Professional Documents
Culture Documents
وزارة الثقافــة
مديرية إحياء ونشر التراث العربي
في مجال الفكر التربوي
إحياء التراث العربي
()3 ()175
الفـكـر التـربـوي
عنـد ابـن سـينا
د .محمود عبد اللطيف
-1-
مقدمة
في الواقع إن مواهب ابن سينا تلخصت في ذكائه النادر ،وذاكرته القوية وعقله الخصب ،والجلد المنقطع
النظير على العمل .وقد بدت مالمح ذلك كله في العاشرة من عمره ،ووصل إلى مرتبة النبوغ والتخصص قبل سن
العشرين فأضحى حجة في الطب والفلك والرياضة ،إومامًا في الفلسفة .عالج موضوع النفس في مؤلفاته بقدر ما عالج
فيها موضوع الجسم .وخصص للنفس أهم الفصول في مؤلفاته بقدر ما عالج فيها موضوع الجسم .وخصص للنفس
أهم الفصول في مؤلفاته الفلسفية ،كما إونه خصص لها رسائل كاملة وقصصًا رمزية :إن الفصل الذي عقده للنفس
في (الشفاء) وفي مختصر «النجاة» وفي «اإلشارات والتنبيهات» والرسائل العديدة التي بحث فيها موضوع النفس
وهي تقدر بحوالي ثالثين رسالة .رسالة السياسة التي أودع فيها ابن سينا آراءه التربوية .وتتكون رسالته من خمسة
فصول هي :سياسة الرجل نفسه ،سياسة الرجل دخله وخرجه ،سياسة الرجل أهله ،سياسة الرجل ولده ،وسياسة الرجل
خدمه ،وقد ضمن آراءه التربوية في الفصل الرابع وهو سياسة الرجل ولده ،تناول فيه تربية الولد من مولده حتى
خروجه إلى ميدان العمل والكسب ،فأشار إلى أهم ما يأخذ به الناشئ من أنواع التربية الجسمية والخلقية والعقلية .وهو
يرى أن الغاية من التربية هي العمل ،واستثمار المعارف في الكسب واالرتزاق ،ليتذوق الناشئ حالوة الكسب
بالبضاعة ،ويعتاد طلب المعيشة بالجد.
ويمكننا أن نعتبر هذا الكتاب (الجزء الثالث من سلسلة التراث العربي اإلسالمي في مجال الفكر التربوي عند ابن
سينا) إنه يتضمن أهم محددات الفكر التربوي عند الشيخ الرئيس في مؤلفاته الفلسفية ،والرسائل والقصص الكاملة،
التي بحث فيها مكونات الفكر التربوي النفسي إوبراز المضامين التي ينطوي عليها هذا الفكر من إبداع فكري أسهم في
تكوين العقل العربي الخالق الذي يمكن استثماره لالرتقاء بتربية الفرد.
لقد أضحى ابن سينا حجة في الطب والفلك والرياضيات ،وإ ماماً في الفلسفة ،ورغب الملوك واألمراء في
أن ينضم إلى حضرتهم Sوينخرط Sفي سلك بالطهم ،وتوج ذلك كله بإنتاج متنوع غزير َّ
قل أن يتوفر لرجل مثله
القى ما القى من عنت واضطراب ،فخلف لنا ما يزيد على مائتي مؤلف بين طويل ومتوسط ومختصر.
واتسم الشيخ الرئيس بنزعة إنسانية أجازت لنا نعته باالنتماء إلى ضرب من عمل تنوير تربوي أصيل
يوضح تعمق مزاياه إمكانات مشاركته العربية اإلسالمية في خصائص الحضارة اإلنسانية النابعة عبر العصور وفي
مختلف الثقافات القومية والمحلية ،فهو يتمتع بعبقرية فذة وذكاء خارق ،وقد استقى نظريته التربوية واالجتماعية
والسياسية مما كان يتمثل أمام ناظريه من مشاهد فساد الخالفة العباسية.
وقدم ابن سينا للتربية العربية اإلسالمية آراء جديدة تمثلت بتربية الطفل في دور الرضاعة ،والتربية الخلقية
بعد الرضاع ،والتربية العقلية .وأكد ضرورة األخذ بمبادئ هذه التربية متى اشتدت مفاصل الصبى واستوى لسانه
ووعى سمعه ،وتهيأ للتلقين ،كل مافيه من مكارم األخالق.
والبن سينا إسهامات واسعة في شتى حقول التربية الدينية واألخالقية ،واالجتماعية والعقلية والجسمية
والجمالية ،وله آراء فلسفية وتربوية هامة يجب عدم إغفالها لما لها من أهمية في حياة الفرد واإلنسانية.
إن الدراسات التربوية الحديثة تناولت سمات التربية العربية اإلسالمية وأبعادها Sإال أن عملية الربط بين
ماضي هذه التربية وحاضرها كانت ضعيفة ،إذ لم تحاول أن تفيد من نتائج البحوث في ترشيد الواقع التربويS
الحالي ودفعه إلى األمام.
-2-
فالتراث العربي التربوي أصيل في أساسياته ومنطلقاته فهو تجريبي واقعي في وسائله وأساليبه ،وفي فكره
وأعماله ،فهو بيان وتربية ،وهو مسؤولية علمية وعملية في بناء الذات اإلنسانية لتأصيل التراث التربوي واإلفادة
ال.
من قواعده في صياغة النفس فكرًا وسلوكًا وتواص ً
وال يفوتني أن أوجه شكري وتقديري إلى العالمة الكبير األستاذ الدكتور محمود أحمد السيد لرعايته
وتوجيهاته المفيدة في إعداد سلسلة التراث العربي اإلسالمي في مجال الفكر التربوي عند الجاحظ ،والفارابي ،وابن
سينا ،فله كل الشكر والتقدير راجيًا اهلل أن يمده بالصحة والعافية.
القيم معاون وزير الثقافة ،الهتمامه وتشجيعه على نشر وإ حياء التراث
أوجه الشكر والتقدير للدكتور علي ّ
كما ّ
العربي اإلسالمي لتحقيق عملية التواصل الفعال بين الماضي والحاضر في جميع الميادين.
إن غنى التراث العربي اإلسالمي بأعالم التربية ومؤلفاتهم الضخمة وفي طليعتهم الشيخ الرئيس (ابن سينا)
مكننا أن نتعرض في دراستنا هذه إلى مسيرته الثقافية والتربوية واإلحاطة بجميع ما وضعه في مجال الفكر التربوي
العربي اإلسالمي على تنوع أغراضه ومواضعه.
أSسSأSل SاSهلل SحSسSن SاSلSقSصSد SوSاSلSتSوSفSيSق SوSهSو SخSيSر SوSأSبSقSى SوSأSن SيSكSوSن SهSذSا SاSلSسSفSر SبSعSد SجSهSد SطSوSيSل SثSمSرSة SمSن SثSمSرSاSتS
اSبSن SسSيSنSا SوSإ سSهSاSمSاً SفSي SاSلSتSرSاSث SبSشSخSص SأSحSد SكSبSاSر SأSعSالSمSهS.
المؤلف
د .محمود عبد اللطيف
-3-
الباب األول
محددات االتجاه التربوي عند ابن سينا
-4-
الفصل األول
مسيرة ابن سينا الثقافية والتربوية
-5-
مسيرة ابن سينا الثقافية والتربوية
مقدمة
كان ابن سينا مفكراً عالمياً ارتفع عن حدود الزمان والمكان ،وامتاز بذاكرته القوية وجلده المنقطع النظير
على العمل ،وقد بدت مالمح ذلك كله في سن مبكرة أكمل ثقافته اللغوية والدينية والعقلية .ولم يجاوز العاشرة من
عمره ،ووصل Sإلى مرحلة النبوغ وهو في سن العشرين ،فهو أول فيلسوف Sعربي ترك لنا من لفظه شيئاً عن
سيرته ووصف حاله ،كان شديد االرتباط بموطنه األصلي ،بذل جهداً كبيراً لتلقي العلم والمعرفة بين مختلف
االتجاهات ،فهو من األوائل الذين وصفوا Sحياتهم في جميع مراحلها ،فقال عنه ابن أبي أصيبعه :كان أشهر من
أن يذكر ،وفضائله أظهر من أن تسطر لم يتفرغ للعلم والتعليم ،بل انخرط في الحياة السياسية وتقرب إلى
سالطين زمانه ،قضى Sفترة طويلة في صحبة الملوك واألمراء ومجالستهم ،وامتاز بغزارة نتاجه وابتكاره
وقدرته الخارقة التي التحد في سرعة التأليف مع التجويد واإلتقان والخصائص المتميزة على بناء اإلنسان
الممتاز.
فهو ينظر إلى اإلنسان بجميع جوانبه ومراحل حياته لتحقيق التوازن بين جميع طاقات اإلنسان الستغاللهاS
بشكل حسن في مجال التربية اإلسالمية التي تستوعب سلوك اإلنسان في جميع قضايا حياته.
إن مسيرة ابن سينا الثقافية والتربوية إنسانية واسعة األفق التخشى األخذ عن الغير مادامت تؤمن بنفسها ،كما
التخشى أن يؤخذ عنها فتستفيد وتفيد ،تظهر فيها أصالته وآراؤه الثقافية والتربوية والفلسفية في جميع المجاالت.
أوالً :حياة ابن سينا
ابن سينا هو أبو علي الحسين ابن عبد اهلل الملقب بالشيخ الرئيس ولد سنة 370هـ 980 -ميالدية في قرية
أفشنه قرب بخارى في تركستان أو ما يعرف حاليًا بجمهورية أزبكستان وفي بيت له اشتغال بخدمة الدولة ،رحل
مع والده وهو صغير السن إلى مدينة بخارى حيث كانت تُعتبر كعبة العلماء وفيها تلقى ابن سينا علومه ومعارفه
الكريم فحفظه ولم يتجاوز عمره عشر سنوات ،وتابع دراسته في مجاالت قواعد التربية اإلسالمية من ِ ِ
بالقرآن وألم
َّ
القرآن إلى التفسير واألدب واللغة والفقه والحساب والهندسة وجميع العلوم الرياضية ،والمنطق والطب والكالم
والفلسفة .وهي كما نالحظ علوم متنوعة بعضها يرتبط بعالم السماء ،وبعضها يربط بعالم األرض ،ولقد شهد منذ
صغره تضارب اآلراء وتنازع العقائد «ألنه نشأ في بيئة تميل إلى الحرية والتسامح».
كان ابن سينا في السابعة عشرة من عمره حينما أسعده الحظ بشفاء األمير نوح ابن منصور Sالساماني الذي
كان يعاني من مرض عضال ،وحينما Sأذن له هذا األمير بالدخول إلى دار كتبه أقبل ابن سينا على قراءة ما
يلم بكثير من العلوم وهو في ريعان
تحتويه من كتب نادرة ولقد تمكن باطالعه على مكتبة نوح بن منصور Sأن ّ
صباه ،مما أدى إلى كثرة تأليفه ،وقيل :إنه كان يكتب يومياً خمسين ورقة كمعدل وسطي ،دون الرجوع إلى أي
مصدر« ،وحينما احترقت مكتبة نوح ابن منصور قيل :إن ابن سينا هو الذي أحرقها كي ال يطلع أحد غيره على
ما تشتمل عليه من نفائس الكتب» ( فخري Sرشيد خضر ،بدون تاريخ تطور Sالفكر التربوي).
-6-
روي Sأنه كان كثير التنقل في حياته بين مدن جرجان وهمذان وأصفهان ،واستقر في همذان فترة من
الوقت حيث عمل وزيراً Sلشمس الدولة أبي طاهر الديلمي غير أن جنود شمس الدولة ثاروا Sعلى ابن سينا ونهبوا
داره وقبضوا Sعليه فنفاه شمس الدولة إرضاء لهم ولكنه ما لبث أن أعاده إليه .وبعد عودته أصيب بمرض معوي
مؤلم ،وجرت محاوالت كثيرة من قبل األطباء لمعالجته ولم يكتب لهم النجاح في شفائه فحقن نفسه في يوم واحد
تقرحت أمعاؤه ،وعندما أحس بدنو األجل استسلم للقضاء ووزع ماله على الفقراء وأهمل ثماني مرات حتى َّ
مداواة نفسه وفارق الحياة عن عمر يناهز السابعة والخمسين فدفن في همذان تحت السور من جانب القبلة ،وقال
المؤرخون :إن قبر الشيخ الرئيس معروف هناك لدى عامة الناس .وفي Sحديث البن سينا وهو يترجم Sسيرته
( )2
الذاتية التي رواها تلميذه أبو عبيدة الجوزجاني )1(Sحديث نشأته Sفيقول« :إن أبي Sكان رجالً من أهل (بلخ)
وانتقل إلى( Sبخارى)( )3في Sأيام( Sنوح بن منصور) )4(Sواشتغل SبالتصرSف Sوتولى Sالعمل في أثناء أيامه بقرية يقال
لها( :خرميشن)( )5من ضياع بخارى وهي من أمهات القرى ،وبقربها قرية يقال لها :أفشنة( )6وتزوج أبي منها
بوالدتي ،وقطن بها وسكنها Sوولدت له بها ،وولد Sأخي ثم انتقلنا إلى بخارى( ،)7وأحضرت Sمعلم القرآن ،ومعلم
األدب ،وأكملت العشر من العمر ،وقد أتعبت على القرآن ،وعلى كثير من األدب ،حتى كان يقضي مني
العجب.)8(»...
وفي Sالكلمة التي ألقاها الدكتور Sشاكر الفحام في رحاب جامعة دمشق احتفاء بذكرى مولد ابن سينا األلفية
يقص بكلماته السهلة العذبة ال تزويق فيها وال
1980م يقول« :وعلى هذا النمط من البيان مضى الشيخ الرئيس ّ
بعد الكتب التي
وصدر Sشبابه ،ليذكر من ُّ تهويل ،مسيرة حياته ،والعلوم التي ثقفها ،وأحكم دراستها Sفي صباه
ألّفها ،والمدن التي تنقل فيها»( شاكر الفحام ،1980 ،في ذكرى ابن سينا األلفية).
لقد كان الشيخ الرئيس مؤلفاً كثير اإلنتاج ،وقد شملت كتاباته موضوعات Sالفلسفة والتربية والتصوف
والفلك والموسيقى والطب والكيمياء واللغة والشعر.
ومن أشهر كتبه التي خلفها لنا كتاب «الشفاء» في الطبيعة واإللهيات وغيرها ،وكتاب (القانون) في الطب
وكتاب (السياسة) في التربية.
( )1جوزجSS Sان :اسم كSS Sورة واسSS Sعة من كSS Sوربلخ بخراس SSان ،وهي بين مSS Sرو الSS Sروز وبلخ (معجم البلSS Sدان) وتقع اليSS Sوم في شSS Sمالي 1
جمهورية أفغانستان.
( )2بلخ :مدينة SمشSهورة من أجّ Sل مSدن خراسSان ،وأذكرهSا ،وأكثرها خSيراً ،وأوسSعها غلة (معجم البلSدان) وهي اليSوم في شSمالي 2
جمهورية أفغانستان.
( )3بخ SS Sارى :من أعظم م SS Sدن ما وراء النهر وأجلّه SS Sا ،وك SS Sانت قاع SS Sدة ملك الس SS Sامانية (معجم البل SS Sدان) وهي الي SS Sوم في جمهورية 3
أوزبكستان.
( )4أبو القاسم نوح بن منصور من أمراء السامانية ،تولى اإلمارة على خراسان وما وراء النهر اثنتين Sوعشرين سنة. 4
(ِ )5خ ْرميشن ـ بفتح أوله وتسكين ثانيه وهي من قرى بخارى (معجم البلدان)S. 5
( )6أ ْفشنة :بفتح الهمزة وسكون الفاء والشين معجمة مفتوحة ،وهي من قرى بخارى (معجم البلدان). 6
( )7بخ SSارى :نسب ي SSاقوت الحم SSدي ابن س SSينا إلى بخ SSارى ،وع SSده من أك SSابر من أنجبته من علمائها (معجم البل SSدان بخ SSارى) ،وقد 7
سلك مسلكه عدة مؤلفين ترجموا البن سينا ويقول الذهبي يترجم ابن سينا «أصله بلخي ،ومولده ببخارى» [العبرة.]665 :
( )8تSاريخ الحكمSاء للقفطي 413 :عيSون األنبSاء البن أبي أصSيبعة ،وتSاريخ حكمSاء اإلسSالم للSبيهقي ،والSوافي بالوفيSات للصSفدي 8
ط .391 :1979/12
-7-
ومن هنا نستطيع Sالقول :إن ابن سينا كان متوقد الذكاء ،امتاز بمواهبه الفذة ،وعبقريته األهابة في تعلم
القرآن واألدب وهو ابن عشر سنين وتعلم حساب الهند ،واشتغل بالفقه وتردد على إسماعيل الزاهد ،حتى ألف
طرق المطالبة ووجوه االعتراض على المجيب على الوجه الذي جرت عادة القوم به» .ثم ابتدأ كتاب إيساغوجيS
على الناتلي (أبو عبد اهلل الناتلي ،بدون تاريخ ،حكماء اإلسالم)( ،)1وأحكم المنطق ،وكتاب أقليدس(أبو عبد اهلل
واستمر على
ّ الناتلي ،بدون تاريخ ،حكماء اإلسالم) ،وانتقل إلى المجسطي ،قرأها جميعاً على نفسه ،وفهمهاS،
علي ،ثم رغبت في علم الطب ،وصرت Sأقرأ طريقته يعلّم نفسه ويثقفها ،يقول( :وصارت أبواب العلوم تتفتح َّ
الكتب المصنفة فيه ،وعلم الطب ليس من األمور الصعبة ،فال جرم أنني ّبرزت فيه في أق ّل مدة ...وتعهدت
علي من أبواب المعالجات من التجربة ما ال يوصف(»Sالناتلي أبو عبد اهلل ،بدون تاريخ ،حكماء المرضى ،فانفتح ّ
اإلسالم) ،إن طريقة ابن سينا في التعلم الذاتي تعتمد على الجهود الذاتية لتعزيز ذاتيته الفكرية والمعرفية،
والحقيقة أن ما نسميه ،ونقرؤه ال يصبح ملكاً لنا إال من خالل التفكير فيه؛ فبالتفكير Sوحده يمكن أن نصفي مما
يعدلها ،أو يضيف إليها ،وبذلك كان ابن سينا يتبع أسلوب الحوار والمناظرة، قرأنا ما يدعم رؤيتنا Sالمعرفية ،أو ّ
فهو يرى أن األفكار Sفي لحظة إنتاجها أو استقبالها ،يكون لها وهج ورهبه ،ولها وقع في النفس ،وتوضح موضع
التمحيص على محكات الجدل ،وذاك هو طريق Sنضجها واكتمالها.
وهكذا كان الشيخ الرئيس يدرس بجد ،ال ينام ليلة بطولها ،وال يشتغل في النهار بغير العلم( ،ويصلي إذا ما
أغلق عليه عسير ،ومن أعسر ما لقي في درسه فهم الهبات ألرسطو Sفقد حفظها ولم يفهمها ،وصدف Sأن قرأ
الفكر الرتبوي عند ابن سينا – م2
كتاب الفارابي في أغراض ذلك الكتاب ،ففهمه وتصدق Sعلى الفقراء شكراً هلل»(يوحنا قمير - ،1982،فالسفة
العرب -ابن سينا).
( )9هو أبو عبد اهلل الناتلي (تاريخ حكماء اإلسالم) والناتلي :نسبة إلى ناتله ،ويقال :ناتل ،مدينة بطبرستان (معجم البلدان)S. 1
-8-
ويروى في مسألة نشأته وما يتصل بأسرته ثقافياً وعلمياً وتربوياً Sومكانته بين رجال العلم والفكر «إنه أول
فيلسوف Sعربي ترك لنا من لفظه شيئاً عن سيرته ووصف حاله» (جميل صليبا ،1937 :ابن سينا) وإ ن ما كتبه
المترجمون والمؤرخون عن سيرته « يعتبر المصدر Sالرئيس لترجمته الذاتية ،فقد نقلوا عنها ولم يضيفوا إليها
جديداً»( محمد عبد الغني حسن« 1952 :ابن سينا عند قدماء المترجمين والمؤرخين ،مجلة الثقافة) ،فقد جمع
في حياته بين كثير من المتناقضات بسبب إقبال الناس عليه ،نظراً لتفوقه من جهة وللبيئة المضطربة التي عاش
بها من جهة أخرى ،فقد كان يجمع بين الضجيج السياسي Sوسكينة الفيلسوف ،وبين اإلقبال على األهواء
والشهوات واإلقبال Sعلى البحث والتأمل»(عادل عوا ،بدون تاريخ ،الثقافة الفلسفية ،ابن سينا).
لقد كان الشيخ الرئيس متفائالً في جميع مراحل حياته يعتقد أن العالم الذي نعيش فيه أحسن العوالم الممكنة
وكان شديد االرتباط Sبموطنه األصلي ،فهو لم يغادر موطنه مرة واحدة رغم اضطراب حياته فيها ،وهو بذلك
يخالف الفارابي «الذي كان يجول البالد دون التقيد بأي رابطة طبيعية أو اجتماعية» (محمود عبد اللطيف،
،2004الفكر التربوي Sعند الجاحظ) .ويتضح لنا من دراسة ابن سينا أنه منذ صغره كان يبذل جهداً كبيراً لتلقي
العلم والمعرفة بين مختلف االتجاهات ،وقد Sتكونت لديه الرغبة في الحصول خاصة على العلوم الفلسفية
والهندسية ،وكان والده يؤمن له كل المقومات التي تسهم في اكتسابه وحصوله على المعرفة والفكر ،وقيل :إن
بقوله: ()1
والده أرسله إلى رجل كان يبيع البقل ويقوم Sبحساب الهند وهو(محمود Sالمساح) الذي وصفه البيهقي
«وكان عالماً في الحساب والجبر Sوالمقابلة» .ثم أنزله عند الناتلي ليتعلم منه المباحث العقلية ،واستطاع Sالناتلي أن
يصرفه عن االشتغال بالفقه والتصوف إلى العلوم العقلية والمباحث الفلسفية.
ولما توفي Sأبو علي الحسين بن عبد اهلل الملقب بالشيخ الرئيس سنة 1037م كان ُّ
يعد وقتئذ Sأحد عباقرة
الفلسفة في اإلسالم ،وفي الطب وضع في مصاف جالينوس حيث أطلق عليه لقب جالينوس اإلسالم ،وبسبب
شهرته الواسعة فقد تسابق Sلالحتفال بذكراه عدة شعوب ،واألتراك هم أول من احتفلوا بذكراه ،عندما أقاموا Sعام
1937مهرجاناً ضخماً بمناسبة مرور تسعمئة ٍ
سنة على وفاته .ثم حذا حذوهم العرب والفرس حيث أقيم
مهرجانان لالحتفال به في كل من بغداد عام 1952وفي طهران عام .1954وفي Sعام 1978دعت منظمة
اليونسكوَّ S
كل أعضائها Sللمشاركة في احتفال إحياء ذكرى مرور Sألف عام على والدة ابن سينا وذلك اعترافاًS
أقيم
بمساهماته في مجالي الفلسفة والطب ،وبالفعل فقد استجاب كل أعضاء المنظمة وشاركوا Sفي االحتفال الذي َ
عام 1980في دمشق.
1
W. marteometg. Watt Isamie plilosokg and the ology edivburrgh, the vriverity. (1) 1962. p. 96.
-9-
إن حياة ابن سينا Sكلها دروس Sوعبر S،فهو Sمن األوائل Sالذين وصفوا Sحياتهم Sفي Sجميع Sمراحلها S،وهذا Sما
ذكره ابن أبي Sأصيبعة في Sافتتاحية Sمقالته عن ابن سينا Sبقوله (ابن أبي أصيبعة ،1967 ،عيون األنباء SفيS
طبقات األطباء)« :Sالشيخ الرئيس Sابن سينا Sهو Sأبو علي :الحسين Sبن عبد اهلل بن علي بن سينا Sوهو S،وإ ن كان
أشهر Sمن أن يذكر S،وفضائله Sأظهر Sمن أن تسطر S،فإنه قد Sذكر Sمن أحواله ،ووصSف Sمن سيرته Sما يغني Sغيره
عن وصفه ،ولذلك Sإننا نقتصر Sمن ذلك Sعلى Sما قد Sذكره Sهو عن نفسه» ونقله عنه أبو عبيد الجوزجانSي S.ومنS
(S)1S
ثم يعرض Sابن أبي أصيبعة Sما قاله ابن سينا SعSن نSفSسSه SمSا SقSاSل SاSلSشSيSخ SاSلSرSئSيSس S.S.S.S:SاSلSخ S.وSيSتSاSبSع SاSلSجSوSزSجSاSنSيS
تSلSمSيSذ SاSبSن SسSيSنSا SاSلSحSدSيSث SعSن حSيSاSة SأSسSتSاSذSه SفSيSقSوSل S:SاSتSصSل SاSبSن SسSيSنSا SبSاSألSمSيSر SشSمSس SاSلSدSوSلSة SاSلSذSي Sأصابه Sالقولنج
فعالجه ابن سينا Sحتى Sشفاه اهلل ثم Sقال( :ابن أبي أصيبعة ،1967 ،عيون األنباء Sفي Sطبقات األطباء) « SثمS
سألوه تقلد الوزارة Sفتقلدها S،ثم اتفق Sتشويش Sالعسكر Sعليه ،وإ شغالهم Sمنه على أنفسهم S،فكسبوا Sداره وأخذوه إلى
الحبس وأغاروا على محتوياته وأخذوا Sجميع ما كان بملكه ،وسألوا Sاألمير Sقتله فامتنع S،وعدل إلى Sنفيه عن
الدولة طلباً Sلمرضاتهم S،فتوارSى Sالشيخ في Sدار Sالشيخ «أبي Sسيد Sبن دخدرك »Sأربعين Sيوماً ،فعاود SاألميرS
«شمس الدولة» القولSنج ،وطلب Sالشيخ ،فحضر Sمجلسه ،فاعتذر Sاألمير Sإليه بكل Sاالعتذار ،فاشتغل Sبمعالجته،
وأقام Sعنده مكرماً Sمبجالً وأعيدت Sالوزارة Sإليه ثانية» .هكذا Sكانت حياة ابن سينا Sوما Sفيها Sمن مشاكل SأحياناًS
ومشاغل أحياناً Sأخرى ،وهذا Sما Sاعتاد Sعليه في Sمعظم Sمراحل Sحياته بين الوزارة Sوالسجن ،ومع Sهذا وذاكS
استمر Sفي Sالتدريس Sوالتأليف Sكما Sسنرى Sعند دراستنا Sللجوانب التربوية Sعنده.
فقد ابن سينا أباه وهو في الثانية والعشرين من عمره (البيهقي ،بدون تاريخ ،تاريخ حكماء اإلسالم) .وهذا
ما اضطره إلى ترك بخارى في رحالت متقطعة بين مكان وآخر ،ما يعنينا من ذلك أن ابن سينا قد خالف سنةَ
أسالفه الحكماء ،فهو لم يقتصر على الدرس والمطالعة ،ولم يتفرغ للعلم والتعليم ،بل انخرط في الحياة السياسية
وتقرب إلى سالطين زمانه ،وولي Sالوزارة مرة بعد مرة ،ودفع Sضريبة ذلك تخفياً حيناً ،وفراراً Sحيناً ،وسجناًّ
حيناً ،وكان يتطلع إلى السلطة ليتراوح بين النظر والعمل ،بين المثل العليا والواقع ،ليجعل معرفته في خدمة
مجتمعه بدل أن تظل حبيسة الكتب ،مهما يكن فقد كان تالميذ الشيخ الرئيس ومحبوه في قلق كبير بسبب
المشكالت التي حالت بينه وبين التفرغ للعلم واإلفادة منه.
والحق أن ابن سينا قضى شطراً طيباً من حياته في صحبة الملوك واألمراء ومجالستهم ،وقد امتاز بغزارة
نتاجه ،وإ حاطته ،وابتكاره ،وقدرته الفائقة التي ال تحد في سرعة التأليف مع التجويد Sواإلتقان.
عاش حياته في البحث والتأمل ،وكان متفائالً في جميع مراحل حياته السياسية والفلسفية ،كما كان شديد
االرتباط بموطنه األصلي وبقي هكذا حتى وفاته وعلى فمه ابتسامة الرضا في شهر رمضان من عام 428هـ وقدS
وضمه ثرى همذان ضنيناً به ،حريصاً Sعليه ،منارة هادية من منارات
ّ َّ
تردى الثامنة والخمسين من عمره،
الحضارة العربية العريقة»(ابن أبي أصيبعة ،بدون تاريخ ،عيون األنباء).
( )1الجوزجاني :تركيب فارسي بمعنى (قاطف الجوز) وهي صفة معروفة عند المزارعين. 1
-10-
إن حياة ابن سينا جمعت الشتيت المتباين من األوضاع ،وضمت صنوفاً مختلفة من الحاالت ،فهو لم يكن ّ
فيلسوفاً Sفحسب ،بل كان رجل سياسة تقلّد الوزارة وصاحب األمراء ،وهدد بالقتل والسجن والدمار ،حيث كان له
صنفان من الناس ،فئة تحبه ،وأخرى Sتبغضه « ،نازع مبغضيه ،وخرج أحياناً على محبيه .وبقي طوال حياته
قوي األمل شديد العزم ،ألنه كان يريد حياته أن تكون عريضة قصيرة ،وال يحبها ضيقة طويلة ،وكان له ما
أراد!» (جعفر آل ياسين ،1984 ،حياة ابن سينا وفكرة الفلسفي).
ومرها؟
والسؤال Sالكبير الذي يطرح نفسه هل كان ابن سينا راضياً Sمن األعماق بأوضاع حياته حلوها ّ
ويأتي Sالجواب منه فيقول في كتاب المباحثات« :لقد أنشب القدر في مخاليب الغير ،فما أدري كيف أتملص
سجن ثخين!، لست من رجالها ،وقد انسلخت عن العلم ،فكأنما ألحظه من وراء ٍ فعت إلى أعمال ُ وأتخلص ،لقد ُد ُ
مع شكري هلل تعالى ،فإنه على األحوال المختلفة ،واألحوال Sالمتضاعفة ،واألسفار Sالمتداخلة ،واألطوارS
وميض يحيي قلبي ،ويثبت قدمي ،إياه أحمد على ما ينفع ويضر S،ويسوء ويسر »Sوهذا ٍ المتناقضة« ،اليخليني من
يمثل التواضع الجم ،والكبرياء Sاألشم طوال مراحل حياته ،ويرسم ابن سينا السبيل الموصل إلى فهم الوضع
الحياتي الذي مر به ،وسيرة حياته التي أمالها بنفسه من حيث تواضعه فهو يقول في كتابه المباحثات ...« :إن
معلوم البشر ٍ
متناه ،وأنا فيما اجتهدت قد علمت كثير أشياء معرفة قد حققتها ال مزيد عليها؛ إال أنها قليلة ،والذي
علم بما أجهله لم يظفرني Sبه البحث الجاد الذيأجهله ال أهتدي سبيله كثير جداً ،لكنني قد يئست أن يتجدد لي ٌّ
فكر ما استقصيته بالسعي األول؛ أقنعت توليته وأنا مسلم إلى طلب أن الحق ال تعارض يده فيه يد ...وإ ذا ثبت لي ٌ
به ،لكنني مع هذا كله هلل حامد ،فقد وهب لي يقيناً ال يزول باألصول التي البد منها لطالب النجاة ،ومجاالً فيما
ضيق ،ومعرفة بما ال أعرفه ،بالغة».بعد ذلك غير ّ
وهناك أمثلة كثيرة تدل على تواضعه منها رسالته إلى علماء بغداد «يسألهم فيها اإلنصاف Sبينه وبين رجل
يتكلم في الحكمة مدعياً أن ما يقوله هو من آراء حكماء دار السالم» ( محمود Sقاسم ،1969،السماء والعالم
والكون والفساد) .ويتضح من رسالته ثقته بنفسه ،وإ يمانه بقدراته الفكرية ،وال يفوتنا أن نذكر هنا أن ابن سينا
كان شديد االعتزاز بمعرفته وبعلومه ومهاراته ،وباإلنجازات Sالعلمية التي حققها لخدمة اإلنسانية جمعاء في
جميع الحاالت ،وهذا ما هدفه وعمل على تحقيقه وبذلك يقول « :ما أنا تعلمت العلم للتسوق ،وما أنا ممن أوطأت
نفسي عشوة فيما أحسب أنني أحسنه ،بل اجتهدت وبلغت ،فال يرد على مناقض ولو نزل من السماء ،وال يهجس
علي كل فان وحي! وما ال أعلم فالأن الشيء الذي أتيته عرضة لنقد أو إبطال أو فساد ،وإ ن اجتمع ّ في بالي ّ
أن المستعز باليقين ال يذعره شيء ،وإ ن هال أصحاب الظنون». أدعيه ،واعلم ّ
والذي يظهر لي أن ابن سينا كان دقيقاً في معرفته للعالم الذي ال ينجلي إال بطول النظر وإ عمال الفكر فيما
يمكن أن ينصف Sعبقري كاألستاذ Sالرئيس نفسه أمام الناس وأمام التاريخ!.
وتجدر Sاإلشارة إلى أنه البد من النظر إلى التراث على أنه حياة ال موت ،وحركة ال جمود ،فهو عبارة عن
مجموعة من المثل والقيم واألعمال والمضامين واألشكال Sنشأت من الماضي القديم وشقت طريقها إلى الماضي
لتكون خلفيتنا وحالنا وكثيراً من مستقبلنا» (ابن أصيبعة ،1239عيون األنباء
الحديث ،وسافرت Sإلينا عبر القرون ّ
القاصرة).
-11-
والتراث بهذا المعنى ليس مرحلة تاريخية بعينها ،ولكنه جماع التاريخ المادي والمعنوي لألمة منذ أقدم
العصور إلى اآلن ،يرى الدكتور غالي شكري في كتابه «التراث والثورة» أن الفكر العربي المعاصر نظر إلى
تراثنا نظرة جزئية من ناحية وتعميمية من ناحية أخرى « يرى أن النظرة جزئية ألنها حددت مولد تراثنا
بالفتوحات العربية ،وأصبح اإلسالم وحده هو كل تراثنا ،وهي نظرة تعميمية ألنها لم تركز على فترة االزدهار
العظيم الذي عرفته الحضارة اإلسالمية ،وباإلضافة إلى ذلك فقد كانت النظرة شكلية أيضًا لم تؤثر إيجابيًا باستلهام
التراث» ( محمود أحمد السيد ،1981،في قضايا التربية المعاصرة) .كما يرى أن تراثنا أغنى من أن يحد بمرحلة
حضارية واحدة ،فمن بابل وآشور ،ومن الفراعنة والبابليين ،وغيرهم من بناة الحضارات القديمة ،ومن الديانات
السماوية وغيرها من الرساالت الروحية واالجتماعية والفكرية الكبرى ينحدر إلينا تراث ضخم لم يلق ما هو جدير
به ،وما هو جدير بنا من تمحيص وتحقيق قبل الرفض والقبول إبان يقظتنا القومية والفرز والتبويب والتصنيف
والتوثيق من المهام األولية الواجبة ،على أن تتلوها مباشرة عملية التقويم التحليلي األمين البعيد عن األهواء
العارضة ،وأخيراً تجيء عملية من أقدس الواجبات وهي ترشح أكثر عناصر التراث قدرة على اإلسهام في تغيير
واقعنا باستخدام المنهج العلمي في التفكير وهذا ما نأخذ به من تراث األقدمين ما نستطيع تطبيقه تطبيقًا عمليًا في
جميع المجاالت.
-12-
وقد Sرسم ابن سينا لوحة سريعة تضمنت خطوات تعليمه في المرحلة األولى من حياته في قرية بخارىS
وهي يومئذ كعبة العلماء حيث كان والده يبعث بولده (ابن سينا) إلى معلم القرآن ومعلم األدب ،وروي أنه لم يكن
تلميذاً عادياً يكتفي بالحفظ عن ظهر قلب ،بل كان ذكاؤه يظهر من حين آلخر في فهم معاني القرآن الكريم،
مجوداً مرتالً ،ثم درس قواعد التربية اإلسالمية والرياضيات والفلسفة
ويستظهر Sكتاب اهلل الكريم استظهاراً تاماً َّ
والفقه والنحو Sوالبالغة والمنطق والطبيعة.
أكب على دراسة الطب فبرع فيه براعة منقطعةوإ ذا تتبعنا مسيرة الشيخ الرئيس في طفولته نرى أنه ّ
النظير لكنه لم يتخذه وسيلة إلى الكسب وجمع المال ،والذي يستعرض براعة ابن سينا في الطب وفي Sالعلوم
األخرى يرى أنه كان موسوعياً Sكثير اإلنتاج ،وقد Sشملت كتاباته جميع الجوانب العلمية والمعرفية ،وقد عرف
بميله الغريزي للمطالعة والتنقيب في الكتب.
ويظهر Sلنا شغفه بالمطالعة من القصة التالية حيث قال« :وكان سلطان بخارى Sفي ذلك الوقت ،نوح بن
منصور ،واتفق له مرض تلجلج األطباء فيه ،وكان اسمي اشتهر بينهم بالتوفر على القراءة فأجروا Sذكري بين
يديه ،وسألوه إحضاري ،فحضرت Sوشاركتهم في مداواته ،وتوسمت بخدمته ،فسألته يوماً اإلذن لي في دخول دار
كتبهم ومطالعتها Sوقراءة ما فيها من كتب الطب ،فأذن لي ،فدخلت داراً ذات بيوت كثيرة في كل بيت صناديق
كتب منضدة بعضها على بعض ،في بيت منها كتب العربية والشعر Sوفي آخر الفقه ،وكذلك في كل بيت كتب علم
مفرد ،فطالعت فهرست Sكتب األوائل ،وطلبت ما احتجت إليه منها .ورأيت من الكتب ما لم يقع اسمه إلى كثير
من الناس قط ،وما كنت رأيته من قبل ،وال رأيته من بعد ،فقرأت تلك الكتب ،وظفرت بفوائدها ،وعرفت مرتبة
كل رجل في علمه».
ولعل السماح له بدخول مكتبة األمير نوح بن منصور الساماني Sوإ قباله على قراءة ما تحتويه من كتب
نادرة ،ما يؤكد على مدى حبه للمطالعة ،وقد Sحاز في هذا المضمار Sشهرة عالمية لم ينلها أي عالم آخر ذلك ألنه
يقرأ ويكتب أو يملي في يسر وسهولة وما قوله« :وظفرت بفوائدها» إال إشارة إلى أنه أخذ من كل كتاب قرأه
كفاية ما يريد الحصول عليه.
وأياً ما كان فقد ترقى ابن سينا خالل مرحلة طفولته على توالي الزمن حتى أصبح من الرجال القالئل في
ف لنا ثروة كبيرة انتشرت في جميع أنحاء العالم،
العالم اإلسالمي الذين يصح أن نسميهم« Sموسوعيين» ،فقد خلّ َ
ونسب إليه ما ليس له من الكتب لترويجها.
رابعاً :بيئة ابن سينا التربوية
عاش ابن سينا Sفي Sعصر Sكثرت فيه مذاهب Sالفلسفة والحكمة ،ونشأ Sفي Sبيت عريق Sفي Sخدمة الدولة ،فقد
كان والده يعمل Sمحاسباً Sويجمع Sالضرائب Sلصالح الدولة ،اهتم Sبالدرجة األولى Sبرعاية ولده( Sابن سينا) SبالتعليمS
والتثقيف Sوأحاطه Sبالمربين Sيعلمونه معارف Sزمانهم SوشرSوح Sالعلماء في Sالفلسفة والمنطق Sوالهندسة SواإللهياتS
والطبيعيات ( Sسليم Sعمار ،1980 ،أسبوع Sالعلم Sالعشرون ،أللفية ابن سينا ) Sلقد انخرط Sمبكراً Sفي Sجو SمالئمS
فتعود Sمنذ Sنعومة أظفاره Sعلى Sاالستماع Sإلى المربين Sوالمعلمين Sوعلى مطالعة Sالكتب.
حققه له والدهّ S
-13-
ومن Sأكبر Sالمظاهر Sالتي تأثر Sبها Sفي Sطفولته البيئة التي Sعاش فيها ،وبالتالي Sتطلعه إلى Sفهم Sالمحيط Sالذي
يعيش فيه ،وهذا Sما Sساعد على نبوغه بفضل Sمواهبه في Sجميع Sالجوانب العلمية والتربSوية Sرغم الصعوباتS
مر بها ،والمعرSوف Sأن الشيخ الرئيس Sحفظ القرآن وهو Sفي Sالعاشرة من عمره ،وقد SدفعهS والعراقيل Sالتيّ S
طموحه Sإلى دراسة Sميادين الفقه والفلسفة والحساب Sالهندسي S،وتمكن Sمن دراسة الطب Sويقول Sعن نفسه في Sهذا
الصدد ( Sسليم Sعمار ،1980 ،أسبوع Sالعلم العشرون S،أللفية ابن سينا « .) Sثم Sرغبت في Sعلم Sالطب وصرتS
أقرأ Sالكتب المصنفة فيه وتعهدت Sالمرضى Sفانفتح Sعلي Sمن أبواب المعالجات Sالمقتبسة من التجربة ما Sال
يوصف .»Sوهو Sلم Sيكن طبيباً Sفحسب Sوإ نما Sألَّف في Sعلوم Sالدين واللغة والهندسة Sوطبقات Sاألرض ،وإ ن كان قدS
اشتهر Sبموسوعته Sالضافية Sفي Sالطب والموسSوعة بـ «القانون» والتي Sتمثل Sخالصة الطب Sاليوناني Sوالعربي SوماS
وصلت Sإليه الحضارة Sالعربية Sفي Sهذا المجال.
وروي عن الشيخ الرئيس نفسه أن والدته من قرية أ ْف َشَنة وقد Sولد هو وشقيقه فيها ،ثم انتقلوا إلى بخارىS
وفيها تلقى علوم القرآن واألدب وهو في السنة العاشرة من عمره ،كما تلقى علم الفلسفة على يد الناتلي الذي كان
يدعي التفلسف، يدعي التفلسف وهذا ما أوضحه ابن سينا بقوله« :ثم وصل إلى بخارى Sأبو عبد اهلل الناتلي ،وكان ّ ّ
فأنزله أبي دارنا ،واشتغل بتعليمي ،وكنت قبل قدومه أشتغل بالفقه والتردد فيه إلى إسماعيل الزاهد ،وكنت من
أحزم السائلين ،وقد ألفت طرق المطالبة ووجوه االعتراض على المجيب على الوجه الذي جرت عادة القوم به»
وبالرغم من أن ابن سينا اشتغل أحياناً بتدبير Sأمور الدولة فلم يكن لذلك أي تأثير محسوس على إنتاجه العلمي
ومواصلته للبحث والتأليف ،وبذلك أعطى الدولة حقها من جهوده وعقله وأعطى للطب والفلسفة حقهما من
مواهبه وقابليته كما سعى إلى إعطاء نفسه من الترفيه القسط الذي تستحقه.
كان ابن سينا مؤلفاً كثير اإلنتاج ،وقد شملت كتاباته موضوعات Sالفلسفة والتربية والتصوف والفلك
والموسيقى Sوالطب والكيمياء واللغة والشعر ،وكان للبيئة التي عاش فيها الدور الكبير في إغناء علومه ومعارفه،
وما إحاطته بالمربين الذين يعلمونه إال دلي ًل على سعة اهتمام والده به ،فقد تعهد مبكراً ابنه بالتعليم والتثقيف،
وأحاطه بالمربين يعلمونه معارف Sزمانهم وشروح العلماء في جميع الجوانب العلمية والتربوية ،وهذا ما أكسبه
الخصال الحميدة واألخالق Sالعالية وكثيراً ما كان يتصف Sبالرفق واإلحسان ويتميز Sبالتسامح ونكران الذات كلما
مكنه من االندماج في صميم المجتمع الذي يعيش فيه اقتضت الحاجة لذلك .كما أن انخراطه في الحياة العامة َّ
وهذا ما أثر في جعل فلسفته التربوية أميل إلى االهتمام بإعداد الفرد للحياة في جميع المجاالت ،وأن تكون تربيته
شاملة لكل وجه من الوجوه.
وبذا نرى َّ
أن اإلنسان هو محور العملية التربوية ،وللبيئة الدور الكبير في إيضاح هذه الصورة في
مجاالتها المجتمعية كافة.
-14-
«فلكل مجتمع من المجتمعات مبادئه ومثله العليا ،وله مصالحه وطموحاته وتقاليده ومشكالته ،وبين هذا
وتلك نوع من التشابك والتضاغط المستمر؛ المثل والمبادئ تضغط Sعلى المصالح؛ حتى تظل في إطارها،
والمصالح تضغط على المبادئ كي تتسع لها من خالل توسيع مدلوالتها ،والتخفيف من صرامة أحكامها ،ومن
المبادئ والمصالح تتكون البيئة القيمية األخالقية» ( عبد الكريم بكار ،2001 ،المسلمون والتحدي ) Sومن هنا
يمكن القول بأن جميع الممارسات Sالتربوية تؤول إلى اإلخفاق ما لم تبن على فهم واضح وصحيح لماهية اإلنسان
وخصائصه .واإلنسان الذي خلق حراً عاقالً مفطوراً على الخير طلب منه في المقابل االلتزام باألهداف التي
تساعد على تطوير Sالعملية التربوية وصياغة األهداف وتحديدهاS.
إن التسليم بوجود أهداف ثابتة يزود القائمين على التربية بمعايير ثابتة وصادقة ،لالستعانة بها للحكم على
مدى تقدم التالميذ في عملية التعلم.
إن البيئة التي عاش فيها ابن سينا ساعدته على إتقان علومه ومعارفه وتكوينه االجتماعي والثقافيS
قوي
زكي النفسَّ ،والفكري والتربوي Sفي جميع المجاالت التي عمل فيها ،فقد كان فيلسوفاً Sكامالً وإ ماماً صادقاًَّ S،
الذكاء ،مهتماً بالعلم ،وكانت له المكانة العالية في صناعة الطب والعلوم التقنية األخرى ،وقد Sانعكست ممارساته
العلمية والتعليمية على جميع المهن في الحياة ،إذ يجب على صاحب المهنة أن يتحلى بآداب هذه المهنة ،وأن
يكون تام الخلق حريصاً Sعلى التعلم والمبالغة في نفع الناس ،والتزام Sالدقة العلمية واألمانة في جميع مجاالت
التأليف العلمي.
ودراستنا هذه تحاول أن تقدم لنا الجوانب التربوية لمفكر اتفقت كلمة القدماء والمحدثين على أن ابن سينا
يعد بحق من أشهر الفالسفة في المشرق العربي إلى جانب الكندي والفارابي Sوابن رشد ،فقد اهتم (الشيخ الرئيس) ّ
بإيجاد المنافذ العملية التي تمكن اإلنسان من الفهم الحقيقي للغايات التي تعلم من أجلها ،وكيف Sيستخدم المعارفS
التي تعلمها عند الحاجة إليها ،وكيف Sيستفيد منها في مواجهة تحديات الواقع ،واالرتقاء بنفسه ،وهذا يعني أن
الحاجة قائمة على نوع من البيان العلمي والتربوي Sلتوظيف األفكار Sواآلراء التي تملكها لمصلحة اإلنسان في
جميع المجاالت.
خامساً :ثقافة ابن سينا
بدأت الفترة البارزة في عطاء ابن سينا في سن مبكرة ساعده على ذلك موهبته وثقافته وتفكيره العالمي،
«فمواهبه تتلخص في ذلك الذكاء النادر ،والذاكرة القوية ،والعقل الخصب ،والجد المنقطع النظير على العمل»
(إبراهيم Sمدكور ،1952 ،الكتاب الذهبي للمهرجان األلفي لذكرى ابن سينا) وفي Sالحق أن الشيخ الرئيس أكمل
ولما يجاوز العاشرة من عمره ،وروي أنه وصل إلى مرتبة النبوغ والتخصص ثقافته اللغوية والدينية والعقلية َّ
ولما يناهز العشرين.
ألم بما شاء من العلوم« ،وكانت نجابته وذكاؤه وفطنته قد
وهذا يدلنا أنه لما بلغ ست عشرة سنة كان قد ّ
لفتت إليه األنظار Sمنذ عهد مبكر حتى إن الناتلي نصح لوالده أال يشغله بغير العلم» (ابن أبي أصيبعة ،بدون
تاريخ ،عيون األنباء).
-15-
ثم تفرغ على القراءة والعلم سنة ونصفًا يدرس ليله ونهاره دائبًا ال يتوقف وال يعرف طعم الراحة ،وحتى
أحكم علم المنطق والعلم الطبيعي ،والعلم الرياضي ،وإ نه ليقول قول الواثق« :وكل ما علمته في ذلك الوقت فهو كما
علمته اآلن ولم أزدد فيه إلى اليوم» (ابن سينا ،بدون تاريخ ،تاريخ الحكماء) وبذا يؤكد الشيخ الرئيس أنه لما بلغ
ثمان عشرة سنة من عمره ،فرغ من هذه العلوم لمهامه فيقول« :وكنت إذ ذاك للعلم أحفظ ،ولكنه اليوم معي أنضج،
وإ ال فالعلم واحد ،لم يتجدد لي بعده شيء»(ابن سينا ،بدون تاريخ ،تاريخ الحكماء) ،ومضى ابن سينا يقول« :كان
«نظرنا» أيام انصبابنا على العلم ،وانقطاعنا بالكلية إليه واستعمالنا ذهننا ،أذكى وأفرغ لما هو أوجب».
وهذا يذكرنا Sبقول أبي العالء المعري وهو يكتب لخاله في رسالة له« :ومنذ فارقت Sالعشرين من العمر ما
حدثت نفسي باجتداء علم ،من عراقي وال شآم» (رسائل أبي العالء المعري ،بدون تاريخ) ومن يهد اهلل فهو ّ
المهتد ومن ُيضلل فلن تجد له ولياً مرشداً والواقع Sأن هذا القرن يعتبر بحق قرن العباقرة األربعة :ابن سينا
والمعري والبيروني Sوابن حزم.
وأما أنه عنوان ثقافة؛ فذلك ألنه يعبر تعبيراً صادقاً عن الفكر اإلسالمي ،ولهذا الفكر خصائصه ومميزاته.
ليكون منه مزاجاً جديداً،
أخذ عن اليونان والرومان ،كما تأثر بالفرس والهند والسريان ،وضم هذا إلى ذاكّ ،
ويصقله بصقله الخاص ،وبذا أضحى وليد بيئته وظروفه بقدر ما اعتمد على الثقافات العالمية األخرى» (إبراهيم
مدكور ،1952 ،الكتاب الذهبي للمهرجان األلفي لذكرى ابن سينا) وابن سينا -بين مفكري اإلسالم -من خير
ألم بالثقافة اإلسالمية الشاملة المعاصرة له ،وهضمها خير هضم ،ثم ترجم من يحمل هذا الطابع ويعبر عنهَّ :
عنها ترجمة صادقة ،فكتب في الطب والكيمياء ،والطبيعة وعلم األحياء ،والفلك والرياضة ،والمنطق
والميتافزيقي ،واألخالق والسياسة ،والتوحيد Sوالتفسير ،وكتابا «الشفاء» و«القانون» خير مثل لهذه الثقافة
الواسعة.
وفي Sالحق أن ابن سينا بدأ قراءة كتاب ما بعد الطبيعة فالتبس عليه غرض واضعه ،ولم تستبن له مقاصده،
انكب على كتابه بعيد قراءته أربعين مرة ،حتى صار محفوظاً « وعسر عليه العلم اإللهي فلم يسأم ولم يتبرم ،بل ّ
له ،فلما وقع بيده كتاب أبي نصر الفارابي في أغراض كتاب ما بعد الطبيعة انفتحت له مغاليق الكتاب ،وأدركS
معانيه ومراميه» (ابن أبي أصيبعة ،بدون تاريخ ،عيون األنباء).
على كل حال اتجه الباحثون إلى الوقوف على آثار ابن سينا الذي يعتبر بحق قمة عليا من قمم القرن الرابع
الهجري ،وهو العصر الذهبي للفكر اإلسالمي ،فما أن بلغ العشرين من عمره حتى أخذ الملوك واألمراء
يتنافسون في دعوته إلى حضرتهم ،كي يفيدوا من علمه وفلسفته وقضى نحو أربعين سنة متنقالً بين بعض
يعد بحق في مقدمة الباحثين والمبتكرين المسلمين وقد Sبرهنت آراؤه وأبحاثه،
العواصم اإلسالمية -وابن سينا ّ
وما تضمنته من تجديد وابتكار Sعلى ذلك .وعني الباحثون بإظهار نواحي أصالته المختلفة «في المنطق ،وعلم
النفس والطب ،والموسيقى ،وبذا يمكن أن يقال إن ثقافته إنسانية واسعة األفق ،ال تخشى األخذ عن الغير ما دامت
تؤمن بنفسها ،كما ال تخشى أن يؤخذ عنها فتستفيد وتفيد»( إبراهيم مدكور ،1952 ،الكتاب الذهبي للمهرجان
األلفي لذكرى ابن سينا).
-16-
يعد قمة من قمم الثقافة العربية فقد استطاع أن يحتفظ بمكان بارز في تاريخ وغني عن البيان أن ابن سينا ّ
الثقافات العالمية ،أدى رسالته في المغرب كما أداها في المشرق ،أداها في الحاضر كما أداها في الماضي .إن ما جاء
به الشيخ الرئيس من المسائل الهامة والحيوية جدًا التي تستحق التفكير واالهتمام والتضحية ،والعطاء في سبيل الكشف
عن ماهية الثقافة التي تمتع بها .والذي يقرأ كتابات ابن سينا سيالحظ أنه كفيلسوف مسلم قد اتخذ من الوحي «قرآنًا
ال من مصادر فلسفته ،وإ ن كان فهمه للنصوص أحيانًا قد تأثر بثقافته الفلسفية اليونانية ،وانتمائه
وسنة» مصدرًا أصي ً
الفكري الشيعي ،إال أن ذلك ال يلغي تأثره الواضح والعميق بالقرآن والسنة ورجوعه إليهما في تكوين آرائه الفلسفية
والتربوية.
ال لبديع قدرته فقال تعالى :وتلك األمثال نضربها للناس
فقد كان أكثر الناس في عصره فهمًا آليات اهلل وتمث ً
وما يعقلها إال العالمون سورة العنكبوت آية 43وقد تضمن القرآن الكريم الكثير من اآليات التي دعت العقل إلى
النظر في موجودات اهلل يقول عز وجل :أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج
واألرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب سورة ق آية
.6،7،8
لقد اهتم الشيخ الرئيس بالعلوم الدينية ورسم في الحضارة اإلسالمية لوحة كاملة لفلسفته التي تتناول كل
شؤون الوجود ،إذ حدد الغاية من العلوم النظرية والعلوم Sالعملية ،فالعلوم Sالنظرية تبقى في حدود العلم ،في حين
أنه البد في العلوم العملية من تجاوز العلم إلى العمل وإ جراء التجارب للوصول إلى الحقيقة وبهذا الصدد يقول
ابن سينا « :فقد دللت على أقسام Sالحكمة ،وظهر Sأنه ليس شيء منها يشتمل على ما يخالف الشرع ،فإن الذين
يدعونها ثم يزيغون عن منهاج الشرع ،إنما يضلون من تلقاء أنفسهم ،ومن عجزهم وتقصيرهم ألن الصناعة
نفسها توجبه ،فإنها بريئة منهم» وهذا يشير إلى أنه البد للعلوم العملية من أن تستند إلى األساس الذي تستند إليه
العلوم النظرية وهذا يشكل العالقة الوثيقة بين هذين النوعين من العلوم النظرية والعملية(( )1الخطيب
البغدادي،بدون تاريخ ،تاريخ بغداد).
( )1إس SS Sماعيل الزاهد من فقه SS Sاء الحنفية في بخ SS Sارى ،وإ م SS Sام المعتزلة -ت SS Sاريخ بغ SS Sداد Sللخطيب البغ SS Sدادي ،311 S S S- 310 S S S:6 1
والمنتظم البن الجوزي 258 :7والجواهر المضية في طبقات الحنفية للقرشي (طبعة حيدر أباد بالهند 1332هـ.
-17-
-1الفارابي الذي شكل مع ابن سينا ثنائيًا ال ينازعهما منازع في اإلسالم في طول باعهما وقدراتهما
المنطقية .الفارابي في شروحه وجوامعه ومختصراته ،وابن سينا في موسوعيته وتنسيقه ومنهجيته -مهد األول
ٍ
قدرات للثاني فكان أبو علي ثمرة من ثمار أبي نصر« :تميز عمله المنطقي باالستيعاب والجدة والتحديد ،مع
وملكات فاقت الحد األعلى لرجال عصره ومفكريه»(جعفر آل ياسين ،1984،دراسة تحليلية لحياة ابن سينا وفكره
الفلسفي) .والحق أن الفارابي وابن سينا ال يبتعدان عن أن يكونا فيلسوفين تامي الشروط ،يحيطان بمعارف
عصرهما ،ويتأمالن في كونه مجتمعًا وتاريخًا وأخالقًا وتكوينًا.
والذي يبدو أن ابن سينا كان عظيماً في كل شيء ،إال أن قدراته العقلية التي تميز بها وهو في العاشرة من
عمره فاقت أساتذته ،وكان مرموقاً في طليعة رجال الفلسفة عند العرب.
-2البغال -قيل إنه كان أول معلميه ،ولم يفصح الفارابي عن اسمه وتسمية بعض المصادر -مثل ابن
أبي أصيبعة (محموداً) وقد تعلم ابن سينا على يديه حساب الهند.
-3إسماعيل الملقب بالزاهد وكانوا Sيسمونه أبا محمد إسماعيل الملقب بالزاهد ،وقد Sعرف بالتصوف
الفكر الرتبوي عند ابن سينا – م3
والعرفان وذكر Sاهلل ،وقد درس ابن سينا على يديه علم الفقه.
-4وفي مجال الفلسفة كان أبو عبد اهلل الناتلي ثاني أساتذته ،وأطلق على ابن سينا صفة المتفلسف.
-5ذهب بعض المؤرخين إلى أن ابن سينا تتلمذ على أبي سهل عيسى ابن يحيى صاحب كتاب (المئة في
الطب) وهناك مصادر أخرى تشير إلى أنه تلقى علومه الطبية على يد أبي منصور Sالحسن بن نوح القمري كما
ورد في حواشي القزويني Sعلى كتاب (جهار مقالة) للسمرقندي.
والحق أن ابن سينا برع براعة تامة في جميع العلوم معتمداً على ثقافته الذاتية وفي رأينا أن هذه الثقافة
الذاتية هي األصل في بنائه العلمي بناء محكماً دقيقاً ،وهذا ما جعله أحد كبار فالسفة اإلسالم.
إن ابن سينا لم يكن طبيباً فقط ،وإ نما ألف في علوم الدين واللغة والهندسة وطبقات األرض .وتجلى ذلك
كله في تعلمه الذاتي ،ونشير إلى تأثره بأفالطون وأرسطوطاليس ،وأفلوطين ،وأساتذة مدرسة اإلسكندرية ،إال أن
تأثره بالفارابي كان بشكل مباشر وباعتراف Sالحكيم نفسه .وهذا ما عمق قدراته العلمية والتربوية -في إتقان
الحقائق العلمية والتربوية وهضمها وتمثلها Sبسرعة فائقة.
سابعاً :تالمذة ابن سينا
ال أحد ينكر البن سينا اآلثار التي تركها من دور وأثر في بناء اإلنسان العربي المسلم بجانبيه الفردي
وتدرس في الشرق والغرب من زوايا Sمتعددة،
واالجتماعي ،وفي تكوينه الفكري والخلقي ،وال تزال آثاره تُدرس َّ
وجوانب مختلفة في مختلف الجوانب خاصة منها كتابه (القانون) في الطب.
دأب في (مجالس األمراء) لمناظرة ومناقشة الجالسين في مختلف العلوم ،وانصب جهده العلمي على
تالمذته ومن العلماء والحكماء الذين أعجبوا بشخصيته وعلومه أشير إليهم في ثنايا كتب التراجم المختلفة ومنهم:
-18-
-1أبو عبيد عبد الواحد بن محمد الفقيه الجوزجاني :وكان مالزماً له في جميع مجالسه بقي بجانب أستاذه
ابن سينا أكثر من خمس وعشرين سنة أو كان لسان حاله يساعده في جميع تصانيفه ومؤلفاته كما كان يشجعه
على التأليف والكتابة عندما أصبح وزيراً ،وكان للجوزجاني Sالفضل الكبير في تأليف كتاب الشفاء .وبعد وفاة ابن
سينا تفرغ إلى جمع مؤلفاته وتصانيفه ،وبذل جهداً كبيراً في هذا السبيل وحقق ما أراد .وكتب الجوزجاني بعض
الكتب المفقودة من خزانة أستاذه وسيرته وحياته ،وأكمل كتاب النجاة ،وفسر مشكالت القانون وشرح رسالة حي
بن يقظان وهذا ما ذكره البيهقي بقوله« :ولم يوجد في تالمذة أبي علي أقل بضاعة منه وسمعت بعض أساتذتي
أنه قال :الحكيم أبو عبيد كان في مجلس أبي على شبه مريد ال شبه تلميذ مستفيد» (ظهر الدين البيهقي،1946 ،
تاريخ حكماء اإلسالم -تحقيق محمد كرد علي) وهذا يشير إلى مكانة العلماء وأهميتهم Sفي المجتمع.
-2شرف الدين أبو عبد اهلل محمد بن يوسف اإلبالقي :نسب إلى مدينة إبالق وهو عربي األصل كان
عالماً وفقيهاً اتصف بذكائه الحاد له عدة مصنفات منها :كتاب سلطان نامة وكتاب درست نامه ،وكتاب اللواحق
وغير ذلك من المؤلفات ومات بعد ابن سينا بثالثين عاماً.
-3غياث الدين عمر بن إبراهيم الخيام النيسابوري :كان عالماً باللغة والفقه والتاريخ والعلوم الفلسفية،
وكان يعتبر ابن سينا أستاذاً له ،وكان مهتماً بكتاب الشفاء البن سينا ،وقيل :قبل وفاته بفترة قصيرة كان يقرأ في
كتاب الشفاء ولما وصل إلى فصل الواحد والكثير توقف Sعن القراءة ،وقال :أدعو األذكياء حتى أوصى ،فأوصى
وقام وصلى Sولم يأكل ولم يشرب .فلما صلى العشاء األخيرة سجد وكان يقول في سجوده« :اللهم إنك تعلم أني
عرفتك على مبلغ إمكاني فاغفر لي فإن معرفتي Sإياك وسيلتي Sإليك» (محمد كرد علي تحقيق ،1946 ،تاريخ
حكماء اإلسالم) وكانت وفاته سنة 217هـ.
-4أبو منصور الحسين بن محمد بن عمر بن زبلة األصفهاني :كان عالماً بالرياضيات امتاز بالمهارة
والدقة في صناعة الموسيقى والتأليف Sفيها ،ومن تصانيفه االختصار Sمن طبيعيات الشفاء ،وهو من الذين شرحواS
رسالة حي ابن يقظان وذكر البيهقي أنه كان مجوسياً Sويعتبر Sبحق من تالميذ ابن سينا المقربين له ،توفي Sبعد ابن
سينا باثنتي عشرة سنة»(محمد كرد علي تحقيق ،1946 ،تاريخ حكماء اإلسالم).
-5أبو عبد اهلل بن عبد اهلل بن أحمد المعصومي :أجمع المؤرخون أنه كان أفضل تالمذة أبي علي ،وهو
أصفهاني صنف كتاباً في المفارقات وأعداد العقول واألفالك Sوترتيب المبدعات ،وذكر Sالبيهقي« :أنه رأى رسالة
في عالمية اهلل تعالى منسوبة إليه» وظل المعصومي مالزماً البن سينا حتى وفاة الشيخ الرئيس فخلفه في البحث
والتدريس إلى حين وفاته في عام 450هـ (ظهر الدين البيهقي ،بدون تاريخ ،تاريخ حكماء اإلسالم).
-6الرئيس كيا بهمنيار Sبن موزبان األذربيجاني :وهو أحد تالمذة ابن سينا -له مباحثات عديدة مع الشيخ
الرئيس وقال البيهقي« :والمباحث التي ألبي أكثرها مسائل بهمنيار للبحث عن غوامض المشكالت».
ومن تصانيف بهمنيار -كتاب الموسيقى ،وكتاب الرتبة في المنطق ،وبعض الرسائل األخرى توفي Sبعد
ابن سينا بثالثين عاماً .وهو مجوسي Sالملّة ثم أسلم وال يجيد العربية ،عرفه الشيخ الرئيس وهو فتى في مطلع
شبابه ،فيه النجابة والذكاء ،وكان الشيخ الرئيس يلقبه في أخريات حياته بلقب الكيا ،أي الرئيس ،ولقب سائر
تالميذه بلقب الفقيه أو الحكيم ومن تالمذة بهمنيار Sأبو العباس اللوكوي وكان عالماً بأجزاء علوم الحكمة دقيقها
وجليلها.
-19-
إن ما ذكره ابن سينا عن أساتذته يجعلنا على ثقة عامة أنه اليدين بشيء من عبقريته وفطنته ألي من
أساتذته ،لقد كان شيخاً للمترددين عليه والمالزمين لمجالس علمه وتدريسه ،وكانت مؤلفاته (منتشرة في الشرق
والغرب) مرجعاً لكل طالب علم في مختلف الجوانب العلمية والتربوية .ومن تالمذة بهمنيار أيضاً أبو العباس
اللوكوي وهو من قرى Sمرو وكان يتقن اللغة العربية إلى درجة مكنته من نظم الشعر المتين.
ومن تالمذة ابن سينا أبو القاسم الكرباني ،وأبو الريحان البيروني ،وأبو محمد الشيرازي ،وسليمان
الدمشقي -وابن مسكويه المتوفى421Sهـ ،وأبو الحسين العروضي ،وأبو بكر البرقي SالخوارزميS
وآخرون»(عباس محمود العقاد ،1952،الشيخ الرئيس ابن سينا ،الكتاب الذهبي للمهرجان األلفي).
-20-
-كتاب القانون :وفيه وصف كامل لتشريح جميع مكونات اإلنسان الجسمية من عظام وعضالت
وأعصاب وشرايين وأوردة ،مع العرض الكامل لكل األمراض التي يتعرض لها اإلنسان وكيفية عالجها ،وكتاب
القانون في الطب البن سينا من أهم ما كتب العرب في الطب؛ وظل يدرس في جامعات أوربا Sحتى القرن
السادس عشر وقد Sنال (القانون في الطب) حظوة كبيرة في العلم ،وأكد ذلك األستاذ براون في كتابه المعروف
عن الطب العربي بقوله« :بطابعه الموسوعي وتنسيقه الدقيق وتصميمه الفلسفي ،بل لع ّل أسلوبه العنيف في
الجزم أيضاً مضافاً Sإلى شهرة المؤلف في غير الطب من ميادين الفكر؛ كل هذا أعطى (القانون) مكانة فريدة في
األدب الطبي في العالم ،وقد استطاع Sأن ينسخ عملياً مؤلفات الرازي وعلي بن عباس ،على الرغم من قيمتها
المعترف بها».
وأما المنهج الذي سار عليه أبو علي ابن سينا في تنظيم موضوعات Sكتاب القانون فقد حددها في مقدمته
قائالً« :ورأيت أن أتكلم أوالً في األمور العامة الكلية في كل من القسم النظري والقسم العملي .ثم بعد ذلك في
األمراض الواقعة بعضو عضو؛ فأبتدئ أوالً بتشريح ذلك العضو ومنفعته ،وأما تشريح األعضاء المفردة
البسيطة فيكون قد سبق في ذكره في الكتاب األول الكلي وكذلك منافعها .ثم إذا فرغت من تشريح ذلك العضو
ابتدأت في أكثر المواضع بالداللة على كيفية حفظ صحته ،ثم دللت بالقول المطلق على كليات أمراضه وأسبابهاS،
وطرق Sاالستدالالت عليها وطرق Sمعالجاتها بالقول الكلي أيضاً ،فإذا فرغت من هذه األمور Sالكلية أقبلت على
حده وأسبابه ودالئله ،ثم تخلصت إلى
األمراض الجزئية؛ ودللت أوالً في أكثرها أيضاً على الحكم الكلي في ّ
األحكام الجزئية ،ثم أعطيت القانون الكلي في المعالجة؛ ثم نزلت إلى المعالجات الجزئية بدواء بسيط أو مركب،
وما كان سلف ذكره من األدوية المفردة ومنفعته في األمراض في كتاب األدوية المفردة في الجداول واألصباغ
التي أرى استعمالها Sفيه ...وما كان من األدوية المركبة إنما األحرى به أن يكون في األقرباذين الذي أرى أن
أخرت ذكر منافعه وكيفية خلطه إليه»( مخطوطات Sابن سينا ،1249 ،القانون ،المجلد األول). أعماله ّ
يدرس في جامعات أوربا وهذا الكتاب (القانون) ترجم كامالً إلى الالتينية ،ترجمه جيرار الكريموني وظل ّ
حتى القرن السادس عشر .كما ترجم إلى اللغة العربية وطبع عدة مرات آخرها كان في بداية القرن التاسع
عشر ،وأجمع الباحثون أن كتاب القانون تم تدريسه في جامعات لوفيان مومبليبه حتى أواخر القرن السابع عشر.
وقد ورد في المجلة التي تصدرها اليونسكو في عدد تشرين األول من عام ،1980أن كتاب القانون ظل قيد
االستخدام في جامعة بروكسل Sحتى عام .1909
وقد Sقام كثير من األطباء المسلمين بوضع شروحات لكتاب القانون وبعضهم Sقام باختصاره ،وأشهر تلك
االختصارات كتاب الموجز في الطب الذي كتبه ابن النفيس الدمشقي الذي توفي عام 1288هـ.
ابتدأ ابن سينا كتابه القانون بتعريفه للطب قائالً« :الطب يتعرف منه أحوال بدن اإلنسان من جهة ما يصح
ويزول عن الصحة ليحفظ الصحة حاصلة ويستردها زائلة».
يتألف كتاب القانون عند ابن سينا من خمسة كتب تناول فيها جميع األمراض التي يتعرض لها جسم
اإلنسان وأسبابها Sوأعراضها وعالجها وأحياناً إنذارها .إال أن ما يتعلق بموضوع التربية فقد تناوله في الكتاب
األول فصل العناية بالطفل وتربيته عند ابن سينا فقد خصص في الكتاب األول من كتاب القانون في الطب فصالً
خاصاً للحديث عن تربية األطفال وأمراضهم S،وقد سماه التعليم األول في التربية ،وقسمه إلى أربع مقاالت:
-في المقالة األولى :تناول الحديث عن تدبير المولود منذ أن يولد إلى أن ينهض.
-21-
-وفي المقالة الثانية S:بSحSث Sعن SاSإلSرSضSاSع S،SوSفSي SذSلSك SأSلح SعSلSى SأSن SيSرSضSع SاSلSطSفSل SلSبSن SأSمه SمSا SأSمSكSن SفSإSنSهS
أSشSبSه SاSألSغSذSية SبSجSوSهSر SمSا SسSلSف SمSن SغSذSاSئSه SوSهSو SفSي SاSلSرSحSم S،SثSم SتSحSدSث SعSن مSوSضSوSع SاSلSنSظSاSم S،SوSأSكSد SأSن SيSكSوSنS
تSدSرSيSجSيSاًS.S
-أما المقالة الثالثة :فقد تحدثت عن بعض أمراض الطفولة وضرورة الوقاية منها.
-وأما في المقالة الرابعة S:فSقSد SتSنSاSوSل SتSدSبSيSر SاSلSطSفSل SوSتSرSبSيSتSه SحSتSى SسSن SاSلSبSلSوSغ S،SوSفSيSه SيSسSتSعSرSض SاSبSن SسSيSنSاS
فSصSوSل SاSلSتSرSبSيSة SاSلSنSفSسSيSة SلSألSطSفSاSل SوSفSق SأSحSسSن SاSلSطSرSق SاSلSتSرSبSوSيSة SاSلSمSعSرSوSفSة SحSاSلSيSاً S.SوSهSذSا SيSقSع SضSمSن SدSرSاSسSتSنSاS
لSلSجSوSاSنSب SاSلSتSرSبSوSيSة SعSنSد SاSبSن SسSيSنSا S،SوSقSد SاSصSطSلSح SعلSى SنSعSت SمSجSمSوSعSة SاSلSعSلSوSم SاSلSتSي SجSاSء SبSهSا SأSبSو SعSلSي SاSبSن SسSيSنSاS
بSاSلSعSلSوSم SاSلSتSرSبSوSيSة SألSنSهSا SتSؤSدSي SإSلSى SاSكSتSسSاSب SمSهSاSرSاSت SوSاSتSجSاSهSاSت SمSعSيSنSة SلSإلSنSسSاSن SفSي SجSمSيSع SجSوSاSنSب SاSلSحSيSاSة S،وSلSنS
تSحSاSلSف SاSلSدSقSة SكSل SمSن SيSجSرSد SبSعSض SاSلSعSلSوSم SمSن SصSفSتSهSا SاSلSتSرSبSوSيSة SإSذSا SقSصSد SبSاSلSتSرSبSيSة SاSلSمSفSهSوSم SاSلSعSاSم SوSاSلSذSي SقSوSاSمSه SفSيS
اSإلSسSالSم SتSنSشSئSة SاSإلSنSسSاSن SاSلSصSاSلSح SاSلSذSي SسSيSقSع SعSلSيSه SفSعSل SاSلSتSرSبSيSة SوSنSظSرSتSه SلSلSمSجSتSمSع SاSلSذSي SسSيSرSبSى SفSيSه S،SوSنSظSرSتSهS
لSألSخSالSق SوSاSلSمSعSرSفSة SوSاSتSبSاSع SاSلSسSلSوSك SاSلSحSسSن S،SألSن SاSإلSنSسSاSن SهSو SمSوSضSوSع SاSلSتSرSبSيSة S،SفSاSلSذSيSن SيSذSهSبSوSن SإSلSى Sأن SقSيSمSةS
اSإلSنSسSاSن SفSي SعSقSله SوSتSرSبSيSتSه SيSعSتSبSرSوSن SأSن SاSإلSنSسSاSن SهSو SمSحSوSر SاSلSعSمSلSيSة SاSلSتSرSبSوSيSة SوSطSبSيSعSتSهSاS.S
هناك من يعتقد أن التربية علم قائم بذاته ،وهي تقع في زمرة العلوم االجتماعية ،واستندوا Sفي هذا االتجاه،
أننا نجد في التربية قواعد ومعايير نحكم بها على طبيعة العملية التربوية ،فوجود Sمثل هذه المعايير Sدليل على
وجود علم مستقل قائم بذاته.
أما الذين يرون عدم وجود Sعلم مستقل يدعى (علم التربية) ويشيرون إلى أن وجود Sهكذا قواعد ال يعتبر
دليالً كافياً على االستقالل ،وأن القواعد التي تستعين بها التربية مأخوذة من علوم أخرى كعلم النفس والطب
واالجتماع والرياضيات والفلك والكيمياء« ،يرون أنه من األفضل الحديث عن علوم تسهم في تحسين العملية
التربوية»( عبد الرحمن عبد اهلل ،1988،الفكر التربوي Sاإلسالمي).
ومن هنا نستطيع Sالقول :إن الوظائف التي تؤديها التربية تشمل جميع االتجاهات العلمية من حيث فهم
نمى بها المهارات االجتماعية بدءاً من مراحل نمو الفرد ،ومعرفة طبيعة المجتمع ،وتحديد الطرق Sالتي تُ َّ
خصائص التعلم اإلنساني ،وهذا يتوقف على اإلسهامات التي تقدمها العلوم األخرى مثل :التاريخ وعلم النفس
وعلم الطب وعلم االجتماع والرياضيات ...الخ وما تخصيص ابن سينا فصالً خاصاً في الكتاب األول من كتاب
القانون في الطب للحديث عن تربية األطفال وأمراضهم Sإال دليل على أن عالقة علم التربية بالعلوم األخرى هي
عالقة تأثير وتأثر ،وأن التربية ليست علماً قائماً بذاته ،وأن هناك علوماً أخرى ترفد Sالتربية بما تحتاج إليه.
«فالعلوم التربوية تؤدي Sوظيفة أساسية حين تعمق من فهمنا لما يجري في ميدان التربية وفي فهمنا لبعضنا
منافي التربية» (عبد الرحمن عبد اهلل ،1988 ،الفكر التربوي اإلسالمي). البعض أثناء أداء ما يطلب َّ
-22-
تبصر المعلمين بنفسية المتعلمين وبحاجاتهم الفردية
ويشير ابن سينا في كتاب السياسة أن جميع العلوم ّ
واالجتماعية ،فهي تزودهم بطرق التعليم المالئمة .وتسهل تحقيق األهداف المرسومة التي تقوم عليها التربية .وله
في ذلك آراء فلسفية وتربوية هامة يجب عدم إغفالها والتقيد بالقواعد التربوية التي وضعها يقول في ذلك« :ينبغي
البدء بتعلم القرآن بمجرد تهيؤ الطفل للتلقين جسميًا وعقليًا ،وفي الوقت نفسه يتعلم حروف الهجاء ويلقن معالم الدين،
ثم يروي الصبي الشعر مبتدئًا بالرجز ثم بالقصيدة ،ألن رواية الرجز وحفظه أيسر إذ أن بيوته أصغر ووزنه أخف،
وذم الجهل وكما حث على بر الوالدين واصطناع على أن يختار من الشعر ما قيل في فضل األدب ومدح العلم ّ
المعروف وإ كرام الضيف ،فإذا فرغ الصبي من حفظ القرآن وألم بأصول اللغة ينظر عند ذلك في توجيهه إلى ما
يالئم طبيعته واستعداده» وهذا يجسد نظرية التربية الحديثة حيث يجب األخذ بعين االعتبار ميول الطفل وتوجهاته
ال إلى تنمية مواهب الطفل وثانيًا تحديد
لكي يكون مبدعًا في دراسته ومهنته المستقبلية ،والتربية المعاصرة تهدف أو ً
ال في مجتمعه.
ميوله ليكون فعا ً
لقد عني الشيخ الرئيس بحاجات اإلنسان النظرية والعملية ،واهتم بجوانب حياته المختلفة ،ومعالجاته
النفسية والجسمية وبتقسيم الناس إلى طبقات ،لكل منها طريقها في الفهم والتصديق واالستدالل.
ألف في علم المنطق وعلم الطبيعة وعلم النفس ،وكتب كذلك في الرياضيات واإللهيات (ما بعد الطبيعة)
ومشكالتها المستعصية ،وانتحى نحو الفلسفة العلمية َّ
فدون رسائل متفرقة فيها ....وألف أيضًا في العلم والتربية،
وخاصة في الطب وموضوعاته نثرًا وشعرًا ،وتربية الطفل ،ووجه األنظار إلى الصفات السلوكية والخلقية التي على
المدرس أن يتمتع بها وأن يكون قدوة حسنة لمن يعلمهم.
ولم يكتف بهذه الحقول العلمية والتربوية فحسب بل اتجه إلى التفسير القرآني فدون فيه مجموعة من
الرسائل ،وكذلك عن اللغة وعالقتها بالفكر ،واتجه إلى الموسيقى Sفأبدع فيما دونه عنها.
-23-
« - 5ومختصر Sالماجسطي».
« - 6وكثير من الرسائل».
ج -مؤلفات ابن سينا عند شمس الدولة في همدان:
وإ ذا تتبعنا ما يرويه الجوزجاني Sمن قصة حياته نجد أنه بعد ذلك قد ألف ما يلي:
-7أوائل كتاب الشفاء :الطبيعيات.
-8وأوائل كتاب القانون .وذلك عندما كان وزيراً لشمس الدولة.
ثم عندما كان متوارياً Sفي دار أبي غالب العطار.
-9تتمة كتاب الشفاء في الطبيعيات واإللهيات مع جزء من المنطق.
د -في قلعة فردجان :خالل سجنه فيها صنف الكتب اآلتية:
-1كتاب الهدايات ـ الهداية.
-2ورسالة حي بن يقظان.
-3وكتاب القولنج.
وبعد عودته من فردجان إلى همدان تابع التصنيف:
-في المنطق من كتاب الشفاء.
-وفي Sاألذية القلبية.
-األدوية القلبية.
هـ -في أصفهان:
تابع التأليف وهو بجوار عالء الدولة حيث ألف ما يلي:
- 1إتمام كتاب «الشفاء» في المنطق والمجسطي واختصار أوقليدس Sواألرثماطيقي والموسيقى.
أما كتاب الحيوان والنبات من «الشفاء» فقد ألفهما أثناء رحلة إلى «سابور خواست» وألف معهما: -2
كتاب النجاة وهو مختصر Sالشفاء ،واشتغل بعد ذلك بالتقاويم Sوالرصد وألف: -3
كتاب العالئي ،ثم ألف: -4
ثالثة كتب في اللغة كل كتاب على طريقة كاتبه. -5
وأخيراً ألف كتاب لسان العرب ،ولعله آخر كتبه ألن الجوزجاني يقول :إنه لم ينقله في البياض حتى -6
توفي.
ويشير Sالجوزجاني Sإلى أن مؤلفات الشيخ الرئيس (ابن سينا) عند ابن أبي أصيبعة سميت بالمجلدات فقد
شمل كتابه (القانون في الطب) أربع عشرة مجلدة وكتابه (النجاة) ثالث مجلدات ،إال أن ابن أبي أصيبعة قدم
قائمة من كتب ابن سينا وهي أوسع مما ذكر الجوزجاني ،كما قدم فهرساً بمؤلفات ابن سينا كما قال :وللشيخ
الرئيس من الكتب ،كما وجدنا Sفي كالم أبي عبيد الجوزجاني ،نورد Sبعضاً منها للرجوع إليها عند الحاجة كما
جاءت في فهرس ابن أبي أصيبعة:
-1كتاب الحدود.
-2رسالة في تعرض رسالة الطبيب في القوى الطبيعية.
-24-
-3كتاب عيون الحكمة ،يجمع العلوم الثالثة.
-4مقالة في عكوس ذوات الجهة.
-5الخطب التوحيدية في اإللهيات.
-6كتاب الموجز Sالكبير في المنطق.
-7أما الموجز Sالصغير فهو منطق النجاة.
-8القصيدة المزدوجة في المنطق ،صنفها للرئيس أبو الحسن سهل بن محمد السهيلي بكركانج.
-9مقالة في تحصيل السعادة ،وتعرف Sبالحجج الغر.
-10مقالة في القضاء والقدر ،صنفها في طريق Sأصفهان عن خالصه وهربه إلى أصفهان.
-11مقالة في الهندبا.
-12مقالة في اإلشارة إلى علم المنطق.
-13مقالة في تقاسيم الحكمة والعلوم.
-14رسالة في السكنجيين.
-15مقالة في الالنهاية.
-16كتاب تعاليق ،علقه عنه تلميذه أبو منصور ابن زيال.
-17مقالة في خواص خط االستواء.
-18المباحثات ،بسؤال تلميذه أبي الحسن بهمنيار بن الموزبان وجوابه له.
-19عشر مسائل أجاب عنها ألبي الريحان البيروني.
-20جواب ست عشرة مسألة ألبي الريحان.
-21مقالة في هيئة األرض من السماء وكونها في الوسط.
-22كتاب الحكمة المشرقية ،وال يوجد تاماً.
-23مقالة في تعقب المواضع الجدلية.
-24المدخل إلى صناعة الموسيقى ،وهو غير الموضوع في النجاة.
-25مقالة في األجرام السماوية.
-26كتاب التدارك ألنواع خطأ التدبير سبع مقاالت ألفه ألبي الحسن أحمدابن محمد السهلي.
-27مقالة في كيفية الرصد ومطابقته مع العلم الطبيعيS
-28مقالة في األخالق،
-29رسالة إلى الشيخ أبي الحسن سهل بن محمد السهيلي في الكيمياء،
-30مقالة في آلة رصدية ،صنعها بأصفهان عند رصده لعالء الدولة،
-31مقالة في غرض قاطيغورياس،
-32الرسالة األضحوية في المعاد،صنفها لألمير أبي بكر محمد بن عبيد
-33معتصم Sالشعراء في العروض،صنفه ببالده وله سبع عشرة سنة
-34مقالة في حد الجسم.
-35الحكم العرشية ،وهو كالم مرتفع في اإللهيات عهد له عاهد اهلل به لنفسه.
-25-
-36مقالة في أن علم زيد غير علم عمرو.
-37كتاب تدبير الجند والمماليك Sوالعساكر Sوأرزاقهم وخراج الممالك.
-38مناظرات جرت له في النفس مع أبي علي النيسابوري.
-39خطب وتمجيدات وأسجاع ،جواب يتضمن االعتذار فيما نسب إليه من الخطب.
-40مختصر Sأوقليدس ،وأظنه المضموم Sإلى النجاة.
-41مقالة األرثماطيقي.
-42عشر قصائد وأشعار Sفي الزهد وغيره ويصف Sفيها أحواله.
-43رسائل بالفارسية والعربية ومخاطبات ،ومكاتبات Sوهزليات.
-44تعاليق مسائل حنين في الطب.
-45قوانين ومعالجات طبية.
-46مسائل عدة طبية ،عشرون مسألة سأله عنها بعض أهل العصر.
-47مسائل ترجمها Sبالتذاكير جواب مسائل كثيرة.
-48رسالة إلى علماء بغداد يسألهم اإلنصاف بينه وبين رجل همداني يدعي الحكمة.
-49رسالة إلى صديق Sيسأله اإلنصاف بينه وبين الهمداني الذي يدعي الحكمة.
-50جواب لعدة مسائل ،كالم له في تبيين ماهية الحروف.
-51شرح كتاب النفس ألرسططاليس ،ويقال :إنه من اإلنصاف.
-52مقالة في النفس تعرف بالفصول.
-53مقالة في إبطال أحكام النجوم.
-54كتاب الملح في النحو.
-55فصول Sإلهية في إثبات األول.
-56فصول Sفي النفس والطبيعيات.
-57رسالة إلى أبي سعيد بن أبي الخير الصوفي في الزهد.
-58مقالة في أنه ال يجوز Sأن يكون شيء واحد جوهراً وعرضاً.
-59مسائل جرت بينه وبين بعض الفضالء في فنون العلوم.
-60تعليقات استفادها أبو الفرج الطيب الهمداني من مجلسه وجوابات له.
-61مقالة ذكرها في تصانيفه أنها من الممالك وبقاع األرض.
-62مختصر Sفي أن الزاوية التي من المحيط والمماس ال كمية لها.
-63أجوبة لسؤاالت سأله عنها أبو الحسن العامري Sوهي أربع عشرة مسألة منها كتاب الموجز Sالصغير
في المنطق.
-64كتاب قيم األرض في وسط Sالسماء ،ألفه ألبي الحسين أحمد بن محمد السهلي.
-65كتاب مفاتيح الخزائن في المنطق.
-66كالم في الجوهر والعرض.
-26-
-67كتاب تأويل الرؤيا.
-68مقالة في الرد على مقالة الشيخ أبي الفرج بن الطيب.
-69رسالة في العشق ألفها ألبي عبد اهلل الفقيه.
-70رسالة في القوى اإلنسانية وإ دراكاتها.
-71قول في تبيين ما الحزن وأسبابه.
-72مقالة إلى أبي عبيد اهلل الحسين بن سهل بن محمد السهيلي في أمر مشوب.
ويوجد Sبعض الكتب األخرى لم يذكرها ابن أبي أصبعة قيل( :فقد البعض منها ،وبعضها ما هو إال رسائل
صغيرة ،وبعضها Sما كتب على شكل ٍ
مقالة أو رسالة ضمت من قبل ابن سينا إلى كتاب.
ومن الكتب التي لم يتوصل ابن أبي أصبيعة إلى إحصائها ومنها:
-1إثبات النبرات من النفس الناطقة وأحوالها.
-2بحث في القوى النفسانية ورسالة في معرفة ورسالة في الكالم على النفس الناطقة نشرها أحمد فؤاد
األهواني مع (أصول النفس) في مصر سنة 1371هـ 1952 ،م.
-3أسباب حدوث الحروف :وقد نشره محب الدين الخطيب في مطبعة المؤيد بمصر سنة 1332هـ وهو
كذلك يختلف عما أشار إليه ابن أبي أصيبعة.
-4وفي مجموعة «تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات» :التي نشرت في القسطنطينية سنة ،1298وفيS
بمباي سنة ،1318وفي Sالقاهرة سنة ،1326نجد مما لم يطبع رسالة «إثبات النبوات».
« -5دفع المضار Sالكلية عن األبدان اإلنسانية».
-6وهناك «ديوان ابن سينا» :وقد نشره «حسين محفوظ» في مطبعة الحيدري في طهران سنة 1377هـ
1957 -م ،كما طبعه «نور الدين عبد القادر» في مكتبة الفراديس في الجزائر سنة ،1961مع
ترجمة فرنسية لهنري جاهن وفيه قصائد Sتختلف عما ذكره ابن أبي أصيبعة في الرقم.)65( S
-7رسائل ابن سينا وكتاب الفرق بين الروح والنفس :لقسطا بن لوقا حققه :حلمي هيفا أولكن ،ونشره في
استانبول.
-8وهناك مجموع حققه «ميكائيل بن يحيى المهرني :»Sوطبع في مطبعة بريل بليدن سنة 1889 /1888
ثم 1817بعنوان« :رسائل الشيخ الرئيس في أسرار الحكمة المشرقية» وهو اربعة أجزاء في مجلد
واحد يتضمن مما ذكره ابن أبي أصيبعة:
أ -رسالة حي ابن يقظان – ب -وبعض أنماط «اإلشارات» -ج -ورسالة في العشق -د -ورسالة في
القدر.
الفكر الرتبوي عند ابن سينا – م4 - 8رسالة في ماهية الصالة.
رسالة في رفع الغم من الموت.
-10الرسالة األلواحية :حققها محمد سويس ونشرها Sمركز الدراسات واألبحاث في الجامعة التونسية
بتونس سنة .1975
-11رسالة الحث على الذكر :طبعت في مجموع رسائل الشيخ ...في حيدر أباد الدكن سنة 1354هـ.
-27-
-12رسالة في الحجج العشر في جوهرية النفس الناطقة :في المجموع السابق الذكر أيضاً.
-13رسالة السياسة :نشرت في كتاب مقاالت فلسفية قديمة -بيروت سن 1911م ،ولهذه الرسالة أهمية
كبيرة في التربية سنوضحها في ثنايا الكتاب.
-14رسالة في الفعل واالنفعال :طبعت في حيدر أباد الدكن من منشورات دار المعارف العثمانية سنة
1353هـ.
-15رسالة في معرفة النفس الناطقة وأحوالها البن سينا :نشرت بتحقيق ثابت الفندي سنة 1934م.
-16وقد Sحقق عبد الرحمن بدوي «مجموعة مقاالت ابن سينا» :ونشرها Sله المعهد الفرنسي بمصر Sسنة
،1954وفيها Sكثير مما لم يذكر سابقاً.
ويرى Sبعض الباحثين أن مخطوطاته التي لم يتم طباعتها أكثر بكثير ،ولذلك فقد دهش علماء الغرب من
كثرة إنتاج هذا المفكر المسلم حتى قال سارتون:
«ولست أدري كيف أتفق البن سينا أن ينتج هذا اإلنتاج الضخم وسط حياته القلقة المضطربة ،فلم يكتب
كتبه التي بلغت -ستة وسبعين ومائتين -لم يكتبها في بلد واحد ،وال في فترة واحدة متصلة ،وال في دولة واحدة
وإ نما كان يحرر رسائله الصغيرة في أثناء رحالته» (عبد الحليم منتصر ،بدون تاريخ ،مجلة تراث اإلنسانية).
والسؤال الذي يطرح نفسه إلى أي حد تغنينا الكتب التي وصلت إلينا عن الكتب التي لم تصل؟
إن اإلجابة عن هذا السؤال تقتضي أوالً تقسيم كتبه حسب موضوعاتها أخذاً من الثبت الذي قدمه ابن أبي
أصيبعة ،ثم التعقيب على ذلك ببيان ما وصل إلينا في الموضوع خصوصاً مما نشر حتى اآلن.
-28-
-7كتاب الهداية.
-8كتاب عيون الحكمة.
-9المباحثات.
-10كتاب الحكمة المشرقية.
-11كتاب التعليقات ويحتوي على أكثر من ألف نبذة عن حياته عند الشيخ.
ومن الكتب المتخصصة عنده والمقاالت:
أ -اإللهيات:
-1الخطب التوحيدية في اإللهيات.
-2الحكمة العرشية ،وهو كالم مرتفع في اإللهيات.
-3فصول إلهية في إثبات األول.
-4رسالة في العشق.
ب -المنطق والجدل والحدود:
-5كتاب األوسط Sالجرجاني.
-6كتاب الموجز Sالكبير.
-7الموجز الصغير Sوهو منطق النجاة.
-8العقيدة المزدوجة في المنطق.
-9مقالة في اإلشارة إلى علم المنطق.
-10كتاب مفاتيح الخزائن في المنطق.
-11كتاب الحدود.
-12مقالة في تعقب المواضع الجدلية.
-13مقالة في حد الجسم.
ج -الجوهر والعرض:
في أن ال يجوز أن يكون شيء واحد جوهراً وعرضاً.
كالم في الجوهر والعرض.
د -الحروف:
مقالة في مخارج الحروف
كالم في تبيين ماهية الحروفS
هـ -الرصد والهيئة واألرض
-1كتاب األرصاد Sالكلية.
-2مقالة في آلة رصد صنعها لعالء الدولة.
-3مقالة في غرض قاطيغورياسS.
-4مقالة في خواص خط االستواء.
-29-
-5مقالة في هيئة األرض من السماء وكونها Sوسطاً.
-6مقالة في األجرام السماوية.
-7مقالة في كيفية الرصد ومطابقته للطبيعيات.
-8مقالة ذكرها أنها في الممالك وبقاع األرض.
-9كتاب قيام األرض في وسط السماء.
-10مقالة في إبطال أحكام النجوم.
و -الرياضيات:
-1رسالة إلى أبي سهل المسيحي في الزاوية.
-2مقالة في عكوس ذوات الجهات.
-3مقالة في الالنهاية.
-4مختصر أوقليدس Sالمضموم إلى النجاة.
-5مقالة األرثماطيقي.
-6في أن الزاوية التي من المحيط والمماس ال كمية لها.
ز -الطب:
-1كتاب القانون في الطب.
-2كتاب القولنج صنفه بقلعة قردجان.
-3كتاب األدوية القلبية صنفها بهمدان.
-4مقالة في النبض بالفارسية.
-5مقالة في تعرض رسالة الطبيب في القوى الطبيعية.
-6مقالة في الهنديا.
-7رسالة في السكنجبين.
-8كتاب التدارك ألنواع خطأ التدبير.
-9تعاليق مسائل حنين في الطب.
-10قوانين ومعالجات.
-11مسائل عدة طبية عشرون مسألة.
ح -العلوم:
-1مقالة في تقاسيم الحكمة والعلوم.
-2عشر مسائل أجاب عنها ألبي الريحان البيروني.
-3جواب ست عشرة مسألة أجاب عنها ألبي الريحان البيروني.
-4رسالة في الكيمياء إلى الشيخ أبي الحسن السهلي.
ط -في النفس:
-1كتاب المبدأ والمعاد في النفس صنفه للشيرازيS.
-2مقالة في القوى الطبيعية إلى أبي سعد اليمامي.
-30-
-3مناظرات في النفس مع أبي علي النيسابوري.
-4شرح كتاب النفس ألرسططاليس Sويقال إنه من اإلنصاف.
-5مقالة في النفس تعرف بالفصول.
-6فصول في النفس والطبيعيات.
-7كتاب تأويل الرؤيا.
-8رسالة في القوى اإلنسانية وإ دراكاتها.
-9قول في تبيين ما الحزن وما أسبابه.
-10مقالة في أن علم زيد غير علم عمرو.
ي -القصص الرمزي:
-1رسالة حي بن يقظان.
-2رسالة الطير.
ك -األخالق والزهد
-1كتاب البر واإلثم صنفه للفقيه البرقي في األخالق.
-2مقالة في تحصيل السعادة = الحجج الغر.
-3مقالة في القضاء والقدر.
-4مقالة في األخالق.
-5الرسالة األضحوية في المعاد.
-6عشر قصائد Sوأشعار في الزهد.
-7رسالة إلى أبي سعيد بن أبي الخير الصوفي.
-8كتاب المعاد صنفه بالري للملك مجد الدولة.
-في اللغة والموسيقى
-1لسان العرب.
-2كتاب الملح في النحو.
-3خطب وتمجيدات Sوأسجاع في االعتذار.
-4المدخل إلى صناعة الموسيقى ،وهو غير الموضوع Sفي النجاة.
-كتب بالفارسية:
-1كتاب دانش ماية العالئي.
-2رسائل بالفارسية والعربية ومخاطبات.
-التعاليق:
-1كتاب تعاليق علقه عنه تلميذه أبو منصور بن زيال.
-2تعليقات أبي الفرج الطيب الهمداني.
-31-
ومن أبرز كتب المتفرقات:
-متفرقات
كتاب تدبير الجند والممالك والعساكر وأرزاقهم Sوخراج الممالك.
-رسائل وجوابات:
-1مسائل ترجمها بالتذاكير Sجواب مسائل كثيرة.
-2رسالة إلى علماء بغداد.
-3رسالة إلى صديق.
-4أجوبة أبي الحسن العامري -14-مسألة.
-5الرد على أبي الفرج بن الطيب.
ونشير Sإلى أن أبرز الموضوعات عند ابن سينا (كتب الحكمة الجامعة والمتخصصة) التي جاءت في ثبت
ابن أبي أصيبعة بعضها مطبوع واآلخر Sغير مطبوع ،كما أشرنا سابقاً ومن الطبعات التي وصلت إلينا:
-1طبعات كتاب الشفاء :فقد طبع بداية في طهران سنة 1303هـ كما طبع في (براغ) سنة 1956م
ويوجد منه صورة بجامعة القاهرة ،كما تم طباعته في المطبعة األميرية بالقاهرة سنة 1371هـ ،1952في ثالثة
أجزاء -تضمنت مختلف العلوم الرياضية في أصول الهندسة والرياضيات ،والطبيعيات ،وقد نشر محمود Sقاسم
من الطبيعيات ثالثة أبواب هي:
السماء والعالم ،الكون والفساد ،واألفعال واالنفعاالت في دار الكتاب العربي سنة 1969م وكانت من نتيجة
دأب ابن سينا أن أصبحت المعلومات عنده ملكة كاملة في معالجة كافة العلوم وتحري الحقيقة فيها كما جاء في قوله:
«وكذلك حتى استحكم معي جميع العلوم ،ووقفت عليها بحسب اإلمكان اإلنساني ،وكل ما علمته في ذلك
الوقت فهو كما علمته اآلن ،ولم أزد فيه إلى اليوم ،حتى أحكمت علم المنطق والطبيعي Sوالرياضي!!
وبعد تمكنه وإ تقانه علوم الطبيعة وآالتها انتقل إلى دراسة ما بعد الطبيعة وبذلك يقول:
علي غرض واضعه،
«ثم عدلت إلى اآللهي ،وقرأت كتاب ما بعد الطبيعة ،فما كنت أفهم ما فيه ،والتبس ّ
حتى أعدت قراءته أربعين مرة ،وصار لي محفوظاً ،وأنا مع ذلك ال أفهمه وال المقصود به ،وأيست من نفسي
وقلت« :هذا كتاب ال سبيل إلى فهمه».
وإ ذا أنا في يوم من األيام حضرت وقت العصر في الوراقين ،وبيدي دالل مجلد ينادي عليه ،فعرضه
علي ،فرددته رد متبرم معتقد أن ال فائدة من هذا العلم .فقال لي :اشتر مني هذا فإنه رخيص ،أبيعكه بثالثة
ّ
دراهم ،وصاحبه محتاج إلى ثمنه ،واشتريته فإذا هو كتاب ألبي نصر الفارابي في أغراض كتاب ما بعد الطبيعة.
«ورجعت إلى بيتي وأسرعت قراءته فانفتح علي في الوقت أغراض ذلك الكتاب ،بسبب أنه كان محفوظاً
لي على ظهر القلب ،وفرحت بذلك ،وتصدقت Sفي ثاني يومه بشيء كثير على الفقراء شكراً هلل تعالى».
-32-
وهذا يشير إلى الغموض الذي جاء في كتاب «ما بعد الطبيعة ألرسطوطاليس »Sويؤكد ذلك أن ابن سينا
نفسه احتاج لمراجعة الكتاب أكثر من أربعين مرة ،دون فهم والغرض منه ،إال أنه استطاع Sوبطريق Sالصدفة
جلسة
شراء كتاب ألبي نصر الفارابي (كتاب ما بعد الطبيعة) الذي شرح فيه مغالق علم الطبيعة حيث فهم من ّ
واحدة .وقد Sأشار ابن سينا إلى ذلك بقوله:
«كتاب في أغراض الحكيم في كل مقالة من الكتاب المرسوم بالحروف» وقد طبع الكتاب في ليدن 1890م
كما طبع في مصر سنة 1907م.
وقد Sأشار الباحثون إلى أن ابن سينا حصل على الفلسفة اليونانية من شروح المسلمين لها وفي طليعتهمS
الفارابي ،ويؤكد Sذلك قوله:
«وتصدقت Sفي ثاني يوم بشيء كثير ...شكراً هلل تعالى ...وهذا دليل إيمانه باهلل».
لقد كان ابن سينا محباً للمطالعة شغوفاً Sبها ،دقيق المالحظة لنفسه وأحوالها فإذا هو يقرر حقيقة نفسية
تتعلق بالتعلم الذي يكون حفظاً في أول أمره وهذا يساعد على النضج واإلدراك ،ويقول ابن سينا:
«فلما بلغت ثماني عشرة سنة من عمري ،فرغت من هذه العلوم كلها ،وكنت إذ ذاك للعلم أحفظ ،ولكنه
اليوم معي أنضج ،وإ ال فالعلم واحد لم يتجدد لي بعده شيء».
وقد Sظهر البن سينا مجموعة رسائل كان من أبرزها رسالة في الفعل واالنفعال وأقسامها في مجموعة
رسائل ابن سينا التي نشرت في حيدرأباد Sالركن في دائرة المعارف Sالعثمانية سنة .353
-كتاب المنطق.
-تناول ابن سينا في كتاب المنطق أجوبته إلى أبي سعيد بن أبي الخير -وهي تتضمن خمسة أسئلة البن
أبي الخير في موضوعات Sمختلفة منها المنطق.
-األجوبة عن المسائل العشرينية (عشرون مسألة في المنطق).
-أرجوزة في المنطق.
كما ظهر كتاب العبارة بتحقيق محمود الخضيري Sفي دار الكاتب العربي سنة 1970م.
وكذلك «القياس» بتحقيق سعيد زايد في المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة سنة
1383هـ 1964 -م.
ونشر Sالدكتور عبد الرحمن بدوي في مكتبة النهضة المصرية الطبعة األولى سنة 1374هـ 1954 -م،
كتاب «البرهان».
وكانت الطبعة الثانية بدار النهضة العربية بمصر سنة 1966م.
وعن المنطق في غير كتاب الشفاء نجد «منطق المشرقيين» و«القصيدة المزدوجة» وقد نشرتهما Sالمكتبة
السلفية بمصر سنة 1910م.
وأما عن الشعر من كتاب الشفاء:
-فقد نشر عبد الرحمن بدوي Sكذلك في الدار المصرية للتأليف والترجمة سنة 1386هـ 1966 -م:
«كتاب الشعر».
-ونشر Sالمعهد الفرنسي بمصر سنة 1952المقالة العاشرة من الشفاء.
-33-
-كما نشر الدكتور عبد الحليم المنتصر موجزاً Sعن الجزء الخاص بالطبيعيات والمعادن والنبات في
سلسلة «تراث اإلنسانية».
ومن الكتب الجامعة في الحكمة أيضاً:
كتاب اإلشارات والتنبيهات:
وهو أجود ما صنف في الحكمة ،وقد Sتولى شرحه من بعده كثيرون أمثال الطوسي نصير Sالدين وفخر
الدين الرازي وابن طفيل.
وقد Sنشر سليمان دنيا بتحقيقه كتاب اإلشارات بشرح نصير Sالدين الطوسي أوالً في دار إحياء الكتاب
العربي بمصر سنة 1366هـ 1947 -م ،ثم نشره في دار المعارف بمصر Sفي سلسلة ذخائر العرب في أربعة
أجزاء مجموعة في ثالثة مجلدات سنة 1960م ثم 1391هـ 1971 -م.
لكن أقدم طبعة من طبعاتها هي طبعة فورجيت بليدن سنة 1892م.
أما دار الطباعة في القاهرة فقد أخرجتها تحت عنوان «شرحي اإلشارات لنصير Sالدين الطوسي وفخرS
الدين الرازي» سنة 1325هـ في جزئين ومجلد واحد.
كما أخرجت «شرح اإلشارات البن طفيل سنة 1920م».
وفي Sمطبعة بريل Sفي Sليدن ،نشر Sميكائيل Sبن يحيى Sالمهرني Sسنة 1888م1889/م ،مجموعة من مؤلفات
ابن سينا Sباسم :رسائل Sالشيخ الرئيس Sابن سينا Sفي Sأسرار Sالحكمة المشرقية Sوهي 4 Sأجزاء مع ترجمة SفرنسيةS،
ومن رسائلهاS:
األنماط الثالثة األخيرة من اإلشارات ،ومن الكتب الجامعة كذلك.
-3كتاب المباحثات:
وهو أجوبة الشيخ على مسائل تلميذه «بهمنيار» ،وقد نشره عبد الرحمن بدوي Sضمن كتابه عن« :أرسطو
عند العرب» في القاهرة سنة 1947م ص.239 - 122 :
-وكتاب التعليقات:
وهي تعليقات استفادها من الشيخ الرئيس تلميذه أبو الفرج الطيب الهمذاني حسب قول ابن أبي أصيبعة،
وقد نشرت بتحقيق عبد الرحمن بدوي في سلسلة المكتبة العربية برقم 130تحت إشراف الهيئة المصرية العامة
للكتاب في القاهرة سنة 1392هـ 1973 -م ،وهي قريب من مئتي صفحة وعليها تعليقات لتلميذ ابن سينا
بهمنيار.
وقد Sذكر األستاذ محمد رضا الشبيبي في كتابه «تراثنا الفلسفي» المطبوع في مطبعة العاني ببغداد سنة
1965م ،أنه وجدها في مجموع خطي في مكتبة النجف ،ويقول عنها الشبيبي« :وهو أكبر كتاب في المجموع
وعدد صفحاته 178وفيه 1088نبذة ،تولى عملها أبو العباس اللوكري Sتلميذ بهمنيار سنة 503هـ.
-5ومن الكتب الجامعة كتاب النجاة:
وأما كتاب النجاة فقد طبع طبعات تجارية ،كما طبع بتحقيق محي الدين صبري الكردي سنة 1331هـ -
ثم أعيدت طباعته سنة 1938م وهو في حدود 312صفحة.
-6ومن الكتب الجامعة كتاب الهداية:
-34-
وأما كتاب الهداية ،فقد طبع بتحقيق محمد عبده مرتين في مكتبة القاهرة الحديثة ،آخرهما سنة 1974م،
وهي في حدود 335صفحة.
-7ومنها :كتاب عيون الحكمة:
وقد Sطبع كتاب «عيون الحكمة» بتحقيق عبد الرحمن بدوي في مصر سنة 1954م.
ثانياً :كتب في الحكمة لم تطبع بعد والرأي فيها:
-1الكتب الجامعة:
يبقى في إطار الكتب الجامعة للحكمة ،مما ذكره ابن أبي أصيبعة خمسة كتب هي:
-1كتاب اللواحق.
ويذكر Sأنه شرح الشفاء.
-2كتاب الحاصل والمحصول.
يقول ابن أبي أصيبعة :إنه ال يوجد منه إال نسخة األصل ،فقد كان معرضاً للضياع من أيام ابن أبي
أصيبعة.
إال أنه من الكتب التي ألفها في أول حياته ولذلك نعتقد أن الكتب التي ألفها بعد أن نضج تغني عنه.
-3كتاب اإلنصاف:
يقول ابن أبي أصيبعة إنه في عشرين مجلدة ،وقد Sشرح فيه كتب أرسططاليس ،وأنصف بين المشرقيين
والمغربيين.
وكذلك نعتقد أن الكتب الجامعة للحكمة المطبوعة حتى اليوم تغني عنه إن لم يوجد.
-4كتاب المجموع:
ويعرف Sبالحكمة العروضية ،صنفه وله إحدى وعشرون سنة ألبي الحسن العروضي Sمن غير
الرياضيات .فال شك أن الكتب التي صنفها بعده أنضج وأشمل ،وهي كذلك تغني عنه.
-5وأخيراً كتاب الحكمة المشرقية:
وهو بال شك غير ما طبعه «ميكائيل بن يحيى المهرني» في ليدن سنة 88/1889م تحت اسم «رسائل
الشيخ الرئيس ابن سينا في أسرار الحكمة المشرقية» ألن كتاب المهرني Sمجموعة رسائل في موضوعات
متعددة ،والمفروض ابن أبي أصيبعة يقصد كتاباً موحداً .فلعل هذا الكتاب ينقصنا لبيان رأي ابن سينا في الحكمة
المشرقية.
ثالثاً :الكتب المخصصة والمقاالت:
لقد أشرنا إلى أن البن سينا في الحكمة ،إلى جانب كتبه الجامعة ،كتباً أو رسائل أو مقاالت ،في
موضوعات خاصة من الحكمة من مثل:
أ -اإللهيات -ب -المنطق والجدل والحدود -جـ -الجوهر والعرض -د -الحروف -هـ -الرصد
-و -الرياضيات Sوغيرها....
-35-
وقد Sأشرنا في الفقرة السابقة عن الكتب المطبوعة إلى بعض الموضوعات Sالخاصة مثل المنطق والشعر...
ونحن نعتقد أن ما ورد في الكتب العامة عن بعض الموضوعات Sيغنينا عن بعض الرسائل ،ولذلك
فسنقتصر Sهنا على ذكر المطبوع Sمما يتعلق بالموضوعات التي تغني عنها الكتب الجامعة .وهي:
أ -في اآللهيات:
- 1الحكمة العرشية:
وقد Sذكر ابن أبي أصيبعة عنها أنها كالم مرتفع في اآللهيات وعهد له عاهد اهلل به لنفسه ،ونحن نجد في
المجموعة التي تحمل عنوان[ :تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات] رسالة بعنوان «رسالة العهد».
وقد Sطبع المجموع عدة طبعات أولها في مطبعة الجوائب في القسطنطينية سنة 1298هـ ،ثم في مطبعة
هندية بالقاهرة سنة 1908م ،ثم في مطبعة كلزار حسن في بمباي سنة 1318هـ.
كما نشر عبد الرحمن بدوي Sفي كتاب أرسطو Sعند العرب ص ،247نسخة عهد به ابن سينا لنفسه.
-2وهناك« :رسالة العشق»:
وقد طبعها ميكائيل المهري في مطبعة بريل -ليدن -سنة 88/1889م مع مجموعة رسائل األخرى باسم:
رسائل الشيخ الرئيس ابن سينا في أسرار الحكمة المشرقية مع ترجمة فرنسية 4 ،أجزاء في مجلد واحد.
-3أما الخطب التوحيدية:
فقد أفاد األستاذ رضا الشبيبي في كتابه «تراثنا الفلسفي» أنه قد عثر عليها في مجموع في خزائن كتب
النجف ،ولكن األستاذ الشبيبي قد وهم بأن هذه «الخطب التوحيدية» هي نفس رسالة «خطب وتمجيدات» التي
تحدث عنها ابن أبي أصيبعة تحت رقم ]62[ Sحيث يقول إنها مجموعة اعتذارات ال دخل لها باإللهيات.
ب -وقد أشرنا إلى ما طبع في المنطق قبالً.
ج -أما في الجوهر والعرض فقد نشرت منه رسالة في مجموع صدر في حيدر أباد الدكن سنة 1354هـ تحت
اسم« :مجموع رسائل الشيخ الرئيس».
د -أما الحروف فلم يطبع مما ذكره فيها ابن أبي أصيبعة شيء ،غير أن محب الدين الخطيب قد نشر في
مطبعة المؤيد سنة 1332هـ ،كتيباً باسم «أسباب حدوث الحروف» البن سينا ،وهو يقع في حوالي عشرين
صفحة ،كذلك أشار عبد الرحمن بدوي Sفي كتابه «أرسطو Sعند العرب» إلى شرح ابن سينا لحرف الالم ،ونكتفي
عن «الرياضيات» و«الرصد» و«الهيئة» وأمثالها Sبما جاء في الكتب الحكمية الجامعة ألن هذه العلوم قد تقدمت
اليوم تقدماً كبيراً بسبب ما تهيأ لها من وسائل البحث ،وما نعتقد أن بحوث ابن سينا في الموضوع Sتفيدنا في أكثر
من العرض التاريخي Sلتطور هذه العلوم ،ولغرض العرض التاريخي Sيمكن أن يستغنى Sبما جاء في الكتب
الحكمية الجامعة .إنما يهمنا أن نبرز من الموضوعات Sالخاصة :كتب الطب والدراسات النفسية.
-5كتب الطب والعلوم:
-1كتب الطب:
رأينا أن المطبوع من كتب الطب هو كتاب القانون في الطب [ ،]7وأقدم طبعة له في العالم اإلسالمي هي
طبعة بوالق في المطبعة األميرية بمصر سنة 1294هـ ،في ثالثة مجلدات ،وصدرت عن هذه الطبعة في بيروت
تصويرًا طبعة دار صادر بدون تاريخ ،وذلك باالشتراك مع مكتبة المثنى ببغداد.
-36-
ولكن الكتاب ترجم إلى اللغات الحية جميعاً وكان يدرس في أوربا باللغة الالتينية طوال أربعة قرون ،وقد
طبع أخيراً باللغة الروسية ،كما طبع باللغة العربية في روما سنة 1957م ،والمؤسف Sأن يتوفر مثل هذا الكتاب
في اللغة العربية وال تقوم جماعة من العلماء باإلشراف Sعلى طباعته طباعة محققة أحسن من الطبعة التجارية
المعروفة باسم «طبعة بوالق .»Sفضالً عن أن ينبري المتخصصون لدراسته من جميع الجوانب.
وقد Sال يكون الكتاب جامعاً لكل آراء ابن سينا وأفكاره في الموضوع Sومع ذلك فإن الثروة المتضمنة فيه
من األفكار تكفي لالستغناء عن بقية رسائل ابن سينا الطبية.
-أهمية كتاب القانون للدراسات النفسية:
وال تقتصر عظمة كتاب القانون على ما فيه من معلومات طبية ،بل إن علماء النفس المتعمقين يستطيعون
أن يجدوا فيه دراسات نفسية سباقة سواء في علم النفس الفزيولوجي ،أو علم نفس النمو ،أو في التحليل والعالج
النفسي ،فضالً عن أنه بال شك أقدم كتاب فتح باب الطب النفسي الجسدي.
وسنخصص Sبإذن اهلل فصالً كامالً لبيان بعض خصائص الدراسات النفسية في كتاب القانون ،ولكننا نشعر
بعد الذي ذكرناه عن أهمية هذا الكتاب للدراسات النفسية بأن القارئ في شوق إلى أن يسمع على ما قررناه دليالً
واحداً على األقل ،ولذلك سنكتفي هنا بإعطاء هذا الدليل من تعريف الطب عند ابن سينا في هذا الكتاب إذ يقول
في التعليم األول :حد الطب.
«الطب ينظر في:
-1في األركان.
-2والمزاجات.
-3واألخالط.
-4واألعضاء البسيطة والمركبة.
-5واألرواح وقواها Sالطبيعية والحيوانية والنفسانية.
-6واألفعال وحاالت البدن من الصحة والمرض والتوسط.
-7وأسبابها :من المآكل والمشارب واألهوية والمياه والبلدان والمساكن.
-8واالستفراغ واالحتقان.
-9والعادات والحركات البدنية والنفسانية.
-10والسكونات.
-11واألسنان واألجناس.
-12والواردات Sعلى البدن من األمور الغريبة.
-13والتدبير Sبالمطاعم والمشارب ...الخ».
فمن هذا التعريف Sنرى:
-1أن التشخيص عنده ال يعتمد فقط على تشريح األعضاء البسيطة والمركبة ،إنما هو تشخيص نفسي
جسدي يشمل األرواح وقواها Sالطبيعية والحيوانية والنفسانية.
-2كما يشمل األفعال أو ما يسمونه اليوم بالسلوك.
-3باإلضافة إلى أثر البيئة الطبيعية :البلدان والمساكن.
-4والبيئة الجسدية :االستفراغ واالحتقان.
-5والبيئة االجتماعية :الصناعات والعادات.
-37-
-6والبيئة النفسية :الحركات البدنية والنفسانية والسكونات.
-7والدراسة التطورية :األسنان واألجناس ...الخ.
فمن هذا التعريف Sيتبين أن ابن سينا زعيم المدرسة النفسية في الطب ،وأنه رائد في الدراسات النفسية
الجسدية بمختلف ميادينها ....وسنزيد Sالموضوع Sوضوحاً Sفي الفصول القادمة إن شاء اهلل.
-2كتبه في العلوم:
تحتوي
الرتبوي عند ابن سينا – م5 كذلك من سوء الحظ أن كتبه ومقاالته في العلوم كالفيزياء والكيمياء لم تطبع بعد ،والظاهر أنهاالفكر
على أفكار قيمة ألن كتاب القانون قد شرح لنا عناية ابن سينا بالمنهج التجريبي ،والمنهج التجريبي هو لب
الدراسات العلمية في الفيزياء والكيمياء.
أضف إلى ذلك أن بعض هذه الكتب مساجالت بين ابن سينا وبين عالم إسالمي كبير له شهرته هو أبو
الريحان البيروني .فعسى أن يكون قريباً Sيوم ترى فيه هذه األبحاث عناية من الباحثين.
وننتقل بعد هذا إلى بيت القصيد من حديثنا عن كتبه وهو المتعلق بالدراسات النفسية عنده.
-6الدراسات النفسية:
وإ ذا ما استعرضنا Sما طبع عن النفس من مؤلفات ابن سينا لم نجد مما ذكره ابن أبي أصيبعة إال:
-1رسالة القوى اإلنسانية ( ،)94وقد Sنشرت مع مجموعة تحت اسم «تسع رسائل في الحكمة
والطبيعيات» طبعت في القسطنطينية سنة 1298هـ ثم في بومباي سنة 1318هـ ،ثم في القاهرة سنة 1326هـ ـ
1908م.
-2وقد نشرت دار العلم للماليين ملحقًا بكتاب عن «فلسفة ابن رشد» بحثًا عن القوى اإلنسانية ،يشبه ما ورد
في «تسع رسائل» ومع ذلك فقد نشرت كتب ومقاالت أخرى في موضوع النفس ،غير ما ذكره ابن أبي أصيبعة
أهمها:
-1ما نشرهُ «أحمد فؤاد األهواني» سنة 1317هـ1952-م تحت عنوان :أحوال النفس ،من تحقيقه ،وقد
نشر معه ثالث رسائل:
أ -بحث في القوى النفسانية.
ب -ورسالة في معرفة النفس الناطقة وأحوالها.
ج -ورسالة في الكالم عن النفس الناطقة.
-2وما نشره ثابت الفندي سنة 1934م تحت عنوان رسالة في معرفة النفس الناطقة وأحوالها ،وهي التي
سبق أن ذكرت فيما نشره األهواني أيضًا.
-3وكذلك نشر «حلمي هيفاء أولكن» في استانبول كتاباً بعنوان :رسائل ابن سينا وكتاب الفرق بين
الروح والنفس لقسطا بن لوقا.
-4وقد طبع في حيدر أباد الدكن في مجموع رسائل الشيخ الرئيس سنة 1354هـ رسالة عنوانها:
رسالة في الحجج العشر في جوهرية النفس الناطقة.
-5وهنالك طبعات تجارية لرسائل صغيرة مثل:
هدية الرئيس لألمير :بحث عن القوى النفسية ولعلها هي «الرسالة في النفس» التي ألفها ابن سينا لألمير
نوح بن منصور.
-38-
-6ويشير ابن أبي أصيبعة إلى أن ابن سينا قد شرح كتاب النفس ألرسطوطاليس Sباللغة الفارسية ونحن
نعرف أن أول من ترجم هذا الكتاب إلى العربية هو إسحق بن حنين وقد Sنشر عبد الرحمن بدوي Sتلك الترجمة في
كتابه« :أرسطو Sعند العرب» سنة 1954م.
-7ولكن موضوع «النفس» قد بحث بتفصيل في الكتب الجامعة للحكمة من مثل:
أ -الشفاء حيث يخصص من الفن السادس من الطبيعيات كتاباً للنفس ،يتحدث فيه عن نفس النبات ونفس
الحيوان ونفس اإلنسان ،وقد أشرنا إلى أن الهيئة المصرية العامة للكتاب قد أخرجت كتاب «الطبيعيات Sوالنفس»
من «الشفاء» بتحقيق قنواتي Sوسعيد زايد سنة 1975م.
ب -وليس كتاب «النجاة» إال ملخص كتاب الشفاء فهو يحتوي على أبحاثه كلها باختصار Sمن مثل وجودS
النفس وقواها ...ألخ.
ج -وكذلك كتاب اإلشارات والتنبيهات يحتوي Sلفتات هامة عن الذات أو الشخصية ووجودها SوالشعورS
بها.
د -وقل مثل ذلك في كل كتب الحكمة كالتعليقات والمباحثات ....الخ.
-8القصيدة العينية:
ولعل مما استأثر Sباهتمام الباحثين قصيدة ابن سينا في النفس ،وهي تعرف باسم القصيدة العينية ،وقد
ذكرها ابن أبي أصيبعة كاملة ،وقد Sكتبت عليها شروح كثيرة وتعليقات نذكر منها:
أ -شرح عينية ابن سينا لنعمة اهلل بن عبد اهلل بن محمد أبي حسين توفي سنة 1112هـ ،وقد نشر الشرح
بتحقيق حسين علي محفوظ في طهران في مطبعة الحيدري ،ونشرت معه قصيدة في الرد على ابن سينا لعبد علي
الحويزي.
ب -شرح قصيدة النفس البن سينا ،كتبه عبد الرؤوف المناوي ،وطبع في مطبعة الموسوعات في مصر سنة
1318هـ1900 -م ،ويقع في 119صفحة.
ج -وكذلك كتاب فتح اهلل خليف ،ابن سينا ومذهبه في النفس ،دراسة في القصيدة العينية ،نشرته جامعة
بيروت العربية في بيروت سنة 1974م في 186صفحة.
د -كما نشر أحمد أمين مقاالً في «مجلة الثقافة» في العدد 691الذي ظهر في مارس سنة 1953م تحت
عنوان« :عينية ابن سينا» .والقصيدة تبدأ بشرح نظرية ابن سينا في النفس وتنتهي بالسخرية من هذه النظرية
حيث يقول« :لقد غربت بغير المطلع» ،ألن نظرية أفالطون عنده ال تبين الحكمة من خلق نفس اإلنسان بوضوح
كما بينها القرآن الكريم حيث قال تعالى:
س ُن َع َمالً سورة الملك ،آية .2
َح َ
ليبلُو ُك ْم ُأي ُك ْم أ ْ
-9إال أن الصبغة الغالبة على جميع ما سبق من مؤلفات في النفس هي الصبغة الفلسفية ،إذ تهتم كثيراً
بإثبات وجود Sالنفس واستقاللها عن الجسد باإلضافة إلى البحث في قواها المختلفة.
ولقد شغل أكثر المهتمين بالبحوث النفسية عند ابن سينا باألعمال الفلسفية هذه.
ولكن أصالة ابن سينا في الدراسات النفسية ال تظهر بوضوح من خالل هذه الكتابات الفلسفية ،ولذلك فإننا
نعود إلى ما قلناه بمناسبة كتاب «القانون في الطب» ونؤكد أن الدراسة النفسية العلمية عند ابن سينا تتجلى في
«كتاب القانون» .الذي سنخصه إن شاء اهلل ببحث مستفيض ،يبين ما امتازت به دراسات ابن سينا النفسية من
حيث المنهج ومن حيث الموضوع.
-10وخالصة القول إن أفكار ابن سينا عن النفس تتجه اتجاهين أحدهما هو االتجاه الفلسفي ويكفينا فيه ما
طبع من كتب الحكمة ،واآلخر علمي يكفينا منه كتاب القانون.
-39-
-7القصص الرمزية:
وقد Sذكر منها ابن أبي أصيبعة رسالتين :رسالة حي بن يقظان ورسالة الطير والشبكة.
-1وقد حظيت رسالة حي بن يقظان [ ]18بعناية كبيرة من الناس في القديم والحديث فقد جمعها:
-ابن طفيل أو أعاد كتابتها بأسلوبه ،وقد نشر كتابه في مطبعة وادي النيل سنة 1299هـ بمصر تحت
عنوان« :حي بن يقظان جمع ابن طفيل».
-وتناولها «السهروردي» بالعناية وتابع فيها رحلة «حي بن يقظان» إلى عالم اآلخرة.
-ونشرها Sأحمد أمين تحت اسم« :حي بن يقظان البن سينا وابن طفيل والسهروردي» مرتين :في مكتبة
الخانجي سنة 1958م وفي دار المعارف بمصر Sسنة 1966م.
-وطبعها Sالمهرني في المجموعة التي سماها «أسرار Sالحكمة المشرقية» بليدن سنة 88/1889م مع
ترجمة فرنسية وشروح مختارة.
-ونشرت Sلها طبعة تجارية في مطبعة السعادة بمصر Sسنة 1327هـ1909 -م.
والغالب أن يكون األديب الفرنسي J. J. ROUSSEAUقد سمع بها واقتبس منها قصة «اميل» التي يشير فيها
إلى أن اإلنسان يستطيع أن يعلم نفسه بنفسه وأن يصل بذلك إلى الحقيقة كاملة ،فالقصة إذن تمثل نظرية نفسية تربوية
هامة.
- 2ورسالة الطير [ ]24كذلك مطبوعة في مجموع:
-أخرجه مهرن سنة 1917م مع رسائل أخرى منها:
رسالة إجابة الدعاء وكيفية الزيارة.
ورسالة رفع الغم عند وقوع الموت.
ورسالة في الصالة وماهيتها.
ورسالة الطير هذه.
ورسالة العشق.
-وهنالك مجموع ظهر في مصر باسم «جامع البدائع» فيه كذلك :رسالة الطير ،ورسالة العشق ،وفيه
تفسير سورة اإلخالص واألعلى ،والفلق ،والناس ،وكلها منسوبة إلى ابن سينا.
-ومما لم يذكره ابن أبي أصيبعة في مجال الرمز قصة «أسال وسالمان» ،وقد نشرت في مجموع عنوانه
«تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات ،طبع في القسطنطينية في مطبعة الجوائب سنة 1298هـ ،وأعيدت طباعته
بنفس االسم في القاهرة في مطبعة هندية سنة 1326هـ1908 ،م.
وقد Sكان القصد من هذه القصص تقريب المعاني الفلسفية من أذهان الناس ،فهي في حد ذاتها أسلوب من
أساليب التربية ذات هدف شريف Sيرتفع باإلنسان إلى السعي حتى يعرف اهلل ،وهي على عكس ما نشره «فرويد»S
في علم النفس الحديث من األخذ باألساطير Sاليونانية التي تعبر عن انحطاط Sاإلنسان وخضوعه األعمى للعشق
والشهوات.
-8األخالق والزهد والدين:
-1في موضوع« Sاألخالق والزهد» نجد ابن أبي أصيبعة يذكر البن سينا ثمانية مؤلفات لم يطبع منها إال
اثنتين هما:
أ« -الرسالة األضحوية في أمر المعاد»:
وقد Sنشرها سليمان دنيا بتحقيقه في دار الفكر العربي بمصر سنة 1949م ،وهي تقع في 127صفحة.
-40-
ب« -مقالة في األخالق»:
ولعلها هي التي نشرت في المجموعة المعروفة باسم «تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات» وقد Sطبعت
في القسطنطينية سنة 1298هـ ،وفي مصر سنة 1326هـ1908 ،م ،وفي بمباي سنة 1318هـ .وعنوان الرسالة
فيها« :في علم األخالق».
-2ويبدو اهتمام ابن سينا «باألخالق» منذ نعومة أظفاره إذ يقول ابن أبي أصيبعة :أن «الرسالة األضحوية»
قد ألفت وله من العمر سبع عشرة سنة..
كذلك صنف «كتاب البر واإلثم» في األخالق وعمره قريب من العشرين سنة.
ونحن نالحظ أن «كتاب البر واإلثم» لم يؤلف هدية ألمير وإ نما أهدي إلى أبي بكر البرقي الذي يقول عنه
ابن سينا إنه «فقيه النفس ،متوحد Sفي الفقه والتفسير والزهد» ،كما يذكر عن أهمية الكتاب أن هذه الفقيه الزاهد قد
احتفظ به فلم يعر أحداً ينسخ منه.
-3ولعله قد كتب في األخالق بلغة الفالسفة ،كما كتب بلغة الزهاد والفقهاء ،فاألخالق Sعند الفالسفة ترتبطS
بالسعادة ،وقد Sذكر له ابن أبي أصيبعة « :مقالة في تحصيل السعادة» تعرف Sباسم «الحجج الغر» .كما يذكر أن
له رسالة أخرى بعنوان:
«رسالة السعادة والشقاوة الدائمة في النفوس».
-4كما يبدو أن كتابته في األخالق والزهد والدين ،تصدر Sعن خبرات شخصية إذ يحدثنا ابن أبي أصيبعة
عن «مقالته في القضاء والقدر» أنه صنفها في طريقه إلى أصفهان بعد أن لقي كثيراً من المصاعب ثم نجاه اهلل
منها.
وقد نشر المهرني في كتابه الذي طبعه بليدن سنة 88/1889م تحت اسم «رسائل الشيخ الرئيس ابن سينا في
أسرار الحكمة المشرقية» رسالة عنوانها «في القدر» ال نستطيع أن نجزم أنها هي التي عناها ابن أبي أصيبعة.
-5وعلى ضوء تسميات رسائله في األخالق والزهد والدين يتبين لنا تأثره بالتصوف Sاإلسالمي في هذا
الموضوع Sأكثر من تأثره بالفلسفة اليونانية فاألخالق عند ابن سينا ترتبط Sبالحساب يوم المعاد ،ولذلك فقد ذكر
«المعاد» في الرسالة األضحوية ،ثم جعله كتاباً صنفه بالري للملك نجد الدولة.
وهذا الذي جعلنا نضع األخالق والزهد والتدين في عنوان واحد واستعمال Sابن سينا للكلمة اإلسالمية كلمة
«البر» و«اإلثم» فيها ظاهر.
وظاهر Sأيضاً أن كتبه في هذا قد أهديت للصوفية والزهاد كما نرى في الرسالة المرسلة إلى أبي سعيد بن
أبي الخير الصوفي في الزهد.
-6وذلك ما يبرر أن نضم إليها قصائد ابن سينا في الزهد [ ،]65ولعل ابن أبي أصيبعة قد أخذ عنها
بعض ما نشره من أشعار ابن سينا حسبنا أن نذكر منها مثاالً هاهنا حيث يقول:
وحقيـق كميـات ماهياتهـا خير النفوس العارفـات ذواتهـا
أعضاء بنيتهـا على هيئاتها وبـم الذي حلت؟ ومم تـكونت
هـال كذاك سماته كسماتهـا نفس النبات ،ونفس حي ،ركبـا
منه النفوس تخب في ظلماتها يا للرجال لعظم رزء لم تـزل
-41-
أفال تذكر هذه األبيات التي تستعمل ألفاظ الفالسفة بالمعاني التي تتردد في القرآن الكريم:
السَر ِائر
وم تُْبَلى َّ ِِ ِ ِ ِ ِ اء َد ِافقَ ي ْخُر ُج من ِ
بين ُّ ِ
الصْلب والتَرائ ْب إَن ُه َعَلى َر ْجعه ل َقادْرَ ي َ
ق ِم ْن م ٍ
َ ان ِم َّم ُخِلقُ خِل َ
سُ فليَن ُظر اإلْن َ
سورة الطارق آية .9،8،7،6،5
-9ما تبقى من مؤلفاته:
بقي من مؤلفاته في التصنيف Sالسابق:
ما كتبه في اللغة والموسيقى :ويقول ابن أبي أصيبعة إنه قد اطلع على شيء من كتاب «لسان العرب» ،فوجد
فيه كالمًا عجيبًا ،ولسوء الحظ لم يصل إلينا شيء منه ،ويؤكد ابن أبي أصيبعة أن كتاب المدخل إلى صناعة
الموسيقى هو غير ما كتبه عن الموسيقى في كتاب النجاة ،ولم يصل إلينا أيضًا..
-أما كتبه الفارسية ورسائله فقد وصل منها أشياء ،ولكنها تنتظر التعريب.
-وفي Sالتعاليق وصل إلينا كتاب «التعليقات» ألبي الفرج الطيب الهمداني ،وقد Sأشير إلى طباعته بتحقيق
عبد الرحمن بدوي Sفي منشورات الهيئة العامة للكتاب بمصر 1392هـ 1973 -م.
ولكننا ال نتوقع Sأن تكون تعليقات أبي الفرج كافية عن تعليقات غيره.
-ويستوقفنا Sفي المتفرقات كتاب فريد Sهو الذي عنونه ابن أبي أصيبعة باسم «كتاب تدبير الجند والممالك
والعساكر Sوأرزاقهم وخراج الممالك» ،وليس الكتاب بعيداً عن اهتمامات ابن سينا الذي شغل منصب الوزارة
عدة مرات ،ولكن لسوء الحظ لم يصل إلينا منه شيء.
-أما الرسائل والجوابات فإنها غالباً ما تتعلق بحياة ابن سينا الخاصة من االستفتاء الذي وجهه إلى علماء
بغداد وإ لى بعض أصدقائه ليحكموا بينه وبين رجل من أهل بلده يدعي الحكمة .....ومع ذلك فلو عثرنا على هذه
الرسائل والجوابات ،لما عدمنا أن نجد فيها طرائف وأضواء Sجديدة.
هذه لمحة خاطفة عن مؤلفات ابن سينا ،تبين لنا منها أمور أهمها:
-1سعة األفق وتعدد االختصاصات وهو وليد نزعة الشمول والتكامل التي عرف بها المسلمون في
دراستهم.
-2الموقف النقدي بالنسبة إلى الثقافات األصيلة الذي يبدأ من حسن فهمها وإ خراج الكتب في شرحها ،ثم
ينتهي ببيان نواقصها وتدارك Sأخطائها.
-3التمسك بالعقيدة اإلسالمية في القضايا الواضحة ومحاولة انتقاء ما يناسبها Sمن اآلراء الدخيلة أو
معارضتها Sبما يبرز الرأي اإلسالمي.
وستتوضح هذه الخصائص إذا فصلنا في إطار الدراسات النفسية وتطبيقاتها التربوية آراء ابن سينا التالية.
«هو أن يكون حصولها Sمن جهة شيء آخر أداها إليه».
والقوة المدركة الباطنة أو الداخلية كثيرة منها:
-1قوة الحس المشترك :وهي تقبل بذاتها جميع الصور المنطبعة في الحواس الخمس.
-2قوة الخيال أي (المصورة) :وهي :قوة تحفظ ما قبل الحس المشترك من الحواس الخمس ،وتبقى فيه
بعد غيبة المحسوسات.
-42-
-3قوة المتخيلة :وهي قوة من شأنها أنها تركب بعض ما ترى في الخيال مع بعض ،وتفصل بعضه عن
بعض بحسب االختبار ،وتسمى Sهذه القوة مفكرة بالنسبة إلى النفس اإلنسانية.
-4القوة الوهمية :وهي تدرك المعاني غير المحسوسة الموجودة في المحسوسات Sالجزئية ،كالقوة
الحاكمة بأن الذئب مهروب منه ،وأن الولد معطوف عليه.
-5القوة الحافظة( :الذاكرة) -وهي تحفظ ما تدركه القوة الوهمية من المعاني غير المحسوسة الموجودة
في المحسوسات الجزئية.
ويذكر Sابن سينا أن كل قوة من هذه القوى لها تجويف في الدماغ ويذكر Sنسبتها بعضها إلى بعض ،ويقول:
إن من الحيوان ما يكون له الحواس الخمس كلها ،ومنه ماله بعضها دون بعض .أما الذوق واللمس فإنهماS
موجودان في كل حيوان ،ولكن من الحيوان ما ال يشم ومنه ما ال يسمع ومنه ما ال يبصر.
-3النفس الناطقة اإلنسانية:
وتقسم إلى عاملة وعالمة ،وكل قوة من هاتين القوتين تسمى عقالً.
أ -القوة العاملة :أو العقل العملي -وهي المحرك لبدن اإلنسان إلى األفاعيل الجزئية الخاصة بالروية
على مقتضى آراء تخصها ،إصالحية.
وبذا يكون ابن سينا قد وضع لنا منهجاً تربوياً ،من واقع عصره ومجتمعه ،ومؤلفاته التي ذكرنا بعضاً
منها ،فالشيخ الرئيس (ابن سينا) عالم من أعالم اإلسالم الموسوعيين الذي تتنوع فيهم عطاء اهلل وتعددت في
اهتماماته فروع Sالمعرفة والثقافة حتى قيل إنه لم يظهر علم من العلوم ،أو فن من الفنون في عصره إال وترك Sفيه
مؤلفاً أو رسالة.
وهذا ما يجعل معلمنا من أصحاب المذاهب التربوية الجديرة بالدراسة واالهتمام وفي Sمذهب هذا الفيلسوف
من اآلراء والنظريات العلمية مايجعلنا نعتز بتراثنا وأعالمنا المبرزين الذين أسهموا في عطائها الحضاريS
وإ نجازه العلمي وفي Sطليعتهم الحسين بن عبد اهلل بن الحسن بن علي بن سينا .الذي ترك لنا تراثاً ضخماً ينهل
منه المتخصصون من كل صوب ،وهذا ماجعل األطباء والفالسفة وعلماء االجتماع وعلماء النفس والتربية
واألخالق واللغة .كل يجد بغيته ،ويطفئ غلته للوصول إلى المستوى الحضاري Sوالثقافي الالئق بإنسانية
اإلنسان.
-43-
الفصل الثاني
أهمية الفترة التي عاش فيها ابن سينا
-مقدمة.
-44-
أهمية الفترة التي عاش فيها ابن سينا
عاش أبو علي ابن سينا في بيئة تشجع العلم والعلماء والتفكير والمفكرين واتصل في فترة من حياته
بسلطان بخارى Sنوح بن نصر الساماني Sالمعروف بحبه للعلم ،وأفاد Sأبو علي كثيراً من كتبه ومؤلفاته التي شملت
جميع العلوم فلسفة ومنهجاً Sوسلوكاً Sوأداء في جميع مناحي الحياة ،وهذا ما يعكس أهمية الفترة التي عاش فيها إذ
اتسمت بتعدد الثقافات العالمية الخالصة التي تعتمد على القرآن الكريم الذي نزل من عند العليم الخبير ال يقدم
(نظرية) تتبدل من يوم آلخر ،وإ نما يقدم (حقائق) ال تتغير وال تتبدل ،بقصد هداية البشر إلى خالقهم فقد أنزل
هداية ورحمة وشفاء....
ولكن من الحق أن نقول :إن الهداية والرحمة والشفاء ال تتم إال بالعلم الصحيح «لذلك كان طبيعياً Sأن يكون
موقف القرآن الكريم من العلم واضحاً( Sمحمد خير عرقسوسي ،1982 ،ابن سينا والنفس اإلنسانية):
فهو يؤكد وجود Sالظواهر المختلفة التي تشهد لصانعها بالعظمة.
ويدعونا Sإلى تأمل تلك الظواهر Sودراستها Sواستخراج ما أودع اهلل فيها من نظام ونسق Sلنزداد خشية هلل
وإ يماناً به.
أجمع المؤرخون أن الشيخ الرئيس ازدهر في عصر اتصف باالنقسام Sوالتجزئة الفكرية والثقافية
والسياسية وأن مرحلة ازدهاره كانت َمعلماً بارزاً من معالم العلم والمعرفة والفهم ،فهو عصر أنجب ابن سينا
فيلسوف Sالعقل ،وابن الهيثم فيلسوف Sالعلم ،والبيروني فيلسوف الرياضة ،ومحمد بن النعمان -المعروف بالمفيد
-فيلسوف Sالفقه والكالم ،والغزالي فيلسوف الشك والعرفان ،وغيرهم ممن تحفل بهم كتب التراث العربي
اإلسالمي.
ومن المراكز الثقافية التي برزت في ذلك العصر مدينة (كركانج) الشبيهة بمدينة بخارى في عهد الدولة
السامانية ،وإ ال أنها لم تبلغ مبلغ بخارى -ونشير Sإلى أن ابن سينا بعد وفاة والده هاجر إلى كركانج والتجأ إلى
أحمد بن محمد السهلي الخوارزمي وزير Sخوارزمشاه علي بن مأمون وهذا ما أكده ابن سينا ذاته في إمالء سيرته
الذاتية (مصطفى جواد ،1865 ،الثقافة العقلية والحال االجتماعية في عصر ابن سينا).
أوالً :أثر الفترة التي عاش فيها على آرائه العلمية والتربوية
-نضج فكر ابن سينا الوقاد وهو في العقد الثاني من حياته ،واثق النفس ،مؤتمناً على معرفته كل
االئتمان ،واسع العلم في شبابه وأكثر عمقاً في كهولته ،مارس حياته العقلية منفتحة في جميع مجاالت حياته،
وأنتج في سجنه بعض كتبه الفلسفية والعلمية التي أحاطت بكل مشكالت عصره الفكرية» (جعفر آل ياسين،
،1984دراسة تحليلية لحياة ابن سينا).
-45-
-إن ما قدمه ابن سينا من اإلنتاج الفكري يشير إلى أن الفكر التربوي Sكان جزءاً غير مستقل عن النسق
الفكري الكلي عنده ،وهذا ما مكن كثيراً من المفكرين والفالسفة في القرون الماضية ومنهم Sالشيخ الرئيس أن
يكونوا موسوعيين بحيث ال يقتصر الواحد منهم على أن يكون طبيباً ،أو فقيهاً ،أو فيلسوفاً ،أو غير ذلك من
حد االستيعاب والجمع وإ نما تجاوز ذلك إلى التخصصات ،وإ نما يجمع بينها جميعاً ،بل إن منهم من لم يقف عند ّ
االبتكار واإلبداع Sفي أكثر من فن أو علم وهذا هو حال ابن سينا الذي أحاط بكل مشكالت عصره الفكرية أجاد
تقرب من السالطين واألمراء فأفاد كان يقوم بأعمال الدولة المكلف بها نهاراً ويتفرغ ليالً للكتابة والتدريسّ ،
والحكام والخلفاء الذين دأبوا على ضم العباقرة والمفكرين إلى مجالسهم Sالعلمية لتحقيق الفائدة العلمية والمنفعة
الشخصية ،وابن سنيا نفسه لم يكن فيلسوفاً فحسب بل كان رجل سياسة ،وهذا ما أجج الحاقدين واألعداء ضده إال
أن هذا لم يزده إال عزيمة وأمالً في تحقيق ما رسمه في ريعان شبابه ،من الناحيتين العلمية والسياسية.
فمن الناحية العلمية كان من العباقرة المفكرين ،فقد تميز بالدقة والمهارة والعمق والطراوة والتنسيق Sوجمال
التأليف والتركيب وهذا لم نجده عند الفالسفة العرب ،كان موسوعياً Sغزير التأليف ،شغل عمره القصير في
التأليف مستفيداً من الظروف التي أحاطت به في عصره ،ومن البيئة التي عاش فيها بتشجيع العلم والعلماء،
والتفكير والمفكرين.
تناول الشيخ الرئيس في مؤلفاته جوانب متعددة من الفلسفة والعلم ،وأثار كثيراً من المشكالت المعقدة
خالل دراساته لقضايا الفكر الفلسفي والتربوي ،وهو يتناول في كتبه ومؤلفاته ورسائله ومقاالته نفس المشكالت
التي تواجه العاملين في التربية ،إذ تحدث عن اإلنسان والمجتمع والمعرفة واألخالق Sوهذا ما يبرزه في كتاب
(السياسة) وتربية الطفل في كتاب (القانون) وهو بذلك يمثل صورة صادقة لعالقة الفلسفة بالتربية ،ونشير إلى
أن الشيخ الرئيس عمل فترة غير قصيرة بالتعليم مارس مهنة التدريس وتكونت Sلديه نظرية تربوية لها أسسها
الفلسفية من حيث نظرتها Sإلى اإلنسان والمجتمع والمعرفة واألخالق.
وإ ن آراءه التربوية تعطينا الصورة المشرقة للفكر التربوي عند ابن سينا استناداً إلى ما قدمه لإلنسان
والمجتمع إضافة إلى ما تناوله في مؤلفاته عن التربية ،وعن ممارسته العملية التعليمية من مبادئ وأساليب
تربوية تبصر المعلمين بنفسية المتعلمين وبحاجاتهم الفردية واالجتماعية ،حيث إن دراسة العلوم التربوية تفيد
المعلمين الذين يدرسون Sسائر فروع العلم التي يتضمنها Sالمنهاج الدراسي Sألنها تزودهم Sبطرق ووسائل Sالتعليم
المالئمة ،وتسهل تحقيق األهداف العامة والخاصة التي تقوم عليها التربية.
ولكن من الحق القول :إن العصر الذي عاش فيه ابن سينا ،ساعده في إنتاج وافر ومتنوع على الرغم مما القى
ال أو
في حياته من القلق والظروف السياسية الصعبة ،فكتب في مجال الفلسفة المختلفة وفي الدين واللغة :مجم ً
ال ،ملخصًا أو شارحًا ،ناثرًا أو ناظمًا ،مبتدئاً من نفسه أو مجيبًا عن أسئلة وجهت إليه؛ فله في الموضوع الواحد
مفص ً
أكثر من كتاب أو رسالة ،وهذا ما أشار إليه الدكتور إبراهيم مدكور في مقدمته لمؤلفات ابن سينا بقوله« :ولعله بين
فالسفة اإلسالم أكثرهم خظًا من البحث والدراسة ،شغل به القدامى مؤيدين ومعارضين ،وعنى به المحدثون ناشرين
ومعلقين ،بيد أنه ال يكاد يذكر في شيء ما نشر من مؤلفاته نشرًا علميًا محققًا ،وأغلب ما ظهر منها إنما نشر على
عجل أو على أيدي غير المختصين ،وال يزال جانبها األكبر مخطوطًا أو في حاجة إلى نشر جديد.
وهذه المخطوطات موزعة بين أركان العالم األربعة في مصر ولبنان ،وإ يران ،والهند ،أو في روماS
ومدريد Sولندن وباريس Sوبرلين وموسكو S،وفي استانبول Sبوجه خاص منها قسط كبير».
-46-
والحق أن ابن سينا من الرجال القالئل في العالم اإلسالمي الذين يصح أن نسميهم (موسوعيين) أو كما
يسمون اليوم «كتاب دائرة المعارف »Sكما أكد الدكتور أحمد أمين بقوله :وهؤالء الموسوعيون نوعان :نوع وهو
األكثر يجمع ما كتب غيره ويبوبه ويصنفه كما فعل النويري في «نهاية األدب» والقلقشندي في «صبح األعشى»
ونوع آخر أرقى من ذلك وهو تأليف الموسوعة ال االقتصار على الجمع كما فعل الجاحظ :فقد ألف في شتى
الموضوعات األدبية واالجتماعية والتاريخية والكالمية؛ وال ينقص تأليفاته أن تكون دائرة معارف Sإال ترتيب
موضوعها حسب الحروف األبجدية؛ وكما فعل أبو علي ابن سينا فقد كان كذلك موسوعياً Sمؤلفاً ،وإ ن كان طابعه
األعم األغلب هو الفلسفة بجميع فروعها المعروفة في زمنه من إلهيات وطبيعيات وطب ونفس ومنطق ورياضة
وأخالق وتربية وغير ذلك .في كل هذا ألّف ابن سينا؛ «وقد يؤلف في الموضوع الواحد كتباً مختلفة مطولة
ومختصرة؛ يعتمد فيها على فلسفة اليونان ،وعلى تعاليم اإلسالم ،وعلى ابتكاراته الخاصة .ولم يصل البحث
الدقيق إلى الكشف عن رسم الحد الفاصل بين ما نقله وما ابتكره ،وقد منحه اهلل ،كما طلب هو ،حياة عريضة وإ ن
لم تكن طويلة ،فمع اتصاله بالسياسة واكتوائه بنارها ،ومع اشتغاله أحياناً باألعمال الحكومية ،وغير الحكومية،
فقد استطاع Sأن ينتج هذا النتاج الغزير العميق الواسع الذي ال يستطيع أن يقوم به متفرغ للبحث منقطع للدرس،
لكن فضل اهلل يؤتيه من يشاء»( جورج شحاته قنواتي ،1950S،مؤلفات ابن سينا).
إن البيئة التي عاش فيها ابن سينا ساعدته على تحقيق أهدافه القائمة على إيجاد اإلنسان الصالح ،من حيث هو
إنسان ،يصرف النظر عن كونه مواطنًا في هذا المكان ،أو في ذلك الزمان حيث كانت التربية اإلسالمية ،هي
السائدة في معاهد التعليم في ذلك العصر .ومن الحق أن نقول :إن القرن الرابع الهجري يعد من الناحية العلمية
والثقافية من أزهى العصور اإلسالمية وأكثرها إنتاجًا وأغزرها ثقافة وفكرًا .وفي شخصية ابن سينا متسع رحيب
للبحث والنظر ،قل أن نجد في تاريخ الفكر اإلنساني شخصية تعد لها اتساعًا وإ حاطة وعمقًا ،وهذا ما عني به
الباحثون قديمًا وحديثًا ،فقد ألفوا الكتب والرسائل والمقاالت ،إال أن اآلراء التربوية عنده لم يتناولها الباحثون
والمفكرون.
قد يعود هذا اإلغفال إلى أن ابن سينا ضمن آراءه التربوية في رسالة السياسة .وهذه الرسالة لم يكشف
مضمونها التربوي والتعليمي إال في عهد قريب جدًا ،حتى (ابن أصيبعة) أورد في (طبقاته) جملة رسائله
ومصنفاته ،لم يذكرها بينها ،ربما كان لعنوانها السياسة في األخالق السبب في عدم ذيوعها وانتشارها ،والذي ساعد
على كشف مضمونها المستشرق العالمة (كاراده فو) بعدما تحرى آثار ابن سينا في دور الكتب الغربية ،فأثبتها في
مؤلفاته وقال عنها« :إن ما وضعه ذلك اإلمام في الفلسفة األدبية لهو نزر قليل ،وإ نما يعرف له في هذا الباب رسالة
في األخالق مصونة في إحدى كنبخانات االستانة».
ومن المعتقد أن هذه الرسالة وجدت في هولندة بمكتبة (ليدن) ،وبيعت رسميًا إلى المسمى (محمد بن أحمد) سنة
408هـ وقد قامت مجلة المشرق لصاحبها األب لويس معلوف اليسوعي بنشرها في أعداد ثالثة في عام 1906م.
ثانياً :آراء ابن سينا التربوية
تضمنت Sرسالة Sابن سينا Sفي( Sالسياسة) Sتربية الولد Sمن مولده Sحتى خروجه Sإلى Sميدان العمل والكسب SفيS
جميع جوانب Sالحياة التربوية Sوالمهنية ،وتركز Sاهتمام Sابن سينا Sفيها Sباإلنسان Sوبتربيته Sوتحسين Sثقافته Sفي Sجميع
الفروع Sالعلمية ،وأن يتخصص Sفي Sفرع Sأو Sأكثر Sمن فروع Sالعلم Sوالمعرفة S.وأشار Sإلى أهم Sما يؤخذ Sبه الناشئS
من أنواع Sالتربية الجسمية Sوالخلقية والعلمية واألخالقيةS.
-47-
من هنا نستطيع القول :إن آراء ابن سينا التربوية تقوم على أساس نظرته لإلنسان والمجتمع والعلوم
المعرفية وما اهتمامه بتربية الطفل وما يتصل به من رضاع وفطام وتربية جسمية وأخالقية وذوقية إال دليل على
تمسكه بالجوانب التي تسهم في تربيته وتنمية ميوله وقدراته التربوية والمهنية وفق Sاألهداف المرسومة.
والحق Sأن هدف التربية Sعند ابن سينا :تعني Sنمو Sالفرد نمواً Sكامالً من جميع Sالجوانب الجسمية Sوالعقلية،
والخلقية ،على Sأن يتم Sإعداده ليؤدي Sواجبه في Sالمجتمع Sوفق Sالمهنة التي Sيرغب العمل فيها S،أو يختارها Sبنفسه،
وابن سينا Sبذلك Sيهدف Sإلى وجود Sالشخصية المتكاملة Sجسماً Sوعقالً وخلقاً حتى Sيتمكن الفرد Sمن تأدية المهام SالتيS
يقوم Sبها في Sعملية (البناء Sاالجتماعي)؛ ألن المجتمع يقوم Sعلى التعاون S،وعلى العالقة Sالموضوعية Sفي Sتبادل
اآلراء والخدمات Sبين أبنائه.
إن الكشف عن التراث العربي اإلسالمي ودراسة «اآلراء التربوية التي جاءت في مؤلفات الكتّاب
والفالسفة واألئمة عند المسلمين والعرب وخاصة (ابن سينا) تلك اآلراء التي يتضح من دراستها Sمدى قيمتها
ومدى اتفاقها مع المذاهب الفلسفية ،والتقاليد االجتماعية السائدة في العصور Sاإلسالمية والتي تدل على فطنة
هؤالء الكتّاب ،وسعة آفاقهم ،وعمق معرفتهم للطبيعة البشرية ،ولنفسية المتعلمين»( فتحية سليمان حسن ،بدون
الروضة
الرتبوي عند ابن سينا – م6 تاريخ ،مذاهب في التربية) لالستفادة من هذه المؤلفات في وضع منهج تربوي متكامل يبدأ من مرحلةالفكر
حتى الدراسة الجامعية ،هذا هو منهج ابن سينا ،وهذه هي طريقته وأسلوبه ،فما عرف في عصره واشتهر نجده
يتفق في طائفة من فلسفته األخالقية وأشهر Sفالسفتهم أرسطو S،وشيشرون وكونتليان ،كما نجد الفارابي يتأثر
بفلسفة أفالطون أكثر منهم.
وقد Sتناول ابن سينا في آرائه التربوية الفرد في جميع جوانب الحياة ،حيث دعا إلى العناية بتربيته منذ
والدته ،وإ لى تأديبه ،وتعويده على اتباع السلوك الحسن بالترغيب تارة والترهيب تارة أخرى ،وباإليناس Sحيناً،
والوحدة حيناً آخر ،وباإلعراض عنه ،واإلقبال Sعليه ،وبالحمد والتوبيخ ،على أن ال يتم اللجوء إلى العقوبة
البدنية ،ألن في ذلك إذالالَ للطفل ،وإ هانة لكرامته ،كذلك يوصي بأن يتناسب العقاب مع الذنب ويجب أن يشعر
المعلم الطالب المخطئ بذنبه كي يكون واثقاً من عطف المعلم عليه.
هذه بعض آراء ابن سينا التربوية وسنقف عندها بالتفصيل عند دراستنا Sاالتجاهات التربوية للكشف عن
آرائه في التربية والتعليم ،لعلها تفتح لنا صفحة نيرة من كتاب هذا الفيلسوف الخالد ،تبين موقعه من كبار
المربين ،كما هو بين كبار الفالسفة والنابغين ،وستكون كتبه ومؤلفاته ورسائله هي موئلنا ومصدرنا Sلهذه لدراسة
فابن سينا لم يكن طبيباً فقط بل كان مؤلفاً في علوم الدين واللغة والهندسة وطبقات األرض وإ ن كان قد
اشتهر بموسوعته العلمية الضافية في الطب والموسومة بـ «القانون» والتي تمثل خالصة الطب اليونانيS
والعربي ،وتمثل القمة التي وصلت إليها الحضارة العربية في فنون الطب تجربة ونقالً» (محمود أحمد السيد،
،1991في قضايا التربية المعاصرة).
-48-
فهو لم يترك موضوعاً من مواضيع عصره ومجتمعه إال وكتب فيه ،ترك لألمة الكثير من المؤلفات
والرسائل في شتى المواضيع Sومختلف المجاالت ،كان عبقرية ف ّذة ،اقتحمت بمالمحها القوية النادرة مسالك
الطريق الوعر الذي قادها إلى أعماق جذور Sالفكر اإلنساني Sالستكشاف Sالحقيقة وبيان ما عجز عنه اإلنسان العالم
في جميع المجاالت.
إن عبقرية ابن سينا الفلسفية «استلهمت الكثير من أصولها Sومناهجها من الفارابي -فيلسوف اإلسالم بال
منازع -وهذا ما اعترف به األستاذ الرئيس نفسه بعلو هذه التلمذة وتأثيرها عليه!( »...محمود عبد اللطيف،
،2007الفكر التربوي Sعند الفارابي) لقد كان أبو علي ابن سينا ثمرة من ثمار أبي نصر :تميز بقدراته واستيعابه
ومنهجيته في مختلف الموضوعات العلمية والمعرفية والتربوية.
إن آراء ابن سينا التربوية تهدف إلى إعداد اإلنسان الصالح وكماليته وشعوره بمسؤولياته وأن يكون عنصرًا
ال في بناء مجتمعه ،فالكمال اإلنساني عند ابن سينا هدف إنساني يتحقق من خالل التربية .وبشيء من التفصيل
فعا ً
يريد ابن سينا أن تكون التربية شاملة لكل وجه من الوجوه ،القراءة والكتابة وحفظ القرآن واألدب والشعر ،وإ تقان
للعلوم ،وتشبع لمكارم األخالق.
ويرى Sأبو علي ابن سينا أنه يجب على المعلم أن يستغل ميول الطفل الداخلية من أجل تعليمه وأن يهيء
تشرب
الجو األخالقي Sالذي يجنب الطفل اكتساب الشرور Sوأن يحميه من قرناء السوء ألن الطفل إذا خالطهم ّ
بأخالقهم دون أن يدري.
يشترط Sابن سينا في المعلم أن يكون نقياً ،وحكيماً ،وخالياً من األمراض والعاهات الجسمية وذكياً Sذا
مروءة ،كما يشترط Sعلى األب أن يكون حكيماً في تربية الطفل وأن يجيد اختيار مرضعته واالبتعاد عن كل ما
من شأنه أن يعكر صفاء حياته من أجل إسعاده وحسن تربيته.
مجمل القول :لقد أسهم ابن سينا من خالل كتابة السياسة في وضع قواعد التربية اإلسالمية ،وله في ذلك
آراء فلسفية وتربوية هامة يجب عدم إغفالها بل تهيئة الجو المناسب إلعداد الفرد كي يعيش ويحيا حياة كاملة،
فاإلعداد للحياة الكاملة هو الغرض الذي ترمي إليه التربية.
وقد Sوضع (هربرت سبنسر) الفيلسوف اإلنكليزي عوامل لتلك الحياة اإلنسانية الكاملة ،وفيها على حسب
أهميتها هكذا:
-1األمور التي تستخدم مباشرة لحفظ النفس.
-2األمور التي تستخدم عرضاً لحفظ النفس والحصول Sعلى ضروريات Sالحياة.
-3األمور التي تتضمن حفظ الصالت المتينة والعالقات Sالسياسية واالجتماعية.
-4األمور التي تجعل وقت الفراغ جزءاً من الحياة ،وتخصصه بإرضاء حواس اإلنسان وتهذيب عواطفه
وأذواقه.
-49-
إذا كانت الفلسفة في أصل وضعها بلغة اليونان تعني (صوفيا) Sophiaفإن الفلسفة التي تطورت من النظر
في أصل الموجودات لدى طاليس ،وديموقريطس ،وهرقليطس ،وأمبوذقليس ففيثاغورث ،أولئك الذين قرروا أن
الذرة ،أو الماء والنار ،والهواء والتراب مجتمعة ،أو أنه العدد؛ هؤالء يسمون
مبدأ الوجود ،الماء ،أو النار ،أو ّ
من الباحثين في الفلسفة(علي شلق ،2003 ،أبو حيان التوحيدي).
الفيلسوف كما جاء في تعريف علي شلق «هو الذي يحيط بمعارف عصره ،ويتأمل في كونه مجتمعاً،
تاريخاً ،أمماً غيباً ،مبدأ نهايةً ،وفي Sالذات من حيث داخلها النفس ،العقل ،الروح ،الحلم ،الوهم ،الرؤيا ،الحدس،
الظهر ثم يأخذ ببناء قلعة فلسفته شمولياً ،وليس هذا فحسب بل أن يح ّل مشاكل الكون وعقده برأيه مهما كان
جامحاً أو معقداً أو غريباً»(علي شلق ،2003 ،أبو حيان التوحيدي) .وهذا يؤكد أن أفالطون كان من أوائل
علماء الفلسفة ،ولم يعرف في العلم الفلسفي أسبق منه في هذا علم ،وفي الحضارة اإلسالمية ظهر ابن سينا
الفيلسوف تام الشروط Sوعظيم العظماء وهو بحق في طليعة رجال الفلسفة عند العرب.
إن فلسفة التربية تحدد للمربين اإلطار التوجيهي لألنشطة التي سيقومون بها ،وهي بذلك توفر البنية
العميقة للتربية ،وينبغي أن تسري فيها كما يسري الماء في العود األخضر.
يSعSتSبSر SاSبSن SسSيSنSا SمSن SأSغSزSر SفSالSسSفSة SاSإلSسSالSم SإSنSتSاSجSاً SوSأSكSثSرSهSم SتSنSوSعSاً S،SكSتSب SفSي SعSلSم SاSلSمSنSطSق SوSعSلSم SاSلSطSبSيSعSةS
وSعSلSم SاSلSنSفSس SوSاSلSرSيSاSضSيSاSت SوSاSإلSلSهSيSاSتS( SمSا SبSعSد SاSلSطSبSيSعSة S)SوSمSشSكSالSتSهSا SاSلSمSسSتSعSصSيSة S،SوSاSتSجSه SنSحSو SاSلSفSلSسSفSة SاSلSعSمSيSلSةS
فّ SدSوSن SرSسSاSئSل SمSتSفSرSقSة SفSيSهSا S.S.S.SوSأSلSف SفSي SاSلSطSب SوSمSوSضSوSعSاSتSه SنSثSرSاً SوSشSعSرSاً S،SوSاSتSجSه SإSلSى SاSلSتSفSسSيSر SاSلSقSرSآSنSي Sفّ SدSوSن SفSيSهS
مSجSمSوSعSة SمSن SاSلSرSسSاSئSل S،SوSكSذSلSك SعSن اSلSلSغSة SوSعSالSقSتSهSا SبSاSلSفSكSرS.S
والفلسفة بمعناها عند المسلمين في العصور الوسطى Sكانت من علوم الخاصة ،والفالسفة أنفسهم أصروا
على ذلك ،ونهوا العوام عن االنشغال بها ،وحددوا Sبعض الشروط للمشتغل بها وما يجب أن يدرسه قبل أن يتعلم
الفلسفة ،إن فلسفة التربية ينبغي أن تكون جزءاً من رؤيتنا العامة للحياة واألحياء ،كما ينبغي أن تكون في الوقت
نفسه منفتحة على ما يتراكم Sمن الخبرات في الوعي التربوي العالمي.
إن التربية اإلنسانية تتجاوز حدود الواجبات والحقوق ،لتسمو إلى آفاق مراعاة المشاعر والظروفS
والهموم« ،إنها نوع من الشهامة والمروءة والتذمم أو هي -كما سماها القرآن الكريم -درجة الفضل قال
تعالى :وال تنسوا الفضل بينكم إن اهلل بما تعملون بصير [سورة البقرة :اآلية.]237
إن الفلسفة التربوية كما يريدها الشيخ الرئيس تقوم على تنشئة اإلنسان الصالح الذي له سلوك واحد،
وتعامل واحد ،ومعايير واحدة ،فاإلنصاف ،واألمانة ،والعدل ،وأداء الحقوق والنصح واإلحسان ،وإ غاثة
الملهوف ،ورعاية حقوق الغير ،وما شاكل ذلك من كريم الصفات مقومات أساسية يجب أن تتجلى في سلوك
المربي في مختلف االتجاهات.
إن النظريات التربوية ،ال تعدو أن تكون أدوات في يد الفلسفة التربوية وهي مثل كل األدوات ،تستمد
قيمتها من مدى إمكانية تطبيقها ،ومن تحقيقها للغايات التي نشأت من أجلها؛ ولذا فإنها تصلح في مرحلة وال
مر على الناس زمان كان لهم المسيطر عليهم
تصلح في أخرى ،وقد تصلح في بلد ،وال تصلح في بلد آخر ،وقدّ S
هو استيعاب الواقع الموضوعي Sوفهمه ،لكن القرآن الكريم يشير إلى أن علينا أن نغير من هدف العلم ومن هدف
التربية ،وأن نضيف إلى محاولة فهم العالم محاولة تغييره (عبد الكريم بكار ،2001،التربية والتعليم ،) Sكما في
قوله سبحانه :إن اهلل ال يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم [سورة الرعد:اآلية .]11
-50-
إن نظرية ابن سينا الفلسفية التربوية تمثل نزوعًا إنسانيًا عميقًا نحو إصالح الفرد ،وإ صالح محيطه وتقويم
اعوجاجه -وسد حاجاته ،والمحافظة عليه قال سبحانه :فلما نسوا ما ّ
ذكروا به ،أنجينا الذين ينهون عن السوء
بئيس بما كانوا يفسقون[ سورة األعراف :اآلية .]165
ٍ وأخذنا الذين ظلموا بعذاب
عSلSى SاSلSرSغSم SمSن Sأن SاSلSعSاSمSل SاSلSمSشSتSرSك SبSيSن SاSلSفSلSسSفSة SوSاSلSتSرSبSيSة SيSقSوSم SعلSى SاSلSتSوSفSيSق SبSيSن SاSلSحSكSمSة SوSاSلSتSرSبSيSة SاSلSحSقةS
اSلSتSي SتSتSطSلSب SاSلSقSدSرSة SعلSى SاSلSعSمSل S،SوSقSوSة SفSي SاSلSحSكSم S،SوSحSسSن SاSلSبSصSيSرSة S،SوSبSعSد SاSلSنSظSر S،SوSاSلSتSحSلSي SبSاSلSعSاSدSاSت SاSلSصSاSلSحSةS،S
وSاSألSخSالSق SاSلSفSاSضSلSة S:SمSن SاSلSنSشSاSط SوSاSلSمSثSاSبSرSة S،SوSاSألSمSاSنSة S،SوSاSالSعSتSمSاSد SعلSى SاSلSنSفSس S،وSاSلSعSنSاSيSة SبSاSلSصSحSة S،SوSاSلSطSاSعSةS
اSلSمSعSقSوSلSة S،SوSأSدSاSء SاSلSوSاSجSب S،SوSإ رSضSاSء SاSلSضSمSيSر SفSي SاSلSسSر SوSاSلSعSالSنSيSة S،SوSبSهSذSه SاSلSتSرSبSيSة SيSسSتSطSيSع SاSلSفSرSد Sأن SيSنSتSفSع SبSعSلSمSهS
فSي SحSيSاSتSه SاSلSعSمSلSيSةS.
ومن هنا ندرك الحقيقة التي لمسناها في الفيلسوف الحكيم (ابن سينا) حين جمع بين المبادئ التربوية التي
تتطلبها التربية الحقة وبين الفكر الفلسفي الذي تبناه ومن هنا يبدو واضحاً أن أي بناء فلسفي ال يستقيم إال في ٍ
جو
تتوافر Sفيه مناخات فكرية معينة ،تتسم بالرقي Sواالتزان ،والبعد عن اإلرهاص والقلق ،وتعيش جوها العلمي
واالجتماعي بحرية واختيار بحيث يساعد هذا التقدم واالنفتاح على ازدهار Sالذهنيات الستقبال ما هو جديد
وطريف Sفي ظل حضارة متنامية عالمة هاضمة»( إبراهيم مدكور ،1947،الفلسفة اإلسالمية منهج وتطبيق).
تناول الشيخ الرئيس في الفكر الفلسفي جوانب متعددة ،وآثاره الكثيرة خاصة ما يتعلق منها بالمشكالت
المعقدة.
-51-
إنتاج Sابن سينا Sوافر Sومتنوع Sشمل جميع Sالمجاالت ،ولعله بين فالسفة اإلسالم Sأكثرهم Sحظأ Sمن البحث
والدراسة Sواستثمار Sالمعارف Sفي Sالكسب Sواالرتزاق S،ليتذوق Sالناشئ Sحالوة Sالكسب بالصناعة Sوالجد SواالعتمادS
على Sالذات ،وهذا Sفي Sالحقيقة ما Sترمي Sإليه فلسفة التربية Sقديماً Sوحديثاً S،وعلى التربية Sأن تأخذ Sاستعداد SالطالبS
فيوجه Sبحسب ذلك Sواألخذ Sبعين وأن توجهه بحسب Sاالستعداد S،وأن ينظر Sإلى ما Sيراه أن تكون Sصناعتهُ ،
االعتبار ميوله Sواستعداداته Sومواهبه S،فالتربية Sالصحيحة هي Sالتي تقوم Sعلى معرفة Sغرائز Sاإلنسان وميوله Sألن
الغاية من التربية هي Sالعمل ،وابن سينا Sفي Sذلك Sال يختلف Sعن غيره من فالسفة المسلمين Sفي Sاألخذ بمبادئ Sهذه
التربية مما Sيعين في Sالتأديب والتهذيب Sوالحث Sعلى Sالبر واصطنSاع Sالمعروف S،وكل ما Sفيه مكارم SاألخالقS.
ابن سيناَ ،علَ ٌم جليل من أعالم اإلسالم الموسوعيين الذي تنوع فيهم عطاء اهلل وتعددت في اهتماماته فروع
المعرفة والثقافة حتى قيل إنه لم يظهر علم من العلوم أو فن من الفنون في عصره إال وترك فيه مؤلفاً أو رسالة،
إن التربية السيناوية تميزت بأنها تناولت حياة اإلنسان منذ لحظة والدته ،وهذا يشير إلى اهتمامه بإنسانية اإلنسان
وإ يصالها إلى المستوى المطلوب خالل دراساته لقضايا الفكر الفلسفي ،منها ما يتعلق بعلم المنطق ،وعلم
الطبيعة ،وعلم النفس وعالج من وجهة نظر الفلسفة التربوية مالمح التربية المالئمة المستقبلية ،ألن إدراك ما هو
مطلوب لسد حاجات األمة يعتمد على إحراز (رؤية تركيبية) مشكلة من عناصر ثقافية واجتماعية وسياسية
واقتصادية كثيرة تندرج في مجال مواجهة العقبات التي تواجه التقدم التربوي ومتطلبات Sاألمة وحاجاتها،
والقضايا التي يجب أن تعطي األولوية في المعالجة واإلصالح.
وهكذا يكون ابن سينا قد حاول أن يوجد منهجية علمية يحقق عن طريقها الغايات التي سعى إليها وبالتاليS
يكون منهجاً يطالب فيه كل فرد في كل زمان ومكان من خالل:
-تحصيل العلم والسعي إليه :لتحقيق هدف اإلنسان وغاياته.
-نشدان العلم اليقين :القائم على معرفة طبائع األشياء.
-الربط بين النتائج واألسباب ،لتحقيق هدف الفكر التربويS.
لهذا نجد ابن سينا في كتاباته يدعو إلى التعقل في مختلف الظواهر اإلنسانية والطبيعية على السواء ،لقد
وضعنا ابن سينا أمام مذهب تربوي Sواضح األهداف ومحدد Sالمعالم ،نابع عن فلسفة مدركة لمستلزمات Sالعملية
التربوية وأبعادها من ناحية ،ولطبيعة الكائن البشري Sوفطرته من ناحية أخرى ،إنه أحد المبادئ الحديثة في
التربية والمختص بمراعاة طبيعة المتعلم.
-52-
والحق أن ابن سينا كان رائدًا في مختلف االتجاهات العلمية والتربوية ترك تراثًا ضخمًا ما بين مطبوع
ومخطوط سيبقى المنارة المضيئة على مر الزمان واألجيال ،عالج في مؤلفاته مكونات الفكر التربوي والنفسي في
جميع الجوانب اللغوية والعلمية واألخالقية والجسمية وأبرز المضامين التي ينطوي عليها هذا الفكر من إيداع فكري
أسهم في تكوين الفكر العربي الخالق ،ويركز على مكانة التربية في تشكيل شخصية الطفل العربي ورعايتها
وترسيخ مكانتها االجتماعية باعتبار أن الطفل ثروة وطنية وقومية يمكن أن تستثمر لصالح ترقية وإ نماء المجتمع
ال.
العربي حاضرًا ومستقب ً
لقد استمد ابن سينا أصول وتكوين التربية العربية اإلسالمية من مصدرين هما:
-القرآن الكريم كتاب اهلل العزيز وهو المنبع األساسي Sالذي يحتوي Sعلى كل ما يتصل بشؤون اإلنسان
الحياتية والدنيوية والحياة اآلخرة ،وهو األصل في تشريع القوانين وتحديد األحكام والحقوق Sلبني البشر وفيه بيان
دقيق للكون والحياة واإلنسان وبه ومن خالله استطاع اإلنسان المسلم أن يفهم حقيقة وجوده وينظم Sعالقاته مع
بيئته الطبيعية واالجتماعية وأن يرسم صورة حياته وكينونته.
-السنة النبوية الشريفة وهي ما أثر عن النبي من قول أو فعل وهي مصدر متكامل مع القرآن الكريم
وترجمة فعلية ألحكامه وهي استلهام من الوحي المنزل من عند اهلل باالستناد إلى قوله تعالى بحق النبي صلوات اهلل
عليه وما ينطق عن الهوى إن هو إال وحي يوحى[ سورة النجم :اآلية 3ـ .]4
اهتم الشيخ الرئيس بدراسة وتحليل سمات مرحلة الطفولة وكانت آراؤه مبنية على أساس المالحظة
والحدس واستلهام ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية لتشكل هذه اآلراء نسقاً فكرياً Sأشبه ما يكون بنظرية
وكما يوصفها محمود Sقنبر (لم تصل إلينا هذه النظرة في بنية فكرية كاملة بذاتها اصطلح عليها المربون ،ويمكن
نسبتها إلى مصدر Sواحد ،أو إلى مفكر تربوي معروف S،أو إلى منظر فلسفي بشر فيها وروج لها ،أو إلى هيئة
تربوية اشتغلت بها ..لقد جاءت إلينا في شكل معان أولية مستلهمة من كتاب اهلل عز وجل وسنة رسوله وقد Sوقف
تكون فيما بينها مبادئ
أمامها نفر من العلماء المسلمين بالبحث والنظر فحولوها إلى مفاهيم متوافقة ومتآلفة ّ
النظرية التربوية الخاصة بتربية الطفل.
إن اهتمام أعالم التراث بتربية الطفل يشير إلى خلق الجو المالئم للطفل ليعيش حياة سعيدة من حيث:
-1البناء العقلي والنفسي واالجتماعي الذي يتجلى في التوحد مع قيم األسرة والقبيلة كوحدتين اجتماعيتين
متكاملتين لها قوانينها ونظمها Sوسلطانها Sالخاصة وما على الفرد إال التمسك بها والذود Sعنها حفاظاً على أمنه
وسالمة شخصيته من االضطهاد Sوالعنف الذي قد يتعرض عليه في المجتمع.
-2البناء الجسمي والمهاري للطفل الذي يجعل منه شخصية قادرة على التكيف مع متطلبات البيئة في
مختلف المجاالت لكي يكون في مأمن من المخاطر Sالتي قد يتعرض عليها في تنظيم شؤون حياته.
حصل كثيراً ،وألف
من هنا نستطيع القول :إن ابن سينا من الرواد األوائل في التراث العربي اإلسالمي ّ
كثيراً ،وعني بشؤون السياسة ،وامتاز باالعتداد بالنفس ،وبالطموح إلى المجد ،هدف إلى إيجاد اإلنسان الصالح
بتربيته كفرد مع األخذ بعين االعتبار جميع المكونات التي تدخل في تركيبه.
لقد اتسم تراث أمتنا العربية بالعراقة؛ إذ إنه نشأ قبل ألوف السنين على األرض العربية ،وبقي متنامياً عبر
الزمان والمكان؛ معبراً عن ذاته في عدد كبير من الحضارات قبل أن يتحد في النهاية في حضارة عربية إسالمية
واحدة ذات ثقافة واحدة شملت األرض العربية كلها.
-53-
كما Sاتسم Sبقدرته على استيعاب Sالثقافات Sاألخرى Sمن فلسفة اإلغريق Sوعلومهم Sإلى Sحكمة الهند وفكرهSاS
إلى آداب الفرس ونظمها؛ Sوقد Sتفاعلت ثقافتنا Sمع هذه الثقافات دون Sأن تفقد هويتها Sأو Sتذوب Sأو تفقد أصالتها؛S
وطبعت Sذلك كله بالطابع Sالعربي Sمبرهنة على قدرة Sفائقة في Sالتطور Sوالنمو Sواستيعاب Sالمحدثات Sفي SمجالS
العلوم Sوالثقافة والفنون Sواآلداب؛ وصمدت Sأمام محاوالت Sالتشويه Sواالستالب؛ Sواجتازت Sبنجاح Sالمعادلة
الصعبة بين الحوار Sالمكافئ Sواألخذ Sاإليجابي Sعلى Sالثقافات األخرى S،وبين Sالرفض القاطع Sلمحاوالت Sطمس
الهوية.
والحق أن ابن سينا (الشيخ الرئيس) يؤمن باالنفتاح الرحب على الثقافات اإلنسانية التي كانت على الدوام
ذات سمات إنسانية ،ولن نضيف Sجديداً إذا ذكرنا أن هدف أمتنا العربية إنما يقوم على االنفتاح الحضاري
اإلنساني؛ فمن أرضها Sقامت الفتوحات وعبرها مرت وتعرضت لمحن واجتياحات ،ومع ذلك كله بقيت تقدم
للعالم أنموذجاً Sاجتماعياً إنسانياً يؤكد انفتاح اإلنسان على أخيه اإلنسان وظلت تحمل راية الحياة المعطاة؛ راية
األخوة اإلنسانية ،لقد عبر (ابن سينا) تعبيراً صادقاً عن الفكر اإلسالمي ولهذا الفكر خصائصه ومميزاته .أخذ
وألم بالثقافة اإلسالمية الشاملة المعاصرة له ،وهضمهاS
عن اليونان والرومان ،كما تأثر بالفرس والهند والسريانَّ ،
خير هضم ،ثم ترجم عنها ترجمة صادقة ،فكتب في الطب والكيمياء والطبيعة وعلم األحياء ،والفلك والرياضة
واألخالق والسياسة.
إن ثقافة ابن سينا ثقافة إنسانية واسعة األفق ،ال تخشى األخذ عن الغير ما دامت تؤمن بنفسها ،كما ال
تخشى أن يؤخذ عنها فتستفيد Sوتفيد ،ومن هنا كان ابن سينا مفكراً عالمياً ،يرتفع عن حدود الزمان والمكان ،وال
غرابة فهو عالم وفيلسوف؛ والعلم والفلسفة الحقة ال وطن لها ،ففلسفته هي فلسفة اللغة العربية منذ القرن الخامس
الهجري إلى أوائل القرن الحالي ،وما يقال عن العربية يمكن أن يقال عن الفارسية التي تعتبر لغة ابن سينا
األصلية ،فكتب بها وألف ،وما لم يكتبه ترجمه الفرس إليها من بعده ،وتعلقوا بتراثه جميعه ،إن في الطب أو في
الفلسفة أو التربية .وعن طريق العربية والفارسية امتد أثره إلى التركية ،فتتلمذ له األتراك بدورهم ،ورددوا
آراءه وتعاليمه ،وأشير إلى أن مكتبات استانبول تعد أكبر مصدر آلثاره ومخلفاته.
وSيSرSى SاSلSشSيSخ SاSلSرSئSيSس Sأن SاSألSهSدSاSف SاSلSتSرSبSوSيSة Sال SتSتSحSقSق SفSي SفSرSاSغ S،SإSذ SبSدSوSن SمSحSتSوSى SمSالSئSم SتSظSل SاSألSهSدSاSفS
شSعSاSرSاSت SغSيSر SقSاSبSلSة SلSلSتSطSبSيSق SفSي SدSنSيSا SاSلSوSاSقSع S،SوSعSلSى SعلSمSاSء SاSلSتSرSبSيSة SفSي SاSلSعSاSلSم SاSإلSسSالSمSي SأSن SيSقSوSمSوSا SبSإSضSاSفSاSتS
جSدSيSدSة SكSل SفSي SمSيSدSاSن SتSخSصSصSه S،SوSأSن SيSكSوSن SاSلSمSحSتSوSى SصSاSدSقSاً SبSعSكSس SحSقSيSقة SاSلSعSلSم SاSلSذSي SيSنSتSمSي SإSلSيSه S،SإSذ Sال SشSيSءS
أSخSطSر SعلSى SاSإلSسSالSم SمSن SاSلSسSطSحSيSة SبSمSعSنSى SأSن SاSالSسSتSشSهSاSد SبSبSعSض SاSآلSيSاSت SوSاSألSحSاSدSيSث SدSوSن SإSدSرSاSك SصSحSيSحS
لSمSقSاSصSدSهSا SيSضSر SأSكSثSر SمSمSا SيSنSفSع S.SإSن SاSلSطSرSيSقSة SاSلSتSي SتSنSقSل SمSحSتSوSى SمSعSيSنSاً SلSإلSنSسSاSن SوSتSعSتSمSد SفSي SطSبSيSعSتSهSا SعلSىS
اSألSهSدSاSف SاSلSتSرSبSوSيSة SبSتSزSوSيSدSه SبSاSلSحSقSاSئSق S،SفSإSن SاSلSمSحSتSوSى SيSهSتSم SبSكSمSيSة SاSلSحSقSاSئSق SاSلSتSي SيSقSدSمSهSا S،SأSمSا SإSذSا SكSاSن SاSلSهSدSف SتSحSلSيSلS
اSلSظSاSهSرSة SوSاSلSتSعSرSف SعلSى SأSسSبSاSبSهSا SوSاSسSتSخSالSص SاSلSنSتSاSئSج SفSإSن SاSلSمSحSتSوSى SيSنSظSم SبSطSرSيSقSة SتSمSكSن SاSلSدSاSرSسSيSن SمSن SرSبSطS
اSألSسSبSاSب SبSاSلSنSتSاSئSج S،SوSاSلSتSرSبSيSة SاSلSتSي SتSعSنSى SبSاSلSجSاSنSب SاSلSنSظSرSي SمSن SاSلSمSعSرSفSة Sال SتSبSيSن SلSلSدSاSرSسSيSن SاSلSكSيSفSيSة SاSلSتSي SيSمSكSن SأنS
تSطSبSق SبSهSا SتSلSك SاSآلSرSاSء SفSي SاSلSحSيSاSة SاSلSعSمSلSيSة SوSتSحSقSق SاSلSفSاSئSدSة SبSمSعSنSى SأSن SمSحSتSوSى SاSلSعSلSوSم SاSلSتSرSبSوSيSة SيSجSب SأSن SيSعSكSسS
مSخSتSلSف SاSلSطSرSاSئSق SاSلSمSسSتSخSدSمSة SفSي SاSكSتSسSاSب SاSلSمSعSرSفSة S،SوSأSن Sال SيSقSف SعSنSد SوSاSحSد SمSنSهSاS.S
-54-
بSذSا SيSصSنSف SاSبSن SسSيSنSا SاSإلSنSسSاSن SبSقSوSلSه S:هSو SعSاSلSم SقSاSئSم SبSذSاSتSه S..S.Sله SكSيSاSن SخSاSص SمSسSتSقSل S،SوSفSيSه SقSوSى SدSفSيSنSة SلهS
آSمSاSله SوSآSالSمSه S،SوSلSه SأSفSرSاSحSه SوSأSتSرSاSحSه S،SوSلSه SخSيSاSالSتSه SوSأSحSالSمSه S.S.SلSقSد SنSظSر SإSلSى SاSإلSنSسSاSن SنSظSرSة SعSاSلSيSة SفSيSهSا SإSكSبSاSر SلهS
وSإ جSالSل S،SوSفSيSهSا SإعSجSاSب Sبه SوSاSحSتSرSاSم SلSشSأSنSه S،SوSاSإلSنSسSاSن SفSي SرSأSيSه SلSيSس SاSلSبSدSن S،بSل SذSلSك SاSلSجSوSهSر SاSلSوSاSحSد SاSلSذSي SيSسSكSنS
اSلSبSدSن S،وSاSلSذSي SيSدSعSى SاSلSنSفSس SاSلSنSاSطSقSة S..S.S.فSتSلSك SهSي SاSإلSنSسSاSن SعلSى SاSلSتSحSقSيSق S(SاSبSن SسSيSنSا S،SبSدSوSن SتSاSرSيSخ S،SاSإلSشSاSرSاSت SمSنS
اSلSجSزSء SاSألSوSلS.S)S
فSاSلSتSرSبSيSة SكSمSا SيSرSاSهSا SاSبSن SسSيSنSا SتSبSدSأ SبSاSإلSنSسSاSن SمSن SحSيSث SهSو SإSنSسSاSن S،SثSم SتSعSمSل SعلSى SإSيSصSاSلSه SإSلSى SكSمSاSلSهS
اSإلSنSسSاSنSي SكSي SيSتSمSكSن SمSن SتSحSقSيSق SاSلSخSالSفSة SفSي SهSذSه SاSألSرSض S،SوSبSهSذSا SتSكSوSن SعSصSرSنSة SاSلSتSرSاSث SكSمSا SيSرSاSهSا SاSبSن SسSيSنSاS
مSتSمSثSلSة SفSي SإعSطSاSء SقSيSمSة SوSظSيSفSيSة SذSاSت SتSأSثSيSر SوSتSأSثSر SفSي SجSمSيSع SمSرSاSحSل SاSلSحSيSاSة SاSإلSنSسSاSنSيSة SفSعSمSلSيSة SاSلSتSرSبSيSة S،SهSي SتSنSمSيSةS
شSخSصSيSة SاSإلSنSسSاSن SعلSى Sأن SتSتSمSثSل SكSل SاSلSجSوSاSنSب SاSلSتSرSبSوSيSة S،SفSي SاSنSسSجSاSم SوSتSكSاSمSل SتSتSوSحSد SمSعSه SطSاSقSاSت SاSإلSنSسSاSنS
وSتSتSضSاSفSر SجSهSوSدSه SلSتSحSقSيSق SهSدSف SوSاSحSد SتSتSفSرSع SعSنSه SوSتSعSوSد SإSلSيSه SجSمSيSع SاSلSجSهSوSد SوSاSلSتSصSوSرSاSت SوSضSرSوSب SاSلSسSلSوSكS
اSلSشSخSصSيS.S
-55-
:مراجع الفصل الثاني باللغة األجنبية
- The works o aristatle translatedirto englishvder the editorship of sir david ross. Axford 1908.
- Rovesr dictionary of philosophy new york 1942.
- Supple ment aux diction vairesarafes leide 1881.
- 1B. N siema. Eggmr،essaisur l' Hlistorire dela critique chezlesgrecs Paris 1886.
-56-
الفصل الثالث
أثر ابن سينا العلمي والتربوي في الشرق والغرب
مقدمة.
-57-
أثر ابن سينا العلمي والتربوي في الشرق والغرب
اSبSن SسSيSنSا SمSفSكSر SعSاSلSمSي SكSاSن SوSال SيSزSاSل SمSوSضSع SدSرSس SوSتSقSدSيSر SفSي SاSلSعSاSلSمSيSن SاSإلSسSالSمSي SوSاSلSمSسSيSحSي S،SوSفSيS
اSلSمSنSظSمSاSت SوSاSلSهSيSئSاSت SاSلSدSوSلSيSة S،SهSذSه SاSلSمSكSاSنSة SاSلSعSلSمSيSة SحSمSلSت SدSوSل SاSلSعSاSلSم SإSلSى SتSخSلSيSد SذSكSرSاSه SخSاSصSة SذSكSرSى SمSوSلSدSهS
وSوSفSاSتSه SلSمSا SاSتSصSف SبSه SمSن SذSكSاSء SمSتSوSقSد S،SوSمSوSهSبSة SفSذSة S،SتSعSلّSم SاSلSقSرSآSن SوSاSألSدSب SوSهSو SاSبSن SعSشSر SسSنSيSن S،SوSتSعSلSم SحSسSاSبS
اSلSهSنSد S،SوSاSشSتSغSل SبSاSلSفSقSه S،SوSتSرSدSد SفSيSه SعSلSى SإSسSمSاSعSيSل SاSلSزSاSهSد S،SحSتSى SأSلSف SطSرSق SاSلSمSطSاSلSبSة SوSوSجSوSه SاSالSعSتSرSاSض SعSلSىS
اSلSمSجSيSب SعSلSى SاSلSوSجSه SاSلSذSي SجSرSت SعSاSدSة SاSلSقSوSم SبSه S،SثSم SاSبSتSدSأ SبSكSتSاSب SإSيSسSاSغSوSجSي SعSلSى SاSلSنSاSتSلSيS( SأSبSو SعSبSد SاSهللS
اSلSنSاSتSلSيS،SبSدSوSن SتSاSرSيSخ S،SتSاSرSيSخ SحSكSمSاSء SاSإلSسSالSم S.S)SوSاSسSتSمSر SعSلSى SطSرSيSقSتSه SاSلSخSاSصSة SيSعSلSم SنSفSسSه SوSيSثSقSفSهSا S،SوSيSقSوSلS:S
«SوSصSاSرSت SأSبSوSاSب SاSلSعSلSوSم SتSتSفSتSح SعSلّ Sي S،SثSم SرSغSبSت SفSي SعSلSم SاSلSطSب S،SوSصSرSت SأSقSرSأ SاSلSكSتSب SاSلSمSصSنSفSة SفSيSه S،SوSعSلSمS
يS
اSلSطSب SلSيSس SمSن SاSألSمSوSر SاSلSصSعSبSة S،SفSال SجSرSم SأSنSنSي SبSّ SرSزSت SفSيSه SفSي SأSقSل SمSدSة S.S.S.SوSتSعSهSدSت SاSلSمSرSضSى S،SفSاSنSفSتSح SعSلّ S
مSن SأSبSوSاSب SاSلSمSعSاSلSجSاSت SاSلSمSقSتSبSسSة SمSن SاSلSتSجSرSبSة SمSا Sال SيSوSصSفS(S»SأSبSو SعSبSد SاSهلل SاSلSنSاSتSلSي S،SبSدSوSن SتSاSرSيSخ S،SتSاSرSيSخ SحSكSمSاSءS
اSإلSسSالSم S.S)SوSلSمSا SبSلSغ SسSت SعSشSرSة SسSنSة SكSاSن SقSد SأSلّ Sم SبSمSا SشSاSء SمSن SاSلSعSلSوSم S.SوSكSاSنSت SنSجSاSبSتSه SوSذSكSاSؤSه SوSفSطSنSتSه SقSد SلSفSتSتS
إSلSيSه SاSألSنSظSاSر SمSنSذ SعSهSد SمSبSكSر S،SحSتSى SإSّ Sن SاSلSنSاSتSلSي SنSصSح SلSوSاSلSدSه SأSال SيSشSغSلSه SبSغSيSر SاSلSعSلSمS(S»SأSبSو SعSبSد SاSهلل SاSلSنSاSتSلSي S،SبSدSوSنS
تSاSرSيSخ S،SعSيSوSن SاSألSنSبSاSءS.S)S
أوالً :أثر ابن سينا العلمي والتربوي في الشرق
ماعرف عن ابن سينا من الدأب والصبر يفوق كل تصور ،فهو اليعرف الملل وال ينزل بساحته الضجر،
وبذا يقول عن نفسه حين توفر على العلم« :وفي هذه المدة ما نمت ليلة واحدة بطولها ،وال اشتغلت في النهار
بغيره».
هذه الصورة التي رسمها ابن سينا تجلت في الحضارة العربية الزاهرة ،راسخة الجذور ،باسقة الفروع،
شملت مختلف أنحاء العالم ما بين سور الصين شرقاً إلى جبال البرانس في الغرب ،وهو يتحدث ويعلم ويملي
على تالميذه ويؤلف Sالكتب باللغة العربية المبينة ،لغة العلم والحضارة في كل أرجاء هذه الرقعة الواسعة من
األرض.
إن الشيخ الرئيس الذي قضى Sفترة غير قصيرة في صحبة الملوك واألمراء ،كان يتصف Sبغزارة إنتاجه،
وتنوعه ،وإ حاطته ،وابتكاره ،وقدرته الفائقة في سرعة التأليف مع التجويد Sواإلتقان.
كانت إحاطته بالعلوم Sشاملة وضع مؤلفاته في شتى العلوم التي عرفها عصره ،فقد ألف في الطب ،وفيS
الفلسفة بكل أبوابها ،وفي الدين والزهد والتصوف والكيمياء ،وفي Sاللغة والنحو.
هذه المكانة التي بلغها ابن سينا بمؤلفاته وكتبه ،حظيت بعناية العلماء تحقيقاً وشرحاً Sوانتشاراً ،فأقيمتS
المناسبات تخليداً لذكراه وتقديراً للفيلسوف الحكيم بمكانته العلمية والتربوية ،وبما قدمه في شتى البيئات العلمية
والفكرية.
-58-
لقد عرفت أوربا في العصور Sالوسطى ابن سينا وكرمته ورفعت Sمن شأنه ،وإ ن صورته المرسومة على
جدران مكتبة جامعة أكسفورد Sبين أعاظم رجال العالم وفالسفتهم لترمز إلى هذا التقدير الذي حبته به أوربا Sفي
تلك العصور Sالسابقة».
-ففي المجال العلمي الفلسفي والتربوي:
يعتبر ابن سينا من أغزر فالسفة العرب ،فهو مفكر عالمي ،يرتفع عن حدود الزمان والمكان ،وال غرابة
في ذلك فهو عالم وفيلسوف؛ والعلم والفلسفة الحقة ال وطن لهما ،ففلسفته هي فلسفة اللغة العربية من القرن
من عند ابن سينا – م7 الخامس الهجري إلى أوائل القرن العشرين درس في تونس والقاهرة ودمشق وبغداد ،ولم يكن أثر طبهالفكربأقل
الرتبوي
أثر فلسفته ،وربما Sكان أشد وأوضح ،فكتابه (القانون) اتخذ مرجعاً لألطباء في البالد العربية وحتى يومنا هذا في
كل ما يتعلق بعلم الطب ،وطرق Sالعالج.
وهكذا يمكن القول :إن ابن سينا كان أكثر إنتاجاً ،بل كان رائداً بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى في
الفلسفة والطب والرياضيات والكيمياء وفي Sمختلف االتجاهات العلمية في المنطق ،وعلم النفس والموسيقى.
فهو رجل موهوب ،وعنوان ثقافة ،ومفكر عالمي يمتاز بذكاء حاد ،وذاكرة قوية ،وعقل خصب.
وهذا ما ساعده على استكمال ثقافته اللغوية والدينية والعقلية وهو في سن العاشرة ،ووصل Sإلى مرتبة
النبوغ والتخصص ولما يناهز العشرين مما جعله حجة في الطب والفلك والرياضة وإ ماماً في الفلسفة.
كان االهتمام بكتبه ومؤلفاته في بالد الفرس كبيراً ،فالفارسية تعتبر لغته األصلية ،فكتب فيها وألف وقد
تعلق الفرس بتراثه جميعه ،إن كان في الطب أو في الفلسفة ،أو عن طريق Sاللغتين العربية والفارسية امتد أثره
تعد أكبر مصدرS
إلى اللغة التركية ،أخذوا مؤلفاته وتعاليمه وجميع اآلراء العلمية التي نبغ فيها ،فمكتبات استانبولّ S
آلثاره ومخلفاته.
والبن سينا في العبرية والسريانية قراء وتالميذ وأتباع « نقلت طائفة من مؤلفاته إلى العبرية منها (عيون
الحكمة) وبعض أجزاء «اإلشارات» و«النجاة» ،وتأثر به مفكرو اليهود في القرون الوسطى ،وعلى رأسهم موسى
بن ميمون».
ولوحظت Sآثار مؤلفات وكتب ابن سينا في التاريخ الحديث لدى اسبينوزا ،ونقلت أيضاً بعض كتبه إلى
السريانية «كاإلشارات» و«القصيدة العينية» و«رسالة الطير» ومن أتباعه من السريان ابن العربي في القرن
الثالث عشر الميالدي.
إن أثر ابن سينا التربوي في العالم اإلسالمي يمثل في إيضاح الصورة التي رسمها القرآن الكريم لإلنسان،
فاإلنسان هو محور العملية التربوية ،ومن هنا يمكن القول «إن جميع الممارسات التربوية تؤول إلى اإلخفاق ما لم
تبن على فهم واضح وصحيح لماهية اإلنسان وخصائصه» ،والتيار الفلسفي عند ابن سينا يمثل أحد التيارات الفكرية
ال ،وقد عمق ابن سينا هذا االتجاه الفلسفي في الحياة اإلسالمية خاللوالتربوية في العالم اإلسالمي ،وكان مؤثرًا وفعا ً
القرن الرابع الهجري بشخصه كمعلم للفلسفة أو بتالميذه ومنهم (أبو الحسن) بهمينار بن المرزبان وهو أول تالميذ
ابن سينا الذي الزم الشيخ في مجالس تدريسه أثناء تولية الوزارة لشمس الدولة الديلمي البويهي بهمدان وذلك ما بين
404و 412بعد الهجرة ،ثم فرقت بينهما الحروب وأزعجتهما الفتن بعد ذلك اضطرب نظام اجتماعاتهما ،ولكن لم
تنقطع بينهما الصالت ،كما يتضح من رسالة كتبها الشيخ إلى بهمينار وفيها أنه سعى أثناء التجائه عند عالء الدولة
إلى استفتائه لرعايته وإ حاطته بعطفه (شاكر الفحام ،1981،أسبوع العلم العشرون).
-59-
الذين أكملوا رسالته من بعده وقد رافق Sذلك تمسكهم Sبمنهج القرآن الكريم المبني على أساس تحكيم العقل
باالعتماد على الحجج والحوار ،وفي Sاإلثارة واإلقناع Sوالتعليل والبرهان والحجة والمنطق S،ومن الطبيعي Sأن
يؤثر ذلك بشكل مباشر Sفي التربية وأساليبها Sوأهدافها التربوية التي لها عالقة بالبيئة والسلوك Sالديني واالجتماعي
والتربوي( Sإبراهيم Sمدكور ،1952،الكتاب الذهبي للمهرجان األلفي لذكرى (ابن سينا).
ما أراده ابن سينا من تالميذه أن يولوا الحكمة والمعرفة االهتمام الكبير لما لهما من منزلة تبهر العقول.
وإ ذا كان ابن سينا قد أراد أن يلقن طالبه (حب المعرفة) فقد لقنهم أيضاً شيئاً من االستقاللية وعدم التبعية،
ودعاهم إلى اتباع طريق األصول الفكرية .ولعل هذا االتجاه الفلسفي في المعرفة والذي حمل لواءه في القرن
الرابع الهجري ومثله أفضل تمثيل في البيئة اإلسالمية قد جذب له رواداً مخلصين ،ودفع Sبعض الناس إلى تقليده
واالنتماء إليه ،واتباع خطاه في فكره واتجاهه الفلسفي.
وأعطى ابن سينا كالً من الجسم والعقل والروح الوزن الذي تستحقه في بناء األهداف التربوية التي تدخل
في تركيبة الجسم والعقل والروح ،وأعطى كالً منها الوزن الذي تستحقه ،فاألهداف Sالجسمية ال تطغى على
األهداف العقلية أو الروحية ،كما أن العناية بالجانب الروحي ال يتعارض مع تنمية العقل وتربية الجسم تربية
سليمة .ومن الطبيعي Sأن تؤثر Sاهتمامات الشيخ الرئيس بشكل مباشر في التربية وأساليبها وأهدافها Sوعالقتها
بالبيئة والسلوك Sالديني واالجتماعي والتربوي.
إن المكانة العلمية للشيخ الرئيس بخاصة في ميدان الطب ال تزال حتى اآلن ذات آفاق واسعة في إيران
وباكستان حيث الطب السينوي يدرس ويطبق Sفي الجامعات .وبذلك ظلت كتب ابن سينا تراثاً يتناقله طالب
المعرفة عبر العصور حتى إن جمال الدين األفغاني ،ومحمد عبده تأثروا بها ورأوا في دراستها Sدواء لجمود
الشرق وأخذوا بأسباب المدينة فدعوا إلى نشرها وطبعها Sوذيوعها بل خطوا في ذلك خطوات يكملها من بعدهما
تالميذ لهما وأتباع ،ولعل من أبرزهم الشيخ مصطفى عبد الرزاق.)1(»S
1
(1)Abdrahmau elvakie: The Educatinal reform of Al – A2 Azhar1872 –. ph.D.
-Thes is Exeter university, 1980, PP: 165 – 167.
-60-
قدر قليل جداً إلى وقتنا
إال أن ما يتعلق بضخامة حكمته الموجودة في عدد كبير من الكتب ،فليس منها إال ٌ
هذا نقل إلى الالتينية ،ليستفيد منه الطلبة ،إن ابن سينا بوجه خاص ،الذي اقتدى Sبمذهب أرسطو Sوفسره ،وهو
الذي كمل الفلسفة بقدر المستطاع ،وضع في الفلسفة كتاباً في ثالثة أجزاء ...وقد وصل إلى الالتين جزء من
القسم األول ،وهو كتاب الطبيعيات ،وبعد ابن سينا جاء ابن رشد ،رجل الحكمة الحقيقية ...بالرغم من أنه كان
ويكمل في كثير من المواضيع.)1(»S
ينبغي له أن ينقح في بعض الجزئيات ّ
يدل هذا النص أن ابن سينا من الرواد األوائل في القرن الرابع الهجري الذين مكنوا العلماء في الغرب من
مباشرة الثورة العلمية «بدءاً من القرن الثالث عشر» وبلغت هذه مرحلتها Sاألساسية في القرن السابع
عشر(جورج شحاتة فتواني ،1981S،ابن سينا ،أسبوع العلم العشرون).
ومن عرض آراء المفكرين الغربيين في دراستهم عن ابن سينا نرى االهتمام بالخلفية النفسية التي أوجدتها
مؤلفات ابن سينا وأثرها Sعلى البيئة العلمية بشكل عام وفي Sالغرب خاصة.
« يقول العالم الفلكي الشهير وايتهيد whitehead :في أحد كتبه إن الشيء الجديد في الحوادث المفصلة
والمقرون بنفس االهتمام بالتعميم التجريدي Abstract generalization Sأي بتعبير Sآخر باتحاد اهتمام رجال العلم
باهتمام ذوي النزعة الفلسفية »(جورج شحاتة فتواني،1981S،ابن سينا ،أسبوع العلم العشرون).
وقد Sطبق كرومبي Sهذه المالحظة في دراسته ابن سينا فوصف Sالخلفية النفسية ،التي وجدتها Sمؤلفات ابن
سينا عندما دخلت ألول مرة في الغرب بقوله« :إن البيئة العلمية كانت حينذاك مهيئة لهذا القران بين االنتباه إلى
الحوادث التفصيلية ورغبة إدخالها بمذهب فلسفي شامل.
وهذا يفسر االهتمام الكبير الذي أبداه المفكر نحو التراث العلمي للعالم القديم الذي كان يرد في موكب
علماء العرب.
من هنا نستطيع القول« :إن ابن سينا ،بنظرته إلى العلوم وممارسته للطب ممارسة عملية ومالحظاته
الدقيقة الراصدة كان مثالً حياً لهذا االتجاه الجديد نحو العلم المبنى على المالحظة والتجربة»( كرومبي ،بدون
تاريخ ،من أعالم مؤرخي تاريخ العلوم).
بدأت أوربا في القرن الحادي عشر الميالدي حركة تقدم أدبي علمي ،وتطلعت إلى علوم الشرق ومعارفه في
الوقت الذي كان فيه المسلمون قد قطعوا أشواطًا كبيرة في كافة المجاالت العلمية والفنية وهذا ما أكده سوزرن (
)southernعندما قارن بين ثقافة ابن سينا وبين ثقافة البابا جربرن ( )1003 - 940المعاصر البن سينا ،وبعد
المقارنة وجد أن الثقافة الغربية تشوبها الضحالة والجمود إذا ما قيست بالثقافة اإلسالمية المتجددة -ممثلة في ابن سينا
-وهذاما اشتكى منه (بول الريوس « )Poulalrarusمن إقبال المسيحيين اإلسبان على الثقافة اإلسالمية بعلومها
وآدابها وإ قبالهم على تعلم اللغة العربية ،واقتناء الكتب والمؤلفات العربية مع عدم احتفالهم بثقافتهم المسيحية ولغتهم
الالتينية»(.) 2
1
Rogerbacor, opus majus, 11, 13, J. H. Bridges, ohford 1987, English translation By. R. B. (1) Burke, philade lphic, 1928, 1,
63.
2
R. W. Southern: western views of islami in The middleages, op. cil. P. 21. )(1
-61-
وهذا يشير «إلى قوة الجذب الثقافي للحضارة اإلسالمية في تلك العصور حيث كانت العلوم العربية في
العصور الوسطى تحتل المكانة التي تحتلها العلوم اليونانية في العصر القديم»( جورج سارتون ،1959 ،العلم القديم
والمدينة الحديثة).
ولما للعلوم العربية من أهمية في الغرب أسس العالم الالهوتي (ريمون) ديواناً للترجمة يشرف Sعليه (جند
يسالينوس) المتوفى سنة 1151لترجمة أمهات الكتب العربية «بطريقة وضع الكلمات الالتينية فوق الكلمات
العربية في األصل ثم تراجع الالتينية على يد كبير الموظفين وتحمل الترجمة في النهاية اسم من راجعها»
( دبالمسي أولبري ،ترجمة تمام حسان ،1961،الفكر العربي ومكانه في التاريخ).
وبذا تكون المؤلفات العربية أصبحت في متناول جميع المترجمين والمهتمين بالثقافة العربية من طب
وفلك ورياضيات Sوتاريخ وأدب وفلسفة ،وبخاصة مؤلفات ابن سينا التي بدأت التأثير على الحياة العقلية والفكرية
في أوربا ،وقد أقبل طالب العلم على كتب ابن سينا ومؤلفاته الفكرية والتربوية في النفس واألخالق Sوفي تصنيفS
العلوم ،وشمل ذلك كافة الجامعات األوروبية ،حتى أصبح البن سينا تالميذ في الغرب يتتلمذون على كتبه
ومؤلفاته ويدافعون عن فكره وآرائه ،وكان لتالمذته األثر الكبير في حياة الفكر والتربية في العصور Sالوسطى
وبدايات العصور الحديثة.
-62-
صحيح أن ابن سينا عاش في القرن الرابع الهجري الذي يعد من أزهى العصور اإلسالمية وأكثرها إنتاجًا
وأغزرها ثقافة وفكرًا ،إال أن هذا من الناحية السياسية ظهر في صورة تكاد يرثى لها ،وهذا لم ينل من عزيمة ابن
سينا العلمية والثقافية ومعالجته مشاكل الناس فهو يحدثنا عن الجوع الشديد «الذي كان يتعرض له الناس في عصره
في صورة بشعة تضطر الناس إلى استعمال الحشائش في أغذيتهم»( ابن سينا ،1305 ،دفع المضار الكلية عن
مل ابن سينا هذا الجو السياسي المملوء بالفتن والحروب ،والدسائس« ،ويرى أن الحكم البد أن األبدان اإلنسان) لقد ّ
يكون بالنص والتعيين ،أو باالختيار الكامل ،وأن وظيفة الحكومة وإ جراءاتها البد أن تكون امتدادًا لحكم النبي ،
وتشريعات الدين الحنيف»( ابن سينا1369 ،هـ ،آراء ابن سينا في الحكم) .ما تناوله الشيخ الرئيس يعد
مفخرة للفكر اإلنساني من حيث االتساع واإلحاطة والعمق ،وقد عني الباحثون قديمًا وحديثًا بجوانب هذه
المكانة العلمية والتربوية ،وألفوا الكثير من الكتب والرسائل والمقاالت تضمن قسم منها آراءه في التربية
العلمية الموضوعية .ومما يدل على مكانة ابن سينا العلمية والتربوية واهتمامه في التعليم ومجالس
التدريس ما نقله بهمينار بن المرزبان ،في وصفه حلقة الشيخ الرئيس أنه قال« :حضرت أنا وجماعة
من تالمذة شيخنا الرئيس بكرة سبت مجلس درسه الشريف ،فاتفق أن ظهر منا في ذلك اليوم فتور
عن إدراك ما كان يحققه الشيخ ،فقال لنا :كأنكم صرفتم بارحتكم في التعطيل؛ فقلنا :نعم كنا أمس مع
جمع من الرفقة في نزهة فلم يتيسر لنا مطالعة الدرس ومراجعة ما كنا فيه ،فلما تنفس الشيخ الرئيس
الصعداء وفاضت عيناه بالدموع ،قال :إنما أسفي على أن الالعب بالحبال قد يبلغ أمره ي لعبه الذي
هو من الملكات الجسمانية إلى حيث تتحير في غرابة علمه عقول ألف ألف عاقل ،ولكنكم لم يكن
مقدار ومنزلة ،آثرتم البطالة واللهو على اكتساب العلم والفضيلة ،فلم ٌ عندكم للحكم والمعارف الحقة
تقدروا على أن تنزلوا الملكة الروحانية من أنفسكم منزلة يتحير فيها جهلة الزمان»( محمد محمود
الخضري ،1952 ،الكتاب الذهبي لذكرى ابن سينا).
وهذا يشير إلى المكانة العلمية للشيخ الرئيس ،ومدى اهتمامه باإلنسان ،وتزويده بالعلوم المعرفية وبتكوينه
االجتماعي الجيد ،وإ تقانه الثقافة بجميع فروعها ،هدفه من ذلك اإلعداد التربوي واإلعداد المهني الذي يؤهل صاحبه
للقيام بالعمل الذي يعد له ،ويؤدي غرضًا وظيفيًا يقتضيه حياة اإلنسان في محيط تعليمه ،أو في محيط مجتمعه وما
تتطلبه ضرورات الحياة وتقتضيه حاجات اإلنسان في المجتمع الذي يعيش فيه مما يساعد الفرد على الوفاء بمطالب
الحياة المادية واالجتماعية وهذا يدل عل العالقة الوثيقة التي تربط اإلنسان ببيئته وبالكون المحيط به ،وما يواجه
اإلنسان منذ البداية في أنه جزء اليتجزأ من الكون المحيط به وإ لى ضرورة تفاعله المثمر مع العالم المحيط به،
وبجسمه وعقله وروحه ،بحيث يؤثر فيه ويتأثر به وينتفع بما أودعه اهلل من أسرار ومنافع ،ويحافظ على تنميتها
وتطويرها وتحسينها بما منحه اهلل من عقل وعلم وقوة عضلية .ونؤكد أن الشيخ الرئيس أوجد أفاقًا رحبة واسعة من
العلم والمعرفة ،وهو نفسه نهل من هذا المورد الثقافي الهائل ،واختار لنفسه «العلوم الفلسفية» يتخصص فيها طالبًا
وعالمًا ومؤلفًا ،وفيلسوفًا تربويًا يدعم هذا االتجاه الفلسفي في التربية اإلسالمية.
لقد اختار ابن سينا طريق Sالفلسفة وجميع العلوم األخرى ،وسخر Sإمكاناته كلها لخدمة اإلنسان ،وقدم حياته
كلها من أولها إلى آخرها طالباً وباحثاً ومؤلفاً في جميع االتجاهات ثم واضعاً Sلمناهج تربية الفيلسوف «والعلومS
التي ينبغي أن يحصلها ،والمراجع التي يرجع إليها ومتى يبدا المتعلم في تعلم الفلسفة التربوية».
وعلى الرغم مما سنجده عند الشيخ الرئيس من بناء واضح للنظرية الفلسفية والتربوية ،فمن السهل تتبع
حلقات المنهج العلمي التربوي Sوالتعرف على الكثير من تعليم الفلسفة التربوية في اإلسالم وهذا ال غنى عنه
لتحقيق منزلتها Sفي الثقافة اإلسالمية ،ومعرفة تاريخها Sمعرفة صحيحة.
-63-
إن مكانة الشيخ الرئيس تجلت في آرائه من أصالة ،وما في بحثه من تجديد وابتكار في جميع ميادين
العلوم المعرفية ،وعنى الباحثون بإظهار نواحي أصالته المختلفة في المنطق وعلم النفس ،والطب ،والموسيقى،
وبذا يمكن أن يقال إن ثقافته إنسانية واسعة األفق ،ال تخشى األخذ عن غيرها ،ألن الشيخ الرئيس نظر إلى
اإلنسان نظرة عالية فيها إكبار له وإ جالل ،وفيها Sإعجاب به واحترام Sلشأنه ،و«اإلنسان في رأيه ليس البدن ،بل
ذلك الجوهر الواحد الذي يسكن البدن ،والذي يدعى النفس الناطقة».
لم يكن ابن سينا معجباً باإلنسان فحسب ،بل كان فوق ذلك كله محباً «هذا الحب دفعه إلى العناية باإلنسان،
ولما كانت غاية الحياة عنده هي السعادة ،وكان يرى أن هداية الغير إلى السعادة هي أفضل هداية وأن تهيئة
السعادة للغير هي أجل هداية»( ابن سينا ،بدون تاريخ ،رسالة في السعادة).
وهذا ما يجسد مكانة ابن سينا في جميع المجاالت ناهيك عن اهتماهه باإلنسان واإلنسان جدير بمثل هذه
العناية ومقتصر إليها ،أما جدارته بها فألن العقل إذا رفعت عنه الموانع وخلى سبيله ،استطاع أن ينطلق ويحلق،
وكان في مقدوره أن يخترق الحجب ،ويبدد السحب ،ويأتي بالعجائب ...اإلنسان عالم قائم بذاته ،يتمتع بشخصية
مستقلة ،له آماله وآالمه وأفراحه وأتراحه ،فكان االهتمام به منذ وجوده في هذه الدنيا فقد أعطي فرصًا متكافئة لدرك
المجد ،وتحرير فكره وتحطيم القيود التي تكبل العقل وتحول بينه وبين تأدية رسالته.
لقد تمثلت مكانة ابن سينا في إحاطته بالعلوم Sشاملة ،وكان شغفه بالمعرفة ال حدود له ،درس فأوعب وجمع
فأوعى ،ساعده في ذلك موهبته وحافظته وذكاؤه النادر ،وعقله النير المتفتح ،فقد ألف في الطب ،وألف في
الفلسفة ،بكل أبوابها المعروفة في عصره على سعتها وتعددها ،وألف في الدين والزهد والتصوف Sوالعشق،
والكيمياء واألسرار Sوالفلك والموسيقى واللغة والنحو ....الخ ...لقد نالت شهرته من الذيوع في الشرق والغرب
وفي جميع أصقاع الدنيا ،ولقد أطال الدارسون والمستشرقون في أحاديثهم Sعن مكانته وآثاره البعيدة في جميع
مجاالت العلوم.
رابعاً :رسالة ابن سينا التربوية ودوره في إعداد اإلنسان لتحمل أعباء الرسالة اإلنسانية:
وصوره فأحسن تصويره ،وخلقه على نحو يتكامل فيه َّ لقد كرم اهلل اإلنسان ،وفضله على سائر المخلوقات،
الجسم والعقل والروح وبشخصية متميزة بخصائصها اإلنسانية التي ال يشاركها فيها أي مخلوق آخر في هذه الحياة.
ويشير ابن سينا إلى أن اإلنسان قد خلقه اهلل في الوقت نفسه لحكمة جليلة سابقة في علمه جل وعال ،ولتحقيق رسالة
سامية في هذه الحياة ،تتمشى مع ما منحه اهلل إياه من تكريم ،وتفضيل على سائر المخلوقات ،ولكي يحقق اإلنسان
القيام بالدور المنوط به في تأدية رسالته في الحياة عليه جانب كبير من المسؤولية في إعداد نفسه لمسؤوليات هذه
الرسالة «بتزكية نفسه واألخذ باألسباب التي تمكنه من تربية وإ عداد نفسه لتحمل أعباء الحياة في جميع جوانبها».
إن المكانة التي بلغها ابن سينا بمؤلفاته وكتبه ،وإ ن التقدير الذي ناله قد وفر له ولكتبه من الدراسات والبحوث
العلمية والتربوية ما لم يظفر به أحد غيره من فالسفة العرب ،فهي بمجملها أشارت إلى مكانته وفتحت الباب واسعًا
لدراسات مبتكرة وبحوث جديدة تتناول الشيخ الرئيس وكتبه ،وتعيد النظر في تحقيق مؤلفاته ،وتجعلها أكثر وضوحًا
ال ،وتزيدنا معرفة بها ،وفهمًا لمقاصدها وغاياتها ،وتبينًا لتأثيراتها المختلفة في شتى البيئات العلمية
وأقرب تناو ً
والفكرية.
-64-
من حيث تربية الشخصية ،وتربية الخلق ،أو بث الشعور الديني ،أو تكوين عقيدة دينية خاصة ،حتى يكون
عضواً كامالً في المجتمع ،وقد Sحاول الكثير من المربين تحديد الغرض مـن التربية بقولهم « :تهدف التربية إلى
تعويد النشئ االعتماد على النفس والتربية االستقاللية ،وكسب العلم للعلم ذاته ،والبعض منهم أهمل ما دون ذلك من
األغراض ،وهذه األغراض تختلف باختالف األمم والعصور والبيئات وحتى في األمة الواحدة ،بدليل ما حدث في
أثينا وإ سبرطة من بالد اإلغريق « .فقد كانت أثينا تفكر في الحكمة والفلسفة واألدب ،في حين أن إسبرطة كانت
تضحي بكل شيء في سبيل التربية الجسمية والعسكرية» (محمد عطية اإلبراشي ،بدون تاريخ ،روح التربية
والتعليم) ويشير الشيخ الرئيس إلى ضرورة تفكير المربي في تكوين المثل األعلى لإلنسان المنظم التفكير القوي
الشخصية ،النافذ اإلرادة ،الكامل الخلق ،السليم الجسم ،المحب لالطالع ،المهذب الوجدان ،المخلص لوطنه ،الذي
يستطيع أن يعتمد على نفسه في كسب عيشه ويعيش لغيره كما يعيش لنفسه ،ويستفيد مما منحه اهلل من عقل وإ رادة
ودوافع للعمل والتملك والنجاح وتحقيق الذات .ولكن مهما كانت أهمية الدور الذي يقوم به اإلنسان في تربية وتعليم
نفسه وفي إصالح أحواله وظروفه ،فإنه ال يستغني عن عوامل التعليم والتربية التي تأتي من خارج ذات اإلنسان
لتتفاعل مع إمكاناته ومكوناته الداخلية ،فمن الفلسفات المعاصرة المتميزة فلسفة القيم ،وهي تود النظر إلى الفاعلية
ال وناجعًااإلنسانية من كافة وجوهها ،ومنها الجانب التعليمي ،نظرة ثاقبة تضم العمل إلى الهدف وتربط ربطًا متكام ً
الفعل بفرضه ،والنشاط بغايته ،والعطاء بهدفه وسبله.
لقد وضع ابن سينا منهجاً تربوياً مستمداً أسسه ودعائمه من الدين ،ومن واقع عصره ومجتمعه ،ليفي
بمتطلبات مجتمعه ويساعده على النهوض والخالص مما هو فيه من انحالل وتعطل وفقدان للقيم إنها تربية
اجتماعية بكل معنى الكلمة ،متعددة الجوانب فردية ،مجتمعية ،أخالقية ،دينية مهنية.
وهذا يؤدي Sغرضاً وظيفياً تقتضيه حياة اإلنسان في محيط تعلمه ،أو في محيط مجتمعه ،كما يساعد الفرد
على الوفاء بمطالب الحياة المادية واالجتماعية ،وما تقتضيه عالقاته مع بني البشر ،لقضاء حاجاته وتنظيمS
شؤون في جميع مجاالت الحياة .ويرى ابن سينا أن للتربية نواحي وأغراضاً عامة ،ومقاييس معينة يجب تحقيقها
جسمياً وعقلياً وخلقياً واجتماعياً وجمالياً على أحسن الطرق التربوية المعروفة حالياً .وهذا يشير إلى أنه قد تتحكم
بحياتنا مجموعة كبيرة من النظم العقدية واألخالقية والسياسية واالجتماعية ،والعالقة بين هذه النظم هي عالقة
تأثير وتأثر ،ولن يكون من مصلحة أي أمة أن تعلّق توازنها Sالعام على نظام واحد ،فإذا صلح صلح حالها ،وإ ذا
فسد فسد أمرها ،وبالتأكيد إن األمة ال تستطيع أن تفعل ذلك إال في حدود معينة .من هنا تبدو طبيعة التخصص
ألي علم من العلوم معياراً للتقدم ،فعلماء االقتصاد يعتقدون أن األمة لن تتقدم إال إذا تقدم اقتصادها ،والتربويون
يعتقدون أن تقدم التربية شرط لتقدم العالم وهذا يشير إلى أن عالقة أي علم مع العلوم األخرى هي عالقة جدلية،
أخذ وعطاء وتأثير وتأثر.
فالتربية كما يراها الشيخ الرئيس تنقل رسالة ،وتحدد مجاالت العمل ،وترسي معايير أخالقية فهي تقوم بمهمة
مزدوجة صعبة ،وتحاول االحتفاظ بما هو جيد من المكونات الثقافية المختلفة ،من خالل نشرها وتنشئة الشبيبة عليها،
كما أنها تحاول بذر أفكار وعادات ومعارف جديدة ،ربما كانت مناهضة لما هو معروف ومستقر ،ويتم كل هذا في
مجتمعات تتغير بسرعة فائقة ،وطبيعة مثل هذا العمل تكون نتائجه في العادة بطيئة ،وتحتاج إلى المهارة والصبر
(بوترندراسل ،1978 ،التربية والنظام اإلجتماعي ،ترجمة سمير عبدة).
-65-
وباإلشارة إلى تالحم أهداف العلوم التربوية مع الهدف العام للتربية ال يكفي إذا ما أريد توجيه تلك العلوم
توجيهاً سديداً ،أي أنه البد من توجيهات محددة لكل منها ،ففي علم النفس يجب أن ينصب االهتمام على معرفة
الخصائص األساسية التي يمتاز بها اإلنسان ،صحيح أن اإلنسان يشترك في بعض مظاهره مع الكائنات األخرى،
ولكنه ال يتساوى Sمعها ،فمن أهم أهداف علم النفس «صيانة الفطرة من العوامل التي تخرجها Sعن مسارها،
فاالنفعاالت وإ غراءات المال والجسد Sتدرس على ضوء هذا الهدف ،أما الدوافع Sالتي يشترك Sفيها اإلنسان مع
الحيوان فتدرس Sبهدف السيطرة عليها ،ذلك أن اإلنسان مسؤول Sعن تصرفاته ،وفوق Sهذا وذلك؛ فإن كل العمليات
العقلية وأنماط Sالسلوك الصادرة عن الفرد يجب أن توجه لكسب رضوان اهلل تعالى (عبد الحميد الهاشمي ،بدون
تاريخ ،صيغ علم النفس بالصبغة اإلسالمية) وعلم النفس المسلم ال ينخدع بالمظاهر السلوكية ،ألنه يدرك أنه
يكمن وراءها دوافع تستقر في األعماق ،فسلوك Sاإلنسان المؤمن حين تترقرق Sعيناه بالدموع Sال يفهمه إال من
يدرك حقيقة أن الخوف واألمل والرجاء ال تكون إال من اهلل (عبد الرحمن صالح عبد اهلل ،1988 ،الفكر التربوي
اإلسالمي).
إن مهمة التربية ليست إلعداد األجيال لقبول التغييرات الكثيفة القادمة والتكيف Sمعها فحسب ،وإ نما
السيطرة عليها ،واستخراج خير ما فيها ،مع مقاومة السيء والضار Sمنها.
وحين تعصف رياح التغيير بالمجتمع ،ويكون تطور Sالمؤسسات واألساليب التربوية على نحو بطيء
يؤدي إلى اعتبار التربية على أنها عامل تخلف وهذا يؤكد ضرورة االعتماد على الخبرات والدراسات التي تضع
النقاط على الحروف ،وتعمق Sالفهم حول االستخدام األمثل لكل ذلك.
وعلم االجتماع التربوي ال يقل أهمية عن علم النفس التربوي ،فمن أهداف علم االجتماع التربوي تبصير
الدارسين بالتغييرات المرغوب فيها ،وبتلك التي تندرج في قائمة البدع غير المرغوب فيها ،والمدرسة في المجتمع
اإلسالمي عامل أساسي لكبح جماح أي تسارع في التغييرات االجتماعية« .ومن أهداف علم االجتماع التربوي كذلك
غرس القيم الخلقية ومحاربة كل ما يتعارض معها للوصول إلى عرض كامل للنظرية التربوية االجتماعية من
الوجهة النفسية .وبيان ترابط الوسائل واألهداف في التربية اإلسالمية ،وتميز مناهجها حتى ولو التقت عرضاً
في بعض النقاط مع مناهج أخرى في الهدف بصورة خاصة» (عبد الرحمن صالح عبد اهلل ،1988 ،الفكر
التربوي اإلسالمي).
حيث تهدف التربية اإلسالمية إلى بناء اإلنسان الصالح وليس المواطن الصالح فحسب ،ألنه ينظر إلى
ال بدقة متناهية ،لتحقيق التطابق والتكافؤ بين النظر والعمل يستدل على
اإلنسان في جميع جوانبه جسدًا وروحًا وعق ً
ذلك بقوله تعالى (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) سورة البقرة آية 23وقول رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
ال).
(اليكون المرء عالمًا حتى يكون بعلمه عام ً
-66-
1- Abd Alrahman Eknakib، the Educational reforn of Al-Azhar 1972-1772 PH.thesis . Exeter university .
1980.pp165-167
2- Roger Bacon.opus majus.11.13 J.Hbario-Ges .oxford.1897.1..English translate-ionby .R.B.burke
.philadelphic.1928
3- R.W. Southern: western views of isdam in the middlages.opcial.p21
الفصل الرابع
المنهج العلمي التربوي عند ابن سينا
: مقدمة-
المكونات النظرية لمنهج ابن سينا التربوي-1
. المنهج الفلسفي التربوي عند ابن سينا-2
. أهمية تصنيف العلوم وصلته بالمنهج العلمي التربوي عند ابن سينا-3
أهمية دراسة الفكر التربوي عند ابن سينا-4
-67-
المنهج العلمي التربوي عند ابن سينا
ذكاء نادراً ،وذاكرة قوية ،وعقالً خصباً ،فهو لم
كان ابن سينا عالماً موهوباً ،ومفكراً عالمياً ،وكان يملك ً
يكن مفكراً كمفكري عصره فحسب ،بل كان عبقرية فذة وأعجب ما فيه طموحه العقلي الدائم ،للبحث عن
الحقيقة ،وإ معان النظر فيما يجب التساؤل عنه في جميع المجاالت ،وكان بحق من جبابرة العقل يتألأل كل ذلك
في جميع مؤلفاته.
فهو صاحب منهج علمي تربوي ،بل هو فيلسوف Sمنهجي ،ويعتبر Sبحق من أهم فالسفة اإلسالم المنهجيين
في الفلسفة والطب والتربية خاصة وفي جميع المجاالت العلمية األخرى كعلم الرياضيات ،والفلك ،والطبيعيات،
وجميع العلوم النظرية والتطبيقية.
لقد كان العصر العباسي أزهى العصور العربية توضح فكرًا ورقي عقل ،ولقد وصل العرب في هذا القرن إلى
ٍ
شأو بعيد في مجال العلوم كافة ،وأخذت الحضارة العباسية تؤتي ثمرها في كل فرع من فروع العلم والفلسفة واألدب
والفن.
-68-
أجمع المؤرخون على أن الشيخ الرئيس (ابن سينا) رجل موهوب وعنوان ثقافة ،ومفكر عالمي .تلخصت
مواهبه في ذلك الذكاء النادر ،والذاكرة القوية ،والعقل الخصب ،والجلد المنقطع النظير على العمل ،وقد بدت مالمح
ذلك كله في سن مبكرة ،بحيث استطاع أن يستكمل ثقافته اللغوية والدينية والعقلية ولما يجاوز العاشرة ،وأن يصل
إلى مرتبة النبوغ والتخصص ولما يناهز العشرين.
إن ما سعى إليه الشيخ الرئيس هو تحقيق أغراض واضحة ومحددة في المنهج الذي سلكه في الطرق ّ
واألساليب والوسائل والخبرات والممارسات «أي كل ما من شأنه أن يؤدي دورًا في خدمة األهداف واألغراض
الموضوعة» (محمد عزت عبد الموجود وآخرون ،1971،أساسيات المنهج وتنظيماته).
لقد أضحى ابن سينا حجة في الطب والفلك والرياضة ،وإ ماماً في الفلسفة معتمداً على نفسه في تعلم الفلسفة
والهندسة تعلماً ذاتياً ،وكذلك في تكوين عقليته التي درس بها الطب ،وبديهي أن يجد الطب سهالً بالنسبة إلى ما
درسه من علوم فلسفية «ذلك ألن الطب علم «وصفي تجريبي» تكفي في تحصيل معلوماته الذاكرة والمالحظة
دون الدخول في المناقشات Sوالمحاكات وتضارب األدلة» (محمد خير عرقسوسي،1982،ابن سينا والنفس
الفكر الرتبوي عند ابن سينا – م8 اإلنسانية).
قال ابن سينا« :ثم رغبت في علم الطب ،وصرت أقرأ الكتب المصنفة فيه ،وعلم الطب ليس من العلوم
علي علم الطب».
الصعبة ،فال جرم أني برزت فيه في أقل مدة حتى بدأ فضالء الطب يقرؤون ّ
ألم بالثقافة اإلسالمية الشاملة المعاصرة له ،وهضمها خير هضم ،ثم ترجم عنها ترجمة صادقة ،فكتب في ّ
الطب والكيمياء والطبيعة وعلم األحياء ،والفلك والرياضة ،والمنطق Sوالميتافزيقي ،واألخالق والسياسة،
والتوحيد Sوالتفسير ،وكتابا «الشفاء» و«القانون» خير مثل لهذه الثقافة الواسعة.
ما أراده الشيخ الرئيس هو وضع القاعدة المتينة لوحدة الفكر الفلسفي التربوي في جميع المجاالت «وبذا
مستفيضة تناولت جميع جوانبه»( محمود Sعبد اللطيف ،2005،الفكر
ّ راجعت سوق Sالعلم» وألّفت دراسات
التربوي عند الفارابي ،مجلة المعرفة).
بذا نرى المنهج العلمي التربوي Sوالفلسفي عند ابن سينا يمثل تصوره للفكر التربوي Sلتحقيق األهداف
العامة والخاصة التي تقوم عليها التربية وسط هذا الجو المفعم بالحضارة والعلم.
فقد توجه إلى وحدة معالم ارتباط التربية بالفلسفة وينظر في تدبير أفعال الشخص ،أو في ذكاء نفسه ،أي
تصريف نفسه ،وقد ساعده على ذلك ما كان يتصف به من الذكاء الحاد والفطنة الذكية والعبقرية الفذة في شتى أنواع
العلوم والمعارف.
-69-
فقد عني المؤرخون والباحثون Sبإظهار نواحي أصالته المختلفة ،في المنطق ،وعلم النفس ،والطب والتربية
والموسيقى« .وبذا يمكن أن يقال :إن ثقافته إنسانية واسعة األفق ،ال تخشى األخذ عن الغير ما دامت تؤمن
بنفسها ،كما ال تخشى أن يؤخذ عنها فنستفيد Sوتفيد»( إبراهيم مدكورة ،1952 ،المهرجان األلفي لذكرى ابن
سينا) .هذا هو موقفه من حيث الغاية القصوى لتحصيل العلوم ،وهو يتجه في هذا اتجاهاً أخالقياً وتربوياً ،فهو
يرى أن غاية اإلنسان النهائية هي تحقيق السعادة فمتى حصلت له ال يسعى إلى غاية أخرى ،وبذا يضع نظريته
التربوية فيحصرها Sفي:
-1ارتباط التربية بالفلسفة.
-2النبوة والتربية.
-3التربية الخاصة.
-4معرفة النفس.
-5قيمة العقيدة.
-6جزاء المتقين.
-7السعادة.
-8تنظيم أمور المدينة.
-9في نشوء األسرة واألتباع Sووجوب السياسة.
-10في سياسة الرجل دخله وخرجه.
-11في سياسة الرجل أهله.
وحدد ابن سينا ثالثة أقسام( Sالرتباط التربية بالفلسفة)( شاكر الفحام ،1981 ،أسبوع العلم العشرون)
وهي:
-1علم األخالق :وينظر في تدبير أفعال الشخص الواحد أو في ذكاء نفسه أي تصريف Sنفسه.
-2تدبير المنزل :وينظر في العالقات بين أفراد األسرة الواحدة ،وتأمين الحياة المعاشية لألسرة.
-3العلم السياسي :وينظر Sفي عالقات الناس بعضهم Sببعض في المدينة الواحدة ،وفي عالقات المدن
بعضها مع بعض ثم عالقاتها Sمع الدول األخرى.
وبذا يكون ابن سينا قد تناول في مصنفاته ومؤلفاته مختلف االتجاهات الفلسفية والتربوية التي ساهمت في
تكوين السلوك اإلنساني .وهذا يشير إلى مدى االهتمام بالدراسات المتعلقة باإلنسان ورصد Sاإلمكانات المادية
والعلمية لرفع مكانة اإلنسان.
ويمكننا Sالقول :إن ثقافته إنسانية واسعة األفق في جميع المجاالت الفلسفية والتربوية «فهو مفكر عالمي،
يرتفع عن حدود الزمان والمكان وال غرابة فهو عالم وفيلسوف؛ والعلم والفلسفة الحقة ال وطن لهما ،ففلسفته هي
فلسفة اللغة العربية منذ القرن الخامس الهجري إلى أوائل القرن الحالي» (عيون األنباء ،بدون تاريخ ،والوافي
بالوفيات).
-70-
ما أردته هو تقدير فضل الشيخ الرئيس ابن سينا على اإلنسانية ،بما أسداه من خدمات كبرى للعلم
والمعرفة والفلسفة والدين ،حيث كان هو والفارابي وسائر Sفالسفة اإلسالم العظام كابن الطفيل وابن رشد حملة
رسالة العلم العالمي ،وإ ن التمثل بروح العلم هو مطمح أنظار كل فيلسوف عظيم ،ألن غايته الكبرى ال تقل عن
الطموح إلى التعرف بالحق المطلق ،وبالحقيقة العالمية الخالدة ،هذا هو ابن سينا وهذا هو منهجه وطريقته
وأسلوبه هدفه اإلنسان وتربيته التربية الصادقة ،انتفع به الشرق والغرب سواء في ذلك فلسفته أو طبه أو طبيعته
وكيمياؤه ،فهو كالشمعة تضيء كل مكان.
بدأ ابن سينا نتاجه العلمي والفكري مبكراً ،ألف في السابعة عشرة من عمره كتاب معتصم الشعراء في
العروض ،وألف وهو في الحادية والعشرين من عمره سنة / 391كتاب المجموع /أتى فيه على سائر العلوم
سوى الرياضي» (شاكر الفحام ،1981 ،أسبوع العلم العشرون) وهي:
وألف كتاب الحاصل والمحصول Sفي قريب من عشرين مجلدة ،وكتاب البر واإلثم في األخالق مجلدتان.
وإ ذا كانت عبقرية الشيخ الرئيس التي تألقت في كتبه وتآليفه قد دفعت األجيال أن تعود إليها دراسةً منقبة،
تكشف لها األيام كما قال أستاذنا Sالدكتور شاكر الفحام :كل مرة صفحة جديدة ،ومعرفة جديدة ،ألن العباقرة ال
ينفد معينهم ،يتجددون تجدد الفكر اإلنساني.
والحق أن مقدرة ابن سينا على تأليف الكتب وإ نشاء الرسائل في فترة قصيرة تفوق كل تصور S،هذه
المقدرة المعجزة تواتيه في سهولة ويسر ،يقول أبو عبيد :وكان الشيخ الرئيس متوارياً في دار أبي غالب العطار
بهمذان خوف السلطان «وطلبت منه إتمام كتاب الشفاء ،فاستحضر Sأبا غالب ،وطلب الكاغد والمحبرة
فأحضرهما S،وكتب الشيخ في قريب من عشرين جزءاً ،وبقي فيه يومين ،حتى كتب رؤوس Sالمسائل كلها ،بال
كتاب يحضره وال أصل يرجع إليه ،بل من حفظه ،وعن ظهر قلبه ،ثم ترك الشيخ تلك األجزاء بين يديه ،وأخذ
الكاغد ،فكان ينظر في كل مسألة ويكتب شرحها ،فكان يكتب في كل يوم خمسين ورقة حتى أتى على جميع
الطبيعيات واإللهيات ،ما خال كتابي الحيوان والنبات» وابتدأ بالمنطق وكتب منه جزءاً…(ابن أبي أصيبعة،
بدون تاريخ ،عيون األنباء -الجزء الثاني).
إن ما جاء به الشيخ الرئيس يدل على إحاطته باللغة وتمكنه من مفرداتها وهذا يتطلب موهبة في التعبير
تفسح لصاحبها أن يفصح عن أدق الفكر الفلسفية والعلمية.
كانت فلسفته التربوية تدور Sحول تنمية الفرد من حيث هو إنسان ال من حيث هو عضو في جماعة ،وهدف
التعليم في رأيه هو تنمية القدرة على التفكير ،وتمكين اإلنسان من الوصول Sإلى هذه المفاهيم األساسية ،أو
المبادئ الخلقية التي يجب أن يتصف Sبها اإلنسان.
إنتاج ابن سينا وافر ومتنوع ،على الرغم مما القى في حياته من عنت وقلق فكتب في أبواب الفلسفة المختلفة،
وفي الدين واللغة ،وله في الموضوع الواحد أكثر من كتاب أو رسالة ،ويبدو في وضوح أن مؤلفاته كانت موضع
عناية المشتغلين بالعلوم العقلية طوال القرون الماضية وهذا ما نبينه في حينه.
ثالثاً :أهمية تصنيف العلوم وصلته بالمنهج العلمي التربوي
عند ابن سينا
-71-
يSعّ Sد SاSبSن SسSيSنSا SمSن SاSلSرSجSاSل SاSلSقSالSئSل SفSي SاSلSعSاSلSم SاSإلSسSالSمSي SاSلSذSي SيSصSح SأSن SنSسSمSيSهSمS( SمSوSسSوSعSيSيSن S)SوSإ ن SكSاSنS
طSاSبSعSه SاSألSعSم SاSألSغSلSب SهSو SاSلSفSلSسSفSة SبSجSمSيSع SفSرSوSعSهSا SاSلSمSعSرSوSفSة SفSي SزSمSنSه SمSن SاSلSهSيSاSت SوSطSبSيSعSيSاSت SوSطSب SوSنSفSسS
وSمSنSطSق SوSرSيSاSضSة SوSأSخSالSق SوSغSيSر SذSلSكS( SأSحSمSد SأSمSيSن S،1950 S،SمSؤSلSفSاSت SاSبSن SسSيSنSا S)SفSقSد SأSلSف SاSبSن SسSيSنSا SفSي SكSلS
هSذSا S،SوSقSيSل S:SإSنSه SأSلSف SفSي SاSلSمSوSضSوSع SاSلSوSاSحSد SكSتSبSاً SمSخSتSلSفSة SتSضSمSنSت SفSلSسSفSة SاSلSيSوSنSاSن SمSعSتSمSدSاً SفSي SذSلSك SعSلSى SتSعSاSلSيSمS
اSإلSسSالSم S،SوSعSلSى SاSبSتSكSاSرSاSتSه SاSلSخSاSصSةS.S
إSن SأSي SتSصSوSر SلSتSصSنSيSف SاSلSعSلSوSم SإSنSمSا SيSكSشSف Sعن SفSلSسSفSة SمSعSيSنSة SلSصSاSحSب SاSلSتSصSنSيSف S،SوSمSن SثSم SيSتSم SمSن SخSالSلSهS
اSلSتSعSرSف SعلSى SصSلSة SاSلSعSلSوSم SوSاSرSتSبSاSطSهSا SفSيSمSا SبSيSنSهSا SفSي SمSجSاSالSت SاSلSحSيSاSةS« SاSألSمSر SاSلSذSي SيSسSمSح SلSفSرSيSق SمSن SاSلSعSلSمSاSءS
اSلSمSتSخSصSصSيSن SفSي SعSلSوSم SضSيSقSة SمSتSقSاSرSبSة SاSلSمSجSاSل SبSأSن SيSتSنSاSوSلSوSا SبSاSلSدSرSاSسSة SوSقSاSئSع SأSو SظSوSاSهSر SوSاSحSدSة SكSل SمSنSهSم SيSعSاSلSجSهSاS
مSن SزSاSوSيSة SتSخSصSصSيSةS( S»SمSحSمSوSد SعSبSد SاSلSلSطSيSف S،2005S، SاSلSفSكSر SاSلSتSرSبSوSي SعSنSد SاSلSفSاSرSاSبSي S.S)SوSفSي SهSذSا SكSاSن Sهّ Sم SاSبSنS
سSيSنSا Sأن SيSمSكSن SغSيSرSه SمSن Sأن SيSتSعSلSم SوSقSد SمSنSحSه SاSهلل S،SكSمSا SطSلSب SهSو S،SحSيSاSة SعSرSيSضSة S،SوSإ ن SلSم SتSكSن SطSوSيSلSة S،SفSقSد SاSسSتSطSاSعS
أن SيSنSتSج SهSذSا SاSلSنSتSاSج SاSلSغSزSيSر SاSلSعSمSيSق SاSلSوSاSسSع SاSلSذSي SالSيSسSتSطSيSع SأSن SيSقSوSم Sبه SأSحSد S،SلSكSنSه SفSضSل SاSهلل SيSؤSتSيSه SمSن SيSشSاSءS.S
لSقSد SخSلSف SاSبSن SسSيSنSا( SاSلSشSيSخ SاSلSرSئSيSس S)SثSرSوSة SكSبSيSرSة SيSصSعSب SجSمSعSهSا SوSتSصSنSيSفSهSا SوSتSقSسSيSمSهSا SوSاSنSتSشSاSرSهSا SفSي SجSمSيSعS
أSنSحSاSء SاSلSعSاSلSمS.S
كSاSنSت SحSيSاSتSه SاSلSفSكSرSيSة SخSصSبSة SوSكSاSنSت SفSلSسSفSتSه SاSلSتSرSبSوSيSة SتSدSوSر SحSوSل SتSنSمSيSة SاSلSفSرSد SمSن SحSيSث SهSو SإSنSسSاSن SهSدSفSهS
تSرSبSيSة SاSلSطSفSل SوSاSلSعSنSاSيSة SبSه S،SوSاSلSتSعSاSمSل SمSع SاSلSتSكSوSيSن SاSلSخSلSقSي SوSاSلSسSلSوSكSي SلSلSطSفSل SوSتSرSبSيSتSه SتSرSبSيSة SنSفSسSيSة S،SعSلSى SأSحSسSنS
اSلSطSرSق SاSلSتSرSبSوSيSة S،SوSيSؤSكSد SاSبSن SسSيSنSا SضSرSوSرSة SمSرSاSعSاSة SنSفSسSيSة SلSطSفSل SبSحSيSث SالSيSصSيSبSه SغSضSب SشSدSيSد SأSو SخSوSف SشSدSيSدS
أSو SغSم SأSو SسSهSر S،SوSيSبSيSن SاSلSشSيSخ SاSلSرSئSيSس SأSن SفSي SذSلSك SمSنSفSعSتSيSنS؛ SأSوSالSهSمSا SفSي SنSفSسSه SبSأSن SيSنSشSأ SمSن SاSلSطSفSوSلSة SحSسSنS
اSألSخSالSق SوSيSصSيSر SذSلSك SلSه SمSلSكSة SالSزSمSة S،SوSاSلSثSاSنSيSة SلSبSدSنSه SفSإSنSه SكSمSا SأSن SاSألSخSالSق SاSلSرSدSيSئSة SتSاSبSعSة SألSنSوSاSع SسSوSء SاSلSمSزSاSجS،S
فSفSي SتSعSدSيSل SاSألSخSالSق SحSفSظ SاSلSصSحSة SلSلSنSفSس SوSاSلSبSدSن SجSمSيSعSاًS.S
إSن SمSؤSلSفSاSت SاSبSن SسSيSنSا SعSلSى SغSزSاSرSتSهSا SوSتSنSوSعSهSا SكSاSنSت SمSوSضSع SعSنSاSيSة SاSلSبSاSحSثSيSن SوSهSي SلSم SتSكSن SمSصSنSفSةS
اSلSتSصSنSيSف SاSلSعSلSمSي SاSلSمSوSضSوSعSي SبSل SكSتSب SفSي SذSلSكS« SمSجSمSالً SأSو SمSفSصSالً SأSو SمSلSخSصSاً SأSو SشSاSرSحSاً S،SنSاSثSرSاً SأSو SنSاSظSمSاًS،S
مSبSتSدSئSاً SمSن SنSفSسSه SأSو SمSجSيSبSاً Sعن SأSسSئSلSة SوSجSهSت SإSلSيSهS( »SجSوSرSج SشSحSاSتSة ،1950 S،SقSنSوSاSتSي - SمSؤSلSفSاSت SاSبSن SسSيSنSاS.S)S
اSعSتSمSد SاSألSب SجSوSرSج SشSحSاSتSة SقSنSوSاSتSي SفSي SتSصSنSيSف SمSؤSلSفSاSت SاSبSن SسSيSنSا SحSسSب SاSلSمSوSاSد SاSتSخSذ SذSلSك SأSسSاSسSاً SلSتSرSتSيSبS
إSنSتSاSجSه SوSفSق SرSسSاSلSةS« SتقSسSيSم SاSلSعSلSوSم S»SاSلSتSي SوSضSح SفSيSهSا SجSمSيSع SجSوSاSنSب SمSؤSلSفSاSتSهS.S
وSيSرSى SاSبSن SسSيSنSا Sأن SاSلSعSلSوSم SاSلSعSمSلSيSة SتSأSتSي SفSي SاSلSمSرSتSبSة SاSلSثSاSنSيSة SبSعSد SاSلSعSلSوSم SاSلSنSظSرSيSة SألSن SاSلSعSلSوSم SاSلSنSظSرSيSة SتSتSوSقSفS
علSى SاSلSعSلSوSم SاSلSعSمSلSيSة SوSاSلSعSالSقSة SبSيSنSهSمSا SهSي SعSالSقSة SجSدSلSيSة S،SوSمSوSقSفSه SهSو SمSوSقSف SاSلSفSيSلSسSوSف SمSن SحSيSث SاSلSغSاSيSة SاSلSقSصSوSىS
مSن SتSحSصSيSل SاSلSعSلSوSم SلSبSنSاSء SاSلSهSيSكSل SاSلSعSاSم SلSلSمSنSهSج SاSلSفSلSسSفSي SاSلSتSرSبSوSي SاSلSعSرSبSي SاSإلSسSالSمSي S،SوSبSيSاSن SخSصSاSئSصSه SاSلSمSتSمSيSزSةS
وSقSدSرSتSه SاSلSفSاSئSقSة SعلSى SبSنSاSء SاSإلSنSسSاSن SبSنSاً Sء SحSسSنSاً SألSنSه SيSنSظSر SإSلSى SاSإلSنSسSاSن SفSي SجSمSيSع SجSوSاSنSبSه SجSسSدSاً SوSرSوSحSاً SوSعSقSالً SبSدSقSةS
مSتSنSاSهSيSة S،SألSنSه SيSتSعSاSمSل SمSع SاSإلSنSسSاSن SعSلSى SأSسSاSس SاSلSفSطSرSة SاSلSبSشSرSيSة SاSلSمSمSتSزSجSة SاSلSمSتSرSاSبSطSة SلSتSحSقSيSق SاSلSتSوSاSزSن SبSيSن SجSمSيSعS
طSاSقSاSت SاSإلSنSسSاSن S،SوSهSو SيSنSظSر SإSلSى SاSإلSنSسSاSن SعلSى SأSنه SقSوSة SفSاSعSلSة SفSي SوSاSقSع SاSلSحSيSاSة SبSغSيSر SتSسSلSطS( SجSعSفSر SآSل SيSاSسSيSنS،S
S،1952فSيSلSسSوSفSاSن SرSاSئSدSاSن SاSلSكSنSدSي SوSاSلSفSاSرSاSبSيS.S)S
-72-
رابعاً :أهمية دراسة الفكر التربوي عند ابن سينا
كون عقله العالم
آ -ثقافة ابن سينا التربوية :لكل ثقافة من الثقافات منهاجها التربوي الخاص ،وابن سينا ّ
اإلسالمي أجمـع بقراءتـه وثقافته وعلمـه وفلسفته ( وهذا التكوين العقلي أهم البن سينا من التكوين الجسمي ،على
أن العلم ال يعرف له وطن ،فليس هناك عالم أندلسي وال مغربي وال مشرقي ،إنما هو كالشمعة ،تضيء كل
مكان ،وإ ذا كان العلم كذلك ،فكيف بالفلسفة وهي تهزأ بالوطن ،وترتفع عن الزمان والمكان» (المهرجان األلفي
لذكرى ابن سينا ،1952 ،جامعة الدول العربية) لقد كان ابن سينا فيلسوفاً عالمياً ،انتفع به اإلنسان الذي هو
محور العملية التربوية ،سواء أكان في ذلك فلسفته أو طبيعته أو ثقافته التي عبر عنها أستاذنا الدكتور Sأحمد أمين
بقوله« :إنه سبح في الالنهاية والالمحدود.»S
من هنا يمكن القول :إن ابن سينا مثال للروح اإلنسانية الثائرة ،التواقة إلى السمو ،والطامحة في الصعودS
إلى المأل األعلى ،وهذا الطموح العقلي يمثل درجة من الحيوية والثراء والفاعلية ،ألن النفوس الطامحة ال تهدأ
كما يهدأ الماء الراكد ،بل تندفع إلى األمام دائماً ،وتتجرد Sمن قيود المادة ،وابن سينا كان يدرك تمام اإلدراك أن
همه الرئيسي Sهو إبالغ المتعلم إلى كماله اإلنساني ،مما يجعل من المحتم على ابن سينا أو غيره أن يقف وقفة ّ
مهما قصرت« Sأمام تدريب المعلم وتوجيهه لتكوين اإلنسان فكراً وثقافة وروحاً وخلقاً ،وهذا سيكون سبباً في
إحداث ثورة ثقافية تربوية تكون أداة لنقل الخبرات ،وصقل الكيانات االجتماعية المختلفة»( محمود عبد اللطيف،
،2005الفكر التربوي Sعند الفارابي ،مجلة المعرفة).
إن ما جاء به ابن سينا من أفكار تربوية تعبر عن إحاطة وشمول بتربية اإلنسان منذ أن يكون جنيناً في
بطن أمه إلى أن يولد وينمو Sويمر في مراحل العمر المختلفة ،وهذا يشير إلى أن آراء ابن سينا التربوية تعبر
تعبيراً دقيقاً عن جوهر المبادئ التربوية التي يؤمن بها المنفعة مع روح الدين اإلسالمي ،ويدل هذا على عمق
تفكيره ورجاحة عقله في مجاالت التربية كافة فهو فيلسوف من الطراز Sاألول ،أظهر في ثنايا كتبه كثيراً من
األفكار التربوية وعبر عنها بلغة سهلة واضحة.
والحق أن ابن سينا قرر أموراً تعد غاية في الدقة والروعة في مجال تربية الطفل من ذلك:
إرضاعه وتعليمه والعناية بجسمه وتوجيهه إلى ما يالئم طبعه في جميع مجاالت الحياة.
إن ما جاء به ابن سينا يوفر البنية العميقة للتربية ،وقد Sأفاد الباحثون والمفكرون الذين أتوا بعده في الفكر
التربوي الذي يمثل اإلطار التوجيهي Sلألنشطة التربوية التي يقومون بها.
-73-
هذا هو نهج ابن سينا وهذه هي طريقته وأسلوبه ومنطقه الفلسفي التي ال يمكن أن يقف اإلنسان فيها عند
حد العلم ،بل البد من الممارسة والتدريب حتى يكتسب المهارة المطلوبة ،وهذا ما نعالجه في دراستنا لالتجاهات ّ
التربوية عند ابن سينا (الدينية واللغوية ،والعقلية والموضوعية واالجتماعية ،والجسمية ...الخ )من هنا نلمح
أهمية الفكر التربوي Sعنه .إليضاح بعض الحقائق حول التربية العربية اإلسالمية وبيان أسسها ومناهجها ،مع
مناقشة مفاهيم التربية الحديثة على ضوء مما ورد في القرآن الكريم وفي Sاألحاديث الشريفة حول الهيكل العام
للمنهج التربوي اإلسالمي ،والدافع Sإلى هذا قلة الكتابات في هذا الشأن السيما وأن التربية الحديثة تقوم على
فلسفات وضعية من الغرب إلى الشرق ،وأن الذين كتبوا في التربية أو علم النفس أخذوا مباشرة بما فرزته هذه
الفلسفات ،مع األخذ بالحسبان جميع مكونات اإلنسان ،واالهتمام Sبنوازعه الفطرية وتوجهه نحو الكمال وتدربه
للصعود إلى القمة بكل طريق ممكنة وجهد مستطاع ،وأنها ليست خياالً وال معجزات صعبة التحقيق .ويمكن
استخدمها على أحسن وجه في جميع المجاالت.
-74-
الفصل الخامس
االزدهار العلمي والثقافي في القرن الرابع الهجري
-مقدمة
-75-
االزدهار العلمي والثقافي في القرن الرابع الهجري
األمم التي كتبت تاريخها الحضاري Sكثيرة قديماً Sوحديثاً ،ووعي األمة بذاتها واعتزازها Sبتراثها يجعل من
واجبها االعتزاز بأعالمها المبرزين الذين أسهموا في عطائها الحضاري وإ نجازها Sالعلمي ،ودارسو أعالم هذا
البد لهم من أن يكونوا على وعي تام بحضارة الشعوب ،وسير التاريخ ناظرين إلى شؤون التراث العربي ّ
مجتمعاتهم ،وسير Sاألحداث ،وتناغم العقول ،وبذا نستطيع أن نصنف حضارتهم في القرن الرابع الهجري ،فاألمم
تتبارى حقيقة في تجاذب أطراف Sالفخار واالعتزاز Sبمقدار ما لديها من هذه القمم البشرية التي تركت بصماتهاS
على الثقافة والحضارة والتاريخ ،وكان ألعالم األمة اإلسالمية السبق في دفع عجلة الحضارة والثقافة وإ يصالها
إلى المستوى Sالمطلوب الالئق بإنسانية اإلنسان ومنزلة اإلسالم التي مهدت لحضارة الغرب في القرنين التاسع
عشر والعشرين.
على الرغم من قساوة الحياة في الجزيرة العربية ،فقد كانت زاخرة بالمعارف والدرايات Sالضرورية التي
ضمنتها ظروف البيئة ،ولعل من أهم المعارف التي اصطنعتها Sالبيئة العربية الخطابة والقصص والتنجيم Sوالطب
والرواية ،وهي وسائل تربوية بحد ذاتها جعلت من العربي أن يحفظ الشعر باعتباره سجالً للمآثر ،والمكانة لكل
أن نجد على مر العصور Sواألزمان فيلسوفاً Sمثل جانب من جوانب الثقافة العربية إذ إنه من الصعوبة بمكان ّ
الفارابي وال شاعراً مثل المتنبي وال نحوياً مثل األخفش وال أديباً ابتدع المقامات مثل بديع الزمان الهمذاني ،وال
أديباً مؤرخاً Sناقداً مثل األصفهاني ،وال عالماً مثل البيروني Sأو ابن الهيثم ،أو ابن سينا الذي جمع فأوعى جميع
جوانب العلوم والثقافة بجميع مضامينها S،فهو طبيب حاذق ،وفيلسوف كبير ،مؤلفاته تربو Sعلى المئة منها:
«اإلشارات والتنبيهات »Sفي المنطق والحكمة( ،وكتاب الشفاء) في الطب والفلسفة وكتاب النجاة الذي جمع فيه
التراث العظيم لكل ما ذكر ،ومن أعالم هذا القرن أبو حبان التوحيدي فهو دائرة معارف عصره ،وقد نسج على
منوال الجاحظ في افتتاحيات كتبه كلّها.
إن االزدهار العلمي الثقافي في القرن الرابع الهجري يشير إلى أهمية دراسة هذا العصر وتصوير اإلنسان
فيه ،واإلشارة إلى حركة الزمن الفاعلة في جميع جوانب الحياة اإلنسانية وما تقدمه «لخزانة البشرية التي تعرف
باسم الحضارة» (علي شلق ،2003 ،أبو حيان التوحيدي Sوالقرن الرابع الهجري).
-76-
بذا ترانا نبين واقع عصر بني العباس منذ عهد السفاح إلى المنصور رجل الدولة األول في هذا العصر،
والذي يشبه عبد الملك بن مروان بقوة اإلرادة ،وتوطيد Sالملك الذي استقر في عهد المهدي وازدهر Sفي عصري
عرف في تاريخ األمة العربية.
الرشيد والمأمون ازدهاراً لم ُي َ
وإ ذا كان عصر الرشيد والمأمون قد تم مدحه من قبل بعض الشعراء الكبار كأبي نواس والعتاهية والحسين
بن الضحاك ،ومسلم Sبن الوليد ،ومروان بن أبي حفصة ،والسيد Sالحميري.
لقد امتاز ذلك العصر بنظام دقيق Sشديد يحفظ األمن والحرية لدور العلم لتنير العقول ،وتغني الفكر في
جميع جوانبه إال أن عصر بني العباس غابت شمسه بعد مصرع المتوكل وفسد Sفيه أمر المجتمع ،واضطرب
حبله ،وأصبحت الجماهير تقف أمام األقدار Sحيال هذا المصير الذي آل إليه واقع هذا العصر سواء أكان في
مجال االقتصاد وهو العنصر Sاألساسي في بناء الدولة ،والعلم الذي هو صدى البحث واالستنباطS.
وفي Sمجال الفن بوصفه عامالً لتجاوز الواقع إلى ما هو أكمل وأجمل «وأنه إضافة اإلنسان إلى الطبيعة
والكون فقد شق طريقه بتمايز ،إذ هو والعلم طائران ال يخضعان لمناخ األقاليم Sالتي تجري فيها الفصول» (علي
شلق ،2003 ،أبو حيان التوحيدي والقرن الرابع الهجري).
فلو أننا نظرنا إلى قضايا المجتمع في القرن الرابع الهجري من نواحيه المختلفة لبان لنا من األمور Sما
يدعو إلى االهتمام بأفراد المجتمع وبيان الفارق بين ظروف المعيشة آنذاك بين كافة طبقات الشعب ،وهذا يؤثرS
على النهضة الحضارية في تلك الفترة.
-الفن المعماري في القرن الرابع الهجري:
يشير «برناردلويس» إلى أن الفن المعماري في القرن الرابع الهجري ال يتناول المضارب والقرى بمقدار
ما يتناول المدن ،هذه المدن التي تكلم عليها إنها كانت تتبع في بنائها ( )Urbenismeثالثة مبادئ :المساحة،
والمناخ اإلقليمي ،والموقع الهام الذي تقتضيه ظروف Sالعصر الذي بنيت فيه(.)1
أما في مجال الفن المعماري في البيت اإلسالمي يشير « ريشار Sأتينجهوزن » إلى أنه كان واحة نضرة
في بادية عطشى ،ففيه عبر المسلمون عن ذوقهم Sالفني ونمط Sحياتهم بتزيين بيوتهم Sمن الداخل ،كنوافير Sالماء في
المداخل ،أو النقش ،والفسيفساء ،أما شوارع مدنهم التي هي بمثابة جسور عبور ،وروابط Sبيوت فقد كانت
ضيقة(.)2
لقد كان فن البناء في القرن الرابع الهجري بفضل عبقرية الذهن البناء السائدة عند بعض العباسيين الذي
ترك أثره فيمن جاء بعدهم سواء أكان بتشييد القصور وبناء المدن وتنظيم البساتين وزروعها ،وجلب كل غريب
بعيد من شجر الفاكهة وبناء البيوت األنيقة ،يقول ميتز « ال نعرف في القرن الرابع الهجري إال تصنيفاً واحداً
للمدن وهو يقوم على اعتبار أساس سياسي وتعرف Sبين المدن على هذا النحو»
األمصار :وهي البالد التي يحلّها السلطان وتجتمع فيها الدواوين ،وتقلد األعمال ،وتضاف Sإليها -1
األقاليم.
القصبات :وهي عواصم األقاليم. -2
المدن أو المدائن وهي ما يلي القصبة في األقاليم. -3
النواحي مثل نهاوند ،وجزيرة ابن عمر. -4
1
L'isfom. D'hierA, avjourdhui – par B. Lowis, p. 63. )(1
2
Lacreation artistique F'isia MD, hier aou jourdhui – par R. E. p. 67. ARtetarchitecture. )(2
-77-
-5القرى وهي الملحقة بالمدن(الحضارة اإلسالمية ،الجزء الثاني).
وفي Sالقرن الرابع الهجري بنى الخلفاء مدناً خاصة بهم مثل المدن الفاطمية في مصر منها :المهدية،
والمنصورية ،والمحمدية ،والقاهرة .أما في األندلس فقد بنى عبد الرحمن الناصر غربي قرطبة مدينة الزهراء
الرائعة .وفي مجال المساجد فقد ذكر الخطيب البغدادي أنه كان في بغداد عام 300للهجرة سبعة وعشرون ألف
مسجد وفي البصرة سبعة آالف ( الخطيب البغدادي ،بدون تاريخ ،تاريخ بغداد).
-78-
-وإ ذا كان القرن الرابع الهجري يظهر لنا في صورة تكاد يرثي لها من الناحية السياسية فسوف نجد له شأنًا
يعد من أزهى العصور اإلسالمية وأكثرها إنتاجًا وأغزرها ثقافة وفكرًا ،ولن
آخر من الناحية العلمية والثقافية ،بل ّ
نجد فنًا من فنون العلم التي عرفها األقدمون وال ضربًا من ضروب الهزل والجد التي اشترك فيها الناس إال وقد أخذ
المسلمون منه بحظ غير قليل ،بهدف دمج اإلنسان في المجتمع الذي يعيش فيه ،وعملية الدمج هذه عبارة عن
محاوالت تنمية لبعض جوانب شخصيته ،وتشذيب لجوانب أخرى ،هناك جوانب عديدة في شخصية اإلنسان ال
ينضجها إال الزمن ،ويجب أن نعطيه الفرصة الكافية والمستوى العالي من النضج الفكري قد ال يتم قبل أن يسلخ
المرء من عمره عقودًا من الزمن حيث أن البشرية كائن يتعلم على نحو مستمر.
وليس بنا حاجة إلى أن نذكر تاريخ الترجمة عند المسلمين وما اختلف عليها من أطوار وما تناولته من فنون
وعلوم (دي السن أولبري :علوم اليونان وسبل انتقالها إلى العرب) ،وهذا يشير إلى أن ما جاء في فهرست ابن النديم
وتاريخ الحكماء للقفطي ،واألطباء البن أصيبعة يعد إثباتًا لهؤالء األعالم من الفالسفة والمترجمين وما نقلوا ولخصوا
من كتب األمم األخرى ،وحسبنا أن نشير إلى أنه لم يظل األمة اإلسالمية عصر ابن سينا حتى كان قد تم نقل ما
أورث اليونان من فلسفة وحكمة وعلوم ،إذ ترجمت كتب أرسطوطاليس وأفالطون وإ قليدس وبطليموس وجالينوس
وكثيرًا مما أنتجه قرائح السريان والفرس والهنود وصبت كل تلك الروافد في الفكر اإلسالمي وأصبحت متداولة بين
أيدي الناس يدرسونها ويتفهمونها في المنازل وفي األندية وفي قصور الخلفاء واألمراء .ونشير إلى أن لكل مجتمع
مبادئه ومثله العليا ،كما أن له أيضًا مصالحه وطموحاته وتقاليده ومشكالته ،وبين هذه وتلك نوع من التشابك
والتضاغط المستمر؛ المثل والمبادئ تضغط على المصالح؛ حتى تظل في إطارها ،والمصالح تضغط على المبادئ
كي تتسع لها من خالل توسيع مدلوالتها ،والتخفيف من صرامة أحكامها ،ومن المبادئ والمصالح تتكون البيئة القيمية
واألخالقية وحين يكون صوت المبادئ هو األعلى ،فإن نسق الحياة كلها يتحسن في السياسة واألخالق والتربية
واالجتماع (جرجي زيدان1325 ،هـ ،تاريخ آداب اللغة العربية).
ثالثاً :المزايا العلمية والثقافية في القرن الرابع الهجري
-1نضج العلوم وكثرة المكتبات:
ففي هذا العصر نضجت العلوم على اإلجمال وتكونت المعاجم اللغوية واستقر اإلنشاء على أسلوب أصبح
يقلده أهل العصور التالية ،ونضجت الفلسفة وتألفت جمعية إخوان الصفا ،واستقرت قواعد الطبيعيات والطب كما
والتفكيرعند ابن سينا – م9 ظهرت في رسائل إخوان الصفا ،واتسع خيال الشعراء وظهر الشعر الفلسفي المبنى على النظر واالختبار
الفكر الرتبوي
في الحكمة من الوجود ،ثم تكون االنتقاد الشعري أو األدبي واستقرت أبواب الشعر وظهرت الروايات والقصص
الحماسية الخيالية ،ونما فن التاريخ وتفرع عنهما علم معرفة األوائل ،وظهر كتاب الفهرست البن النديم وهو أهم
مصادر تاريخ آداب اللغة العربية إلى ذلك العهد.
-79-
وقد Sامتاز هذا العصر بكثرة المكتبات الكبرى في مصر والعراق Sواألندلس وبالد ما وراء النهر ،وتشتملS
المكتبة منها على مئات األلوف من المجلدات ،وفتحت أبوابها لطالب العلم والمطالعين كمكتبة العزيز الفاطمي
التي كانت تحتوي على نحو مليون من كتب الفقه والنحو واللغة والحديث والتاريخ والنجامة والروحانيات وسائر
العلوم القديمة .ودار الحكمة أو دار العلم للحاكم بأمر اهلل ،وكانت أبوابها مفتوحة للطالب كالمدرسة الكبرى
للمطالعة والنسخ .ومكتبة الصاحب بن عباد الذي ملك من الكتب ما يقدر حينئذ بما كان في مكتبات أوربا Sمجتمعة
(ويل ديورانت ،1960 ،مآثر العرب على الحضارة األوربية) .ومكتبة نوح بن منصور Sالساماني ببخارى Sالتي
يقول عنها ابن سينا« :فدخلت داراً ذات بيوت كثيرة في كل بيت صناديق كتب منضدة بعضها على بعض ،وفي
كل بيت منها كتب العربية والشعر وفي Sآخر الفقه ،وكذلك في كل بيت علم مفرد فطالعت فهرست Sكتب األوائل
وطلبت ما احتجت إليه منها ورأيت من الكتب ما لم يقع اسمه إلى كثير من الناس قط وما كنت رأيته من قبل وال
رأيته أيضاً من بعـد (ابن أبي أصيبعة ،بدون تاريخ ،عيون األنباء ) ،وقس على ذلك سائر المكتبات اإلسالمية.
-2ظهور الموسوعات العلمية واألدبية:
ففي هذا العصر أخذت الموسوعات (دوائر المعارف) في الظهور Sبعد أن وضع أساسها الفارابي بكتابه
«إحصاء العلوم» الذي قسمه إلى خمسة فصول تحتوي Sعلى ثمانية علوم هي :اللسان ،وعلم المنطق ،وعلم
التعاليم (الرياضة) ،والعلم الطبيعي ،والعلم المدني ،وعلم الفقه ،وعلم الكالم (عثمان أمين ،1948،مقدمة إحصاء
للفارابي) ،ثم وضع أبو عبد اهلل محمد بن أحمد بن يوسف الخوارزمي المتوفى Sسنة 387هـ كتاب «مفاتيح
العلوم» ألبي الحسن عبيد اهلل بن أحمد العقبي وقسمه إلى مقالتين :األولى -وتشتمل على اثنين وخمسين فصالً
تجتمع في ستة أبواب وهي :الفقه ،والكالم ،والنحو ،والكتابة ،والشعر ،والعروض ،واألخبار ،والثانية :وتشتمل
على واحد وأربعين فصالً في تسعة أبواب :الفلسفة ،والمنطق S،والطب وعلم العدد ،والهندسة ،والنجومS،
والموسيقى ،والخيال ،والكيمياء.
وكذلك ظهرت رسائل إخوان الصفا في القرن الرابع الهجري ،وهي أشبه بموسوعة في الفلسفة والعلوم،
وتحتوي على اثنتين وخمسين رسالة ،قسمها مؤلفوها إلى أربعة أقسام كبرى :رياضية وتعليمية ،وطبيعية جسمانية
ونفسانية عقلية ،وإ لهية ناموسية ،ويقول إخوان الصفا في الرسالة األولى من هذه الرسائل« :فالفلسفة أولها محبة
العلوم وأوسطها معرفة حقائق الموجودات بحسب الطاقة اإلنسانية وآخرها القول والعمل بما يوافق العلم .والعلوم
الفلسفية أربعة أنواع :أولها الرياضيات ،والثاني المنطقيات ،والثالث العلوم الطبيعيات ،والرابع العلوم اإللهيات»
(رسائل إخوان الصفا1306 ،هـ ،الجزء األول).
وقد Sالحظ فان فلوتن (فان فلوتن ،1895 ،مقدمة إحصاء العلوم للفارابي) مدى تأثير «إحصاء العلوم»
للفارابي على تلك الموسوعات ومقدار ما كتب لهذا الكتاب من ذيوع وانتشار Sلدى العلماء والمؤلفين في العالم
اإلسالمي ،وبجوار Sهذا فإن من كتب األدب ما يعد من قبيل الموسوعات لتعدد موضوعاته ككتاب العقد الفريد
البن عبد ربه وغيره من الكتب.
-3تعدد العلوم:
-80-
فقد تعددت فروع Sالعلم اإلسالمي تعدداً يدل على الثراء والخصب (ابن صاعد األندلسي ،1917،العلوم
عند العرب ) حتى وصلت إلى ثالثمائة علم قسمها صاحب «مفتاح السعادة» فيما بعد إلى ستة أبواب (طاش
كبرى زادة1328 ،هـ ،مفتاح السعادة ومصباح Sالسيادة ) العلوم الخطية وهي تنقسم إلى تسعة علوم ،والعلومS
المتعلقة باأللفاظ أو العلوم اللسانية وهي أربعة وأربعون علماً ،والعلوم Sالباحثة عما في األذهان من المقوالت
وهي خمسة علوم .والعلوم Sالمتعلقة باألعيان وهي مائة واثنان وعشرون علماً يدخل فيها الطبيعيات والرياضيات
والطب والتاريخ الطبيعي والفراسة ،والعلوم Sالحكمية العملية وهي ثمانية علوم يدخل فيها االقتصاد والتدبيرS
المنزلي والتربية واألخالق والسياسة ،والعلوم الشرعية ويزيد Sعددها عن نيف ومائة علم كعلوم القراءة
والتفسير والحديث وأصول Sالدين.
وغير هذا البحث كفيل بالحديث عن تلك العلوم وأسماء المؤلفين ،والمؤلفات التي وضعوها في كل علم
(محمد كرد علي ،1934،اإلسالم والحضارة العربية) والذي يهمنا هنا أن التاكيد أن هذه المزايا الثقافية للعصر
كانت أمراً مشاعاً تتداوله جميع اإلمارات والدول اإلسالمية ،وأن الطالب المسلم في هذا العصر وجد مناهل عذبة
ومتعددة ،وآفاقاً Sرحبة واسعة من العلم والمعرفة ،ولقد نهل ابن سينا من هذا المورد الثقافي الهائل ،واختار Sلنفسه
«العلوم الفلسفية» يتخصص فيها طالباً وعالماً ومؤلفاً ،وفيلسوفاً تربوياً Sيدعم هذا االتجاه الفلسفي في التربية
اإلسالمية.
إن إحياء التراث وتحويله إلى مؤثرات فاعلة في حياتنا المعاصرة وفي Sبناء المستقبل يعني كما يرى محمد
عمارة «أن نبصر جذور Sغدنا الذي نريده مشرقاً في الصفحات المشرقة من التراث :وأن نجعل العدل
االجتماعي الذي نكافح من أجله االمتداد المتطور Sلحلم أسالفنا Sبسيادة العدل في حياة اإلنسان وأن نجعل قسمات
العقالنية والقومية في تراثنا زاداً طيباً وروحاً ثورياً تفعل فعلها في يومنا وغدنا ،فبذلك يصبح تراثنا روحاً سارية
في ضمير األمة وعقلها ،تصل مراحل تاريخها ،وتدفع Sمسيرة تطورها Sخطوات وخطوات إلى األمام ،وبذلك
وحده يصبح التراث طاقة فاعلة وفعالة».
ويقول محمود أحمد السيد« :نأخذ من تراث األقدمين ما نستطيع تطبيقه اليوم تطبيقًا عمليًا ،فيضاف إلى
الطرائق الجديدة المستحدثة ،فكل طريقة للعمل اصطنعها األقدمون وجاءت طريقة أنجح منها كان البد من إطراح
الطريقة القديمة ووضعها على رف الماضي ،بعبارة أخرى ،إن الثقافة ثقافة األقدمين أو المعاصرين هي طرائق
عيش ،فإذا كان عند أسالفنا طريقة تفيدنا في حياتنا الراهنة أخذناها ،وكان ذلك هو الجانب الذي نحييه من التراث،
وأما ما ال ينفع نفعًا عمليًا تطبيقيًا فهو الذي نتركه ،وكذلك نقف الوقفة نفسها بالنسبة إلى ثقافة معاصرينا من أبناء
أوروبا وأمريكا ،المدار هو العمل والتطبيق ،وما نحياه».
ويتابع محمود Sأحمد السيد قائالً« :لنأخذ من الموروث جزءه العاقل المبدع الخالق ،وننبذ جزءه اآلخر
الخامل البليد ،نأخذ جزءه العاقل المبدع ال لنقف عند مضمونه وفحواه نبدي ونعيد ،بل لتستخلص منه الشكل كي
نمأل مضمون هذا الشكل من عصرنا ومن حياتنا ومن خبراتنا.»S
-81-
تجدر اإلشارة إلى أنه البد من النظر إلى االرتقاء العلمي في القرن الرابع الهجري ،وإ لى التراث على أنه
حياة الموت وحركة الجمود عند العرب في مجال العلوم النظرية والتطبيقية من رياضيات ،وهندسيات ،وفلك،
وجغرافيا ،وطبيعيات أو بيولوجيا وطب ،وصيدلة ،حيث تفوقوا على الهنود واليونان والمصريين القدماء والبابليين
إال أنهم كانوا مولعين بشكل خاص بالفيثاغورية ،وفك رموز العدد ،والعناية بأمر الطالسم ،والسحوبات عناية
واضحة.
وإلظهاSر Sالتقدم Sالعلمي والحضاSري Sفي Sهذا Sالعصر Sنشير Sإلى مكانة كل من علمائه وآثارهم Sومقدار Sكل
واحد Sمنهم Sفي Sعصره لنبدأ بعلم Sالفلك وفيه تقدم Sالعرب على العلماء Sالذين سبقوهم Sمن البابليين واليونان Sوقد Sبدأ
هذا العلم Sعند العرب في Sمدينة Sبغداد ،خاصة Sفي Sعهدي الرشيد Sوابنه Sالمأمون اللذين أكدا Sعلى SضرورةS
االهتمام Sبترجمة كتب الفلك حيث كانت Sعناية «المترجمين Sفي Sهذا الموضوSع Sمنصبة Sعلى Sترجمة ما Sألفه
إقليدس Sوأرخميدس S،وبطليمSوس.»S
بيد أن معرفة العرب قبل القرن الرابع الهجري تتمحور حول( :علي شلق ،2003،أبو حبان التوحيدي):
-1تجربة الجاهلين بتأمل الفلك لالهتداء ليالً من واقع النجوم.
-2االستفادة من تقدم علم الفلك عند البابليين قديماً.
-3تحدثوا عن اإلشارات الفلكية التي جاء بها القرآن الكريم.
والحق إن «جوستاف لوبون» أكد أن العرب قد عرفوا بالدقة العظيمة ،وعينوا انحراف سمة الشمس كما
هو الحال في الوقت الحاضر(جوستاف Sلوبون ،بدون تاريخ حضارة العرب).
ويعد البتاني من أشهر علماء الفلك في العصر العباسي -القرن الرابع الهجري منه (التاسع الميالدي) وهو
صاحب كتاب «زيج الصافي» وكذلك لوبوف ببطليموس اليوناني ،والبتاني هو أبو عبد اهلل محمد بن جابر بن سفيان
الحراني ،الصابئ ،المعروف عند الغربيين في القرون الوسطى باسم Albatevesset Albategni :وهو من البتّانيّ ،
أكبر علماء الفلك عند العرب ،وهو الذي قال عنه جوستاف لوبوف في كتابه :حضارة العرب «وضع الالند صاحب
المعجم الفلسفي البتّاني في سن الفلكيين العشرين الذين عدوا أشهر فلكيي العالم».
ولد البتّاني عام 244هـ858 -م توفي سنة 317م 929م ومن آثار العالم الفلكي البتاني:
-كتاب معرفة مطالع البروج فيما بين أرباع الفلك.
-رسالة في تحقيق أقدار االتصاالت.
-شرح المقاالت األربع لبطليموس.
-الزيج وهو أهم تصانيفه وقد Sكان لهذا الكتاب أثر كبير في أوروبة ،إذ ترجمه إلى الالتينية «روبرتوس
رتنسيس» Robertus Retinesisكذلك نقله إلى الالتينية «أفالطون تيباستيفوس» Platon Tibastinasفي
منتصف القرن الثاني عشر.
كان البتّاني عالماً حاذقاً Sفي بيان أحوال القمر عند والدته ،وله رصود جليلة للكسوف Sوالخسوف Sاعتمد
عليها «دنثورن» « »Dunthorneسنة 1749في تحديد تسارع Sالقمر في حركته خالل قرن من الزمان.
-82-
ومن أشهر فلكيي هذا العصر أبناء موسى بن شاكر الثالثة ،إذ وضعوا Sتقاويم ألمكنة النجوم السيارة ومن
بعدهم أبو الوفاء المتوفى Sسنة ( 998البوزجاني) الذي صحح آراء بطليموس ،وكل ذلك كان يجريه هؤالء
العلماء من وسائل كالمنظار Sوالمرقب (جوستاف Sلوبون ،بدون تاريخ ،حضارة العرب) وأكد المؤرخون أن
الفلكيين العرب سبقوا كيبلر ،وكوبرنيك في اكتشاف Sحركات الكواكب السيارة على شكل بيضي ،وفي Sنظرية
دوران األرض ،كما أن األزياج المعروفة «باألزياج األذفوفشية» مأخوذة عن العرب (جوستاف لوبون ،بدون
تاريخ ،حضارة العرب) .وكلمة الزيج تعني الجدول الذي يستدل به على حركات الكواكب السيارة وهي كلمة
فارسية.
-من أعالم القرن الرابع الهجري «البوزجاني» (الزركلي ،بدون تاريخ ،كتاب األعالم).
اSلSبSوSزSجSاSنSي S:SهSو SمSحSمSد SبSن SيSحSيSى SبSن SإSسSمSاSعSيSل SبSن SاSلSعSبSاSس SأSبSو SاSلSوSفSاSء SاSلSبSوSزSجSاSنSي S،SمSهSنSدSس S،SفSلSكSي S،SرSيSاSضSيS
وSلSد SفSي SبSوSزSجSاSن SبSيSن SهSرSاSة SوSنSيSسSاSبSوSر SسSنSة 940 - 328 SوSاSنSتSقSل SإSلSى SاSلSعSرSاSق SسSنSة 348 SوSتSوSفSي SفSي SبSغSدSاSد SسSنSةS
388هSـ 998 -مS.S
ومن آثار البوزجاني الكامل في حركات الكواكب ،وكتاب الهندسة ،وتفسير Sكتاب الخوارزمي في الجبر
والمقابلة ،وتفسير كتاب ديوفنطس Sفي الجبر والمقابلة ،ويعد البوزجاني Sمن أعظم رياضيي العرب ،وله الفضل
الكبير على تقدم هذا العلم في الغرب ،والقرون الوسطى S،لقد بلغ البوزجاني Sقمة الدقة في علم الرياضيات Sمما
جعل ابن خلكان يبدي إعجابه ببحوثه الهندسية ،وزيادته على أبحاث الخوارزمي زيادة تعد أساساً لعالقة الهندسة
بالجبر (علي شلق ،2003،أبو حبان التوحيدي).S
ومن أهم كتب البوزجاني التي دهش لها الغربيون «كتاب في عمل المسطرة ،والبركار ،والكدنيا ،ترجمها
الغربيون)GeoMetrical Covstruction :
وقد اطلع المستشرق الفرنسي كاراده فو Carradeveaxعلى بحوث البوزجاني في المثلثات فأعجب به ومثله
سميث Smithوسارطون ،Sartonوأجمع هؤالء على أنه أول من وضع النسبة المثلثية (ظل) وأنه أول من
استعملها في حلول المسائل الرياضية (علي شلق ،2003 ،أبو حبان التوحيدي).
والحق أن علماء القرن الرابع الهجري امتازوا بالمهارة والحذاقة في كافة المجاالت الحضارية والعلمية
مستخدمين التربية العقلية لخدمة اإلنسان والبشرية ألن العقل هو الذي يمكن المرء من معرفة بناء العالم الذي
يحيط به ،وبذلك تتضح أهمية العلماء الذين تناولوا Sالعلوم الرياضية والفلكية والفلسفية والتربوية في هذا القرن.
فمن المرموقين في علم الرياضيات في هذا العصر أبو بكر محمد بن الحسن الكرخي ،الذي اهتم بالحساب
والجبر ،وهو الذي اعتمد على طريقة اليونان :الحسبان باألحرف في ح ّل المسائل ال على الطريقة الهندية:
الحسبان باألرقام.
ومن المشهورين في العلوم الفلكية والرياضية أبو يونس الصفدي المصري المتوفى Sسنة 397هـ -
كرمه الفاطميون ،ووثقوا Sبوفائه وجهوده العلمية ،وأكد مؤرخو
1007م وهو من بيت عرف بالعلم والفضل ،فقد ّ
تطور علم الفلك أن حساب ابن يونس الصفدي ال يختلف في وقته عن حساب الفلكيين المعاصرين وقد Sبرع في
مجال العلوم الطبيعية في مجاالت الفيزياء والكيمياء والحيل (الميكانيك) ومعرفة العناصر والتحوالت Sبكافة
أنواعها ،كالثقل والخفة في األجسام ،واألصوات Sوالحرارة ،والمغناطيس.
-83-
وقد Sتناولها إخوان الصفاء في رسائلهم العناصر Sاألربعة الماء والهواء والتراب والنار Sورفضوا المذهب
الذري الذي قال به علماء الكالم كاألشعري والقاضي Sعبد الجبار بن أحمد به ومن علماء هذا القرن إبراهيم بن
سنان ،بن ثابت بن قرة المتوفى سنة 335هـ 946هـ.
وله عدة رسائل في الهندسة والفلك ،واالضطراب ورسم Sالقطوع الثالثة وحركة الشمس والهندسة
حيان والذي أصبح بفضل أبحاثه علماً مختبرياً تطبيقياً،
والنجوم ،أما في علم الكيمياء فقد اشتهر به جابر بن ّ
والذي مهد السبيل لمن عنوا بالكيمياء بعده.
-وقد Sأورد إخوان الصفاء آراء عن الكيمياء في الرسالة الجامعة فقالوا :اإلكسير Sهو الكيمياء والكيمياء
هو الفن ،والفن هو السعادة ،والسعادة هي البقاء على أفضل األحوال ،والتشبه باآللة» (رسائل إخوان
الصفا،بدون تاريخ ،الرسالة الجامعة).
والحق أن المؤرخين أكدوا أن علماء الصفاء لم يعتمدوا Sفي تقريرهم بصدد الكيمياء على التجربة ألنهم في
الحقيقة حكماء نظريون ال علماء تطبيقيون ،غير أن ابن سينا الذي قضى Sج ّل عمره في القرن الرابع الهجري
ويرد على المشتغلين بها.
(المتوفى سنة 428هـ 1037 -م) ألف كتاباً فيه بطالن الكيمياء ّS
-وابن سينا ،الشيخ الرئيس إن أصاب في قوله« :لكل معدن طبائع خاصة به ،وقائم بنفسه فال يجوز أن
ينقلب إلى غيره .وأشار Sعلي شلق في كتابه (أبو حيان التوحيدي) Sفقد أخطأ في حصر الكيمياء في هذه الزاوية
من تحويل المعادن حسب الخط الذي رسمه جابر بن حيان تلميذ خالد بن يزيد ،واإلمام Sجعفر ،وفاته كما فات
عصره آنذاك إن الكيمياء علم مختبري ،من أدق العلوم وأخطرها.
كما أن أبا بكر بن وحشية ،العشاب المتوفى سنة 960 -350م يعتبر من كبار علماء القرن الرابع الهجري،
فهو أبو بكر ،أحمد بن علي بن عبد الكريم ،بن جرثبا بن بدنيا ،بن برطانيا ،بن عاالطيا ،الكسداني صاحب كتاب
«طرد الشياطين» ويعرف باألسرار ،وكتاب الطبيعة ،وكتاب الحياة والموت في عالج األمراض والذي يهمنا من
المدرجة ،وكتاب
مؤلفاته هنا هو كتابه في الكيمياء :كتاب األصول الكبير ،وكتاب األصول الصغير ،وكتاب ِّ
المذاكرات ،ثم كتاب الفالحة النبطية (بطرس البستاني ،بدون تاريخ ،دائرة المعارف الجزء الرابع).
وهناك أسماء أخرى كان لها فضل كبير في الترجمة والتأليف العلمي في القرن الرابع الهجري وهم أبناء
موسى بن شاكر ،محمد ،وأحمد ،وحسن الذين ألفوا كتاب الحيل (الميكانيك) (علي شلق ،2003،أبو حبان
التوحيدي).
محمد :كان ماهراً في الهندسة والنجومS.
أحمد :الذي برع في الميكانيك.
حسن :وهو الذي تفوق في الهندسة النظرية.
وبرز Sفي القرن الرابع الهجري في علم البصريات Sوالهندسة أبو علي الحسن بن الحسن ،بن الهيثم المولودS
في البصرة سنة 354هـ 965م وتوفي Sسنة 340هـ 1308 -م في دمشق ،وقيل مات في القاهرة.
وهذا االختالف راجع إلى خوفه من الحاكم بأمر اهلل وهروبه إلى بالد الشام ،ويعد ابن الهيثم من األوائل
الذين أحاطوا بضروب Sالعلم في عصره ،فقد تعمق في الفلسفة ،وبرع Sفي الهندسة ،وقد تجاوزت Sمصنفاته سبعين
مصنفاً بين كتاب ورسالة ،ويقول األستاذ قدري Sحافظ طرقان:
-84-
«لقد أحدث ابن الهيثم انقالباً في علم البصريات Sفي القرون الوسطى S،وجعل منه علماً مستقالً بذاته ،وذلك
بعد أن ظهرت ترجمته الالتينية سنة 1572م ويعتقد أن كبلر ،روجر باكرن قد استفاد منه كل اإلفادة (بطرس
البستاني ،بدون تاريخ ،دائرة المعارف الجزء الرابع).
ابن الهيثم هو عالم يمتلك أصول المنهج المبني على التتبع ،واالستقراء ،واالستيفاء وهو المسمى بالمذهب
التجريبي التطبيقي ليصير Sبعد ذلك له الحكم العلمي الكلي ،اتبع طريق المقارنة والمقابلة وهو يعيد البحث
والتجربة ليستوفي Sقناعاته العلمية ،وهذا ما تأثر به العالم والفيلسوف Sاإلنكليزي (روجر بايكون) ReGorbecon
الذي حاضر Sفي جامعة باريس ،وجامعة أكسفورد ،وبث الروح العلمية التجريبية في عصره (علي شلق،2003،
أبو حبان التوحيدي S،القرن الرابع الهجري) وكان الحسن بن الهيثم يأخذ باالستقراء والقياس والتمثيل واالعتماد
على المشاهدة والتجربة وقد Sاستعان على قوانين الضوء بإجراء التجارب على النحو الذي نعنيه اليوم بالتجارب.
ومن علماء القرن الرابع الهجري في مجال العلوم الفلكية ،والطبيعية ،والطبية أبو الريحان ،محمد بن
أحمد البيروني فارسي األصل ،ولد في بيرون عاصمة خوارزم Sمن التركستان (باكستان الغربية اليوم) .ولد سنة
973 - 362م في بيرون وتوفي Sفي سنة 1050 - 442م في ظل البالغ القزنوي (بطرس البستاني ،بدون
تاريخ ،دائرة المعارف Sالجزء الرابع) عالقته بالشيخ الرئيس (ابن سينا) تتناول دراسة الطب في مجال األدوية
(الصيدلة) استقصى جميع أنواع األدوية ،وكان بينهما الكثير من الرسائل المتعلقة بعلم الطب ،وعلم النجوم،
وعلم الهيئة ،والجغرافية ،والفلك -والرياضيات وكانت األبحاث مرتبطة بالحياة ،إذ تؤكد بعض المصادرS
الموسوعية أن العرب هم الذين أسسوا الكيمياء الحديثة بتجاربهم ومستحضراتهم.
ومن آثاره كتاب الجماهير في الجواهر وقد Sسماه بروكلمن الجواهر في معرفة الجواهر.
-بلغ الطب في القرن الرابع الهجري مرتبة عالية ال يضاهيها Sأي عصر من عصور اإلمبراطورية
أن
اإلسالمية وكان في طليعة علماء هذا العصر في علم الطب الشيخ الرئيس علي بن سينا ،وأكد المؤرخون إلى َ
كتاب القانون في الطب لقي من العناية في القرون الوسطى Sما لقيه أي كتاب آخر وفيه يقول الصاحب بن عباد:
في كتاب األغاني ألبي الفرج أنه استغنى به عن حمل أربعين جمالً من الكتب.
وقد Sجمع كتاب القانون البن سينا علم اليونان ،والهنود S،والعرب وسائر األمم في الطب ،ومن ميزاته:
-1أنه درس فيه النبض دراسةً وافيةً ،رابطاً بينه وبين مختلف األمراض التي تصيب اإلنسان.
ووصف السكتة القلبية ،واحتقان الدماغ ،وعرف خصائص العدوى في السل الرئوي ،وفي انتقال
األمراض التناسلية (بطرس البستاني ،بدون تاريخ ،دائرة المعارف Sالجزء الرابع).
-2ودرس أيضاً الجهاز الهضمي دراسة تامة ،وعرف األعراض السريرية ،والعالمات الفارقة للحصاة
إذا كانت في الكلية أو في المثانة.
وألم به من الناحية النفسية إذ قد يأتي من عدم الوفاق بين الزوجين،
-3كما تناول ببراعة أحوال العقمَّ ،
نفسياً وطبيعياً ،وسوف Sنقف عند مفاهيم ابن سنيا في علم الطب عند معالجة الجوانب التربوية.
S-وSقSد SحSفSل SاSلSقSرSن SاSلSرSاSبSع SاSلSهSجSرSي SبSاSلSبSيSمSاSرSسSتSاSنSاSت SاSلSكSثSيSرSة SفSي SمSخSتSلSف SأSصSقSاSعSه S،وSكSاSن SفSي SطSلSيSعSة SهSؤSالSءS
(اSلSرSاSزSي S)SأSبSو SبSكSر S،SمSحSمSد SبSن SزSكSرSيSا S،SوSلSد SفSي SاSلSرSي SسSنSة 251 Sـ 865وSتSوSفSي SسSنSة925 S- 313 Sم SوSتSوSلSىS
تSدSبSيSر SبSيSمSاSرSسSتSاSن SاSلSرSي S،SوSاSنSتSقSل SإSلSى SبSغSدSاSد SرSئSيSسSاً SألSطSبSاSء SاSلSمSسSتSشSفSى SاSلSمSقSتSدSرSي SحSيSث SكSاSن SيSلSتSقSي SمSع SتSالSمSيSذSهS
يSوSجSهSهSم SبSتSوSجSيSهSاSتSه SلSمSعSاSلSجSة SمSرSضSاSهSم SوSتSدSرSيSبSهSم SلSلSحSصSوSل SعلSى SاSلSخSبSرSة SاSلSطSبSيSةS.S
ذكر ابن أبي أصيبعة أن عدد كتب الرازي بلغت 232كتاباً ،وقد ترجم البعض منها إلى الالتينية.
-85-
وقال الدكتور Sلوبون :إن كتب الرازي ترجمت إلى الالتينية ،وطبعت عدة مرات ،وأنها مع كتب ابن سينا
بقيت أساساً للتدريس في جامعة (لوفان) على مر القرن السابع عشر(جوستاف Sلوبون ،بدون تاريخ ،حضارة
العرب).
ومن رواد القرن الرابع الهجري الفارابي :هو أبو نصر ،محمد بن رافع ،بن أوزلغ ،بن طرخان من
فاراب من بالد الترك في أرض خراسان ،كان أبوه قائد جيش وهو فارسي المنتسب ،قضى في بالط سيف الدولة
فترة طويلة من الزمن ،وتوفي Sفي دمشق سنة 339هـ.
كان عالماً بالطب ،والفلسفة ،والشعر ،وذكر Sبعض المؤرخين أنه عمل في بداية حياته قاضياً ،وكان مهتماً
بعلم الموسيقى ،فأعطى وحقق نجاحاً كبيراً وحقق مرتبة مرموقة في هذا المجال.
إن كل األمم التي تحتل مراكز متقدمة في العالم ،خطت خطوات واسعة عن طريق استفادتها من حضارتها
وثقافتها ،وعن طريق تكوين أبنائها تكويناً علمياً رصيناً مستفيدة من ماضيها Sومن حاضرها Sمن خالل بناء
شخصيتها العلمية ،وتأسيس العقلية المنهجية ألبنائها ،فالتقدم الصناعي واالجتماعي Sواالقتصادي والسياسي
بحاجة ماسَّة إلى ذلك ،فالذي Sيملك شخصية علمية يقف موقفاً راشداً من التغييرات والتجديدات Sالحضارية في
جميع المجاالت.
فالحضارة العربية صنعها العرب مباشرة أو في ظل حكمهم ،والصنع جاء بلغتهم منهم ومن سواهم الذين
استعربوا ،وذابوا Sفي اللغة ،واإلسالم Sواألعراف ،وفي الحضارة اإلسالمية ،ال يبتعد علماء القرن الرابع الهجري
عن كل ما يحيط بمعارف Sعصرهم ،متأملين في كونه ،مجتمعاً ،تاريخاً ،أمماً ،غيباً ،مبدأ ونهاية.
ألقدم إلى القارئ ،وجهًا يبين المالمح عن ابن سينا (الشيخ الرئيس) عظيم العظماء والذي
بذا أراني قد جهدت ّ
يمثل الشخص بجانبيه :هيكله ،وصور عقله ،فهو لم يكن طبيبًا فقط ،وإ نما ألف في علوم الدين واللغة والهندسة
وطبقات األرض ،وإ ن كان قد اشتهر بموسوعته العلمية الضافية في الطب والمرسومة بالقانون والتي تمثل خالصة
ال ،واشتهر
الطب اليوناني والعربي ،وتمثل القمة التي وصلت إليها الحضارة العربية في فنون الطب تجربة ونق ً
كتاب القانون في أوروبا في العصور الوسطى شهرة واسعة حتى قيل إنه طبع بالالتينية عشرين مرة في القرن
السادس عشر وحده .وقد كان الكتاب المدرسي في الطب في بعض الجامعات األوروبية في أواسط القرن السابع
عشر.
ونشير إلى أن جوهر أمتنا العربية يقوم على االنفتاح الحضاري اإلنساني من أرضها قامت الفتوحات وعبرها
مرت ،كما أنها تعرضت لمحن واجتياحات ،وبقيت رغم ذلك كله تقدم للعالم نموذجًا اجتماعيًا إنسانيًا يؤكد انفتاح ّ
اإلنسان على اإلنسان وظلت تحمل راية الحياة المعطاء راية األخوة اإلنسانية.
ومع مجيء اإلسالم ارتبط العلم بحاجات البشر ومنافعهم ،يقول «« :»اللهم علمني ما ينفعني وانفعني بما
علمتني ،وزدني علماً» .لقد اخترعت أمتنا األبجدية ،وقدمتها للعالم ،وبعد أن شقت البحار ناشرة الثقافة ،ونشأت
في رباها أول الشرائع بدءاً بشريعة حمورابي وانتهاء بشرائع السماء.
«فالرساالت السماوية التي أسهمت في السمو باإلنسان إلى ذرا اإلنسانية السمحة قد وجدت في هذه البيئة
األرض الخصبة لنموها وانتشارها في العالم ،ألنها في توقها اإلنساني التوحيدي المست روح هذه األمة ،روح هذا
الوجود الحضاري فوجد فيها تعبيرًا عن أشواقه ،عن مثله ،عن نزعته اإلنسانية ،فحملها ونشرها في العالم» محمود
أحمد السيد في قضايا التربية المعاصرة.
-86-
وإ ذا كانت ثقافتنا العربية تؤمن باالنفتاح على الثقافات اإلنسانية فإنها كانت على الدوام ذات سمات إنسانية،
ولعلنا ال نضيف جديداً إذا ذكرنا أن جوهر أمتنا العربية إنما يقوم على االنفتاح الحضاري اإلنساني؛ فمن أرضها
مرت وتعرضت لمحن واجتياحات ،ومع ذلك كله بقيت تقدم للعالم أنموذجاً Sاجتماعياً قامت الفتوحات وعبرها ّ
إنسانياً يؤكد انفتاح اإلنسان على أخيه اإلنسان وظلت تحمل راية الحياة المعطاء راية األخوة اإلنسانية.
وإ ذا كنا نسلّم بأن كل من ينوي إتقان عمل معين يحتاج إلى شيء من التدريب واإلعداد ،وأن هذا اإلعداد
يزداد أو يصبح أكثر تعقيداً بازدياد درجة ما يراد إنجازه ،فإننا ندرك ضرورة تربية اإلنسان وتدريبه ،والمعلم
الذي يتعامل مع اإلنسان يحتاج إلى خبرات غنية ،نظراً لتعدد األدوار التي يؤديها :إنه شارح للفكر اإلسالمي،
محافظ عليه ،حريص على تنشئة اإلنسان الصالح صاحب الرسالة ،وهو في سلوكه وكل ما يصدر Sعنه قدوة
لطالبه بإرشادهم Sوتقويم تعلمهم في جميع المجاالت ،فاإلنسان هو محور Sالعملية التربوية ،ومن هنا يمكن القول:
بأن جميع الممارسات Sالتربوية تؤول إلى اإلخفاق ما لم تبن على فهم واضح وصحيح لماهية اإلنسان وخصائصه
والتركيز Sعلى أن كل ما يتعلمه المرء ينبغي له أن يؤدي Sوظيفة لصاحبه في الحياة التي يتفاعل معها ،ويلبي له
حاجاته ومتطلباته!
إذ ال خير في علم ال ينفع ويتصل بعراقة األمة في ماضيها Sالحي؛ وعلى استمرارها Sفي التعبير عن
شخصيتها في مستقبلها ،علينا أن نأخذ من الماضي جميع ما يعين على أغناء الحاضر وحسن التخطيط لما هو
آت.
يقول ابن سينا« :فالبد في وجود اإلنسان وبقائه ومعاملته ومشاركته وال تتم هذه المشاركة إال بمعاملة كما
البد من ذلك من سائر األسباب التي تكون له ،والبد في المعاملة من سنة وعدل والبد للسنة والعدل من سان
ومعدل ،والبد أن يكون هذا بحيث يجوز أن يخاطب الناس ويلزمهم السنة ،والبد من أن يكون هذا إنسانًا ،وال يجوز
ال وما عليه ظلمًا» (ابن سينا ،بدون تاريخ ،كتاب
أن يترك الناس وآراءهم في ذلك فيختلفون ويرى كل منهم ماله عد ً
النجاة).
وفي Sكل هذا مايثبت أن ابن سينا مفكر عالمي ويظهر Sأن رجال القرون الوسطى Sأنفسهم كانوا ممن يؤمنون
بذلك ،وقد Sأجريت إصالحات في جدران مكتبة بودلبان بأكسفورد ،وكشف Sعن مجموعة من الصور منها صورة
ألرسطو ،وأخرى Sألفالطون ،وثالثة ألقليدس ،ورابعة غامضة بعض الشيء ولم يلبث البحث أن أظهر أنها للشيخ
الرئيس.
لقد تحدث الناس طويالً عن ابن سينا وسيتحدثون عنه فيما بعد المحالة فهو طبيب الجسم ،وفيلسوف Sالنفس
في جميع الجوانب وإ ن استعراض مواكب التاريخ وما انتاب اإلنسانية من نكبات أعاقت تقدمها ،وأضاعت الكثير
من جهودها ،بهولة األمر ،ويكاد يستولي Sعليه يأس مرير ،ولوال أن يلمح من خالل الضباب والظالم أنجماً
زاهرة كابن سينا ،تلمع بين حين وأخر فتتعلق Sاإلنسانية بها ،وتحاول Sأن تستأنف Sالسير على ضوئها.
-87-
(1) L'islam. D'Hier A'aujourdhei – par. B، lomis، p. 63.1
(2) Lacréation artistique – f'isiamd"Hier aujourdhui – par – R، E، P. 67، Artetarch itecture.
(3) AL، tihawi "Arabeducation in the Golder Ageorcaliphate islam ic Review. Jure 1954، pp. 14، 15.
(4) Durcan B. Macdonald: Development of Muslim Theolgy New York Charles scribners sovs196 pp. 67 – 198.
(5) A…. tihawi "ARabeducation in The Goldes – Age of Caliphate" Islamice Review. Juve 1954 pp. 14. 1.
-88-
الباب الثاني
الفكر التربوي عند ابن سينا
مقدمة
-89-
إن حياة ابن سينا الثقافية تصور لنا طريقة الحياة التعليمية في عصره واألضواء التي كان يمر بها المتعلم من
مرحلة الطفولة إلى مرحلة متقدمة في السن ،وإ لى عالم مرموق المكانة وما يرتبط به من مكونات البيئة المحيطة به
في بالد ما وراء النهر ذات الميول الدينية (اإلسماعيلية) لما لذلك من تأثير مباشر على ذلك االتجاه ،وعلى ما أتاحه
اتصاله باألمراء من الدخول إلى مكتباتهم الغزيرة المعارف والجلوس في مجالس علمهم المتعددة المباحث مضافًا إلى
ذلك كله التشجيع األدبي والمادي الذي كان يلقاه من هؤالء األمراء ،كل هذا قد ساعده على االنصراف إلى علوم
الحكمة طالبًا ومعلمًا ومؤلفًا ثم فيلسوفًا تربويًا لهذا االتجاه.
ومن هنا تأتي أهمية هذه الدراسة لتلقي الضوء والتعرف على أساليب تكوين الفكر التربوي السينوي ،إذ إن
المجتمع الذي عاش فيه ابن سينا بما وصل إليه من تقدم تربوي ومهني هو الذي جعله يشعر بضرورة التوجيه
ويكون شخصيته السوية المتوازنةالتربوي والمهني للفرد وأن يعده للمهنة أو الحرفة التي يشتغل بها في مستقبلهّ ،
البعيدة عن العنف واالنحراف من خالل استلهام الموروث التربوي اإلسالمي .ولما كان ابن سينا يعتقد في «الحكمة»
ويرى أنها أشرف العلوم على اإلطالق وأن الحكماء هم أعلى الناس مرتبة ،فقد اهتم «بتربية الحكيم» ووضع المناهج
التعليمية إلعداده بكل ما يتضمنه ذلك من تنمية القدرة على فهم البيئة والتعامل معها والسيطرة عليها واالنتفاع بها إلى
أقصى حد ممكن تحقيقًا الستمرار نمو الفرد والمجتمع وازدهار البيئة.
وينبغي أال يفهم اإلعداد بصورته الجديدة على أنه يتضمن إهمال الجوانب المعرفية أو ثمار الثقافة العالمية ،أو
أنه ال يستهدف اإلعداد لمراحل التعليم التالية ،فقد كشفت الدراسات التربوية الحديثة عن أن اإلعداد للحياة هو أفضل
إعداد لمراحل التعليم التالية ،ذلك أنه يستهدف تنمية مهارات القراءة والفهم والتلخيص والتفكير وتنمية مهارات
التواصل وتحقيق وظيفة التعليم إلى أقصى ٍ
حد ممكن.
وإ بن سينا لم يغفل -مع ذلك -حاجة المجتمع إلى العلوم النقلية أو الشرعية وتعلم الصناعات والحرف ،ولذا
يمر الطالب بفترة «تعليم عام» ينالون فيه جميعًا
فهو يؤكد أن التوجيه التربوي والمهني ال يكون إال بعد أن ّ
أساسيات الثقافة اإلسالمية ،ثم بعد ذلك وعلى ضوء اكتشاف ميول الطالب واستعداداتهم يكون توجيهه التربوي
والمهني وهذا ما نتناوله في هذه الدراسة.
إن التربية بالعمل تعتمد على تطبيق ما تعلمه الطفل من أسرته أو مدرسته من معارف وسلوكيات وتوظيفها في
حياته العملية ،فأنماط السلوك ال يكتسبها الفرد إال إذا قام بتطبيقها وأصبحت عادة لديه وبذلك يقول عز وجل :يا أيها
الذين آمنوا ِل َم تقولوا ما ال تفعلون ،كبر مقتاً عند اهلل أن تقولوا ما ال تفعلون سورة الصف آية 3،2لقد اهتم المفكرون
المسلمون بهذا األسلوب التربوي «فالغزالي يرى ضرورة تحقيق التطابق والتكافؤ بين التربية النظرية والتربية العملية
ويستدل على ذلك بقول اهلل تعالى :أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم سورة البقرة آية 43وقول رسول اهلل :
ال».
«ال يكون المرء عالمًا حتى يكون بعلمه عام ً
-90-
ويعتبر الشيخ الرئيس أن اإلنسان هو محور العملية التربوية ،وجميع الممارسات التربوية تؤول إلى اإلخفاق
ما لم تبن على فهم واضح وصحيح لماهية اإلنسان وخصائصه .والواقع أن ابن سينا تناول تربية اإلنسان منذ والدته
إلى خروجه إلى ميدان العمل والكسب ،حيث أشار إلى أهم ما يؤخذ به الناشئ من أنواع التربية الدينية والخلقية
والعقلية والجسمية والعلمية واالجتماعية .ويرى أنه على التربية أن توجه اإلنسان إلى ما يصلح له من الصناعات
واألعمال بحسب ميوله واستعداداته ،وهذا ما دعت إليه التربية في القديم والحديث ويقول (روسو) :إن التربية
الصحيحة ما قامت على معرفة غرائز اإلنسان وميوله ،وعلى ذلك يجب أن يخرج اإلنسان في صناعة من
الصناعات.
إن الغاية من التربية هي العمل واستثمار المعارف في الكسب واالرتزاق ،ليتذوق الناشئ حالوة الكسب
بالصناعة ،ويعتاد طلب العيش بالجد ،وال يعتمد على أبيه فيجد عنده المقنع والكفاية ،ألن في ذلك مفسدة له ،وهذا في
الحقيقة ما ترمي إليه فلسفة التربية قديمًا وحديثًا في جميع الجوانب الحياتية.
-91-
الفصل األول
خصائص األهداف التربوية عند ابن سينا
مقدمة
-1أهداف التربية
-92-
خصائص األهداف التربوية عند ابن سينا
لكل ثقافة من الثقافات منهاجها التربوي الخاص بها من حيث الخبرات والمبادئ Sالتي يكتسبها Sالمتعلم وفق
طرائق محدودة للوصول Sإلى تحقيق األهداف المنشودة في حياة الفرد والجماعة ،أي في جميع مجاالت الحياة.
التربية كما يراها ابن سينا تتعلق بجميع مكونات الحياة ،فهو يحدثنا عنها بإسهاب ودقة كاملة مثل حديثه
عن الطفولة المبكرة وكل ما يتصل بها من رضاع وفطام وتربية صحية وأخالقية وذوقية ،ومثل حديثه عن
الميول والقدرات والتوجيه التربوي والمهني.
والتربية هي تنمية فكر اإلنسان ،وتنظيم Sسلوكه ،وعواطفه ،وهي عملية تتعلق قبل كل شيء بتهيئة عقل
يوجه
اإلنسان وفكره وتصوراته عن الكون والحياة وعن دوره وعالقته بما يحيط به والهدف الذي يجب أن ّ
مساعيه إلى تحقيقه (ألفريد نورث هوايتهيد ،1958 ،أهداف التربية).
إن التربية خالل العصور الوسطى لم تكن مرتجلة وإ نما كانت تربية لها أهدافها ومناهجها ومراحلها وأساليبها
التربوية ،وما الحركة العلمية التي ظهرت في تلك العصور اإلسالمية واإلنتاج الضخم ،والعدد الهائل من العلماء
واألدباء لتحقيق هذا التراث الخالد عن تلك التربية اإلسالمية .إنها تربية اإلنسان على أن يحكم العقل والمنطق في
موك فيما شجر جميع أعماله وتصرفاته ،وأن ينقاد ألمر اهلل ورسوله قال تعالى :فال ِّ
وربك ال يؤمنون حتى ُي َح ِّك َ
ِّ
ويسلموا تسليماً[ سورة النساء :اآلية .]65 بينهم ثم ال يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت
وإ يمان اإلنسان باهلل تعالى ،والعمل الصالح ،والتعاون ،والتواصي بالحق والصبر على إحقاق الحق
إن اإلنسان لفيومحاربة الباطل ينقذه من الشعر وما يحاك به من الويالت ،قال اهلل تعالى :والعصر ّ
الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر [ سورة العصر آية .]3،2،1 خسر إال الَّذين آمنوا وعملوا َّ
ٍ
وفي Sهذه السورة إشارة إلى أن خالص اإلنسان من العذاب ال يتم إال بثالثة ضروب من التربية:
-1تربية الفرد على اإليمان باهلل تعالى.
-2تربية النفس على األعمال الصالحة.
-3تربية المجتمع على التواصي بالحق وااللتزامS.
فالتربية قضية إنسانية وضرورة مصيرية ،فظلم اإلنسان لإلنسان وسوء تربيته واالنحراف عن ابتغاء كماله،
وعن فطرته وطبيعته اإلنسانية كل ذلك نتيجة لسوء تربية اإلنسان واالنحراف عن أهداف التربية ،وسوف نلقي
ال في آراء ابن سينا التربوية.
الضوء على الفكر التربوي في القرن الرابع الهجري ممث ً
-93-
لما كان اإلسالم هو المنهج الرباني Sالمتكامل ،المواتي لفطرة اإلنسان ،والذي أنزله اهلل لصياغة الشخصية
اإلنسانية صياغة متزنة متكاملة ،تحقق العدالة في المجتمع اإلنساني ،واستخدام Sقوى الطبيعة استخداماً نيراً متزناً
لمصلحة اإلنسان في جميع جوانب الحياة وجدنا أن التربية اإلسالمية أصبحت ضرورة حتمية ،وقضية إنسانية
هدفها بناء اإلنسان وتربيته والعناية به وتمكينه من التغلب على قوى الطيبعة وتكييفها بحيث تصبح مالئمة
لحياته.
عني الباحثون في التربية اإلسالمية بالحديث عن أهدافها على وجه العموم ،دون تفرقة بين عصر وعصر،
أو بين مفكر وآخر ،وهذا ما تناوله خليل طوطح بقوله :إن التعليم عند المسلمين كان يرمي إلى عدة جوانب منها.
الجانب االجتماعي :ويهدف Sإلى نيل المكانة في المجتمع ،إذ العلم شرف لصاحبه يرفع قدره بين الناس -
درجات ودرجات.
الجانب العقلي :والغرض منه دراسة العلم لذات العلم لما في ذلك من متعة عقلية ولذة روحية ال تقدر -
بغيرها من الملذات.
الجانب الديني :الغرض منه تعليم الناس آداب الشريعة والفقه في الدين والتأدب بآداب القرآن والسنة. -
الجانب المادي أو النفعي والغرض منه كسب الرزق. -
وتناول ذلك أيضًا محمد عبد الرحيم غنيمة في كتابه تاريخ الجامعات اإلسالمية الكبرى من خالل إيضاح
الصورة المشرقة التي رسمها القرآن لإلنسان ،فاإلنسان هو محور العملية التربوية ومن هنا يمكن القول بأن جميع
الممارسات التربوية تؤول إلى اإلخفاق ما لم تبن على خصائص تربوية محددة (محمد عبد الرحيم ،غنيمة،1953 ،
تاريخ الجامعات اإلسالمية الكبرى).
والواقع Sأن األستاذ محمد فوزي الفتيل أضاف إلى الجوانب التي عرضها األستاذ خليل طوطح جانباً آخر
هو الجانب الحزبي أو السياسي Sويستدل على ذلك بما فعله الفاطميون من إنشاء األزهر دعاية للمذهب الفاطمي
ثم الحركة التربوية المناهضة لذلك على يد صالح الدين األيوبي إذ قام بإنشاء مدرسة للشافعية وأخرى Sللمالكية
لتأييد المذهب السني ،وقد فعل مثل ذلك نظام الملك الذي هدف من فتح المدارس الكثيرة إلى تأييد هذا
المذهب(محمد فوزي Sالفتيل ،1966 ،التربية مظاهرها واتجاهاتها).
إن الجوانب التي تناولت األهداف التربوية وإ مكانية تحقيقها ال تعني انتفاء الجهد البشري ،فالمؤمن ال
يحقق األهداف المنشودة إال إذا بذل الجهد المطلوب ،والقرآن الكريم يحث اإلنسان على السعي لكسب العيش
وعلى اقتحام Sالعقبات ،فإذا كان الهدف المحدد غير قابل للتحقيق إال بعد تذليل الصعاب ،فاإلنسان يعيش في ظل
اختيار مستمر طوال حياته ،وعليه مواجهة التحديات مهما كبرت لتحقيق الهدف أو الدخول إلى نتيجة مرضية.
وظروف االختبار Sمهما كانت صعبة ال ترهق أعصابه وال تشعره بالعجز الدائم لسبب بسيط هو أن األهداف التي
الع ْسَر [ سورة البقرة :اآلية ]185وقوله
يد ِب ُك ُم ُ
س َر وال ُي ِر ُ يسعى لتحقيقها ليست فوق طاقته ُ ي ِر ُ
يد اهللُ ِب ُك ُم ُ
الي ْ
ف َع ْن ُك ْم[ سورة النساء :اآلية .]28 يد اهللُ أن ُي َخفِّ َ
تعالىُ :ي ِر ُ
-94-
إن ما جاء به المؤرخون في الكتب العربية وعلى مختلف العصور Sمثل (تعليم المتعلم) للزرنوجي Sو(جامع
العلم) البن عبد البر و(إحياء علوم الدين) للغزالي ،و(كشف الظنون) لحاجي خليفة و(مفتاح السعادة) لطاش
كبرى زادة ،ووسائل إخوان الصفا ،ومؤلفات الشيخ الرئيس (ابن سينا) فهي تمثل االتجاهات الفكرية المختلفة
التي سادت الفكر اإلسالمي على مر العصور ،كما أنها تمثل أيضاً العصور Sاإلسالمية المختلفة وكأنها Sامتداد
واحد اتحدت ظروفه والقوى السياسية واالقتصادية واالجتماعية التي تشكل فكره التربويS.
والقرآن الكريم جاء لهداية الناس أجمعين ،وانطالقاً Sمن هذه الحقيقة الكبرى يمكن القول بأن التربية
اإلسالمية تربية عالمية وأهدافها Sصالحة لجميع الناس في جميع األماكن واألزمان ،الشتمالها على الكمال
يت لَ ُك ُم اإلسالَ َم ديناً[ سورة
ض ُمت علي ُكم ِنعم ِتي ور ِ
ت ل ُك ْم ِد َين ُك ْم وأَتْ َم ُ
المطلق ،يقول اهلل تعالى :اليوم أَ ْك َم ْل ُ
َ َْ
المائدة:اآلية ]3فالقيم اإلنسانية التي تضمنتها التعليمات القرآنية قيم ثابتة ال دخل فيها ألهواء البشر ،وهناك من
ال يروق له التسليم لوجود أهداف ثابتة ،فجون ديوي يؤكد أن (الفكرة القائلة بأن النمو والتقدم يرميان إلى هدف
نهائي ال يتغير وال يتبدل ،هي آخر أمراض العقل البشري Sفي انتقاله من نظرة جامدة إلى الحياة إلى نظرة مفعمة
بالحركة» (جون ديوي ،بدون تاريخ ،الديمقراطية والتربية) ،فهو يعين على أولئك الذين ينصبون هدفاً نهائياً
تتجه نحوه عملية النمو ،وهو يعتقد بأن النمو والتربية والحياة شيء واحد سهل علينا إدراك موقفه العدائي من
وجود أهداف تربوية ثابتة ،لذا نراه يحذر المربين من اإليمان بمثل هذه األهداف .فالهدف -حسبما يعتقد -
جزء ال يتجزأ من عملية النمو ،وليس باألمر الخارجي الذي يثير نحوه خبرة المتعلم فال هدف لعملية النمو إال
المزيد من النمو في جميع مراحل وأساليب وأهداف العملية التربوية .
والواقع أن التربية في نظر الفالسفة وعلماء التربية تهدف إلى تهيئة حياة سعيدة لألفراد على اختالف واضح
ال ،بينما يرى
بينهم في وصف هذه الحياة السعيدة ،فبعض الفالسفة يرى أنها تتم في أحضان الدين كالغزالي مث ً
البعض ترك الدين وشأنه ،فالحياة السعيدة هي الحياة الدنيوية الناجحة ،وبعض الفالسفة يهتم بالفرد (كروسو)
وآخرون يهتمون بالجماعة ومصلحتها ،واإلنسان في نظرهم ال يجد راحته وسعادته إال في كنف مجتمع فيه قوانين
تحميه وتمنحه الحرية والعدالة (سعد مرسي أحمد ،1966 ،تطور الفكر التربوي).
فالتربية تقوم على اعتبار المجتمع كيانًا حيًا واحدًا ،فقد شبه رسول اهلل هذا المجتمع بالجسد حيث قال:
توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» «ترى المؤمنين في ّ
(صحيح البخاري ،الجزء الرابع.).
رغب القرآن بالتعاون بين أفراد المجتمع ،وتحقيق الخير والبر والتقوى قال وعلى هذا األساس العظيم ّ
س ِج ِد ا ْل َح َر ِام أ ْ
َن تَ ْعتَ ُدوا وتَ َع َاو َنوا على ال ِبِّر والتَّ ْق َوى وال تَ َع َاونوا على صدو ُك ْم َع ِن ا ْل َم ْ
َن ّ آن ٍ
قوم أ ْ تعالى :وال َي ْج ِر َم َّن ُك ْم َ
ش َن ُ
قاب[ سورة المائدة:اآلية ]2والتربية تربي المواطن على تحقيق العدل شديد ا ْل ِع ِ
ُ دوان واتَّقوا اهللَ َّ
إن اهللَ والع ِ ِ ِ
اإلثْم ُ
والتعاون ،وقضاء حاجات اإلنسان ،ونشر المحبة وعلى المربي أن يغرس هذه الصفات في نفوس الناشئة وأن
يبني النشاط االجتماعي المدرسي على هذا المعنى ،وهذا ما سعى إلى تحقيقه الشيخ الرئيس ،فكيف Sنظر إلى
الحياة السعيدة؟
والسؤال Sالكبير هو ما هدف التربية عند ابن سينا؟
-95-
إن هدف التربية عند ابن سينا هو :نمو الفرد نمواً كامالً من جميع الجوانب ،النمو الجسمي ،والنموS
العقلي ،والنمو الخلقي ،ثم إعداد هذا الفرد لكي يعيش في المجتمع ويشارك فيه بعمل أو حرفة يختارها وفقS
استعداده ومواهبه هو ،فالتربية السينوية لم تغفل الحديث عن النمو الجسمي وكل ما يتصل من رياضة بدنية،
وطعام وشراب وثوم ،ونظافة ،ولم تستهدف Sفقط النمو العقلي وجمع المعلومات ،بل تناولت جميع الجوانب التي
تتعلق باإلنسان في جميع مكوناته الجسمية والعقلية والخلقية ،وال يقتصر عمل التربية على خلق المواطن الكامل
جسماً وعقالً وخلقاً فقط ،بل البد أن تعده لمهنة أو عمل أو حرفة يشارك بها في عملية (البناء االجتماعي) ،ألن
المجتمع في نظر ابن سينا إنما يقوم على التعاون وعلى تخصص كل فرد في عمل أو مهنة وتبادل المنافع
والخدمات بين أفراده.
-96-
وقال ابن سينا في كتابه (القانون):
ميال إليه ،وال يتركه يسير
« وعلى المؤدب أن يبحث له عن صناعة ،فال يجبره على العلم إذا كان غير ّ
مع الهوس ،إذ ليس كل صناعة يرومها الصبي ممكنة له ،مواتية ،لكن ما شاكل طبيعته ،وناسبه ،وأنه لو كانت
اآلداب والصناعات تجيب وتنقاد بالطلب دون المشاكلة والمالءمة ،إذن ما كان أحد غفالً من األدب وعارياً من
صناعته ،وإ ذن ألجمع الناس على اختيار أشرف الصناعات»( عبد الرحمن غالوي ،بدون تاريخ ،علم النفس
التربوي).
والحق إن ابن سينا كان فيلسوفًا ،والفالسفة بشكل عام يعتقدون أن الفكر اليوناني هو فكر الصفوة المثقفة وأن
فضل الفيلسوف على غيره أمر مفروغ منه ،إال أن هدف التربية عنده لم يقتصر على إيجاد الفيلسوف وما كان البن
سينا أن يفعل ذلك ،وهو يعيش في القرن الرابع الهجري ،مع أن الفكر اليوناني هو للخاصة دون العامة ،لذلك فقد
جعل ابن سينا «تربية الفيلسوف» هدفًا من أهداف التربية عنده في المرحلة المتخصصة ،يتجه إليها من يشاء وفق
استعداده وميوله ،هذا هو جوهر الفرق بين تربية ابن سينا والتربية عند الغزالي أو القابسي ،في حين أن تربية
الفيلسوف غير وارد عندهما ،وال معترف بها ،نجد أن ابن سينا يسهب في حديثه عن «تربية الفيلسوف» والعلوم التي
يتلقاها وغاية كل علم من تلك العلوم وجدواه (عبد الرحمن النقيب ،2002 ،الفكر التربوي اإلسالمي).
بذا يمكننا القول :إن هدف التربية عند ابن سينا هو خلق مواطن صالح ،جسماً وعقالً وخلقاً ،وإ عداد هذا
المواطن لعمل أو حرفة سواء أكان عمالً نظرياً أم عمالً يدوياً.
ال بالعلوم النقلية أم العلوم العقلية التي يجلبها ابن سينا ويرى ضرورتها في
وسواء أكان العمل النظري متص ً
حياة المجتمع ،وابن سينا يعد (الصناعة) و(الحرف) ضربًا من التعليم يحتاج إلى اإلعداد المهني والتدريب
والتخصص فيقول« :التعليم والتعلم منه صناعي مثل تعلم النجارة والصياغة وإ نما يحصل بالمواظبة على استعمال
تلك الصناعة»( ابن سينا375 ،هـ ،البرهان من الشفاء).
ويرى بعض علماء التربية وفالسفتها المعاصرون أن الهدف األوحد للتربية هو النمو ،نمو اإلنسان من جميع
النواحي العقلية والجسمية والروحية ،واالجتماعية والسؤال الذي يطرح نفسه هل يحتاج النمو إلى إيضاح؟ هل النمو
مجرد زيادة في الحجم أو الوزن أو المعلومات والتصورات ،أم هو تطور كيفي ألسلوب حياة الناشئ منذ الوالدة حتى
البلوغ؟ ولحركاته وتصرفاته وسلوكه؟
يجمع علماء التربية أن الزيادة الكمية ليست هي معنى النمو الذي تهدف إليه التربية ،ولكنهم يختلفون في
تطوير سلوك اإلنسان.
-بعضهم Sيرجعه إلى آليات وردود Sأفعال منعكسة ،فيجعلون اإلنسان كالمعمل كل آلة تحرك التي تليها،
حتى يصل اإلنتاج إلى آخر مرحلة فيخرج إلى يد المستهلك براداً ،أو سيارة ،أو مكيفاً ...،وهكذا اإلنسان كلما
أثر فيه مؤثر Sخارجي سعى إلى تحقيق ما يرغب الحصول عليه.
وتتغير Sاالستجابة من إنسان إلى آخر بحسب تربية كل إنسان وظروفه الحالية أو آماله المستقبلية.
والبعض اآلخر يقول :إن اإلنسان ينمو أي يتطور سلوكه ،على أثر ما يتكون عنده من خبرات ،فإذا كان
وعنفوه ،وأظهروا Sأمامه من االنفعاالت ،ما
الطفل بين أهله ووسخ ثوبه الجديد ،مثالً ،بالطعام ،عابوا عليه ذلكّ ،
يجعله يعلق في ذهنه ارتباط األلم النفسي بتوسيخ الثوب الجديد.
-97-
هذا االرتباط يسميه (جون ديوي)(( ) 1جون ديوي ،1952 ،الديمقراطية والتربية ).خبرة ،وهذه الخبرة بالذات،
في هذا المثال ،لما كانت صادرة عن المجتمع ،أمكننا أن نسميها خبرة اجتماعية ،ألنها تحصر التعامل مع الجماعة،
وتتابع خبرات الطفل االجتماعية ،حول السلوك المعيب أمام الضيف ،والسلوك المحبب ،كالتحية وألفاظها ،فنقول إن
الطفل ينمو نموًا اجتماعيًا أي تزداد خبراته االجتماعية ،وتنمو معها مشاعره االجتماعية ،كاألنس باآلخرين ،كالصغار،
والخوف من بعض الناس أو من بعض المواقف ،والنفور من البعض اآلخر وهكذا ،وقل مثل هذا في نمو الخبرات
الحسابية ،واللغوية ،والقصصية ،والصناعية ،واليدوية.
ليس من شك في أن تتابع الخبرات ينمي مدارك الناشئ ويجعل سلوكه أقرب إلى التعايش مع المجتمع ،ومع
الحضارة ومخترعاتها ،ومع ظروف الحياة ومتطلباتها .والنمو سالح ذو حدين ،إذا لم يوجه منذ الصغر نحو هدف أسمى،
فقد يستخدمه الناشئ بعد خروجه إلى المجتمع ،لتحقيق أغراض دنيئة ،أو أعمال ضارة باآلخرين.
الواقع أن ابن سينا يرى أن التربية الصحيحة تضع كل شيء في موضعه الطبيعي ،واعتبر أن النمو بجميع
جوانبه وسيلة لتحقيق المثل العليا للتربية في كل الجوانب الجسمية ،والعقلية والخلقية ،واالجتماعية ،والذوقية
والروحية ،والوحدانية مع توجيه هذا النمو نحو تحقيق هدفها األسمى.
الفصل الثاني
االتجاه الفلسفي في التربية اإلسالمية عند ابن سينا
-مقدمة
( )1جSS S Sون ديSS S Sوي ،فيلسSS S Sوف ومSS S Sربي أمSS S Sريكي معاصر تSS S Sوفي ،1952وله آراء وكتب في التربية مشSS S Sهورة وإ ليه تنسب طريقة 1
-98-
االتجاه الفلسفي في التربية اإلسالمية عند ابن سينا
يSرSى SبSعSض SاSلSبSاSحSثSيSن Sأن SاSلSفSلSسSفSة SهSي SفSن SتSشSكSيSل SوSاSبSتSكSاSر SاSلSمSفSاSهSيSم S،SوSيSقSوSل S« S:SوSيSل SدSيSوSرSاSنSت S»SإSن SاSلSفSلSسSفةS
هSي SإSنSجSاSز SاSلSعSلSم SفSي SتSرSكSيSب SاSلSحSكSمSة S.فSاSلSعSلSم SيSرSغSب SفSي SأSن SيSحSلSل SاSلSكSل SاSلSغSاSمSض SإSلSى SأSجSزSاSء S،SوSأSن SيSحSيSل SاSلSغSاSمSضS
إSلSى SمSعSلSوSم S،SوSهSو Sال SيSبSحSث SفSي SقSيSم SاSألSشSيSاSء SوSإ مSكSاSنSاSتSهSا SاSلSمSثSاSلSيSة S،SوSال SفSي SمSغSزSاSهSا SاSلSكSلSي SوSاSألSخSيSرS.S.S.S.S
أما الفيلسوف فإنه ال يقنع بوصف Sالواقعة ،حيث يرغب في توكيد Sعالقتها بالخبرة بصورة عامة ،وهو
يربط بين األشياء في تركيب توضيحي أو تأويلي ،وهو يحاول أن يجمع بصورة أفضل مما قيل بين أجزاء ساعة
الكون العظيمة التي فككها العالم الفضولي.
الفلسفة تبحث في الكليات ،والعلم يفكك الكليات إلى جزئيات ،كي يستطيع العقل استيعابها ،ومن وجهة
النظر الدينية فإن لدينا نوعين من الفلسفة ،فلسفة عامة تشكل اإلطار النظري والفكري لكل جوانب الحياة ،وفلسفة
خاصة بكل علم من العلوم .ويمكن تعريف Sفلسفة التربية تعريفاً إجرائياً شامالً بالقول« :إنها علم يوفر إطاراً
عقدياً وفكرياً للتربية ،ويحدد غاياتها ،ويضع معايير نجاحها ،ويضفي نوعاً من التوحد على أنشطتها ،ويولدS
مفاهيمها ويحلل عملياتها ،ويعالج مشكالتها»( عبد الكريم بكار ،2001 ،التربية والتعليم).
أوالً :أهداف التربية اإلسالمية
فالتربية عملية هادفة لها أغراضها Sوأهدافها وغايتها ،والمربي الحق على اإلطالق هو اهلل الخالق :خالق
الفطرة وواهب المواهب ،وهو الذي َّ
سن سنناً لنموها وتدرجها Sوتفاعلها ،كما أنه شرع شرعاً لتحقيق كمالها
وصالحها وسعادتها .والتربية تقتضي خططاً متدرجة تسير فيها األعمال التربوية والتعليمية وفق ترتيب منظم
متطور ،ينتقل مع الناشئ من طور Sإلى طور Sومن مرحلة إلى مرحلة وأن عمل المربي تابع لشرع اهلل ودينه.
هذا التحليل لمعنى التربية ونتائجه يؤدي بنا إلى معنى الشرع والدين ،ألن التربية تستمد جذورها منه،
فطبيعة النفس اإلنسانية طبيعة متدينة واإلنسان في الحقيقة متدين« ،الدين عالقة خضوع وانقياد وعبودية من قبل
البشر ،يشعرون بها نحو خالق حاكم ألمور الكون ،حاكم قهار Sيحيي ويميت وإ ليه النشور ،قد وضع لهم نظاماً
عده لجميع المكلفين يوم الحساب» شامالً للحياة بجميع جوانبها ،وأمرنا أن نسير عليه ،وأخبرنا بالجزاء الذي أ ّ
(عبد الرحمن النحالوي ،1983 ،أصول التربية اإلسالمية) ،ويورد أبو األعلى المودودي Sتعريفاً للدين فيقول:
المراد (الدين) هو نظام الحياة الكامل الشامل لنواحيها Sاالعتقادية والفكرية والخلقية والعملية ،فقد ّبين اهلل تعالى ّ
المرضي عند اهلل هو النظام المبني على إطاعة اهلل وإ خالص العبودية له وحده .قال ّ أن نظام الحياة الصحيح
ليه ُي ْرجعون[ سورة آل عمران: واألرض طوعاً وكرهاً وإ ِ ِ دين ِ تعالىْ :
ِ ْ َ ْ السموات أسلَ َم َم ْن في
غون ولَ ُه ْ
اهلل َي ْب َ أفغي َر ِ
أآلية .]83
-99-
عند ِ
اهلل ِّين َ
إن الد َثم استعمل اللفظ في القرآن علماً على الدين والنظام ،الذي أرسل اهلل به رسوله محمداً َّ
الم ِديناً
اإلس َ علي ُك ْم ِن ْع َمت] َوَر ُ
ضيت ل ُكُم ْ اإلسالم[ سورة آل عمران :اآلية ]19وقال تعالىَ :
اليْوَم ْأكمْل ُت ل ُك ْم ديَن ُك ْم وأَ ْت َم ْم ُت ْ ُ
[ سورة المائدة:اآلية .]3
ِّين[ سورة الزمر:اآلية .]11 أعبد اهلل م ِ
خلصاً لَ ُه الد َ وقال تعالىُ :ق ْل إني أ ِ
ت أن َ َ ُ ُم ْر ُ
فاإلسالم Sهو النظام اإللهي الذي ختم اهلل به الشرائع وجعله نظاماً كامالً شامالً لجميع نواحي الحياة،
والحاكم عند ابن سينا – م11 وارتضاه لتنظيم Sعالقة البشر بخالقهم ،وبالكون والخالئق وبالدنيا Sواآلخرة وبالمجتمع والزوجة والولدS
الفكر الرتبوي
والمحكوم ،ولتنظيم كل االرتباطات Sالتي يحتاج إليها الناس ،تنظيماً Sمبنياً على الخضوع هلل وحده وإ خالص
العبودية له ،وعلى األخذ بكل ما جاء به الرسول ( عبد الرحمن النحالوي ،1983 ،أصول التربية اإلسالمية.).
لSقSد SمّSيSز SدSاSرSسSو SاSلSتSرSبSيSة SاSإلSسSالSمSيSة SبSيSن SاSتSجSاSهSاSت SفSكSرSيSة SثSالSثSة SسSاSدSت SاSلSفSكSر SاSلSتSرSبSوSي SاSإلSسSالSمSي S،SوSكSاSن SلSكSلS
اSتSجSاSه SمSن SهSذSه SاSالSتSجSاSهSاSت SاSلSثSالSثSة SفSلSسSفSة SفSي SاSلSتSرSبSيSة SتSخSصSه SوSتSؤSكSدSه SوSتSثSبSت SوSجSهSة SنSظSرSه SفSي SاSإلSنSسSاSن SوSاSلSوSجSوSدS،S
فSهSنSاSك SاSالSتSجSاSه SاSلSفقSهSي SفSي SاSلSتSرSبSيSة SوSتSمSثSلSه SكSتSاSبSاSت SاSبSن SسSحSنSوSنS( SاSلSمSتSوSفSى326 SهSـ) SوSاSلSقSاSبSسSي SاSلSمSتSوSفSي SسSنSة( S
403هSـ)S( SأSحSمSد SفSؤSاSد SاSألSهSوSاSنSي S،1955 S،SاSلSتSرSبSيSة SفSي SاSإلSسSالSم S.S)SوSهSنSاSك SاSالSتSجSاSه SاSلSصSوSفSي SفSي SاSلSتSرSبSيSة SوSخSيSر SمSمSثSلS
له SهSو SأSبSو SحSاSمSد SاSلSغSزSاSلSي SاSلSمSتSوSفSى505( SهSـ)S( SمSحSمSد SنSبSيSل SنSوSفSل S،1967 S،SأSبSو SحSاSمSد SاSلSغSزSاSلSي SحSيSاSتSه SوSآSرSاSؤSه SفSيS
اSلSتSرSبSيSة SوSاSلSتSعSلSيSم S، )SوSأSخSيSرSاً SهSنSاSك SاSالSتSجSاSه SاSلSفSلSسSفSي SفSي SاSلSتSرSبSيSة SالSبSن SسSيSنSاS.S
1
Richard Walzer. Greek into Arabic. Okford. Brurocossiver. 1962. p. 6. f t1. )(1
Iu indraw sweetman. Islawavd Christiav theology. Lovpon, lutterperss. 1945 – 1947.
P. B 1fa. Felhawavy. Islamic philosophy.
Cairo. AngloeGyptian book shoop 1957. p. 26.
-100-
-2إن الفالسفة المسلمين تعصبوا في الغالب للفكر اليوناني وقدروه أكثر من الالزم حتى قدموه على النص
أحيانًا وأولوا النصوص حتى توافق بعض هذه اآلراء اليونانية وال أدل على هذا التعصب الفكري للفالسفة اليونان،
وبالذات أرسطو من شكوى ابن سينا من ذلك التعصب وعدم قدرته -وهو فيلسوف -على مخالفة جمهور
المشائيين بمثل قوله« :فقد بلينا برفقة منهم» طالب الفلسفة «عاري الفهم كأنهم خشب مسندة يرون التعمق في النظر
بدعة ومخالفة المشهور ضاللة كأنهم الحنابلة في كتب الحديث» (روزنال ،1961 ،مناهج العلماء المسلمين في
البحث العلمي ،ترجمة أنيس فريحة).
-3إن الفالسفة المسلمين عندما أرادوا أن يحلوا مشكلة التوفيق بين العقل والنقل وبعد فحص في :النظر
في الفلسفة وعلوم المنطق هل هو مباح بالشرع Sأم محظور Sأم مأمور Sبه على جهة الندب أو يحل جهة الصواب
(ابن رشد ،بدون تاريخ ،الحكمة في فلسفة ابن رشد) وصلوا Sأخيراً على أن طريق الفلسفة غير طريق الشرع،
ورغم أن غاية الفلسفة في نظرهم Sوغاية الشرع واحدة وهي الوصول Sإلى الحقيقة إال أن الوسيلة في نظرهم
مختلفة ،فأنت تصل إلى الحقيقة عن طريق Sالشرع مستخدماً النص معتمداً عليه ،أو عن طريق الفلسفة مستخدماً
العقل معتمداً على المنطق .ولذا فإن طريق الفلسفة في نظرهم هو طريق الخاصة والحكماء ،والشرع Sطريق
العامة والدهماء وال يمكن التوفيق بين الفلسفة والدهماء والعقيدة إال إذا حدث تفرق بين عقيدة العامة وعقيدة
الخاصة ،وإ ال إذا حدث تأويل في شرح بعض اآليات المنزلة ،وهذا هو موقف الكندي والفارابي Sابن سينا وابن
رشد وغيرهم (حنا الفاخوري ،خليل الجر ،1958 ،تاريخ الفلسفة العربية.).
إن فلسفتنا التربوية ليست وليدة الخبرة ،وال تبنى بناء على نحو مطلق -كما يرى بعض الباحثين -وال
هي في المقابل فلسفة مغلقة ،كل ما فيها قطعي Sونهائي ،وال هي فلسفة متعالية تدعي نضج نظمنا التربوية،
وتوصد Sاألبواب أمام تراكم الخبرة ،فاإلسالم دين عمل ،ولذا فال يكاد يذكر اإليمان إال ويذكر معه العمل الصالح
وكان يستعيذ Sباهلل -تعالى -من علم ال ينفع؛ وإ ن أكبر مشكلة خلقتها الفلسفة اإلسالمية وغير اإلسالمية
يعد الخالق -سبحانه -العقل البشري Sالستجالء كنهها ،فكان حليفهالنفسها ،أنها أقحمت نفسها في بحث أمور لم َّ
دائماً اإلخفاق واالضطراب.
إن النظريات التربوية ال تعدو أن تكون أدوات في يد الفلسفة التربوية وهي مثل كل األدوات ،تستمد قيمتهاS
من مدى إمكانية تطبيقها ،ومن تحقيقها للغايات التي نشأت من أجلها ،ولذا فإنها قد تصلح في مرحلة ،وال تصلح
أن علينا أن نغير من هدف العلم، في أخرى ،وقد Sتصلح في بلد ،وال تصلح في بلد آخر ،والقرآن الكريم يشير إلى ّ
غي ُر ما ومن هدف التربية ،وأن نضيف إلى محاولة فهم العالم محاولة تغييره ،كما في قوله سبحانهَّ :
إن اهللَ ال ُي ِّ
غيروا ما بأنفُ ِس ِه ْم[ سورة الرعد :اآلية.]11 ٍ
بقوم حتَّى ُي ِّ
فالتربية اإلسالمية أصبحت ضرورة حتمية ،وقضية إنسانية لتخليص الطفولة في البشرية عموماً من
التهديد والضياع من النظم المادية غير اإلنسانية وبين اإلباحة والتدليل والميوعة (عبد الرحمن النحالوي،
،1983أصول التربية اإلسالمية) إلنقاذ الطفولة في الشعوب النامية والضعيفة من الخنوع والذل وويالت
الجوع واالستسالم Sلطغيان الظلم واالستبداد.
وذلك بما تغرسه التربية اإلسالمية في اإلنسان من العزة والشعور Sبالكرامة بل االستحقاق في سبيلها ،مهما
وللمؤ ِم َ
نين[ سورة المنافقون:اآلية .]8 ْ العزةُ وِل َرسوِل ِه
أحاطت به الشدائد ،أو أذهلته عنها المغريات .وهلل َّ
-101-
-إن الفلسفة بمعناها عند المسلمين في العصور الوسطى كانت من علوم الخاصة ،والفالسفة أنفسهم جميعًا
أصروا على ذلك ،ونهوا العوام عن االشتغال بها وحددوا عددًا من الشروط للذي يعمل بها وما يجب أن يدرس قبل
أن يتعلم الفلسفة (الفارابي1328 ،هـ ،ما ينبغي أن يقدم قبل تعلم الفلسفة).
وكانت لغتها صعبة في الواقع ،ربما لطبيعة موضوعاتها ،وربما بقصد من الفالسفة ألسباب خاصة بهم.
ونشير Sإلى أن أفالطون كتب ألرسطو Sمعاتباً إياه على وضوح Sكتبه الفلسفية فرد عليه أرسطو قائالً« :إني
وإ ن دونت هذه العلوم والحكم المضنون بها فقد رتبتها ترتيباً ال يخلص إليها إال أهلها ،وعبرت عنها بعبارات ال
يحيط بها إال بنوها» (الفارابي ،1328 ،ما ينبغي أن يقدم قبل تعلم الفلسفة).
وقد علل الفارابي أسباب تعهده لهذا اإلغماض في كتب الفالسفة بما يلي:
-1استبراء طبيعة المتعلم هل يصلح للتعليم أم ال؟
-2لئال تبذل الفلسفة لجميع الناس بل لمن يستحقها فقط.
-3ليروض الفكر بالتعب في الطلب.
وبذا يكون ما جاء به حامد عمار في كتابه بناء البشر أن الفالسفة ارتبطوا بالخلفاء واألمراء ،واعتمدوا
على تشجيعهم ،وهذا كان يهيئ لهم فرص الدراسة والبحث ما دام هؤالء الحكام واألمراء من أحرار الفكر ،ومن
ذوي القوة والسلطان ،ولكنه في نفس الوقت عرضهم لسلطان هؤالء الحكام وبطشهم Sواقتصار دائرة تأثيرهم في
حاالت أخرى كثيرة (حامد عمار ،1964 ،في بناء البشر).
إن رجال الفكر اإلسالمي -لعوامل عديدة -قد حاربوا هذا االتجاه الفلسفي ورموا رجاله بالكفر أحياناً
كما فعل الغزالي وابن تيمية ،ورغم أن العداء بين التيار العقلي عموماً والتيار النقلي عداء قديم Sلم يسلم منه حتى
المعتزلة أنفسهم رغم أنهم علماء كالم (عبد الدائم أبو العطاء ،1948 ،أهداف الفلسفة اإلسالمية).
المعركة قد احتدم أوارها بضعف الحكام وحاجتهم Sإلى السند الشرعي القوي وسيطرة نزعة التقليد حتى إنه
لم يأت القرن الثاني عشر الميالدي حتى أحرقت رسائل إخوان الصفا ومؤلفات ابن سينا في بغداد عام 1150م
وعدت هذه المؤلفات هرطقة وخروجاً عن الدين الحنيف وقد روى Sجالل الدين السيوطي Sعن الشيخ نصر الدين
المقدسي ،أن يحيى بن خالد بن برمك كتب إلى ملوك الروم برغبته في نقل الكتب اليونانية إلى اللغة العربية،
وكان ملك الروم قد خاف على قومه من النظر في تلك الكتب اليونانية أن يتركوا دين النصرانية ،ويرجعوا Sإلى
بناء محكماً حتى ال يصلدين اليونانية وتشتت كلمتهم وتتفرق جماعتهم تجمع تلك الكتب في موضع ويبنى Sعليها ً
إليها أحد ،فلما طالبه خالد ابن برمك بذلك استطار فرحاً Sوجمع البطارقة واألساقفة والرهبان وقال لهم :إنه مرسل
تلك الكتب إلى خالد بن برمك وسائله أال يردها قط حتى يبتلوا بها (عباس محمود Sالعقاد ،بدون تاريخ ،التفكير
فريضة إسالمية).
-102-
بذا نستطيع القول :إن المدرسة الفلسفية في الفكر اإلسالمي كانت مدرسة محدودة التأثير أرستقراطية
الفكر .كانت مدرسة الخاصة فقط ،وكانت كنت هؤالء الفالسفة تمثل «دوائر منفصلة عن تيار الفكر اإلسالمي
العام» (علي سامي النشار1367 ،هـ ،مناهج البحث عند مفكري اإلسالم) .قليلة التأثير على حياة المجتمع العقلية
والتربوية ،وهذا الكالم ال يخلو من الصحة إذا قيس باألثر الفقهي أو األثر الصوفي Sفي تاريخ الفكر اإلسالمي
والتربوي Sفي العصور الوسطى S.وال يعني ذلك تجاهل تلك المدرسة الفكرية ،إذ إنه ليس في مقدور أي باحث
للحركة الفكرية في العصور Sاإلسالمية الزاهية أن يتجاهل هذا التيار الفلسفي أو أن يقلل من شأنه ،وخصوصاً أنه
تيار خصب مبدع وخالق في بعض نواحيه ،وأن إنتاجه العقلي والفكري ال يقل عن التيارين اآلخرين :الفقهي
والصوفي غزارة وأهمية.
والحق أن كتابات ابن سينا تعد قمة فيما وصل إليه هذا التيار الفلسفي اإلسالمي في أوضح صورة وأشملها،
هذا من ناحية ،ومن ناحية أخرى فإن آراء ابن سينا التربوية سوف تظهر لنا كيف اضطر فالسفة المسلمين إلى
الحديث في أمور التربية لكي يدعموا هذا االتجاه الفلسفي( )1ويدخلوه في صميم عملية التعليم ،محاولين تأكيد هذا
االتجاه وإ ظهار قيمته وجدوى علومه ومناهجه.
1
Maurice Goude Fray. Demombyres, Muslin – institution slovdov GeorFe Allenurwivlt. )(1 D. 1950. p 204.
-103-
إذا ما رجعنا إلى مؤلفات المسلمين في مجال العلوم الطبيعية ألدركنا مدى صلتها باهلل وتوحيده ،واإليمان
بقدرته وعظمته وحكمته ،وإ ذا رجعنا إلى مؤلفاتهم في العلوم الدينية لوجدنا أنها تقوم على األدلة والحجج العقلية
معاً ،حتى علوم أصول الدين الذي يتناول قضية التوحيد ال يستند إلى األدلة النقلية فقط كما يتبادر Sإلى الذهن ،إنما
يقوم بجوار ذلك على نظرية متكاملة في المعرفة تناقش مصادر العلم ذاتها من محسوسات ومجريات Sومشاهدة
وأوليات وبديهيات ومتوافرات ....الخ حتى تصل في النهاية إلى «التوحيد Sاإلسالمي» العقلي والنقلي معاً ويمكن
أن نجد ذلك واضحاً Sفي مؤلفات عديدة مثل :العقيدة النظامية للجويني)478( Sهـ االقتصاد Sفي االعتقاد للغزالي (
)505هـ وطوالع Sاألنوار للبيضاوي ()685هـ والمواقف لإليجى (756هـ) وأشرف Sالمقاصد للتفتازاني (791هـ)
(حسن حنفي ،1982 ،دراسات إسالمية).
ولقد أحصى أحد الباحثين ما ورد في القرآن من آيات تتعلق بالعلوم الطبيعية فوجد أنها تمثل أكثر من
ُعشر القرآن ،فمن بين مجموع آيات القرآن وعددها ( )6257آية وجد ( )620آية تتعلق بشتى الموضوعاتS
العلمية موزعة كما يلي:
-الذرة 5 -الفيزياء 64 -الرياضيات 61
-الفلك 100 -النسبية 62 9 -الكيمياء
-علم السالالت البشرية 10 -الجغرافيا العامة 73 -علم األحياء 26
-طبقات األرض - 20علم الكون وتاريخ األحداث الكونية(.)1
وصف العلم والعلماء والحث على طلب العلم (عبد الرحمن النقيب ،2002 ،الفكر التربوي اإلسالمي).
وبعد أن اتضح مفهوم العلم الذي ينسجم مع التصور Sاإلسالمي ،فإنه ينبغي التدقيق Sفي معنى لفظة تربويS
التي تلحق ببعض العلوم .وقد اصطلح على نعت مجموعة من العلوم بلفظة التربوية ،وهذا هو علم النفس
التربوي ،وعلم االجتماع التربوي ،وتاريخ التربية وفلسفة التربية وغيرها .وقد يوحي وصف مجموعة من
العلوم بأنها تربوية وأن غيرها ليست تربوية .وهذا أمر ال يمكن القبول به ،فعلوم Sالشريعة تربوية؛ ألنها تدل
اإلنسان على طريق Sالخير وتجنبه طريق Sالشر ،وعلم الرياضيات والفلك والكيمياء علوم تربوية؛ ألن دراسة كل
منها يؤدي Sإلى اكتساب مهارات واتجاهات معينة)1(.
إن كل علم في اإلسالم موصول باهلل سبحانه وتعالى ،وإ ن جميع العلوم لها عالقة تأثير وتأثر في التربية
إذا قصر Sبالتربية المفهوم العام ،والذي قوامه في اإلسالم تنشئة اإلنسان الصالح ،وفي المجتمعات القومية تنشئة
المواطن الصالح ،ومن الممكن التعرف على المقصود من لفظ تربوي التي تلحق ببعض العلوم إذا أمكن تحديد
الوظائف التي تؤديها هذه العلوم ،وإ ن كل علم يسهم في تحقيق أهداف التربية العامة هو علم تربوي بالضرورة
ونشير إلى أن منطق العلم ليس في تضاد مع منطق الوحي وأنهما ضدان ال يجتمعان؛ ذلك ألن علماء المسلمين
الذين عملوا بالعلوم Sوالطب والهندسة وغيرها -مثل ابن سينا والبيروني Sوالخيام ونصر Sالدين الطوسي وغيرهم
لم يشعروا Sبأي صراع أو تناقض بين اإلنسان المسلم واإلنسان العلمي ،ولم يحل أخذهم بالمنهج الديني أن يبدعوا
في مجاالت العلوم ذات المنهج العلمي التجريبي.
1
Segyed Hossienrasr: Islam and plight of Modern mar, lovGmar, lovdor, new (1) Gort, 1975. pp. 147, 178.
-104-
إذ كانت العلوم والمعارف سواء أكانت عقلية أم نقلية وفق Sالنظرة اإلسالمية للمعرفة علوماً توصل إلى
اهلل ،يقول فؤاد Sزكريا« :كان العلم اإلسالمي ينطوي Sعلى جانبي الدنيوية واألزلية في آن واحد ،ويستهدف Sالعلم
خدمة الحياة اإلنسانية في هذا العالم األرضي Sفي إطار تركز أصوله على النظر إلى عالم السماء واألرض،
واستخالص العبرة من نظامه المحكوم ،وقوانينه األزلية ،وهكذا كان العلماء يقومون ببحوثهم Sمؤمنين بأن العلم
ركن أساسي من أركان العقيدة ولم تكن فكرة التعارض بين العلم واإليمان الديني تخطر ببال أحد منهم ،بل إن كل
من أثاروا هذه الفكرة لم يكونوا من العلماء ،ولم تكن لديهم أدنى فكرة عن الطبيعية الحقيقية للبحث العلمي وعن
أهدافه اإلنسانية الرفيعة» (فؤاد Sزكريا ،1978 ،التفكير العلمي).
الواقع أن كثيرًا من العلماء المعاصرين يؤكدون هذا المنهج اإلسالمي الصحيح في طليعتهم يوسف مروة
حيث قال« :وإ نني كلما فهمت قانونًا من هذه القوانين (العلمية) ازددت إيمانًا بقدرة اهلل وعظمته وحكمته وقوته،
فاإلنسان لم ينصع قوانين الطبيعة الفيزيائية والكيميائية والفلكية والحيوية والرياضية ،إن العلماء لم يفعلوا أكثر من
كشف الغطاء عن هذه القوانين اإللهية ومحاولة فهمها وتفسيرها واستعمالها ،وهذه القوانين قائمة سواء كان اإلنسان
موجودًا أو معدومًا فهي وجدت قبل خلق الكون ،ومن هنا أفهم أن قوانين الطبيعة هي كلمات اهلل وأنظمته في تيسير
الكون منذ بدء الخليقة ،وإ ن كل قانون نكتشفه وندرسه ونفهمه هو برهان ساطع على وجود اهلل وعلى عظمته
وحكمته وقدرته» (يوسف مروة ،1986 ،العلوم الطبيعية في القرآن).
إن فلسفة التربية هي التي تساعد الناس على قبول التغيير ومواكبته ،بل إنها هي التي تمكن القيادات
الفكرية والتربوية من التخطيط Sللتغيير ،وليست مهمة فالسفة التربية أن يمهدوا السبيل أمام التغييرات المطلوبة
فحسب ،وإ نما التبشير Sوالمطالبة بها من خالل تفكيرهم الدائم في وضع المجتمع ،وتلمسهم لما يصلح شؤونهم في
جميع مجاالت الحياة.
-105-
أما Sالدين فقد ظل Sينظر Sإليه خاصة Sفي Sالعصور Sالحديثة Sعلى Sأنه يختلف Sعن الفلسفة ،وعن العلم وهوS
أكثر Sارتباطاً Sبالوجدان Sال بالعقل ،وأقرب Sإلى Sالمينافيزيا Sوالغيبيات Sالتي تخرج Sعن ميدان العلم ،وفي SالوقتS
الذي ق ّSل فيه االحتفال بالفلسفة وأهمية الفلسفة لصالح العلم Sكادت منزلة Sالدين أن تختفي Sواكتفى Sاإلنسان
المعاصر Sبالفلسفة والعلم Sكمجالين وحيدين Sقادرين Sعلى مده بالحقائق Sالعلمية والنظريSات Sالفلسفية التي Sيعيش
على Sضوئها S،ولعل مشكلة اإلنسان Sالمعاصر Sبالعقل أنه لم يستطع Sحتى Sاآلن أن يجد Sنظاماً Sمعرفياً Sيوحد Sبين
الدين والفلسفة والعلم( Sعبد الرحمن Sعبد الرحمن ،2004 ،الفكر التربوي Sاإلسالمي).S
الحق أن محاولة الفصل بين الدين والعلم والفلسفة لم يكن في صالح اإلنسان وال من صالح البحث
ادعى من بعد عن الدين أو الفلسفة فمن المحال تحقيق ذلك ألن
للوصول إلى الحقيقة؛ ذلك أن العلم نفسه مهما ّ
العالقة بينهما جدلية ،فالعالم Sوهو يجري تجاربه إلثبات نظرية أو قانون سوف يعتمد حكماً على بعض المعطيات
الفلسفية مثل قانون السببية أو قانون الحتمية وكذلك قانون االطراد ألن لكل منهما مسلمات فلسفية يقوم عليها
العلم.
وإ ذا كانت الفلسفة ضرورية لوجود العلم ،فالذي Sيعصم الفلسفة والعلم من أي انحراف هو الدين ،فالدين
يعصم الفلسفة من أن تكون تهويمات عقلية دون عاصم من شك أو ضالل ،كما حدث بالفعل في تاريخ الفلسفة
عندما تحول التفلسف إلى شك وجحود وإ نكار Sأو تبرير Sالظلم والطغيان.
كما أنه يحول دون العلم أن ينفلت ويصبح أداة من أدوات التدمير والعدوان ،فتآزر الدين والعلم والفلسفة
هو سبيل اإلنسان لتشييد حضارته التي تقوم على تكامل المعرفة الدينية والعلمية والفلسفية ،بل يمكن القول :إن
الدين بدون فلسفة وعلم دين سطحي ،والعلم بدون فلسفة ،ودين علم زائف ،والفلسفة بدون علم ودين فلسفة فجة
غير ناضجة (محمد أبو القاسم حاج أحمد1399 ،هـ ،العالمية اإلسالمية الثانية).
لSقSد SحSاSوSل SاSلSشSيSخ SاSلSرSئSيSس SاSلSتSوSفSيSق SبSيSن SاSلSنSقSل SوSبSيSن SاSلSعSقSل S،فSاSلSفSالSسSفSة SاSإلSغSرSيSق SاSلSقSدSاSمSى SكSاSنSوSا SيSقSوSلSوSن SبSأSزSلSيSةS
اSلSعSاSلSم S،SوSأSن SاSلSدSيSن SيSقSوSل S:SبSأSن SاSلSعSاSلSم SمSخSلSوSق S،SوSقSد SخSلSقه SاSهلل SتSعSاSلSى SوSأSوSجSدSه SمSن SاSلSعSدSم S،SاSبSن SسSيSنSا SلSم SيSقSف SحSاSئSرSاًS
أSمSاSم SذSلSك S،SبSل SأSقSدSم SعSلSى SاSلSتSوSفSيSق SبSيSن SهSذSيSن SاSلSقSوSلSيSن SاSلSمSتSنSاSقSضSيSن S،SوSوSضSع SلSهSا SحSالً SوSسSطSاً SرSآSه SمSفSعSوSالً S،SفSقSاSل S:SإSنS
كSل SحSاSدSث SقSد SسSبSق SوSجSوSدSه SزSمSاSن SوSإ مSكSاSن SاSلSوSجSوSد S،SوSاSلSزSمSاSن Sال SيSتSصSوSر SبSدSوSن SحSرSكSة S،SوSاSلSحSرSكSة SعSرSض S،وSكSذSلSكS
إSمSكSاSن SاSلSوSجSوSد SعSرSض S،SوSمSعSلSوSم SأSن SاSلSعSرSض Sال SيSكSوSن SإSال SفSي SمSوSضSوSع SأSو SمSاSدSة S.SفSكSيSف SيSنSفSق SذSلSك SعلSى SاSلSعSدSمS
اSلSسSاSبSق SلSوSجSوSد SاSلSشSيSء SاSلSحSاSدSث S،SوSاSلSعSدSم Sال SيSكSوSن SفSيSه SعSرSض SوSال SمSوSضSوSع SوSال SمSاSدSة.S.S..S؟S( SاSبSن SسSيSنSا S،SبSدSوSنS
تSاSرSيSخ S،SمSجSمSوSعSة SرSسSاSئSل SفSي SاSلSحSكSمSة)S.S
إن كتابات ابن سينا المختلفة تمثل اجتهاداً بين الفلسفة والعلم والدين ،وهو اجتهاد موضوعي فيه الكثير من
الصواب ،أثرى الحياة الفكرية في عصره ،وما زال قادراً Sعلى اإلثراء في هذا العصر ،ومن خالل كتاباته نقدر
تلك االجتهادات المختلفة للتوفيق بين الفلسفة والعلم والدين .فابن سينا بين مفكري اإلسالم من خير من يحمل هذا
الطابع ويعبر عنه:
ألم بالثقافة اإلسالمية الشاملة المعاصرة له ،وهضمها Sخير هضم ،ثم ترجم عنها ترجمة صادقة فلسفته فقد ّ
كلها متآخية مع العلم وممتزجة به كل االمتزاج فهو مفكر عالمي ،يرتفع عن حدود الزمان والمكان ،وال غرابة
فهو عالم وفيلسوف؛ والعلم والفلسفة الحقة ال وطن لهما ،ففلسفته هي فلسفة اللغة العربية منذ القرن الخامس
الهجري إلى أوائل القرن الحالي.
-106-
يرى ديوي Sأن كل فكر فلسفي ،على اختالف المذاهب ،يرتبط بخصوصية تاريخية ،واإلشكالية الفلسفية
تعبر عن إشكالية تاريخية .وعلى هذا النحو يجرد اإلشكالية الفلسفية من خصوصيتها Sالتي تميزها عن أشكال
الفكر األخرى ،ليجعل منها صورة من التعبير الفكري عن التاريخ بأبعاده السياسية واالجتماعية واالقتصادية
وبالصراعات التي تنبثق فيه.
ويذهب ديوي Sفي شرحه لفكرته لبيان العالقة بين الفلسفة والتربية منذ نشأة الفلسفة وإ ذا رضينا Sبفهم
التربية على أنها عملية تكوين النزعات األساسية الفكرية والعاطفية في اإلنسان تلقاء الطبيعة» (جون ديوي،
،1946الديمقراطية والتربية) ويعني ذلك أنه ال يوجد للفلسفة أية قيمة إال إذا انتهت بنتائج عملية في التربية،
ولن تجد الفلسفة سبيالً في مهمتها إال أن يكون لها مما يقابلها في التربية ما يدلنا على ما ينبغي فعله.
-107-
الفصل الثالث
مفاهيم تربية الطفل عند ابن سينا
-مقدمة:
-3إكرام الطفل
-108-
مفاهيم تربية الطفل عند ابن سينا
تقوم آراء ابن سينا في تربية الطفل على أساس نظرته لبناء اإلنسان ،فقد تحدث بإسهاب عن الطفولة المبكرة
وكل ما يتصل بها من رضاع وفطام وتربية صحية وأخالقية وذوقية ،والبن سينا عناية فائقة بكل ما يتصل
بالمرحلة األولى من حياة الطفل من حيث النوم واالستحمام والرضاعة والرياضة.
والشيخ الرئيس عالم جليل من أعالم اإلسالم الموسوعيين الذي تنوع فيهم عطاء اهلل ،وتعددت في اهتماماته
فروع المعرفة والثقافة حتى قيل إنه لم يظهر علم من العلوم أو فن من الفنون في عصره إال وترك فيه مؤلفًا أو
رسالة.
فابن سينا قد أدرك ـ قبل علماء النفس والتربية المحدثين -أهمية سني الطفولة األولى في تنشئة الطفل،
وفي تمتعه بأكبر قسط Sمن الصحة النفسية والعقلية في مستقبل حياته؛ ولذلك أطال الحديث عن أحسن السبل في
معاملة الطفل ،وكل ما يتصل به من رضاع Sوفطام Sونظافة ،ومراعاة ألخالق الطفل ،وإ بعاد Sكل المؤثرات
الضارة عنه ،التي تؤثر في نفسه وفي Sأخالقه .كما اهتم بالنمو البدني والحركي Sللطفل ،فهو ينظر إلى اإلنسان
كجسم وروح معاً ،وبالنمو Sالذوقي والوجداني عند الطفل وهذا ما سعى إلى تحقيقه والعمل من أجل إنجاحه في
جميع مراحل حياة الطفل األولى ،والذي الشك فيه أن هذا الذي يتحدث عنه ابن سينا كان مطبقاً في عصره ،ينفذه
المعلمون والمؤدبون مع األطفال في منازلهم Sوفي قصورهم.
-109-
أوالً :آراء ابن سينا التربوية في مجال تربية الطفل
تقوم آراء ابن سينا التربوية في مجال تربية الطفل على أساس نظراته لإلنسان والمجتمع والمعرفة
واألخالق ،وتناول الجوانب التربوية بكافة مضامينها S،وركز على االعتماد على النفس والتربية االستقاللية،
وركز على تربية الطفل في المرحلة األولى بشكل خاص إذ أدرك -قبل علماء النفس والتربية المحدثين -
أهمية سن الطفولة األولى في تنشئة الطفل -وفي Sتمتعه بأكبر قسط من الصحة النفسية والعقلية في مستقبل
حياته.
وهذا يشير إلى مدى تفكيره في كسب العلم للعلم ذاته ،وأنه أهمل ما دون ذلك من األغراض ،والحق أن
األغراض تختلف باختالف األمم والعصور والبيئات ،وقد تختلف في األمة الواحدة ،كما حدث في أثينا وإ سبرطة
من بالد اإلغريق ،فقد كانت أثينا تفكر في الحكمة والفلسفة واألدب ،في حين أن إسبرطة كانت تضحي بكل شيء
في سبيل بعض جوانب التربية (الجسمية والعسكرية) .وابن سينا يرى أنه ال يكفي أن يقصر المربي نفسه على
غرض معين ويهمل غيره من األغراض ،بل يجب أن يعنى بتربية (اليد والرأس والقلب) في اإلنسان وهذا ما يعبر
عنه المربون في اللغة اإلنكليزية بالهاءات الثالثة( .)1غير أن أكثر آرائه التربوية نجدها في الرسالة المسماة بـ (كتاب
السياسة) وإ ن أبرز ما تميز به المذهب التربوي عند الشيخ الرئيس هو (محمد خير عرقسوسي ،1982 ،ابن سينا
والنفس اإلنسانية):
-1إن التربية السيناوية لم تقتصر على مرحلة واحدة وهي دخول الطفل المدرسة بل شملت تربية الطفل
منذ لحظة والدته حتى انخراطه في الحياة االجتماعية.
-2إن التربية السيناوية لم تركز على جانب واحد من جوانب الشخصية اإلنسانية ،لتهمل الجوانب
األخرى بل اهتمت بوحدة الشخصية اإلنسانية وتكاملها الفعلي والجسدي واالنفعالي.
-3إن التربية السيناوية تأثرت بتعاليم الدين اإلسالمي وبخاصة القرآن الكريم والسنة النبوية كما تأثر
بالفلسفة اليونانية.
-4إن التربية السيناوية حرصت على تدعيم آرائه بمبررات نفسانية ،ونشير Sإلى أنه نجح نجاحاً كبيراً في
الفكر الرتبوي عند ابن سينا – م12
هذا الميدان ،وهذا ما يحملنا على االعتقاد أن ذلك عائد إلى حد كبير إلى امتهانه مهنة الطب.
Hand, Head, Heart ( )1وهي ثالث كلمات مبدوءة بالهاء: 1
-110-
لقد اهتم ابن سينا بدراسة وتحليل سمات مرحلة الطفولة وكانت آراؤه مبنية على أساس المالحظة والحدس
واستلهام ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة لتشكل هذه اآلراء نسقًا فكريًا أشبه ما يكون بنظرية
جمعها بوصفها محمود قنبر« :لم تصل إلينا هذه النظرة في بنية فكرية كاملة بذاتها اصطلح عليها المربون ،ويمكن
نسبتها إلى مصدر واحد ،أو إلى مفكر تربوي معروف ،أو إلى منظر فلسفي ،بشر بها وروج لها ،أو إلى هيئة
تربوية اشتغلت بها ..لقد جاءت إلينا في شكل معان أولية مستلهمة من كتاب اهلل عز وجل وسنة رسوله وقد وقف
تكون فيما بينها مبادئ النظرية
أمامها نفر من العلماء المسلمين بالبحث والنظر فحولوها إلى مفاهيم متوافقة ومتآلفة ّ
التربوية الخاصة بتربية الطفل» (محمد خير عرقسوسي ،1982 ،ابن سينا والنفس اإلنسانية).
والحق أن اإلسهامات الفكرية العربية التي اضطلع بها المربون تناولت جميع المراحل التي يمر بها الطفل
منذ نشأته وحتى بلوغه سن الرشد وذلك من خالل تنمية طاقاته المختلفة :الجسمية والعقلية والروحية ،وتوفير
الحاجات األساسية لكل طفل في جميع مراحل حياته .فمن األهمية بمكان أن يعيش اإلنسان في أسرة يحمل
أفرادها مشاعر المحبة والتعاون ،واإلسالم الذي يعتبر األبناء زينة الحياة الدنيا يطالب في الوقت ذاته بحسن
تربيتهم ،ويرى Sابن سينا أن مجرد حب الوالد لولده ال يوصل األبناء إلى األهداف المنشودة ،إال إذا كان سلوك
الوالدين منسجماً مع حاجات الطفل ،ألن سلوك الوالدين يعتبر أحد العوامل الرئيسة المؤثرة في حياته.
وهذا التأثير يبدأ منذ األيام األولى :أي قبل اكتساب الوليد اإلنساني اللغة والتفاهم مع اآلخرين عن طريقS
األلفاظ ،فإطعام Sالوالدين الطعام ومداعبتهما Sله وحمله ،أقدر أن تشعر الطفل بأهميته وبمدى Sتقبل من حوله
لشخصيته .وبما أن الوالدين حريصان على إشباع حاجات الطفل فإنهما Sيسهمان في نمو الشعور Sباألمن
والطمأنينة عند ذلك الطفل.
والحق أن الوالدين يلعبان دوراً أساسياً في تنمية القدرة على استخدام األلفاظ للداللة على األشياء المحيطة
بالطفل ،فاللغة ال تكتسب إال من خالل المحادثة مع اآلخرين« .ومن هنا وجب على الوالدين اإلصغاء إلى الطفل
وتبادل األحاديث معه ،ألن هذا يعينه على تنمية ثروته اللغوية ،ويعمل على إقامة عالقات قوية مع األشخاص
المحيطين به» (بطرس البستاني ،بدون تاريخ ،دائرة المعارف مجلد .)1
يشير ابن سينا إلى أن العالقة بين الوالدين والطفل هي عالقة تأثير وتأثر ،وكما أن الوالدين يسهمان في
تعليم الطفل الشيء الكثير ،فإنهما في الوقت ذاته يتعلمان أموراً عديدة من خالل التعامل معه ومالحظة ما يصدر
عنه من أقوال وأفعال .ومن هنا فإنه يحسن بالوالدين التعرف على القدرات الحقيقية للطفل كي ال يضعا له من
مستويات الطموح ما ال يتفق وقدراته .فالوالدان يعلمان الطفل الثقة بالنفس أو الشك فيها ،اإلقبال على الحياة أو
النفور منها ،ومن الممارسات التي تعطي ثماراً طيبة وتعمل على نمو شخصية األبناء نمواً سليماً :مدح األطفال
عندما يصيبون ،وتنمية حب االستطالع لديهم ،وقضاء فترة كافية معهم ،وهذا يتطلب من الوالدين التحلي بالعديد
من الصفات مثل الصبر والقدرة على إدراك ما قد يواجههم ،ومعرفة الحقائق المتصلة بالنمو خاصة في مرحلة
الطفولة.
بذا يرى ابن سينا أن الحب والحنان والعطف بهذا األسلوب السليم في التربية يؤدي Sإلى توثيق Sالصلة بين
اآلباء واألطفال والمحيط Sالخارجي ويتطلب ذلك بالدرجة األولى كما يرى الشيخ الرئيس ما يلي:
-111-
-1أول مبادئ اإلكرام عدم سب الطفل ألي سبب ،فال يقال له يا شقي أو يا كسول ،أو يقال اهلل يلعنك وقد
قال الرسول « :سباب المسلم فسوق».
-2عدم ضرب الطفل إال لذنب كبير ،وقد نهى اإلسالم عن ضرب الطفل على الوجه والتربية المعاصرة
أكدت عدم استخدام Sالعنف ضد الطفل لما لذلك من خطر على شخصيته.
-3على األبوين أن يكونا قدوة ألبنائهما ،فإذا كانا متحابين ودودين عطوفين ،انتقلت هذه الصفات إلى
أبنائهما.
-4احترام مشاعر الطفل ألن هذا األمر يخلق روح المودة والترابط Sبين األسرة في جميع جوانب الحياة.
-5أن تتولى األم تربية أبنائها بنفسها وعدم االعتماد على الخدم والخادمات Sفي تربية الطفل فالتربية
الصحيحة تجعل الطفل مطيعاً لوالديه محباً ألسرته واثقاً بنفسه ،فتربية الخدم تجعل من األطفال أطفاالً غير
مهذبين الختالف العادات والتقاليد والقيم الخلقية ،بين األهل وبين الخدم.
ونشير إلى أن اإلسالم قد أقر مبدأ رعاية الوالدين لألبناء ،فللمرء أن يستعين بالسبل المتعددة الموصلة إلى
تحقيق هذا الهدف ،شريطة أن ال تتعارض هذه السبل مع مبادئ اإلسالم ،أو تصطدم بقواعده .كان رسول اهلل يعلم
اإلنسان كيف يعامل طفله؟ كيف يكون ودودًا مع أطفاله ليزرع الثقة في نفوسهم ويزرع الحب والحنان والعطف في
قلوب األطفال ،ليسهل على األبناء تقبل توجيهات آبائهم وتعليماتهم لما يلقون من بذور المحبة ومن المعاملة الحسنة،
وقد قال رسول اهلل « :رحم اهلل والدين أعانا ابنهما على برهما»( .الوالدان هما أول من يتفاعل معهما الطفل بصورة
تكاد تكون مستمرة ،فهما يقدمان للطفل نماذج حية عن الحياة اإلنسانية ،ولذا فإن سلوك الوالدين يعتبر أحد العوامل
الرئيسة المؤثرة في حياة الطفل) (ابن سينا ،بدون تاريخ ،القانون في الطب) .ومن الواجب على الوالدين أن يحرصا
ال وقبل كل شيء على غرس بذور األخالق الفاضلة في نفس أطفالهما ،وتعويدهما العادات الكريمة والخصال أو ً
الحميدة واآلداب الرفيعة وتجنبهما الترف الزائد والبذخ ،وإ بعادهما عن قرناء السوء ،وفي هذا يقول الغزالي (عبد
الرحمن بدوي ،بدون تاريخ ،موسوعة الحضارة العربية اإلسالمية) :
عن تربية الوالد لولده وصيانته ،بأن يؤدبه ويعلمه محاسن األخالق ويحفظه من قرناء السوء وال يعوده
التنعم والترف ،وال يحبب إليه الزينة ،وأسباب الرفاهية فيضيع Sعمره في طلبها إذا كبر فيخسر عمره ،بل ينبغي
أن يراقبه من أول عمره.
ويقول علماء التربية المعاصرين :بادروا بتعليم األطفال قبل تراكم األشغال ،وإ نه وإ ن كان الكبير أوفر
عقالً ،فإنه أشغل قلباً ويقول الشاعر:
فمطلبها كهـالً عليه شــديـد إذا المرء أعيته المروءة ناشئاً
-112-
والتربية المعاصرة اهتمت بتعليم الطفل المهنة التي يحبها ويعشقها ويبذل جهده في تعلمها واالستفادة منها كما
يرى ابن سينا (الشيخ الرئيس) إذ يقول:
«إنه ليست كل صناعة (مهنة) يرومها Sالصبي ممكنة له مواتية ،ولكن ينبغي له أن يزاول مشاكل
طبعه .ولقد روي أن يونس بن حبيب كان يتردد على الخليل بن أحمد الفراهيدي ليتعلم منه العروض
والشعر ،فصعب ذلك عليه ،فقال له الخليل يوماً :من أي بحر قول الشاعر:
وجـاوزه إلى ما تستطيـع إذا لم تستطع شيئاً فدعـه
-113-
ففطن يونس بن حبيب لقصد الخليل بن أحمد وتوجه إلى أغراض أخرى في العلم غير العروض ونظم
القوافي.
رابعاً :الدالالت التربوية لتنشئة الطفل عند ابن سينا
خصص ابن سينا في الكتاب األول من كتاب القانون في الطب فصالً خاصاً تناول فيه الطرق Sالحكيمة
لتربية الطفل وقد Sسماه «التعليم األول في التربية» ،وقسمه إلى أربعة مقاالت (عبد الرحمن بدوي ،بدون تاريخ،
موسوعة الحضارة العربية اإلسالمية).
في المقال األول تناولت بالحديث عن تدبير المولود منذ أن يولد إلى أن ينهض ،في حين أنه بحث في
المقالة الثانية عن اإلرضاع ،وفي Sذلك ألح على أن يرضع الطفل لبن أمه ما أمكن فإنه أشبه األغذية بجوهر Sما
سلف من غذائه وهو في الرحم ،ثم تحدث ابن سينا عن موضوع Sالفطام وأكد على أن يكون تدريجياً ،أما المقالة
الثالثة فقد تناولت بعض أمراض الطفولة وضرورة الوقاية منها ،وفي Sالمقالة الرابعة تحدث ابن سينا عن تربية
الطفل حتى سن البلوغ ،وفيه يستعرض فصول Sالتربية النفسية لألطفال وفق أحسن الطرق Sالتربوية المعروفة
حالياً».
وفي Sمجال تدبير المولود Sيشير ابن سينا إلى الخصائص التي يجب اتباعها في تلك المرحلة بحيث يتم
تنفيذها وفق Sاألساليب التي تالئم وضعه الصحي باستخدام Sحاجاته الضرورية وفق الشروط Sالصحيحة المالئمة
من حيث النظافة واللباس وكيفية اإلمساك به ووضعه في مكان معتدل الهواء ليس ببارد وال حار حسب حرارة
الجو في الصيف والشتاء.
وفي مجال إرضاع الطفل يؤكد ابن سينا على ضرورة بذل كل المحاوالت ألن يرضع الوليد من لبن أمه،
ألنه تأكد بالتجربة أن تناول الطفل لحليب أمه عظيم النفع ويبعده عنه ما يؤذيه ،ويشير ابن سينا إلى أنه من األفضل
إعطاء الطفل ملعقة عسل وبعد ذلك تتم رضاعته ،وبذا يقول (عبد األمير شمس الدين ،بدون تاريخ ،في المذهب
التربوي عند ابن سينا من خالل فلسفته العملية):
-114-
«من الواجب أن يلزم الطفل شيئين نافعين أيضاً لتقوية مزاجه أحدهما التحريك اللطيف واآلخر Sالموسيقى
والتلحين الذي جرت به العادة لتنويم األطفال وبمقدار قبوله» في حالة وجود ما يمنع من تلقي الوليد حليب والدته
يبين ابن سينا إلى أن يختار له مرضعة تنطبق Sعليها شروط معينة ،بعضها في السن وبعضها Sفي األخالق
وبعضها في هيئة ثديها وبعضها Sفي كيفية لبنها وبعضها Sفي مقدار مدة ما بينها وبين وضعها ،وبعضها Sمن جنس
مولودها» (ابن سينا ،بدون تاريخ ،القانون في الطب) .أما فيما يتعلق بشرط سن المرضعة فيشير Sابن سينا إلى
أن أفضل سن هو ما بين خمس وعشرين سنة وخمس وثالثين سنة فهو سن الشباب وسن الصحة والكمال .أما
شروط سحنتها وتركيبها فيجب أن تكون حسنة اللون قوية العنق واسعة الصدر متوسطة في السمن والهزال
لحمانية ال شحمانية» .وأما في أخالق المرضعة فيجب أن تكون حسنة األخالق ،بطيئة االنفعاالت النفسانية
الرديئة من الغضب والغم والجبن وغير ذلك فإن جميع ذلك يفسد المزاج .ذكرني ذلك قول أحد األطباء
النفسانيين أن أماً مرضعة كانت عصبية وشديدة االنفعاالت النفسانية وسريعة الغضب جاء أوالدها جميعاً على
نفس شاكلتها من حيث العصبية واالنفعال وسرعة الغضب ،وأكد لي أنك إذا أردت الحديث أو الحوار مع أحد
أوالدها فلن تستطيع أن تبني حوارك معه أو يعبر عن حاجته إال بعصبية وبصوتٍ S
عال كأنك أمام حالة من فقدان
الذاكرة أو العقل حتى وإ ن كان األمر ال يستدعي ذلك الموقف .وأكد أنه من خالل معالجته لم يصل إلى نتيجة
للحد من هذا السلوك نتيجة العادات المكتسبة منذ الطفولة وهذا يوضح حقيقة مدى التأثير والتأثر بين األم
المرضعة ووليدها باكتساب العادات التي تتميز بها.
ويوضح Sابن سينا حقيقة ال زال لها أهميتها في مسألة إرضاع Sالوليد أوالً ،ومسألة الفطام المفاجئ وهذا ما
تلح عليه المراجع الطبية الحديثة والتي تؤكد أنه ال شيء على الطفل أضر من المرضعة شديدة االنفعال النفسي
والغضب والغموض والجبن (ابن سينا ،بدون تاريخ ،كتاب السياسة) .ومن الفطام المفاجئ ،وقد ذكر ابن سينا
هذه الحقيقة عندما قال :إن المرضعة يجب أن تنطبق عليها شروط Sمعينة تتعلق بالصحة النفسية واألخالقS
الحميدة ،ويجب أن يكون الفطام تدريجياً ال دفعة واحدة ،يقول ابن سينا في كتابه القانون في الطب (أحمد شلبي،
بدون تاريخ ،تاريخ التربية اإلسالمية) « :يجب أن يرضع الطفل ما أمكن من لبن أمه ،فإنه شبه األغذية بجوهر
ما سلف من غذائه ،بهذه العبارة التي أوصى Sبها ابن سينا بالرضاعة الطبيعية وضرورتها نجده قد سبق الدعوات
العالمية التي تدعو وتحث على اإلرضاع Sالطبيعي للطفل وتحذر Sمن أخطار اإلرضاع الصناعي ،وفي حال تعذر
الرضاعة من األم فال مانع من اللجوء إلى مرضعة تنطبق Sعليها الشروط التي سبق ذكرها خاصة توفر Sالصحة
الجسدية والخلقية عند المرضعة.
فابن سينا أدرك أهمية مرحلة الطفولة وأوالها األهمية البالغة في جميع مراحل نمو الطفل .فهو يتعرض
بالحديث عن بعض األمراض التي يصاب بها الطفل مع ذكر عالجاتها ،من ذلك تحدث عن أورام يتعرض لها
الطفل عند نبات األسنان ،ويشير إلى عالج ذلك باستخدام بعض الدهون والعسل ،فهو لم يدع حالة من الحاالت
المرضية التي قد يصاب فيها الطفل إال وتحدث عنها ووضع العالج لها وقد أوضح أن اإلصابة الخفيفة ال تحتاج
إلى عالج مطلقًا ،أما في الحاالت الشديدة فالبد من عالجها ،وهذا األمر هو قريب جدًا لما يطبق اليوم.
-115-
ويشير Sالشيخ الرئيس إلى أنه قد يصاب الطفل بسوء التنفس وهو ما يسمى اليوم بمرض الربو وحدد
العالج باستعمال بزر الكتان والعسل ،وفي حال إصابة الطفل بالقالع يؤكد ابن سينا على ضرورة استخدامS
البنفسج المسحوق وحده في مثل هذه الحالة ،ومن الممكن خلطه بالورد Sإضافة إلى عالجات األمراض التي
ونبه ابن سينا على إمكانية أن يتعرض الطفل ألحالم تفزعه في نومه ،ويعزوه لفساد الطعام
يتعرض لها الطفلّ ،
في المعدة وحدد العالج لذلك بإلعاقه العسل وهذا يريح الطفل.
وتناول الشيخ الرئيس مرحلة التكوين الخلقي والسلوكي للطفل ،ويؤكد ضرورة مراعاة نفسية الطفل بحيث ال
يصيبه غضب شديد أو خوف شديد أو غم أو سهر ويبين أن في ذلك منفعتين(ابن سينا ،بدون تاريخ ،كتاب
السياسة)« :أوالهما في نفسه بأن ينشأ من الطفولة حسن األخالق ويصير ذلك له ملكة الزمة ،والثانية لبدنه فإنه كما
أن األخالق الرديئة تابعة ألنواع سوء المزاج فكذلك إذا انحرفت عن العادة استتبعت سوء المزاج المناسب لها».
وبذا يكون ابن سينا قد وضع منهجًا تربويًا يفي بمتطلبات المجتمع ويساعده على معالجة جميع متطلباته الحياتية
الفردية أو المجتمعية ،وإ ن النصائح واإلشارات التي قدمها لتربية الطفل تجعل معلمنا (ابن سينا) من أصحاب
المذاهب التربوية الجديرة بالدراسة واالهتمام في مذهب هذا الفيلسوف من اآلراء والنظريات العلمية ما يجعله جديرًا
بأن يمد اإلنسانية بمعين ال ينضب من المعرفة ،وما يتفرع عنه من تربية وسياسة وإ صالح ،بعد أن أمدها بمعين من
الفلسفة والطب.
-ولقد أسهم ابن سينا من خالل كتابه السياسة في وضع قواعد التربية اإلسالمية ،وله في ذلك آراء تربوية
تعد من المكونات األساسية لتربية الطفل .يقول في ذلك(ابن سينا،
هامة يجب الوقوف Sعندها وعدم إغفالها ألنها ّ
بدون تاريخ ،كتاب السياسة)« :ينبغي البدء بتعلم القرآن بمجرد تهيؤ الطفل للتلقين جسمياً وعقلياً ،وفي الوقت
نفسه يتعلم حروف الهجاء ويلقن معالم الدين ،ثم يروي الصبي الشعر مبتدئاً بالرجز Sثم بالقصيدة ،ألن رواية
الرجز وحفظه أيسر إذ أن بيوته أصغر ووزنه أخف ،على أن يختار من الشعر ما قيل في فضل األدب ومدح
العلم وذم الجهل ،وما حث على بر الوالدين واصطناع المعروف Sوإ كرام الضيف .فإذا فرغ الصبي من حفظ
وألم بأصول Sاللغة ينظر عند ذلك في توجيهه إلى ما يالئم طبيعته واستعداده» (عبد األمير شمس الدين،
القرآن ّ
بدون تاريخ ،المذهب التربوي عند ابن سينا).
ويشير Sالشيخ الرئيس إلى مراعاة قدرة الطفل على التعلم وأن يكون مربي الصبي مراعياً لطبعه وما
يناسبه .فإن أراد الكتابة مثالً أضاف إلى دراسة اللغة دراسة الرسائل والخطب ومناقالت Sالناس ومحاوراتهم Sوما
شابهها .وما نصح به ابن سينا يتالءم مع التربية الحديثة حيث يجب األخذ بعين االعتبار ميول الطفل وتوجهاته
لكي يكون مبدعاً في دراسته ومترفقاً في مهنته المستقبلية ليعرج إلى وجود Sأحسن ،وسلوك أنقى للوصول إلى
الحقيقة ،والحقيقة ذاتها قيمة لدى أنصارها ،قيمة تتمسك التربية السيناوية بأهدابها.
أجل ،قد يصح قولنا :إن للطبيعة الالعضوية لغة ،ولكن من باب لغة الغريزة ال غريزة اللغة ،والغريزة
كما يقال ،موسومة بأنها معرفة عفوية ،تلقائية ،فال تحتاج إلى تعليم ،وإ نما تبلغ غايتها بأفعال استمرار Sوتكرار،
استمرار بقاء لغة الطبعية الطبيعية على ما هي عليه ،وتكرارها Sاالجتراري عبر الحقب والثواني Sسواء بسواء،
فليس لها تجدد ،وال نماء ،بل بقاء على سنن البقاء ،أو تحول بآالء التحول ،وكأنها أشبه بعضها ببعض ،ذاكرة
موصولة ،أو طفرات متجانسة متناقضة ولكنها غير متباينة بالنوع.
-116-
وألمح ابن سينا بذلك إلى الصفات السلوكية والخلقية التي يجب أن يتصف بها معلم الصبي بحيث يتمتع
بالقدوة الحسنة لمن يعلمهم فهو يقول(ابن سينا ،بدون تاريخ ،كتاب السياسة)« :ينبغي أن يكون مؤدب الصبي
عاقالً ذا دين ،بصيراً برياضة األخالق ،حاذقاً Sبتخريج الصبيان ،وقوراً رزيناً غير ٍ
كز وال جامد ،حلواً لبيباً ذا
مروءةً ونظافة ونزاهة.
كما يؤكد ابن سينا على ضرورة النظر إلى أقران الصبي ،إذ أنه كثيراً ما يتعلم منهم ،لذلك فهو يرى أن
يحاط الصبي مع من هم حسنة آدابهم ،مرضية عاداتهم كما قال« :ألن الصبي عن الصبي ألقن ،وهو عنه آخذ
وبه آنس» .ثم يقول« :والمحادثة تفيد انشراح العقل ،وتحل منعقد الفهم ،ألن كل واحد من أولئك إنما يتحدث
بأعذب ما رأى وأغرب ما سمع فتكون غرابة الحديث سبباً للتعجب منه وسبباً لحفظه وداعياً إلى التحدث ،ثم إنهم
يتوافقون ويتعارضون ويتقارضون Sالحقوق ،كل ذلك من أسباب المباراة والمباهاة والمحاكاة ،وفي ذلك تهذيب
ألخالقهم وتحريك Sلهمهم وتمرين لهممهم».
أما فيما يتعلق بتنمية القدرة الكالمية عند الصبي ،فإن ذلك ينبثق من طبيعة اإلنسان الثقافية طبيعة اإلنسان
بصفة اإلنسان ،وإ ذ ذلك تنبثق غريزة اللغة ،في قلب غريزة االجتماع ،وتوجب الحاجة الشاملة الالزبة الدائبة
والنامية والمتجددة ،الحاجة إلى اللغة والمنطق والكالم ،وتشير الدكتورة وسمية عبد الحسن المنصور في توظيف
المأثور القولي في تنمية لغة الطفل القول اآلتي (وسمية عبد المحسن المنصور ،2000 ،تنمية المأثور القولي في
تنمية لغة الطفل)« :الكالم عملية معجزة معقدة تتهيأ لها أجهزة متعددة في الجسم اإلنساني ،وتؤثر فيه عوامل
خارجية تساهم في أداء العملية الكالمية مثل الظرف االجتماعي ،وتأثير الحالة النفسية للمتكلم ،بل حالة الطقس
والمناخ وما يطرأ على المجتمع من تغيرات سياسية واقتصادية بتفاوت تأثيرها في آليات الكالم عند الفرد ،ويكشف
مسار العملية الكالمية عن العالقة التكاملية بين النمو الفسيولوجي والنمو اللغوي ...وهذه العملية تخضع لمؤثرين:
داخلي وهو آلية النطق ..وخارجي يكون فيه المتكلم مكتسبًا متأثرًا بما يحيط به من منتج لغوي ...ونقصد به
مجموع العمليات العقلية من قبول ورفض وتذكر وتخيل واسترجاع».
خصص ابن سينا في القسم األول من كتاب القانون في الطب فصالً خاصاً عن تربية األطفال وأمراضهم
وركز على حاالت صعوبة النطق والكالم ،ويرى أن أسباب الخلل في الكالم قد تكون من آفة في الدماغ وفيS
مخرج العصب الجائي إلى اللسان المحرك ،وقد يكون في الشعبة نفسها ،وقد Sيكون في العضلة نفسها ويبين
بالوصف Sذلك الخلل فيقول (محمد زهير البابا ،1984 ،مؤلفات ابن سينا الطبية):
«وذلك الخلل إما تشنج ،وإ ما تمدد أو تصلب أو استرخاء أو قصر Sرباط أو تعقد جراحة اندملت أو ورمS
صلب ،وقد يكون ذلك من رطوبة في األكثر ،وقد يكون من يبوسة ،وقد Sتكون اآلفة في الكالم لسبب في عضل
الحنجرة إذا كان فيها تمدد أو استرخاء ،فربما كان يتعذر عليه التصويت في أول األمر إال أنه يعنف في تحريك
عضل صدره وحنجرته تعنيفاً ال تحتمله تلك العضلة ،فتعصى S،فإذا يبس في أول كلمة ولفظة استرسل بعد ذلك.
ومثل هذا الطفل يجب أال يستعد للكالم بنفس عظيم وتحريك Sللصدر عظيم بل يشرع فيه بالهوينا Sفإنه إذا اعتاد
ذلك سهل عليه الكالم واعتاد السهولة فيه».
-117-
ومما يدل على بعد نظر ابن سينا وفهمه العميق لحاجات الطفولة وأسرارها (محمود الحاج قاسم محمد،
،1978تاريخ طب األطفال عند العرب) ال نجد غيره من المربين من انتبه إلى هذه النواحي مجتمعة من حيث
تكون األخالق في مرحلة الطفولة وبين االنفعاالت العنيفة والسهر والغذاء.
االهتمام بأخالق األطفال والربط بين ّ
وتقديره ألهمية مرحلة المراهقة والبلوغ ووضعه قواعد خاصة لتدبير أمور البالغين عند بلوغهم سن الرابعة عشرة،
واهتمامه الكبير بالتربية الرياضية ومن ذلك (ابن سينا ،بدون تاريخ ،القانون في الطب):
-1تنوع األلعاب الرياضية ،وتحديده لألوقات المناسبة للتدريبات الرياضية المختلفة.
-2ربطه االستحمام Sبالتدريبات الرياضية ،وهذا يدل على فهمهم Sالدقيق لحاجات الجسم البشري وكيفية
تلبيتها.
-3ربط تدليك الجسم بالرياضة.
يلتقي ابن سينا مع علماء العصر في تقرير تعليم الطفل من السنة السادسة من العمر ،ويشير إلى أهمية
التوجيه المهني(محمد كامل حسن ،1987 ،الطب عند العرب والمسلمين تاريخ ومساهمات ) ،أي توجيه الطفل إلى
دراسة ما يناسب طبعه ،وقد تناول هذه الفكرة عن ابن سينا كثير من الباحثين في التربية منهم عبد اهلل عبد الدايم
( أمين أسعد خير اهلل ،1946،الطب العربي) وأحمد شلبي ومحمود عبد اللطيف.
قال عبد اهلل عبد الدايم« :ومن آراء ابن سينا التي تلتقي مع اآلراء الحديثة اليوم قوله بمسايرة ميول الصبي إلى
الصناعة أو المهنة التي تتفق مع قابلياته ،ذلك أنه ليس كل صناعة يرومها الصبي ممكنة له مؤاتية ،ولكن ما شاكل
طبعه وناسبه ،ولو كانت اآلداب والصناعات تجيب وتنقاد بالطلب والمزاج دون المشاكلة والمالزمة ،إذن ما كان أحد
ال من األدب وعاريًا من صناعة ،وأذن ألجمع الناس كلهم على اختيار أشرف وأرفع الصناعات ،وينبغي لمدير غف ً
ال طبع الصبي ويسبر قريحته ويختبر ذكاءه فيختار له الصناعات بحسب الصبي إذا رام اختيار صناعة أن يزن أو ً
ذلك» (عبد اهلل عبد الدايم ،بدون تاريخ ،التربية عبر التاريخ).
كما تناول محمود عبد اللطيف ذلك بقوله« :إن غالبية ما يتعرض له اإلنسان ،ويطلب إليه الحديث عنها أو
الكتابة فيها تركز على الوصف والتعبير Sعن الذات والخيال ،وحتى هذه تبعده عن الواقع الذي يعيش فيه ألنها
تتناول قضايا بعيدة كل البعد عن حياته ،كما أنها ال تتناسب مع الزمن الذي يعيش فيه ،وهذا يؤخر Sنمو الطالب
في التعبير عن حاجاته وتقرير Sميوله المهنية ،وأن االزدواجية التي يعاني منها المتعلم بين لغة الحياة ولغة التعلم
ما تزال تشكل عائقاً يحول بينه وبين االنطالق Sفي التعبير عن حاجاته» (محمود عبد اللطيف ،2000 ،التعبير
وطرائق Sتدريسه).
والحق أن ابن سينا تناول في كتابه (آراء في السياسة) أفكاراً تربوية هامة تحدث عنها كثير من المربين
األجانب وترجمها بعض األساتذة العرب ،وتم نشرها على أنها من مبادئ التربية الحديثة التي تعبر عن إحاطة
وشمول بتربية اإلنسان منذ أن يكون جنيناً في بطن أمه إلى أن يولد وينمو ويمر Sفي مراحل العمر المختلفة.
الوالدان هما أول من يتفاعل معهما الطفل بصورة تكاد تكون مستمرة ،فهما يقدمان للطفل نماذج حية عن
الحياة اإلنسانية ،ولذا فإن سلوك الوالدين يعتبر أحد العوامل الرئيسة المؤثرة في حياة الطفل ،وهذا التأثير يبدأ منذ
األيام األولى :ويرى ابن سينا أن ذلك يتحقق قبل اكتساب الوليد اإلنساني اللغة والتفاهم مع اآلخرين عن طريقS
األلفاظ وأن الوالدين يلعبان دوراً أساسياً في تنمية القدرة على استخدام Sاأللفاظ للداللة على األشياء المحيطة
بالطفل.
-118-
الشك أن تربية الطفل والعناية به صحياً ونفسياً كانت من المواضيع التي اهتم بها العلماء والمربون العرب
المسلمون األوائل ،ولعل ابن سينا هو أحد أولئك الذين أفاضوا في الحديث عن العناية بالطفل في مراحل نموه
المختلفة بدءاً بالحياة الجنينية وحتى بلوغه سن الرشد ،وهذا ما بدا واضحاً Sوجلياً سيما في كتابه القانون في
الطب ،وقد حظيت آراؤه في هذا المجال بعناية خاصة لدى الكثير من علماء الشرق والغرب ولقرون عدة.
1 – w – manteomarg. Matt./ sanic philasofy، and Theolo Gy Edinbu RRGH، The university 1962، p. 96.
2 – The works of Aristatle Transiated into English under the editorship of sir david ross. Okford 19.8 – 1930.
3 – Roves، r. dictionary of philosophg – new – york 1942.
4 – Rosenthal. F. ahmed B. Al – taggibassaroksi – Newharar 1943.
5- Conant: the education of the American tea chars.p،120.
-119-
الفصل الرابع
التربية الخلقية عند ابن سينا
-مقدمة
-3الحرية واألخالق
-120-
التربية الخلقية عند ابن سينا
تناول ابن سينا التربية األخالقية عند اإلنسان من مولده حتى خروجه إلى ميدان العمل والكسب ،فأشار Sإلى
أهم ما يؤخذ به الناشئ من أنواع التربية الجسمية والخلقية والعقلية ،كما أشار إلى تأثره بفلسفة اليونان والرومان
ومذاهبهم في األخالق والنفس.
فما عرف في عصره واشتهر نجده يتفق في طائفة من فلسفته األخالقية وأشهر فالسفتهم أرسطو،
وشيشرون ،وكونتليان ،كما نجد الفارابي يتأثر بفلسفة أفالطون أكثر .صحيح أن الفالسفة اليونانيين سقراط
وأفالطون وأرسطو تحدثوا عن األخالق ،إال أن أيًا منهم لم يقدم معايير وأساليب عملية «العمل األخالقي» ،وما
جمهورية أفالطون الطوبائية إال خير دليل على ذلك ،ونستطيع القول :إن الفكر الفلسفي األخالقي لم يقدم نظامًا
أخالقيًا عمليًا الحتواء المشكلة األخالقية ،وقد عنيت التربية اإلسالمية باألخالق اإلنسانية على نحو يختلف كثيرًا عن
أعالم الفلسفة في الغرب أو الشرق قديمًا وحديثًا.
«هدى
ً «وبقيت اإلنسانية تعاني أزمة األخالق في حين أن اإلسالم قدم إطاراً فكرياً وعملياً لألخالق
ورحمةً ،لكي ال تضل اإلنسانية عن الغاية من وجودها» (الفكر التربوي Sالعربي اإلسالمي ،1987 ،األصول
والمبادئ).
الواقع أن ابن سينا قدم آراء ونظريات أخالقية تمثل ذروة اإلبداع العقلي وهذا يشير إلى مدى عنايته
باألخالق ،موضحاً أن الفلسفة ليست علماً جزئياً تتناول جانباً واحداً من جوانب القيم األخالقية ،بل هي كل
متكامل لتحصيل الفضائل النظرية أوالً ثم الفضائل العملية ببصيرة يقينية.
والحق أن دور المربين من آباء وأمهات يحتم عليهم التفكير دائماً في تربية أطفالهم تربية خلقية من
الطفولة المبكرة ،فالشيخ الرئيس يرى أن يبدأ بتأديب الطفل ورياضة أخالقه بعد فطامه ،وذلك قبل أن تهجم
مساوئ األخالق ،وذميم الصفات إذ تصبح المادة راسخة عنده ،وهو في هذا يتفق مع الكثيرين من فالسفة التربية
القديمة والحديثة ،حتى قالت طائفة :إن الطفل يولد صفحة بيضاء ،ينقش فيها كل ما يقع عليها.
-121-
ويرى Sأن خير الوسائل إلبعاد الطفل عن مساوئ Sاألخالق «إنما يكون بالترغيب تارة ،والترهيب أخرى،
وباإليناس حيناً ،واإليماء جنباً آخر ،وباإلعراض عنه ،واإلقبال Sعليه وبالحمد Sوالتوبيخ ،فإن لم ِ
تجد هذه الوسائل
لم يحجم عن االستعانة باليد ،بالضرب القليل الموجع بعد اإلرهاب الشديد ،وبعد إعداد الشفعاء ،ألن الضربة
األولى إذا كانت موجعة ظهر الصبي مما بعدها ،واشتد Sخوفه عنها ،والعكس.
إن اإلنسان عند ابن سينا مولود Sعلى الفطرة ،ليس شريراً بطبعه ،أو خيراً بطبعه ،وإ نما يستمد أخالقه
وقيمه من المجتمع والبيئة بكل مؤثراتها ،وهو أوالً وأخيراً Sيستطيع Sأن يغير من عاداته وأخالقه عن طريق
«التعود »Sأو «عملية التطبيع االجتماعي» بكل وسائلها وأساليبها Sالمختلفة.
بميل ابن سينا إلى أن اإلنسان يولد على الفطرة ويكتسب صفاته النفسية والخلقية من المجتمع بمؤثراته
وهذا
عند ابن سينا – م13 الشر،
الرتبوي الثقافية المختلفة ،وأنه ليس خيراً بطبعه أو شريراً Sبطبعه وإ ن كانت نظرته أقرب إلى الخير منها إلىالفكر
اإلنسان يتغير ويتشكل Sوفق مؤثرات البيئة ونظمها Sالتربوية ،وإ ذا تعود الشر أصبح شريراً وإ ذا تعود الخير
أصبح خيراً وفي ذلك يقول الشيخ الرئيس« :فإذا فطم الصبي عن الرضاع Sبدئ بتأديبه ورياضة أخالقه قبل أن
تهجم عليه األخالق اللئيمة وتفاجئه الشيم الذميمة ،فإن الصبي تتبادر Sإليه مساوئ األخالق وتنثال عليه العادات
الخبيثة فما تكن منه من ذلك غلب عليه فلم يستطع له مفارقة والعنه نزوعاً» (ابن سينا ،1906 ،كتاب السياسة).
ويؤكد Sذلك في موضع آخر فيقول« :واألخالق كلها الجميل والقبيح هي مكتسبة ويمكن لإلنسان الذي لم
يكن له خلق حاصل أن يحصله لنفسه ومتى صادفت أيضاً نفسه على خلق حاصل جاز أن ينتقل بإرادته عن ذلك
إلى ضد ذلك الخلق» (ابن سينا 1328هـ ،علم األخالق).
الواقع أن دور المربين من أباء وأمهات يحتم عليهم التفكير دائمًا في تربية أطفالهم تربية خلقية من الطفولة
المبكرة ،كلما سنحت الفرصة كي يكونوا المثل األعلى لألخالق في المستقبل فاألمم ال ترقى بالمال والحصون
ولكنها ترقى بالعلم واألخالق ،وقد قال الرسول الكريم « :إنما بعثت ألتمم مكارم األخالق».
فاإلنسان عند ابن سينا عبارة عن بدن ونفس تحرك هذا البدن ،واإلنسان إنسان ببدنه ونفسه معًا ،أو بالمادة
ال وثيقًا ومتعاونان دون انقطاع «فلوال النفس ما كان والصورة في نفس الوقت ،وأن الجسم والنفس متصالن اتصا ً
الجسم ما ألنها مصدر حياته والمديرة ألمره والمنظمة لقواه ،ولوال الجسم ما كانت النفس ،فإن تهيؤه لقبولها شرط
لوجودها وتخصصه بها مبدأ وحدتها واستقاللها .وال يمكن أن توجد نفس إال إن وجدت المادة الجسمية المعدة لها -
فهي منذ نشأتها تواقة إلى الجسم ومتعلقة به ومخلوقة ألجله وفي أدائها لمهامها الكثيرة وتعول عليه» (إبراهيم
مدكور1367 ،هـ في الفلسفة اإلسالمية ،منهج وتطبيق ).وهي ال تفارق البدن إال بالموت.
بذا يكون ابن سينا طبيب الجسم وفيلسوف النفس ،قد عالج موضوع النفس في مؤلفاته بقدر ما عالج فيها
موضوع الجسم ،ولقد خصص للنفس أهم الفصول في مؤلفاته الفلسفية ،كما وأنه خصص لها وسائل كاملة وقصصًا
رمزية وال غرابة في ذلك ألنه ماذا يعني المفكر أكثر من أن يفهم ذاته ونفسه ومصيره؟ ولما أيقن ابن سينا أن
اإلنسان جسم ونفس ،اهتم ُبكال العنصرين حتى يكون متصفًا نحوهما ،وكان اهتمامه منصبًا على معالجة المشكلة
األخالقية عنه ،فهو يقول« :إن كل إنسان مفطور على قوة بها يفعل األفعال الجميلة وتلك القوة بعينها تفعل األفعال
القبيحة ،واألخالق كلها الجميل منها والقبيح هي مكتسبة ،ويمكن لإلنسان متى لم يكن له خلق حاصل جاز أن ينتقل
بإرادته إلى ضد ذلك الخلق ،والذي يحصل به اإلنسان نفسه الخلق ويكتسب به متى لم يكن له خلق أو ينقل نفسه عن
خلق صادف نفسه عليه هو العادة ،وأعني بالعادة تكرير فعل الشيء الواحد مرارًا كثيرًا أزمانًا طويلة في أوقات
متقاربة» (ابن سينا1328 ،هـ ،علم األخالق).
-122-
ومما سبق نرى أن األخالق الفاضلة أو الشريرة أمور مكتسبة ،وفي Sاستطاعة اإلنسان أن يغير من أخالقه
حسبما أراد ،والمرجع Sفي ذلك كله إلى العقل ،ومتى عرف اإلنسان كيف يطيع أوامر العقل أمكنه أن يكون مؤدباً
أو فاضالً ،والعقل هو الذي يحدد السلوك الفاضل ،والمعيار الذي يحدد به العقل ذلك هو« :المتوسطات Sمن ناحية
والعدالة من ناحية أخرى»(تيسير شيخ األرض ،1962 ،ابن سينا).
فابن سينا يرى أن الفضائل مكتسبة لإلنسان ،وهو ال يستطيع Sأن ينتقل من خلق إلى خلق أو يكتسب من
الفضائل ما لم يكن له.
ويرى (كانط) الفيلسوف األلماني أن هناك عالقة كبيرة بين األخالق واإلرادة ،فإذا حسنت اإلرادة حسنت
األخالق ،وإ ذا ساءت اإلرادة ساءت األخالق ،وبذلك ال يفكر (كانط) في أثر الشرور والعاطفة واإلحساس والفكر في
األخالق»(.)1
والحق أن التربية تعالج كائناً ،يتمتع بالعنصر Sالروحي واإلرادة الحرة ،ومع أن أي إنسان قابل ألن يتغير
-والسيما الطفل -فإن من الصحيح أن عنصر المرونة في اإلنسان ليس مكتمالً ،ومن ثم فإن المربي يظل فيما
يشبه حالة (النزال) مع من يربيه.
فالمربي ال ينفرد بالتأثير Sوالتوجيه ،فالجهات التي تتولى تنمية الكائن البشري عديدة ،وليس لدينا إجماع
اجتماعي على جوهر ما ينبغي أن يقال للطفل ،وهذا كله يولّد نوعاً من الشك في صدق ما يلقّن إياه ومدى Sفائدته
له.
َّة درجة من النضج ،يصعب تجاوزها S،كما أن لها مشكالت ال يمكن حلّها إال على إن لكل مرحلة عمري ٍ
ُْ
نحو جزئي ،ولذا فإن (العجلة) هي العدو األول للتربية ،إن اآلباء والمعلمين يميلون إلى أن ينفضوا أيديهم من
مسؤوليات التربية ،ويلقوا أعباءها عن كواهلهم ،ولذا فإن الشكوى من بطء االستجابة ،وضعف Sتأثير التربية تظل
مستمرة .إال أن شعور Sالمربي أن هناك تقدماً ما على صعيد الجانب الذي يهتم بتنميته في شخصية من يرببه.
والحق أن ابن سينا يرى أن التربية الصحيحة والموضوعية لإلنسان تبدأ قبل التحاق الطفل بدور Sالحضانة
ورياض األطفال ،وأصبح لزاماً علينا العناية بتعليم الطفل وتأديبه وتقويمه وتهذيبه ،وأن نفكر دائماً في تربية
أطفالنا تربية حسنة مبنية على السلوك الحسن والقيم العليا الخالقة حتى يكونوا Sالمثل األعلى في جميع جوانب
الحياة ،ويقول فرويل Sفي كتابه تربية اإلنسان :إن الغرض من التربية إيجاد حياة طاهرة مقدسة يملؤها اإلخالص
والطهارة.
فالطفولة حياة قائمة بحد ذاتها ومرحلة تمولها قوانينها ونظرياتها Sفي التربية وعلم النفس وهي ليست مجرد
فترة زمنية يمر بها اإلنسان دون أن يفهم ويدرك Sويفسر ما يدور Sحوله من متغيرات بيئية مستخدماً حواسه وعقله
في التعامل مع هذه المتغيرات.
لقد اهتم المفكرون العرب المسلمون األوائل بدراسة وتحليل سمات مرحلة الطفولة ،وكانت آراؤهم مبنية
على أساس المالحظة والحدس واستلهام ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية تحولت إلى مفاهيم متوافقة
ومتآلفة تكون فيما بينها مبادئ النظرية التربوية األخالقية بتربية الطفل.
ويعد من أعظم الفالسفة المحدثين ولد سنة 1724م وتوفي سنة 1804م ويقال :إنه من أصل اسكتلندني.
( )1كانط :فيلسوف ألماني ّ
1
-123-
- 1نظرته إلى األخالق:
أجمع الباحثون أن لنظرية الفيلسوف األخالقية عالقة وثيقة بفكره التربوي .وأن التربية بمجملها تهدف
إلى تكوين شخصية تؤمن بمثل وأخالقيات Sمعينة ،وهذا يدفعنا إلى البحث عن الجانب المعرفي Sعند ابن سينا عن
األخالق ،وما معنى الخلق عنده؟ وما هي الفضائل التي يريد أن يكتسبها Sالفرد أو المتعلم؟ وما هي الرذائل التي
يسعى إلى إبعاد الفرد عنها؟ وكيف تتحقق تلك التربية األخالقية في نظره.
وحد سقراط بين المعرفة الحقيقة أن المعرفة شرط ضروري ومسبق Sالختيار العمل األخالقي ،فقد ّ
جهل ،ففي غياب المعرفة تنتفي حرية االختيار ،ويفقد العمل مضمونه وبين أن الفضيلة ال تكون عن ٍ والفضيلةّ ،
األخالقي (عادل العوا ،1987 ،الفكر التربوي Sالعربي اإلسالمي) ،.وعلى اإلنسان أن يعي مضمون العمل
األخالقي ،وهي أفعال تخضع في قيامها لعامل التميز الذهني عند اإلنسان كما يراها ابن سينا فنحن ال ننال
السعادة باألفعال Sالجميلة ،ما لم تكن تلك األفعال قاصدة هادفة من جهة ،ومتحققة بصناعة معينة من جهة أخرى،
بحيث يستطيع Sاإلنسان امتالك القدرة على التمييز في أفعاله طوال حياته بأسرها.
إذا رجعنا إلى كتابات ابن سينا في هذا المجال فسوف تبرز لنا نظرته الخاصة به في الخير والشر ،وتعاريفه
الدقيقة لكل خلق من األخالق المقبولة أو المرذولة ،وطريق تكوين العادة أو الطبع أو الخلق .وهو في ذلك كله متأثر
بالثقافات األجنبية بجوار األثر اإلسالمي األصيل(محمد يوسف موسى ،1950 ،مقال في األخالق).
ويشير الفارابي إلى أن إتباع الفعل الجميل يكون مل َكة لدى اإلنسان اليمكن زوالها باعتبار أن «الخلق
الجميل وقوة الذهن هما الفضيلة اإلنسانية» وفي سبيل تحقيق هذه الغاية التي قصدها أبو نصر الفارابي ينبغي أن
نسلك طريقين لنقف منها على مقاصد أبي نصر بالذات(محمود عبد اللطيف ،2007 ،الفكر التربوي عند
الفارابي).
ٍ
ومشقة. األول :محاولة أن تصير Sاألخالق الجميلة ملكة لنا ،بحيث ال يمكن للصواب أن يزول إال ٍ
بعسر
الثاني :أن تكون لدينا القدرة على إدراك الصواب إدراكاً سليماً ال عوج فيه وال ضالل.
الواقع Sأن الفارابي Sيشير Sإلى أن الوسط Sاألخالقي Sيختلف Sقوة وضعفاً S،سلباً Sوإ يجاباً Sحسب أفعالهS
وغاياتها S،وبذلك Sتبرز Sأهمية التعليم Sبالنسبة لإلنسان Sفقد اتفق Sكبار Sالمربين القدماء ،على أن التعليم Sالذي ال
يؤدي Sإلى Sالكمال ال يستحق Sأن يسمى Sتعليماً S،ألن الغرض من التعليم Sتهذيب Sاألخالق ،مع العناية بالصحةS
والتربية Sالبدنية ،والعقلية والوجدانية S،والعلمية ،وإ عداد الطفل للحياة االجتماعية.
-2معنى الخلق عند ابن سينا:
يرى ابن سينا أن الخلق ال يعني السلوك الفاضل فقط ،ولكن تعوده واإلتيان به في كل مناسبة من
المناسبات ،وال يستطيع اإلنسان أن يأتي بعكسه أو ضده ،فالخلق Sفي نظر ابن سينا عبارة عن ملكة يصدر بها
عن النفس أفعال ما بسهولة من غير تقدم روية»( ابن سينا ،1952 ،رسالة العروس).
ونحن غير قادرين على إطالق صفة الصدق على إنسان إال إذا كانت عادته أن يصدق Sفي أقواله ،وهكذا
سائر األقوال حول األخالق الفاضلة ،كما أننا ال نطلق صفة الكذب على إنسان إال إذا كانت عادته أن يكذب في
أقواله ،وهكذا سائر األخالق المرذولة.
-124-
فالتربية األسرية لها دور بارزومهم Sفي تربية الطفل وتأديبه وتقويمه وتهذيبه وتعويده السلوك الفاضل،
واالبتعاد عن كل ما من شأنه أن يسيئ للسلوك الحسن والقيم العليا الخالقه حتى يكون المثل األعلى في جميع
جوانب الحياة.هذا ما أكده «فروبل »Sفي كتابه تربية اإلنسان قائالَ« :إن الغرض من التربية إيجاد حياة طاهرة
ومقدسة يملؤها اإلخالص والطهارة وإ تباع الفعل الجميل» ويرى (هربرت سبنر) أن الغرض من التربية يمكن
أن يلخص في فكرة واحدة وهي كلمة (الفضيلة).
وكما صرح (بستالوتزي) قائالً :أن الطفل الذي تعلم الصالة والتفكير والعمل هو أكثر من نصف متعلم،
وأنه لم يكن غرضه من تعليم الطفل أن يعلمه من العلم ما لم يعمل اآلداب واألخالق Sوحسن المعاملة».
فالتربية تهدف إلى إشاعة االستمساك Sبالحق ،ودفع Sالباطل ،وعلينا أن نربي أطفالنا على قبول الحق،
وإ بداء الحماسة له واالنفعال به ،ويعد ذلك الخطوة األولى على تحقيقه ،إن القبول بالحق والحقيقة شأن من شؤون
النفوس الكبيرة التي ترفعت عن األهواء واالفتتان بالمنافع Sالعاجلة ،وهو ضالة من يهتم بمصيره األكبر،
وبمصير Sالمجتمعات التي يعيش فيها ،وتتطلب التربية تعويد الطفل على تحمل المسؤولية عن األعمال التي يقوم
بها -أياً كان ذلك العمل -وهذا نوع من االستمساك Sبالحق وإ حقاقه ،وهذا الخلق كما يرى ابن سينا سينمو Sلدى
ينبه بلطف على ما كان من خطأ.الطفل حين يسمع الثناء على ما قام به من عمل الخير ،وحين ّ
الواقع أن تحقيق النجاح في تربية الطفل خلقياً يجب أن نعرف طبيعة الطفل ونفسيته ،وغرائزه وميوله،
حتى يكون المثل األعلى لألخالق ،ويشير الفارابي إلى أنه ينبغي أن تبدأ التربية الخلقية في المنزل أوالً ،وفيS
المدرسة ثانياً ،لكي تبنى المدرسة على أساس متين من األخالق.
إن اكتشاف روسو الهام في ميداني علم النفس وعلم التربية هو وجود( Sطبيعة خاص بالطفولة) وأن هذه
الطبيعة أو هذه المرحلة الطبيعية هي مرحلة ضرورية ووظيفته ولهذا نراه يدعو بإلحاح إلى معوقة الطفولة
بقوله:
-تعلموا كيف تتعرفون إلى أوالدكم Sألنكم يقيناً تجهلونهم كل الجهل.
-الطفولة لها وظيفتها في النمو.
-دعوا الطفولة تنضج في األطفال… .دعوا الطبيعة تعمل وحدها زمناً طويالً قبل أن تتدخلوا بالعمل
مكانها خشية عرقلة عملها».
-احترموا Sالطفولة وال تتسرعوا أبداً بالحكم عليها خيراً كان أو شراً».
ويرى Sابن سينا أن األخالق موضوع فلسفي عالجه الفالسفة في مختلف العصور S،وقد وضعوا Sنظريات
ومذاهب أخالقية تمثل ذروة اإلبداع ،العقلي ،وهذا يحتم علينا ضرورة الكشف عن االتجاهات التربوية التي
برزت عند هؤالء الفالسفة ،والسيما Sأن المربي نفسه يعمل في نشاط خلقي وتحدد Sطبيعة اختباراته الخبرة التي
يقدمها في إطار االهتمام باألخالق الفاضلة للوصول Sإلى حياة أفضل.
-3األخالق الفاضلة عند ابن سينا:
تتجسد تربية الناشئين بصون فطرتهم الطاهرة عن التدنس وارتكاب Sاألخطاء وغرس معاني اإليمان في
قلوبهم بشتى المناسبات ،ولفت نظرهم إلى كل ظاهرة من ظواهر Sالكون الدالة على القيم الحميدة واألخالقS
الفاضلة ،وتربية الناشئ خلقياً حتى يكون المثل األعلى لألخالق في المنزل والمدرسة حتى يعرف معنى الواجب
ويقدر حقوقه اإلنسانية.
-125-
إن غاية التربية تكوين شعب مثقف كريم األخالق ومذهب ،ألن التربية هي التي تسهم في بلوغ اإلنسان
الكمال ،وترسم Sخطى اإلنسان في بلوغه الكمال األخالقي في جميع جوانب الحياة ،والدافع أن سبيل الوصول Sإلى
حياة أفضل لن يكون إال عبر التربية ومقوماتها.
السؤال الكبير الذي يطرح نفسه ،ما هي األخالق الفاضلة ،التي يريد ابن سينا أن يكتسبها اإلنسان وتكون
له ملكة يصدر Sعنها في أقواله وأفعاله؟ ما هي صورة اإلنسان في نظرة من الناحية األخالقية؟ وما المزايا
األخالقية التي يجب أن يكون عليها؟ في هذا السياق يذكر ابن سينا تلك األخالق الفاضلة ممثلة في (ابن سينا،
1328هـ ،علم األخالق):
-1العفة :وبها يكون المرء معتدالً في شهوات البدن من مأكل ومشرب ،وال ينقاد إلى تلك الشهوات بل
يتصرف Sفيها بحسب الرأي الصحيح.
-2القناعة :وهي أن يضبط Sنفسه عن االشتغال بما يزيد عن كفايته وحاجته من المعاش واألقوات Sالقيمة
لألبدان وال يتطلع إلى ما عند غيره من ذلك.
-3السخاء :أن يبذل ما عنده من أموال في أوجه الحاجة لآلخرين ،وحسن المواساة بما يجوز Sأن يواسيS
به منها.
-4الشجاعة :هي اإلقدام على ما يجب من األمور التي تحتاج إلى أن يعرض اإلنسان نفسه لها متحمالً
في سبيل ذلك المكاره مستهيناً باآلالم الواصلة إليه منها.
-5الصبر :هو أن يلزم نفسه احتمال ألم أو مكروه نزل به ويلزمه في حكم العقل احتماله ،أو أن يتوقف
اإلنسان عن محبوب لنفسه مشتهى ويلزمه في حكم العقل اجتنابه حتى ال يتناوله على غير وجهة.
-6كتمان السر :أن يضبط اإلنسان قوة الكالم عنده فال يظهر ما في ضميره مما يضر إظهاره وإ بداؤه قبل
وقته.
-7الصدق :هو أن يطابق ما يقوله لما في ضميره.
-8الرحمة :هي الرقة على من يحل به مكروه.
-9الحزم :أن يتصرف Sالتصرف السليم البعيد عن الضرر Sبدون تردد.
-10الحياء :هو أن يرتدع عن األمور التي يقبح تعاطيها Sواإلقدام Sعليها لما ينتج من قبح األحدوثة.
-11إصابة الرأي :أن تجري مالحظته لعواقب األمور Sالغضب فيمن يجنى عليه جناية يصل مكروهها
إليه.
-12الحلم :هو اإلمساك عن المبادرة إلى قضاء الغضب فيمن يجنى عليه جناية يصل مكروهها إليه.
-13العلم :هو أن يدرك األشياء التي من شأن العقل اإلنساني Sأن يدركها Sإدراكاً ال يلحقه فيها خطأ وال
زلل ،فإن كل ذلك بالحجج اليقينية والبراهين الحقيقية يسمى حكمة.
-14البيان :هو أن يحسن نقل ما يعنى إلى ضمير مخاطبه.
-15حسن العهد والمحافظة :هو أن يحافظ Sعلى الصالت والعالقات Sبينه وبين أهله وأصدقائه.
-16عظم الهمة :وهو أن ال يقتصر على بلوغ غاية من األمور Sالتي يزداد بها اإلنسان فضيلة وشرفاًS
حتى يسمو بنفسه إلى ما وراءها مما هو أعظم فوراً Sوأجل خطراً.
-17إصابة الرأي :أن تجري مالحظته لعواقب األمور Sالتي يفكر فيها حتى تظهر له جهة الصواب.
-126-
-18الفطنة وجودة الحدس :هو أن يسرع هجومه على حقائق معاني ما تورده الحواس عليه.
-19التواضع :هو أن يمنع من التكبر على الناس بفضيلة في نفسه جسمانية أو نفسانية متذكراً ما طبع
عليه اإلنسان من ضعف ونقص» (ابن سينا 1328هـ علم األخالق ،الرسالة السادسة).
إن هدف األخالق وضبط Sالسلوك يعد من أهم األهداف التي تسعى التربية العربية اإلسالمية إلى تحقيقها
في تنشئة الطفل وهو محور Sالنشاط التربوي وقد Sظهرت أهمية هذا الهدف واضحة من خالل ما ورد في القرآن
الكريم والسنة النبوية الشريفة من آيات وأحاديث تحث المسلم على التحلي بالخلق الكريم وقد Sخاطب اهلل سبحانه
ق عظيم» وذهب المفكرون المسلمون أمثال اإلمام الغزالي إلى وتعالى نبيه الكريم في قوله تعالى :وإ َّنك لعلى ُخل ٍ
ربط العلم بالعمل والسلوك الديني بالسلوك Sاألخالقي ،فالتربية بالنسبة له هي «إخراج األخالق السيئة وغرس
األخالق الحسنة» في نفس المتعلم ،والتربية الصحيحة ما هي إال عملية بناء للقيم بذلك فهي تشجيع الناشئة على
الخلق النبيل وأن يكون اللوم والتوبيخ والعقاب برفق معهم ،وهي عملية توجيه ال تأنيب وعقاب وعنف لذلك نجد
أن الغزالي كان ضد اإلسراع في معاقبة التالميذ بل إنه كان يحبذ التعرف على الدوافع Sالكامنة وراء السلوك
الشاذ والسعي إلى تغيرها وتعديلها فالطفل ال يولد شاذاً وال منحرفاً Sوإ نما هناك ظروف تدفعه إلى مثل هذا
السلوك غير السوي.
إن هذه الفضائل يجب أن يتحلى بها إنسان ابن سينا حتى يصبح إنساناً فاضالً Sفي نظره ،وعليه أن يتعود
تلك الفضائل حتى تصير Sأخالقاً ،له وعادات سلوكية يصدر عنها في كل تصرفاته.
إن طبيعة اإلنسان الحقيقية طبيعة ملكية وعلينا أن نربيه حقًا من أجل هذا السمو .وهذا ما عبر عنه ابن سينا
يعد لنفسه ثوابًا وعقابًا ويسوسها به ،فإذا أحسنت طاعتها وساس
ال« :وينبغي لإلنسان أن ّ في كتابه السياسة قائ ً
انقيادها لما يسوقها من قبول الفضائل وترك الرذائل ،وإ ذ أنت بخلق كريم أو منقبة شريفة أثابها بإكثار حمدها وجلب
السرور لها ،وتمكينها من بعض لذاتها وإ ذا ساءت طاعتها وامتنع انقيادها ،وجمحت فلم يسلس عنانها وأثرت
ذمها ولومها وجلب عليها شدة الندامة ومنعها لذتها
الرذائل على الفضائل وأتت بخلق لئيم أو فعل ذميم عاقبها بإكثار ّ
حتى تليق له»( ربطوريتا ،1950 ،ابن سينا لمن تكون له المدحة).
وعكس هذه األخالق الفاضلة تكون األخالق المرذولة التي يريد ابن سينا أن يبتعد عنها اإلنسان ،وأن يتخلص
منها ،ألن الرذيلة في األصل هي سيطرة قوة الشهوة أو الغضب على قوة العقل ،وهذا يؤدي إلى االنحراف واالبتعاد
عن الفضيلة ،ولما كان اإلنسان في كثير من األحيان ال يستطيع اكتشاف رذائله أو الرذائل المحيطة به من الحسد،
والحقد ،وسرعة االنتقام ،والبذاءة والشتيمة ،والغيبة والنميمة ،والكذب ،وإ ذاعة السر ،والجهل الذي هو من أعظم
الرذائل والنقائص المضادة للعلم الذي هو الفضيلة العظمى من فضائل القوة التميزية والقدر والخيانة والقساوة التي
هي بإزاء الرحمة ،يقتضي ذلك وجود صديق حكيم لإلنسان يبصره بذلك .يقول ابن سينا« :ولما كانت معرفة
اإلنسان نفسه غير موثوق بها لما في طباع اإلنسان من الغباوة عن مساويه وكثرة مسامحته نفسه عند محاسبتها
وألن عقله غير سالم من ممازجة الهوى إياه عند نظره في أحوال نفسه كان غير مستفيد في البحث عن أحواله
والفحص عن مساويه ومحاسنه عن معونة األخ اللبيب الوارد الذي يكون منه بمنزلة المرأة فيريه حسن أحواله حسنًا
وسيئها سيئًا» (لويس معلوف ،1906 ،كتاب السياسة البن سينا).
-127-
وللشريعة اإلسالمية جانب تربوي Sأخالقي يتجلى في األمر والنهي ،والتحريم ،والتحليل ،واإلباحة
والخطر ،والحدود ،والعقوبات ،والقصاص ،واإلرشاد Sإلى أساليب عملية معينة «عن طريق Sالترغيب والترهيب،
أو أخذ العبرة من التاريخ أو الحض على التقوى ومخافة اهلل ،ولذلك نجد كثيراً من األحكام يعللها القرآن تارة بـ
ِ ِ
يهم بها ِّ
وتزك ْ ط ِّه ُر ُه ْم لعلكم تتقون[ سورة البقرة:اآلية ،]21وتارة بالتطهير والتزكية ُ خ ْذ م ْن أموال ِه ْم َ
ص َدقَ ًة تُ َ
[سورة التوبة :اآلية .]103وهذا يشير إلى أن تعاليم الشريعة اإلسالمية عندما تتمكن من نفس الفرد ومشاعره
تصبح بمثابة ضابط خلقي ،يحاكم المرء نفسه إليه ،عندما يقف أمام أمور مشتبهات ،والضابط الخلقي هنا غير
بالكلية.
ّ الوازع التربوي الديني ،فالوازع Sيبعدك عن موضوع Sالمحرمات
ال؟ ومتى يتعود الخلق الفاضل؟ في هذا الجانب نرىوالسؤال الذي يطرح نفسه؟ متى يصبح اإلنسان فاض ً
غلبة النزعة األفالطونية على الفكر السينوي إذ يبدو لنا أخذه بنظرية القوى الثالث للنفسه» (.ابن مسكويه،1959 ،
تهذيب األخالق وتطهير األعراق) القوة الناطقة ،والقوة الغضبية ،والقوة الشهوية.
فالقوة الناطقة :تنجلى فيها الفكر والتمييز والنظر Sفي حقائق األمور.
أما القوة الغضبية :فيكون بها الغضب والنجدة واإلقدام على األهوال والشوق Sإلى التسلط والترفعS
وضروب Sالكرامات.
والقوة الشهوية :ففيها تكون الشهوة وطلب الغذاء والشوق إلى المالذ التي في المآكل والمشارب Sوغير
ذلك.
هذه القوى الثالث متباينة إذا قوي بعضها أضر باآلخر ،وربما Sتبطلها« ،واإلنسان الفاضل هو الذي تتغلب
قوته النظرية على قوتيه الغضبية والشهوية وتتحكم فيها نشتهي وال يشتهي ،وفيما يغضب وال يغضب ،ومع
تعود القوة الغضبية والشهوية أن تنقاد ألحكام العقل يصبح اإلنسان فاضالً ،أما إذا تغلبت قوى البدن الشهوية
والغضبية على القوة الناطقة أذعن العقل لمطالب البدن ولم يعد إنساناً فاضالً ،فاإلنسان الفاضل هو الذي تذعن
قواه الشهوية والغضبية لقواه الناطقة ،أو هو اإلنسان الذي تستعلي قواه الناطقة على قواه الحيوانية الشهوية
والغضبية»( ابن سينا1328 ،هـ ،علم األخالق).
يجب على المربي أن يذ ّكر الناشئ بنظرية القوى الثالث للنفس ،ويبين له معانيها وكيف يبني العالقة
االجتماعية لكل منها ،وعليه أن يحذره من جليس السوء ،وأن يختار له مجالس الصالحين ،والرفقة المؤمنة،
يدنس النفس ،أو يضيع وقته في غير ما هو طاعة أو فائدة
واألتراب الذين ربوا تربية صالحة ،وأن يحذره مما ّ
ٍ ٍ كثير ِم ْن َن ْج ُ
ال ِح
إص َ
بص َد َقة أَْو َم ْعروف أَو ْ
أمَر َ
واه ْم إ ّال َم ْن َ ال بقوله تعالى :ال َ
خير في ٍ علمية أو كسب دنيوي حالل ،عم ً
أجراً عظيماً[ سورة النساء:اآلية .]114 وف ُن ْؤِت ِ
يه ْ س ْ ِ ِ ْبي َن َّ
الن ِ
تغاء َمْرضات اهلل َف َ
وم ْن َي ْغ َف ْل ذل َك ْاب َ
اس َ
الواقع أن كتابات ابن سينا ال تخلو من الحديث عن الخير الذي يسعى إليه اإلنسان والصورة المثالية
لإلنسان الفاضل في نظره عليه أن يغير له الطرق كي يوصله إلى ما ينبغي له أن يعمله حتى يصبح فاضالً،
ووضع برنامج له إليصاله إلى الحكمة واألخالق Sالفاضلة ،وهو ما يسمى في كتب فالسفة األخالق بمشكلة
الواجب(أندريه كرسون ،1952 ،المشكلة األخالقية والفالسفة) .وأول واجبات اإلنسان إذا أراد أن يصبح إنساناً
فاضالً أن يعرف عيوبه ويحدد Sأخطاءه لمعالجتها قبل أن تصبح خلقاً دائماً له .فلقد نظر ابن سينا إلى اإلنسان
نظرة عالية فيها إكبار له وإ جالل ،وفيها إعجاب به واحترام لشأنه واإلنسان في رأيه يجب أن يحدد السلوك
الفاضل ألنه يستطيع Sأن يغير من أخالقه حسبما أراد وهذا هو المبتغى.
-128-
يقول ابن سينا« :ومن أوائل ما يلزم من رام سياسة نفسه أن يعلم أن له عقالً هو السايس ونفساً أمارة
بالسوء كثيرة المعايب جمة المساوئ في طبعها واصل خلقها هي المسوسة ،وأن يعلم أن كل من رام إصالح فاسدS
لزمه أن يعرف جميع فساد ذلك الفاسد معرفة مستقصاة حتى ال يغادر منه شيء ثم يأخذ في إصالحه وإ ال كان ما
يصلحه غير حريز وال وثيق ،وكذلك من رام سياسة نفسه ورياضتها Sوإ صالح فاسدها لم يجز له أن يبتدئ في
دعمها باإلصالح
ذلك حتى يعرف جميع مساوئ Sنفسه معرفة محيط فإنه إن أغفل بعد تلك المساوئ Sوهو يرى أنه ّ
كان كمن يديل ظاهر الكلم وباطنه مشتمل على الداء» ( لويس معلوف ،1906 ،كتاب السياسة البن سينا).
إن الفلسفة األخالقية كما يرى (كانط) تصدر عن العقل وحده ،ومفهوم( Sالواجب) أو (األمر األخالقي»S
الذي يشكل الدعامة األساسية لهذه الفلسفة ال يصدر Sعن التجربة ،وال يصدر Sعن طبيعة اإلنسان الحسية ،كما أنه
ال يصدر عن الدين ،إله األمر األخالقي Sهو أمر العقل.
وفي Sاستطاعة اإلنسان أن يغير من أخالقه حسبما أراد ،والمرجع في ذلك كله إلى العقل.
هذه هي فلسفة ابن سينا في اإلنسان والمعرفة واألخالق والمجتمع ،وهي فلسفة جمعت بين وجهة النظر
اإلسالمية الصافية ،ووجهة النظر الفلسفية .إن ثقافة ابن سينا اإلسالمية أتاحت له صوغ فلسفته في اإلنسان
واألخالق والمجتمع ،وكان للفلسفة اليونانية الدور الهام في تلك الفلسفة .فاإلنسان في اإلسالم هو أفضل ما في
هذا الكون من عناصر وموجودات ،ميزه اهلل مزوداً Sباالستعداد Sلكسب المعارف Sوالمهارات المختلفة ولالختراعS
واإلبداع والقيام بالعمليات العقلية المتعددة لبناء اإلنسان الصالح والمواطن الصالح ،وفي جميع جوانبه جداً
وروحاً Sوعقالً ،بذمة متناهية تأخذ في حسابها جميع مكونات اإلنسان وتهتم Sبنوازعه الفطرية وتوجهه نحو الكمال
وتدربه للصعود إلى القمة بكل طريق ممكنة وجهد مستطاع.
ثالثاً :الحرية واألخالق عند ابن سينا
أول ما تعنيه الحرية ممارسة اإلنسان ألفعاله بملء حريته واختياره فهي ترتبط بعناصر النظرية األخالقية
كلها ،فال إلزام ،وال مسؤولية وال جزاء من غير حرية ،وإ ن سلوك اإلنسان يفقد مضمونه األخالقي في غياب
الحرية وإ رادة االختيار(الفكر التربوي العربي اإلسالمي ،1987 ،األصول والمبادئ).
وللحرية مظاهر متعددة تتمثل في حرية التفكير التي تمكن اإلنسان من تحديد أهدافه وتلمس الحلول لمشكالته
وقضاياه وفق حاجاته وإ مكاناته ومطالب مجتمعه .كما تتمثل في حرية الحركة والنشاط وهي ال تنفصل عن حرية
التفكير بل هي الوسيلة نحوها ،ولو لم يكن ذلك كذلك فإن الحرية ستتحول إلى عبث وانفجارات انفعالية ،وهناك
حرية التعبير والعبادة والعمل ،وجميعها الزمة لمواصلة مسيرة الحياة في ثقة واطمئنان(محمود أحمد السيد1991 ،
-في قضايا التربية المعاصرة).
إذا كانت التربية الفعالة تهدف إلى بناء الشخصية المتوازنة والمتكاملة والمتعادلة من جميع الوجوه جسمياً
وفكرياً Sوانفعالياً واجتماعياً ،فاإلنسان ال ينال السعادة باألفعال Sالجميلة ما تكن تلك األفعال «قاصرة هادفة من
جهة ،ومتحققة بصناعة معينة من جهة أخرى ،بحيث يعود الكائن الناطق يمتلك قدرة على التمييز في أفعاله
المختارة طيلة حياته بأسرها (»Sالفارابي ،1985تحقيق جعفر آل ياسين).
ولما كانت األخالق في نظر ابن سينا أمراً مكتسباً غير موروث ،وكان في قدرة اإلنسان أن يكتسب
األخالق ،أو يمارس سلوكه بالقدر المالئم من الحرية األخالقية بالوالء المطلق لدين اهلل تعالى.
-129-
ويرى ابن سينا ،أن القيم األخالقية تمثل في قيمة األخالق ،وإ رادة الخير وفعل الخير ،وما برح الناس
يختلفون حول تحديد معنى الخير فمنهم من اعتبره سعادة ،واعتبر السعادة لذة حسية ،أو لذة معنوية ،ومنهم من
اعتبره فضيلة شجاعة ،أو عدل ،أو إحساس ،أو نظام أو حب الوطن ،ومنهم من أراد أن يكون الخير تشبيهًا باإلله،
أو بالعظماء ،أو بالعباقرة ،أو باألبطال ومنهم من أراد اعتباره منفعة ...الخ (عادل العوا 1983 ،الفكر التربوي
العربي اإلسالمي).
فالواجب األخالقي Sهو أمر قطعي صادر Sعن إرادة خالصة وهي تعني عند كانط أنها غير مشوبة بأي
شيء أدنى منها كالمصلحة والرغبة والنزوة إلى إرادة منفعلة برغبات حسية ،فإذا كان األمر كذلك البد لنا من
طرح السؤال :كيف يمكن تحقيق السلوك األخالقي Sفي الحياة العملية؟
يجيب كانط :باإلرادة الحرة ،فإذا كان العقل اإلنساني Sكما يرى ابن سينا قادراً Sعلى تصور Sالواجب،
مشرع القانون وهو المنفذ له ،وفي تشريعه للقانون
وإ صدار األمر ،فله القدرة على أدائه .فاإلنسان العاقل هو ِّ
يتحرر من األهواء ،أي يحقق حريته نظرياً ،وفي طاعته للقانون بحقه حريته عملياً.
يؤدي Sكل هذا إلى مفهوم وحدة الذات العاقلة واستقاللها أي إلى اإلرادة الحرة ،فالطاعة طاعة األمر
األخالقي ،هي إذن أسمى مراتب الحرية ،فهي ليست خضوعاً ألمر غريب عن الذات ،صادر عن سلطة خارجية
أو عن أمر ديني بل عن سلطة األمر األخالقي.
فالتعاليم Sاإلسالمية الكثيرة تدلنا على أنه على اإلنسان أن يتخلّق بخلق الرحمة ،وأن يتمتع باإلحساس
المرهف مع كل ما فيه نوع من الحياة ،بل إن ذلك يجب أن يمتد إلى الجمادات أيضاً ،وذلك بالمحافظة على
وجودها ،فال ينبغي للمسلم أن يدمر الموارد Sالمتاحة ،وأال يستخدمها Sإال على وجه يعود عليه بالنفع ،وبحسب
عالقات منتظمة تدل على وحدة التدبير والنظام S،بحيث تدعو المسلم إلى أن يهتدي بفعله وقلبه معاً إلى أنه أمام
تناسق مطلق وجمال معجز وتدبير Sمميز يزيده معرفة بالخالق المدبر هلل سبحانه وتعالى .ومن ذلك قوله تعالى:
األرض و ِمن أنفُ ِسهم و ِم ّما ال يعلمون[ سورة يس :اآلية ،]36وقوله ُ نبت
مما تُ ُ ق األ َْز َ َّ
واج ُكلها ّ ذي َخلَ َ
ان الّ ِ
سب َح َ
ْ
ور[ سورة صر َه ْل تََرى ِم ْن فُطُ ٍجع ا ْل َب َ
فار ِ الر ْحم ِن من تَفَ ٍ
اوت ْ
ُ ق َّ َ وات ِطباقاً ما ترى في َخ ْل ِ
ق س ْبع سم ٍ
تعالى :الذّي َخلَ َ َ َ َ َ
شمس ينبغي لها أن تُ ْد ِر َك ا ْلقَمر وال اللي ُل سابق ال ّنهار وكل في ٍ
فلك َي ْس َب ُحون ََ الملك :اآلية ]3وكقوله تعالى :ال ال ّ ْ ُ
[سورة يس:اآلية .]40
إن تنمية القيم واألخالق لدى اإلنسان كما يراها ابن سينا تتمثل في معارفنا وخبراتنا بالقدر المالئم من
الظروف واألحوال التي بوساطتها تصبح القيم حقيقة واقعة في الحياة؛ فنحن ال نعرف على وجه التحديد القدر
المالئم من الحرية أو النظام أو الفقر ،أو الغنى ،أو المعرفة ....لنمو المثل العليا بالنفوس .وربما جاز القول :إن
االلتزام بأصول الحياة اإلسالمية الصحيحة قد يوفر نوعًا من المناخ المطلوب لذلك ،والنتيجة القصوى المترتبة على
ال آخذًا يلقى من نفسه ،ومما الفعل األخالقي وإ نجاز أشكاله كافة ،أن نميز في الفاعل األخالقي سمتين األولى :فاع ً
يكتنف وجوده في العالم معطيات يتناولها بفكره التقويمي األخالقي ،فينقلب من جهة أخرى إال فاعل مبدع مرتبط
يربط تصوره وفعله بمثل أخالقي أعلى (محمود عبد اللطيف ،2007 ،الفكر التربوي عند الفارابي).
بفضيلة من الفضائل بمفهوم من الخير هو مفهوم الناس جميعاً ،ويعتزم تحويل اختباره الحر إلى عمل ينفع
نفسه والناس معاً.
-130-
العالقة بين الفلسفة والتربية عالقة وثيقة ،فكل فيلسوف تتضمن فلسفته نظرية تربوية ،وكل تربوي له
نظرية فلسفية (جيمس ،س ،روس ،1949األسس العامة لنظريات التربية).
ومع ذلك فإن هناك فرقاً Sكبيراً بين تناول ابن سينا للتربية في اإلنسان والمجتمع والمعرفة واألخالق وبين
تناوله في الفلسفة لتلك الموضوعات.
فالباحث في التربية ال ينبغي له أن يركز على التفاصيل الفلسفية الدقيقة ويقتضى في هذا السبيل بل هو
مطالب بإبراز Sالقدر الكافي لفهم آراء هذا الفكر في ميدان التربية والتربية األخالقية فالفلسفة األخالقية تصدر Sعن
العقل وحده .ومفهوم( Sالواجب) أو (األمر األخالقي) الذي يشكل الدعامة األساسية لهذه الفلسفة ال يصدر Sعن
التجربة ،وال يصدر Sعن طبيعة اإلنسان الحسية ،كما أنه ال يصدر عن الدين ،إن األمر األخالقي Sهو أمر العقل.
ولكي نتناول ابن سينا كصاحب فكر تربوي Sفالبد أن نقف على نظرته لألخالق والمعرفة -ولن نعرض
من فكر ابن سينا في هذه الموضوعات إال ما نراه ضرورياً Sلفهم فكره التربوي .إن تقصي جذور Sهذه النظريات
هو الرتبوي عند ابن سينا – م14
ونقدها والحكم عليها ووضعها Sفي اإلطار التاريخي بين الفكر الفلسفي التربوي واألخالقي ،فاإلنسانالفكر
موضوع Sالتربية ،وتختلف نظرات المربين إلى العملية التربوية باختالف وجهات نظرهم Sلإلنسان وطبيعته
اإلنسانية .فالتربية تهتم بتكوين شخصية اإلنسان وتؤمن بمثله وأخالقياته ،والقيم األخالقية ليست مجرد إتيان
تعوده واإلتيان به في كل مناسبة من المناسبات ألن اإلنسان تعوده ،وال يستطيع Sأن يأتي السلوك الفاضل ،ولكن ِّ
بعكسه أو ضده.
الواقع ابن سينا يرى أن الفضائل مكتسبة لإلنسان ،وهو يستطيع أن ينتقل من خلق إلى خلق أو يكتسب من
الفضائل ما لم يكن له ،وهذا يشير إلى مقدار سيطرة اإلنسان الفطرية على قوتيه الشهوية والغضبية»(عبد
الرحمن النقيب ،2000،الفكر التربوي).S
لقد احتفى اإلسالم بالجانب األخالقي Sفي اإلنسان والمجتمع بحيث ورد في القرآن الكريم ألف وخمسمائة
وأربع آيات تتصل باألخالق سواء في جانبها النظري Sأم في جانبها العملي ،وهذا المقدار يمثل ما يقرب من ربع
آيات القرآن الكريم (عبد الرحمن عبد الرحمن ،2002 ،الفكر التربوي).
ٍ
عظيم» [سورة القلم :اآلية .]4 واهلل سبحانه وتعالى أثنى على نبيه محمد بقوله :وإ َّن َك لعلى ُخلُ ٍ
ق َ
ت ألتمم مكارم األخالق».
وأن الرسول أكد هذا الجانب األخالقي بقوله« :إنما ُبعثْ ُ
واألخالق في اإلسالم أخالق عملية يرتبط فيها القول بالعمل والنظرية بالتطبيق يقوله تعالى :يا أيُّها الذين
ون ما َال تَ ْف َعلُون َ كُبَر مقتاً عند اهلل أن تقولوا ما ال تفعلون[ سورة الصف:اآلية ]4-2ويقول تعالىّ :
إن آمنوا ِل َم تَقُولُ َ
فردوس ُنُز ًال[ سورة الكهف:اآلية .]107فاإلنسان مسؤول عن أخالق ات اْل َ له ْم َّ
جن ُ ِ ِ
الصالحات كاَن ْت ُ
الذين أمُنوا وعملُوا ّ
جزى ُّ
كل رهين[ سورة الطور:اآلية ]21وقال تعالى :اليوم تُ َ
ٌ س َب ٍ
امرى بما َك َ في الدنيا واآلخرة ،بقول تعالىُّ :
كل
إن اهلل سريع الحساب[ سورة غافر:اآلية .]41
كسبت ال ظُ ْل َم اليوم ّ
ْ ٍ
نفس بما
وللشريعة اإلسالمية جانب تربوي S،وجانب تطبيقي أخالقي يتجلى في األمر والنهي ،والتحريم SواإلرشادS
إلى كيفيات وأساليب عملية أو تعاملية معينة في كثير من أمور الحياة.
-131-
مشرع للقانون وهو منفذ له ،فهو يحقق حريته نظريًا ،وفي إطاعته للقانون يحقق حريته
فاإلنسان العاقل هو ّ
عمليًا ،كل هذا يؤدي إلى مفهوم وحدة الذات العاقلة واستقاللها أي إلى اإلرادة الحرة ،فالطاعة ،طاعة األمر
األخالقي ،وهذا أسمى مراتب الحرية ،فهي ليست خضوعًا ألمر غريب عن الذات ،صادر عن سلطة خارجية أو
عن أمر ديني بل عن سلطة األمر األخالقي.
السؤال الكبير ما موقع التربية في الفلسفة؟
المشكلة التربوية تقع في قلب التساؤل الفلسفي :ما هي المعرفة الحقيقية؟ ما هي غايتها؟ ما هي غاية
اإلنسان،؟ إن اتجاه اإلجابات عن هذه األسئلة التي تطرحها الفلسفة يعين غايات التربية وأساليبها ومضمونها .بتعبير
آخر ،الفلسفة العامة هي بالضرورة فلسفة للتربية والتربية تعكس في غاياتها ،وطرائقها ومناهجها الفلسفة العامة
للمجتمع في مرحلة من مراحل تطوره.
إن الفلسفة مثالية كانت ،أو مادية ،دينية ،أو علمانية تشكل أساسًا للتربية تنطلق منه وترتد إليه .إن تاريخ
التربية بصورة عامة ،وتاريخ مؤسساتها يرتبط في جانب هام من جوانبه بتطور النظرية الفلسفية .فعالقة فلسفة
التربية ،والتربية األخالقية هي عالقة تأثير وتأثر ،فعلم األخالق يعلم المرء كيف يجب أن يكون هو نفسه ،وكيف
يجب أن تكون أحواله التي تخصه ،حتى يكون سعيدًا في الدنيا واآلخرة ،وبذلك يرسم الفيلسوف صورة صادقة
لداللة المنهج التربوي األخالقي الذي وضعه من نظريته في التربية وحتى آخر مراحله في األخالق.
ويصور القرآن الكريم كيف أن لإلنسان مطالب بأن يجاهد نفسه لكي يرتقي أخالقياً ،وكيف أن هناك
حاالت أخالقية مختلفة لإلنسان ،فهناك من يخلد إلى األرض ويتبع شهواته وهذا ما عبر عنه القرآن بقوله تعالى:
إ ّنا جعلنا الشياطين أولياء للذين ال يؤمنون[ سورة األعراف:اآلية ]27وهناك من ينتصر انتصاراً Sكامالً على
بع َك ِم َن
سلطان إالّ َم ِن اتَّ َ
ٌ عليهم
ْ نفسه وال يصبح للشيطان عليه سبيل ،وفي Sهذا جاء قوله تعالىّ :
إن عبادي ليس لك
الغاوين[ سورة الحجر:اآلية .]42
التربية عند ابن سينا تهدف إلى تهيئة حياة سعيدة لألفراد ونموهم Sنمواً كامالً ومن جميع النواحي ،الجسمية
والعقلية والخلقية ،والتربية السينوية لم تركز على الجانب األخالقي فقط ،بل استهدفت وجوده الشخصية المتكاملة
جسماً وعقالً وخلقاً لخلق المواطن الكامل ،وإ عداده لمهنة أو عمل ،أو حرفة ،يشارك Sبها في عملية «البناء
االجتماعي» ألن المجتمع في نظر ابن سينا إنما يقوم على «التعاون» وعلى تخصص كل فرد في عمل أو مهنة
وتبادل المنافع والخدمات بين أفراده ،وما اهتمام ابن سينا بتكوين العادات الحسنة لدى الفرد إال دليل على حرص
البالغ بتربيته وغرس الفضيلة لديه ،وبذلك يكون من السهل تطبيعه باألخالق والقيم التربوية الفاضلة إذا تم
اتباعها في السنوات األولى من حياته وتنعكس إيجاباً على التربية في النظرية وفي التطبيق Sفي جميع الجوانب.
-132-
الفصل الخامس
التربية االجتماعية
-مقدمة
-133-
التربية االجتماعية عند ابن سينا
إن الحياة االجتماعية تبين لنا أننا في حاجة ماسة إلى التربية االجتماعية في البيت والمدرسة والمجتمع،
حب أخيه والمحيطين به ،ويفكر في غيره كما يفكر في نفسه ،وأن نعلمه
فالطفل يجب أن يتدرب منذ الصغر على ّ
أن يكون اجتماعياً في جميع مراحل حياته ،من دون تجاهل طبيعته فللطفل طبيعته ومورثاته ،وبالتالي Sردود
أفعاله الخاصة.
لقد اتخذت التربية االجتماعية تعريفات متعددة منها :إنها العمل الذي نقوم به لتنشئة الطفل أو الشاب ،أو
مجموعة من العادات الفكرية أو اليدوية التي تكتسب أو مجموعة من الصفات الخلقية التي تنمو ،ويرى
«دوركهايم »Sأنها تكوين األفراد تكويناً Sاجتماعياً فهي في نظره «العمل الذي تحدثه األجيال الراشدة في األجيال
التي لم تنضج بعد النضج الالزم للحياة االجتماعية(رونيه أوبير ،1963 Sالتربية عند ابن سينا).
ويرى( Sجون ديوي) :أن التربية تنظيم مستمر Sللخبرة هدفه توسيع محتواها االجتماعي وتعميقه ،فلكل
مجتمع مبادئه ومثله العليا ،كما أن له مصالحه ،وطموحاته ،وتقاليده ومشكالته ،وبين هذه وتلك نوع من التشابك
والتضاغط المستمر ،المثل والمبادئ تضغط Sعلى المصالح ،حتى تظل في إطارها ،والمصالح تضغط على
المبادئ كي تتسع لها من خالل توسيع مدلوالتها S،والتخفيف من صراحة أحكامها ،ومن المبادئ والمصالح تتكون
البيئة القيمية واألخالقية.
يتحسن :السياسة واألخالق Sوالتربية
ّ حين يكون صوت المبادئ هو األعلى ،فإن نسق الحياة كلها
واالجتماع .وحين يعلو صوت المصالح ،فإن الغايات االجتماعية تولد آنذاك من رحم المصالح ،وتصبح مسوغة
لكل الوسائل التي تحققها مهما كانت غير مشروعة وينحط بذلك توازن الحياة كلها (عبد الكريم بكار،2001 ،
التربية والتعليم).
والبد أن نقف على نظرة ابن سينا إلى اإلنسان الذي سيقع عليه فعل التربية ونظرته للمجتمع الذي سيرىS
له وفيه ،واإلنسان كما يراه ابن سينا مولود Sعلى الفطرة ،ليس شريراً بطبعه أو خيراً بطبعه ،وإ نما يستمد أخالقه
من المجتمع والبيئة التي يعيش فيها بكل مؤثراتها ،وهو أوالً وأخيراً Sيستطيع Sأن يغير من عاداته وأخالقه عن
طريق عملية التطبيع االجتماعي بكل وسائلها Sوأساليبها المختلفة.
-134-
اهتم ابن سينا كثيراً باإلنسان وبتربيته ،وبناء أفراد المجتمع بناء قوياً Sمتماسكاً Sمتوازناً Sمتعاضداً ذلك ألن
«قوة المجتمعات البشرية ال تتعين بعدد األفراد الذين يؤلفونها ،بل تتناسب مع شدة الروابط Sالتي تربط بعضها
ببعضها اآلخر ،كما أن صالبة األحجار والصخور ال تتبع حجمها ،بل تتناسب مع تماسك أجزائها ،فنرى Sبعض
األمم تشبه األحجار الهشة ،حتى إنها لتشبه أحياناً أكوام التراب والرمال ألن أجزاءها قليلة التماسك وااللتصاق،
ولو كانت كثيرة العدد في حين أن بعض األمم تشبه األحجار الصلبة والصخور الصلدة ،فإن أجزاءها شديدة
التماسك وااللتصاق Sوإ ن كانت قليلة العدد (محمود Sعبد اللطيف ،2007الفكر التربوي Sعند الفارابي).
السؤال الذي يطرح نفسه في نظر ابن سينا هو :كيف يتكون المجتمع؟ وما مكانة اإلنسان ودوره في البناء
االجتماعي؟ هل اإلنسان له قيمة وله دور في حياة المجتمع أم أنه خاضع وال إرادة له؟
إذا عدنا إلى مؤلفات ابن سينا في هذا الصدد نرى أنه هدف إلى تكوين مجتمع فاضل وفقًا للمبادئ الرئيسة
التي تقوم عليها فلسفته وآراؤه في السعادة واألخالق والكون وخالقه ،وما وراء الطبيعة ،إال أنه أراد أن يظهر
اهتمامه بالعالقات االجتماعية ،وتربية الطفل وانتمائه إلى جماعته الصغيرة وهي األسرة ،ثم إلى جماعته الكبرى
وهي المجتمع ،إال أنه تناول العملية الكلية للتربية االجتماعية ضمن إطار نظرية اجتماعية سينوية تقوم على
دعامتين بارزتين:
-الدعامة األولى :تتناول اجتماعية اإلنسان الذي ال يستطيع أن يعيش منفرداً ،فهو بحاجة المجتمع في
نموه وفي Sثقافته وفي Sطلب أسباب الحياة .اإلنسان بحاجة إلى المجتمع والبد أن يحيا في المجتمع ،وبذا يقول ابن
سينا « :اإلنسان يفارق سائر الحيوانات بأنه ال يحسن معيشته لو انفرد وحده شخصاً واحداً يتولى تدبير أمره من
غير شريك يعاونه على ضرورات حاجاته .وأنه البد أن يكون اإلنسان مكفياً بآخر من نوعه يكون ذلك اآلخر
أيضاً مكفياً به وبنظيره فيكون مثالً هذا ينقل إلى ذاك وذاك يخبز لهذا وهذا يخيط لآلخر ،واآلخر يتخذ اإلبرة لهذا
وإ ذا اجتمعوا كان أمرهم مكفياً ولهذا اضطروا Sإلى عقد المدن واالجتماعات» (ابن سينا ،1892 ،النجاة).
فالمجتمع Sاإلنساني في األصل سببه عدم قدرة اإلنسان الفرد على إشباع حاجاته واالستغالل بشؤون نفسه،
ومن تلك الحاجة االجتماعية -ولد «التجمع اإلنساني على اختالف صورSه االجتماعية» واهلل سبحانه وتعالى- S
هو الذي «خلق اإلنسان» بحيث ال يستطيع Sأن يحيا بمفرده أو يستقل بنفسه.
ومن Sهنا نستطيع Sالقول :إنه تقع على Sالتربية مسؤولية Sالتوجيه Sوالضبط Sلسلوك Sاألفراد Sوالجماعات
لحاجة اإلنسان إلى Sتحقيق العالقة Sاالجتماعية بين أفراد Sالمجتمع حتى Sيقوم Sكل واحد Sمنهم Sبشيء مما Sيحتاج إليه
عن طريق SالتعاونS.
-135-
فاهلل سبحانه وتعالى قد خلق الناس متفاوتي Sالميول والمواهب والقدرات ،واستدعى ذلك بالضرورة أن
يتخصص كل إنسان في عمل من األعمال أو حرفة من الحرف ،وهذا التخصص البد أنه يدعو إلى التعاون إذا
خلق الناس متفاوتي الحظ من العقل والغنى والفقر والميول Sوالقدرات ،وجعل في هذا االختالف مدعاة للتكامل في
داخل المجتمع الواحد ،ولوال هذا التباين في األرزاق Sوالقدرات ما كان هذا التماسك والترابط في داخل المجتمع
من (اهلل) عليهم (عباده) بفضل رأفته مستأنفاً بأن جعلهم في عقولهم وآرائهمالواحد .يقول ابن سينا « ثم ّ
متفاضلين كما جعلهم في أمالكهم ومنازلهم Sوراتبهم Sمتفاوتين لما في استواء أحوالهم وتقارب أقدارهم من الفساد
الداعي إلى فنائهم Sلما يلقى فيهم من التنافس والتحاسد والتظالم؛ Sفقد علم ذوو Sالعقول أن الناس لو كانوا جميعاً
ملوكاً لتفاوتوا Sعن آخرهم ولو كانوا كلهم سوقة لهلكوا عياناً بأسرهم Sكما أنهم لو استووا Sفي الغنى لما مهن واحداً
ألحد وال رفد حميم حميماً ولو استووا Sفي الفقر لما توافدوا وهلكوا بؤساً»( ابن سينا ،1906 ،كتاب السياسة،
مجلة المشرق).
ويشير Sابن سينا إلى أن اإلنسان ال يستطيع Sأن يحيا بدون التفاعل مع المجتمع في جميع جوانب الحياة،
وهذا التفاعل االجتماعي المستمر Sبينه وبين المجتمع الذي يعيش فيه.
-الدعامة الثانية ألوهية المجتمع:
األهداف التربوية في اإلسالم تعنى بالمجتمع عنايتها بالفرد ،فكل إنسان هو فرد مستقل بذاته ،وهو في
الوقت نفسه عضو في مجتمع معين وال وجود Sفي التاريخ البشري Sإلنسان عادي عاش بمعزل عن اآلخرين وكان
قادراً على تحقيق ذاته اإلنسانية ،وحتى حينما يحاول اإلنسان اإلنزواء عن الجماعة بصورة مؤقتة فإنه ال
يستطيع إال التفكير في تلك الجماعة بصورة أو بأخرى.
الواقع أن المجتمع السينوي Sمجتمع إلهي في كل أموره .في عقائده ،وعباداته ،ونظمه وأخالقه ،ورغم أن
ابن سينا عاش في القرن الرابع الهجري وبالذات في بالد ما وراء النهر حيث طغى الجانب الفلسفي والكالميS
على الجانب العملي والسلوكي Sفي حياة الناس الدينية ،إال أننا نجد إيماناً كامالً من ابن سينا بالمجتمع اإللهي
اإلسالمي الصحيح الذي يستمد مقومات وجوده من القرآن والسنة .وهو يفلسف لنا وجود Sهذا المجتمع اإلسالمي
ودوافعه ومبررات Sوجوده.
وقد Sجمع القرآن بين الفرد والجماعة بصورة جلية عند تبيان قوة المؤمن في القتال وقدرته على الصمودS
أمام الكفار .فالقرآن الكريم عند تأكيده على هذه الحقيقة المتصلة بالفرد المسلم صاغها في إطار جماعي .يقول
قوم ال َّ ِ ِ ِ ِ يكن من ُكم ِع
تعالى :إن ْ
هم ٌيغلبوا م َائتين وإ ن َي ُك ْن من ُك ْم مائ ًة َي ْغل ُبوا ألفاً م َن الذين كفروا بأن َ
صابرون ُ
َ شرون
َ
ون[ سورة األنفال:اآلية ]65ويرى Sجودت سعيد أن هذه اآلية ال تشير إلى العدد الذي يستطيع المؤمن َي ْفقَ ُه َ
مواجهته وحسب ،بل إنها تدل كذلك على ضرورة تآلف وتكاثف األفراد Sالمؤمنين ،حتى تتم لهم الغلبة على
األعداء ،وحتى يتمكن الفرد الواحد من مواجهة عشرة من الكفار.
والتربية اإلسالمية تهدف إلى إعداد اإلنسان للدارين :اآلجلة والعاجلة ،وهنا تفترق عن كل الترتيبات
المادية التي ترى أن الهدف األسمى هو اإلعداد للحياة الدنيا ،فاإلنسان ال ينتهي من المطاف مجرد موته ،ولكنه
ينتقل من الحياة الدنيا إلى حياة أخرى يبعث فيها حياً وال يعرف فيها للموت طعماً.
-136-
والواقع أن ابن سينا يرى أن «المجتمع» قد نشأ نشأة طبيعية لحاجة األفراد إلى التعاون ،ولكن من الذي ينظم
أمور هذا التعاون؟ وكيف يحدث التفاعل بين أفراد المجتمع؟ وكيف تنظم العالقة بين الحكام وبين األفراد العاديين؟
كل هذه المشاكل فكر فيها عقل ابن سينا الفيلسوف ،وقرر أن حل تلك المشاكل يكون بعودة التشريع إلى مصدره
اإللهي وهو اهلل سبحانه وتعالى والرسول .
يقول ابن سينا «فالبد في وجود Sاإلنسان وبقائه من معاملة ومشاركة ،وال تتم المشاركة إال بمعاملة كما البد
من ذلك من سائر األسباب التي تكون له ،والبد في المعاملة من سنة وعدل والبد للسنة والعدل من سان ومعدل
والبد أن يكون هذا بحيث يجدر أن يخاطب الناس ويلزمهم Sالسنة ،والبد من أن يكون هذا إنساناً ،وال يجوز أن
يترك الناس وآراءهم في ذلك فيختلفون ويرى كل منهم ماله عدالً وما عليهم ظلماً (ابن سينا ،1892 ،النجاة).
فحب المسلم هلل وامتثاله ألوامره يجعله محباً لغيره من الناس ،وهذا من شأنه أن يولد في المجتمع
اإلسالمي الشعور بوحدة الجماعة والتآخي Sوالتراحم ،وقد Sقرر اإلسالم أن صالة الجماعة في األوقات الخمسة
تفضل صالة الفرد بسبع وعشرين درجة واإلنسان المسلم يقرأ في صالته كل يوم عشرات المرات قوله تعالى:
اهدنا الصراط المستقيم سورة الفاتحة آية 5إنه يناجي ربه باسم الجماعة حتى ولو كان في صالة فردية.
ما أراده ابن سينا مما تقدم أن المجتمع يحتاج إلى مشرع ألموره؛ وهذا المشرع البد أن يكون إنساناً يمتاز
عن غيره بمميزات تجعله مطاع الكلمة تنقاد له الجماعة .وهذا هو تعليل ابن سينا لوجود النبي وما اختصه به اهلل
من معجزات ،وضرورة وجود Sالنبوة .يقول ابن سينا« :فواجب إذن أن يوجد نبي وواجب أن يكون إنساناً
وواجب أن يكون له خصوصية ليست لسائر الناس حتى يستشعر Sالناس فيه أمراً ال يوجد لهم فيتميز Sعنهم فتكون
له المعجزات (ابن سينا ،1892 ،النجاة).
إن نصرة الحق وإ حقاقه والدفاع Sعنه ،من المهمات األساسية للمسلم في هذه الحياة وأن بقاء المجتمع كما
يرى ابن سينا البد له من مشرع ،والمشرع البد أن يكون إنساناً نبياً يتميز عن الناس بمعجزات وبما يملك من
القوى الخارقة واالتصال Sبالسماء ،وما يجعل الناس يستقبلون شريعته وأحكامه على أنها حكم اهلل وإ رادته ،وبذلك
يرضون له طواعية وينقادون لتعاليمه عن تسليم واقتناع وإ ذعان وبذلك ال يحدث التمرد على التشريع.
وكما يرى ابن سينا أن هذا المشرع إذا وجد فعليه أن ينظم أمور البشر وفق إرادة اهلل ووحيه ،ويحدد Sلهم
العقائد والعبارات Sواألخالق والنظم Sالتي يسيرون عليها في حياته ومن بعده .فبالحق والعمل بملء القلب وتركيزS
العقل والفكر هو ما يحتاج إليه اإلنسان.
يسن للناس في أمورهم Sسنناً بأمر اهلل تعالى وإ ذنه ووحيه
يقول ابن سينا« :فهذا اإلنسان المشرع وجب أن ّ
يسنه تعريفه إياهم أن لهم صانعاً واحداً قادراً Sوأنه عالم بالسر
وإ نزاله الروح القدس عليه فيكون األصل فيما ّ
أعد لمن أطاعه المعادوالعالنية وأن من حقه أن يطاع أمره وأنه يجب أن يكون األمر لمن له الخلق وأنه قد ّ
المسبق ولمن عصاه المعاد المشقى» (ابن سينا ،1950رسالة العروس مجلة الكتاب.)1952 ،
-137-
فالمشاعر Sاإلنسانية التي ترتبط بمبدأ التشريع بوحي من اهلل فهذا يرتكز أساساً على اإليمان باهلل واليوم
اآلخر ،وبدون هذا األساس الديني العميق اليمكن أن يخضع الناس للتشريع السماوي أو يطبقوه ،فالبد من إصدار
تشريعات تذكر اإلنسان بأعماله وتصرفاته في حياته االعتيادية وفق المبادئ والتوجيهات القرآنية .يقول ابن
سينا« :ويجب أن تكون هذه األفعال الشرعية مقرونة بما يذكر اهلل تعالى والمعاد ال محالة وإ ال ال فائدة فيها
والتذكير اليكون إال بألفاظ تقال أو نيات تنوى في الخيال ،وأن يقال لهم إن هذه األفعال يتقرب بها إلى اهلل
ويستوجب بها الخير الكريم» .كالصالة والصوم Sوالزكاة والحج والجهاد Sفي سبيل اهلل؛ فهذه العبادات فيها منبهات
إلى ذكر اهلل واليوم اآلخر بجوار Sما فيها من مصالح دنيوية.
الواقع Sأن ابن سينا Sحدد الهدف Sاألساسي Sمن كل ما يتلقاه الناس Sمن العقائد والعبادات S،وتنظيSم Sكل ماS
يتعلق Sبأمور Sالمجتمع S،فهو Sيقول« :ويجب Sأن يكون Sالقصد األول Sللسان في Sوضع Sالسنن وترتيب SالمدSينة على
أجزاء ثالثة :المديرون Sوالصناع Sوالحفظة ،وأن يرتب في Sكل جنس Sمنهم Sرئيساً Sمرتب تحته رؤساء SبلونهS
فيرتب Sتحتهم Sرؤساء Sيلونهم Sإلى Sأن ينتهي Sأفناء Sالناس فال Sيكون في Sالمدينة Sإنسان معطل Sليس له مقام SمحدودS،
بل يكون لكل واحد Sمنهم Sمنفعة في Sالمدينة Sوأن يحرم Sالبطالة والتعطل Sوأن ال يجعل Sألحد سبيالً Sإلى أن يكون له
من غير الخط الذي Sالبد منه لإلنسان Sوتكون Sجنبته معفاة ليس يلزمها Sكلفة ،فإن هذا Sيجب أن يلزمهم Sكل الردعS
فإن لم Sيرتدعوا Sنفاهم من األرض ،وإ ن كان السبب Sفي Sذلك مرضاً Sأو Sآفة أفرد Sلهم موضعاً »Sيكون Sفيه
«مالجئ» يكون Sفيه أمثالهم Sويكون Sعليهم Sقيم( Sابن سينا ،1335 ،رسالة Sالشفا ،الجزء الثاني).S
كما ينظم النبي أمور المجتمع من الناحية المالية ،ويحدد Sميزانيته دخالً ومنصرفاً ،يقول ابن سينا« :ويجب
أن يكون في المدينة وجه مال مشترك بعضه من حقوق تفرض على األرباح المكتسبة والطبيعية كالثمرات
والنتاج وبعضه يفرض عقوبة ،وبعضه يكون من أموال المنابذين للسنة وهو الغنائم ،ويكون ذلك عدة لمصالح
مشتركة والزمة لصلة الحفظة الذين ال يشتغلون بصناعة ،ونفقة على الذين حيل بينهم وبين الكسب بأمراض
وزمانات» (ابن سينا ،1335 ،ج 2رسالة الشفاء ،الجزء الثاني).
الواقع أن الشيخ الرئيس يرى أن المشرع للمجتمع هو النبي ،وعلى المجتمع اإلنساني أن تكون دوافعه
إلهية ،وتطبيق تعاليم الشريعة ،لذا البد من العقوبات وفق Sالمخالفات التي يقع فيها اإلنسان لردعه عن ارتكاب
مثل تلك المخالفات التي يعاقب عليها الشرع.
وهذا ينمي خبرة التفريق عند اإلنسان بين الجائزات والممنوعات ،على أن يتم االستماع بأذن صاغية،
وبعقل مفتوح لكل ما يطرح من أفكار ،وأن نتقبله على أنه اجتهاد ،ما لم يصادف Sإجماعاً أو نصاً قطعياً ،فاألفكارS
التنضج ،وال تتبلور مالم يتم تناولها Sمن خالل الحوار والمناظرة والنقاش والمفاتحة للوصول Sإلى الحقيقة .إن
سعة الفهم ال تؤدي Sبالضرورة إلى االتفاق في اآلراء المطروحة ،لكنها تمنح األساس لالختالف ،أي تجعل
االختالف مؤصالً واضحاً ،وتجعل ما يتم من اتفاق متيناً ،ألنه يقوم على قواعد فكرية ومنهجية صحيحة.
إن اإلنسان كما يراه ابن سينا كائن قابل للتعلم ،بل إن اإلنسانية كلها ،تظل تتعلم باستمرار ،وإ ذا تملكنا هذه
الفكرة فسوف Sنعرف كيف نكتسب المرونة ،وكيف نستخدمها Sفي تحسين نوعية الحياة.
ثانياً :مكانة المجتمع في نظر ابن سينا
-138-
إن البناء العظيم للمجتمع ال يتحقق إال من خالل اإلنسان الذي يعمل بوعي على تكوين الحياة االجتماعية
ومن ثم اإلنسانية .وهذا المجتمع بتلك الصورة السينوية عليه أن يدعو األعداء والمخالفين إلى مجتمع الهداية وإ ال
فيسن مقاتلتهم ،وبذا يقول ابن سينا« :أما إذا كانوا أصحاب سنة حميدة غير سنة النبي فال يتعرض لهم إال إذا كان
الوقت صالحاً بأنه ال سنة غير السنة النازلة ،أو إذا جاهروا Sبفساد هذه السنة النازلة وأنه ليس من حقها أن تقبل
وكذبت اللسان في دعواه أنها دعوة للناس جميعاً وعند ذلك يسن جهادهم ولكن مجاهدة دون مجاهدة أهل الضالل
الصوف أو يلزموا غرامة على ما يؤثرونه» (ابن سينا ،1335 ،ج 2رسالة الشفاء ،الجزء الثاني).
فالمجتمع كما رآه ابن سينا هو مجموعة من األفراد متفاوتي الحظوظ في المواهب والقدرات ،وهذا يقتضي
نوعًا من التخصص ليتم التعاون بين أفراد المجتمع والتفاعل فيما بينهم في جميع جوانب الحياة لتطبيق هذا التعاون
الذي ينظم للناس أمور حياتهم ،بشكل صحيح وفق مبادئ الشرع فالتربية ركزت على تنمية اإلنسان عاطفيًا ونفسيًا
بعد أن ركزت على تنميته فكريًا «ودعت إلى تنمية النوازع الخلقية والسمو بها ،وتقوية الجسم واالرتقاء باإلحساس
الجمالي إلى الكون والحياة على أن يكون ذلك في خدمة المجتمع واالرتفاع به والنهوض بمستواه والعمل على رفاه
اإلنسان وسعادة البشرية في كل مكان (عادل العوا ،1987 ،استراتيجية تطوير التربية ،الفكر التربوي العربي
اإلسالمي).
إن براعة المربي في إدراك حاجات اإلنسان أكثر إلحاحاً ،والجوانب التي تتطلب عناية أعظم ،فالعقالني
بحاجة إلى توجيه لالهتمام بالجانب الروحي ،والهدف Sالنهائي لكل مسلم هو الفوز برضوان اهلل -تعالى -ولذا
فإن كل األهداف الصغرى Sيجب أن تخدم هذا الهدف على نحو مباشر أو غير مباشر،« ،عن كل هدف صغير هو
وسيلة إلى هدف أكبر يستمد شرعيته وأدبياته من شرعية الهدف األكبر وأدبياته».
S-مSن SاSلSوSاSضSح Sأن SاSبSن SسSيSنSا SيSرSى SأSن SاSلSمSجSتSمSعSاSت SتSتSصSف SبSعSالSقSاSتSهSا SاSإلSنSسSاSنSيSة SوSبSكSمSاSلSهSا SوSتSعSاSوSنSهSاS
اSالSجSتSمSاSعSي SوSهSذSا SمSبSنSي SعلSى SاSلSقSيSم SاSألSخSالSقSيSة S،Sإن SمSا SجSاSء Sبه SاSلSشSيSخ SاSلSرSئSيSس SلSم SيSخSرSج SعSن كSوSنSه SمSسSلSمSاً SنSشSأ SفSيS
بSيSئSة SإSسSالSمSيSة SوSأSتSقSن SاSلSعSلSوSم SوSاSلSمSبSاSدSئ SاSإلSسSالSمSيSة S،SفSقSد SتSنSاSوSل SتSرSبSيSة SاSإلSنSسSاSن SكSفSرSد SمSن SاSلSنSاSحSيSة SاSلSجSسSمSيSة SوSاSلSعSقSلSيSةS
وSاSلSرSوSحSيSة SوSاSلSعSلSمSيSة SوSاSألSخSالSقSيSة SوSأSعSطSى SكSالً SمSنSهSا SاSلSوSزSن SاSلSذSي SتSسSتSحSقSهS.S
فاألهداف الجسمية ال تطغى على األهداف العقلية أو الروحية ،كما أن العناية بالجانب الروحي ال يتعارض
مع تنمية العقل ،وتربية الجسم تربية سليمة .فالتربية للنفس اإلنسانية شاملة ومتوازنة ،واألهداف التربوية تعنى
بالمجتمع عنايتها بالفرد ،فكل فرد مستقل بذاته ،وهو في الوقت نفسه عضو في مجتمع معين «وال وجود في التاريخ
البشري إلنسان عادي بمعزل عن اآلخرين ،وكان قادرًا على تحقيق ذاته اإلنسانية» (محمود عبد اللطيف ،2007
الفكر التربوي عند الفارابي).
S-إSن SاSلSصSوSرSة SاSلSمSثSاSلSيSة SلSلSمSجSتSمSع SكSمSا SاSرSتSأSه SاSبSن SسSيSنSا SلSم SتSكSن SهSي SنSفSس SاSلSصSوSرSة SاSلSحSقSيSقSيSة SلSلSمSجSتSمSع SاSإلSيSرSاSنSيS
حSيSث SيSعSيSش SاSبSن SسSيSنSا S،SمSع SأSنه SعSاSش SفSي SبSالSد SمSا SوSرSاSء SاSلSنSهSر SفSي SوSاSقSع SيSخSتSلSف SإSلSى SحSد SمSا SعSن تSلSك SاSلSصSوSرSةS
اSلSمSثSاSلSيSة S،SوSهSذSه SاSلSنSظSرSة SاSلSسSيSنSوSيSة SإSلSى SاSلSمSجSتSمSع SقSد SأSثSرSت SفSي SفSكSر SاSبSن SسSيSنSا SاSلSتSرSبSوSي S،SفSهSو SفSي SفSكSرSه SاSلSتSرSبSوSيS
يSحSاSفSظ SعSلSى SمSوSرSثSاSت SهSذSا SاSلSمSجSتSمSع SمSمSثSالً SفSي SعSقSاSئSدSه SوSعSبSاSدSاSتSه SوSأSخSالSقSه S،SوSيSوSصSي SبSأSن SتSقSدSم SهSذSه SاSلSمSوSرSثSاSت SلSلSطSفSلS
فSي SأSوSلSى SمSرSاSحSل SتSعSلSيSمSه S،SكSمSا SيSوSصSي SبSأSن SيSوSجSه SاSلSطSالSب SبSعSد SذSلSك SتSوSجSيSهSاً SتSرSبSوSيSاً SوSمSهSنSيSاً SكSل SحSسSب SمSيSوSلSهS
وSقSدSرSاSتSه SحSتSى SيSعSمSل SاSلSفSرSد SاSلSمSكSاSن SاSلSذSي SخSلSق Sله SوSبSذSلSك SيSحSدSث SاSلSتSفSاعSل SوSاSلSتSمSاSسSك SاSالSجSتSمSاSعSي( SعSبSد SاSلSرSحSمSنS
اSلSنSقSيSب ،2002 S،اSلSفSكSر SاSلSتSرSبSوSي SاSإلSسSالSمSيS.S)S
-139-
اهتمت التربية اهتماماً كبيراً بالجانب االجتماعي كاهتمامها Sبالجانب الفكري لخدمة المجتمعات وتحسين
العالقات االجتماعية بين أفراد المجتمع من خالل حسن المعاملة والتواضع Sوالصدق وتأدية األمانة وتجنب كل ما
من شأنه أن يسيء إلى اإلنسان والعالقات بين أفراد المجتمع .إن حاجة اإلنسان إلى االجتماع والتعاون مسألة ال
حدود لها ،فاإلنسان اجتماعي بطبعه ،ومضطر إلى هذا االجتماع لسد حاجاته وتأمين متطلباته ،فهو ال يستطيع
أن يعيش منفرداً وحتى يتمكن من العيش بأمان وهدوء ونجاح مع أفراد المجتمع الذي يقضي فيه ،فإن عليه أن
يتقيد باألصول Sالتي تمكنه من كسب مودتهم ،ورفع Sمستواهم وفي Sمقدمة هذه األصول حسن المعاملة ،والتعاون،
والتضحية» وقد أعطيت المعاملة االجتماعية أهمية عظمى حتى جعلت رجال الدين يقولون« :الدين المعاملة»
وجعلت رجال األخالق يقولون« :عامل الناس بمثل ما تحب أن يعاملوك به».
انطالقاً Sمن قول الرسول « :ال يؤمن أحدكم حتى يحب ألخيه ما يحبه لنفسه».
ويرى Sابن سينا أن إيجاد مجتمع واحد تتحقق فيه سعادة األفراد على أكمل وجه ال يكون ذلك إال إذا تعاون
أفرادها على األمور Sالتي تنال بها المساعدة ،واختص كل منهم بالعمل الذي يحسنه ،وبالوظيفة المهيأ لها بطبعه،
وهذا ما أراد الشيخ الرئيس تحقيقه ووضعه في أصوله الثابتة ،وهو يؤكد ضرورة االجتماع بغية التعاون والعمل
على تحقيق الحاجات التي تفتقر إليها الجماعة ،ويحقق فضيلة العدالة للوصول Sإلى المجتمع الفاضل.
لقد تبنى ابن سينا مفهوم التعاون بين أفراد المجتمع في كل ما من شأنه أن يحقق السعادة ،واإلتقان في
العلم ،كما دعا إلى االنصراف الكلي إلى العمل وإ خراجه على أحسن صورة ،وأكمل أداء ،انطالقاً من القاعدة
التي اختطها الرسول ألصحابه «إن اهلل يحب إذا عمل أحدكم عمالً أن يتقنه».
وSاSلSحSق SأSن SنSزSعة SاSبSن SسSيSنSا SاSإلSنSسSاSنSيSة SكSاSنSت SنSقSيSة Sال SتSشSوSبSهSا SشSاSئSبSة S،SفSقSد SأSوSتSي SمSن SاSلSخSصSاSل SاSلSرSفSيSعSة SمSاS
يSصSعSب SتSحSقSيSقSه SفSي SعSاSمة SاSلSنSاSس S،SفSهSو SسSلSيSم SاSلSبSنSيSة S،SجSيSد SاSلSذSهSن S،SثSاSقSب SاSلSذSكSاSء S،SحSاSضSر SاSلSبSدSيSهSة S،SمSاSضSي SاSلSعSزSيSمSةS،S
حSصSيSف SصSاSدSق S،SعSاSدSل SنSزSيSه S،SمSتSجSرSد SعSن اSلSمSاSدSة SمSؤSثSر SلSلSذSاSت SوSاSلSرSوSحS( SاSلSفSاSرSاSبSي ،1931 S،SإSحSصSاSء SاSلSعSلSوSمS.S)S
-140-
بذا نبين أهمية العالقة بين الفرد والمجتمع عند ابن سينا ،ودور Sالتربية االجتماعية في إذكاء هذه العالقة
في مختلف جوانب الحياة واالرتقاء بوحدة المجتمع وتماسكه وبنائه.
الفكر الرتبوي عند ابن سينا – م15
-141-
-دور النمو االجتماعي في تحسين العالقة بين الفرد والمجتمع السينوي:
-142-
الواقع أن ابن سينا يرى أن الهدف من التربية الجمالية :هو أن نبعث في نفس الطفل حب الجمال،
واإلعجاب به ،والميل واإلصغاء إليه ،بحيث يستطيع Sأن يعطي حكماً صادقاً على جمال ما يرى من الرسومS
والتصاوير ،وعلى حسن ما يسمع من القطع الغنائية والموسيقية أو على سحر ما يشاهد من المناظر الجميلة
والحركات المنتظمة.
والقرآن الكريم يلفت نظر اإلنسان إلى جمال المخلوقات لدى جمال الخلق وروعته ،بل جعل اإلسالم االلتفات
أمرًا عقديًا قال تعالى :الذي خلق سبع سموات طباقاً ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من
فطور ثم ارجع البصر مرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير [ سورة الملك:اآلية .]4-3
فالتربية الجمالية « :تعبير يقصد به الجانب التربوي Sالذي يرقق Sوجدان الفرد وشعوره ،ويجعله مرهف
الحس مدركاً للذوق والجمال ،فيبعث في نفسه السرور Sواالرتياح ومن ثم يرتقي وجدانه وتتهذب انفعاالته»
(إبراهيم عصمت مطاوع ،1979 ،أصول التربية) .ويتضمن هذا التعريف بعدين:
األول :بعد تربوي ،والثاني :بعد جمالي ،بيد أن التربية عملية تنمية الشخصية المتكاملة والمتوازنة.
ومعنى هذا التكامل هنا هو :إنسان الجوانب المختلفة في اإلنسان ومنها الجانب الجمالي ...وهذا الجانب له أثره
وخطورته في تكوين الشخصية ،وال يقل أثراً أو خطورة عن أي جانب آخر من جوانب الشخصية ،الجانب
االنفعالي ،أو الجسمي ،أو االجتماعي.
ومن هنا يرى ابن سينا أن قيمة التربية الجمالية تتمثل في دقة التصوير ،وروعة المالحظة ،وتحقيق
اإليقاع الموسيقي Sالبديع الذي يضفي على األسلوب بصورة عامة ظالالً من الفن والجمال.
إن االهتمام بالتربية الجمالية «يولد لدى األفراد حب الحياة واالندماج Sفيها بحيث يمارسونها Sبال إسفاف
ويسلكون فيها مسالك تدل على أنهم أسوياء» (محمد عزيز نظمي ،1972 ،القيم الجمالية).
وإ ذا كان الجمال سمة بارزة من سمات هذا الوجود Sبل أبرز سماته ،فإنه يجب تأهيل الشخصية لإلحساس
بهذا الجمال وتربية الوجدان ليتوازن ذلك مع تنمية جوانب الشخصية المتكاملة ،فالصلة وثيقة بين الجوانب
المختلفة ،ألن ما يؤثر في الوجدان ،البد من أن يؤثر Sفي الوقت نفسه في التفكير ،وهذا من شأنه أن يؤثر بعمق
في حياة اإلنسان بجميع جوانبه» (محمد علي أبو ربان ،1971 ،القيم الجمالية).
ونشير إلى أن الشيخ الرئيس (ابن سينا) أكد أن الجمال هو صنو للحق والخير ،وأن حسن الجمال فطرة في
الكون ألن خالقه اتصف بصفات الجالل والجمال ...وأن التربية الجمالية لها أهميتها القصوى في تربية اإلنسان،
وهي ليست منعزلة عن سائر أنواع التربية الجسدية والعقلية والخلقية.
فالتربية الجمالية هي نقطة ارتكاز في التربية كلها ،وتلك التربية تكمن في إقامة الوزن ،وتمييز اللفظ
وسهولة المخرج والفن في النهاية يوسع رقعة الحياة ويربط بين اإلنسان الفرد والجماعة ،وما بين اإلنسان الفرد
واإلنسانية ،بعد أن ربط بين هذا اإلنسان والكائنات األخرى ،بمعنى آخر يربط بين اإلنسان والكون ...وبهذا
الشمول والتعدد واالمتالء تصبح لوحة الكون الغنية أجمل وأكمل وأوسع.
إن بعض المؤرخين ومنهم (فارمر) كشفوا عن فضل العرب على الموسيقى العالمية ومنهم Sاإلغريق ،فقد
قال فارمر( S:الفارابي Sوابن سينا زادا على ما جاء به اإلغريق في علم الموسيقى) فمقدمة الفارابي لكتابه الكبير
تبز كل ما ورد في المصادر اليونانية وجهودهم (أي العرب) في وصف في الموسيقى تضاهي في الواقع إن لم ّ
اآلالت الموسيقية تسهل على الغرب المعاصر Sفهم (الساللم) الموسيقية الخاصة بتلك الفترة.
-143-
فالتراث ليس مرحلة تاريخية بعينها ولكنه جماع التاريخ المادي والمعنوي لألمة منذ أقدم العصور إلى
اآلن ،ولقد تبنت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم Sفي استراتجيتها Sمفهوم الماضي الحي ورأت أن األصالة
تعبر عن هذا المفهوم وتعني Sاختيار مافي التراث من نماذج ومن أصول ،اختياراً قائماً على الفهم والتمييزS
وماتنطوي عليه من اإلبداع واالبتكار ،وعلى ماتلد عليه من ذاتية ثقافية األمة وذاتية العبقرية التي أسهمت في
تطوير هذا التراث في مجاالت القيم والفكر والثقافة ،أو في تأكيد مجاالت العلم والفلسفة أو في مجاالت السياسة
واإلرادة (محمود Sأحمد السيد ،1991 ،في قضايا التربية المعاصرة)
وفي Sمجال منهج التربية الجسمية عند ابن سينا :كان اهتمام ابن سينا يتصف Sبالدرجة األولى بالنمو الحسي
-الحركي والتربية الخلقية والوجدانية ،وهو بالحقيقة لم يشر إلى منهج محدد في مرحلة تربية الطفل سوى
الرياضة والموسيقى ،الرياضة لتربية الطفل ونموه الجسدي والحركي ،ولكي يتعلم عن طريقها كثيراً من العادات
الخلقية والذهنية .والموسيقى Sحتى يرهف حسه وترقى مشاعره ووجدانياته.
وتبعاً لذلك فإن األنشطة الجسمية المختلفة ،التي كان يمارسها Sالفرد ،وما ارتبط بذلك من عادات صحية
تعمل على حفظ الجسم وصيانته ،والتحكم في عضالته لتعلم جميع أنواع اللعب ،فقد أعطانا ابن سينا توجيهاته في
ذلك كله حول المنازعة والمباطشة واإلحضار Sوسرعة المشي والرمي Sمن القوس والقفز إلى شيء ليتعلق به
والحلج على إحدى الرجلين ،واألراجيح وركوب Sالزواريق Sوالخيل( »...ابن سينا1294 ،هـ ،القانون).
ال المباطشة أنواع منها أن
ولكل نوع من الرياضة عنده أشكال وصور مختلفة عند األداء (تمارين رياضية) فمث ً
يشبك كل واحد من الالعبين يده على وسط صاحبه ويلزمه ويتكلف كل واحد منها أن يتخلص من صاحبه وهو
ممسكه ،وأيضًا أن يلتوي بتدبير على صاحبه ويلزمه ويتكلف كل واحد منهما أن يتخلص من صاحبه وهو ممسكه،
وأيضًا أن يلتوى بتدبير على صاحبه يدخل يده اليمين على يمين صاحبه ،ويده اليسار إلى يساره ووجهه إليه ثم يشيله
ويقلبه ،وال سيما وهو ينحني تارة ويبسط أخرى ،ومن ذلك المدافعة بالصدرين ،ومالزمة كل واحد منهما عنق
صاحبه يجذبه إلى أسفل» (ابن سينا1294 ،هـ ،القانون).
لقد احتلت التربية الجسمية مكانة كبيرة في التربية في القرن الرابع الهجري ،لما كانت عليه حياتهم من شظف
العيش ،واإلقامة في بيئة مملوءة بالمخاطر ،والقوي هو الذي يكتب له العيش والعز والسيادة ،لذلك حظيت أسماء
اللعب التي أشار إليها ابن سينا في كتاب القانون بمكانة مرموقة بين األنشطة الرياضية.
وقد Sأوضح ابن سينا مظاهر االهتمام بالجسم من خالل تنفيذ الفرد لهذه األلعاب لما لها من أهمية في حياة
اإلنسان ،إذ أدرك أن هناك صلة وثيقة بين الجسم والعقل ،وعبر عن هذه الصلة بالحكمة القائلة «العقل السليم في
الجسم السليم» ولقد نظر اإلسالم إلى الجسد اإلنساني نظرة كريمة ،وأواله عناية كبيرة مراعياً في ذلك كل
حاجاته ومتطلباته ،فقد وضع الحركة الرياضية حاجة أساسية لإلنسان تتأسس على الجانب الجسمي فيه ،وجعلها
موضع التقدير واالهتمام ،إذ تعد جوهر التربية الجسمية.
وابن سينا يرى ضرورة أن تخلط الرياضات الشديدة والسريعة بفترات من الراحة أو برياضات فاترة ،كما
أنه يرى أنه يجب أن ينتقل الصبي في استعمال الرياضات المختلفة وال يقام على رياضة واحدة ،إذ لكل عضو
رياضة تخصه فهناك رياضة لليدين والرجلين والصدر وأعضاء التنفس .وابن سينا بذلك يتفق مع كثير ما يقول مع
موجهي التربية الرياضية في عصرنا الحديث عن ضرورة اختيار الرياضة المناسبة لكل عمر ،وضرورة أداء
الكثير من التمرينات المختلفة التي تكفل نمو عضالت الجسم وأعضائه في اتساق محدد.
-144-
إن االهتمام باألنشطة الرياضية وإ شراف المربين عليها باعتبارهم يلمون بالمبادئ Sاألولية للتمرينات
الرياضية يؤلف وسيلة من الوسائل التي تساعد على تنمية العضالت وتقوية األجسام حتى تصل إلى حدها
الممكن من النمو ،وهذه التمارين تكسب األطفال قوة في أعصابهم .واعتداالً في قوامهم Sواتساعاً في صدرهم،
ونشاطاً Sفي أعمالهم ،مثالنا على ذلك ما قاله ابن سينا« :إن اللعب بالرمي يمثل مكوناً من مكونات التربية
الجسمية ،وهو يمثل ضرورة من ضرورات الحياة للكائن الحي ،ولدى كل كائن حي ميل فطري Sللعب والحركة
والنشاط».
وابن سينا يرى أن الرياضة ضرورية لكل المراحل التعليمية ،وأن لكل إنسان بحسبه رياضة توافقه
وتخصه ،فالتربية الجسمية احتلت مكانة بارزة في الفكر التربوي العربي اإلسالمي فيه واإلسالم Sبعد انتشاره.
وقد أراد من عرضه ألنواع اللعب ،أن يبين لنا أهمية العناية بالبدن ،وبصحة اإلنسان كي يستطيع أن يقوم
بأعباء الحياة ،وهذا يتطلب منه أن يكون قويًا في جسمه ،سليمًا في بدنه ،وقديمًا قال اليونانيون في حكمهم« :العقل
الصحيح في الجسم الصحيح» وبذلك نرى أن التربية الجسمية ،احتلت مكانة بارزة في الفكر التربوي ،والشيخ
الرئيس أسهم في تأكيد ميزات التربية الجسمية ،وخاصة تلك التي ترتبط بدورها وقيمتها من حيث النظرة إلى الجسم
اإلنساني وإ عداد الفرد القادر على أداء دوره في الحياة وتحمل تبعاتها ،وبالتالي من حيث مدى العناية واالهتمام بها،
وأثرها على تكوين القدرة العقلية على الفرد .وقد أدلى المربون الجوانب التربوية ،االجتماعية ،والعقلية ،واألخالقية
ال ومتوازنًا ومتطورًا من جميعال ومنسجمًا ومتعاد ً
والجسمية العناية واالهتمام من حيث بناء اإلنسان بناء متكام ً
الوجوه خدمة للمجتمع واإلنسانية.
لقد أولت التربية العربية اإلسالمية الجانب الجمالي في بناء الشخصية اهتمامها والجمال الذي نشدته هو
التناسق واالنسجام مما يسر النفس ويمتع الحس .ومن يشعر بالجمال ويحس به يدفعه ذلك إلى فعل الجميل ،فعل
وتذوق Sجزء من خبرة اإلنسان في الحياة ،ذلك أن التوازن
كل ما هو خير ألن الخير في الجمال ،وإ دراك الجمال ّ
والتماثل والتناسب واإليقاع هي عوامل أساسية في الخبرة وهي من العناصر Sالتي يمكن طريقها أن تنظم الخبرة
في أنماط معينة والتربية الجمالية تربي في الطفل حب الجمال وتقديره واإلعجاب به ،وهذا يتطلب الحرص
والعناية بالمواد Sوكل ما يؤدي إلى التربية الجمالية.
إن الفن العربي في القرن الرابع الهجري ،تمثل في النقوش والخشب والمعدن والجلد والثياب والفخار
والزجاج والسجاد والستائر ،وفي صناعة الكتب وعلى الخطوط وما يتعلق بالقرآن الكريم.
-145-
الفصل السادس
التربية العقلية عند ابن سينا
-مقدمة
-146-
التربية العقلية عند ابن سينا
تهدف التربية العقلية إلى تهذيب قوة اإلدراك ،وتنمية الخيال ،وتقوية اإلرادة ،وإ حياء الشعور ،وتربية قوة
الحكم في النفوس وتكوين عادات االنتباه ،واإلخالص في العمل والمثابرة ،وكسب المعرفة وفهمها وهضمهاS
وتمثيلها ،لالستفادة منها في الحياة العملية ،وإلعداد الفرد للحياة ،أي تمرينه على كيفية فهم الحقائق ،ولن يكون
ذلك إال باالعتماد على اإلرشاد Sوالتشويق S،والدقة في الحكمة ،والتعبير Sعن األفكار بوضوح Sوقوة وبالغة
واالنتفاع بالمعلومات في الحياة اليومية.
فالتربية العقلية عملية قصدية تهدف إلى تنشئة اإلنسان المتكامل ،وحيث أن العقل أحد المكونات األساسية
للشخصية اإلنسانية ،فإن التربية العقلية لم تكن إال ميداناً رئيسياً Sمن ميادين التربية .فالعقل هو الذي يمكن المرء
من معرفة بناء العالم الذي يحيط به ،ذلك أن العقل كما يرى ابن سينا هو أصل نظريات المعرفة ،وطبيعي Sأن
يكون لكل نظرية من تلك النظريات تطبيقاتها Sالتربوية .والسؤال الذي يطرح نفسه كيف نظر ابن سينا إلى أصل
تلك المعرفة وماهيتها Sوحدودها Sودرجة اليقين منها.
ولإلجابة عن ذلك نجد أن ابن سينا يرى أن النفس بقواها المختلفة هي وسيلة المعرفة أو اإلدراك.
فالمعرفة الحسية في نظره هي معرفة مكتسبة ،أما المعرفة العقلية فموضوعها المدركات المجردة ووسيلتها Sما
أودعه اهلل في اإلنسان من قوة نظرية قادرة على تحصيل تلك المعرفة العقلية.
أوالً :نظرة ابن سينا إلى المعرفة العقلية
الواقع أن ابن سينا حدد مقومات عمل المعرفة العقلية ،ذلك أن العقل يقوم بتنظيم االستجابة التي تنتقل إلى
داخل الفرد مروراً بالحواس وعن طريقها يقوم بأكثر من ذلك ،فهو الذي يصحح الحواس عندما تقع في الخطأ،
فالعين ترى العصا مكسورة في الماء ،وتحسب السراب ماء ،والعقل هو الذي يدرك حقيقة الظاهرة التي أدت إلى
انكسار الضوء في الماء ،وتلك التي أدت إلى عدم التمييز بين الماء والسراب ،من هذا تتضح أهمية العقل للعملية
التربوية ،ولكن ما هي تلك القوة النظرية (العقل) وكيف Sحدثت؟ وما مراحل تكوين العقل؟ هل العقل فطري Sأم
مكتسب؟
يرى ابن سينا أن العقل فطري أودعه اهلل في اإلنسان ،ولكن العقل اإلنساني Sعند الطفل يبدأ كمجرد استعداد
للمعرفة ثم ينمو هذا العقل اإلنساني بنمو المعرفة ونمو Sالمدركات:
وهناك أربع مراحل للنمو العقلي وتكوين تلك القوة النظرية الفطرية:
-147-
المرحلة األولى :أن ال يكون لتلك القوة النظرية «العقل» شيء من المعلومات كما هو الحال عند الطفل
حيث ال يوجد عنده معلومات مطلقاً ،ولكن فيه مجرد االستعداد لتلك المعلومات وتسمى تلك القوة النظرية في هذه
المرحلة «بالعقل الهيوالني »Sوهي موجودة لدى كل شخص من النوع اإلنساني وهي التي تفرق بين اإلنسان
وغيره من الحيوانات ال بعلم حاضر Sوال بقوة قريبة من العلم بل مجرد االستعداد له» (الغزالي ،1961منطق
تهافت الفالسفة) .ويضرب Sابن سينا مثالً على ذلك قدرة الطفل الصغير على القراءة والكتابة قبل تعلمه القراءة
والكتابة.
المرحلة الثانية :من هذا Sتتضح أهمية العقل للعملية التربوية S،وال أدل على ذلك Sمن أن تربية Sمن ال عقل
له عملية في Sغاية الصعوبة Sإن لم تكن مستحيلة Sمع أن نجاح Sالعملية التربوية Sيتوقف Sإلى حد Sكبير Sعلى Sالعقل،
إالّ أنه يمكن القول :إن تنمية العقل تعتمد Sعلى التربية ،فالمدرSسة Sالتي تعود Sالطالب Sعلى Sالحفظ األصم SتقفS
حجر Sعثرة أمام Sتنمية عقولهم S،بخالف Sالمدرسة التي Sتحث طالبها Sعلى Sاالبتكار Sوالتفكير Sالموضوعي Sالسليم،
فيصير Sما كان بالقوة البعيدة Sبالقوة القريبة ،أي Sأن العقل الهيوالني Sقد Sحصل فيه التصديق Sبالمعقوالت SاألولىS
التي يتوصل Sمنها وبها Sإلى Sالمعقوالت التي Sتعتمد Sعلى Sالمدركات Sالعقلية.
والمعقوالت األولى كما يرى ابن سينا هي المقدمات التي يقع بها التصديق ال باكتساب وال بأن يشعر
المصدق بها أنه كان يجوز Sله أن يخلو عن التصديق بها ،كاعتقادنا بأن الكل أعظم من الجزء وأن األشياء
المساوية لشيء واحد متساوية .والقوة النظرية عندما تدرك تلك المعقوالت األولى تسمى عند ابن سينا عقالً
بالحكمة (ابن سينا ،1952 ،النجاة).
المرحلة الثالثة :إن األوليات كما يرى ابن سينا هي قضايا Sومقدمات تحدث في اإلنسان من جهة قوته
العقلية من غير سبب يوجب التصديق Sبها إال ذواتها ،ومن خصائص العقل أيضاً (االعتقاد بأن األشياء هي كما
هي ،ويقول ابن سينا :إن مبدأ الذاتية وكل ما يتفرع عنه من مبدأ عدم التناقض وما يصدق Sعلى الجنس يصدقS
على النوع ،كلها مبادئ مكتسبة في النفس ال بواسطة المالحظة بل بواسطة اإلشراق أي بواسطة نور إلهي(ابن
سينا ،بدون تاريخ ،رسالة في السعادة).
وSلSمSا SكSاSن SاSلSعSقSل SيSعSتSمSد SعSلSى SهSذSه SاSلSمSعSاSنSي SوSاSلSمSبSاSدSئ SاSألSوSلSيSة SفSي SاSلSقSيSاSس S،SفSإSن SاSلSعSثSوSر SعSلSى SاSلSحSد SاSألSوSسSطS
يSكSوSن SبSوSاSسSطSة SإSشSرSاSق S،SوSال SغSرSاSبة SفSي SذSلSك SألSن SاSألSوSلSيSاSت SمSكSتSسSبSة SبSوSاSسSطSة SهSذSا SاSإلSشSرSاSق S،SأSو SاSإلSلSهSاSم SاSإلSلSهSيS
اSلSذSي SيSسSمSيSه SأSيSضSاً SحSدSسSاًS.S
-148-
لقد اعتمد ابن سينا العقل دليالً له للكشف عن الحقيقة المودعة في النظام الطبيعي Sمحكماً فيما يشحن من
إن العقل عند ابن سينا مدخل للنظر في شؤون الحياة كافة ..الطبيعة
مشكالت الحياة االجتماعية بعبارة أخرى ّ
واالجتماع واألخالق ،فقد اعتبر العقل بأنه الذي يهدي الناس إلى األصول العامة للنظر العلمي ،بحيث تكون
المعقوالت النظرية حاصلة في ذهن اإلنسان ولكنه غافل عنها ،ومع ذلك فإنه متى شاء أحضرها ويسمى Sالعقل
في تلك المرحلة (عقالً بالعقل) ويوضح ابن سينا ذلك بقوله « :وهذا يكون قد حصل فيها (القوة النظرية)
الصورة المعقولة األولية إال أنه ليس يطالعها ويرجع Sإليها بالفعل بل كأنها عنده مخزونة فمتى شاء طالع تلك
الصورة بالفعل فعقلها ،وعقل أنه عقلها ،ويسمى( Sعقالً بالفعل) ألنه عقل ،ويعقل متى شاء بال تكلف وال
اكتساب»( ابن سينا ،1952 ،النجاة).
المرحلة الرابعة :أن تكون المعلومات حاضرة في العقل ،وهو يطالعها ،ويداوم Sالتأمل فيها ،وهذا هو العلم
الموجود بالفعل ،الحاضر Sفي كل وقت ،يقول ابن سينا في حد هذا العقل «وهو أن تكون الصورة المعقولة
حاضرة فيه وهو يطالعها ويعقلها بالعقل ،ويعقل أنه يعقلها بالفعل ،فيكون حينئذ عقالً مستفاداً»( ابن سينا،
،1952النجاة).
إن هذه المراحل األربع التي يذكرها ابن سينا ليست متشابهة في جميع العقول ،لما كان العقل الفعال هو
الذي يمنع الصور للعقول البشرية في هذه العقول الهيوالنية ما فيه استعداد شديد يمكنه من أن يتصل بالعقل
الفعال دون أن يحتاج إلى كبير شيء ،وال إلى تخريج وتعليم ،فكأنه يعرف كل شيء من نفسه ،وهذه الدرجة هي
أعلى درجات العقول الهيوالنية ،ويسميها ابن سينا عقالً قدسياً« ،وهو من جنس العقل بالملكة»( ألبير نصري
نادر ،بدون تاريخ في النفس اإلنسانية عند ابن سينا).
-149-
ثانياً :الغرض من التربية العقلية
أجمع المؤرخون على أن الغرض من التربية العقلية كسب المعرفة وتهذيب العقل والمهارة في استعمال ما
يعرفه اإلنسان« ،وهذه األغراض الثالثة متصلة بعضها ببعض كل االتصال ،وليس الغرض من المعرفة العلم
بحقائق مجردة تعرف للنجاح في االمتحان»( محمد عطية الليراني ،1943 ،روح التربية والتعليم).
وSمSن SاSلSخSطSأ SاSالSعSتقSاSد Sأن SاSلSحSفSظ SهSو SاSلSوSسSيSلSة SتSكSسSب SاSلSعSلSم SوSاSلSمSعSرSفSة S،SفSهSنSاSك SأSشSيSاSء SكSثSيSرSة SتSتSمSكSن SمSنS
اSلSحSصSوSل SعلSيSهSا Sعن SطSرSيSق SاSلSخSبSرSة SوSاSلSتSجSرSبSة SلSتSصSل SإSلSى SاSلSحSقSيSقةS.S
فالتربية العقلية ال تهدف إلى االعتماد على الذاكرة وحدها لخزن المعلومات ،بل تهدف إلى إعداد الفرد
للحياة ،أي تمرينه على كيفية فهم الحقائق عن طريق اإلرشاد Sوالتشويق Sواالعتماد على النفس في التفكير والدقة
في الحكمة.
اعتبر ابن سينا العقل بأنه الدليل للكشف عن الحقيقة المودعة في النفس وهو الذي يهدي الناس إلى
األصول العامة للنظر العلمي ،وما اهتمام ابن سينا بالعقالنية وبالتفكير Sالموضوعي إال دليل على أن العلم الذي
يحتوي على حقائق هامة مرتبة ترتيباً Sمنطقياً «نستطيع أن نستخدمها Sوننتفع بها في أعمالنا وحياتنا اليومية،
وسيلة لسعادتنا Sوسعادة غيرنا ،وال يمكن الوصول Sإلى هذا النوع من العلم إال بالتفكير والنشاط Sالفعلي»( محمد
عطية الليراني ،1943 ،روح التربية والتعليم).
إن مواهب ابن سينا تتلخص في ذلك الذكاء النادر ،والذاكرة القوية ،والعقل الخصب الذي أدى إلى إبراز
أهمية التساؤل من حيث هي َم ْعلَمة من معالم الحياة العقلية بما فيها من مؤثرات وتأثيرات ،وبما اشتملت عليه من
تطورات ونهضات ،وكان ابن سينا يعيش في قمة هذا الطور الشامخ من الثقافات إذ كان العصر كله مصدراً Sفي
نفسه وكتبه.
فالتربية Sاإلسالمية Sتُعلي من شأن العقل ،والقرآن الكريم Sيشير Sفي Sعشرات اآليات إلى Sالعمليات العقلية
مثل التفكير Sوالتدبير Sوالتأمل S،ومع أن لفظة عقل لم ترد Sفي Sالقرآن الكريم Sإال أن األفعال Sالدالة على العقل
وردت Sفي Sعدد من اآليات .وقد Sشبه القرآن الكريم Sمن يعطلون Sعقولهم Sوال SيستخدمونهSا Sفي Sمجاالتها SالصحيحةS
باألنعام S،بل هم أضل Sسبيالً .ويلخص صالح Sالدين المنجد Sموقف Sالقرآن من العقل بقوله« :وعلى هذا نرى Sأن
الفعل عقل قد Sاستعمل Sفي Sالقرآن الكريم Sإما بمعنى Sالفهم Sواإلدراك Sوالعلم S،وإما Sبمعنى Sالتمييز Sبين الخير SوالشرS
وإ مساك Sالنفس عن األمور Sالقبيحة ،وفي Sجميع هذه المواضع Sيلح القرآن الكريم Sإلحاحاً متواصالً Sعلى استعمالS
العقل ،وعلى Sالفهم والتمييز Sبين الخير Sوالشر( »Sصالح الدين المنجد S،بدون تاريخ ،اإلسالم Sوالعقل).
إن اإلنجازات العلمية التي حققها العلماء العرب كانت نتيجة التأمل والنظر Sوالحذق في جميع العلوم
المعرفية والفلسفية ،والحق لقد كانت حياة ابن سينا الفكرية خصبة جداً.
وإ ن جميع مؤلفاته كانت تهدف إلى رسم صورة شاملة للكون في مجموعة.
زد على ذلك فإن ابن سينا يرى أن ليست الغاية من تربية الوظائف Sالعملية إال اكتساب وسائل الصدق
والمعرفة والمهارات Sالعلمية لتنمية القدرات العقلية لدى المتعلم ،ذلك أن اإلفرازات االجتماعية لعصر العقل
كانت أخطر بكثير من إفرازاته العقلية والمعرفية ،هذه اإلفرازات التي تمثلت في نظرية (العقد االجتماعي)
ونظرية (اإلرادة العامة).
-150-
وSاSلSحSق SأSنSه SلSيSس SاSلSغSرSض SمSن SدSرSاSسSة SاSلSمSوSاSد SاSلSنSظSرSيSة SوSاSلSعSلSمSيSة SاSلSتSرSبSيSة SاSلSعSقSلSيSة SفSحSسSب S،SوSلSكSن SاSلSهSدSفS
اSلSمSرSسSوSم SمSعSرSفSة SتSلSك SاSلSمSوSاSد SمSعSرSفSة SجSيSدSة SتSؤSدSي SإSلSى SاSالSسSتSفSاSدSة SمSنSهSا SعSمSلSيSاً SوSعSقSلSيSاً SوSوSجSدSاSنSيSاً SوSلSغSوSيSاً SفSي SجSمSيSعS
اSالSتSجSاSهSاSت SاSلSتSرSبSوSيSةS.S
ثالثاً :مالمح التربية العقلية
ما أراده ابن سينا من التربية العقلية لم يكن تربية الفكر فحسب ،بل إتقان المهارة واالنتفاع باألفكار التي
تحصل عليها ونفهمها .وللوصول إلى تلك المهارة نحتاج إلى الكثير من التمرين والعمل ،والدقة والسرعة،
والفراسة ،وحسن الحكم ،وسرعة الخاطر ،وحضور البديهة(محمود عبد اللطيف ،2007 ،الفكر التربوي عند
الفارابي).
قديماً Sاهتم المربون الغربيون في القرون الوسطى Sفي التربية العقلية ،إذ عنوا بدراسة اللغات بجميع
فروعها لمساعدة التلميذ في تربية العقل وتقوية قواه العقلية ،ليكون قادراً على القيام بما يطالب به من أعمال،
وهذا يتطلب معرفة الجوانب التربوية وفهمها بشكل جيد ألنها تسهم في كسب المعارف ،وتربية قوة الحكم في
النفوس وإ عداد الفرد للحياة وتمرينه على كيفية فهم الحقائق لمعرفة بناء العالم الذي يحيط به.
فSاSلSعSقSل SهSو SوSسSيSلSة SاSإلSدSرSاSك SاSلSنSظSرSي SلSلSفSرSد S،SوSهSو SيSنSتSقSل SمSن SاSألSمSوSر SاSلSحSاSضSرSة SإSلSى SاSألSمSوSر SغSيSر SاSلSحSاSضSرSةS،S
وSهSذSا SاSالSنSتSقSاSل SكSمSا SيSقSوSل SاSبSن SسSيSنSاS« S:Sال SيSخSلSو SمSن SتSرSتSيSب SفSيSمSا SيSتSصSرSف SفSيSه SوSهSيSأSه S،SوSذSلSك SاSلSتSرSتSيSب SوSاSلSهSيSئSة SقSدS
يSقSعSاSن SعلSى SوSجSه SاSلSصSوSاSب S،SوSقSد SيSقSعSاSن Sال SعلSى SوSجSه SصSوSاSب ،SوSكSثSيSرSاً SمSا SيSكSوSن SاSلSوSجSه SاSلSذSي SلSيSس SبSصSوSاSب SشSبSيSهSاًS
بSاSلSصSوSاSب SأSو SمSوSهSمSاً SأSنه SشSبSيSه SبSه S،SفSاSلSمSنSطSق SعلSم SيSتSعSلSم SفSيSه SضSرSوSب SاSالSنSتSقSاSالSت SمSن SأSمSوSر SحSاSصSلSة SفSي SذSهSنS
اSإلSنSسSاSن SإSلSى SأSمSوSر SمSسSتSحSصSلSة SوSأSحSوSاSل SتSلSك SاSألSمSوSر SوSعSدSد SأSصSنSاSف SتSرSتSيSب SاSالSنSتSقSاSالSت SفSيSه SوSهSيSئSتSه SجSاSرSيSاSن SعSلSىS
اSالSسSتSقSاSمSة SوSأSصSنSاSف SمSا SلSيSس SكSذSلSكS( S»SاSبSن SسSيSنSا،1892 ، SاSإلSشSاSرSاSت SوSاSلSتSنSبSيSهSاSتS.S)S
وألهمية المنطق في اكتساب المعرفة العقلية وفهمها وهضمها Sوتمثيلها لالستفادة منها في الحياة العملية،
أفرد ابن سينا بحوثاً مستفيضة في كتبه تناول فيها مدلول الكلمة ،وعالقة اللغة بالمنطق ،وأشكال القياس ،ومواده،
واالستقراء والبرهان ،وهذا ما أراد تحقيقه والوقوف عنده.
فالتربية العقلية تتمثل أوالً في المدركات العقلية ،فالعقل قوة مستقلة في إدراكه عن بدن اإلنسان ،وهو
موجود لدى كل إنسان ،والعقل هو وسيلة اإلدراك العقلي ،ويرى Sابن سينا أن اإلنسان يولد وعنده القدرة على
اإلدراك العقلي ،أو عنده (القوة النظرية) على حد تعبيره ،وأن أول ما يحصل في هذه القوة النظرية من
سماه «ببداية العقول أو اآلراء العالية» وهو يعني بها تلك المعاني المتحققة بغير حاجة إلى القياس
المعقوالت ما ّ
والتعلَم ،والتربية العقلية ميدان رئيسي Sمن ميادين التربية ألنها توصل اإلنسان إلى الحقيقة عن طريق أحكام
القياس ومعرفة المنطق ،وهذا ما يرشده إلى البرهان الفعلي الصحيح.
إن ما جاء به ابن سينا وما دعا إليه ومارسه من أساليب تربوية يدلنا على أساليب وطرائق التعليم الصحيحة،
وتعدد الطرق التربوية والتعليمية بتعدد الفلسفات في هذا الميدان ،وهذا يمثل حجر الزاوية في بناء شرخ الفلسفة
التربوية الصحيحة ،وستظل أفكار الشيخ الرئيس العقالنية والحقانية تتبوأ الصدارة حتى يطل على العالم اإلسالمي
عبقري جديد يفعل ما فعله ابن سينا في عصره.
-151-
إن المعقوالت األولية هي في منتهى األهمية عند ابن سينا ألنها مقدمات للقياس الذي يوصل إلى (المعرفة
العقلية) ولذا وقف ابن سينا عند هذه المعقوالت األولى يبحث عن مصدرها :من أين أتت تلك المعقوالت األولى إلى
العقل؟
هل أدركها من المحسوسات Sثم جردها وحولها Sإلى معقوالت؟ أم أنها فطرية غير مكتسبة حصلت بنبض
علوي عن طريق Sاإللهام؟ أم أنها فطرية ومكتسبة معاً؟ (عبد الرحمن النقيب ،2002 ،الفكر التربوي Sاإلسالمي).
ويرى Sابن سينا أن تلك المعاني الكلية األولية لو كانت مستفادة من استقراء الجزئيات الحسية أو تجريدها
لما وثق بها اإلنسان ثقة مطلقة مطبوعاً على البحث عن أصل كل شيء وعن علته بدون أن يقتصر على االنقياد
والتقليد ،وأنه ال يأخذ بأي شيء حتى يح ّكم عقله به ،وإ ن لم يجزه أهمله ورماه ،وال يجعل الشيء الجائز كالشيء
الذي تثبته األدلة ويخرجه البرهان من باب اإلنكار .ويقول شفيق جبري في هذا الصدد:
«فاألدلة والبراهين عن أعمال العقل ،إنما هي طريقة ديكارت مالكها العقل ومدار طريقته على هذه الكلمة
ال تصدق إال ما كان واضحاً ،صدق ما كان واضحاً( »Sشفيق جبري ،1948 ،الجاحظ معلم العقل واألدب)..
ويقول :ابن سينا – م16
العقليةالرتبوي عند
كما يرى ابن سينا أن المعاني الكلية ال تقبل الشك أو الخطأ شأن غيرها من المدركات الحسية أو الفكر
«الجوهر العقلي تجده عند األطفال خاليًا عن كل صورة عقلية ،ثم نجد فيه المعقوالت البديهية من غير تعلم وال
تروية ،فال يخلو إما أن يكون حصولها فيه بالحس والتجربة وإ ما أن يكون بفيض إلهي متصل» .فالوضوح إنما هو
أصل األمر في اليقين ،فما ينبغي لقوة من القوى الظاهرة أن يكون لها سلطان على حرية تفكيرنا ،وما القوى الظاهرة
إال السلطة واألوهام والمصلحة واألحزاب ،فما أشبه قول ديكارات« :ال تصدق إال ما كان واضحاً».
يقول الجاحظ« :ال أجعل الشيء الجائز كالشيء الذي تثبته األدلة( »...قدري طوقان ،1960 ،مقام العقل
عند العرب).
وكان ديكارات يقول« :بعدم التسليم بشيء إال بعد فحصه بنور Sالعقل وتحقق وجوده ،ويرفض Sكل ما قام
على الظن والتخمين ،وما ِألفَته العادة وأتى من العرف».
كان ابن سينا نظاراً محققاً وكان منهاجه في العلم مطوالً Sواسعاً ،يتناول كل ما يقع عليه الحس ،وتنظره
العين ،وتتشوق إليه النفس ،وليس نظره في كل ما عانى النظر المجرد ،بل نظر الفلسفة والغرائب ،ويبحث
فيكشف عن الحقائق إال داعياً إلى استعمال العقل ،وتجويد Sالفكر ألنه مع عدم الفكرة يكون عدم الحكمة وفي
التفكير «مشحذة لألذهان» ،ومنبهة لذوي الغفلة وتحليل لعقدة البالدة ،وسبب العتياد الروية ،وانفساح في
الصدر ،وعزاء في النفوس ،وحالوة تقتاتها الروح وثمرة تغزو Sالعقل.
فالعقل اإلنساني يتلقى تلك البديهيات من «العقل الفعال» والعقل هو القادر على ترتيب المقدمات معتمداً
على تلك البديهيات ليصل إلى نتائج جديدة يقينية تصبح فيما بعد «بديهيات جديدة» يستخرج منها نتائج.
رابعاً :عالقة التربية العقلية بالتربية العلمية
استخدم Sابن سينا الخبرات التربوية العملية ميداناً لتطور الشخصية واعتماد المنهج العلمي الذي يقوم على
المالحظة والتجريب Sفي كثير من األحيان للوصول Sإلى الحقيقة بتحكيم المنطق واعتماد البراهين واألدلة
الموضوعية .وفي الحضارة اإلسالمية ال يبتعد ابن سينا والفارابي عن أن يكونا فيلسوفين Sتامي الشروط وخاصة
ابن سينا عظيم العظماء الذي أحاط بمعارف Sعصره ومجتمعه وتاريخه.
-152-
فهو ال ينظر إلى األمور الغيبية وطريقه هو التعلم وليس الحدس ،وكان يفرق بين اإلدراك الحسي واإلدراك
العقلي ،فاإلدراك الحسي وسيلة الحواس الباطنة والظاهرة ،وموضوعه المواد أو المحسوسات ،أما اإلدراك العقلي،
فوسيلته العقل مستعينًا بالمنطق ،وموضوعه المعنويات أو المدركات غير الحسية .فالحقيقة هي ضالته للكشف عن
الفوائد المرجوة من إثارة النظرة التربوية والتعليمية ،وكانت إشارته إلى العلوم التطبيقية والبحث في مضامينها
تندرج تحت عناوين عامة ،وكأنه يريد من اإليماء أن اإلنسان يحتاج إلى نتائجها واالستفادة منها.
والحق أن علماء التراث سجلوا سبقاً جوهرياً في قضيتين مهمتين هما المقاربة والموضوعية في البحث
العلمي التجريبي ،وابن سينا لم يقنع من العلم بالمالحظة والتدوين بل بالممارسة والتجريب للوصول إلى الحقيقة.
فهو يعتمد ما أراد وما أريد منه ،وكأنه المغني الحجة يستغني في علوم الدنيا ،دائماً واآلخرة فال يلحق غبار أحد
(محمد كرد علي ،1969آراء البتان).
فالعملية التربوية كما يراها ابن سينا مطبوعة على البحث ،عن أصل كل شيء وعن علته ،دون أن يقتصر
على االنقياد والتقليد ،وفي مواضع كثيرة من مؤلفاته كان يرد الرأي إلى العقل وال يأخذ بأي شيء حتى يحكم
عقله .وكان يذهب في العلم وفي Sالدين وفي التربية وجوانبها Sالمتعددة مذهب العقل ال يحكم غيره ،وظلت آراؤه
في البحث العلمي منهاجاً علمياً للباحثين المربين وكان يدعو إلى التخصص والثقافة العامة ،وأن العقل يستعين
بالمدركات الحسية بعد أن يجردها من عالئق المادة في تكوين بديهيات تصلح أن تكون مقدمات لمعرفة عقلية
جديدة .والمنطق Sهو اآللة التي تعصم العقل من الوقوع Sفي الخطأ.
كما أنه يرى أن اإلدراك الحسي ال يتم إال بتوسط Sآالت جسدية ،أي أن الجسم بأعضائه له دخل في اكتساب
المعرفة الحسية ،أما اإلدراك العقلي فهو مستقل عن الجسم وآالته ،والعقل جوهر مستقل فطري Sفي كل إنسان
ولكنه يقوم بالتعلم.
لقد أدرك ابن سينا العالقة القائمة بين العلوم النظرية والعلوم Sالعملية.
ويرى Sأن التخصص ال يعني انفصال هذه العلوم عن بعضها ،وهي متصلة بعضها ببعض ،متعاونة في
إدراك الحقيقة والوصول إليها ،وبعض تلك العلوم ضروري للبعض اآلخر.
-فالعلوم Sالعملية وهي ثالثة أقسام؟
-1قسم يعرف به اإلنسان كيف ينبغي أن تكون أخالقه وأفعاله حتى تكون حياته األولى واألخرىS
سعيدة.
-2قسم يعرف به اإلنسان كيف ينبغي أن يكون تدبيره لمنزله المشترك بينه وبين زوجه وولده
ومملوكه حتى تكون حاله منتظمة مؤدية إلى التمكن من كسب السعادة.
-3وقسم يعرف به اإلنسان أصناف Sالسياسات والرئاسات واالجتماعات والمدنية الفاضلة ويعرف Sوجه
استيفاء كل واحد منها وعلة زوالها وجهة انتقاله.
-أما العلوم النظرية ،فقد تناولت العلم الطبيعي ،ويشتمل Sعلى أقسام تقوم منه مقام األصل من الدراسة
وأقسام Sأخرى فرعية تتفرع منها وهي:
-العلوم الطبيعية األصلية ،والعلوم الطبيعية الفرعية.
فالعلوم Sالطبيعية األصلية قسمها ابن سينا إلى ثمانية أقسام Sمنها:
-153-
-قسم يعرف منه األمور Sالعامة لجميع الطبيعيات كالمادة ،والصورة ،والحركة والطبيعة ،واإلنسان
ويشتمل Sعليه كتاب (سمع الكيان).
-وقسم Sيعرف منه أحوال األجسام التي هي أركان العالم وهي السموات وما فيهن ويشتمل عليه كتاب
«السماء والعالم».
-وقسم Sيعرف منه حال الكون والفساد والتوليد والنشوء ...الخ ويشتمل عليه كتاب (الكون والفساد).
-وقسم Sيعرف منه حال الكائنات المعدنية ويشتمل Sعليه كتاب المعادن.
-قسم يعرف منه حال الكائنات النباتية والحيوانية ويشتمل عليه كتاب النبات وكتاب الحيوان ويذكر ابن سينا
أن العلوم الطبيعية الفرعية تشمل:
-الطب -والغرض منه معرفة مبادئ البدن اإلنساني وأحواله من الصحة والمرض وأسبابها ودالئلهما
ليدفع المرض ويحفظ الصحة.
-أحكام النجوم :وهو علم تخميني والغرض منه االستدالل من أشكال الكواكب بقياس بعضها إلى بعض،
وبقياس إلى درج البروج ،وبقياس جملة ذلك إلى األرض لمعرفة ما يكون من أحوال العالم والبلدان
والمواليد Sوالتحاويل واالختبارات والمسائل «عبد الرحمن النقيب ،2002 ،الفكر التربوي Sالعربي
اإلسالمي.
-علم الفراسة :والغرض منه االستدالل من الخلق على األخالق.
-علم التعبير :الغرض منه الكشف عن التخيالت الحكيمة على ما شاهدته النفس من علم الغيب.
-علم الكيمياء :والغرض منه سلب الجواهر المعدنية خواصها Sوإ فادتها Sخواص غيرها ،وإ فادة خواص
بعض ليتوصل Sإلى اتخاذ الذهب والفضة من غيرها (ابن سينا ،بدون تاريخ ،أقسام العلوم العقلية).
أما العلم الرياضي ،فيتناول علوم ومباحث أصلية وعلوم ومباحث فرعية ،فالعلوم الرياضية األصلية تضمنت
علم العدد ،علم الهندسة ،علم الهيئة ،علم الموسيقى ،أما العلوم الرياضية الفرعية ،فهي متفرعة من العلوم الرياضية
األصلية ،فيتفرع من علم العدد :علم الجمع والتفريق وعلم الجبر والمقابلة ويتفرع من علم الهندسة :علم المساحة،
وعلم الحيل المتحركة ،وعلم جر األثقال وعلم األوزان والموازين ،وعلم اآلداب الجزئية وعلم المناظر والمرايا ،وعلم
نقل المياه.
-ويتفرع من علم الهيئة :علم الزيجات والتقاويمS.
-ويتفرع من علم الموسيقى :اتخاذ اآلالت العجيبة الغريبة مثل األرغل وما أشبهه (ابن سينا ،بدون
تاريخ ،أقسام العلوم العقلية).
فقد ذكر ابن سينا العلوم والمناهج المتعددة التي تشمل على العلوم النظرية والعملية ،وهي تعتمد أصالً
على المنطق اليوناني وعلى الكتب والمراجع الفلسفية ،وذكر Sأيضاً أمام كل علم مرجعه األصلي أو الكتاب
المعتمد في هذا االتجاه الطويل بأنواع تلك العلوم النظرية والعملية.
-154-
إن الحركة التربوية في القرن الرابع الهجري تناولت جميع االتجاهات المختلفة ،فهو لم يكتب ما كتب إال
بعد الدرس الطويل ،والخبرة الواسعة ،فقد كانت نظرته التربوية واضحة في أغلب مؤلفاته التي لم تكن للعامة
دون الحاجة ،واهتم الخاصة في كل شيء وأجرى تجاربه العلمية لتكون لبنة في فكره التربوي ،وأحاط Sبأكثر ما
كان في أيدي عصره من ثقافات ومعارف تربوية ،وعرف ما كان في زمنه في األرض من أعاجيب قلّما عرفها
إنسان عصره ،وهو لم يحتقر شيئاً يدخل في باب العلم والثقافة ،ولم يستنكف أن يأخذ من صغار الناس كما يأخذ
من كبارهم ،وكشف كل غامض واستقرأ كل باب واستنبط Sالعديد من مجاهل العلم.
تناول ابن سينا الجوانب التربوية ،فجاءت تجاربه وتحرياته وتحقيقاته ومعايناته في إطار نظرته التربوية،
لكن ليس بالمعنى الحديث لمعنى التربية ،فهو من رواد الحقيقة يحاول الوصول إليها عن طريق التجربة وغير
التجربة ،وبمعرفة المادة ومعونة العقل ،وإ نه كان كذلك دقيق Sالمالحظة يبتعد عن الهوى ويتنزه عن الغرض في
كل ما يجرب أو يمحص ،وفي Sتجربته وعيانه وسماعه ونقده وشكه وتعليله كان يطلع علينا في صورة العالم
الذي يعمل عقله في البحث عن الحقيقة .هدفه إعداد الفرد للحياة ،أي تمرينه على كيفية فهم الحقائق.
باالعتماد على اإلرشاد Sوالتشويق S،وتعويده االعتماد على نفسه في التفكير ،والدقة في الحكمة والتعبير Sعن
أفكاره بوضوح وقوة وبالغة واالنتفاع بالمعلومات Sفي حياته اليومية.
إن التراث العربي التربوي Sأصيل في أساسياته ومنطلقاته ،فهو تجريبي واقعي Sفي وسائله وأساليبه وفكره
وأعماله ،وهو دعوة وبيان وتربية ومسؤولية علمية في بناء الذات اإلنسانية لتأصيل التراث التربوي Sواإلفادة من
قواعده في صياغة النفس فكراً وسلوكاً Sوتواصالً.
وعصرنة التراث تعني اختيار ما في التراث من نماذج وأصول اختياراً قائماً على الفهم والتمييز والفرز
والتبويب والتقويم Sالتحليلي األمين البعيد عن األهواء العارضة .ومن ثم ترسيخ أكثر عناصر التراث قدرة على
اإلسهام في تغيير واقعنا باستخدام Sالمنهج في التفكير.
إن غنى التراث العربي اإلسالمي بأعالم التربية ومؤلفاتهم الضخمة وفي طليعتهم Sالشيخ الرئيس (ابن
سينا) جدير أن يبذل لها المربون والباحثون Sجهودهم وقدراتهم Sلتقديم دراسات وتحقيقات تربوية من التراث وهي
إذ تعد نواة في عمل تربوي Sواسع األفق متعدد األبعاد فإنها تدفعهم إلى مزيد من العمل التراثي في مجال التربية،
ومن المفيد أن يطلع المربي على دراسات تربوية من التراث مقارنة بالتربية الحديثة ال للكشف عن أحقية تراثنا
وسبقه إبداعه وحسب وإ نما ليتابع مربونا Sالمعاصرون هذه الدراسات ويربطوا بين ماضي التربية وحاضرها،
مستفيدين من نتاج العقل الحديث ،وتجارب اإلنسان التربوية العامة التي يمكنها ان تتالءم مع قيمنا وأصالتناS.
وبذلك تستطيع Sأن تواجه التحديات التي تتعرض لها إذا تسلح أبناؤها بالعزيمة واإلرادة والتصميم Sوالثقة
بالغد والمستقبل.
-155-
المصادر والمراجع
-156-
-31ابن سينا1294 ،هـ ،كتاب القانون في الطب ج 1ص .159
ابن سينا1294 ،هـ ،كتاب القانون ج 1ص .178
-32ابن سينا1238 ،هـ ،علم األخالق ،الرسالة السادسة من مجموعة الرسائل القاهرة ،نشر مطبعة كروستان العلمية ص - 193
.197
-33ابن سينا ،1950 ،لمن تكون له المدحة من كتاب المجموع أو الحكمة العروضية في كتاب القاهرة ،نشر مكتبة النهضة
الفكر الرتبوي عند ابن سينا – م17
المصرية ص .64 - 51
-34ابن سينا ،1328 ،علم األخالق ،القاهرة ،نشر مبطعة كردستان ص .203 - 202
-35ابن سينا ،1906 ،كتاب السياسة ،نشر لويس معلوف ،مجلة المشرق ص .973 - 972
-36ابن سينا1328 ،هـ علم األخالق ،القاهرة ،نشر مطبعة كردستان ص .200 - 195
-37ابن سينا ،1952 ،رسالة العروش نشر شارل كرنس مجلة الكتاب ص .380
-38ابن سينا ،1294 :كتاب القانون ج 1ص .157
-39ابن سينا :كتاب السياسة فصل سياسة الرجل ولده.
-40ابن سينا :كتاب السياسة.
-41ابن سينا ،1294 :القانون في الطب -نشر دار صادر بيروت ج 1ج 2ص .151
-42ابن سينا 372هـ ،البرهان من الشفاء ،القاهرة ،نشر المطبعة األميرية 375هـ ص 57وما بعدها.
-43ابن سينا :رسالة في السعادة ص .3 - 2
-44ابن سينا1369 :هـ آراء ابن سينا في الحكم نشر مطبعة الزهراء النجف ص .81
-45ابن سينا 1305 :دفع المضار الكلية عن األبدان اإلنسانية بهامش منافع األغذية ودفع مضارها ألبي بكر الرازي -القاهرة،
نشر المطبعة الخيرية هـ -ص .73
-46آل ياسين جعفر ،1984 ،دراسة تحليلية لحياة ابن سينا وفكره الفلسفي ،الناشر دار األندلس للطباعة والنشر 2و.107
-47ابن سينا1294 ،هـ ،القانون في الطب ،الناشر مطبعة بوالق.
-48ابن أبي أصيبعة ،1956 ،عيون األنباء في طبقات األطباء ،الناشر دار الفكر -بيروت ،ص 3و.29
-49البيهقي ظهر الدين ،1946 ،تاريخ حكماء اإلسالم ،الناشر مطبعة الترقي بدمشق ص 101و.103 ،102
-50ابن أبي أصيبعة1299 ،هـ -عيون األنباء الناشر ،المطبعة الوهابية القاهرة ،ص ،2ابن سينا ،بدون تاريخ ،الشفاء.
-51ابن سينا بدون تاريخ ،اإلشارات.
-52الناتلي أبو بعد اهلل ،بدون تاريخ ،تاريخ حكماء اإلسالم.
-53أحمد السيد محمود ،1991 ،في قضايا التربية المعاصرة ،الناشر ،دار الندوة للدراسات والنشر ،ص .16
-54الفحام شاكر ،1981 ،في ذكرى ابن سينا األلفية ،الناشر ،مطبعة الكتاب العربي دمشق ص .10
-55الSعSقSاSد SعSبSاSس SمSحSمSوSد S،1952 SاSلSكSتSاSب SالSذSهSبSي SللSمSهSرSجSاSن SاSألSلفSي SالSبSن SسSيSنSا S،SبSغSدSاSد SصS.22 S
S-56أSولSبSرSي SبSالSمSسSي S،1961 S،SاSلفSكSر SاSلSعSرSبSي SوSمSكSاSنSه Sفي SاSلSتSارSيSخ S،SاSلSنSاشSر S،SعSاSلم SاSلSكSتSب Sص.281 S
-57األندلسي ابن صاعد ،1917 ،الكالم عند العرب ،الناشر ،المطبعة الكاثوليكية ،بيروت ،ص .64 ،41
-58ابن سينا 1369هـ ،آراء ابن سينا في الحكم نشر مطبعة الزهراء النجف ص .81
-59اSبSن SسSيSنSا S،1952 S،SاSلSمSهSرSجاSن SاSألSلSفي SلSذSكSرSى SاSبSن SسSيSنSا S،SبSغSدSاSد SنSشSر SالSجSاSمSعSة SاSلSعSرSبSيSة SصS.260 S
-157-
-60المنظمة العربية للتربية والثقافة العلوم ،1987 ،الفكر التربوي العربي اإلسالمي ،تونس .492
-61الجوزية ابن قيم 1389هـ ،تحفة المردود بأحكام المولود -نشر المطبعة الهندية Sص 144ت .145
-62الخوري أنطون بدون تاريخ أعالم التربية ،دار الكتاب اللبناني -بيروت.
-63الخضيري محمد محمود ،1952سلسلة متصلة من تالميذ ابن سينا في مائتي عام ضمن الكتاب.
-64المهرجان الذهبي األلفي لذكرى ابن سينا بغداد Sص .55 - 54
-65الخونساري محمد يافي بدون تاريخ روضات الجنات ص .140
-66ابن سينا ،1952 ،الكتاب الذهبي للمهرجان األلفي لذكرى ابن سينا بغداد Sالناشر الجامعة العربية ص .10 ،7 ،5
-67ابن سينا ،1952 ،الناشر ،الجامعة العربية.
-68الرازي أبو بكر ،1962 ،الناشر مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الركن والهند ثالثون جزءاً.
-69الزركلي ،خير الدين ،بدون تاريخ ،كتاب اإلعالم ج ،7ص .21
-70السيد محمود أحمد ،1991 ،في قضايا التربية المعاصرة ،نشر دار الندوة والدراسات والنشر دمشق ،ص .42
-71الشطي أحمد شوكت ،بدون تاريخ ،تاريخ الطب وآدابه وأالمه نشر مديرية الكتب والمطبوعات ،جامعة حلب .1982
-72ابن رشد ،بدون تاريخ ،فصل المقال ما بين الحكمة والشريعة من االتصال ضمن كتاب فلسفة ابن رشد القاهرة ،نشر مكتبة
صبيح ص .8 - 2
-73ابن صاعد األندلسي ،1917العلوم عند العرب :من كتاب جورجي زيدان طبقات األمم -نشر المطبعة الكاثوليكية ،بيروت
ص .64 - 41
-74العقاد عباس محمود ،بدون تاريخ ،التفكير فريضة إسالمية ،نشر دار القلم العربي طبعة أولى القاهرة ص .42 - 41
-75ابن أصيبعة ،1956 ،عيون األنباء :ج 2ص 6الوافي بالوفيات ج 2ص .397 - 396
-76الغزالي ،1961 ،تهافت الفالسفة ،المسمى معيار العلم ،نشر سليمان دينا ،القاهرة ،دار المعارف ،ص .288
-77الفارابي ،1985تحقيق جعفر آل ياسين ،ص .12
-78الفكر التربوي العربي اإلسالمي ،1987 ،المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم تحقيق عادل العوا تونس ص .227
S-79اSلSفSكSر SاSلSتSرSبSوSي SاSلSعSرSبSي SاSإلSسSالSمSي S،1987S/SاSألSصSوSل SوSاSلSمSبSاSدSئ SتSوSنSس SصS.422 S
-80الفكر التربوي العربي اإلسالمي /1987/األصول والمبادئ تونس ص .480
-81الفارابي ،1959 ،آراء أهل المدينة Sالفاضلة تحقيق ألبير نصري نادر ،نشر المطبعة الكاثوليكية بيروت ص .46 - 25
-82الفاخوري حنا ،خليل الجر 1958 ،تاريخ الفلسفة العربية ،نشر دار المعارف بيروت ح 1ص .125
-83الفارابي1328 ،هـ ،ما ينبغي أن يقدم قبل تعلم الفلسفة ،القاهرة ،نشر المكتبة السلفية ص .2
-84الفارابي1328 ،هـ ،ما ينبغي أن يقدم قبل تعلم الفلسفة ،القاهرة ،نشر المكتبة السلفية ،ص .14
-85الفنتيل محمد فوزي ،1966التربية عند العرب مظاهرها واتجاهاتها القاهرة ،نشر مكتبة مصر ص .15
-86الناتلي أبو عبد اهلل ،بدون تاريخ ،تاريخ حكماء اإلسالم.
-87النقيب عبد الرحمن ،2002 ،الفكر التربوي اإلسالمي ،نشر دار الفكر العربي ،القاهرة.
-88النحالوي عبد الرحمن :1983 ،أصول التربية اإلسالمية ،نشر دار الفكر دمشق.
-89النقيب عبد الرحمن ،2004 ،الفكر التربوي ،نشر دار الفكر العربي ،القاهرة ،ص .42 - 41 - 40
-158-
-90النشار علي سامي1367 ،هـ ،مناهج البحث عند مفكري اإلسالم ونقد المسلمين للمنطق األرسطاليس ،نشر دار الفكر العربي،
القاهرة ،ص.3
-91الناتلي أبو عبد اهلل بدون تاريخ :تاريخ حكماء اإلسالم - 38 - 37 -والناتلي نسبة إلى ناتل مدينة بطرستان (معجم
البلدان)S.
S-92اSلSهSاSشSمSي SعSبSد SاSلSحSمSيSد S:SبSدSوSن SتSاSرSيSخS« SصSبSغ SعSلSم SاSلSنSفSس SبSاSلSصSبSغSة SاSإلSسSالSمSيSة S»SنSشSر SفSي SإSسSمSاSعSيSل SاSلSقSاSرSوSنSي SاSلSعSلSوSم SاSلSطSبSيSعSيSةS
وSاSالSجSتSمSاSعSيSة SمSن SوSجSهSة SاSلSنSظSر SاSإلSسSالSمSيSة SصS.96 S- 95 S
-93الفحام شاكر ،1981أسبوع العلم العشرون ابن سينا ،نشر مطبعة الكاتب العربي ص ،19الكتاب الذهبي للمهرجان األلفي
لذكرى ابن سينا .41 - 8
-94اللبان إبراهيم عبد المجيد ،1954 ،الفلسفة والمجتمع اإلسالمي ،مكتبة النهضة القاهرة.
-95ابن مسكويه ،1959 :تهذيب األخالق وتطهير األعراق ،القاهرة ،نشر مكتبة صبيح ص .8 - 16
-96البستاني :بطرس ،بدون تاريخ ،كتاب تاريخ العلوم عند العرب 128و.253
-97البابا محمد زهير 1984 ،مؤلفات ابن سينا الطبية ،منشورات جامعة حلب.
-98البستاني بطرس ،بدون تاريخ ،دائرة المعارف ،دار المعرفة ،لبنان ،مجلد .1/535
-99البخاري صحيح 1351هـ ،نشر الطبعة العثمانية المصرية الجزء الرابع ص .37
-100البابا محمد زهير ،1984 ،مؤلفات ابن سينا الطبية ،منشورات جامعة حلب.
-101بامات حيدر ،بدون تاريخ في مجلة اإلسالم ،ترجمة عادل زعيتر ،القاهرة نشر ،دار إحياء الكتب العربية - 119 - 195
.187
-102المنصور وسمية عبد المحسن ،2000 ،توظيف المأثور القولي في تنمية لغة الطفل ،مجلسة عالم الفكر ص .141
-103بكار عبد الكريم ،2001 ،التربية والتعليم ،نشر دار القلم دمشق.
-104بكار عبد الكريم ،2001 ،التربية والتعليم ،نشر دار القلم بدمشق.
-105بدوي عبد الرحمن ،بدون تاريخ ،موسوعة الحضارة العربية اإلسالمية مجلد .1
S-106بSدSوSي SعSبSد SالSرSحSمSن S،SبSدSوSن SتSاSرSيSخ SمSوSسSوSعSة SالSحSضاSرSة SالSعSرSبSيSة SاSإلSسSالSمSيSة SمSجلSدS.1 S
-107بدوي عبد الرحمن ،بدون تاريخ ،موسوعة الحضارة العربية اإلسالمية مجلد S.1
-108بكار عبد الكريم ،2001 ،المسلمون والتحدي ،الناشر ،دار القلم بدمشق ،ص .49
-109بكار عبد الكريم ،2001 ،التربية والتعليم ،الناشر ،دار القلم بدمشق ص .40
-110جواد مصطفى ،1965 ،العقلية والحال االجتماعية في عهد ابن سينا ،الناشر ،مجلة المجمع العلمي العراقي بغداد ،ص .208
-111حاج أحمد محمد أبو القاسم1399 ،هـ ،العالمية اإلسالمية الثانية ،نشر دار المبرة ،أبو ظبي.
-112حسين محمد كامل ،1987الطب عند العرب والمسلمين بدون تاريخ ومساهمات ط ،1نشر الدار السعودية للنشر والتوزيع.
-113حسين محمد كامل ،1987 -الطب عند العرب والمسلمين تاريخ ومساهمات ط ،1نشر الدار السعودية للنشر والتوزيع.
-114حسن محمد عبد الغني ،1952 ،ابن سينا المترجم والمؤرخ ،الناشر مجلة الثقافة دمشق.40 - 38 ،
-115خير اهلل أمين أسعد 1946 :الطب العربي ،نشر المطبعة األميركانية بيروت.
-116خير اهلل أمين أسعد ،1946 ،الطب العربي ،نشر المطبعة األمير كانية ،بيروت.1946 ،
-159-
-119ديوي جون ،فيلسوف أميركي معاصر توفي 1372هـ1952 ،م وله كتب شهيرة وإ ليه تنسب طريقة المشروع ،من أهم
طرق التربية العربية الديمقراطية والتربية -الطبعة الثانية.
-120روزنتال ،1961 ،مناهج العلماء والمسلمين في البحث العلمي ،ترجمة أنيس فريحة ،بيروت ،نشر دار الثقافة ص - 155
.156
-121رضوان أبو الفتوح ،1965 ،القومية العربية نشر لجنة البيان العربي القاهرة ص .213 - 92
-122زادة طاش كبرى 1328هـ ،مفتاح السعادة ومصباح السيادة -حيدر آباد.
-123زكريا فؤاد ،1978 ،التفكير العلمي ،نشر المجلس الوطني للثقافة والعلوم واآلداب ص .160
-124سبنسر هربرت ،1903 ،1982 ،هو من أكبر فالسفة التربية في انكلترا ،وله كثير من اآلراء في التربية ،وقد هذب رأي
روسو في العقوبة الطبيعيةS.
-125سارتون جورج ،1959العلم القديم والمدينة الحديثة ،ترجمة عبد الحميد صبرة ،نشر مكتبة النهضة ،ص .217
-126سارتون جورج ،1959 ،العلم القديم والمدينة الحديثة ،الناشر ،مكتبة النهضة ،ترجمة عبد الحميد صيرة ،ص .217
-127سليمان حسن فتحيه ،بدون تاريخ ،مذاهب في التربية ،المذهب التربوي عند ابن خلدون ،الناشر ،دار الهنا للطباعة والنشر،
القاهرة ،ص.3
-128شلق علي 2003/أبو حيان التوحيدي ،نشر الدار العربية للعلوم ص .40 - 38
-129شيخ األرض تيسير ،1962 :ابن سينا بيروت ،نشر دار الشرق الجديد S،ص .168
-130شلبي أحمد :بدون تاريخ تاريخ التربية اإلسالمية ص .299
-131شمس الدين عبد األمير ،المذهب التربوي عند ابن سينا من خالل فلسفته العملية.
-132شلبي أحمد بدون تاريخ ،تاريخ التربية اإلسالمية ،ص .299
-133شلق علي ،2003 ،أبو حيان التوحيدي ،الناشر ،الدار العربية للعلوم ،ص .35 ،34
-134صليبا جميل ،1937 ،ابن سينا ،الناشر ،مكتبة النشر العربي ،دمشق ،ص .2
S-135طSوSطSح SخلSيSل S،1935 SاSلSتSرSبSيSة SعSنSد SالSعSرSب S،SاSلقSدSس SنSشر SاSلSمSطSبSعSة SالSتSجSاSرSيSة SصS.105 S- 99 S
-136عبد اللطيف محمود ،2007 ،التراث العربي اإلسالمي في مجال الفكر التربوي ،ج ،2الفكر التربوي عند الفارابي ،وزارة
الثقافة ،الهيئة العامة السورية للكتاب.
-137علي محمد كرد ،1934 ،اإلسالم والحضارة العربية ،دار الكتب المصرية ،ص .289 - 21
-138عبد اللطيف محمود ،2007 ،الفكر التربوي عند الفارابي ،نشر وزارة الثقافة ،ج ،2ص.142
-139عيسى أحمد ،1982معجم األطباء ،ط ،2نشر دار الرائد العربي ،بيروت.
S-140عSبSد SاSلSلSطSيSف SمSحSمSوSد S،2001 SاSلSتSعSبSيSر SوSطSرSاSئSق SاSلSتSدSرSيSس S،SنSشSر SدSاSر SاSلSجSمSهSوSرSيSة SصS.78 S
-141عرقسوسي محمد خير ،1982 ،ابن سينا والنفس اإلنسانية ،نشر مؤسسة الرسالة.
-142عبد الكريم عبد اهلل ،بدون تاريخ التربية عبر التاريخ ص .190
-143عبد الرحمن عبد الرحمن ،2002 ،الفكر التربوي اإلسالمي ،نشر دار الفكر العربي.
-144عبد اهلل عبد الرحمن ،1988 ،دار الفكر التربوي اإلسالمي ،نشر مؤسسة الرسالة ،دار النشر ص .166 ،120
-145عبد اللطيف محمود ،2005 :الفكر التربوي عند الفارابي ،مجلة المعرفة ،وزارة الثقافة ص .113
-160-
S-146عSبSد SاSلSلSطSيSف SمSحSمSوSد S:SالSفSكSر SالSتSرSبSوSي SعSنSد SاSلفSاSراSبSي S،SمSجلSة SاSلSمSعSرSفSة S،SوSزSارSة SاSلSثSقاSفSة SصS.104 S
-147عبد الموجود محمد عزت :1979أساسيات المنهج وتنظيماته ط ،1نشر دار الثقافة والطباعة والنشر ،القاهرة.
-148عرقسوسي ،محمد خير ،1982 ،ابن سينا والنفس اإلنسانية ،نشر مؤسسة الرسالة بيروت ط 1ص .49
-149عيون األنباء :ج 2ص 18الوافي بالوفيات ج 12ص .404
-150عطبة محمد األبراشي ،1943 ،روح التربية والتعليم.
S-151عSبSد SاSلSلSطSيSف SمSحSمSوSد S،2007 S،SاSلفSكSر SاSلSتSرSبSوSي SعSنSد SالSفاSرSاSبSي S،SنSشSر SوزSاSرSة SالSثSقSاSفSة S،SصS.131 S
-152علي محمد كرد ،1969 ،البيان ،نشر دار األمانة بيروت.
-153علي محمد كرد ،1969 ،البيان ،نشر دار األمانة ،بيروت.
-154عبد الرحمن عبد الرحمن ،1988 ،الفكر التربوي اإلسالمي ،الناشر ،دار البشر ،القاهرة ص .104
-155عرقسوسي محمد خير ،1982 ،ابن سينا والنفس اإلنسانية ،الناشر ،مؤسسة الرسالة بيروت ،ص .46 ،108
-156عبد Sاللطيف محمود ،2005 ،الفكر التربوي عند Sالجاحظ ،الناشر ،وزارة الثقافة S،ص .63
-157عبد Sاللطيف محمود ،2007 ،الفكر التربوي عند Sالفارابي ،الناشر ،وزارة الثقافة S،ص .18
-158عبد الدايم عبد اهلل ،195 - 190 ،التربية عبر التاريخ.
-159عرقسوسي محمد خير ،1982 ،ابن سينا والنفس اإلنسانية ،الناشر ،مؤسسة الرسالة بيروت ،ص .24 ،23
-160غنيمة محمد عبد الرحيم ،1953 ،تاريخ الجامعات اإلسالمية الكبرى ،نشر دار الطباعة المغربية ص .141 - 133
-161قنواني جورج شحاتة ،1966ابن سينا أسبوع العلم العشرون نشر مطبعة الكتاب العربي دمشق ص .15
-162قنواتي جورج شحادة ،1981ابن سينا «أسبوع العلم العشرون» نشر مطبعة الكتاب العربي دمشق 1981ص .67
-163قاسم محمود ،1969 ،السماء والعالم والكون والفساد واألفعال واالنفعاالت ،ص .131
S-164قSنSوSاSتSي SجSورSج SشحSاSتSه S،1950 S،SمSؤSلSفاSت SاSبSن SسSيSنSا S،SاSلSنSاشSر S،SدSاSر SاSلSمSعSاSرف SبSمSصSر SصS.8 S- 7 S
-165قنواتي جورج شحاته ،1981 ،ابن سينا في أسبوع العلم العشرون ،الناشر ،مطبعة الكتاب العربي ،دمشق ص 67و.68
S-166قSيSمSر SيSوSحSنا S،1985 SفSالSسSفSة SالSعSرSبS( SاSبSن SسSيSنSا S)SاSلSنSاSشر S،SالSمSطSبSعSة SاSلSكSاSثSوSلSيSكSيSة S،SلSبSنSاSن SصS.8 S
-167كانط فيلسوف ألماني يعد من أعظم الفالسفة المحدثين Sولد سنة 1724م وتوفي سنة 1814ويقال إنه كان من أصل
اسكتلندي.
-168كعدان عبد الناصر بدون تاريخ ،العناية بالطفل وتربيته عند ابن سينا ص.2
-169كرويي ،بدون تاريخ ،من أعالم مؤرخي تاريخ العلوم ،ص .86 - 85
-170كرسون أزريسه ،1952 :المشكلة األخالقية والفالسفة ،ترجمة عبد الحليم محمود أبو بكر زكوي ،نشر دار إحياء الكتب
العربية القاهرة ،ص .36
-171كرد علي محمد ،1946 ،تحقيق ،تاريخ حكماء اإلسالم ،الناشر ،مطبعة الترقي ،دمشق ص 102و.103
-172لوبون جوستاف ،1945 ،حضارة العرب .459 ،426
-173لويون جوستاف :حضارة العرب ،ترجمة محمد عادل زعيترة القاهرة ،دار إحياء الكتب العربي ص .559 - 457
S-174لSوSتSزSي SنSسSبSا1828 S،1746 S،Sم S،SوSلSد SبSمSدSيSنSة SزSيSوSرSيSخ SبSسSوSيSسSرSا S،SلSه SآSثاSر SخSالSدSة Sفي SعSلSم SالSتSرSبSيSةS.S
-161-
-175ماجد عبد المنعم :تاريخ الحضارة اإلسالمية في العصور الوسطى ،نشر مكتبة وهبه القاهرة.146 ،
-176مدكور إبراهيم1367 ،هـ ،في الفلسفة اإلسالمية ،منهج وتطبيق نشر دار إحياء الكتب العربية القاهرة ،ص .217 - 214
-177موسى محمد يوسف ،1950 ،مقال «في األخالق» مجلة الكتاب -القاهرة ،عدد نيسان ص .462 - 455
-178محمد محمود الحاج قاسم ،1971 ،تاريخ طب األطفال عند العرب ،نشر دار الحرية للطباعة بغداد.
-179منجد صالح الدين ،بدون تاريخ ،اإلسالم والعقل.
-180مطاوع إبراهيم عصمت ،1979 ،أصول التربية نشر دار المعارف بمصر.
-181نحالوي عبد الرحمن ،بدون تاريخ ،علم النفس كلية الشريعة ص .44
-182نحالوي عبد الرحمن بدون تاريخ ،الفكر التربوي اإلسالمي ،نشر دار الفكر دمشق 200 ،ص .14
-183نادر ألبير نصري بدون تاريخ ،النفس اإلنسانية عند ابن سينا.
-184نظمي محمد عزيز ،1972 ،القيم الجمالية ،نشر دار المعارف بمصر.
-185يوسف الباشا ،1945 ،فلسفة المتكلمين Sالقاهرة ،نشر مطبعة شبر الغنية ص .51
-162-
المراجع باللغة األجنبية
1 – The works of Aristotle translated to English under the aditor ship of sir David Ross. Akfordl18.
- RovesR – Dictiovary of Philosophy New york 1942.
2 – Supplement oux dictionvairesorabes liede /88/.
3 – 1B. N Sina، Eglur، Essa isur L'Hhist – orire de la Critiquse chey lesgresc paris 1886.
4 – Bachenshifo amailoGical Freiburge 1942.
5 – Rishard walzer. Greek into Arabic. OxFord. Bru roco ssiner. 1962. p. 6. f tz.
-163-
الصفحة
مقدمة7 .....................................................................
الباب األول
محددات االتجاه التربوي عند ابن سينا11 ..........
الفصل الثاني :أهمية الفترة التي عاش فيها ابن سينا 75 ........................
77 أثر الفترة التي عاش فيها على آرائه العلمية والتربوية......... . -1
81 آراء ابن سينا التربوية....................................... . -2
84 عالقة الدراسات الفلسفية بالفكر التربوي عند ابن سينا......... . -3
89 محتوى التراث التربوي العربي اإلسالمي عند ابن سينا....... . -4
الصفحة
الفصل الثالث :أثر ابن سينا العلمي والتربوي في القرن العشرين 95 ..............
أثر ابن سينا العلمي والتربوي في الشرق 97 ...................... -1
أثر ابن سينا العلمي والتربوي في الغرب 100 ...................... -2
مكانة ابن سينا العلمية والتربوية والسياسية 103 .................... -3
106 رسالة ابن سينا التربوية ودوره في إعداد اإلنسان لتحمل أعباء الرسالة اإلنسانية -4
الفصل الرابع :المنهج العلمي التربوي عند ابن سينا 111 .........................
112 -1المكونات النظرية لمنهج ابن سينا التربوي .....................
114 -2المنهج الفلسفي التربوي عند ابن سينا......................... .
118 -3أهمية تصنيف العلوم وصلته بالمنهج العلمي التربوي عند ابن سينا.
120 -4أهمية دراسة الفكر التربوي عند ابن سينا ......................
-164-
الفصل الخامس :االزدهار العلمي والحضاري والثقافي في القرن الرابع الهجري 123 ....
125 -1معالم االزدهار الثقافي والحضاري في القرن الرابع الهجري.......
127 -2محددات المجتمع البشري في القرن الرابع الهجري........... .
130 -3المزايا العلمية والثقافية في القرن الرابع الهجري.............. .
133 -4ابن سينا وأعالم التراث في القرن الرابع الهجري ..............
الباب الثاني
الفكر التربوي عند ابن سينا 145 ..................
الفصل األول :خصائص األهداف التربوية عند ابن سينا149 .......................
-1أهداف التربية 151 ................................................
-2التخصص المهني التربوي 155 ....................................
الفصل الثاني :االتجاه الفلسفي في التربية الدينية 159 ...........................
161 أهداف التربية اإلسالمية ...................................... -1
162 أثر الفكر الفلسفي في التربية اإلسالمية ........................ -2
167 عالقة علم التربية بالعلوم األخرى ............................. -3
171 العالقة بين الفلسفة والعلم والدين .............................. -4
الصفحة
الفصل الثالث :مفاهيم تربية الطفل 175 ........................................
-1آراء ابن سينا التربوية في مجال تربية الطفل 177
-2اإلبداع الفكري البن سينا في تربية الطفل 178
-3إكرام الطفل 180
4ـ الدالالت التربوية لتنشئة الطفل عند ابن سينا 182
-165-