You are on page 1of 21

‫فضائل أيب بكر الصديق رضي اهلل عنه‬

‫مقدمة احلمد هلل الذي أرسل عبده ورسوله حممداً صلى اهلل عليه وسلم باهلدى والنور‬
‫املبني‪ ،‬وجعله إماماً وقائداً للغر احملجلني‪ ،‬واختار له خري األصحاب واألحباب واألنصار‬
‫من اجملاهدين املؤمنني‪ ،‬واألبرار الصاحلني‪ ،‬فكانوا خري أمة أخرجت للناس أمجعني والصالة‬
‫والسالم علي نيب اهلدى والرمحة‪ ،‬واملريب الكامل‪ ،‬والرسول األمني الذي رىب وزكى أطهر‬
‫أمة‪ ،‬وخري رجال عرفهم التاريخ فكانوا مثالً للناس أمجعني وقدوة لكل من أراد اهلل والدار‬
‫‪،،،‬اآلخرة ممن يأيت بعدهم من املسلمني واملؤمنني‪ ،‬وبعد‬
‫فإنه ملا كانت حمبة أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فرضاً واجباً على كل مسلم‬
‫وكان شكرهم والثناء عليهم ومواالهتم من ألزم الفروض وأوجب الواجبات‪ ،‬وملا كانت‬
‫احملبة ال تتم إال باملعرفة‪ ،‬والوقوف على فضائلهم ومناقبهم‪ ،‬وإحساهنم وشهادة اهلل ورسوله‬
‫هلم‪ ،‬فإنين أحببت أن أيسر ذلك إلخواين املسلمني جبمع فضائل أصحاب النيب املشهورين‪،‬‬
‫وبيان ثناء اهلل عليهم وشهادة النيب صلى اهلل عليه وسلم هلم تذكرياً حبقهم على كل مسلم‬
‫ومؤمن‪ ،‬وقياماً جبزء من الواجب علينا حنوهم وتبصرياً إلخواين املسلمني حبال من يطعن‬
‫فيهم أو ينقصهم وقد التزمت حبمد اهلل أال أذكر إال آية من كتاب اهلل‪ ،‬أو حديثاً صحيحاً‬
‫ثابتاً عن الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وقدمت أحاديث الصحيحني على غريها‪ ،‬وجعلت‬
‫احلديث هو رأس الباب ألن القصد األول هو إبراز شهادة اهلل وشهادة رسوله صلى اهلل‬
‫عليه وسلم هلؤالء األصحاب واألخيار‪ ،‬وحسبك لشهادة اهلل شهادة‪ ،‬وشهادة رسوله صلى‬
‫‪ .‬اهلل عليه وسلم شهادة‬
‫وال شك أنه قد ألف يف هذا املوضوع عشرات بل مئات الكتاب وقد امتازت هذه‬
‫السلسلة عن غريها حبسن التنظيم والتبويب‪ ،‬وسهولة العرض وختصيص املوضوع والتزكية‬
‫على الفضائل مع ترمجة موجزة لكل صحايب يذكر‪ ،‬ومجع شهادة اهلل وشهادة رسوله‪،‬‬
‫وجتزئ املوضوع ليكون يف متناول اجلميع‪ ،‬وشرح العبارة الغامضة والكلمات الصعبة يف‬
‫‪.‬األحاديث‪ ،‬وبيان موجز ملا يستفاد من األحاديث‬
‫ولقد وضعت نصب عيين أن تكون هذه السلسلة بعد متامها إن شاء اهلل تعاىل كتاباً مطوالً‬
‫موضوعياً بأيدي املسلمني‪ ،‬يقرؤه اإلمام بعد الصلوات على املصلني‪ ،‬والوالد على أوالده‪،‬‬
‫وجيد من يريد الرتمجة لصحايب أهم فضائله ومناقبه جمموعة ميسرة‪ ،‬واهلل أسأل أن جيعل هذا‬
‫‪.‬العمل لوجهه خالصاً‪ ،‬وأن ينفع به عباده املهتدين‪ ،‬إنه هو السميع العليم‬
‫كتبه عبدالرمحن بن عبداخلالق‬
‫الكويت يف ‪ 22‬شعبان سنة ‪ 1408‬هـ‬
‫أبو بكر الصديق‬
‫نسبه‪ :‬هو عبداهلل بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب ابن لؤي‬
‫القرشي التيمي أبو بكر الصديق بن أيب قحافة خليفة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وأمه‪:‬‬
‫‪.‬أم اخلري سلمى بنت صخر بن عامر ابنة عم أبيه‬
‫حياته‪ :‬ولد الصديق بعد الفيل بسنتني وستة أشهر‪ ،‬وصحب النيب قبل البعثة‪ ،‬وسبق إىل‬
‫اإلميان به‪ ،‬واستمر معه طيلة حياته مبكة‪ ،‬ورافقه يف اهلجرة‪ ،‬ويف الغار‪ ،‬ويف املشاهد كلها‪،‬‬
‫وكانت الراية معه يوم تبوك‪ ،‬وحج بالناس إماماً مكانه عندما اشتد وجع النيب يف مرض‬
‫موته‪ ،‬وأمجع املسلمون على خالفته ومسوه خليفة رسول اهلل‪ ،‬واستمرت خالفته بعد‬
‫الرسول صلى اهلل عليه وسلم سنتني وثالثة أشهر تقريباً‪ ،‬ومات لثالث وستني سنة رضي‬
‫‪.‬اهلل عنه وأرضاه‬
‫‪:‬بعض مآثره‬
‫كان رضي اهلل عنه أعلم قريش باألنساب‪ ،‬وكان رجالً سهالً حمبوباً مؤلفاً لقومه‪ ،‬تاجراً ذا‬
‫خلق ومعروف‪ ،‬وأخلص يف صحبته للرسول صلى اهلل عليه وسلم قبل البعثة وبعدها‪،‬‬
‫وأسلم مبجرد أن عرض الرسول اإلسالم عليه‪ ،‬فكان أول رجل يدخل اإلسالم‪ ،‬وأسلم‬
‫بدعوته رجال كثريون منهم عثمان بن عفان‪ ،‬وطلحة بن عبيداهلل‪ ،‬والزبري بن العوام‪ ،‬وسعد‬
‫‪.‬بن أيب وقاص‪ ،‬وعبدالرمحن بن عوف‬
‫وأسلم الصديق وهو من أغىن قريش‪ ،‬ومات ومل يرتك ديناراً وال درمهاً‪ ،‬وإمنا أنفق ماله كله‬
‫يف سبيل اهلل‪ ،‬اعتق سبعة أعبد كلهم يعذب يف اهلل منهم بالل‪ ،‬وعامر بن فهرية‪ ،‬ونذيرة‪،‬‬
‫‪.‬والنهدية‪ ،‬وجارية عمر بن املؤمل‬
‫وكانت خالفته من أعظم بركات اهلل على األمة‪ ،‬فقد اجتمعت األمة عليه‪ ،‬وقضى على‬
‫فتنة الردة‪ ،‬وادعاء النبوة‪ ،‬ووجه قوى املسلمني مجيعاً حنو فارس والروم‪ ،‬فكان الفتح‬
‫‪.‬والنصر املبني‪ ،‬فرضي اهلل عنه ولعن شانئيه ومبغضيه‬
‫فضائل الصديق أيب بكر رضي اهلل عنه تعاىل أفضل أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم‪،‬‬
‫وأعالهم منزلة‪ ،‬وأكربهم كرامة‪ ،‬وأعظمهم منة على املسلمني هو أبو بكر الصديق رضي‬
‫اهلل تعاىل عنه‪ ،‬ونبدأ بشهادة اهلل سبحانه وتعاىل له‪ ،‬مث بشهادة النيب املعصوم صلى اهلل عليه‬
‫‪.‬وسلم‪ ،‬مث بشهادة األمة املعصومة اليت ال جتتمع على ضاللة‬
‫‪:‬أ‪ -‬شهادة اهلل أليب بكر الصديق‬
‫شهد اهلل سبحانه وتعاىل للصديق أنه كان الصاحب الوحيد والناصر الوحيد لرسول اهلل بعد‬
‫اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬فقد مدح اهلل نفسه يف القرآن أنه نصر نبيه حممداً صلى اهلل عليه وسلم‬
‫وأخرجه من بني ظهراين الكفار عندما أرادوا قتله‪ ،‬أو حبسه‪ ،‬أو طرده ونفيه واختاروا قتله‬
‫أخرياً فأجناه اهلل وأخرجه من بني ظهورهم آمناً معاىف‪ .‬قال تعاىل‪{ :‬وإذ ميكر الذين كفروا‬
‫ليثبتوك أو يقتلوك أو خيرجوك وميكرون وميكر اهلل واهلل خري املاكرين} فكان من مكره‬
‫سبحانه وتعاىل بالكفار أن أخرج النيب حممداً مهاجراً من مكة إىل املدينة والكفار حييطون‬
‫به من كل جانب وال ناصر له من األصحاب واملسلمني إال رجل واحد فقط‪ ،‬مل يرتك النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم يف هذا املوقف العصيب قال تعاىل حاضاً املؤمنني على نصر رسوله‪:‬‬
‫{اال تنصروه فقد نصره اهلل إذ أخرجه الذين كفروا ثاين اثنني إذ مها يف الغار إذ يقول‬
‫لصاحبه ال حتزن إن اهلل معنا}‪ .‬فأثبت اهلل هنا كرامة الصديق وأنه كان الناصر الوحيد‬
‫لرسوله يوم عز الناصر‪ ،‬وقل النصري‪ ،‬وأنه أعين الصديق‪ ،‬كان حزيناً أن يبصر الكفار موقع‬
‫الرسول صلى اهلل عليه ولسم فيضيع الدين فيبشره النيب بأن اهلل معهما يرعامها ويكألمها‪.‬‬
‫ومعية اهلل هنا ثابتة للرسول صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬والصديق {ال حتزن إن اهلل معنا} وهذه‬
‫شهادة من الرسول صلى اهلل عليه وسلم للصديق أقرها اهلل وأثبتها يف كتابه الكرمي‪ ،‬ناهيك‬
‫أن أسرة الصديق كلها كانت يف هذا اليوم العصيب يف خدمة الرسول صلى اهلل عليه وسلم‬
‫فأمساء بنت أيب بكر هي اليت توصل الطعام هلما يف الغار‪ ،‬وعبدالرمحن ابن الصديق هو الذي‬
‫يغدو بسرحه عليهما ويتسمع هلما األخبار ومال الصديق ورحائله هي اليت محلت الرسول‬
‫صلى اهلل عليه وسلم إىل املدينة‪ ،‬والصديق هو املؤنس الوحيد بعد اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وهذه‬
‫منقبة ليست بعدها منقبة وكرامة كل كرامة هي دوهنا وال شك‪ ،‬ويكفي هذه الكرامة أن‬
‫‪.‬اهلل أثبتها يف كفاية وجعلها قرآناً يتلى إىل آخر الدنيا‬
‫وأما شهادة اهلل الثابتة للصديق فهو قوله تعاىل‪{ :‬وسيجنبها األتقى الذي يؤيت ماله يتزكى‬
‫‪.‬وما ألحد عنده من نعمة جتزى إال ابتغاء وجه ربه األعلى ولسوف يرضى}‬
‫قال اإلمام ابن كثري يف تفسري هذه اآليات‪" :‬وقوله تعاىل {وسيجنبها األتقى} أي سيزحزح‬
‫عن النار التقي النقي األتقى مث فسره بقوله {الذي يؤيت ماله يتزكى} أي يصرف ماله يف‬
‫طاعة ربه ليزكي نفسه وماله وما وهبه اهلل من دين ودنيا {وما ألحد عنده من نعمة‬
‫جتزى} أي ليس بذله ماله يف مكافأة من أسدى إليه معروفاً فهو يعطي يف مقابلة ذلك وإمنا‬
‫دفعه ذلك {ابتغاء وجه ربه األعلى} أي طمعاً يف أن حيصل له رؤيته يف الدار اآلخرة يف‬
‫روضات اجلنات قال اهلل تعاىل {ولسوف يرضى} أي ولسوف يرضى من اتصف هبذه‬
‫الصفات‪ ،‬وقد ذكر غري واحد من املفسرين أن هذه اآليات نزلت يف أيب بكر الصديق‬
‫رضي اهلل عنه‪ ،‬حىت إن بعضهم حكى اإلمجاع من املفسرين على ذلك‪ ،‬وال شك أنه داخل‬
‫فيها وأوىل األمة بعمومها فإن لفظها لفظ العموم‪ ،‬وهو قوله تعاىل‪{ :‬وسيجنبها األتقى‪،‬‬
‫الذي يؤيت ماله يتزكى وما ألحد عنده من نعمة جتزى} ولكنه مقدم األمة وسابقهم يف‬
‫مجيع هذه األوصاف وسائر األوصاف احلميدة فإنه كان صديقاً تقياً كرمياً جواداً بذاالً‬
‫ألمواله يف طاعة مواله ونصرة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فكم من دراهم ودنانري بذهلا‬
‫ابتغاء وجه ربه الكرمي ومل يكن ألحد من الناس عنده منة حيتاج إىل أن يكافئه هبا ولكن‬
‫كان فضله وإحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل وهلذا قال له عروة بن‬
‫مسعود وهو سيد ثقيف يوم صلح احلديبية أما واهلل لوال يد لك عندي مل أجزك هبا‬
‫ألجبتك وكان الصديق قد اغلظ له يف املقال فإذا كان هذا حاله مع سادات العرب‬
‫ورؤساء القبائل فكيف مبن عداهم؟‬
‫وهلذا قال تعاىل‪{ :‬وما ألحد عنده من نعمة جتزى‪ .‬إال ابتغاء وجه ربه األعلى‪ .‬ولسوف‬
‫يرضى}‪ .‬ويف الصحيحني أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪[ :‬من أنفق زوجني يف‬
‫سبيل اهلل دعته خزنة اجلنة يا عبداهلل هذا خري]‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬يا رسول اهلل ما على من‬
‫يدعي منها ضرورة فهل يدعى منها كلها أحد؟ قال‪[ :‬نعم وأرجو أن تكون منهم ]" (ابن‬
‫‪.‬كثري ج‪ 4‬ص‪)521‬‬
‫وقال اإلمام الشوكاين رمحه اهلل يف هذه اآليات‪" :‬وأخرج ابن أيب حامت عن عروة أن أبا بكر‬
‫الصديق أعتق سبعة كلهم يعذب يف اهلل‪ .‬بالل وعامر بن فهرية‪ ،‬والنهدية وابنتها‪ ،‬وزنرية‪،‬‬
‫وأم عيسى‪ ،‬وأمة بين املؤمل‪ ،‬وفيه نزلت {وسيجنبها األتقى} إىل آخر السورة‪ ،‬وأخرج‬
‫احلاكم وصححه عن عامر بن عبداهلل بن الزبري ما قدمناه عنه‪ ،‬وزاد فيه‪ ،‬فنزلت فيه هذه‬
‫اآلية‪{ :‬فأما من أعطى واتقى} إال قوله‪{ :‬وما ألحد عنده من نعمة جتزى إال ابتغاء وجه‬
‫ربه األعلى ولسوف يرضى} وأخرج البزار وابن جرير وابن املنذر والطرباين وابن مردويه‬
‫وابن عساكر عنه حنو هذا من وجه آخر‪ ،‬وأخرج ابن مردويه ابن عباس يف قوله‪:‬‬
‫‪{.‬وسيجنبها األتقى} قال‪ :‬هو أبو بكر الصديق" أ‪.‬هـ (تفسري فتح القدير ج‪ 5‬ص‪)455‬‬
‫وحسبك هبذه شهادة من العلي األعلى سبحانه وتعاىل هلذا العبد الكرمي الذي بذل ماله يف‬
‫‪.‬سبيل اهلل ال يبتغي بذلك إال وجه اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫ومعىن (من ضرورة) اليت جاءت يف احلديث‪ :‬أي ال ضرر على من دخل اجلنة وإن مل يدع‬
‫إال من باب واحد ما دام قد دخلها‪ ،‬ولكن هل ألحد من كرامة عند اهلل حىت يدعى من‬
‫مجيع األبواب مث يدخل من أي باب يشاء فأخربه النيب صلى اهلل عليه وسلم أن نعم يا أبا‬
‫‪.‬بكر وأرجو أن تكون منهم‪ ،‬ورجاء النيب حق حتم ال شك فيه‬
‫أبو بكر أسبق الصحابة إسالماً‪ :‬قال البخاري‪ :‬حدثنا أمحد بن أيب الطيب حدثنا إمساعيل بن‬
‫خمالد‪ ،‬حدثنا بيان ابن بشر عن وبرة بن عبدالرمحن بن مهام‪ ،‬قال مسعت عماراً يقول‪ ،‬رأيت‬
‫‪.‬رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وما معه إال مخسة أعبد وامرأتان وأبو بكر‬
‫هذه شهادة من عمار بن ياسر رضي اهلل عنه – أن الصديق كان الرجل احلر الوحيد مع‬
‫الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪ .‬وأسلم يف أول اإلسالم‪ .‬وال شك أن علي بن أيب طالب كان‬
‫‪.‬مؤمناً وقتئذ ولكنه كان غالماً صغرياً يف ذلك الوقت‬
‫أبو بكر يدافع عن الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬عن عروة بن الزبري قال‪ :‬سألت عبداهلل بن‬
‫عمرو عن أشد ما صنع املشركون برسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم؟ قال‪ :‬رأيت عقبة بن‬
‫أيب معيط جاء إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم وهو يصلي‪ ،‬فوضع رداءه يف عنقه فخنقه به‬
‫خنقاً شديداً‪ ،‬فجاء أبو بكر حىت دفعه عنه فقال‪[ :‬أتقتلون رجالً أن يقول ريب اهلل وقد‬
‫‪.‬جاءكم بالبينات من ربكم]‪( .‬رواه اإلمام البخاري)‬
‫‪:‬ويف هذا احلديث من الفوائد ما يلي‬
‫شجاعة الصديق وإنه كان يتصدى جملرمي قريش وعتاهتا ممن يؤذون رسول وهذا أحدهم )‪1‬‬

‫عقبة بن أيب معيط الذي خنق الرسول صلى اهلل عليه وسلم بردائه‪ ،‬فما رده إال الصديق‬
‫‪.‬رضي اهلل عنه‬
‫متثل الصديق بالقرآن يف دفاعه عن الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪[ :‬أتقتلون رجالً أن )‪2‬‬

‫يقول ريب اهلل] واملعىن يا أيها املشركون هل تقتلون الرسول الذي ليس له ذنب معكم إال‬
‫‪.‬أن يعلن أن اهلل ربه سبحانه وتعاىل‪ .‬وقد جاءكم بالبيان على ذلك من ربكم الذي خلقكم‬
‫أبو بكر يعتين بالنيب صلى اهلل عليه وسلم يف الغار ويف طريق اهلجرة‪ :‬قال اإلمام البخاري‪:‬‬
‫حدثنا عبداهلل بن رجاء حدثنا إسرائيل عن أيب إسحاق عن الرباء قال‪ :‬اشرتى أبو بكر‬
‫رضي اهلل عنه من عازب رحالً بثالثة عشر درمهاً‪ ،‬فقال أبو بكر لعازب‪ :‬مر الرباء فليحمل‬
‫إيل رحلي‪ ،‬فقال عازب‪ :‬ال حىت حتدثنا كيف صنعت أنت ورسول اهلل صلى اهلل عليه‬ ‫ّ‬
‫وسلم حني خرجتما من مكة واملشركون يطلبونكم؟ قال ارحتلنا من مكة‪ ،‬فأحيينا أو سرينا‬
‫ليلتنا ويومنا حىت أظهرنا‪ ،‬وقام قائم الظهرية فرميت ببصري هل أرى من ظل فآوى إليه‬
‫فإذا صخرة أتيتها‪ ،‬فنظرت بقية ظل هلا فسويته‪ ،‬مث فرشت للنيب صلى اهلل عليه وسلم فيه‪ ،‬مث‬
‫قلت له اضجع يا نيب اهلل‪ ،‬فاضجع النيب صلى اهلل عليه وسلم مث انطلقت انظر ما حويل هل‬
‫أرى من الطلب أحداً؟ فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه إىل الصخرة‪ ،‬يريد منها الذي أردنا‪،‬‬
‫فسألته فقلت له‪ :‬ملن أنت يا غالم؟ قال‪ :‬لرجل من قريش مساه فعرفته‪ ،‬فقلت‪ :‬هل يف‬
‫غنمك من لنب؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قلت فهل أنت حالب لبناً؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فأمرته فاعتقل شاة من‬
‫غنمه‪ ،‬مث أمرته أن ينفض ضرعها من الغبار‪ ،‬مث أمرته أن ينفض كفيه‪ ،‬فقال هكذا ضرب‬
‫إحدى كفيه باألخرى فحلب يل كثبة من لنب وقد جعلت لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫إداوة على فمها خرقة فصببت على اللنب حىت برد أسفله‪ ،‬فانطلقت به إىل النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم فوافقته قد استيقظ‪ ،‬فقلت اشرب يا رسول اهلل‪ ،‬فشرب حىت رضيت مث قلت قد‬
‫آن الرحيل يا رسول اهلل؟ قال [بلى]‪ ،‬فارحتلنا والقوم يطلبونا‪ ،‬فلم يدركنا أحد منهم غري‬
‫سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له‪ ،‬فقلت‪ :‬هذا الطلب قد حلقنا يا رسول اهلل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫‪[.‬ال حتزن إن اهلل معنا]‪( .‬رواه البخاري)‬
‫‪:‬ويف هذا احلديث فوائد عظيمة منها‬
‫اختيار النيب صلى اهلل عليه وسلم أليب بكر وحده دون سائر الصحابة ليصحبه يف رحلة )‪1‬‬

‫اهلجرة وهي أخطر رحلة‪ ،‬وأعظم بالء يتعرض له الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪ .‬فقد‬
‫عزمت قريش على قتله‪ ،‬بعد مشورة وتآمر طويل وشرعت فعالً يف التنفيذ وكانت اهلجرة‬
‫ليلة التنفيذ ملؤامرهتا اجملرمة‪ .‬واختيار الرسول أليب بكر يف هذا املوقف واعتماده بعد اهلل عليه‬
‫داللة عظيمة على أنه كان أعظم الصحابة إمياناً ورجولة وقدراً وحتمالً للمصاعب ووقوفاً‬
‫‪.‬يف وجه الشدائد‪ ،‬وكتماناً لسر الرسول وحمافظة على النيب‬
‫ظهر من احلديث إشفاق أيب بكر على الرسول وحدبه عليه وسعيه من أجل احلفاظ عليه )‪2‬‬

‫‪.‬بكل سبيل بل سعيه وحده من أجل راحته‬


‫)‪3‬‬ ‫هالك من هلك يف الصديق من الرافضة اجملوسية الذين زعموا أن أبا بكر مل يصحب‬
‫الرسول إال ليطلع على عوراته‪ ،‬ويفشي أسراره للكفار!! وهذا يدل على كفرهم ومروقهم‬
‫من الدين‪ ،‬وطعنهم يف سيد املرسلني الذي اهتموه أنه مل يكن يعلم حقيقة أخلص أصحابه‬
‫وأصدقائه‪ .‬وأهنم كانوا يضمرون له الشر والرسول ال يدري‪ ،‬فلعنة اهلل عليهم لكفرهم باهلل‬
‫‪.‬ورسالته‪ ،‬وطعنهم يف أشرف خلقه وعباده‪ ،‬وأخلص أصحاب الرسول وأعظمهم منزلة‬
‫أبو بكر أحب الناس لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬حديث عمرو بن العاص رضي اهلل‬
‫عنه‪ ،‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬بعثه على جيش ذات السالسل فأتيته فقلت‪ :‬أي الناس‬
‫أحب إليك؟ قال‪[ :‬عائشة]‪ ،‬فقلت‪ :‬من الرجال؟ قال‪[ :‬أبوها]‪ ،‬قلت‪ :‬مث من؟ قال‪[ :‬مث‬
‫عمر بن اخلطاب] فعد رجاالً‪( .‬أخرجه البخاري يف‪ – 62 :‬كتاب فضائل أصحاب النيب‬
‫‪.‬صلى اهلل عليه وسلم‪ - 5 :‬باب قول النيب صلى اهلل عليه وسلم‪[ :‬لو كنت متخذا خليالً])‬
‫وهذه شهادة من الرسول صلى اهلل عليه وسلم أن أحب الرجال إليه من هذه األمة هو‬
‫الصديق‪ .‬وقلب الرسول صلى اهلل عليه وسلم قلب طاهر معصوم واحملبة من اإلميان‪ ،‬بل‬
‫اإلميان هو احلب يف اهلل والبغض يف اهلل‪ ،‬وحمبة الرسول صلى اهلل عليه وسلم أليب بكر من‬
‫اإلميان‪ ،‬وإميان الرسول صلى اهلل عليه وسلم معصوم‪ .‬وهذه شهادة عظيمة توجب على كل‬
‫مسلم أن حيب ما حيب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وأبو بكر على رأس هؤالء مث عمر‬
‫بن اخلطاب رضي اهلل عنهم‪ .‬وأم املؤمنني عائشة هي أحب الناس إىل رسول اهلل صلى اهلل‬
‫‪.‬عليه وسلم ألهنا زوجه‪ ،‬وأعظم الناس إيثاراً وحمبة له‪ .‬رضي اهلل عنها‬
‫اهلل مع النيب حممد صلى اهلل عليه وسلم ومع الصديق أبو بكر رضي اهلل عنه‪ :‬حديث أيب‬
‫بكر‪ ،‬قال‪ :‬قلت للنيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وأنا يف الغار‪ ،‬لو أن أحدهم نظر حتت قدميه‬
‫ألبصرنا‪ .‬فقال‪[ :‬ما ظنك يا أبا بكر! باثنني اهلل ثالثهما؟]‪( .‬أخرجه البخاري يف‪– 62 :‬‬
‫‪.‬كتاب فضائل أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ - 2 ،‬باب مناقي املهاجرين وفضلهم)‬
‫وهذه شهادة ثانية من الرسول صلى اهلل عليه وسلم للصديق أن اهلل مع النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ومعه يف أحلك الظروف وأصعب املواقف يف الغار حمصوراً بعيداً عنه كل ناصر من‬
‫البشر إال نصرة اهلل مث نصرة الصديق الذي مل يكن إال هو يف هذا املوقف العصيب والرسول‬
‫صلى اهلل عليه وسلم مطلوب حياً أو ميتاً‪ ،‬وقريش والكفار يسعون يف قتله والوصول إليه‬
‫‪.‬بكل سبيل‬
‫أبو بكر أفقه الصحابة وأعظمهم على الرسول منة يف املال والصحبة‪ :‬حديث أيب سعيد‬
‫اخلدري رضي اهلل عنه‪ ،‬أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬جلس على املنرب‪ ،‬فقال‪[ :‬إن‬
‫عبداً خري اهلل بني أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء‪ ،‬وبني ما عنده‪ ،‬فاختار ما عنده] فبكى‬
‫أبو بكر‪ ،‬وقال‪ :‬فديناك بآبائنا وأمهاتنا‪ .‬فعجبنا له وقال الناس انظروا إىل هذا الشيخ‪ ،‬خيرب‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن عبد خريه اهلل بني أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبني ما‬
‫عنده‪ ،‬وهو يقول‪ :‬فديناك بآبائنا وأمهاتنا‪ .‬فكان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم هو املخري‪،‬‬
‫وكان أبو بكر هو أعلمنا به‪ .‬وقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪[ :‬إن من أمن الناس‬
‫علي يف صحبته وماله أبا بكر‪ ،‬ولو كنت متخذاً خليالً من أميت الختذت أبا بكر‪ ،‬إال خلة‬
‫اإلسالم‪ .‬ال يبقني يف املسجد خوخة أيب بكر] ‪( .‬أخرجه البخاري يف‪ - 63 :‬كتاب‬
‫‪.‬مناقب األنصار‪ – 45 :‬باب هجرة النيب صلى اهلل عليه وسلم وأصحابه إىل املدينة)‬
‫وهذا احلديث يبني أن أبا بكر كان أفقه الصحابة وأعلمهم مبرامي كالم الرسول صلى اهلل‬
‫عليه وسلم وفحواه فقد كان وحده الذي فهم ما يرمي إليه الرسول صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪.‬بقوله [إن عبداً خريه اهلل من أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبني ما عنده]‬
‫إن العبد املخري هو الرسول صلى اهلل عليه وسلم قد اختار ما عند اهلل وهذا يعين املوت‪.‬‬
‫ولذلك بكى الصديق حدباً على اإلسالم وإشفاقاً لفراق رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫ولذلك حفظ الرسول صلى اهلل عليه وسلم له هذه املواقف واملناقب فأعلنه على املأل يف‬
‫آخر حياته أن أعظم األصحاب على الرسول صلى اهلل عليه وسلم منة يف املال والصحبة‬
‫هو الصديق الذي واسى الرسول صلى اهلل عليه وسلم مباله‪ ،‬وصحبة أكمل ما تكون‬
‫الصحبة‪ .‬وهنا يعلن الرسول صلى اهلل عليه وسلم أن الصديق يف مكان اخللة من الرسول‬
‫صلى اهلل عليه وسلم لوال اشتغال قلب الرسول صلى اهلل عليه وسلم خبلة اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫وأية إن مل يكن خليل النيب صلى اهلل عليه وسلم فإنه أخوه وصاحبه‪ .‬وحفظاً من النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم هلذه الكرامة أمر مجيع من له خوخة (باب نافذ) إىل منزله من املسجد أن‬
‫يغلقه إال الصديق فأمر النيب صلى اهلل عليه وسلم ببقاء خوخته حفاظاً ملودته‪ ،‬وإكراماً‬
‫لعهده‪ ،‬وبياناً لفضيلته‪ .‬فماذا بعد هذا أعظم؟‬
‫أبو بكر أعظم الناس إمياناً‪ :‬حديث أيب هريرة رضي اهلل عنه‪ ،‬قال‪ :‬صلى رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪ ،‬صالة الصبح مث أقبل على الناس‪ ،‬فقال‪[ :‬بينما رجل يسوق بقرة إذ ركبها‬
‫فضرهبا‪ .‬فقالت‪ :‬إنا مل خنلق هلذا؛ إمنا خلقنا للحرث] فقال الناس‪ :‬سبحان اهلل! بقرة تكلم؟‬
‫فقال‪[ :‬فإين أؤمن هبذا‪ ،‬أنا وأبو بكر وعمر] وما مها مث‪[ .‬وبينما رجل يف غنمه إذ عدا‬
‫الذئب فذهب منها بشاة فطلب حىت كأنه استنقذها منه‪ ،‬فقال له الذئب‪ :‬هذا‪ ،‬استنقذهتا‬
‫مين‪ ،‬فمن هلا يوم السبع‪ ،‬يوم ال راعي هلا غريي؟] فقال الناس‪ :‬سبحان اهلل ذئب يتكلم؟‬
‫قال‪[ :‬فإين أؤمن هبذا أنا وأبو بكر وعمر] وما مها مث‪( .‬أخرجه البخاري‪ – 60 :‬كتاب‬
‫‪.‬األنبياء‪ – 54 :‬باب حدثنا أبو اليمان)‬
‫‪:‬هذا احلديث فيه فوائد عظيمة منها‬
‫‪.‬أن للحيوانات إدراكاً ما‪ ،‬وأن اهلل ينطق منها ما يشاء سبحانه وتعاىل )‪1‬‬

‫أن لكل حيوان فوائد معينة فمنها خلق للركوب‪ ،‬ومنها ما خلق للحم‪ ،‬ومنها ما خلق )‪2‬‬

‫للحم واجلر‪ ،‬والبقر مل يهيئه اهلل ليكون حيواناً مركوباً‪ .‬قال تعاىل‪{ :‬واألنعام خلقها لكم‬
‫فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون} – أي بعضها – وقوله تعاىل‪{ :‬واخليل والبغال واحلمري‬
‫لرتكبوها وزينة وخيلق ما ال تعلمون} فبني سبحانه أن هذه خلقت للركوب والزينة‪ .‬وقال‬
‫تعاىل أيضاً‪{ :‬وإن لكم يف األنعام لعربة نسقيكم مما يف بطوهنا‪ ،‬ولكم فيها منافع كثرية‬
‫‪..‬ومنها تأكلون} – أي بعضها‬
‫وال شك أن استخدام احليوان يف غري ما خلق اهلل إهدار لنعم اهلل ووضع هلا يف غري ما‬
‫‪.‬خلقت له‬
‫أن أبا بكر وعمر رضي اهلل عنهما من خري أصحاب الرسول صلى اهلل عليه وسلم بل خري‬
‫أصحاب الرسول صلى اهلل عليه وسلم ألن الذين كانوا حول النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫وحدثهم هبذه األحاديث العجيبة من كالم البقرة وكالم الذئب سبحوا اهلل تعجباً واستبعاداً‬
‫أن يقع مثل ذلك‪ ،‬أو على األقل استغراباً‪ .‬فبني هلم الرسول صلى اهلل عليه وسلم أنه يتكلم‬
‫مبا يتكلم ويقول ما يقول مؤمناً به واثقاً من خرب اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وأن أبا بكر وعمر‬
‫يؤمنان مع الرسول صلى اهلل عليه وسلم بذلك والعجب أهنما مل يكونا حاضرين‪ .‬وهذه‬
‫شهادة كربى من الرسول صلى اهلل عليه وسلم هلما بعظيم اإلميان والتصديق‪ ،‬وأهنما ال‬
‫يرتددان قط يف قبول خرب النيب صلى اهلل عليه وسلم الصادق األمني صلوات اهلل وسالمه‬
‫عليه والذي ال يقول إال حقاً‪ ،‬وال ينطق عن اهلوى {إن هو إال وحي يوحى}‪ .‬فأي شهادة‬
‫أعظم من هذه الشهادة وأي منزلة أعظم أن يشهد هلما الرسول وليسا حاضرين أهنما‬
‫يؤمنان مبا قال‪ ،‬ويصدقان ما يقول‪ ،‬ال شك أن هذه شهادة عظيمة من الرسول صلى اهلل‬
‫‪.‬عليه وسلم لصاحبيه املؤمنني املخلصني رضي اهلل عنهما وأرضامها‬
‫شهادة الرسول صلى اهلل عليه وسلم للصديق باجلنة واملنزلة العليا‪ :‬حديث أيب هريرة‪ :‬قال‬
‫مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول‪[ :‬من أنفق زوجني من ٍ‬
‫شيء من األشياء يف‬
‫سبيل اهلل دعي من أبواب – يعين اجلنة‪ ،‬يا عبد اهلل هذا خري‪ ،‬فمن كان من أهل الصالة‬
‫دعي من باب الصالة‪ ،‬ومن كان من أهل اجلهاد دعي من باب اجلهاد‪ ،‬ومن كان من أهل‬
‫الصدقة دعي من باب الصدقة‪ ،‬ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام (و) باب‬
‫الريان]‪ .‬فقال أبو بكر‪ :‬ما على هذا الذي يدعى من تلك األبواب من ضرورة‪ ،‬وقال هل‬
‫يدعى منها كلها أحد يا رسول اهلل؟ قال‪[ :‬نعم‪ ،‬وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر] (رواه‬
‫‪.‬اإلمام البخاري)‬
‫‪:‬ويف هذا احلديث من الفوائد‬
‫رجاء الرسول صلى اهلل عليه وسلم أن يكون الصديق من الذي تنادي به مالئكة أبواب )‪1‬‬

‫اجلنة مجيعاً كل منهم يرجو أن يدخل من الباب القائم عليه وهذا تشريف عظيم للصديق‬
‫وأن أبواب اجلنة الثمانية كلها مشرعة لدخوله وأن املالئكة تتنافس وتتسابق يف تشريف‬
‫‪.‬الصديق وتكرميه بدعوة كل منهم إياه أن يدخل من بابه‬
‫أن أبا بكر كان مربزاً يف كل أبواب اخلري يف اجلهاد والصدقة والصيام والصالة مبا مل يربز )‪2‬‬

‫‪.‬غريه‬
‫‪.‬ومن هذا الباب ما رواه البخاري بإسناده أيضاً‬
‫عن عبداهلل بن عمر رضي اهلل عنهما‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪[ :‬من جر‬
‫ثوبه خيالء مل ينظر اهلل إليه يوم القيامة]‪ ،‬فقال أبو بكر إن أحد شقي ثويب يسرتخي إال أن‬
‫أتعاهد ذلك منه‪ ،‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪[ :‬إنك لست تصنع ذلك خيالء]‪.‬‬
‫‪.‬قال موسى‪ :‬فقلت لسامل أذكر عبداهلل من جر إزاره؟ قال مل أمسعه ذكر إال ثوبه‬
‫وهذه شهادة من الرسول صلى اهلل عليه وسلم أن الصديق مل يكن يعرف اخليالء والكرب‬
‫وليس فيه من خصائل أهل النفاق والكرب شيء‪ ،‬وأنه الصديق حيرص دائماً على اتباع السنة‬
‫فهو يتعاهد إزاره أال يسقط دون الكعبني‪ ،‬ولكنه يسهو أحياناً وجيد أن جانباً من إزاره‬
‫سقط دون الكعبني فيفزع لذلك وخياف‪ .‬ولقد بشره الرسول صلى اهلل عليه وسلم أن ذلك‬
‫منه الذي ليس بعمد ال حرج عليه فيه وكان ميكن أن يبني له الرسول صلى اهلل عليه وسلم‬
‫هذا فقط أي أن الغافل والناسي ال شيء عليه ولكن الرسول أراد مدحه أمام القوم كلهم‬
‫‪.‬فأخرب أنه ليس من أهل الكرب مطلقاً‬
‫شهادة ثانية من الرسول صلى اهلل عليه وسلم للصديق والفاروق وعثمان رضي اهلل عنهم‬
‫مجيعاً باجلنة‪ :‬روى اإلمام البخاري بإسناده عن سعيد بن املسيب‪ ،‬قال أخربين أبو موسى‬
‫األشعري أنه توضأ يف بيته‪ ،‬مث خرج فقلت أللزمن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫وألكونن معه يومي هذا‪ :‬قال فجاء املسجد فسأل عن النيب صلى اهلل عليه وسلم فقالوا‬
‫خرج ووجه هاهنا‪ ،‬فخرجت على إثره أسأل عنه حىت دخل بئر أريس‪ ،‬فجلست عند‬
‫الباب وباهبا من جريد حىت قضى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حاجته فتوضأ‪ ،‬فقمت‬
‫إليه‪ ،‬فإذا هو جالس على بئر أريس وتوسط قفها‪ ،‬وكشف عن ساقيه ودالمها يف البئر‪،‬‬
‫فسلمت عليه‪ ،‬مث انصرفت فجلست عند الباب‪ ،‬فقلت ألكونن بواب رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم اليوم‪ ،‬فجاء أبو بكر فدفع الباب‪ ،‬فقلت من هذا؟ فقال أبو بكر‪ ،‬فقلت على‬
‫رسلك‪ ،‬مث ذهبت فقلت يا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم هذا أبو بكر يستأذن؟ فقال‬
‫[ائذن له وبشره باجلنة]‪ ،‬فأقبلت حىت قلت أليب بكر أدخل ورسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم يبشرك باجلنة‪ ،‬فدخل أبو بكر فجلس عن ميني رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم معه‬
‫يف القف ودىل رجله يف البئر كما صنع النيب صلى اهلل عليه وسلم وكشف عن ساقيه‪ ،‬مث‬
‫رجعت فجلست وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقين‪ ،‬فقلت إن يرد اهلل بفالن خرياً يريد‬
‫أخاه يأت به‪ ،‬فإذا إنسان حيرك الباب‪ ،‬فقلت من هذا؟ فقال عمر بن اخلطاب فقلت على‬
‫رسلك‪ ،‬مث جئت إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فسلمت عليه‪ ،‬فقلت هذا عمر بن‬
‫اخلطاب يستأذن‪ ،‬فقال [ائذن له وبشره باجلنة] فجئت فقلت أدخل وبشرك رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم باجلنة‪ ،‬فدخل فجلس مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يف القف عن‬
‫يساره ودىل رجليه يف البئر‪ ،‬مث رجعت فجلست‪ ،‬فقلت إن يرد اهلل بفالن خرياً يأت به‪،‬‬
‫فجاء إنسان حيرك الباب‪ ،‬فقلت من هذا؟ فقال عثمان بن عفان‪ ،‬فقلت على رسلك‪،‬‬
‫فجئت إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فأخربته فقال [ائذن له وبشره باجلنة على بلوى‬
‫تصيبه] فجئته فقلت له ادخل وبشرك رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم باجلنة على بلوى‬
‫تصيبك‪ ،‬فدخل فوجد القف قد ملئ فجلس وجاهه من الشق اآلخر‪ ،‬قال شريك قال‬
‫‪.‬سعيد بن املسيب فأولتها قبورهم‬
‫‪:‬ويف هذا احلديث من الفوائد والعلم ما يلي‬
‫أن أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم كانوا دائمي السؤال عنه‪ ،‬كلفني مبحبته وصحبته‪1) ،‬‬

‫‪.‬حمتفني به‬
‫‪.‬أن الرسول بشر أبا بكر وعمر وعثمان باجلنة )‪2‬‬

‫أن ورود هؤالء الصحابة الثالثة يف هذه الواقعة على النيب صلى اهلل عليه وسلم كان )‪3‬‬

‫‪.‬برتتيب خالفتهم متاماً وهذا من غرائب الوقائع‪ ،‬ومما جعله اهلل إشارة إىل ترتيب خالفتهم‬
‫)‪4‬‬ ‫أن نبؤة النيب صلى اهلل عليه وسلم يف عثمان قد حتققت متاماً وهذا دالئل نبوة الرسول‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وعالمات صدقه صلى اهلل عليه وسلم‪ .‬فقد أصيب ببلوى عظيمة‬
‫‪.‬عندما خرج أولئك السفهاء عليه وقتلوه وهو إمام املسلمني‬
‫أن الصحابة رضوان اهلل عليهم أشد الناس حرصاً على متابعة الرسول صلى اهلل عليه )‪5‬‬

‫‪.‬وسلم‬
‫فانظر إليهم كيف فعلوا متاماً كما فعل‪ ،‬وجلسوا على اهليئة اليت جلس عليها وهذا من شدة‬
‫متابعتهم وحمبتهم‪ .‬ومما يدل كذلك على شهادة الرسول صلى اهلل عليه وسلم أليب بكر‬
‫باجلنة واإلميان هذا احلديث‪ :‬عن قتادة أن أنس بن مالك رضي اهلل عنه حدثهم أن النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم صعد أحداً وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف هبم‪ ،‬فقال [أثبت أحد‪،‬‬
‫‪.‬فإمنا عليك نيب وصديق وشهيدان]‪( .‬رواه اإلمام البخاري)‬
‫فالصديق أبو بكر‪ ،‬والشهيدان عمر وعثمان رضي اهلل عنهما وهذا من عالمات نبوة‬
‫الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪ .‬فقد عاش أبو بكر ومات صديقاً‪ ،‬واستشهد عمر واستشهد‬
‫‪.‬عثمان رضي اهلل عنهم مجيعاً‬
‫شهادة علي بن أيب طالب أن الصديق هو خري الناس بعد رسول اهلل‪ :‬قال البخاري‪ :‬حدثنا‬
‫حممد بن كثري أخربنا سفيان‪ ،‬حدثنا جامع بن أيب راشد‪ ،‬حدثنا أبو يعلى عن حممد بن‬
‫احلنفية‪ ،‬قال قلت أليب‪ :‬أي الناس خري بعد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم؟ قال أبو بكر‪،‬‬
‫مث قلت مث من؟ قال‪ :‬مث عمر‪ ،‬وخشيت أن يقول عثمان‪ ،‬قلت مث أنت؟ ما أنا إال رجل من‬
‫‪.‬املسلمني‬
‫وهذه شهادة من أمري املؤمنني علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه أن أبا بكر هو خري الناس‬
‫بعد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وأن عمر هو خري الناس بعد الرسول صلى اهلل عليه‬
‫وسلم والصديق فتباً وسحقاً ملن اعتقد أن علياً كان يبغض الصديق والفاروق أو كان‬
‫يسبهما أو يلعنهما‪ .‬أال لعنة اهلل على الظاملني الكاذبني‪ .‬وأبلغ من هذه الشهادة ما رواه‬
‫‪.‬اإلمام البخاري أيضاً‬
‫قوم‪ ،‬فدعوا اهلل لعمر ابن اخلطاب‪ ،‬وقد‬‫عن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪ :‬إين لواقف يف ٍ‬
‫وضع على سريره إذا رجل من خلفي قد وضع مرفقه على منكيب‪ ،‬يقول رمحك اهلل‪ :‬إن‬
‫كنت ألرجو أن جيعلك اهلل مع صاحبيك ألين كثرياً مما كنت أمسع رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم يقول‪ :‬كنت وأبو بكر وعمر‪ ،‬وفعلت وأبو بكر وعمر‪ ،‬وانطلقت وأبو بكر‬
‫‪.‬وعمر فإن كنت ألرجو أن جيعلك اهلل معهما‪ ،‬فالتفت فإذا هو علي بن أيب طالب‬
‫‪:‬ويف هذا األثر من الفوائد ما يلي‬
‫‪.‬شهود ابن عباس رضي وعلي بن أيب طالب جنازة أمري املؤمنني عمر رضي اهلل عنه )‪1‬‬

‫أن علياً رضي اهلل عنه كان يرجو أن يدفن عمر جبوار النيب صلى اهلل عليه وسلم وأيب )‪2‬‬

‫بكر ألنه كان كثرياً ما يسمع النيب صلى اهلل عليه وسلم يذكر نفسه مث أبا بكر وعمر‬
‫فيقول خرجت أنا وأبو بكر وعمر‪ ،‬ودخلت أنا وأبو بكر وعمر‪ .‬فاستنبط علي من ذلك‬
‫أهنما ال بد وأن يكونا أصحاباً لرسوله يف اآلخرة‪ ،‬ويف الربزخ كما جعلهم اهلل أصحابا‬
‫‪.‬للرسول يف الدنيا‪ ،‬وهذا من فقه علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه‬
‫الرسول صلى اهلل عليه وسلم يستخلف الصديق على الصالة‪" :‬عن عائشة رضي اهلل عنها‬
‫أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال يف مرضه‪[ :‬مروا أبا بكر يصلي بالناس]‪ .‬قالت‬
‫عائشة‪ :‬قلت‪ :‬إن أبا بكر إذا قام مقامك مل يسمع الناس من البكاء‪ ،‬فمر عمر فليصل‪،‬‬
‫فقال‪[ :‬مروا أبا بكر فليصل بالناس]‪ ،‬فقالت عائشة‪ :‬فقلت حلفصة‪ :‬قويل (له)‪ :‬إن أبا بكر‬
‫إذا قام مقامك مل يسمع الناس من البكاء‪ ،‬فمر عمر فليصل بالناس‪ ،‬ففعلت حفصة‪ ،‬فقال‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪[ :‬إنكن ألننت صواحب يوسف‪ ،‬مروا أبا بكر فليصل‬
‫‪".‬بالناس]‪ ،‬فقالت حفصة لعائشة‪ :‬ما كنت ألصيب منك خرياً‬
‫ويف رواية قال‪" :‬أمر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس يف مرضه‪،‬‬
‫فكان يصلي هبم‪ ،‬قال عروة‪ :‬فوجد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من نفسه خفة فخرج‪،‬‬
‫فإذا أبو بكر يؤم الناس‪ ،‬فلما رآه أبو بكر استأخر‪ ،‬فأشار إليه رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ :‬أن كما أنت‪ ،‬فجلس رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حذاء أيب بكر إىل جنبه‪،‬‬
‫فكان أبو بكر يصلي بصالة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم والناس يصلون بصالة أيب‬
‫‪".‬بكر‬
‫ويف رواية‪" :‬قال األسود بن يزيد‪ :‬كنا عند عائشة‪ ،‬فذكرنا املواظبة على الصالة والتعظيم‬
‫هلا‪ ،‬فقالت‪ :‬ملا مرض رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم مرضه الذي مات فيه‪ ،‬فحضرت‬
‫الصالة فأذن فقال‪[ :‬مروا أبا بكر فليصل بالناس]‪ ،‬فقيل‪ :‬أن أبا بكر رجل أسيف‪ ،‬إذا قام‬
‫مقامك مل يستطع أن يصلي بالناس وأعاد‪ ،‬فأعادوا‪ ،‬وأعاد الثالثة‪ ،‬فقال‪[ :‬إنكن صواحب‬
‫يوسف‪ ،‬مروا أبا بكر فليصل للناس]‪ ،‬فخرج أبو بكر يصلي‪ ،‬فوجد النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم من نفسه خفة‪ ،‬فخرج يهادي بني رجلني‪ ،‬كأين أنظر رجليه ختطان من الوجع فأراد‬
‫أبو بكر أن يتأخر‪ ،‬فأومأ إليه النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬أن مكانك‪ ،‬مث أيت به حىت جلس‬
‫إىل جنبه‪ ،‬فقيل لألعمش‪ :‬فكان النيب صلى اهلل عليه وسلم يصلي‪ ،‬وأبو بكر يصلي بصالته‪،‬‬
‫والناس يصلون بصالة أيب بكر؟ فقال برأسه‪[ :‬نعم]‪ ،‬قال البخاري‪ :‬وزاد معاوية "جلس‬
‫‪".‬عن يسار أيب بكر‪ ،‬وكان أبو بكر قائماً‬
‫ويف رواية للبخاري‪ ،‬وفيه "جاء بالل يؤذنه بالصالة‪ ،‬فقال‪[ :‬مروا أبا بكر يصلي بالناس]‪،‬‬
‫قالت‪ :‬فقلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إن أبا بكر رجل أسيف‪ ،‬وإنه مىت يقوم مقامك ال يسمع‬
‫الناس‪ ،‬فلو أمرت عمر؟ فقال‪[ :‬مروا أبا بكر يصلي بالناس‪ ]..‬مث ذكر قوهلا حلفصة‪ ،‬وقول‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم‪[ :‬إنكن ألننت صواحب يوسف]‪ ،‬وأنه عليه السالم وجد خفة‬
‫فخرج‪ ..‬مث ذكر إىل قوله‪ :‬حىت جلس عن يسار أيب بكر‪ ،‬فكان أبو بكر يصلي قائما‪،‬‬
‫وكان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يصلي قاعداً‪ ،‬يقتدي أبو بكر بصالة رسول اهلل صلى‬
‫‪".‬اهلل عليه وسلم‪ ،‬والناس بصالة أيب بكر‬
‫ويف أخرى حنوه‪ ،‬وفيه "إن أبا بكر رجل أسيف‪ ،‬إن يقم مقامك يبك‪ ،‬وال يقدر على‬
‫القراءة‪ ،‬ومل يذكر قوهلا حلفصة‪ .‬ويف آخرة فتأخر أبو بكر‪ ،‬وقعد النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪".‬إىل جنبه‪ ،‬وأبو بكر يسمع الناس التكبري‬
‫ويف أخرى هلما‪ :‬أن عائشة قالت‪" :‬لقد راجعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يف ذلك‪،‬‬
‫وما محلين على كثرة مراجعته إال أنه مل يقع يف قليب أن حيب الناس بعده رجالً قام مقامه‬
‫أبداً وإين كنت أرى أنه لن يقوم مقامه أحد إال تشاءم الناس به‪ ،‬فأردت أن يعدل ذلك‬
‫‪".‬رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن أيب بكر‬
‫ويف أخرى هلما قالت‪" :‬ملا دخل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بييت‪ ،‬قال [مروا أبا بكر‬
‫فليصل بالناس]‪ ،‬قالت‪ :‬فقلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إن أبا بكر رجل رقيق‪ ،‬إذا قرأ القرآن ال‬
‫ميلك دمعه‪ ،‬فلو أمرت غري أيب بكر؟ قالت‪ :‬واهلل ما يب إال كراهية أن يتشاءم الناس بأول‬
‫من يقوم يف مقام رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬قالت‪ :‬فراجعته مرتني أو ثالثاً‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫‪[.‬ليصل بالناس أبو بكر‪ ،‬فإنكن صواحب يوسف]‪( .‬رواه البخاري ومسلم)‬
‫وعن أيب موسى األشعري رضي اهلل عنه قال‪" :‬مرض النيب صلى اهلل عليه وسلم فاشتد‬
‫مرضه‪ ،‬فقال‪[ :‬مروا أبا بكر فليصل بالناس]‪ ،‬قالت عائشة‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إنه رجل رقيق‪،‬‬
‫إذا قام مقامك مل يستطع أن يصلي بالناس‪ ،‬فقال‪[ :‬مري أبا بكر فليصل بالناس]‪ ،‬فعادت‪،‬‬
‫فقال‪[ :‬مري أبا بكر فليصل بالناس‪ ،‬فإنكن صواحب يوسف]‪ ،‬فأتاه الرسول‪ ،‬فصلى‬
‫‪.‬بالناس يف حياة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم"‪( .‬أخرجه البخاري ومسلم)‬
‫‪:‬ويف هذا احلديث من الفوائد ما يلي‬
‫اختيار الرسول صلى اهلل عليه وسلم أبا بكر ليصلي بالناس دليل على إمامته‪ ،‬ألن الصالة )‪1‬‬

‫أشرف عمل للمسلمني‪ ،‬وإمامتها مهمة اإلمام والقائد‪ ،‬ولذلك كان ال يؤم اجليش إال‬
‫القائد‪ ،‬فتقدمي الرسول أليب بكر ليصلي بالناس من أعظم األدلة أنه قد ارتضاه بل عينه إماماً‬
‫‪.‬للناس يف كل الشئون ألن الصالة هي العنوان وهي أعظم شئون املسلمني‬
‫خوف السيدة عائشة رضي اهلل عنها على أبيها أن يتشاءم الناس من مقامه مقام الرسول )‪2‬‬

‫مما يدل على نزاهتها وبراءهتا رضي اهلل عنها وأهنا مل تكن ال هي وال أبوها طامعني يف‬
‫إمارة أو خالفة‪ .‬وإصرار الرسول صلى اهلل عليه وسلم على تولية أيب بكر يدل على أن‬
‫الرسول صلى اهلل عليه وسلم مل يكن ليدع أهم األمور وهي إمامة املسلمني دون أن يرشد‬
‫‪.‬إليها ويبينها ويف تولية الصديق اإلمامة أمت البيان‬
‫وعن عبداهلل بن زمعة رضي اهلل عنه قال‪" :‬ملا استعز بالنيب صلى اهلل عليه وسلم –وأنا عنده‬
‫يف نفر من الناس‪ -‬دعاه بالل إىل الصالة‪ ،‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪[ :‬مروا أبا‬
‫بكر يصلي بالناس]‪ ،‬قال فخرجنا‪ ،‬فإذا عمر يف الناس‪ ،‬وكان أبو بكر غائباً‪ ،‬فقلت‪ :‬يا‬
‫عمر‪ ،‬قم فصل للناس‪ ،‬فتقدم فكرب‪ ،‬فلما مسع النيب صلى اهلل عليه وسلم صوته ‪-‬وكان عمر‬
‫رجالً جمهراً‪ -‬قال‪[ :‬فأين أبو بكر؟ يأىب اهلل ذلك واملسلمون‪ ،‬يأىب اهلل ذلك واملسلمون‪،‬‬
‫يأىب اهلل ذلك واملسلمون]‪ ،‬فبعث إىل أيب بكر‪ ،‬فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصالة‪،‬‬
‫‪".‬فصلى بالناس‬
‫زاد يف رواية قال‪" :‬ملا أن مسع النيب صلى اهلل عليه وسلم صوت عمر (قال ابن زمعة)‪،‬‬
‫خرج النيب صلى اهلل عليه وسلم حىت أطلع رأسه من حجرته‪ ،‬مث قال‪[ :‬ال‪ ،‬ال‪ ،‬ال‪ ،‬ليصل‬
‫‪.‬بالناس ابن أيب قحافة]‪ ..‬يقول ذلك مغضباً" أخرجه أبو داود وهو حديث حسن‬
‫‪:‬ومن جمموع هذه الروايات نستفيد الفوائد اآلتية‬
‫أن اختيار الرسول صلى اهلل عليه وسلم أليب بكر ليصلي بالناس أعظم دليل على تقدميه )‪1‬‬

‫وتزكيته لتويل أمور املسلمني والقيام باألمر من بعده‪ .‬كما استدل بذلك الصحابة وقالوا‬
‫"رضيه رسول اهلل لديننا‪ ،‬أفال نرضاه لدنيانا"‪ .‬وذلك أن الصالة هي أعظم أعمال اإلسالم‬
‫بعد الشهادتني واإلميان‪ ،‬وهي أعظم أعمال اخللفاء والوالة كما قال تعاىل‪{ :‬الذين إن‬
‫مكناهم يف األرض أقاموا الصالة وآتوا الزكاة‪ ،‬وأمروا باملعروف وهنوا عن املنكر} فبدأ‬
‫بالصالة أوالً حىت يشعرنا أهنا أعظم أعمال الدين وأعظم أفعال والة األمور‪ ،‬واختيار‬
‫الرسول صلى اهلل عليه وسلم أليب بكر ليؤم الناس يف مرض موته أصرح الدالالت على أن‬
‫الرسول صلى اهلل عليه وسلم اختار الصديق إلمامة املسلمني وخالفة النبوة‪ .‬فلعنة اهلل على‬
‫الزنادقة الرافضة الذين زعموا أن الرسول صلى اهلل عليه وسلم قد نص على خالفة علي أيب‬
‫طالب فكيف ينص على ذلك ويويل الصديق إمامة الناس ويقول‪[ :‬يأىب اهلل واملؤمنون إال أبا‬
‫‪.‬بكر]‬
‫أن الرسول صلى اهلل عليه وسلم أصر على إمامة الصديق مع مراجعة عائشة وحفصة له‪2) .‬‬

‫وقد ذكرت عائشة أن سبب مراجعتها خشيتها أن يكره املسلمون أبا بكر لقيامه مقام‬
‫‪.‬رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم الذي أحبوه أكثر من آبائهم وأمهاهتم وأنفسهم‬
‫ولكن اهلل سبحانه وتعاىل جعل قيام الصديق مقام رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من أعظم‬
‫الربكات واخلريات على األمة اإلسالمية‪ ،‬إذ قام خري قيام خبالفة رسول اهلل وقيادة األمة إىل‬
‫‪.‬الرشد والسداد‪ ،‬وإبقاء سنة الرسول صلى اهلل عليه وسلم حية قائمة‬
‫شهادة الرسول صلى اهلل عليه وسلم خبالفة الصديق‪ :‬روى البخاري بإسناده عن حممد بن‬
‫جبري بن مطعم‪ ،‬عن أبيه قال‪ :‬أتت امرأة النيب صلى اهلل عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه‪،‬‬
‫قالت أرأيت إن جئت ومل أجدك‪ ،‬كأهنا تقول املوت‪ ،‬قال عليه الصالة والسالم‪[ :‬إن مل‬
‫‪.‬جتديين فأيت أبا بكر]‬
‫وهذه شهادة من الرسول صلى اهلل عليه وسلم وخرب صادق منه‪ ،‬وداللة من دالئل نبوته‬
‫وصدقه صلى اهلل عليه وسلم أن الذي سريجع إليه بعد وفاته صلى اهلل عليه وسلم إمنا هو‬
‫الصديق رضي اهلل عنه‪ ،‬فأي شهادة أبلغ من هذه وأصرح للداللة على أن املرجع بعد‬
‫‪.‬الرسول صلى اهلل عليه وسلم إمنا هو أبو بكر رضي اهلل عنه‬
‫‪:‬ومما يدل على هذا أيضا هذه الرؤيا للرسول صلى اهلل عليه وسلم‬
‫روى اإلمام البخاري بإسناده عن الزهري‪ ،‬قال أخربين ابن املسيب مسع أبا هريرة رضي اهلل‬
‫عنه‪ ،‬قال مسعت النيب صلى اهلل عليه وسلم يقول‪[ :‬بينا أنا نائم رأيتين على قليب عليها دلو‪،‬‬
‫فنزعت منها ما شاء اهلل‪ ،‬مث أخذها ابن أيب قحافة فنزع هبا ذنوبا أو ذنوبني ويف نزعه‬
‫ضعف واهلل يغفر له ضعفه‪ ،‬مث استحالت غربا فأخذها ابن اخلطاب فلم أر عبقريا من الناس‬
‫‪.‬ينزع نزع عمر حىت ضرب الناس بعطن]‬
‫إن اخلالفة بعد الرسول إمنا تكون أليب بكر مث عمر وإن خالفة الصديق تكون قصرية مث تأيت‬
‫خالفة الفاروق حيث يفيض املال وتعظم الفتوح وتستحيل دولة اإلسالم إىل دولة عظمى‪،‬‬
‫حىت يضرب الناس بعطن‪( ..‬والعطن) هو مرقد اإلبل وهذه كناية وإشارة إىل استقرار األمة‬
‫‪.‬وكثرة عددها وقيام سوقها‬
‫الرسول صلى اهلل عليه وسلم يأمر الصحابة حبفظ مكانة الصديق وأال يؤذى أبداً‪ :‬روى‬
‫اإلمام البخاري بإسناده عن أيب الدرداء رضي اهلل عنه قال‪" :‬كنت جالساً عند النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم إذا أقبل أبو بكر أخذاً بطرف ثوبه حىت أبدى عن ركبته‪ .‬فقال النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪[ :‬أما صاحبكم فقد غامر فسلم]‪ .‬وقال إين كان بيين وبني ابن اخلطاب‬
‫شيء‪ ،‬فأسرعت إليه مث ندمت‪ ،‬فسألته أن يغفر يل‪ ،‬فأىب علي فأقبلت إليك‪ ،‬فقال يغفر اهلل‬
‫لك يا أبا بكر ثالثاً‪ ،‬مث إن عمر ندم فأتى منزل أيب بكر‪ .‬فسأل أمثَ أبو بكر؟ فقالوا‪ :‬ال‪،‬‬
‫فأتى إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم فجعل وجه النيب صلى اهلل عليه وسلم يتمعر حىت أشفق‬
‫أبو بكر فجثا على ركبتيه‪ ،‬فقال يا رسول اهلل‪[ :‬واهلل أنا كنت أظلم مرتني‪ ،‬فقال النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬إن اهلل بعثين إليكم‪ ،‬فقلتم كذبت‪ ،‬وقال أبو بكر‪ :‬صدق وواساين‬
‫‪.‬بنفسه وماله‪ ،‬فهل أنتم تاركو يل صاحيب مرتني فما أوذي بعد بعدها]‬
‫خامتة هذه أخي املسلم عجالة سريعة أرجو أن تكون قد تعرفت من خالهلا على فضل‬
‫الصديق أيب بكر رضي اهلل تعاىل عنه الذي كان صاحب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪،‬‬
‫ورفيق دربه‪ ،‬ومؤنسه وساعده األمين‪ ،‬والذي كان رجل املهمات الصعبة‪ ،‬والذي شد اهلل‬
‫به أزر رسوله صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وأقامه عوناً له يف أحرج املواقف‪ ،‬وواسى الرسول‬
‫صلى اهلل عليه وسلم بصحبته وماله‪ .‬ومن أجل ذلك شهد اهلل له بأنه األتقى الذي يؤيت ماله‬
‫يتزكى‪ ،‬وبأنه الصاحب الذي مل يكن صاحب غريه مع الرسول صلى اهلل عليه وسلم يف‬
‫اهلجرة والغار‪ ،‬وشهد له النيب صلى اهلل عليه وسلم باجلنة‪ ،‬والسبق والفضل واملنة‪ ،‬والذي‬
‫‪.‬كان أحب الرجال قاطبة إىل قلب النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫وال شك أن كل مؤمن مدين للصديق‪ ،‬ويف رقبته مجيل له‪ .‬فاإلسالم إمنا قام باجلهاد‬
‫والدعوة وبذل املال والنفس وكان للصديق اليد الطوىل يف هذا‪ ،‬وال يشكر اهلل من ال‬
‫‪.‬يشكر الناس‬
‫فواجبنا األول االعرتاف واإلقرار مبا قرره اهلل يف كتابه وذكره النيب صلى اهلل عليه وسلم يف‬
‫حديثه‪ ،‬وحمبة من ثبتت حمبته هلل ورسوله صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ومواالة من واىل اهلل‬
‫ورسوله‪ ،‬وأبو بكر هو أعظم أولياء اهلل قاطبة بعد الرسل بإمجاع األمة كلها‪ .‬وهو الذي‬
‫اختاره الرسول صلى اهلل عليه وسلم إلقامة األمة وقيادهتا‪ ،‬ونصبه إماماً يف الصالة وهو‬
‫‪.‬حي‪ ،‬إيذاناً وإعالناً أنه قائدها ومرشدها‪ ،‬والقائم باألمر من بعده‬
‫ولذلك فواجب املسلمني اليوم حمبة من أحب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ومواالة ويل‬
‫اهلل األول يف األمة‪ ،‬ومعاداة من تنقص منه‪ ،‬وسبه‪ ،‬والعلم اليقيين أن الذين يسبون أبا بكر‬
‫إمنا هم زنادقة يريدون هدم الدين‪ ،‬وسب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم نفسه‪ .‬بل إهتام‬
‫اهلل العلي القدير بأنه اختار لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم شرار اخللق‪ ،‬وأن الرسول صلى‬
‫اهلل عليه وسلم سكت عنهم وتزوج منهم‪ ،‬وأحبهم وهم ليسوا أهالً لذلك‪ .‬وخلفهم على‬
‫دينه وأمته ليعبثوا هبا‪ ،‬ويبدلوا ويغريوا كما يشاءون‪ .‬هذه هي عقيدهتم وأقواهلم وهم‬
‫ملعونون من أجل ذلك‪ .‬خارجون من الدين بإهتامهم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم الذي‬
‫باع نفسه هلل‪ ،‬وكانت حياته كلها من أجله أن مياري أو يداري‪ ،‬أو يداهن‪ ،‬أو خياف أن‬
‫يظهر حقاً‪ ،‬فاعلم أخي املسلم ذلك جيداً‪ ،‬وتيقن أن الذين يسبون الصديق إمنا يريدون هدم‬
‫‪.‬اإلسالم وال هم هلم غري ذلك‬
‫}ويأىب اهلل إال أن يتم نوره ولو كره الكافرون {‬

‫واحلمد هلل رب العاملني‬


‫******************‬
‫***********‬
‫*****‬

You might also like