You are on page 1of 1

‫‪III‬‬ ‫الجمعة ‪ 1‬جمادى األولى ‪1431‬هـ ‪ 16 -‬نيسان ‪ 2010‬م‬

‫بين الذات والموضوع‪ :‬األحكام الموضوعية واألحكام القيمية ‪1‬‬


‫قد تجد من يبرر السرقة‬ ‫د‪ .‬توفيق شومر*‬
‫أحياناً بحجج قد تكون‬
‫تقسم األحكام على القضايا المعرفية في العادة بين‬
‫منطلقة من الموروث‬ ‫أحكام ذاتية وأحكام موضوعية ويتحدد الموقف من هذه‬
‫الثقافي واألخالقي عينه‬ ‫األحكام بربط هذه األحكام مع الموقف العام للذوات‬
‫العارفة‪ .‬ففي الحاالت التي تعبر عن قضايا حسية‬
‫الذي يعتبر أن "السرقة‬ ‫واضحة كأن نقول إن "السمك يعيش في الماء" هذه‬
‫حرام"‬ ‫الحقيقة ال يختلف عليها اثنان‪ ،‬ويمكن التحقق منها بأن‬
‫نقوم بتجربة بسيطة مفادها أن نقوم بسحب السمك‬
‫من الماء وبالتالي التأكد من حقيقتها‪ .‬فإذا لم تتمكن‬
‫السمكة المسحوبة من الماء من الحياة خارج الماء فهذا‬
‫يدعم حقيقة أن السمك يعيش في الماء‪.‬‬
‫هذا النوع من األحكام الثابتة والمطلقة يعتبر حكما‬
‫موضوعيا إذ مهما اختلفت الذوات العارفة الناظرة إلى‬
‫القضية "السمك يعيش في الماء" فإنها ستتفق على‬
‫حقيقة هذه القضية ولن تختلف عليها‪.‬‬
‫ً‬
‫ولكن عندما يكون الحكم مرتبطا بقضية قيمية‬
‫معينة فإنه يتحول من أن يكون حكما يمكن االتفاق‬
‫عليه إلى حكم يتنوع بتنوع الذوات العارفة الناظرة إلى‬
‫القضية‪ .‬فعلى سبيل المثال إذا افترضنا أن مجموعة‬
‫من األشخاص ذهبوا لحضور فيلم سينمائي فهل‬
‫سيخرجون جميعاً بنفس االنطباعات عن هذا الفيلم؟‬
‫بالتأكيد ال فالبعض يمكن أن يعجب بالفيلم بينما‬
‫سيعتقد البعض اآلخر بأنه سيئ‪.‬‬

‫ارتباط الذوق العام بالمورثات‬


‫هناك بالتأكيد بعض السمات التي يمكن أن يتفق‬
‫عليها مجتمع ما حول الحكم على قضية معيارية وهذا‬
‫ما يمكن أن يسمى بالذوق العام‪ .‬والذوق العام يتحدد‬
‫بمجموعة الموروثات الثقافية واالجتماعية التي يتلقاها‬
‫أفراد المجتمع منذ نعومة أظفارهم ويعتقدون بالتالي‬
‫أنها من المسلمات القيميّة التي يجب أن يقروا بها‪.‬‬
‫ومثال على هذه القضية هي لبس السواد في الحداد‪.‬‬
‫فهذه القضية هي قضية قيميّة ولكنها تحولت في‬
‫بعض المجتمعات إلى نوع من الذوق العام الذي يقر‬
‫به كل األفراد في مجتمع ما‪ .‬ولكن هذا الحكم القيمي‬
‫ال يعني بأن قضية لبس السواد في الحداد قضية‬
‫موضوعية‪ .‬فالكثير من المجتمعات ال تقر بهذه العادة‬
‫وحتى ضمن مجتمعنا العربي هناك الكثير من المناطق‬
‫ال تقبل بالسواد كرمز للحداد‪ .‬وبالتالي فال يمكن تعميم‬
‫القضية القيميّة هذه إلى قضية موضوعية‪.‬‬
‫اآلن هذه األمور التي تتعلق باألحكام على القضايا‬
‫المباشرة هي بشكل عام مقبولة وال تشكل قضية‬
‫خالفية على المستوى الفلسفي بالرغم من تعدد الطرق‬
‫التي يمكن أن تقدم بها‪ ،‬أو التي تبررها كأحكام‪ .‬لكن‬
‫في حاالت التراكم الكمي‬ ‫عندما تتعلق األحكام بقضايا أكثر تعقيداً تبدأ المعضلة‬
‫وتبدأ الصعوبة في تحديد مقدار االتفاق الجمعي حول‬
‫والتغير النوعي‪ ،‬يتم التغير‬ ‫الحكم حتى لو كان الحكم يرتبط بقضية علمية "بحتة‬
‫النوعي حتى لو كان التراكم‬ ‫أو تطبيقية"‪ .‬ولكن قبل الدخول إلى معضلة الذات‬
‫ال قضية الذات‬‫والموضوع في القضايا العلمية لنتناول أو ً‬
‫الكمي ناتجا عن مجموع‬ ‫والموضوع في القضايا األخالقية‪.‬‬
‫حاالت فردية منفصلة أو‬ ‫بالتأكيد يجمع معظم الفالسفة على أن القضايا‬
‫األخالقية هي قضايا قيميّة تعتمد بشكل أساسي على‬
‫تراكم لحالة واحدة مستقلة‬ ‫قناعات األفراد والمجتمعات‪ .‬ففي حالة المجتمع الواحد‬
‫نجد نوعا من االتفاق العام حول ما هو أخالقي وما هو‬
‫غير أخالقي‪ ،‬لكن الكثير من أفراد المجتمع قد ال يتفقون‬
‫مع الحس العام حول القضايا األخالقية ومدى تطبيق‬
‫الحكم القيمي حولها‪.‬‬
‫فعلى سبيل المثال قد يعتبر مجتمع ما أن ارتياد‬
‫المقهى من العادات السيئة وبالتالي ينظر المجتمع إلى‬
‫رواد المقهى على أنهم من أهل السوء‪ .‬لكن هذا الموقف‬
‫رسم للفيلسوف االلماني ايمانويل كانت ‪( -‬ارشيفية)‬ ‫العام قد ال يتفق معه كل أف��راد المجتمع وقد يحتج‬
‫الكثير على الحكم القيمي االجتماعي عن قضية ارتياد‬
‫من دون استئذان هو فعل "سرقة" كان ذلك عن شجرة‬ ‫وجد أمامه الثمرة فقطفها‪ .‬بينما من دخل إلى البستان‬ ‫ال ينقل الفرد من متذوق للثمرة إلى سارق بينما أخذ‬ ‫المقهى‪ .‬هنا وعلى الرغم من أن حكم األغلبية يقتضي‬
‫متدلية على قارعة الطريق أو من كومة عند بائع الثمار‬ ‫كان عنده القصد بأن يعتدي على حرمة البستان حتى‬ ‫مجموعة من الثمار يحوله من فرد يأخذ ثمرة واحدة في‬ ‫اعتبار من يرتاد المقهى على أنه من أهل السوء إال أن‬
‫في السوق‪ .‬كال الفعلين واحد والظروف التي تحيط‬ ‫ولو لم يأخذ الثمرة وبالتالي فأخذه للثمرة بعد القفز عن‬ ‫كل مرة بشكل تراكمي يصل إلى القول بأنه شخص‬ ‫هذا الحكم ال يمكن تبريره حسياً وال عقلياً إال من خالل‬
‫بهما ال تبرر تصنيف أحد الفعلين بأنه سرقة بينما يتم‬ ‫سور البستان يعتبر فعال قصديا يؤدي بالضرورة إلى‬ ‫أخذ مجموعة من الثمار على التوالي مما يحوله إلى‬ ‫منظومة القيم التي يعتقد هذا المجتمع بأنها منظومة‬
‫تصنيف اآلخر بشكل مغاير‪.‬‬ ‫تصنيفه على أنه "سارق"‪.‬‬ ‫االنتقال من الكم الى النوع‪ ،‬أي أنه يتحول في النوع من‬ ‫صحيحة‪.‬‬
‫بالتأكيد أنا هنا أوضح التعقيد الذي يمكن أن يشوب‬ ‫بالتأكيد قد يقول بعضهم ما هذا النقاش العقيم‪،‬‬ ‫"متذوق" إلى "سارق" وهذا االختالف في النوع ناتج عن‬
‫قضية بسيطة جداً مرتبطة بأخذ أحدهم لثمرة فاكهة‪،‬‬ ‫فهذه القضية محسومة في تراثنا وال بد من أن نتقبل‬ ‫اختالف في الدرجة أو الكم‪ ،‬أي اختالف في عدد الثمار‬ ‫االحكام والمعتقدات‬
‫فكيف إذا كانت القضية األخالقية ترتبط باإلجهاض‪،‬‬ ‫بأن من يأخذ الثمار عن شجرة متدلية على قارعة‬ ‫التي أخذت من الشجرة‪.‬‬ ‫اآلن وبانفصال عن الحكم القيمي للمجتمع هل يمكن‬
‫أو باالستنساخ؟ التحليل بالتأكيد يصبح أكثر تعقيداً‬ ‫الطريق ال يمكن اعتباره "سارقاً" ألنه ليس عنده النية‬ ‫بالفعل اعتبار من يرتاد المقهى بأنه من أهل السوء؟‬
‫ويحتاج بالضرورة إلى صفحات تفوق ما يمكن اختزاله‬ ‫والقصد للسرقة وبالتالي فلنوقف النقاش عند هذا‬ ‫التراكم الكمي والتغير النوعي‬ ‫بالتأكيد يتفق معظم القراء على أن هذا الحكم هو حكم‬
‫في مقال محدد‪.‬‬ ‫الحد‪ .‬هذا بالتأكيد قصر نظر ال مثيل له فالقضية هنا‬ ‫اآلن يتم طرح السؤال األهم‪ :‬كيف يمكن الختالف‬ ‫متطرف ال يتفق مع العقل فال رابط موضوعيا بالفعل‬
‫قد يعتقد بعضهم أن هذا النقاش مرتبط فقط‬ ‫ال تتعلق بثمرة ما وإنما بالطريقة التي نفكر بها عند‬ ‫الدرجة أن يؤدي إلى اختالف النوع؟ هنا‪ ،‬ولكي تكون‬ ‫بين ارتياد المقهى وفعل السوء‪ .‬وبالتالي فال يمكننا‬
‫بالقضايا األخالقية لكون أن مواقف األفراد من القضايا‬ ‫أخذ ما يمكن أن يتيسر لنا على قارعة الطريق بشكل‬ ‫القضية واضحة‪ ،‬ال يتم الحديث عن التراكم الكمي‬ ‫اعتبار هذا الحكم القيمي األخالقي على أنه حكم جمعي‬
‫األخالقية قد يختلف من فرد إلى فرد وال يوجد إجماع أو‬ ‫قصدي أو بغير ذلك‪ .‬فالموقف بالتأكيد سيكون مختلفاً‬ ‫والتحول النوعي‪ .‬أي أن تراكم أخذ الثمار ال يؤدي‬ ‫مقبول ألنه يتناقض مع معتقدات الكثيرين وال يمكن‬
‫حكم معياري حقيقي يمكن لجميع األفراد أن يعتقدوا‬ ‫في العقل الجمعي إذا قال أحدهم إن صاحب محل وضع‬ ‫بالضرورة إلى تحول نوعي في تعريف عملية األخذ هذه‪.‬‬ ‫اعتباره حكماً معيارياً‪.‬‬
‫به ويقبلوا به للوصول إلى حكم نهائي حول قضية‬ ‫مجموعة من الفاكهة على الرصيف بغرض بيعها‪ ،‬فهل‬ ‫ولكننا نتحدث عن قضية ال ترتبط بالضرورة بالتراكم‬ ‫ه��ذا يدخلنا مباشرة إل��ى النقاش ال��ذي قدمه لنا‬
‫أخالقية‪ .‬فحتى من يؤمنون بأحكام دينية محددة‪،‬‬ ‫إذا جاء فرد ما وقام بأخذ ثمرة واحدة من المجموع يمكن‬ ‫الكمي والتغير النوعي‪ .‬ففي حال كان الحديث عن أكثر‬ ‫الفيلسوف األلماني كانط‪ .‬فقد اعتبر كانط بأن هناك‬
‫فإنه من الممكن أن ال يتفقوا في الحكم على قضية‬ ‫اعتباره بأنه "متذوق" ما لم يكن صاحب المحل هو من‬ ‫من شخص يقوم كل واحد منهم بأخذ ثمرة من ثمار‬ ‫إمكانية عملية أن يتفق المجتمع على مجموعة من‬
‫أخالقية م��ا‪ .‬وه��ذا مرتبط بالضرورة بتفسيرهم‬ ‫سمح له بذلك؟ بالتأكيد العقل الجمعي سيقول وبشكل‬ ‫الشجرة كل على حدة وحتى لو كان العدد الكلي للثمار‬ ‫األحكام األخالقية المعيارية التي يمكن اعتبارها أنها‬
‫وتأويلهم للحكم الديني حول القضية األخالقية‪ .‬وما‬ ‫فوري‪ :‬إذا لم يقدمها صاحب المحل للفرد ذاك فما قام‬ ‫المأخوذة يوازي عدد تلك الثمار المأخوذة من فرد واحد‬ ‫أحكام عامة للمجتمع‪ .‬فهو يقول بأن السرقة منبوذة‬
‫أكثر األمثلة التي يمكن للفرد أن يفكر بها والتي توضح‬ ‫به الفرد هو سرقة ال محالة‪.‬‬ ‫والتي حولته في التصنيف من "متذوق" إلى "سارق"‬ ‫في كل المجتمعات‪ ،‬بغض النظر إن كانت منبوذة‬
‫مقدار االختالف في تفسير الحكم الديني بين معتنقي‬ ‫اآلن لنفكر مرة أخرى بالشجرة المتدلية على قارعة‬ ‫فإن هذا العدد من الثمار ال يحول هؤالء األف��راد إلى‬ ‫نتيجة لحكم قيمي ديني أو نتيجة لحكم وضعي‪ .‬أي أن‬
‫الديانة الواحدة‪.‬‬ ‫الطريق‪ .‬بالتأكيد لهذه الشجرة صاحب وقد يكون هذا‬ ‫"لصوص"‪ .‬وبالتالي فالعدد هنا ال يؤدي بالضرورة إلى‬ ‫المجتمعات المختلفة دينية كانت أو غير ذلك تتفق في‬
‫وم��ع ذل��ك يمكن القول ب��أن هناك مجموعة من‬ ‫الصاحب معتمداً اعتماداً كلياً على أشجاره في حقله‬ ‫اختالف النوع‪.‬‬ ‫الحكم على السرقة‪ .‬فإذا كان التعبير الذي يستخدمه‬
‫الشروط األولية التي يمكن لمجموعة بشرية أن تتفق‬ ‫الصغير‪ .‬وبالتالي فإذا قامت مجموعة من األفراد "بتذوق"‬ ‫في حاالت التراكم الكمي والتغير النوعي‪ ،‬يتم التغير‬ ‫المجتمع هو "السرقة حرام" أو "السرقة إثم" كتعبير عن‬
‫من خاللها على الحكم الذي يمكن إطالقه على الفعل‬ ‫ثماره كلما مروا من قرب الحقل الصغير فإن هذا الرجل‬ ‫النوعي حتى لو كان التراكم الكمي ناتجا عن مجموع‬ ‫الحكم الديني على السرقة أو التعبير القائل "السرقة‬
‫حتى من يؤمنون بأحكام‬ ‫وهذه المجموعة من الشروط األولية إذا تحققت في‬ ‫لن يتمكن من توفير متطلبات حياته العتماده على‬ ‫حاالت فردية منفصلة أو تراكم لحالة واحدة مستقلة‪.‬‬ ‫جريمة يعاقب عليها القانون" وهو التعبير الوضعي عن‬
‫كل مرة فإن الحكم سيكون نفسه‪ .‬وفي هذه الحالة‬ ‫الدخل المتحصل من بيع الثمار‪ .‬فهل بعد هذا التوصيف‬ ‫ففي حالة الماء المغلي المتحول إلى بخار‪ :‬ال يهم أن كانت‬ ‫الحكم القيمي على قضية السرقة‪ .‬في كال الحالتين‬
‫دينية محددة‪ ،‬فإنه من‬ ‫يمكن أن نقول بأن هذه األحكام هي أخالق معيارية‪.‬‬ ‫يمكن االستمرار باعتبار أخذ الثمار على أنه فعل عادي؟‬ ‫عملية التسخين قام بها فرد واحد أو مجموعة أفراد أو إذا‬ ‫يتفق الذوق العام أو الحس العام مع نبذ السرقة وعلى‬
‫الممكن أن ال يتفقوا في‬ ‫وبدأ البشر منذ قرون بإدراك هذه الحقيقة ولذلك فقد‬ ‫أم أننا سنبدأ بالتفكير به على أنه صنف من "السرقة"؟‬ ‫كان ما تم استخدامه في عملية التسخين جهاز تسخين‬ ‫اعتبارها قضية سلبية‪.‬‬
‫وضعت القوانين التفصيلية حول األحكام القضائية‬ ‫اآلن لنفكر من زاوية أخرى في القضية‪ .‬يقول من‬ ‫بعينه أو مجموعة من األجهزة ففي نهاية المطاف سيتم‬ ‫بالتأكيد قد تجد من يبرر السرقة أحياناً بحجج قد‬
‫الحكم على قضية أخالقية‬ ‫ومتى يمكن اعتبار فعل معين أنه جريمة ومتى يمكن‬ ‫يعتبر أن أخذ الثمرة من الشجرة المتدلية هو "تذوق"‬ ‫وصول درجة حرارة الماء إلى درجة الغليان ويتم تحول‬ ‫تكون منطلقة من الموروث الثقافي واألخالقي عينه‬
‫ما‪ .‬وهذا مرتبط بالضرورة‬ ‫العفو عن الشخص الذي قام بالفعل‪ .‬فحتى القتل يمكن‬ ‫بأن هذا الفعل يختلف إذا حاول الفرد أن يأخذ أكثر من‬ ‫الماء من حالته السائلة إلى حالته البخارية‪.‬‬ ‫ال��ذي يعتبر أن "السرقة ح��رام" ك��أن يقول ب��أن أخذ‬
‫تصنيفه بأنه قتل عمد‪ ،‬قتل عن غير عمد‪ ،‬حادث‪ ،‬دفاع‬ ‫ثمرة‪ .‬اآلن هل يستطيع أن يقول لنا كم هو عدد الثمار‬ ‫اآلن لنعود إلى حالة الثمار‪ .‬لتحليل القضية ال بد من‬ ‫فاكهة من شجرة مملوكة ألحدهم ومتدلية على قارعة‬
‫بتفسيرهم وتأويلهم‬ ‫عن النفس‪ ،‬دفاع عن الدين‪ ،‬دفاع عن الوطن‪ ،‬دفاع عن‬ ‫التي يجب أن يأخذها الفرد لنغير التصنيف من كونه‬ ‫تحديد العديد من العوامل المرتبطة مع القضية‪ .‬أو ً‬
‫ال‪:‬‬ ‫الطريق ال تعتبر سرقة‪ ،‬بينما يمكن لصاحب الشجرة أن‬
‫للحكم الديني حول القضية‬ ‫العائلة‪ ......،‬إلخ من قائمة طويلة يتم توسيعها باستمرار‬ ‫متذوقا إلى كونه سارقا؟ وهل هذا العدد يختلف باختالف‬ ‫هل يمكن اعتبار الشخص الذي يأخذ ثمارا من شجرة‬ ‫يعتبر هذا التصرف في صميم السرقة ألنه يعتبر‪ ،‬وعلى‬
‫بتحديدات كثيرة تعتمد على الشروط المحددة للفعل‪.‬‬ ‫نوعية الثمار‪ ،‬كأن نقول أن يأخذ أكثر من تفاحة واحدة‬ ‫متدلية على قارعة الطريق مساوياً في الفعل لذلك‬ ‫األخص إذا كان سعر بيع الثمار عاليا‪ ،‬أنه قد خسر ما ً‬
‫ال‬
‫األخالقية‬
‫أي أن الشروط المحددة للفعل هي التي في النهاية تحدد‬ ‫هو سرقة بينما أن يأخذ أكثر من أربع حبات تين هو‬ ‫الذي يقفز فوق سور البستان ليقطف ثمرة من شجرة‬ ‫من خالل أخذ الفاكهة وبالتالي فهذه سرقة‪ .‬ولماذا يجب‬
‫الحكم القيمي الذي يمكن إطالقه على الفعل‪.‬‬ ‫سرقة ولكن يحق له أن يأخذ عشر حبات أو عشرين حبة‬ ‫داخل البستان؟ قد يقول البعض أن كال الحالين واحد‬ ‫أن نعتبر أن هناك اختالفا بين أخذ ثمرة واحدة وأخذ‬
‫الحقيقة أنه من الممكن تعميم االستنتاج السابق إلى‬ ‫توت؟؟؟!!! هنا تصبح الحجة المقدمة بأن العدد هو الذي‬ ‫ففي الحالين لم يأخذ الشخص أكثر من ثمرة واحدة‪.‬‬ ‫ال إن أخذ أحدهم‬ ‫مجموعة من الثمرات‪ ،‬كأن يقال مث ً‬
‫القضايا التي يمكن أن تصنف على أنها قضايا "علمية"‬ ‫يحدد نوع الفعل حجة سخيفة‪ ،‬ويتضح أن الحكم على‬ ‫وبالتالي لماذا يجب أن أعتبر من أخذ الثمرة عن الطريق‬ ‫لثمرة فاكهة واحدة من الشجرة ال يعتبر سرقة بينما‬
‫مرتبطة بالعلوم الطبيعية‪ .‬يعتقد العديد من الماديين‬ ‫الفعل يجب أن ال يختلف باختالف العدد‪.‬‬ ‫"متذوقا" بينما يصنف من أخذ الثمرة من داخل البستان‬ ‫إذا أخذ أحدهم مجموعة كبيرة من الثمار من الشجرة‬
‫والواقعيين بأن القوانين التي نضعها عن الطبيعة هي‬ ‫"سارقا"؟ هنا يقول آخرون إن هناك "القصد" وهناك عدد‬ ‫عينها‪ ،‬تلك المتدلية على الطريق‪ ،‬فإن أخذه لهذه الثمار‬
‫قوانين الطبيعة التي نقوم بالكشف عنها‪ .‬أترك هذه‬ ‫التباس الحكم على االفعال‬ ‫من الظروف المخففة التي تخفف فعل األول بينما تعتبر‬ ‫المتعددة هو سرقة؟! القضية هنا تتحدد في العالقة‬
‫القضية لمقال قادم‪.‬‬ ‫هذا المثال يوضح صعوبة أن يتم تحديد فعلين‬ ‫فعل الثاني مشينا‪ .‬فالمار على قارعة الطريق لم يقصد‬ ‫بين الفرق في الدرجة والنوع‪ .‬هذا يعني أن الحكم‬
‫* رئيس قسم العلوم اإلنسانية ‪ -‬جامعة فيالدلفيا‬ ‫متشابهين على أنهما من نوعين مختلفين‪ .‬فأخذ ثمرة‬ ‫السرقة ولم يقصد أن يعتدي على حرمة البستان لكنه‬ ‫القيمي يرتبط بدرجة السرقة أي أن أخذ ثمرة واحدة‬

You might also like