Professional Documents
Culture Documents
احلقيقة
األول ،السؤال السادس عشر)
القديس توما األكويين (اخلالصة الالهوتيّة ،اجلزء ّ
ربيع 2017
ِّ
املقدمة
أوجه وذلك
يف هذا البحث سأتكلّم عن شرح الق ّديس توما األكويين عن احلقيقة ودراسته هلا من ع ّدة ُ
مقسماً البحث إىل مثانية فصول كما يعرضها القديس توما يف شكل أسئلة حول موضوع احلقيقة ،ويف كل فصلّ
ِّ
مبسطاً إايها قدر اإلمكان للقارئ.
سأحاول أن أشرح بعض املفاهيم واجلمل اليت من الصعب أن تُفهم بسهولة ّ
غين جداً وذا مبادئ واضحة
إن مفهوم احلقيقة كما يعرضها القديس توما األكويين يف اخلالصة الالهوتيّة ّ
واثبتة ميكن استخراجها واستخدامها يف احلياة اليوميّة لنعيش احلقيقة.
أخرتت هذا املوضوع لرغبيت يف معرفة أعمق ملفهوم احلقيقة الذي يعرضه القديس توما بشكل ُم ِّ
سهب
وم ِّ
بدع ،فالكنيسة نفسها يف ع ّدة دساتري رسوليّة توصي بدراسة القديس توما األكويين كمثال أعلى يف اجلمع بني ُ
العقل واإلميان (الالهوت والفلسفة) ،ولرغبيت أيضاً يف حماولة عيش هذه احلقيقة يف حيايت بنعمة الرب يسوع
املسيح الذي هو "الطريق واحلق واحلياة" (يوحنا .)6:14
األول ،السؤال السادس
لقد استخدمت يف هذا البحث اخلالصة الالهوتيّة للقديس توما األكويين ،اجلزء ّ
عشر.
احلقيقة
الفصل األول
هل احلقيقة موجودة فقط يف العقل؟
املبدأ:إن احلقيقة ( )véritéوالباطل (اخلطأ) ليس هلما وجود يف اخلارج (األشياء اخلارجية) بل يف العقل.
ندعو شيئاً ما خرياً ( )bienما متيل إليه الرغبة ( .)désireوندعو شيئاً ما حقاً ( )vraiما مييل حنوه
العقل .هناك اختالف بني الرغبة والعقل (أو أي نوع من املعرفة) ،فاملعرفة حتصل (حتدث) بوجود الشيء املعروف
يف العارف ،والرغبة حتدث مبيل الشخص املشتهي حنو الشيء املشتهى .وغاية الشهوة اليت هي اخلري توجد يف
ُ ُ
األشياء املرغوب فيها ( .)les choses désirablesوغاية املعرفة هي احلق الذي يوجد يف العقل ،واحلق يوجد
يف العقل وفقاً ملطابقته ( )conformitéمع الشيء املعقول .ونقول أن شيئاً هو حق عند مطابقته (نسبته) اىل
العقل .ومطابقة الشيء املعقول اىل العقل تكون إما جوهرية ( )essentielleأو عارضية (،)accidentelle
صنع كما أراده الصانع)،
جوهرية عندما يكون هناك تطابق بني الشيء مع عقل الذي صنعه (أي أن الشيء ُ
2
وعارضية عند تطابق الشيء مع أي عقل ميكن أن يدركه .وحنكم على شيء أنه حق حبسب مطابقته اجلوهرية أي
أنه حق مطلق نسبةً لتطابقه مع عقل الذي صنعه ،فمثالً األشياء الصناعية هي حق ابلنسبة ملن صنعها أي البشر
(التطابق بني املصنوع وعقل الصانع) ،واألشياء الطبيعية هي حق حسب مطابقتها مع صورهتا يف العقل اإلهلي
الذي صنعها.
إذاً احلق يوجد يف العقل أوالً وأساساً ،ويف األشياء اخلارجة عنّا اثنياً حبسب نسبتها وتطابقها مع العقل
على أنه املبدأ .وبناءاً على ذلك هناك ع ّدة تعريفات للحقيقة ،فبالنسبة للحق الذي يف العقلَّ ،
إن القديس
أن "احلق هو الذي بواسطته يتم إظهار ما هو موجود ( ce quiأغسطينُس يقول يف كتابه عن الدين احلق َّ
،")estوالقديس هيالريوس يقول " احلق هو ما جيعل املوجود ( )l’êtreواضحاً وجليّاً" ،أما ابلنسبة حلقيقة
لكل ٍ
شيء مع مبدئه األشياء وفقاً ملطابقتها للعقل فإن القديس أغُسطينُس يقول "احلقيقة هي املشاهبة التامة ِّّ
بدون أي اختالف" ،والقديس أنسيلموس يقول "احلق هو اإلستقامة القابلة لإلدراك من قِّبل العقل فقط" ،وابن
سينا يقول "حقيقة كل شيء تكون يف خاصيّة كينونته ( )propriété de son êtreكما قد ُح ِّّددت لهُ".
فاحلقيقة هي تطابق الشيء مع العقل .حقيقة األ شياء تكون يف عالقتها ابلعقل اإلهلي الذي ننسب إليه خلق كل
شيء فكما ذكران سابقاً األشياء تستمد حقيقتها من هذا العقل اإلهلي حبسب مطابقتها لصورهتا ()forme
املوجودة فيه.
حقيقة عقلنا سببها اخلارج (األشياء اخلارجية) ،لكن ال يعين هذا أن احلقيقة هي موجودة أوالً يف اخلارج،
ألن ما يسبب حقيقة عقلنا هو الوجود ( )l’êtreلألشياء اخلارجية ال حقيقتها (أي ليست احلقيقة موجودة يف
الشيء وأتيت لعقلي ،بل إن الشيء املوجود خارج عين يتطابق مع ما يف عقلي ومعرفة عالقة التطابق هي معرفة
احلقيقة) ،فمثالً يف حبة الدواء الصحة غري موجودة ولكن القوة املوجودة يف الدواء تعطيين الصحة كذلك احلقيقة
غري موجودة يف الشيء كعدم وجود الصحة يف الدواء بل وجودية الشيء ( )l’être des chosesتُسبب
(تعطي) احلقيقة يف العقل.
الفصل الثاين
مقدمة :العقل اإلنساين ال يكتسب املعرفة الكاملة ابلفعل األول من اإلدراك (أي عندما يدرك شيئاً ما
فإنه ال يدركه من البداية) لكنه يفهم ويدرك أمراً ما ( )aspectحول الشيء الذي هو موضوع اإلدراك ،مثالً
3
جوهر الشيء وبعدها صفاته والعوارض .وهكذا يقارن العقل هذا األمر مع آخر من خالل التأليف والتقسيم،
وينتقل من أتليف اىل آخر وهذه هي عملية التفكري املنطقي ( ،)raisonnementالتأليف والتقسيم يف العقل
يتم ابلتمييز واملقارنة ،وهبذه الطريقة العقل يعرف الكثري من االمور .فالعقل يقوم أبخذ أجزاء خمتلفة من املعلومات
اليت أتيت من خالل احلواس (اخلبة احلسية) والتعليم ليعمل حكم ( jugementوتعين أتكيد عالقة بني تعبريين أو
أكثر) .عند استقبال هذه املعلومات من احلواس يقوم ابلتمييز واملقارنة يف كل ما قام ابستقباله ومن مث يعاجله.
4
( )sujetأو يسلبها منه .1وهذا يرينا أن احلس هو حق يف إدراكه شيئاً ما ،والعقل هو حق يف إدراكه ماهية
الشيء ولكنه ال يعرف ويؤكد احلقيقة.
واحلقيقة ميكن أن جندها يف احلس أو يف العقل امل ِّ
درك لألشياء كوجود احلق يف أي شيء ،ال كوجود
ُ
درك والعارف ( ،)sujet connaissantوهذا هو املقصود بكلمة احلق الشيء املدرك ( )connuيف الشخص امل ِّ
ُ ُ
ِّ
ويقسم ،ال يف احلس وال يف العقل
ألن كمال العقل هو احلق املُدرك .ولذلك احلقيقة هي يف العقل الذي يؤلف ّ
الذي يدرك ماهية األشياء.
الفصل الثالث
املبدأ :إن ترتيب وتنظيم ( )dispositionاألشياء يف الوجود ( )êtreهو نفس ترتيبها وتنظيمها يف
احلقيقة(.)vérité
كما أن اخلري لديه طبيعة املرغوب فيه (املشتهى) ،كذلك احلقيقة ( )la véritéهلا صلة ابإلدراك
ُ
(املعرفة) .وبقدر ما للشيء مشاركة يف الوجود ( )êtreبقدر ما يكون قابل لإلدراك (عندما يُدرك الشيء يكون
ابلقوة) .وقد قال أرسطو يف كتابه ( " )De Anima 3إن النفس
يف العقل وابلتايل يكون هذا الشيء يف العقل ّ
ألن النفس بطر ٍ
يقة أو أبُخرى تُصبح موضوع بطريقة ما هي كل شيء" من خالل (بسبب) احلواس والعقلَّ .
معرفتها (أي الشيء الذي تُريد أن تُ ِّ
دركهُ بفضل (من خالل) عمليّة املعرفة) ،وذلك أل ّن النفس هلا كموضوع
كل الكيان وتستطيع أن تُصبح كل شيء ،ولكي تتمكن النفس من خالل املعرفة أن تُصبح كل (هدف) للمعرفة ّ
ابلقوة .وبناءًا على
ابلقوة ( )en puissanceأن تكون كل شيء ألن العقل و موضوع معرفته مها ّ
شيء ،عليها ّ
ذلك كما أن اخلري متطابق مع املوجود ( )l’êtreكذلك يتطابق احلق مع املوجود .فاخلري يُضيف على املوجود
( )l’êtreفكرة املرغوب فيه (أي جيعل الشيء مرغوابً فيه) ،واحلق ( )vraieيُضيف على املوجود عالقة ابلعقل
األول أن الشيء يكون ح ّقاً عند نسبته إىل العقل ،كونه
أي النسبة إىل العقل (كما ذكران سابقاً يف الفصل ّ
مصنوع بنفس صورته ) (formeاملوجودة يف عقل الصانع).
فان" هذه اجلُملة هي قضيّة حتتمل أن تكون صحيحة أو خاطئة ،وحتتوي على شيء مدلول عليه أي فاعل وهو 1مثالً "اإلنسا ُن ٍ
(فان) يقول لنا شيئاً عن املدلول عليه (اإلنسان) أي أن اإلنسان ٍ
فان. فان ،إذاً املخب ٍ
خب هو كلمة ٍ
اإلنسان ،وامل ِّ
ُ ُ
5
احلق يوجد يف العقل ،واملوجود ( )l’êtreموجود يف األشياء اخلارجيّة ،فاحلق ّأوالً يف العقل ولكنّهُ أيضاً
يف األشياء .واحلق املوجود يف األشياء متطابق ( )identiqueمع املوجود ابجلوهر .واحلق املوجود يف العقل هو
متطابق مع املوجود كمطابقة الشرح ( )forme représentativeمع الشيء املشروح ( ce qui est
.) représentéوهذه هي طبيعة احلق كما ذكران يف الفصل األول أي تطابق ما يف العقل مع املوجود .ميكن
القول أن املوجود هو مثل احلق ،االثنان موجودان يف األشياء ويف العقل ،لكن احلق موجود يف األساس يف العقل،
واملوجود موجود يف األشياء ،وذلك ألن احلق واملوجود هلما مفهوم خمتلف الواحد عن اآلخر .املوجود ال ميكن أن
يُدرك ما مل يلحقه مفهوم احلق الذي ينتُج بعد إدراك املوجود ،ولكن احلق ال ميكن أن يُدرك ما مل يُدرك مفهوم
املوجود ألن املوجود مشمول ( )incluيف مفهوم احلق.
الفصل الرابع
املبدأ :الذي يوجد يف أشياء كثرية له أولية عقلية ،أي أن له األولية على اآلخر يف نظر العقل .واحلق يوجد
يف أشياء حيث ال يوجد فيها اخلري .إذاً ،احلق هو املتقدم على اخلري أي سابق له.
إن اخلري واحلق متطابقان مع املوجود جوهراً (كما ذكران يف الفصل السابق كيف يتطابق احلق مع
املوجود) ،إال أن مفهومها خمتلف الواحد عن اآلخر ،وابلتايل احلق متقدم على اخلري وهذا لسببني :أوالً ،احلق هو
أقرب اىل املوجود الذي بدوره متقدم على اخلري ،ألن احلق له عالقة مباشرة ومطلقة ابملوجود ذاته ،2يف حني أن
معني وهذا مامفهوم اخلري ينشأ من وينتج عن مفهوم املوجود ،وذلك اعتماداً على إذا ما كان للموجود كمال ّ
جيعله مرغوب فيه (فعندما يصبح املوجود مرغوب فيه يكون فيه خري أميل إليه) .اثنياً ،وطبيعياً املعرفة
( )connaisanceتسبق الشهوة ( ،)appétitومبا أن احلق يتعلق ابملعرفة (له صلة ابملعرفة) ،واخلري يتعلق
ابلشهوة ،إذاً احلق له أوليّة عقلية على اخلري (أي يف نظر العقل احلق هو قبل اخلري) .اإلرداة (اخلري ،ألهنا متيل اىل
اخلري) والعقل (احلق ،ألن العقل مييل اىل معرفة األشياء) تشمل وتتضمن الواحدة األخرى ،ألن العقل يعرف
(يعقل/يدرك) اإلرادة ،واإلرادة تريد للعقل أن يعرف ،وابلتايل مبا أن اإلرادة تريد للعقل أن يعرف ،إذاً من بني
2كل موجود هو حق ابلنسبة لعالقته مع العقل ،مطابقته مع العقل الذي صنعه ابلتايل احلق يكون قبل اخلري يف املوجود.
6
األشياء اليت تندرج حتت موضوع اإلرادة (خري متيل إليه) يدخل أيضاً ما له عالقة ابلعقل (ما يُ ِّ
درُكهُ العقل) ألن
اإلرادة تريد للعقل أن يعرف.
وعندما يتعلق األمر ابألشياء املرغوب فيها ( ،)désirableاخلري يلعب الدور الشامل ()universel
واحلق الدور اخلاص ( particulierأي ما يشمل بعض األشياء ال كلها) والعكس صحيح فعندما يتعلق األمر
ابألشياء اليت تُعقل (القابلة لإلدراك) فاحلق يلعب الدور الشامل واخلري الدور اخلاص .وابلتايل ال ميكن للخري أن
يكون متقدماً على احلق إال عندما يتعلق األمر ابألشياء املرغوب فيها فقط.
جيب أن نقوم ابلتمييز بني نظامني للوجود لألشياء ،فهناك احلقيقي يف ذاته ( )réel en soiوهو املوجود اخلارج
عنّا ،وهناك أيضاً احلقيقي الذي يوجد يف العقل وهو املوجود الذي يوجد يف العقل بطريقة ختتلف عن الطريقة
الذي يوجد فيها خارج عنّا وذلك عن طريق عملية اإلدراك والتجريد فيصبح هو نفسه يف العقل لكن بطريقة
أخرى.
ونقارن هنا بني مفاهيم فيما بينها ،ال بني املفاهيم ( )notionsواملوجودات ،وابلتايل وفقاً هلذا املبدأ فإن
األول هو األمر الذي يُ ِّ
درُكه العقل أوالً .والعقل يدرك أوالً املوجود (احلق يف العقل) ،مث يدرك أنه أدرك املوجود ّ
(أي ف ِّهم عالقة التطابق بني ما يف العقل والشيء اخلارجي) مث يدرك أنه يرغب ( )désireيف املوجود .حىت لو
كان اخلري يف املوجودات ألننا نتكلم عن ما يوجد ابلنسبة للعقل .فنرى أن املفهوم األول هو املوجود ،اثنياً مفهوم
احلق ،اثلثاً مفهوم اخلري .فالشيء يكون موجودا ( )estمث معروفاً ( )connuمث مرغوابً فيه ( .)désiréونتكلم
هنا عن احلقيقة بشكل عام ال ابملعىن اخلاص (خاص مثل فضيلة احلقيقة اليت تعين أن نُظهر ما حنن عليه يف
الكالم واألفعال ،أي تطابق ما حنن عليه مع كالمنا وأفعالنا).
الفصل اخلامس
7
بشكل يف ِّ
غاية الكمال ،ألن كيان هللا ( )son êtreليس فقط متطابق مع عقله بل هو ٍ وهذا األمر موجود يف هللا
فعل تع ّقله 3ذاته ( .)est son acte d’intelligenceوفعل تعقلِّه هو مقياس وعلّة (سبب وجود) لكل وجود
آخر غريه وكل عقل آخر غريه .وهو نفسه ( )lui mêmeوجود ذاته وهو تع ّقله (أي أن هللا ووجوده واحد ،هو
والتع ّقل واحد).
فإذاً نستنتج أن احلقيقة ليست موجودة فقط فيه (هللا) بل إنه هو نفسه احلقيقة األوىل واألعظم .نرى أن
يف العقل اإلهلي ليس هناك أتليف وتقسيم للمفاهيم ،ولكنه إبدراكه البسيط حيكم على مجيع األشياء ،ويدرك
مجيع املرّكبات ( )compositionوالتقسيمات ( )divisionsاحلقيقية واحملتملة .وهكذا نرى انه يوجد حق يف
العقل اإلهلي.
احلق يف عقلنا هو مطابقة عقلنا مع مبدئه أي لألشياء اخلارجية اليت منها نستقبل املعرفة .واحلق يف
األشياء اخلارجية هو مطابقتها مع مبدئها وهو العقل اإلهلي .لكن هذا ال ميكن أن يُقال على احلق اإلهلي ّإال إذا
خصصنا احلقيقة يف االبن (املسيح) الذي له مبدأ (من انحية العالقات أنه صادر من اآلب ال من انحية اجلوهر
اإلهلي ذاته) .أما إذا تكلمنا عن احلق اإلهلي يف جوهره (ال العالقات بل اجلوهر) فال ميكن أن يُفهم هذا األمر إال
ابلصيغة السلبية أي "اآلب صادر عن نفسه ،ألنه ليس صادر من غريه" ،وابلتايل ميكننا أن نقول أبن احلق اإلهلي
مطابق ملبدئه من حيث أن وجوده غري خمتلف عن عقله.
إن هللا هو العلّة األوىل جلميع األشياء ،ووجود هللا هو علّة كل وجود ،وصالح هللا هو علّة كل صالح ،وابلتايل هللا
هو حق وعلّة كل حق.
الفصل السادس
هل يوجد فقط حقيقة واحدة ،واليت وفقاً هلا مجيع األشياء هي حقة ()vraie؟
4متعارف على أهنا املبدأ الداخلي الذي به نفكر ،نشعر ونريد ،وهي اليت حتيي جسدان.
9
تنعكس يف عقلنا كما يف مرآة من خالل مبادئ اإلدراك األوىل ،وابلتايل هناك حقيقة يف اإلنسان مصدرها
احلقيقة األوىل واألعظم وهو هللا.
الفصل السابع
الفصل الثامن:
10
احلقيقة توجد فقط يف العقل ،واألشياء اخلارجية يُقال عنها أهنا حق بفضل احلق املوجود يف ٍ
عقل ما.
تغري ( )la mutabilitéاحلق جيب إذاً أن يُدرس ابلنسبة لعالقته ابلعقل ،حيث أن حقيقة العقل تكون يف ّ
تطابقه مع األشياء اليت يعرفها.5
وهذا التطابق ميكن أن خيتلف بطريقتني :أوالً ،احلقيقة ميكن أن ختتلف من جهة العقل من انحية أن
يغري رأيه عن شيء يف حني أن الشيء يبقى كما هو ،واثنياً ،الرأي يبقى كما هو ،أما الشيء ّ
فيتغري. شخصاً ما ّ
تغري من احلق ( )vraiإىل الباطل (.)faux
ويف كلتا احلالتني هناك ّ
تغري يف الرأي ،أو من املستحيل أن يصعب عليه إدراك
إذا كان يوجد عقل فيه ال ميكن أن حيدث أي ّ
متغري .وهكذا هو العقل اإلهلي ،فبالتايل حقيقة العقل اإلهلي
شيء ما (أي أنه يدرك كل شيء) فإن احلق فيه غري ّ
يتغري من احلق إىل الباطل،
التغري بل ألن عقلنا ّ
فمتغرية ،ليس ألهنا فاعل (ّ )sujet
متغرية .أما حقيقة عقلنا ّ
غري ّ
متغرية.
وهبذا املعىن ميكن أن يُقال أبن الصور (ّ )formes
6
متغري.
أما األشياء الطبيعية فيُقال اهنا ح ّقة ابلنسبة إىل العقل اإلهلي الذي هو ليس ّ
اخلامتة
لقد رأينا يف هذا البحث طريقة طرح القديس توما األكويين ملفهوم احلقيقة ،وذلك من ع ّدة جوانب .إن
يوضح العديد إن مل يكن كل التعاليم
اخلالصة الالهوتيّة ليست سهلة للقراءة لكنّها غنيّة جداً ،فالقديس توما ّ
وموضحاً اإلميان ابملبادئ الفلسفيّة املنطقيّة ويضيف عليها أمثلة للفهم عند احلاجة .وبعمله هذا
املسيحيّة جامعاًّ ،
الالهوت .فاهلل خلق العامل ووضع فيه مبادئ معيّنة هو يقوم ابملصاحلة والتوفيق بني العلم والعقل ،الفلسفة و ّ
واإلنسان قادر على معرفة هذه املبادئ على نور العقل ،وهناك الوحي الذي ُك ِّشف لنا يف الكتاب املق ّدس كلّه،
ُ
وهنا نالحظ وجود نوعني من املعرفة من مصدر واحد ومها العقل واإلميان ،وهذا ما يقوله القديس توما وطبّقه يف
املصاحلة بينهما .فبالتايل يقوم القديس توما األكويين بشرح اإلميان وتوضيحه ُمتّ ِّخذاً من الكتاب املق ّدس املبدأ
ُ
وعي املعرفة الواحد مع اآلخر .وهكذا يكون اإلميان مستنداً على وموضحاً ابلفلسفة ،وبذلك يضع ن ّ وشارحاً ِّّ
الكتاب املق ّدس وعلى املنطق البشري الذي هو أيضاً عطيّة من هللا .وبعد القيام هبّذا البحث من هذا املنطلق
ُ ُ
ِّ
مفهوم "احلقيقة" أكثر عندي وأيضاً مت توضيحه بطريقة منطقيّة (مقنعة) يكون فيها اإلميان أكثر قابليّة وضح
ت ّ
ُ
12
املراجع
13