Professional Documents
Culture Documents
نحو فهم للأخلاقيات البيئية من منظور قراني
نحو فهم للأخلاقيات البيئية من منظور قراني
إبراهيم ازدمير
كان القرآن الذي يعتبره المسلمون أخر حلقات الوحي اإللهي مصدرا لإللهام والنور والهداية للفالسفة
المسلمين وعلماء الدين وأئمة الصوفية والعلماء والقضاة والمسلمين العاديين الذين قبلوه كوحي
مقدس ،هذا باإلضافة إلى آخرين من طرق متشعبة ومسارات مختلفة للتفكير يمكن العثور عليها في
التراث اإلسالمي وهي مدارس التفكير االبتداعية .ويمكن القول أن القرآن يعتبر لدي المسلمين كتابا
للقانون والصالة والحكمة والعبادة واالبتهال-باختصار هو نص مقدس فريد وشامل يحتوي على كل
ما يتعلق أساسا بحالة اإلنسان .ولهذا السبب فهناك إجماع من المسلمين وغيرهم أنه هو القاعدة
األساسية لإليمان بالنسبة للفرد المسلم وما يطلق عليه الحضارة اإلسالمية .ويعتقد المسلمون بشكل
طبيعي أن القرآن يمكنه أن يلعب هذا الدور اليوم بل ويجب عليه ذلك من أجل أن نحيا حياة أخالقية
ذات معني .وكما هو واضح من سجالت التاريخ فقد لعب القرآن هذا الدور في حياة المسلمين منذ
مطلع الرسالة معطيا نظرة للعالم شاملة متكاملة مبنية على وحدة الحقيقة (التوحيد).
انه من سخرية التاريخ انه خالل النصف الثاني من القرن التاسع عشر والنصف األول من القرن
العشرين أن وجهة النظر السائدة التي يعتنقها الفالسفة الوضعيون وذوو التفكير العلمي أنه بإمكان
العلم والتكنولوجيا إرضاء البشرية وحل جميع مشاكلها بدون خلق مشاكل جديدة ،واألكثر من ذلك أن
هؤالء الناس حاولوا إقناعنا انه ليس فقط األديان ولكن كل األطروحات والتخيالت الميتافيزيقية
2
جميعها بال معني ولهذا يجب إزالتها مما يشغل اإلنسان الحديث .وكنتيجة لهذا الرأي فقد اإلنسان
الحديث وعيه للبعد المقدس للطبيعة وعزل نفسه عنها .ولكن اليوم على الرغم من ذلك وبفضل الوعي
البيئي المتزايد يمكننا أن نفهم بوضوح أن البشر ليسوا منفصلين عن الطبيعة وال أعلى منها ولكنهم
منذ ظهور األزمة البيئية بدا اإلنسان الحديث في إدراك األديان من منطلق جديد وهو وجهة نظر بيئية
كل شي فيها مرتبط بكل شي أخر ويمكن رؤية الطبيعة خاللها كوحدة عضوية .وهذا هو المنطق
الذي شجع األفراد من جميع األديان على دراسة وإعادة تقييم تراثهم.
األمر األكثر إثارة للعجب أن الطبيعة العالمية للمشاكل البيئية قد شجعت الناس من أديان العالم
المختلفة على التعامل سويا لرؤية المشاكل في شكلها الحقيقي .وبشكل مختلف يمكن القول إن هذا
الفهم الجديد يجمع الناس من األديان والتقاليد المختلفة في جبهة جديدة ويمهد الطريق لحوار بينهم لم
يحدث من قبل في تاريخ اإلنسان .ومع بداية ألفية جديدة يبدو أن البشرية تعود تتجه بقلبها وعقلها
ووجهها نحو هللا ليس فقط من أجل معرفته لذاته ولكن أيضا لألمل في مستقبل أفضل ليس فقط من
أجل البشر ولكن من أجل الخليقة بأكملها .والمنطق البيئي بطبيعته أمر كلي ومترابط ويحثنا على
إعادة اكتشاف وإعادة التفكير في قيمنا الدينية على أعتاب األلفية الجديدة .هناك أالن ضرورة ملحة
لمل ما يطلق عليه هانز جونس(الفراغ األخالقي في قلب الثقافة الحديثة المعاصرة) ولذلك من
احد هذه األطروحات أن الطبيعة هي آلة ليس لديها قيمة وليس لها أي إحساس بالغاية وباختصار فان
هذا الرأي يسلب الطبيعة من كل صفاتها الجوهرية .يجب تذكر نظرية جون لوك للصفات األساسية
والثانوية في هذا السياق ،يقول لوك إن الصفات األساسية فقط موجودة في الطبيعة وال يوجد مكان
لصفات الثانوية ولكن هذه األخيرة هي نواتج للعقل اإلنساني تم فرضها على الطبيعة والتي هي في
3
حد ذاتها خالية من الروح والذكاء وليس لديها أية قيمة داخلية أو جوهرية على اإلطالق.
باختصار(الطبيعة أمر ممل بال صوت بال رائحة بال لون فقط هناك اندفاع المادة بال انقطاع وبال
معني) على سبيل المثال فان الشجرة ليس لديها قيمة جوهرية لكونها كذلك .وطبقا للمفهوم المادي
الحديث للطبيعة فان الشجرة تكتسب قيمتها من خالل التدخل اإلنساني مثلما عندما تصبح كرسيا أو
منضدة أو إي شي .القيمة الوحيدة التي يمكن أن تكون للطبيعة هي القيمة األداتية (من ناحية الفائدة أو
االستخدام) وهذا الفهم للطبيعة قد أعطي تبريرا االستخدام المستغل للطبيعة والموارد الطبيعية.
انتقد الكثير من دعاة البيئة بشكل حاد في العقود السابقة وجهة النظر األداتية التي تميز الفكر الحديث.
يقول دعاة البيئة إنه هناك عالقة قوية مباشرة بين المشاكل البيئية وفهمنا الحديث للطبيعة .وبشكل
أكثر تحديدا فإن نظم القيم التي نتبعها التي بالتالي تشكل سلوكنا واتجاهاتنا نحو المجتمع والطبيعة هي
نتيجة للمعتقدات الكلية واآلراء الميتافيزيقية نحو الحقيقة الكاملة .بناء على ذلك فان أي نظريات
جديدة لألخالقيات البيئية من المتوقع أن تصطدم مع األطروحات األساسية للفهم الحديث السائد
للطبيعة.
وعلى الرغم انه من الممكن القول أن النظرة العلمية للعالم هي ظاهرة غربية فان تأثيرها يمكن
اإلحساس به في كل مكان وليست الدول اإلسالمية استثناء لذلك وهذا يعود بدرجة كبيرة إلى أن
متبعي األنظمة القيمية التقليدية يتلقون تعليمهم في الغرب أو في مؤسسات على األسلوب الغربي
ونتيجة لذلك فان قلوبهم وعقولهم قد تأثرت بشكل ملموس بالمفاهيم والقيم الحديثة والغربية .تقودنا
هذه المالحظة إلى السعي إلى إعادة اكتشاف معني الكون ،األمر الذي يمكن اعتباره البعد المفقود
للحداثة أو(البعد المقدس للحقيقة) كما يطلق عليها البعض .اهتمامنا هنا هو استكشاف البديل القرآني
الذي هو اكتشاف معني الطبيعة ومكان اإلنسانية فيها من خالل منظور القرآن .إذا وجهنا أنفسنا إلى
هذه األسئلة بانتباه فبإمكاننا أن نصل إلى أخالق بيئيه قرآنية .وفي نفس الوقت فإن موقعنا يفترض أن
4
متبعي الديانات األخرى بإمكانهم أيضا طرح أخالقياتهم .من المفترض هنا أن الدين كنظام محدد
للثقافات ومرشد للسلوك اإلنساني بإمكانه أن يوفر القاعدة الميتافيزيقية الالزمة لألخالقيات البيئية.
بالنظر إلى الوحي األول في القرآن الذي أنزل في الفترة المكية فسوف نري أن الهدف األساسي
هو(إيقاظ الوعي األعلى في اإلنسان بعالقاته المتعددة مع هللا ومع الكون).وستكون النتيجة أوال تغيير
نظرته للعالم ثم بناء صورة لنفسه وختاما فإن اتجاهاته ومشاعره وأحاسيسه ونسق عالقاته مع
الحقيقة سوف تتغير طبقا لذلك .تعد هذه اآليات الهامة مفتاحا لفهم النظرة القرآنية للعالم .يقول
الفيلسوف المسلم والصوفي أبو حامد الغزالي (توفي )1111انه في تقييم معنى اآليات القرآنية فإن
السور األولي هي (روح القرآن وقلبه ولبه وسره) .بالنسبة للغزالي فإن هذه اآليات هي التي تعطينا
وتبين لنا معنى الحقيقة .إنها تدور حول هللا وكيف يمكننا أن نفهم وجوده من خالل العالم الطبيعي.
ولهذا يدعونا الغزالي لبذل مجهود جاد لمعرفة المعني العميق المختبئ داخل آيات القرآن.
استبدل القرآن بتركيزه على البعد الميتافيزيقي للطبيعة مفاهيم الكفار عن الطبيعة بفهم جديد وحي .إنه
لمما يثير العجب أن تري التطابق المدهش بين وجهة نظر العرب عن الطبيعة أنها بدون حياة أو
معني أو هدف وبين األفكار التي جاءت بعد باسم النظرة العلمية للعالم في العصر الحديث واليوم فان
القرآن مستعد كما هو دائما لتحدي المفاهيم المادية الحديثة للطبيعة وليعطي نهجا شامال وكليا
للوصول إلى نظريه أخالقية بيئية .أما األسئلة التي تواجهنا نحو فهم لألخالقيات البيئية من منظور
إن قناعتي األساسية أنه فور اكتشاف القاعدة الميتافيزيقية لألخالقيات البيئية في النظام القيمي القرآني
فلن يكون من الصعب الوصول ألخالقيات بيئية على هذا األساس .واألكثر من ذلك أن فهم البعد
الميتافيزيقي للقرآن سوف يعطينا فرصة لفهم وتقدير وتطوير أفكار واتجاهات ذات إحساس متعلق
يمكن رؤية البيئة من خالل المنظور القرآني بأفضل ما يكون في الوحي األول على الرسول عليه
الصالة والسالم الذي تلقاه في غار حراء في جبل النور .نحن نعرف أول أية كانت أمرا من
هللا{اقرا} وكان الرد الفوري للرسول عليه الصالة السالم على هذا األمر (ما أنا بقارئ) فأصر
جبريل عليه السالم حامل الوحي{اقرأ} ثم كرر جبريل مرة ثالثة قائال {اقرأ باسم ربك الذي
خلق}العلق. 1
النقطة هنا أن محمدا لم يكن متعلما ولم يكن هناك نص بأي شكل يمكن أن يقرأ .إذن ماذا كان معني
أول أمر مقدس {اقرأ}؟ هناك إجابة كما أعتقد أن القراءة هنا تعني طريقة جديدة للنظر إلى العالم،
والفكرة األساسية هي أن القراءة يجب أن تكون باسم الخالق .ولهذا فإنه في البداية يكون التعلم أن هللا
الخالق قد أعطي الوجود والمعني لكل شي أخر .وهللا طبقا للقران هو الخالق والمالك والحافظ الحقيقي
لكل شي .ولهذا فإننا يجب أن نرى ونقرأ الحقيقة كلها واضعين هذه النقطة في أذهاننا .ويمكن اإلشارة
إلى أن كل الكتب التي يكتبها المسلمون تبدأ بهذه الجملة{بسم هللا الرحمن الرحيم} وتتكرر هذه الجملة
في الحياة اليومية للمسلمين كإشارة إلى وجهة النظر اإلسالمية هذه.
6
يكشف الفحص الدقيق لآليات األولي للقران دعوة إلى الفحص والتفكر في السموات واألرض وكل
شيء يمكن رؤيته في هذه البيئة؛ الطيور واألنعام والسحاب والبحار واألعناب والنخيل والزيتون
والذباب والقمر والشمس واألسماك واإلبل والنحل والجبال والمطر والرياح -باختصار كل الظواهر
الطبيعية .ويهدف القرآن في تأكيده المتكرر على التفكر في الطبيعة إلى إيجاد إنسان نشط وفعال .
وأهم صفات هذا اإلنسان كما نفهم من هذه اآليات أن عقله متفتح لألحداث الجديدة وهو واع بما يدور
من منظور قرآني وعندئذ سوف حوله في السموات واألرض وهو يسعي إلى فهم هذه األشياء
يصل إلى النتيجة {ربنا ما خلقت هذا باطال سبحانك } آل عمران 191وهذه هي إحدى النتائج التي
وفي مواضع عديدة يؤكد القرآن ويعيد تأكيد المبدأ األعلى الموجود في ما وراء الطبيعة -لماذا توجد
الطبيعة وماذا تعني .ما يحاول القرآن شرحه أمر بسيط وواضح :ليست الطبيعة موجودة عن طريق
الصدفة نتيجة لعمليات التطور والتوفيق العشوائي بدون معني أو هدف ،إنها لديها نظام ومعني ولهذا
فان البشر إذا فكروا وتفحصوا بنية الظواهر الطبيعية فبإمكانهم استنتاج وجود الخالق القدير العليم
الرحيم.
لقد تحدي القرآن الشرك لدي كفار العرب باإلشارة إلى الطبيعة كتجمع من الظواهر التي لها نظام
ومعني وهدف ودعوتهم لدراسة نظامها بحرص بحيث يستنتجوا منها وجود هللا الذي يكشف ويجلي
قوته ورحمته من خالل الكون .وطبقا لطبيعة القرآن(إن وجود بناء صلب مصاغ جيدا بدون فجوات
أو تمزقات أو عيوب هو أحد اإلعمال العظيمة هلل) .ومثل المرآة فهو يعكس القوة والجمال والحكمة
والرحمة لخالقه ويفسر ذلك سعيد نورسي -عالم مسلم معاصر -كما يلي:
7
(إن هذا العالم أيضا هو مجموعة من المرايا التي تعكس باستمرار من مرآه إلى أخري ولهذا يجب أن
تعرف هللا الواحد الذي يتجلي فيها وتري نوره وتفهم تجليات أسمائه التي تظهر فيها و تحب الواحد
مرة أخري فإن الهدف الكلي للقران الذي يظهر بوضوح هو تأكيده على النظام الطبيعي كما يوضح
أحد أعظم طالب القرآن محمد إقبال (:إن الهدف المباشر للقران في هذه المالحظة التفكرية للطبيعة
هو إيقاظ وعي اإلنسان الذي تعد الطبيعة فيه رمزا ) ثم (إيقاظ الوعي األعلى في اإلنسان بعالقاته
هناك نتيجة ضمنية أخري لهذا االتجاه ولتأكيد القرآن على نظام الطبيعة وهي أن هللا هو منزل القرآن
وخالق الطبيعة -والطبيعة في التراث اإلسالمي يمكن اعتبارها ككتاب .ويمكن رؤية ذلك من خالل
اآلية التالية:
{ الذي خلق سبع سماوات طباقا ما تري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من
فطور( )3ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير} الملك 4-3
يمكن اعتبار الطبيعة أنها ( المعجزة الكبرى هلل المذكورة باستمرار في القرآن بسبب الصياغة الجيدة
لبنيتها وانتظامها) ويوحي إصرار القرآن على نظام وجمال وتناسق الطبيعة انه ال يوجد فصل بين ما
يقوله القرآن وما تقوله الطبيعة .يمكننا رؤية ذلك على الفور إذا نظرنا إلى الطريقة التي يدعونا
القرآن إليها باستخدام عقولنا وتحرير أنفسنا من حدود الثقافة و التقاليد بالنظر لكل شي بعين مالحظة
باسم هللا.
هناك أحد األسباب لكثرة هذه اآليات في األجزاء األولي من القرآن ،وهو أنه ربما كان من أجل
القضاء على وجهة نظر الكفار وإعطاء منظور جديد وهو ما تم شرحه في الكتب السابقة ولكنه
8
تعرض للنسيان مع مرور الوقت .هناك مثال آخر في اآلية التالية التي تشير إلى نظام الطبيعة وصانع
هذا النظام:
{وتري الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع هللا الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما
تفعلون} النمل88
ويستخدم القرآن النظام المحكم للكون كدليل ليس فقط على وجود هللا ولكن أيضا على وحدانيته األمر
المعروف بالدليل الكوني على وجود هللا في فلسفة الكالم اإلسالمية .هللا هو معني الحقيقة وهذا المعني
يتجلي و يتضح ويفسر عن طريق الكون ويتم تطويره أكثر عن طريق البشر .هللا هو البعد الذي
يجعل األبعاد األخرى ممكنه؛ إنه يعطي المعني والحياة لكل شيء ،فعلى سبيل المثال فإن القرآن يري
أن النحلة المتواضعة تتلقى الوحي اإللهي ،ويدعو القرآن من يقرأه إلى مالحظة التغير الدائم في
الرياح وتعاقب الليل والنهار والسحب والسموات ذات النجوم والكواكب التي تسبح في الفضاء
الالنهائي.
ليس من الصعب فهم أن تركيز القرآن على الطبيعة من أجل إثبات وجود هللا وعظمته من ناحي ة ومن
الناحية األخرى على حقيقة أنه يطلب منا أن نقرأ ونفهم هذه الصفات في سياقها المحدد .دع ا الق رآن
العرب الكفار األميين إلى التفكر في الطبيعة والكون من أجل ه دفين على األق ل :األول تك وين فك رة
عن وجود هللا وتواجده من خالل مخلوقاته والثاني هو وجود إحساس أخالقي بالمس ئولية تج اه وج ود
متسامي وه و هللا .يالح ظ ب ارفيز منظ ور مؤي دا ه ذه النقط ة (إن الطبيع ة واألخالق في الواق ع هم ا
المحور األساسي للنظرة القرآنية للع الم واله دف األساس ي طبق ا للق ران ه و أن يمأل الع الم الط بيعي
عند فحص معني ولغة اآليات األولي بهذه الطريقة فإنه ليس من الصعب اس تيعاب الفك رة األساس ية.
يؤكد القرآن على البعد األخالقي بشكل واضح جدا{:وما خلقنا السماء واألرض وما بينهما باطال ذل ك
يرفض القرآن ما يقال إن الطبيعة بال معني وبال هدف باإلضافة إلى النتيجة ب أن الحي اة اإلنس انية بال
معنى وبال هدف .وعلى النقيض من ذلك فإنه هناك مع ني وه دف في الطبيع ة فيجب أن يك ون هن اك
معني وهدف في حياة اإلنسان أيضا .تبدو النقطة األساسية هي العالقة بين وجود ه دف وغاي ة للع الم
يمكن القول إذن أن البعد الميتافيزيقي واألخالقي يأتي أوال ويسبق األبعاد األخرى .إن ما يقوله القرآن
في العديد من المواضع عن النواحي ذات المعني والنظام للطبيعة والظواهر الطبيعية موج ودة لتش ير
إلى أنها تعكس قوة وعظمة هللا غير المحدودة وأن البشر يجب أن يتقبلوا هذا كحقيق ة ميتافيزيقي ة وأن
يكونوا شاكرين هلل بالخضوع لها والتسليم له .وعلى الناحي ة األخ رى فإن ه إذا لم يوج د هللا وك ان ك ل
شيء بال معني وموجود بالصدفة فإنه حسب كلمات ألبير كامي ال ذي وض ع الخط وط العام ة لفلس فة
عدم المعني(:كل شيء مسموح به مادام هللا غير موجود واإلنسان يموت)
هناك نتيجة أخري لهذا الموضوع القرآني وهي مهمة لألخالقيات البيئ ة وهي أن هللا ال يخل ق لعب ا أو
عبثا أو تسلية أو بدون هدف جاد .هذا ال يتوافق مع قوة هللا الق وي ورحم ة هللا ال رحيم أن يص نع لعب ا
من أجل التسلية أو من أجل الهوى-يمكن أن يفع ل الق در األعمى ذل ك ولكن هللا ال يفع ل ذل ك .وتكفي
{ إن في خلق السموات واألرض واختالف الليل والنهار آليات ألولي األلب اب( )190ال ذين ي ذكرون
هللا قيام ا وقع ودا وعلى جن وبهم ويتفك رون في خل ق الس موات واألرض ربن ا م ا خلقت ه ذا ب اطال
{ وما خلقنا السماء واألرض وما بينهما العبين( )16لو أردنا أن نتخذ لهوا التخ ذناه من ل دنا إن كن ا
فاعلين } 17-16األنبياء.
وهناك نتيجة مباشرة من وجهة نظر دعاة البيئة وهي أن الوجود السببي لكل كائن أو مخل وق إش ارة
من هللا وأنه بوجوده في حد ذاته يكشف عن عظمة ورحمة هللا .ولهذا فان كل مخلوق يستحق االهتمام
واالعتبار لعالقته باهلل .والمتبع بإخالص للقران واع بحقيقة أنه { ...ربنا الذي أعطي كل شيء خلق ه
وهناك مثال أخر {:فلينظر اإلنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا األرض شقا فأنبتنا فيها
حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخال وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم وألنعامكم} عبس .32-24
تجمع هذه اآليات األسباب والنتائج بذكر معجزات القدرة اإللهي ة بتسلس ل ل ه ه دف وتش ير إلى غاي ة
ختامية بالكلمات (متاعا لكم) ويعلق نورسي على هذه النقطة كالتالي:
ه ذا اله دف يثبت أن ه ب داخل تسلس ل ك ل األس باب والنت ائج فهن اك عام ل خفي منظم لألم ور تك ون
األسباب حجابا ل ه .وحق ا ف ان عب ارة {متاع ا لكم وألنع امكم} تس تبعد ك ل األس باب من الق درة على
الخلق .إنها في معناها تقول( :يأتي المطر من السماء لينتج الطعام لكم ولحيواناتكم ألن الماء ليس لديه
القدرة على الشفقة والتعاطف معكم وإنتاج الطعام فهذا يعني أن المطر ال يأتي من نفسه ولكن ه يرس ل
وتنتج األرض النباتات ويأتي طعامكم منها ولكن لعدم وجود عقل أو أحاسيس لألرض فإنه مما يف وق
ق درتها أن تفك ر في معيش تكم وتتع اطف معكم وله ذا فال تنتج الطع ام بنفس ها واألك ثر من ذل ك أن
النباتات واألشجار من الصعب عليها أن تعتبر طعامكم وتنتج الفواك ه والحب وب بتع اطف من أجلكم.
توضح اآلي ة أن هن اك خيوط ا وحب اال يم دها ال رؤوف الحكيم من وراء حج اب و يعل ق فيه ا كرم ه
11
وتعرض للكائنات الحي ة وهك ذا تنب ع من ه ذا التفس ير العدي د من األس ماء الحس ني مث ل ال رؤوف و
وهناك نتيجة أكثر من ذلك أنه مثلما يكشف هللا ويتجلي من خالل خليقته فه و يعطي البش ر اإلحس اس
بأنه داخلنا .إذا كشف هللا نفسه – بمعني عظمته ورحمته وك ل أس مائه وص فاته المقدس ة األخ رى من
خالل البعد الجمالي للطبيعة باإلضافة إلى بنائه ا المنظم -وهن ا لن يك ون من الص عوبة الوص ول إلى
فكرة إنه أينما ينظر البشر فبإمكانهم بسهولة اإلحساس بوجود هللا حولنا وداخلنا:
{ وهلل المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه هللا إن هللا هو السميع العليم}.البقرة115
وبرؤية هللا في كل مكان وبالوعي الكامل بالبيئة اإللهية التي تحيط وتخترق العالم الطبيعي وما يحي ط
بالبشرية ،فإن ذلك يقوي البعد األخالقي لدى البشرية ويحفزنا أن نعم ل طبق ا ل ذلك .وفي ه ذا النس ق
يعتبر فضل الرحمن الق رآن(وثيق ة تحث بش كل أساس ي على الفض يلة واإلحس اس الق وي بالمس ئولية
األخالقية) .
وهن اك نقط ة أخ رى يجب أن نراعيه ا في ه ذا الس ياق وهي أن هللا مطل ق والنه ائي بينم ا جمي ع
المخلوقات محدودة ،وقد وصل البشر المعاصرون إلى هذا الفهم بفضل التط ورات القريب ة في مج ال
ما يعنيه القرآن عندما يقول إن كل شيء باستثناء هللا هو مقدر وبالت الي معتم د على هللا ،عن دما يخل ق
هللا كل شيء فهو يضع في داخله قوته وقوانين سلوكه األم ر ال ذي يطل ق علي ه في الق رآن الهداي ة أو
وتؤكد اآليات التالية على نفس النقطة وتؤكد مرة أخري على أهميه التوازن في خطاب القرآن:
{ الشمس والقمر بحسبان( )5والنجم والش جر يس جدان ( )6والس ماء رفعه ا ووض ع الم يزان( )7أال
تطغوا في الميزان( )8وأقيموا الوزن بالقسط وال تخسروا الميزان} الرحمن .9-5
12
الكلمة األساسية هنا هي ( الميزان) التي تك ررت ثالث م رات ويعل ق يوس ف علي على ه ذه اآلي ات
قائال:
إن ميزان العدل في هذه اآلية مرتبط بالميزان في اآليتين الالحقتين الذي ه و أن يتعام ل البش ر بع دل
مع بعضهم البعض و يراقبون الميزان في كل أفعالهم متبعين الطري ق الوس ط وغ ير متع دين الح دود
المفروضة .ولكن الميزان أيضا مرتبط بشكل استعاري بالسموات في ثالثة رم وز -1:الع دل فريض ة
سماوية -2السموات نفسها محفوظة بالميزان المحسوب -3تدخل كوكبة الم يزان عن طري ق الش مس
يجب أن يكون اإلنسان أمينا ومستقيما قي كل مسالة يومي ة مث ل وزن األش ياء ال تي يبيعه ا ويجب أن
يكون مستقيما وعادال وأمينا في ك ل التع امالت األعلى من ذل ك ليس فق ط م ع ب اقي البش ر ولكن م ع
ومن الواضح من المناقشة السابقة أن العدل والميزان هما قوانين كونية هلل وأنه نتيجة ل ذلك يجب على
البشر أن يحيوا حياة عادلة ومتوازنة .ومن الممكن القول إن هذه اآليات وحدها يمكن أن تكون كافي ة
للوصول إلى أخالقيات بيئية من القرآن نفسه ألنها تضع الع دل والم يزان أوال ك أمر ك وني وثاني ا أن
هذا التوازن الكوني قد خلقه هللا وثالثا أن البشر يجب أن يحاولوا أن يفهم وا الت وازن الك وني واتباع ه
في حياتهم االجتماعية وأيضا في تعامالتهم مع البيئ ة .ويمكن الوص ول لنتيج ة من ذل ك بالنس بة ألي
مؤمن بالقرآن سواء أكان فيلسوفا أم عالما أم اقتصاديا أم من التكنوقراط ورج ال الدول ة أم من البش ر
العاديين أنه يجب عليهم احترام هذا التوازن والحفاظ عليه في كل تعامالتهم م ع الطبيع ة .إن إص رار
القرآن على طبيعة هللا المطلقة والغير محدودة من ناحية وعلى محدودية كل شيء غ ير هللا من ناحي ة
13
أخري أمر له داللة كبري في سياق المناقشات الحالية حول االقتصاد والتنمية .يجب على أي نظرية
اقتصادية وتنموية تقول إنها إسالمية أن تفترض هذه الحقيقة منذ البداية.
وفي هذا السياق ربما يك ون من المهم فق ط ت ذكر أح د االتجاه ات للرس ول ال ذي يعكس روح الق رآن
بشكل واضح وقوي .وضع محمد صلي هللا عليه وسلم أهمية ك بري على االس تخدام المت وازن للم اء
ومنع االستخدام المفرط لها حتى عند الوضوء ق ائال إن ذل ك أم ر مك روه ،ومن ع الن اس من اس تخدام
الكثير من المياه ح تى للوض وء عن د االس تعداد لل دخول في الص الة .وتخبرن ا األح اديث التالي ة عن
الحكاية:
(جاء رسول هللا بينما كان سعد يتوضأ وعندما رأي أن سعد يستخدم الكثير من الماء تدخل قائال :
أنا اعتقد أن هذا الحديث وهذا االتجاه للرسول ال يشير فقط إلى استخدام مياه أقل أثناء الوضوء ولكن
إلى مبدأ أساسي وجوهري يجب أن يتبعه كل المسلمين ويجب التركيز على النقاط التالي ة في عالقته ا
بهذا المبدأ:
-يختص هذا التحريم بأمر ال يبذل مجهود وال أي نقود من أجل الحص ول علي ه ألن ه مج اني :
للصالة .
وإذا كان على الرغم من كل ما سبق أنه من المكروه استخدام المياه من النه ر ب إفراط أثن اء الوض وء
وقام الرسول بتحريم ذلك فكيف سيكون التحريم بالنس بة لإلس راف والتب ذير في ه ذه األم ور ال تي ال
تنطبق عليها الجمل المذكورة سابقا وهذا إذا كان اإلسراف :
لإلنسان
يؤك د الق رآن والس نة على أن الم اء ه و الحاج ة األساس ية في الحي اة ويض عان ع دادا من الف روض
والمسئوليات على المسلمين :الحفاظ على الموارد المائية الموج ودة بأفض ل طريق ة ممكن ة ومن ع أي
نشاط من الممكن أن يؤدي إلى التلوث في موارد المياه أو يفسد نقاء وخواص المياه وال يس لكون أب دا
وهذا المثال – بدون ذكر األمثلة األخرى المتعلقة به – يصور بشكل واضح جدا التأكيد القرآني أنه ال
يوجد شيء عديم الفائدة في التوازن الطبيعي كم ا يتمث ل ذل ك في حي اة الرس ول نفس ه .كم ا تخبرن ا
15
عائشة الزوجة المحبوبة للرسول أن شخصيته وس لوكه كان ا هم ا الق رآن .وله ذا ف إن اتجاهات ه نح و
توضح المناقشات السابقة أنه ال يجب علينا وال يمكننا أن نحي ا فق ط كم ا ن رغب األم ر ال ذي س يكون
حياة بال معني وبال هدف ولكن يجب علينا وبإمكاننا أن نعيش حياة ذات معني وذات هدف ب أن نك ون
مسلمين خاض عين لق انون هللا .ه ذا الق انون واض ح في الطبيع ة وفي الق رآن .تؤك د علي ا علي ع زت
بيجوفيتش بشكل سليم أن (المس لم نتيج ة لت وازن لالحتياج ات الجس مية واألخالقي ة س وف يك ون في
تناسق مع الطبيعة أكثر من أي شخص آخر) بافتراض أنه يحيا طبقا لمب ادئ الق رآن .وي ذهب الق رآن
أبعد من ذلك إلى أن الطبيعة كلها مسلمة والفارق الوحيد بين بينها وبين البشر هو حرية اإلرادة حيث
تقودنا الفكرة األساس ية أن الطبيع ة خلقه ا هللا وهي إش ارة وعالم ة على وج وده إلى الفك رة القرآني ة
المذكورة منذ قليل وهي أن الطبيعة كلها مسلمة ألنه كما تم مناقشته سابقا فإن الطبيعة كلها تعمل وفق ا
للقوانين اإللهية (أو ما يسمي بالقوانين الطبيعية) وطبقا للطريقة ال تي ص ممها هللا وخلقه ا به ا .وله ذا
فإن القرآن يستخدم مصطلح اإلسالم( التسليم) للكون بأكمله مادام يطيع أوامر هللا وألن الطبيعة تعم ل
وفقا لقوانين هللا فهي تسلم نفسها إلى إرادة هللا وكنتيج ة لوض عها ف ان الطبيع ة ال تعص ي أم ر هللا وال
يمكنها ذلك وال يمكنها مخالفة القوانين الطبيعية كما هو مفسر في اآليات التالية:
{ألم تر أن هللا يسجد له ما في السموات ومن في األرض والشمس والقمر والنج وم والجب ال والش جر
والدواب وكثير من الن اس وكث ير ح ق عليهم الع ذاب ومن يهن هللا فم ا ل ه من مك رم إن هللا يفع ل م ا
يشاء} الحج18
16
{تس بح ل ه الس موات الس بع واألرض ومن فيهن وإن من ش يء إال يس بح بحم ده ولكن ال تفقه ون
{ ويسبح الرعد بحمده والمالئكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يج ادلون في
{الم تر أن هللا يسبح له من في السموات واألرض والطير صافات كل قد علم ص الته وتس بيحه وهللا
عليم بما يفعلون( )41وهلل ملك السموات واألرض وإلى هللا المصير} النور .42-41
وحيث أن كل شيء في الكون يسلك طبقا للقوانين ال تي وض عها هللا ف إن الك ون بأكمل ه مس لم خاض ع
إلرادة هللا {أفغير دين هللا يبغون وله أسلم من في السموات واألرض طوعا وكره ا وإلي ه يرجع ون}
آل عمران .83وكما يؤكد القرآن فإن البش ر مج رد اس تثناء له ذا الق انون الك وني حيث أنهم الكائن ات
الوحيدة التي لديها حرية اإلرادة في طاعة أو عصيان أمر هللا .االختالف الوحي د ه و أن ه بينم ا يطي ع
كل مخلوق آخر طبيعته بشكل تلقائي فإن البشر يجب أن يتبعوا طبيعتهم وهذا االنتقال من االتب اع إلى
وجوب االتباع هو الميزة والخطر المميزين للبشر ،وهناك نقطة أخري هام ة متعلق ة بك ون الطبيع ة
مسلمة وهي الطريقة اإلسالمية للصالة وهي مكونة من طرق صالة ك ل الكائن ات في الك ون ويحكي
محمد حميد هللا بينم ا ك ان يق رأ اآلي ة 18من س ورة الحج ب دأ يفك ر في دالل ة الحرك ات في الص الة
يتكون الكون من ثالث ممالك :الجمادات والحيوانات والنباتات وخصوصياتهم بالترتيب هي الجل وس
والوقوف وعدم الحركة بالنسبة للجمادات وبالنس بة للحيوان ات فهي البق اء دائم ا في انحن اء وبالنس بة
للنبات ات البق اء دائم ا في س جود بمع ني أن ه م ا دام الج ذر ه و فم النب ات فإن ه دائم ا موض وع على
األرض .ينقي المسلم نفس ه مث ل المي اه و يك بر هللا بص وت ع الي كالرع د ويبقي واقف ا مث ل الجب ال
وراكعا مثل الحيوانات وساجدا مثل النباتات .وتعني الخدمة طاع ة أوام ر هللا وق د أم ر هللا الجب ال أن
17
تبقي ساكنة وأمر المسلمين{ حافظوا على الصالة والصالة الوسطي وقوم وا هلل ق انتين} البق رة.288
وأمر الحيوانات بان تظل دائما راكعة مثلما أمر المسلمين{ وأقيموا الصالة وآتوا الزكاة واركع وا م ع
الراكعين}البقرة .43ويأمر األشجار أن تظ ل س اجدة وي أمر المس لمين{ فاس جدوا هلل واعب دوا} النجم
62
وهكذا فان المسلم يشارك من خالل صالته اليومية في نداء جميع الكائنات من ناحية وتحقيق التكام ل
بين نفسه وبين الحقيقة كلها على الجانب اآلخر ثم ينظ ر إلى ك ل الخليق ة ك إخوة ل ه أم ام هللا ويه دف
وهناك نقط ة هام ة وهي أن ه { وإن من ش يء إال يس بح بحم ده ولكن ال تفقه ون تس بيحهم} اإلس راء
. 44مما جعل العديد من المفكرين المسلمين يعتبروا الطبيعة بأكملها كائنا حيا وعلى سبيل المثال ف إن
تعليق الغزالي على هذه اآليات وآيات مماثلة هو أنه يعتبرها لغة الخلق :
أنت تظن أن في الكون لغة الكالم فقط ولهذا أنت لم تفهم معني كلمات هللا عز وجل{وإن من شيء إال
يسبح بحمده } ولم تفهم معني كلمات هللا {قالتا أتينا طائعين} فصلت 11ولن تستطيع ذل ك ح تى تفهم
ويالحظ جالل الدين الرومي أحد أئمة الصوفية والمفكرين في القرن الث الث عش ر مالحظ ات مماثل ة
مادام هللا قد خلق اإلنسان من التراب فانه من الضروري عليه أن يتبين الطبيعة الحقيقي ة لك ل ذرة في
الكون
إنه بينما من ه ذه الناحي ة هي ميت ة ولكن من الناحي ة األخ رى فهي حي ة وهن ا ص امتة ولكنه ا هن اك
تتحدث.
وعندما ينزلها إلينا في عالمنا تصبح عصا موسي تنينا بالنسبة لنا
18
وتحمل الرياح سليمان ويفهم البحر ما الذي قاله هللا لموسي عنه
ويطيع القمر اإلشارة التي أعطاها محمد وتصبح نار النمرود حديقة من الورود إلبراهيم
وكل هذه األشياء تصيح (نحن نسمع ونري ونرد ولكن بالنسبة لكم غير المطلعين فنحن صامتون)
وعندئذ سوف تعرف كيف تسبح الجمادات هللا ولن تلهيك التفسيرات الخاطئة
ويفكر أيضا سعيد نورسي في هذا المنظور القرآني كما يلي :
( يتحدث القرآن الحكيم عن الكون للتعريف بالذات والصفات واألسماء اإللهية بمعني أنه يشرح معني
كتاب الكون للتعريف بخالقه وهذا يعني أنه ينظر لألشياء ليس من أجل ذاتها ولكن من أجل خالقها).
ويعرض نورسي العديد من األمثلة لما يقول ويكفي المثال التالي لفهم منطقه الذي يعكس أيضا الروح
القرآنية:
واآلن ننظر إلى الينابيع والجداول واألنهار .إن كونه ا تنب ع من األرض والجب ال ليس مص ادفة حيث
إنها موضحة بشهادة فوائدها وثمارها وأعمال الرحمة اإللهية والقول بأن تخزينها في الجب ال بم يزان
الحكمة بقدر ما نحتاج وأنها مس خرة ومحفوظ ة من قب ل هللا الحكيم الحاف ظ وجريانه ا إنم ا ه و اتب اع
ألمره .
واآلن انظ ر إلى ك ل أن واع الص خور واألحج ار الكريم ة والمع ادن في األرض :أن خصائص ها في
الزينة والفائدة وكونها في صورة مالئمة الحتياج ات البش ر والحيوان ات والض رورات الحيوي ة كله ا
تبين أنها من صنع وتنسيق وتخطيط تزيين وتشكيل هللا الخالق الحكيم.
19
واآلن انظر إلى الزهور والثم ار ،إن ابتس اماتها وطعومه ا وجماله ا ونقوش ها و روائحه ا كله ا مث ل
دعوة لقائمة طعام على مائدة الخ الق الك ريم ال رؤوف المعطي للك رم .إن ه ذه األش ياء تعطى كق وائم
للطعام ودعوات لكل فصيلة من الكائنات من خالل ألوانها وروائحها وطعومها المختلفة.
في المناقشة السابقة كما رأينا تظهر نظرة للطبيعة متفردة في القرآن .يعيش المسلون في عالم حي ذي
معني وهدف واألهم من ذلك أنه عالم مسلم مثلهم حتى أنه يسجد أمام هللا .النتيج ة المباش رة ل ذلك ه و
اكتشاف كمال الخليقة والتكامل معها جسديا وروحيا .عندما ينظر المس لمون المتق ون إلى ب يئتهم ف إن
كل شيء سوف يبدو بشكل ما مألوفا وودودا .واألكثر من ذلك أن كل ش يء رم ز وعالم ة تش ير إلى
عندما يدعو الق رآن الن اس لإليم ان باهلل فان ه يؤس س دع واه على بعض النق اط .إن ه ال ي دعوا الن اس
لإليمان برب ال يمكن فهمه ،ويبدأ القرآن دعوته بدعوة الناس للتفكر في بيئتهم .إن الكون وكل ما ب ه
كما يقول القرآن آيات تشير إلى شيء ما أعلى من هذه األشياء -شيء دونه يك ون ه ذا الك ون ب الرغم
من كل أسبابه الطبيعية ال شيء ،ولهذا فإن اآليات التالي ة وآي ات مماثل ة في الق رآن ت دعو الن اس إلى
{سنريهم آياتنا في اآلفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} فصلت53
ولهذا ف ان (اآلي ة) أو (اآلي ات) وهي كلم ات تك ررت 288م رة في الق رآن وهي تع ني( رس ول أو
رسالة أو معجزة أو ببساطة أشياء من العام الطبيعي) باختصار كل شيء في الكون ه و أي ة هلل .يؤك د
فضل الرحمن هذه النقطة عند التعامل مع مفهوم الطبيعة من منظ ور ق رآني (:إن الطبيع ة باتس اعها
20
وانتظامها الذي ال يمكن فهمه تقوم بدور عالم ات هلل أم ام البش ر ألن ه ال يمكن إال لك ائن متف رد غ ير
محدود أن يخلق هذا ويمكن تسمية ه ذا عالم ة طبيعي ة ) وهك ذا( فه ذه اآلل ة الجب ارة :الك ون ،بك ل
عندما كان يطلب الكفار في هذا الوقت دالئل أو آيات أو معجزات إلثب ات وج ود هللا فك ان رد الق رآن
المعتاد هو اإلشارة إلى تعقيد وتنظيم وانتظام الطبيعة ويؤكد أن الكون وكل ما في ه لم يكن أن يس تطيع
أن يوجد وحده .وفي خطاب القرآن فان الطبيعة ع الم كام ل حي وكلي ومنظم يس كنه المالئك ة والجن
والبشر والحيوانات وعلى هذا فإنه بكل عملياته السببية هو اآلية والدليل على خالقه.
يجب أن يكون واضحا أن كل قطعة فنية تس تحق ليس فق ط اهتمامن ا وتق ديرنا و إعجابن ا ولكن أيض ا
حمايتنا .نحن نتبين بسرعة أن اللوحة الفنية تستحق كل ن وع من الرعاي ة والتق دير ،والطبيع ة أيض ا
الممتلئة بآيات هللا وهي أكثر من ذلك لوحته الفنية لعمله الخالق تستحق حرصنا وامتنانن ا واحترامن ا.
باإلضافة إلى ذلك فإن الطبيعة التي تتكون من آيات هللا تحتوي بش كل م ا على قيم ة داخلي ة تف وق م ا
يعطيه البشر لها بشكل أداتي وفي هذا السياق تستحق اآليات التالية اهتمامنا:
{وإن لكم في األنعام لع برة نس قيكم مم ا في بطون ه من بين ف رث ودم لبن ا خالص ا س ائغا للش اربين}
النحل66
{أفال ينظرون إلي اإلبل كيف خلقت( )17وإلى السماء كيف رفعت( )18وإلى الجب ال كي ف نص بت(
تدعونا هذه اآليات إلى التفكير في الخليق ة ال تي تحي ط بن ا وال تي يمكنن ا أن نراه ا في حياتن ا اليومي ة
والتي هي مليئة بالمعني والتصميم الرفيع وخير هللا على البشرية .وفي كلمات نصر فإن الطبيع ة هي
(مسرح تتجلي فيه آي ات هللا) إن الت أثير الع ام لفهم الطبيع ة كعالم ات هلل أم ر في غاي ة الوض وح في
21
تاريخ الفكر اإلسالمي .يعتبر المفكرون المسلمون الطبيعة كتابا مقدسا ملئ بالرموز والعالمات .على
أن الكون أمر منظم جيدا وذو معني مثل كتاب شخصي هلل للواحد العظيم وهو تجسيد رب اني ومدين ة
مزينة هلل الرحيم .وكل السور واآلي ات والكلم ات في ه ذا الكت اب وح تى مج رد الح روف واألج زاء
واألحزاب والصفحات والسطور خالل العملية الدائم ة إلزال ة المع ني وإع ادة تأكي ده و التغ يرات و
التبديالت الحكيمة -كل هذا يعطي تعبيرا مطلقا عن وجود وتواجد هللا الواحد العليم بكل شيء والق وي
على كل شيء وهو صاحب ه ذا الكت اب وه و الك اتب العظيم وه ذه الكتاب ة العظيم ة ال تي ت ري ك ل
وربما يمكن اعتبار الطبيعة كتابا منظما ومح دودا وربم ا يطل ق عليه ا كت اب الك ون مم ا ي وحي ب أن
الكون مثل القرآن حيث يكشف لنا وجود الخالق والحافظ .و كنتيجة لذلك من الممكن استنتاج إن كتاب
الكون قد أعطي لنا حتى نحافظ عليه ونحميه .أال يجب على ه ؤالء المؤم نين ال ذين يمس كون الق رآن
باحترام (ال يلمسوه إال بعد تطهرهم بالوضوء) -أال يجب أن يعاملوا الكون باحترام وحب؟ إن واجبن ا
إذن كخلفاء وأوصياء هلل على األرض هو إظهار االحترام لموضع الثق ة األص لي(الطبيع ة) والحف اظ
عليه بحرص وهذا يع ني ع دم إفس اد الم وارد الطبيعي ة عن د اس تخدامها ،ويص ل ساش يكوموراتا إلى
عندما يشجع القرآن الناس على النظ ر إلى ك ل ش يء كعالم ات هلل فإن ه يش جعهم على اس تخدام ن وع
خاص من العمليات العقلية الغ ير موجه ة نح و األش ياء أو المعلوم ات ولكن على العكس ف إن الق رآن
يخبرنا أننا ال يجب أن ندرك األشياء لذاتها ولكن لما تخبرنا به عما ورائها .
22
ومن التبعات األخرى اختفاء الحد الفاصل بين اإلنسان والطبيعة كأش ياء منفص لة حيث أنه ا عالم ات
هلل متصلة ببعضها ومعتمدة على بعضها و بمصطلحات دعاة البيئة فان هذا يعني نظرة كلية وروحي ة
بالنسبة الحيوانات
هناك سؤال آخر يتعلق بالبيئة بالحيوانات والحماي ة الواجب ة نحوه ا أو بش كل أدق امت داد التعب ير عن
كرمنا وتعاطفنا معها .ولكن لألسف اليوم هناك العديد من الفصائل الحيوانية التي تتعرض لالنق راض
وهناك حيوانات أخري ضالة ومتروكة جوعي في ش وارع أم اكن عدي دة من الع الم .وعام ة ال يمكن
القول بأننا نعامل الحيوانات بشكل جيد كما يجب أو أننا نقوم بمسئوليتنا تجاهها وفي رأيي إن أحد أهم
األسباب لذلك هو عدم الوعي بالقيم القرآنية التي ال تنظم فقط عالق ات المؤم نين بين البش ر وبعض هم
وبين البشر والبيئة ولكن أيضا لكن عالقة البشرية بالكائنات الحية األخ رى .ونتيج ة طبيعي ة ل ذلك أن
البشر مسئولون أمام هللا عن اتجاهاتهم وأفعالهم نح و الطبيع ة والحيوان ات .وله ذا فق د تمت مناقش ة
بعض األسئلة بشكل مكثف من قبل دعاة البيئة في أرجاء العالم حول حقوق الحي وان واتج اه البش رية
نحو الحيوانات باإلضافة إلى موضوع انقراض الحيوانات وهذه األسئلة تشكل بعض المشاكل الكبرى
التي يحاول دعاة البيئة حلها .وتستحق النظرة القرآنية للحيوانات المزيد من االعتبار هنا.
النقطة األولي بخص وص الحيوان ات في الق رآن ال تي ق د ت دهش الق ارئ المهتم بالبيئ ة أو ال ذي لدي ه
إحساس بالبيئة هي حقيقة أن العدي د من الس ور في الق رآن تحم ل أس ماء حيوان ات على س بيل المث ال
البقرة والنحل والعنكبوت والنمل ،واألكثر من ذلك أن احد التعبيرات المدهشة التي يس تخدمها الق رآن
لإلشارة إلى الحيوانات أنها تش كل (أم ة) مثلن ا .ومم ا يس تحق المالحظ ة بش كل خ اص بالنس بة له ذا
المفهوم الذي يعد فكرة ذات داللة كبيرة في التراث واألدب االسالميين أنه يستخدم بالنسبة للحيوانات:
23
{ وما من دابة في األرض وال طائر يطير بجناحيه إال أمم أمثالكم ما فرطن ا في الكت اب من ش يء ثم
باإلضافة إلى ذلك فهناك عالقة وثيقة بين هللا كرب وال ه ك ل الع والم وبين الحيوان ات ،وتج ذب اآلي ة
{وما من دابة في األرض إال على هللا رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} هود.6
و األكثر من ذلك أن القرآن يؤكد أن العالم الطبيعي لم يخلق فق ط من أج ل اس تخدام البش ر وح تى إذا
كان اإلنسان خليفة هللا على األرض فال يعني ذلك بالضرورة أن الطبيعة بأكمله ا وموارده ا مص ممة
{واألرض وض عها لألن ام ( )10فيه ا فاكه ة والنخ ل ذات األكم ام()11والحب ذو العص ف
والريحان}الرحمن12-10
معني األنام هنا وهو كل الكائنات الحية هو أمر هام جدا في دراستنا ،من هذه اآلية يمكن اس تنتاج أن
خيرات األرض وكل الموارد ليست مقصورة على استخدام البشر ولكن لكل مخلوق ات هللا ال تي تحي ا
ويجذب القرآن انتباهنا إلى ناحية أخري تتعلق بالحيوانات وهي إمكانية التفاهم معهم على ال رغم من
أن طبيعة هذا التفاهم ليست محددة .على سبيل المثال في حكاية النبي سليمان يخبرنا هللا أنه ق د علم ه
{وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن ه ذا له و الفض ل
المبين( )16وحشر لسليمان جنوده من الجن واإلنس والطير فهم يوزعون()17حتى إذا أت وا على واد
النمل قالت نملة يا أيها النم ل ادخل وا مس اكنكم ال يحطمنكم س ليمان وجن وده وهم ال يش عرون} النمل
18-16
24
الحقيقة أنه حسبما يقول القرآن فإن سليمان كان باستطاعته فهم لغات الطيور والنمل وه ذا مم ا يش ير
إلى نقط تين على األق ل .األولي أن التف اهم م ع الحيوان ات ممكن على ال رغم أن ح دود ذل ك ليس ت
معروفة في الوقت الحالي وربما يشير هذا إلى نقل المعني إلى الكائنات الحية األخرى .ثانيا يجب أن
تفهم أن الحيوانات تماما مثل البش ر على األق ل في بعض الن واحي .وبالتع ارض م ع اآلراء الحديث ة
السائدة فال يوجد فصل واضح بين البشر والمخلوقات غير البشرية ألنها كلها مخلوقات لنفس الخ الق.
ويقول نورسي معلقا على معجزات األنبياء المذكورة في القرآن بالنسبة لفهم سليمان للغة الطي ور :إن
القرآن يشجع البشر على تقليد أفعال الرسل والوصول إلى األه داف ال تي تص ورها ه ذه المعج زات.
الفكرة األساسية هي أن القرآن بذكره العديد من معجزات الرسل يلمح إلى أن العقل اإلنساني يجب أن
وليس من الص عب رؤي ة أن الحيوان ات ليس ت م ذكورة هن ا ألغ راض االس تخدام ولكن من حيث أن
عالقتنا بها ال يمكن فقط أن تبني على مب دأ المنفع ة .وبالتأكي د أن البش رية س وف تس تخدم الحيوان ات
وتستفيد منها ولكن يكون هذا فقط في نطاق العالقة المشروعة بينن ا وبينهم .ومن التوق ع من ا أن ن ري
الطبيع ة ومن يس كنها من منظ ور واس ع وكلي مق درين الن واحي الميتافيزيقي ة والجمالي ة والن واحي
األخرى أيضا.
يجب أن يك ون الخط اب الق رآني ح ول البش ر وم وقعهم في النظ ام الع ام للكائن ات وعالق ة اإلنس ان
المشروعة بالكائنات األخرى واضحا اآلن .منذ نشر مقال لين وايت المثير للجدل فقد اعتقد الكث يرون
أن التراث اليهودي المسيحي مسؤول عن التدهور البيئي وحاول بعض النقاد إدخ ال اإلس الم في ه ذا
التصنيف .وبالتأكيد فان النهج الجزئي وشديد التبسيط لتناول بعض آيات القرآن ق د يس اند ه ذا ال رأي
25
المسيحي كما يلخص ه كيث توم اس (:إعط اء االنطب اع أن ك ل ش يء على األرض مخل وق من أج ل
اإلنسان وأن سلطة اإلنسان على الطبيع ة غ ير مح دودة وأن ه من المس موح ل ه اس تخدامها كم ا يحب
للربح أو للمتعة .والنباتات بوضوح ليس لها أي حقوق ألنها كائنات محروم ة من اإلحس اس وبالت الي
ال يمكن حدوث إصابة لها والحيوانات ليس لها حقوق أيضا :
{والذي خلق لكم ما في األرض جميعا ثم استوي إلي السماء فس واهن س بع س ماوات وه و بك ل ش ئ
عليم} البقرة29
{هو الذي جعل لكم األرض ذلوال فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور}الملك15
{ هللا الذي خلق السموات واألرض وأنزل من السماء ماء ف اخرج ب ه من الثم رات رزق ا لكم وس خر
لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم األنهار( )32وس خر لكم الش مس والقم ر دائ بين وس خر
لكم الليل والنهار( )33وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تع دوا نعم ة هللا ال تحص وها إن اإلنس ان لظل وم
كفار} ابراهيم34-32
ومن المؤكد أن البشر هم على قمة تسلسل الكائنات ولكنهم ليسوا مالكي الطبيعة هكذا وبطريقة أخري
ف إن الغ رض الوحي د للطبيع ة ليس فق ط لخدم ة البش ر وأه دافهم .وعن دما يتم أخ ذ الق رآن وإدراك ه
ككل(بشكل كامل ومتكامل) فإن هذا االنطباع سوف يختفي على الفور .
عندما يتم دراسة اإلسالم وخاصة ت اريخ تفس ير الق رآن من ه ذا المنظ ور فيمكن رؤي ة أن المس لمين
استنبطوا من هذه اآلي ات وم ا يماثله ا أت ه (ب الرغم من أن خدم ة البش رية إح دى وظ ائف المكون ات
العديدة للبيئة الطبيعية إال أن ذلك ال يعني أن استخدام اإلنسان هو السبب الوحيد لخلقها .ولدى العلم اء
المسلمين القدامى والمعاصرين آراء شيقة عن هذا الموضوع حيث يق ول الب يروني أح د أعلم العلم اء
والم ؤلفين المس لمين في الق رن العاش ر على س بيل المث ال إن اإلنس ان ليس لدي ه الح ق في اس تغالل
26
الممالك األخرى حسب رغبته التي ال يمكن إرضاؤها ولكن يجب أن يستخدمها فق ط طبق ا لق انون هللا
ونهجه) وأكثر من ذلك أن ابن تيمية يؤكد معلقا على اآليات السابقة أنه :
بالتفكير في هذه اآليات يجب تذكر أن هللا بحكمته خلق ه ذه المخلوق ات ألس باب غ ير خدم ة اإلنس ان
ويصل سعيد نورسي إلى نتيجة مماثل ة حيث يق ول إن (هن اك العدي د من األه داف لوج ود ك ل ش يء
وهناك العديد من النتائج التي تنبع من كونه موجودا ) وإن ( ه ذه األش ياء ليس ت مقص ورة على ه ذا
العالم وعلى أرواح البشر) وعلى العكس فإن أهداف وجود كل األشياء ونتائجها تتصل بالفئات الثالثة
التالية:
األولي واألكثر إجالال هي ما يتعلق بالخالق ويتكون من عرض أمام األنظ ار العج ائب المبه رة ال تي
وضعها في األمر موضع التفكير وهكذا فإن الهدف األول لكل شيء ه و إعالن المعج زات ال تي ت دل
على قوة وإعجاز الخالق وتعرضها أمام األنظار من خالل حياة الناس ووجودهم.
الهدف الثاني لكل الوجود والنتيجة لكل ما هو كائن يتعلق بالخليقة الواعية .كل شيء مثل الرس الة أو
القصيدة الفنية أو الكلمة الحكيمة للخالق العظيم تق دم إلى أنظ ار المالئك ة والجن والبش ر والحيوان ات
ويرغب في أن يقوموا بقراءته أنه موضع التفكير واإلرشاد لكل كائن واع ينظر إليه.
الهدف الثالث لكل الوجود والنتيجة لكل م ا ه و ك ائن تتعل ق ب روح الش يء نفس ه وتتك ون من تبع ات
يجب أن يك ون واض حا أن الطبيع ة موكل ة إلين ا حيث أنن ا خلف اء هللا على األرض .نحن ليس أس ياد
الطبيعة والعالم على ال رغم من ذل ك وليس الع الم ملك ا لن ا تحت تص رفنا لنس تخدمه بش كل عش وائي
وغير مسئول وعلى العكس فإن الطبيعة قد خلقها هللا وهي تنتمي إليه .األمر المهم في السياق الق رآني
27
أننا مسؤولون ومحاسبون هنا عن أفعالنا في األرض وهذا يعني أننا مسؤولون عن كل ما نفعله س واء
كان خيرا أو شرا .وكخلفاء هلل سوف ندعي لنشهد على أعمالنا لتحقيق هذه الثقة :
{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره( )7ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} الزلزلة 8-7وأيضا
وكما يقول يوس ف علي ف إن الرس الة ال تي تنقله ا ه ذه اآلي ة هي ج وهر ال وحي ألنه ا تش رح الحي اة
اآلخرة .خلق هللا كل األشياء وصانها وسوف تعود كلها إليه ولكن النقطة ذات األهمية الخاص ة للبش ر
أن البشر سوف يعودون أيضا إلى هللا وسوف يكونون مسئولين أمامه فقط.
باختصار فإنه على ال رغم أن اإلنس ان ق د أعطي مكان ة عالي ة في تسلس ل الخليق ة وأن الطبيع ة بك ل
مواردها الغنية قد أوكلت إلينا فال يجب أن ننسي أننا عباد هللا وأن الغاية القصوى من خلقنا هي عب ادة
هللا وهكذا فإن اإلنسان مدعو إلى استخدام الفرصة للعمل الصالح وليس للفساد في األرض.
خاتمة
تستند مناقشتنا للرأي القرآني عن البيئة إلى الفهم بأن كل شيء في الكون قد خلقه هللا .إن هللا هو الذي
يزين السموات بالشمس والقمر والنجوم ويزين وجه األرض بالزهور واألشجار والحدائق والبس اتين
ومختلف فصائل الحيوان .وهو هللا أيضا الذي يجعل األنهار والجداول تج ري في األرض وه و ال ذي
يمسك السماوات (بغير عمد) ويجعل المطر ينزل ويضع حدا بين الليل والنهار .والك ون بك ل م ا في ه
من ثراء وحيوية هو عمل وفن هللا الخالق .وهو أيضا هللا الذي خلق كل الحيوان ات والنبات ات أزواج ا
من أجل التناسل .وخلق هللا الرجل والمرأة تبعا لكل ذلك .
وله ذا نخلص إلى أن األخالق البيئي ة هي ن اتج منطقي للفهم الق رآني للطبيع ة وللبش رية .إن النظ ام
القيمي للقران به العناصر الضرورية لبناء وتطوير األخالقيات البيئي ة .إن ترك يز الق رآن على البع د
28
المقدس والميتافيزيقي للكون يجب أن يقودن ا إلى تغي ير الص ورة العام ة للمس لمين عن الطبيع ة وعن
أنفسهم أيضا .ووجهة النظر القرآنية ه ذه يمكن مالحظته ا والعث ور على مث ال له ا في حي اة الرس ول
محمد صلي هللا عليه وسلم ألن حياته تعتبر لدي المسلمين هي الحياة بالقرآن ولديها تأثير مث الي ق وي
على المسلمين على مر الزمن .ونظر المسلمون إلى الطبيعة بتعاطف وتسامح نتيجة لتشربهم بأخالق
الرسول .واليوم كل ه ذه المب ادئ تنتظ ر إع ادة اكتش افها وتحليله ا من أج ل ص ياغة أخالقي ات بيئي ة
يمكن استنتاج واستنباط المبادئ التالية من القرآن وهي ضرورية ألي أخالق بيئية:
-إن للعالم الطبيعي وج ودا س ببيا وموض وعيا ألن ه ق د خلق ه هللا وان ه يعكس أس مائه وص فاته
الحسني.
-إن للبيئ ة كك ل قيم ة داخلي ة وجوهري ة لكونه ا مخلوق ة ومحفوظ ة من هللا بغض النظ ر عن
فائدتها للبشر
-إن البشر على الرغم من كونهم ارقي الخليقة فهم ليسوا إال أعضاء في مجتمع الطبيعة ولديهم
-البشر هم خلفاء هللا على األرض ولهذا سوف يحاسبون في اآلخرة على أفع الهم هن ا وس وف
-إن التنوع الطبيعي وثراء النظ ام البي ئي ه و نتيج ة لخل ق هللا وإرادت ه وله ذا يجب أن يح ترم
-لقد خلقت الطبيعة في نظام واتزان وعلى قدر كب ير من الجم ال وك ل ه ذه الن واحي للطبيع ة
-يجب أن تستند كل أنماط اإلنتاج واالستهالك اآلدمي إلى النظام والتوازن الع ام للطبيع ة .إن
حقوق البشر ليست مطلق ة وغ ير مح دودة .ال يمكنن ا أن نس تهلك ونل وث الطبيع ة كم ا نري د
بإهمال
-إن منع ظه ور الفس اد في األنظم ة الطبيعي ة ومن ع الفس اد في األرض ه و أح د المس ئوليات
لقد غير القرآن قلوب وعقول من يسمعونه عندما ظهر في شبه الجزيرة العربية مثريا البشرية ومقدما
عدسة حية يمكن من خاللها النظر على الطبيعة .اليوم في مطلع الق رن الح ادي والعش رين وفي وقت
األزمة البيئية العالمية فإن الق رآن يمكن ه أن يلعب دورا م رة أخ ري ويعطين ا نحن المؤم نين بص حته
منظورا جدي دا ووعي ا بالطبيع ة إذا كن ا مس تعدين أن نفتح قلوبن ا وعقولن ا لتعاليم ه .إن العالق ة ال تي
يصغها القرآن فيما بين البشر وغيرهم من المخلوقات قد ذكرها بشكل جيد ودقيق ي ونس إم ري اح د