� ُ
هذه النعمة! ،ف�أي نعمة من نعم اهلل عليك حتمده عليها ،و�أي ف�ضيلة تف�ضل بها عليك ت�شكره
عليها؟! ،قال :وما ترى ما �صنع ربي؟ واهلل لو �أر�سل ال�سماء َّ
على نا ًرا ف�أحرقتني ،و�أمر
اجلبال فدمرتني ،و�أمر البحار ف�أغرقتني ،و�أمر الأر�ض فبلعتني ،ما ازددت لربي �إال
على من ل�ساين هذا! ،ولكن يا عبد اهلل �إذ �أتيتني ،يل �إليك حاجة ،قد ُ�شك ًرا ،لمِ َا �أنعم َّ
تراين على �أي حالة �أنا� ،أنا ل�ست �أقدر لنف�سي على ُ�ض ٍّر وال نفع ،ولقد كان معي ُب َن ٌّي يل
يتعاهدين يف وقت �صالتي فيو�ضيني ،و�إذا جعت �أطعمني ،و�إذا عط�شت �سقاين ،ولقد
هلل ما م�شى َخ ْل ٌق يف حاجة
فتح�س�سه يل رحمك اهلل .فقلت :وا ِ َّ فقدته منذ ثالثة �أيام،
خلق ،كان �أعظم عند اهلل �أجر ًا ممن مي�شي يف حاج ِة مثلك! ،فم�ضيت غري بعيد يف طلب ٍ
الغالم ،حتى �صرت بني كثبان من الرمل ،ف�إذا �أنا بالغالم قد افرت�سه َ�س ُب ٌع و�أكل حلمه،
فا�سرتجعت وقلت� :أنى يل وجه رقيق �آتي به الرجل؟! ،فبينما �أنا مقبل نحوه� ،إذ خطر
على قلبي ذكر النبي �أيوب ،فلما �أتيته �سلمت عليه ،فرد َع َل َّي ال�سالم ،فقال� :أل�ست
ب�صاحبي؟ قلت :بلى .قال :ما فعلت يف حاجتي؟ فقلت� :أنت �أكرم على اهلل �أم �أيوب النبي؟
قال :بل �أيوب النبي .فال زلت �أذكره ببالئه و�صربه و�شكره ،وهو يقول :لقد كان �صاب ًرا
�شاك ًرا حامدًا! ،حتى قال� :أوجز رحمك اهلل! ،فقلت له� :إن الغالم الذي �أر�سلتني يف طلبه
وجدته بني ُكثبان الرمل ،وقد افرت�سه َ�س ُب ٌع ف�أكل حلمه ،ف�أعظم اهلل لك الأجر و�ألهمك
ال�صرب! ،فقال :احلمد هلل الذي مل يخلق من ذريتي خلقاً يع�صيه ،فيعذبه بالنار! ،ثم
ا�سرتجع ،و�شهق �شهقة فمات! ،فقلت� :إنا هلل و�إنا �إليه راجعونَ ،ع ُظ َم ْت ُم ِ�صي َب ِتيَ ،ر ُج ٌل مثل
ف�سجيته ب�شمل ٍة كانت ال�س َباعُ ،و�إن قعدتُ ،مل �أقدر على خري وال نفعَّ . هذا �إن تركته �أكلته ِّ
علي �أربعة رجال ،فقالوا :يا عبد علي ،وقعدت عند ر�أ�سه باكي ًا ،فبينما �أنا قاعد �إذ دخل َّ َّ
اهلل ،ما حالك وما ق�صتك؟ فق�ص�صت عليهم ق�صتي وق�صته ،فقالوا يل :اك�شف لنا عن
فانكب القوم عليه ،يقبلون عينيه مرة ،ويديه َّ وجهه ،فع�سى �أن نعرفه .فك�شفت عن وجهة،
ني طاملا ُغ ّ�ضت عن حمارم اهلل ،وب�أبي ج�سم طاملا كان �ساجدً ا �أخرى ،ويقولون :ب�أبي ع ٌ
ير
ص ُور -ال َّن ِ اك ُر َّ -
الش ُك ُ المجموعة الخامسة والعشرون َّ :
الش ِ 477
فقلت :من هذا يرحمكم اهلل؟ فقالوا :هذا �أبو قالبة اجلرمي(� ،)68صاحب والنا�س نيامُ .
فغ�سلناه وكف َّناه ب�أثواب كانت معنا،
ابن عبا�س ،لقد كان �شديد احلب هلل وللنبي َّ .¤
علي الليل ،و�ضعت وان�صرفت �إلى رباط ،فلما �أن َجنَّ َّ
ُ و�صلينا عليه ودف َّناه .فان�صرف القوم
تان من ُح َل ِل اجلنة،
ر�أ�سي ،فر�أيته فيما يرى النائم يف رو�ضة من ريا�ض اجلنة ،وعليه ُح َّل ِ
وهو يتلو الوحي} :ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ{[الرعدُ ،]24:
فقلت� :أل�ست
هلل درجاتٍ ال ُت َنال �إال بال�صرب عند ب�صاحبي؟ قال :بلى .قلت� :أ ّنى لك هذا؟ قال� :إن ِ
البالء ،وال�شكر عند الرخاء ،مع خ�شية اهلل يف ال�س ِّر والعالنية»(.)69
æيقول ال�شيخ الطنطاوي -رحمه اهلل تعالى« :وهذه الق�صة واقعة �أعرف �أ�شخا�صها
و�أعرف تفا�صيلها ..كان يف دم�شق م�سجد كبري ا�سمه جامع التوبة ،وهو جامع
مبارك فيه �أن�س وجمال� ،سمي بجامع التوبة لأنه كان خاناً ترتكب فيه �أنواع املعا�صي،
فا�شرتاه �أحد امللوك يف القرن ال�سابع الهجري ،وهدمه وبناه م�سجداً ،وكان فيه منذ
نحو �سبعني �سنة �شيخ مربي عامل عامل ا�سمه ال�شيخ �سليم ال�سيوطي ،وكان �أهل احلي
يثقون به ،ويرجعون �إليه يف �أمور دينهم و�أمور دنياهم ،وكان م�ضرب املثل يف فقره
ويف �إبائه وعزة نف�سه ،وكان ي�سكن يف غرفة امل�سجد .م ّر عليه يومان مل ي�أكل �شيئاً،
ولي�س عنده ما يطعمه وال ما ي�شرتي به طعاماً ،فلما جاء اليوم الثالث �أح�س ك�أنه
م�شرف على املوت ،وف ّكر ماذا ي�صنع ،فر�أى �أنه بلغ ح ّد اال�ضطرار الذي يجوز له �أكل
حي
امليتة �أو ال�سرقة مبقدار احلاجة ،و�آثر �أن ي�سرق ما يقيم �صلبه ،وكان امل�سجد يف ّ
من الأحياء القدمية ،والبيوت فيها متال�صقة وال�سطوح مت�صلة ،ي�ستطيع املرء �أن
ينتقل من �أول احلي �إلى �آخره م�شياً على ال�سطوح ،ف�صعد �إلى �سطح امل�سجد وانتقل
منه �إلى الدار التي تليه فلمح بها ن�ساء فغ�ض من ب�صره وابتعد ،ونظر فر�أى �إلى
جانبها داراً خالية و�ش ّم رائحة الطبخ ت�صدر منها ،ف�أح�س من جوعه ملا �شمها ك�أنها
(� )68أبو قالبة عبد اهلل بن زيد بن عمرو اجلرمي الب�صري ،تابعي ثقة ،كان من �أئمة الهدى ،والفقهاء ذوي الألباب ،و�أعلم
النا�س بالق�ضاء و�أ�شدهم منه فرارا� ،أريد على الق�ضاء ف�أبى وهرب �إلى ال�شام ،وهو ممن ابتلي يف بدنه ودينه ،فمات بعري�ش
م�صر عام 104هـ ،وقد ذهبت يداه ورجاله ،وب�صره ،وهو مع ذلك حامد �شاكر ،قال عنه �أيوب ال�سختياين :ما �أدركت بهذا
امل�صر �أعلم بالق�ضاء من �أبي قالبة ،ابتاله اهلل بال�ضراء ،ف�صرب واحت�سب وجتمل.
( )69روى حكايته حممد بن حبان يف (الثقات) (جـ� – 5:ص( ،)5 - 3 :طبعة دائرة املعارف العثمانية بحيدر �آباد الدكن
الهند – 1393هـ).
478 سنَىتصنيفًا ومعنى
الح ْ
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
مغناطي�س جتذبه �إليها ،وكانت الدور من طبقة واحدة ،فقفز قفزتني من ال�سطح �إلى
ال�شرفة ،ف�صار يف الدار ،و�أ�سرع �إلى املطبخ ،فك�شف غطاء القدر ،فر�أى بها باذجناناً
حم�شواً ،ف�أخذ واحدة ،ومل يبال من �شدة اجلوع ب�سخونتها ،ع�ض منها ع�ضة ،فما كاد
يبتلعها حتى ارتد �إليه عقله ودينه ،وقال لنف�سه� :أعوذ باهلل� ،أنا طالب علم مقيم يف
امل�سجد ،ثم �أقتحم املنازل و�أ�سرق ما فيها؟!َ ،ف َكبرُ َ عليه ما فعل ،وندم وا�ستغفر ورد
الباذجنانة ،وعاد من حيث جاء ،فنزل �إلى امل�سجد ،وقعد يف حلقة ال�شيخ وهو ال يكاد
من �شدة اجلوع يفهم ما ي�سمع ،فلما انق�ضى الدر�س وان�صرف النا�س ،جاءت امر�أة
م�سترتة ،ومل يكن يف تلك الأيام امر�أة غري م�سترتة ،فكلمت ال�شيخ بكالم مل ي�سمعه،
فتلفت ال�شيخ حوله فلم ير غريه ،فدعاه وقال له :هل �أنت متزوج؟ ،قال :ال ،قال:
هل تريد الزواج؟! ،ف�سكت! ف�أعاد عليه ال�شيخ :قل ،هل تريد الزواج؟ ،قال :واهلل يا
�سيدي ما عندي ثمن رغيف! فكيف �أتزوج؟! ،قال ال�شيخ� :إن هذه املر�أة خربتني �أن
زوجها تويف و�أنها غريبة عن هذا البلد ،لي�س لها فيه وال يف الدنيا �إال عم عجوز فقري،
وقد جاءت به معها -و�أ�شار �إليه قاعداً يف ركن احللقة -وقد ورثت دار زوجها ومعا�شه،
ال يتزوجها على �سنة اهلل ور�سوله ،لئال تبقى منفردة ،فيطمع وهي حتب �أن جتد رج ً
فيها الأ�شرار ،فهل تريد �أن تتزوج بها؟ ،قال :نعم! ،قال لها ال�شيخ :هل تقبلني به
زوجاً؟ ،قالت :نعم .فدعا بعمها ودعا ب�شاهدين ،وعقد العقد ،ودفع املهر عن التلميذ،
وقال له :خذ بيدها� ،أو �أخذت بيده ،فقادته �إلى بيتها ،فلما دخلته ك�شفت عن وجهها،
فر�أى �شباباً وجما ًال ،ور�أى البيت هو البيت الذي نزله ،و�س�ألته :هل ت�أكل؟ ،قال:
نعم ،فك�شفت غطاء القدر ،فر�أت الباذجنانة ،فقالت :عجباً من دخل الدار فع�ضها؟!،
فبكى الرجل وق�ص عليها اخلرب ،فقالت له :هذه ثمرة الأمانة ،عففت عن الباذجنانة
احلرام ،ف�أعطاك اهلل الدار كلها و�صاحبتها باحلالل!»(.)70
الــمــجــمــوعـــــــ 26ـــــــــة
الط َم�أ ِني َن ُة مو�ضوع الأ�سماءُّ :
واال�ستقرار
()94 - 93 - 92
املُ�ؤْ ِم ُن َّ -
ال�ش يِاف -املُ َ�س ِّع ُر
480 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الـمجـمـوعـ 26ـة
الط َم�أ ِني َن ُة
مو�ضوع الأ�سماءُّ :
( ) 94 - 93 - 92
املُ�ؤْ ِم ُن َّ -
ال�ش يِاف -املُ َ�س ِّع ُر
�أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود:
æاملُ�ؤْ ِمنُ :ورد يف القر�آن الكرمي مرة واح��دة ،يف قوله تعالى}:ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ
ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ
ﯞﯟﯠﯡ{[احل�شر ،]23:ومل يرد اال�سم يف ال�سنة النبوية ب�سند �صحيح.
ال�شاف :مل يرد هذا اال�سم الكرمي يف القر�آن العظيم ،و�إمنا ورد يف ال�سنة النبوية، َّ æ
من حديث عائ�شة قالت� :أن النبي ¤كان ُي َع ِّوذ بع�ض �أهله ،مي�سح بيده اليمنى
ويقول( :اللهم رب النا�س� ،أذهب البا�س ،ا�شفه و�أنت ال�شايف ،ال �شفاء �إال �شفا�ؤك،
�شفاء ال يغادر �سقما)(.)1
æاملُ َ�س ِّع ُر :مل يرد اال�سم يف القر�آن الكرمي ،و�إمنا ورد يف ال�سنة النبوية ،من حديث
�أن�س ‹ ،قال :غال ال�سعر على عهد ر�سول اهلل ¤فقالوا :يا ر�سول اهلل�َ ،س ِّعر لنا!،
قال�( :إن اهلل هو املُ َ�س ِّع ُر القاب�ض البا�سط الرزاق ،و�إين لأرجو �أن �ألقى ربي ولي�س
�أحد منكم يطلبني مبظلمة يف دم وال مال)(.)2
ثاني ًا :املعنى اللغوي:
æاملُ�ؤْمِنُ « :ا�سم فاعل من �آمن ُي�ؤمن �إمياناَ ،فهو ُم�ؤمِ ن»( ،)3وله معنيان:
الأول� :أن يتعدى فعل (�آم ��ن) بنف�سه ،فيكون مبعنى ال�ت��أم�ين� :أي �إع�ط��اء الأم��ن
والأم��ان ،و�آمنته �ضد �أخفته ،ومنه قوله تعالى} :ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ
( )1رواه البخاري برقم ( )5743وم�سلم برقم (.)2191
( )2رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (.)1314
( )3معجم اللغة العربية املعا�صرة للدكتور �أحمد خمتار عمر (مادة� :أ م ن).
ن َّ -
الشافِ ي ُ -
الم َس ِّع ُر الم ْؤمِ ُ
المجموعة السادسة والعشرون ُ : 481
ﭤ{[قري�ش ،]4:قال ابن قتيبة ..« :وقد يكون (امل�ؤمن) من الأمان ؛ �أي :ال ي�أمن �إال
من �أ َّم َنه اهلل»( ،)4وقال ابن عا�شور(« :املُ�ؤْ ِمنُ ) ا�سم فاعل من (�آمن) الذي همزته للتعدية،
�أي جعل غريه �آمناً»(.)5
الثاين� :أن يتعدى فعل (�آمن) بالباء �أو الالم ،فيكون مبعنى الت�صديق واالنقياد،
ومنه قوله تعالى }:ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ{ [يو�سف� ،]17:أي:
مب�ص ّدق لقولنا ،وقوله تعالى}:ﭣ ﭤ ﭥ{[البقرة ،]136:وقوله تعالى }:ﮅ
ﮆ ﮇﮈ{[العنكبوت ،]26:قال ابن قتيبة�« :أ�صل الإميان :الت�صديق ..فالعبد م�ؤمن
�أي :م�صدِّق حم ِّقق ،واهلل (م�ؤمن) �أي :م�صدِّق ما وع��ده وحم ِّققه»( .)6وقد َّ
رج َح
الغزايل املعنى الأول بحجة �أنه �أكمل باملدح يف حق اهلل �-سبحانه ،قال الغزايل« :الأمان
�أليق باملدح يف حق اهلل تعالى من الت�صديق ،ف�إن الت�صديق �أليق بغريه؛ �إذ يجب على
امل�صدَّق به فوق رتبة امل�صدِّق»(.)7 الكل الإميان به والت�صديق بكالمه ،ف�إن رتبة َ
وال�شفاء هو الدواء ال�شاف« :ا�سم فاعل ،فعله �شفي َي�شفِي �شِ فا ًء ،فهو �شايفِّ ، َّ æ
ال�سقم»( ،)8و(ال�شايف) الذي ي�شفي الأب��دان من الذي يكون �سبباً فيما يربئ من َّ
وال�شكوك»(.)9 ال�ش َبه ُّ
الأمرا�ض والآفات ،وي�شفي ال�صدور من ُّ
æاملُ َ�س ِّع ُر« :ا�سم فاعل من الت�سعري ،فعله �س َّع َر ُي�س ِّعر ت�سعرياً ،فهو ُم َ�س ِّعر.. ،
و�س َّعر َّ
ال�شي َء :ث َّمنه وقدَّره وحدَّد �سِ ْع َره»(« ،)10يقالْ � :أ�س َعر �أهل ال�سوق َ
و�س َّع ُروا �إذا
اتفقوا على �سِ ْعر ..و(امل ُ َ�س ِّع ُر) �سبحانه -هو الذي يزيد ال�شيء ويرفع من قيمته �أو
ت�أثريه ومكانته»(.)11
(( )4تف�سري غريب القر�آن) البن قتيبة (�ص .)9
( )5تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور عند تف�سري (الآية -23احل�شر).
(( )6تف�سري غريب القر�آن) البن قتيبة (�ص .)9
(( )7املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص.)44 :
(�( )8أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( .)625:ال�شايف)
( )9معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر(مادة� :ش ف ي).
( )10معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة� :س ع ر).
(�( )11أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( .)550 - 549 :امل�سعر).
482 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الذي يرفع �سعر الأقوات وي�ضعها ،فلي�س ذلك �إال �إليه ،وما تواله اهلل بنف�سه ،ومل
يكله �إلى عباده ،ال دخل لهم فيه»( ،)21وقال القرطبي(« :املُ َ�س ِّع ُر) مقلب ال�سعر ورافعه
وخاف�ضه وفق تقديره وتدبريه»(،)22
رابع ًا :الفروق بني الأ�سماء:
ال�شايف -املُ َ�س ِّع ُر� :أجمع احلكماء على �أن عوامل الأمل وال�شقاء ،التي æاملُ ْ�ؤمِنُ َّ -
تهدد �سعادة الب�شر ،وا�ستقرار جمتمعاتهم تتمثل يف املثلث امل��ؤمل (اخل��وف -املر�ض -
اجلوع)؛ ولذا �أ�شار الر�سول � ¤إلى هذه العوامل الثالثة ،و�أن من عافاه اهلل منها فك�أمنا
ملك الدنيا برمتها ،فقال ( :¤من �أ�صبح منكم �آمنا يف �سربه ،معافى يف ج�سده ،عنده
قوت يومه ،فك�أمنا حيزت له الدنيا بحذافريها)( ،)23وقد ذ ّكر اهلل عباده ،وامنت عليهم
بنعمة الأمن ورغد العي�ش و�أنها من موجبات طاعته واتباع دينه ،فقال �سبحانه }:ﭙ
ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ{[قري�ش،]4-3:
ال�شافيِ -املُ َ�س ِّع ُر) قد ارتبطت معانيها
ونح�سب �أن هذه الأ�سماء احل�سنى الثالثة (املُ�ؤْ ِمنُ َّ -
باملقومات الأ�سا�سية للمجتمعات امل�ستقرة ال�سعيدة ..واهلل �أعلم.
خام�س ًا :ال�صفة امل�شتقة:
æاملُ�ؤْمِنُ (« :املُ�ؤْ ِمنُ ) ا�سم من �أ�سماء اهلل -جل وعال ،يت�ضمن �صفة كمال ،وهي
�صفة (الأم��ن) ،مبعنى� :أن اهلل -جل وعال -ا�سمه (املُ�ؤْ ِمنُ )؛ لأنه ُي َ�ؤ ِّمنُ عباده من
اخلوف والفزع يوم القيامة»( ،)24وهي �صفة ثابتة بالكتاب وال�سنة ،قال تعالى } :ﭢ
ﭣ ﭤ{[قري�ش ،]4:وقوله تعالى} :ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ{[الأنفال،]11:
ومن ال�سنة قوله ( :¤اللهم ا�سرت عورتي ،و�آمن روعتي ،واق�ض عني ديني)(.)25
(( )21في�ض القدير �شرح اجلامع ال�صغري) للمناوي (جـ� - 2 :ص.)337:
(( )22الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للقرطبي -حتقيق :حممد ح�سن وطارق �أحمد (جـ�-1:ص)503:بت�صرف ي�سري.
( )23رواه الرتمذي وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)6042
(�( )24شرح �أ�صول اعتقاد �أهل ال�سنة واجلماعة) لل�شيخ حممد ح�سن عبد الغفار ،عند حديثه عن (�سياق ما روي عن النبي
يف دعائم الإميان وقواعده -تعريف الإميان لغة و�شرع ًا).
( )25رواه الطرباين وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)1262
484 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
æا ل َّ
�����ش��اف :ا ل���ص�ف��ة ا مل���ش�ت�ق��ة م��ن ا ��س�م��ه �� -س�ب�ح��ا ن��ه (ا ل ��� َّ�ش��اف) « ��ص�ف��ة
( ال�شفاء ) وهي �صفة من �صفات ا لأفعال» ( ،)26الثابتة بالكتاب وال�سنة ،قال
} :ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ{[ال�شعراء ، ] 80 -تعالى -عن نبيه �إبراهيم
�أنها قالت :كان �إذا ا�شتكى ر�سول اهلل ¤رقاه ومن ال�سنة حديث عائ�شة
حا�سد �إذا
ٍ جربيل ،قال ( :با�سم اهلل يربيك ،ومن كل داءٍ ي�شفيك ،ومن �شر
ح�سد ،و�شر كل ذي عني ) (.)27
æاملُ َ�س ِّع ُر :ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه �-سبحانه (املُ َ�س ِّعر) «�صفة (الت�سعري) وهي
�صف ٌة من �صفات الأفعال»( ،)28الثابتة يف ال�سنة النبوية ،قال �( :¤إن اهلل هو املُ َ�س ِّع ُر
القاب�ض البا�سط ال��رزاق ،و�إين لأرجو �أن �ألقى ربي ولي�س �أحد منكم يطلبني
مبظلمة يف دم وال مال)(.)29
والغالء وامل�صائب ،والنظر �إلى �أنها يف ذاتها �شفاء لأمرا�ض يف القلب قد تفتك به
لو ا�ستمرت فيه ،في�أتي املكروه �أو امل�صيبة ليكونا �سب ًبا يف التخل�ص منها ،وبذا يكون
املر�ض ذاته �شفاء! ،ولي�س ال�شفاء بال�ضرورة هو املعافاة من املر�ض ،ويف ذلك يقول
ابن القيم وهو يعدد حكم اهلل يف امل�صائب« :ال�سابع� :أن يعلم �أن هذه امل�صيبة
هي دواء نافع �ساقه �إليه الطبيب العليم مب�صلحته ،الرحيم به ،فلي�صرب
على جترعه ،وال يتقي�أه بت�سخطه و�شكواه ،فيذهب نفعه باط ً
ال»(.)31
�4.4سالمة القلب نحو عباد اهلل ،وت�أمينهم من العدوان ،والعمل على �إذهاب �أمرا�ض
قلوبهم و�أج�سادهم ح�سب العلم والقدرة ،وال�سماحة يف التعامل معهم يف البيع
وال�شراء ،وعدم ظلمهم و�أكل حقوقهم ،فاملتعبد با�سمه �-سبحانه (املُ�ؤْ ِمن) يت�صف
ب�صفة ال�سالمة ،و َي ُك َّف �شره و�أذاه عن النا�س ،بحيث ي�أمنونه ،قال ( :¤امل�سلم
من �سلم امل�سلمون من ل�سانه و يده ،وامل�ؤمن من �أمنه النا�س على دمائهم و
�أموالهم)( .)32واملتعبد با�سمه �سبحانه َّ
(ال�شايف) ي�سعى يف �إي�صال اخلري ،وك�شف
الكربات ،وق�ضاء احلاجات ،و�أن يكون �سبب ًا يف �إذهاب الأمرا�ض القلبية واجل�سدية
ح�سب العلم والقدرة ،قال ( :¤من ا�ستطاع منكم �أن ينفع �أخاه فليفعل)(.)33
واملتعبد با�سمه �-سبحانه (املُ َ�س ِّعر) يتقي اهلل يف معامالته ،فال ي�ستغل النا�س يف
زيادة الأ�سعار� ،أو يخفي الأق��وات �سعي ًا للتفرد واالحتكار ،بل يكون حري�ص ًا على
نفعهم� ،صبور ًا على ديونهم ،مراعي ًا حلاجتهم� ،سمح ًا �إذا باع و�إذا ا�شرتى و�إذا
اقت�ضى ،قال النبي ( :¤رحم اهلل رج ً
ال �سمح ًا �إذا باع ،و�إذا ا�شرتى ،و�إذا
اقت�ضى)(.)34
(( )31طريق الهجرتني) البن القيم (�ص.)229 :
( )32رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)6710
( )33رواه البخاري برقم (.)2076
( )34رواه م�سلم برقم (.)2199
ن َّ -
الشافِ ي ُ -
الم َس ِّع ُر الم ْؤمِ ُ
المجموعة السادسة والعشرون ُ : 487
ثامن ًا :مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء:
(املُ�ؤْم ُِن -ال�شَّ يِ
اف -امل َُ�س ِّع ُر) من �أ�سماء اهلل الدالة على �صفات (الأمن -
ال�شفاء -الت�سعري) ،والرتباط هذه املعاين العظيمة بعوامل ا�ستقرار حياة الب�شر يف
الأمن وال�صحة واالقت�صاد ،كان من املنا�سب دعاء اهلل � -سبحانه وتعالى -والثناء
عليه ،بهذه الأ�سماء ،يف جميع حاجات العباد التي تنا�سب تلك املعاين ..قال تعالى:
} ﭢﭣﭤ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭬ
ﭭ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭵﭶﭷ
ﭸ ﭹ{ [النحل ،]112:وق��ال -تعالى -منكر ًا على كفار قري�ش
عذرهم املوهوم يف عدم اتباع احلق ،ومقرر ًا �-سبحانه� -أن الأمن ال يكون �إال يف
جواره ،و�أن اخلوف ال يكون �إال يف البعد عن هداه} :ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ
ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ
ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ{ [الق�ص�ص ،]57:وم��ن ال�سنة
دعا�ؤه( :¤اللهم ا�سرت عورتي ،و�آمن روعتي ،واق�ض عني ديني)( ،)35وكان ¤
ُي َع ِّو ُذ بع�ض �أ�صحابه ،فيم�سح بيمينه ويقول�( :أذهب البا�س رب النا�س ،وا�شف �أنت
ال�شايف ،ال �شفاء �إال �شفا�ؤك� ،شفاء ال يغادر �سقما)(.)36
ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ
ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ
ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ{ [النور.)37(»]55:
æعن �أن�س بن مالك ‹ ،ق��ال :دخل ر�سول اهلل ¤على �شاب و هو يف امل��وت ,
فقال ( :كيف جتدك؟) قال� :أرجو اهلل يا ر�سول اهلل ،و�أخاف ذنوبي ,فقال ر�سول :¤
(ال يجتمعان( )38يف قلب عبد يف مثل هذا املوطن(� ،)39إال �أعطاه اهلل الذي يرجو،
َو�أ ّمنه من الذي يخاف)(.)40
« æقيل خلرمي الناعم :ما النعمة؟ ،قال :الأمن ،ف�إنه لي�س خلائف عي�ش ،والغنى،
ف�إنه لي�س لفقري عي�ش ،وال�صحة ،ف�إنه لي�س ل�سقيم عي�ش ،قال :ثم ماذا؟ ،قال :ال
مزيد بعدها»(.)41
æقال وهب بن منبه�« :إذا ه ّم الوايل باجلور� ،أو عمل به� ،أدخل اهلل النق�ص يف
�أهل مملكته يف الأ�سواق ،والزروع ،وال�ضروع ،وكل �شيء ،و�إذا هم باخلري والعدل �أو
عمل به �أدخل اهلل الربكة يف �أهل مملكته كذلك»(.)42
علي �سرتك ،وال ت�صرف ع ّني
أعرابي فقال« :الله ّم حطني ب�أمانك ،و�أرخ ّ
æدعا � ٌّ
علي من ال يخافك ،وال تو ّلني غريك يا من يتو ّلى ال�صاحلني»(.)43
وجهك ،وال ت�س ّلط ّ
( )37رواه احلاكم و�صححه الوادعي يف (ال�صحيح امل�سند من �أ�سباب النزول) (�ص.)169 :
( )38يعني :اخلوف و الرجاء.
( )39يعني :االحت�ضار.
( )40رواه الرتمذي وابن ماجة و�صححه الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة برقم (.)1051
(( )41نرث الدر) للآبي (جـ� - 4 :ص.)133 :
(( )42امل�ستطرف يف كل فن م�ستظرف) ل�شهاب الدين الأب�شيهي (جـ� – 1:ص( ،)160 :الباب التا�سع ع�شر :يف العدل
والإح�سان والإن�صاف).
(( )43الب�صائر والذخائر) لأبي حيان التوحيدي (جـ� – 8 :ص.)89 :
تير
الس ُ
ِي ِّ -
الحي ُّ
ِيم َ -
الحل ُ
المجموعة السابعة والعشرون َ : 489
الــمــجــمــوعـــــــ 27ـــــــــة
مو�ضوع الأ�سماء :الحْ ِ ْل ُم
()97 - 96 - 95
ال�س ِّت ُري يم -ا َ
حل ِي ُّي ِ - ا َ
حل ِل ُ
490 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الـمجـمـوعـ 27ـة
مو�ضوع الأ�سماء :الحْ ِ ْل ُم
( ) 97 - 96 - 95
يم -ا َ
حل ِي ُّي -ال�س ِّت ُ
ري ا َ
حل ِل ُ
�أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود:
يم :ورد يف القر�آن الكرمي ( 11م��رة) ،منها قوله تعالى }:ﯔ ﯕ æا َ
حل ِل ُ
ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ{[البقرة ،]263 :ومن ال�سنة
حديث ابن عبا�س �أن ر�سول اهلل ¤كان يقول عند الكرب( :ال �إله �إال اهلل العظيم
احلليم ،ال �إله �إال اهلل رب العر�ش العظيم ،ال �إله �إال اهلل رب ال�سماوات ورب الأر�ض،
ورب العر�ش الكرمي)(.)1
æا َ
حل ِي ُّي :مل يرد هذا اال�سم الكرمي يف القر�آن العظيم ،و�إمنا ورد يف ُّ
ال�س َّنة النبوية،
كرمي،
ٌ من حديــث �سلـمان الفار�سي ‹؛ ق��ال :قـال ر�سول اهلل �( :¤إنَّ ربكم َح ِي ٌّي
ي�ستحي �أن يب�سط العبد يديه �إليه ،ف ُري َّدهما ِ�صفر ًا)(.)2
ري :مل يرد اال�سم الكرمي يف القر�آن العظيم ،و�إمنا ورد يف ُّ
ال�س َّنة ،من حديــث æال�س ِّت ُ
يعلى بن �أمية ‹� :أن ر�سول اهلل ¤ر�أى رج ًال يغت�سل بالرباز( ،)3ف�صعد املنرب ،فحمد اهلل
ري ،يحب احلياء وال�سرت ،ف�إذا اغت�سل يم َح ِي ٌّي ِ�س ِّت ٌ
َح ِل ٌ و�أثنى عليه ،وقال�( :إن اهلل
�أحدكم ،فلي�سترت)(.)4
بنعم رب��ه ،وال��رب مع كمال غناه عن اخللق كلهم ،من كرمه ي�ستحيي من هتكه
�ض له من �أ�سباب ال�سرت ،ويعفووف�ضيحته ،و�إحالل العقوبة به ،في�سرته مبا ُي َق ِّي ُ
عنه ،ويغفر له ،فهو يتحبب �إلى عباده بالنعم ،وهم يتبغ�ضون �إليه باملعا�صي ،خريه
�إليهم بعدد اللحظات ،و�شرهم �إليه �صاعد ،وال يزال امللك الكرمي ي�صعد �إليه منهم
باملعا�صي وكل قبيح .وي�ستحيي -تعالى -ممن �شاب يف الإ�سالم �أن يعذبه ،وممن ميد
يديه �إليه �أن يردهما �صف ًرا ،ويدعو عباده �إلى دعائه ،ويعدهم بالإجابة»(.)19
ري« :الذي يحب ال�سرت لعباده امل�ؤمنني؛ �سرت عوراتهم ،و�سرت ذنوبهم»(،)20 æال�س ِّت ُ
احل ِي ُّي) فلي�س يف�ضح عبده ،عند التجاهر منه بالع�صيان، قال ابن القيم « :وهو ( َ
لكـــنه يلقـي عليــــه �ســـــرته ،فهو (ال�ستِّري) و�صاحب الغفران»( ،)21وقال البيهقي:
ريا وال يف�ضحهم يف امل�شاهد ،كذلك «(ال�س ِّت ُري) يعني �أنه �ساتر ي�سرت على عباده كث ً
يحب من عباده ال�سرت على �أنف�سهم واجتناب ما ي�شينهم»( ،)22ويقول ابن الأثري:
يي) «(ال�س ِّت ُري) من �ش�أنه و�إرادت��ه حب ال�سرت وال�صون»( ،)23ومر معنا يف ا�سم َ
(احل ّ
كالم ال�شيخ ال�سعدي والهرا�س عن معنى ا�سمه �-سبحانه (ال�س ِّت ُري).
رابع ًا :الفروق بني الأ�سماء:
ري -ا َ
حل ِي ُّي :ما نزل عقاب �إال بذنب ،وما رفع �إال با�ستغفار وتوبة، يم -ال�س ِّت ُ æا َ
حل ِل ُ
ومن رحمة اهلل بعبده العا�صي �أنه ميهله وي�سرته ،وال يعاجله بالعقوبة ،وهذا من مقت�ضيات
حل ِي ّي –ال�ستِّري) .فالعبد العا�صي بحاجة �أو ُال - :كي يتقي �ش�ؤم
حل ِليم –ا َ
�أ�سمائه احل�سنى (ا َ
حل ِليم) ،وبحاجةمع�صيته � -إلى عدم تعجيل العقوبة ،وهذا من لوازم ا�سمه �-سبحانه (ا َ
ثاني ًا� :إلى ال�سرت وعدم الف�ضيحة ،وهذا من لوازم ا�سمه �-سبحانه (ال�س ِّتري) ،وبحاجة
(( )19احلق الوا�ضح املبني) لل�شيخ ال�سعدي (�ص.)55 - 54 :
(�( )20صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص.)141 :
(�( )21شرح الق�صيدة النونية) للدكتور حممد خليل هرا�س (جـ� - 2:ص.)86 :
(( )22الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ� - ١ :ص.)224 :
(( )23النهاية) البن الأثري (جـ� -2 :ص.)341:
494 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
ثالث ًا� :إلى قبول االعتذار ،وحتقيق حاجات العبد العا�صي التي ال تنتهي ،عندما يرفع
يديه بالدعاء ،متقرب ًا �إلى اهلل ،مفتقر ًا �إليه ،منطرح ًا بني يديه ،متذل ًال له ،وخائف ًا من
�ش�ؤم مع�صيته ،و�أن تكون عائق ًا �أمام �إجابة دعوته ،في�ستحي �صاحب امللك وامللكوت ،والعزة
واجلربوت ،يف عليائه من عبده ،ويجيب دعاءه ،وال يرد يديه �صفر ًا ،وهذا من لوازم ا�سمه
حل ِي ّي) ،ولعل ذلك ما يف�سر جمع النبي ¤للأ�سماءالثالثة يف منا�سبة واحدة �-سبحانه (ا َ
كما جاء يف احلديث �أول الباب.
ال�ص ُبو ُر :يف �إثبات ا�سم (ال�صبور) هلل -تعالى -نظ ٌر لعدم ورودهيم َّ - æا َ
حل ِل ُ
يف كتاب اهلل �أو �صحيح ال�سنة ،و�إمنا ا�شتقه بع�ضهم هلل -تعالى -من حديث �أبي مو�سى
الأ�شعري ‹ ،قال :قال ( :¤ما �أحد �أ�صرب على �أذى �سمعه من اهللَ ،ي ّدعون له الولد،
وج َّل -بـ (ال�صرب) ثم يعافيهم ويرزقهم)( ،)24قال ال�شيخ ال�سقافْ « :
و�ص ُف اهلل َ -ع َّز َ
ثابت؛ كما م َّر يف حديث �أبي مو�سى ‹� ،أما ا�سم (ال�صبور) ،فورد يف حديث �سرد
�رف �آي� ًة �أو حديثاً �صحيحاً ُي ْث ِبتُ هذا
الأ�سماء عند الرتمذي ،وهو �ضعيف ،وال �أع� ُ
اال�سم له �-سبحانه وتعالى»( ،)25ويف الفرق بني (ال�صبور) و(احلليم) يقول اخلطابي:
«معنى (ال�صبور) يف �صفة اهلل �-سبحانه -قريب من معنى (احلليم)� ،إال �أن الفرق
بني الأمرين �أنهم ال ي�أمنون العقوبة يف �صفة (ال�صبور) كما ي�سلمون منها يف �صفة
(احلليم) ،واهلل �أعلم بال�صواب»( ،)26وقال �إ�سماعيل حقي« :والفرق بني (احلليم)
و(ال�صبور) �أن املذنب ال ي�أمن العقوبة يف �صفة (ال�صبور) كما ي�أمنها يف �صفة
(احلليم) ،يعنى �أن (ال�صبور) ي�شعر ب�أنه يعاقب يف الآخرة بخالف (احلليم)»(،)27
وقال الدكتور النابل�سي« :ا�سم (احلليم) �أو�سع من ا�سم (ال�صبور)( ،ال�صبور) ي�ؤخر
العقاب ،لكن العقاب واقع� ،إمنا (احلليم) ي�ؤخره ،وقد يعفو»(.)28
( )24رواه البخاري برقم ( )7378ورواه م�سلم برقم ( ،)2804واللفظ للبخاري.
(�( )25صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص )159 :بت�صرف ي�سري.
(�( )26ش�أن الدعاء) لأبي �سليمان اخلطابي (�ص.)98 :
( )27تف�سري (روح البيان) لإ�سماعيل حقي عند تف�سري [فاطر. 41:
(( )28مو�سوعة �أ�سماء اهلل احل�سنى) للنابل�سي (جـ � – 1ص.)699 :
تير
الس ُ
ِي ِّ -
الحي ُّ
ِيم َ -
الحل ُ
المجموعة السابعة والعشرون َ : 495
فينتهز الفر�ص ،ورغب يف الإقالع ،م�شرياً �إلى �أنه لي�س عنده ما عند حلماء الب�شر من
ال�ضيق احلامل لهم على �أنهم �إذا غ�ضبوا بعد طول الأناة ال يغفرون ،بقوله (غفور ًا) �أي
محَ َّ ا ٌء لذنوب من رجع �إليه ،و�أقبل باالعرتاف عليه ،فال يعاقبه وال يعاتبه»( ،)36ويقول
ال�شيخ ال�سعدي }« :ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ{ حيث مل يعاجل بالعقوبة من قال فيه قوال
تكاد ال�سماوات والأر�ض تتفطر منه وتخر له اجلبال ولكنه �أمهلهم ،و�أنعم عليهم
وعافاهم ،ورزقهم ودعاهم �إلى بابه ليتوبوا من هذا الذنب العظيم ،ليعطيهم الثواب
اجلزيل ،ويغفر لهم ذنبهم ،فلوال حلمه ومغفرته ل�سقطت ال�سماوات على الأر�ض،
وملا ترك على ظهرها من دابة»( ،)37ويقول القا�سمي }« :ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ{ �أي:
حيث مل يعاجلهم بالعقوبة ،مع كفرهم وق�صورهم يف النظر ،ولو تابوا لغفر لهم ما
كان منهم»( .)38ويقول ابن عا�شور« :ولذلك �أتبع بالتذييل بو�صف اهلل -تعالى -باحللم
واملغفرة ملا ي�شمله �صفة (احلليم) من حلمه على امل�ؤمنني �أن ال يزعجهم بفجائع
عظيمة ،وعلى امل�شركني بت�أخري م�ؤاخذتهم ،ف�إن الت�أخري من �أثر احللم ،وما تقت�ضيه
�صفة الغفور من �أن يف الإِمهال �إعذاراً للظاملني لعلهم يرجعون»(.)39
�سابع ًا :الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء:
æالأثر العلمي االعتقادي:
(ح ِي ٌّي) يحب �أهل احلياء�( ،س ِّت ٌ
ري) (ح ِلي ٌم) يحب �أهل احللمَ ،
اهلل �-سبحانه وتعالى َ
يحب �أهل ال�سرت ،ال يعجل على عباده بالعقوبة على ذنوبهم ومعا�صيهم وظلمهم ،بل ميهلهم
وي�سرتهم ويدعوهم �إلى التوبة ،و�إذا رفعوا �أيديهم �إليه بالدعاء ف�إنه َح ِي ٌّي كرميُ ،يجيب
دعاءهم ،ويغفر ذنوبهم.
( )36تف�سري (نظم الدرر) للبقاعي عند تف�سري الآية ( )41من �سورة (فاطر).
( )37تف�سري (ال�سعدي) عند تف�سري الآية ( )44من �سورة الإ�سراء (�ص.)410:
( )38تف�سري القا�سمي (حما�سن الت�أويل) (جـ� - 10 :ص ) 235 :عند تف�سري الآية ( )44من �سورة الإ�سراء.
( )39تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور عند تف�سري (فاطر .)41 -
498 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
æالأثر العملي:
1.1حمبة اهلل و�إجالله وتعظيمه وحمده و�شكره ،والثناء عليه ،والتوبة �إليه ،حيث
�إن حلمه و�سرته وحياءه اقت�ضى ال�صرب على عباده الع�صاة ،وعدم اال�ستعجال يف
عقوبتهم لعلهم ي�ستعتبون ويتوبون ،فعن �أبي مو�سى الأ�شعري ‹ ،عن ر�سول
اهلل ¤قال( :ما �أحد �أ�صرب على �أذى �سمعه من اهلل ،يدعون له الولد،
ثم يعافيهم ويرزقهم)( ،)40ولو عاجل اهلل الع�صاة بعذابه ومل يحلم
عليهم ملا بقي على وجه الأر�ض �أحد ،كما قال �سبحانه}:ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ
ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ
ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ{[النحل.]61:
2.2احل�ي��اء منه �-سبحانه ،واالن�ك���س��ار ب�ين ي��دي��ه ،وم�ق��ت النف�س ،واالع�ت�راف
بتق�صريها ،حيث ينعم �-سبحانه على عباده ،ويحلم عنهم ،وي�سرتهم ،وهم
متمادون يف معا�صيه! ،و�صف ابن القيم هذا احلياء بقوله« :هو حياء ممتزج
من حمبة وخوف ،وم�شاهدة عدم �صالح عبوديته ملعبوده ،و�أن قدره �أعلى
و�أجل منها ،فعبوديته له توجب ا�ستحيا ًء منه ال حمالة»(.)41
3.3فتح باب الرجاء وعدم الي�أ�س من رحمة اهلل -تعالى -واملبادرة �إلى التوبة والإنابة
عن الذنوب مهما عظمت؛ لأنه �-سبحانه -ما � َّأخر العقوبة على الذنب �إال للإنابة
والتوبة ،ولذلك اقرتن ا�سمه �-سبحانه (احلليم) با�سمه �-سبحانه (الغفور).
4.4احلذر من غ�ضبه �-سبحانه -لأن (احلليم) �إذا غ�ضب مل يقف لغ�ضبه �شيء.
وحلمه �-سبحانه� -صادر عن قوة وقدرة ،واهلل (احلليم) ال يغ�ضب �إال على
من ال ي�ستحق الرحمة ،وال ي�صلح يف حقه احللم ،وذلك بعد �أن �أُعطي املهلة
والوقت الكايف ،ليتوب ويهتدي فلم ي�ستجب .
5.5جماهدة النف�س بالتخلق بهذه الأخالق الكرمية ،احللم واحلياء وال�سرت ،فاهلل
�-سبحانهَ -ح ِلي ٌم يحب �أهل احللمَ ،ح ِي ٌّي يحب �أهل احلياء�ِ ،س ِّت ٌري يحب �أهل ال�سرت.
( )40رواه البخاري برقم ( )7378ورواه م�سلم برقم ( ،)2804واللفظ للبخاري.
(( )41مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ� - 2:ص.)263:
تير
الس ُ
ِي ِّ -
الحي ُّ
ِيم َ -
الحل ُ
المجموعة السابعة والعشرون َ : 499
ثامن ًا :مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء:
ري) من الأ�سماء الدالة على �صفات اهلل الفعلية ِيم -ا َ
حل ِي ُّي -ال�س ِّت ُ (ا َ
حلل ُ
(الحْ ِ ْلم والحْ َ َياء وال�سِ ت)؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل ،والتو�سل �إليه ،والثناء
عليه بهذه الأ�سماء يف جميع �أحوال العباد التي تنا�سب معانيها ،كحال العبد اخلائف
من �شر ذنبه ،وهو يف �أ�شد احلاجة لن�صرة ربه ،وك�شف ما به من �ضر وكرب؛ ولذا
ورد عن النبي � ¤أنه كان يقول عند الكرب( :ال �إله �إال اهلل العظيم احلليم ،ال
�إله �إال اهلل رب العر�ش العظيم ،ال �إله �إال اهلل رب ال�سماوات ورب الأر�ض،
ورب العر�ش الكرمي)( ،)42وكذلك �س�ؤال اهلل -تعالى -با�سمه َ
(احلي ِّي) حال الأمل
يف �إجابة الدعاء ،والطمع يف ف�ضل اهلل -تعالى ،كما ورد عنه ¤قولهَّ �( :إن ربكم
ري َّدهما ِ�صفر ًا)( ،)43وورد
َح ِي ٌّي كرمي ،ي�ستحي �أن يب�سط العبد يديه �إليه ،ف ُ
عنه ¤الدعاء بالو�صف الذي ت�ض ّمنه ا�سم (ال�ستِّري) يف قوله ( :¤اللهم ا�سرت
عورتي و�آمن روعتي واق�ض عني ديني)(.)44
تا�سع ًا :لطائف و�أقوال:
يد ُعون له الولد æقال النبي ( :¤ما �أحد �أ�صرب على �أذى �سمعه من اهللَّ ،
ثم يعافيهم ويرزقهم)( ،)45ويف احلديث القد�سي عن النبي ( :¤قال اهلل :ي�شتمني
كذ َبني وما ينبغي له!� ،أما �شت ُْمه فقوله� :إن ابن �آدم ،وما ينبغي له �أن ي�ش ِت َمني ،و ُي ِّ
يل ولدا ،و�أما تكذيبه فقوله :لي�س ُيعيدُ ين كما َبدَ �أين)( .)46يقول الإمام ابن الق َّيم
معلق ًا على احلديثني العظيمني« :وهو �سبحانه مع هذا ال�شتم له ،والتكذيب يرزق ال�شامت
امل ُ َك ِّذب ويعافيه! ويدفع عنه ،ويدعوه �إلى جنته ،ويقبل توبته �إذا تاب �إليه ،ويبدله
( )42رواه البخاري برقم (.)6346
( )43رواه �أبو داود وابن ماجة وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)2070
( )44رواه الطرباين وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)1262
( )45رواه البخاري برقم ( ،)7378ورواه م�سلم برقم ( ،)2804واللفظ للبخاري.
( )46رواه البخاري برقم (.)3193
500 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
ب�سيئاته ح�سنات ،ويتلطف به يف جميع �أحواله ،وي�ؤهِّله لإر�سال ر�سله �إليه ،وي�أمرهم
ب�أن يلينوا له القول ،ويرفقوا به»(.)47
æجاء رجل �إل��ى النبي ¤فقال :يا ر�سول اهلل� ،إين عاجلت ام��ر�أة يف �أق�صى
املدينة ،و�إين �أ�صبت منها ما دون �أن �أم�سها ،ف�أنا هذا ،فاق�ض َّيف ما �شئت ،فقال له
عمر :لقد �سرتك اهلل ،لو �سرتت نف�سك! ،قال :فلم يرد النبي � ¤شيئا ،فقام الرجل
فانطلق ،ف�أتبعه النبي ¤رجال دعاه ،وتال عليه هذه الآية} :ﮩ ﮪ ﮫ
ﮬﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ{[هود،]114:
فقال رجل من القوم :يا نبي اهلل ،هذا له خا�صة؟ ،قال( :بل للنا�س كافة)»(.)48
æعن عبداهلل بن م�سعود ‹ ،قال : :قال النبي ( :¤ا�ستحيوا من اهلل -تعالى-
حق احلياء ،من ا�ستحيا من اهلل حق احلياء فليحفظ الر�أ�س وما وعى ،وليحفظ
البطن وما حوى ،وليذكر املوت وال ِبال ،ومن �أراد الآخرة ترك زينة احلياة الدنيا،
فمن فعل ذلك فقد ا�ستحيا من اهلل حق احلياء)(.)49
æقال النبي ُ ( :¤يح�شر النا�س يوم القيامة حفاة عراة) ،فقالت امر�أة :يار�سول
اهلل ،كيف يرى بع�ضنا بع�ض ًا؟! ،قال�( :إن الأب�صار �شاخ�صة ،فرفع ب�صره �إلى ال�سمــاء)،
فقالــت :يا ر�سول اهلل ،ادع اهلل �أن ي�سرت عورتي ،قال( :اللهم ا�سرت عورتها)(.)50
�شيء
جلده ٌ ريا ،ال ُيرى من ِ æقال النبي �( :¤إن مو�سى كان اً
رجل حي ًيا �ست ً
رت هذا الت�س َ
رت� ،إال من َ
إ�سرائيل ،فقالوا :ما ي�ست ُ ا�ستحياء منه ،ف�آذاه من �آذاه من بني �
ً
َ
آفة( ،)51و�إن اهلل �أراد �أن يُبرَ َئه مما قالوا أدرة و�إما � ٌ
بر�ص و�إما � ٌ
بجلده� :إما ٌِ عيب
ٍ
احلجر ،ثم اغت�سل ،فلما فر َغ �أقبل �إلى
ِ ملو�سى ،فخال يو ًما وحده ،فو�ضع ثيا َبه على
احلجر ،فجعلَ احلجر عدا بثو ِبه ،ف�أخذ مو�سى ع�صاه وطلب َ ثيا ِبه لي� َ
أخذها ،و�إن
(�( )47شفاء العليل) البن القيم (جـ� – 3:ص )1194 -1193 :الباب ( :)23يف ا�ستيفاء �شبه النافني للحكمة والتعليل.
( )48رواه م�سلم برقم (.)2763
( )49رواه الإمام �أحمد والرتمذي وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)935
( )50رواه الطرباين والهيثمي وقال يف الدرر ال�سنية( :خال�صة حكم املحدث الهيثمي املكي� :صحيح).
باخل ْ�صي ِة ،والآ َف ُة :ال َع ُ
يب. اجللد ،والأدْر ُة :ان ِتفا ٌخ يكونُ ِ بر�ص و�إما �أدر ٌة ،و�إما �آف ٌة :ال َرب ُ�صُ :ب َق ُع ٍ
بيا�ض تَكونُ على ِ (� )51إما ٌ
تير
الس ُ
ِي ِّ -
الحي ُّ
ِيم َ -
الحل ُ
المجموعة السابعة والعشرون َ : 501
َ
إ�سرائيل ،فر�أوه لأ من بني � حجر( ،)52حتى انتهى �إلى م ٍ ُ حجر ،ثوبيُ ُ
يقول :ثوبي
احلجر ،ف�أخذ ثو َبه فلب�سه، ُ اهلل ،و�أبر�أه مما يقولون ،وقامعريا ًنا �أح�سنَ ما خلق ُ
أثر �ضر ِبه ،ثال ًثا �أو �أرب ًعا
باحلجر ل ُندَ ًبا من � ِ
ِ هلل �إن
باحلجر �ضر ًبا بع�صاه ،فوا ِ
ِ َ
وطفق
خم�سا ،فذلك قو ُله} :ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ �أو ً
ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ {[الأحزاب.)53()]69:
�سارق �إلى �أمري امل�ؤمنني عمر بن اخلطاب ‹، æقال �أن�س بن مالك ‹� :أُ ِت َي ِب ٍ
قط قب َلها! ،فقال عمر« :كذبتَ ! ،ما كان ُ
اهلل ل ُي�س ِّل َم عبدًا �سرقت ُّ
ُ هلل ما
فقال ال�سارق :وا ِ
ذنب ،فقط َعه»( ،)54وقال ال�سيوطي�« :إن اهلل تعالى �أجرى العادة �أنه ال يف�ضح عند �أولِ ٍ
�أحدًا من �أول مرة»(.)55
æقال تعالى } :ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ{[املائدة ]94:قال �إبن عبا�س « :يا
�صاحب الذنب ال ت�أمنن من �سوء عاقبته ،وملا يتبع الذنب �أعظم من الذنب �إذا عملته،
ف�إن قلة حيائك ممن على اليمني وعلى ال�شمال و�أنت على الذنب �أعظم من الذنب
الذي عملته ،و�ضحكك و�أن��ت ال تدري ما اهلل �صانع بك �أعظم من الذنب ،وفرحك
بالذنب �إذا ظفرت به �أعظم من الذنب ،وحزنك على الذنب �إذا فاتك �أعظم من الذنب
�إذا ظفرت به ،وخوفك من الريح �إذا حركت �سرت بابك و�أنت على الذنب وال ي�ضطرب
ف�ؤادك من نظر اهلل �إليك �أعظم من الذنب �إذا عملته» (.)56
ق���ال ت �ع��ال��ى } :ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ æ
ﭧ{[حممد ،]31:كان الف�ضيل بن عيا�ض �إذا قر�أ هذه الآية بكى وقال« :اللهم ال
(َ )52ث ْوبي َحج ُرَ ،ث ْوبي َح َج ُر� :أي ُينادي على َ
احلج ِر ل ُيعط َيه ثو َبهُ.
( )53رواه البخاري برقم (.)3404
(� )54أخرجه البيهقي يف ال�سنن الكربى (جـ� – 7:ص )276:يف (كتاب ال�سرقة :باب ما جاء يف الإقرار بال�سرقة والرجوع عنه)،
وقال عنه ابن حجر الع�سقالين� :إ�سناده قوي (التلخي�ص احلبري يف تخريج �أحاديث الرافعي الكبري) البن حجر (جـ� – 3:ص:
( )483الطبعة الأولى – 1429هـ -دار الكتب العلمية).
(( )55تدريب الراوي يف �شرح تقريب النواوي) للحافظ عبد الرحمن بن �أبي بكر ال�سيوطي (جـ� – 1:ص( )331:مكتبة الريا�ض
احلديثة – حتقيق عبد الوهاب عبد اللطيف).
(( )56حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) للأ�صبهاين (جـ� - 1:ص.)324:
502 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الــمــجــمــوعـــــــ 28ـــــــــة
مو�ضوع الأ�سماء :المْ َ ْغ ِف َر ُة
()101 - 100 - 99 - 98
ال َعف ُّو -ال َغ ُفور -ال َغ َّفا ُر -ال َّت َّو ُ
اب
506 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الـمجـمـوعـ 28ـة
مو�ضوع الأ�سماء :المْ َ ْغ ِف َر ُة
()101 - 100 - 99 - 98
ال َعف ُّو -ال َغ ُفور -ال َغفَّا ُر -ال َّت َّو ُ
اب
�أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود:
æال َعف ُّو :ورد يف القر�آن الكرمي ( 5مرات) منها قوله تعالى }:ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ
ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ{[الن�ساء ،]149:ويف ال�سنة من حديث
هلل �أَ َر�أَ ْي��تَ �إِ ْن َوا َفقْتُ َل ْيلَ َة ا ْل َق ْد ِر َما َ�أ ْد ُع��و؟ ،قا َل:
�أنها قالتَ ( :يا َر ُ�سو َل ا ِ عائ�شة
ت ُّب ا ْل َع ْف َو َف ْ
اع ُف َعنِّي)(.)1 قويل :الل ُه َّم �إِن ََّك َع ُف ٌّو حُ ِ
æال َغفُور :ورد يف القر�آن الكرمي ( 91مرة) منها قوله تعالى }:ﯴ ﯵ ﯶ
ﯷ ﯸ ﯹ{[احلجر ،]49:ويف ال�سنة �أن �أبابكر ال�صديق ‹ ،قال للنبي :¤
علمني دعاء �أدعو به يف �صالتي ،قال( :قل :اللهم �إين ظلمت نف�سي ظلما كثريا،
وال يغفر الذنوب �إال �أنت ،فاغفر يل مغفرة من عندك ،وارحمني� ،إنك �أنت الغفور
الرحيم)(.)2
æال َغفَّا ُر :ورد يف القر�آن الكرمي ( 5م��رات) منها قوله تعالى} ﭷ ﭸ
قالت� :أن ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ {[�ص ،]66:ويف ال�سنة حديث عائ�شة
النبي ¤ك��ان �إذا ت�ضور( )3من الليل ،ق��ال( :ال �إله �إال اهلل الواحد القهار ،رب
ال�سماوات والأر�ض وما بينهما العزيز الغفار)(.)4
( )1رواه الرتمذي وابن ماجة و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع (.)4423
( )2رواه البخاري برقم ( )6326وم�سلم برقم (.)2705
( )3ت�ضور� :أي تلوى وتقلب لي ًال يف فرا�شه.
( )4رواه الن�سائي واحلاكم و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)4693
واب
الت ُ العفوُّ -الغَ ُفور -الغَ َّف ُ
ار َّ - المجموعة الثامنة والعشرون َ : 507
اب :ورد يف القر�آن الكرمي ( 11مرة) منها قوله تعالى }:ﯙ ﯚ ﯛ æال َّت َّو ُ
قال( :كان ﯜ ﯝ{[التوبة ،]104:ويف ال�سنة من حديث عبد اهلل بن عمر
عد لر�سول اهلل ¤يف املجل�س الواحد ُ
مائة مرة من قبل �أن يقومَ :ر ِّب اغْ ِف ْر ليِ ُي ُّ
َو ُت ْب َع َلي� ،إِن ََّك �أَنْتَ ال َّت َّو ُ
اب ا ْل َغ ُفو ُر)(.)5
التائبني �أو ًال بتوفيقهم للتوبة ،والإقبال بقلوبهم �إليه ،وهو التائب على التائبني
بعد توبتهم قبو ًال لها وعف ًوا عن خطاياهم»( ،)22وقال اخلطابي (« :الت ُ
َّواب) الذي
يتوب على عبده ،ويقبل توبته ،كلما تكررت التوبة تكرر القبول»(.)23
هو العذاب اجل�سماين ،والثاين :هو العذاب الروحاين»( ،)28وقال الغزايل« :الغفران
ينبئ عن ال�سرت ،والعفو ينبئ عن املحو ،واملحو �أبلغ من ال�سرت»( ،)29وقد ا�ستدرك
�شيخ الإ�سالم ابن تيمية ،وتلميذه ابن القيم -رحمهما اهلل -على ه�ؤالء مفهوم (املغفرة)،
وذكرا �أنه �أو�سع مدلو ًال من (ال�سرت) ،وي�شمل الوقاية من �شر الذنب برمته ،مبحوه و�سرته،
يقول �شيخ الإ�سالم ابن تيمية« :و�إذا غفر الذنب زالت عقوبته ،ف�إن املغفرة هي وقاية �شر
ب. ومن النا�س من يقول: الغفر ال�سرت ،ويقول: �إمنا �سمي املغفرة والغفار ملا فيه
الذن
من معنى ال�سرت ،وتف�سري ا�سم اللهّ (الغفار) ب�أنه ال�ستار ،وهذا تق�صري يف معنى الغفر،
ف�إن املغفرة معناها وقاية �شر الذنب بحيث ال يعاقب على الذنب ،فمن غفر ذنبه مل
يعاقب عليه ،و�أما جمرد �سرته فقد يعاقب عليه يف الباطن ،ومن عوقب على الذنب
باط ًنا �أو ظاه ًرا مل يغفر له ،و�إمنا يكون غفران الذنب �إذا مل يعاقب عليه العقوبة
امل�ستحقة بالذنب»( ،)30ويقول ابن القيم« :طلب املغفرة من اهلل هو حمو الذنب ،و�إزالة
�أثره ،ووقاية �شره ،ال كما ظنه بع�ض النا�س� :أنها ال�سرت ،ف�إن اهلل ي�سرت على من يغفر
له ومن ال يغفر له»( ،)31وقد �أو�ضح �شيخ الإ�سالم ابن تيمية – رحمه اهلل� -أن (املغفرة)
�أعم و�أو�سع مدلو ًال من (العفو) ،لزيادتها على حمو الذنب بالر�ضى والقبول ،فقال عند
تف�سريه لقوله تعالى } :ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ {[البقرة(« :]286:العفو) مت�ضمن لإ�سقاط
حقه ِق َبلهم وم�ساحمتهم ب��ه ،و(املغفرة) مت�ضمنة لوقايتهم �شر ذنوبهم ،و�إقباله
عليهم ،ور�ضاه عنهم ،بخالف (العفو) املجرد ،ف�إن العايف قد يعفو ،وال ُيقبل على من
عفا عنه ،وال ير�ضى عنه ،فالعفو ترك حم�ض ،واملغفرة �إح�سان وف�ضل وجود»(،)32
وهذا ما يف�سر التدرج يف قوله تعالى } :ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ{[البقرة،]286:
وهو من قبيل التدرج من الفرع �إلى الأ�صل ،ومن الأخ�ص فائدة �إلى الأعم ،فطلب (العفو)
( )28تف�سري (مفاتيح الغيب -التف�سري الكبري) للرازي عند تف�سري [البقرة. 256 :
(( )29املق�صد الأ�سنى) للغزايل (�ص،)124 :
(( )30جمموع الفتاوى) ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية (جـ� – 10 :ص،)317 :
(( )31مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ� - 1:ص.)307:
(( )32جمموع الفتاوى) ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية (جـ� -14 :ص( )140 :تف�سري �سورة البقرة)،
واب
الت ُ العفوُّ -الغَ ُفور -الغَ َّف ُ
ار َّ - المجموعة الثامنة والعشرون َ : 511
وهو �إ�سقاط العقاب على الذنب ،وم�ساحمتهم به ،ومن ثم (املغفرة) املت�ضمنة لوقايتهم �شر
ذنوبهم ،و�إقباله – �سبحانه -عليهم ،ور�ضاه عنهم ،و�أخري ًا (الرحمة) املت�ضمنة للأمرين مع
زيادة الإح�سان والعطف والرب ،فالثالثة تت�ضمن النجاة من ال�شر والفوز باخلري.
ومعلوم �أن كل فعل حمرم يرتكبه امل�سلم ف�إن له وزر ًا و�أثر ًا يتمثل يف عــــــدد اخلطايـــا
وال�سيئات املقدرة له .فهنا فعل حمرم مدون يف كتاب الأعمال كما قال �سبحانه} :ﯤ
ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ{[اجلاثية ،]29:وهنا �-أي�ض ًا-
�سيئات مقدرة للفعل املحرم م�سجلة يف كتاب ال�سيئات ،فاخت�ص (العفو) ب�إ�سقاط العقاب
مبحو �آثار الذنوب من ال�سيئات املقدرة يف كتاب ال�سيئات ،مع بقاء الذنب كعمل وفعل يف
كتاب الأعمال ،للعر�ض والتذكري به واملعاتبة عليه ،بينما (املغفرة) وقاية �شر الذنب برمته
كتابي الأعمال وال�سيئات ،يقول الر�ضواين ..« :قال القرطبي( :كل من ا�ستحق وحموه من ْ
عقوبة فترُ ِكت له فقد ُعف َِي عنه ،فالعفو :محَ ْ � ُو الذنب) ،واملق�صود مبحو الذنب
حمو الوزر� ،أي ال�سيئات املو�ضوعة على فعل الذنب � ..أما الأفعال ذاتها املح�سوبة
باحلركات وال�سكنات فهي يف كتاب العبد حتى يلقى ربه ،فيدنيه منه ويع ّرفه بذنبه
و�سوء فعله ،ثم ي�سرتها عليه»( ،)33وبهذا يتبني �أن املغفرة �أبلغ من العفو.
æال َغ ُفور -ال َغ َّفا ُر( :ال َغ ُفور) يدل على املبالغة يف قوة و�صف املغفرة« ،ولذا ف�إن (ال َغ ُفور)
هو من يغفر الذنوب العظام ،و(ال َغ َّفا ُر) يدل على املبالغة يف الكرثة على املغفرة وتكرارها
وقتاً بعد وقت ،وهو من يغفر الذنوب الكثرية ،فـ (ال َغ ُفور) للكيف يف الذنب ،و(ال َغ َّفا ُر) للكم
فيه»( ،)34يقول الغزايل(« :ال َغ ُفور) يدل على كرثة املغفرة بالإ�ضافة �إلى كرثة الذنوب ،حتى
�أن من ال يغفر �إال نوعاً واحداً من الذنوب ،فال يقال له :الغفور .و(ال َغ َّفا ُر) ي�شري �إلى كرثة
غفران الذنوب على �سبيل التكرار� ،أي يغفر الذنوب مرة بعد �أخ��رى ،حتى �أن من يغفر
الذنوب جميعاً ،ولكن �أول مرة ،وال يغفر للعائد �إلى الذنب مرة بعد �أخرى؛ مل ي�ستحق
(�( )33أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( .)339:العفو) (بت�صرف ي�سري).
(�( )34أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( .)663 - 662 :الغفار)
512 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
ا�سم الغفار»( ،)35وقال يف مو�ضع �آخر(« :ال َغ َّفا ُر) مبالغة يف املغفرة ،بالإ�ضافة �إلى مغفرة
متكررة مرة بعد �أخرى ،فال َف َّعال ُي ْنبئ عن كرثة الفعل ،وال َف ُعول ُي ْنبئ عن جودته وكماله
و�شموله ،فهو ( َغ ُفو ٌر) مبعنى تام الغفران كامله ،حتى يبلغ �أق�صى درجات املغفرة»(.)36
æال َغفُ ور -الت ُ
َّواب( :التَّوبة) تت�ضمن املغفرة �إال �أن جزاءها يزيد يف تبديل
ال�سيئات باحل�سنات ،وكما هو مقرر ف��إن (التوبة) تت�ضمن �أم��ر ًا ما�ضي ًا وحا�ضر ًا
وم�ستقب ًال ،فالندم على الذنب يف املا�ضي ،والإقالع عنه يف احلا�ضر ،والعزم على عدم
العودة ،مع اجلزم على الإتيان بامل�أمور يف امل�ستقبل ،و�أما (اال�ستغفار) فهو عن �أمر
ما�ض؛ ولذا فقد ي�ستغفر العبد ومل يتب كما هو حال كثري من النا�س ،يقول ابن القيم:
«�إن املذنب مبنزلة من ركب طريقا ت�ؤديه �إلى هالكه ،وال تو�صله �إلى املق�صود،
فهو م�أمور �أن يوليها ظهره ويرجع �إلى الطريق التي فيها جناته ،والتي تو�صله
�إلى مق�صوده وفيها فالحه ،فههنا �أمران ال بد منهما :مفارقة �شيء والرجوع
�إلى غريه ،فخ�صت التوبة بالرجوع واال�ستغفار باملفارقة»( .)37واهلل �-سبحانه-
يقبل توبة عبده �إذا تاب ،وهذا من مقت�ضيات ا�سمه (ال َّت َّواب).
خام�س ًا :ال�صفة امل�شتقة:
æال َعف ُّو :ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه �-سبحانه (ال َعف ّو) «�صفة (ا ْل َع ْفو َوالمْ ُ َعا َفاة)
وهي �صفة فعلية ثابتة هلل بالكتاب وال�سنة»( ،)38قال تعالى } :ﯹ ﯺ ﯻ
ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ
ﰍ{[البقرة ،]286:ومن ال�سنة دعا�ؤه ¤على اجلنازة(:اللهم اغفر له،
وارحمه ،وعافه واعف عنه)( ،)39وقوله (:¤اللهم �إين �أعوذ بر�ضاك من �سخطك،
ومبعافاتك من عقوبتك)( ،)40وال ي�ستعاذ �إال باهلل �أو ب�صفة من �صفاته.
(( )35املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص.)41:
(( )36املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) للغزايل (�ص.)95:
(( )37مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ� - 1:ص.)308:
(�( )38صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص.)183 :
( )39رواه م�سلم برقم (.)963
( )40رواه م�سلم برقم (.)486
واب
الت ُ العفوُّ -الغَ ُفور -الغَ َّف ُ
ار َّ - المجموعة الثامنة والعشرون َ : 513
æال َغ ُفو ُر -ال َغفَّا ُر :ال�صفة امل�شتقة من ا�سميه �-سبحانه (ال َغ ُفور -ال َغ َّفار)
«�صفة (المْ َ ْغ ِف َرة َوا ْل� ُغ� ْف� َران) وهي �صفة فعلية ثابتة هلل بالكتاب وال�سنة»(،)41
ق��ال اهلل تعالى } :ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ
ﮔ{[الق�ص�ص ،]16:ومن ال�سنة دع��ا�ؤه (:¤اللهم اغفر يل خطيئتي وجهلي،
و�إ�سرايف يف �أمري ،وما �أنت �أعلم به مني .)42()..
اب :ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه �-سبحانه (التَّواب) «�صفة (ال َّت ْوب) وهي æال َّت َّو ُ
�صفة فعلية ثابتة هلل بالكتاب وال�سنة»( ،)43قال تعالى} :ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ
ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ{[التوبة،]117:
ومن ال�سنة قوله (:¤لو �أنَّ البن �آدم وادي ًا من ذهب �أحب �أن يكون له واديان ،ولن
ويتوب اهلل على من تاب)(.)44
ُ ميلأ فاه �إال الرتاب،
�ساد�س ًا :فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى:
æالقدير :ورد االقرتان مع (ال َعف ّو) مرة واحدة يف قوله تعالى }:ﭢ ﭣ ﭤ
ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ{ [الن�ساء ،]149:وحكمة ذلك -
واهلل �أعلم -الإ�شارة �إلى �أن عفو اهلل عن ذنوب عباده �صادر عن قادر على �إنزال العقوبة،
«والعفو املمدوح هو الذي ي�صدر عن قادر على االنتقام ثم هو يعفو»( ،)45فالقدرة بال
عفو نق�ص ،والعفو بال قدرة ي�ستلزم عجز ًا ،والعفو مع القدرة غاية الكمال.
æالغفور :ورد االقرتان مع (ال َعف ّو) ( 4مرات) منها قوله تعالى }:ﮭ ﮮ ﮯ
ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ{ [الن�ساء ،]99:واحلكمة من ذلك -واهلل �أعلم – ما
�أ�شرنا �إليه عند حديثنا عن الفرق بني (العفو ) و(الغفور) و�أن املق�صود هو التدرج من الفرع
�إلى الأ�صل ،ومن الأخ�ص فائدة �إلى الأعم ،فاهلل ي�سامح على الذنب ويقبل على العبد ،فاخت�ص
(�( )41صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص.)235 :
( )42رواه م�سلم برقم (.)2719
(�( )43صفات اهلل ) لل�سقاف (�ص.)77 :
( )44رواه البخاري برقم ( )6439وم�سلم برقم (.)1048
(( )45وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص.)425 :
514 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
(العفو) ب�إ�سقاط العقاب عن الذنب ،وامل�ساحمة به ،وت�ضمنت (املغفرة) الوقاية من �شر الذنب،
والإقبال على امل�ستغفر والر�ضى عنه ،كما قال �شيخ الإ�سالم ابن تيمية(« :العفو) مت�ضمن
لإ�سقاط حقه ِق َبلهم وم�ساحمتهم به ،و(املغفرة) مت�ضمنة لوقايتهم �شر ذنوبهم ،و�إقباله
عليهم ،ور�ضاه عنهم ،بخالف (العفو) املجرد ،ف�إن العايف قد يعفو وال يُقبل على من عفا
عنه ،وال ير�ضى عنه ،فالعفو ترك حم�ض ،واملغفرة �إح�سان وف�ضل وجود»(.)46
æالكرمي :ورد االقرتان مع (ال َعف ّو) يف �إحدى روايات الرتمذي حلديث عائ�شة
يف دعاء ليلة القدر وفيه قوله ( : ¤قويل :اللهم �إنك عفو [كرمي] حتب العفو فاعف
عني)( ،)47وال �شك �أن عفو اهلل ومغفرته ما هو �إال �أث ٌر من �آثار كرمه وف�ضله ورحمته� ،إال �أن
زيادة (كرمي) يف احلديث بعد قوله (عفو) ال �أ�صل لها حيث ورد احلديث من طرق عديدة،
وخرجه �أ�صحاب اجلوامع وال�سنن وامل�سانيد ،دون زيادة ا�سم (كرمي).
æالرحيم :ورد االقرتان مع (ال َغ ُفور) ( 71مرة) منها قوله تعالى }:ﭯ ﭰ ﭱ
ﭲ ﭳ ﭴ{ [البقرة ،]192:ومرة واحدة مع �صفة الرحمة العامة يف قول اهلل تعالى:
} ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ
ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ{[الكهف ،]58:وال�سر يف ذلك -واهلل �أعلم -الإ�شارة
�إلى «�أن مغفرة اهلل لعبده مع ا�ستحقاقه للعقوبة مبقت�ضى عدله؛ �إن هو �إال �أثر
من �آثار رحمته �سبحانه»( .)48والإ�شارة كذلك �إلى «�أن وراء املغفرة مناز َل رفيعة من
الإكرام ،ودرجات عليا من الف�ضل والإنعام ،ويف ذلك تقوية لداعي الرجاء يف ح�صول
املغفرةٌ ،
وحث على التعر�ض ملزيد من الرحمة بالإقبال على العمل ال�صالح ،والإكثار
من الطاعات»( ،)49ولعل احلكمة يف تقدمي (الغفور) على (الرحيم) �أن املغفرة تخلية
(( )46جمموع الفتاوى) ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية (جـ� – 14 :ص( )140 :تف�سري �سورة البقرة)،
( )47رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم ( ،)3513ثم نبه ال�شيخ الألباين يف ال�سل�سلة ال�صحيحة �إلى اخلط�أ
يف زيادة ا�سم (الكرمي) يف احلديث وقال« :وقع يف �سنن الرتمذي بعد قوله( :عفو) زيادة( :كرمي)! وال �أ�صل لها يف �شيء من
امل�صادر املتقدمة ،وال يف غريها ممن نقل عنها ،فالظاهر �أنها مدرجة من بع�ض النا�سخني �أو الطابعني» حتى قال« :و�أما التحقيق
فيقت�ضي عدم ذكرها مطلق ًا؛ �إال لبيان �أنه ال �أ�صل لها» ال�سل�سلة ال�صحيحة (جـ� -7:ص )1012 - 1011:برقم احلديث.)3337( :
(( )48وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص.)147 :
(( )49مطابقة �أ�سماء اهلل احل�سنى) للدكتورة جنالء كردي (�ص.)321 :
واب
الت ُ العفوُّ -الغَ ُفور -الغَ َّف ُ
ار َّ - المجموعة الثامنة والعشرون َ : 515
و�سالمة من الوزر والذنوب ،والرحمة حتلية وغنيمة من الأجر والثواب ،والتخلية مقدمة
على التحلية ،وال�سالمة مطلوبة قبل الغنيمة ،ويف ذلك يقول ابن القيم« :وملا كان دفع ال�شر
مقد ًما على جلب اخلري قدم ا�سم (ال َغ ُفور) على (الرحيم) حيث وقع»(.)50
æاحلليم :ورد االقرتان مع (ال َغ ُفور) ( 4مرات) منها قوله تعالى }:ﮛ ﮜ ﮝ
ﮞ ﮟ {[البقرة ،]235:وال�سر يف ذلك -واهلل �أعلم -الإ�شارة �إلى «�أن من مقت�ضى
حلمه � -سبحانه � -أنه يغفر ذنوب عباده ،ويتوب عليهم ،وال ي�ؤاخذهم عليها»(،)51
ويقول ابن عا�شور�« :إنه (احلليم) �سبحانه -الذي ال ي�ستفزه التق�صري يف جانبه ،وال
يغ�ضب للفعلة ،ويقبل املعذرة ،وبالتايل ف��إن من مقت�ضيات حلمه �-سبحانه� -أن
يغفر ذنوب عباده ،ويتوب عليهم ،وال ي�ؤاخذهم عليها»(.)52
æال�شكور :ورد االقرتان مع (ال َغ ُفور) ( 3مرات) منها قوله تعالى }:ﯽ
ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ{[فاطر ،]30:وال�سر يف ذلك -واهلل �أعلم -الإ�شارة
�إلى �أن اهلل «يغفر ذنوب عباده وي�صفح عن �سيئاتهم ،و�إذا �أح�سنوا وعملوا �صا ً
حلا مل
تكن ذنوبهم ال�سالفة لتحول بينهم وبني ثواب اهلل لهم ،و�شكره على طاعتهم له»(.)53
æالودود :ورد االقرتان مع (ال َغ ُفور) مرة واحدة يف قوله تعالى }:ﮩ ﮪ ﮫ
ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ{ [الربوج ،]14-13:وال�سر يف ذلك -واهلل �أعلم -للداللة على
�أن مغفرته لعباده ،وقبوله لتوبتهم هي من موجبات حمبته للم�ستغفرين املنيبني ،وكما قال
ابن القيم« :ف�إن الرجل قد يغفر ملن �أ�ساء �إليه وال يحبه ،وكذلك قد يرحم من ال
يحب ،والرب -تعالى -يغفر لعبده �إذا تاب �إليه ،ويرحمه ويحبه مع ذلك ،ف�إنه يحب
التوابني ،و�إذا تاب �إليه عبده �أحبه ولو كان منه ما كان»(.)54
(( )50بدائع الفوائد) البن القيم (جـ� - 1 :ص.)80 :
(( )51وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص.)564 :
( )52تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور عند تف�سري [البقرة. 225:
(( )53وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص.)575 :
(( )54التبيان يف �أميان القر�آن) البن القيم (�ص.)146:
516 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
æالرحيم :ورد االقرتان مع (ال َّت َّواب) ( 9مرات) منها قوله تعالى }:ﯙ
ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ{[التوبة ,]104:وال�سر يف ذل��ك -واهلل �أعلم -الإ��ش��ارة
�إل��ى �أن «توفيق اهلل لعباده �إل��ى التوبة ،ثم قبولها منهم ،وتوبته عليهم،
مع ا�ستحقاقهم للعقوبة مبقت�ضى عدله �-سبحانه ،ما هو �إال �أث��ر من �آث��ار
رحمته»(.)55
æاحلكيم :ورد االقرتان مع (ال َّت َّواب) مرة واحدة بعد ذكر احلدود ال�شرعية يف زنى
ح�صن ،وقذف املح�صنات ،و�أحكام املالعنة ،يف قوله تعالى }:ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ غري املُ َ
ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ{ [النور ,]10:ولعل احلكمة من االقرتان الإ�شارة �إلى �أن
ت�شريع تلك احلدود كان من �أجل ا�ست�صالح النا�س ،و�صيانة املجتمعات ،وحفظ الأعرا�ض،
والتوبة على املذنبني وهذا من كمال حكمته �سبحانه ،قال الزرك�شي « :ف�إِ َّن الذي َيظه ُر
ا�صلَ َة } :ﭲ ﭳ{؛ لأن الرحم َة منا�سب ٌة للتوبة ،وخ�صو�صاّ يف �أ َّولِ ال َّنظ ِر �أن ا ْل َف ِ
دقيق من �أجله قال} :ﰊ{ وهو ولكن ههنا معنى ٌ من هذا ال َّذ ْن ِب العظيمَّ ،
�أن ُي َن ِّب َه على فائدة م�شروعي ِة ال ِّل َعانِ وهي َّ
ال�سترْ ُ عن هذه الفاح�شة العظيمة ،وذلك
يم الحْ ِ َك ِم ،فلهذا كان }ﰊ{ بليغاّ يف هذا املقام دون } ﭳ{»(،)56 من عَظِ ِ
وقال ابن عا�شور« :هذا تذييل لمِ َا م َّر من الأحكام العظيمة امل�شتملة على التف�ضل من
اهلل والرحمة منه ،وامل�ؤذنة ب�أنه تواب على من تاب من عباده ،واملثبتة بكمال حكمته
-تعالى� -إذ و�ضع ال�شدة مو�ضعها ،والرفق مو�ضعه ،وكف بع�ض النا�س عن بع�ض،
فلما دخلت تلك الأحكام حتت كل هذه ال�صفات كان ذكر ال�صفات تذيي ً
ال ...ويف
ذكر و�صف (احلكيم) هنا مع و�صف (تواب) �إ�شارة �إلى �أن يف هذه التوبة حكمة ،وهي
ا�ست�صالح النا�س»(.)57
(( )55وهلل الأ�سماء احل�سنى) لل�شيخ عبدالعزيز اجلل ّيل (�ص )150-149:بت�صرف ي�سري.
(( )56الربهان يف علوم القر�آن) للزرك�شي( :جـ� - 1:ص.)91 :
( )57تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور عند تف�سري [النور :الآية . 10
واب
الت ُ العفوُّ -الغَ ُفور -الغَ َّف ُ
ار َّ - المجموعة الثامنة والعشرون َ : 517
æالأثر العملي:
1.1حمبة اهلل وح�م��ده و�شكره على رحمته لعباده ،وغفرانه لذنوبهم ،وعفوه
ملعا�صيهم ،وتوبته على ظلمهم ،مع ظهور �آثار هذا ال�شكر واحلمد واملحبة على
امل�ؤمن يف توقي معا�صي اهلل يف جميع �ش�ؤون احلياة ،ومتى ما ز ّلت القدم ووقع
امل�ؤمن يف الذنب ،فليتذكر �أ�سماء اهلل (الغفور الغفار العفو التواب) ،ويطرد
الي�أ�س والقنوط من قلبه ،ويح�سن الظن بربه الذي يغفر الذنوب جمي ًعا.
2.2فتح باب الأمل والرجاء يف مغفرة الذنوب ،والبعد عن القنوط وتعاظم غفران
الذنوب مهما كربت �أو كرثت كما قال تعالى }:ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ
ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ
ﯚ{[الزمر .]53 :
3.3الإكثار من الأعمال ال�صاحلة واحل�سنات؛ لأنها من �أ�سباب احل�صول على مغفرة
اهلل -تعالى -لل�سيئات ال�سالفة؛ قال اهلل } :ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ
ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ{[طه.]82:
518 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
4.4تعظيم اهلل �-سبحانه ،وعدم التجر�ؤ على املعا�صي اتكا ًال على مغفرته ورحمته،
واعتماد ًا على عفوه وكرمه ،و�أن ذلك من �سوء الظن باهلل �-سبحانه ،يقول ابن
القيم« :بل ح�سن الظن ينفع من تاب وندم ،و�أقلع وبدل ال�سيئة باحل�سنة،
وا�ستقبل بقية عمره باخلري وال�ط��اع��ة ،ث��م �أح�سن الظن بعدها ،فهذا
ح�سن ظن ،والأول غرور ،قال تعالى}:ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ
ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ{
[البقرة ،]218:فجعل ه��ؤالء �أهل الرجاء ال البطالني والفا�سقني ،وقال
تعالى } :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ
ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ{[النحل ،]119 :ف�أخرب
�-سبحانه� -أن��ه بعد ه��ذه الأ�شياء غفور رحيم ملن فعلها ،فالعالمِ ي�ضع
الرجاء موا�ضعه ،واجلاهل املغرت ي�ضعه يف غري موا�ضعه»(.)58
5.5احلياء من اهلل الرب الرحيم التواب الغفور الذي يفرح بتوبة عبده ،وهذا
احلياء �إذا متكن من القلب �أثمر تعظي ًما هلل وحيا ًء منه ،ومبادرة �إلى طاعته
وترك معا�صيه قدر اجلهد واال�ستطاعة.
6.6جماهدة النف�س على التخلق بخلق ال�صفح عن النا�س و�سرت �أخطائهم وعوراتهم،
والعفو عنهم ،ومقابلة ال�سيئة باحل�سنة ،قال ( :¤ومن �سرت م�سل ًما �سرته اهلل
يوم القيامة)(.)59
ثامن ًا :مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء:
(العفو -ال َغ ُفور -ال َغ َّفا ُر -الت ُ
َّواب) من �أ�سماء الأفعال الدالة على �صفات اهلل الفعلية
(ا ْل َع ْفو َو المْ ُ َعا َفاة -المْ َ ْغ ِف َرة َو ا ْل ُغ ْف َران -ال َّت ْوب) ،وهي �صفات تتعلق بامل�شيئة� ،إن �شاء اهلل
فعلها � -سبحانه -و�إن �شاء مل يفعلها؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل �-سبحانه وتعالى-
(( )58اجلواب الكايف) البن القيم (�ص.)26 :
( )59رواه البخاري برقم ( )2442ورواه م�سلم برقم (.)2580
واب
الت ُ العفوُّ -الغَ ُفور -الغَ َّف ُ
ار َّ - المجموعة الثامنة والعشرون َ : 519
والثناء عليه ،والتو�سل �إليه بهذه الأ�سماء ،يف حاجات العبد التي تنا�سب معانيها ،كاحلالة
التي ي�شعر فيها العبد بالندم على ما اقرتفت يداه من الذنوب واملعا�صي ،وظلمه لنف�سه،
}:ﮇ وتق�صريه يف حق ربه �-سبحانه وتعالى -ومن ذلك قوله -تعالى -عن مو�سى
ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ{[الق�ص�ص ،]16:وقد
دعا اهلل عباده �إلى ا�ستغفاره عند عمل ال�سوء �أو ظلم النف�س بالذنوب فقال �سبحانه}:ﮔ
ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ{[الن�ساء،]110:
وجاء عن �أبي هريرة ‹� :أن ر�سول اهلل ¤كان يقول يف �سجوده(:اللهم اغفر يل ذنبي
كلهِ ،د ّقه وجله ،و�أوله و�آخره ،وعالنيته و�سره)(.)60
حما�سبة اهلل �إياي ،وبني حما�سبة �أبوي ،الخرتت حما�سبة اهلل؛ وذلك لأن اهلل �أرحم
بي من �أبوي»(.)66
æقال عبدال�صمد بن يزيد� :سمعت الف�ضيل بن عيا�ض يقول�« :إذا �أتاك رجل ي�شكو
�إليك رج ًال؛ فقل :يا �أخي اعف عنه ،ف�إن العفو �أقرب للتقوى ،ف�إن قال :ال يحتمل
قلبي العفو ،ولكن �أنت�صر كما �أم��رين اهلل قل :ف��إن كنت حت�سن تنت�صر مث ً
ال
مبثل ،و�إال فارجع �إلى باب العفو ،ف�إنه باب �أو�سع ،ف�إنه من عفا و�أ�صلح ف�أجره على
اهلل ،و�صاحب العفو ينام الليل على فرا�شه ،و�صاحب االنت�صار يقلب الأمور»(.)67
« æخطب اخلليفة الأموي عبدامللك بن مروان خطبة بليغة ،ثم قطعها وبكى بكاء
�شديد ًا! ،ثم قال :يا رب!� ،إن ذنوبي عظيمة ،و�إن قليل عفوك �أعظم منها ،فامح بقليل
عفوك عظيم ذنوبي ،فبلغ ذلك احل�سن الب�صري فبكى! ،وق��ال :لو كان كالم يكتب
بالذهب لكتب هذا الكالم»(.)68
æقال �سفيان بن عيينةَ :كانَ دعاء مطرف ْبن َع ْبد اللهَّ ِ « :ال َّل ُه َّم �إين �أ�ستغفرك
مما تبت �إليك منه ُث َّم عدت فيه ،و�أ�ستغفرك مما جعلته َلك َعلَى نف�سي ُث َّم مل �أف
ِبهِ ،و�أ�ستغفرك مما زعمت �أين �أردت ِب ِه وجهك فخالط قلبي فيه َما قد علمت» وقال
حممد بن وا�سع :كان مطرف بن عبداهلل يقول« :اللهم ار���ض عنا ،ف��إن مل تر�ض عنا
فاعف عنا ،ف�إن املولى يعفو عن عبده وهو عنه غري را�ض»(.)69
æملا �أخرج ال�سلطان «ابن قلوون» �شيخ الإ�سالم ابن تيمية من �سجنه يف م�صر،
طلب منه �أن يفتيه بقتل من �آذاه من العلماء والق�ضاة الواقعني يف البدعة ،والذين �أفتوا
بقتل ابن تيمية مرار ًا! ّ
فعظم �شيخ الإ�سالم �أولئك الق�ضاة والعلماء ،و�أنكر �أن ينال �أحدا
منهم ب�سوء ،وقال لل�سلطان� :إذا قتلت ه�ؤالء ال جتد بعدهم مثلهم! ،ومن �آذاين فهو
يف حل ،ومن �آذى اهلل ور�سوله فاهلل ينتقم منه ،و�أن��ا ال �أنت�صر لنف�سي ،وما زال
(�( )66سري �أعالم النبالء) للذهبي (�ص )1566 :عند حديثه عن ترجمة (حماد بن �سلمة بن دينار الب�صري برقم.)1826 :
(( )67حلية الأولياء) للأ�صفهاين (جـ� - 8 :ص )112 :عند حديثه عن ترجمة (الف�ضيل بن عيا�ض).
(( )68تهذيب الكمال) للمزي (جـ� -18 :ص )412 - 411 :عند حديثه عن ترجمة (عبد امللك بن مروان بن احلكم).
( )69كال القولني يف (حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ� – 2 :ص.)207 :
522 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
بال�سلطان حتى َح ُلم عنهم و�صفح .فلما بلغ قا�ضي املالكية «ابن خملوف» -وهو ممن
ظاهر على �شيخ الإ�سالم – فعل ابن تيمية قال :ما ر�أينا مثل ابن تيمية! ،حر�ضنا عليه
فلم نقدر عليه ،وقدر علينا ف�صفح عنا وحاجج عنا»(.)70
æقال الأ�صمعي :ر�أيت �أعرابيا �أخذ بحلقتي باب الكعبة وهو يقول�« :سائلك واقف
عند بابك ،قد ذهبت �أيامه ،وبقيت �آثامه ،وانقطعت �شهوته ،وبقيت تبعاته ،فار�ض
عنه ،و�إن مل تر�ض عنه؛ فاعف عنه غري را�ض»(.)71
æدعا �أعرابي فقال« :اللهم �إن��ك �أمرتنا �أن نعفوا عمن ظلمنا ،وق��د ظلمنا
�أنف�سنا فاعف عنا»(.)72
« æقال اال�صمعي :ملا ح�ضرت احلجاج الوفاة �أن�ش�أ يقول:
ب�أنني ٌ
رجل من �سا ِكنِي النـــا ِر حلف االعدا ُء واجتهدوا رب قد َ يا ِّ
مي العف ِو غ َّفا ِر ما عِ لمهُم بكر ِ ويحهُـــــــــــــــــــ ُ م
�أيحلفون على َعميا َء َ
قال ف�أُخرب بذلك احل�سن الب�صري فقال :تاهلل �إن جنا فبهما! .وقال عمر بن
عبد العزيز :ما ح�سدت احلجاج عدو اهلل على �شيء ح�سدي �إ ّي��اه على حبه القر�آن
و�إعطائه �أهله ،وقوله حني ح�ضرته الوفاة :اللهم اغفر يل ف�إن النا�س يزعمون �أنك
ال تفعل!»(.)73
æقال ابن تيمية« :ما انتقم �أحد قط لنف�سه �إال �أورثه ذلك ُذ ًال يجده يف نف�سه ،ف�إذا
عفا �أع� َّزه اهلل تعالى ،وهذا مما �أخرب به ال�صادق امل�صدوق ¤حيث يقول( :ما زاد اهلل
عبدا بعف ٍو �إال ع َّزاً)(.)75( »)74
(()70البداية والنهاية) للإمام �أبن كثري (�ص )2134 :يف �أحدث �سنة ( 709هـ).
(()71جمهرة خطب العرب) لأحمد زكي �صفوت (جـ� – 3 :ص.)330 :
(( )72البيان والتبيني) لأبي عثمان عمرو بن بحر اجلاحظ (�ص.)516 :
(( )73البداية والنهاية) للإمام �أبن كثري (�ص )1404 :يف �أحدث �سنة ( 95هـ).
( )74رواه م�سلم برقم (.)2588
(( )75جامع امل�سائل) ل�شيخ الإ�سالم ابن تيمية (املجموعة الأولى – �ص )170 :حتقيق :حممد عزيز �شم�س ،و�إ�شراف:
بكر �أبو زيد.
ار
الج َّب ُ
ار َ -
ه ُ المجموعة التاسعة والعشرون :القَ ِ
اه ُر -القَ َّ 523
الــمــجــمــوعـــــــ 29ـــــــــة
مو�ضوع الأ�سماء :ا ْل َق ْه ُر
()104 - 103 - 102
ال َق ِاه ُر -ال َق َّها ُر -ا َ
جل َّبا ُر
524 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الـمجـمـوعـ 29ـة
مو�ضوع الأ�سماء :ا ْل َق ْه ُر
() 104 - 103 - 102
اه ُر -ال َق َّها ُر -ا َ
جل َّبا ُر ال َق ِ
�أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود:
اه ُر :ورد يف القر�آن الكرمي مرتني يف قوله تعالى } :ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ
æال َق ِ
ﰇ ﰈ ﰉ{[الأنعام ،]18:وقوله تعالى} :ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ
ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ{[الأنعام ،]61:ومل
يرد اال�سم يف ال�سنة ب�سند �صحيح.
æال َق َّها ُر :ورد يف القر�آن الكرمي ( 6م��رات) ،اق�ترن يف جميعها با�سمه
�-سبحانه (الواحد) ،منها قوله تعالى }:ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ{
قالت :كان النبي � ¤إذا ت�ضور من [الرعد ،]16:ومن ال�سنة حديث عائ�شة
الليل( ،)1قال( :ال �إله �إال اهلل الواحد القهار ،رب ال�سماوات والأر�ض وما
بينهما العزيز الغفار)(.)2
جل َّبا ُر :ورد يف القر�آن الكرمي مرة واح��دة يف قوله تعالى } :ﯙ æا َ
ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ{[احل�شر ،]23:ومن
ال�سنة حديث ابن عمر قال :ر�أي��ت ر�سول اهلل ¤على املنرب ،وهو يقول( :ي�أخذ
اجلبار �سماواته و�أرا�ضيه بيديه)(.)3
( )1ت�ضور� :أي تلوى وتقلب ليال يف فرا�شه.
( )2رواه الن�سائي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)4693
( )3رواه م�سلم برقم (.)2788
ار
الج َّب ُ
ار َ -
ه ُ المجموعة التاسعة والعشرون :القَ ِ
اه ُر -القَ َّ 525
من حتت قهره وتقديره»( ،)10قال اخلطابي(« :ال َق َّها ُر) :الذي قهر اجلبابرة من عتاة
خلقه بالعقوبة ،وقهر اخللق كلهم باملوت»( ،)11ويقول احلليمي(« :ال َق ِاه ُر) الذي يدبر
خلقه مبا يريد ،فيقع يف ذلك ما ي�شق ويثقل ،ويغم ويحزن ،ويكون منه �سلب احلياة،
�أو بع�ض اجلوارح ،فال ي�ستطيع �أحد رد تدبريه ،واخلروج من تقديره ..و (ال َق َّها ُر)
الذي َيقهر وال ُيقهر بحال»( .)12ويقول ال�شيخ عبدالرحمن ال�سعدي(« :ال َق َّها ُر) لكل
�شيء الذي خ�ضعت له املخلوقات ،وذلت لعزته وقوته وكمال اقتداره»(.)13
æا َ
جل َّبا ُر« :ال��ذي قهر جميع العباد ،و�أذع��ن له �سائر اخللق ،ال��ذي يجرب الكبري،
ويغني الفقري»( ،)14قال الطربيَ (« :
اجل َّبا ُر) :امل�صلح �أم��ور خلقه ،امل�صرفهم فيما فيه
�صالحهم»( ،)15ويقول البي�ضاويَ (« :
اجل َّبا ُر) :الذي جرب خلقه على ما �أراده� ،أو جرب
حالهم مبعنى �أ�صلحه»( .)16ويقول اخلطابيَ (« :
اجل َّبا ُر) الذي جرب اخللق على ما �أراد
من �أمره ونهيه»( ،)17وقال ابن القيم« :قال حممد بن كعب� :إمنا �سمي ( َ
اجل َّبا ُر) لأنه جرب
اخللق على ما �أراد ،واخللق �أدق �ش�أناً من �أن يع�صوا ربهم طرفة عني �إال مب�شيئته»(.)18
اجلوارح ،فال ي�ستطيع �أحد رد تدبريه ،واخلروج من تقديره ..و(ال َق َّها ُر) الذي َيقهر
وال ُيقهر بحال»( .)19وقيل�« :إن (ال َق ِاهر) هو الذي له علو القهر الكلي املطلق باعتبار
جميع املخلوقات وعلى اختالف تنوعهم فهو قاهر فوق عباده ،يدبرهم مبا يريد
�-سبحانه ،فال يقوى �أحد �أن ينازعه �أو يغالبه ،بل كل �شيء حتت قهره و�سلطانه � ..أما
(ال َق َّهار) فهو الغالب ملن عاداه ،الذي له علو القهر باعتبار الكرثة� ،أو باعتبار نوعية
املقهور ..فاهلل �-سبحانه وتعالى -كثري القهر للظاملني والطغاة على مر الع�صور
وكر الدهور ،كما قال �-سبحانه -عن كرثة �إهالكه للمجرمني}:ﯚ ﯛ ﯜ
ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ
ﯬ{ [الق�ص�ص ،]58:وهو �-سبحانه -قهار لأعظم الطغاة و�أكابر املجرمني
كما قال �سبحانه }:ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ
ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ{[الق�ص�ص.)20(»]78:
æا َ
جل َّبار -ال َق َّها ُرَ :
(اجل َّبا ُر) من اجلرب و«�أ�صل اجلرب� :إ�صالح ال�شيء ب�ضرب
من القهر»()21؛ ولذا قال الطربيَ (« :
اجل َّبا ُر) :امل�صلح �أم��ور خلقه ،امل�صرفهم فيما
فيه �صالحهم»( ،)22فاهلل – �سبحانه -يجرب العباد على ما �أراده ،مما فيه �صالحهم،
وهو من �أ�سماء التعظيم ،يقول ابن القيم« :و�أما ( َ
اجل َّبا ُر) يف �أ�سماء الرب -تعالى؛ ف�سر
ب�أنه الذي يجرب الك�سري ،ويغني الفقري ،والرب -تبارك وتعالى -كذلك ،ولكن لي�س
اجل َّبار)؛ ولهذا قرنه با�سمه (املتكرب) ،و�إمنا هو من (اجلربوت)، هذا معنى ا�سمه ( َ
وكان النبي ¤يقول�( :سبحان ذي اجلربوت وامللكوت والكربياء والعظمة)(،)23
اجل َّبا ُر) ا�سم من �أ�سماء التعظيم كاملتكرب وامللك والعظيم والقهار»(� ،)24أما فــ ( َ
(( )19الأ�سماء وال�صفات) للبيهقي (جـ� - ١ :ص .)164 - 163
(�( )20أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( )387-386:القهار) .بت�صرف ي�سري
(( )21املفردات يف غريب القر�آن) للراغب الأ�صفهاين (جـ� - 1:ص( )111:مادة :جرب).
(( )22تف�سري الطربي) عند تف�سري الآية ( )23من �سورة احل�شر.
( )23رواه �أبو داود �صححه الألباين يف �صحيح �أبي داود برقم (.)873
(�( )24شفاء العليل) البن القيم (جـ� - 2 :ص.)756 - 755 :
528 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
(ال َق َّها ُر) فهو الغالب ملن عاداه ،وهو من القهر« ،القهر :اال�ستيال ُء والغلبة على طريق
اجل َّبا ِر) و(ال َق َّها ِر)َ ( :
اجل َّبار) املتعظم التذليل»( ،)25قال اجل�صا�ص« :الفرق بني ( َ
باالقتدار ،ومل يزل اهلل جباراً ،واملعنى� :أن ذاته تدعو العوارف بها �إلى تعظيمها� ،أما
(ال َق َّهار) :هو الغالب ملن ناو�أه� ،أو كان يف حكم املناوي ،مبع�صيته �إياه»(.)26
�شيء ،و�أتبعت ب�صفة (اجلبار) الدالة على �أ ّنه م�سخر املخلوقات لإِرادت��ه ،ثم �صفة
(املتكرب) الدالة على �أن��ه ذو الكربياء ،ي�صغر كل �شيء دون كربيائه ،فكانت هذه
الم املُ�ؤْ ِمنُ )
ال�س ُ ال�صفات يف جانب التخويف ،كما كانت ال�صفات قبلها (ا َمل ِل ُك ال ُق ُّد ُ
و�س َّ
يف جانب الإِطماع»(.)35
�سابع ًا :الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء:
æالأثر العلمي االعتقادي:
اهلل هو الواحد القهار ،العزيز اجلبار ،الذي ق�صم ظهور اجلبابرة ،و�أذل رقاب
الأكا�سرة ،وقطع الآمال باحلافرة ..فهو � -سبحانه -القاهر فوق عباده ،ومن �سواه فهو مربوب
مقهور ..خلق احلجارة ال�شديدة و�س ّل َط عليها احلديد يك�سرها ويفتتها ،و�س ّل َط على احلديد
النار تذيبه وتك�سر قوته ،و�س ّل َط على النار املاء يك�سرها ويطفئها ،و�س ّل َط على املاء الهواء يفتته
ويبخره ،وكم من �إن�سان يتمنى �أن يولد له فال يولد له ،و�أن ال ي�شيب في�شيب ،ويريد �أن يعز فيذل،
و�أن ي�ستغني فيفتقر ..وذلك من �آيات كمال القاهر اجلبار ،الواحد القهار �-سبحانه.
الأثر العملي: æ
1.1تعظيم اهلل واخلوف منه ،والتعلق به ،والتوكل عليه وحده �-سبحانه ،وقطع
العالئق بالأ�سباب املقهورة مع فعلها؛ لأن حقيقة التوكل هي متام االعتماد على
اهلل -تعالى -مع متام الثقة بكفايته و�إعانته؛ لأنه املتفرد بت�صريف �أمور عباده؛
ولهذا كان من �أذكاره ¤يف الركوع وال�سجود قوله�( :سبحان ذي اجلربوت
وامللكوت والكربياء والعظمة)(.)36
2.2التوا�ضع هلل -تعالى -بقبول حكمه وما نزل من احلق ،والتوا�ضع للخلق وترك
التجرب والتكرب عليهم ،مع دوام االنك�سار هلل اجلبار ،واالفتقار �إليه ،وطلب
املغفرة منه ،رغبة يف �أن يجرب اهلل ك�سره ،ويغفر ذنبه ،ويدمي فقره �إليه .
( )35تف�سري (التحرير والتنوير) البن عا�شور عند تف�سري (احل�شر.)23:
( )36رواه �أبو داود �صححه الألباين يف �صحيح �أبي داود برقم (.)873
ار
الج َّب ُ
ار َ -
ه ُ المجموعة التاسعة والعشرون :القَ ِ
اه ُر -القَ َّ 531
3.3من معاين (اجلبار) الذي يجرب ك�سر عباده ويغنيهم من االفتقار ،وهذا يثمر يف
قلب امل�ؤمن حمبة اهلل -تعالى -واالنك�سار بني يديه ،وطلب احلاجات منه وحده؛
ولذا كان من دعائه ¤يف اجلل�سة بني ال�سجدتني( :اللهم اغفر يل وارحمني
َواجبرُن واهدين وارزقني)(.)37
4.4الأخذ ب�أ�سباب القوة؛ لأن اهلل القاهر قادر على �أن يقهر الظاملني ب�أمره
الكوين ،لكنه جعل العباد مبتلني بتدبريه ال�شرعي لتظهر �آثار �أ�سمائه فيهم ،فال
بد للموحدين �أن ي�ستعينوا باهلل القاهر �أو ًال ،ثم يتقنوا الأخذ ب�أ�سباب القوة عند
اللقاء لينت�صروا على الأعداء.
5.5الثقة باهلل ،والتوكل عليه؛ لأنه – �سبحانه -قهار جبار ،ال يعجزه �شيء يف الأر�ض
وال يف ال�سماء ،ويقدر على ما ال يقدر عليه غريه ،ومهما بلغت قوة املخلوقني فاهلل
قاهر فوقهم ،ونوا�صيهم بيده ،وهو الواحد القهار ،قال تعالى } :ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ
ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ{[غافر.]16:
ثامن ًا :مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء:
اه ُر -ال َق َّها ُر -ا َ
جل َّبا ُر) من الأ�سماء الدالة على �صفات اهلل الفعلية (ا ْل َق ْه ِر (ال َق ِ
واجلرب والإجبار)� ،أو ال�صفة الذاتية (الجْ َ برَ ُ وت) ،وكل �شيء يف الوجود فهو حتت قهر اهلل
و�سلطانه ،خا�ضع جلربوته وعظمته ،وكربيائه وقدرته؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل -
�سبحانه وتعالى -والثناء عليه ،والتو�سل �إليه ،بهذه الأ�سماء؛ حال �شعور امل�سلم باخلوف
واخل�شية والظلم من عدو متكرب جبار ،فريفع امل�سلم يديه �إلى ال�سماء ،قائ ًال :يا رب ،ياذا
(اجل َّبار) ما جاء من القهر واجلربوت ،اكفنيه مبا �شئت ..وباملعنى الثاين ال�سمه �-سبحانه َ
حديث ابن عبا�س � :أن النبي ¤كان يقول بني ال�سجدتني( :اللهم اغفر يل وارحمني
َواجبرُنيِ واهدين وارزقني)( ،)38قال ابن الأثريَ (« :واجبرُ يِن) �أي �أغنني ،من جرب
اهلل م�صيبته؛ �أي :ر ّد عليه ما ذهب منه وع ّو�ضه»(.)39
( )37رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (.)233
( )38رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم (.)233
(( )39النهاية يف غريب احلديث) البن الأثري (جـ� - 1:ص.)236 :
532 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
�« æسمع رج ٌل من امل�ستهزئني املتهمني يف دينهم؛ قارئ ًا يقر�أ قوله تعالى }:ﭾ ﭿ
ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ{[امللك ،]30:فقال :جت��يء به � -أي امل��اء -
الف�ؤو�س واملعاول ،فنام من ليلته تلك ،ف�أ�صبح وقد ذهب ماء عينه! ،وبقي �أعمى �إلى
�أن مات»( ،)46و�إمنا عوقب بذهاب ماء عينيه؛ لأن اجلزاء من جن�س العمل ،نعوذ باهلل من
اخلذالن ،ومن اجلراءة على اهلل و�آياته.
رج ٌل يح�ضر معنا « æقال حممد بن منتاب� :أنّ ِع َّز الدين املُو�صلي كتب �إليه فقال :كان ُ
ال�سب يف �أبي بكر وعُمر وعثمان جميعا ،فلما انتقلت اخلطبة �سوق الطعام ،وكان كثري ِّ
ال�سب يف دولة الرف�ض �آنذاك ،افرتى و�سب ،و�أكرث يف ال ُفح�ش وخب ،قلت :قبي ٌح بك �إلى ِ
ت�س َّب قوماً حطوا رحالهم يف اجل ّنة من �سبعمائـــة عام!� ،أال يُغنيك} :ﯴ وقد �شبت �أن ُ
ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ {[البقرة،]134:
قال :واهلل �إن �أبا بك ٍر وعُمر وعُثمان يف ال ّنار ،قالها يف ملأ! ،فقام �شعر ج�سدي ،فرفعت
يدي �إلى ال�سماء ،وقلت :الله ّم يا قاه ٌر فوق عباده ،يا من ال يخفى عليه �شيء� :أ�س�ألك �إن
كان هذا الكلب على احلق ف�أنزل بي �آية ،و�إن كان ظاملاً ف�أنزل به ما يعلم ه�ؤالء اجلماعة
�أ ّن ُه على الباطل يف احلال ،فما ا�ستتم دعاءه حتى َو ِر َمتْ عيناه ،وكادت تخرج من مكانها،
فحملوا�س ّود ج�سده حتى �صار كالقار ،وانتفخ ،وخرج من حلقه �شيء يَ�صر ُع الطيور!ُ ،
�إل��ى بيته ،فما ج��اوز ثالثة �أي��ام حتى م��ات ،ومل يتمكن �أح��د من غ�سله مما يجري من
ج�سمه وعينه ،ويُلقى يف احلفرة عن بعد ويُهال عليه الترُ اب»(.)47
« æقال �أحمد بن �شعيب :كنا عند بع�ض املحدثني بالب�صرة فحدثنا بحديث
النبي �( :¤إن املالئكة لت�ضع �أجنحتها لطالب العلم)( ،)48ويف املجل�س معنا رجل
من املعتزلة فجعل ي�ستهزئ باحلديث ،فقال :واهلل لأط��رق��ن غ��داً نعلي مب�سامري،
ف�أط�أ بها �أجنحة املالئكة ،ففعل ،وم�شى يف النعلني ،فجفت رجاله جميعاً ،ووقعت
فيهما الآكِلة»( ،)49وقال الطرباين�« :سمعت �أبا يحيى زكريا بن يحيى ال�ساجي قال :كنا
( )46تف�سري (التف�سري الكبري) للإمام الطرباين عند تف�سري�[ :سورة امللك :الأية. 30:
(( )47تاريخ الإ�سالم) للذهبي (اجلزء الأخري (الذيل)) (جـ� – 53 :ص )118 – 117 :يف حوادث �سنة ( 710هـ).
( )48رواه الرتمذي و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)1956
( )49قال يف الل�سان( :ال ِآكلة :داء يقع يف الع�ضو ف َي�أْت َِكل منه) ،وهو �شبيه بالغرغرينا ،وعالجها برت الع�ضو الذي �أ�صيب به.
534 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
من�شي يف بع�ض �أزقة الب�صرة �إلى باب بع�ض املحدثني ،ف�أ�سرعنا امل�شي ،وكان معنا
رجل ماجن ،متهم يف دينه ،فقال :ارفعوا �أرجلكم عن �أجنحة املالئكة ،ال تك�سروها
كامل�ستهزئ ،فما زال من مو�ضعه حتى جفت رجاله و�سقط!»(.)50
وجه �سليمان بن عبد امللك (حممد بن يزيد) �إلى العراق ليطلق �أهل ال�سجون، æملا َّ
ويق�سم الأم��وال �ض َّيق على (يزيد بن �أبي م�سلم) ،فلما ُوليِّ يزيد بن عبد امللك اخلالفة
َو َّلى (يزيد بن �أبي م�سلم) �أفريقية ،وكان (حممد بن يزيد) وال ًيا عليها؛ فا�ستخفى! فطلبه
يزيد بن �أبي م�سلم ،و�شدد يف طلبه! ف�أُ ِتي به �إليه يف �شهر رم�ضان عند املغرب ،وكان يف يد
يزيد بن �أبي م�سلم عنقود عنب ،فقال ملحمد بن يزيد حني ر�آه :يا حممد بن يزيد! طاملا
�س�ألتُ اهلل � ْأن ميكنني منك ،فقال :و�أنا واهلل طاملا �س�ألتُ اهلل � ْأن يجريين منك ،فقال:
واهلل ما �أجارك ،وال �أعاذك ،و� ْإن �سبقني َملَك املوت �إلى قب�ض روحك �سبق ُته! واهلل،
ال �آكل هذه احلبة من العنب حتى �أقتلك! ،ثم �أمر به ف ُكتِّف ،و ُو ِ�ضع يف ال ِّنطع ،وقام
ال�سياف ،ف�أقيمت ال�صالة؛ فو�ضع يزيد العنقود ِمن يده ،وتقدم لي�صلي ،وكان �أهل �أفريقية
قد �أجمعوا على قتله ،فلما رفع ر�أ�سه �ضربه رجل بعمود على ر�أ�سه فقتله! وقيل ملحمد بن
يزيد :اذهب حيث �شئتَ ! ف�سبحان َمن قتل الأمري ،وفك الأ�سري!»(.)51
æقال ابن القيم« :كثري م��ن اجل�ه��ال اعتمدوا على رحمة اهلل وع�ف��وه وكرمه،
ف�ضيعوا �أمره ونهيه ،ون�سوا �أنه �شديد العقاب ،و�أنه ال يرد ب�أ�سه عن القوم املجرمني،
ومن اعتمد على العفو مع الإ�صرار على الذنب فهو كاملعاند»( .)52وقال يف مو�ضع �آخر:
«ومن رحمته بهم �أن حذرهم نف�سه؛ لئال يغرتوا به؛ فيعاملوه مبا ال تحَ �سن معامل ُته
به ،كما قال تعالى } :ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ{ [�آل عمران ،]30 :قال
غري واحد من ال�سلف :من ر�أفته بالعباد حذرهم من نف�سه ،لئال يغرتوا به»(.)53
(( )50مفتاح دار ال�سعادة) البن القيم (جـ� - 1 :ص.)86 :
(( )51امل�ستطرف يف كل فن م�ستظرف) ل�شهاب الدين الأب�شيهي (جـ� – 2:ص( ،)71 :الباب ال�سابع واخلم�سون :ما جاء يف
الي�سر بعد الع�سر والفرج بعد ال�شدة).
(( )52اجلواب الكايف ملن �س�أل عن الدواء ال�شايف) للإمام �أبن القيم (�ص.)27 :
(�( )53إغاثة اللهفان من م�صايد ال�شيطان) للإمام �أبن القيم (جـ� - 2:ص.)175:
الوار ُ
ِث الم ِّؤ ُ
خر َ - المقَ ِّد ُم ُ -
المجموعة الثالثون ُ : 535
الــمــجــمــوعـــــــ 30ـــــــــة
مو�ضوع الأ�سماء :ال ِو َرا َث ُة
()107 - 106 - 105
املُ َق ِّد ُم -املُ� ِّؤخ ُر -ال َوا ِر ُث
536 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
الـمجـمـوعـ 30ـة
مو�ضوع الأ�سماء :ال ِو َرا َث ُة
()107 - 106 - 105
املُ َق ِّد ُم -املُ�ؤخِّ ُر -ال َوا ِر ُث
�أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود:
æاملُ َق ِّد ُم املُ�ؤخَّ ُر :مل يرد اال�سمان يف القر�آن الكرمي ،و�إمنا وردا يف ال�سنة النبوية
ق��ال :كان النبي � ¤إذا قام من الليل يتهجد ق��ال( :اللهم من حديث ابن عبا�س
لك احلمد� ،أنت نور ال�سموات والأر�ض ومن فيهن ،ولك احلمد� ،أنت قيم ال�سموات
والأر���ض ومن فيهن ،ولك احلمد� ،أنت احلق ،ووعدك حق ،وقولك حق ،ولقا�ؤك
حق ،واجلنة حق ،والنار حق ،وال�ساعة حق ،والنبيون حق ،وحممد حق ،اللهم لك
�أ�سلمت ،وعليك توكلت ،وبك �آمنت ،و�إليك �أنبت ،وبك خا�صمت ،و�إليك حاكمت،
فاغفر يل ما قدمت وما �أخرت ،وما �أ�سررت وما �أعلنت� ،أنت املقدم و�أنت امل�ؤخر ،ال
�إله �إال �أنت)(.)1
æال َوا ِر ُث :ورد يف القر�آن الكرمي ( 3مرات) منها قوله تعالى}:ﮕ ﮖ ﮗ
ﮘ ﮙ ﮚ{[احلجر ،]23 :ومل يرد اال�سم يف ال�سنة ب�سند �صحيح.
ثاني ًا :املعنى اللغوي:
æاملُ َق ِّد ُم املُ�ؤخَّ ُر( :املُ َقدِّ ُم) «ا�سم فاعل للمو�صوف بالتقدمي ،فعله ق َّد َم ي َقدِّم
تقدميا ،فهو مقدِّم»( ،)2و(املُ� ِّؤخ ُر) «ا�سم فاعل للمو�صوف بالت�أخري ،فعله � َّأخ َر ي� ِّؤخر
ت�أخرياَ ،فهو م� ِّؤخر»( ،)3والتقدمي والت�أخري :ترتيب الأ�شياء ،وتقدمي �أو ت�أخري بع�ضها على
( )1رواه البخاري برقم (.)6317
( )2معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة :ق د م).
( )3معجم اللغة العربية املعا�صرة لأحمد خمتار عمر (مادة� :أ خ ر).
الوار ُ
ِث الم ِّؤ ُ
خر َ - المقَ ِّد ُم ُ -
المجموعة الثالثون ُ : 537
بع�ض ،يقول ابن الأثري(« :املُ َقدِّ ُم) الذي ُي َق ِّد ُم الأ�شياء ،وي�ضعها يف موا�ضعها ،فمن
ا�ستحق التقدمي قدَّمه ..و(املُ� ِّؤخ ُر) الذي ي� ِّؤخ ُر الأ�شياء ،في�ضعها يف موا�ضعها ،وهو
ِ�ضدُّ املقدِّم»(.)4
æال�� َوا ِر ُث« :ا�سم فاعل ،فعله ور َِث ي�رِث وراث � ًة و�إ ْرث �اً ،فهو وارث ووري��ث»(،)5
«والوراثة يف حقنا انتقال املال �أو امللك من املتقدم �إلى املت�أخر ،ومنه وارث مال امليت
الذي ميلك تركته ،ووارث امللك يرث �سلطانه ،و(ال َوا ِر ُث) �سبحانه -هو الباقي الدائم
بعد فناء اخللق»( ،)6قال ابن منظور(« :ال َوا ِر ُث) �صفة من �صفات اهلل ،وهو الباقي
الدائم الذي يرث اخلالئق ويبقى بعد فنائهم ،واهلل يرث الأر�ض ومن عليها ،وهو
خري الوارثني� ،أي يبقى بعد فناء الكل ،و َي ْفنى مَن �سواه ،فريجع ما كان مِ ْل َك العِباد
ِ�إليه وحده ال �شريك له»(.)7
�إال الت�صرف ال�صوري ،وامللك املجازي ،ويف هذا تنبيه على �أن املت�أخر لي�س بوارث
للمتقدم كما يرتاءى من ظاهر احلال»(.)15
خام�س ًا :ال�صفة امل�شتقة:
æاملُ َق ِّد ُم املُ�ؤخِّ ُر :ال�صفة امل�شتقة من ا�سميه �-سبحانه (املُ� َق��دِّ م) و(املُ�� ِّؤخ��ر)
«�صفات (ال َّت ْق ِدمي وال َّت�أْ ِخري) وهي من �صفات الأفعال»( ،)16الثابتة بالكتاب وال�سنة،
قال تعالى} :ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ{[ق ،]28:وقال تعالى } :ﯾ
ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ{[�إبراهيم ،]44:ومن ال�سنة حديث �أدنى �أهل اجلنة
منزلة ،قال الر�سول �( :¤إن �أدنى �أهل اجلنة منز ًال؛ رجل �صرف اهلل وجهه عن النار
ِق َب َل اجلنة ،ومثل له �شجرة ذات ظل ،فقال� :أي رب قدمني �إلى هذه ال�شجرة ف�أكون
يف ظلها ،فقال اهلل :هل ع�سيت �أن ت�س�ألني غريه؟ ،قال :ال وعزتك ،فقدمه اهلل
�إليها ،)17()..وقوله ( :¤ال يزال قوم يت�أخرون عن ال�صف الأول ،حتى ي�ؤخرهم
اهلل يف النار)(.)18
æال َوا ِر ُث :ال�صفة امل�شتقة من ا�سمه �-سبحانه (ال َوا ِرث) «�صفة (الوراثة) وهي
م��ن �صفات اهلل الثابتة بالكتاب ..وه��ي �صفة ذات �إن ك��ان تقدير املعنى (الباقي
الدائم) ال��ذي ي ��ؤول �إليه الإرث ومنه قوله تعالى} :ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ
ﭤ ﭥ{[مرمي ،]40:وتكون �صفة فعل �إن كان معناه ال��وارث جلميع الأ�شياء
بعد زوال من �شاء من خلقه� ،أو توريث من �شا ء ما �شاء يف ملكه ،ومنه قوله تعالى:
}ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ
ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ{[الأعراف.)19(»]128:
( )15تف�سري (روح املعاين) للألو�سي عند تف�سري (الآية� – 23:سورة احلجر).
(�( )16أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( .)536 - 529 :املقدم وامل�ؤخر).
( )17رواه الإمام احمد و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)1557
( )18رواه �أبو داود و�صححه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)7699
(�( )19أ�سماء اهلل احل�سنى) للر�ضواين (�ص( .)689:الوارث)
540 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
æالأثر العملي:
1.1التعلق باهلل وحده ،والتوكل عليه؛ لأنه �-سبحانه -ال مقدم ملا �أخر ،وال م�ؤخر ملا ق ّدم،
فمهما حاول الب�شر من تقدمي �شيء مل يرد اهلل تقدميه� ،أو ت�أخري �أمر مل يرد اهلل
-تعالى -ت�أخريه؛ فلن ي�ستطيعوا ،وهذا يخل�ص القلب من اخلوف من املخلوق �أو رجائه؛
لأنه ال ميلك تقدمي �شيء �أو ت�أخريه �إال ب��إذن اهلل وح��ده ،فهو املقدم وهو امل�ؤخر وهو
الوارث الذي يحفظ ما يبقى للعبد بعد موته من مال وولد وهو خري الوارثني .
2.2التقدم احلقيقي النافع هو التقدم �إلى طاعة اهلل وجنته ومر�ضاته ،والت�أخر عن ذلك هو
الت�أخر احلقيقي املذموم� ،أما التقدم يف الدنيا والت�أخر عنها فلي�س مبقيا�س للتقدم والت�أخر؛
ولذا ينبغي للم�سلم �أن يتو�سل �إلى ربه �-سبحانه -بهذين اال�سمني الكرميني لنيل التقدم
احلقيقي عنده �-سبحانه ،وترك كل ما ي�ؤخر عن جنته ومر�ضاته ،يقول الإمام ابن القيم:
«فالعبد �سائر ال واقف؛ ف�إما �إلى فوق ،و�إما �إلى �أ�سفل ،و�إما �إلى �أمام ،و�إما �إلى وراء،
ولي�س يف الطبيعة ،وال يف ال�شريعة وقوف البتة ،ما هو �إال مراحل تطوى �أ�سرع َط ٍّي
�إلى اجلنة �أو �إلى النار ،فم�سرع ومبطئ ،ومتقدم ومت�أخر ،ولي�س يف الطريق واقف
البتة ،و�إمنا يتخالفون يف جهة امل�سري ،ويف ال�سرعة والبطء كما قال تعـــالى } :ﯶ
ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ{[املدثر ،]37-35:ومل يذكر
واقفاً؛ �إذ ال منزل بني اجلنة والنار ،وال طريق ل�سالك �إلى غري الدارين البتة ،فمن
مل يتقدم �إلى هذه بالأعمال ال�صاحلة فهو مت�أخر �إلى تلك بالأعمال ال�سيئة»()22؛
ولذا كان تقدم امل�سلم �إلى طاعة اهلل يف دنياه ،طريق ًا للفوز باجلنة التي ال يورثها اهلل �إال
للمتقني ،كما قال �سبحانه } :ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ{[مرمي.]63:
3.3الإميان بحكمته �-سبحانه -البالغة يف تقدمي ما قدم ،وت�أخري ما � َّأخر ،و�أن �أي �أمر ُقدِّ م
�أو �أُ ِّخر ف�إمنا هو بعلم اهلل -تعالى -و�إرادته وحكمته البالغة ،وهذا ي�شمل كل �شيء قدم �أو
(( )22مدارج ال�سالكني) البن القيم (جـ � - 1:ص.)267 :
542 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
ف�ضل على غريه� ،أو �أخر عنه ،ومن ذلك تقدمي الآجال وت�أخريها ،وتقدمي �أو تف�ضيل بع�ض
الأزمنة والأمكنة على بع�ضها� ،أو تقدمي �إيجاد �شيء على �شيء �آخر� ،أو تقدمي عقوبة �أقوام
وت�أخري �آخرين� ،أو تقدمي بع�ض خلقه وتف�ضيلهم على بع�ض ،كما قال �سبحانه} :ﭴ
ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ
ﮇ ﮈ{[اجلمعة .]4-3:
4.4تقدمي من ق َّدمه اهلل وت�أخري من � َّأخره �-سبحانه ،وذلك ب�أن يكون ميزان التقدمي
والت�أخري ،واحلب والبغ�ض ،والوالء والرباء هو ميزان اهلل ال كما يزن به �أكرث النا�س
اليوم ،حيث يقدِّ مون �أهل اجلاه واملال والرئا�سات وغريها من �أعرا�ض الدنيا على غريهم
من �أهل الدين والتقوى وهذا يخالف ميزان اهلل يف التقدمي والت�أخري قال تعالى } :ﯠ
ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ ﯨﯩﯪﯫ
ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ{[اجلاثية ،]21:ولقد كان الر�سول ¤و�أ�صحابه
الكرام يعملون بهذا امليزان يف تقدمي الرجال واملواقف وغريها.
5.5عدم االغرتار بقوة الباطل وانتفا�شه ف�إن اهلل له باملر�صاد ،و�سي�أتي الوقت الذي يزهقه اهلل
فيه ،ويورث عباده امل�ؤمنني الأر���ض وميكنهم فيها ،كما يف قوله تعالى عن مو�ســـى
}:ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ
ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ {[الأعــــــــــراف � ،]128 :إلـــى قولــــه تعـــــالى } :ﯖ
ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ
ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ
ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ{[الأعراف.]137:
6.6عدم االغرتار بالدنيا واحلذر من الركون �إليها؛ لأن م�آلها �إلى الفناء وال يبقى �إال ما قدمه
العبد لنف�سه يوم القيامة ،قال ( :¤يقول ابن �آدم :مايل مايل! ،قال :وهل لك يا
ابن �آدم من مالك �إال ما �أكلت ف�أفنيت� ،أو لب�ست ف�أبليت� ،أو ت�صدقت ف�أم�ضيت)(.)23
( )23رواه م�سلم برقم (.)2958
الوار ُ
ِث الم ِّؤ ُ
خر َ - المقَ ِّد ُم ُ -
المجموعة الثالثون ُ : 543
ثامن ًا :مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء:
(املُ َق ِّد ُم -املُ�ؤِّ ُ
خر -ال َوا ِر ُث) من �أ�سماء اهلل احل�سنى الدالة على �صفات (ال َّت ْق ِدمي
وال َّت�أْ ِخري والوراثة)؛ ولذا كان من املنا�سب دعاء اهلل ،والتو�سل �إليه ،والثناء عليه بهذه
الأ�سماء يف جميع حاجات العبد التي تنا�سب معانيها ،كدعاء اهلل يف نيل الت َّقدم احلقيقي
عنده �-سبحانه ،وترك كل ما ي�ؤخر عن جنته ومر�ضاته� ،أو الدعاء بالولد والذرية ال�صاحلة
يف قوله تعالى } :ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ كما دعا زكريا
ﯙ ﯚ ﯛ{الأنبياء ،]89:ومن ال�سنة قوله .. ( :¤اللهم اغفر يل ما قدمت
وما �أخرت ،وما �أ�سررت وما �أعلنت� ،أنت املقدم و�أنت امل�ؤخر ،و�أنت على كل �شيء
ق��دي��ر)( ،)24ودع��ا�ؤه ( :¤اللهم متعني ب�سمعي وب�صري ،واجعلهما ال��وارث مني،
ان�صرين على من ظلمني ،خذ منه بث�أري)(.)25
تا�سع ًا :لطائف و�أقوال:
æقال تعالى } :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ
ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ {[امل�ؤمنون ،]61-60:قالت عائ�شة �« :س� ُ
ألت ر�سو َل
اللهَّ ِ ¤عن ه ِذ ِه الآي ِة} :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ{ فقلت�« :أَ ُه ُم ا َّل َ
ذين ي�شربو َن
هم ا َّلذينَ ي�صومونَ وي�ص ُّلونَ يق! ،و َل ِك َّن ُ ال�صدِّ ِ
بنت ِّقال ( :¤ال يا َ اخلم َر وي�س ِرقو َن؟»َ ،
ات َوهُ ْم َل َها ويت�صدَّ قونَ َ ،وهُ م يخافونَ �أن ال ُتق َب َل من ُهم �أُو َل ِئ َك ُي َ�سا ِر ُعونَ يِف خْ َ
اليرْ َ ِ
َ�سا ِب ُقونَ )( ،)26قال ال�شيخ الألباين معلقا على احلديث« :وال�سر يف خوف امل�ؤمنني �أن ال
تقبل منهم عبادتهم ،لي�س هو خ�شيتهم �أن ال يوفيهم اهلل �أجورهم ،ف�إن هذا خالف وعد
اهلل �إياهم يف مثل قوله تعالى} :ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ
ﮗ{[�آل عمران ،]57:بل �إنه ليزيدهم عليها كما قال تعالى} :ﯻ ﯼ
ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ{[فاطر ،]30:و اهلل تعالى ال يخلف
( )24رواه البخاري برقم (.)6398
( )25رواه الرتمذي وح�سنه الألباين يف �صحيح اجلامع برقم (.)1310
( )26رواه الرتمذي واحلاكم والإمام �أحمد و�صححه الألباين يف �صحيح الرتمذي برقم ( )3175وال�سل�سلة ال�صحيحة (جـ- 1 :
�ص )304 - 306 :برقم (.)162
544 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
وعده كما قال يف كتابه ،و �إمنا ال�سر �أن القبول متعلق بالقيام بالعبادة كما �أمر اهلل
،و هم ال ي�ستطيعون اجلزم ب�أنهم قاموا بها على مراد اهلل ،بل يظنون �أنهم ق�صروا يف
ذلك ،و لهذا فهم يخافون �أن ال تقبل منهم .فليت�أمل امل�ؤمن هذا!»(.)27
æقال احل�سن الب�صري« :ح�ضر باب عمر بن اخلطاب ‹� ،سهيل بن عمرو ،واحل��ارث ابن
ه�شام ،و�أبو �سفيان بن حرب ،ونفر من قري�ش من تلك الر�ؤو�س ،و�صهيب وبالل وتلك املوايل
الذين �شهدوا ً
بدرا ،فخرج �آذن عمر ف�أذن للموايل ،وترك الر�ؤو�س ،فقال �أبو �سفيان :مل �أر كاليوم قط!،
ي�أذن له�ؤالء العبيد ويرتكنا على بابه وال يلتفت �إلينا ،فقال �سهيل بن عمرو ،وكان رجال عاق ًال:
�أيها القوم� ،إين واهلل �أرى الذي يف وجوهكم� ،إن كنتم غ�ضاباً فاغ�ضبوا على �أنف�سكم ،دُع َي القوم،
ودُعيتم ،ف�أ�سرعوا و�أبط�أمت ،فكيف بكم �إذا دُعوا ليوم القيامة وتركتم!� ،أما واهلل ملا �سبقوكم �إليه
من الف�ضل مما ال ترون �أ�شد عليكم فوتاً من بابكم هذا الذي نناف�سهم عليه ،ونف�ض ثوبه وانطلق،
قال احل�سن :و�صدق واهلل �سهيل ،ال يجعل اهلل عبدا �أ�سرع �إليه كعبد �أبط�أ عنه»(.)28
« æفر�ض عمر بن اخلطاب ‹ ،لأ�سامة بن زيد ؛ ثالثة �آالف وخم�سمائة ،وفر�ض
البنه عبد اهلل ‹ ،ثالثة �آالف ،فقال عبد اهلل بن عمر لأبيه :لمِ َ َف ّ�ضلت �أُ�سامة َّ
علي؟ ،فواهلل
ما �سبقني �إلى م�شهد! ،فقال له :لأن زيداً ‹ ،كان �أحب �إلى ر�سول اهلل ¤من �أبيك،
وكان �أ�سامة �أحب �إلى ر�سول اهلل ¤منك ،ف�آثرت حِ َّب ر�سول اهلل ،¤على حِ ِّبي»(.)29
æقال ابن اجلوزي« :كما قدّمك اهلل على �سائر احليوانات؛ فقدِّمه يف قلبك
على ك ِّل املطلوبات ،و�آخيب َة من َجهِل ُه ،و�أفق َر من � َ
أعر�ض عنه ،و� َّ
أذل من اعتز بغريهِ،
و�آح�سر َة من ا�شتغل بغري خدمته» (.)30
æقال �أبو حازم �سلمة بن دينار« :عجبا لقوم يعملون لدار يرحلون عنها كل يوم
مرحلة ،ويدعون �أن يعملوا لدار يرحلون �إليها كل يوم مرحلة»(.)31
( )27ال�سل�سلة ال�صحيحة للألباين (جـ� - 1 :ص )306 :عند ت�صحيحه للحديث رقم (.)162
(�( )28صفوة ال�صفوة) البن اجلوزي (جـ� – 1:ص )733 - 732 :عند حديثه عن ترجمة (�سهيل بن عمرو) و�أخرجه الإمام
�أحمد يف (الزهد) (برقم� – 592 :ص ،)94 :و�أخرجه الهيثمي يف (جممع الزوائد ( ))48/8وقال :رجاله رجال ال�صحيح
�إال �أن احل�سن مل ي�سمع من عمر.
(� )29أخرجه الرتمذي يف �سننه و�ضعفه الألباين يف �ضعيف الرتمذي برقم (.)3813
(�( )30صيد اخلاطر) البن اجلوزي (�ص )660:يف الف�صل رقم ( )309بعنوان( :ويحك! اغتنم �ساعات عمرك ف�إنها حمدودة).
(�( )31صفة ال�صفوة) البن اجلوزي (جـ� – 2 :ص.)165 :
الوار ُ
ِث الم ِّؤ ُ
خر َ - المقَ ِّد ُم ُ -
المجموعة الثالثون ُ : 545
ال َن ْدعُو َلك َط ِبي ًبا؟!، æقال عبدامللك بن عمري للتابعي اجلليل الربيع بن خثيم يف مر�ضه� :أَ َ
ون ،ثم َت َف َّك َر! ،فقال} :ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ فقال الربيع� :أَ ْنظِ ُر يِ
ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ{[الفرقانَ ,]39-38:ف َذ َك َر مِ ْن حِ ْر ِ�ص ِه ْم
َعلَى الدُّ ْن َياَ ،و َر ْغ َب ِت ِه ْم فِيهَاَ ،ق َال :ف َق ْد َكا َنتْ فيهم مر�ضى و�أوجاع ،وكان منهم �أَطِ َّباءَُ ،ف َ
ال
هلل َ
ال َت ْدعُو َن ليِ َط ِبي ًبا»(.)32 المْ ُدَا ِوي َب ِق َيَ ،و َال المْ ُدَا َوىَ ،هلَ َك ا ْل َناعِ ت َوالمْ ْن ُع ُ
وت َل ُهَ ،وا ِ
أر�ضا له بثمانني �أل ًفا ،فقيل له :لو اتَّخذت لولدك
æباع عبداهلل بن عتبة بن م�سعود � ً
ذخرا لولدي!، ذخرا يل عند اهلل ،واجعل اهلل ْ من هذا املال ْ
ذخرا! ( ،)33فقال« :بل �أجعله ْ
وق�سمه بني ذوي احلاجة» (.)34
æلقى الف�ضيل بن عيا�ض رجال ؛ فقال له الف�ضيل« :كم ُع ُمرك؟ قال الرجل� :ستون
�سنة! قال الف�ضيل� :إذا �أنت منذ �ستني �سنة ت�سري �إلى اهلل تو�شك �أن ت�صل! فقال الرجل:
�إنا هلل و�إنا �إليه راجعون! قال الف�ضيل :هل تعرف معناها؟! .قال :نعم �أعرف �أين عبد هلل
و�أين �إليه راجع! قال الف�ضيل :يا �أخي ،من عرف �أنه هلل عبد ،و�أنه �إليه راجع ،فليعلم
�أنه موقوف بني يديه ،وليعلم انه م�سئول ،ومن علم �أنه م�سئول فليعد لل�س�ؤال جوابا!،
فبكى الرجل وقال :ما احليلة؟ فقال الف�ضيل :ي�سرية! تحُ �سن فيما بقى ،يغفر اهلل لك ما
قد م�ضى وما بقى ،ف�إنك �إن �أ�س�أت فيما بقى �أُخذت مبا م�ضى وما بقى»(. )35
(ُ ()32م�صنف ابن �أبي �شيبة) لأبي بكر عبد اهلل بن حممد بن �أبي �شيبة العب�سي الكويف (جـ� - 12 :ص )145 :برقم (.)35867
( )33الذُّخْ ر :ما ُيخ ّبى و ُيدَّخر و ُيحتفظ به لوقت احلاجة.
(( )34ربيع الأبرار ون�صو�ص الأخيار) للزخم�شري (جـ� - 4:ص.)374:
(( )35حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) لأبي نعيم الأ�صفهاين (جـ� – 8 :ص.)113 :
546 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
امل�صادر واملراجع
المصادر والمراجع 547
امل�صادر واملراجع
القر�آن الكرمي وعلومه
)1القر�آن الكرمي.
( )2املعجم املفهر�س لألفاظ القر�آن الكرمي) ،حممد ف�ؤاد عبدالباقي ،املكتبة اال�سالمية -
ا�ستانبول ،الطبعة 1402هـ.
( )3ت�أويل م�شكل القر�آن) لأبي حممد عبد اهلل بن م�سلم بن قتيبة الدينوري ،علق عليه� :إبراهيم
�شم�س الدين ،دار الكتب العلمية – بريوت ،الطبعة الثانية 1428هـ 2007 -م.
( )4التبيان يف �أميان القر�آن) ،للإمام �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية ،حتقيق :عبداهلل بن �سامل
البطاطي ،دار عامل الفوائد -مكة ،الطبعة الأولى 1429هـ.
)5تف�سري (ابن كثري) امل�سمى (تف�سري القر�آن العظيم) ،للحافظ �أبي الفداء �إ�سماعيل بن عمر
بن كثري القر�شي الدم�شقي ،دار ابن حزم -بريوت ،الطبعة الأولى 1420هـ.
)6تف�سري (�أ�ضواء البيان يف �إي�ضاح القر�آن بالقر�آن) ،لل�شيخ حممد الأمني بن حممد بن املختار
اجلكني ال�شنقيطي ،حتقيق :مكتب البحوث والدرا�سات ،دار الفكر -بريوت ،الطبعة 1415هـ.
( )7تف�سري �آيات �أ�شكلت) ل�شيخ الإ�سالم �أحمد بن عبداحلليم بن عبدال�سالم ابن تيمية ،درا�سة
وحتقيق :عبدالعزيز بن حممد اخلليفة ،مكتبة الر�شد – الريا�ض ،الطبعة الأولى 1417 :هـ 1996 -م.
)8تف�سري (البحر املحيط) ،لأبي حيان حممد بن يو�سف ال�شهري ب�أبي حيان الأندل�سي ،حتقيق:
عادل �أحمد عبد املوجود وال�شيخ علي حممد معو�ض ،ومب�شاركة الدكتور زكريا عبد املجيد النوقي
والدكتور �أحمد النجويل اجلمل ،دار الكتب العلمية -بريوت ،الطبعة الأولى 1422هـ.
)9تف�سري (البغوي) امل�سمى (معامل التنزيل) ،للإمام �أبي حممد احل�سني بن م�سعود البغوي ،دار
ابن حزم -بريوت ،الطبعة الأولى 1423هـ.
)10تف�سري (البي�ضاوي) امل�سمى (�أنوار التنزيل و�أ�سرار الت�أويل) لنا�صر الدين �أبو اخلري عبد
اهلل ابن عمر بن حممد البي�ضاوي ،دار الفكر – بريوت.
)11تف�سري (التحرير والتنوير) ،ملحمد الطاهر بن عا�شور ،الدار التون�سية للن�شر -تون�س1404،هـ.
)12تف�سري (الت�سهيل لعلوم التنزيل) ملحمد بن �أحمد بن حممد بن جزي الغرناطي الكلبي ،دار
الكتاب العربي – لبنان ،الطبعة الرابعة 1403هـ.
)13تف�سري (اجلاللني) ،للإمام جالل الدين حممد بن �أحمد املحلي ،وجالل الدين عبدالرحمن
بن �أبي بكر ال�سيوطي ،دار ابن كثري -دم�شق ،الطبعة 1407هـ.
548 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
)14تف�سري (اخلازن) امل�سمى (لباب الت�أويل يف معاين التنزيل) ،لعالء الدين علي بن حممد بن
�إبراهيم البغدادي ال�شهري باخلازن ،دار الفكر -بريوت ،الطبعة 1399هـ.
)15تف�سري (الرازي) امل�سمى (التف�سري الكبري) �أو (مفاتيح الغيب) ،للإمام فخر الدين
الرازي – حتقيق :عماد زكي البارودي ،املكتبة التوفيقية – القاهرة ،الطبعة الأولى.
)16تف�سري (روح البيان) لإ�سماعيل حقي بن م�صطفى الإ�ستانبويل احلنفي اخللوتي ،دار �إحياء
الرتاث العربى -بريوت ،الطبعة الأولى 1421هـ.
)17تف�سري (ال�سعدي) ،امل�سمى (تي�سري الكرمي الرحمن يف تف�سري كالم املنان) لل�شيخ عبد الرحمن بن
نا�صر ال�سعدي ،حتقيق :عبد الرحمن بن معال اللويحق ،م�ؤ�س�سة الر�سالة -بريوت ،الطبعة الثانية 1417هـ.
)18تف�سري (ال�سمرقندي) امل�سمى (بحر العلوم) ،لأبي الليث ن�صر بن حممد بن �أحمد بن
�إبراهيم ال�سمرقندي ،حتقيق :ال�شيخ علي حممد معو�ض وال�شيخ عادل �أحمد عبد املوجود والدكتور
زكريا عبداملجيد النوقي ،دار الكتب العلمية -بريوت ،الطبعة الأولى 1413هـ.
)19تف�سري (ال�سمعاين) لأبي املظفر من�صور بن حممد بن عبد اجلبار ال�سمعاين ،حتقيق :يا�سر
بن �إبراهيم وغنيم بن عبا�س بن غنيم ،دار الوطن – الريا�ض ،الطبعة الأولى.
)20تف�سري (ال�سيوطي) امل�سمى (الدر املنثور يف التف�سري بامل�أثور) للإمام جالل الدين عبد
الرحمن بن �أبي بكر ال�سيوطي ،دار الفكر – بريوت1993 ،م.
)21تف�سري (ال�شوكاين) امل�سمى (فتح القدير) ،للإمام حممد بن علي بن حممد ال�شوكاين،
مبراجعة يو�سف الغو�ش ،دار املعرفة -بريوت ،الطبعة الرابعة 1428هـ.
)22تف�سري (ال�ضوء املنري على التف�سري من كتب الإمام ابن القيم) ،للإمام �شم�س الدين ابن قيم،
جمع علي احلمد املحمد ال�صاحلي ،م�ؤ�س�سة النور للطباعة بعنيزة وبالتعاون مع مكتبة ال�سالم بالريا�ض.
)23تف�سري (الطربي) امل�سمى (جامع البيان يف ت�أويل القر�آن) ،للإمام �أبي جعفر حممد بن
جرير بن الطربي ،حتقيق� :أحمد حممد �شاكر ،م�ؤ�س�سة الر�سالة -بريوت ،الطبعة الأولى 1420هـ.
)24تف�سري (القا�سمي) امل�سمى (حما�سن الت�أويل) ،مل�ؤلفه ال�شيخ حممد جمال الدين القا�سمي،
حتقيق :وتعليق ال�شيخ حممد ف�ؤاد عبدالباقي ،دار الفكر -بريوت ،الطبعة الثانية 1398هـ.
)25تف�سري (القرطبي) امل�سمى (اجلامع لأحكام القر�آن واملبني ملا ت�ضمنه من ال�سنة و�آي
الفرقان) ،للإمام �أبي عبداهلل �شم�س الدين حممد بن �أحمد بن �أبي بكر القرطبي ،حتقيق :الدكتور
عبداهلل بن عبداملح�سن الرتكي ،م�ؤ�س�سة الر�سالة -بريوت ،الطبعة الأولى 1427هـ.
)26تف�سري (اللباب يف علوم الكتاب) ،لأبي حف�ص عمر بن علي بن عادل الدم�شقي احلنبلي ،حتقيق:
عادل �أحمد عبد املوجود وال�شيخ علي حممد معو�ض ،دار الكتب العلمية -بريوت ،الطبعة الأولى 1419هـ.
المصادر والمراجع 549
)27تف�سري (املاوردي) امل�سمى (النكت والعيون) ،لأبي احل�سن علي بن حممد بن حبيب الب�صري
املاوردي ،مراجعة وتعليق ال�سيد بن عبداملق�صود بن عبدالرحيم ،دار الكتب العلمية – بريوت.
)28تف�سري (الن�سفي) امل�سمى (مدارك التنزيل وحقائق الت�أويل) ،لأبي الربكات عبداهلل بن
�أحمد بن حممود الن�سفي ،حتقيق :يو�سف علي بديوي وحميي الدين ديب متو ،دار الكلم الطيب -
بريوت ،الطبعة الأولى 1419هـ.
)29تف�سري (روح املعاين يف تف�سري القر�آن العظيم وال�سبع املثاين) ،لأبي الف�ضل �شهاب الدين
ال�سيد حممود الألو�سي البغدادي ،دار �إحياء الرتاث العربي -بريوت ،الطبعة الثانية.
)30تف�سري (زاد امل�سري يف علم التف�سري) ،للإمام �أبي الفرج جمال الدين عبدالرحمن بن اجلوزي
القر�شي البغدادي ،املكتب الإ�سالمي -بريوت ودار ابن حزم -بريوت ،الطبعة الأولى اجلديدة 1423هـ.
)31تف�سري (غريب القر�آن) ،لأبي حممد عبداهلل بن م�سلم بن قتيبة ،حتقيق :ال�سيد �أحمد �صقر،
دار الكتب العلمية -بريوت ،الطبعة 1398هـ.
( )32خواطر ال�شعراوي) لل�شيخ حممد متويل ال�شعراوي (ن�سخة حا�سوبية).
( )33عمدة احلفاظ يف تف�سري �أ�شرف الألفاظ) لأبي العبا�س �شهاب الدين �أحمد بن يو�سف بن
عبد الدائم املعروف بال�سمني احللبي ،حتقيق :حممد با�سل عيون ال�سود ،النا�شر :دار الكتب العلمية
– بريوت ،الطبعة :الأولى 1417 ،هـ 1996 -م.
( )34يف ظالل القر�آن)� ،سيد قطب ،دار العلم للطباعة والن�شر -جدة ،الطبعة الثانية ع�شرة 1406هـ.
( )35املفردات يف غريب القر�آن) ،الراغب الأ�صفهاين احل�سني بن حممد ،مركز الدرا�سات
مبكتبة نزار الباز ،مكتبة نزار م�صطفى الباز – مكة.
احلديث النبوي و�شروحه
( )36جامع الأ�صول يف �أحاديث الر�سول) ،للإمام جمد الدين ابن الأثري اجلزري ،حتقيق:
عبدالقادر الأرنا�ؤوط ،رئا�سة �إدارات البحوث العلمية واالفتاء ،الطبعة 1390هـ.
( )37جامع العلوم واحلكم) ،للإمام ابن رجب زين الدين �أبو الفرج عبد الرحمن بن �شهاب
الدين ،تعليق وحتقيق :ماهر يا�سمني الفحل ،دار ابن كثري -دم�شق ،الطبعة الأولى 1429هـ.
�( )38شرح حديث لبيك اللهم لبيك) للحافظ عبدالرحمن بن �أحمد بن رجب البغدادي احلنبلي،
حتقيق :د .الوليد بن عبدالرحمن الفريان ،دار عامل الفوائد للن�شر والتوزيع – مكة املكرمة ،الطبعة
الأولى 1417هـ.
�( )39شرح ريا�ض ال�صاحلني) لل�شيخ حممد بن �صالح العثيمني ،دار الوطن – الريا�ض1425 ،هـ.
�( )40صحيح البخاري) امل�سمى (اجلامع ال�صحيح امل�سند) ،للإمام احلافظ حممد بن �إ�سماعيل
البخاري ،حتقيق :حمب الدين اخلطيب ،املكتبة ال�سلفية -القاهرة ،الطبعة الأولى 1400هـ.
550 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
�( )41صحيح الرتغيب والرتهيب) ،ال�شيخ حممد نا�صر الدين الألباين ،مكتبة املعارف -
الريا�ض ،الطبعة الأولى 1421هـ.
�( )42صحيح اجلامع ال�صغري وزيادته) ،ال�شيخ حممد نا�صر الدين الألباين ،املكتب الإ�سالمي
-بريوت ،الطبعة الثانية 1406هـ.
�( )43صحيح �سنن ابن ماجة) ،ال�شيخ حممد نا�صر الدين الألباين ،مكتب الرتبية العربي لدول
اخلليج ،الطبعة الأولى 1407هـ.
�( )44صحيح �سنن �أبي داود) ،ال�شيخ حممد نا�صر الدين الألباين ،مكتب الرتبية العربي لدول
اخلليج ،الطبعة الأولى 1409هـ.
�( )45صحيح �سنن الرتمذي) ،ال�شيخ حممد نا�صر الدين الألباين ،مكتب الرتبية العربي لدول
اخلليج ،الطبعة الأولى 1408هـ.
�( )46صحيح �سنن الن�سائي) ،ال�شيخ حممد نا�صر الدين الألباين ،مكتب الرتبية العربي لدول
اخلليج ،الطبعة الأولى 1409هـ.
�( )47صحيح م�سلم) امل�سمى (امل�سند ال�صحيح املخت�صر من ال�سنن) ،م�سلم بن احلجاج الق�شريي
الني�سابوري ،حتقيق :حممد بن ف�ؤاد عبدالباقي ،دار �إحياء الكتب العربية ،الطبعة الأولى 1374هـ.
( )48عمدة القاري �شرح �صحيح البخاري) ،للإمام بدر الدين حممود بن �أحمد العيني ،دار
الفكر -بريوت.
( )49فتح الباري ب�شرح �صحيح البخاري) ،للحافظ ابن حجر الع�سقالين ،بيت الأفكار الدولية
-الأردن ،الطبعة 2006م.
( )50كنز العمال يف �سنن الأقوال والأفعال) ،لعالء الدين علي املتقي بن ح�سام الدين الهندي،
حتقيق :بكري حياين و�صفوة ال�سقا ،م�ؤ�س�سة الر�سالة -بريوت ،الطبعة 1399هـ.
( )51امل�ستدرك على ال�صحيحني) لأبي عبد اهلل احلاكم حممد بن عبد اهلل بن حممد بن حمدويه
بن ُنعيم بن احلكم الني�سابوري ،حتقيق :م�صطفى عبد القادر عطا ،دار الكتب العلمية – بريوت،
الطبعة :الأولى 1411 ،هـ 1990 -م.
ُ ( )52م�صنف ابن �أبي �شيبة) امل�سمى (الكتاب امل�صنف يف الأحاديث والآثار) لأبي بكر عبد اهلل
بن حممد بن �أبي �شيبة العب�سي الكويف ،حتقيق� :أبي حممد �أ�سامة بن �إبراهيم بن حممد ،النا�شر
الفاروق احلديثة للطباعة والن�شر– القاهرة ،الطبعة الأولى1429 ،هـ 2008 -م.
( )53املنهاج يف �شرح �صحيح م�سلم بن احلجاج) ،للإمام احلافظ حميي الدين �أبو زكريا النووي،
بيت الأفكار الدولية -الأردن ،الطبعة 1421هـ.
المصادر والمراجع 551
( )54م�شكاة امل�صابيح) ،للحافظ حممد بن عبداهلل اخلطيب التربيزي ،حتقيق ال�شيخ :حممد
نا�صر الدين الألباين ،املكتب الإ�سالمي -بريوت ،الطبعة الثانية 1399هـ.
( )55النهاية يف غريب احلديث والأثر) ،ملجد الدين ابن الأثري اجلزري ،حتقيق :حممود
الطناحي وطاهر الزاوي ،دار �إحياء الرتاث العربي -بريوت.
�شروح الأ�سماء احل�سنى
�( )56أ�سماء اهلل احل�سنى) ،لل�شيخ عبد اهلل بن �صالح بن عبد العزيز الغ�صن ،دار الوطن -
الريا�ض ،الطبعة الأولى 1417هـ.
�( )57أ�سماء اهلل احل�سنى الثابتة يف الكتاب وال�سنة) ،للدكتور حممد عبدالرازق الر�ضواين،
مكتبة �سل�سبيل -القاهرة ،الطبعة الأولى 1426هـ.
( )58ا�شتقاق �أ�سماء اهلل) ،لأبي القا�سم عبدالرحمن الزجاجي ،حتقيق :الدكتور عبد رب احل�سني
املبارك ،م�ؤ�س�سة الر�سالة -بريوت ،الطبعة الثانية 1406هـ.
( )59الأ�سماء وال�صفات) ،للإمام �أبي بكر �أحمد بن احل�سني البيهقي ،حتقيق :عبد اهلل بن حممد
احلا�شدي ،مكتبة ال�سوادي ،الطبعة الأولى 1412هـ.
( )60الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) ،للإمام �أبي عبداهلل �شم�س الدين حممد بن �أحمد
بن �أبي بكر القرطبي ،حتقيق :عرفان بن �سليم الع�شا ح�سونة ،املكتبة الع�صرية -بريوت ،الطبعة
ت�صوير للطبعة الأولى 1398هـ.
( )61تف�سري �أ�سماء اهلل احل�سنى) ،لأبي �إ�سحاق �إبراهيم بن ال�سري الز ّّجاج ،حتقيق� :أحمد
يو�سف الدقاق ،دار امل�أمون للرتاث -دم�شق ،الطبعة اخلام�سة 1406هـ.
( )62تف�سري �أ�سماء اهلل احل�سنى) ،للعالمة ال�شيخ عبد الرحمن بن نا�صر ال�سعدي ،درا�سة
وحتقيق :عبيد بن علي العبيد ،اجلامعة الإ�سالمية باملدينة املنورة ،الطبعة 1421هـ.
( )63اجلامع لأ�سماء اهلل احل�سنى) ،حامد الطاهر ،دار الفجر -القاهرة ،الطبعة الأولى 1423هـ.
�( )64شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) ،للإمام البي�ضاوي ،حتقيق :ال�شيخ خالد اجلندي ،دار املعرفة -
بريوت ،الطبعة الأولى 1430هـ.
�( )65شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) ،من كتب الإمام �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية� ،إعداد :حممد
�أحمد عي�سى ،دار الغد اجلديد -القاهرة ،الطبعة الأولى 1429هـ.
( )66فقه الأ�سماء احل�سنى) ،عبدالرزاق بن عبد املح�سن البدر ،دار التوحيد -الريا�ض ،الطبعة
الثانية 1430هـ.
( )67املرتع الأ�سنى يف ريا�ض الأ�سماء احل�سنى من كتب ابن القيم) ،جمع و�إعداد :عبدالعزيز
الداخل (ن�سخة حا�سوبية).
552 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
( )68مطابقة �أ�سماء اهلل احل�سنى مقت�ضى املقام يف القر�آن الكرمي) للدكتورة جنالء بنت
عبداللطيف كامل كردي ،الطبعة الأولى 1423هـ.
( )69مع اهلل) ،للدكتور �سلمان بن فهد العودة ،م�ؤ�س�سة اال�سالم اليوم-الريا�ض،الطبعة الثانية 1430هـ.
( )70املق�صد الأ�سنى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) ،لأبي حامد الغزايل ،درا�سة وحتقيق :حممد
عثمان اخل�شت ،مكتبة القر�آن -القاهرة ،الطبعة 1414هـ.
( )71مو�سوعة �أ�سماء اهلل احل�سنى) ،للأ�ستاذ الدكتور حممد راتب النابل�سي ،دار املكتبي -
دم�شق ،الطبعة اخلام�سة 1429هـ.
( )72النهج الأ�سمى يف �شرح �أ�سماء اهلل احل�سنى) ،لل�شيخ حممد احلمود النجدي ،مكتبة الإمام
الذهبي -الكويت ،الطبعة الأولى 1429هـ.
( )73وهلل الأ�سماء احل�سنى فادعوه بها) ،عبدالعزيز بن نا�صر اجلليل ،دار طيبة -الريا�ض،
الطبعة الثانية 1429هـ.
( )74وهلل الأ�سماء احل�سنى) للدكتور يو�سف املرع�شلي ،دار املعرفة-بريوت ،الطبعة الثانية 1427هـ.
التوحيد والعقيدة
( )75الإر�شاد �شرح ملعة االعتقاد) ،لل�شيخ عبداهلل بن عبدالرحمن اجلربين ،حتقيق :الدكتور
حممد ابن حمد املنيع ،دار الإفهام -الريا�ض ،الطبعة الرابعة 1430هـ.
( )76الأ�سئلة والأجوبة الأ�صولية على العقيدة الوا�سطية) ،ال�شيخ عبدالعزيز بن حممد
ال�سلمان ،رئا�سة �إدارات البحوث العلمية والإفتاء ،الطبعة العا�شرة 1400هـ.
( )77اال�ستقامة) للإمام �شيخ الإ�سالم تقي الدين �أبو العبا�س �أحمد بن عبد احلليم بن عبد
ال�سالم بن عبد اهلل بن �أبي القا�سم بن حممد ابن تيمية احلراين احلنبلي الدم�شقي ،النا�شر:
جامعة الإمام حممد بن �سعود -املدينة املنورة ،الطبعة الأولى 1403هـ.
( )78االعتقاد والهداية �إلى �سبيل الر�شاد) ،للإمام �أبي بكر �أحمد بن احل�سني البيهقي ،حتقيق:
الدكتور ال�سيد اجلميلي ،دار الكتاب العربي ،الطبعة الأولى 1408هـ.
( )79التب�صري يف الدين ومتييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكني) لأبي املظفر طاهر بن
حممد الأ�سفراييني ،حتقيق :كمال يو�سف احلوت ،النا�شر :عامل الكتب -لبنان -املدينة النبوية ،
الطبعة الأولى1403 :هـ 1983 -م.
( )80تذكرة امل�ؤت�سي �شرح عقيدة احلافظ عبد الغني املقد�سي) ،لل�شيخ عبد الرزاق بن عبد
املح�سن البدر ،دار غرا�س -الكويت ،الطبعة 1424هـ.
( )81تي�سري العزيز احلميد يف �شرح كتاب التوحيد) ،لل�شيخ �سليمان بن عبداهلل بن حممد بن
عبدالوهاب ، ،رئا�سة �إدارات البحوث العلمية واالفتاء.
المصادر والمراجع 553
( )82احلق الوا�ضح املبني يف �شرح توحيد الأنبياء واملر�سلني من الكافية ال�شافية) لل�شيخ
عبدالرحمن بن نا�صر ال�سعدي ،دار ابن القيم للن�شر – الدمام ،الطبعة الثانية 1407 ،هـ 1987 -م.
( )83درء تعار�ض العقل والنقل) ) ل�شيخ الإ�سالم �أحمد بن عبد احلليم بن عبد ال�سالم ابن
تيمية ،حتقيق :د .حممد ر�شاد �سامل ،النا�شر :جامعة الإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية ،اململكة
العربية ال�سعودية ،الطبعة الثانية 1411 ،هـ 1991 -م.
( )84ا ُ
خل َرا�سانية يف �شرح عقيدة ال َّراز َّيني) لل�شيخ عبدالعزيز بن مرزوق الطريفي ،مكتبة دار
املنهاج -الريا�ض ،الطبعة الأولى 1437 ،هـ 2016 -م.
( )85ذم الكالم و�أهله) لأبي �إ�سماعيل عبد اهلل بن حممد الأن�صاري الهروي ،حتقيق� :أبو جابر
عبداهلل بن حممد بن عثمان الأن�صاري ،النا�شر :مكتبة الغرباء الأثرية -املدينة النبوية ،الطبعة
الأولى 1419:هـ 1998 -م.
�( )86ش�أن الدعاء) ،لأبي �سليمان حمد بن حممد اخلطابي ،حتقيق� :أحمد يو�سف الدقاق ،دار
الثقافة العربية -دم�شق ،الطبعة الثالثة 1412هـ.
�( )87شرح الق�صيدة النونية) ،الدكتور حممد خليل هرا�س ،دار الكتب -بريوت ،الطبعة الأولى 1406هـ.
�( )88شرح العقيدة الوا�سطية) ملحمد بن خليل ح�سن ه ّرا�س ،حتقيق :علوي بن عبد القادر
ال�سقاف ،النا�شر :دار الهجرة للن�شر والتوزيع – اخلرب ،الطبعة الثالثة 1415هـ.
�( )89شرح العقيدة الطحاوية) للإمام العالمة ابن �أبي العز احلنفي ،قام ب�شرحها :ف�ضيلة
الدكتور �سفر بن عبدالرحمن احلوايل ،دار ال�صفوة للن�شر والتوزيع – �شربا (م�صر) ،الطبعة
الأولى 1434هـ 2013 -م.
�( )90شعب الإميان) �أو (اجلامع يف �شعب الإميان) للإمام احلافظ �أبي بكر �أحمد بن احل�سني
البيهقي� ،أ�شرف على حتقيقه :خمتار �أحمد الندوي ،حتقيق :د .عبدالعلي عبداحلميد حامد ،مكتبة
الر�شد – الريا�ض ،الطبعة الأولى 1423هـ 2003 -م.
�( )91شفاء العليل يف م�سائل الق�ضاء والقدر واحلكمة والتعليل) ،للإمام �شم�س الدين ابن قيم
اجلوزية ،حتقيق :الدكتور �أحمد بن �صالح ال�صمعاين ،دار ال�صميعي -الريا�ض ،الطبعة الأولى 1429هـ.
( )92ال�صارم امل�سلول علي �شامت الر�سول) للإمام �شيخ الإ�سالم تقي الدين �أبي العبا�س �أحمد
بن عبد احلليم بن عبد ال�سالم بن عبد اهلل بن �أبي القا�سم بن حممد ابن تيمية النمريي احلراين
الدم�شقي احلنبلي ،درا�سة وحتقيق :حممد بن عبداهلل احللواين & حممد كبري �أحمد �شودري،
النا�شر :رمادي للن�شر -الدمام ،الطبعة الأولى 1417هـ 1997 -م.
( )93ال�صواعق املر�سلة يف الرد على اجلهمية واملعطلة) ،للإمام �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية،
حتقيق :علي بن حممد الدخيل اهلل ،دار العا�صمة -الريا�ض ،الطبعة الأولى 1408هـ.
554 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
�( )94صفات اهلل الواردة يف الكتاب وال�سنة) ،علوي بن عبدالقادر ال�سقاف ،دار الهجرة -
الثقبة ،الطبعة الأولى 1414هـ.
( )95قاعدة يف املحبة) ،ل�شيخ اال�سالم تقي الدين �أبو العبا�س �أحمد بن عبد احلليم بن عبد
ال�سالم بن عبد اهلل بن �أبي القا�سم بن حممد ابن تيمية احلراين احلنبلي الدم�شقي ،حتقيق :د.
حممد ر�شاد �سامل ،مكتبة الرتاث الإ�سالمي ،القاهرة.
( )96القواعد الكلية للأ�سماء وال�صفات عند ال�سلف) ،الدكتور �إبراهيم بن حممد الربيكان،
دار ابن القيم -الريا�ض ،الطبعة الأولى 1425هـ.
( )97القواعد املثلى يف �صفات اهلل و�أ�سمائه احل�سنى) ،لل�شيخ حممد بن �صالح بن عثيمني،
حتقيق� :أ�شرف بن عبداملق�صود بن عبدالرحيم ،مكتبة ال�سنة -القاهرة ،الطبعة الثانية 1414هـ.
( )98كتاب التوحيد) للحافظ عبدالرحمن بن �أحمد بن رجب البغدادي احلنبلي ،حتقيق� :صربي
بن �سالمة �شاهني ،دار القا�سم للن�شر – الريا�ض ،الطبعة الأولى 1415هـ.
( )99كتاب العظمة) لأبي ال�شيخ الأ�صبهاين عبداهلل بن حممد بن جعفر بن ح ّيان ،درا�سة وحتقيق:
ر�ضاء اهلل بن حممد �إدري�س املباركفوري ،دارة العا�صمة :الريا�ض ،الطبعة الأولى 1408 ،هـ.
( )100الكوا�شف اجللية عن معاين الوا�سطية) ،ال�شيخ عبدالعزيز املحمد ال�سلمان ،رئا�سة
�إدارات البحوث العلمية واالفتاء ،الطبعة احلادية ع�شرة 1402هـ.
( )101املجلى يف �شرح القواعد املثلى لل�شيخ ابن عثيمني) ،كاملة الكواري ،دار ابن حزم -
بريوت ،الطبعة الأولى 1422هـ.
( )102جمموع الفتاوى) ،ل�شيخ اال�سالم تقي الدين �أحمد بن تيمية ،جمع ال�شيخ عبدالرحمن بن
قا�سم ،رئا�سة �إدارات البحوث العلمية واالفتاء ،الطبعة :ت�صوير للطبعة الأولى 1398هـ.
( )103جمموعة فتاوى ابن تيمية امل�صرية) ،ل�شيخ الإ�سالم تقي الدين �أحمد بن تيمية ،دار
الفكر -القاهرة ،الطبعة 1400هـ.
( )104خمت�صر ال�صواعق املر�سلة على اجلهمية واملعطلة) للإمام �شم�س الدين حممد بن �أبي
بكر بن �أيوب بن �سعد ابن قيم اجلوزية ،اخت�صره :ابن املو�صلي �شم�س الدين حممد بن حممد بن عبد
الكرمي بن ر�ضوان البعلي ،حتقيق� :سيد �إبراهيم ،دار احلديث – القاهرة ،الطبعة الأولى 1412هـ.
( )105خمت�صر العلو للعلي الغفار) ،للحافظ �أبي عبداهلل �شم�س الدين حممد بن �أحمد الذهبي،
حتقيق :ال�شيخ حممد نا�صر الدين الألباين ،املكتب الإ�سالمي -بريوت ،الطبعة الأولى 1401هـ.
( )106معتقد �أهل ال�سنة واجلماعة يف �أ�سماء اهلل احل�سنى) ،للدكتور حممد بن خليفة التميمي،
دار �إيالف ،الطبعة الأولى 1417هـ.
المصادر والمراجع 555
( )107املغربية يف �شرح العقيدة القريوانية) لل�شيخ عبدالعزيز الطريفي ،مكتبة دار املنهاج-
الريا�ض ،الطبعة الأولى 1438 ،هـ.
الفقه و�أ�صوله
�( )108إعالم املوقعني عن رب العاملني) ،للإمام �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية ،درا�سة وحتقيق:
طه عبدالر�ؤوف �سعد ،مكتبة الكليات الأزهرية -القاهرة ،الطبعة 1388هـ.
( )109حتفة املودود ب�أحكام املولود) ،للإمام �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية ،عبد املنعم العاين،
دار الكتب العلمية -بريوت ،الطبعة الأولى 1403هـ.
ال�سرية وال�شمائل والأذكار
( )110جالء الأفهام يف ال�صالة وال�سالم على خري الأنام ،)¤للإمام �شم�س الدين ابن قيم
اجلوزية ،دار ابن كثري ،الطبعة الأولى1408 ,هـ.
( )111زاد املعاد يف هدي خري العباد ،)¤للإمام �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية ،حتقيق� :شعيب
وعبدالقادر الأرن�ؤوط ،م�ؤ�س�سة الر�سالة -بريوت ،الطبعة الثالثة ع�شرة 1406هـ.
�( )112سرية النبي ،)¤لأبي حممد عبد امللك بن ه�شام ،حممد حميي الدين عبداحلميد،
النا�شر :رئا�سة �إدارات البحوث العلمية واالفتاء والدعوة والإر�شاد.
( )113الوابل ال�صيب من الكلم الطيب) ،للإمام �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية ،حتقيق :حممد
عبدالرحمن عو�ض ،دار الكتاب العربي -بريوت ،الطبعة الأولى 1405هـ.
اللغة العربية
( )114الفروق اللغوية) لأبي هالل احل�سن بن عبداهلل الع�سكري ،حتقيق :عماد زكي البارودي ،املكتبة التوفيقية
– القاهرة .وهناك ن�سخة حا�سوبية من الكتاب ملحق بها كتاب (فروق اللغات) لل�سيد نور الدين اجلزائري.
( )115ل�سان العرب) ،جمال الدين حممد بن مكرم ابن منظور ،دار الفكر -دار �صادر -بريوت،
الطبعة الأولى 1410هـ.
الأخالق والآداب والرقائق
�( )116إحياء علوم الدين) للإمام �أبي حامد حممد بن حممد الغزايل ،النا�شر :مكتبة ومطبعة
فوترا – �إندوني�سيا.
�( )117أدب الدنيا والدين) ،لأبي احل�سن علي بن حممد بن حبيب الب�صري املاوردي� ،شرح
وتعليق :حممد كرمي راجح ،دار اقر�أ -بريوت ،الطبعة الرابعة 1405هـ.
( )118الآداب ال�شرعية) لأبي عبد اهلل حممد ابن مفلح املقد�سي احلنبلي ،حتقيق� :شعيب
الأرنا�ؤوط وعمر الق َّيام ،النا�شر م�ؤ�س�سة الر�سالة– بريوت ،الطبعة الثالثة1419 ،هـ 1999 -م.
556 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
�( )119إغاثة اللهفان من م�صايد ال�شيطان) ،للإمام �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية ،حتقيق:
حممد حامد الفقي ،دار املعرفة – بريوت ،توزيع عبا�س الباز – مكة.
( )120بدائع الفوائد) ،للإمام �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية ،دار الكتاب العربي – بريوت.
( )121الرب وال�صلة) للحافظ جمال الدين �أبي الفرج عبدالرحمن ابن اجلوزي البغدادي ،حتقيق:
عادل عبد املوجود و علي معو�ض ،م�ؤ�س�سة الكتب الثقافية -بريوت ،الطبعة الأولى1413 :هـ1993 -م.
( )122ب�ستان العارفني) للإمام يحيى بن �شرف الدين النووي ،مكتبة الرتاث الإ�سالمي – القاهرة.
( )123الب�صائر والذخائر) لأبي حيان التوحيدي ،علي بن حممد بن العبا�س ،حتقيق :د .وداد
القا�ضي ،النا�شر :دار �صادر -بريوت ،الطبعة :الأولى 1408 ،هـ1988 ،م.
( )124التذكرة يف �أحوال املوتى و�أمور الآخرة) للإمام �أبي عبداهلل حممد بن �أحمد بن �أبي بكر
بن فرح الأن�صاري القرطبي ،حتقيق :جمدي فتحي ال�سيد ،دار ال�صحابة للرتاث – طنطا (م�صر)،
الطبعة الأولى 1415 ،هـ – 1994م.
( )125التذكرة يف الوعظ) للإمام الواعظ ابن اجلوزي عبد الرحمن بن علي بن حممد القر�شي،
حتقيق� :أحمد عبد الوهاب فتيح ،دار املعرفة – بريوت ،الطبعة الأولى .1986 – 1406 ،
( )126تلبي�س �إبلي�س) للحافظ �أبي الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي القر�شي املعروف بابن
اجلوزي ،حتقيق :د .ال�سيد اجلميلي ،دار الكتاب العربي – بريوت ،الطبعة الأولى 1405 ،هـ – 1985م.
( )127تهذيب مدارج ال�سالكني) ،للإمام �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية ،تهذيب :عبد املنعم
�صالح العلي العزّي ،م�ؤ�س�سة الر�سالة -بريوت ،الطبعة الثانية 1408هـ.
( )128جمهرة خطب العرب يف ع�صور العربية الزاهرة) لأحمد زكي �صفوت ،حتقيق :مفيد
حممد قميحة ،دار الكتب العلمية -م�صر ،الطبعة الثانية ١٤٠٦هـ.
( )129اجلواب الكايف ملن �س�أل عن الدواء ال�شايف) ،للإمام �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية ،دار
الكتب العلمية -بريوت ،الطبعة الأولى 1405هـ.
( )130ح�سن الظن باهلل) لأبي بكر عبداهلل بن حممد بن عبيد بن �سفيان القر�شي املعروف بابن �أبي
الدنيا ،حتقيق :عبداحلميد �شانوحه ،م�ؤ�س�سة الكتب الثقافية – بريوت ،الطبعة الأولى 1413 ،هـ – 1993م.
( )131حياة احليوان الكربى) لأبي البقاء ،كمال الدين حممد بن مو�سى بن عي�سى بن علي
الدمريي ،دار الكتب العلمية – بريوت ،الطبعة الثانية1424 ،هـ.
( )132احليوان) لأبي عثمان عمرو بن بحر اجلاحظ ،حتقيق و�شرح :عبدال�سالم حممد هارون،
مكتبة ومطبعة م�صطفى البابي احللبي و�أوالده -م�صر ،الطبعة الثانية 1385هـ 1965 -م.
( )133ربيع الأبرار ون�صو�ص الأخبار) لأبي القا�سم حممود بن عمر الزخم�شري ،حتقيق:
عبدالأمري مهنا ،م�ؤ�س�سة الأعلمي للمطبوعات -بريوت ،الطبعة الأولى 1412هـ 1992 -م.
المصادر والمراجع 557
( )134الرحلة العيا�شية1661 :م – 1663م) لعبداهلل بن حممد العيا�شي ،حتقيق :د� .سعيد الفا�ضلي
ود� .سليمان القر�شي ،النا�شر :دار ال�سويدي للن�شر والتوزيع� -أبوظبي ،الطبعة الأولى2006 ،م.
( )135الروح يف الكالم على �أرواح الأموات والأحياء) للإمام حممد بن �أبي بكر �أيوب الزرعي
�أبو عبد اهلل ابن قيم اجلوزية -النا�شر :دار الكتب العلمية -بريوت 1395 ،هـ1975 -م.
( )136رو�ضة العقالء ونزهة الف�ضالء) للإمام احلافظ �أبي حامت حممد بن حبان الب�ستي،
حتقيق :حممد حمي الدين عبد احلميد ،دار الكتب العلمية -بريوت � ،سنة الن�شر1397 :هـ -
1977م.
( )137ال�شكر هلل ) ،لأبي بكر عبداهلل بن حممد املعروف بابن �أبي الدنيا ،درا�سة وحتقيق:
حممد ال�سعيد ب�سيوين زغلول ،م�ؤ�س�سة الكتب الثقافية -بريوت ،الطبعة الأولى 1413هـ.
�( )138صيد اخلاطر) للإمام الواعظ �أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن حممد القر�شي املعروف بابن
اجلوزي ،حتقيق :عامر بن علي يا�سني ،دار ابن خزمية – الريا�ض ،الطبعة الأولى 1418 ،هـ–1997م.
( )139طريق الهجرتني وباب ال�سعادتني) ،للإمام �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية ،حتقيق:
�أحمد �إبراهيم زهوة ،دار الكتاب العربي -بريوت ،الطبعة 1426هـ.
( )140عدة ال�صابرين وذخرية ال�شاكرين) ،للإمام �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية ،دار ابن
كثري -دم�شق وبريوت ،الطبعة الثالثة 1409هـ.
( )141العقد الفريد) ،للفقيه �أحمد بن حممد بن عبد ربه الأندل�سي ،حتقيق :الدكتور مفيد
حممد قميحة ،دار الكتب العلمية -بريوت ،الطبعة الأولى 1404هـ.
( )142عيون الأخبار) لأبي حممد عبد اهلل بن م�سلم بن قتيبة الدينوري ،دار الكتب العلمية
– بريوت ،الطبعة الأولى1406 ،هـ 1986 -م.
( )143الفرج بعد ال�شدة) ،لأبي بكر عبداهلل بن حممد املعروف بابن �أبي الدنيا ،حتقيق :م�صطفى
عبدالقادر عطا ،م�ؤ�س�سة الكتب الثقافية -بريوت ،الطبعة الأولى 1413هـ.
( )144الفرج بعد ال�شدة) للقا�ضي �أبي علي املح�سن بن علي التنوخي ،حتقيق :عبود ال�شاجلي ،دار
�صادر – بريوت� ،سنة الن�شر1398 :هـ 1978 -م.
( )145الفوائد) ،للإمام �شم�س الدين ابن قيم اجلوزية ،دار الكتب العلمية-بريوت ،الطبعة الثانية 1393هـ.
( )146ف�صول �إ�سالمية) للأديب علي الطنطاوي ،النا�شر :دار الدعوة -دم�شق ،الطبعة الأولى
1380 ،هـ1960 ،م.
( )147ف�صول يف الثقافة والأدب) ،ال�شيخ علي الطنطاوي ،جمع وترتيب حفيد امل�ؤلف :جماهد
م�أمون ديرانية ،دار املنار -جدة ،الطبعة الأولى 2007م.
558 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ
( )148قوت القلوب يف معاملة املحبوب وو�صف طريق املريد �إلى مقام التوحيد) لأبي طالب
املكي حممد بن علي بن عطية احلارثي ،حتقيق :د .عا�صم �إبراهيم الكيايل ،دار الكتب العلمية –
بريوت ،الطبعة الثانية 1426 ،هـ 2005 -م.
( )149كتاب التهجد) للحافظ �أبي حممد عبداحلق بن عبدالرحمن الإ�شبيلي ،حتقيق :م�سعد
ال�سعدين و حممد بن احل�سن ،دار الكتب العلمية – بريوت ،الطبعة الأولى 1415هـ 1994 -م.
( )150لطائف املعارف فيما ملوا�سم العام من الوظائف) للإمام احلافظ زين الدين �أبي الفرج
ال�سوا�س ،دار ابن كثري – دم�شقعبدالرحمن بن �أحمد بن رجب احلنبلي الدم�شقي ،حتقيق :يا�سني ّ
و بريوت ،الطبعة اخلام�سة 1420هـ 1999 -م.
( )151املجال�سة وجواهر العلم) للقا�ضي �أبي بكر �أحمد بن مروان بن حممد الدِّ ينوري ،دار ابن
حزم – بريوت ،الطبعة الأولى 1423هـ 2002 -م.
( )152جمموعة الق�صائد الزهديات) ،جمع ال�شيخ عبدالعزيز املحمد ال�سلمان -يرحمه اهلل.
( )153خمتارات من �أدب العرب) للأ�ستاذ �أبي احل�سن علي احل�سني الندوي ،النا�شر :دار
ال�شروق – جدة ،الطبعة الثالثة1400 ،هـ.
( )154خمت�صر منهاج القا�صدين) ،للإمام �أحمد بن عبدالرحمن بن قدامة املقد�سي ،حتقيق:
�شعيب وعبدالقادر الأرن�ؤوط ،مكتبة دار الإميان -دم�شق ،الطبعة 1398هـ.
( )155مدارج ال�سالكني بني منازل �إياك نعبد و�إياك ن�ستعني) ،للإمام �شم�س الدين ابن قيم
اجلوزية ،دار الكتاب العربي -بريوت ،الطبعة الثانية 1393هـ.
( )156امل�ستطرف يف كل فن م�ستظرف) ل�شهاب الدين حممد بن �أحمد الأب�شيهي ،ب�إ�شراف
املكتب العاملي للبحوث ،النا�شر :دار مكتبة احلياة -بريوت� ،سنة الن�شر1412 :هـ 1992 -م.
( )157مفتاح دار ال�سعادة ومن�شور والية العلم واالرادة) ،للإمام �شم�س الدين ابن قيم
اجلوزية ،دار جند للن�شر والتوزيع -الريا�ض ،الطبعة 1402هـ.
( )158املواعظ واملجال�س) ،لأبي الفرج جمال الدين عبدالرحمن بن علي ابن اجلوزي القر�شي
حتقيق :حممد �إبراهيم �سنبل ،دار ال�صحابة للرتاث – طنطا ،الطبعة الأولى – 1411هـ 1992 ،م.
( )159مواقف ذات عرب وكلمات يف املنهج والطريق) للدكتور عمر �سليمان الأ�شقر ،النا�شر :
الدار ال�سلفية – الكويت ،الطبعة الأولى1406 ،هـ.
( )160نرث الدر) ،لأبي �سعد من�صور بن احل�سني الآبي ،حتقيق :خالد عبد الغني حمفوظ ،دار
الكتب العلمية -بريوت ،الطبعة الأولى 1424هـ.
( )161نفح الطيب من غ�صن الأندل�س الرطيب) ل�شهاب الدين �أحمد بن حممد املقري
التلم�ساين ،حتقيق� :إح�سان عبا�س ،النا�شر :دار �صادر -بريوت ،الطبعة الأولى1997 ،م.
المصادر والمراجع 559
( )173حلية الأولياء وطبقات الأ�صفياء) ،للحافظ �أبي نعيم �أحمد بن عبد اهلل الأ�صفهاين ،دار
الفكر -بريوت ،الطبعة 1416هـ.
( )174الديباج املذهب يف معرفة �أعيان علماء املذهب) البن فرحون املالكي ،حتقيق :د .حممد
الأحمدي �أبو النور ،دار الرتاث للطبع والن�شر – القاهرة.
( )175الذيل على طبقات احلنابلة) للحافظ عبدالرحمن بن �أحمد بن رجب البغدادي احلنبلي
– حتقيق :حممد حامد الفقي ،مطبعة ال�سنة املحمدية -م�صر1372 ،هـ 1952 -م.
( )176الزهد) ،لإمام �أهل ال�سنة �أبي عبداهلل �أحمد بن حممد بن حنبل ،ن�سقه ورتبه :حممد عبد
ال�سالم �شاهني ،دار الكتب -بريوت ،الطبعة الأولى 1420هـ.
�( )177سري �أعالم النبالء) ،للحافظ �أبي عبداهلل �شم�س الدين حممد بن �أحمد الذهبي ،رتبه
واعتنى به :ح�سان عبد املنان ،بيت الأفكار الدولية -الأردن ،الطبعة 1424هـ.
�( )178صفوة ال�صفوة) ،للإمام �أبي الفرج جمال الدين عبدالرحمن بن علي بن اجلوزي ،حتقيق:
حممود فاخوري وحممد روا�س قلعه جي ،دار املعرفة -بريوت ،الطبعة الأولى 1406هـ.
( )179طبقات احلنابلة) لأبي احل�سني ابن �أبي يعلى ،حممد بن حممد ,حتقيق :حممد حامد
الفقي ،النا�شر :دار املعرفة – بريو.
ال�سبكي ،حتقيق:
( )180طبقات ال�شافعية الكربى) ،تاج الدين �أبي الن�صر عبدالوهاب ُّ
عبدالفتاح احللو وحممود الطناحي ،دار �إحياء الكتب العربية -القاهرة ،الطبعة الأولى 1383هـ.
( )181علماء ومفكرون عرفتهم) ملحمد املجذوب ،دار ال�شواف – الريا�ض ،الطبعة الرابعة1992 ،م.
( )182املداخل �إلى �آثار �شيخ الإ�سالم ابن تيمية وما حلقها من �أعمال) ،ال�شيخ بكر بن
عبداهلل �أبو زيد ،دار عامل الفوائد -مكة املكرمة ،الطبعة الأولى 1422هـ.
( )183املق�صد الأر�شد يف ذكر �أ�صحاب الإمام �أحمد) �إبراهيم بن حممد بن عبد اهلل بن حممد
ابن مفلح� ،أبو �إ�سحاق ،برهان الدين (املتوفى884 :هـ) د عبد الرحمن بن �سليمان العثيمني مكتبة
الر�شد -الريا�ض – ال�سعودية -الطبعة الأولى1410 ،هـ 1990 -م.
( )184وفيات الأعيان و�أنباء �أبناء الزمان) ،لأبي العبا�س �شم�س الدين �أحمد بن حممد بن
خلكان ،حتقيق� :إح�سان عبا�س ،دار �صادر -بريوت ،الطبعة 1994م.
مواقع وكتب �إلكرتونية
ال�س ِن َّية ب�إ�شراف علوي بن عبدالقادر ال�سقافwww.dorar.net : )185موقع ال ُّد َرر َّ
www.altafsir.com )186موقع «التف�سري» :
)187كتاب �إلكرتوين :معجم اللغة العربية املعا�صرة للدكتور �أحمد خمتار عمر – 1425هـ.
الفهارس 561
الفهار�س
�أو ًال :فهر�س املجموعات :فهر�س املجموعات مع الأ�سماء
ثاني ًا :الفهر�س الأبجدي :الأ�سماء احل�سنى مرتبة ترتيب ًا �أبجدي ًا
املجموعة ال�صفحة اال�سم املجموعة ال�صفحة اال�سم
531 ثامن ًا :مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء.
532 تا�سع ًا :لطائف و�أقوال.
535 املجموعـ30ـة :املقدم -امل�ؤخر -الوارث
536 �أو ًال :الدليل وعدد مرات الورود.
536 ثاني ًا :املعنى اللغوي.
537 ثالث ًا :املعنى ال�شرعي.
538 رابع ًا :الفروق بني الأ�سماء.
539 خام�س ًا :ال�صفة امل�شتقة.
540 �ساد�س ًا :فوائد االقرتان مع الأ�سماء احل�سنى الأخرى.
540 �سابع ًا :الآثار االعتقادية والعملية للإميان بهذه الأ�سماء.
543 ثامن ًا :مقا�صد الدعاء التي ينا�سبها متجيد اهلل بهذه الأ�سماء.
543 تا�سع ًا :لطائف و�أقوال.
546 امل�صادر واملراجع
561 الفهار�س
576 تصنيفًا ومعنى الح ْسنَى
اء ُ ا َ
أل ْس َم ُ