You are on page 1of 24

‫الخطاب‪ :‬المجلد ‪ 13‬العدد ‪2‬‬ ‫المسرح الفلسفي‪ :‬في سرديات أفالطون‬

‫المسرح الفلسفي‪ :‬في سرديات أفالطون‬


‫د‪.‬رياض بن يوسف‬
‫جامعة قسنطينة‪1‬‬

‫‪Abstract :‬‬
‫‪I try in this essay to prove that the position of Plato against a Greek‬‬
‫‪tragedy is'nt against pure poetry As suggested by a many actual studies .we‬‬
‫‪seek too to prove that the Plato's position was against tragedy as a narrative‬‬
‫‪art, and then try to update Plato's position by linking it to the contemporary‬‬
‫‪narrative theory,that is to say a Literary and cinema narratives.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫ال زال موقف أفالطون من الش عر والشعراء التراجي ديين‪ ،‬ونحن في بدايات‬
‫األلفية الثالثة للميالد‪ ،‬يستدعي كثيرا من البحث والدرس شرقا وغربا*‪ .‬ومن المسلم‬
‫به‪ ،‬عادة‪ ،‬عند سواد المثقفين أن موقف أفالطون من الشعر التراجيدي هو العداء الذي‬
‫بلغ حد طرد الشعراء من جمهوريته‪ ،‬فهل كان أفالطون ضد الشعر والشعراء‬
‫فعال أم أن ه ض د نم ط معين من الش عر ه و الش عر التراجي دي؟ وم ا قيم ة وم ا‬
‫مس وغات مث ل ه ذا االس تدعاء لموق ف أفالط ون من الش عر التراجي دي ونحن في الق رن‬
‫الواح د والعش رين؟ ه ل ثم ة م ا يمكن إض افته إلى الس جال الش ديد ال ثراء ح ول ه ذه‬
‫القض ايا بعي دا عن االج ترار‪ ،‬أي ه ل يمكن إع ادة تأوي ل موق ف أفالط ون وتحيين ه على‬
‫ضوء فرضيات جديدة مغايرة جزئيا أو كليا لما سبق طرحه بما يجعله وثيق‬
‫الصلة بواقعنا الثقافي المعاصر؟‬
‫لقد ُع َّد الموقف األفالطوني من شعراء التراجيديا نموذجا للصراع األزلي‬
‫بين الفلسفة والشعر بوصفه صراعا بين الوهم و الحقيقة ‪ ،‬أو بين الصدق و الكذب‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫الخطاب‪ :‬المجلد ‪ 13‬العدد ‪2‬‬ ‫المسرح الفلسفي‪ :‬في سرديات أفالطون‬

‫من جه ة‪ ،‬كم ا ُع َّد‪ ،‬من جه ة أخ رى‪ ،‬تناقض ا أو على األق ل مفارق ة في موق ف‬
‫أفالطون تحتاج إلى تسويغ‪ :‬فهو محب للشعر التراجيدي‪ ،‬متأثر بأسلوب هوميروس‬
‫في ص ياغة محاورات ه الفلس فية ح تى ق ال لونجين وس في الق رن األول للميالد عن‬
‫أفالطون أنه " األكثر هوميرية من بين كل الكتاب"‪ 1‬وهو الرأي نفسه الذي ذهب إليه‬
‫ماكسيموس التيري في القرن الميالدي الثاني‪ ،‬بينما تذهب األفالطونية الجديدة إلى حد‬
‫‪2‬‬
‫أفالطون‪ ،‬ولكنه رغم ذلك ال يتورع عن طرد "هوميروس"‬ ‫المطابقة بين هوميروس و‬
‫والشعراء التراجيديين في الكتاب العاشر من الجمهورية‪.‬‬
‫إن الفهم التقلي دي لموق ف أفالط ون من الش عر يظ ل اختزالي ا لح د بعي د‪،‬‬
‫وين درج في س ياق س وء الفهم الع ام ال ذي مس فلس فة أفالط ون في مجمله ا وتول دت‬
‫عنه فلسفات ال أفالطونية‪ ،‬وال سيما في القرنين التاسع عشر والعشرين‪ .‬لقد هيمنت‬
‫على أوروب ا في هذه الحقبة ‪ ،‬كم ا يق ول أالن ب اديو نزع ة ال أفالطونية عام ة بداي ة‬
‫من <<ال أفالطوني ة نيتش ه ال ذي يؤك د أن أوروب ا ال ب د أن تش فى من م رض‬
‫أفالط ون‪ ،‬وال أفالطونية الفلس فة التحليلية التي ترى أن نظام موض وعات الفكر ال‬
‫يحيل إلى أية أفكار بل إلى بنى لغوية‪ ،‬وال أفالطونية الفينومينولوجيا "الظاهراتية"‬
‫الوجودي ة ال تي ت رى أن أفالط ون يغالطن ا حين يفص ل بين الماهي ة والوج ود‪،‬‬
‫والالأفالطوني ة الماركس ية‪ ،‬حيث أن ق اموس الفلس فة لالتح اد الس وفييتي "الس ابق"‬
‫ِ‬
‫"المنظر األيديولوجي ل ُـمـاّل ك العبيد" ثم ال أفالطونية هايدغر‬ ‫عرف أفالطون بوصفه‬
‫ّ‬
‫الذي يرى في أفالطون بداية العهد الميتافيزيقي للفلسفة‪ ،‬العهد الذي قاد إلى نسيان‬
‫‪3‬‬
‫الكينونة وإ لى العدمية>>‪.‬‬
‫ولكن هن اك أيض ا ال أفالطوني ة الش عراء مث ل إي ف بونف وا ص احب النص‬
‫المطول "ضد أفالطون" الذي قرأه بعض النقاد ‪-‬مع القصائد الالحقة للشاعر أيضا‬

‫‪2‬‬
‫الخطاب‪ :‬المجلد ‪ 13‬العدد ‪2‬‬ ‫المسرح الفلسفي‪ :‬في سرديات أفالطون‬

‫‪-‬بوص فه مواجه ة مفتوح ة م ع الفلس فة المثالي ة والميتافيزيق ا وتحدي دا نظري ة المث ل‬


‫‪4‬‬
‫األفالطونية‪.‬‬
‫ولكن‪ ،‬هل كان أفالطون ضد الشعر والشعراء فعال؟‬
‫ْ‬
‫الواقع أن أفالطون لم يكن منشغال بنظرية نقدية حول الشعر أو الرسم أو‬
‫الموسيقى رغم الحضور البارز لهذه الفنون في مشروعه السياسي الفلسفي‪ ،‬ورغم‬
‫أن تاريخ النظرية اإلستيطيقية ال يهمل اإلشارة إلى موقف أفالطون من الفنون إال‬
‫أن م ا يجم ع علي ه الب احثون ه و أن ه لم يكن منش غال بتأس يس ٍ‬
‫علم للجم ال‪ ،‬ولم ُي ْع َن‬
‫بع رض نظري ة مس تقلة عن الفن ون في كت اب أو مح اورة قائم ة ب ذاتها تارك ا ه ذه‬
‫المهمة لغيره‪ ،‬فما كان يشغله كما الحظ ذلك كلود عوباديا هو مبدأ العدالة التي ك ان‬
‫حراس المدينة مطالبين بتحقيقها ألنها تعتمد على توازن القوى الخاصة بكل طبقة‬
‫اجتماعي ة‪ ،‬ف الفن أو م ا ك ان يطل ق علي ه "الم وزيكي"** مهمت ه التربي ة ال تي تحق ق‬
‫ٍ‬
‫مؤسسة لسياسة‬ ‫التوازن النفسي لطبقة الحراس وهذا ما دفع أفالطون لتشييد نظرية‬
‫‪5‬‬
‫ثقافية تقوم على الرقابة‪.‬‬
‫ف أفالطون لم يكن ض د الش عر التراجي دي في ذات ه‪ ،‬ب ل أخض عه لش روط‬
‫ص ارمة في كتابي ه الجمهوري ة‪ ،‬والق وانين‪ ،‬ألن ه ك ان فن ا جماهيري ا موجه ا لعام ة‬
‫الن اس على اختالف أعم ارهم‪ .‬لق د تمح ور برنامج ه السياس ي ح ول "الباي ديا" أو‬
‫التربي ة فالبع د الجم الي عن ده ال يمكن فص له عن الهم ال تربوي ف األول (أي البع د‬
‫يم ٌن عليه من الثاني‪ .‬ولهذا استنتج أفالطون في "الجمهورية" كما في "‬
‫الجمالي) ُمهَ َ‬
‫القوانين" << ضرورة إخضاع الكتاب لدفتر شروط سردي صارم وفرض مضمون‬
‫مغ اير عليهم>>‪ .6‬ألن مهمتهم هي ص قل نف وس األطف ال‪ :‬ح ِ‬
‫راس المدين ة المس تقبليين‪،‬‬
‫وغرس قيم الشجاعة واألمانة والعدالة والخير فيهم‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫الخطاب‪ :‬المجلد ‪ 13‬العدد ‪2‬‬ ‫المسرح الفلسفي‪ :‬في سرديات أفالطون‬

‫لق د الح ظ أفالط ون في الكت ابين الث اني و الث الث من الجمهوري ة أن م ا ُيلقَّن‬
‫لألطف ال في مرحل ة مبك رة ينطب ع فيهم و له ذا انتق د ‪ ،‬على لس ان س قراط‪،‬‬
‫التراجي ديات ال تي من ش أنها أن تفس د الناش ئين من خالل تمثي ل اآلله ة و األبط ال‬
‫بطريقة باطلة كما فعل "هزيود" حين صور انتقام "كرونوس" من "أورانوس" أبيه ‪،‬‬
‫ألننا هكذا نعلم الناشئ أنه حين يثأر من أبيه‪ ،‬إن كان ظالما‪ ،‬فإنه إنما يقتدي بما‬
‫س بق أن فعل ه أول اآلله ة و أعظمه ا‪ .‬كم ا أن تص وير اآلله ة و هي تقتت ل و تكي د‬
‫لبعضها ال يالئم تربية حراس المستقبل إذا أردنا لهم أن ينظروا إلى مقاتلة بعضهم‬
‫بعض ا على أنه ا ع ار ينبغي تجنب ه‪....‬و س واء أك ان المف روض أن له ذا القص ص‬
‫مع نى أس طوريا أم لم يكن ‪ ،‬ذل ك ألن الطف ل ال يس تطيع أن يم يز األس طوري من‬
‫ال واقعي‪ ،‬و ال يالئم ح راس المس تقبل أيض ا تص وير الع الم اآلخ ر بتل ك الص ورة‬
‫ناس ا‬
‫الكالحة الكئيبة الشائعة مادامت ال تنطوي على نصيب من الحقيقة ‪ ،‬و ال تفيد ً‬
‫‪7‬‬
‫‪.‬‬ ‫مهمتهم ممارسة الحروب‬
‫أما في الكتاب العاشر فقد سعى أفالطون‪ ،‬على لسان معلمه سقراط‪ ،‬إلى‬
‫إثب ات أن الش عر‪ ،‬مث ل الرس م‪ ،‬محاك اة لمحاك اة أي أن ه محاك اة من الدرج ة الثاني ة‪،‬‬
‫فالس رير مثال يخلق ه اهلل بوص فه الص انع الحقيقي لس رير حقيقي ال الص انع الج زئي‬
‫لسرير خاص‪ ،‬والنجار يقلد صنعه أي أنه يحاكي خلق اهلل‪ ،‬ويأتي الرسام والشاعر‬
‫التراجي دي في المح ل األخ ير ليحاكي ا ص نع النج ار مم ا يجعلهم ا يحتالن المرتب ة‬
‫الثالثة بالقياس إلى عرش الحقيقة‪ .‬الشاعر التراجيدي مثل الرسام هو مجرد صانع‬
‫للصورة‪ ،‬لظاهر األشياء‪ ،‬فهو ال يحاكي الشيء الحقيقي كما هو موجود بل الشيء‬
‫الظاهر كما يظهر‪ .‬وبما أنه ال يعرف إال ظاهر األشياء فإنه يقتصر على محاكاة ما‬
‫يب دو خ يرا للك ثرة الجاهل ة من الن اس‪ .‬إن ش عر المحاك اة يمث ل الن اس في أفع الهم‬

‫‪4‬‬
‫الخطاب‪ :‬المجلد ‪ 13‬العدد ‪2‬‬ ‫المسرح الفلسفي‪ :‬في سرديات أفالطون‬

‫اإلرادي ة و الالإرادي ة ال تي يظن ون أنفس هم بس ببها س عداء أو أش قياء و يستس لمون‬


‫نتيجة لذلك للذة أو األلم ‪ ،‬فهو ال يخاطب الجزء األفضل من الناس الذي يسير وفقا‬
‫للعقل بل يخاطب الجزء الذي يذكرهم بشقائهم ويدفعهم للحزن ‪ ،‬أي المبدأ الغضبي‬
‫الذي يمد الشعراء التراجيديين بمادة غزيرة متنوعة للمحاكاة‪ ،‬بينما المزاج الحكيم‬
‫اله ادئ ال تس هل محاكات ه ألن ه يك اد يك ون دائم ا مس تقرا على ح ال واح دة‪ ،‬ومن‬
‫الواض ح أن الش اعر ال يمي ل بطبيعت ه إلى ه ذا المب دأ العاق ل في النفس وال يس تطيع‬
‫إرضاءه بفنه وذلك إذا أراد كسب شعبية بين الجماهير وإ نما يكون أميل إلى الطابع‬
‫المنفع ل المتقلب ال ذي تس هل محاكات ه‪ ،‬ف أكبر عي وب الش عر أن ه يغ ذي االنفع ال ب دال‬
‫من أن يض عفه‪ ،‬ويجع ل ل ه الغلب ة‪ ،‬م ع أن من ال واجب قه ره إن ش اء الن اس أن‬
‫يزدادوا سعادة و فضيلة‪...‬ولهذا يطرد أفالطون من جمهوريته هوميروس وأتباعه‬
‫‪8‬‬
‫وال يستبقي من الشعر إال ذلك الذي يشيد بفضل اآللهة واألخيار من الناس‪.‬‬
‫نالح ظ أن النق د األفالط وني ض د الش عراء التراجي ديين م زدوج‪ ،‬فه و من‬
‫جهة نقد سياسي‪ /‬تربوي حين يالحظ أن التراجيديات التي تقدم للجمهور‪ ،‬وال سيما‬
‫لألطفال‪ ،‬تفسد أخالق حراس المدينة المستقبليين وتضعف أهليتهم وكف اءتهم في أداء‬
‫مهمتهم الدفاعي ة‪ ،‬وه و من جه ة أخ رى نق د أنطول وجي ‪ /‬ترب وي حين يالح ظ أن‬
‫الشعر بعيد عن الحقيقة بثالث مراتب ألنه مجرد محاكاة للظاهر‪ ،‬ولهذا فهو يحاكي‬
‫م ا يب دو خ يرا للك ثرة الجاهل ة من الن اس أي أفع الهم اإلرادي ة والالإرادي ة وج انبهم‬
‫االنفعالي المتقلب فيغذي االنفعال على حساب العقل‪.‬‬
‫من الواضح هنا أن الهم التربوي هو القاسم المشترك بين النقدين‪ ،‬فموقف‬
‫أفالط ون من الش عر التراجي دي لم يكن ث ورة فلسفية أو قطيعة معرفية م ع نمط من‬
‫الخطاب العرفاني أو الوجداني المضاد للخطاب العقالني تحديدا بقدر ما هو موقف‬

‫‪5‬‬
‫الخطاب‪ :‬المجلد ‪ 13‬العدد ‪2‬‬ ‫المسرح الفلسفي‪ :‬في سرديات أفالطون‬

‫"براغم اتي" يس تبطن غاي ات تربوي ة وسياس ية‪ ،‬وه و حين يوظ ف البرهن ة الفلس فية‬
‫األنطولوجية في نقد المحاكاة فذلك لتصب نتائج هذه البرهنة في الوعاء التربوي أي‬
‫أن المحاك اة ليس ت مرفوض ة في ذاته ا ولكن لنتائجه ا على عق ول ح راس المدين ة‬
‫المستقبليين‪.‬‬
‫المس رح الفلس في‪ :‬إن أفالط ون‪ ،‬إذن‪ ،‬ال يعتم د على معي ار الحقيق ة مثلم ا‬
‫يذهب إليه جمهور المعلقين‪ ،‬بل على معيار المنفعة كما الحظت ذلك الباحثة ليتيسيا‬
‫م وز‪9،‬وق د استقص ت بحث الموق ف األفالط وني من الش عر في كت اب "الق وانين "بوص ف‬
‫الش عر يحت ل مكان ة مركزي ة في ه ذا الكت اب‪ ،‬أي أن مح اورة "الق وانين " هي قلب‬
‫لمح اورة "الجمهوري ة" ال تي طُ رد الش عراء التراجي ديون منه ا في الكت اب العاش ر‪،‬‬
‫للمشرع الذي أصبح هو نفسه شاعرا‪ ،‬بعبارة‬
‫ّ‬ ‫فالشاعر أصبح األداة المفضلة‬
‫أخ رى‪ ،‬والق ول للكاتب ة‪ ،‬فالمس ألة الش عرية << هي مفت اح لتفس ير كت اب‬
‫‪10‬‬
‫القوانين>>‪.‬‬
‫ونتساءل كيف ذلك؟‬
‫الجواب في مقالة للكاتبة نفسها تحلل فيها الفقرة اآلتية من المحاورة‪:‬‬
‫<<‪ ....‬أم ا الش عراء ال ذين يق دمون أنفس هم على أنهم ج ادون‪ ،‬وال ذين‬
‫تخصص وا في التراجي ديا‪ ،‬فق د ي أتي بعض هم‪ ،‬افتراض ا‪ ،‬إلين ا ويق دمون لن ا‪ ،‬تقريب ا‪،‬‬
‫الطلب اآلتي‪ ":‬أيها الغرباء‪ ،‬أيكون لنا الحق أم ال أن نكون في م دينتكم وبلدكم‪ ،‬وأن‬
‫نحمل إليهما أعمالنا‪ ،‬فماذا قررتم في هذا الشأن؟ ما الجواب األنسب لهؤالء الرجال‬
‫اإللهيين؟ في رأيي إنه اآلتي‪ " :‬أيها الغرباء الرائعون‪ ،‬كتاب التراجيديا‪ ،‬نحن أيضا‬
‫مثلكم‪ ،‬وعلى ق در اس تطاعتنا كت اب التراجي ديا األجم ل واألفض ل‪ .‬ك ل تنظيمن ا‬
‫السياسي يشكل محاكاة للحياة األجمل واألفضل‪ ،‬وهذا ما ندعي‪ ،‬نحن على األقل‪،‬‬

‫‪6‬‬
‫الخطاب‪ :‬المجلد ‪ 13‬العدد ‪2‬‬ ‫المسرح الفلسفي‪ :‬في سرديات أفالطون‬

‫اب للش عر نفس ه‪،‬‬


‫أن ه حق ا التراجي ديا األش د أص الة‪ .‬أنتم كت اب إذن؟ نحن أيض ا كت ٌ‬
‫أن دادكم في ص ناعة وتمثي ل ال دراما األجم ل ال تي ال يس تطيع إنجازه ا على الوج ه‬
‫األكمل إال القانون األصيل‪ ،‬هذا على األقل ما نتمناه‪ .‬ال تحسبوا إذن أننا سندعكم‪،‬‬
‫ببس اطة‪ ،‬ت أتون إلين ا وترفع وا ل دينا منص اتكم ليظه ر فوقه ا ممثل وكم ذوو األص وات‬
‫الجميل ة ال تي تعل و على أص واتنا‪ ،‬لن ن دعكم تخطب وا في الفتي ان والنس اء وك ل‬
‫الجمهور‪ ،‬وأن تقولوا عن المؤسسات نفسها‪ ،‬ال األقوال نفسها التي نقولها نحن‪ ،‬بل‬
‫غالبا‪ ،‬وفي القسم األعظم من خطبكم‪ ،‬تقولون عكس ما نقول تماما‪ .‬سنكون بالتأكيد‬
‫مجانين كليةً إن سمحنا لكم‪ ،‬نحن أو أي مدينة أخرى‪ ،‬بفعل ما ذكرته قبل أن يقرر‬
‫القض اة إن ك ان م ا ألفتم وه ُيمكن أن ُينش ر‪ ،‬ويس تحق أو ال يس تحق أن ُينتج عالني ةً‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬ي ا أبن اء رب ات الفن ون الجميل ة‪ ،‬اب دأوا بع رض أغ انيكم على القض اة بج انب‬
‫أغانينا وإ ن بدا أن دروسكم تضاهي دروسنا أو كانت أحسن منها فسنمنحكم جوقة‬
‫‪11‬‬
‫لإلنشاد وإ ن لم يكن األمر هكذا‪ ،‬فلن نستطيع يا أصدقائي‪ ،‬ذلك أبدا >>‪.‬‬
‫بعد تحليل مسهب للفقرة تستنتج ليتيسا موزأن الصراع الموجود هنا ليس‬
‫المشرع‪ ،‬لتخلص في األخير إلى أن كتاب‬
‫ِّ‬ ‫بين التراجيدي والفيلسوف بل بينه وبين‬
‫"القوانين" ه و التراجي ديا األخيرة التي ألفه ا أفالطون فه و بمثاب ة مس ٍ‬
‫ـرحة تراجيدي ة‬ ‫َْ‬
‫‪12‬‬
‫للحياة البشرية األفضل‪.‬‬
‫ربم ا وقعت الكاتب ة في المبالغ ة حين حص رت المواجه ة هن ا بين المش رع‬
‫والتراجي دي‪ ،‬فبينم ا هي ترك ز على الص لة بينهم ا نس يت العالق ة بين المش رع‬
‫والفيلس وف نفس ه ولم تتط رق إليه ا في مقاله ا‪ .‬والواق ع أن المش رع هن ا ليس س وى‬
‫الوجه اآلخر للفيلسوف‪ ،‬فهو مشرع مجازا وفيلسوف حقيقة ألنه ال زال يتحدث عن‬
‫مدينة خيالية ال وجود لها!‬

‫‪7‬‬
‫الخطاب‪ :‬المجلد ‪ 13‬العدد ‪2‬‬ ‫المسرح الفلسفي‪ :‬في سرديات أفالطون‬

‫لق د تح دثت الكاتب ة عن الق وانين الج ديرة وح دها بوص ف "البوليتي ا"***حس ب‬
‫أفالط ون وهي الق وانين ال تي ته دف إلى الس الم عكس ق وانين األنظم ة التقليدي ة‬
‫الديموقراطي ة واألرس تقراطية والملكي ة‪..‬الخ ال تي يض عها من هم في الس لطة لتث بيت‬
‫حكمهم مم ا ينتج حال ة الح رب بين الحك ام والمحك ومين‪ 13.‬أال يمكن أن نق ول هن ا‪ :‬أن‬
‫ه ذه الق وانين الج ديرة وح دها بص فة "البوليتي ا" هي مج رد ق وانين تخييلي ة حالم ة‬
‫طالم ا أنه ا تس عى الس تبعاد أي ص راع ممكن؟ وأن ه ذا البع د التخ ييلي ه و القاس م‬
‫المش ترك بين التراجي ديا األفالطوني ة والتراجي ديا الكالس يكية؟ فم اذا يبقى من‬
‫المشرع إذن؟!‬
‫أما عالقة محاوررات أفالطون بالتراجيديا فليست اكتشافا إذ طالما أشار‬
‫إليه ا الب احثون مث ل إمي ل برهيي ه ال ذي يق ول<< أنه ا ت دخل ب ادئ ذي ب دء في ع داد‬
‫األدب التمثيلي >>‪ 14‬كما الحظ أن عدة محاورات تتميز << بنفس درامي متصاعد‬
‫وبأزمات ما تفتأ تتعقد وتتفاقم على منوال التمثيليات التي تقدم على خشبة المسرح‬
‫أن جمي ع نص وص‬ ‫أن ُنق ر َّ‬ ‫‪15‬‬
‫>>‪ .‬أم ا "ج ون فرانس وا ماتيي ه" فيق ول ‪ <<:‬ينبغي ْ‬
‫الم ْس رحة التش كيلية و‬
‫أفالط ون ‪ ،‬بم ا في ذل ك (ال دفاع عن س قراط) تس اهم في َ‬
‫الموس يقية للوج ود‪.....‬فحيث ك ان س بينوزا وكان ط وفتغنش تاين مهندس ي الفلس فة ف إن‬
‫‪16‬‬
‫أفالطون كان السينوغراف (مصور المشاهد)>>‪.‬‬
‫أم ا عن عالق ة التراجي ديا نفس ها بالتش ريع‪ ،‬فهي في واق ع األم ر مس ألة لم‬
‫تنف رد بإبرازه ا ليتيس يا موزفالمس رح اليون اني كل ه ك ان مس خرا لنش ر وتك ريس قيم‬
‫المدين ة الديموقراطي ة كم ا الح ظ ذل ك بعض الب احثين‪<< ،‬فلم يكن من الص دفة أن‬
‫يزدهر المسرح اإلغريقي تحديدا في أثينا القرن الخامس في وقت كانت فيه مدينة‬
‫بريكلس**** ‪ Périclès‬تمارس هيمنة سياسية واقتصادية وثقافية على مجموع العالم‬

‫‪8‬‬
‫الخطاب‪ :‬المجلد ‪ 13‬العدد ‪2‬‬ ‫المسرح الفلسفي‪ :‬في سرديات أفالطون‬

‫اإلغ ريقي‪ .‬المس رح حينه ا ك ان إح دى الم آثر له ذا الت ألق األثي ني ‪.....‬لق د ك ان م ع‬
‫المجلس الني ابي والمحكم ة أح د أعم دة الس لوك السياس ي للجماع ة ‪ ،‬أح د األمكن ة‬
‫الثالثة التي تتعرف الجماعة فيها على نفسها بوصفها كذلك"‪ ، 17‬ومما يؤكد البعد‬
‫السياس ي للمس رح ت دخل الدول ة في ه حيث أنه ا ك انت<< تنهض بأعب اء مجم وع‬
‫االحتفاالت‪ :‬حيث تختار الكتاب المقبولين للمنافسة ( أربعة كتاب تراجيديين يقدم كل‬
‫منهم ثالثية ودراما هجائية وخمسة كتاب كوميديين يقدم كل منهم مسرحية هزلية )‬
‫وتح دد [الدول ة] لك ل منهم راعي ا يتكف ل بمص اريف التحض ير للمش هد‬
‫المس رحي‪.....‬وتختار بواسطة القرع ة أعض اء لجن ة التحكيم التي تعين الف ائزين‪،‬‬
‫وتك افئ [أي الدول ة] الممثلين والكت اب والموس يقيين‪ ،‬وت دفع أيض ا ثمن الت ذاكر عن‬
‫‪18‬‬
‫المواطنين األشد فقرا >>‪.‬‬
‫لق د ك انت التراجي ديا إذن‪ ،‬ومن ذ ب دايات تألقه ا في المش هد المس رحي‬
‫اإلغ ريقي‪ ،‬مكفول ة وموجه ة من ط رف الدول ة أي من ط رف المش رع الحقيقي‬
‫والفعلي ال المش رع‪/‬الفيلسوف في محاورة "القوانين"‪ ،‬وكان الش اعر التراجيدي أداة‬
‫فعلي ة في ي د ه ذا المش رع‪ ،‬يخ دم قيم ه المديني ة الديموقراطي ة ويتج انس طائع ا أو‬
‫مكره ا م ع بقي ة المؤسس ات‪ ،‬وعلى ه ذا فلم تكن مح اورة "الق وانين " انزياح ا عن‬
‫الواقع اإلغريقي حين ربطت بين المشرع والشاعر التراجيدي بقدر ما كانت امتدادا‬
‫مكر س‪ ،‬ولكنه في الوقت نفسه امتداد مضاد للمجرى السابق حيث أن مشروع‬ ‫لتقليد ّ‬
‫أفالط ون السياسي‪/‬الفلسفي ك ان جمهوري ة بديل ة عن الجمهوري ة الديموقراطية ال تي‬
‫تسعى للحرب ال للسالم كما أسلفنا اإلشارة إليه‪ ،‬وفي سبيل هذه الغاية وظف الفن‬
‫التراجي دي‪ ،‬تمام ا مثلم ا وظفت ه الدول ة اليوناني ة في س بيل غاياته ا السياس ية‬
‫والتشريعية‪ ،‬وقد وظف ه من خالل محاوراته نفسها التي بنيت على النمط الحواري‬

‫‪9‬‬
‫الخطاب‪ :‬المجلد ‪ 13‬العدد ‪2‬‬ ‫المسرح الفلسفي‪ :‬في سرديات أفالطون‬

‫المس رحي‪ ،‬فم ا قدم ه أفالط ون ه و مس رح فلس في ب ديل عن المس رح التراجي دي‪،‬‬
‫وبذلك يتجلى لنا بوضوح أن معركته الفعلية لم تكن مع الشعر بما هو شعر بل مع‬
‫التراجيديا السائدة في عصره‪ ،‬أي مع الشعر التمثيلي أو المسرحي الذي َّ‬
‫يؤدى أمام‬
‫جمهور من المتابعين ويشتمل على سرد وحوار‪ ،‬وليس الشعر حسب مفهومه السائد‬
‫منذ عصر النهضة األوروبية وما بعده أي الشعر الغنائي‪ ،‬فهذا النوع يكاد يكون‬
‫غائبا في األدب اإلغريقي مثلما أثبت ذلك بعض الدارسين المعاصرين ومن أبرزهم‬
‫الفرنس ي كل ود ك االم‪ 19‬ال ذي الح ظ أن ه رغم تع ود الم ؤرخين على تقس يم عص ور‬
‫ٍ‬
‫ثالثة هي العصر الملحمي الهوميري ثم العصر الغنائي وأخيرا‬ ‫األدب اإلغريقي إلى‬
‫العص ر التراجي دي‪ ،‬وتقس يم األن واع األدبي ة إلى ث الوث تم تقنين ه‪ ،‬ويش مل الن وع‬
‫الغن ائي والن وع الملحمي والن وع التراجي دي‪ ،‬ورغم أن المص ادر تش ير إلى وج ود‬
‫ش عر غن ائي في اليون ان القديم ة بوص فه أغني ة يلقيه ا ف رد ه و الش اعر نفس ه‬
‫وتصحبه في أدائه أنغام القيثارة‪ ،‬إال أن بعض الدراسات التي استأنس بها كاالم‬
‫أثبتت ل ه أن الكلم ة ‪ Lyrique‬ال تي تع ني الغن ائي و المش تقة من الرباب ة‪ Lyre‬تع ود‬
‫*****‪،‬‬
‫للعه د اإلس كندري المت أخر حيث أحص ت "األنطولوجي ا الباالتيني ة اإلغريقي ة"‬
‫المؤلفة آنذاك‪ ،‬تسعة شعراء ُعرفوا بتأليف قصائد ُغ نيت بمصاحبة الربابة هم "‬
‫ألكمان وسافو وألكايوس وستسيخوروس وأناكريون وإ يبيكوس وس يمونيديس (من كيوس)‬
‫وبن داروس وباكخيلي دس"‪ ،‬ولكن األنطولوجي ا لم تش ر إلى تل ك القص ائد بوص فها‬
‫نوعا شعريا محددا بل هي فقط تنشد بمصاحبة موسيقى الربابة‪ ،‬كما أن بعض‬
‫ه ؤالء الش عراء ق د ع رف عنهم ت أليف قص ائد أخ رى ليس ت من الن وع الغن ائي ب ل‬
‫تتن وع من النش يد إلى قص ائد الط واف إلى القص ائد ال تي تق ال في م دح األبط ال‬
‫الرياض يين (‪ )L’épinicie‬أو ال تي تق ال في تمجي د اآلله ة‪...‬الخ‪ ،‬وبعض ها ك انت‬

‫‪10‬‬
‫الخطاب‪ :‬المجلد ‪ 13‬العدد ‪2‬‬ ‫المسرح الفلسفي‪ :‬في سرديات أفالطون‬

‫تنشد بمصاحبة الناي مما دفع بالمؤلفين اإلس كندريين لألنطولوجي ا إلى التخلي عن‬
‫ٍ‬
‫تقسيم‬ ‫تصنيف بعض الشعراء على أساس النوع الذي تنتمي إليه قصائدهم واعتماد‬
‫‪20‬‬
‫أساسه الوزن الشعري‪.‬‬
‫وسواء أسلَّمنا مع كلود كاالم بأن الشعر الغنائي غير موجود تقريبا‪ ،‬أم مع‬
‫غ يره مث ل أحم د عثم ان‪ 21‬أو محم د ص قر خفاجة‪ 22‬بأن ه موج ود‪ ،‬أو ح تى م ع‬
‫أفالطون نفسه بوجود هذا الشعر حيث يسميه ضمن األنواع األخرى في الجمهوري ة‬
‫حين يق ول على لس ان س قراط‪ ":‬يجب أن يمث ل اإلل ه دائم ا كم ا ه و‪ ،‬أي ا ك ان ن وع‬
‫الشعر‪ ،‬أعني سواء أكان شعرا غنائيا أم شعرا ملحميا أم شعرا مسرحيا" ‪23‬فإن هذا‬
‫ال يغير حقيقة أن أفالطون لم يكن ضد هذا النوع من الشعر على افتراض وجوده‬
‫وشيوعه‪ ،‬بل توحي العبارة السابقة المقتبسة منه بأنه يقصد نوعا آخ ر من الشعر‬
‫التمثيلي الذي يصور اآللهة‪ ،‬فأفالطون كان ينتقد فنا س رديا حواريا جماهيريا هو‬
‫التراجيديا التي كانت تؤدى أمام جمهور أثيني من كل األعمار والطبقات‪ .‬فهو في‬
‫الواق ع ال ينق د هوم يروس وهزي ود وغيرهم ا بوص فهم ش عراء ب المعنى ال ذي نفهم ه‬
‫الي وم لكلم ة "ش عراء" ب ل بوص فهم<< أعظم رواة القص ص الك اذب ال ذي ال ي زال‬
‫شائعا بين الناس>>‪ ،24‬ولفظتا "القصص" و"األقاصيص" ال الشعر هي التي توصف‬
‫بها أعمال كبار التراجيديين وذلك حسب ترجمة فؤاد زكريا‪ ،‬وهي هكذا في أشهر‬
‫ترجمات الجمهورية إلى بعض اللغات الحية‪ ،‬ففي الفرنسية يترجمها كل من روبار‬
‫ب اكو وإ مي ل ش امبري ب‪ récits :‬أي قص ص أو ‪ Fables‬أي حكاي ات خرافي ة ‪،‬‬
‫وفي اإلنجليزي ة يترجمه ا ج ويت وش وري ب‪ stories:‬أي قص ص أو ‪ tales‬أي‬
‫حكايات وينفرد شوريبإضافة ‪ ،Fables‬أما الرسن فيترجمها دائما ب‪Stories‬وفي‬
‫النس ختين اإلس بانيتين من الجمهوري ة لك ل من ك ونرادو إيغ رس الن‪ ،‬وماريس ا‬

‫‪11‬‬
‫الخطاب‪ :‬المجلد ‪ 13‬العدد ‪2‬‬ ‫المسرح الفلسفي‪ :‬في سرديات أفالطون‬

‫ديفينوس مع كالودي ا ماريس كو ت ترجم ب ‪ relatos‬أي قص ص وت ترجم ك ذلك ب‬


‫‪25‬‬
‫‪ Mitos‬أي أساطير‪.‬‬
‫نخلص مم ا س بق إلى تأكي د اس تنتاجنا الس ابق وه و أن موض وع نق د‬
‫أفالطون ليس الشعر بما هو شعر‪ ،‬أي الشعر كما نفهمه ونتلقاه اليوم‪ ،‬وكما تكرس‬
‫في ال ذوق الع ام وال وعي النق دي من ذ عص ر النهض ة في أوروب ا بالنس بة للغرب يين‪،‬‬
‫ومنذ بداياته األولى بالنسبة للمتلقي العربي ( فلم يعرف العرب الشعر التمثيلي‪ ،‬وال‬
‫فن ون المس رح إال في العص ر الح ديث ) ب ل موض وع نق ده ه و التراجي ديا (أو‬
‫القص ص الك اذب) بوص فها فن ا س رديا أدائي ا يتوج ه إلى جمه ور ع ريض من‬
‫المش اهدين والمس تمعين‪ ،‬وه ذا يفض ي بن ا إلى نتيج ة مهم ة ج دا‪ ،‬وهي أن الش عراء‬
‫ليس وا هم المعن يين بحكم الط رد الش هير من الجمهورية كم ا اس تقر ذل ك في وهم‬
‫أغلبية المثقفين بل إن المعنيين بهذا الحكم هم كتاب التراجيديا بوصفها فنا قصصيا‪،‬‬
‫و فنا أدائيا يتوجه إلى جمهور مشاهد و مستمع للممثلين على خشبة المسرح‪ ،‬وما‬
‫يتقاطع مع الفن التراجيدي اإلغريقي في ثقافتنا المعاصرة هو السرد بنوعيه األدبي‬
‫و السينمائي‪ ،‬ومظنة هذا التقاطع بينهما وبين التراجيديا اإلغريقية أمران‪:‬‬
‫أ‪-‬ك ل منهم ا يمتل ك ق درة على تش كيل ال وعي وتربي ة "أطف ال المدين ة"ورجاله ا‬
‫المس تقبليين‪ ،‬فكالهم ا يقدمانحبك ة س ردية "مق روءة أو مش اهدة" تس كن في طبقاته ا‬
‫العميقة رسائل سياسية أو أخالقية ذات تأثير ال جدال فيه على المتلقين‪.‬‬
‫ب‪-‬كما أن كال منهما يمتلك جمهورا عريضا عكس الشعر!‬
‫وما سبق يقتضي منا تحيين موقف أفالطون من التراجيديا وربطه ب الراهن‬
‫الثق افي‪ ،‬وفي س بيل ه ذه الغاي ة س نتناول ذل ك الموق ف ع بر مح ورين أساس يين هم ا‬
‫النظرية السردية المعاصرة‪ ،‬والسرد السينمائي‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫الخطاب‪ :‬المجلد ‪ 13‬العدد ‪2‬‬ ‫المسرح الفلسفي‪ :‬في سرديات أفالطون‬

‫أفالط ون والنظري ة الس ردية المعاص رة‪ :‬لق د تم تن اول نظري ة المحاك اة أو‬
‫"الميم يزيس"‪ ،‬كم ا ص اغها أفالط ون وطوره ا من بع ده أرس طو‪ ،‬بوص فها الحلق ة‬
‫األولى في تطور النظرية السردية‪ ،‬وملخص نظرية أفالطون كما تظهر من خالل‬
‫الح وار بين "س قراط" و"أديم انتوس" في الكت اب الث الث من "الجمهوري ة" أن ك ل‬
‫األس اطير واألش عار ليس ت إال س ردا ألح داث وقعت في الماض ي‪ ،‬أو تق ع في‬
‫الحاضر‪ ،‬أو ستقع في المستقبل ‪..‬والسرد قد يكون مجرد سرد‪ ،‬أو تصوير وتمثيل‪،‬‬
‫أو كليهما معا ‪ ..‬فحديث الشاعر يكون سردا حين يقص الحوادث من آن آلخر ‪ ،‬أو‬
‫حين يص ف م ا يتخلله ا من وق ائع ‪..‬أم ا حين يتكلم بلس ان ش خص آخ ر‪ ،‬فإن ه يتش به‬
‫بتلك الشخصية التي يقدمها إلينا على أنها هي المتحدثة ‪ ،‬وهذا التشبه بغيره سواء‬
‫في الكالم أو في الحرك ات ه و محاك اة‪ ،‬فهوم يروس وبقي ة الش عراء يلج ؤون إلى‬
‫المحاكاة فيما يروونه ‪..‬أما إذا كان الشاعر ال يخفي ذاته مطلقا لما كان للمحاكاة في‬
‫أش عاره أي نص يب والقتص ر ك ل ش عره على الس رد البحت‪....‬كم ا أن هن اك نوع ا‬
‫آخ ر للس رد على عكس الن وع األول في ه يح ذف الش اعر الكالم ال ذي يفص ل بين‬
‫الح وار‪ ،‬فال يتبقى إال الح وار ذات ه فق ط وتل ك هي ص ورة المأس اة الش عرية‬
‫"التراجيديا"‪.26‬‬
‫من الواض ح هن ا أن أفالط ون يف رق‪ ،‬على لس ان س قراط‪ ،‬بين نمطين هم ا‬
‫الس رد الخ الص ال ذي يك ون حين ي روي الش اعر التراجي دي األح داث أو يلخص‬
‫األقوال‪ ،‬والمحاكاة التي تكون برواية أقوال الشخصيات على لسانها كما هو السائد‬
‫في الفن المسرحي التراجيدي‪.‬‬
‫لق د توق ف المش تغلون بالنظري ة الس ردية المعاص رة عن د ه ذا المقط ع‬
‫الحواري من "الجمهورية" وناقشوه بعمق ومنهم "جيرار جينيت" في مقاله الموسوم‬

‫‪13‬‬
‫الخطاب‪ :‬المجلد ‪ 13‬العدد ‪2‬‬ ‫المسرح الفلسفي‪ :‬في سرديات أفالطون‬

‫ب"ح دود الس رد" ‪ ،27‬حيث ق ارن بين مفه ومي المحاك اة عن د ك ل من أرس طو‬
‫وأفالط ون‪ ،‬فبينم ا ع ّد أرس طو الس رد الخ الص أو ال دييجيزيس(‪ )diègèsis‬أح د‬
‫صيغتي المحاكاة الشعرية‪ ،‬والصيغة األخرى هي التقديم المباشر لألحداث بواسطة‬
‫ممثلين متكلمين وف اعلين أم ام الجمه ور‪ ،‬ف إن أفالط ون ال ذي ك ان األس بق إلى ه ذا‬
‫التفريق بين الصيغتين نفى‪ ،‬على لسان سقراط‪ ،‬صفة المحاكاة عن السرد‪ ،‬فبالنسبة‬
‫ألرسطو كل "الشعر" محاكاة فهو يفرق‪ ،‬فحسب‪ ،‬بين صيغتين من صيغ المحاكاة‪:‬‬
‫المرويَّة‬
‫الصيغة المباشرة وهي التي يخصها أفالطون بوصف المحاكاة‪ ،‬والصيغة ْ‬
‫‪ narratif‬ال تي يس ميها مث ل أفالط ون الس رد الخ الص (‪28 .)diègèsis‬ويخلص‬
‫"جي نيت" إلى أن أفالط ون وأرس طو متفق ان في الواق ع ومختلف ان في القيم فهم ا يتفق ان‬
‫على التع ارض بين ال درامي(أي الح واري)‪ ،‬والم روي‪ ،‬فكالهم ا يع دان األول أش د‬
‫محاك اة من الث اني‪ .‬لكن أفالط ون ي دين الش عراء بوص فهم مح اكين‪...‬وال يس تثني‬
‫هوم يروس‪ ،‬بينم ا يض ع أرس طو التراجي ديا في مرتب ة أعلى من مرتب ة الملحم ة‬
‫‪29‬‬
‫الدرامي(أي الحوار)‪.‬‬ ‫ويمتدح لدى هوميروس كل ما ُيقَرب كتابته من القول‬
‫ويالحظ "جينيت"‪ ،‬مستشهدا بعشرة أبيات من إلياذة هوميروس نصفها األول‬
‫س رد ونص فها اآلخ ر ح وار‪ ،‬أن أفالط ون وأرس طو أغفال مالحظ ة تعي د للس رد ك ل‬
‫قيمت ه "فالمحاك اة التام ة بوص فها عرض ا على المس رح تق وم على حرك ات وأفع ال‪،‬‬
‫وبوصفها قائمة على حركات فإنها تستطيع‪ ،‬طبعا‪ ،‬أن تمثل أفعاال‪ ،‬لكنها تفلت هنا‬
‫مارس‪ ،‬من خالله‪ ،‬النشاط المميز للشاعر‪ ،‬أما بوصفها‬
‫من المستوى اللغوي الذي ُي َ‬
‫عرض ا لألق وال (أي الخطاب ات على ألس نة الشخص يات) فهي ليس ت‪ ،‬بالتحدي د‪،‬‬
‫تمثيلي ة‪ ،‬ألنه ا تقتص ر على إع ادة إنت اج الخط اب ال واقعي أو الخي الي‬
‫بحرفيت ه‪.......‬ف إذا س مينا محاك اةً ش عرية تمثي َل واق ع غ ير لفظي بوس ائل لفظي ة‪،‬‬

‫‪14‬‬
‫الخطاب‪ :‬المجلد ‪ 13‬العدد ‪2‬‬ ‫المسرح الفلسفي‪ :‬في سرديات أفالطون‬

‫******‬
‫فينبغي أن نق ر ب أن المحاك اة موج ودة‬ ‫تثناء‪ ،‬واقع ا لفظي ا (بوس ائل لفظي ة)‬
‫واس ً‬
‫في أبيات هوميروس الخمسة المروية ال في أبياته الخمسة الدرامية‪ ،‬فهذه األخيرة‬
‫مجرد ٌإقحام‪ ،‬داخل نص يمثل األح داث‪ ،‬لنص مس تعار من األحداث نفسها كما لو‬
‫َّ‬
‫أن رس اما هولن ديا في الق رن الس ابع عش ر ‪.....‬وض ع في وس ط لوح ة تمث ل طبيع ة‬
‫ميتة‪ ،‬ال ص ورة محارة‪ ،‬بل مح ارة حقيقية "‪ 30‬وهذا المثال ال ذي يورده جينيت هنا‬
‫يوض ح فعال نظريت ه‪ .‬فالرس ام حين يقتط ع من الواق ع المح ارة ويقحمه ا في‬
‫لوحة مرسومة يشبه السارد حين يقحم مقطعا حواريا مأخوذا من الواقع (الت اريخي‬
‫الحقيقي أو المتخيل) في عمل سردي‪ ،‬وهو حين يقحم الحوار ال يحاكي الواقع بل‬
‫ينقل ه كم ا ه و‪ ،‬ومن هن ا يص ل جي نيت إلى نتيج ة غ ير منتظ رة كم ا س ماها وهي أن‬
‫الص يغة الوحي دة ال تي يعرفه ا األدب بوص فه تم ثيال (أي محاك اة) هي الس رد أي‬
‫المعادل اللفظي ألحداث غير لفظية‪ ،‬وكذلك المعادل اللفظي ألحداث لفظية أي الحوار‬
‫(بشرط أن يكون الخطاب الحواري هنا ملخصا وهو ما يؤكد عليه جينيت مستشهدا‬
‫بأفالطون)‪.‬‬
‫وهك ذا تص بح المحاك اة هي نقيض م ا تص وره أفالط ون في رأي "جي نيت"‬
‫فالسارد يحاكي الواقع حين يحاول تمثيله بواسطة اللغة وهنا يضطر النتقاء عناص ر‬
‫من القص ة وإ هم ال أخ رى‪ ،‬كم ا يخت ار من بين "وجه ات النظ ر" المتاح ة‪...‬الخ‪ .‬أي‬
‫‪31‬‬
‫أن السرد هو نفسه المحاكاة ال الحوار‪.‬‬
‫الجاد في قلب نظريته أمران‪:‬‬
‫ّ‬ ‫المالحظ على نقد جينيت ألفالطون وسعيه‬‫ُ‬
‫األول‪ :‬أن ه – وه و أح د أهم أقط اب النظري ة الس ردية المعاص رة‪-‬ق د فهم‬
‫أفالط ون بوص فه منظرا للسرد وليس للشعر وه ذا تأكي د آخ ر لطرحن ا الس ابق‪ :‬فم ا‬
‫قدمه أفالطون ال عالقة له مطلقا بالشعر الخالص‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫الخطاب‪ :‬المجلد ‪ 13‬العدد ‪2‬‬ ‫المسرح الفلسفي‪ :‬في سرديات أفالطون‬

‫فع َّد ال دراما‬


‫الثاني‪ :‬أن جينيت نفسه حين قلب مفهوم المحاكاة عند أفالطون‪َ ،‬‬
‫(أي الح وار المس رحي) خ ارج المحاك اة وقص ر مفهومه ا على الس رد والح وار‬
‫الملخص‪ ،‬أغفل أمرا هاما وهو أن أفالطون لم يكن يتحدث عن التراجيديا بوصفها‬ ‫ُ‬
‫نص ا فالمحاك اة ال تي تح دث عنه ا هي م ا ك ان يقدم ه الممثل ون على المس رح ال م ا‬
‫ك ان يقدم ه الش عراء في نصوص هم‪ ،‬وحين ك ان الممثل ون يتح دثون على ألس نة‬
‫الشخص يات فهم بالتأكي د ك انوا يح اكون تل ك الشخص يات تمام ا في نظ ر المش اهدين‬
‫أي "يتقمص ونها" باللغ ة الشائعة الي وم! فلم يكن يعنيه من نص هوم يروس إال قدرت ه‬
‫الهائلة على توجيه الجمهور والتأثير فيه وذلك كان يتحقق من خالل األداء التمثيلي‬
‫حص را‪ ،‬لكن جي نيت ال يتح دث عن ال دراما واألداء التم ثيلي بق در م ا يقص ر حديث ه‬
‫على النص‪ ،‬بينما لم يكن أفالطون منشغال بمثل هذا التنظير النصي‪ ،‬ولهذا السبب‬
‫نفس ه لم يكن يعني ه مطلق ا مالحظ ة الف رق بين الس رد والوص ف وق د أش ار جي نيت‬
‫‪32‬‬
‫إشارة عابرة إلى غياب هذا التفريق بينهما عند كل من أرسطو وأفالطون‪.‬‬
‫لكن هذا ال ينفي أهمية ما قدمه أفالطون للنظرية السردية في خضم انشغاله‬
‫بتش ييد جمهوريت ه النظري ة‪ ،‬ووض ع قواع ده التربوي ة والتش ريعية الص ارمة‪ ،‬كم ا ال‬
‫ينفي أهمي ة م ا قدم ه للنظري ة الدرامي ة المعاص رة‪ ،‬والفن ون األدائي ة ذات الجمه ور‬
‫الواسع‪.‬‬
‫أفالط ون والس رد الس ينمائي‪ :‬حين نتح دث عن الفن ون األدائي ة المعاص رة ‪-‬‬
‫وعلى رأس ها الس ينما ب دون من ازع‪ -‬ينبغي أن نن وه بالص لة الوثيق ة بينه ا وبين‬
‫التراجيديا اإلغريقية ‪ ،‬فالسينما ذات طابع سردي حواري وثمة دراسات معاصرة‪،‬‬
‫يضيق المقام هنا عن استقصاء مضامينها‪ ،‬أثبتت الصلة الوثيقة بين السينما والسرد‬

‫‪16‬‬
‫الخطاب‪ :‬المجلد ‪ 13‬العدد ‪2‬‬ ‫المسرح الفلسفي‪ :‬في سرديات أفالطون‬

‫والمس رح أيض ا ب الطبع ‪ ،‬مث ل دراس ة ج ان كلي در‪ ،33‬و ج اك رانس يار‪ ،34‬و دراس ات‬
‫رائد السيميولوجيا السينمائية كريستيان متز ‪.35‬‬
‫والمتص فح للمص طلح الس ينمائي النظ ري ي درك حجم الت داخل بين ه وبين‬
‫مص طلحات الس رديات والس يميائيات الحديث ة فمن ذل ك المش ترك االص طالحي‪ ،‬كم ا‬
‫يبينه القاموس الذي أعدته ماري تيريز جورنو‪ :‬الداللة اإليحائية‪ ،‬التفكيك‪ ،‬الداللة‬
‫الحافة‪ ،‬السرد‪ ،‬الخطاب‪ ،‬جمالية التلقي‪ ،‬العبر نصية‪...‬الخ‪.36‬‬
‫المنوه بها‪ ،‬وأمثالها‪ ،‬أن الصلة بين السينما والسرد‬
‫إن ما تبينه هذه الدراسات َّ‬
‫ليس ت مح ل ج دل في اإلس تيطيقا المعاص رة فالس ينما مدين ةٌ لألدب وهي في مطل ق‬
‫األحوال ال تستغني عن النص السردي التخييلي فهو أصلها األول سواء أكان رواي ة‬
‫تم تحويلها لسيناريو أم كان السيناريو نفسه أصليا ولم يؤخذ عن رواية أو قصة أو‬
‫مس رحية‪ ،‬لكن الس ينما تنف رد بالص ورة المتحرك ة‪ ،‬وهي‪ ،‬وإ ن ك انت تتق اطع م ع‬
‫التراجيديا اإلغريقية في ذلك‪ ،‬إال أن مجال الحركة فيها أوسع بكثير التساع المك ان‪،‬‬
‫لكن أك بر م يزة للس ينما هي جمهوره ا‪ ،‬لق د س رقت الس ينما من المس رح واألدب‬
‫المكت وب كث يرا من جمهورهم ا‪ ،‬فع دد من ش اهدوا األفالم المقتبس ة عن رواي ات أو‬
‫مسرحيات أكبر بكثير من عدد الذين قرأوا تلك الروايات أو المسرحيات نفسها‪ ،‬فال‬
‫يمكن أن يك ون من ق رأوا مس رحيات شكس بير أو ش اهدوها على خش بة المس رح إال‬
‫فئ ة قليل ة قياس ا على من ش اهدوا األفالم المقتبس ةعن مس رحياته‪ ،‬واألم ر نفس ه‬
‫يصدق‪ ،‬مثال‪ ،‬على عن قرأوا روايات نجيب محفوظ قياسا على من شاهدوا األفالم‬
‫المقتبسة عن رواياته‪ ،‬وهذه المالحظات السابقة تقودنا إلى استنتاج أن السينما‪ ،‬هي‬
‫الوريثة الفعلية للتراجيديا اإلغريقية في المجتمع المعاص ر‪ ،‬أو فلنقل بعبارة أخرى‬
‫أن "القص ص الك اذب" في الس ينما ه و الب ديل عن القص ص الك اذب في تراجي ديات‬

‫‪17‬‬
‫الخطاب‪ :‬المجلد ‪ 13‬العدد ‪2‬‬ ‫المسرح الفلسفي‪ :‬في سرديات أفالطون‬

‫هوم يروس وغ يره‪ ،‬أي أن ه الذريع ة المالئم ة لتح يين موق ف أفالط ون بإس قاط نق ده‬
‫للتراجيديا اإلغريقية على الفيلم السينمائي‪.‬‬
‫في مثل هذا السياق التحييني استعاد بعض النقاد السينمائيين موقف أفالطون‬
‫من الش عر التراجي دي بوص فه موقف ا من الطبيع تين االنفعالي ة و"المحاكاتي ة" للس ينما‬
‫نفس ها ومنهم ج ون إبس تاين حيث ُي برز طبيع ة الفيلم ال تي تجعل ه قريب ا من الحلم أو‬
‫حلم اليقظ ة على ح د وص فه‪ ،‬وبالت الي ف الفيلم حس ب إبس تتاين يس تطيع أن ُيثْ ري‬
‫ويح ِّرك ال ذاكرة والتخي ل البص ريين للمش اهدين دون حاج ة إلى الوس يط اللغ وي‪،‬‬
‫ولهذا فهو يبدو بتركيبته "ناقال للشعر"‪ .‬ومما ُيسهِّل انتشار عدوى "الشعر السينمائي"‬
‫ظالم الص االت الس ينمائية والس كون االض طراري للمش اهدين‪ ،‬واس تبعاد ك ل م ا من‬
‫ٍ‬
‫قطيعة مع‬ ‫شأنه تحريك األحاسيس إال ما يأتي من الفيلم مما يضع المشاهد في حالة‬
‫الح وادث الخارجي ة‪ ،‬وتعلي ٍ‬
‫ق لك ل نش اط س طحي‪ ،‬وه ذه هي ش روط حلم اليقظ ة‪...‬‬
‫وإ ن ك ان ك اتب القص يدة والق ارئ أو المش اهد أو المس تمع له ا مض طرين لالنفص ال‬
‫ذهنيا عن الواقع ونسيان"روتين" الحياة‪...‬فإن مشاهد السينماال شيء يمكنه أن يلهيه‬
‫ويم المغناطيس ي‪37.‬وألن‬ ‫عن مرك ز اهتمام ه‪ :‬الشاش ة‪ ،‬حيث ُي ْمنح م ع الش ِ‬
‫عر التن َ‬
‫الس ينما ذات طبيع ة ش عرية ف أفالطون << ال ذي نفى الش عراء من مدينت ه الش مولية‬
‫ك ان حري ا بمن ع الس ينما‪ .....‬أليس (الش عر) خط را على النظ ام الع ام ال ذي يح ِّرم‬
‫‪38‬‬
‫اإلشباع الخيالي للرغبات األكثر حميمية‪ ،‬والتي ال تتالءم مع معايير الدولة؟ >>‪.‬‬
‫يبدو استدعاء إبستاين لموقف أفالطون هنا امت دادا لبعض المواقف التقليدية‬
‫ال تي رأت في موقف ه من التراجي ديا موقف ا من الش عر الخ الص‪ ،‬فم ا يتح دث عن ه‬
‫إبستاين هنا ليس الشعر التراجيدي ولكنه الشعر الذاتي‪ ،‬الحميمي‪ ،‬وإ ن كان أخطأ‪،‬‬

‫‪18‬‬
‫الخطاب‪ :‬المجلد ‪ 13‬العدد ‪2‬‬ ‫المسرح الفلسفي‪ :‬في سرديات أفالطون‬

‫ربما‪ ،‬في استكناه "الشعر" الذي قصده أفالطون‪ ،‬فإنه أصاب في وصف التماثل بين‬
‫الطبيعتين االنفعاليتين ألثر كل من السينما و "الشعر" على المشاهد‬
‫وهو ما نقده أفالطون وامتدحه إبستاين‪.‬‬
‫لكننا نشعر بأن رؤية إبستاين مثالية حالمة–أو كما يقول عنها جاك رانسيار‬
‫في سياق مغاير‪ << -‬تنتمي إلى زمن خارج زمننا>>‪ ، 39‬فالسينما اليوم ال شك‬
‫أنها ابتعدت كثيرا عن الشعر‪.‬‬
‫وبعيدا عن مثل هذا الجنوح الحالم ي رى إيمانويل بارو أن الس ينما ال تجعل‬
‫الص ورة انعكاس ا للفك رة وخاض عة له ا كم ا ط الب ب ذلك أفالط ون‪ ،‬ب ل إنه ا ال‬
‫أفالطونية ترفض شفافية الواقع والصور معا‪ ،‬وهذه الالأفالطونية هي االسم اآلخر‬
‫للج وهر ال ديموقراطي للس ينما‪ :‬فال الش كل وال المض مون معطي ان (مح ددان س لفا)‬
‫‪40‬‬
‫فمن المستحيل‪ ،‬من حيث المبدأ‪ ،‬تحديد نظام اشتغالهما داخل الفيلم‪.‬‬
‫لكن هذه الق راءة السياسية لموقف أفالطون تتجاهل الطبيعة النمطية للسينما‬
‫وهيمنة موضوعات محددة ومكررة عليها‪ ،‬كما أنها تبسيط مخل لموقف أفالطون‪،‬‬
‫فهو كما أسلفنا مرارا لم يكن مشغوال بالهم األنطولوجي أي عالقة الصورة بالحقيقة‬
‫الغيبية المثالية بقدر انهمامه بالمشروع التربوي السياسي للمدينة‪.‬‬
‫وفي س ياق مش ابه تحل ل فل ورنس برن ار دوكورفي ل موق ف أفالط ون من‬
‫المحاك اة بلهج ة تس تبطن نق دا‪ ،‬ال للبرهن ة األفالطوني ة‪ ،‬ب ل للموق ف نفس ه وله ذا‬
‫ابتع دت ربم ا عن فهم حقيق ة المحاك اة في تص ور أفالط ون‪ ،‬فهي ترك ز على إب راز‬
‫الموق ف األفالط وني بوص فه رفض ا لمنط ق المش ابهة‪ ،‬للم زدوج أو المنش طر عن‬
‫األصل بواسطة فعل المحاكاة‪ ،‬فهذه األخيرة تلوث األصل وتحتله وتجعله متعددا‪،‬‬
‫بدءا ليطعن فيه‬
‫ثانويا‪...‬لقد امتدح أفالطون‪-‬حسب ما تقوله دوكورفيل‪" -‬المزدوج" ً‬

‫‪19‬‬
‫الخطاب‪ :‬المجلد ‪ 13‬العدد ‪2‬‬ ‫المسرح الفلسفي‪ :‬في سرديات أفالطون‬

‫فن الرسامين و الشعراء الذين ال يفعلون شيئا سوى الخداع و تحويل‬‫تالي ا بوصفه َّ‬
‫ً‬
‫‪41‬‬
‫األنظار عن الحقيقة والمعرفة‪.‬‬
‫المالح ظ على الناق دة أنه ا ال تستقص ي مس ار البرهن ة األفالطوني ة إلى‬
‫نهايتها‪ ،‬فهذا المسار يفضي‪ ،‬كما الحظنا سابقا‪ ،‬إلى رفض المحاكاة في التراجيديا‪،‬‬
‫ال لصلتها الشائهة بالحقيقة تحديدا كما تلح عليه دوكورفيل‪ ،‬بل لتأثيرها على أخالق‬
‫المش اهدين وت أجيج انفع االتهم الس لبية‪ ،‬كم ا أنه ا حين تقحم الرس امين م ع الش عراء‬
‫تنسى أن أفالطون لم يذكر الرسامين إال من باب ضرب المثل وتقريب المعنى وإ ال‬
‫اتين وهم أيض ا‬ ‫ِ‬
‫امين والنح َ‬
‫فلم اذا لم يط رد ص احب الجمهوري ة‪ ،‬م ع الش عراء‪ ،‬الرس َ‬
‫"متهمون" بالمحاكاة؟!‬
‫الخاتمة‪ :‬لق د توص لنا من خالل ه ذا البحث إلى جمل ة من النت ائج ربم ا ك انت‬
‫سبقا وتجاوزا لنمط التناول السائد لموقف أفالطون من "الشعر"‪ ،‬ونوجز أهمها فيما‬
‫ْ‬
‫يأتي‪:‬‬
‫‪ -1‬لم ينتقد أفالطون الشعر الخالص‪ ،‬بل انتقد التراجيديا بوصفها فنا سرديا‬
‫أدائيا جماهيريا‪ ،‬فالشعر الخالص أي الغنائي نوع يكاد يكون مفقودا ضمن األنواع‬
‫األدبية اإلغريقية‪ ،‬كما أنه غائب تماما عن األفق الفلسفي األفالطوني‪ .‬ولهذا فحكم‬
‫الطرد الشهير من الجمهورية لم يكن يعني الشعراء بل الكتاب التراجيديين‪.‬‬
‫‪ -2‬لق د ق دم أفالط ون مس رحيا فلس فيا ب ديال عن المس رح التراجي دي‪،‬‬
‫فمحاوراته نمط من األدب التمثيلي‪.‬‬
‫‪ -3‬موق ف أفالط ون من المحاك اة ليس موقف ا انطولوجي ا خالص ا‪ ،‬أو موقف ا‬
‫استيطيقيا‪ ،‬بقدر ما هو موقف تربوي‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫الخطاب‪ :‬المجلد ‪ 13‬العدد ‪2‬‬ ‫المسرح الفلسفي‪ :‬في سرديات أفالطون‬

‫‪ -4‬تح يين موق ف أفالط ون هو م برر اس تعادة موقف ه من التراجي ديا و قد تم‬
‫ذل ك التح يين بوص فه منظ را للس رد بنوعي ه األدبي والس ينمائي وه ذان النوع ان‬
‫المعاصران من السرد هما اللذان يتقاطعان مع التراجيديا اإلغريقية‪.‬‬
‫الهوامش ‪:‬‬

‫‪21‬‬
، ‫ عيد الدحيات‬:)‫من الدراسات الصادرة في األلفية الجديدة و التي تناولت موقف أفالطون من الشعر و الفنون (تمثيال ال حصرا‬ **

‫ نظرية‬، ‫ فؤاد المرعي‬. 2007، 1‫ ط‬. ‫ بيروت‬،‫ المؤسسة العربية للدراسات و النشر‬، ‫النظرية النقدية الغربية من أفالطون إلى بوكاشيو‬
‫ سمير‬، 2007 ،‫ دمشق‬، ‫لونجينوس دار المركز الثقافي للطباعة والنشر والتوزيع‬-‫هوراس‬-‫أرسطو‬-‫ أفالطون‬: ‫الشعر في النقد األوربي القديم‬
.2001 ‫ أبريل‬، 26 ‫ عدد‬، ‫ مجلة نزوى العمانية‬، ‫ حكاية أفالطون والشعراء‬، ‫اليوسف‬
Létitia Mouze,Le Législateur et le poète: Une interprétation des Lois de Platon,Presses Universitaires Septentrion, 2005-
Fulcran Teisserenc:Langage et image dans l'oeuvre de Platon Vrin,paris, 2010- Zdravko Planinc, Plato Through Homer.
Poetry and Philosophy in the Cosmological Dialogues,University of Missouri Press, 2003.
1
Jean-François Mattéi, L'inspiration de la poésie et de la philosophie chez Platon, Noesis, 4 , 2000,p77
2
ibid, p 78
3
Alain Badiou, Maria Kakogianni, Entretien platonicien, Éditions Lignes, 2015, p11.
‫بتصرف يسير‬
: ‫ينظر‬ 4

Daniel Acke :Yves Bonnefoy, essayiste: modernité et présence ,Rodopi,Amesterdam -Atlanta GA, 1999 ,pp 24-25.
Agnès Minazzoli: Un rêve pour Piero.in Murielle Gagnebin(Ed):Yves Bonnefoy, lumière et nuit des images,Editions
Champ Vallon, 2005, pp 194-195.
، ‫ منشورات وزارة الثقافة‬، ‫ ترجمة أدونيس‬، ‫ األعمال الشعرية الكاملة‬، ‫إيف بونفوا‬:‫و ينظر نص "ضد أفالطون" بالعربية ضمن‬
.39-31 ‫ ص ص‬، 1986 ، ‫دمشق‬
****
Mousikè ‫و ال يعني الموسيقى تحديدا بل سائر الفنون‬.
5
Claude Obadia,Les Beautés de Platon,Le Philosophoire,Vrin,2013/1 n 39,p 235
6
Arnaud Macé,Que l’art ne peut pas tout pour la cité : la dissonance de l’art, du spectateur et de l’acteur selon
Platon ,Cahiers du Centre Gustave Glotz, Vol. 18 ,N 1,2007,p 306.
.246-237‫ ص ص‬،2004،‫ االسكندرية‬،‫ دار الوفاء‬،‫ ترجمةودراسة فؤادزكريا‬،‫جمهورية أفالطون‬ 7

519-505 ‫ ص ص‬،‫ سبق ذكره‬،‫الجمهورية‬8


9
Létitia Mouze, Le Législateur et le poète, op cit, pp 22-27
10
Ibid, pp 9-10
11
Létitia Mouze, La dernière tragédie de Platon, Revue de Philosophie Ancienne, Vol.16, No. 2, 1998, pp 79-80.
‫ ال تخلو من إبهام واضطراب‬360-359 ‫ ص ص‬،1986 ‫وترجمة محمد حسن ظاظا عن الترجمة االنجليزية " الهيئة المصرية العامة للكتاب‬
.‫لهذا فضلنا ترجمة الفقرة عن الكاتبة التي تترجم عن األصل اليوناني مباشرة‬
12
Ibid, pp 98-101
.‫"البوليتيا" هو عنوان محاورة الجمهورية باللغة اليونانية‬ ******

13
Ibid , p 86
135 ‫ ص‬، 1987 ، ‫ دار الطليعة بيروت‬،2 ‫ ط‬،‫ جورج طرابيشي‬،‫ تر‬، ‫ الفلسفة اليونانية‬، 1‫ ج‬، ‫ تاريخ الفلسفة‬، ‫إميل برهييه‬ 14

138 ‫ ص‬، ‫المرجع نفسه‬ 15

16
Jean-François Mattéi, L'inspiration de la poésie et de la philosophie chez Platon , p 77
‫ قبل الميالد لمنصب يشبه منصب الوزير األول و قد كرس الديموقراطية و دعم‬461 ‫بريكلس الذي تنسب إليه أثينا انتخبه األثينيون سنة‬ ********

:‫الرابط‬. "‫ ينظر موقع هيرودوت "بالفرنسية‬، ‫مؤسساتها‬


https://www.herodote.net/461_av_J_C_-evenement--4610000.php
2017-12-18 ‫تم التصفح بتاريخ‬
17
Sylvie Humbert-Mougin , L’Antiquité: Naissance et affirmation d’un concept de théâtre, in:Didier Souiller et autres,
Etudes thétrales, Quadrige/Puf , Paris,1ere édition, 2005, p7
18
Ibid, p8 ‫وما بين معقوفين في متن الشاهد لرفع االلتباس‬
19
Claude Calame ,La poésie lyrique grecque, un genre inexistant?in: Littérature,Armand Colin, No. 111,Octobre 1998
‫األنطولوجيا الباالتينية أو األنطولوجيا اإلغريقية هي في الواقع ليست واحدة و لكنها عدة أنطولوجيات أي مختارات شعرية و قد بدأها‬ **********

‫ كثيرا من أشعاره‬، ‫ضمنها باإلض افة إلى مختاراته من أشعار غيره‬


َّ ‫ ح والي الق رن األول قب ل الميالد و‬Méléagre ‫الش اعر اإلغ ريقي ميلياغر‬
‫ وظلت ه ذه األنطولوجي ا تتع رض للتنقيح بالح ذف و الزي ادة ح تى الق رن الراب ع عش ر و ك ان آخ ر من أعم ل ي ده فيه ا ه و الك اهن بالن ود‬،.‫ه و‬
‫ و ق د حققه ا بن اء على نس خة قس طنطين‬Brunck ‫ خ رجت االنطولوجي ا للعلن محقق ة على ي د العالم ة برن ك‬1767 ‫ و في س نة‬، Planude
:‫ ُينظر‬.‫ التي تعود للقرن العاشر الميالدي‬Constantin Céphalas ‫سيفاالس‬
Charles Des Guerrois , Etude sur L'anthologie Grecque,TROYES ,1896 , p 9
20
Claude Calame ,op cit , pp 87-88.voir aussi: Sophie Klimis , Le lyrique dans la tragédie grecque , in , Antonio Rodriguez
et André Wyss(eds),Le chant et l’écrit lyrique ,Peter Lang , Bern,2009 , 197-198
‫ واستفدنا منه خاصة في ذكر أسماء‬110-109 ‫ ص ص‬،2001،‫القاهرة‬،3‫ ط‬،‫ األدب اإلغريقي تراثا إنسانيا وعالميا‬:‫وينظر أيضا أحمد عثمان‬
.‫الشعراء الغنائيين التسعة أي ألكمان واآلخرين‬

.‫ المرجع والصفحات نفسها‬،‫أحمد عثمان‬ 21

88- 65 ‫ ص ص‬،1956 ،‫ مكتبة النهضة المصرية‬،‫ تاريخ األدب اليوناني‬،‫محمد صقر خفاجة‬ 22

239 ‫ ص‬،‫ سبق ذكره‬،‫جمهورية أفالطون‬ 23

.‫وتسويد العبارة من عملنا‬،237 ‫ ص‬،‫المرجع نفسه‬ 24

239-237 ‫ ص ص‬،‫ سبق ذكره‬،‫ جمهوريةأفالطون‬،‫ فؤاد زكريا‬:‫ينظر‬ 25

Platon, La république. Traduit par Robert Baccou .Librairie Garnier frères.Paris. 1936, pp 68-70
Platon, La république livre II-III, Traduit par Emile Chambry , Les Belles Lettres , paris , 1932 , pp 81-82
The Dialogues of Plato ,Vol III, translated by B.Jowett, M.A, Oxford 1931, pp 60-61
Plato ,The Republic,Translation by Paul Shorey ,Books I—V,Cambridge ,Harvard, 1937 , pp -179-183
PLATO ,The Republic,Translated By Raymond Larson ,Harlan Davidson,Inc.1979,pp 49-50
Platon, Republica, Traduccion de Marisa Divenosa y Claudia Marisco,1e ed, Buenos Aires,Losada,2005,pp 198-201
Platon – Dialogos IV – La Republica,Traduccion por Conrado Eggers Lan , Editorial Gredos, Madrid,reimpresion 1988, pp
137-138
.‫ و بتصرف يسير‬، ‫ بإيجاز‬257-255 ‫ ص ص‬، ‫ سبق ذكره‬، ‫ الجمهورية‬، ‫أفالطون‬ 26

27
Genette Gérard. Frontières du récit. In: Communications, 8, 1966. Recherches sémiologiques : l'analyse structurale du
récit. pp. 152-163
‫ منش ورات إتحاد كتاب‬،‫والمقال م ترجم إلى العربية بعنوان"حدود السرد" من طرف بنعيسى بوحمالة ضمن كتاب طرائق تحليل الس رد األدبي‬
.1992 ‫ الرباط‬،1‫ ط‬،‫المغرب‬
28
Genette Gérard. Frontières du récit , pp 152-153
29
Ibid , p 154
.‫ليس من كالم جينيت بل هو لإليضاح‬ ************

Ibid, p 154-155
30

31
Ibid, pp 155-156
32
Ibid, p156
33
Jean Cléder,Entre littérature et cinéma ,Armand Colin,2012
34
Jacques Rancière,La Fable cinématographique,Éditions du Seuil,2001
35
Christian Metz, Langage et Cinéma,Éditions Albatros,1977
36
Marie-Thérèse Journot ,Le Vocabulaire du Cinéma,Armond Colin,2006 voir: Connotation p26 déconstruction
p31dénotation pp 32-33 diégése p34 discours p35 Esthétique de la réception p46 transtextualité p 119 etc....
37
Jean Epstein écrits sur le cinéma,tome 2 , Éditions Seghers, Paris,1975, pp 54-55
‫بتصرف و إيجاز‬
38
Ibid, p55
39
Jacques Rancière,La Fable cinématographique,op cit, p 9
40
Emmanuel Barot,Camera Politica.Dialectique du réalisme
dans le cinéma politique et militant,Vrin,Paris,2009, P 123
41
Florence Bernard de Courville,Le Double Cinématographique, Mimèsis et cinéma,L’Harmattan,Paris, 2011, pp 17-18

You might also like