You are on page 1of 30

‫قراءة منهجية جديدة في النص القرآني‬

‫تطبيقات‬
‫إبليس والشيطان والجن ‪5 -‬‬
‫قصي الموسوي‬
‫هذه المحاضرة أُلقيت بتاريخ‬
‫‪ 12‬ديسمبر ‪2014‬‬
‫ملخص وتذكير ‪1-‬‬
‫استعرضنا في المحاضرة األولى من هذه المجموعة فهمنا للفظة (إبليس) ويمكن تلخيص ما‬
‫تعرضنا له في تلك المحاضرة بما يلي‪:‬‬
‫س‪ :‬يعني اإلحاطة والحصر ومحاولة تقييد الحرية‪.‬‬ ‫• ال َبلَ ُ‬
‫• إبليس‪ :‬يمكن ان يكون إسم آله أو إسم مفعول أو إسم فاعل ولكنها جميعا تشير إلى ما‬
‫تحاول قوة معينة ‪ -‬ذاتية او خارجية ‪ -‬بلسه وتقييده والسيطرة عليه‪.‬‬
‫• طرحنا فهمنا القاضي بأن األمر ال يتعلق بشخص رفض اإلنصياع ألوامر هللا وإنما‬
‫لمجموعة من الصفات المعينة في الحمض النووي االنساني يراد تنحيتها إما في بدنه أو‬
‫في تركيبته النفسية أو المنطقية أو العقلية او غير ذلك من أجل تطوير النسخة اإلنسانية‬
‫إلى نسخة قادرة على العمل ذاتيا بوعي في محاولة اإلنطباق مع قوانين هللا تعالى‬
‫المس ِّي َرة لهذا الكون بأسره‪.‬‬
‫ورا) تعني السماح ببقاء هذه الصفات‬ ‫اخ ُر ْج م ْن َها َم ْذ ُءو ًما َمدْ ُح ً‬
‫• قلنا كذلك بأن العبارة ( ْ‬
‫ولكن ضمن قيود وضوابط وهي وإن عاودت الظهور في النسخ الجديدة فإن مصيرها‬
‫الذأم والدحور ‪.‬‬
‫ملخص وتذكير ‪2 -‬‬
‫ش ْطنُ تعبير عن االبتعاد عن حدود معينة او عن نقطة‬ ‫• قلنا في المحاضرة السابقة بأن ال َ‬
‫محددة مع بقاء أثر معين يتعلق بذلك اإلطار سواء سلبا أو إيجابا ‪..‬‬
‫ش َطن يكون مشيرا إلى‪ :‬ذلك األثر الناجم عن صعوبة‬ ‫مشتق من ال َ‬
‫ُ‬ ‫• عليه ولمـّا كان الشيطان‬
‫السيطرة على الصفات المبلسة فيظهر منها ما يبتعد عن اإلطار المراد البقاء ضمنه‬
‫بالصفات األخرى الحسنة وذلك بشكل متكرر‪.‬‬
‫النص القرآني تشير إلى‪ :‬ذلك التكوين‬
‫ِّ‬ ‫• عليه نفترض أن معنى لفظة (الشيطان) الواردة في‬
‫الناتج عن خروج بعض التصورات واألفكار والمشاعر والنوازع والدوافع وما إلى ذلك‬
‫األطر المحددة لها في داخل النفس وتأثيرهذا التكوين الجديد على النفس وعلى‬ ‫عن ُ‬
‫البرامج األصل ّية فيها‪.‬‬

‫• وكلها امور تحدث في داخل النفس االنسانية وليس هناك شخص مستقل ينتمي الى نوع‬
‫آخر من الخلق‪.‬‬
‫النتيجة العامة‬
‫فإذا إستجابت النفس لهذا التكوين الغريب فقد اتبعت الشيطان وإذا واصلت اإلستجابة له‬ ‫•‬
‫فقد إستحوذ عليها الشيطان‪ .‬وإذا تحولت إلى برامج ثابتة في النفس أصبح الضحية بذاته‬
‫شيطانا‪.‬‬
‫أ ّما إذا لم تستجب النفس لهذا التكوين الجديد فقد عصمت النفس ذاتها عن أثر ذلك‬ ‫•‬
‫التكوين ما سيؤدي بالنتيجة الى زوال هذا التكوين‪.‬‬
‫اإلنسان لديه القدرة على عدم اإلستجابة لهذه البرامج التي سيشعر بها بسهولة نتيجة‬ ‫•‬
‫وجود برامج التشخيص الفطري في النفس‪.‬‬
‫كذلك فإن اإلنسان يتمكن من نصب برامج حماية جديدة عبر عمليات التقوى ومحاربة‬ ‫•‬
‫الهوى واإلبتعاد عن الشبهات وما شابه ذلك من البرامج التي طرحها القرآن الكريم‬
‫تفصيال‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الجن‬

‫بعد ان قدمنا فرضيتنا عن (إبليس والشيطان) وألن التصور التقليدي يرى أن ابليس هو‬
‫الشيطان وأنه كان من الجنِّ ففسق عن أمر ربه ‪ ..‬صار لزاما علينا ان نتعرف على الجنِّ ‪،‬‬
‫عليه ننتقل في هذه المحاضرة للتعرف عن اللفظ الثالث وهو (الجنّ )‪ .‬وكما تعودنا أن نبدأ‬
‫اوال بطرح التصور التقليدي الموروث كمعنى لهذا اللفظ ثم نحاول ان نقف على بعض‬
‫المشاكل التي يثيرها هذا التحليل المتوارث للفظ لتشكيل األرضية لطرح سؤالنا المركزي ثم‬
‫محاولة تقديم اإلجابة المناسبة عليه‪.‬‬
‫الجن ‪1 -‬‬
‫ِّ‬ ‫التصور التقليدي المشهور عن‬
‫يقول القرطبي المتوفي سنة (‪ 671‬هـ) في ذيل اآلية األولى من سورة الجنّ ‪:‬‬
‫البصري‪ :‬أن الجنّ و ْل ُد‬
‫ّ‬ ‫• وٱختلَف أهل العلم‪ ،‬في أصل الجنّ ؛ فروى إسماعيل عن الحسن‬
‫واإلنس و ْل ُد آدم‪ ،‬ومن هؤالء وهؤالء مؤمنون وكافرون‪ ،‬وهم شركاء في الثواب‬ ‫َ‬ ‫إبليس‪،‬‬
‫ولي هللا‪ ،‬ومن كان من هؤالء وهؤالء‬ ‫والعقاب‪ .‬فمن كان من هؤالء وهؤالء مؤمنا ً فهو ّ‬
‫كافراً فهو شيطان‪.‬‬
‫الجن هم ول ُد الجان وليسوا بشياطين‪ ،‬وهم يؤمنون؛‬ ‫• وروى الضحاك عن ٱبن عباس‪ :‬أن ّ‬
‫ومنهم المؤمن ومنهم الكافر‪ ،‬والشياطين هم ول ُد إبليس ال يموتون إال مع إبليس‪ .‬وٱختلفوا‬
‫في دخول مؤمني الجن الجنة‪ ،‬على حسب االختالف في أصلهم‪ .‬فمن زعم أنهم من الجان‬
‫ذرية إبليس فلهم فيه‬ ‫ذرية إبليس قال‪ :‬يدخلون الجنة بإيمانهم‪ .‬ومن قال‪ :‬إنهم من ّ‬ ‫ال من ّ‬
‫قوالن‪ :‬أحدهما ـ وهو قول الحسن يدخلونها‪ .‬الثاني ـ وهو رواية مجاهد ال يدخلونها وإن‬
‫الماوردي‪ .‬وقد مضى في سورة «الرحمن» عند قوله تعالى‪:‬‬
‫ّ‬ ‫صرفوا عن النار‪ ،‬حكاه‬
‫{ لَ ْم َي ْطم ْث ُهن إنس َق ْبلَ ُه ْم َوالَ َجآن }[الرحمن‪ ]56 :‬بيان أنهم يدخلونها‪.‬‬
‫الجن ‪2 -‬‬
‫ِّ‬ ‫التصور التقليدي المشهور عن‬
‫وفي لسان العرب البن منظور المتوفي سنة (‪ 711‬هـ) ورد ما يلي‪:‬‬
‫الجتنانهم عن األَبصار وألَنهم‬ ‫• والجن‪ :‬ول ُد الجانّ ‪ .‬ابن سيده‪ :‬الجن نوع من العالَم سموا بذلك ْ‬
‫اس َت َجنوا من الناس فال ُي َر ْون‪ ،‬والجمع جنان‪ ،‬وهم الجنة‪ .‬وفي التنزيل العزيز‪ :‬ولقد َعل َمت الجن ُة‬ ‫ْ‬
‫المالئكة عند قوم من العرب‪ ،‬وقال الفراء في قوله تعالى‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ض ُرون؛ قالوا‪ :‬الجن ُة ههنا‬ ‫إنهم لَ ُم ْح َ‬
‫سبا ً‪ ،‬قال‪ :‬يقال الجن ُة ههنا المالئكة‪ ،‬يقول‪ :‬جعلوا بين هللا وبين َخ ْلقه‬ ‫وجعلوا بي َنه وبين الجنة َن َ‬
‫ضرون في النار‪.‬‬ ‫بنات هللا‪ ،‬ولقد َعل َمت الجن ُة أَن الذين قالوا هذا القول َ ُم ْح َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫المالئكة‬ ‫َن َ‬
‫سبا ً فقالوا‬
‫والج ِّني‪ :‬منسوب إلى الجنِّ أَو الجنة‪.‬‬
‫لق منه َن ْسلُه‪ .‬والجان‪ :‬الجن‪ ،‬وهو اسم جمع كالجامل‬ ‫• والجان‪ :‬أَبو الجنِّ ُخلق من نار ثم ُخ َ‬
‫والباقر‪.‬‬
‫ماء؛ روي أَن َخ ْلقا ً يقال لهم‬ ‫• وقال أَبو إسحق في قوله تعالى‪ :‬أَ َت ْج َعل ُ فيها َمنْ ُي ْفس ُد فيها و َي ْسف ُك الدِّ َ‬
‫فسدوا فيها وس َفكوا الدِّ ماء فبعث هللاُ مالئك َته أَ ْجلَ ْتهم من األَرض‪ ،‬وقيل‪:‬‬ ‫الجان كانوا في األَرض فأ َ َ‬
‫سكانَ األَرض بعد الجانِّ فقالوا‪ :‬يا َربنا أَ َت ْج َعل ُ فيها َمن ُيفسد فيها‪.‬‬ ‫َ‬
‫المالئكة صا ُروا ُ‬ ‫إن هؤالء‬
‫الجن ‪3 -‬‬
‫ِّ‬ ‫التصور التقليدي المشهور عن‬
‫يقول الطباطبائي المتوفي سنة (‪1401‬هـ) في الميزان ما يلي‪:‬‬
‫ص ِّد ُق القرآن الكريم بوجودهم و يذكر أنهم‬ ‫• الجن نوع من الخلق مستورون من حواسنا ُي َ‬
‫بنوعهم مخلوقون قبل نوع اإلنسان‪ ،‬و أنهم مخلوقون من النار كما أن اإلنسان مخلوق‬
‫من التراب قال تعالى ‪َ ( :‬وا ْل َجان َخلَ ْق َناهُ منْ َق ْبل ُ منْ َنار الس ُموم ) الحجر ‪.27‬‬
‫• وأنهم يعيشون و يموتون و يبعثون كاإلنسان قال تعالى‪( :‬أُولَئ َك الذينَ َحق َعلَ ْيه ُم ا ْل َق ْول ُ‬
‫في أ ُ َمم َقدْ َخلَ ْت منْ َق ْبله ْم منَ ا ْلجنِّ َو ْاإل ْنس‪...‬اآلية ) األحقاف ‪.18‬‬
‫• وأن فيهم ذكورا و إناثا يتكاثرون بالتوالد و التناسل قال تعالى ( َوأَن ُه َكانَ ر َجال منَ ْاإل ْنس‬
‫َي ُعو ُذونَ بر َجال منَ ا ْلجنِّ ‪...‬اآلية ) الجن ‪.6‬‬
‫• و أن لهم شعورا و إرادة و أنهم يقدرون على حركات سريعة و أعمال شاقة كما في‬
‫قصص سليمان (عليه السالم )و تسخير الجن له و قصة ملكة سبإ‪.‬‬
‫• وأنهم مكلفون كاإلنسان‪ ،‬منهم مؤمنون و منهم كفار‪ ،‬و منهم صالحون و آخرون‬
‫طالحون‪.‬‬
‫الجن ‪4 -‬‬
‫ِّ‬ ‫التصور التقليدي المشهور عن‬
‫ويضيف الطباطبائي القول‪:‬‬
‫• ويظهر من كالمه تعالى أن إبليس من الجن و أن له ذرية و قبيال قال تعالى‪َ ...« :‬كانَ منَ ا ْلجنِّ‬
‫س َق َعنْ أَ ْمر َر ِّبه ‪ ...‬اآلية »‪ :‬الكهف ‪ 50‬و قال تعالى‪...« :‬أَ َف َتتخ ُذو َن ُه َو ُذ ِّري َت ُه أَ ْول َيا َء منْ دُوني‬ ‫َف َف َ‬
‫ث َال َت َر ْو َن ُه ْم ‪...‬اآلية »‪:‬‬ ‫‪ ...‬اآلية»‪ :‬الكهف‪ 50 :‬و قال تعالى‪ ...« :‬إن ُه َي َرا ُك ْم ه َُو َو َقبيل ُ ُه منْ َح ْي ُ‬
‫األعراف ‪.27‬‬

‫ملخص ما ورد من الكالم عن الجنِّ في كتب التراث والتفسير واللغة هو انهم‪:‬‬


‫• مخلوقات لطيفة مغيبة عن البصر او لنقل عن الحواس الخمس‪.‬‬
‫• مخلوقة كنوع قبل خلق اإلنسان أو معه في نفس الوقت‪.‬‬
‫• هم ذكور وإناث ويتزاوجون ويكونون طوائف وقبائل‪.‬‬
‫• أن منهم الكفار ومنهم المؤمنين‪.‬‬
‫• أنهم يؤثرون على االنسان‪.‬‬
‫الملخص اللغوي عن الجذر ( َجنَ َن) ‪1-‬‬
‫أما الملخص اللغوي عن الجذر ( َج َننَ ) فهو كما يلي‪:‬‬
‫• يقول إن فارس (‪395‬هـ) في معجم مقاييس اللغة ‪ :‬الجيم والنون أصل واحد‪ ،‬وهو [الس ْتر‬
‫و] التستر‪.‬‬
‫بت ُجنونا ً إذا اشت ّد َ‬
‫وخ َرج زهره‪.‬‬ ‫• والج ّنة‪ :‬الجنون؛ وذلك أ ّنه يغ ِّطي العقل‪ ....‬ويقال ُجن الن ُ‬
‫فهذا يمكن أن يكون من ال ُجنون استعار ًة كما ُيجن اإلنسان فيهيج‪.‬‬
‫وج َنان ال ّناس ُم ْعظ ُمهم‪ ،‬ويسمى الس َوا َد‪.‬‬
‫• َ‬
‫• فأ ّما الح ّية الذي يسمى الجان فهو تشبيه له بالواحد من الجانّ ‪.‬‬
‫والج ّنة البستان‪ ،‬وهو ذاك ألنّ الشجر ب َو َرقه َيس ُتر‪.‬‬ ‫َ‬ ‫•‬
‫سالح فهو ُجنة‪.‬‬ ‫• وكل ما اس ُتتر به من ال ِّ‬
‫الملخص اللغوي عن الجذر ( َجنَ َن) ‪2-‬‬
‫يقول إبن منظور (‪711‬هـ) في لسان العرب‪:‬‬
‫وج ْمعه لها‪ ،‬وقيل‪:‬‬ ‫شياء َ‬ ‫ب الستتاره في الصدر‪ ،‬وقيل‪ :‬ل َو ْعيه األَ ْ‬ ‫والجنانُ ‪ ،‬بالفتح‪ :‬ال َق ْل ُ‬
‫َ‬ ‫•‬
‫ح َجنانا ً ألَن الجسم ُيجنه‪.‬‬ ‫الخفاء‪ ،‬وربما س ّمي الرو ُ‬ ‫َب في َ‬ ‫الجنانُ ُرو ُع القلب‪ ،‬وذلك أَ ْذه ُ‬ ‫َ‬
‫• و َقلَ ْب فالن م َجنة أَي أَس َقط الحيا َء وف َعل ما شا َء‪.‬‬
‫• وقوله‪ :‬و َي َحك يا ج ِّني‪ ،‬هل َبدا لك أَن َت ْرجعي َع ْقلي‪ ،‬فقد أَ َنى لك؟ إنما أَراد َم ْرأَة كالج ِّنية‬
‫سوبة إلى الجنِّ الذي هو‬ ‫ً‬ ‫إما في جمالها‪ ،‬وإما في تلَونها وابتدالها؛ وال تكون الج ِّنية هنا من‬
‫المتغزل َ بها إ ْنسي‪ ،‬واإلنسي ال َيتعش ُق ج ِّنية؛‪...‬‬ ‫ِّ‬ ‫خالف اإلنس حقيقة‪ ،‬ألَن هذا الشاعر‬
‫ت َقواف َي الت ْجنين‪.‬‬ ‫ت َقوافيا ً إ ْنس ّي ًة‪ ،‬ولقد َنط ْق ُ‬‫• وقول بدر بن عامر‪ :‬ولقد ن َط ْق ُ‬
‫س‪ ،‬وأَراد بالت ْجنين ما تقولُه الجن؛ وقال السكري‪ :‬أَراد‬ ‫أَراد باإل ْنسية التي تقولها اإل ْن ُ‬
‫الو ْحش ّي‪.‬‬
‫الغريب َ‬
‫َ‬
‫الليث‪ :‬الجن ُة ال ُجنونُ أَيضا ً‪.‬‬
‫الخالصة‬
‫الخالصة أن المعنى في اللغة يدور حول المحاور التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬االختفاء والتستر‪.‬‬
‫‪ .2‬القوة والشدة المخيفة (الح ّية تسمى جان)‪.‬‬
‫الجنان)‪.‬‬
‫‪ .3‬الوعي واالدراك ( َ‬
‫‪ .4‬االنفالت (قلب ظهر المجن واسقط الحياء)‪.‬‬
‫‪ .5‬الهياج غير العادي (نمو النبات بطريقة كثيفة)‪.‬‬
‫‪ .6‬الغريب الوحشي (قوافي التجنين)‪.‬‬
‫‪ .7‬الجمال والتلون والتبدل (وصف المرأة بالجن ّية)‪.‬‬
‫‪ .8‬الكثرة من الشيئ أو غالبيته ( َجنان الناس)‪.‬‬

‫يخصص هذه األمور بنوع او جنس معين من الخلق‪ ،‬فكلها مما‬


‫ِّ‬ ‫وهذا المعنى ليس فيه أي شيئ‬
‫يناسب االنسان‪.‬‬
‫مشاكل لسانية وفلسفية ‪1-‬‬
‫هناك مشاكل فلسفية وعقائدية في قصة وجود خلق آخر قادر على التأثير على اإلنس منها‪:‬‬
‫• لم يتمكن المعنى التقليدي من حل ِّ إشكالية تصنيف الجنّ مع المالئكة وحل ِّ عقدة شموله‬
‫يس‬‫س َجدُوا إال إ ْبل َ‬‫اس ُجدُوا آل َد َم َف َ‬ ‫باألمر اإللهي للمالئكة في امثال اآلية‪َ :‬وإ ْذ قُ ْل َنا ل ْل َم َالئ َكة ْ‬
‫اس َت ْك َب َر َو َكانَ منَ ا ْل َكافرينَ (‪34‬البقرة‪ .)2‬فلماذا شمله االمر الصادر الى المالئكة‬ ‫أَ َبى َو ْ‬
‫رغم ان النص القرآني في موضع آخر يصنفه من الجنِّ ‪َ :‬وإ ْذ قُ ْل َنا ل ْل َم َالئ َكة ْ‬
‫اس ُجدُوا آل َد َم‬
‫س َق َعنْ أَ ْمر َر ِّبه أَ َف َتتخ ُذو َن ُه َو ُذ ِّري َت ُه أَ ْول َيا َء منْ دُوني‬ ‫يس َكانَ منَ ا ْلجنِّ َف َف َ‬
‫س َجدُوا إال إ ْبل َ‬ ‫َف َ‬
‫س للظالمينَ َبد ًَال (‪50‬الكهف‪)18‬؟‪.‬‬ ‫َو ُه ْم لَ ُك ْم َعدُو ب ْئ َ‬
‫• يبدو من اآليات القرآنية ان الجن يعرفون كثيرا عن اإلنس وانهم متفوقون عليهم وهذه‬
‫عالقة غير عادلة بين نوعين من الخلق وهي تختلف عن سائر العالقات التي تربط‬
‫اإلنسان بالمخلوقات األخرى في محيطه‪ .‬س ّيما وان االنسان وصف بأ ّنه خليفة‪.‬‬
‫• غالبا ما يكون دخول االنسان الى النار بسبب وساوس الشياطين من الجن في حين ال يبدو‬
‫ان دخول الجن الى النار هو بسبب وساوس انسية‪.‬‬
‫مشاكل لسانية وفلسفية ‪2 -‬‬
‫• هناك خلط كبير بين االصناف الثالثة المذكورة في القرآن الكريم وهي (المالئكة‪ /‬الجن‬
‫واالنس) كما في االشارة الى ان الجن خلقوا قبل االنس في االرض وان المالئكة نزلت‬
‫واجلتهم من االرض وسكنت االرض بدال عنهم وسألت هللا تعالى لماذا يخلق خلقا يفسد في‬
‫االرض ويسفك الدماء‪ .‬ولم تقدم اية أدلة على ذلك من النصوص القرآنية‪.‬‬
‫• تشير اآليات القرآنية إلى أن الناس غالبا إذا جاءهم رسول من هللا تعالى قالوا عنه إمـّا‬
‫(شاعر) أو (مجنون) وإقران صفة (الشعر) مع (الجنون) بالمعنى الذي نعرفه عن الشعر‬
‫وعن الجنون ال تبدو واقعية بما يكفي‪ .‬بمعنى ان الجنون هنا يبدو أمرا إيجابيا فوق‬
‫المعتاد وليس سلبيا‪ .‬الحظوا النص التالي‪َ :‬و َقالُوا َيا أَي َها الذي ُن ِّزل َ َعلَ ْيه ال ِّذ ْك ُر إن َك‬
‫لَ َم ْج ُنون (‪6‬الحجر‪ )15‬لَ ْو َما َتأْتي َنا با ْل َم َالئ َكة إنْ ُك ْن َت منَ الصادقينَ (‪7‬الحجر‪ .)15‬فلو كان‬
‫معنى المجنون هو فاقد العقل أو المخبول فكيف يطلب منه قومه دليال على أنه مرسل من‬
‫هللا تعالى؟ فهم يقولون له إنك مجنون ك ّذاب وليس مجنون غير عاقل‪ .‬فهم يطالبونه بدليل‬
‫على صدقه!‪.‬‬
‫مشاكل لسانية وفلسفية ‪3 -‬‬
‫الجنة) التي وعد‬ ‫• لم يتبين بالضبط ما هو الخيط الناظم الذي يربط المعاني التي توحيها ( َ‬
‫المتقون من جهة و(الج ِّن ُة والجن) الذي يمثل نوعا من الخلق المكلف و(المجنون) الذي‬
‫هو صفة لالنسان الفاقد لعقله و( َجن) كفعل والذي يقصد به تراكم الشيئ؟‪.‬‬
‫• لم توضح قضية معاقبة (الجنّ ) بالنار وهم مخلوقون من النار؟ وإذا قيل أنهم سبعثون‬
‫باجساد مادية طينية فإن ذلك سيثير أكثر من سؤال حول عدالة هذه الخطوة‪.‬‬
‫• لم توضح العالقة بين االنس والجنّ سيما وان بعض اآليات تشير إلى نوع من التلبس بين‬
‫النوعين كما في النص القرآني التالي‪ :‬أَ َولَ ْم َي َت َفك ُروا َما ب َ‬
‫صاحبه ْم منْ جنة إنْ ه َُو إال َنذير‬
‫ُمبين (‪184‬األعراف‪ .)7‬فكيف يكون به (جنة)؟‪.‬‬
‫• لم يتضح لماذا تعتبر كلمة (جنة) بمعنى اسم جنس للجن وفي بعض األحيان تعني نوعا‬
‫من الجنون وفقدان العقل؟ فهل ان (الجن) مخبولين وفاقدي العقل؟ ولماذا تعتبر عملية‬
‫االختالط بين االنس والجن نوعا من الخبل؟‪.‬‬
‫• وإذا كان اإلختالط يؤدي الى الخبل فإن هذا سينسف فكرة االبتالء المتبادل بين النوعين‪.‬‬
‫مشاكل لسانية وفلسفية ‪4 -‬‬
‫• لم يوضح التحليل التقليدي لمعنى الجذر ( َج َننَ ) ما الذي يجعل بعض االمور مشتركة بين االنس‬
‫وهم نوع من الخلق و(الجنّ ) وهم نوع آخر من الخلق ليس في ذات االبعاد التي يعيش فيها‬
‫ات الط ْرف لَ ْم َي ْطم ْث ُهن إ ْنس َق ْبلَ ُه ْم َو َال َجان‬ ‫االنس كما في النص القرآني التالي‪ :‬فيهن َقاص َر ُ‬
‫واإلنس بالطمث الذي يقول علماء اللغة أنه يشير الى (دم‬ ‫ُ‬ ‫(‪56‬الرحمن‪ .)55‬فكيف يشترك الجن‬
‫الحيض واالفتضاض‪ ،‬والطامث‪ :‬الحائض – كما يقول الراغب االصفهاني)؟‪.‬‬
‫• لم يتمكن التفسير التقليدي من إيضاح معنى اآلية التالية‪َ :‬وأَن ُه َكانَ ر َجال منَ ْاإل ْنس َي ُعو ُذونَ‬
‫بر َجال منَ ا ْلجنِّ َف َزادُو ُه ْم َر َه ًقا (‪6‬الجن‪)72‬؟ فما هي العالقة بين بعض الرجال من الجن‬
‫وبعضهم اآلخر من اإلنس ولماذا هو حكر على هذه الفئة من الرجال ايضا ودون النساء سيما‬
‫وان معنى الرجال هو الذكور حسب المفهوم السائد؟ ولماذا يستخدم لفظة الرجال لوصف الجنّ‬
‫وهو وصف ال نستخدمه في العادة اال لالنسان بينما نصف الذكور من اي جنس آخر بوصف‬
‫(الذكور)؟‪..‬‬
‫• يقول التفسير التقليدي لمعنى (الجنّ ) بانهم كائنات مغيبة عن الحس البشري وان لهم طاقات‬
‫خارقة فهم يتمكنون من الطيران في السماء او السموات بينما النص القرآني يتحدى االنس‬
‫اس َت َط ْع ُت ْم‬
‫ش َر ا ْلجنِّ َو ْاإل ْنس إن ْ‬
‫والجن ويعتبرهما عاجزين بنفس القدر كما في النص التالي‪َ :‬يا َم ْع َ‬
‫س ْل َطان (‪33‬الرحمن‪)55‬؟‬ ‫أَنْ َت ْنفُ ُذوا منْ أَ ْق َطار الس َم َوات َو ْاألَ ْرض َفا ْنفُ ُذوا َال َت ْنفُ ُذونَ إال ب ُ‬
‫مشاكل لسانية وفلسفية ‪5 -‬‬
‫• لم يتمكن التفسير التقليدي لمعنى الجذر ( َج َننَ ) من توضيح ما ورد في النص القرآني التالي‪ :‬قُلْ‬
‫ض ُه ْم ل َب ْعض‬ ‫س َوا ْلجن َعلَى أَنْ َيأْ ُتوا بم ْثل ه ََذا ا ْلقُ ْرآن َال َيأْ ُتونَ بم ْثله َولَ ْو َكانَ َب ْع ُ‬ ‫اج َت َم َعت ْاإل ْن ُ‬
‫لَئن ْ‬
‫ورا‬‫صر ْف َنا للناس في ه ََذا ا ْل ُق ْرآن منْ ُكلِّ َم َثل َفأ َ َبى أَ ْك َث ُر الناس إال ُكفُ ً‬ ‫يرا (‪88‬اإلسراء‪َ )17‬ولَ َقدْ َ‬ ‫َظه ً‬
‫(‪89‬اإلسراء‪ )17‬فكيف تم توجيه التحدي لالنس والجن واتهامهم بالعجز عن اإلتيان بمثل هذا‬
‫القرآن وان كان بعضهم لبعض ظهيرا؟ فكيف يمكن لهما ان يتظاهرا معا وهما في بعدين مختلفين‬
‫من الخلق؟ اقصد كيف يمكن لهما ان ُينسقا األمر فيما بينهما؟ وكيف يجوز التحدي بما هو ممتنع‬
‫أصال؟‪.‬‬
‫• ثم لماذا ورد في اآليات اعاله االشارة بالتحدي الى االنس والجن معا ثم أُشير إلى ان النص‬
‫القرآني اورد (منْ ُكل ِّ َم َثل) فقط للناس دون الجنّ ؟‪.‬‬
‫• لم يتضح مما هو مشهور كيف تم وصف الجن واالنس بان لهم قلوب واعين وآذان متشابهة كما‬
‫يرا منَ ا ْلجنِّ َو ْاإل ْنس لَ ُه ْم قُلُوب َال َي ْف َق ُهونَ ب َها َولَ ُه ْم أَ ْع ُين َال‬
‫في النص التالي‪َ :‬ولَ َقدْ َذ َر ْأ َنا ل َج َهن َم َكث ً‬
‫ضل أُولَئ َك ُه ُم ا ْل َغافلُونَ‬ ‫ُي ْبص ُرونَ ب َها َولَ ُه ْم َآذان َال َي ْس َم ُعونَ ب َها أُولَئ َك َك ْاألَ ْن َعام َبلْ ُه ْم أَ َ‬
‫(‪179‬األعراف‪)7‬؟‪ .‬ووصفهما معا بأنهما (كاالنعام) فيه تأكيد على الدور المادي للبصر والسمع‬
‫والقلب بما نعرفه عن انفسنا‪.‬‬
‫التصور الجديد ‪1-‬‬
‫هناك عشرات المشاكل األخرى ولكن نكتفي بهذا المقدار ونطرح هنا تصورنا عن معنى‬
‫الجذر ( َج َننَ ) ومشتقاته في النصوص القرآنية المختلفة‪ ،‬مؤكدين أننا نقبل بكل المعاني التي‬
‫نقلناها عن ارباب اللغة وإنها بحاجة فقط ان يجري نظمها في خيط واحد‪ ،‬وإبعاد ما هو‬
‫غريب عنها‪.‬‬
‫تعريفنا للجذر ( َج َننَ ) هو التالي‪:‬‬
‫• طاقة عالية أو مادة ذات طاقة عالية ينبغي السيطرة عليها لتقليل إثرها كما هو الحال في‬
‫الصفات الوراثية المراد تنحيتها وإضعافها أو إلغاء أثرها في الواقع الخارجي لعدم‬
‫مناسبتها لهذا الواقع بحالتها القوية الخالصة وهي جزء من الصفات التي يسميها القرآن‬
‫خالصة فإن آثارها ستكون كبيرة للغاية‪ .‬بمعنى أن هناك صفات‬‫ً‬ ‫(إبليس)‪ .‬وهذه اذا تركت‬
‫انسية أُبلست وهناك صفات جنية اُبلست وبعض ما كان اصله من الصفات الجنية كان‬
‫يتمتع بقوة كبيرة فصعبت عملية بلسه أحيانا‪.‬‬
‫التصور الجديد ‪2 -‬‬

‫الصفات الجن ّية القوية والفعالة تقابل الصفات االنسية الهادئة وغير الفعالة وآدم ُخلطت‬ ‫•‬
‫فيه هذه الصفات وتم تنحية البعض من كال النوعين ليكون متعادال‪.‬‬
‫الجن ُة‪ :‬هم الذين تتفوق فيهم الصفات الجن ّية‪ .‬والحديث قد يكون عن صفات داخلية أو بشر‬ ‫•‬
‫متصفون بها‪.‬‬
‫اإلنس‪ :‬هم الذين تتفوق فيهم الصفات اإلنسية الهادئة‪ .‬والحديث قد يكون عن صفات‬ ‫ُ‬ ‫•‬
‫داخلية أو بشر متصفون بها‪.‬‬
‫الناس‪ :‬هم الذين يجمعون الصفات المختلفة من الجنِّ واإلنس‪.‬‬ ‫•‬
‫جولة مع مشتقات الجذر ( َجنَ َن)‬
‫للتأكد من انسجام المعنى نحاول ان نطبقه على مشتقات الجذر ( َج َننَ ) كما يلي‪:‬‬
‫• جن‪ :‬هو ذلك المخلوق الخفي الهائل القوى والمستور عن حواسنا (قوة هائلة خفية ومستورة) ‪.‬‬
‫• َجنة‪َ ( :‬جن ُة الدنيا) مكان قادر على توليد النبات وانماء الحياة وتزويد الناس بما يحتاجونه منها‬
‫من زرع وثمر وظل وراحة‪( .‬قوة وطاقة فعالة)‬
‫• َجنة‪َ ( :‬جنة اآلخرة) مكان فيه قدرة خارقة لتزويد اعداد كبيرة من المخلوقات بما تشاء (قوة‬
‫هائلة)‪.‬‬
‫• َجنان‪ :‬القلب أو مركز النفس الذي يزود االنسان بما يحتاج من قوة سواء ماديا او معنويا (قوة‬
‫هائلة)‪.‬‬
‫• َجنين‪ :‬قوة حياة قابلة للبقاء والتطور في مكان محدود ومخفي (قوة كبيرة وفعالة ومخفية)‪.‬‬
‫• جنون‪ :‬طاقة كبيرة ُتخرج االنسان عن المألوف (طاقة كبيرة غير مألوفة)‪.‬‬
‫• جين‪ :‬حامل للصفات الوراثية قادر على نقلها من جيل الى جيل (طاقة كبيرة وفعالة)‪.‬‬
‫• ُجنة‪ :‬وهو الدرع او الوقاء‪( ..‬طاقة في دفع الضرر واخفاء لشيئ تحته)‪.‬‬
‫• جنة‪ :‬حالة الجنّ اي الحالة المفردة منه‪( .‬طاقة كبيرة ايضا)‪.‬‬
‫أهم ما يطلقه اللفظ من معنى‬
‫ال بد لنا هنا من االشارة إلى أن لفظ (الجنّ ) الذي نعرفه يوحي بمعانى معينة تكون هي‬
‫األبرز دون سائر المعاني التي اشار اليها علماء اللغة وأرباب المعاجم وهو‪:‬‬

‫النشاط ‪ ..‬القوة االنفجارية ‪ ..‬اإلنفالت ‪ ...‬الطاقة المتراكمة ‪ ..‬التراكم المؤثر ‪ ...‬الفعالية‬


‫الذاتية او الداخلية ‪ ...‬وهكذا ‪...‬‬
‫وهذا أكثر مما يوحيه اللفظ من معنى اإلختفاء والتستر‪ .‬والمالحظ أن كمون الطاقة التي‬
‫نشير إليها في الغالب وعدم قدرتنا من التأكد من وجودها اال حينما تظهر آثارها في الواقع‬
‫الخارجي ‪ ..‬هو الذي أدى بنا إلى اعتبار ان من صفات كلمة ( َج َننَ ) هو االختفاء والتستر‪.‬‬
‫وهللا اعلم‪.‬‬
‫جولة صوتية في كلمات إنجليزية‬
‫• ‪ :Gene‬مورثة او جينة في علم الوراثة‪.‬‬
‫يولد‪( ..‬طاقة على التوليد)‬‫• ‪َ :Generate‬‬
‫• ‪ :Generation‬توليد ‪ ..‬جيل ‪..‬‬
‫• ‪ :Generator‬مولد كهرباء‬
‫• ‪ :Generous‬كريم معطاء (طاقة أكبر من المعتاد على العطاء)‬
‫• ‪ :Genius‬عبقري (طاقة فهم وذكاء غير معتاد)‬
‫• ‪ :Genocide‬إفناء امة ‪ /‬تطهير عرقي‪( .‬طاقة كبيرة إلفناء قوم)‪.‬‬
‫• ‪ :Gentle‬لطيف مهذب (طاقة كبيرة في االلتزام بالذوق)‬
‫• ‪ :Genuine‬أصلي (طاقة خاصة للبقاء مع شروط عالية)‪.‬‬
‫• ‪ :Gin‬مشروب كحولي‪( .‬شراب بطاقة عالية للتأثير في الروح المتحكمة بالنفس)‪.‬‬
‫• ‪ :Jinn‬جن ذلك المخلوق الذي نعرفه‪( .‬وصفناه سابقا)‪.‬‬
‫النص القرآني‬
‫ِّ‬ ‫أمثلة تطبيقية من‬
‫لنبدأ في جولة أشمل للتأكد من تطبيقات المعنى الذي توصلنا إليه ‪ ..‬ولنتأمل أوال في النص التالي‬
‫الذي ينقل لنا المحاورة بين موسى وفرعون‪:‬‬
‫َقال َ ف ْر َع ْونُ َو َما َرب ا ْل َعالَمينَ (‪23‬الشعراء‪َ )26‬قال َ َرب الس َم َوات َو ْاألَ ْرض َو َما َب ْي َن ُه َما إنْ ُك ْن ُت ْم‬
‫ُموقنينَ (‪24‬الشعراء‪َ )26‬قال َ ل َمنْ َح ْولَ ُه أَ َال َت ْس َتم ُعونَ (‪25‬الشعراء‪َ )26‬قال َ َرب ُك ْم َو َرب آ َبائ ُك ُم‬
‫سولَ ُك ُم الذي أ ُ ْرسل َ إلَ ْي ُك ْم لَ َم ْج ُنون (‪27‬الشعراء‪َ )26‬قال َ َرب‬ ‫ْاألَولينَ (‪26‬الشعراء‪َ )26‬قال َ إن َر ُ‬
‫ت إلَ ًها َغ ْيري َألَ ْج َعلَن َك‬ ‫شرق َوا ْل َم ْغرب َو َما َب ْي َن ُه َما إنْ ُك ْن ُت ْم َت ْعقلُونَ (‪28‬الشعراء‪َ )26‬قال َ لَئن ات َخ ْذ َ‬ ‫ا ْل َم ْ‬
‫ت‬ ‫ش ْيء ُمبين (‪30‬الشعراء‪َ )26‬قال َ َفأْت به إنْ ُك ْن َ‬ ‫منَ ا ْل َم ْس ُجونينَ (‪29‬الشعراء‪َ )26‬قال َ أَ َو َل ْو ج ْئ ُت َك ب َ‬
‫صاهُ َفإ َذا ه َي ُث ْع َبان ُمبين (‪32‬الشعراء‪َ )26‬و َن َز َع َيدَ هُ َفإ َذا‬ ‫منَ الصادقينَ (‪31‬الشعراء‪َ )26‬فأ َ ْل َقى َع َ‬
‫ساحر َعليم (‪34‬الشعراء‪ُ )26‬يري ُد‬ ‫ضا ُء للناظرينَ (‪33‬الشعراء‪َ )26‬قال َ ل ْل َم َل َح ْولَ ُه إن ه ََذا لَ َ‬ ‫ه َي َب ْي َ‬
‫أَنْ ُي ْخر َج ُك ْم منْ أَ ْرض ُك ْم بس ْحره َف َم َاذا َتأْ ُم ُرونَ (‪35‬الشعراء‪.)26‬‬
‫• إتهام بالجنون ومواصلة المحاورة‪.‬‬
‫• مطالبة بدليل على صدقه في إدعاء الرسول ّية‪.‬‬
‫• إتهام بالقابلية على اإلتيان بسحر بعد اإلتهام بالجنون وهذا ال يتناسب ومفهوم المخبول‪.‬‬
‫النص القرآني‬
‫ِّ‬ ‫أمثلة تطبيقية من‬
‫ولنأخذ المقارنة بين الجمود والفعالية في النص اآلخر التالي‪:‬‬
‫َف َذ ِّك ْر َف َما أَ ْن َ‬
‫ت بن ْع َمة َر ِّب َك ب َكاهن َو َال َم ْج ُنون (‪29‬الطور‪.)52‬‬
‫• مطلوب من الرسول الكريم ان ُيذ ِّك َر الناس سيما وهو معتدل ليس بالداعي الى الجمود والوقوف‬
‫والسلفية وال الى الفعالية المنفلتة من كل عقال‪ .‬وحتى يتضح المعنى دعونا نتحرى معنى‬
‫(الكاهن) ‪.‬‬
‫• يقول الراغب االصفهاني المتوفي سنة (‪ 502‬هـ)‪ :‬الكاهن‪ :‬هو الذي يخبر باألخبار الماضية‬
‫الخفية بضرب من الظن‪.‬‬
‫الخبر عن‬
‫َ‬ ‫• ويقول ابن منظور المتوفي سنة (‪ 711‬هـ) في لسان العرب‪ :‬الكاهنُ الذي َيتعاطي‬
‫الكائنات في مستقبل الزمان ويدعي معرفة األَسرار‪( .‬انتهى) (بمعنى انه يخبر عن الغيب نتيجة‬
‫معرفة طويلة)‪.‬‬
‫ومن الملفت ان كلمة (كهن) في اللغة الفارسية تعني (القديم) او الماضي عليه وقت طويل‪.‬‬
‫وفي اللغة العربية اليوم نقول‪ :‬يتكهن أو تكهنات لنشير الى محاولة ظن ّية لمعرفة الغيب‪.‬‬
‫وهذا يوضح ان معنى (الكهن) هو‪ :‬الثبات على حال لفترة طويلة والجمود عليها وترك النشاط‬
‫والفعالية‪.‬‬
‫النص القرآني‬
‫ِّ‬ ‫أمثلة تطبيقية من‬
‫عليه يكون المراد من المقولة ( َف َما أَ ْن َت بن ْع َمة َر ِّب َك ب َكاهن َو َال َم ْج ُنون) في اآلية هو نفي‬
‫التطرف عن الرسول الكريم باالتجاهين االتجاه الداعي الى السلفية والجمود والخمول‬
‫والبقاء على حال واحد واآلخر الداعي الى الفعالية غير العادية والمنفلتة من كل عقال‪.‬‬

‫واألمر يتكرر في سورة الحا ّقة فيقول ‪:‬‬


‫سول‬‫َف َال أ ُ ْقس ُم ب َما ُت ْبص ُرونَ (‪38‬الحا ّقة‪َ )69‬و َما َال ُت ْبص ُرونَ (‪39‬الحا ّقة‪ )69‬إن ُه لَ َق ْول ُ َر ُ‬
‫شاعر َقل ًيال َما ُت ْؤم ُنونَ (‪41‬الحا ّقة‪َ )69‬و َال ب َق ْول َكاهن‬ ‫َكريم (‪40‬الحا ّقة‪َ )69‬و َما ه َُو ب َق ْول َ‬
‫َقل ًيال َما َت َذك ُرونَ (‪42‬الحا ّقة‪َ )69‬ت ْنزيل منْ َر ِّب ا ْل َعالَمينَ (‪43‬الحا ّقة‪.)69‬‬
‫والشاعر هو المتميز بفرط قدرته على االحساس بالمشاعر وقدرته على مخاطبة المشاعر‬
‫والتأثير باآلخرين من خالل ذلك ‪ ..‬وهو في النص القرآني اشارة الى كل انواع القادة من‬
‫السياسيين والطامحين الى السيطرة على اآلخرين والتأثير فيهم والشعراء بمفهومنا الحالي‬
‫جزء يسير منهم‪.‬‬
‫الشعراء يَتَّبِ ُع ُه ُم الغاوون‬
‫الحظوا النص التالي‪:‬‬
‫• َهلْ أ ُ َن ِّب ُئ ُك ْم َعلَى َمنْ َت َنزل ُ الش َياطينُ (‪221‬الشعراء‪َ )26‬ت َنزل ُ َعلَى ُكلِّ أَفاك أَثيم‬
‫اوونَ‬ ‫(‪222‬الشعراء‪ُ )26‬ي ْلقُونَ الس ْم َع َوأَ ْك َث ُر ُه ْم َكاذ ُبونَ (‪223‬الشعراء‪َ )26‬والش َع َرا ُء َيتب ُع ُه ُم ا ْل َغ ُ‬
‫(‪224‬الشعراء‪ )26‬أَلَ ْم َت َر أَن ُه ْم في ُكلِّ َواد َيهي ُمونَ (‪225‬الشعراء‪َ )26‬وأَن ُه ْم َيقُولُونَ َما َال‬
‫ص ُروا منْ َب ْعد‬ ‫يرا َوا ْن َت َ‬ ‫َي ْف َعلُونَ (‪226‬الشعراء‪ )26‬إال الذينَ آ َم ُنوا َو َعملُوا ٱلص ٰـل ٰ َحت َو َذ َك ُروا َ‬
‫هللا َكث ً‬
‫س َي ْعلَ ُم الذينَ َظلَ ُموا أَي ُم ْن َقلَب َي ْن َقل ُبونَ (‪227‬الشعراء‪.)26‬‬ ‫َما ُظل ُموا َو َ‬
‫فاآليات توضح صفات الرواد في المجتمع ومن يندفعون الى االمام للتأثير في اآلخرين ولكنهم في‬
‫الغالب يسخرون هذه االمكانيات لمصالحهم الشخصية كونهم كاذبين وال يستقرون على قضية‬
‫ويتابعونها بصدق اال بعض منهم والذين يوصفون بانهم‪:‬‬
‫‪ .1‬آ َم ُنوا َو َعملُوا ٱلص ٰـل ٰ َحت‪.‬‬
‫‪َ .2‬و َذ َك ُروا َ‬
‫هللا َكث ً‬
‫يرا‪.‬‬
‫ص ُروا منْ َب ْعد َما ُظل ُموا‪ .‬وهذه ليست صفات من نعرفهم على انهم شعراء وانما هي‬ ‫‪َ .3‬وا ْن َت َ‬
‫صفات اناس يكافحون ويجاهدون من اجل مواجهة الظلم‪.‬‬
‫النص القرآني‬
‫ِّ‬ ‫أمثلة تطبيقية من‬
‫اس أُم ًة َواح َد ًة َو َال‬ ‫شا َء َرب َك لَ َج َعل َ الن َ‬ ‫لنتأمل ايضا ما أحار المفسرين في النص التالي‪َ :‬ولَ ْو َ‬
‫َي َزالُونَ ُم ْخ َتلفينَ (‪118‬هود‪ )11‬إال َمنْ َرح َم َرب َك َول َذل َك َخلَ َق ُه ْم َو َتم ْت َكل َم ُة َر ِّب َك َألَ ْم َلَن َج َهن َم‬
‫منَ ا ْلجنة َوالناس أَ ْج َمعينَ (‪119‬هود‪.)11‬‬
‫• لم يتعرض كثير من المفسرين الذين طالعت تفاسيرهم الى مشكلة أساسية في هذا النص‬
‫وهي مقولة (أَ ْج َمعينَ ) التي توحي بان اإلدخال الى جهنم يشمل جميع الناس فكأن القائل‬
‫يقول‪َ ( :‬ألَ ْم َلَن َج َهن َم منَ ا ْلجنة) ثم يتابع فيقول (وألملنها من الناس اجمعين)‪.‬‬
‫• ويبدو لي أن (أَ ْج َمعينَ ) تعود على (ا ْلجنة َوالناس) معا وبالتحديد على تلك الفئة التي‬
‫تستحق جهنم وهي بعض من (الجنة والناس) والمشمولون بقوله (منَ ا ْلجنة َوالناس)‬
‫بمعنى ان المشمولين بقرار االدخال الى جهنم قد يكونون من (الجنة) ومن (الناس)‪.‬‬
‫• هذا يوضح لنا ان (الجنة) قد يكون منهم الطالحون ومنهم الصالحون و(الناس) ايضا منهم‬
‫الطالحون ومنهم الصالحون‪ .‬وهذا يعني ايضا بانه ال فرق في التعامل مع النوعين‪.‬‬
‫النص القرآني‬
‫ِّ‬ ‫أمثلة تطبيقية من‬
‫ولنتأمل أيضا النص الذي يشير الى تزايد طاقة المادة السوداء في النص التالي‪َ :‬و َك َذل َك ُنري‬
‫وت الس َم َوات َو ْاألَ ْرض َول َي ُكونَ منَ ا ْل ُموقنينَ (‪75‬األنعام‪َ )6‬فلَما َجن َعلَ ْيه الل ْيل ُ‬ ‫إ ْب َراهي َم َملَ ُك َ‬
‫َرأَى َك ْو َك ًبا َقال َ َه َذا َر ِّبي َفلَما أَ َفل َ َقال َ َال أُحب ْاآلفلينَ (‪76‬األنعام‪.)6‬‬
‫• َجن ‪ :‬هنا تعني تراكم يفوق قدرة الواقع وما يعبر عن طاقة متزايده وفعالة تؤثر في‬
‫الواقع بشكل كبير للغاية‪ .‬فطاقة المادة المظلمة او الظالم هي التي تبرز في ذهن ابراهيم‬
‫حدود طاقة الشمس والقمر والكواكب األخرى‪ ،‬فيرى من خاللها جميعا ملكوت السموات‬
‫واالرض‪.‬‬
‫• عليه ال حاجة بنا هنا لتصور معنى مختلف للجذر او للمشتقة فهي تبقى تدور في نفس‬
‫الفلك واالطار‪.‬‬
‫النص القرآني‬
‫ِّ‬ ‫أمثلة تطبيقية من‬
‫ومن النصوص التي تصبح واضحة وال تحتاج الى جهد كبير في تأويلها النص التالي‪:‬‬
‫ي َآالء َر ِّب ُك َما ُت َك ِّذ َبان‬ ‫ات الط ْرف لَ ْم َي ْطم ْث ُهن إ ْنس َق ْبلَ ُه ْم َو َال َجان (‪56‬الرحمن‪َ )55‬فبأ َ ِّ‬ ‫فيهن َقاص َر ُ‬
‫ي َآالء َر ِّب ُك َما ُت َك ِّذ َبان‬ ‫وت َوا ْل َم ْر َجانُ (‪58‬الرحمن‪َ )55‬فبأ َ ِّ‬ ‫(‪57‬الرحمن‪َ )55‬كأَن ُهن ا ْل َياقُ ُ‬
‫ي َآالء َر ِّب ُك َما ُت َك ِّذ َبان‬ ‫سانُ (‪60‬الرحمن‪َ )55‬فبأ َ ِّ‬ ‫سان إال ْاإل ْح َ‬
‫(‪59‬الرحمن‪َ )55‬هلْ َج َزا ُء ْاإل ْح َ‬
‫ي َآالء َر ِّب ُك َما ُت َك ِّذ َبان (‪63‬الرحمن‪)55‬‬ ‫(‪61‬الرحمن‪َ )55‬ومنْ دُونه َما َجن َتان (‪62‬الرحمن‪َ )55‬فبأ َ ِّ‬
‫اخ َتان‬ ‫ي َآالء َر ِّب ُك َما ُت َك ِّذ َبان (‪65‬الرحمن‪ )55‬فيه َما َع ْي َنان َنض َ‬ ‫ُمدْ هَام َتان (‪64‬الرحمن‪َ )55‬فبأ َ ِّ‬
‫ي َآالء َر ِّب ُك َما ُت َك ِّذ َبان (‪67‬الرحمن‪ )55‬فيه َما َفاك َهة َو َن ْخل َو ُرمان‬ ‫(‪66‬الرحمن‪َ )55‬فبأ َ ِّ‬
‫سان (‪70‬الرحمن‪)55‬‬ ‫ي َآالء َر ِّب ُك َما ُت َك ِّذ َبان (‪69‬الرحمن‪ )55‬فيهن َخ ْي َرات ح َ‬ ‫(‪68‬الرحمن‪َ )55‬فبأ َ ِّ‬
‫ي َآالء‬ ‫ورات في ا ْلخ َيام (‪72‬الرحمن‪َ )55‬فبأ َ ِّ‬ ‫ي َآالء َر ِّب ُك َما ُت َك ِّذ َبان (‪71‬الرحمن‪ُ )55‬حور َم ْق ُ‬
‫ص َ‬ ‫َفبأ َ ِّ‬
‫ي َآالء َر ِّب ُك َما‬ ‫َر ِّب ُك َما ُت َك ِّذ َبان (‪73‬الرحمن‪ )55‬لَ ْم َي ْطم ْث ُهن إ ْنس َق ْبلَ ُه ْم َو َال َجان (‪74‬الرحمن‪َ )55‬فبأ َ ِّ‬
‫ُت َك ِّذ َبان (‪75‬الرحمن‪.)55‬‬
‫• التعبير (لَ ْم َي ْطم ْث ُهن إ ْنس َق ْبلَ ُه ْم َو َال َجان ) تكرر مرتين بطريقة مختلفة في هذا المقطع وبما ال‬
‫يمكن تأويله والعبور منه ولكن مع التصور الجديد وجعل الفريقين بشر أو ناس يصبح المعنى‬
‫واضحا للغاية‪ .‬وان كان التصور عن معنى الطمث مختلف في المنهج اللفظي الترتيلي ولكن االمر‬
‫غير مختلف بالنسبة للجن واالنس فكالهما سواء في حالة التمتع بما لم يطمثه قبلهم احد من‬
‫جنسهم‪.‬‬
‫• والجان‪ :‬واحد الجن ‪ ..‬كما هو االنسان‪ :‬واحد االنس‪.‬‬
‫الجن‬
‫ِّ‬ ‫نهاية القسم األول من موضوع‬
‫أتصور ان الوقت ال يسمح بالمزيد من التطببيقات لذا وحتى ال تضيع علينا الفائدة نوكل‬
‫الباقي الى المحاضرة المقبلة والتي ستكون األخيرة بإذن هللا تعالى والتي سنحاول فيها‬
‫تسليط الضوء على التطبيقات التالية في موضوع الجن‪:‬‬
‫• معشر اإلنس والجن‪.‬‬
‫• واعتمادا على موضوع (المعشر) سنفهم معنى (العشار التي عطلت) في سورة التكوير‪.‬‬
‫• تحدي القرآن الكريم لالنس والجن مجتمعين وكيف يكون ذلك؟‪.‬‬
‫• شواظ النار والنحاس‪.‬‬
‫• االنس والجن في قصة سليمان‪.‬‬
‫وهللا الموفق وله الحمد في االولى واآلخرة‪.‬‬

You might also like