You are on page 1of 29

‫‪1‬‬

‫القسم األول‪ :‬هللا والبشر والطبيعة‬

‫نحو فهم لألخالقيات البيئية من منظور قراني‬

‫إبراهيم ازدمير‬

‫‪(Original Paper: “Towards An Understanding Of Environmental Ethic From A Qur'anic‬‬


‫‪Perspective", Islam and Ecology, ed. Richard Foltz (Harvard University Press, 2003), pp.‬‬
‫)‪1-37.‬‬

‫{أفال يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}محمد‪24‬‬

‫كان القرآن الذي يعتبره المسلمون أخر حلقات الوحي اإللهي مصدرا لإللهام والنور والهداية للفالسفة‬

‫المسلمين وعلماء الدين وأئمة الصوفية والعلماء والقضاة والمسلمين العاديين الذين قبلوه كوحي‬

‫مقدس‪ ،‬هذا باإلضافة إلى آخرين من طرق متشعبة ومسارات مختلفة للتفكير يمكن العثور عليها في‬

‫التراث اإلسالمي وهي مدارس التفكير االبتداعية‪ .‬ويمكن القول أن القرآن يعتبر لدي المسلمين كتابا‬

‫للقانون والصالة والحكمة والعبادة واالبتهال‪-‬باختصار هو نص مقدس فريد وشامل يحتوي على كل‬

‫ما يتعلق أساسا بحالة اإلنسان‪ .‬ولهذا السبب فهناك إجماع من المسلمين وغيرهم أنه هو القاعدة‬

‫األساسية لإليمان بالنسبة للفرد المسلم وما يطلق عليه الحضارة اإلسالمية‪ .‬ويعتقد المسلمون بشكل‬

‫طبيعي أن القرآن يمكنه أن يلعب هذا الدور اليوم بل ويجب عليه ذلك من أجل أن نحيا حياة أخالقية‬

‫ذات معني ‪ .‬وكما هو واضح من سجالت التاريخ فقد لعب القرآن هذا الدور في حياة المسلمين منذ‬

‫مطلع الرسالة معطيا نظرة للعالم شاملة متكاملة مبنية على وحدة الحقيقة (التوحيد)‪.‬‬

‫انه من سخرية التاريخ انه خالل النصف الثاني من القرن التاسع عشر والنصف األول من القرن‬

‫العشرين أن وجهة النظر السائدة التي يعتنقها الفالسفة الوضعيون وذوو التفكير العلمي أنه بإمكان‬

‫العلم والتكنولوجيا إرضاء البشرية وحل جميع مشاكلها بدون خلق مشاكل جديدة‪ ،‬واألكثر من ذلك أن‬

‫هؤالء الناس حاولوا إقناعنا انه ليس فقط األديان ولكن كل األطروحات والتخيالت الميتافيزيقية‬
‫‪2‬‬

‫جميعها بال معني ولهذا يجب إزالتها مما يشغل اإلنسان الحديث‪ .‬وكنتيجة لهذا الرأي فقد اإلنسان‬

‫الحديث وعيه للبعد المقدس للطبيعة وعزل نفسه عنها‪ .‬ولكن اليوم على الرغم من ذلك وبفضل الوعي‬

‫البيئي المتزايد يمكننا أن نفهم بوضوح أن البشر ليسوا منفصلين عن الطبيعة وال أعلى منها ولكنهم‬

‫جزء من نسيج الحياة‪.‬‬

‫منذ ظهور األزمة البيئية بدا اإلنسان الحديث في إدراك األديان من منطلق جديد وهو وجهة نظر بيئية‬

‫كل شي فيها مرتبط بكل شي أخر ويمكن رؤية الطبيعة خاللها كوحدة عضوية‪ .‬وهذا هو المنطق‬

‫الذي شجع األفراد من جميع األديان على دراسة وإعادة تقييم تراثهم‪.‬‬

‫األمر األكثر إثارة للعجب أن الطبيعة العالمية للمشاكل البيئية قد شجعت الناس من أديان العالم‬

‫المختلفة على التعامل سويا لرؤية المشاكل في شكلها الحقيقي‪ .‬وبشكل مختلف يمكن القول إن هذا‬

‫الفهم الجديد يجمع الناس من األديان والتقاليد المختلفة في جبهة جديدة ويمهد الطريق لحوار بينهم لم‬

‫يحدث من قبل في تاريخ اإلنسان‪ .‬ومع بداية ألفية جديدة يبدو أن البشرية تعود تتجه بقلبها وعقلها‬

‫ووجهها نحو هللا ليس فقط من أجل معرفته لذاته ولكن أيضا لألمل في مستقبل أفضل ليس فقط من‬

‫أجل البشر ولكن من أجل الخليقة بأكملها‪ .‬والمنطق البيئي بطبيعته أمر كلي ومترابط ويحثنا على‬

‫إعادة اكتشاف وإعادة التفكير في قيمنا الدينية على أعتاب األلفية الجديدة‪ .‬هناك أالن ضرورة ملحة‬

‫لمل ما يطلق عليه هانز جونس(الفراغ األخالقي في قلب الثقافة الحديثة المعاصرة) ولذلك من‬

‫الضروري أيضا تحديد األطروحات األساسية وراء هذه النظرة المعاصرة‪.‬‬

‫احد هذه األطروحات أن الطبيعة هي آلة ليس لديها قيمة وليس لها أي إحساس بالغاية وباختصار فان‬

‫هذا الرأي يسلب الطبيعة من كل صفاتها الجوهرية‪ .‬يجب تذكر نظرية جون لوك للصفات األساسية‬

‫والثانوية في هذا السياق‪ ،‬يقول لوك إن الصفات األساسية فقط موجودة في الطبيعة وال يوجد مكان‬

‫لصفات الثانوية ولكن هذه األخيرة هي نواتج للعقل اإلنساني تم فرضها على الطبيعة والتي هي في‬
‫‪3‬‬

‫حد ذاتها خالية من الروح والذكاء وليس لديها أية قيمة داخلية أو جوهرية على اإلطالق‪.‬‬

‫باختصار(الطبيعة أمر ممل بال صوت بال رائحة بال لون فقط هناك اندفاع المادة بال انقطاع وبال‬

‫معني) على سبيل المثال فان الشجرة ليس لديها قيمة جوهرية لكونها كذلك‪ .‬وطبقا للمفهوم المادي‬

‫الحديث للطبيعة فان الشجرة تكتسب قيمتها من خالل التدخل اإلنساني مثلما عندما تصبح كرسيا أو‬

‫منضدة أو إي شي‪ .‬القيمة الوحيدة التي يمكن أن تكون للطبيعة هي القيمة األداتية (من ناحية الفائدة أو‬

‫االستخدام) وهذا الفهم للطبيعة قد أعطي تبريرا االستخدام المستغل للطبيعة والموارد الطبيعية‪.‬‬

‫انتقد الكثير من دعاة البيئة بشكل حاد في العقود السابقة وجهة النظر األداتية التي تميز الفكر الحديث‪.‬‬

‫يقول دعاة البيئة إنه هناك عالقة قوية مباشرة بين المشاكل البيئية وفهمنا الحديث للطبيعة ‪ .‬وبشكل‬

‫أكثر تحديدا فإن نظم القيم التي نتبعها التي بالتالي تشكل سلوكنا واتجاهاتنا نحو المجتمع والطبيعة هي‬

‫نتيجة للمعتقدات الكلية واآلراء الميتافيزيقية نحو الحقيقة الكاملة‪ .‬بناء على ذلك فان أي نظريات‬

‫جديدة لألخالقيات البيئية من المتوقع أن تصطدم مع األطروحات األساسية للفهم الحديث السائد‬

‫للطبيعة‪.‬‬

‫وعلى الرغم انه من الممكن القول أن النظرة العلمية للعالم هي ظاهرة غربية فان تأثيرها يمكن‬

‫اإلحساس به في كل مكان وليست الدول اإلسالمية استثناء لذلك وهذا يعود بدرجة كبيرة إلى أن‬

‫متبعي األنظمة القيمية التقليدية يتلقون تعليمهم في الغرب أو في مؤسسات على األسلوب الغربي‬

‫ونتيجة لذلك فان قلوبهم وعقولهم قد تأثرت بشكل ملموس بالمفاهيم والقيم الحديثة والغربية‪ .‬تقودنا‬

‫هذه المالحظة إلى السعي إلى إعادة اكتشاف معني الكون‪ ،‬األمر الذي يمكن اعتباره البعد المفقود‬

‫للحداثة أو(البعد المقدس للحقيقة) كما يطلق عليها البعض‪ .‬اهتمامنا هنا هو استكشاف البديل القرآني‬

‫الذي هو اكتشاف معني الطبيعة ومكان اإلنسانية فيها من خالل منظور القرآن‪ .‬إذا وجهنا أنفسنا إلى‬

‫هذه األسئلة بانتباه فبإمكاننا أن نصل إلى أخالق بيئيه قرآنية ‪ .‬وفي نفس الوقت فإن موقعنا يفترض أن‬
‫‪4‬‬

‫متبعي الديانات األخرى بإمكانهم أيضا طرح أخالقياتهم‪ .‬من المفترض هنا أن الدين كنظام محدد‬

‫للثقافات ومرشد للسلوك اإلنساني بإمكانه أن يوفر القاعدة الميتافيزيقية الالزمة لألخالقيات البيئية‪.‬‬

‫بالنظر إلى الوحي األول في القرآن الذي أنزل في الفترة المكية فسوف نري أن الهدف األساسي‬

‫هو(إيقاظ الوعي األعلى في اإلنسان بعالقاته المتعددة مع هللا ومع الكون)‪.‬وستكون النتيجة أوال تغيير‬

‫نظرته للعالم ثم بناء صورة لنفسه وختاما فإن اتجاهاته ومشاعره وأحاسيسه ونسق عالقاته مع‬

‫الحقيقة سوف تتغير طبقا لذلك ‪ .‬تعد هذه اآليات الهامة مفتاحا لفهم النظرة القرآنية للعالم‪ .‬يقول‬

‫الفيلسوف المسلم والصوفي أبو حامد الغزالي (توفي‪ )1111‬انه في تقييم معنى اآليات القرآنية فإن‬

‫السور األولي هي (روح القرآن وقلبه ولبه وسره)‪ .‬بالنسبة للغزالي فإن هذه اآليات هي التي تعطينا‬

‫وتبين لنا معنى الحقيقة‪ .‬إنها تدور حول هللا وكيف يمكننا أن نفهم وجوده من خالل العالم الطبيعي‪.‬‬

‫ولهذا يدعونا الغزالي لبذل مجهود جاد لمعرفة المعني العميق المختبئ داخل آيات القرآن‪.‬‬

‫استبدل القرآن بتركيزه على البعد الميتافيزيقي للطبيعة مفاهيم الكفار عن الطبيعة بفهم جديد وحي‪ .‬إنه‬

‫لمما يثير العجب أن تري التطابق المدهش بين وجهة نظر العرب عن الطبيعة أنها بدون حياة أو‬

‫معني أو هدف وبين األفكار التي جاءت بعد باسم النظرة العلمية للعالم في العصر الحديث واليوم فان‬

‫القرآن مستعد كما هو دائما لتحدي المفاهيم المادية الحديثة للطبيعة وليعطي نهجا شامال وكليا‬

‫للوصول إلى نظريه أخالقية بيئية‪ .‬أما األسئلة التي تواجهنا نحو فهم لألخالقيات البيئية من منظور‬

‫قرآني فهي كالتالي‪:‬‬

‫‪ ‬هل للطبيعة أي هدف أو وجود مستقل ؟‬

‫‪ ‬ما هو معني الطبيعة؟‬

‫‪ ‬ما الذي تمثله الطبيعة؟‬

‫‪ ‬كيف ينظر القرآن إلى الطبيعة ككل؟‬


‫‪5‬‬

‫‪ ‬ما هو مكان البشر في التسلسل الكبير للوجود؟‬

‫إن قناعتي األساسية أنه فور اكتشاف القاعدة الميتافيزيقية لألخالقيات البيئية في النظام القيمي القرآني‬

‫فلن يكون من الصعب الوصول ألخالقيات بيئية على هذا األساس‪ .‬واألكثر من ذلك أن فهم البعد‬

‫الميتافيزيقي للقرآن سوف يعطينا فرصة لفهم وتقدير وتطوير أفكار واتجاهات ذات إحساس متعلق‬

‫بالبيئة خالل التاريخ اإلسالمي‪.‬‬

‫الطبيعة من منظور قراني‬

‫البعد الميتافيزيقي للطبيعة‬

‫يمكن رؤية البيئة من خالل المنظور القرآني بأفضل ما يكون في الوحي األول على الرسول عليه‬

‫الصالة والسالم الذي تلقاه في غار حراء في جبل النور‪ .‬نحن نعرف أول أية كانت أمرا من‬

‫هللا{اقرا} وكان الرد الفوري للرسول عليه الصالة السالم على هذا األمر (ما أنا بقارئ) فأصر‬

‫جبريل عليه السالم حامل الوحي{اقرأ} ثم كرر جبريل مرة ثالثة قائال {اقرأ باسم ربك الذي‬

‫خلق}العلق‪. 1‬‬

‫النقطة هنا أن محمدا لم يكن متعلما ولم يكن هناك نص بأي شكل يمكن أن يقرأ‪ .‬إذن ماذا كان معني‬

‫أول أمر مقدس {اقرأ}؟ هناك إجابة كما أعتقد أن القراءة هنا تعني طريقة جديدة للنظر إلى العالم‪،‬‬

‫والفكرة األساسية هي أن القراءة يجب أن تكون باسم الخالق‪ .‬ولهذا فإنه في البداية يكون التعلم أن هللا‬

‫الخالق قد أعطي الوجود والمعني لكل شي أخر‪ .‬وهللا طبقا للقران هو الخالق والمالك والحافظ الحقيقي‬

‫لكل شي‪ .‬ولهذا فإننا يجب أن نرى ونقرأ الحقيقة كلها واضعين هذه النقطة في أذهاننا‪ .‬ويمكن اإلشارة‬

‫إلى أن كل الكتب التي يكتبها المسلمون تبدأ بهذه الجملة{بسم هللا الرحمن الرحيم} وتتكرر هذه الجملة‬

‫في الحياة اليومية للمسلمين كإشارة إلى وجهة النظر اإلسالمية هذه‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫يكشف الفحص الدقيق لآليات األولي للقران دعوة إلى الفحص والتفكر في السموات واألرض وكل‬

‫شيء يمكن رؤيته في هذه البيئة؛ الطيور واألنعام والسحاب والبحار واألعناب والنخيل والزيتون‬

‫والذباب والقمر والشمس واألسماك واإلبل والنحل والجبال والمطر والرياح‪ -‬باختصار كل الظواهر‬

‫الطبيعية‪ .‬ويهدف القرآن في تأكيده المتكرر على التفكر في الطبيعة إلى إيجاد إنسان نشط وفعال ‪.‬‬

‫وأهم صفات هذا اإلنسان كما نفهم من هذه اآليات أن عقله متفتح لألحداث الجديدة وهو واع بما يدور‬

‫من منظور قرآني وعندئذ سوف‬ ‫حوله في السموات واألرض وهو يسعي إلى فهم هذه األشياء‬

‫يصل إلى النتيجة {ربنا ما خلقت هذا باطال سبحانك } آل عمران ‪ 191‬وهذه هي إحدى النتائج التي‬

‫يساعدنا القرآن على الوصول إليها‪ :‬البحث عن المعني ‪.‬‬

‫وفي مواضع عديدة يؤكد القرآن ويعيد تأكيد المبدأ األعلى الموجود في ما وراء الطبيعة‪ -‬لماذا توجد‬

‫الطبيعة وماذا تعني‪ .‬ما يحاول القرآن شرحه أمر بسيط وواضح‪ :‬ليست الطبيعة موجودة عن طريق‬

‫الصدفة نتيجة لعمليات التطور والتوفيق العشوائي بدون معني أو هدف‪ ،‬إنها لديها نظام ومعني ولهذا‬

‫فان البشر إذا فكروا وتفحصوا بنية الظواهر الطبيعية فبإمكانهم استنتاج وجود الخالق القدير العليم‬

‫الرحيم‪.‬‬

‫لقد تحدي القرآن الشرك لدي كفار العرب باإلشارة إلى الطبيعة كتجمع من الظواهر التي لها نظام‬

‫ومعني وهدف ودعوتهم لدراسة نظامها بحرص بحيث يستنتجوا منها وجود هللا الذي يكشف ويجلي‬

‫قوته ورحمته من خالل الكون ‪.‬وطبقا لطبيعة القرآن(إن وجود بناء صلب مصاغ جيدا بدون فجوات‬

‫أو تمزقات أو عيوب هو أحد اإلعمال العظيمة هلل)‪ .‬ومثل المرآة فهو يعكس القوة والجمال والحكمة‬

‫والرحمة لخالقه ويفسر ذلك سعيد نورسي ‪-‬عالم مسلم معاصر‪ -‬كما يلي‪:‬‬
‫‪7‬‬

‫(إن هذا العالم أيضا هو مجموعة من المرايا التي تعكس باستمرار من مرآه إلى أخري ولهذا يجب أن‬

‫تعرف هللا الواحد الذي يتجلي فيها وتري نوره وتفهم تجليات أسمائه التي تظهر فيها و تحب الواحد‬

‫الذي تدل عليه)‬

‫مرة أخري فإن الهدف الكلي للقران الذي يظهر بوضوح هو تأكيده على النظام الطبيعي كما يوضح‬

‫أحد أعظم طالب القرآن محمد إقبال‪ (:‬إن الهدف المباشر للقران في هذه المالحظة التفكرية للطبيعة‬

‫هو إيقاظ وعي اإلنسان الذي تعد الطبيعة فيه رمزا ) ثم (إيقاظ الوعي األعلى في اإلنسان بعالقاته‬

‫المتعددة مع هللا ومع الكون)‬

‫هناك نتيجة ضمنية أخري لهذا االتجاه ولتأكيد القرآن على نظام الطبيعة وهي أن هللا هو منزل القرآن‬

‫وخالق الطبيعة‪ -‬والطبيعة في التراث اإلسالمي يمكن اعتبارها ككتاب‪ .‬ويمكن رؤية ذلك من خالل‬

‫اآلية التالية‪:‬‬

‫{ الذي خلق سبع سماوات طباقا ما تري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من‬

‫فطور(‪ )3‬ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير} الملك ‪4-3‬‬

‫يمكن اعتبار الطبيعة أنها ( المعجزة الكبرى هلل المذكورة باستمرار في القرآن بسبب الصياغة الجيدة‬

‫لبنيتها وانتظامها) ويوحي إصرار القرآن على نظام وجمال وتناسق الطبيعة انه ال يوجد فصل بين ما‬

‫يقوله القرآن وما تقوله الطبيعة‪ .‬يمكننا رؤية ذلك على الفور إذا نظرنا إلى الطريقة التي يدعونا‬

‫القرآن إليها باستخدام عقولنا وتحرير أنفسنا من حدود الثقافة و التقاليد بالنظر لكل شي بعين مالحظة‬

‫باسم هللا‪.‬‬

‫هناك أحد األسباب لكثرة هذه اآليات في األجزاء األولي من القرآن‪ ،‬وهو أنه ربما كان من أجل‬

‫القضاء على وجهة نظر الكفار وإعطاء منظور جديد وهو ما تم شرحه في الكتب السابقة ولكنه‬
‫‪8‬‬

‫تعرض للنسيان مع مرور الوقت‪ .‬هناك مثال آخر في اآلية التالية التي تشير إلى نظام الطبيعة وصانع‬

‫هذا النظام‪:‬‬

‫{وتري الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع هللا الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما‬

‫تفعلون} النمل‪88‬‬

‫ويستخدم القرآن النظام المحكم للكون كدليل ليس فقط على وجود هللا ولكن أيضا على وحدانيته األمر‬

‫المعروف بالدليل الكوني على وجود هللا في فلسفة الكالم اإلسالمية‪ .‬هللا هو معني الحقيقة وهذا المعني‬

‫يتجلي و يتضح ويفسر عن طريق الكون ويتم تطويره أكثر عن طريق البشر‪ .‬هللا هو البعد الذي‬

‫يجعل األبعاد األخرى ممكنه؛ إنه يعطي المعني والحياة لكل شيء‪ ،‬فعلى سبيل المثال فإن القرآن يري‬

‫أن النحلة المتواضعة تتلقى الوحي اإللهي‪ ،‬ويدعو القرآن من يقرأه إلى مالحظة التغير الدائم في‬

‫الرياح وتعاقب الليل والنهار والسحب والسموات ذات النجوم والكواكب التي تسبح في الفضاء‬

‫الالنهائي‪.‬‬

‫ليس من الصعب فهم أن تركيز القرآن على الطبيعة من أجل إثبات وجود هللا وعظمته من ناحي ة ومن‬

‫الناحية األخرى على حقيقة أنه يطلب منا أن نقرأ ونفهم هذه الصفات في سياقها المحدد‪ .‬دع ا الق رآن‬

‫العرب الكفار األميين إلى التفكر في الطبيعة والكون من أجل ه دفين على األق ل‪ :‬األول تك وين فك رة‬

‫عن وجود هللا وتواجده من خالل مخلوقاته والثاني هو وجود إحساس أخالقي بالمس ئولية تج اه وج ود‬

‫متسامي وه و هللا‪ .‬يالح ظ ب ارفيز منظ ور مؤي دا ه ذه النقط ة (إن الطبيع ة واألخالق في الواق ع هم ا‬

‫المحور األساسي للنظرة القرآنية للع الم واله دف األساس ي طبق ا للق ران ه و أن يمأل الع الم الط بيعي‬

‫باألخالقيات السامية المنزلة)‪.‬‬


‫‪9‬‬

‫عند فحص معني ولغة اآليات األولي بهذه الطريقة فإنه ليس من الصعب اس تيعاب الفك رة األساس ية‪.‬‬

‫يؤكد القرآن على البعد األخالقي بشكل واضح جدا‪{:‬وما خلقنا السماء واألرض وما بينهما باطال ذل ك‬

‫ظن الذين كفروا}ص‪.27‬‬

‫يرفض القرآن ما يقال إن الطبيعة بال معني وبال هدف باإلضافة إلى النتيجة ب أن الحي اة اإلنس انية بال‬

‫معنى وبال هدف‪ .‬وعلى النقيض من ذلك فإنه هناك مع ني وه دف في الطبيع ة فيجب أن يك ون هن اك‬

‫معني وهدف في حياة اإلنسان أيضا‪ .‬تبدو النقطة األساسية هي العالقة بين وجود ه دف وغاي ة للع الم‬

‫الطبيعي وبين سلوك البشر في الحياة‪.‬‬

‫يمكن القول إذن أن البعد الميتافيزيقي واألخالقي يأتي أوال ويسبق األبعاد األخرى‪ .‬إن ما يقوله القرآن‬

‫في العديد من المواضع عن النواحي ذات المعني والنظام للطبيعة والظواهر الطبيعية موج ودة لتش ير‬

‫إلى أنها تعكس قوة وعظمة هللا غير المحدودة وأن البشر يجب أن يتقبلوا هذا كحقيق ة ميتافيزيقي ة وأن‬

‫يكونوا شاكرين هلل بالخضوع لها والتسليم له‪ .‬وعلى الناحي ة األخ رى فإن ه إذا لم يوج د هللا وك ان ك ل‬

‫شيء بال معني وموجود بالصدفة فإنه حسب كلمات ألبير كامي ال ذي وض ع الخط وط العام ة لفلس فة‬

‫عدم المعني‪(:‬كل شيء مسموح به مادام هللا غير موجود واإلنسان يموت)‬

‫هناك نتيجة أخري لهذا الموضوع القرآني وهي مهمة لألخالقيات البيئ ة وهي أن هللا ال يخل ق لعب ا أو‬

‫عبثا أو تسلية أو بدون هدف جاد‪ .‬هذا ال يتوافق مع قوة هللا الق وي ورحم ة هللا ال رحيم أن يص نع لعب ا‬

‫من أجل التسلية أو من أجل الهوى‪-‬يمكن أن يفع ل الق در األعمى ذل ك ولكن هللا ال يفع ل ذل ك‪ .‬وتكفي‬

‫اآليات التالية إلثبات هذه النتيجة‪:‬‬

‫{ إن في خلق السموات واألرض واختالف الليل والنهار آليات ألولي األلب اب(‪ )190‬ال ذين ي ذكرون‬

‫هللا قيام ا وقع ودا وعلى جن وبهم ويتفك رون في خل ق الس موات واألرض ربن ا م ا خلقت ه ذا ب اطال‬

‫سبحانك فقنا عذاب النار}‪ 191-190‬آل عمران‬


‫‪10‬‬

‫{ وما خلقنا السماء واألرض وما بينهما العبين(‪ )16‬لو أردنا أن نتخذ لهوا التخ ذناه من ل دنا إن كن ا‬

‫فاعلين }‪ 17-16‬األنبياء‪.‬‬

‫{أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا ال ترجعون} المؤمنون‪.115‬‬

‫وهناك نتيجة مباشرة من وجهة نظر دعاة البيئة وهي أن الوجود السببي لكل كائن أو مخل وق إش ارة‬

‫من هللا وأنه بوجوده في حد ذاته يكشف عن عظمة ورحمة هللا‪ .‬ولهذا فان كل مخلوق يستحق االهتمام‬

‫واالعتبار لعالقته باهلل‪ .‬والمتبع بإخالص للقران واع بحقيقة أنه { ‪ ...‬ربنا الذي أعطي كل شيء خلق ه‬

‫ثم هدي} طه ‪. 50‬‬

‫وهناك مثال أخر ‪{:‬فلينظر اإلنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا األرض شقا فأنبتنا فيها‬

‫حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخال وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم وألنعامكم} عبس ‪.32-24‬‬

‫تجمع هذه اآليات األسباب والنتائج بذكر معجزات القدرة اإللهي ة بتسلس ل ل ه ه دف وتش ير إلى غاي ة‬

‫ختامية بالكلمات (متاعا لكم) ويعلق نورسي على هذه النقطة كالتالي‪:‬‬

‫ه ذا اله دف يثبت أن ه ب داخل تسلس ل ك ل األس باب والنت ائج فهن اك عام ل خفي منظم لألم ور تك ون‬

‫األسباب حجابا ل ه‪ .‬وحق ا ف ان عب ارة {متاع ا لكم وألنع امكم} تس تبعد ك ل األس باب من الق درة على‬

‫الخلق‪ .‬إنها في معناها تقول‪( :‬يأتي المطر من السماء لينتج الطعام لكم ولحيواناتكم ألن الماء ليس لديه‬

‫القدرة على الشفقة والتعاطف معكم وإنتاج الطعام فهذا يعني أن المطر ال يأتي من نفسه ولكن ه يرس ل‬

‫وتنتج األرض النباتات ويأتي طعامكم منها ولكن لعدم وجود عقل أو أحاسيس لألرض فإنه مما يف وق‬

‫ق درتها أن تفك ر في معيش تكم وتتع اطف معكم وله ذا فال تنتج الطع ام بنفس ها واألك ثر من ذل ك أن‬

‫النباتات واألشجار من الصعب عليها أن تعتبر طعامكم وتنتج الفواك ه والحب وب بتع اطف من أجلكم‪.‬‬

‫توضح اآلي ة أن هن اك خيوط ا وحب اال يم دها ال رؤوف الحكيم من وراء حج اب و يعل ق فيه ا كرم ه‬
‫‪11‬‬

‫وتعرض للكائنات الحي ة وهك ذا تنب ع من ه ذا التفس ير العدي د من األس ماء الحس ني مث ل ال رؤوف و‬

‫المعطي والوهاب والكريم‪.‬‬

‫وهناك نتيجة أكثر من ذلك أنه مثلما يكشف هللا ويتجلي من خالل خليقته فه و يعطي البش ر اإلحس اس‬

‫بأنه داخلنا‪ .‬إذا كشف هللا نفسه – بمعني عظمته ورحمته وك ل أس مائه وص فاته المقدس ة األخ رى من‬

‫خالل البعد الجمالي للطبيعة باإلضافة إلى بنائه ا المنظم‪ -‬وهن ا لن يك ون من الص عوبة الوص ول إلى‬

‫فكرة إنه أينما ينظر البشر فبإمكانهم بسهولة اإلحساس بوجود هللا حولنا وداخلنا‪:‬‬

‫{ وهلل المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه هللا إن هللا هو السميع العليم}‪.‬البقرة‪115‬‬

‫وبرؤية هللا في كل مكان وبالوعي الكامل بالبيئة اإللهية التي تحيط وتخترق العالم الطبيعي وما يحي ط‬

‫بالبشرية‪ ،‬فإن ذلك يقوي البعد األخالقي لدى البشرية ويحفزنا أن نعم ل طبق ا ل ذلك‪ .‬وفي ه ذا النس ق‬

‫يعتبر فضل الرحمن الق رآن(وثيق ة تحث بش كل أساس ي على الفض يلة واإلحس اس الق وي بالمس ئولية‬

‫األخالقية) ‪.‬‬

‫وهن اك نقط ة أخ رى يجب أن نراعيه ا في ه ذا الس ياق وهي أن هللا مطل ق والنه ائي بينم ا جمي ع‬

‫المخلوقات محدودة‪ ،‬وقد وصل البشر المعاصرون إلى هذا الفهم بفضل التط ورات القريب ة في مج ال‬

‫علم البيئة وكما يقول فضل الرحمن‪:‬‬

‫ما يعنيه القرآن عندما يقول إن كل شيء باستثناء هللا هو مقدر وبالت الي معتم د على هللا‪ ،‬عن دما يخل ق‬

‫هللا كل شيء فهو يضع في داخله قوته وقوانين سلوكه األم ر ال ذي يطل ق علي ه في الق رآن الهداي ة أو‬

‫األمر أو القدر الذي من خالله يتوافق مع باقي الكون‪.‬‬

‫وتؤكد اآليات التالية على نفس النقطة وتؤكد مرة أخري على أهميه التوازن في خطاب القرآن‪:‬‬

‫{ الشمس والقمر بحسبان(‪ )5‬والنجم والش جر يس جدان (‪ )6‬والس ماء رفعه ا ووض ع الم يزان(‪ )7‬أال‬

‫تطغوا في الميزان(‪ )8‬وأقيموا الوزن بالقسط وال تخسروا الميزان} الرحمن ‪.9-5‬‬
‫‪12‬‬

‫الكلمة األساسية هنا هي ( الميزان) التي تك ررت ثالث م رات ويعل ق يوس ف علي على ه ذه اآلي ات‬

‫قائال‪:‬‬

‫إن ميزان العدل في هذه اآلية مرتبط بالميزان في اآليتين الالحقتين الذي ه و أن يتعام ل البش ر بع دل‬

‫مع بعضهم البعض و يراقبون الميزان في كل أفعالهم متبعين الطري ق الوس ط وغ ير متع دين الح دود‬

‫المفروضة‪ .‬ولكن الميزان أيضا مرتبط بشكل استعاري بالسموات في ثالثة رم وز‪ -1:‬الع دل فريض ة‬

‫سماوية ‪-2‬السموات نفسها محفوظة بالميزان المحسوب ‪ -3‬تدخل كوكبة الم يزان عن طري ق الش مس‬

‫في منتصف العام الفلكي ‪.‬‬

‫وبالنسبة لألجزاء الثانية فهو يقول إن‪:‬‬

‫يجب أن يكون اإلنسان أمينا ومستقيما قي كل مسالة يومي ة مث ل وزن األش ياء ال تي يبيعه ا ويجب أن‬

‫يكون مستقيما وعادال وأمينا في ك ل التع امالت األعلى من ذل ك ليس فق ط م ع ب اقي البش ر ولكن م ع‬

‫نفسه وفي طاعته لقانون هللا ‪.‬‬

‫ومن الواضح من المناقشة السابقة أن العدل والميزان هما قوانين كونية هلل وأنه نتيجة ل ذلك يجب على‬

‫البشر أن يحيوا حياة عادلة ومتوازنة‪ .‬ومن الممكن القول إن هذه اآليات وحدها يمكن أن تكون كافي ة‬

‫للوصول إلى أخالقيات بيئية من القرآن نفسه ألنها تضع الع دل والم يزان أوال ك أمر ك وني وثاني ا أن‬

‫هذا التوازن الكوني قد خلقه هللا وثالثا أن البشر يجب أن يحاولوا أن يفهم وا الت وازن الك وني واتباع ه‬

‫في حياتهم االجتماعية وأيضا في تعامالتهم مع البيئ ة‪ .‬ويمكن الوص ول لنتيج ة من ذل ك بالنس بة ألي‬

‫مؤمن بالقرآن سواء أكان فيلسوفا أم عالما أم اقتصاديا أم من التكنوقراط ورج ال الدول ة أم من البش ر‬

‫العاديين أنه يجب عليهم احترام هذا التوازن والحفاظ عليه في كل تعامالتهم م ع الطبيع ة‪ .‬إن إص رار‬

‫القرآن على طبيعة هللا المطلقة والغير محدودة من ناحية وعلى محدودية كل شيء غ ير هللا من ناحي ة‬
‫‪13‬‬

‫أخري أمر له داللة كبري في سياق المناقشات الحالية حول االقتصاد والتنمية ‪ .‬يجب على أي نظرية‬

‫اقتصادية وتنموية تقول إنها إسالمية أن تفترض هذه الحقيقة منذ البداية‪.‬‬

‫وفي هذا السياق ربما يك ون من المهم فق ط ت ذكر أح د االتجاه ات للرس ول ال ذي يعكس روح الق رآن‬

‫بشكل واضح وقوي ‪ .‬وضع محمد صلي هللا عليه وسلم أهمية ك بري على االس تخدام المت وازن للم اء‬

‫ومنع االستخدام المفرط لها حتى عند الوضوء ق ائال إن ذل ك أم ر مك روه‪ ،‬ومن ع الن اس من اس تخدام‬

‫الكثير من المياه ح تى للوض وء عن د االس تعداد لل دخول في الص الة ‪ .‬وتخبرن ا األح اديث التالي ة عن‬

‫الحكاية‪:‬‬

‫(جاء رسول هللا بينما كان سعد يتوضأ وعندما رأي أن سعد يستخدم الكثير من الماء تدخل قائال ‪:‬‬

‫ما هذا؟ إنك تسرف في الماء ‪.‬‬

‫أجاب سعد متسائال ‪ :‬وهل يكون هناك إسراف عند الوضوء؟‬

‫أجاب الرسول قائال‪ :‬نعم‪ ،‬ولو كنت على نهر جار)‬

‫أنا اعتقد أن هذا الحديث وهذا االتجاه للرسول ال يشير فقط إلى استخدام مياه أقل أثناء الوضوء ولكن‬

‫إلى مبدأ أساسي وجوهري يجب أن يتبعه كل المسلمين ويجب التركيز على النقاط التالي ة في عالقته ا‬

‫بهذا المبدأ‪:‬‬

‫‪ -‬يخبر رسول هللا بتحريم هام ‪.‬‬

‫‪ -‬يختص هذا التحريم بأمر ال يبذل مجهود وال أي نقود من أجل الحص ول علي ه ألن ه مج اني ‪:‬‬

‫مياه النهر الجاري‬

‫‪ -‬واألكثر من ذلك أن االستخدام المفرط للمياه في ه ذه الحال ة ال يس بب نقص ا في الطبيع ة وال‬

‫يسبب التلوث أو يضر بالتوازن البيئي‬

‫‪ -‬ال يسبب ذلك أضرارا للكائنات الحية‬


‫‪14‬‬

‫‪ -‬واألك ثر من ذل ك أن مح ور الس ؤال و ه و الوض وء ليس أم را تافه ا ألن ه ش رط ض روري‬

‫للصالة ‪.‬‬

‫وإذا كان على الرغم من كل ما سبق أنه من المكروه استخدام المياه من النه ر ب إفراط أثن اء الوض وء‬

‫وقام الرسول بتحريم ذلك فكيف سيكون التحريم بالنس بة لإلس راف والتب ذير في ه ذه األم ور ال تي ال‬

‫تنطبق عليها الجمل المذكورة سابقا وهذا إذا كان اإلسراف ‪:‬‬

‫‪ -‬في أمر يتطلب بذل مجهود أو نقود أو على األقل وقت‬

‫‪ -‬يسبب نقصا أو تلوثا للطبيعة وبالتالي يفسد التوازن الطبيعي‬

‫‪ -‬يؤذي الكائنات الحية‬

‫‪ -‬يتعدي على حقوق األجيال القادمة في العيش في بيئة صحية‬

‫‪ -‬يك ون أم را بال مع ني فق ط من أج ل االس تمتاع ال ذي ه و مج رد إرض اء للناحي ة التدميري ة‬

‫لإلنسان‬

‫‪ -‬يكون متعارضا مع الهدف األساسي‬

‫إذن ألي مدي سوف يكون تحريم ذلك ؟‬

‫يؤك د الق رآن والس نة على أن الم اء ه و الحاج ة األساس ية في الحي اة ويض عان ع دادا من الف روض‬

‫والمسئوليات على المسلمين‪ :‬الحفاظ على الموارد المائية الموج ودة بأفض ل طريق ة ممكن ة ومن ع أي‬

‫نشاط من الممكن أن يؤدي إلى التلوث في موارد المياه أو يفسد نقاء وخواص المياه وال يس لكون أب دا‬

‫طريق التبذير أو عدم المسئولية في استهالكهم للماء‪.‬‬

‫وهذا المثال – بدون ذكر األمثلة األخرى المتعلقة به – يصور بشكل واضح جدا التأكيد القرآني أنه ال‬

‫يوجد شيء عديم الفائدة في التوازن الطبيعي كم ا يتمث ل ذل ك في حي اة الرس ول نفس ه ‪ .‬كم ا تخبرن ا‬
‫‪15‬‬

‫عائشة الزوجة المحبوبة للرسول أن شخصيته وس لوكه كان ا هم ا الق رآن‪ .‬وله ذا ف إن اتجاهات ه نح و‬

‫الطبيعة من الممكن اعتبارها أمثلة واضحة على الروح القرآنية ‪.‬‬

‫توضح المناقشات السابقة أنه ال يجب علينا وال يمكننا أن نحي ا فق ط كم ا ن رغب األم ر ال ذي س يكون‬

‫حياة بال معني وبال هدف ولكن يجب علينا وبإمكاننا أن نعيش حياة ذات معني وذات هدف ب أن نك ون‬

‫مسلمين خاض عين لق انون هللا‪ .‬ه ذا الق انون واض ح في الطبيع ة وفي الق رآن‪ .‬تؤك د علي ا علي ع زت‬

‫بيجوفيتش بشكل سليم أن (المس لم نتيج ة لت وازن لالحتياج ات الجس مية واألخالقي ة س وف يك ون في‬

‫تناسق مع الطبيعة أكثر من أي شخص آخر) بافتراض أنه يحيا طبقا لمب ادئ الق رآن‪ .‬وي ذهب الق رآن‬

‫أبعد من ذلك إلى أن الطبيعة كلها مسلمة والفارق الوحيد بين بينها وبين البشر هو حرية اإلرادة حيث‬

‫أن البشر فقط هم من لديهم حرية اإلرادة ‪.‬‬

‫الطبيعة ككيان مسلم‬

‫تقودنا الفكرة األساس ية أن الطبيع ة خلقه ا هللا وهي إش ارة وعالم ة على وج وده إلى الفك رة القرآني ة‬

‫المذكورة منذ قليل وهي أن الطبيعة كلها مسلمة ألنه كما تم مناقشته سابقا فإن الطبيعة كلها تعمل وفق ا‬

‫للقوانين اإللهية (أو ما يسمي بالقوانين الطبيعية) وطبقا للطريقة ال تي ص ممها هللا وخلقه ا به ا‪ .‬وله ذا‬

‫فإن القرآن يستخدم مصطلح اإلسالم( التسليم) للكون بأكمله مادام يطيع أوامر هللا وألن الطبيعة تعم ل‬

‫وفقا لقوانين هللا فهي تسلم نفسها إلى إرادة هللا وكنتيج ة لوض عها ف ان الطبيع ة ال تعص ي أم ر هللا وال‬

‫يمكنها ذلك وال يمكنها مخالفة القوانين الطبيعية كما هو مفسر في اآليات التالية‪:‬‬

‫{ألم تر أن هللا يسجد له ما في السموات ومن في األرض والشمس والقمر والنج وم والجب ال والش جر‬

‫والدواب وكثير من الن اس وكث ير ح ق عليهم الع ذاب ومن يهن هللا فم ا ل ه من مك رم إن هللا يفع ل م ا‬

‫يشاء} الحج‪18‬‬
‫‪16‬‬

‫{تس بح ل ه الس موات الس بع واألرض ومن فيهن وإن من ش يء إال يس بح بحم ده ولكن ال تفقه ون‬

‫تسبيحهم إنه كان حليما غفورا} اإلسراء ‪.44‬‬

‫{ ويسبح الرعد بحمده والمالئكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يج ادلون في‬

‫هللا وهو شديد المحال}الرعد‪.13‬‬

‫{الم تر أن هللا يسبح له من في السموات واألرض والطير صافات كل قد علم ص الته وتس بيحه وهللا‬

‫عليم بما يفعلون(‪ )41‬وهلل ملك السموات واألرض وإلى هللا المصير} النور ‪.42-41‬‬

‫وحيث أن كل شيء في الكون يسلك طبقا للقوانين ال تي وض عها هللا ف إن الك ون بأكمل ه مس لم خاض ع‬

‫إلرادة هللا {أفغير دين هللا يبغون وله أسلم من في السموات واألرض طوعا وكره ا وإلي ه يرجع ون}‬

‫آل عمران‪ .83‬وكما يؤكد القرآن فإن البش ر مج رد اس تثناء له ذا الق انون الك وني حيث أنهم الكائن ات‬

‫الوحيدة التي لديها حرية اإلرادة في طاعة أو عصيان أمر هللا‪ .‬االختالف الوحي د ه و أن ه بينم ا يطي ع‬

‫كل مخلوق آخر طبيعته بشكل تلقائي فإن البشر يجب أن يتبعوا طبيعتهم وهذا االنتقال من االتب اع إلى‬

‫وجوب االتباع هو الميزة والخطر المميزين للبشر‪ ،‬وهناك نقطة أخري هام ة متعلق ة بك ون الطبيع ة‬

‫مسلمة وهي الطريقة اإلسالمية للصالة وهي مكونة من طرق صالة ك ل الكائن ات في الك ون ويحكي‬

‫محمد حميد هللا بينم ا ك ان يق رأ اآلي ة ‪ 18‬من س ورة الحج ب دأ يفك ر في دالل ة الحرك ات في الص الة‬

‫اإلسالمية بالنسبة إلى صالة الطبيعة ككل‪:‬‬

‫يتكون الكون من ثالث ممالك‪ :‬الجمادات والحيوانات والنباتات وخصوصياتهم بالترتيب هي الجل وس‬

‫والوقوف وعدم الحركة بالنسبة للجمادات وبالنس بة للحيوان ات فهي البق اء دائم ا في انحن اء وبالنس بة‬

‫للنبات ات البق اء دائم ا في س جود بمع ني أن ه م ا دام الج ذر ه و فم النب ات فإن ه دائم ا موض وع على‬

‫األرض ‪ .‬ينقي المسلم نفس ه مث ل المي اه و يك بر هللا بص وت ع الي كالرع د ويبقي واقف ا مث ل الجب ال‬

‫وراكعا مثل الحيوانات وساجدا مثل النباتات‪ .‬وتعني الخدمة طاع ة أوام ر هللا وق د أم ر هللا الجب ال أن‬
‫‪17‬‬

‫تبقي ساكنة وأمر المسلمين{ حافظوا على الصالة والصالة الوسطي وقوم وا هلل ق انتين} البق رة‪.288‬‬

‫وأمر الحيوانات بان تظل دائما راكعة مثلما أمر المسلمين{ وأقيموا الصالة وآتوا الزكاة واركع وا م ع‬

‫الراكعين}البقرة‪ .43‬ويأمر األشجار أن تظ ل س اجدة وي أمر المس لمين{ فاس جدوا هلل واعب دوا} النجم‬

‫‪62‬‬

‫وهكذا فان المسلم يشارك من خالل صالته اليومية في نداء جميع الكائنات من ناحية وتحقيق التكام ل‬

‫بين نفسه وبين الحقيقة كلها على الجانب اآلخر ثم ينظ ر إلى ك ل الخليق ة ك إخوة ل ه أم ام هللا ويه دف‬

‫القرآن إلى تحقيق نفس متكاملة وكلية لإلنسان ‪.‬‬

‫وهناك نقط ة هام ة وهي أن ه { وإن من ش يء إال يس بح بحم ده ولكن ال تفقه ون تس بيحهم} اإلس راء‬

‫‪. 44‬مما جعل العديد من المفكرين المسلمين يعتبروا الطبيعة بأكملها كائنا حيا وعلى سبيل المثال ف إن‬

‫تعليق الغزالي على هذه اآليات وآيات مماثلة هو أنه يعتبرها لغة الخلق ‪:‬‬

‫أنت تظن أن في الكون لغة الكالم فقط ولهذا أنت لم تفهم معني كلمات هللا عز وجل{وإن من شيء إال‬

‫يسبح بحمده } ولم تفهم معني كلمات هللا {قالتا أتينا طائعين} فصلت ‪ 11‬ولن تستطيع ذل ك ح تى تفهم‬

‫أن األرض لها لغة وحياة‪.‬‬

‫ويالحظ جالل الدين الرومي أحد أئمة الصوفية والمفكرين في القرن الث الث عش ر مالحظ ات مماثل ة‬

‫على نفس الموضوع ويحذر ‪:‬‬

‫مادام هللا قد خلق اإلنسان من التراب فانه من الضروري عليه أن يتبين الطبيعة الحقيقي ة لك ل ذرة في‬

‫الكون‬

‫إنه بينما من ه ذه الناحي ة هي ميت ة ولكن من الناحي ة األخ رى فهي حي ة وهن ا ص امتة ولكنه ا هن اك‬

‫تتحدث‪.‬‬

‫وعندما ينزلها إلينا في عالمنا تصبح عصا موسي تنينا بالنسبة لنا‬
‫‪18‬‬

‫وتغني الجبال مع داود ويصبح الحديد كالشمع في يده‬

‫وتحمل الرياح سليمان ويفهم البحر ما الذي قاله هللا لموسي عنه‬

‫ويطيع القمر اإلشارة التي أعطاها محمد وتصبح نار النمرود حديقة من الورود إلبراهيم‬

‫وكل هذه األشياء تصيح (نحن نسمع ونري ونرد ولكن بالنسبة لكم غير المطلعين فنحن صامتون)‬

‫ارتفع من المادية إلى عالم الروح واتبع صوت الكون العالي‬

‫وعندئذ سوف تعرف كيف تسبح الجمادات هللا ولن تلهيك التفسيرات الخاطئة‬

‫ويفكر أيضا سعيد نورسي في هذا المنظور القرآني كما يلي ‪:‬‬

‫( يتحدث القرآن الحكيم عن الكون للتعريف بالذات والصفات واألسماء اإللهية بمعني أنه يشرح معني‬

‫كتاب الكون للتعريف بخالقه وهذا يعني أنه ينظر لألشياء ليس من أجل ذاتها ولكن من أجل خالقها)‪.‬‬

‫ويعرض نورسي العديد من األمثلة لما يقول ويكفي المثال التالي لفهم منطقه الذي يعكس أيضا الروح‬

‫القرآنية‪:‬‬

‫واآلن ننظر إلى الينابيع والجداول واألنهار‪ .‬إن كونه ا تنب ع من األرض والجب ال ليس مص ادفة حيث‬

‫إنها موضحة بشهادة فوائدها وثمارها وأعمال الرحمة اإللهية والقول بأن تخزينها في الجب ال بم يزان‬

‫الحكمة بقدر ما نحتاج وأنها مس خرة ومحفوظ ة من قب ل هللا الحكيم الحاف ظ وجريانه ا إنم ا ه و اتب اع‬

‫ألمره ‪.‬‬

‫واآلن انظ ر إلى ك ل أن واع الص خور واألحج ار الكريم ة والمع ادن في األرض‪ :‬أن خصائص ها في‬

‫الزينة والفائدة وكونها في صورة مالئمة الحتياج ات البش ر والحيوان ات والض رورات الحيوي ة كله ا‬

‫تبين أنها من صنع وتنسيق وتخطيط تزيين وتشكيل هللا الخالق الحكيم‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫واآلن انظر إلى الزهور والثم ار‪ ،‬إن ابتس اماتها وطعومه ا وجماله ا ونقوش ها و روائحه ا كله ا مث ل‬

‫دعوة لقائمة طعام على مائدة الخ الق الك ريم ال رؤوف المعطي للك رم‪ .‬إن ه ذه األش ياء تعطى كق وائم‬

‫للطعام ودعوات لكل فصيلة من الكائنات من خالل ألوانها وروائحها وطعومها المختلفة‪.‬‬

‫في المناقشة السابقة كما رأينا تظهر نظرة للطبيعة متفردة في القرآن‪ .‬يعيش المسلون في عالم حي ذي‬

‫معني وهدف واألهم من ذلك أنه عالم مسلم مثلهم حتى أنه يسجد أمام هللا‪ .‬النتيج ة المباش رة ل ذلك ه و‬

‫اكتشاف كمال الخليقة والتكامل معها جسديا وروحيا‪ .‬عندما ينظر المس لمون المتق ون إلى ب يئتهم ف إن‬

‫كل شيء سوف يبدو بشكل ما مألوفا وودودا‪ .‬واألكثر من ذلك أن كل ش يء رم ز وعالم ة تش ير إلى‬

‫الخالق الحكيم الرحيم ‪.‬‬

‫الطبيعة كإشارات هلل‬

‫عندما يدعو الق رآن الن اس لإليم ان باهلل فان ه يؤس س دع واه على بعض النق اط‪ .‬إن ه ال ي دعوا الن اس‬

‫لإليمان برب ال يمكن فهمه‪ ،‬ويبدأ القرآن دعوته بدعوة الناس للتفكر في بيئتهم ‪ .‬إن الكون وكل ما ب ه‬

‫كما يقول القرآن آيات تشير إلى شيء ما أعلى من هذه األشياء‪ -‬شيء دونه يك ون ه ذا الك ون ب الرغم‬

‫من كل أسبابه الطبيعية ال شيء‪ ،‬ولهذا فإن اآليات التالي ة وآي ات مماثل ة في الق رآن ت دعو الن اس إلى‬

‫قراءة الكون كإشارات من هللا‪:‬‬

‫{سنريهم آياتنا في اآلفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} فصلت‪53‬‬

‫{ وفي األرض آيات للموقنين (‪ )20‬وفي أنفسكم أفال تبصرون}الذاريات ‪21-20‬‬

‫ولهذا ف ان (اآلي ة) أو (اآلي ات) وهي كلم ات تك ررت ‪ 288‬م رة في الق رآن وهي تع ني( رس ول أو‬

‫رسالة أو معجزة أو ببساطة أشياء من العام الطبيعي) باختصار كل شيء في الكون ه و أي ة هلل‪ .‬يؤك د‬

‫فضل الرحمن هذه النقطة عند التعامل مع مفهوم الطبيعة من منظ ور ق رآني ‪ (:‬إن الطبيع ة باتس اعها‬
‫‪20‬‬

‫وانتظامها الذي ال يمكن فهمه تقوم بدور عالم ات هلل أم ام البش ر ألن ه ال يمكن إال لك ائن متف رد غ ير‬

‫محدود أن يخلق هذا ويمكن تسمية ه ذا عالم ة طبيعي ة ) وهك ذا( فه ذه اآلل ة الجب ارة ‪ :‬الك ون‪ ،‬بك ل‬

‫عملياته السببية هي آية ودليل على صانعها )‬

‫عندما كان يطلب الكفار في هذا الوقت دالئل أو آيات أو معجزات إلثب ات وج ود هللا فك ان رد الق رآن‬

‫المعتاد هو اإلشارة إلى تعقيد وتنظيم وانتظام الطبيعة ويؤكد أن الكون وكل ما في ه لم يكن أن يس تطيع‬

‫أن يوجد وحده‪ .‬وفي خطاب القرآن فان الطبيعة ع الم كام ل حي وكلي ومنظم يس كنه المالئك ة والجن‬

‫والبشر والحيوانات وعلى هذا فإنه بكل عملياته السببية هو اآلية والدليل على خالقه‪.‬‬

‫يجب أن يكون واضحا أن كل قطعة فنية تس تحق ليس فق ط اهتمامن ا وتق ديرنا و إعجابن ا ولكن أيض ا‬

‫حمايتنا ‪ .‬نحن نتبين بسرعة أن اللوحة الفنية تستحق كل ن وع من الرعاي ة والتق دير‪ ،‬والطبيع ة أيض ا‬

‫الممتلئة بآيات هللا وهي أكثر من ذلك لوحته الفنية لعمله الخالق تستحق حرصنا وامتنانن ا واحترامن ا‪.‬‬

‫باإلضافة إلى ذلك فإن الطبيعة التي تتكون من آيات هللا تحتوي بش كل م ا على قيم ة داخلي ة تف وق م ا‬

‫يعطيه البشر لها بشكل أداتي وفي هذا السياق تستحق اآليات التالية اهتمامنا‪:‬‬

‫{وإن لكم في األنعام لع برة نس قيكم مم ا في بطون ه من بين ف رث ودم لبن ا خالص ا س ائغا للش اربين}‬

‫النحل‪66‬‬

‫{أفال ينظرون إلي اإلبل كيف خلقت(‪ )17‬وإلى السماء كيف رفعت(‪ )18‬وإلى الجب ال كي ف نص بت(‬

‫‪ )19‬وإلى األرض كيف سطحت}الغاشية ‪20-17‬‬

‫تدعونا هذه اآليات إلى التفكير في الخليق ة ال تي تحي ط بن ا وال تي يمكنن ا أن نراه ا في حياتن ا اليومي ة‬

‫والتي هي مليئة بالمعني والتصميم الرفيع وخير هللا على البشرية‪ .‬وفي كلمات نصر فإن الطبيع ة هي‬

‫(مسرح تتجلي فيه آي ات هللا) إن الت أثير الع ام لفهم الطبيع ة كعالم ات هلل أم ر في غاي ة الوض وح في‬
‫‪21‬‬

‫تاريخ الفكر اإلسالمي‪ .‬يعتبر المفكرون المسلمون الطبيعة كتابا مقدسا ملئ بالرموز والعالمات‪ .‬على‬

‫سبيل المثال يقول نورسي عن الكون ‪:‬‬

‫أن الكون أمر منظم جيدا وذو معني مثل كتاب شخصي هلل للواحد العظيم وهو تجسيد رب اني ومدين ة‬

‫مزينة هلل الرحيم‪ .‬وكل السور واآلي ات والكلم ات في ه ذا الكت اب وح تى مج رد الح روف واألج زاء‬

‫واألحزاب والصفحات والسطور خالل العملية الدائم ة إلزال ة المع ني وإع ادة تأكي ده و التغ يرات و‬

‫التبديالت الحكيمة‪ -‬كل هذا يعطي تعبيرا مطلقا عن وجود وتواجد هللا الواحد العليم بكل شيء والق وي‬

‫على كل شيء وهو صاحب ه ذا الكت اب وه و الك اتب العظيم وه ذه الكتاب ة العظيم ة ال تي ت ري ك ل‬

‫األشياء في كليتها وتعرف العالقة بين كل األشياء وبعضها‪.‬‬

‫وربما يمكن اعتبار الطبيعة كتابا منظما ومح دودا وربم ا يطل ق عليه ا كت اب الك ون مم ا ي وحي ب أن‬

‫الكون مثل القرآن حيث يكشف لنا وجود الخالق والحافظ‪ .‬و كنتيجة لذلك من الممكن استنتاج إن كتاب‬

‫الكون قد أعطي لنا حتى نحافظ عليه ونحميه‪ .‬أال يجب على ه ؤالء المؤم نين ال ذين يمس كون الق رآن‬

‫باحترام (ال يلمسوه إال بعد تطهرهم بالوضوء) ‪-‬أال يجب أن يعاملوا الكون باحترام وحب؟ إن واجبن ا‬

‫إذن كخلفاء وأوصياء هلل على األرض هو إظهار االحترام لموضع الثق ة األص لي(الطبيع ة) والحف اظ‬

‫عليه بحرص وهذا يع ني ع دم إفس اد الم وارد الطبيعي ة عن د اس تخدامها‪ ،‬ويص ل ساش يكوموراتا إلى‬

‫نتيجة مماثلة ‪:‬‬

‫عندما يشجع القرآن الناس على النظ ر إلى ك ل ش يء كعالم ات هلل فإن ه يش جعهم على اس تخدام ن وع‬

‫خاص من العمليات العقلية الغ ير موجه ة نح و األش ياء أو المعلوم ات ولكن على العكس ف إن الق رآن‬

‫يخبرنا أننا ال يجب أن ندرك األشياء لذاتها ولكن لما تخبرنا به عما ورائها ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ومن التبعات األخرى اختفاء الحد الفاصل بين اإلنسان والطبيعة كأش ياء منفص لة حيث أنه ا عالم ات‬

‫هلل متصلة ببعضها ومعتمدة على بعضها و بمصطلحات دعاة البيئة فان هذا يعني نظرة كلية وروحي ة‬

‫ومتوازنة للحقيقة بأكملها‪.‬‬

‫بالنسبة الحيوانات‬

‫هناك سؤال آخر يتعلق بالبيئة بالحيوانات والحماي ة الواجب ة نحوه ا أو بش كل أدق امت داد التعب ير عن‬

‫كرمنا وتعاطفنا معها ‪.‬ولكن لألسف اليوم هناك العديد من الفصائل الحيوانية التي تتعرض لالنق راض‬

‫وهناك حيوانات أخري ضالة ومتروكة جوعي في ش وارع أم اكن عدي دة من الع الم‪ .‬وعام ة ال يمكن‬

‫القول بأننا نعامل الحيوانات بشكل جيد كما يجب أو أننا نقوم بمسئوليتنا تجاهها وفي رأيي إن أحد أهم‬

‫األسباب لذلك هو عدم الوعي بالقيم القرآنية التي ال تنظم فقط عالق ات المؤم نين بين البش ر وبعض هم‬

‫وبين البشر والبيئة ولكن أيضا لكن عالقة البشرية بالكائنات الحية األخ رى‪ .‬ونتيج ة طبيعي ة ل ذلك أن‬

‫البشر مسئولون أمام هللا عن اتجاهاتهم وأفعالهم نح و الطبيع ة والحيوان ات ‪ .‬وله ذا فق د تمت مناقش ة‬

‫بعض األسئلة بشكل مكثف من قبل دعاة البيئة في أرجاء العالم حول حقوق الحي وان واتج اه البش رية‬

‫نحو الحيوانات باإلضافة إلى موضوع انقراض الحيوانات وهذه األسئلة تشكل بعض المشاكل الكبرى‬

‫التي يحاول دعاة البيئة حلها‪ .‬وتستحق النظرة القرآنية للحيوانات المزيد من االعتبار هنا‪.‬‬

‫النقطة األولي بخص وص الحيوان ات في الق رآن ال تي ق د ت دهش الق ارئ المهتم بالبيئ ة أو ال ذي لدي ه‬

‫إحساس بالبيئة هي حقيقة أن العدي د من الس ور في الق رآن تحم ل أس ماء حيوان ات على س بيل المث ال‬

‫البقرة والنحل والعنكبوت والنمل‪ ،‬واألكثر من ذلك أن احد التعبيرات المدهشة التي يس تخدمها الق رآن‬

‫لإلشارة إلى الحيوانات أنها تش كل (أم ة) مثلن ا‪ .‬ومم ا يس تحق المالحظ ة بش كل خ اص بالنس بة له ذا‬

‫المفهوم الذي يعد فكرة ذات داللة كبيرة في التراث واألدب االسالميين أنه يستخدم بالنسبة للحيوانات‪:‬‬
‫‪23‬‬

‫{ وما من دابة في األرض وال طائر يطير بجناحيه إال أمم أمثالكم ما فرطن ا في الكت اب من ش يء ثم‬

‫إلى ربهم يحشرون} األنعام‪38‬‬

‫باإلضافة إلى ذلك فهناك عالقة وثيقة بين هللا كرب وال ه ك ل الع والم وبين الحيوان ات‪ ،‬وتج ذب اآلي ة‬

‫التالية انتباهنا إلى عالم الحيوان مرة أخري‪:‬‬

‫{وما من دابة في األرض إال على هللا رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} هود‪.6‬‬

‫و األكثر من ذلك أن القرآن يؤكد أن العالم الطبيعي لم يخلق فق ط من أج ل اس تخدام البش ر وح تى إذا‬

‫كان اإلنسان خليفة هللا على األرض فال يعني ذلك بالضرورة أن الطبيعة بأكمله ا وموارده ا مص ممة‬

‫الستخدام البشر فقط ويمكن رؤية ذلك من خالل اآلية التالية‪:‬‬

‫{واألرض وض عها لألن ام (‪ )10‬فيه ا فاكه ة والنخ ل ذات األكم ام(‪)11‬والحب ذو العص ف‬

‫والريحان}الرحمن‪12-10‬‬

‫معني األنام هنا وهو كل الكائنات الحية هو أمر هام جدا في دراستنا‪ ،‬من هذه اآلية يمكن اس تنتاج أن‬

‫خيرات األرض وكل الموارد ليست مقصورة على استخدام البشر ولكن لكل مخلوق ات هللا ال تي تحي ا‬

‫على نفس األرض‪.‬‬

‫ويجذب القرآن انتباهنا إلى ناحية أخري تتعلق بالحيوانات وهي إمكانية التفاهم معهم على ال رغم من‬

‫أن طبيعة هذا التفاهم ليست محددة ‪ .‬على سبيل المثال في حكاية النبي سليمان يخبرنا هللا أنه ق د علم ه‬

‫هللا لغة الطيور‪:‬‬

‫{وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن ه ذا له و الفض ل‬

‫المبين(‪ )16‬وحشر لسليمان جنوده من الجن واإلنس والطير فهم يوزعون(‪)17‬حتى إذا أت وا على واد‬

‫النمل قالت نملة يا أيها النم ل ادخل وا مس اكنكم ال يحطمنكم س ليمان وجن وده وهم ال يش عرون} النمل‬

‫‪18-16‬‬
‫‪24‬‬

‫الحقيقة أنه حسبما يقول القرآن فإن سليمان كان باستطاعته فهم لغات الطيور والنمل وه ذا مم ا يش ير‬

‫إلى نقط تين على األق ل‪ .‬األولي أن التف اهم م ع الحيوان ات ممكن على ال رغم أن ح دود ذل ك ليس ت‬

‫معروفة في الوقت الحالي وربما يشير هذا إلى نقل المعني إلى الكائنات الحية األخرى ‪ .‬ثانيا يجب أن‬

‫تفهم أن الحيوانات تماما مثل البش ر على األق ل في بعض الن واحي‪ .‬وبالتع ارض م ع اآلراء الحديث ة‬

‫السائدة فال يوجد فصل واضح بين البشر والمخلوقات غير البشرية ألنها كلها مخلوقات لنفس الخ الق‪.‬‬

‫ويقول نورسي معلقا على معجزات األنبياء المذكورة في القرآن بالنسبة لفهم سليمان للغة الطي ور‪ :‬إن‬

‫القرآن يشجع البشر على تقليد أفعال الرسل والوصول إلى األه داف ال تي تص ورها ه ذه المعج زات‪.‬‬

‫الفكرة األساسية هي أن القرآن بذكره العديد من معجزات الرسل يلمح إلى أن العقل اإلنساني يجب أن‬

‫يتطور ويصل إلى نتائج مماثلة عن طريق البحث العلمي‪.‬‬

‫وليس من الص عب رؤي ة أن الحيوان ات ليس ت م ذكورة هن ا ألغ راض االس تخدام ولكن من حيث أن‬

‫عالقتنا بها ال يمكن فقط أن تبني على مب دأ المنفع ة‪ .‬وبالتأكي د أن البش رية س وف تس تخدم الحيوان ات‬

‫وتستفيد منها ولكن يكون هذا فقط في نطاق العالقة المشروعة بينن ا وبينهم‪ .‬ومن التوق ع من ا أن ن ري‬

‫الطبيع ة ومن يس كنها من منظ ور واس ع وكلي مق درين الن واحي الميتافيزيقي ة والجمالي ة والن واحي‬

‫األخرى أيضا‪.‬‬

‫مسئولية اإلنسان‪ :‬سيد أم خليفة؟‬

‫يجب أن يك ون الخط اب الق رآني ح ول البش ر وم وقعهم في النظ ام الع ام للكائن ات وعالق ة اإلنس ان‬

‫المشروعة بالكائنات األخرى واضحا اآلن‪ .‬منذ نشر مقال لين وايت المثير للجدل فقد اعتقد الكث يرون‬

‫أن التراث اليهودي المسيحي مسؤول عن التدهور البيئي وحاول بعض النقاد إدخ ال اإلس الم في ه ذا‬

‫التصنيف‪ .‬وبالتأكيد فان النهج الجزئي وشديد التبسيط لتناول بعض آيات القرآن ق د يس اند ه ذا ال رأي‬
‫‪25‬‬

‫المسيحي كما يلخص ه كيث توم اس ‪(:‬إعط اء االنطب اع أن ك ل ش يء على األرض مخل وق من أج ل‬

‫اإلنسان وأن سلطة اإلنسان على الطبيع ة غ ير مح دودة وأن ه من المس موح ل ه اس تخدامها كم ا يحب‬

‫للربح أو للمتعة‪ .‬والنباتات بوضوح ليس لها أي حقوق ألنها كائنات محروم ة من اإلحس اس وبالت الي‬

‫ال يمكن حدوث إصابة لها والحيوانات ليس لها حقوق أيضا ‪:‬‬

‫{والذي خلق لكم ما في األرض جميعا ثم استوي إلي السماء فس واهن س بع س ماوات وه و بك ل ش ئ‬

‫عليم} البقرة‪29‬‬

‫{هو الذي جعل لكم األرض ذلوال فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور}الملك‪15‬‬

‫{ هللا الذي خلق السموات واألرض وأنزل من السماء ماء ف اخرج ب ه من الثم رات رزق ا لكم وس خر‬

‫لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم األنهار(‪ )32‬وس خر لكم الش مس والقم ر دائ بين وس خر‬

‫لكم الليل والنهار(‪ )33‬وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تع دوا نعم ة هللا ال تحص وها إن اإلنس ان لظل وم‬

‫كفار} ابراهيم‪34-32‬‬

‫ومن المؤكد أن البشر هم على قمة تسلسل الكائنات ولكنهم ليسوا مالكي الطبيعة هكذا وبطريقة أخري‬

‫ف إن الغ رض الوحي د للطبيع ة ليس فق ط لخدم ة البش ر وأه دافهم‪ .‬وعن دما يتم أخ ذ الق رآن وإدراك ه‬

‫ككل(بشكل كامل ومتكامل) فإن هذا االنطباع سوف يختفي على الفور ‪.‬‬

‫عندما يتم دراسة اإلسالم وخاصة ت اريخ تفس ير الق رآن من ه ذا المنظ ور فيمكن رؤي ة أن المس لمين‬

‫استنبطوا من هذه اآلي ات وم ا يماثله ا أت ه (ب الرغم من أن خدم ة البش رية إح دى وظ ائف المكون ات‬

‫العديدة للبيئة الطبيعية إال أن ذلك ال يعني أن استخدام اإلنسان هو السبب الوحيد لخلقها‪ .‬ولدى العلم اء‬

‫المسلمين القدامى والمعاصرين آراء شيقة عن هذا الموضوع حيث يق ول الب يروني أح د أعلم العلم اء‬

‫والم ؤلفين المس لمين في الق رن العاش ر على س بيل المث ال إن اإلنس ان ليس لدي ه الح ق في اس تغالل‬
‫‪26‬‬

‫الممالك األخرى حسب رغبته التي ال يمكن إرضاؤها ولكن يجب أن يستخدمها فق ط طبق ا لق انون هللا‬

‫ونهجه) وأكثر من ذلك أن ابن تيمية يؤكد معلقا على اآليات السابقة أنه ‪:‬‬

‫بالتفكير في هذه اآليات يجب تذكر أن هللا بحكمته خلق ه ذه المخلوق ات ألس باب غ ير خدم ة اإلنس ان‬

‫ألنه في هذه اآليات يشرح فقط هذه المخلوقات لإلنسان‪.‬‬

‫ويصل سعيد نورسي إلى نتيجة مماثل ة حيث يق ول إن (هن اك العدي د من األه داف لوج ود ك ل ش يء‬

‫وهناك العديد من النتائج التي تنبع من كونه موجودا ) وإن ( ه ذه األش ياء ليس ت مقص ورة على ه ذا‬

‫العالم وعلى أرواح البشر) وعلى العكس فإن أهداف وجود كل األشياء ونتائجها تتصل بالفئات الثالثة‬

‫التالية‪:‬‬

‫األولي واألكثر إجالال هي ما يتعلق بالخالق ويتكون من عرض أمام األنظ ار العج ائب المبه رة ال تي‬

‫وضعها في األمر موضع التفكير وهكذا فإن الهدف األول لكل شيء ه و إعالن المعج زات ال تي ت دل‬

‫على قوة وإعجاز الخالق وتعرضها أمام األنظار من خالل حياة الناس ووجودهم‪.‬‬

‫الهدف الثاني لكل الوجود والنتيجة لكل ما هو كائن يتعلق بالخليقة الواعية ‪ .‬كل شيء مثل الرس الة أو‬

‫القصيدة الفنية أو الكلمة الحكيمة للخالق العظيم تق دم إلى أنظ ار المالئك ة والجن والبش ر والحيوان ات‬

‫ويرغب في أن يقوموا بقراءته أنه موضع التفكير واإلرشاد لكل كائن واع ينظر إليه‪.‬‬

‫الهدف الثالث لكل الوجود والنتيجة لكل م ا ه و ك ائن تتعل ق ب روح الش يء نفس ه وتتك ون من تبع ات‬

‫صغيرة مثل اإلحساس باللذة أو النشوة والحياة بدرجة من الدوام والراحة‪.‬‬

‫يجب أن يك ون واض حا أن الطبيع ة موكل ة إلين ا حيث أنن ا خلف اء هللا على األرض‪ .‬نحن ليس أس ياد‬

‫الطبيعة والعالم على ال رغم من ذل ك وليس الع الم ملك ا لن ا تحت تص رفنا لنس تخدمه بش كل عش وائي‬

‫وغير مسئول وعلى العكس فإن الطبيعة قد خلقها هللا وهي تنتمي إليه‪ .‬األمر المهم في السياق الق رآني‬
‫‪27‬‬

‫أننا مسؤولون ومحاسبون هنا عن أفعالنا في األرض وهذا يعني أننا مسؤولون عن كل ما نفعله س واء‬

‫كان خيرا أو شرا‪ .‬وكخلفاء هلل سوف ندعي لنشهد على أعمالنا لتحقيق هذه الثقة ‪:‬‬

‫{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره(‪ )7‬ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} الزلزلة ‪ 8-7‬وأيضا‬

‫{فسبحان الذي بيديه ملكوت كل شيء واليه ترجعون}يس‪83‬‬

‫وكما يقول يوس ف علي ف إن الرس الة ال تي تنقله ا ه ذه اآلي ة هي ج وهر ال وحي ألنه ا تش رح الحي اة‬

‫اآلخرة‪ .‬خلق هللا كل األشياء وصانها وسوف تعود كلها إليه ولكن النقطة ذات األهمية الخاص ة للبش ر‬

‫أن البشر سوف يعودون أيضا إلى هللا وسوف يكونون مسئولين أمامه فقط‪.‬‬

‫باختصار فإنه على ال رغم أن اإلنس ان ق د أعطي مكان ة عالي ة في تسلس ل الخليق ة وأن الطبيع ة بك ل‬

‫مواردها الغنية قد أوكلت إلينا فال يجب أن ننسي أننا عباد هللا وأن الغاية القصوى من خلقنا هي عب ادة‬

‫هللا وهكذا فإن اإلنسان مدعو إلى استخدام الفرصة للعمل الصالح وليس للفساد في األرض‪.‬‬

‫خاتمة‬

‫تستند مناقشتنا للرأي القرآني عن البيئة إلى الفهم بأن كل شيء في الكون قد خلقه هللا‪ .‬إن هللا هو الذي‬

‫يزين السموات بالشمس والقمر والنجوم ويزين وجه األرض بالزهور واألشجار والحدائق والبس اتين‬

‫ومختلف فصائل الحيوان‪ .‬وهو هللا أيضا الذي يجعل األنهار والجداول تج ري في األرض وه و ال ذي‬

‫يمسك السماوات (بغير عمد) ويجعل المطر ينزل ويضع حدا بين الليل والنهار‪ .‬والك ون بك ل م ا في ه‬

‫من ثراء وحيوية هو عمل وفن هللا الخالق‪ .‬وهو أيضا هللا الذي خلق كل الحيوان ات والنبات ات أزواج ا‬

‫من أجل التناسل‪ .‬وخلق هللا الرجل والمرأة تبعا لكل ذلك ‪.‬‬

‫وله ذا نخلص إلى أن األخالق البيئي ة هي ن اتج منطقي للفهم الق رآني للطبيع ة وللبش رية‪ .‬إن النظ ام‬

‫القيمي للقران به العناصر الضرورية لبناء وتطوير األخالقيات البيئي ة‪ .‬إن ترك يز الق رآن على البع د‬
‫‪28‬‬

‫المقدس والميتافيزيقي للكون يجب أن يقودن ا إلى تغي ير الص ورة العام ة للمس لمين عن الطبيع ة وعن‬

‫أنفسهم أيضا‪ .‬ووجهة النظر القرآنية ه ذه يمكن مالحظته ا والعث ور على مث ال له ا في حي اة الرس ول‬

‫محمد صلي هللا عليه وسلم ألن حياته تعتبر لدي المسلمين هي الحياة بالقرآن ولديها تأثير مث الي ق وي‬

‫على المسلمين على مر الزمن ‪ .‬ونظر المسلمون إلى الطبيعة بتعاطف وتسامح نتيجة لتشربهم بأخالق‬

‫الرسول‪ .‬واليوم كل ه ذه المب ادئ تنتظ ر إع ادة اكتش افها وتحليله ا من أج ل ص ياغة أخالقي ات بيئي ة‬

‫قرآنية لمواجهة األزمة الحالية‪.‬‬

‫يمكن استنتاج واستنباط المبادئ التالية من القرآن وهي ضرورية ألي أخالق بيئية‪:‬‬

‫‪ -‬إن للعالم الطبيعي وج ودا س ببيا وموض وعيا ألن ه ق د خلق ه هللا وان ه يعكس أس مائه وص فاته‬

‫الحسني‪.‬‬

‫‪ -‬إن للبيئ ة كك ل قيم ة داخلي ة وجوهري ة لكونه ا مخلوق ة ومحفوظ ة من هللا بغض النظ ر عن‬

‫فائدتها للبشر‬

‫‪ -‬إن البشر على الرغم من كونهم ارقي الخليقة فهم ليسوا إال أعضاء في مجتمع الطبيعة ولديهم‬

‫مسئوليات نحو البيئة مثل مسئوليتهم تجاه أسرهم‬

‫‪ -‬البشر هم خلفاء هللا على األرض ولهذا سوف يحاسبون في اآلخرة على أفع الهم هن ا وس وف‬

‫يكونوا محاسبين على أفعالهم المتعلقة بالبيئة‬

‫‪ -‬إن التنوع الطبيعي وثراء النظ ام البي ئي ه و نتيج ة لخل ق هللا وإرادت ه وله ذا يجب أن يح ترم‬

‫النظام البيئي ويصان‬

‫‪ -‬لقد خلقت الطبيعة في نظام واتزان وعلى قدر كب ير من الجم ال وك ل ه ذه الن واحي للطبيع ة‬

‫يجب احترامها وتطويرها وحمايتها أثناء تحسين حياة البشر هنا‬


‫‪29‬‬

‫‪ -‬يجب أن تستند كل أنماط اإلنتاج واالستهالك اآلدمي إلى النظام والتوازن الع ام للطبيع ة ‪ .‬إن‬

‫حقوق البشر ليست مطلق ة وغ ير مح دودة‪ .‬ال يمكنن ا أن نس تهلك ونل وث الطبيع ة كم ا نري د‬

‫بإهمال‬

‫‪ -‬إن منع ظه ور الفس اد في األنظم ة الطبيعي ة ومن ع الفس اد في األرض ه و أح د المس ئوليات‬

‫األساسية لكل المؤمنين‬

‫لقد غير القرآن قلوب وعقول من يسمعونه عندما ظهر في شبه الجزيرة العربية مثريا البشرية ومقدما‬

‫عدسة حية يمكن من خاللها النظر على الطبيعة‪ .‬اليوم في مطلع الق رن الح ادي والعش رين وفي وقت‬

‫األزمة البيئية العالمية فإن الق رآن يمكن ه أن يلعب دورا م رة أخ ري ويعطين ا نحن المؤم نين بص حته‬

‫منظورا جدي دا ووعي ا بالطبيع ة إذا كن ا مس تعدين أن نفتح قلوبن ا وعقولن ا لتعاليم ه‪ .‬إن العالق ة ال تي‬

‫يصغها القرآن فيما بين البشر وغيرهم من المخلوقات قد ذكرها بشكل جيد ودقيق ي ونس إم ري اح د‬

‫الشعراء الصوفيين في القرن الثالث عشر(نحن نحب كل الخليقة من أجل خالقها)‪.‬‬

You might also like