You are on page 1of 13

‫جامعة الالتران البابوية‪-‬روما‬

‫كلية الفلسفة والالهوت‬


‫املعهد اإلكلرييكي لبطريركية الالتني‪-‬بيت جاال‬

‫احلقيقة‬
‫األول‪ ،‬السؤال السادس عشر)‬
‫القديس توما األكويين (اخلالصة الالهوتيّة‪ ،‬اجلزء ّ‬

‫إشراف‪ :‬األب مارسيلو جاالردو‬


‫إعداد‪ :‬الطالب ندمي جقمان‬

‫ربيع ‪2017‬‬
‫ِّ‬
‫املقدمة‬
‫أوجه وذلك‬
‫يف هذا البحث سأتكلّم عن شرح الق ّديس توما األكويين عن احلقيقة ودراسته هلا من ع ّدة ُ‬
‫مقسماً البحث إىل مثانية فصول كما يعرضها القديس توما يف شكل أسئلة حول موضوع احلقيقة‪ ،‬ويف كل فصل‬‫ّ‬
‫ِّ‬
‫مبسطاً إايها قدر اإلمكان للقارئ‪.‬‬
‫سأحاول أن أشرح بعض املفاهيم واجلمل اليت من الصعب أن تُفهم بسهولة ّ‬
‫غين جداً وذا مبادئ واضحة‬
‫إن مفهوم احلقيقة كما يعرضها القديس توما األكويين يف اخلالصة الالهوتيّة ّ‬
‫واثبتة ميكن استخراجها واستخدامها يف احلياة اليوميّة لنعيش احلقيقة‪.‬‬
‫أخرتت هذا املوضوع لرغبيت يف معرفة أعمق ملفهوم احلقيقة الذي يعرضه القديس توما بشكل ُم ِّ‬
‫سهب‬
‫وم ِّ‬
‫بدع‪ ،‬فالكنيسة نفسها يف ع ّدة دساتري رسوليّة توصي بدراسة القديس توما األكويين كمثال أعلى يف اجلمع بني‬ ‫ُ‬
‫العقل واإلميان (الالهوت والفلسفة)‪ ،‬ولرغبيت أيضاً يف حماولة عيش هذه احلقيقة يف حيايت بنعمة الرب يسوع‬
‫املسيح الذي هو "الطريق واحلق واحلياة" (يوحنا ‪.)6:14‬‬
‫األول‪ ،‬السؤال السادس‬
‫لقد استخدمت يف هذا البحث اخلالصة الالهوتيّة للقديس توما األكويين‪ ،‬اجلزء ّ‬
‫عشر‪.‬‬

‫احلقيقة‬
‫الفصل األول‬
‫هل احلقيقة موجودة فقط يف العقل؟‬

‫املبدأ‪:‬إن احلقيقة (‪ )vérité‬والباطل (اخلطأ) ليس هلما وجود يف اخلارج (األشياء اخلارجية) بل يف العقل‪.‬‬

‫ندعو شيئاً ما خرياً (‪ )bien‬ما متيل إليه الرغبة (‪ .)désire‬وندعو شيئاً ما حقاً (‪ )vrai‬ما مييل حنوه‬
‫العقل‪ .‬هناك اختالف بني الرغبة والعقل (أو أي نوع من املعرفة)‪ ،‬فاملعرفة حتصل (حتدث) بوجود الشيء املعروف‬
‫يف العارف‪ ،‬والرغبة حتدث مبيل الشخص املشتهي حنو الشيء املشتهى‪ .‬وغاية الشهوة اليت هي اخلري توجد يف‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫األشياء املرغوب فيها (‪ .)les choses désirables‬وغاية املعرفة هي احلق الذي يوجد يف العقل‪ ،‬واحلق يوجد‬
‫يف العقل وفقاً ملطابقته (‪ )conformité‬مع الشيء املعقول‪ .‬ونقول أن شيئاً هو حق عند مطابقته (نسبته) اىل‬
‫العقل‪ .‬ومطابقة الشيء املعقول اىل العقل تكون إما جوهرية (‪ )essentielle‬أو عارضية (‪،)accidentelle‬‬
‫صنع كما أراده الصانع)‪،‬‬
‫جوهرية عندما يكون هناك تطابق بني الشيء مع عقل الذي صنعه (أي أن الشيء ُ‬

‫‪2‬‬
‫وعارضية عند تطابق الشيء مع أي عقل ميكن أن يدركه‪ .‬وحنكم على شيء أنه حق حبسب مطابقته اجلوهرية أي‬
‫أنه حق مطلق نسبةً لتطابقه مع عقل الذي صنعه‪ ،‬فمثالً األشياء الصناعية هي حق ابلنسبة ملن صنعها أي البشر‬
‫(التطابق بني املصنوع وعقل الصانع)‪ ،‬واألشياء الطبيعية هي حق حسب مطابقتها مع صورهتا يف العقل اإلهلي‬
‫الذي صنعها‪.‬‬
‫إذاً احلق يوجد يف العقل أوالً وأساساً‪ ،‬ويف األشياء اخلارجة عنّا اثنياً حبسب نسبتها وتطابقها مع العقل‬
‫على أنه املبدأ‪ .‬وبناءاً على ذلك هناك ع ّدة تعريفات للحقيقة‪ ،‬فبالنسبة للحق الذي يف العقل‪َّ ،‬‬
‫إن القديس‬
‫أن "احلق هو الذي بواسطته يتم إظهار ما هو موجود ( ‪ce qui‬‬‫أغسطينُس يقول يف كتابه عن الدين احلق َّ‬
‫‪ ،")est‬والقديس هيالريوس يقول " احلق هو ما جيعل املوجود (‪ )l’être‬واضحاً وجليّاً"‪ ،‬أما ابلنسبة حلقيقة‬
‫لكل ٍ‬
‫شيء مع مبدئه‬ ‫األشياء وفقاً ملطابقتها للعقل فإن القديس أغُسطينُس يقول "احلقيقة هي املشاهبة التامة ِّّ‬
‫بدون أي اختالف"‪ ،‬والقديس أنسيلموس يقول "احلق هو اإلستقامة القابلة لإلدراك من قِّبل العقل فقط"‪ ،‬وابن‬
‫سينا يقول "حقيقة كل شيء تكون يف خاصيّة كينونته (‪ )propriété de son être‬كما قد ُح ِّّددت لهُ"‪.‬‬
‫فاحلقيقة هي تطابق الشيء مع العقل‪ .‬حقيقة األ شياء تكون يف عالقتها ابلعقل اإلهلي الذي ننسب إليه خلق كل‬
‫شيء فكما ذكران سابقاً األشياء تستمد حقيقتها من هذا العقل اإلهلي حبسب مطابقتها لصورهتا (‪)forme‬‬
‫املوجودة فيه‪.‬‬
‫حقيقة عقلنا سببها اخلارج (األشياء اخلارجية)‪ ،‬لكن ال يعين هذا أن احلقيقة هي موجودة أوالً يف اخلارج‪،‬‬
‫ألن ما يسبب حقيقة عقلنا هو الوجود (‪ )l’être‬لألشياء اخلارجية ال حقيقتها (أي ليست احلقيقة موجودة يف‬
‫الشيء وأتيت لعقلي‪ ،‬بل إن الشيء املوجود خارج عين يتطابق مع ما يف عقلي ومعرفة عالقة التطابق هي معرفة‬
‫احلقيقة)‪ ،‬فمثالً يف حبة الدواء الصحة غري موجودة ولكن القوة املوجودة يف الدواء تعطيين الصحة كذلك احلقيقة‬
‫غري موجودة يف الشيء كعدم وجود الصحة يف الدواء بل وجودية الشيء (‪ )l’être des choses‬تُسبب‬
‫(تعطي) احلقيقة يف العقل‪.‬‬

‫الفصل الثاين‬

‫هل احلقيقة هي يف العقل الذي يؤلف ويُقسم (‪)compose et divise‬؟‬

‫مقدمة‪ :‬العقل اإلنساين ال يكتسب املعرفة الكاملة ابلفعل األول من اإلدراك (أي عندما يدرك شيئاً ما‬
‫فإنه ال يدركه من البداية) لكنه يفهم ويدرك أمراً ما (‪ )aspect‬حول الشيء الذي هو موضوع اإلدراك‪ ،‬مثالً‬
‫‪3‬‬
‫جوهر الشيء وبعدها صفاته والعوارض‪ .‬وهكذا يقارن العقل هذا األمر مع آخر من خالل التأليف والتقسيم‪،‬‬
‫وينتقل من أتليف اىل آخر وهذه هي عملية التفكري املنطقي (‪ ،)raisonnement‬التأليف والتقسيم يف العقل‬
‫يتم ابلتمييز واملقارنة‪ ،‬وهبذه الطريقة العقل يعرف الكثري من االمور‪ .‬فالعقل يقوم أبخذ أجزاء خمتلفة من املعلومات‬
‫اليت أتيت من خالل احلواس (اخلبة احلسية) والتعليم ليعمل حكم (‪ jugement‬وتعين أتكيد عالقة بني تعبريين أو‬
‫أكثر)‪ .‬عند استقبال هذه املعلومات من احلواس يقوم ابلتمييز واملقارنة يف كل ما قام ابستقباله ومن مث يعاجله‪.‬‬

‫املبدأ‪ :‬ابلنسبة للمفاهيم البسيطة (‪ )simples concepts‬والطبيعة البسيطة (‪ )simple nature‬ال‬


‫يوجد حقيقة ال يف العقل وال يف األشياء اخلارجية (اخلارجة عنا)‬
‫احلق يوجد يف شكله األول يف العقل‪ ،‬كل شيء هو حق وفقاً حلصوله على الصورة اخلاصة به‬
‫(‪ )forme‬واليت تتوافق مع طبيعته‪ .‬وابلتايل من الضروري للعقل (الذي طبيعته اخلاصة "الصورة اخلاصة به" هي‬
‫القدرة على اإلدراك‪ ،‬يقوم مبا ُخلِّق من أجله)‪ ،‬أن يكون حقا (‪ )vrai‬ألنه عرف الشيء املدرك‪ ،‬أي حصل‬
‫ُ‬
‫تشابه بني ما يوجد يف العقل مع الشيء اخلارجي الذي متّ إدراكه (معرفته) وهذه املشاهبة هي الصورة اخلاصة‬
‫ُ‬
‫عرف على أنه تطابق‬ ‫بطبيعة العقل كقدرة على املعرفة (‪ )pouvoir de connaitre‬هلذا السبب احلق يُ ّ‬
‫(‪ )correspondance‬ومتاثُل (‪ )conformité‬بني العقل واألشياء اخلارجية‪ ،‬ومعرفة (إدراك) هذا التطابق‬
‫والتماثل يعين معرفة احلقيقة‪.‬‬
‫احلس (‪ )les sens‬ال يُدرك هذا التطابق‪ ،‬ابلتايل ال يعرف احلقيقة ألنه كما قلنا إدراك هذا التطابق‬
‫يعين إدراك احلقيقة‪ .‬مثالً حاسة البصر لديها صورة الشيء الذي تراه لكنها ال تُدرك العالقة والتشابه بني ما تراه‬
‫وما تدركه خبصوص هذا الشيء الذي رأته‪ .‬أما العقل فيمكنه أن ِّ‬
‫يدرك هذا التماثل بينه وبني الشيء املدرك‪،‬‬
‫ُ‬
‫لكنه ال يُدرك هذا الشيء عارفاً منه ماهيته (أي أن العقل ال يستقبل معرفته من الشيء)‪ ،‬بل عندما حيكم ( ‪fait‬‬
‫‪ )un jugement‬أن الشيء اخلارج عنه يتطابق مع ما يفهمه عن هذا الشيء‪ ،‬عندها ِّ‬
‫يدرك العقل احلق ويقوله‪.‬‬
‫وهذا يقوم به العقل ابلتأليف (‪ )composition‬والتقسيم (‪ )division‬ألنه يف كل قضية ( ‪proposition‬‬
‫عب عن مفهوم ممكن أن يكون صحيحاً أو خاطئًا) العقل يطبّق صورة يدل عليها ابمل ِّ‬
‫خب (‪prédicat‬‬ ‫وهي مجلة تُ ِّّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وهي صفة أو جزء من مجلة ختبان شيئاً عن الفاعل أو موضوع القضية) على الشيء املدلول عليه ابملوضوع‬

‫‪4‬‬
‫(‪ )sujet‬أو يسلبها منه‪ .1‬وهذا يرينا أن احلس هو حق يف إدراكه شيئاً ما‪ ،‬والعقل هو حق يف إدراكه ماهية‬
‫الشيء ولكنه ال يعرف ويؤكد احلقيقة‪.‬‬
‫واحلقيقة ميكن أن جندها يف احلس أو يف العقل امل ِّ‬
‫درك لألشياء كوجود احلق يف أي شيء‪ ،‬ال كوجود‬
‫ُ‬
‫درك والعارف (‪ ،)sujet connaissant‬وهذا هو املقصود بكلمة احلق‬ ‫الشيء املدرك (‪ )connu‬يف الشخص امل ِّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِّ‬
‫ويقسم‪ ،‬ال يف احلس وال يف العقل‬
‫ألن كمال العقل هو احلق املُدرك‪ .‬ولذلك احلقيقة هي يف العقل الذي يؤلف ّ‬
‫الذي يدرك ماهية األشياء‪.‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫هل احلق واملوجود (‪ )l’être‬متطابقان (‪ )identique‬ومتماثالن؟‬

‫املبدأ‪ :‬إن ترتيب وتنظيم (‪ )disposition‬األشياء يف الوجود (‪ )être‬هو نفس ترتيبها وتنظيمها يف‬
‫احلقيقة(‪.)vérité‬‬

‫كما أن اخلري لديه طبيعة املرغوب فيه (املشتهى)‪ ،‬كذلك احلقيقة (‪ )la vérité‬هلا صلة ابإلدراك‬
‫ُ‬
‫(املعرفة)‪ .‬وبقدر ما للشيء مشاركة يف الوجود (‪ )être‬بقدر ما يكون قابل لإلدراك (عندما يُدرك الشيء يكون‬
‫ابلقوة)‪ .‬وقد قال أرسطو يف كتابه (‪ " )De Anima 3‬إن النفس‬
‫يف العقل وابلتايل يكون هذا الشيء يف العقل ّ‬
‫ألن النفس بطر ٍ‬
‫يقة أو أبُخرى تُصبح موضوع‬ ‫بطريقة ما هي كل شيء" من خالل (بسبب) احلواس والعقل‪َّ .‬‬
‫معرفتها (أي الشيء الذي تُريد أن تُ ِّ‬
‫دركهُ بفضل (من خالل) عمليّة املعرفة)‪ ،‬وذلك أل ّن النفس هلا كموضوع‬
‫كل الكيان وتستطيع أن تُصبح كل شيء‪ ،‬ولكي تتمكن النفس من خالل املعرفة أن تُصبح كل‬ ‫(هدف) للمعرفة ّ‬
‫ابلقوة‪ .‬وبناءًا على‬
‫ابلقوة (‪ )en puissance‬أن تكون كل شيء ألن العقل و موضوع معرفته مها ّ‬
‫شيء‪ ،‬عليها ّ‬
‫ذلك كما أن اخلري متطابق مع املوجود (‪ )l’être‬كذلك يتطابق احلق مع املوجود‪ .‬فاخلري يُضيف على املوجود‬
‫(‪ )l’être‬فكرة املرغوب فيه (أي جيعل الشيء مرغوابً فيه)‪ ،‬واحلق (‪ )vraie‬يُضيف على املوجود عالقة ابلعقل‬
‫األول أن الشيء يكون ح ّقاً عند نسبته إىل العقل‪ ،‬كونه‬
‫أي النسبة إىل العقل (كما ذكران سابقاً يف الفصل ّ‬
‫مصنوع بنفس صورته )‪ (forme‬املوجودة يف عقل الصانع)‪.‬‬

‫فان" هذه اجلُملة هي قضيّة حتتمل أن تكون صحيحة أو خاطئة‪ ،‬وحتتوي على شيء مدلول عليه أي فاعل وهو‬ ‫‪ 1‬مثالً "اإلنسا ُن ٍ‬
‫(فان) يقول لنا شيئاً عن املدلول عليه (اإلنسان) أي أن اإلنسان ٍ‬
‫فان‪.‬‬ ‫فان‪ ،‬إذاً املخب ٍ‬
‫خب هو كلمة ٍ‬
‫اإلنسان‪ ،‬وامل ِّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪5‬‬
‫احلق يوجد يف العقل‪ ،‬واملوجود (‪ )l’être‬موجود يف األشياء اخلارجيّة‪ ،‬فاحلق ّأوالً يف العقل ولكنّهُ أيضاً‬
‫يف األشياء‪ .‬واحلق املوجود يف األشياء متطابق (‪ )identique‬مع املوجود ابجلوهر‪ .‬واحلق املوجود يف العقل هو‬
‫متطابق مع املوجود كمطابقة الشرح (‪ )forme représentative‬مع الشيء املشروح ( ‪ce qui est‬‬
‫‪ .) représenté‬وهذه هي طبيعة احلق كما ذكران يف الفصل األول أي تطابق ما يف العقل مع املوجود‪ .‬ميكن‬
‫القول أن املوجود هو مثل احلق‪ ،‬االثنان موجودان يف األشياء ويف العقل‪ ،‬لكن احلق موجود يف األساس يف العقل‪،‬‬
‫واملوجود موجود يف األشياء‪ ،‬وذلك ألن احلق واملوجود هلما مفهوم خمتلف الواحد عن اآلخر‪ .‬املوجود ال ميكن أن‬
‫يُدرك ما مل يلحقه مفهوم احلق الذي ينتُج بعد إدراك املوجود‪ ،‬ولكن احلق ال ميكن أن يُدرك ما مل يُدرك مفهوم‬
‫املوجود ألن املوجود مشمول (‪ )inclu‬يف مفهوم احلق‪.‬‬

‫الفصل الرابع‬

‫هل اخلري له أولية عقلية (‪ )priorité rationnelle‬على احلق؟‬

‫املبدأ‪ :‬الذي يوجد يف أشياء كثرية له أولية عقلية‪ ،‬أي أن له األولية على اآلخر يف نظر العقل‪ .‬واحلق يوجد‬
‫يف أشياء حيث ال يوجد فيها اخلري‪ .‬إذاً‪ ،‬احلق هو املتقدم على اخلري أي سابق له‪.‬‬
‫إن اخلري واحلق متطابقان مع املوجود جوهراً (كما ذكران يف الفصل السابق كيف يتطابق احلق مع‬
‫املوجود)‪ ،‬إال أن مفهومها خمتلف الواحد عن اآلخر‪ ،‬وابلتايل احلق متقدم على اخلري وهذا لسببني‪ :‬أوالً‪ ،‬احلق هو‬
‫أقرب اىل املوجود الذي بدوره متقدم على اخلري‪ ،‬ألن احلق له عالقة مباشرة ومطلقة ابملوجود ذاته‪ ،2‬يف حني أن‬
‫معني وهذا ما‬‫مفهوم اخلري ينشأ من وينتج عن مفهوم املوجود‪ ،‬وذلك اعتماداً على إذا ما كان للموجود كمال ّ‬
‫جيعله مرغوب فيه (فعندما يصبح املوجود مرغوب فيه يكون فيه خري أميل إليه)‪ .‬اثنياً‪ ،‬وطبيعياً املعرفة‬
‫(‪ )connaisance‬تسبق الشهوة (‪ ،)appétit‬ومبا أن احلق يتعلق ابملعرفة (له صلة ابملعرفة)‪ ،‬واخلري يتعلق‬
‫ابلشهوة‪ ،‬إذاً احلق له أوليّة عقلية على اخلري (أي يف نظر العقل احلق هو قبل اخلري)‪ .‬اإلرداة (اخلري‪ ،‬ألهنا متيل اىل‬
‫اخلري) والعقل (احلق‪ ،‬ألن العقل مييل اىل معرفة األشياء) تشمل وتتضمن الواحدة األخرى‪ ،‬ألن العقل يعرف‬
‫(يعقل‪/‬يدرك) اإلرادة‪ ،‬واإلرادة تريد للعقل أن يعرف‪ ،‬وابلتايل مبا أن اإلرادة تريد للعقل أن يعرف‪ ،‬إذاً من بني‬

‫‪ 2‬كل موجود هو حق ابلنسبة لعالقته مع العقل‪ ،‬مطابقته مع العقل الذي صنعه ابلتايل احلق يكون قبل اخلري يف املوجود‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫األشياء اليت تندرج حتت موضوع اإلرادة (خري متيل إليه) يدخل أيضاً ما له عالقة ابلعقل (ما يُ ِّ‬
‫درُكهُ العقل) ألن‬
‫اإلرادة تريد للعقل أن يعرف‪.‬‬
‫وعندما يتعلق األمر ابألشياء املرغوب فيها (‪ ،)désirable‬اخلري يلعب الدور الشامل (‪)universel‬‬
‫واحلق الدور اخلاص (‪ particulier‬أي ما يشمل بعض األشياء ال كلها) والعكس صحيح فعندما يتعلق األمر‬
‫ابألشياء اليت تُعقل (القابلة لإلدراك) فاحلق يلعب الدور الشامل واخلري الدور اخلاص‪ .‬وابلتايل ال ميكن للخري أن‬
‫يكون متقدماً على احلق إال عندما يتعلق األمر ابألشياء املرغوب فيها فقط‪.‬‬
‫جيب أن نقوم ابلتمييز بني نظامني للوجود لألشياء‪ ،‬فهناك احلقيقي يف ذاته (‪ )réel en soi‬وهو املوجود اخلارج‬
‫عنّا‪ ،‬وهناك أيضاً احلقيقي الذي يوجد يف العقل وهو املوجود الذي يوجد يف العقل بطريقة ختتلف عن الطريقة‬
‫الذي يوجد فيها خارج عنّا وذلك عن طريق عملية اإلدراك والتجريد فيصبح هو نفسه يف العقل لكن بطريقة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫ونقارن هنا بني مفاهيم فيما بينها‪ ،‬ال بني املفاهيم (‪ )notions‬واملوجودات‪ ،‬وابلتايل وفقاً هلذا املبدأ فإن‬
‫األول هو األمر الذي يُ ِّ‬
‫درُكه العقل أوالً‪ .‬والعقل يدرك أوالً املوجود (احلق يف العقل)‪ ،‬مث يدرك أنه أدرك املوجود‬ ‫ّ‬
‫(أي ف ِّهم عالقة التطابق بني ما يف العقل والشيء اخلارجي) مث يدرك أنه يرغب (‪ )désire‬يف املوجود‪ .‬حىت لو‬
‫كان اخلري يف املوجودات ألننا نتكلم عن ما يوجد ابلنسبة للعقل‪ .‬فنرى أن املفهوم األول هو املوجود‪ ،‬اثنياً مفهوم‬
‫احلق‪ ،‬اثلثاً مفهوم اخلري‪ .‬فالشيء يكون موجودا (‪ )est‬مث معروفاً (‪ )connu‬مث مرغوابً فيه (‪ .)désiré‬ونتكلم‬
‫هنا عن احلقيقة بشكل عام ال ابملعىن اخلاص (خاص مثل فضيلة احلقيقة اليت تعين أن نُظهر ما حنن عليه يف‬
‫الكالم واألفعال‪ ،‬أي تطابق ما حنن عليه مع كالمنا وأفعالنا)‪.‬‬

‫الفصل اخلامس‬

‫هل هللا هو احلقيقة؟‬

‫املبدأ‪:‬الرب قال "أان الطريق واحلق واحلياة" (يوحنا ‪.)6:14‬‬


‫كما قلنا سابقاً يف الفصل األول خاصةً‪ ،‬احلقيقة توجد يف العقل من حيث أنه يفهم ويُ ِّ‬
‫درك الشيء كما‬
‫هو‪ ،‬وتوجد يف األشياء من حيث أن األشياء تُنسب اىل العقل (أي أ ّن الشيء متطابق مع صورته اليت يف العقل)‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫بشكل يف ِّ‬
‫غاية الكمال‪ ،‬ألن كيان هللا (‪ )son être‬ليس فقط متطابق مع عقله بل هو‬ ‫ٍ‬ ‫وهذا األمر موجود يف هللا‬
‫فعل تع ّقله‪ 3‬ذاته (‪ .)est son acte d’intelligence‬وفعل تعقلِّه هو مقياس وعلّة (سبب وجود) لكل وجود‬
‫آخر غريه وكل عقل آخر غريه‪ .‬وهو نفسه (‪ )lui même‬وجود ذاته وهو تع ّقله (أي أن هللا ووجوده واحد‪ ،‬هو‬
‫والتع ّقل واحد)‪.‬‬
‫فإذاً نستنتج أن احلقيقة ليست موجودة فقط فيه (هللا) بل إنه هو نفسه احلقيقة األوىل واألعظم‪ .‬نرى أن‬
‫يف العقل اإلهلي ليس هناك أتليف وتقسيم للمفاهيم‪ ،‬ولكنه إبدراكه البسيط حيكم على مجيع األشياء‪ ،‬ويدرك‬
‫مجيع املرّكبات (‪ )composition‬والتقسيمات (‪ )divisions‬احلقيقية واحملتملة‪ .‬وهكذا نرى انه يوجد حق يف‬
‫العقل اإلهلي‪.‬‬
‫احلق يف عقلنا هو مطابقة عقلنا مع مبدئه أي لألشياء اخلارجية اليت منها نستقبل املعرفة‪ .‬واحلق يف‬
‫األشياء اخلارجية هو مطابقتها مع مبدئها وهو العقل اإلهلي‪ .‬لكن هذا ال ميكن أن يُقال على احلق اإلهلي ّإال إذا‬
‫خصصنا احلقيقة يف االبن (املسيح) الذي له مبدأ (من انحية العالقات أنه صادر من اآلب ال من انحية اجلوهر‬
‫اإلهلي ذاته)‪ .‬أما إذا تكلمنا عن احلق اإلهلي يف جوهره (ال العالقات بل اجلوهر) فال ميكن أن يُفهم هذا األمر إال‬
‫ابلصيغة السلبية أي "اآلب صادر عن نفسه‪ ،‬ألنه ليس صادر من غريه"‪ ،‬وابلتايل ميكننا أن نقول أبن احلق اإلهلي‬
‫مطابق ملبدئه من حيث أن وجوده غري خمتلف عن عقله‪.‬‬
‫إن هللا هو العلّة األوىل جلميع األشياء‪ ،‬ووجود هللا هو علّة كل وجود‪ ،‬وصالح هللا هو علّة كل صالح‪ ،‬وابلتايل هللا‬
‫هو حق وعلّة كل حق‪.‬‬

‫الفصل السادس‬

‫هل يوجد فقط حقيقة واحدة‪ ،‬واليت وفقاً هلا مجيع األشياء هي حقة (‪)vraie‬؟‬

‫املبدأ‪ :‬مزمور ‪ 11‬يقول‪" :‬احلقائق اضمحلت (اختفت) من بني بين البشر"‬


‫احلقيقة اليت هبا مجيع األشياء ح ّقة هي واحدة من جهة‪ ،‬وليست واحدة من جهة أخرى‪ .‬ولنتب َّني ذلك‬
‫جيب أن نالحظ أنه عندما أنخذ صفة (‪ )attribut‬ذات معىن واحد (‪ univoque‬أي كلمة ذات معىن واحد‬
‫ميكن تطبيقها على عدة أشياء بنفس املعىن) ونطبّقها على عدة أشياء‪ ،‬فإن هذه الصفة توجد يف هذه األشياء‬

‫‪ 3‬عملية اإلدراك والتفكري املنطقي ‪.raisonnement‬‬


‫‪8‬‬
‫تعب عنه متاماً وتصفه)‪ ،‬كصفة حيوان اليت‬
‫حسب طبيعتها اخلاصة (أي أن الصفة تنطبق مع طبيعة الشيء أي ّ‬
‫تنطبق على كل نوع من احليواانت‪ .‬لكن مىت أخذان صفة ذات تشابه حزئي (‪ analogie‬عالقة تشابه وتطابق‬
‫جزئية بني حقائق خمتلفة‪ ،‬وهي كلمة ذات معىن يُطبّق على عدة أشياء بدرجات خمتلفة)‪ ،‬وطبّقناها على عدة‬
‫أشياء فإن هذه الصفة سنجدها فقط يف واحدة من هذه األشياء حسب طبيعتها اخلاصة‪ ،‬ومن هذه األخرية يتم‬
‫إعطاء هذه الصفة (أو االسم) لألشياء األخرى (أي تسمى هبذا االسم)‪ .‬وابلتايل هكذا نطبّق الصفة‬
‫(‪ )adjectif‬صحي (‪ )sain‬على احليوان‪ ،‬على البول (‪ ،)l’urine‬وعلى الدواء‪ .‬وال نعين أن الصحة (‪)saint‬‬
‫صحي ألنه هو‬
‫صحة احليوان يُقال أبن الدواء ّ‬
‫ليست موجودة سوى يف احليوان فقط‪ ،‬لكن انطالقاً ونسبةً إىل ّ‬
‫الصحة ال توجد ال‬
‫الصحة‪ .‬وابلرغم من أن ّ‬
‫صحي ألنه هو املؤشر هلذه ّ‬ ‫سبب هذه الصحة‪ ،‬وابلنسبة للبول يُقال ّ‬
‫يف الدواء وال يف البول‪ ،‬لكن األول يسبب الصحة والثاين مؤشر للصحة‪.‬‬
‫وكما ذكران سابقاً يف الفصل األول فإن احلقيقة هي أوالً يف العقل واثنياً يف األشياء وفقاً لعالقتها‬
‫(تطابقها) ابلعقل اإلهلي‪.‬‬
‫وإذا كنا نتكلم عن احلقيقة كما توجد يف العقل حسب طبيعتها اخلاصة‪ ،‬فهناك ع ّدة حقائق يف ع ّدة‬
‫عقول خملوقة وأيضاً ع ّدة حقائق يف العقل الواحد ذاته وفقاً لعدد األشياء املعروفة (اليت يعرفها)‪.‬‬
‫وعلى املبدأ الذي ذكرانه يف ّأول الفصل مزمور ‪" 11‬احلقائق اضمحلت من بني بين البشر" يقول القديس توما‬
‫وجه و ٍ‬
‫احد لإلنسان ينع ِّكس ع ّدة تشاهبات يف املرآة (‪ ،)miroir‬فإنه كذلك‬ ‫مقتبساً عن شرح آخر "كما أنه من ٍ‬
‫ٍ‬
‫حقيقة إهلية واحدة ينعكس (ينتج) ع ّدة حقائق"‪.‬‬ ‫من‬
‫لكن عندما نتكلم عن احلقيقة حسبما (وفقاً) هي موجودة يف األشياء‪ ،‬عندها تكون مجيع األشياء‬
‫ح ّقة من خالل احلقيقة الواحدة (‪ )seule‬واألوىل (‪ ،)première‬اليت كل موجود يشبهها حسب موجوديته‬
‫(كينونته‪ ،‬جوهره ‪.)entité‬‬
‫وابلتايل ابلرغم من أنه يوجد ع ّدة جواهر (‪ )essences‬وصور (‪ )formes‬لألشياء إال أن حقيقة العقل‬
‫حق‪.‬‬
‫اإلهلي هي واحدة (‪ ،)unique‬ومنها كل األشياء يُطلق عليها اهنا ّ‬
‫وقد يقول أحدهم أبن هللا هو فقط احلقيقة وليس هناك من حقيقة أخرى‪ ،‬وهذا فيه خطأ ألن هللا هو احلقيقة‬
‫األوىل واألعظم‪ .‬وعندما النفس‪ 4‬حتكم على شيء فإن احلكم يكون وفقاً للحقيقة األوىل (أي من هللا) اليت‬

‫‪ 4‬متعارف على أهنا املبدأ الداخلي الذي به نفكر‪ ،‬نشعر ونريد‪ ،‬وهي اليت حتيي جسدان‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫تنعكس يف عقلنا كما يف مرآة من خالل مبادئ اإلدراك األوىل‪ ،‬وابلتايل هناك حقيقة يف اإلنسان مصدرها‬
‫احلقيقة األوىل واألعظم وهو هللا‪.‬‬

‫الفصل السابع‬

‫هل احلقيقة املخلوقة سرمدية (‪)éternel‬؟‬

‫املبدأ‪ :‬هللا وحده فقط سرمدي‪.‬‬


‫حقيقة ما نلفظه غري خمتلف عن حقيقة عقلنا‪ .‬اللفظ (‪ )énonciation‬هو يف العقل أوالً مث يف‬
‫الكالم‪ .‬وفقاً لوجوده يف العقل فله حقيقته بذاته‪ ،‬ووفقاً لوجوده يف الكالم يكون اللفظ ح ّقاً عندما يدل على نوع‬
‫من الصدق يف العقل‪ ،‬ال اعتماداً على وجود صدق فيه‪.‬‬
‫صحة احليوان‪ .‬وعلى نفس‬‫الصحة فيه بل ألنه يدل على ّ‬ ‫ّ‬ ‫صحي‪ ،‬ال ألن‬‫هكذا البول يُقال عنه أنه ّ‬
‫النمط كما قلنا سابقاً أن األشياء هي ح ّقة من احلق املوجود يف العقل‪ .‬ابلتايل لكي تكون حقيقة األشياء سرمدية‬
‫عليها أن تستمد حقيقتها من عقل سرمدي‪ .‬واذا مل يكن هناك من عقل سرمدي فلن يكون هناك حقيقة‬
‫سرمدية‪ .‬لكن مبا أن العقل اإلهلي هو وحده فقط سرمدي‪ ،‬ففيه فقط يكون احلق سرمدايً (أي أن احلق الذي يف‬
‫العقل اإلهلي‪ ،‬أي هو نفسه‪ ،‬سرمدي)‪.‬‬
‫ونستنتج أنه ال يلزم أن يكون هناك شيئاً آخر غري هللا سرمدايً مبا أن حقيقة العقل اإلهلي هي هللا نفسه‬
‫كما رأينا يف الفصل اخلامس‪.‬‬
‫كل حق موجود يف العقل اإلهلي هو سرمدي‪ .‬واحلقيقة املخلوقة أيضاً فمثالً يف الرايضيات ‪3=2+1‬‬
‫هذه حقيقة خملوقة وهلا سرمدية يف عقل هللا‪.‬‬

‫الفصل الثامن‪:‬‬

‫هل احلقيقة غري متغرية (‪)immuable‬؟‬

‫املبدأ‪ :‬مزمور ‪ 11‬يقول‪" :‬احلقائق اضمحلت (اختفت) من بني بين البشر"‬

‫‪10‬‬
‫احلقيقة توجد فقط يف العقل‪ ،‬واألشياء اخلارجية يُقال عنها أهنا حق بفضل احلق املوجود يف ٍ‬
‫عقل ما‪.‬‬
‫تغري (‪ )la mutabilité‬احلق جيب إذاً أن يُدرس ابلنسبة لعالقته ابلعقل‪ ،‬حيث أن حقيقة العقل تكون يف‬ ‫ّ‬
‫تطابقه مع األشياء اليت يعرفها‪.5‬‬
‫وهذا التطابق ميكن أن خيتلف بطريقتني ‪:‬أوالً‪ ،‬احلقيقة ميكن أن ختتلف من جهة العقل من انحية أن‬

‫يغري رأيه عن شيء يف حني أن الشيء يبقى كما هو‪ ،‬واثنياً‪ ،‬الرأي يبقى كما هو‪ ،‬أما الشيء ّ‬
‫فيتغري‪.‬‬ ‫شخصاً ما ّ‬
‫تغري من احلق (‪ )vrai‬إىل الباطل (‪.)faux‬‬
‫ويف كلتا احلالتني هناك ّ‬
‫تغري يف الرأي‪ ،‬أو من املستحيل أن يصعب عليه إدراك‬
‫إذا كان يوجد عقل فيه ال ميكن أن حيدث أي ّ‬
‫متغري‪ .‬وهكذا هو العقل اإلهلي‪ ،‬فبالتايل حقيقة العقل اإلهلي‬
‫شيء ما (أي أنه يدرك كل شيء) فإن احلق فيه غري ّ‬
‫يتغري من احلق إىل الباطل‪،‬‬
‫التغري بل ألن عقلنا ّ‬
‫فمتغرية‪ ،‬ليس ألهنا فاعل (‪ّ )sujet‬‬
‫متغرية‪ .‬أما حقيقة عقلنا ّ‬
‫غري ّ‬
‫متغرية‪.‬‬
‫وهبذا املعىن ميكن أن يُقال أبن الصور (‪ّ )formes‬‬
‫‪6‬‬
‫متغري‪.‬‬
‫أما األشياء الطبيعية فيُقال اهنا ح ّقة ابلنسبة إىل العقل اإلهلي الذي هو ليس ّ‬

‫اخلامتة‬

‫لقد رأينا يف هذا البحث طريقة طرح القديس توما األكويين ملفهوم احلقيقة‪ ،‬وذلك من ع ّدة جوانب‪ .‬إن‬
‫يوضح العديد إن مل يكن كل التعاليم‬
‫اخلالصة الالهوتيّة ليست سهلة للقراءة لكنّها غنيّة جداً‪ ،‬فالقديس توما ّ‬
‫وموضحاً اإلميان ابملبادئ الفلسفيّة املنطقيّة ويضيف عليها أمثلة للفهم عند احلاجة‪ .‬وبعمله هذا‬
‫املسيحيّة جامعاً‪ّ ،‬‬
‫الالهوت‪ .‬فاهلل خلق العامل ووضع فيه مبادئ معيّنة‬ ‫هو يقوم ابملصاحلة والتوفيق بني العلم والعقل‪ ،‬الفلسفة و ّ‬
‫واإلنسان قادر على معرفة هذه املبادئ على نور العقل‪ ،‬وهناك الوحي الذي ُك ِّشف لنا يف الكتاب املق ّدس كلّه‪،‬‬
‫ُ‬
‫وهنا نالحظ وجود نوعني من املعرفة من مصدر واحد ومها العقل واإلميان‪ ،‬وهذا ما يقوله القديس توما وطبّقه يف‬
‫املصاحلة بينهما‪ .‬فبالتايل يقوم القديس توما األكويين بشرح اإلميان وتوضيحه ُمتّ ِّخذاً من الكتاب املق ّدس املبدأ‬
‫ُ‬
‫وعي املعرفة الواحد مع اآلخر‪ .‬وهكذا يكون اإلميان مستنداً على‬ ‫وموضحاً ابلفلسفة‪ ،‬وبذلك يضع ن ّ‬ ‫وشارحاً ِّّ‬
‫الكتاب املق ّدس وعلى املنطق البشري الذي هو أيضاً عطيّة من هللا‪ .‬وبعد القيام هبّذا البحث من هذا املنطلق‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِّ‬
‫مفهوم "احلقيقة" أكثر عندي وأيضاً مت توضيحه بطريقة منطقيّة (مقنعة) يكون فيها اإلميان أكثر قابليّة‬ ‫وضح‬
‫ت ّ‬
‫ُ‬

‫‪ 5‬تطابق ما يعرفه العقل عن الشيء مع الشيء اخلارجي ذاته‪.‬‬


‫‪ 6‬أي عند مطابقتها مع صورهتا يف العقل اإلهلي‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫للتصديق والصمود أمام أي آراء ضد اإلميان أو أمام التجارب الروحيّة‪ ،‬فاإلنسان مؤمن ولكن هبذه األسس‬
‫العقليّة املنطقيّة يكون أكثر ثباتً يف اإلميان‪ .‬هذه األمور اليت يعرضها القديس توما األكويين تساعد على التمييز‬
‫والتدقيق يف األشياء اليت نسمعها ونقرأها‪ ،‬ففي عاملنا اليوم العديد من األفكار واملبادئ اخلاطئة اليت تعمل خليط‬
‫من األمور مع بعضها فتؤدي إىل احنراف االنسان عن مساره الصحيح وضالله لطريقه‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫املراجع‬

‫األكويين‪ ،‬توما‪ ،‬اخلالصة الالهوتيّة‪ ،‬ترمجة بولس ّ‬


‫عواد‪ ،‬بريوت ‪.1887‬‬

‫‪13‬‬

You might also like