You are on page 1of 1

‫الجمعة ‪ 21‬جمادى اآلخرة ‪1431‬هـ ‪ 4 -‬حزيران ‪ 2010‬م‬

‫‪II‬‬

‫يورغن هابرماس ‪( -‬أرشيفية)‬ ‫الفيلسوف كانط ‪( -‬أرشيفية)‬

‫أسس التحول في مفهوم الحداثة‬


‫هي تلك التي يتم الدفاع عنها‪ ،‬عندما ال يكون‬ ‫للفرد أن يتحول إلى فرد يعيش في مملكة‬ ‫أو تغييبها‪ .‬لكن تحويل الحداثة إلى جسم‬ ‫س��ادت ف��ي العصور الوسطى ف��ي أوروب���ا‪.‬‬ ‫رفضها‪ .‬وترتبط الحداثة بتأكيدها على مفهوم‬
‫د‪ .‬توفيق شومر*‬
‫ممكناً للكثير من الشعوب وباسم "الدفاع عن‬ ‫حريته‪ ،‬متحرراً من قيود عبودية العمل لرأس‬ ‫جمودي حوّل الكثير من مفاهيمها من جوهرها‬ ‫ولذلك فقد جاءت التعبيرات األولى للحداثة‬ ‫الحقيقة وإمكانية الوصول إليها والتحقق‬ ‫يدورُ اليومَ في فضا ِء الفك ِر نقاشٌ حاد حول‬
‫الديمقراطية" الحق في أن يكونوا أح��راراً في‬ ‫المال‪ ،‬ومتمكناً من أن يكون في الوقت عينه‬ ‫الحداثي إلى نوع من المؤسسية الجديدة التي‬ ‫وكأنها تؤكد الفصل التام بين الدين ومفاهيم‬ ‫منها من خالل االعتماد على التحليل العلمي‬ ‫الحداثة وما بعدها‪ ،‬يوجب علينا النظر فيها‬
‫بالدهم‪ ،‬وال يكون لهم الحق في االختيار الحر‬ ‫ال منتجاً‪ .‬فيقول لنا ماركس أنه‬ ‫مفكراً وعام ً‬ ‫حلت مكان المؤسسية الكنسية التي كانت‬ ‫الحداثة‪ .‬لكن هذا الفصل بين اإلثنين لم‬ ‫والمنهجية العلمية في التفكير‪ ،‬ولذلك فهذه‬ ‫والتفكر في انعكاساتها على البنى الفكرية‬
‫لمن يحكمهم ألن��ه ونظراً لضرورة "الدفاع‬ ‫في مملكة الحرية المتمثلة بالمجتمع الحداثي‬ ‫مسيطرة ما قبل الثورة‪.‬‬ ‫ال إذ أن هيغل أكد في تقديمه‬ ‫يستمر طوي ً‬ ‫الحقائق العلمية هي انعكاس لعالم موضوعي‬ ‫المحددة للعالقات االجتماعية واالقتصادية‬
‫عن الديمقراطية" يجب على "القوى المدافعة‬ ‫األمثل من وجهة نظره‪ ،‬المجتمع الشيوعي‪،‬‬ ‫ونظراً إلى أن الجانب المفيد من الحداثة‬ ‫للحداثة على إعادة الربط بينها وبين الدين‬ ‫مستقل عن الذات العارفة‪.‬‬ ‫والثقافية التي تسود اليوم في مجتمعنا‪ .‬وهذا‬
‫عن الديمقراطية" أن تقبل بمجموعة من‬ ‫ال في الصباح‪،‬‬ ‫يمكن لإلنسان أن يكون عام ً‬ ‫للبورجوازية المسيطرة ه��و ذل��ك الجزء‬ ‫وإن كان مفهومه للدين قد تغير بشكل جذري‬ ‫وبالتالي فالحداثة ال تعني التحديث وال تعني‬ ‫يوجب توضيح أن الحداثة ال ترتبط بقدرة‬
‫الدكتاتوريات التابعة لها هنا وهناك؟‬ ‫صياداً بعد الظهر وفيلسوفاً في المساء‪.‬‬ ‫المرتبط بالتصنيع والنتاج والتقدم التقني‪،‬‬ ‫عن المفهوم التقليدي للدين‪ .‬وبالتالي فقد‬ ‫استخدام وسائل تكنولوجية متقدمة‪ ،‬وإنما‬ ‫اإلنسان على التعامل مع التطور التقني فقط‪،‬‬
‫وك��ي ال يقال أن ه��ذا المثال ه��و مثال‬ ‫تعميم العقالنية والعلم في البعد االجتماعي‬ ‫ك��ان ال بد من ابتكار مصطلح يهتم بهذه‬ ‫قدم الدين بشكل متناسب‪ ،‬بحسب رأيه‪ ،‬مع‬ ‫تعني بنية معرفية متميزة يجب استيعابها كي‬ ‫بل هي ترتبط في قدرة اإلنسان على إنتاج هذا‬
‫سياسي من شخص ال ي��رى أهمية "الدفاع‬ ‫يؤهل الفرد أن يكون متنوعاً ومبدعاً‪ .‬لكن‬ ‫الجزئيات ويترك سواها من مثل سيادة العقل‬ ‫الحداثة والعقالنية‪.‬‬ ‫نصل إلى الحداثة‪ .‬ومن غير الممكن أن نقفز‬ ‫التطور التقني‪ .‬القضية المعرفية هي قضية‬
‫عن الديمقراطية والحرية" كما يفهمها هؤالء‬ ‫المعضلة األساسية في ه��ذه ال��ص��ورة كما‬ ‫في الفضاء االجتماعي والربط المتواصل‬ ‫ولكن وبرأي هبرماس فالحداثة هي مشروع‬ ‫فوق التمرين المهم المتعلق بفهم الحداثة‬ ‫إنتاجية باألساس‪ ،‬كما أية قضية حضارية‬
‫ال آخ��ر ح��ول حقوق‬ ‫"المدافعون" أس��وق مثا ً‬ ‫يراها هابرماس‪ ،‬في أن ماركس ركز كثيراً‬ ‫بين التطور والفعل االجتماعي‪ .‬ولهذا السبب‬ ‫لم ينجز‪ .‬فخالل التحول الذي تم منذ طرح‬ ‫للقول أن هناك فكراً تجاوز فكر الحداثة وهو‬ ‫فاعلة‪ .‬لذلك فعلينا أن نتحدث في البداية‬
‫اإلنسان من داخل هذه المجتمعات التي تقول‬ ‫على العالقة بين الفكر والفعل االجتماعي‬ ‫تم ابتكار مفهوم التحديث وال��ذي هو بديل‬ ‫مفاهيم الحداثة إلى مرحلة تقييد العقل مرة‬ ‫فكر ما بعد الحداثة‪ .‬فالنقاش الذي دخل فيه‬ ‫عن أهمية الحداثة وتعريفها‪ ،‬واالختالف فيها‬
‫عن نفسها بأنها واحات "الحرية والديمقراطية"‪.‬‬ ‫فيما يعرف بالبراكسيس‪ ،‬لكنه ابتعد عن أن‬ ‫ب��ورج��وازي للحداثة يهتم فقط‪ ،‬كما يقول‬ ‫أخرى في الطريق إلى نفيه وتحطيمه مرت‬ ‫الفكر اإلنساني مهم ليتمكن أي كان من تقديم‬ ‫عن التحديث كمفهوم مرتبط فقط بالتطور‬
‫فنجد أن الشكل الفني واألدب��ي المسيطر‬ ‫يحول هذه الصورة ألن تكون مجتمعية في‬ ‫هابرماس‪" :‬ويشير مفهوم التحديث إلى‬ ‫الحداثة بجملة من المعوقات ليس أقلها فصل‬ ‫أفكار تنسجم مع النقاش الفكري الدائر اليوم‬ ‫التقني‪.‬‬
‫لتسويق المنتجات الرأسمالية يأخذ أشكا ً‬
‫ال‬ ‫الواقع‪ .‬أي أن التحول الثوري نحو الحداثة‬ ‫سيرورات تراكمية يشد بعضها بعضاً‪ .‬فهو‬ ‫الفكري والسياسي عن االجتماعي والثقافي‪.‬‬ ‫في أروقة البحث العالمية‪.‬‬ ‫وكما هي الحال تقريباً مع كل المصطلحات‬
‫وضيعة تحرك في اإلنسان أكثر نقاط ضعفه‪،‬‬ ‫بمفهومها الفعلي لم يكن ليتحقق بفعل الثورة‬ ‫يعني بناء تحديث الموارد وتحويلها إلى رؤوس‬ ‫وم��ع الوقت ب��دا وك��أنّ الحداثة هي مفهوم‬ ‫وهذا التعريف للحداثة ال تكون له أية قيمة‬ ‫الفلسفية في الفكر اإلنساني‪ ،‬ليس هناك‬
‫وتحوله إلى سلعة رخيصة‪ .‬فالكثير من هذه‬ ‫السياسية وحده‪ .‬ولذلك فعندما نجحت الثورات‬ ‫أموال‪ ،‬ونمو القوى اإلنتاجية‪ ،‬وزيادة إنتاجية‬ ‫فني يتمثل بمجموعة من اللوحات والتعابير‬ ‫ما لم تتحول قيم الحداثة‪ ،‬من تقدير للعلم‬ ‫اتفاق على تعريف محدد لمفهوم الحداثة‪.‬‬
‫العمليات التسويقية واإلعالنية تستخدم‬ ‫االشتراكية في أوروب��ا‪ ،‬لم تتمكن من فرض‬ ‫العمل‪ ،‬كما يشير إلى إنشاء سلطات السياسة‬ ‫الفنية هنا وه��ن��اك‪ ،‬أو من خ�لال صياغات‬ ‫والبعد عن الميتافيزيقا والخزعبالت‪ ،‬ومن‬ ‫ويعود مصطلح الحداثة كمفهوم فكري محدد‬
‫المرأة كشيء تسويقي ويحولها في الوقت‬ ‫الحداثة بمفهومها الكامل على المجتمع ألنها‬ ‫المركزية وتشكل هويات قومية‪ ،‬ويشير أيضاً‬ ‫أدبية ومسرحية‪ ،‬لكن دورها الذي وضعت في‬ ‫أن تكون قيما يلتزم بها لفيف من العلماء في‬ ‫إلى (هيغل) وفكره العقالني‪ ،‬إذ أنه هو أول‬
‫عينه كسلعة موضوعة على لوحة إعالنات أو‬ ‫ال تواصلياً يستطيع أن يربط‬ ‫لم تكن تؤدي فع ً‬ ‫إلى نشر حقوق المشاركة السياسية وأشكال‬ ‫إطاره‪ ،‬أي وصل العقالنية والعلم مع الحراك‬ ‫مختبراتهم المعزولة عن المجتمع‪ ،‬إلى أن‬ ‫من استخدم المفهوم بشكل فكري محدد‪.‬‬
‫على صفحات المجالت والصحف‪ .‬فهل هذا هو‬ ‫الحداثة اجتماعياً‪ .‬ولذلك بقيت تحت السطح‬ ‫العيش المدني والتعليم العام‪ ،‬وأخيراً يشير‬ ‫االجتماعي للمجتمع برمته وهي لذلك لم‬ ‫تكون قيما اجتماعية عامة يقر بها المجتمع‬ ‫لكنه كبناء فلسفي معبر عن محددات فكرية‬
‫الترجمة لحقوق المرأة في منظور "المدافعين‬ ‫الكثير من المؤثرات ما قبل حداثية‪ ،‬تمكنت‬ ‫إلى علمنة القيم والمعايير"‪( .‬القول الفلسفي‬ ‫تتمكن من االكتمال‪.‬‬ ‫بغالبية أف��راده‪ .‬فعندما يواجه هذا المجتمع‬ ‫مفهومية واضحة تعود في رأي إلى (إمانويل‬
‫عن الحرية والديمقراطية"؟‬ ‫في لحظة سقوط السلطة االشتراكية من‬ ‫للحداثة‪ ،‬ص‪ )9‬وجملة المفاهيم هذه هي التي‬ ‫لنفكك هذا المفهوم‪ .‬لقد جاءت الحداثة في‬ ‫ظاهرة أو معضلة ال يلجأ إلى إجابة غيبية‬ ‫كانط) وموقفه الثابت من العقالنية والعلم‪،‬‬
‫الحداثة ال يمكن أن تسيطر إال من خالل‬ ‫العودة إلى ما كانت عليه قبل الثورة‪.‬‬ ‫ما زالت تسيطر على أفق التطور السياسي‬ ‫اإلطار األوروب��ي لتنشر العقالنية والعلم في‬ ‫مبنية على موروث ثقافي معطوب وناقص‪،‬‬ ‫وهذه المحددات الفكرية هي التي سادت كإطار‬
‫الفعل االجتماعي المنظم‪ .‬من خالل العقالنية‬ ‫سيطرة مفهوم التحديث اليوم يعيدنا إلى‬ ‫واالجتماعي كما يراد إشاعتها اليوم من القوى‬ ‫ال بين جمود ديني يتمثل‬ ‫مجتمع كان منفص ً‬ ‫بل يلجأ إلى البحث عن تفسير عقالني علمي‬ ‫مرجعي للفكر الغربي على تنوعه (هنا ال بد‬
‫الفاعلة اجتماعياً‪ ،‬فالهدف ليس أن نفهم العالم‬ ‫المربع األول‪ ،‬فالمجتمع اليوم يشوبه التفكيك‬ ‫البورجوازية العالمية‪ .‬ولكن هذه المفاهيم في‬ ‫بمؤسسة الكنيسة‪ ،‬وبين جمهور عريض يؤمن‬ ‫مبني على منهجية علمية نقدية تتناول هذه‬ ‫من التوضيح أنه بينما تمكن فكر كانط من‬
‫كما هو‪ ،‬إنما الهدف أن نكون قادرين على تغييره‬ ‫والنزعات الذاتية والنزعة االستهالكية والحروب‬ ‫جوهرها تشيع أيضاً الرغبة في االنفصال عن‬ ‫بالخرافات واألساطير الشعبية‪ .‬في تلك الحقبة‬ ‫الظاهرة أو المعضلة بكل جوانبها وتبعاتها‪،‬‬ ‫الوصول إلى الفكر اإلنجلو‪-‬ساكسوني‪ ،‬وتمكن‬
‫لصالح اإلنسانية جمعاء‪ ،‬ال لصالح فئة مسيطرة‬ ‫والعنف المجتمعي وتشيؤ اإلنسان‪ .‬وكل هذا‬ ‫العقل والعقالنية التي تفرضها الحداثة‪ ،‬وهي‬ ‫كان الفكر الفلسفي يتطور باستقالل عن‬ ‫فال يتم توكيلها لقوى غيبية ال دخل لها وال‬ ‫من فرض محدداته على هذا الفكر‪ ،‬بقي تأثير‬
‫مستغلة جشعة تأكل األخضر واليابس في‬ ‫الحديث الذي يحاول التحديث أن يدعيه من أنه‬ ‫لذلك كانت المعين األساسي الذي انتشرت من‬ ‫المؤسسة الدينية أو بتعارض معها في بعض‬ ‫حول لها وال قوة‪.‬‬ ‫هيغل منحصراً في الفكر األوروبي)‪.‬‬
‫طريقها كما تفرضها علينا مفاهيم التحديث‪.‬‬ ‫ض��رورة للتطور المجتمعي من حقوق إنسان‬ ‫خالله مفاهيم ما بعد الحداثة‪.‬‬ ‫األحيان‪ ،‬وكان هذا الفكر الفلسفي هو الوريث‬ ‫في كتابه "القول الفلسفي للحداثة" يحاول‬ ‫ومن المهم أن نقول أن مفاهيم الحداثة هي‬
‫ولكننا اليوم بحاجة ألن نعي القوى االجتماعية‬ ‫وديمقراطية وسيطرة لمفاهيم العولمة وسيادة‬ ‫وه���ذه بالضبط المعضلة ال��ت��ي دخلها‬ ‫الشرعي المباشر للفكر العربي‪-‬اإلسالمي‪.‬‬ ‫الفيلسوف األلماني يورغن هابرماس أن‬ ‫مفاهيم ال ترتبط فقط بالمجتمع الغربي‪ ،‬بل‬
‫والروافع االجتماعية المؤثرة‪ .‬فالعالم اليوم غير‬ ‫اإلنتاجية على مفاهيم التطور‪ ،‬إنما هي مجموعة‬ ‫المجتمع الحديث والمتمثلة في جملة من‬ ‫فكان مجمل فالسفة عصر األنوار على احتكاك‬ ‫يتتبع مفهوم الحداثة الغربي والنقاشات التي‬ ‫إن لها جذورا في الفكر العربي وعلى األخص‬
‫ذلك الذي انتشرت به مفاهيم الحداثة ألول‬ ‫من المقوالت المفرغة ما لم تتملك العقالنية‬ ‫األزم��ات بينه وبين العلم والمعرفة العلمية‬ ‫مباشر بالحركة الرشدية‪ ،‬ومن المسلم به اليوم‬ ‫ترافقت معه من قبول ورف��ض‪ .‬ويؤكد ما‬ ‫عند كل من المعتزلة وابن رشد‪ .‬إن مفاهيم‬
‫مرة‪ ،‬فبينما كانت القوى االتصالية المسيطرة‬ ‫زمام الفعل االجتماعي‪ .‬فما معنى مث ً‬
‫ال عبارة‬ ‫وباألخص في ال��دول الغربية‪ ،‬مما أدى إلى‬ ‫أن معظمهم كان يتقن العربية (بالرغم من‬ ‫هو معروف عن الحداثة من أنها ترافقت مع‬ ‫الحداثة األساسية مهمة للتطور ومهمة‬
‫على الفضاء اليومي هي قوى تحاول أن تنشر‬ ‫"الدفاع عن الديمقراطية والحرية" التي يدعيها‬ ‫ظهور تيارات ترفض العلم وق��درة العلم‪،‬‬ ‫أنها كانت معروفة في أوروبا حينها بأنها لغة‬ ‫الثورات البورجوازية التي انتشرت في أوروبا‬ ‫لمحاربة الخرافة والخزعبالت‪ .‬أما عن الحداثة‬
‫الحداثة بكل قوتها‪ ،‬ألنها بذلك تحطم حصون‬ ‫الغرب عندما يكون ه��ذا "ال��دف��اع" من خالل‬ ‫وتدعي أن المعضلة في مشاكل العالم تستند‬ ‫الشيطان)‪ ،‬ويقرأ الكتب التي وصلت إليهم من‬ ‫منذ القرن الثامن عشر‪ ،‬وباألخص مع الثورة‬ ‫وما بعدها والتحديث فهناك جدل كبير حول‬
‫القوى السياسية المسيطرة حينها‪ .‬فإن القوى‬ ‫االحتالل؟ فهل حرية إنسان هي المبرر الحتالل‬ ‫إلى األنظمة الشمولية بكل تفرعاتها‪ ،‬وواحد‬ ‫األندلس‪ .‬وفي الوقت عينه كان العلم يتطور‬ ‫الفرنسية‪ ،‬حتى أضحت في تعبير البعض من‬ ‫مفاهيم الحداثة وما بعدها هذه األيام وعلى‬
‫االتصالية اليوم‪ ،‬وعلى الرغم من الثورات‬ ‫بلد آخر؟ وماذا عن حرية البلد اآلخر؟ أليست هذه‬ ‫من هذه التفرعات هو شمولية العلم والنزعة‬ ‫ويتقدم بوتيرة قوية ويتحول ليكون مزودا‬ ‫منظريها "دين الثورة"‪ .‬لقد تولدت الحداثة‬ ‫األخص ألن البعض يعتبر أن مفاهيم ما بعد‬
‫الهائلة التي حققتها بثورتي المعلومات‬ ‫أيضاً حرية؟ وماذا عن "الديمقراطية"؟ هل فع ً‬
‫ال‬ ‫المطلقة إلى التعميم في النظريات العلمية‪.‬‬ ‫أساسيا لرأس المال الوليد‪ .‬أدى هذا بالضرورة‬ ‫كمفهوم في الغرب في لحظة كان المجتمع‬ ‫الحداثة هي مفاهيم أكثر تطورا ونضوجاً‬
‫واالتصاالت‪ ،‬هي قوى تحاول أن تحارب مفاهيم‬ ‫هناك دفاع عن الديمقراطية؟ وأي ديمقراطية‬ ‫وبالتالي كان من هؤالء األفراد أن رفضوا حتى‬ ‫إلى تشكل واقع اقتصادي– اجتماعي جديد‪،‬‬ ‫يتأهب لالنفصال عن السيطرة الدينية التي‬ ‫من مفاهيم الحداثة‪ ،‬وبالتالي وألننا كمجتمع‬
‫الحداثة لتثبت مكانها مفاهيم التحديث‪.‬‬ ‫شمولية العلم‪ .‬فكان الهم األساسي لهم هو‬ ‫تحولت به المدن إلى مراكز صناعية كبيرة‪،‬‬ ‫عربي لم ندخل بعد في مرحلة الحداثة فال‬
‫امتالك القدرة التواصلية وتحويل فضاء‬ ‫التفكيك ونكران الحقيقة‪ .‬وهذا ما يدافع عنه‬ ‫ونشأت بالتالي قوى طبقية جديدة متناقضة‬ ‫ضير أن ننتقل فوراً إلى مرحلة ما بعد الحداثة‬
‫االتصال إلى فضاء عقالني مؤثر على الفعل‬ ‫فكر ما بعد الحداثة‪.‬‬ ‫في مصالحها مع القوى المتحالفة مع الكنيسة‬ ‫وخصوصا أن الفكر السائد اليوم هو فكر ما‬
‫االجتماعي هو الخطوة المهمة األولى نحو نشر‬ ‫الهدف األساسي من التحول من مفهوم‬ ‫م��ن أق��ط��اع وأس��ي��اد‪ .‬ه��ذه ال��ق��وى الطبقية‬ ‫بعد الحداثة‪ .‬هذا المنطق مرفوض بإطالق‪.‬‬
‫فكر ومفاهيم الحداثة مرة أخرى‪ .‬وال بد من أن‬ ‫الحداثة إلى مفهوم التحديث هو‪ ،‬إذن‪ ،‬التركيز‬ ‫الجديدة‪ ،‬والمتمثلة بالبورجوازية الصناعية‬ ‫فمن المهم الدعوة لتجديد الحداثة ال القفز‬
‫نتجاوز اليوم ما لم تتمكن قوى الحداثة سابقاً‬ ‫على ما هو مفيد ونافع لرأس المال ونبذ كل‬ ‫الناشئة‪ ،‬احتاجت كي تتمكن من السيطرة على‬ ‫عنها إلى ما بعدها‪ .‬ألن الحداثة هي مجموعة‬
‫من تجاوزه‪ ،‬أي توضيح العالقة بين اإلنسان‬ ‫إن مجيء باراك أوباما‬ ‫ما في طياته بذور زيادة الوعي لدى الجمهور‬ ‫السلطة أن تأخذ لنفسها فكراً يؤهلها لتصل‪.‬‬ ‫كان التخاطر حقيقة‬ ‫من القيم واألفكار التي تثبت نهجا عقالنيا‬
‫والمعرفة‪ ،‬فمن دون هذا البعد المعرفي لن‬ ‫إلى السلطة يعتبر‬ ‫ليتمكن م��ن االس��ت��م��رار ف��ي فعل الحداثة‬ ‫وبما أن التطور العلمي والفلسفي في تلك‬ ‫قائمة بذاتها فهو‬ ‫علميا على المستوى االجتماعي العام‪ .‬وتعرف‬
‫تتمكن العقالنية من أن تنتشر‪ ،‬فالمعرفة‬ ‫والتحول بالمجتمع إلى سيروراته األخيرة التي‬ ‫اللحظة كان في حالة تناقض مع مؤسسة‬ ‫الحداثة بالتالي‪ :‬إنها نهج علمي عقالني يمتاز‬
‫السائدة اليوم على فضاء الفكر اليومي هي‬ ‫طفرة مفاجئة‪ .‬وهو‬ ‫يتمكن فيها من التحول إلى مجتمع عقالني‬ ‫الكنيسة‪ ،‬فقد تبنت الطبقة الجديدة هذا‬ ‫ليس شيئا آخر سوى‬ ‫بمجموعة من القواعد العامة التي تسهم‬
‫معرفة ال عقالنية وال علمية‪.‬‬ ‫بداهة‪ ،‬يُمهّد لتغيرات‬ ‫يتمكن م��ن التخلص م��ن معوقات الرخاء‬ ‫التطور ودعمته بكل الوسائل‪ .‬وكي تتمكن من‬ ‫ظاهرة طبيعية‬ ‫بشكل كبير في تحديد ال��رؤي��ة الحضارية‬
‫ال يمكن للبشرية أن تخرج من حالة الفوضى‬ ‫السائدة اليوم‪ .‬فالعقالنية ال تقبل تشيؤ‬ ‫السيطرة كان ال بد لها أن تنشر الفكر الجديد‬ ‫للمجتمع الذي يقر بها‪.‬‬
‫التي تعيشها اليوم بغير العودة إلتمام مشروع‬ ‫كبيرة‪ ،‬حتى وإن كان‬ ‫اإلنسان وتحويله إلى سلعة‪ ،‬وال تقبل صرف‬ ‫على نطاق واس��ع‪ ،‬فدعمت بكل الوسائل‬ ‫وعادية‪ .‬وهو‪،‬‬ ‫وهذه النقاط المحورية هي‪ :‬اإلق��رار بأن‬
‫الحداثة‪ .‬فالجنون ال��ذي ي��ؤدي بنا لتحطيم‬ ‫الركود عظيما‬ ‫ترليونات من ال��دوالرات على الحروب‪ ،‬بهدف‬ ‫أساليب التواصل كي تمكن الفكر من الوصول‬ ‫بالتأكيد‪ ،‬ال ظاهرة‬ ‫المعرفة غير ممكنة إال من خ�لال طرفيها‬
‫كوكبنا ول��زي��ادة الفجوة الكبيرة أص ً‬
‫�لا بين‬ ‫بقاء الرخاء نعمة لطبقة محددة أو مجموعات‬ ‫إلى قطاعات واسعة من الجمهور‪ ،‬وبالتالي‬ ‫العقل والتجربة‪ ،‬وبالتالي فالمعرفة العلمية‬
‫األغنياء الذين يعيشون في الرخاء وباقي العالم‬ ‫بشرية محددة‪ ،‬بينما يمكن أن يعم الرخاء كل‬ ‫تمكنت م��ن رك��وب موجة التغيير وقيادة‬ ‫فوق طبيعية‪ ،‬وال‬ ‫هي أساس العقالنية‪ ،‬وهذه المعرفة‪ ،‬إذا ما‬
‫إنما سيؤدي ليس فقط إلى ما نراه اليوم من‬ ‫البشر لو صرف ربع هذه المبالغ على ضمان‬ ‫الجمهور نحو التحول والثورة‪.‬‬ ‫ظاهرة خارقة‪.‬‬ ‫تم تأسيسها على األسس العلمية المعتمدة‪،‬‬
‫فوضى وعنف ودمار‪ ،‬بل أيضاً وبالضرورة إلى‬ ‫التطور المتكافئ للعالم‪.‬‬ ‫لكنها وفي لحظة تمكنها من السلطة لم‬ ‫فإنها تكون معرفة صحيحة اليوم وغداً كما‬
‫فقدان اإلنسان إلنسانيته‪ .‬الحداثة هي المخرج‬ ‫لقد أدرك ماركس‪ ،‬كما يقول لنا هابرماس‪،‬‬ ‫تعد ترغب في أن يستمر الفعل الحداثي‬ ‫كانت كذلك باألمس‪ .‬وتنطلق أسس المعرفة‬
‫الوحيد نحو اإلنسانية‪.‬‬ ‫خ��ط��ورة الفصل بين اإلنتاجية ومفاهيم‬ ‫ليكون موقفاً جماهيرياً كما كان في لحظة‬ ‫العلمية من القبول بالسببية والقبول بأن‬
‫* رئيس قسم العلوم اإلنسانية –‬ ‫الحداثة‪ ،‬وأدرك أنه فقط بدمج النظري مع‬ ‫الثورة‪ .‬فبدأت بتحويل مفاهيم الحداثة لتكون‬ ‫محاكمة أفكارنا تنطلق من أن تكون هذه‬
‫جامعة فيالدلفيا‬ ‫العملي يمكن أن تتحول مفاهيم الحداثة‬ ‫مجموعة من القوانين الثابتة التي فرضتها‬ ‫األفكار مقبولة ليس فقط لعقلي أنا بل لكل‬
‫ال يومياً اجتماعياً‪ .‬فبذلك فقط يمكن‬‫لتكون فع ً‬ ‫على المجتمع من دون أن تتمكن من إلغائها‬ ‫عقل يحاكمها‪ ،‬بغض النظر عن قبولها أو‬

You might also like