You are on page 1of 31

‫قراءة منهجية جديدة في النص القرآني‬

‫تطبيقات‬
‫إبليس والشيطان والجن ‪6 -‬‬
‫قصي الموسوي‬
‫هذه المحاضرة أُلقيت بتاريخ‬
‫‪ 19‬ديسمبر ‪2014‬‬
‫الجن ‪ -‬القسم الثاني‬
‫ّ‬
‫• تعرضنا في المحاضر ة السابقة والتي كانت الخامسة في الترتيب من بين ست محاضرات‬
‫خصصناها لفهم االلفاظ المفتاحية الثالث‪ :‬إبليس والشيطان والجن‪ ،‬الى مفهوم الجذر‬
‫وملخص ما عرضناه في المحاضرة السابقة‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫( َج َننَ ) وامور اخرى‪،‬‬
‫‪ .1‬الفهم التقليدي المأثور عن الجن ؤسواء عند المفسرين او علماء اللغة‪.‬‬
‫‪ .2‬استعرضنا بعض المشاكل التي يثيرها التصور التقليدي‪.‬‬
‫‪ .3‬حاولنا ان نقوم بعملية نظم للمعاني المطروحة في معاجم اللغة فتوصلنا الى التالي‪:‬‬
‫• أنَّ لفظ (الجن) الذي نعرفه يوحي بمعانى ابرز من سائر المعاني التي اشار اليها علماء‬
‫اللغة وارباب المعاجم وهي‪ :‬النشاط ‪ ..‬القوة االنفجارية ‪ ..‬الكثرة المؤثرة ‪ ...‬الفعالية ‪...‬‬
‫النارية ‪ ...‬الشدة ‪ ...‬التميز ت َّم تاتي المعاني التي اشاروا اليها من قبيل‪ :‬االختفاء ‪...‬‬
‫الكمون ‪ ...‬التستر ‪ ...‬وهكذا‪.‬‬
‫• وعلى هذا االساس تم َّكنا من فهم الخيط الناظم للمعاني التالية‪ :‬الجان ‪ /‬الجن‪ /‬الجنة‪/‬‬
‫الجنان‪ /‬الجين‪َ /‬جنَّ الليل‪ /‬وهكذا فكلها في الحقيقة تشير الى صفات قوية‬ ‫الجنون‪ /‬ال ُج َّنة‪َ /‬‬
‫ومؤثرة وفعالة ومتكاثرة بشكل مؤثر ‪..‬‬
‫الجن ‪1-‬‬
‫ُّ‬ ‫تصورنا الجديد عن مفهوم‬

‫• ثم طرحنا تصورنا الجديد عن (الجن) وقلنا أ َّنه يمثل‪ :‬الصفات النارية والقوية والفعالة‬
‫تكون االنسان العاقل الذي انتهى الى‬
‫التي خلقت في مرحلة سابقة في بعض االجناس التي َّ‬
‫االنسان المعاصر منها ومن غيرها من اجل تزويده بما يكفي من الطاقة والفعالية والرغبة‬
‫في مواصلة الحياة والقدرة على الدفاع عنه نفسه واثبات وجوده‪.‬‬

‫• واشرنا كذلك إلى انَّ عملية الخلط بين االنواع البشرية المختلفة والتي يمكن ان تص َّنف في‬
‫مجموعتين رئيسيتين هما‪ :‬الجن واالنس تمت بعد ان ت َّم خلق انواع من الجن قوية وفعالة‬
‫وعنيفة وأنواع من االنس هادئة وذات فعالية منخفضة‪.‬‬
‫الجن ‪2 -‬‬
‫ُّ‬ ‫تصورنا الجديد عن مفهوم‬
‫• وكانت نتيجة المزج بين النوعين ان تكون االنسان العاقل الذي يحمل النوعين من الصفات‬
‫فاذا ظهرت فيه الصفات الجن َّية وحدها أحيانا صدرت عنه امور تفوق النمط االعتيادي‬
‫سواء سلبا او ايجابا‪.‬‬
‫• وان صدرت عنه الصفات االنسية مجردة عن قوة الصفات الجنية كان طيعا قابال لالستعباد‬
‫مسالما بشكل ملفت‪ .‬مع التأكيد على ان لكال النوعين سيئاته وحسناته‪.‬‬
‫• اما اذا تفعل فيه النوعان من الصفات بشكل متوازن أمكن ان ينتج اإلنسان الذي تطمح‬
‫اليه كافة الشعوب والمتميز بقدراته العالية وبتحضره الرفيع‪ .‬بعد ان يكون هو المسطير‬
‫على كل الصفات ‪ -‬سواء الجن َّية منها أو االنسية ‪ -‬والمفعل لها في اي وقت يشاء‪ ،‬ودون‬
‫ان يكون لذلك اي أثر مخرب‪.‬‬
‫التطبيقات‬
‫بعد ذلك بدأنا بمحاولة تطبيق المعنى الذي قدمناه كفرضية على اآليات التي وردت فيها‬
‫مشتقات ( َج َننَ ) فحاولنا مع االمثلة التالية‪:‬‬
‫• اشارة النص القرآني الى مخلوقات (لَم َيطمِث ُهنَّ إِنس َقبلَ ُهم َو َال َجان (‪74‬الرحمن‪.))55‬‬
‫سولَ ُك ُم ا َّل ِذي أُرسِ ل َ إِلَي ُكم لَ َمج ُنون‬ ‫• معنى المجنون المشار اليه في النص التالي ( َقال َ إِنَّ َر ُ‬
‫(‪27‬الشعراء‪.))26‬‬
‫• معنى شمول الج َّن ِة والناس بالوعيد بجهنم من قول النص (إِ َّال َمن َر ِح َم َرب َك َولِ َذلِ َك َخلَ َق ُهم‬
‫اس أَج َمعِينَ (‪119‬هود‪.))11‬‬ ‫َو َت َّمت َكلِ َم ُة َرب َك ََلَم ََلَنَّ َج َه َّن َم مِنَ ال ِج َّن ِة َوال َّن ِ‬
‫• معنى اجتنان الليل في النص القرآني ( َفلَ َّما َجنَّ َعلَي ِه اللَّيل ُ َرأَى َكو َك ًبا َقال َ َه َذا َربي َفلَ َّما أَ َفل َ‬
‫َقال َ َال أُحِب اآلفِلِينَ (‪76‬اَلنعام‪.))6‬‬
‫اليوم نتابع تطبيق المعنى على المزيد من اآليات‬
‫لنتأمل النصوص التالية التي تتحدث عن عشرة االنس والجن معا‪:‬‬
‫س َو َقال َ أَولِ َياؤُ هُم مِنَ اإلِن ِ‬
‫س َر َّب َنا‬ ‫ش َر ال ِجن َق ِد اس َتك َثر ُتم مِنَ اإلِن ِ‬ ‫ش ُرهُم َجمِي ًعا َيا َمع َ‬ ‫• َو َيو َم َيح ُ‬
‫شا َء‬ ‫ض َنا ِب َبعض َو َب َلغ َنا أَ َجلَ َنا الَّذِي أَ َّجل َت لَ َنا َقال َ ال َّنا ُر َمث َوا ُكم َخالِ ِدينَ فِي َها إِ َّال َما َ‬‫اس َتم َت َع َبع ُ‬
‫ّللا ُ إِنَّ َر َّب َك َحكِيم َعلِيم (‪128‬اَلنعام‪)6‬‬ ‫َّ‬
‫اء َيو ِم ُكم َه َذا‬ ‫سل مِن ُكم َيقُصونَ َعلَي ُكم آ َياتِي َو ُين ِذ ُرو َن ُكم لِ َق َ‬ ‫س أَلَم َيأتِ ُكم ُر ُ‬ ‫جن َواإلِن ِ‬ ‫ش َر ال ِ‬ ‫• َيا َمع َ‬
‫ش ِهدُوا َعلَى أَنفُسِ ِهم أَ َّن ُهم َكا ُنوا َكاف ِِرينَ‬ ‫ش ِهد َنا َعلَى أَنفُسِ َنا َو َغ َّرت ُه ُم ال َح َياةُ الدن َيا َو َ‬ ‫َقالُوا َ‬
‫(‪130‬اَلنعام‪)6‬‬
‫ض َفانفُ ُذوا َال‬ ‫ت َواَلَر ِ‬ ‫س َم َوا ِ‬ ‫ار ال َّ‬‫س إِ ِن اس َت َطع ُتم أَن َتنفُ ُذوا مِن أَق َط ِ‬ ‫جن َواإلِن ِ‬ ‫ش َر ال ِ‬ ‫• َيا َمع َ‬
‫سل َطان (‪33‬الرحمن‪.)55‬‬ ‫َتنفُ ُذونَ إِ َّال ِب ُ‬
‫نحتاج هنا ان نتعرف على معنى (معشر) فهي كلمة مفتاحية ستساعدنا على استيضاح معنى‬
‫توجيه الخطاب الى االنس والجن معا‪.‬‬
‫مناقشة النص األول‬
‫لنأخذ النص اَلول والثاني وهما في السياق‪:‬‬
‫س َو َقال َ أَولِ َياؤُ هُم مِنَ اإلِن ِ‬
‫س َر َّب َنا اس َتم َت َع‬ ‫ش َر ال ِجن َق ِد اس َتك َثر ُتم مِنَ اإلِن ِ‬ ‫ش ُرهُم َجمِي ًعا َيا َمع َ‬ ‫َو َيو َم َيح ُ‬
‫اء َّ‬
‫ّللاُ إِنَّ َر َّب َك َحكِيم‬ ‫ش َ‬ ‫ض َنا بِ َبعض َو َبلَغ َنا أَ َجلَ َنا الَّذِي أَ َّجل َ‬
‫ت لَ َنا َقال َ ال َّنا ُر َمث َوا ُكم َخالِدِينَ فِي َها إِ َّال َما َ‬ ‫َبع ُ‬
‫ضا ِب َما َكا ُنوا َيكسِ ُبونَ (‪129‬اَلنعام‪َ )6‬يا َمع َ‬
‫ش َر‬ ‫ض ال َّظالِمِينَ َبع ً‬‫َعلِيم (‪128‬اَلنعام‪َ )6‬و َك َذلِ َك ُن َولي َبع َ‬
‫ش ِهد َنا َعلَى‬ ‫اء َيو ِم ُكم ه ََذا َقالُوا َ‬
‫سل مِن ُكم َيقُصونَ َعلَي ُكم آ َياتِي َو ُين ِذ ُرو َن ُكم لِ َق َ‬ ‫س أَلَم َيأتِ ُكم ُر ُ‬ ‫ال ِجن َواإلِن ِ‬
‫ش ِهدُوا َعلَى أَنفُسِ ِهم أَ َّن ُهم َكا ُنوا َكاف ِِرينَ (‪130‬اَلنعام‪َ )6‬ذلِ َك أَن لَم َي ُكن‬ ‫أَنفُسِ َنا َو َغ َّرت ُه ُم ال َح َياةُ الدن َيا َو َ‬
‫َرب َك ُمهلِ َك القُ َرى ِب ُظلم َوأَهلُ َها َغافِلُونَ (‪131‬اَلنعام‪.)6‬‬
‫• اآليات تشير الى ان هناك تعاشر بين االثنين‪ .‬والتعاشر مما يصعب تصوره بين جنسين مختلفين‪.‬‬
‫• المعشر يعني‪ :‬تلك المجموعة من النوع الواحد او الجنس الواحد والتي تعيش مختلطة مع بعضها‬
‫البعض وفي العادة تستقوي ببعضها البعض وتعتمد على بعضها البعض‪.‬‬
‫• فكيف يمكن ان يكون هناك اختالط بين جنسين مختلفين؟ هذا ما ينبغي االجابة عنه بطريقة‬
‫مختلفة عما توارثناه‪.‬‬
‫ش َر) ‪1 -‬‬
‫وقفة مع معنى ( َع َ‬
‫شر) عبر محاولة فهم معنى الجذر‬ ‫دعونا إذا نبدأ رحلتنا في البحث عنى معنى كلمة (المع َ‬
‫الذي تعود اليه‪.‬‬
‫يقول ابن فارس المتوفي سنة (‪ 395‬هـ ) في معجم مقاييس اللغة‪:‬‬
‫أصالن صحيحان‪ :‬أحدهما في عدد معلوم ثم يحمل عليه غي ُره‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫• العين والشين والراء‬
‫مداخلة و ُمخالَطة‪.‬‬
‫َ‬ ‫واآلخر يدل على‬‫َ‬
‫شرة‪ .‬و َعشِ ي ُرك‪:‬‬‫والمداخلة فالعِشرة والمعا َ‬
‫َ‬ ‫• واضاف‪ :‬فأ َّما اَلصل َ‬
‫اآلخر ال َّدال على المخالطة‬
‫الذي يعاش ُرك‪ ... ،‬قال‪ :‬وإنما سميت َعشِ يرة الر ُجل لمعاشر ِة بعضهم بعضا ً‪ ،‬ح َّتى الزو ُ‬
‫ج‬
‫عشي ُر امرأتِه‪.‬‬
‫شر‪ :‬كل جماعة أم ُرهم واحد‪ ،‬نحو معشر المسلمين‪ ،‬واإلنس معشر‬ ‫• وقال‪ :‬قال‪ :‬وال َمع َ‬
‫شر َنبت‪( .‬إنتهى)‬
‫والجن َمعشر‪ ،‬والجمع َمعاشِ ر‪ .‬وال ُع َ‬
‫شر وال يتحقق ال َعش ُر اال باالتصال‬ ‫• المالحظ أنَّ المخالطة والمداخلة اصل ثابت لمعنى ال َع ِ‬
‫عشر ًة) إذا تفرقت افراده! أو نقص منها أحدهم‪.‬‬ ‫المستمر المتواصل فالعدد عشرة ال يبقى ( َ‬
‫ش َر) ‪2-‬‬
‫وقفة مع معنى ( َع َ‬
‫وعلى اساس ذلك سميت المجموعة التي يكون االنسان جزءا مستمرا منها (عشيرته)‬
‫وسميت المرأة كما اوردنا عن ابن فارس (عشيرة) للرجل وارباب اللغة يرون االختالط‬
‫المستمر والمتواصل اصال في تحقيق مفهوم المعاشرة‪.‬‬
‫معنى جديداً لآليات التالية فتكون أوضح واسهل‬ ‫ً‬ ‫الى ذلك يكون يمكننا اآلن ان نفترض‬
‫للفهم‪:‬‬
‫سي َرت‬ ‫س ُكو َرت (‪1‬التكوير‪َ )81‬وإِ َذا الن ُجو ُم ان َك َد َرت (‪2‬التكوير‪َ )81‬وإِ َذا ال ِج َبال ُ ُ‬ ‫شم ُ‬ ‫• إِ َذا ال َّ‬
‫وش ُحشِ َرت (‪5‬التكوير‪)81‬‬ ‫شا ُر ُعطلَت (‪4‬التكوير‪َ )81‬وإِ َذا ال ُو ُح ُ‬ ‫(‪3‬التكوير‪َ )81‬وإِ َذا ال ِع َ‬
‫وس ُزو َجت (‪7‬التكوير‪َ )81‬وإِ َذا ال َمو ُءو َدةُ‬ ‫سج َرت (‪6‬التكوير‪َ )81‬وإِ َذا النفُ ُ‬ ‫َوإِ َذا ال ِب َحا ُر ُ‬
‫ف ُنشِ َرت (‪10‬التكوير‪)81‬‬ ‫سئِلَت (‪8‬التكوير‪ِ )81‬بأَي َذنب قُتِلَت (‪9‬التكوير‪َ )81‬وإِ َذا الص ُح ُ‬ ‫ُ‬
‫سع َرت (‪12‬التكوير‪َ )81‬وإِ َذا ال َج َّن ُة‬ ‫س َما ُء ُكشِ َطت (‪11‬التكوير‪َ )81‬وإِ َذا ال َجحِي ُم ُ‬ ‫َوإِ َذا ال َّ‬
‫ض َرت (‪14‬التكوير‪.)81‬‬ ‫أُزلِ َفت (‪13‬التكوير‪َ )81‬علِ َمت َنفس َما أَح َ‬
‫ال ِعشار المعطلة! ‪1 -‬‬
‫ورد في تفسير عبارة ( َوإِ َذا ال ِع َ‬
‫شا ُر ُعطلَت) قول متطابق تقريبا وانقل النص التالي كنموذج على هذا الفهم ‪:‬‬

‫• الزمخشري‪ :‬والعشار في جمع عشراء‪ ،‬كالنفاس في جمع نفساء‪ :‬وهي التي أتى على حملها عشرة‬
‫أشهر‪ ،‬ثم هو اسمها إلى أن تضع لتمام السنة‪ ،‬وهي أنفس ما تكون عند أهلها وأعزها { ُعطلَت } تركت‬
‫مسيبة مهملة‪ .‬وقيل‪ :‬عطلها أهلها عن الحلب والصر‪ ،‬الشتغالهم بأنفسهم‪.‬‬

‫• الطباطبائي‪ { :‬وإذا العشار عطلت } قيل‪ :‬العشار جمع عشراء كالنفاس جمع نفساء وهي الناقة الحامل‬
‫التي أتت عليها عشرة أشهر فتسمى عشراء حتى تضع حملها وربما سميت عشراء بعد الوضع أيضا ً‬
‫وهي من أنفس المال عند العرب‪.‬‬
‫• وتعطيل العشار تركها مهملة ال راعي لها وال حافظ يحفظها وكأن في الجملة إشارة على نحو الكناية إلى‬
‫أن نفائس اَلموال التي يتنافس فيها االنسان تبقى اليوم وال صاحب لها يتملكها ويتصرف فيها َلنهم‬
‫مشغولون بأنفسهم عن كل شيء‪.‬‬

‫• الرازي‪ :‬العشار ُعطلت‪ :‬كناية عن السحاب تعطلت عما فيها من الماء‪ ،‬وهذا وإن كان مجازاً إال أنه أشبه‬
‫بسائر ما قبله‪ ،‬وأيضا ً فالعرب تشبه السحاب بالحامل‪.‬‬
‫ال ِعشار المعطلة! ‪2 -‬‬
‫التفسير يبدو مضطرب وغير مقنع لالسباب التالية‪:‬‬
‫• الحديث عن آيات كبيرة وخطيرة من قبيل تكوير الشمس وانكدار النجوم وتسيير الجبال‬
‫فما قيمة النوق؟‬
‫• لو كانت االشارة الى النوق قد جاءت في البداية كمقدمة لهذا الموضوع الكبير والخطير‬
‫المكن القبول بهذا التفسير‪ ،‬ولكن ان يأتي بين انكدار النجوم وتسيير الجبال من جهة‬
‫وحشر الوحوش من جهة ثانية فهذا على درجة كبيرة من الغرابة‪.‬‬
‫• حتى لو قبلنا بذلك فلماذا يستخدم لفظ ( ُعطلَت) للتعبير عن اإلهمال؟ وكلمة اإلهمال عربية‬
‫وموجودة؟‬
‫• ُث َّم هل المهم بالنسبة لالنسان الذي يرى هذه اآليات العظمى وهي تتوالي بحيث َّ‬
‫تكور‬
‫الشمس وتنكدر النجوم وتسير الجبال امر ناقته ام أهله وولده؟ فلماذا لم تشر اآليات الى‬
‫اَلهل والولد؟‬
‫ال ِعشار المعطلة! ‪3 -‬‬
‫حمل الناقة التي‬ ‫ِ‬ ‫العشرة من أشهر‬ ‫شا ُر) وهو تعبير عن َ‬ ‫• كذلك يحق لنا ان نسأل لماذا اع ُت ِب َر (ال ِع َ‬
‫يتراوح حملها بين ‪ 12‬و‪ 14‬شهرا أمرا مهما؟‬
‫• وهل ان وجود الناقة كان في علم ّللا تعالى حتميا في حياة الناس على مدى الدهور حتى يربط‬
‫اآليات التي تشير كما يقولون الى قيام القيامة؟ أم أن الجزيرة العربية وارتباط ثقافتها بالنوق‬
‫امور على خطورة تتساوق مع خطورة اآليات الكبرى التي اشارت اليها اآليات؟ ‪.‬‬
‫يبدو اننا بحاجة الى حل لهذه المسألة حتى نواصل محاولة فهم لفظ (المعشر) التي استخدمت في‬
‫االشارة الى الجن واالنس معا‪.‬‬
‫الحل الذي اوصلنا اليه المنهج اللفظي الترتيلي هو ان العِشار هنا وانسجاما مع المعنى الذي تمسك‬
‫به اللغويون هو‪( :‬العالقات القائمة على المخالطة القوية والطويلة) فيكون معنى تعطيل العالقات‬
‫الحميمية‪ ،‬ان االنسان ال يمتلك في تلك الساعة اية امكانية لالرتباط باهله وناسه أو توظيف تلك‬
‫العالقات لمصلحته‪ ،‬فهذه العالقات تتعطل تماما كما هو المشار اليه في النص اآلخر‪:‬‬
‫صي َح ًة َواحِدَ ًة َتأ ُخ ُذهُم َوهُم َيخِص ُمونَ (‪49‬يس‪َ )36‬ف َال َيس َتطِ ي ُعونَ َتوصِ َي ًة َو َال إِلَى‬ ‫َما َين ُظ ُرونَ إِ َّال َ‬
‫ث إِلَى َرب ِهم َينسِ لُونَ (‪51‬يس‪.)36‬‬ ‫ور َفإِ َذا هُم مِنَ اَلَجدَ ا ِ‬
‫أَهلِ ِهم َير ِج ُعونَ (‪50‬يس‪َ )36‬و ُنف َِخ فِي الص ِ‬
‫ال ِعشار المعطلة! ‪4 -‬‬
‫• هكذا يكون النص اكثر انسجاما فيتحدث عن آيات كونية كبرى بينها هذه اآليات‪:‬‬
‫وش ُحشِ َرت (‪5‬التكوير‪َ )81‬وإِ َذا ال ِب َحا ُر‬ ‫شا ُر ُعطلَت (‪4‬التكوير‪َ )81‬وإِ َذا ال ُو ُح ُ‬‫• َوإِ َذا ال ِع َ‬
‫سئِلَت‬ ‫وس ُزو َجت (‪7‬التكوير‪َ )81‬وإِ َذا ال َمو ُءو َدةُ ُ‬ ‫سج َرت (‪6‬التكوير‪َ )81‬وإِ َذا النفُ ُ‬ ‫ُ‬
‫(‪8‬التكوير‪ِ )81‬بأَي َذنب قُتِلَت (‪9‬التكوير‪.)81‬‬

‫• فتنقطع العالقات االنسانية وتتعطل وتنتهي المحسوبية والمنسوبية وينتهي تأثير الملوك‬
‫والقادة والكبراء ويختفي تأثيرهم بالكامل ولن يتمكن اي إنسان حينها من االستنجاد بهم‬
‫او اللوذ بحماهم ‪ ...‬ويتم القضاء على الوحوش وتتم ازالتها ‪ ...‬ثم يجري تصنيف االنفس‬
‫بناءا على معايير معينة وتبدا المحاكمات للناس ويجري سؤالهم عما دفعهم الى وأد‬
‫انفسهم بالعبودية لغير ّللا تعالى‪.‬‬
‫المزيد لفهم لفظ المعشر‬
‫الحظوا النص التالي‪:‬‬
‫ض َما‬ ‫ضلُوهُنَّ لِ َتذ َه ُبوا ِب َبع ِ‬
‫سا َء َكرهًا َو َال َتع ُ‬ ‫• َيا أَي َها الَّذِينَ آ َم ُنوا َال َيحِل لَ ُكم أَن َت ِر ُثوا الن َ‬
‫سى أَن‬ ‫ف َفإِن َك ِره ُت ُموهُنَّ َف َع َ‬ ‫شة ُم َبي َنة َو َعاشِ ُروهُنَّ ِبال َمع ُرو ِ‬ ‫آ َتي ُت ُموهُنَّ إِ َّال أَن َيأتِينَ ِب َفا ِح َ‬
‫ِيرا (‪19‬النساء‪.)4‬‬ ‫ّللا ُ فِي ِه َخي ًرا َكث ً‬ ‫شي ًئا َو َيج َعل َ َّ‬
‫َتك َرهُوا َ‬
‫• من استخدام هذي المشتقة للتعبير عن طبيعة العالقة بين الرجل والمرأة واستخدام لفظة‬
‫العشيرة للتعبير عن قبيلة الرجل التي ينتمي اليها في النص التالي‪:‬‬
‫ارة‬ ‫• قُل إِن َكانَ آ َباؤُ ُكم َوأَب َناؤُ ُكم َوإِخ َوا ُن ُكم َوأَز َوا ُج ُكم َو َعشِ َ‬
‫ير ُت ُكم َوأَم َوال اق َت َرف ُت ُموهَا َوت َِج َ‬
‫صوا‬ ‫س ِبيلِ ِه َف َت َر َّب ُ‬ ‫سولِ ِه َو ِ‬
‫ج َهاد فِي َ‬ ‫ضو َن َها أَ َح َّب إِلَي ُكم مِنَ َّ ِ‬
‫ّللا َو َر ُ‬ ‫ساكِنُ َتر َ‬ ‫سا َدهَا َو َم َ‬‫شونَ َك َ‬ ‫َتخ َ‬
‫ّللا ُ َال َيهدِي ال َقو َم ال َفاسِ قِينَ (‪24‬التوبة‪.)9‬‬ ‫ّللا ُ ِبأَمر ِه َو َّ‬
‫َح َّتى َيأت َِي َّ‬
‫ِ‬
‫• يتبين لنا بان المعاشرة تعني مخالطة شديدة وطويلة وذات محددات كثيرة‪.‬‬
‫س) ال‬ ‫ش َر ال ِجن َواإلِن ِ‬ ‫س) او ( َيا َمع َ‬ ‫ش َر ال ِجن َق ِد اس َتك َثر ُتم مِنَ اإلِن ِ‬ ‫• لذا نقول بان العبارة ( َمع َ‬
‫يمكن ان تعني عالقة غير مفهومة وغير واضحة المعالم وال بين جنسين او نوعين‬
‫مختلفين وا َّنما عالقة حميمة وقوية وفيها مخالطة شديدة‪.‬‬
‫النص الثالث لحسم الموقف‬
‫نحتاج هنا لفهم النص الخاص باقطار السموات واالرض‪ ،‬ان نأخذ النص ضمن سياقه كما‬
‫تعودنا‪:‬‬
‫ض َفانفُ ُذوا َال َتنفُ ُذونَ‬ ‫ت َواَلَر ِ‬
‫س َم َوا ِ‬
‫ار ال َّ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ط‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫وا‬ ‫ُ‬
‫ذ‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ن‬‫ت‬‫َ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫س إِ ِن اس َت َطع ُتم أ‬‫ش َر ال ِجن َواإلِن ِ‬ ‫َيا َمع َ‬
‫ش َواظ‬ ‫سل ُ َعلَي ُك َما ُ‬‫ان (‪34‬الرحمن‪ُ )55‬ير َ‬ ‫سل َطان (‪33‬الرحمن‪َ )55‬ف ِبأَي َآال ِء َرب ُك َما ُت َكذ َب ِ‬ ‫إِ َّال ِب ُ‬
‫ان (‪35‬الرحمن‪.)55‬‬ ‫مِن َنار َو ُن َحاس َف َال َتن َتصِ َر ِ‬

‫• فنالحظ ما يلي‪ :‬إنَّ الشمول في عدم القدرة للنفوذ من السموات واالرض للنوعين يشير‬
‫سل ُ َعلَي ُك َما‬
‫الى انهم من جنس واحد س َّيما حينما يشملهما معا في اآلية ‪ 35‬فيقول ( ُير َ‬
‫ان (‪35‬الرحمن‪ ))55‬ما يعني شمولهما بالتحدي معا‬ ‫ش َواظ مِن َنار َو ُن َحاس َف َال َتن َتصِ َر ِ‬
‫ُ‬
‫وبنفس االسلوب وهو اسلوب شواظ من نار ونحاس فال ينتصران‪.‬‬
‫• فتصورنا عن الجن ككائنات مغ َّيبة عن حسنا تقتضي ا َّنهم يستطيعون النفاذ من أقطار‬
‫االرض على اَلقل ولكن اآلية تشير الى عدم قدرة النوعين وشمولهم بالعجز طبقا لنفس‬
‫القانون‪ ،‬وفي القدرة على ذلك فقط في حال وجود سلطان‪.‬‬
‫اإلنس والجن والتحدي بالقرآن‬
‫انظروا في النص التالي‪:‬‬
‫س َوال ِجن َعلَى أَن َيأ ُتوا ِبمِث ِل َه َذا القُر ِ‬
‫آن َال َيأ ُتونَ ِبمِثلِ ِه َولَو َكانَ َبع ُ‬
‫ض ُهم‬ ‫قُل لَئ ِِن اج َت َم َع ِ‬
‫ت اإلِن ُ‬
‫يرا (‪88‬اإلسراء‪.)17‬‬ ‫لِ َبعض َظ ِه ً‬
‫• لو كان االنس والجن غير قادرين على اإلتصال والتنسيق فإنَّ هذا يعني بأنَّ ّللا تعالى‬
‫تحدى بما هو ممتنع اصال!‪ ،‬بينما الواضح من النص أنَّ التعاضد والتظاهر بينهما امر‬
‫ممكن وهذا يعزز اإلعتقاد بأ َّنهما من جنس واحد‪.‬‬
‫• ثم لو افترضنا إمكانية أن يحصل هذا مرة واحدة فكيف سيتم التنسيق؟ فالمشهور أنَّ‬
‫طريقة الجن في التلقي والفهم مختلفة‪.‬‬
‫االنس والجن لم يجتمعوا قط على فهم آية واحدة‪ ،‬بل ان المسلمين لم يحدث لهم ذلك بل‬ ‫ُ‬ ‫•‬
‫ان طائفة واحدة من المسلمين لم يحدث لعلمائها ذلك س َّيما وان االمر مرتبط باللغة‬
‫واللسان فما معنى هذا التحدي؟ وما معنى شمولهما معا به؟‬
‫اإلنس والجن والتحدي بالقرآن‬
‫يبدو ان التحدي ليس لجنسين مختلفين وال هو تحدي لإلتيان بقرآن مكتوب فقط‪ .‬ونذكر باننا قلنا‬
‫في محاضرات سابقة بانَّ القرآن الكريم نوعان‪ :‬القرآن التكويني والقرآن التدويني كما ذكر ذلك‬
‫العديد من أعالم التفسير االسالمي‪.‬‬
‫عليه فان التحدي – على ما يبدو – هو بأن يتمكنوا من خلق كائنات ذات عالقات متشعبة كما هو‬
‫حال المخلوقات في هذا القرآن التكويني والربط بينها بطريقة ال تخلق تناقضا بل تؤدي الى تسيير‬
‫حياتها جميعا بانسجام وكفاءة‪ .‬واَلمر ينسحب على القرآن التدويني طبعا فهو النص الذي تحدى‬
‫بكونه خالي من االختالف والتضارب‪.‬‬
‫وبالنتيجة فإنَّ المعشر المشار اليه هو معشر من جنس واحد مع اختالفات معينة فالزوج والزوجة‬
‫معشر والعالقة بينهما نوع من (العِشار) والقبيلة بكل افرادها (عشيرة) واالنس معشر والجن‬
‫معشر واالنس والجن معشر‪ ،‬والعالقات بين افراد تلك المجموعات هي (عِ شار)‪.‬‬
‫تماما كما لو قلنا معشر اليابانيين ومعشر الفرنسيين ومعشر اليابانيين والفرنسيين فمهما كانت‬
‫الفروقات بينهما كمجموعتين اال انهما كمجموعة واحد ال وان امرا ما يربط بينهما وهو ما ينبغي‬
‫ان نكتشفه من السياق‪.‬‬
‫مالحظة ظريفة‬
‫نالحظ من سياق اآليات التي تلوناها أنَّ هناك‪:‬‬
‫• تقديم للجن على االنس‪.‬‬
‫• أنَّ هناك نوع من التالزم من اجل النفوذ من اقطار السموات واالرض‪.‬‬
‫والذي اظن ُه هو ان الجنَّ لما كانوا يعبرون عن الصفات القوية الفعالة النشطة المتميزة في االنسان‬
‫فهم دوما ‪ -‬كأشخاص يحملون هذه الصفات الجنية ‪ -‬لهم الريادة والقيادة والتخطيط واالبتكار‪.‬‬
‫• اال ا َّنهم ال يتمكنون من القيام بعمل اي شيئ دون وجود اعداد كبيرة من الطيعين المنفذين الذي ال‬
‫يملون من العمل الرتيب وهم اإلنس‪.‬‬
‫• وعلى هذا االساس يكون التحدي لهما معا او لكل واحد منهما على حدة وهو ما يتحمله المعنى‬
‫العام للنص‪.‬‬
‫• فال الجن يتمكنون لوحدهم ورغم قابلياتهم العالية من القيام بشيئ وال االنس يتمكنون من شيئ‬
‫رغم كثرتهم وامكانياتهم في تنفيذ واعادة تنفيذ ما ت َّم تخطيطه من غيرهم ‪..‬‬
‫• فضال عن أنَّ النوعين ال يتمكنان من القيام باالمر المشار اليه في اآلية وإن تعاضدا‪.‬‬
‫مالحظة أخرى‬
‫• قد يتصور المتأمل في النص أنَّ القضية مرتبطة بصواريخ أو أقمار صناعية أو ما شابه‬
‫ش َواظ مِن َنار َو ُن َحاس)‬ ‫سل ُ َعلَي ُك َما ُ‬ ‫ذلك للنفاذ من اقطار السموات واالرض‪ .‬وان مقولة ( ُير َ‬
‫تشير الى ان هلل تعالى جنود يدافعون عن سمائه فيطلقون صواريخ نحاسية وشواظ من‬
‫نار‪.‬‬
‫• هذا التصور يبدو ساذجا إذا عرفنا بان ّللا تعالى لديه القدرة الكافية على تعطيل كل ما في‬
‫شي ًئا أَن َيقُول َ لَ ُه ُكن‬
‫الكون دون هذه االسلحة ودون هذه الطريقة (إِ َّن َما أَم ُرهُ إِ َذا أَ َرا َد َ‬
‫َف َي ُكونُ (‪82‬يس‪.))36‬‬
‫• أظن وطبقا لما اوصلنا إليه المنهج اللفظي الترتيلي ‪ -‬وهو المرجح عندي بقوة ‪ -‬انَّ‬
‫الحديث عن سماء الكروموسومات والجينات والمورثات والحمض النووي الذي تجتمع‬
‫فيه الصفات الجنية والصفات االنسية‪.‬‬
‫• والتحدي المشار إليه هو في الحدود النهائية الموضوعة لتلك المورثات أو الصفات‬
‫ض) فهي رغم‬ ‫ت َواَلَر ِ‬‫س َم َوا ِ‬‫ار ال َّ‬‫بحالتها المادية على تجاوز القوانين المحددة لها (أَق َط ِ‬
‫قوتها ‪ -‬النسبية ‪ -‬احيانا اال انها ال تتمكن من تجاوز القوانين الكونية العامة‪ .‬وّللا اعلم‪.‬‬
‫ماذا تشبه هذه اآلية؟‬
‫هذا التصور الذي نعتقد ان اآلية توحيه يشبه الى حد بعيد التعابير التي اوردناها عن ابليس‬
‫والتي تعطيه فرصة الخروج على االطر المحددة له ولكن تتوعده بالمزيد من التضييق‬
‫والحصار والدحر كما في النصوص التالية‪:‬‬
‫• َقال َ َفاخ ُرج مِن َها َفإِ َّن َك َر ِجيم (‪34‬الحجر‪.)15‬‬
‫ورا َل َمن َت ِب َع َك مِن ُهم ََلَم ََلَنَّ َج َه َّن َم مِن ُكم أَج َمعِينَ‬ ‫• َقال َ اخ ُرج مِن َها َمذ ُءو ًما َمد ُح ً‬
‫(‪18‬اَلعراف‪.)7‬‬
‫صدًا (‪9‬الجن‪.)72‬‬ ‫• َوأَ َّنا ُك َّنا َنق ُع ُد مِن َها َم َقا ِع َد لِل َّ‬
‫سم ِع َف َمن َيس َتم ِِع اآلنَ َي ِجد لَ ُه شِ َها ًبا َر َ‬
‫سم َع َفأَت َب َع ُه شِ َهاب ُم ِبين‬‫شي َطان َر ِجيم (‪17‬الحجر‪ )15‬إِ َّال َم ِن اس َت َر َق ال َّ‬ ‫• َو َحفِظ َناهَا مِن ُكل َ‬
‫(‪18‬الحجر‪. )15‬‬
‫س َّم ُعونَ إِ َلى ال َم َ َِل اَلَع َلى َو ُيق َذفُونَ مِن ُكل َجانِب (‪8‬الصافات‪ُ )37‬د ُح ً‬
‫ورا َولَ ُهم َع َذاب‬ ‫• َال َي َّ‬
‫ف ال َخط َف َة َفأَت َب َع ُه شِ َهاب َثاقِب (‪10‬الصافات‪.)37‬‬ ‫َواصِ ب (‪9‬الصافات‪ )37‬إِ َّال َمن َخطِ َ‬
‫الشواظ والنار والنحاس‬
‫وعلى اساس الفرضية اعاله يكون الشواظ هي تلك القوة التي تسلطها المالئكة الجراء عملية‬
‫التطوير والتحديد للصفات الجينية وتعزيز السيطرة عليها وعدم السماح لها باالنفالت من القوانين‬
‫(االقطار)‪.‬‬
‫وهذا الشواظ يعتمد على قضيتين اساستين‪:‬‬
‫‪ .1‬طاقة قوية تقوم بالتطوير والتعديل لما هو موجود واضافة مواد جديدة الحداث ذلك التطوير‪.‬‬
‫‪ .2‬او تعديل البرنامج من اجل السماح بإنتقال الصفات المطلوبة الى اَلجيال الالحقة‪.‬‬
‫فحتى التطور الطبيعي وظهور بعض الصفات الجن َّية واالنس َّية المراد تنحيتها انما يتم على اساس‬
‫قوانين خاصة بهذا االمر وال تتم بشكل عشوائي‪.‬‬
‫بمعنى اننا يمكن وبناءا على هذه االفكار االولية ان نقرر بان عملية االنتقاء الطبيعي انما تتم على‬
‫قوانين ثابتة وال يمكن لها ان تخرج عن سيطرة تلك القوانين‪ .‬اما الطفرات الوراثية التي تساعد في‬
‫تطوير الخلق فلها قوانين اخرى تستند الى برامج خاصة بها للتطوير‪ .‬وّللا اعلم‪.‬‬
‫مثال علمي من دراسة حديثة‬
‫صدرت دراسة حديثة نشرها موقع (‪ )Scientific American‬تشير إلى أنَّ ظهور مورثات‬
‫جديدة لدى االنسان تتم بطريقتين‪:‬‬
‫• اَلولى ثبات الظروف المحيطة باالنسان لفترة ال تقل عن ‪ 5000‬سنة اي ‪ 200‬جيل‬
‫متتالي حتى تتغير نسبة وجود المورثة المسؤولة عن قضية معينة من نسبة ‪ %1‬الى‬
‫‪ %99‬وتتحول الى صفة ثابتة لدى الناس‪.‬‬
‫• الثانية‪ :‬ان تحدث طفرة جينية سريعة ال تحتاج الى اكثر من ‪ 3000‬سنة وهو قريب نصف‬
‫المدة التي يحتاجها قانون التطور الدخال صفة جديدة للمورثات االنسانية وتحويلها الى‬
‫صفة ثابتة في مجموعة بشرية معينة‪.‬‬
‫• المثال الذي اوردته الدراسة هو التالي‪( :‬في عام ‪ 2010‬توصلت دراسات عدة إلى‬
‫اكتشاف نسخة لمورثة لدى التيبيتيين (سكان هضبة التيبت التي تعلو سطح البحر بـ ‪14‬‬
‫الف قدم) غير موجودة عند باقي الشعوب‪ ،‬هذه المورثة تضبط إنتاج الخاليا الحمراء‬
‫مفسرة كيف استطاع التيبيتيون العيش في هذه الظروف القاسية)‪.‬‬
‫العالقة بين النص والعلم‬
‫ما اوردناه موجود للمراجعة بنسختيه‪:‬‬
‫• االنجليزية على الرابط التالي‪:‬‬
‫(‪)/http://www.scientificamerican.com/article/how-we-are-evolving‬‬
‫• والعربية على الرابط التالي‪:‬‬
‫(‪. )http://www.syr-res.com/article.php?id=2653‬‬

‫• نحن طبعا ندَّ عي بأنَّ النص القرآني هنا يتحدث عن آلية إحداث التغييرات الجينية وتطوير‬
‫المورثات في داخل الحمض النووي االنساني‪.‬‬
‫• بينما الدراسة تتحدث عن أثر ذلك التغيير الجيني على االنسان واالجيال المتعاقبة وكيف‬
‫يؤدي التطور الى تطوير االجيال الالحقة ورفع مستوى تالؤمها مع المحيط‪ .‬وّللا اعلم‪.‬‬
‫عودة الى المعشر‬
‫الستيضاح ما يجمع كل معشر نعود الى النصوص‪:‬‬
‫س َو َقال َ أَولِ َياؤُ هُم مِنَ اإلِن ِ‬
‫س َر َّب َنا‬ ‫ش َر ال ِجن َق ِد اس َتك َثر ُتم مِنَ اإلِن ِ‬ ‫ش ُرهُم َجمِي ًعا َيا َمع َ‬ ‫• َو َيو َم َيح ُ‬
‫شا َء‬ ‫ض َنا ِب َبعض َو َب َلغ َنا أَ َجلَ َنا الَّذِي أَ َّجل َت لَ َنا َقال َ ال َّنا ُر َمث َوا ُكم َخالِ ِدينَ فِي َها إِ َّال َما َ‬‫اس َتم َت َع َبع ُ‬
‫ّللا ُ إِنَّ َر َّب َك َحكِيم َعلِيم (‪128‬اَلنعام‪)6‬‬ ‫َّ‬
‫اء َيو ِم ُكم َه َذا‬ ‫سل مِن ُكم َيقُصونَ َعلَي ُكم آ َياتِي َو ُين ِذ ُرو َن ُكم لِ َق َ‬ ‫س أَلَم َيأتِ ُكم ُر ُ‬ ‫جن َواإلِن ِ‬ ‫ش َر ال ِ‬ ‫• َيا َمع َ‬
‫ش ِهدُوا َعلَى أَنفُسِ ِهم أَ َّن ُهم َكا ُنوا َكاف ِِرينَ‬ ‫ش ِهد َنا َعلَى أَنفُسِ َنا َو َغ َّرت ُه ُم ال َح َياةُ الدن َيا َو َ‬ ‫َقالُوا َ‬
‫(‪130‬اَلنعام‪)6‬‬
‫ض َفانفُ ُذوا َال‬ ‫ت َواَلَر ِ‬ ‫س َم َوا ِ‬ ‫ار ال َّ‬‫ِ‬ ‫َ‬
‫ط‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ِن‬‫م‬ ‫وا‬ ‫ُ‬
‫ذ‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ن‬‫ت‬‫َ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫س إِ ِن اس َت َطع ُتم أ‬ ‫جن َواإلِن ِ‬ ‫ش َر ال ِ‬ ‫• َيا َمع َ‬
‫سل َطان (‪33‬الرحمن‪.)55‬‬ ‫َتنفُ ُذونَ إِ َّال ِب ُ‬
‫إذن كل واحدة من اآليات تشير الى محور مشترك بين النوعين المتعاشرين‪.‬‬
‫مواصلة السعي لفهم معنى (المعشر) ‪.1-‬‬
‫اء َيو ِم ُكم َه َذا‬ ‫سل مِن ُكم َيقُصونَ َعلَي ُكم آ َياتِي َو ُين ِذ ُرو َن ُكم لِ َق َ‬ ‫س أَلَم َيأتِ ُكم ُر ُ‬ ‫جن َواإلِن ِ‬ ‫• َيا َمع َ‬
‫ش َر ال ِ‬
‫ش ِهدُوا َعلَى أَنفُسِ ِهم أَ َّن ُهم َكا ُنوا َكاف ِِرينَ‬ ‫ش ِهد َنا َعلَى أَنفُسِ َنا َو َغ َّرت ُه ُم ال َح َياةُ الدن َيا َو َ‬ ‫َقالُوا َ‬
‫(‪130‬اَلنعام‪.)6‬‬
‫نالحظ المالحظات التالية‪:‬‬
‫• الخطاب مشترك للجن واإلنس‪.‬‬
‫سل مِن ُكم َيقُصونَ‬ ‫• االرسال إليهما معا وليس كالً على حِدة َلنَّ النص يقول (أَلَم َيأ ِت ُكم ُر ُ‬
‫َعلَي ُكم آ َياتِي َو ُين ِذ ُرو َن ُكم لِ َقا َء َيو ِم ُكم َه َذا) ولو كان المقصود ان يكون لكل منهما رسلهم‬
‫الخاصة لقال النص (ألم يأتكما رسل منكما) تماما كما خاطب الجنسين في قصة آدم‬
‫سو َءا ُت ُه َما َو َطفِ َقا َيخصِ َف ِ‬
‫ان‬ ‫ش َج َر َة َبدَت لَ ُه َما َ‬ ‫والشجرة بالقول ( َفد ََّال ُه َما ِب ُغ ُرور َفلَ َّما َذا َقا ال َّ‬
‫شي َطانَ‬ ‫ش َج َر ِة َوأَقُل لَ ُك َما إِنَّ ال َّ‬ ‫َعلَي ِه َما مِن َو َر ِق ال َج َّن ِة َو َنا َدا ُه َما َرب ُه َما أَلَم أَن َه ُك َما َعن تِل ُك َما ال َّ‬
‫س َنا َوإِن لَم َتغفِر لَ َنا َو َتر َحم َنا لَ َن ُكو َننَّ‬ ‫لَ ُك َما َعدُو ُم ِبين (‪22‬اَلعراف‪َ )7‬ق َاال َر َّب َنا َظلَم َنا أَنفُ َ‬
‫مِنَ ال َخاسِ ِرينَ (‪23‬اَلعراف‪.) )7‬‬
‫تأكيدات في النص‬
‫إذا عدنا الى النص الذي بدأنا به لفهم معنى المعشر سنجد ان المقطع القرآني ينتهي باآلية التالية ‪:‬‬
‫َذلِ َك أَن لَم َي ُكن َرب َك ُمهلِ َك القُ َرى بِ ُظلم َوأَهل ُ َها َغافِلُونَ (‪131‬اَلنعام‪ .)6‬فيتكلم عن قرى موحدة لها‬
‫أهل يتأهلون بها ومعها ويعيشون فيها بأمان وسكينة ودون ان يميز بين نوعين او جنسين من‬
‫الخلق‪ .‬وعليه تكون االمور التي تدفعنا الى االعتقاد بوحد المعشر هي التالية‪:‬‬
‫• إستكثار الجن من االنس‪.‬‬
‫• إستمتاع الجن واالنس بعضهم ببعضهم‪.‬‬
‫• بلوغهم معا أجال واحد أجله ّللا تعالى لهم‪.‬‬
‫• لهم رسل منهم يأتونهم ويقصون عليهم آيات ّللا‪.‬‬
‫• ورود تحديين للجن واالنس معا بالنفاذ من اقطار السموات واالرض وباالتيان بمثل هذا القرآن‪.‬‬
‫• واخيرا ان اآليات تتحدث عن عملية إهالك موحدة َلهل القرى الذين يعيشون معا إذا ما ظلموا‪.‬‬
‫مواصلة السعي لفهم معنى (المعشر) – ‪.2‬‬
‫• كذلك نالحظ بأ َّنهم – كجنسين – كانوا يشهدون على انفسهم بشكل مشترك ويقرون بالكفر‬
‫غرتهم بشكل مشترك وواضح للجنسين‪.‬‬ ‫بشكل مشترك وتشير اآلية الى ان الحياة الدنيا قد َّ‬
‫وهذا كله يتناقض وفهمنا عن (الجن) وكونهم جنس آخر مغيب عن أعيننا‪.‬‬
‫• الى كل ذلك يبدو وكما في الحاالت اَلخرى بانَّ المعشر يثبت على معناه هنا وهو اإلختالط‬
‫الشديد بين جنسين أو نوعين أو أفراد جنس واحد كما هو الحال في المعاشرة الزوجية أو‬
‫العشيرة التي يتعاشر أفرادها بشكل أكبر بكثير مما يحصل بين أفراد عشائر مختلفة تنتمي‬
‫الى مجموعات بشرية أخرى‪.‬‬
‫موحدا واع ُت ِبروا مجموعة واحدة وليس‬ ‫َّ‬ ‫• وعلى هذا اَلساس جاء الخطاب الى الجن واإلنس‬
‫سل مِن ُكم َيقُصونَ َعلَي ُكم آ َياتِي‬ ‫س أَلَم َيأتِ ُكم ُر ُ‬ ‫مجموعتين فقال النص ( َيا َمع َ‬
‫ش َر ال ِجن َواإلِن ِ‬
‫ش ِهدُوا َعلَى‬ ‫ش ِهد َنا َعلَى أَنفُسِ َنا َو َغ َّرت ُه ُم ال َح َياةُ الدن َيا َو َ‬
‫َو ُين ِذ ُرو َن ُكم لِ َقا َء َيو ِم ُكم َه َذا َقالُوا َ‬
‫أَنفُسِ ِهم أَ َّن ُهم َكا ُنوا َكاف ِِرينَ (‪130‬اَلنعام‪.))6‬‬
‫خالصة معنى (المعشر)‪.‬‬
‫إلى كل ما تقدَّ م يكون معنى (المعشر) هو‪ :‬المجموعة المختلط أفرادها اختالطا شديدا – نسبيا –‬ ‫•‬
‫بحيث يمكن اعتبارهم نسيجا واحدا يمكن توجيه الخطاب إليه بشكل موحد‪ .‬على أن يعي أفراد تلك‬
‫المجموعة الخطاب ال أن تعي فقط مجموعة من االفراد منهم ذلك‪.‬‬
‫فال يمكن ان نقول (يامعشر االنس واالشجار) او نقول (يامعشر الحيوانات واالشجار) فقصد‬ ‫•‬
‫الخطاب ينبغي ان يكون قائما دوما وهو محاولة إيصال رسالة وليس مجرد القاء الكلمات‪.‬‬
‫وبذا يكون الخطاب القرآني المبني على (معشر الجن واإلنس) هو خطاب لمجموعة مختلطة‬ ‫•‬
‫اختالطا قويا وهي مجموعة تدرك معنى هذا الخطاب لذلك فهي ترد احيانا كما نقل لنا النص‬
‫القرآني في أكثر من مناسبة‪.‬‬
‫وهذا ما يؤكد لنا بأنَّ الجنَّ واالنس هما نوعين من اَلصول التي ُبني عليهما التكوين االنساني‬ ‫•‬
‫الحالي‪ .‬وقد يكون كال النوعين منقسما داخليا الى اكثر من فصيلة‪.‬‬
‫وعلى هذا االساس نالحظ اليوم وجود اجناس بشرية مختلفة لها صفات عامة مشتركة ومختلفة‬ ‫•‬
‫عن عموم الصفات في الفصيلة اَلخرى‪.‬‬
‫الخالصة‬
‫• يمكننا مواصلة مشوارنا مع مشتقات الجذر ( َج َننَ ) للتأكد من المعنى ولكن نفضل أن نترك الباقي‬
‫للجهود الشخصية لكل واحد من االخوة واالخوات الكرام ونقول بان الجن كما قدمنا تعبير عن‬
‫نوع بشري اقدم من االنس او معاصر له قبل اَلدم ‪ -‬وبقي بعده أيضا ‪ -‬وهو يحمل صفات قوية‬
‫وفعالة للغاية على عكس االنس الذي يحمل صفات على درجات عالية من الهدوء والسكينة‪.‬‬

‫• وقد اريد من خالل أدم االنواع المختلفة من البشر توليد نوع جديد هو آدم الذي يحمل الصفات‬
‫القوية المسيطر عليها والصفات االنسية الهادئة ليتم بذلك دفعه نحو التحضر والبناء واالعمار‬
‫بقابلياته المعتمدة على قوة العناصر الجنية القوية المسيطر عليها والعناصر االنسية المتحضرة‬
‫باالساس لمواصلة مشوار االرتقاء والتطور للوصول الى حالة العبودية الكاملة هلل تعالى‪.‬‬

‫• عملية السيطرة على القوى الجنية في االنسان هي عملية بلس لصفات معينة تحمل طاقة عالية‬
‫ويراد تنحيتها من قبيل الصفات الغابية العنيفة والعدوانية‪.‬‬

‫• ويحدث احيانا ان تشطن بعض الصفات من تلك الصفات المقيدة وترتبط مع شطن آخر فيتكون‬
‫الشيطان وهي برامج غير صحيحة وغير اصلية تؤثر على مسيرة االنسان‪.‬‬
‫امور نحتاج الى التأكد من انطباقها مع الفرضية‬
‫بقيت امور عديدة نحتاج الى التأكد من انطباق المعنى المفترض عليها من مثل‪:‬‬
‫• ال ِج َّنة‪ :‬الحالة المفردة من الجن او الحالة التطبيقية له‪.‬‬
‫الج َّنة‪ :‬الموضع الذي يتاح للطاقات الجنية التعبير عن نفسها فيه‪.‬‬ ‫• َ‬
‫• ال ُج َّنة‪ :‬الموضع الذي يحتوي على طاقة مركزة ومسيطر عليها‪.‬‬
‫الجنات‪ :‬جمع ج َّنة‪.‬‬ ‫• َ‬
‫• الجنون‪ :‬ظهور طاقة ال ِجن بشكل منفلت‪.‬‬
‫• أَ ِج َّنة‪ :‬جمع (جنين) وهو طاقة جنية متطورة ومتزايدة بمرور الوقت‪.‬‬
‫• َجنَّ ‪ :‬تحدثنا عنها َل َّنه مورد واحد‪ .‬وهو تكاثر طاقة الظالم‪ .‬او اي شيئ آخر‬
‫• الجان‪ :‬واح ُد ال ِجن‪.‬‬
‫رجاء وإعتذار‬

‫• ارجو ان اكون قد وفقت في عرض االفكار بطريقة مقبولة‪.‬‬


‫• االمر بحاجة الى صبر على االفكار الجديدة وعدم التسرع في ردها او قبولها‪.‬‬
‫• اثارة كل االسئلة الممكنة بوجه هذه االفكار حتى تنضج وتكتمل‪.‬‬

‫• جزيل الشكر واالعتذار عن االطالة ‪.‬‬


‫• والحمد هلل رب العالمين‬

You might also like