Professional Documents
Culture Documents
وظيفة التلفزيون في المجتمع العربي
وظيفة التلفزيون في المجتمع العربي
:مدخل *
من البدا هات الحالية القول بان اإلعالم -بما فيه التلفزيوني%-أصبح يلعب دورا رياديا
وخطيرا في حضارتنا االنسانيةالمعاصرة؛ حيث إن اإلعالم"أصبح أكثر من أي وقت مضى
ذا قيمة استراتيجية %،ليس فقط من أجل تنشيط %المبادرات والنقاشات في الفضاء
االجتماعي ،بل أيضا من أجل تحديث المجتمعات وزيادة فعاليتها االقتصادية .فتقنيات
االتصال نفسها تساهم اليوم بقوة في تجديد تقنياتنا الثقافية والعقلية("...الصادق رابح) 1
فهل التلفزيون العربي ينخرط بالفعل في بلورة وتفعيل هذه المهام والوظائف اإلعالمية
السالفة ،من أجل بناء وتكريس مشروع مجتمعي تنموي وحداثي ،وذلك باالنتقال
بالتلفزيون من ثقافة الفرجة التضبيعية %وتكريس األوضاع السلبية والمتخلفة القائمة %،إلى
ثقافة إعالمية تنويرية %وإنتاجية تساهم في رقي وتقدم الفرد والمجتمع العربيين بشكل عام؟
وماهي الوظائف المجتمعية %،الكائنة والممكنة للتلفزيون العربي؟
موضوعيا من الصعب الحديث عن"التلفزيون"و"العربي" بصيغة الجمع ،وعن نظام
إعالمي عربي موحد"إال إذا قبلنا تجاوزات عديدة واستثناءات شتى" (راسم محمد الجمال)
،2رغم ذلك سنحاول اإلجابة عن األسئلة السالفة من خال مقاربتنا لبعض وظائف التلفزة
في المجتمع العربي من خال ل أربعة وظائف أساسية على األقل:الوظيفة الترفيهية،
.والوظيفة اإلخبارية %،والوظيفةاالشهارية ،والوظيفة اإليديولوجية والسياسية
الوظيفة الترفيهية للتلفزيون العربي *
من بين األسباب الرئيسية %الستقطاب التلفزيون ألعداد كثيرة من المتلقين ،تقديمه لخدمات
الترفيه الممركزة حول التسلية والمتعة والتشويق واإلثارة...حيث يجد المتلقي/المشاهد
ضالته في االستراحة من جدية أو هزلية الحياة اليومية الخاصة والعامة .وعليه فإن
المشرفين على خريطة وهندسة البرمجة التلفزيونية يجتهدون ويتفننون في توفير هذه
الخدمات بكثرة ،ولو اضطر األمر إلى شرائها بأموال باهضة .المهم هو استقطاب أكبر عدد
ممكن من المشاهدين لتحقيق غايات معينة ،قد تكون ذات طبيعة تجاري أو إيديولوجية،
كما سنرى الحقا.وهكذا يجد المشاهد العربي نفسه %أمام أطنان وأكوام من البرامج الغنائية
والرياضية والمسابقات واألفالم والمسلسالت...نعم قد يخلق هذا النوع من البرامج بعض
الترفيه والتسلية،ولكن بأي ثمن سيكولوجي ومعرفي وقيمي %وحضاري؟حيث يمكننا القول
بأن جل هذه البرامج الترفيهية %تكرس وتحدث لدى المشاهد العربي تمثالت وتوجهات
سلوكية سلبية ،نظرا لطغيان مرجعياتها األجنبية االستالبية ،واإليديولوجية التسطيحية
:والتضبيعية ،والتي يمكن إجمالها فيما يلي
تكريس العقلية والعالقات االستهالكية واالستالبية %،وتعويض القيمة %اإلنسانية %للفرد -
بالقيم "التبضيعية" %والتشييئية(سلعنة وتشييء اإلنسان حسب نموذج %الرأسمالية
المتوحشة)
تكريس النزعة الفردية والعصبية والشوفينية %على حساب النزعات الجماعية والوطنية- %
.والقومية
تكريس وإثارة األبعاد الغريزية واإليروسية %لدى الفرد(الجنسية أساسا بأشكالها القيمية -
السلبية)%
.تكريس ثقافة العنف والقوة ومنطق الغاب -
تكريس الفكر الخرافي واألسطوري والعامي في أشكال معاصرة ،وعلى حساب الفكر -
.العلمي والعقالني المتنور
تكريس مرجعية ثقافية وقيمية %أحادية(الغربية أساسا ،باإلضافة إلى النمط النخبوي -
السائد)
تكريس االنبهارية والتبعية %لآلخر األقوى والسائد ،وإنتاج شخصية مستلبة %وفضامية -
دون هوية محددة ودون استقاللية ذاتية وناضجة وفعالة( .الصدوقي) 3
الوظيفة اإلخبارية للتلفزيون العربي *
اإلخبار من بين الوظائف التقليدية للتلفزيون؛ اإلخبار بالمستجدات واألحداث الوطنية
واإلقليمية %والدولية.غير انه من المالحظ عربيا،أن جل هذه األخبار ،على المستوى
الوطني ،يتمركز %حول األخبار الرسمية للدولة الحاكمةوالدعاية المبالغة لها،وأحيانا بشكل
مضخم ،وممل أحيانا أخرى .ويتم في الغالب إغفال أنشطة وأحداث المجتمع المدني أو
السياسي المعارض والمخالف للتوجهات الرسمية على الخصوص.أما على مستوى األخبار
الدولية ،فإن معظم هذه األخبار تنقل عن مرجعيات غربية خاصة؛ وكما هو معروف ،فإن
هذه المرجعيات تتحكم فيها وكاالت األخبار الغربية %،والتي تكيف وتخرج وتنشر %األخبار
المتلفزة أو المكتوبة حسب المصالح الحيوية واالستراتيجية %للدول الغربية وحلفائها(مثال،
لنالحظ كيف يتم تقديمها لألخبار المتعلقة بالشرق األوسط).والمالحظ كذلك بان المنهجية
المعتمدة في تقديم األخبار الدولية من طرف التلفزيون العربي يطغى عليها الطابع
أالستنساخي والتقريري،دون إعمال للمقاربات التحليلية النقدية والمقارنة في التعامل مع
هذه األخبار،من أجل إغناء وتصفية %المعلومات اإلخبارية وفق معايير المصداقية
والموضوعية والحقيقة.وبالطبع هناك بعض االستثناءات اإليجابية التي تتعامل مع األخبار
وفق األخالقيات الصحافية المعروفة ،ويكفي أن نشير إلى التجربة اإلعالمية الرائدة لقناة
.الجزيرة ،كنموذج إلعالم موضوعي %وحر
الوظيفة اإلشهارية للتلفزيون العربي *
كما هو معروف يهدف اإلشهار التلفزيوني %إلى تعريف الجمهور العريض ببعض السلع
والمنتجات االستهالكية.ويمكننا أن نقول بان اغلب الوصالت اإلشهارية تقدم في قوالب
نفسية %ال شعورية وغريزية،ال يهمها في ذلك ال ثقافة المتلقي العربي ،وال شخصيته
اإلنسانية ،وال خصوصياته %األسرية...حيث %تطغى على جل الوصالت اإلشهارية تيمة
اإلغراءات الجنسية المشروطة بطريقة"بافلوفية" باإلنتاج موضوع اإلشهار ،وقد تكون
في بعض األحيان بطريقة تششيئية سافرة؛ إذ تصبح %المرأة ،أو يصبح %الرجل ،أو األطفال
أحيانا ،مجرد"أشياء"غريزية %وحيوانات استهالكية ،تكسب قيمتها الشخصية ،وتحصل
على أحالمها وعلى موضوع رغبتها ،انطالقا من السلعة التي يجب عليها اقتناءها؛
والتالي ،فإن أغلب هذه الوصالت االشهاريةتقدم قيم ثقافية سلبية %،تكرس الحيوانية
والتبعية واالستيالب االستهالكي.كما أن اإلشهار في تلفزيوناتنا العربية،ال تقتصر على
إشهار السلع المادية،بل %تغرقنا كذلك في وصالت إشهارية" للسلع الرمزية %والسياسية"
...لألنظمة الحاكمة
الوظيفة اإليديولوجية والسياسية للتلفزيون العربي*
يمكننا أن نجازف ونقول بأن التلفزيون العربي،وخصوصا الرسمي ،تكاد تهيمن عليه
الوظيفة اإليديو-سياسية
على مضامين جل المنتجات التلفزية واإلعالمية؛ إذ" تتشابه السياسات االتصالية الفعلية
في األقطار العربية ،من حيث سعيها إلى دمج اإلعالم في مؤسسات رموز السلطة وتوظيف%
اإلعالم سياسيا ودعائيا...على حساب وظائف اإلعالم األخرى"(محمد شومان).4وربما هذا
ما يفسر االحتكار المستمر للتلفزيون الرسمي من طرف األنظمة القائمة %،وجعله مجرد
مؤسسة %حكومية %محتكرة و تابعة للدولة الحاكمة ،وعدم السماح بتعددية تلفزية،
وبدمقرطة التلفزيون؛ بحيث نالحظ غياب أو تغييبا شبه مطلق للمعارضات السياسية
واألصوات المخالفة للسياسات الرسمية %،عن لم نقل منعها مطلقا من الظهور على شاشات
التلفزيون(ونحن نقصد بالمعارضة %المواطنة والغيورة على مصالح الوطن ،ال المعارضة%
.االنتهازية العميلة والخائنة لبلدها)
إن واقع التلفزيون العربي الذي يكرس ثقافة الطابوهات والمنع والتضليل وقمع الحريات
والتعددية ،تجعل المشاهد العربي في وضعية سلبية %تدفع به إلى" الهجرة البصرية" وإلى
"لجوء بصري" نحو قنوات تلفزية خارجية أو أجنبية %طلبا للحقيقة وللحرية ،ولتثقيف
.إعالمي أكثر استقاللية وفائدة
ولتجاوز سلبيات وظائف المشهد التلفزي العربي ،نقترح %بعض المبادئ والتوجهات التي
يمكن تفعيلها من اجل من أجل استراتيجية %نهضوية %وديمقراطية للوظائف اإلعالمية
:للتلفزيون
سياسيا:جعل التلفزيون يساهم في تكريس ونشر وعي سياسي حداثي ،وذلك بترسيخ قيم -
الديمقراطية %وحقوق اإلنسان و حقوق المواطنة ،وحرية التعبير ،والحق في االختالف في
.إطار قيم الوحدة الوطنية والقومية واإلنسانية...وغيرها من القيم السياسية اإليجابية
ثقافيا :جعل التلفزيون يساهم في نشر ثقافة الحداثة والنهضة الشاملة ،وذلك بترسيخ %فيم -
العقل والعلم واإلبداع والرقي بالذوق الجمالي والفني لدى المشاهد العربي ،وتشجيع
البرامج والمنتجات اإلعالمية العربية %،واالنتقال بالتلفزيون من وظيفة الفرجة التضبيعية%
والتضليل اإليديولوجي والسياسي ،إلى وظيفة التثقيف والتكوين العلمي المتين واإلبداع
...الخالق
اجتماعيا وأخالقيا:يجب على ا لتلفزيون العربي أن يلعب دوره كامال كمؤسسة للتربية- %
والتنشئة %االجتماعية العمومية كذلك ،وذلك بالعمل على تجاوز مظاهر األنانية والطبقية
والنخبوية والقبلية الشوفينية ،والتعصب األعمى و ترسيخ القيم الجماعية اإليجابية
.والوطنية واإلنسانية %عامة
سيكولوجيا :جعل التليفزيون يلعب دورا حاسما في بناء شخصية %سليمة %ومتوازنة %،عبر -
بناء االتجاهات النفسية اإليجابية ،وتصحيح %انحرافاتها المعرفية والوجدانية المرضية
..والسلبية %،وذلك من اجل بناء شخصية ناضجة و ذكية وواعية ومثقفة %وقوية وفعالة
:خاتمة *
إن تلفزيوننا العربي يمكن له أن يقوم بوظائف طالئعية وريادية في بناء مجتمع متقدم
ومتحضر %،ورفع التحديات و األخطار المعاصرة التي تزداد حدة ،خصوصا وأننا في زمن
اإلعالم والمعرفة ،وفي زمن تطغى عليه قيم وسلطة العولمة في أبعادها الصراعية
السياسية والحضارية؛وإن صانعي العولمة والمتحكمين في هندستها وخيراتها ،لم يتمكنوا
من صناعتها كأداة وكسالح للسيطرة على العالم من فراغ ،بل"إن أصول(هذه) العولمة
ترجع إلى تعميم تطبيقات العلوم على كافة األنشطة البشرية ،واكتساح التكنولوجيا الجديدة،
والتي تثير %عوامل ضبط تمس االقتصاد والتوازنات البيئية،وتؤدي إلى تصورات أساسية%
في األخالق،وتجر على قبول حدثنة ثقافية ،وتطوير الفضاءات االجتماعية ،وتوجب
إصالحا لفكر يمارس أثرا واضحا على األنساق التنظيمية والسياسية والتربوية"5
إن التلفزيون العربي(أستعمل %العربي بالمعنى الجغرافي للكلمة) هرمن بين أكثر الوسائل
المجتمعية التي يمكن توظيفها لصناعة وتحقيق نهضة مجتمعية %شاملة ،خصوصا إذا علمنا
بان التلفزيون كأداة تقنية ،ستصبح له وظائف تقنية %جديدة وإضافية؛ حيث باإلضافة إلى
ومن (pc)،استخدامه في البت الفضائي والرقمي ،سيتم دمجه مع تكنولوجيا الحاسوب
.المتوقع كذلك استخدامه لإلبحار عبر االنترنيت %،عالوة على االستخدامات التفاعلية