Professional Documents
Culture Documents
مقدمة احلمد هلل الذي أرسل عبده ورسوله حممداً صلى اهلل عليه وسلم باهلدى والنور
املبني ،وجعله إماماً وقائداً للغر احملجلني ،واختار له خري األصحاب واألحباب واألنصار
من اجملاهدين املؤمنني ،واألبرار الصاحلني ،فكانوا خري أمة أخرجت للناس أمجعني والصالة
والسالم علي نيب اهلدى والرمحة ،واملريب الكامل ،والرسول األمني الذي رىب وزكى أطهر
أمة ،وخري رجال عرفهم التاريخ فكانوا مثالً للناس أمجعني وقدوة لكل من أراد اهلل والدار
،،،اآلخرة ممن يأيت بعدهم من املسلمني واملؤمنني ،وبعد
فإنه ملا كانت حمبة أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فرضاً واجباً على كل مسلم
وكان شكرهم والثناء عليهم ومواالهتم من ألزم الفروض وأوجب الواجبات ،وملا كانت
احملبة ال تتم إال باملعرفة ،والوقوف على فضائلهم ومناقبهم ،وإحساهنم وشهادة اهلل ورسوله
هلم ،فإنين أحببت أن أيسر ذلك إلخواين املسلمني جبمع فضائل أصحاب النيب املشهورين،
وبيان ثناء اهلل عليهم وشهادة النيب صلى اهلل عليه وسلم هلم تذكرياً حبقهم على كل مسلم
ومؤمن ،وقياماً جبزء من الواجب علينا حنوهم وتبصرياً إلخواين املسلمني حبال من يطعن
فيهم أو ينقصهم وقد التزمت حبمد اهلل أال أذكر إال آية من كتاب اهلل ،أو حديثاً صحيحاً
ثابتاً عن الرسول صلى اهلل عليه وسلم ،وقدمت أحاديث الصحيحني على غريها ،وجعلت
احلديث هو رأس الباب ألن القصد األول هو إبراز شهادة اهلل وشهادة رسوله صلى اهلل
عليه وسلم هلؤالء األصحاب واألخيار ،وحسبك لشهادة اهلل شهادة ،وشهادة رسوله صلى
.اهلل عليه وسلم شهادة
وال شك أنه قد ألف يف هذا املوضوع عشرات بل مئات الكتاب وقد امتازت هذه
السلسلة عن غريها حبسن التنظيم والتبويب ،وسهولة العرض وختصيص املوضوع والتزكية
على الفضائل مع ترمجة موجزة لكل صحايب يذكر ،ومجع شهادة اهلل وشهادة رسوله،
وجتزئ املوضوع ليكون يف متناول اجلميع ،وشرح العبارة الغامضة والكلمات الصعبة يف
.األحاديث ،وبيان موجز ملا يستفاد من األحاديث
ولقد وضعت نصب عيين أن تكون هذه السلسلة بعد متامها إن شاء اهلل تعاىل كتاباً مطوالً
موضوعياً بأيدي املسلمني ،يقرؤه اإلمام بعد الصلوات على املصلني ،والوالد على أوالده،
وجيد من يريد الرتمجة لصحايب أهم فضائله ومناقبه جمموعة ميسرة ،واهلل أسأل أن جيعل هذا
.العمل لوجهه خالصاً ،وأن ينفع به عباده املهتدين ،إنه هو السميع العليم
كتبه عبدالرمحن بن عبداخلالق
الكويت يف 22شعبان سنة 1408هـ
أبو بكر الصديق
نسبه :هو عبداهلل بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب ابن لؤي
القرشي التيمي أبو بكر الصديق بن أيب قحافة خليفة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،وأمه:
.أم اخلري سلمى بنت صخر بن عامر ابنة عم أبيه
حياته :ولد الصديق بعد الفيل بسنتني وستة أشهر ،وصحب النيب قبل البعثة ،وسبق إىل
اإلميان به ،واستمر معه طيلة حياته مبكة ،ورافقه يف اهلجرة ،ويف الغار ،ويف املشاهد كلها،
وكانت الراية معه يوم تبوك ،وحج بالناس إماماً مكانه عندما اشتد وجع النيب يف مرض
موته ،وأمجع املسلمون على خالفته ومسوه خليفة رسول اهلل ،واستمرت خالفته بعد
الرسول صلى اهلل عليه وسلم سنتني وثالثة أشهر تقريباً ،ومات لثالث وستني سنة رضي
.اهلل عنه وأرضاه
:بعض مآثره
كان رضي اهلل عنه أعلم قريش باألنساب ،وكان رجالً سهالً حمبوباً مؤلفاً لقومه ،تاجراً ذا
خلق ومعروف ،وأخلص يف صحبته للرسول صلى اهلل عليه وسلم قبل البعثة وبعدها،
وأسلم مبجرد أن عرض الرسول اإلسالم عليه ،فكان أول رجل يدخل اإلسالم ،وأسلم
بدعوته رجال كثريون منهم عثمان بن عفان ،وطلحة بن عبيداهلل ،والزبري بن العوام ،وسعد
.بن أيب وقاص ،وعبدالرمحن بن عوف
وأسلم الصديق وهو من أغىن قريش ،ومات ومل يرتك ديناراً وال درمهاً ،وإمنا أنفق ماله كله
يف سبيل اهلل ،اعتق سبعة أعبد كلهم يعذب يف اهلل منهم بالل ،وعامر بن فهرية ،ونذيرة،
.والنهدية ،وجارية عمر بن املؤمل
وكانت خالفته من أعظم بركات اهلل على األمة ،فقد اجتمعت األمة عليه ،وقضى على
فتنة الردة ،وادعاء النبوة ،ووجه قوى املسلمني مجيعاً حنو فارس والروم ،فكان الفتح
.والنصر املبني ،فرضي اهلل عنه ولعن شانئيه ومبغضيه
فضائل الصديق أيب بكر رضي اهلل عنه تعاىل أفضل أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم،
وأعالهم منزلة ،وأكربهم كرامة ،وأعظمهم منة على املسلمني هو أبو بكر الصديق رضي
اهلل تعاىل عنه ،ونبدأ بشهادة اهلل سبحانه وتعاىل له ،مث بشهادة النيب املعصوم صلى اهلل عليه
.وسلم ،مث بشهادة األمة املعصومة اليت ال جتتمع على ضاللة
:أ -شهادة اهلل أليب بكر الصديق
شهد اهلل سبحانه وتعاىل للصديق أنه كان الصاحب الوحيد والناصر الوحيد لرسول اهلل بعد
اهلل سبحانه وتعاىل ،فقد مدح اهلل نفسه يف القرآن أنه نصر نبيه حممداً صلى اهلل عليه وسلم
وأخرجه من بني ظهراين الكفار عندما أرادوا قتله ،أو حبسه ،أو طرده ونفيه واختاروا قتله
أخرياً فأجناه اهلل وأخرجه من بني ظهورهم آمناً معاىف .قال تعاىل{ :وإذ ميكر الذين كفروا
ليثبتوك أو يقتلوك أو خيرجوك وميكرون وميكر اهلل واهلل خري املاكرين} فكان من مكره
سبحانه وتعاىل بالكفار أن أخرج النيب حممداً مهاجراً من مكة إىل املدينة والكفار حييطون
به من كل جانب وال ناصر له من األصحاب واملسلمني إال رجل واحد فقط ،مل يرتك النيب
صلى اهلل عليه وسلم يف هذا املوقف العصيب قال تعاىل حاضاً املؤمنني على نصر رسوله:
{اال تنصروه فقد نصره اهلل إذ أخرجه الذين كفروا ثاين اثنني إذ مها يف الغار إذ يقول
لصاحبه ال حتزن إن اهلل معنا} .فأثبت اهلل هنا كرامة الصديق وأنه كان الناصر الوحيد
لرسوله يوم عز الناصر ،وقل النصري ،وأنه أعين الصديق ،كان حزيناً أن يبصر الكفار موقع
الرسول صلى اهلل عليه ولسم فيضيع الدين فيبشره النيب بأن اهلل معهما يرعامها ويكألمها.
ومعية اهلل هنا ثابتة للرسول صلى اهلل عليه وسلم ،والصديق {ال حتزن إن اهلل معنا} وهذه
شهادة من الرسول صلى اهلل عليه وسلم للصديق أقرها اهلل وأثبتها يف كتابه الكرمي ،ناهيك
أن أسرة الصديق كلها كانت يف هذا اليوم العصيب يف خدمة الرسول صلى اهلل عليه وسلم
فأمساء بنت أيب بكر هي اليت توصل الطعام هلما يف الغار ،وعبدالرمحن ابن الصديق هو الذي
يغدو بسرحه عليهما ويتسمع هلما األخبار ومال الصديق ورحائله هي اليت محلت الرسول
صلى اهلل عليه وسلم إىل املدينة ،والصديق هو املؤنس الوحيد بعد اهلل سبحانه وتعاىل ،وهذه
منقبة ليست بعدها منقبة وكرامة كل كرامة هي دوهنا وال شك ،ويكفي هذه الكرامة أن
.اهلل أثبتها يف كفاية وجعلها قرآناً يتلى إىل آخر الدنيا
وأما شهادة اهلل الثابتة للصديق فهو قوله تعاىل{ :وسيجنبها األتقى الذي يؤيت ماله يتزكى
.وما ألحد عنده من نعمة جتزى إال ابتغاء وجه ربه األعلى ولسوف يرضى}
قال اإلمام ابن كثري يف تفسري هذه اآليات" :وقوله تعاىل {وسيجنبها األتقى} أي سيزحزح
عن النار التقي النقي األتقى مث فسره بقوله {الذي يؤيت ماله يتزكى} أي يصرف ماله يف
طاعة ربه ليزكي نفسه وماله وما وهبه اهلل من دين ودنيا {وما ألحد عنده من نعمة
جتزى} أي ليس بذله ماله يف مكافأة من أسدى إليه معروفاً فهو يعطي يف مقابلة ذلك وإمنا
دفعه ذلك {ابتغاء وجه ربه األعلى} أي طمعاً يف أن حيصل له رؤيته يف الدار اآلخرة يف
روضات اجلنات قال اهلل تعاىل {ولسوف يرضى} أي ولسوف يرضى من اتصف هبذه
الصفات ،وقد ذكر غري واحد من املفسرين أن هذه اآليات نزلت يف أيب بكر الصديق
رضي اهلل عنه ،حىت إن بعضهم حكى اإلمجاع من املفسرين على ذلك ،وال شك أنه داخل
فيها وأوىل األمة بعمومها فإن لفظها لفظ العموم ،وهو قوله تعاىل{ :وسيجنبها األتقى،
الذي يؤيت ماله يتزكى وما ألحد عنده من نعمة جتزى} ولكنه مقدم األمة وسابقهم يف
مجيع هذه األوصاف وسائر األوصاف احلميدة فإنه كان صديقاً تقياً كرمياً جواداً بذاالً
ألمواله يف طاعة مواله ونصرة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فكم من دراهم ودنانري بذهلا
ابتغاء وجه ربه الكرمي ومل يكن ألحد من الناس عنده منة حيتاج إىل أن يكافئه هبا ولكن
كان فضله وإحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل وهلذا قال له عروة بن
مسعود وهو سيد ثقيف يوم صلح احلديبية أما واهلل لوال يد لك عندي مل أجزك هبا
ألجبتك وكان الصديق قد اغلظ له يف املقال فإذا كان هذا حاله مع سادات العرب
ورؤساء القبائل فكيف مبن عداهم؟
وهلذا قال تعاىل{ :وما ألحد عنده من نعمة جتزى .إال ابتغاء وجه ربه األعلى .ولسوف
يرضى} .ويف الصحيحني أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال[ :من أنفق زوجني يف
سبيل اهلل دعته خزنة اجلنة يا عبداهلل هذا خري] ،فقال أبو بكر :يا رسول اهلل ما على من
يدعي منها ضرورة فهل يدعى منها كلها أحد؟ قال[ :نعم وأرجو أن تكون منهم ]" (ابن
.كثري ج 4ص)521
وقال اإلمام الشوكاين رمحه اهلل يف هذه اآليات" :وأخرج ابن أيب حامت عن عروة أن أبا بكر
الصديق أعتق سبعة كلهم يعذب يف اهلل .بالل وعامر بن فهرية ،والنهدية وابنتها ،وزنرية،
وأم عيسى ،وأمة بين املؤمل ،وفيه نزلت {وسيجنبها األتقى} إىل آخر السورة ،وأخرج
احلاكم وصححه عن عامر بن عبداهلل بن الزبري ما قدمناه عنه ،وزاد فيه ،فنزلت فيه هذه
اآلية{ :فأما من أعطى واتقى} إال قوله{ :وما ألحد عنده من نعمة جتزى إال ابتغاء وجه
ربه األعلى ولسوف يرضى} وأخرج البزار وابن جرير وابن املنذر والطرباين وابن مردويه
وابن عساكر عنه حنو هذا من وجه آخر ،وأخرج ابن مردويه ابن عباس يف قوله:
{.وسيجنبها األتقى} قال :هو أبو بكر الصديق" أ.هـ (تفسري فتح القدير ج 5ص)455
وحسبك هبذه شهادة من العلي األعلى سبحانه وتعاىل هلذا العبد الكرمي الذي بذل ماله يف
.سبيل اهلل ال يبتغي بذلك إال وجه اهلل سبحانه وتعاىل
ومعىن (من ضرورة) اليت جاءت يف احلديث :أي ال ضرر على من دخل اجلنة وإن مل يدع
إال من باب واحد ما دام قد دخلها ،ولكن هل ألحد من كرامة عند اهلل حىت يدعى من
مجيع األبواب مث يدخل من أي باب يشاء فأخربه النيب صلى اهلل عليه وسلم أن نعم يا أبا
.بكر وأرجو أن تكون منهم ،ورجاء النيب حق حتم ال شك فيه
أبو بكر أسبق الصحابة إسالماً :قال البخاري :حدثنا أمحد بن أيب الطيب حدثنا إمساعيل بن
خمالد ،حدثنا بيان ابن بشر عن وبرة بن عبدالرمحن بن مهام ،قال مسعت عماراً يقول ،رأيت
.رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وما معه إال مخسة أعبد وامرأتان وأبو بكر
هذه شهادة من عمار بن ياسر رضي اهلل عنه – أن الصديق كان الرجل احلر الوحيد مع
الرسول صلى اهلل عليه وسلم .وأسلم يف أول اإلسالم .وال شك أن علي بن أيب طالب كان
.مؤمناً وقتئذ ولكنه كان غالماً صغرياً يف ذلك الوقت
أبو بكر يدافع عن الرسول صلى اهلل عليه وسلم :عن عروة بن الزبري قال :سألت عبداهلل بن
عمرو عن أشد ما صنع املشركون برسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم؟ قال :رأيت عقبة بن
أيب معيط جاء إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم وهو يصلي ،فوضع رداءه يف عنقه فخنقه به
خنقاً شديداً ،فجاء أبو بكر حىت دفعه عنه فقال[ :أتقتلون رجالً أن يقول ريب اهلل وقد
.جاءكم بالبينات من ربكم]( .رواه اإلمام البخاري)
:ويف هذا احلديث من الفوائد ما يلي
شجاعة الصديق وإنه كان يتصدى جملرمي قريش وعتاهتا ممن يؤذون رسول وهذا أحدهم )1
عقبة بن أيب معيط الذي خنق الرسول صلى اهلل عليه وسلم بردائه ،فما رده إال الصديق
.رضي اهلل عنه
متثل الصديق بالقرآن يف دفاعه عن الرسول صلى اهلل عليه وسلم[ :أتقتلون رجالً أن )2
يقول ريب اهلل] واملعىن يا أيها املشركون هل تقتلون الرسول الذي ليس له ذنب معكم إال
.أن يعلن أن اهلل ربه سبحانه وتعاىل .وقد جاءكم بالبيان على ذلك من ربكم الذي خلقكم
أبو بكر يعتين بالنيب صلى اهلل عليه وسلم يف الغار ويف طريق اهلجرة :قال اإلمام البخاري:
حدثنا عبداهلل بن رجاء حدثنا إسرائيل عن أيب إسحاق عن الرباء قال :اشرتى أبو بكر
رضي اهلل عنه من عازب رحالً بثالثة عشر درمهاً ،فقال أبو بكر لعازب :مر الرباء فليحمل
إيل رحلي ،فقال عازب :ال حىت حتدثنا كيف صنعت أنت ورسول اهلل صلى اهلل عليه ّ
وسلم حني خرجتما من مكة واملشركون يطلبونكم؟ قال ارحتلنا من مكة ،فأحيينا أو سرينا
ليلتنا ويومنا حىت أظهرنا ،وقام قائم الظهرية فرميت ببصري هل أرى من ظل فآوى إليه
فإذا صخرة أتيتها ،فنظرت بقية ظل هلا فسويته ،مث فرشت للنيب صلى اهلل عليه وسلم فيه ،مث
قلت له اضجع يا نيب اهلل ،فاضجع النيب صلى اهلل عليه وسلم مث انطلقت انظر ما حويل هل
أرى من الطلب أحداً؟ فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه إىل الصخرة ،يريد منها الذي أردنا،
فسألته فقلت له :ملن أنت يا غالم؟ قال :لرجل من قريش مساه فعرفته ،فقلت :هل يف
غنمك من لنب؟ قال :نعم .قلت فهل أنت حالب لبناً؟ قال :نعم ،فأمرته فاعتقل شاة من
غنمه ،مث أمرته أن ينفض ضرعها من الغبار ،مث أمرته أن ينفض كفيه ،فقال هكذا ضرب
إحدى كفيه باألخرى فحلب يل كثبة من لنب وقد جعلت لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
إداوة على فمها خرقة فصببت على اللنب حىت برد أسفله ،فانطلقت به إىل النيب صلى اهلل
عليه وسلم فوافقته قد استيقظ ،فقلت اشرب يا رسول اهلل ،فشرب حىت رضيت مث قلت قد
آن الرحيل يا رسول اهلل؟ قال [بلى] ،فارحتلنا والقوم يطلبونا ،فلم يدركنا أحد منهم غري
سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له ،فقلت :هذا الطلب قد حلقنا يا رسول اهلل ،فقال:
[.ال حتزن إن اهلل معنا]( .رواه البخاري)
:ويف هذا احلديث فوائد عظيمة منها
اختيار النيب صلى اهلل عليه وسلم أليب بكر وحده دون سائر الصحابة ليصحبه يف رحلة )1
اهلجرة وهي أخطر رحلة ،وأعظم بالء يتعرض له الرسول صلى اهلل عليه وسلم .فقد
عزمت قريش على قتله ،بعد مشورة وتآمر طويل وشرعت فعالً يف التنفيذ وكانت اهلجرة
ليلة التنفيذ ملؤامرهتا اجملرمة .واختيار الرسول أليب بكر يف هذا املوقف واعتماده بعد اهلل عليه
داللة عظيمة على أنه كان أعظم الصحابة إمياناً ورجولة وقدراً وحتمالً للمصاعب ووقوفاً
.يف وجه الشدائد ،وكتماناً لسر الرسول وحمافظة على النيب
ظهر من احلديث إشفاق أيب بكر على الرسول وحدبه عليه وسعيه من أجل احلفاظ عليه )2
أن لكل حيوان فوائد معينة فمنها خلق للركوب ،ومنها ما خلق للحم ،ومنها ما خلق )2
للحم واجلر ،والبقر مل يهيئه اهلل ليكون حيواناً مركوباً .قال تعاىل{ :واألنعام خلقها لكم
فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون} – أي بعضها – وقوله تعاىل{ :واخليل والبغال واحلمري
لرتكبوها وزينة وخيلق ما ال تعلمون} فبني سبحانه أن هذه خلقت للركوب والزينة .وقال
تعاىل أيضاً{ :وإن لكم يف األنعام لعربة نسقيكم مما يف بطوهنا ،ولكم فيها منافع كثرية
..ومنها تأكلون} – أي بعضها
وال شك أن استخدام احليوان يف غري ما خلق اهلل إهدار لنعم اهلل ووضع هلا يف غري ما
.خلقت له
أن أبا بكر وعمر رضي اهلل عنهما من خري أصحاب الرسول صلى اهلل عليه وسلم بل خري
أصحاب الرسول صلى اهلل عليه وسلم ألن الذين كانوا حول النيب صلى اهلل عليه وسلم
وحدثهم هبذه األحاديث العجيبة من كالم البقرة وكالم الذئب سبحوا اهلل تعجباً واستبعاداً
أن يقع مثل ذلك ،أو على األقل استغراباً .فبني هلم الرسول صلى اهلل عليه وسلم أنه يتكلم
مبا يتكلم ويقول ما يقول مؤمناً به واثقاً من خرب اهلل سبحانه وتعاىل ،وأن أبا بكر وعمر
يؤمنان مع الرسول صلى اهلل عليه وسلم بذلك والعجب أهنما مل يكونا حاضرين .وهذه
شهادة كربى من الرسول صلى اهلل عليه وسلم هلما بعظيم اإلميان والتصديق ،وأهنما ال
يرتددان قط يف قبول خرب النيب صلى اهلل عليه وسلم الصادق األمني صلوات اهلل وسالمه
عليه والذي ال يقول إال حقاً ،وال ينطق عن اهلوى {إن هو إال وحي يوحى} .فأي شهادة
أعظم من هذه الشهادة وأي منزلة أعظم أن يشهد هلما الرسول وليسا حاضرين أهنما
يؤمنان مبا قال ،ويصدقان ما يقول ،ال شك أن هذه شهادة عظيمة من الرسول صلى اهلل
.عليه وسلم لصاحبيه املؤمنني املخلصني رضي اهلل عنهما وأرضامها
شهادة الرسول صلى اهلل عليه وسلم للصديق باجلنة واملنزلة العليا :حديث أيب هريرة :قال
مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول[ :من أنفق زوجني من ٍ
شيء من األشياء يف
سبيل اهلل دعي من أبواب – يعين اجلنة ،يا عبد اهلل هذا خري ،فمن كان من أهل الصالة
دعي من باب الصالة ،ومن كان من أهل اجلهاد دعي من باب اجلهاد ،ومن كان من أهل
الصدقة دعي من باب الصدقة ،ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام (و) باب
الريان] .فقال أبو بكر :ما على هذا الذي يدعى من تلك األبواب من ضرورة ،وقال هل
يدعى منها كلها أحد يا رسول اهلل؟ قال[ :نعم ،وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر] (رواه
.اإلمام البخاري)
:ويف هذا احلديث من الفوائد
رجاء الرسول صلى اهلل عليه وسلم أن يكون الصديق من الذي تنادي به مالئكة أبواب )1
اجلنة مجيعاً كل منهم يرجو أن يدخل من الباب القائم عليه وهذا تشريف عظيم للصديق
وأن أبواب اجلنة الثمانية كلها مشرعة لدخوله وأن املالئكة تتنافس وتتسابق يف تشريف
.الصديق وتكرميه بدعوة كل منهم إياه أن يدخل من بابه
أن أبا بكر كان مربزاً يف كل أبواب اخلري يف اجلهاد والصدقة والصيام والصالة مبا مل يربز )2
.غريه
.ومن هذا الباب ما رواه البخاري بإسناده أيضاً
عن عبداهلل بن عمر رضي اهلل عنهما ،قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم[ :من جر
ثوبه خيالء مل ينظر اهلل إليه يوم القيامة] ،فقال أبو بكر إن أحد شقي ثويب يسرتخي إال أن
أتعاهد ذلك منه ،فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم[ :إنك لست تصنع ذلك خيالء].
.قال موسى :فقلت لسامل أذكر عبداهلل من جر إزاره؟ قال مل أمسعه ذكر إال ثوبه
وهذه شهادة من الرسول صلى اهلل عليه وسلم أن الصديق مل يكن يعرف اخليالء والكرب
وليس فيه من خصائل أهل النفاق والكرب شيء ،وأنه الصديق حيرص دائماً على اتباع السنة
فهو يتعاهد إزاره أال يسقط دون الكعبني ،ولكنه يسهو أحياناً وجيد أن جانباً من إزاره
سقط دون الكعبني فيفزع لذلك وخياف .ولقد بشره الرسول صلى اهلل عليه وسلم أن ذلك
منه الذي ليس بعمد ال حرج عليه فيه وكان ميكن أن يبني له الرسول صلى اهلل عليه وسلم
هذا فقط أي أن الغافل والناسي ال شيء عليه ولكن الرسول أراد مدحه أمام القوم كلهم
.فأخرب أنه ليس من أهل الكرب مطلقاً
شهادة ثانية من الرسول صلى اهلل عليه وسلم للصديق والفاروق وعثمان رضي اهلل عنهم
مجيعاً باجلنة :روى اإلمام البخاري بإسناده عن سعيد بن املسيب ،قال أخربين أبو موسى
األشعري أنه توضأ يف بيته ،مث خرج فقلت أللزمن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
وألكونن معه يومي هذا :قال فجاء املسجد فسأل عن النيب صلى اهلل عليه وسلم فقالوا
خرج ووجه هاهنا ،فخرجت على إثره أسأل عنه حىت دخل بئر أريس ،فجلست عند
الباب وباهبا من جريد حىت قضى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حاجته فتوضأ ،فقمت
إليه ،فإذا هو جالس على بئر أريس وتوسط قفها ،وكشف عن ساقيه ودالمها يف البئر،
فسلمت عليه ،مث انصرفت فجلست عند الباب ،فقلت ألكونن بواب رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم اليوم ،فجاء أبو بكر فدفع الباب ،فقلت من هذا؟ فقال أبو بكر ،فقلت على
رسلك ،مث ذهبت فقلت يا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم هذا أبو بكر يستأذن؟ فقال
[ائذن له وبشره باجلنة] ،فأقبلت حىت قلت أليب بكر أدخل ورسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم يبشرك باجلنة ،فدخل أبو بكر فجلس عن ميني رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم معه
يف القف ودىل رجله يف البئر كما صنع النيب صلى اهلل عليه وسلم وكشف عن ساقيه ،مث
رجعت فجلست وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقين ،فقلت إن يرد اهلل بفالن خرياً يريد
أخاه يأت به ،فإذا إنسان حيرك الباب ،فقلت من هذا؟ فقال عمر بن اخلطاب فقلت على
رسلك ،مث جئت إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فسلمت عليه ،فقلت هذا عمر بن
اخلطاب يستأذن ،فقال [ائذن له وبشره باجلنة] فجئت فقلت أدخل وبشرك رسول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم باجلنة ،فدخل فجلس مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يف القف عن
يساره ودىل رجليه يف البئر ،مث رجعت فجلست ،فقلت إن يرد اهلل بفالن خرياً يأت به،
فجاء إنسان حيرك الباب ،فقلت من هذا؟ فقال عثمان بن عفان ،فقلت على رسلك،
فجئت إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فأخربته فقال [ائذن له وبشره باجلنة على بلوى
تصيبه] فجئته فقلت له ادخل وبشرك رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم باجلنة على بلوى
تصيبك ،فدخل فوجد القف قد ملئ فجلس وجاهه من الشق اآلخر ،قال شريك قال
.سعيد بن املسيب فأولتها قبورهم
:ويف هذا احلديث من الفوائد والعلم ما يلي
أن أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم كانوا دائمي السؤال عنه ،كلفني مبحبته وصحبته1) ،
.حمتفني به
.أن الرسول بشر أبا بكر وعمر وعثمان باجلنة )2
أن ورود هؤالء الصحابة الثالثة يف هذه الواقعة على النيب صلى اهلل عليه وسلم كان )3
.برتتيب خالفتهم متاماً وهذا من غرائب الوقائع ،ومما جعله اهلل إشارة إىل ترتيب خالفتهم
)4 أن نبؤة النيب صلى اهلل عليه وسلم يف عثمان قد حتققت متاماً وهذا دالئل نبوة الرسول
صلى اهلل عليه وسلم ،وعالمات صدقه صلى اهلل عليه وسلم .فقد أصيب ببلوى عظيمة
.عندما خرج أولئك السفهاء عليه وقتلوه وهو إمام املسلمني
أن الصحابة رضوان اهلل عليهم أشد الناس حرصاً على متابعة الرسول صلى اهلل عليه )5
.وسلم
فانظر إليهم كيف فعلوا متاماً كما فعل ،وجلسوا على اهليئة اليت جلس عليها وهذا من شدة
متابعتهم وحمبتهم .ومما يدل كذلك على شهادة الرسول صلى اهلل عليه وسلم أليب بكر
باجلنة واإلميان هذا احلديث :عن قتادة أن أنس بن مالك رضي اهلل عنه حدثهم أن النيب
صلى اهلل عليه وسلم صعد أحداً وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف هبم ،فقال [أثبت أحد،
.فإمنا عليك نيب وصديق وشهيدان]( .رواه اإلمام البخاري)
فالصديق أبو بكر ،والشهيدان عمر وعثمان رضي اهلل عنهما وهذا من عالمات نبوة
الرسول صلى اهلل عليه وسلم .فقد عاش أبو بكر ومات صديقاً ،واستشهد عمر واستشهد
.عثمان رضي اهلل عنهم مجيعاً
شهادة علي بن أيب طالب أن الصديق هو خري الناس بعد رسول اهلل :قال البخاري :حدثنا
حممد بن كثري أخربنا سفيان ،حدثنا جامع بن أيب راشد ،حدثنا أبو يعلى عن حممد بن
احلنفية ،قال قلت أليب :أي الناس خري بعد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم؟ قال أبو بكر،
مث قلت مث من؟ قال :مث عمر ،وخشيت أن يقول عثمان ،قلت مث أنت؟ ما أنا إال رجل من
.املسلمني
وهذه شهادة من أمري املؤمنني علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه أن أبا بكر هو خري الناس
بعد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وأن عمر هو خري الناس بعد الرسول صلى اهلل عليه
وسلم والصديق فتباً وسحقاً ملن اعتقد أن علياً كان يبغض الصديق والفاروق أو كان
يسبهما أو يلعنهما .أال لعنة اهلل على الظاملني الكاذبني .وأبلغ من هذه الشهادة ما رواه
.اإلمام البخاري أيضاً
قوم ،فدعوا اهلل لعمر ابن اخلطاب ،وقدعن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال :إين لواقف يف ٍ
وضع على سريره إذا رجل من خلفي قد وضع مرفقه على منكيب ،يقول رمحك اهلل :إن
كنت ألرجو أن جيعلك اهلل مع صاحبيك ألين كثرياً مما كنت أمسع رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم يقول :كنت وأبو بكر وعمر ،وفعلت وأبو بكر وعمر ،وانطلقت وأبو بكر
.وعمر فإن كنت ألرجو أن جيعلك اهلل معهما ،فالتفت فإذا هو علي بن أيب طالب
:ويف هذا األثر من الفوائد ما يلي
.شهود ابن عباس رضي وعلي بن أيب طالب جنازة أمري املؤمنني عمر رضي اهلل عنه )1
أن علياً رضي اهلل عنه كان يرجو أن يدفن عمر جبوار النيب صلى اهلل عليه وسلم وأيب )2
بكر ألنه كان كثرياً ما يسمع النيب صلى اهلل عليه وسلم يذكر نفسه مث أبا بكر وعمر
فيقول خرجت أنا وأبو بكر وعمر ،ودخلت أنا وأبو بكر وعمر .فاستنبط علي من ذلك
أهنما ال بد وأن يكونا أصحاباً لرسوله يف اآلخرة ،ويف الربزخ كما جعلهم اهلل أصحابا
.للرسول يف الدنيا ،وهذا من فقه علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه
الرسول صلى اهلل عليه وسلم يستخلف الصديق على الصالة" :عن عائشة رضي اهلل عنها
أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال يف مرضه[ :مروا أبا بكر يصلي بالناس] .قالت
عائشة :قلت :إن أبا بكر إذا قام مقامك مل يسمع الناس من البكاء ،فمر عمر فليصل،
فقال[ :مروا أبا بكر فليصل بالناس] ،فقالت عائشة :فقلت حلفصة :قويل (له) :إن أبا بكر
إذا قام مقامك مل يسمع الناس من البكاء ،فمر عمر فليصل بالناس ،ففعلت حفصة ،فقال
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم[ :إنكن ألننت صواحب يوسف ،مروا أبا بكر فليصل
".بالناس] ،فقالت حفصة لعائشة :ما كنت ألصيب منك خرياً
ويف رواية قال" :أمر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس يف مرضه،
فكان يصلي هبم ،قال عروة :فوجد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من نفسه خفة فخرج،
فإذا أبو بكر يؤم الناس ،فلما رآه أبو بكر استأخر ،فأشار إليه رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم :أن كما أنت ،فجلس رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حذاء أيب بكر إىل جنبه،
فكان أبو بكر يصلي بصالة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم والناس يصلون بصالة أيب
".بكر
ويف رواية" :قال األسود بن يزيد :كنا عند عائشة ،فذكرنا املواظبة على الصالة والتعظيم
هلا ،فقالت :ملا مرض رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم مرضه الذي مات فيه ،فحضرت
الصالة فأذن فقال[ :مروا أبا بكر فليصل بالناس] ،فقيل :أن أبا بكر رجل أسيف ،إذا قام
مقامك مل يستطع أن يصلي بالناس وأعاد ،فأعادوا ،وأعاد الثالثة ،فقال[ :إنكن صواحب
يوسف ،مروا أبا بكر فليصل للناس] ،فخرج أبو بكر يصلي ،فوجد النيب صلى اهلل عليه
وسلم من نفسه خفة ،فخرج يهادي بني رجلني ،كأين أنظر رجليه ختطان من الوجع فأراد
أبو بكر أن يتأخر ،فأومأ إليه النيب صلى اهلل عليه وسلم :أن مكانك ،مث أيت به حىت جلس
إىل جنبه ،فقيل لألعمش :فكان النيب صلى اهلل عليه وسلم يصلي ،وأبو بكر يصلي بصالته،
والناس يصلون بصالة أيب بكر؟ فقال برأسه[ :نعم] ،قال البخاري :وزاد معاوية "جلس
".عن يسار أيب بكر ،وكان أبو بكر قائماً
ويف رواية للبخاري ،وفيه "جاء بالل يؤذنه بالصالة ،فقال[ :مروا أبا بكر يصلي بالناس]،
قالت :فقلت :يا رسول اهلل ،إن أبا بكر رجل أسيف ،وإنه مىت يقوم مقامك ال يسمع
الناس ،فلو أمرت عمر؟ فقال[ :مروا أبا بكر يصلي بالناس ]..مث ذكر قوهلا حلفصة ،وقول
النيب صلى اهلل عليه وسلم[ :إنكن ألننت صواحب يوسف] ،وأنه عليه السالم وجد خفة
فخرج ..مث ذكر إىل قوله :حىت جلس عن يسار أيب بكر ،فكان أبو بكر يصلي قائما،
وكان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يصلي قاعداً ،يقتدي أبو بكر بصالة رسول اهلل صلى
".اهلل عليه وسلم ،والناس بصالة أيب بكر
ويف أخرى حنوه ،وفيه "إن أبا بكر رجل أسيف ،إن يقم مقامك يبك ،وال يقدر على
القراءة ،ومل يذكر قوهلا حلفصة .ويف آخرة فتأخر أبو بكر ،وقعد النيب صلى اهلل عليه وسلم
".إىل جنبه ،وأبو بكر يسمع الناس التكبري
ويف أخرى هلما :أن عائشة قالت" :لقد راجعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يف ذلك،
وما محلين على كثرة مراجعته إال أنه مل يقع يف قليب أن حيب الناس بعده رجالً قام مقامه
أبداً وإين كنت أرى أنه لن يقوم مقامه أحد إال تشاءم الناس به ،فأردت أن يعدل ذلك
".رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن أيب بكر
ويف أخرى هلما قالت" :ملا دخل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بييت ،قال [مروا أبا بكر
فليصل بالناس] ،قالت :فقلت :يا رسول اهلل ،إن أبا بكر رجل رقيق ،إذا قرأ القرآن ال
ميلك دمعه ،فلو أمرت غري أيب بكر؟ قالت :واهلل ما يب إال كراهية أن يتشاءم الناس بأول
من يقوم يف مقام رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،قالت :فراجعته مرتني أو ثالثاً ،فقال:
[.ليصل بالناس أبو بكر ،فإنكن صواحب يوسف]( .رواه البخاري ومسلم)
وعن أيب موسى األشعري رضي اهلل عنه قال" :مرض النيب صلى اهلل عليه وسلم فاشتد
مرضه ،فقال[ :مروا أبا بكر فليصل بالناس] ،قالت عائشة :يا رسول اهلل ،إنه رجل رقيق،
إذا قام مقامك مل يستطع أن يصلي بالناس ،فقال[ :مري أبا بكر فليصل بالناس] ،فعادت،
فقال[ :مري أبا بكر فليصل بالناس ،فإنكن صواحب يوسف] ،فأتاه الرسول ،فصلى
.بالناس يف حياة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم"( .أخرجه البخاري ومسلم)
:ويف هذا احلديث من الفوائد ما يلي
اختيار الرسول صلى اهلل عليه وسلم أبا بكر ليصلي بالناس دليل على إمامته ،ألن الصالة )1
أشرف عمل للمسلمني ،وإمامتها مهمة اإلمام والقائد ،ولذلك كان ال يؤم اجليش إال
القائد ،فتقدمي الرسول أليب بكر ليصلي بالناس من أعظم األدلة أنه قد ارتضاه بل عينه إماماً
.للناس يف كل الشئون ألن الصالة هي العنوان وهي أعظم شئون املسلمني
خوف السيدة عائشة رضي اهلل عنها على أبيها أن يتشاءم الناس من مقامه مقام الرسول )2
مما يدل على نزاهتها وبراءهتا رضي اهلل عنها وأهنا مل تكن ال هي وال أبوها طامعني يف
إمارة أو خالفة .وإصرار الرسول صلى اهلل عليه وسلم على تولية أيب بكر يدل على أن
الرسول صلى اهلل عليه وسلم مل يكن ليدع أهم األمور وهي إمامة املسلمني دون أن يرشد
.إليها ويبينها ويف تولية الصديق اإلمامة أمت البيان
وعن عبداهلل بن زمعة رضي اهلل عنه قال" :ملا استعز بالنيب صلى اهلل عليه وسلم –وأنا عنده
يف نفر من الناس -دعاه بالل إىل الصالة ،فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم[ :مروا أبا
بكر يصلي بالناس] ،قال فخرجنا ،فإذا عمر يف الناس ،وكان أبو بكر غائباً ،فقلت :يا
عمر ،قم فصل للناس ،فتقدم فكرب ،فلما مسع النيب صلى اهلل عليه وسلم صوته -وكان عمر
رجالً جمهراً -قال[ :فأين أبو بكر؟ يأىب اهلل ذلك واملسلمون ،يأىب اهلل ذلك واملسلمون،
يأىب اهلل ذلك واملسلمون] ،فبعث إىل أيب بكر ،فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصالة،
".فصلى بالناس
زاد يف رواية قال" :ملا أن مسع النيب صلى اهلل عليه وسلم صوت عمر (قال ابن زمعة)،
خرج النيب صلى اهلل عليه وسلم حىت أطلع رأسه من حجرته ،مث قال[ :ال ،ال ،ال ،ليصل
.بالناس ابن أيب قحافة] ..يقول ذلك مغضباً" أخرجه أبو داود وهو حديث حسن
:ومن جمموع هذه الروايات نستفيد الفوائد اآلتية
أن اختيار الرسول صلى اهلل عليه وسلم أليب بكر ليصلي بالناس أعظم دليل على تقدميه )1
وتزكيته لتويل أمور املسلمني والقيام باألمر من بعده .كما استدل بذلك الصحابة وقالوا
"رضيه رسول اهلل لديننا ،أفال نرضاه لدنيانا" .وذلك أن الصالة هي أعظم أعمال اإلسالم
بعد الشهادتني واإلميان ،وهي أعظم أعمال اخللفاء والوالة كما قال تعاىل{ :الذين إن
مكناهم يف األرض أقاموا الصالة وآتوا الزكاة ،وأمروا باملعروف وهنوا عن املنكر} فبدأ
بالصالة أوالً حىت يشعرنا أهنا أعظم أعمال الدين وأعظم أفعال والة األمور ،واختيار
الرسول صلى اهلل عليه وسلم أليب بكر ليؤم الناس يف مرض موته أصرح الدالالت على أن
الرسول صلى اهلل عليه وسلم اختار الصديق إلمامة املسلمني وخالفة النبوة .فلعنة اهلل على
الزنادقة الرافضة الذين زعموا أن الرسول صلى اهلل عليه وسلم قد نص على خالفة علي أيب
طالب فكيف ينص على ذلك ويويل الصديق إمامة الناس ويقول[ :يأىب اهلل واملؤمنون إال أبا
.بكر]
أن الرسول صلى اهلل عليه وسلم أصر على إمامة الصديق مع مراجعة عائشة وحفصة له2) .
وقد ذكرت عائشة أن سبب مراجعتها خشيتها أن يكره املسلمون أبا بكر لقيامه مقام
.رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم الذي أحبوه أكثر من آبائهم وأمهاهتم وأنفسهم
ولكن اهلل سبحانه وتعاىل جعل قيام الصديق مقام رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من أعظم
الربكات واخلريات على األمة اإلسالمية ،إذ قام خري قيام خبالفة رسول اهلل وقيادة األمة إىل
.الرشد والسداد ،وإبقاء سنة الرسول صلى اهلل عليه وسلم حية قائمة
شهادة الرسول صلى اهلل عليه وسلم خبالفة الصديق :روى البخاري بإسناده عن حممد بن
جبري بن مطعم ،عن أبيه قال :أتت امرأة النيب صلى اهلل عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه،
قالت أرأيت إن جئت ومل أجدك ،كأهنا تقول املوت ،قال عليه الصالة والسالم[ :إن مل
.جتديين فأيت أبا بكر]
وهذه شهادة من الرسول صلى اهلل عليه وسلم وخرب صادق منه ،وداللة من دالئل نبوته
وصدقه صلى اهلل عليه وسلم أن الذي سريجع إليه بعد وفاته صلى اهلل عليه وسلم إمنا هو
الصديق رضي اهلل عنه ،فأي شهادة أبلغ من هذه وأصرح للداللة على أن املرجع بعد
.الرسول صلى اهلل عليه وسلم إمنا هو أبو بكر رضي اهلل عنه
:ومما يدل على هذا أيضا هذه الرؤيا للرسول صلى اهلل عليه وسلم
روى اإلمام البخاري بإسناده عن الزهري ،قال أخربين ابن املسيب مسع أبا هريرة رضي اهلل
عنه ،قال مسعت النيب صلى اهلل عليه وسلم يقول[ :بينا أنا نائم رأيتين على قليب عليها دلو،
فنزعت منها ما شاء اهلل ،مث أخذها ابن أيب قحافة فنزع هبا ذنوبا أو ذنوبني ويف نزعه
ضعف واهلل يغفر له ضعفه ،مث استحالت غربا فأخذها ابن اخلطاب فلم أر عبقريا من الناس
.ينزع نزع عمر حىت ضرب الناس بعطن]
إن اخلالفة بعد الرسول إمنا تكون أليب بكر مث عمر وإن خالفة الصديق تكون قصرية مث تأيت
خالفة الفاروق حيث يفيض املال وتعظم الفتوح وتستحيل دولة اإلسالم إىل دولة عظمى،
حىت يضرب الناس بعطن( ..والعطن) هو مرقد اإلبل وهذه كناية وإشارة إىل استقرار األمة
.وكثرة عددها وقيام سوقها
الرسول صلى اهلل عليه وسلم يأمر الصحابة حبفظ مكانة الصديق وأال يؤذى أبداً :روى
اإلمام البخاري بإسناده عن أيب الدرداء رضي اهلل عنه قال" :كنت جالساً عند النيب صلى
اهلل عليه وسلم إذا أقبل أبو بكر أخذاً بطرف ثوبه حىت أبدى عن ركبته .فقال النيب صلى
اهلل عليه وسلم[ :أما صاحبكم فقد غامر فسلم] .وقال إين كان بيين وبني ابن اخلطاب
شيء ،فأسرعت إليه مث ندمت ،فسألته أن يغفر يل ،فأىب علي فأقبلت إليك ،فقال يغفر اهلل
لك يا أبا بكر ثالثاً ،مث إن عمر ندم فأتى منزل أيب بكر .فسأل أمثَ أبو بكر؟ فقالوا :ال،
فأتى إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم فجعل وجه النيب صلى اهلل عليه وسلم يتمعر حىت أشفق
أبو بكر فجثا على ركبتيه ،فقال يا رسول اهلل[ :واهلل أنا كنت أظلم مرتني ،فقال النيب
صلى اهلل عليه وسلم :إن اهلل بعثين إليكم ،فقلتم كذبت ،وقال أبو بكر :صدق وواساين
.بنفسه وماله ،فهل أنتم تاركو يل صاحيب مرتني فما أوذي بعد بعدها]
خامتة هذه أخي املسلم عجالة سريعة أرجو أن تكون قد تعرفت من خالهلا على فضل
الصديق أيب بكر رضي اهلل تعاىل عنه الذي كان صاحب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم،
ورفيق دربه ،ومؤنسه وساعده األمين ،والذي كان رجل املهمات الصعبة ،والذي شد اهلل
به أزر رسوله صلى اهلل عليه وسلم ،وأقامه عوناً له يف أحرج املواقف ،وواسى الرسول
صلى اهلل عليه وسلم بصحبته وماله .ومن أجل ذلك شهد اهلل له بأنه األتقى الذي يؤيت ماله
يتزكى ،وبأنه الصاحب الذي مل يكن صاحب غريه مع الرسول صلى اهلل عليه وسلم يف
اهلجرة والغار ،وشهد له النيب صلى اهلل عليه وسلم باجلنة ،والسبق والفضل واملنة ،والذي
.كان أحب الرجال قاطبة إىل قلب النيب صلى اهلل عليه وسلم
وال شك أن كل مؤمن مدين للصديق ،ويف رقبته مجيل له .فاإلسالم إمنا قام باجلهاد
والدعوة وبذل املال والنفس وكان للصديق اليد الطوىل يف هذا ،وال يشكر اهلل من ال
.يشكر الناس
فواجبنا األول االعرتاف واإلقرار مبا قرره اهلل يف كتابه وذكره النيب صلى اهلل عليه وسلم يف
حديثه ،وحمبة من ثبتت حمبته هلل ورسوله صلى اهلل عليه وسلم ،ومواالة من واىل اهلل
ورسوله ،وأبو بكر هو أعظم أولياء اهلل قاطبة بعد الرسل بإمجاع األمة كلها .وهو الذي
اختاره الرسول صلى اهلل عليه وسلم إلقامة األمة وقيادهتا ،ونصبه إماماً يف الصالة وهو
.حي ،إيذاناً وإعالناً أنه قائدها ومرشدها ،والقائم باألمر من بعده
ولذلك فواجب املسلمني اليوم حمبة من أحب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ومواالة ويل
اهلل األول يف األمة ،ومعاداة من تنقص منه ،وسبه ،والعلم اليقيين أن الذين يسبون أبا بكر
إمنا هم زنادقة يريدون هدم الدين ،وسب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم نفسه .بل إهتام
اهلل العلي القدير بأنه اختار لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم شرار اخللق ،وأن الرسول صلى
اهلل عليه وسلم سكت عنهم وتزوج منهم ،وأحبهم وهم ليسوا أهالً لذلك .وخلفهم على
دينه وأمته ليعبثوا هبا ،ويبدلوا ويغريوا كما يشاءون .هذه هي عقيدهتم وأقواهلم وهم
ملعونون من أجل ذلك .خارجون من الدين بإهتامهم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم الذي
باع نفسه هلل ،وكانت حياته كلها من أجله أن مياري أو يداري ،أو يداهن ،أو خياف أن
يظهر حقاً ،فاعلم أخي املسلم ذلك جيداً ،وتيقن أن الذين يسبون الصديق إمنا يريدون هدم
.اإلسالم وال هم هلم غري ذلك
}ويأىب اهلل إال أن يتم نوره ولو كره الكافرون {