You are on page 1of 165

‫سلسلة التراث العربي اإلسالمي‬

‫وزارة الثقافــة‬
‫مديرية إحياء ونشر التراث العربي‬
‫في مجال الفكر التربوي‬
‫إحياء التراث العربي‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪)175‬‬

‫الفـكـر التـربـوي‬
‫عنـد ابـن سـينا‬
‫د‪ .‬محمود عبد اللطيف‬

‫منشوراتـ الهيئة العامة السورية للكتاب‬


‫وزارة الثقافة – دمشق ‪2009‬‬

‫‪-1-‬‬
‫مقدمة‬

‫في الواقع إن مواهب ابن سينا تلخصت في ذكائه النادر‪ ،‬وذاكرته القوية وعقله الخصب‪ ،‬والجلد المنقطع‬
‫النظير على العمل‪ .‬وقد بدت مالمح ذلك كله في العاشرة من عمره‪ ،‬ووصل إلى مرتبة النبوغ والتخصص قبل سن‬
‫العشرين فأضحى حجة في الطب والفلك والرياضة‪ ،‬إومامًا في الفلسفة‪ .‬عالج موضوع النفس في مؤلفاته بقدر ما عالج‬
‫فيها موضوع الجسم‪ .‬وخصص للنفس أهم الفصول في مؤلفاته بقدر ما عالج فيها موضوع الجسم‪ .‬وخصص للنفس‬
‫أهم الفصول في مؤلفاته الفلسفية‪ ،‬كما إونه خصص لها رسائل كاملة وقصصًا رمزية‪ :‬إن الفصل الذي عقده للنفس‬
‫في (الشفاء) وفي مختصر «النجاة» وفي «اإلشارات والتنبيهات» والرسائل العديدة التي بحث فيها موضوع النفس‬
‫وهي تقدر بحوالي ثالثين رسالة‪ .‬رسالة السياسة التي أودع فيها ابن سينا آراءه التربوية‪ .‬وتتكون رسالته من خمسة‬
‫فصول هي‪ :‬سياسة الرجل نفسه‪ ،‬سياسة الرجل دخله وخرجه‪ ،‬سياسة الرجل أهله‪ ،‬سياسة الرجل ولده‪ ،‬وسياسة الرجل‬
‫خدمه‪ ،‬وقد ضمن آراءه التربوية في الفصل الرابع وهو سياسة الرجل ولده‪ ،‬تناول فيه تربية الولد من مولده حتى‬
‫خروجه إلى ميدان العمل والكسب‪ ،‬فأشار إلى أهم ما يأخذ به الناشئ من أنواع التربية الجسمية والخلقية والعقلية‪ .‬وهو‬
‫يرى أن الغاية من التربية هي العمل‪ ،‬واستثمار المعارف في الكسب واالرتزاق‪ ،‬ليتذوق الناشئ حالوة الكسب‬
‫بالبضاعة‪ ،‬ويعتاد طلب المعيشة بالجد‪.‬‬
‫ويمكننا أن نعتبر هذا الكتاب (الجزء الثالث من سلسلة التراث العربي اإلسالمي في مجال الفكر التربوي عند ابن‬
‫سينا) إنه يتضمن أهم محددات الفكر التربوي عند الشيخ الرئيس في مؤلفاته الفلسفية‪ ،‬والرسائل والقصص الكاملة‪،‬‬
‫التي بحث فيها مكونات الفكر التربوي النفسي إوبراز المضامين التي ينطوي عليها هذا الفكر من إبداع فكري أسهم في‬
‫تكوين العقل العربي الخالق الذي يمكن استثماره لالرتقاء بتربية الفرد‪.‬‬
‫لقد أضحى ابن سينا حجة في الطب والفلك والرياضيات‪ ،‬وإ ماماً في الفلسفة‪ ،‬ورغب الملوك واألمراء في‬
‫أن ينضم إلى حضرتهم‪ S‬وينخرط‪ S‬في سلك بالطهم‪ ،‬وتوج ذلك كله بإنتاج متنوع غزير َّ‬
‫قل أن يتوفر لرجل مثله‬
‫القى ما القى من عنت واضطراب‪ ،‬فخلف لنا ما يزيد على مائتي مؤلف بين طويل ومتوسط ومختصر‪.‬‬
‫واتسم الشيخ الرئيس بنزعة إنسانية أجازت لنا نعته باالنتماء إلى ضرب من عمل تنوير تربوي أصيل‬
‫يوضح تعمق مزاياه إمكانات مشاركته العربية اإلسالمية في خصائص الحضارة اإلنسانية النابعة عبر العصور وفي‬
‫مختلف الثقافات القومية والمحلية‪ ،‬فهو يتمتع بعبقرية فذة وذكاء خارق‪ ،‬وقد استقى نظريته التربوية واالجتماعية‬
‫والسياسية مما كان يتمثل أمام ناظريه من مشاهد فساد الخالفة العباسية‪.‬‬
‫وقدم ابن سينا للتربية العربية اإلسالمية آراء جديدة تمثلت بتربية الطفل في دور الرضاعة‪ ،‬والتربية الخلقية‬
‫بعد الرضاع‪ ،‬والتربية العقلية‪ .‬وأكد ضرورة األخذ بمبادئ هذه التربية متى اشتدت مفاصل الصبى واستوى لسانه‬
‫ووعى سمعه‪ ،‬وتهيأ للتلقين‪ ،‬كل مافيه من مكارم األخالق‪.‬‬
‫والبن سينا إسهامات واسعة في شتى حقول التربية الدينية واألخالقية‪ ،‬واالجتماعية والعقلية والجسمية‬
‫والجمالية‪ ،‬وله آراء فلسفية وتربوية هامة يجب عدم إغفالها لما لها من أهمية في حياة الفرد واإلنسانية‪.‬‬
‫إن الدراسات التربوية الحديثة تناولت سمات التربية العربية اإلسالمية وأبعادها‪ S‬إال أن عملية الربط بين‬
‫ماضي هذه التربية وحاضرها كانت ضعيفة‪ ،‬إذ لم تحاول أن تفيد من نتائج البحوث في ترشيد الواقع التربوي‪S‬‬
‫الحالي ودفعه إلى األمام‪.‬‬

‫‪-2-‬‬
‫فالتراث العربي التربوي أصيل في أساسياته ومنطلقاته فهو تجريبي واقعي في وسائله وأساليبه‪ ،‬وفي فكره‬
‫وأعماله‪ ،‬فهو بيان وتربية‪ ،‬وهو مسؤولية علمية وعملية في بناء الذات اإلنسانية لتأصيل التراث التربوي واإلفادة‬
‫ال‪.‬‬
‫من قواعده في صياغة النفس فكرًا وسلوكًا وتواص ً‬
‫وال يفوتني أن أوجه شكري وتقديري إلى العالمة الكبير األستاذ الدكتور محمود أحمد السيد لرعايته‬
‫وتوجيهاته المفيدة في إعداد سلسلة التراث العربي اإلسالمي في مجال الفكر التربوي عند الجاحظ‪ ،‬والفارابي‪ ،‬وابن‬
‫سينا‪ ،‬فله كل الشكر والتقدير راجيًا اهلل أن يمده بالصحة والعافية‪.‬‬
‫القيم معاون وزير الثقافة‪ ،‬الهتمامه وتشجيعه على نشر وإ حياء التراث‬
‫أوجه الشكر والتقدير للدكتور علي ّ‬
‫كما ّ‬
‫العربي اإلسالمي لتحقيق عملية التواصل الفعال بين الماضي والحاضر في جميع الميادين‪.‬‬
‫إن غنى التراث العربي اإلسالمي بأعالم التربية ومؤلفاتهم الضخمة وفي طليعتهم الشيخ الرئيس (ابن سينا)‬
‫مكننا أن نتعرض في دراستنا هذه إلى مسيرته الثقافية والتربوية واإلحاطة بجميع ما وضعه في مجال الفكر التربوي‬
‫العربي اإلسالمي على تنوع أغراضه ومواضعه‪.‬‬
‫أ‪S‬س‪S‬أ‪S‬ل‪ S‬ا‪S‬هلل‪ S‬ح‪S‬س‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ق‪S‬ص‪S‬د‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬و‪S‬ف‪S‬ي‪S‬ق‪ S‬و‪S‬ه‪S‬و‪ S‬خ‪S‬ي‪S‬ر‪ S‬و‪S‬أ‪S‬ب‪S‬ق‪S‬ى‪ S‬و‪S‬أ‪S‬ن‪ S‬ي‪S‬ك‪S‬و‪S‬ن‪ S‬ه‪S‬ذ‪S‬ا‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬س‪S‬ف‪S‬ر‪ S‬ب‪S‬ع‪S‬د‪ S‬ج‪S‬ه‪S‬د‪ S‬ط‪S‬و‪S‬ي‪S‬ل‪ S‬ث‪S‬م‪S‬ر‪S‬ة‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬ث‪S‬م‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ت‪S‬‬
‫ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S‬و‪S‬إ س‪S‬ه‪S‬ا‪S‬م‪S‬اً‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ث‪ S‬ب‪S‬ش‪S‬خ‪S‬ص‪ S‬أ‪S‬ح‪S‬د‪ S‬ك‪S‬ب‪S‬ا‪S‬ر‪ S‬أ‪S‬ع‪S‬ال‪S‬م‪S‬ه‪S.‬‬

‫المؤلف‬
‫د‪ .‬محمود عبد اللطيف‬

‫‪-3-‬‬
‫الباب األول‬
‫محددات االتجاه التربوي عند ابن سينا‬

‫الفصل األول‪ :‬مسيرة ابن سينا الثقافية والتربوية‬

‫الفصل الثاني‪ :‬أهمية الفترة التي عاش فيها ابن سينا‬

‫الفصل الثالث‪ :‬أثر ابن سينا العلمي والتربوي في القرن العشرين‬

‫الفصل الرابع‪ :‬المنهج العلمي التربوي عند ابن سينا‬

‫الفصل الخامس‪ :‬االزدهار العلمي والحضاري والثقافي في القرن الرابع الهجري‬

‫‪-4-‬‬
‫الفصل األول‬
‫مسيرة ابن سينا الثقافية والتربوية‬

‫‪ -1‬حياة ابن سينا‬


‫‪ -2‬ذكاؤه وفطنته‬
‫‪ -3‬طفولته‬
‫‪ -4‬بيئته التربوية‬
‫‪ -5‬ثقافته‬
‫‪ -6‬أساتذته‬
‫‪ -7‬تالمذته‬
‫‪ -8‬آثار ابن سينا العلمية والتربوية‬
‫‪ -9‬مؤلفاته‬

‫‪-5-‬‬
‫مسيرة ابن سينا الثقافية والتربوية‬
‫مقدمة‬
‫كان ابن سينا مفكراً عالمياً ارتفع عن حدود الزمان والمكان‪ ،‬وامتاز بذاكرته القوية وجلده المنقطع النظير‬
‫على العمل‪ ،‬وقد بدت مالمح ذلك كله في سن مبكرة أكمل ثقافته اللغوية والدينية والعقلية‪ .‬ولم يجاوز العاشرة من‬
‫عمره‪ ،‬ووصل‪ S‬إلى مرحلة النبوغ وهو في سن العشرين‪ ،‬فهو أول فيلسوف‪ S‬عربي ترك لنا من لفظه شيئاً عن‬
‫سيرته ووصف حاله‪ ،‬كان شديد االرتباط بموطنه األصلي‪ ،‬بذل جهداً كبيراً لتلقي العلم والمعرفة بين مختلف‬
‫االتجاهات‪ ،‬فهو من األوائل الذين وصفوا‪ S‬حياتهم في جميع مراحلها‪ ،‬فقال عنه ابن أبي أصيبعه‪ :‬كان أشهر من‬
‫أن يذكر‪ ،‬وفضائله أظهر من أن تسطر لم يتفرغ للعلم والتعليم‪ ،‬بل انخرط في الحياة السياسية وتقرب إلى‬
‫سالطين زمانه‪ ،‬قضى‪ S‬فترة طويلة في صحبة الملوك واألمراء ومجالستهم‪ ،‬وامتاز بغزارة نتاجه وابتكاره‬
‫وقدرته الخارقة التي التحد في سرعة التأليف مع التجويد واإلتقان والخصائص المتميزة على بناء اإلنسان‬
‫الممتاز‪.‬‬
‫فهو ينظر إلى اإلنسان بجميع جوانبه ومراحل حياته لتحقيق التوازن بين جميع طاقات اإلنسان الستغاللها‪S‬‬
‫بشكل حسن في مجال التربية اإلسالمية التي تستوعب سلوك اإلنسان في جميع قضايا حياته‪.‬‬
‫إن مسيرة ابن سينا الثقافية والتربوية إنسانية واسعة األفق التخشى األخذ عن الغير مادامت تؤمن بنفسها‪ ،‬كما‬
‫التخشى أن يؤخذ عنها فتستفيد وتفيد‪ ،‬تظهر فيها أصالته وآراؤه الثقافية والتربوية والفلسفية في جميع المجاالت‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬حياة ابن سينا‬
‫ابن سينا هو أبو علي الحسين ابن عبد اهلل الملقب بالشيخ الرئيس ولد سنة ‪370‬هـ ‪ 980 -‬ميالدية في قرية‬
‫أفشنه قرب بخارى في تركستان أو ما يعرف حاليًا بجمهورية أزبكستان وفي بيت له اشتغال بخدمة الدولة‪ ،‬رحل‬
‫مع والده وهو صغير السن إلى مدينة بخارى حيث كانت تُعتبر كعبة العلماء وفيها تلقى ابن سينا علومه ومعارفه‬
‫الكريم فحفظه ولم يتجاوز عمره عشر سنوات‪ ،‬وتابع دراسته في مجاالت قواعد التربية اإلسالمية من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالقرآن‬ ‫وألم‬
‫َّ‬
‫القرآن إلى التفسير واألدب واللغة والفقه والحساب والهندسة وجميع العلوم الرياضية‪ ،‬والمنطق والطب والكالم‬
‫والفلسفة‪ .‬وهي كما نالحظ علوم متنوعة بعضها يرتبط بعالم السماء‪ ،‬وبعضها يربط بعالم األرض‪ ،‬ولقد شهد منذ‬
‫صغره تضارب اآلراء وتنازع العقائد «ألنه نشأ في بيئة تميل إلى الحرية والتسامح»‪.‬‬
‫كان ابن سينا في السابعة عشرة من عمره حينما أسعده الحظ بشفاء األمير نوح ابن منصور‪ S‬الساماني الذي‬
‫كان يعاني من مرض عضال‪ ،‬وحينما‪ S‬أذن له هذا األمير بالدخول إلى دار كتبه أقبل ابن سينا على قراءة ما‬
‫يلم بكثير من العلوم وهو في ريعان‬
‫تحتويه من كتب نادرة ولقد تمكن باطالعه على مكتبة نوح بن منصور‪ S‬أن ّ‬
‫صباه‪ ،‬مما أدى إلى كثرة تأليفه‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه كان يكتب يومياً خمسين ورقة كمعدل وسطي‪ ،‬دون الرجوع إلى أي‬
‫مصدر‪« ،‬وحينما احترقت مكتبة نوح ابن منصور قيل‪ :‬إن ابن سينا هو الذي أحرقها كي ال يطلع أحد غيره على‬
‫ما تشتمل عليه من نفائس الكتب» ( فخري‪ S‬رشيد خضر‪ ،‬بدون تاريخ تطور‪ S‬الفكر التربوي)‪.‬‬

‫‪-6-‬‬
‫روي‪ S‬أنه كان كثير التنقل في حياته بين مدن جرجان وهمذان وأصفهان‪ ،‬واستقر في همذان فترة من‬
‫الوقت حيث عمل وزيراً‪ S‬لشمس الدولة أبي طاهر الديلمي غير أن جنود شمس الدولة ثاروا‪ S‬على ابن سينا ونهبوا‬
‫داره وقبضوا‪ S‬عليه فنفاه شمس الدولة إرضاء لهم ولكنه ما لبث أن أعاده إليه‪ .‬وبعد عودته أصيب بمرض معوي‬
‫مؤلم‪ ،‬وجرت محاوالت كثيرة من قبل األطباء لمعالجته ولم يكتب لهم النجاح في شفائه فحقن نفسه في يوم واحد‬
‫تقرحت أمعاؤه‪ ،‬وعندما أحس بدنو األجل استسلم للقضاء ووزع ماله على الفقراء وأهمل‬ ‫ثماني مرات حتى َّ‬
‫مداواة نفسه وفارق الحياة عن عمر يناهز السابعة والخمسين فدفن في همذان تحت السور من جانب القبلة‪ ،‬وقال‬
‫المؤرخون‪ :‬إن قبر الشيخ الرئيس معروف هناك لدى عامة الناس‪ .‬وفي‪ S‬حديث البن سينا وهو يترجم‪ S‬سيرته‬
‫( ‪)2‬‬
‫الذاتية التي رواها تلميذه أبو عبيدة الجوزجاني‪ )1(S‬حديث نشأته‪ S‬فيقول‪« :‬إن أبي‪ S‬كان رجالً من أهل (بلخ)‬
‫وانتقل إلى‪( S‬بخارى)(‪ )3‬في‪ S‬أيام‪( S‬نوح بن منصور)‪ )4(S‬واشتغل‪ S‬بالتصر‪S‬ف‪ S‬وتولى‪ S‬العمل في أثناء أيامه بقرية يقال‬
‫لها‪( :‬خرميشن)(‪ )5‬من ضياع بخارى وهي من أمهات القرى‪ ،‬وبقربها قرية يقال لها‪ :‬أفشنة(‪ )6‬وتزوج أبي منها‬
‫بوالدتي‪ ،‬وقطن بها وسكنها‪ S‬وولدت له بها‪ ،‬وولد‪ S‬أخي ثم انتقلنا إلى بخارى(‪ ،)7‬وأحضرت‪ S‬معلم القرآن‪ ،‬ومعلم‬
‫األدب‪ ،‬وأكملت العشر من العمر‪ ،‬وقد أتعبت على القرآن‪ ،‬وعلى كثير من األدب‪ ،‬حتى كان يقضي مني‬
‫العجب‪.)8(»...‬‬
‫وفي‪ S‬الكلمة التي ألقاها الدكتور‪ S‬شاكر الفحام في رحاب جامعة دمشق احتفاء بذكرى مولد ابن سينا األلفية‬
‫يقص بكلماته السهلة العذبة ال تزويق فيها وال‬
‫‪1980‬م يقول‪« :‬وعلى هذا النمط من البيان مضى الشيخ الرئيس ّ‬
‫بعد الكتب التي‬
‫وصدر‪ S‬شبابه‪ ،‬ليذكر من ُ‬‫ّ‬ ‫تهويل‪ ،‬مسيرة حياته‪ ،‬والعلوم التي ثقفها‪ ،‬وأحكم دراستها‪ S‬في صباه‬
‫ألّفها‪ ،‬والمدن التي تنقل فيها»( شاكر الفحام‪ ،1980 ،‬في ذكرى ابن سينا األلفية)‪.‬‬
‫لقد كان الشيخ الرئيس مؤلفاً كثير اإلنتاج‪ ،‬وقد شملت كتاباته موضوعات‪ S‬الفلسفة والتربية والتصوف‬
‫والفلك والموسيقى والطب والكيمياء واللغة والشعر‪.‬‬
‫ومن أشهر كتبه التي خلفها لنا كتاب «الشفاء» في الطبيعة واإللهيات وغيرها‪ ،‬وكتاب (القانون) في الطب‬
‫وكتاب (السياسة) في التربية‪.‬‬

‫(‪ )1‬جوزج‪SS S‬ان‪ :‬اسم ك‪SS S‬ورة واس‪SS S‬عة من ك‪SS S‬وربلخ بخراس ‪SS‬ان‪ ،‬وهي بين م‪SS S‬رو ال‪SS S‬روز وبلخ (معجم البل‪SS S‬دان) وتقع الي‪SS S‬وم في ش‪SS S‬مالي‬ ‫‪1‬‬

‫جمهورية أفغانستان‪.‬‬
‫(‪ )2‬بلخ‪ :‬مدينة‪ S‬مش‪S‬هورة من أج‪ّ S‬ل م‪S‬دن خراس‪S‬ان‪ ،‬وأذكره‪S‬ا‪ ،‬وأكثرها خ‪S‬يراً‪ ،‬وأوس‪S‬عها غلة (معجم البل‪S‬دان) وهي الي‪S‬وم في ش‪S‬مالي‬ ‫‪2‬‬

‫جمهورية أفغانستان‪.‬‬
‫(‪ )3‬بخ ‪SS S‬ارى‪ :‬من أعظم م ‪SS S‬دن ما وراء النهر وأجلّه ‪SS S‬ا‪ ،‬وك ‪SS S‬انت قاع ‪SS S‬دة ملك الس ‪SS S‬امانية (معجم البل ‪SS S‬دان) وهي الي ‪SS S‬وم في جمهورية‬ ‫‪3‬‬

‫أوزبكستان‪.‬‬
‫(‪ )4‬أبو القاسم نوح بن منصور من أمراء السامانية‪ ،‬تولى اإلمارة على خراسان وما وراء النهر اثنتين‪ S‬وعشرين سنة‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫(‪ِ )5‬خ ْرميشن ـ بفتح أوله وتسكين ثانيه وهي من قرى بخارى (معجم البلدان)‪S.‬‬ ‫‪5‬‬

‫(‪ )6‬أ ْفشنة‪ :‬بفتح الهمزة وسكون الفاء والشين معجمة مفتوحة‪ ،‬وهي من قرى بخارى (معجم البلدان)‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫(‪ )7‬بخ ‪SS‬ارى‪ :‬نسب ي ‪SS‬اقوت الحم ‪SS‬دي ابن س ‪SS‬ينا إلى بخ ‪SS‬ارى‪ ،‬وع ‪SS‬ده من أك ‪SS‬ابر من أنجبته من علمائها (معجم البل ‪SS‬دان بخ ‪SS‬ارى)‪ ،‬وقد‬ ‫‪7‬‬

‫سلك مسلكه عدة مؤلفين ترجموا البن سينا ويقول الذهبي يترجم ابن سينا «أصله بلخي‪ ،‬ومولده ببخارى» [العبرة‪.]665 :‬‬
‫(‪ )8‬ت‪S‬اريخ الحكم‪S‬اء للقفطي‪ 413 :‬عي‪S‬ون األنب‪S‬اء البن أبي أص‪S‬يبعة‪ ،‬وت‪S‬اريخ حكم‪S‬اء اإلس‪S‬الم لل‪S‬بيهقي‪ ،‬وال‪S‬وافي بالوفي‪S‬ات للص‪S‬فدي‬ ‫‪8‬‬

‫ط ‪.391 :1979/12‬‬

‫‪-7-‬‬
‫ومن هنا نستطيع‪ S‬القول‪ :‬إن ابن سينا كان متوقد الذكاء‪ ،‬امتاز بمواهبه الفذة‪ ،‬وعبقريته األهابة في تعلم‬
‫القرآن واألدب وهو ابن عشر سنين وتعلم حساب الهند‪ ،‬واشتغل بالفقه وتردد على إسماعيل الزاهد‪ ،‬حتى ألف‬
‫طرق المطالبة ووجوه االعتراض على المجيب على الوجه الذي جرت عادة القوم به»‪ .‬ثم ابتدأ كتاب إيساغوجي‪S‬‬
‫على الناتلي (أبو عبد اهلل الناتلي‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬حكماء اإلسالم)(‪ ،)1‬وأحكم المنطق‪ ،‬وكتاب أقليدس(أبو عبد اهلل‬
‫واستمر على‬
‫ّ‬ ‫الناتلي‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬حكماء اإلسالم)‪ ،‬وانتقل إلى المجسطي‪ ،‬قرأها جميعاً على نفسه‪ ،‬وفهمها‪S،‬‬
‫علي‪ ،‬ثم رغبت في علم الطب‪ ،‬وصرت‪ S‬أقرأ‬ ‫طريقته يعلّم نفسه ويثقفها‪ ،‬يقول‪( :‬وصارت أبواب العلوم تتفتح َّ‬
‫الكتب المصنفة فيه‪ ،‬وعلم الطب ليس من األمور الصعبة‪ ،‬فال جرم أنني ّبرزت فيه في أق ّل مدة‪ ...‬وتعهدت‬
‫علي من أبواب المعالجات من التجربة ما ال يوصف‪(»S‬الناتلي أبو عبد اهلل‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬حكماء‬ ‫المرضى‪ ،‬فانفتح ّ‬
‫اإلسالم)‪ ،‬إن طريقة ابن سينا في التعلم الذاتي تعتمد على الجهود الذاتية لتعزيز ذاتيته الفكرية والمعرفية‪،‬‬
‫والحقيقة أن ما نسميه‪ ،‬ونقرؤه ال يصبح ملكاً لنا إال من خالل التفكير فيه؛ فبالتفكير‪ S‬وحده يمكن أن نصفي مما‬
‫يعدلها‪ ،‬أو يضيف إليها‪ ،‬وبذلك كان ابن سينا يتبع أسلوب الحوار والمناظرة‪،‬‬ ‫قرأنا ما يدعم رؤيتنا‪ S‬المعرفية‪ ،‬أو ّ‬
‫فهو يرى أن األفكار‪ S‬في لحظة إنتاجها أو استقبالها‪ ،‬يكون لها وهج ورهبه‪ ،‬ولها وقع في النفس‪ ،‬وتوضح موضع‬
‫التمحيص على محكات الجدل‪ ،‬وذاك هو طريق‪ S‬نضجها واكتمالها‪.‬‬
‫وهكذا كان الشيخ الرئيس يدرس بجد‪ ،‬ال ينام ليلة بطولها‪ ،‬وال يشتغل في النهار بغير العلم‪( ،‬ويصلي إذا ما‬
‫أغلق عليه عسير‪ ،‬ومن أعسر ما لقي في درسه فهم الهبات ألرسطو‪ S‬فقد حفظها ولم يفهمها‪ ،‬وصدف‪ S‬أن قرأ‬
‫الفكر الرتبوي عند ابن سينا – م‪2‬‬
‫كتاب الفارابي في أغراض ذلك الكتاب‪ ،‬ففهمه وتصدق‪ S‬على الفقراء شكراً هلل»(يوحنا قمير‪ - ،1982،‬فالسفة‬
‫العرب ‪ -‬ابن سينا)‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬ذكاؤه وفطنته‬


‫وهذا ما أدى إلى لفت األنظار‪ S‬إليه منذ عهد مبكر‪ ،‬حتى إن الناتلي نفسه نصح والده أال يشغله بغير العلم‪،‬‬
‫وهذا ما اتبعه‪ ،‬فلم يعرف طعم الراحة‪ ،‬حتى أحكم علم المنطق والعلم الطبيعي والعلم الرياضي‪ S،‬وإ نه ليقول قول‬
‫الواثق مما يذهب إليه‪« :‬وكل ما علمته في ذلك الوقت فهو كما علمته اآلن لم أزد فيه إلى اليوم» (ابن أبي‬
‫أصيبعة‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬عيون األنباء) ورحل ابن سينا عن بخارى بعد موت والده‪ ،‬وهو في الثامنة عشرة من‬
‫عمره‪ ،‬وأخذ يبحث عن أمير يقدره‪ ،‬فلم يوفق‪ ،‬وانتهى‪ S‬به المطاف إلى شمس الدولة‪ ،‬أمير همذان‪ ،‬فيشفيه من‬
‫مرض‪ ،‬ويصبح وزيره‪ ،‬وكان في ظله يقوم بأعباء الوزارة نهاراً‪ ،‬ويقبل على العلم والشراب ليالً»( يوحنا قمير‪،‬‬
‫‪ ،1985‬فالسفة العرب ‪ -‬ابن سينا)‪ .‬ثم انتقل ابن سينا بعد موت شمس الدولة إلى عالء الدولة أمير أصفهان‪،‬‬
‫وهناك تابع التأليف والقراءة واهتم بالعلوم‪ S‬اللغوية والمعرفية بشكل خاص إلى أن مات في أصفهان‪.‬‬

‫(‪ )9‬هو أبو عبد اهلل الناتلي (تاريخ حكماء اإلسالم) والناتلي‪ :‬نسبة إلى ناتله‪ ،‬ويقال‪ :‬ناتل‪ ،‬مدينة بطبرستان (معجم البلدان)‪S.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-8-‬‬
‫ويروى في مسألة نشأته وما يتصل بأسرته ثقافياً وعلمياً وتربوياً‪ S‬ومكانته بين رجال العلم والفكر «إنه أول‬
‫فيلسوف‪ S‬عربي ترك لنا من لفظه شيئاً عن سيرته ووصف حاله» (جميل صليبا‪ ،1937 :‬ابن سينا) وإ ن ما كتبه‬
‫المترجمون والمؤرخون عن سيرته « يعتبر المصدر‪ S‬الرئيس لترجمته الذاتية‪ ،‬فقد نقلوا عنها ولم يضيفوا إليها‬
‫جديداً»( محمد عبد الغني حسن‪« 1952 :‬ابن سينا عند قدماء المترجمين والمؤرخين‪ ،‬مجلة الثقافة)‪ ،‬فقد جمع‬
‫في حياته بين كثير من المتناقضات بسبب إقبال الناس عليه‪ ،‬نظراً لتفوقه من جهة وللبيئة المضطربة التي عاش‬
‫بها من جهة أخرى‪ ،‬فقد كان يجمع بين الضجيج السياسي‪ S‬وسكينة الفيلسوف‪ ،‬وبين اإلقبال على األهواء‬
‫والشهوات واإلقبال‪ S‬على البحث والتأمل»(عادل عوا‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬الثقافة الفلسفية‪ ،‬ابن سينا)‪.‬‬
‫لقد كان الشيخ الرئيس متفائالً في جميع مراحل حياته يعتقد أن العالم الذي نعيش فيه أحسن العوالم الممكنة‬
‫وكان شديد االرتباط‪ S‬بموطنه األصلي‪ ،‬فهو لم يغادر موطنه مرة واحدة رغم اضطراب حياته فيها‪ ،‬وهو بذلك‬
‫يخالف الفارابي «الذي كان يجول البالد دون التقيد بأي رابطة طبيعية أو اجتماعية» (محمود عبد اللطيف‪،‬‬
‫‪ ،2004‬الفكر التربوي‪ S‬عند الجاحظ)‪ .‬ويتضح لنا من دراسة ابن سينا أنه منذ صغره كان يبذل جهداً كبيراً لتلقي‬
‫العلم والمعرفة بين مختلف االتجاهات‪ ،‬وقد‪ S‬تكونت لديه الرغبة في الحصول خاصة على العلوم الفلسفية‬
‫والهندسية‪ ،‬وكان والده يؤمن له كل المقومات التي تسهم في اكتسابه وحصوله على المعرفة والفكر‪ ،‬وقيل‪ :‬إن‬
‫بقوله‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫والده أرسله إلى رجل كان يبيع البقل ويقوم‪ S‬بحساب الهند وهو(محمود‪ S‬المساح) الذي وصفه البيهقي‬
‫«وكان عالماً في الحساب والجبر‪ S‬والمقابلة»‪ .‬ثم أنزله عند الناتلي ليتعلم منه المباحث العقلية‪ ،‬واستطاع‪ S‬الناتلي أن‬
‫يصرفه عن االشتغال بالفقه والتصوف إلى العلوم العقلية والمباحث الفلسفية‪.‬‬
‫ولما توفي‪ S‬أبو علي الحسين بن عبد اهلل الملقب بالشيخ الرئيس سنة ‪1037‬م كان ُّ‬
‫يعد وقتئذ‪ S‬أحد عباقرة‬
‫الفلسفة في اإلسالم‪ ،‬وفي الطب وضع في مصاف جالينوس حيث أطلق عليه لقب جالينوس اإلسالم‪ ،‬وبسبب‬
‫شهرته الواسعة فقد تسابق‪ S‬لالحتفال بذكراه عدة شعوب‪ ،‬واألتراك هم أول من احتفلوا بذكراه‪ ،‬عندما أقاموا‪ S‬عام‬
‫‪ 1937‬مهرجاناً ضخماً بمناسبة مرور تسعمئة ٍ‬
‫سنة على وفاته‪ .‬ثم حذا حذوهم العرب والفرس حيث أقيم‬
‫مهرجانان لالحتفال به في كل من بغداد عام ‪ 1952‬وفي طهران عام ‪ .1954‬وفي‪ S‬عام ‪ 1978‬دعت منظمة‬
‫اليونسكو‪َّ S‬‬
‫كل أعضائها‪ S‬للمشاركة في احتفال إحياء ذكرى مرور‪ S‬ألف عام على والدة ابن سينا وذلك اعترافاً‪S‬‬
‫أقيم‬
‫بمساهماته في مجالي الفلسفة والطب‪ ،‬وبالفعل فقد استجاب كل أعضاء المنظمة وشاركوا‪ S‬في االحتفال الذي َ‬
‫عام ‪ 1980‬في دمشق‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪W. marteometg. Watt Isamie plilosokg and the ology edivburrgh, the vriverity. (1) 1962. p. 96.‬‬

‫‪-9-‬‬
‫إن حياة ابن سينا‪ S‬كلها دروس‪ S‬وعبر‪ S،‬فهو‪ S‬من األوائل‪ S‬الذين وصفوا‪ S‬حياتهم‪ S‬في‪ S‬جميع‪ S‬مراحلها‪ S،‬وهذا‪ S‬ما‬
‫ذكره ابن أبي‪ S‬أصيبعة في‪ S‬افتتاحية‪ S‬مقالته عن ابن سينا‪ S‬بقوله (ابن أبي أصيبعة‪ ،1967 ،‬عيون األنباء‪ S‬في‪S‬‬
‫طبقات األطباء)‪« :S‬الشيخ الرئيس‪ S‬ابن سينا‪ S‬هو‪ S‬أبو علي‪ :‬الحسين‪ S‬بن عبد اهلل بن علي بن سينا‪ S‬وهو‪ S،‬وإ ن كان‬
‫أشهر‪ S‬من أن يذكر‪ S،‬وفضائله‪ S‬أظهر‪ S‬من أن تسطر‪ S،‬فإنه قد‪ S‬ذكر‪ S‬من أحواله‪ ،‬ووص‪S‬ف‪ S‬من سيرته‪ S‬ما يغني‪ S‬غيره‬
‫عن وصفه‪ ،‬ولذلك‪ S‬إننا نقتصر‪ S‬من ذلك‪ S‬على‪ S‬ما قد‪ S‬ذكره‪ S‬هو عن نفسه» ونقله عنه أبو عبيد الجوزجان‪S‬ي‪ S.‬ومن‪S‬‬
‫(‪S)1S‬‬
‫ثم يعرض‪ S‬ابن أبي أصيبعة‪ S‬ما قاله ابن سينا‪ S‬ع‪S‬ن ن‪S‬ف‪S‬س‪S‬ه‪ S‬م‪S‬ا‪ S‬ق‪S‬ا‪S‬ل‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ش‪S‬ي‪S‬خ‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ر‪S‬ئ‪S‬ي‪S‬س‪ S.S.S.S:S‬ا‪S‬ل‪S‬خ‪ S.‬و‪S‬ي‪S‬ت‪S‬ا‪S‬ب‪S‬ع‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ج‪S‬و‪S‬ز‪S‬ج‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ي‪S‬‬
‫ت‪S‬ل‪S‬م‪S‬ي‪S‬ذ‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ح‪S‬د‪S‬ي‪S‬ث‪ S‬ع‪S‬ن ح‪S‬ي‪S‬ا‪S‬ة‪ S‬أ‪S‬س‪S‬ت‪S‬ا‪S‬ذ‪S‬ه‪ S‬ف‪S‬ي‪S‬ق‪S‬و‪S‬ل‪ S:S‬ا‪S‬ت‪S‬ص‪S‬ل‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S‬ب‪S‬ا‪S‬أل‪S‬م‪S‬ي‪S‬ر‪ S‬ش‪S‬م‪S‬س‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬د‪S‬و‪S‬ل‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ذ‪S‬ي‪ S‬أصابه‪ S‬القولنج‬
‫فعالجه ابن سينا‪ S‬حتى‪ S‬شفاه اهلل ثم‪ S‬قال‪( :‬ابن أبي أصيبعة‪ ،1967 ،‬عيون األنباء‪ S‬في‪ S‬طبقات األطباء)‪ « S‬ثم‪S‬‬
‫سألوه تقلد الوزارة‪ S‬فتقلدها‪ S،‬ثم اتفق‪ S‬تشويش‪ S‬العسكر‪ S‬عليه‪ ،‬وإ شغالهم‪ S‬منه على أنفسهم‪ S،‬فكسبوا‪ S‬داره وأخذوه إلى‬
‫الحبس وأغاروا على محتوياته وأخذوا‪ S‬جميع ما كان بملكه‪ ،‬وسألوا‪ S‬األمير‪ S‬قتله فامتنع‪ S،‬وعدل إلى‪ S‬نفيه عن‬
‫الدولة طلباً‪ S‬لمرضاتهم‪ S،‬فتوار‪S‬ى‪ S‬الشيخ في‪ S‬دار‪ S‬الشيخ «أبي‪ S‬سيد‪ S‬بن دخدرك‪ »S‬أربعين‪ S‬يوماً‪ ،‬فعاود‪ S‬األمير‪S‬‬
‫«شمس الدولة» القول‪S‬نج‪ ،‬وطلب‪ S‬الشيخ‪ ،‬فحضر‪ S‬مجلسه‪ ،‬فاعتذر‪ S‬األمير‪ S‬إليه بكل‪ S‬االعتذار‪ ،‬فاشتغل‪ S‬بمعالجته‪،‬‬
‫وأقام‪ S‬عنده مكرماً‪ S‬مبجالً وأعيدت‪ S‬الوزارة‪ S‬إليه ثانية»‪ .‬هكذا‪ S‬كانت حياة ابن سينا‪ S‬وما‪ S‬فيها‪ S‬من مشاكل‪ S‬أحياناً‪S‬‬
‫ومشاغل أحياناً‪ S‬أخرى‪ ،‬وهذا‪ S‬ما‪ S‬اعتاد‪ S‬عليه في‪ S‬معظم‪ S‬مراحل‪ S‬حياته بين الوزارة‪ S‬والسجن‪ ،‬ومع‪ S‬هذا وذاك‪S‬‬
‫استمر‪ S‬في‪ S‬التدريس‪ S‬والتأليف‪ S‬كما‪ S‬سنرى‪ S‬عند دراستنا‪ S‬للجوانب التربوية‪ S‬عنده‪.‬‬
‫فقد ابن سينا أباه وهو في الثانية والعشرين من عمره (البيهقي‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬تاريخ حكماء اإلسالم)‪ .‬وهذا‬
‫ما اضطره إلى ترك بخارى في رحالت متقطعة بين مكان وآخر‪ ،‬ما يعنينا من ذلك أن ابن سينا قد خالف سنةَ‬
‫أسالفه الحكماء‪ ،‬فهو لم يقتصر على الدرس والمطالعة‪ ،‬ولم يتفرغ للعلم والتعليم‪ ،‬بل انخرط في الحياة السياسية‬
‫وتقرب إلى سالطين زمانه‪ ،‬وولي‪ S‬الوزارة مرة بعد مرة‪ ،‬ودفع‪ S‬ضريبة ذلك تخفياً حيناً‪ ،‬وفراراً‪ S‬حيناً‪ ،‬وسجناً‬‫ّ‬
‫حيناً‪ ،‬وكان يتطلع إلى السلطة ليتراوح بين النظر والعمل‪ ،‬بين المثل العليا والواقع‪ ،‬ليجعل معرفته في خدمة‬
‫مجتمعه بدل أن تظل حبيسة الكتب‪ ،‬مهما يكن فقد كان تالميذ الشيخ الرئيس ومحبوه في قلق كبير بسبب‬
‫المشكالت التي حالت بينه وبين التفرغ للعلم واإلفادة منه‪.‬‬
‫والحق أن ابن سينا قضى شطراً طيباً من حياته في صحبة الملوك واألمراء ومجالستهم‪ ،‬وقد امتاز بغزارة‬
‫نتاجه‪ ،‬وإ حاطته‪ ،‬وابتكاره‪ ،‬وقدرته الفائقة التي ال تحد في سرعة التأليف مع التجويد‪ S‬واإلتقان‪.‬‬
‫عاش حياته في البحث والتأمل‪ ،‬وكان متفائالً في جميع مراحل حياته السياسية والفلسفية‪ ،‬كما كان شديد‬
‫االرتباط بموطنه األصلي وبقي هكذا حتى وفاته وعلى فمه ابتسامة الرضا في شهر رمضان من عام ‪428‬هـ وقد‪S‬‬
‫وضمه ثرى همذان ضنيناً به‪ ،‬حريصاً‪ S‬عليه‪ ،‬منارة هادية من منارات‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫تردى الثامنة والخمسين من عمره‪،‬‬
‫الحضارة العربية العريقة»(ابن أبي أصيبعة‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬عيون األنباء)‪.‬‬

‫( ‪ )1‬الجوزجاني‪ :‬تركيب فارسي بمعنى (قاطف الجوز) وهي صفة معروفة عند المزارعين‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-10-‬‬
‫إن حياة ابن سينا جمعت الشتيت المتباين من األوضاع‪ ،‬وضمت صنوفاً مختلفة من الحاالت‪ ،‬فهو لم يكن‬ ‫ّ‬
‫فيلسوفاً‪ S‬فحسب‪ ،‬بل كان رجل سياسة تقلّد الوزارة وصاحب األمراء‪ ،‬وهدد بالقتل والسجن والدمار‪ ،‬حيث كان له‬
‫صنفان من الناس‪ ،‬فئة تحبه‪ ،‬وأخرى‪ S‬تبغضه‪ « ،‬نازع مبغضيه‪ ،‬وخرج أحياناً على محبيه‪ .‬وبقي طوال حياته‬
‫قوي األمل شديد العزم‪ ،‬ألنه كان يريد حياته أن تكون عريضة قصيرة‪ ،‬وال يحبها ضيقة طويلة‪ ،‬وكان له ما‬
‫أراد!» (جعفر آل ياسين‪ ،1984 ،‬حياة ابن سينا وفكرة الفلسفي)‪.‬‬
‫ومرها؟‬
‫والسؤال‪ S‬الكبير الذي يطرح نفسه هل كان ابن سينا راضياً‪ S‬من األعماق بأوضاع حياته حلوها ّ‬
‫ويأتي‪ S‬الجواب منه فيقول في كتاب المباحثات‪« :‬لقد أنشب القدر في مخاليب الغير‪ ،‬فما أدري كيف أتملص‬
‫سجن ثخين!‪،‬‬ ‫لست من رجالها‪ ،‬وقد انسلخت عن العلم‪ ،‬فكأنما ألحظه من وراء ٍ‬ ‫فعت إلى أعمال ُ‬ ‫وأتخلص‪ ،‬لقد ُد ُ‬
‫مع شكري هلل تعالى‪ ،‬فإنه على األحوال المختلفة‪ ،‬واألحوال‪ S‬المتضاعفة‪ ،‬واألسفار‪ S‬المتداخلة‪ ،‬واألطوار‪S‬‬
‫وميض يحيي قلبي‪ ،‬ويثبت قدمي‪ ،‬إياه أحمد على ما ينفع ويضر‪ S،‬ويسوء ويسر‪ »S‬وهذا‬ ‫ٍ‬ ‫المتناقضة‪« ،‬اليخليني من‬
‫يمثل التواضع الجم‪ ،‬والكبرياء‪ S‬األشم طوال مراحل حياته‪ ،‬ويرسم ابن سينا السبيل الموصل إلى فهم الوضع‬
‫الحياتي الذي مر به‪ ،‬وسيرة حياته التي أمالها بنفسه من حيث تواضعه فهو يقول في كتابه المباحثات‪ ...« :‬إن‬
‫معلوم البشر ٍ‬
‫متناه‪ ،‬وأنا فيما اجتهدت قد علمت كثير أشياء معرفة قد حققتها ال مزيد عليها؛ إال أنها قليلة‪ ،‬والذي‬
‫علم بما أجهله لم يظفرني‪ S‬به البحث الجاد الذي‬‫أجهله ال أهتدي سبيله كثير جداً‪ ،‬لكنني قد يئست أن يتجدد لي ٌّ‬
‫فكر ما استقصيته بالسعي األول؛ أقنعت‬ ‫توليته وأنا مسلم إلى طلب أن الحق ال تعارض يده فيه يد‪ ...‬وإ ذا ثبت لي ٌ‬
‫به‪ ،‬لكنني مع هذا كله هلل حامد‪ ،‬فقد وهب لي يقيناً ال يزول باألصول التي البد منها لطالب النجاة‪ ،‬ومجاالً فيما‬
‫ضيق‪ ،‬ومعرفة بما ال أعرفه‪ ،‬بالغة»‪.‬‬‫بعد ذلك غير ّ‬
‫وهناك أمثلة كثيرة تدل على تواضعه منها رسالته إلى علماء بغداد «يسألهم فيها اإلنصاف‪ S‬بينه وبين رجل‬
‫يتكلم في الحكمة مدعياً أن ما يقوله هو من آراء حكماء دار السالم» ( محمود‪ S‬قاسم‪ ،1969،‬السماء والعالم‬
‫والكون والفساد)‪ .‬ويتضح من رسالته ثقته بنفسه‪ ،‬وإ يمانه بقدراته الفكرية‪ ،‬وال يفوتنا أن نذكر هنا أن ابن سينا‬
‫كان شديد االعتزاز بمعرفته وبعلومه ومهاراته‪ ،‬وباإلنجازات‪ S‬العلمية التي حققها لخدمة اإلنسانية جمعاء في‬
‫جميع الحاالت‪ ،‬وهذا ما هدفه وعمل على تحقيقه وبذلك يقول‪ « :‬ما أنا تعلمت العلم للتسوق‪ ،‬وما أنا ممن أوطأت‬
‫نفسي عشوة فيما أحسب أنني أحسنه‪ ،‬بل اجتهدت وبلغت‪ ،‬فال يرد على مناقض ولو نزل من السماء‪ ،‬وال يهجس‬
‫علي كل فان وحي! وما ال أعلم فال‬‫أن الشيء الذي أتيته عرضة لنقد أو إبطال أو فساد‪ ،‬وإ ن اجتمع ّ‬ ‫في بالي ّ‬
‫أن المستعز باليقين ال يذعره شيء‪ ،‬وإ ن هال أصحاب الظنون»‪.‬‬ ‫أدعيه‪ ،‬واعلم ّ‬
‫والذي يظهر لي أن ابن سينا كان دقيقاً في معرفته للعالم الذي ال ينجلي إال بطول النظر وإ عمال الفكر فيما‬
‫يمكن أن ينصف‪ S‬عبقري كاألستاذ‪ S‬الرئيس نفسه أمام الناس وأمام التاريخ!‪.‬‬
‫وتجدر‪ S‬اإلشارة إلى أنه البد من النظر إلى التراث على أنه حياة ال موت‪ ،‬وحركة ال جمود‪ ،‬فهو عبارة عن‬
‫مجموعة من المثل والقيم واألعمال والمضامين واألشكال‪ S‬نشأت من الماضي القديم وشقت طريقها إلى الماضي‬
‫لتكون خلفيتنا وحالنا وكثيراً من مستقبلنا» (ابن أصيبعة‪ ،1239‬عيون األنباء‬
‫الحديث‪ ،‬وسافرت‪ S‬إلينا عبر القرون ّ‬
‫القاصرة)‪.‬‬

‫‪-11-‬‬
‫والتراث بهذا المعنى ليس مرحلة تاريخية بعينها‪ ،‬ولكنه جماع التاريخ المادي والمعنوي لألمة منذ أقدم‬
‫العصور إلى اآلن‪ ،‬يرى الدكتور غالي شكري في كتابه «التراث والثورة» أن الفكر العربي المعاصر نظر إلى‬
‫تراثنا نظرة جزئية من ناحية وتعميمية من ناحية أخرى « يرى أن النظرة جزئية ألنها حددت مولد تراثنا‬
‫بالفتوحات العربية‪ ،‬وأصبح اإلسالم وحده هو كل تراثنا‪ ،‬وهي نظرة تعميمية ألنها لم تركز على فترة االزدهار‬
‫العظيم الذي عرفته الحضارة اإلسالمية‪ ،‬وباإلضافة إلى ذلك فقد كانت النظرة شكلية أيضًا لم تؤثر إيجابيًا باستلهام‬
‫التراث» ( محمود أحمد السيد‪ ،1981،‬في قضايا التربية المعاصرة)‪ .‬كما يرى أن تراثنا أغنى من أن يحد بمرحلة‬
‫حضارية واحدة‪ ،‬فمن بابل وآشور‪ ،‬ومن الفراعنة والبابليين‪ ،‬وغيرهم من بناة الحضارات القديمة‪ ،‬ومن الديانات‬
‫السماوية وغيرها من الرساالت الروحية واالجتماعية والفكرية الكبرى ينحدر إلينا تراث ضخم لم يلق ما هو جدير‬
‫به‪ ،‬وما هو جدير بنا من تمحيص وتحقيق قبل الرفض والقبول إبان يقظتنا القومية والفرز والتبويب والتصنيف‬
‫والتوثيق من المهام األولية الواجبة‪ ،‬على أن تتلوها مباشرة عملية التقويم التحليلي األمين البعيد عن األهواء‬
‫العارضة‪ ،‬وأخيراً تجيء عملية من أقدس الواجبات وهي ترشح أكثر عناصر التراث قدرة على اإلسهام في تغيير‬
‫واقعنا باستخدام المنهج العلمي في التفكير وهذا ما نأخذ به من تراث األقدمين ما نستطيع تطبيقه تطبيقًا عمليًا في‬
‫جميع المجاالت‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬طفولة ابن سينا‬


‫ولد الشيخ الرئيس ابن سينا عام ‪370‬هـ في قرية أفشنة ويقول نفسه‪ :‬تزوج أبي منها (أفشنه) بوالدتي وقطن‬
‫فيها وسكن‪ ،‬وولدت منها بها ثم ولدت أخي ثم انتقلنا إلى بخارى «وهي مدينة من بالد ما وراء النهر فتحها قتيبة بن‬
‫مسلم الباهلي سنة ‪90‬هـ وكانت قاعدة الدولة السامانية التي ظهرت فيما وراء النهر سنة ‪874‬هـ» أما والده فهو من‬
‫أهل بلخ‪ ،‬وانتقل منها إلى بخارى في أيام نوح بن منصور وعمل في وظيفة إدارية‪ ،‬وهي تقابل وظيفة الوالي أو‬
‫مدير الناحية أو عامل اإلقليم‪ ،‬في قرية يقال لها «خرمثين» من ضياع بخارى‪ ،‬وهي من أمهات القرى‪ ،‬وبقربها‬
‫قرية يقال لها «أفشنة» التي ولد بها ابن سينا‪.‬‬
‫والذي يظهر أن والد ابن سينا عبد اهلل بن علي كان من الموظفين الكبار في عهد نوح بن منصور وهو‬
‫فارسي‪ S‬من أهل بلخ‪ ...‬التي تقع اآلن في أفغانستان‪ - S‬أما والدته فهي من قرية خرمتين ‪ -‬التي تقع في بخارى‪S‬‬
‫وهي اليوم في منطقة أوزبكستان الروسية ‪ -‬ثم انتقلت وظيفة والده إلى بخارى‪ S‬قاعدة الدولة السامانية حتى يتيح‬
‫لولديه فرصاً‪ S‬أكبر من العلم والتعليم‪.‬‬
‫ويحض‪S‬ر‪ S‬الوالد‪ S‬البن سينا‪ S‬معلم‪ S‬القرآن ومعلم‪ S‬األدب‪ S‬فيقبل ابن سينا‪ S‬على معلميه‪ ،‬ورو‪S‬ي‪ S‬عن ابن سينا‪S‬‬
‫قوله‪« :‬وأحضرت‪ S‬معلم‪ S‬القرآن‪ ،‬ومعلم‪ S‬األدب‪ ،‬وأكملت‪ S‬العشر‪ S‬من العمر‪ S‬وقد‪ S‬أتيت على القرآن‪ ،‬وعلى كثير‪ S‬من‬
‫األدب حتى‪ S‬كان يقضي‪ S‬مني العجب» (محمد‪ S‬خير‪ S‬عرقسوسي‪ 1982 S،‬ابن سينا‪ S‬والنفس اإلنسانية)‪.‬‬
‫والحق أن ابن سينا نضج فكره الوقاد وهو بعد لم يتجاوز‪ S‬العقد الثاني من حياته‪ ،‬وكان يكمل وحده درس‬
‫الطبيعيات واإللهيات‪ ،‬ثم تعلم الطب‪ ،‬وعالج المرضى‪ ،‬وتعلم أوائل المنطق والهندسة والفلك‪.‬‬
‫كل هذا يدلنا أنه كان يدرس بجد‪ ،‬ال ينام ليلة بطولها‪ ،‬وال يشتغل في النهار بغير العلم إلى أن جمع بين‬
‫العلم والسياسة يعد أن أصبح وزيراً‪.‬‬
‫وواضح أن ابن سينا في المرحلة األولى من حياته التعليمية بدأ بتعلم القرآن من أول يوم بدأ فيه الدراسة‪،‬‬
‫ومع القرآن تعلم األدب «وهو بال شك أدب يتصل بالقرآن الكريم وبالتعاليم‪ ،‬اإلسالمية»‪.‬‬

‫‪-12-‬‬
‫وقد‪ S‬رسم ابن سينا لوحة سريعة تضمنت خطوات تعليمه في المرحلة األولى من حياته في قرية بخارى‪S‬‬
‫وهي يومئذ كعبة العلماء حيث كان والده يبعث بولده (ابن سينا) إلى معلم القرآن ومعلم األدب‪ ،‬وروي أنه لم يكن‬
‫تلميذاً عادياً يكتفي بالحفظ عن ظهر قلب‪ ،‬بل كان ذكاؤه يظهر من حين آلخر في فهم معاني القرآن الكريم‪،‬‬
‫مجوداً مرتالً‪ ،‬ثم درس قواعد التربية اإلسالمية والرياضيات والفلسفة‬
‫ويستظهر‪ S‬كتاب اهلل الكريم استظهاراً تاماً َّ‬
‫والفقه والنحو‪ S‬والبالغة والمنطق والطبيعة‪.‬‬
‫أكب على دراسة الطب فبرع فيه براعة منقطعة‬‫وإ ذا تتبعنا مسيرة الشيخ الرئيس في طفولته نرى أنه ّ‬
‫النظير لكنه لم يتخذه وسيلة إلى الكسب وجمع المال‪ ،‬والذي يستعرض براعة ابن سينا في الطب وفي‪ S‬العلوم‬
‫األخرى يرى أنه كان موسوعياً‪ S‬كثير اإلنتاج‪ ،‬وقد‪ S‬شملت كتاباته جميع الجوانب العلمية والمعرفية‪ ،‬وقد عرف‬
‫بميله الغريزي للمطالعة والتنقيب في الكتب‪.‬‬
‫ويظهر‪ S‬لنا شغفه بالمطالعة من القصة التالية حيث قال‪« :‬وكان سلطان بخارى‪ S‬في ذلك الوقت‪ ،‬نوح بن‬
‫منصور‪ ،‬واتفق له مرض تلجلج األطباء فيه‪ ،‬وكان اسمي اشتهر بينهم بالتوفر على القراءة فأجروا‪ S‬ذكري بين‬
‫يديه‪ ،‬وسألوه إحضاري‪ ،‬فحضرت‪ S‬وشاركتهم في مداواته‪ ،‬وتوسمت بخدمته‪ ،‬فسألته يوماً اإلذن لي في دخول دار‬
‫كتبهم ومطالعتها‪ S‬وقراءة ما فيها من كتب الطب‪ ،‬فأذن لي‪ ،‬فدخلت داراً ذات بيوت كثيرة في كل بيت صناديق‬
‫كتب منضدة بعضها على بعض‪ ،‬في بيت منها كتب العربية والشعر‪ S‬وفي آخر الفقه‪ ،‬وكذلك في كل بيت كتب علم‬
‫مفرد‪ ،‬فطالعت فهرست‪ S‬كتب األوائل‪ ،‬وطلبت ما احتجت إليه منها‪ .‬ورأيت من الكتب ما لم يقع اسمه إلى كثير‬
‫من الناس قط‪ ،‬وما كنت رأيته من قبل‪ ،‬وال رأيته من بعد‪ ،‬فقرأت تلك الكتب‪ ،‬وظفرت بفوائدها‪ ،‬وعرفت مرتبة‬
‫كل رجل في علمه»‪.‬‬
‫ولعل السماح له بدخول مكتبة األمير نوح بن منصور الساماني‪ S‬وإ قباله على قراءة ما تحتويه من كتب‬
‫نادرة‪ ،‬ما يؤكد على مدى حبه للمطالعة‪ ،‬وقد‪ S‬حاز في هذا المضمار‪ S‬شهرة عالمية لم ينلها أي عالم آخر ذلك ألنه‬
‫يقرأ ويكتب أو يملي في يسر وسهولة وما قوله‪« :‬وظفرت بفوائدها» إال إشارة إلى أنه أخذ من كل كتاب قرأه‬
‫كفاية ما يريد الحصول عليه‪.‬‬
‫وأياً ما كان فقد ترقى ابن سينا خالل مرحلة طفولته على توالي الزمن حتى أصبح من الرجال القالئل في‬
‫ف لنا ثروة كبيرة انتشرت في جميع أنحاء العالم‪،‬‬
‫العالم اإلسالمي الذين يصح أن نسميهم‪« S‬موسوعيين»‪ ،‬فقد خلّ َ‬
‫ونسب إليه ما ليس له من الكتب لترويجها‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬بيئة ابن سينا التربوية‬
‫عاش ابن سينا‪ S‬في‪ S‬عصر‪ S‬كثرت فيه مذاهب‪ S‬الفلسفة والحكمة‪ ،‬ونشأ‪ S‬في‪ S‬بيت عريق‪ S‬في‪ S‬خدمة الدولة‪ ،‬فقد‬
‫كان والده يعمل‪ S‬محاسباً‪ S‬ويجمع‪ S‬الضرائب‪ S‬لصالح الدولة‪ ،‬اهتم‪ S‬بالدرجة األولى‪ S‬برعاية ولده‪( S‬ابن سينا)‪ S‬بالتعليم‪S‬‬
‫والتثقيف‪ S‬وأحاطه‪ S‬بالمربين‪ S‬يعلمونه معارف‪ S‬زمانهم‪ S‬وشر‪S‬وح‪ S‬العلماء في‪ S‬الفلسفة والمنطق‪ S‬والهندسة‪ S‬واإللهيات‪S‬‬
‫والطبيعيات‪ ( S‬سليم‪ S‬عمار‪ ،1980 ،‬أسبوع‪ S‬العلم‪ S‬العشرون‪ ،‬أللفية ابن سينا‪ ) S‬لقد انخرط‪ S‬مبكراً‪ S‬في‪ S‬جو‪ S‬مالئم‪S‬‬
‫فتعود‪ S‬منذ‪ S‬نعومة أظفاره‪ S‬على‪ S‬االستماع‪ S‬إلى المربين‪ S‬والمعلمين‪ S‬وعلى مطالعة‪ S‬الكتب‪.‬‬
‫حققه له والده‪ّ S‬‬

‫‪-13-‬‬
‫ومن‪ S‬أكبر‪ S‬المظاهر‪ S‬التي تأثر‪ S‬بها‪ S‬في‪ S‬طفولته البيئة التي‪ S‬عاش فيها‪ ،‬وبالتالي‪ S‬تطلعه إلى‪ S‬فهم‪ S‬المحيط‪ S‬الذي‬
‫يعيش فيه‪ ،‬وهذا‪ S‬ما‪ S‬ساعد على نبوغه بفضل‪ S‬مواهبه في‪ S‬جميع‪ S‬الجوانب العلمية والترب‪S‬وية‪ S‬رغم الصعوبات‪S‬‬
‫مر بها‪ ،‬والمعر‪S‬وف‪ S‬أن الشيخ الرئيس‪ S‬حفظ القرآن وهو‪ S‬في‪ S‬العاشرة من عمره‪ ،‬وقد‪ S‬دفعه‪S‬‬ ‫والعراقيل‪ S‬التي‪ّ S‬‬
‫طموحه‪ S‬إلى دراسة‪ S‬ميادين الفقه والفلسفة والحساب‪ S‬الهندسي‪ S،‬وتمكن‪ S‬من دراسة الطب‪ S‬ويقول‪ S‬عن نفسه في‪ S‬هذا‬
‫الصدد‪ ( S‬سليم‪ S‬عمار‪ ،1980 ،‬أسبوع‪ S‬العلم العشرون‪ S،‬أللفية ابن سينا‪ « .) S‬ثم‪ S‬رغبت في‪ S‬علم‪ S‬الطب وصرت‪S‬‬
‫أقرأ‪ S‬الكتب المصنفة فيه وتعهدت‪ S‬المرضى‪ S‬فانفتح‪ S‬علي‪ S‬من أبواب المعالجات‪ S‬المقتبسة من التجربة ما‪ S‬ال‬
‫يوصف‪ .»S‬وهو‪ S‬لم‪ S‬يكن طبيباً‪ S‬فحسب‪ S‬وإ نما‪ S‬ألَّف في‪ S‬علوم‪ S‬الدين واللغة والهندسة‪ S‬وطبقات‪ S‬األرض‪ ،‬وإ ن كان قد‪S‬‬
‫اشتهر‪ S‬بموسوعته‪ S‬الضافية‪ S‬في‪ S‬الطب والموس‪S‬وعة بـ «القانون» والتي‪ S‬تمثل‪ S‬خالصة الطب‪ S‬اليوناني‪ S‬والعربي‪ S‬وما‪S‬‬
‫وصلت‪ S‬إليه الحضارة‪ S‬العربية‪ S‬في‪ S‬هذا المجال‪.‬‬
‫وروي عن الشيخ الرئيس نفسه أن والدته من قرية أ ْف َشَنة وقد‪ S‬ولد هو وشقيقه فيها‪ ،‬ثم انتقلوا إلى بخارى‪S‬‬
‫وفيها تلقى علوم القرآن واألدب وهو في السنة العاشرة من عمره‪ ،‬كما تلقى علم الفلسفة على يد الناتلي الذي كان‬
‫يدعي التفلسف‪،‬‬ ‫يدعي التفلسف وهذا ما أوضحه ابن سينا بقوله‪« :‬ثم وصل إلى بخارى‪ S‬أبو عبد اهلل الناتلي‪ ،‬وكان ّ‬ ‫ّ‬
‫فأنزله أبي دارنا‪ ،‬واشتغل بتعليمي‪ ،‬وكنت قبل قدومه أشتغل بالفقه والتردد فيه إلى إسماعيل الزاهد‪ ،‬وكنت من‬
‫أحزم السائلين‪ ،‬وقد ألفت طرق المطالبة ووجوه االعتراض على المجيب على الوجه الذي جرت عادة القوم به»‬
‫وبالرغم من أن ابن سينا اشتغل أحياناً بتدبير‪ S‬أمور الدولة فلم يكن لذلك أي تأثير محسوس على إنتاجه العلمي‬
‫ومواصلته للبحث والتأليف‪ ،‬وبذلك أعطى الدولة حقها من جهوده وعقله وأعطى للطب والفلسفة حقهما من‬
‫مواهبه وقابليته كما سعى إلى إعطاء نفسه من الترفيه القسط الذي تستحقه‪.‬‬
‫كان ابن سينا مؤلفاً كثير اإلنتاج‪ ،‬وقد شملت كتاباته موضوعات‪ S‬الفلسفة والتربية والتصوف والفلك‬
‫والموسيقى‪ S‬والطب والكيمياء واللغة والشعر‪ ،‬وكان للبيئة التي عاش فيها الدور الكبير في إغناء علومه ومعارفه‪،‬‬
‫وما إحاطته بالمربين الذين يعلمونه إال دلي ًل على سعة اهتمام والده به‪ ،‬فقد تعهد مبكراً ابنه بالتعليم والتثقيف‪،‬‬
‫وأحاطه بالمربين يعلمونه معارف‪ S‬زمانهم وشروح العلماء في جميع الجوانب العلمية والتربوية‪ ،‬وهذا ما أكسبه‬
‫الخصال الحميدة واألخالق‪ S‬العالية وكثيراً ما كان يتصف‪ S‬بالرفق واإلحسان ويتميز‪ S‬بالتسامح ونكران الذات كلما‬
‫مكنه من االندماج في صميم المجتمع الذي يعيش فيه‬ ‫اقتضت الحاجة لذلك‪ .‬كما أن انخراطه في الحياة العامة َّ‬
‫وهذا ما أثر في جعل فلسفته التربوية أميل إلى االهتمام بإعداد الفرد للحياة في جميع المجاالت‪ ،‬وأن تكون تربيته‬
‫شاملة لكل وجه من الوجوه‪.‬‬
‫وبذا نرى َّ‬
‫أن اإلنسان هو محور العملية التربوية‪ ،‬وللبيئة الدور الكبير في إيضاح هذه الصورة في‬
‫مجاالتها المجتمعية كافة‪.‬‬

‫‪-14-‬‬
‫«فلكل مجتمع من المجتمعات مبادئه ومثله العليا‪ ،‬وله مصالحه وطموحاته وتقاليده ومشكالته‪ ،‬وبين هذا‬
‫وتلك نوع من التشابك والتضاغط المستمر؛ المثل والمبادئ تضغط‪ S‬على المصالح؛ حتى تظل في إطارها‪،‬‬
‫والمصالح تضغط على المبادئ كي تتسع لها من خالل توسيع مدلوالتها‪ ،‬والتخفيف من صرامة أحكامها‪ ،‬ومن‬
‫المبادئ والمصالح تتكون البيئة القيمية األخالقية» ( عبد الكريم بكار‪ ،2001 ،‬المسلمون والتحدي‪ ) S‬ومن هنا‬
‫يمكن القول بأن جميع الممارسات‪ S‬التربوية تؤول إلى اإلخفاق ما لم تبن على فهم واضح وصحيح لماهية اإلنسان‬
‫وخصائصه‪ .‬واإلنسان الذي خلق حراً عاقالً مفطوراً على الخير طلب منه في المقابل االلتزام باألهداف التي‬
‫تساعد على تطوير‪ S‬العملية التربوية وصياغة األهداف وتحديدها‪S.‬‬
‫إن التسليم بوجود أهداف ثابتة يزود القائمين على التربية بمعايير ثابتة وصادقة‪ ،‬لالستعانة بها للحكم على‬
‫مدى تقدم التالميذ في عملية التعلم‪.‬‬
‫إن البيئة التي عاش فيها ابن سينا ساعدته على إتقان علومه ومعارفه وتكوينه االجتماعي والثقافي‪S‬‬
‫قوي‬
‫زكي النفس‪َّ ،‬‬‫والفكري والتربوي‪ S‬في جميع المجاالت التي عمل فيها‪ ،‬فقد كان فيلسوفاً‪ S‬كامالً وإ ماماً صادقاً‪َّ S،‬‬
‫الذكاء‪ ،‬مهتماً بالعلم‪ ،‬وكانت له المكانة العالية في صناعة الطب والعلوم التقنية األخرى‪ ،‬وقد‪ S‬انعكست ممارساته‬
‫العلمية والتعليمية على جميع المهن في الحياة‪ ،‬إذ يجب على صاحب المهنة أن يتحلى بآداب هذه المهنة‪ ،‬وأن‬
‫يكون تام الخلق حريصاً‪ S‬على التعلم والمبالغة في نفع الناس‪ ،‬والتزام‪ S‬الدقة العلمية واألمانة في جميع مجاالت‬
‫التأليف العلمي‪.‬‬
‫ودراستنا هذه تحاول أن تقدم لنا الجوانب التربوية لمفكر اتفقت كلمة القدماء والمحدثين على أن ابن سينا‬
‫يعد بحق من أشهر الفالسفة في المشرق العربي إلى جانب الكندي والفارابي‪ S‬وابن رشد‪ ،‬فقد اهتم‬ ‫(الشيخ الرئيس) ّ‬
‫بإيجاد المنافذ العملية التي تمكن اإلنسان من الفهم الحقيقي للغايات التي تعلم من أجلها‪ ،‬وكيف‪ S‬يستخدم المعارف‪S‬‬
‫التي تعلمها عند الحاجة إليها‪ ،‬وكيف‪ S‬يستفيد منها في مواجهة تحديات الواقع‪ ،‬واالرتقاء بنفسه‪ ،‬وهذا يعني أن‬
‫الحاجة قائمة على نوع من البيان العلمي والتربوي‪ S‬لتوظيف األفكار‪ S‬واآلراء التي تملكها لمصلحة اإلنسان في‬
‫جميع المجاالت‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬ثقافة ابن سينا‬
‫بدأت الفترة البارزة في عطاء ابن سينا في سن مبكرة ساعده على ذلك موهبته وثقافته وتفكيره العالمي‪،‬‬
‫«فمواهبه تتلخص في ذلك الذكاء النادر‪ ،‬والذاكرة القوية‪ ،‬والعقل الخصب‪ ،‬والجد المنقطع النظير على العمل»‬
‫(إبراهيم‪ S‬مدكور‪ ،1952 ،‬الكتاب الذهبي للمهرجان األلفي لذكرى ابن سينا) وفي‪ S‬الحق أن الشيخ الرئيس أكمل‬
‫ولما يجاوز العاشرة من عمره‪ ،‬وروي أنه وصل إلى مرتبة النبوغ والتخصص‬ ‫ثقافته اللغوية والدينية والعقلية َّ‬
‫ولما يناهز العشرين‪.‬‬
‫ألم بما شاء من العلوم‪« ،‬وكانت نجابته وذكاؤه وفطنته قد‬
‫وهذا يدلنا أنه لما بلغ ست عشرة سنة كان قد ّ‬
‫لفتت إليه األنظار‪ S‬منذ عهد مبكر حتى إن الناتلي نصح لوالده أال يشغله بغير العلم» (ابن أبي أصيبعة‪ ،‬بدون‬
‫تاريخ‪ ،‬عيون األنباء)‪.‬‬

‫‪-15-‬‬
‫ثم تفرغ على القراءة والعلم سنة ونصفًا يدرس ليله ونهاره دائبًا ال يتوقف وال يعرف طعم الراحة‪ ،‬وحتى‬
‫أحكم علم المنطق والعلم الطبيعي‪ ،‬والعلم الرياضي‪ ،‬وإ نه ليقول قول الواثق‪« :‬وكل ما علمته في ذلك الوقت فهو كما‬
‫علمته اآلن ولم أزدد فيه إلى اليوم» (ابن سينا‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬تاريخ الحكماء) وبذا يؤكد الشيخ الرئيس أنه لما بلغ‬
‫ثمان عشرة سنة من عمره‪ ،‬فرغ من هذه العلوم لمهامه فيقول‪« :‬وكنت إذ ذاك للعلم أحفظ‪ ،‬ولكنه اليوم معي أنضج‪،‬‬
‫وإ ال فالعلم واحد‪ ،‬لم يتجدد لي بعده شيء»(ابن سينا‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬تاريخ الحكماء)‪ ،‬ومضى ابن سينا يقول‪« :‬كان‬
‫«نظرنا» أيام انصبابنا على العلم‪ ،‬وانقطاعنا بالكلية إليه واستعمالنا ذهننا‪ ،‬أذكى وأفرغ لما هو أوجب»‪.‬‬
‫وهذا يذكرنا‪ S‬بقول أبي العالء المعري وهو يكتب لخاله في رسالة له‪« :‬ومنذ فارقت‪ S‬العشرين من العمر ما‬
‫حدثت نفسي باجتداء علم‪ ،‬من عراقي وال شآم» (رسائل أبي العالء المعري‪ ،‬بدون تاريخ) ‪‬ومن يهد اهلل فهو‬ ‫ّ‬
‫المهتد ومن ُيضلل فلن تجد له ولياً مرشداً‪ ‬والواقع‪ S‬أن هذا القرن يعتبر بحق قرن العباقرة األربعة‪ :‬ابن سينا‬
‫والمعري والبيروني‪ S‬وابن حزم‪.‬‬
‫وأما أنه عنوان ثقافة؛ فذلك ألنه يعبر تعبيراً صادقاً عن الفكر اإلسالمي‪ ،‬ولهذا الفكر خصائصه ومميزاته‪.‬‬
‫ليكون منه مزاجاً جديداً‪،‬‬
‫أخذ عن اليونان والرومان‪ ،‬كما تأثر بالفرس والهند والسريان‪ ،‬وضم هذا إلى ذاك‪ّ ،‬‬
‫ويصقله بصقله الخاص‪ ،‬وبذا أضحى وليد بيئته وظروفه بقدر ما اعتمد على الثقافات العالمية األخرى» (إبراهيم‬
‫مدكور‪ ،1952 ،‬الكتاب الذهبي للمهرجان األلفي لذكرى ابن سينا) وابن سينا ‪ -‬بين مفكري اإلسالم ‪ -‬من خير‬
‫ألم بالثقافة اإلسالمية الشاملة المعاصرة له‪ ،‬وهضمها خير هضم‪ ،‬ثم ترجم‬ ‫من يحمل هذا الطابع ويعبر عنه‪َّ :‬‬
‫عنها ترجمة صادقة‪ ،‬فكتب في الطب والكيمياء‪ ،‬والطبيعة وعلم األحياء‪ ،‬والفلك والرياضة‪ ،‬والمنطق‬
‫والميتافزيقي‪ ،‬واألخالق والسياسة‪ ،‬والتوحيد‪ S‬والتفسير‪ ،‬وكتابا «الشفاء» و«القانون» خير مثل لهذه الثقافة‬
‫الواسعة‪.‬‬
‫وفي‪ S‬الحق أن ابن سينا بدأ قراءة كتاب ما بعد الطبيعة فالتبس عليه غرض واضعه‪ ،‬ولم تستبن له مقاصده‪،‬‬
‫انكب على كتابه بعيد قراءته أربعين مرة‪ ،‬حتى صار محفوظاً‬ ‫« وعسر عليه العلم اإللهي فلم يسأم ولم يتبرم‪ ،‬بل ّ‬
‫له‪ ،‬فلما وقع بيده كتاب أبي نصر الفارابي في أغراض كتاب ما بعد الطبيعة انفتحت له مغاليق الكتاب‪ ،‬وأدرك‪S‬‬
‫معانيه ومراميه» (ابن أبي أصيبعة‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬عيون األنباء)‪.‬‬
‫على كل حال اتجه الباحثون إلى الوقوف على آثار ابن سينا الذي يعتبر بحق قمة عليا من قمم القرن الرابع‬
‫الهجري‪ ،‬وهو العصر الذهبي للفكر اإلسالمي‪ ،‬فما أن بلغ العشرين من عمره حتى أخذ الملوك واألمراء‬
‫يتنافسون في دعوته إلى حضرتهم‪ ،‬كي يفيدوا من علمه وفلسفته وقضى نحو أربعين سنة متنقالً بين بعض‬
‫يعد بحق في مقدمة الباحثين والمبتكرين المسلمين وقد‪ S‬برهنت آراؤه وأبحاثه‪،‬‬
‫العواصم اإلسالمية ‪ -‬وابن سينا ّ‬
‫وما تضمنته من تجديد وابتكار‪ S‬على ذلك‪ .‬وعني الباحثون بإظهار نواحي أصالته المختلفة «في المنطق‪ ،‬وعلم‬
‫النفس والطب‪ ،‬والموسيقى‪ ،‬وبذا يمكن أن يقال إن ثقافته إنسانية واسعة األفق‪ ،‬ال تخشى األخذ عن الغير ما دامت‬
‫تؤمن بنفسها‪ ،‬كما ال تخشى أن يؤخذ عنها فتستفيد وتفيد»( إبراهيم مدكور‪ ،1952 ،‬الكتاب الذهبي للمهرجان‬
‫األلفي لذكرى ابن سينا)‪.‬‬

‫‪-16-‬‬
‫يعد قمة من قمم الثقافة العربية فقد استطاع أن يحتفظ بمكان بارز في تاريخ‬ ‫وغني عن البيان أن ابن سينا ّ‬
‫الثقافات العالمية‪ ،‬أدى رسالته في المغرب كما أداها في المشرق‪ ،‬أداها في الحاضر كما أداها في الماضي‪ .‬إن ما جاء‬
‫به الشيخ الرئيس من المسائل الهامة والحيوية جدًا التي تستحق التفكير واالهتمام والتضحية‪ ،‬والعطاء في سبيل الكشف‬
‫عن ماهية الثقافة التي تمتع بها‪ .‬والذي يقرأ كتابات ابن سينا سيالحظ أنه كفيلسوف مسلم قد اتخذ من الوحي «قرآنًا‬
‫ال من مصادر فلسفته‪ ،‬وإ ن كان فهمه للنصوص أحيانًا قد تأثر بثقافته الفلسفية اليونانية‪ ،‬وانتمائه‬
‫وسنة» مصدرًا أصي ً‬
‫الفكري الشيعي‪ ،‬إال أن ذلك ال يلغي تأثره الواضح والعميق بالقرآن والسنة ورجوعه إليهما في تكوين آرائه الفلسفية‬
‫والتربوية‪.‬‬
‫ال لبديع قدرته فقال تعالى‪ :‬وتلك األمثال نضربها للناس‬
‫فقد كان أكثر الناس في عصره فهمًا آليات اهلل وتمث ً‬
‫وما يعقلها إال العالمون‪ ‬سورة العنكبوت آية ‪ 43‬وقد تضمن القرآن الكريم الكثير من اآليات التي دعت العقل إلى‬
‫النظر في موجودات اهلل يقول عز وجل‪ :‬أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج ‪‬‬

‫واألرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج‪ ‬تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ‪ ‬سورة ق آية‬
‫‪.6،7،8‬‬
‫لقد اهتم الشيخ الرئيس بالعلوم الدينية ورسم في الحضارة اإلسالمية لوحة كاملة لفلسفته التي تتناول كل‬
‫شؤون الوجود‪ ،‬إذ حدد الغاية من العلوم النظرية والعلوم‪ S‬العملية‪ ،‬فالعلوم‪ S‬النظرية تبقى في حدود العلم‪ ،‬في حين‬
‫أنه البد في العلوم العملية من تجاوز العلم إلى العمل وإ جراء التجارب للوصول إلى الحقيقة وبهذا الصدد يقول‬
‫ابن سينا‪ « :‬فقد دللت على أقسام‪ S‬الحكمة‪ ،‬وظهر‪ S‬أنه ليس شيء منها يشتمل على ما يخالف الشرع‪ ،‬فإن الذين‬
‫يدعونها ثم يزيغون عن منهاج الشرع‪ ،‬إنما يضلون من تلقاء أنفسهم‪ ،‬ومن عجزهم وتقصيرهم ألن الصناعة‬
‫نفسها توجبه‪ ،‬فإنها بريئة منهم» وهذا يشير إلى أنه البد للعلوم العملية من أن تستند إلى األساس الذي تستند إليه‬
‫العلوم النظرية وهذا يشكل العالقة الوثيقة بين هذين النوعين من العلوم النظرية والعملية(‪( )1‬الخطيب‬
‫البغدادي‪،‬بدون تاريخ‪ ،‬تاريخ بغداد)‪.‬‬

‫سادساً‪ :‬أساتذة ابن سينا‬


‫إن الناظر في حياة ابن سينا ونشأته يرى أنه ترك لنا من لفظه شيئاً كثيراً عن سيرته ووصف‪ S‬حاله؛ وهو‬
‫بحق أول فيلسوف عربي تحدث عن نشأته وما يتصل بأسرته وميراثها‪ S‬الثقافي‪ ،‬واألساتذة الذين التقاهم‪ ،‬واألمراء‬
‫والحكام الذين قربوه وجعلوا‪ S‬له مكانة في بالطهم‪ ،‬وبين رجال العلم والفكر في حلقاتهم الخاصة‪ ،‬تعلم القرآن‬
‫واألدب وهو ابن عشر سنين‪.‬‬
‫تميَز بالثقافة الذاتية‪ .‬وهذا ما جعله يعدل أحيانًا عن ذكر أسماء أساتذته الذين أخذ عنهم‪،‬‬
‫والحق أن ابن سينا ّ‬
‫ولعل أبرز أساتذته الذين تجلَّت آثارهم في مسيرته الثقافية‬
‫وأفاد منهم بل تفوق على بعضهم معرف ًة وعلمًا‪ّ ،‬‬
‫والموسوعية‪:‬‬

‫(‪ )1‬إس ‪SS S‬ماعيل الزاهد من فقه ‪SS S‬اء الحنفية في بخ ‪SS S‬ارى‪ ،‬وإ م ‪SS S‬ام المعتزلة ‪ -‬ت ‪SS S‬اريخ بغ ‪SS S‬داد‪ S‬للخطيب البغ ‪SS S‬دادي ‪،311 S S S- 310 S S S:6‬‬ ‫‪1‬‬

‫والمنتظم البن الجوزي ‪ 258 :7‬والجواهر المضية في طبقات الحنفية للقرشي (طبعة حيدر أباد بالهند ‪1332‬هـ‪.‬‬

‫‪-17-‬‬
‫‪ -1‬الفارابي الذي شكل مع ابن سينا ثنائيًا ال ينازعهما منازع في اإلسالم في طول باعهما وقدراتهما‬
‫المنطقية‪ .‬الفارابي في شروحه وجوامعه ومختصراته‪ ،‬وابن سينا في موسوعيته وتنسيقه ومنهجيته ‪ -‬مهد األول‬
‫ٍ‬
‫قدرات‬ ‫للثاني فكان أبو علي ثمرة من ثمار أبي نصر‪« :‬تميز عمله المنطقي باالستيعاب والجدة والتحديد‪ ،‬مع‬
‫وملكات فاقت الحد األعلى لرجال عصره ومفكريه»(جعفر آل ياسين‪ ،1984،‬دراسة تحليلية لحياة ابن سينا وفكره‬
‫الفلسفي)‪ .‬والحق أن الفارابي وابن سينا ال يبتعدان عن أن يكونا فيلسوفين تامي الشروط‪ ،‬يحيطان بمعارف‬
‫عصرهما‪ ،‬ويتأمالن في كونه مجتمعًا وتاريخًا وأخالقًا وتكوينًا‪.‬‬
‫والذي يبدو أن ابن سينا كان عظيماً في كل شيء‪ ،‬إال أن قدراته العقلية التي تميز بها وهو في العاشرة من‬
‫عمره فاقت أساتذته‪ ،‬وكان مرموقاً في طليعة رجال الفلسفة عند العرب‪.‬‬
‫‪ -2‬البغال ‪ -‬قيل إنه كان أول معلميه‪ ،‬ولم يفصح الفارابي عن اسمه وتسمية بعض المصادر ‪ -‬مثل ابن‬
‫أبي أصيبعة (محموداً) وقد تعلم ابن سينا على يديه حساب الهند‪.‬‬
‫‪ -3‬إسماعيل الملقب بالزاهد وكانوا‪ S‬يسمونه أبا محمد إسماعيل الملقب بالزاهد‪ ،‬وقد‪ S‬عرف بالتصوف‬
‫الفكر الرتبوي عند ابن سينا – م‪3‬‬
‫والعرفان وذكر‪ S‬اهلل‪ ،‬وقد درس ابن سينا على يديه علم الفقه‪.‬‬
‫‪ -4‬وفي مجال الفلسفة كان أبو عبد اهلل الناتلي ثاني أساتذته‪ ،‬وأطلق على ابن سينا صفة المتفلسف‪.‬‬
‫‪ -5‬ذهب بعض المؤرخين إلى أن ابن سينا تتلمذ على أبي سهل عيسى ابن يحيى صاحب كتاب (المئة في‬
‫الطب) وهناك مصادر أخرى تشير إلى أنه تلقى علومه الطبية على يد أبي منصور‪ S‬الحسن بن نوح القمري كما‬
‫ورد في حواشي القزويني‪ S‬على كتاب (جهار مقالة) للسمرقندي‪.‬‬
‫والحق أن ابن سينا برع براعة تامة في جميع العلوم معتمداً على ثقافته الذاتية وفي رأينا أن هذه الثقافة‬
‫الذاتية هي األصل في بنائه العلمي بناء محكماً دقيقاً‪ ،‬وهذا ما جعله أحد كبار فالسفة اإلسالم‪.‬‬
‫إن ابن سينا لم يكن طبيباً فقط‪ ،‬وإ نما ألف في علوم الدين واللغة والهندسة وطبقات األرض‪ .‬وتجلى ذلك‬
‫كله في تعلمه الذاتي‪ ،‬ونشير إلى تأثره بأفالطون وأرسطوطاليس‪ ،‬وأفلوطين‪ ،‬وأساتذة مدرسة اإلسكندرية‪ ،‬إال أن‬
‫تأثره بالفارابي كان بشكل مباشر وباعتراف‪ S‬الحكيم نفسه‪ .‬وهذا ما عمق قدراته العلمية والتربوية ‪ -‬في إتقان‬
‫الحقائق العلمية والتربوية وهضمها وتمثلها‪ S‬بسرعة فائقة‪.‬‬
‫سابعاً ‪ :‬تالمذة ابن سينا‬
‫ال أحد ينكر البن سينا اآلثار التي تركها من دور وأثر في بناء اإلنسان العربي المسلم بجانبيه الفردي‬
‫وتدرس في الشرق والغرب من زوايا‪ S‬متعددة‪،‬‬
‫واالجتماعي‪ ،‬وفي تكوينه الفكري والخلقي‪ ،‬وال تزال آثاره تُدرس َّ‬
‫وجوانب مختلفة في مختلف الجوانب خاصة منها كتابه (القانون) في الطب‪.‬‬
‫دأب في (مجالس األمراء) لمناظرة ومناقشة الجالسين في مختلف العلوم‪ ،‬وانصب جهده العلمي على‬
‫تالمذته ومن العلماء والحكماء الذين أعجبوا بشخصيته وعلومه أشير إليهم في ثنايا كتب التراجم المختلفة ومنهم‪:‬‬

‫‪-18-‬‬
‫‪ -1‬أبو عبيد عبد الواحد بن محمد الفقيه الجوزجاني‪ :‬وكان مالزماً له في جميع مجالسه بقي بجانب أستاذه‬
‫ابن سينا أكثر من خمس وعشرين سنة أو كان لسان حاله يساعده في جميع تصانيفه ومؤلفاته كما كان يشجعه‬
‫على التأليف والكتابة عندما أصبح وزيراً‪ ،‬وكان للجوزجاني‪ S‬الفضل الكبير في تأليف كتاب الشفاء‪ .‬وبعد وفاة ابن‬
‫سينا تفرغ إلى جمع مؤلفاته وتصانيفه‪ ،‬وبذل جهداً كبيراً في هذا السبيل وحقق ما أراد‪ .‬وكتب الجوزجاني بعض‬
‫الكتب المفقودة من خزانة أستاذه وسيرته وحياته‪ ،‬وأكمل كتاب النجاة‪ ،‬وفسر مشكالت القانون وشرح رسالة حي‬
‫بن يقظان وهذا ما ذكره البيهقي بقوله‪« :‬ولم يوجد في تالمذة أبي علي أقل بضاعة منه وسمعت بعض أساتذتي‬
‫أنه قال‪ :‬الحكيم أبو عبيد كان في مجلس أبي على شبه مريد ال شبه تلميذ مستفيد» (ظهر الدين البيهقي‪،1946 ،‬‬
‫تاريخ حكماء اإلسالم ‪ -‬تحقيق محمد كرد علي) وهذا يشير إلى مكانة العلماء وأهميتهم‪ S‬في المجتمع‪.‬‬
‫‪ -2‬شرف الدين أبو عبد اهلل محمد بن يوسف اإلبالقي‪ :‬نسب إلى مدينة إبالق وهو عربي األصل كان‬
‫عالماً وفقيهاً اتصف بذكائه الحاد له عدة مصنفات منها‪ :‬كتاب سلطان نامة وكتاب درست نامه‪ ،‬وكتاب اللواحق‬
‫وغير ذلك من المؤلفات ومات بعد ابن سينا بثالثين عاماً‪.‬‬
‫‪ -3‬غياث الدين عمر بن إبراهيم الخيام النيسابوري‪ :‬كان عالماً باللغة والفقه والتاريخ والعلوم الفلسفية‪،‬‬
‫وكان يعتبر ابن سينا أستاذاً له‪ ،‬وكان مهتماً بكتاب الشفاء البن سينا‪ ،‬وقيل‪ :‬قبل وفاته بفترة قصيرة كان يقرأ في‬
‫كتاب الشفاء ولما وصل إلى فصل الواحد والكثير توقف‪ S‬عن القراءة‪ ،‬وقال‪ :‬أدعو األذكياء حتى أوصى‪ ،‬فأوصى‬
‫وقام وصلى‪ S‬ولم يأكل ولم يشرب‪ .‬فلما صلى العشاء األخيرة سجد وكان يقول في سجوده‪« :‬اللهم إنك تعلم أني‬
‫عرفتك على مبلغ إمكاني فاغفر لي فإن معرفتي‪ S‬إياك وسيلتي‪ S‬إليك» (محمد كرد علي تحقيق‪ ،1946 ،‬تاريخ‬
‫حكماء اإلسالم) وكانت وفاته سنة ‪217‬هـ‪.‬‬
‫‪ -4‬أبو منصور الحسين بن محمد بن عمر بن زبلة األصفهاني‪ :‬كان عالماً بالرياضيات امتاز بالمهارة‬
‫والدقة في صناعة الموسيقى والتأليف‪ S‬فيها‪ ،‬ومن تصانيفه االختصار‪ S‬من طبيعيات الشفاء‪ ،‬وهو من الذين شرحوا‪S‬‬
‫رسالة حي ابن يقظان وذكر البيهقي أنه كان مجوسياً‪ S‬ويعتبر‪ S‬بحق من تالميذ ابن سينا المقربين له‪ ،‬توفي‪ S‬بعد ابن‬
‫سينا باثنتي عشرة سنة»(محمد كرد علي تحقيق‪ ،1946 ،‬تاريخ حكماء اإلسالم)‪.‬‬
‫‪ -5‬أبو عبد اهلل بن عبد اهلل بن أحمد المعصومي‪ :‬أجمع المؤرخون أنه كان أفضل تالمذة أبي علي‪ ،‬وهو‬
‫أصفهاني صنف كتاباً في المفارقات وأعداد العقول واألفالك‪ S‬وترتيب المبدعات‪ ،‬وذكر‪ S‬البيهقي‪« :‬أنه رأى رسالة‬
‫في عالمية اهلل تعالى منسوبة إليه» وظل المعصومي مالزماً البن سينا حتى وفاة الشيخ الرئيس فخلفه في البحث‬
‫والتدريس إلى حين وفاته في عام ‪450‬هـ (ظهر الدين البيهقي‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬تاريخ حكماء اإلسالم)‪.‬‬
‫‪ -6‬الرئيس كيا بهمنيار‪ S‬بن موزبان األذربيجاني‪ :‬وهو أحد تالمذة ابن سينا ‪ -‬له مباحثات عديدة مع الشيخ‬
‫الرئيس وقال البيهقي‪« :‬والمباحث التي ألبي أكثرها مسائل بهمنيار للبحث عن غوامض المشكالت»‪.‬‬
‫ومن تصانيف بهمنيار‪ -‬كتاب الموسيقى‪ ،‬وكتاب الرتبة في المنطق‪ ،‬وبعض الرسائل األخرى توفي‪ S‬بعد‬
‫ابن سينا بثالثين عاماً‪ .‬وهو مجوسي‪ S‬الملّة ثم أسلم وال يجيد العربية‪ ،‬عرفه الشيخ الرئيس وهو فتى في مطلع‬
‫شبابه‪ ،‬فيه النجابة والذكاء‪ ،‬وكان الشيخ الرئيس يلقبه في أخريات حياته بلقب الكيا‪ ،‬أي الرئيس‪ ،‬ولقب سائر‬
‫تالميذه بلقب الفقيه أو الحكيم ومن تالمذة بهمنيار‪ S‬أبو العباس اللوكوي وكان عالماً بأجزاء علوم الحكمة دقيقها‬
‫وجليلها‪.‬‬

‫‪-19-‬‬
‫إن ما ذكره ابن سينا عن أساتذته يجعلنا على ثقة عامة أنه اليدين بشيء من عبقريته وفطنته ألي من‬
‫أساتذته‪ ،‬لقد كان شيخاً للمترددين عليه والمالزمين لمجالس علمه وتدريسه‪ ،‬وكانت مؤلفاته (منتشرة في الشرق‬
‫والغرب) مرجعاً لكل طالب علم في مختلف الجوانب العلمية والتربوية‪ .‬ومن تالمذة بهمنيار أيضاً أبو العباس‬
‫اللوكوي وهو من قرى‪ S‬مرو وكان يتقن اللغة العربية إلى درجة مكنته من نظم الشعر المتين‪.‬‬
‫ومن تالمذة ابن سينا أبو القاسم الكرباني‪ ،‬وأبو الريحان البيروني‪ ،‬وأبو محمد الشيرازي‪ ،‬وسليمان‬
‫الدمشقي ‪ -‬وابن مسكويه المتوفى‪421S‬هـ‪ ،‬وأبو الحسين العروضي‪ ،‬وأبو بكر البرقي‪ S‬الخوارزمي‪S‬‬
‫وآخرون»(عباس محمود العقاد‪ ،1952،‬الشيخ الرئيس ابن سينا‪ ،‬الكتاب الذهبي للمهرجان األلفي)‪.‬‬

‫ثامناً‪ :‬آثار ابن سينا العلمية والتربوية‬


‫لقد أحاط ابن سينا بجميع علوم زمانه‪ ،‬من القرآن إلى التفسير واألدب واللغة والفقه والحساب والهندسة‬
‫والمنطق والطب والكالم والفلسفة‪ ،‬وهي موزعة في اآلفاق منذ بدأت أنامل الفيلسوف تسجل أفكاره الحكيمة‪،‬‬
‫«فكان منها صفحات معطرة وعابقة بأريج هذا المنظر المبدع للفكر الفلسفي في اإلسالم»»(جعفر آل ياسين‪،‬‬
‫‪ ،1984‬ابن سينا وفكره الفلسفي)‪..‬‬
‫لقد كانت علومه متنوعة بعضها يربطه بعالم السماء‪ ،‬وبعضها‪ S‬يربطه بعالم األرض‪ ،‬ولقد شهد منذ صغره‬
‫تضارب اآلراء وتنازع‪ S‬العقائد‪ ،‬ألنه نشأ في بيئة تميل إلى الحرية والتسامح‪ ،‬وقد‪ S‬دأب في إعطاء الصورة‬
‫الحقيقية لعلم الفلسفة في القرن الرابع الهجري‪ ،‬وهذه الصورة ضرورية لفهم الفكر التربوية عند ابن سينا‬
‫ووضعه في إطار عصره وثقافته‪ ،‬كما تمكن باطالعه على مكتبة نوح ابن منصور أن يلم بكثير من العلوم وهو‬
‫في ريعان الحداثة‪ ،‬مما أدى إلى كثرة تآليفه‪ ،‬حيث كان يكتب يومياً خمسين ورقة كمعدل وسطي‪ S،‬دون الرجوع‪S‬‬
‫إلى أي مصدر‪.‬‬
‫والحق أن ابن سينا (الشيخ الرئيس) تناول في مؤلفاته جوانب متعددة من الفكر التربوي ومصادره‬
‫والمؤثرات التي كانت تؤثر‪ S‬فيه في ميدان التربية‪ ،‬جميع االتجاهات التربوية الدينية‪ ،‬واللغوية‪ ،‬والعلمية‬
‫الموضوعية‪ ،‬والعقلية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والجسمية‪ .‬فقد كان حاذقاً‪ S‬في استخدام‪ S‬الطرق المالئمة إلبالغ المتعلم إلى‬
‫كماله اإلنساني‪ ،‬وأن يكون ملماً بالمعرفة اإلنسانية المكتسبة‪ ،‬هذه المعرفة التي ترسم‪ S‬دقائق الطبيعة اإلنسانية‪،‬‬
‫وتبين الهدف الرئيس من دراسة الظواهر الكونية واالجتماعية‪ ،‬وهذا ما امتاز به أبو علي ابن سينا بالقدرة النادرة‬
‫وعني بشؤون السياسة‪ ،‬كما امتاز باالعتداد بالنفس‪ ،‬وبالطموح إلى‬ ‫حصل كثيراً‪ ،‬وألّف كثيراً‪ُ ،‬‬
‫على العمل‪ّ ،‬‬
‫المجد‪ ،‬ونجد ذلك في جميع تآليفه المطبوعة والمخطوطة التي بلغ مجموعها (‪ )242‬رسالة وكتاباً ومقالة وهذا ما‬
‫أكده الدكتور يحيى مهدوي‪ S‬في كتابه (فهرست مصنفات ابن سينا) مع اإلشارة إلى أن إحصاء كتب ابن سينا يبقى‬
‫خاضعاً الحتماالت متباينة عند بعض الباحثين‪ .‬وإ ن أغلب مؤلفاته في الفلسفة والعلم كان باللغة العربية‪ ،‬وذهب‬
‫بعض الباحثين إلى أنه ألف بعض الرسائل والكتب باللغة الفارسية وهي ال تتجاوز (‪ )18‬مخطوطاً؛ ولعل أهمها‬
‫في هذا المجال كتاب (حكمت عالئي) الذي ألفه لألمير عالء الدولة البويهي» وإ ن أهم كتبه المطبوعة من طبية‬
‫وفلسفية وتربوية تضمنت ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬كتبه الطبية وشملت‪:‬‬

‫‪-20-‬‬
‫‪ -‬كتاب القانون‪ :‬وفيه وصف كامل لتشريح جميع مكونات اإلنسان الجسمية من عظام وعضالت‬
‫وأعصاب وشرايين وأوردة‪ ،‬مع العرض الكامل لكل األمراض التي يتعرض لها اإلنسان وكيفية عالجها‪ ،‬وكتاب‬
‫القانون في الطب البن سينا من أهم ما كتب العرب في الطب؛ وظل يدرس في جامعات أوربا‪ S‬حتى القرن‬
‫السادس عشر وقد‪ S‬نال (القانون في الطب) حظوة كبيرة في العلم‪ ،‬وأكد ذلك األستاذ براون في كتابه المعروف‬
‫عن الطب العربي بقوله‪« :‬بطابعه الموسوعي وتنسيقه الدقيق وتصميمه الفلسفي‪ ،‬بل لع ّل أسلوبه العنيف في‬
‫الجزم أيضاً مضافاً‪ S‬إلى شهرة المؤلف في غير الطب من ميادين الفكر؛ كل هذا أعطى (القانون) مكانة فريدة في‬
‫األدب الطبي في العالم‪ ،‬وقد استطاع‪ S‬أن ينسخ عملياً مؤلفات الرازي وعلي بن عباس‪ ،‬على الرغم من قيمتها‬
‫المعترف بها»‪.‬‬
‫وأما المنهج الذي سار عليه أبو علي ابن سينا في تنظيم موضوعات‪ S‬كتاب القانون فقد حددها في مقدمته‬
‫قائالً‪« :‬ورأيت أن أتكلم أوالً في األمور العامة الكلية في كل من القسم النظري والقسم العملي‪ .‬ثم بعد ذلك في‬
‫األمراض الواقعة بعضو عضو؛ فأبتدئ أوالً بتشريح ذلك العضو ومنفعته‪ ،‬وأما تشريح األعضاء المفردة‬
‫البسيطة فيكون قد سبق في ذكره في الكتاب األول الكلي وكذلك منافعها‪ .‬ثم إذا فرغت من تشريح ذلك العضو‬
‫ابتدأت في أكثر المواضع بالداللة على كيفية حفظ صحته‪ ،‬ثم دللت بالقول المطلق على كليات أمراضه وأسبابها‪S،‬‬
‫وطرق‪ S‬االستدالالت عليها وطرق‪ S‬معالجاتها بالقول الكلي أيضاً‪ ،‬فإذا فرغت من هذه األمور‪ S‬الكلية أقبلت على‬
‫حده وأسبابه ودالئله‪ ،‬ثم تخلصت إلى‬
‫األمراض الجزئية؛ ودللت أوالً في أكثرها أيضاً على الحكم الكلي في ّ‬
‫األحكام الجزئية‪ ،‬ثم أعطيت القانون الكلي في المعالجة؛ ثم نزلت إلى المعالجات الجزئية بدواء بسيط أو مركب‪،‬‬
‫وما كان سلف ذكره من األدوية المفردة ومنفعته في األمراض في كتاب األدوية المفردة في الجداول واألصباغ‬
‫التي أرى استعمالها‪ S‬فيه‪ ...‬وما كان من األدوية المركبة إنما األحرى به أن يكون في األقرباذين الذي أرى أن‬
‫أخرت ذكر منافعه وكيفية خلطه إليه»( مخطوطات‪ S‬ابن سينا‪ ،1249 ،‬القانون‪ ،‬المجلد األول)‪.‬‬ ‫أعماله ّ‬
‫يدرس في جامعات أوربا‬ ‫وهذا الكتاب (القانون) ترجم كامالً إلى الالتينية‪ ،‬ترجمه جيرار الكريموني وظل ّ‬
‫حتى القرن السادس عشر‪ .‬كما ترجم إلى اللغة العربية وطبع عدة مرات آخرها كان في بداية القرن التاسع‬
‫عشر‪ ،‬وأجمع الباحثون أن كتاب القانون تم تدريسه في جامعات لوفيان مومبليبه حتى أواخر القرن السابع عشر‪.‬‬
‫وقد ورد في المجلة التي تصدرها اليونسكو في عدد تشرين األول من عام ‪ ،1980‬أن كتاب القانون ظل قيد‬
‫االستخدام في جامعة بروكسل‪ S‬حتى عام ‪.1909‬‬
‫وقد‪ S‬قام كثير من األطباء المسلمين بوضع شروحات لكتاب القانون وبعضهم‪ S‬قام باختصاره‪ ،‬وأشهر تلك‬
‫االختصارات كتاب الموجز في الطب الذي كتبه ابن النفيس الدمشقي الذي توفي عام ‪1288‬هـ‪.‬‬
‫ابتدأ ابن سينا كتابه القانون بتعريفه للطب قائالً‪« :‬الطب يتعرف منه أحوال بدن اإلنسان من جهة ما يصح‬
‫ويزول عن الصحة ليحفظ الصحة حاصلة ويستردها زائلة»‪.‬‬
‫يتألف كتاب القانون عند ابن سينا من خمسة كتب تناول فيها جميع األمراض التي يتعرض لها جسم‬
‫اإلنسان وأسبابها‪ S‬وأعراضها وعالجها وأحياناً إنذارها‪ .‬إال أن ما يتعلق بموضوع التربية فقد تناوله في الكتاب‬
‫األول فصل العناية بالطفل وتربيته عند ابن سينا فقد خصص في الكتاب األول من كتاب القانون في الطب فصالً‬
‫خاصاً للحديث عن تربية األطفال وأمراضهم‪ S،‬وقد سماه التعليم األول في التربية‪ ،‬وقسمه إلى أربع مقاالت‪:‬‬
‫‪ -‬في المقالة األولى‪ :‬تناول الحديث عن تدبير المولود منذ أن يولد إلى أن ينهض‪.‬‬

‫‪-21-‬‬
‫‪ -‬وفي المقالة الثانية‪ S:‬ب‪S‬ح‪S‬ث‪ S‬عن‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬ر‪S‬ض‪S‬ا‪S‬ع‪ S،S‬و‪S‬ف‪S‬ي‪ S‬ذ‪S‬ل‪S‬ك‪ S‬أ‪S‬لح‪ S‬ع‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬أ‪S‬ن‪ S‬ي‪S‬ر‪S‬ض‪S‬ع‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ط‪S‬ف‪S‬ل‪ S‬ل‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬أ‪S‬مه‪ S‬م‪S‬ا‪ S‬أ‪S‬م‪S‬ك‪S‬ن‪ S‬ف‪S‬إ‪S‬ن‪S‬ه‪S‬‬
‫أ‪S‬ش‪S‬ب‪S‬ه‪ S‬ا‪S‬أل‪S‬غ‪S‬ذ‪S‬ية‪ S‬ب‪S‬ج‪S‬و‪S‬ه‪S‬ر‪ S‬م‪S‬ا‪ S‬س‪S‬ل‪S‬ف‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬غ‪S‬ذ‪S‬ا‪S‬ئ‪S‬ه‪ S‬و‪S‬ه‪S‬و‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ر‪S‬ح‪S‬م‪ S،S‬ث‪S‬م‪ S‬ت‪S‬ح‪S‬د‪S‬ث‪ S‬ع‪S‬ن م‪S‬و‪S‬ض‪S‬و‪S‬ع‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ظ‪S‬ا‪S‬م‪ S،S‬و‪S‬أ‪S‬ك‪S‬د‪ S‬أ‪S‬ن‪ S‬ي‪S‬ك‪S‬و‪S‬ن‪S‬‬
‫ت‪S‬د‪S‬ر‪S‬ي‪S‬ج‪S‬ي‪S‬اً‪S.S‬‬
‫‪ -‬أما المقالة الثالثة‪ :‬فقد تحدثت عن بعض أمراض الطفولة وضرورة الوقاية منها‪.‬‬
‫‪ -‬وأما في المقالة الرابعة‪ S:‬ف‪S‬ق‪S‬د‪ S‬ت‪S‬ن‪S‬ا‪S‬و‪S‬ل‪ S‬ت‪S‬د‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ر‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ط‪S‬ف‪S‬ل‪ S‬و‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ت‪S‬ه‪ S‬ح‪S‬ت‪S‬ى‪ S‬س‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ب‪S‬ل‪S‬و‪S‬غ‪ S،S‬و‪S‬ف‪S‬ي‪S‬ه‪ S‬ي‪S‬س‪S‬ت‪S‬ع‪S‬ر‪S‬ض‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪S‬‬
‫ف‪S‬ص‪S‬و‪S‬ل‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ف‪S‬س‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ل‪S‬أل‪S‬ط‪S‬ف‪S‬ا‪S‬ل‪ S‬و‪S‬ف‪S‬ق‪ S‬أ‪S‬ح‪S‬س‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ط‪S‬ر‪S‬ق‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬و‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ع‪S‬ر‪S‬و‪S‬ف‪S‬ة‪ S‬ح‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ي‪S‬اً‪ S.S‬و‪S‬ه‪S‬ذ‪S‬ا‪ S‬ي‪S‬ق‪S‬ع‪ S‬ض‪S‬م‪S‬ن‪ S‬د‪S‬ر‪S‬ا‪S‬س‪S‬ت‪S‬ن‪S‬ا‪S‬‬
‫ل‪S‬ل‪S‬ج‪S‬و‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ب‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬و‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ع‪S‬ن‪S‬د‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S،S‬و‪S‬ق‪S‬د‪ S‬ا‪S‬ص‪S‬ط‪S‬ل‪S‬ح‪ S‬عل‪S‬ى‪ S‬ن‪S‬ع‪S‬ت‪ S‬م‪S‬ج‪S‬م‪S‬و‪S‬ع‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ل‪S‬و‪S‬م‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ي‪ S‬ج‪S‬ا‪S‬ء‪ S‬ب‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬أ‪S‬ب‪S‬و‪ S‬ع‪S‬ل‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪S‬‬
‫ب‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ل‪S‬و‪S‬م‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬و‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬أل‪S‬ن‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬ت‪S‬ؤ‪S‬د‪S‬ي‪ S‬إ‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬ك‪S‬ت‪S‬س‪S‬ا‪S‬ب‪ S‬م‪S‬ه‪S‬ا‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ت‪S‬ج‪S‬ا‪S‬ه‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬م‪S‬ع‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ة‪ S‬ل‪S‬إل‪S‬ن‪S‬س‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ج‪S‬م‪S‬ي‪S‬ع‪ S‬ج‪S‬و‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ب‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ح‪S‬ي‪S‬ا‪S‬ة‪ S،‬و‪S‬ل‪S‬ن‪S‬‬
‫ت‪S‬ح‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ف‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬د‪S‬ق‪S‬ة‪ S‬ك‪S‬ل‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬ي‪S‬ج‪S‬ر‪S‬د‪ S‬ب‪S‬ع‪S‬ض‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ل‪S‬و‪S‬م‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬ص‪S‬ف‪S‬ت‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬و‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬إ‪S‬ذ‪S‬ا‪ S‬ق‪S‬ص‪S‬د‪ S‬ب‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ف‪S‬ه‪S‬و‪S‬م‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ا‪S‬م‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ذ‪S‬ي‪ S‬ق‪S‬و‪S‬ا‪S‬م‪S‬ه‪ S‬ف‪S‬ي‪S‬‬
‫ا‪S‬إل‪S‬س‪S‬ال‪S‬م‪ S‬ت‪S‬ن‪S‬ش‪S‬ئ‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬ن‪S‬س‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ص‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ح‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ذ‪S‬ي‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ق‪S‬ع‪ S‬ع‪S‬ل‪S‬ي‪S‬ه‪ S‬ف‪S‬ع‪S‬ل‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬و‪S‬ن‪S‬ظ‪S‬ر‪S‬ت‪S‬ه‪ S‬ل‪S‬ل‪S‬م‪S‬ج‪S‬ت‪S‬م‪S‬ع‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ذ‪S‬ي‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ى‪ S‬ف‪S‬ي‪S‬ه‪ S،S‬و‪S‬ن‪S‬ظ‪S‬ر‪S‬ت‪S‬ه‪S‬‬
‫ل‪S‬أل‪S‬خ‪S‬ال‪S‬ق‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ع‪S‬ر‪S‬ف‪S‬ة‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ت‪S‬ب‪S‬ا‪S‬ع‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬س‪S‬ل‪S‬و‪S‬ك‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ح‪S‬س‪S‬ن‪ S،S‬أل‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬ن‪S‬س‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ه‪S‬و‪ S‬م‪S‬و‪S‬ض‪S‬و‪S‬ع‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ة‪ S،S‬ف‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ذ‪S‬ي‪S‬ن‪ S‬ي‪S‬ذ‪S‬ه‪S‬ب‪S‬و‪S‬ن‪ S‬إ‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬أن‪ S‬ق‪S‬ي‪S‬م‪S‬ة‪S‬‬
‫ا‪S‬إل‪S‬ن‪S‬س‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ع‪S‬ق‪S‬له‪ S‬و‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ت‪S‬ه‪ S‬ي‪S‬ع‪S‬ت‪S‬ب‪S‬ر‪S‬و‪S‬ن‪ S‬أ‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬ن‪S‬س‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ه‪S‬و‪ S‬م‪S‬ح‪S‬و‪S‬ر‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬م‪S‬ل‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬و‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬و‪S‬ط‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ع‪S‬ت‪S‬ه‪S‬ا‪S.S‬‬
‫هناك من يعتقد أن التربية علم قائم بذاته‪ ،‬وهي تقع في زمرة العلوم االجتماعية‪ ،‬واستندوا‪ S‬في هذا االتجاه‪،‬‬
‫أننا نجد في التربية قواعد ومعايير نحكم بها على طبيعة العملية التربوية‪ ،‬فوجود‪ S‬مثل هذه المعايير‪ S‬دليل على‬
‫وجود علم مستقل قائم بذاته‪.‬‬
‫أما الذين يرون عدم وجود‪ S‬علم مستقل يدعى (علم التربية) ويشيرون إلى أن وجود‪ S‬هكذا قواعد ال يعتبر‬
‫دليالً كافياً على االستقالل‪ ،‬وأن القواعد التي تستعين بها التربية مأخوذة من علوم أخرى كعلم النفس والطب‬
‫واالجتماع والرياضيات والفلك والكيمياء‪« ،‬يرون أنه من األفضل الحديث عن علوم تسهم في تحسين العملية‬
‫التربوية»( عبد الرحمن عبد اهلل‪ ،1988،‬الفكر التربوي‪ S‬اإلسالمي)‪.‬‬
‫ومن هنا نستطيع‪ S‬القول‪ :‬إن الوظائف التي تؤديها التربية تشمل جميع االتجاهات العلمية من حيث فهم‬
‫نمى بها المهارات االجتماعية بدءاً من مراحل نمو الفرد‪ ،‬ومعرفة‬ ‫طبيعة المجتمع‪ ،‬وتحديد الطرق‪ S‬التي تُ َّ‬
‫خصائص التعلم اإلنساني‪ ،‬وهذا يتوقف على اإلسهامات التي تقدمها العلوم األخرى مثل‪ :‬التاريخ وعلم النفس‬
‫وعلم الطب وعلم االجتماع والرياضيات‪ ...‬الخ وما تخصيص ابن سينا فصالً خاصاً في الكتاب األول من كتاب‬
‫القانون في الطب للحديث عن تربية األطفال وأمراضهم‪ S‬إال دليل على أن عالقة علم التربية بالعلوم األخرى هي‬
‫عالقة تأثير وتأثر‪ ،‬وأن التربية ليست علماً قائماً بذاته‪ ،‬وأن هناك علوماً أخرى ترفد‪ S‬التربية بما تحتاج إليه‪.‬‬
‫«فالعلوم التربوية تؤدي‪ S‬وظيفة أساسية حين تعمق من فهمنا لما يجري في ميدان التربية وفي فهمنا لبعضنا‬
‫منافي التربية» (عبد الرحمن عبد اهلل‪ ،1988 ،‬الفكر التربوي اإلسالمي)‪.‬‬ ‫البعض أثناء أداء ما يطلب َّ‬

‫‪-22-‬‬
‫تبصر المعلمين بنفسية المتعلمين وبحاجاتهم الفردية‬
‫ويشير ابن سينا في كتاب السياسة أن جميع العلوم ّ‬
‫واالجتماعية‪ ،‬فهي تزودهم بطرق التعليم المالئمة‪ .‬وتسهل تحقيق األهداف المرسومة التي تقوم عليها التربية‪ .‬وله‬
‫في ذلك آراء فلسفية وتربوية هامة يجب عدم إغفالها والتقيد بالقواعد التربوية التي وضعها يقول في ذلك‪« :‬ينبغي‬
‫البدء بتعلم القرآن بمجرد تهيؤ الطفل للتلقين جسميًا وعقليًا‪ ،‬وفي الوقت نفسه يتعلم حروف الهجاء ويلقن معالم الدين‪،‬‬
‫ثم يروي الصبي الشعر مبتدئًا بالرجز ثم بالقصيدة‪ ،‬ألن رواية الرجز وحفظه أيسر إذ أن بيوته أصغر ووزنه أخف‪،‬‬
‫وذم الجهل وكما حث على بر الوالدين واصطناع‬ ‫على أن يختار من الشعر ما قيل في فضل األدب ومدح العلم ّ‬
‫المعروف وإ كرام الضيف‪ ،‬فإذا فرغ الصبي من حفظ القرآن وألم بأصول اللغة ينظر عند ذلك في توجيهه إلى ما‬
‫يالئم طبيعته واستعداده» وهذا يجسد نظرية التربية الحديثة حيث يجب األخذ بعين االعتبار ميول الطفل وتوجهاته‬
‫ال إلى تنمية مواهب الطفل وثانيًا تحديد‬
‫لكي يكون مبدعًا في دراسته ومهنته المستقبلية‪ ،‬والتربية المعاصرة تهدف أو ً‬
‫ال في مجتمعه‪.‬‬
‫ميوله ليكون فعا ً‬
‫لقد عني الشيخ الرئيس بحاجات اإلنسان النظرية والعملية‪ ،‬واهتم بجوانب حياته المختلفة‪ ،‬ومعالجاته‬
‫النفسية والجسمية وبتقسيم الناس إلى طبقات‪ ،‬لكل منها طريقها في الفهم والتصديق واالستدالل‪.‬‬
‫ألف في علم المنطق وعلم الطبيعة وعلم النفس‪ ،‬وكتب كذلك في الرياضيات واإللهيات (ما بعد الطبيعة)‬
‫ومشكالتها المستعصية‪ ،‬وانتحى نحو الفلسفة العلمية َّ‬
‫فدون رسائل متفرقة فيها‪ ....‬وألف أيضًا في العلم والتربية‪،‬‬
‫وخاصة في الطب وموضوعاته نثرًا وشعرًا‪ ،‬وتربية الطفل‪ ،‬ووجه األنظار إلى الصفات السلوكية والخلقية التي على‬
‫المدرس أن يتمتع بها وأن يكون قدوة حسنة لمن يعلمهم‪.‬‬
‫ولم يكتف بهذه الحقول العلمية والتربوية فحسب بل اتجه إلى التفسير القرآني فدون فيه مجموعة من‬
‫الرسائل‪ ،‬وكذلك عن اللغة وعالقتها بالفكر‪ ،‬واتجه إلى الموسيقى‪ S‬فأبدع فيما دونه عنها‪.‬‬

‫تاسعاً‪ :‬مؤلفات ابن سينا‬


‫إن حصر مؤلفات ابن سينا عمل شاق ويحتاج إلى عدة محاوالت للكشف عن هذه المؤلفات وبيانها‪ S‬معتمداً‬
‫على الترتيب الزمني إن أمكن ذلك‪ ،‬ومن قصة حياته كما نقلها الجوزجاني( محمد خير عرقسوسي‪ ،1982 ،‬ابن‬
‫سينا والنفس اإلنسانية)‪:‬‬
‫آ ‪ -‬مؤلفاته في عهد الدراسة شملت‪:‬‬
‫‪ -1‬كتاب المجموع‪ :‬أو الحكمة العروضية ألفه وله من العمر إحدى وعشرون سنة‪.‬‬
‫‪ -2‬كتاب الحاصل والمحصول‪.‬‬
‫‪ -3‬كتاب البر واإلثم في األخالق‪.‬‬
‫ونشير‪ S‬إلى أنه ألفهما قبل أن يتصل بأبي عبيد الجوزجاني في مدينة جرجان‪.‬‬
‫ب ‪ -‬مؤلفاته في جرجان كما ذكرها الجوزجاني‪:‬‬
‫‪ - 1‬المختصر‪ S‬األوسط في المنطق‪.‬‬
‫‪ - 2‬كتاب المبدأ والمعاد‪ S‬في النفس‪.‬‬
‫‪ - 3‬كتاب األرصاد الكلية‪.‬‬
‫‪ - 4‬ويقول الجوزجاني‪« :‬وصنف‪ S‬هناك كتباً كثيرة كأول القانون»‪.‬‬

‫‪-23-‬‬
‫‪« - 5‬ومختصر‪ S‬الماجسطي»‪.‬‬
‫‪« - 6‬وكثير من الرسائل»‪.‬‬
‫ج ‪ -‬مؤلفات ابن سينا عند شمس الدولة في همدان‪:‬‬
‫وإ ذا تتبعنا ما يرويه الجوزجاني‪ S‬من قصة حياته نجد أنه بعد ذلك قد ألف ما يلي‪:‬‬
‫‪ -7‬أوائل كتاب الشفاء‪ :‬الطبيعيات‪.‬‬
‫‪ -8‬وأوائل كتاب القانون‪ .‬وذلك عندما كان وزيراً لشمس الدولة‪.‬‬
‫ثم عندما كان متوارياً‪ S‬في دار أبي غالب العطار‪.‬‬
‫‪ -9‬تتمة كتاب الشفاء في الطبيعيات واإللهيات مع جزء من المنطق‪.‬‬
‫د‪ -‬في قلعة فردجان‪ :‬خالل سجنه فيها صنف الكتب اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬كتاب الهدايات ـ الهداية‪.‬‬
‫‪ -2‬ورسالة حي بن يقظان‪.‬‬
‫‪ -3‬وكتاب القولنج‪.‬‬
‫وبعد عودته من فردجان إلى همدان تابع التصنيف‪:‬‬
‫‪ -‬في المنطق من كتاب الشفاء‪.‬‬
‫‪ -‬وفي‪ S‬األذية القلبية‪.‬‬
‫‪ -‬األدوية القلبية‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬في أصفهان‪:‬‬
‫تابع التأليف وهو بجوار عالء الدولة حيث ألف ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬إتمام كتاب «الشفاء» في المنطق والمجسطي واختصار أوقليدس‪ S‬واألرثماطيقي والموسيقى‪.‬‬
‫أما كتاب الحيوان والنبات من «الشفاء» فقد ألفهما أثناء رحلة إلى «سابور خواست» وألف معهما‪:‬‬ ‫‪-2‬‬
‫كتاب النجاة وهو مختصر‪ S‬الشفاء‪ ،‬واشتغل بعد ذلك بالتقاويم‪ S‬والرصد وألف‪:‬‬ ‫‪-3‬‬
‫كتاب العالئي‪ ،‬ثم ألف‪:‬‬ ‫‪-4‬‬
‫ثالثة كتب في اللغة كل كتاب على طريقة كاتبه‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫وأخيراً ألف كتاب لسان العرب‪ ،‬ولعله آخر كتبه ألن الجوزجاني يقول‪ :‬إنه لم ينقله في البياض حتى‬ ‫‪-6‬‬
‫توفي‪.‬‬
‫ويشير‪ S‬الجوزجاني‪ S‬إلى أن مؤلفات الشيخ الرئيس (ابن سينا) عند ابن أبي أصيبعة سميت بالمجلدات فقد‬
‫شمل كتابه (القانون في الطب) أربع عشرة مجلدة وكتابه (النجاة) ثالث مجلدات‪ ،‬إال أن ابن أبي أصيبعة قدم‬
‫قائمة من كتب ابن سينا وهي أوسع مما ذكر الجوزجاني‪ ،‬كما قدم فهرساً بمؤلفات ابن سينا كما قال‪ :‬وللشيخ‬
‫الرئيس من الكتب‪ ،‬كما وجدنا‪ S‬في كالم أبي عبيد الجوزجاني‪ ،‬نورد‪ S‬بعضاً منها للرجوع إليها عند الحاجة كما‬
‫جاءت في فهرس ابن أبي أصيبعة‪:‬‬
‫‪ -1‬كتاب الحدود‪.‬‬
‫‪ -2‬رسالة في تعرض رسالة الطبيب في القوى الطبيعية‪.‬‬

‫‪-24-‬‬
‫‪ -3‬كتاب عيون الحكمة‪ ،‬يجمع العلوم الثالثة‪.‬‬
‫‪ -4‬مقالة في عكوس ذوات الجهة‪.‬‬
‫‪ -5‬الخطب التوحيدية في اإللهيات‪.‬‬
‫‪ -6‬كتاب الموجز‪ S‬الكبير في المنطق‪.‬‬
‫‪ -7‬أما الموجز‪ S‬الصغير فهو منطق النجاة‪.‬‬
‫‪ -8‬القصيدة المزدوجة في المنطق‪ ،‬صنفها للرئيس أبو الحسن سهل بن محمد السهيلي بكركانج‪.‬‬
‫‪ -9‬مقالة في تحصيل السعادة‪ ،‬وتعرف‪ S‬بالحجج الغر‪.‬‬
‫‪ -10‬مقالة في القضاء والقدر‪ ،‬صنفها في طريق‪ S‬أصفهان عن خالصه وهربه إلى أصفهان‪.‬‬
‫‪ -11‬مقالة في الهندبا‪.‬‬
‫‪ -12‬مقالة في اإلشارة إلى علم المنطق‪.‬‬
‫‪ -13‬مقالة في تقاسيم الحكمة والعلوم‪.‬‬
‫‪ -14‬رسالة في السكنجيين‪.‬‬
‫‪ -15‬مقالة في الالنهاية‪.‬‬
‫‪ -16‬كتاب تعاليق‪ ،‬علقه عنه تلميذه أبو منصور ابن زيال‪.‬‬
‫‪ -17‬مقالة في خواص خط االستواء‪.‬‬
‫‪ -18‬المباحثات‪ ،‬بسؤال تلميذه أبي الحسن بهمنيار بن الموزبان وجوابه له‪.‬‬
‫‪ -19‬عشر مسائل أجاب عنها ألبي الريحان البيروني‪.‬‬
‫‪ -20‬جواب ست عشرة مسألة ألبي الريحان‪.‬‬
‫‪ -21‬مقالة في هيئة األرض من السماء وكونها في الوسط‪.‬‬
‫‪ -22‬كتاب الحكمة المشرقية‪ ،‬وال يوجد تاماً‪.‬‬
‫‪ -23‬مقالة في تعقب المواضع الجدلية‪.‬‬
‫‪ -24‬المدخل إلى صناعة الموسيقى‪ ،‬وهو غير الموضوع في النجاة‪.‬‬
‫‪ -25‬مقالة في األجرام السماوية‪.‬‬
‫‪ -26‬كتاب التدارك ألنواع خطأ التدبير سبع مقاالت ألفه ألبي الحسن أحمدابن محمد السهلي‪.‬‬
‫‪ -27‬مقالة في كيفية الرصد ومطابقته مع العلم الطبيعي‪S‬‬
‫‪ -28‬مقالة في األخالق‪،‬‬
‫‪ -29‬رسالة إلى الشيخ أبي الحسن سهل بن محمد السهيلي في الكيمياء‪،‬‬
‫‪ -30‬مقالة في آلة رصدية ‪،‬صنعها بأصفهان عند رصده لعالء الدولة‪،‬‬
‫‪ -31‬مقالة في غرض قاطيغورياس‪،‬‬
‫‪ -32‬الرسالة األضحوية في المعاد‪،‬صنفها لألمير أبي بكر محمد بن عبيد‬
‫‪ -33‬معتصم‪ S‬الشعراء في العروض‪،‬صنفه ببالده وله سبع عشرة سنة‬
‫‪ -34‬مقالة في حد الجسم‪.‬‬
‫‪ -35‬الحكم العرشية ‪،‬وهو كالم مرتفع في اإللهيات عهد له عاهد اهلل به لنفسه‪.‬‬

‫‪-25-‬‬
‫‪ -36‬مقالة في أن علم زيد غير علم عمرو‪.‬‬
‫‪ -37‬كتاب تدبير الجند والمماليك‪ S‬والعساكر‪ S‬وأرزاقهم وخراج الممالك‪.‬‬
‫‪ -38‬مناظرات جرت له في النفس مع أبي علي النيسابوري‪.‬‬
‫‪ -39‬خطب وتمجيدات وأسجاع‪ ،‬جواب يتضمن االعتذار فيما نسب إليه من الخطب‪.‬‬
‫‪ -40‬مختصر‪ S‬أوقليدس‪ ،‬وأظنه المضموم‪ S‬إلى النجاة‪.‬‬
‫‪ -41‬مقالة األرثماطيقي‪.‬‬
‫‪ -42‬عشر قصائد وأشعار‪ S‬في الزهد وغيره ويصف‪ S‬فيها أحواله‪.‬‬
‫‪ -43‬رسائل بالفارسية والعربية ومخاطبات‪ ،‬ومكاتبات‪ S‬وهزليات‪.‬‬
‫‪ -44‬تعاليق مسائل حنين في الطب‪.‬‬
‫‪ -45‬قوانين ومعالجات طبية‪.‬‬
‫‪ -46‬مسائل عدة طبية‪ ،‬عشرون مسألة سأله عنها بعض أهل العصر‪.‬‬
‫‪ -47‬مسائل ترجمها‪ S‬بالتذاكير جواب مسائل كثيرة‪.‬‬
‫‪ -48‬رسالة إلى علماء بغداد يسألهم اإلنصاف بينه وبين رجل همداني يدعي الحكمة‪.‬‬
‫‪ -49‬رسالة إلى صديق‪ S‬يسأله اإلنصاف بينه وبين الهمداني الذي يدعي الحكمة‪.‬‬
‫‪ -50‬جواب لعدة مسائل‪ ،‬كالم له في تبيين ماهية الحروف‪.‬‬
‫‪ -51‬شرح كتاب النفس ألرسططاليس‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه من اإلنصاف‪.‬‬
‫‪ -52‬مقالة في النفس تعرف بالفصول‪.‬‬
‫‪ -53‬مقالة في إبطال أحكام النجوم‪.‬‬
‫‪ -54‬كتاب الملح في النحو‪.‬‬
‫‪ -55‬فصول‪ S‬إلهية في إثبات األول‪.‬‬
‫‪ -56‬فصول‪ S‬في النفس والطبيعيات‪.‬‬
‫‪ -57‬رسالة إلى أبي سعيد بن أبي الخير الصوفي في الزهد‪.‬‬
‫‪ -58‬مقالة في أنه ال يجوز‪ S‬أن يكون شيء واحد جوهراً وعرضاً‪.‬‬
‫‪ -59‬مسائل جرت بينه وبين بعض الفضالء في فنون العلوم‪.‬‬
‫‪ -60‬تعليقات استفادها أبو الفرج الطيب الهمداني من مجلسه وجوابات له‪.‬‬
‫‪ -61‬مقالة ذكرها في تصانيفه أنها من الممالك وبقاع األرض‪.‬‬
‫‪ -62‬مختصر‪ S‬في أن الزاوية التي من المحيط والمماس ال كمية لها‪.‬‬
‫‪ -63‬أجوبة لسؤاالت سأله عنها أبو الحسن العامري‪ S‬وهي أربع عشرة مسألة منها كتاب الموجز‪ S‬الصغير‬
‫في المنطق‪.‬‬
‫‪ -64‬كتاب قيم األرض في وسط‪ S‬السماء‪ ،‬ألفه ألبي الحسين أحمد بن محمد السهلي‪.‬‬
‫‪ -65‬كتاب مفاتيح الخزائن في المنطق‪.‬‬
‫‪ -66‬كالم في الجوهر والعرض‪.‬‬

‫‪-26-‬‬
‫‪ -67‬كتاب تأويل الرؤيا‪.‬‬
‫‪ -68‬مقالة في الرد على مقالة الشيخ أبي الفرج بن الطيب‪.‬‬
‫‪ -69‬رسالة في العشق ألفها ألبي عبد اهلل الفقيه‪.‬‬
‫‪ -70‬رسالة في القوى اإلنسانية وإ دراكاتها‪.‬‬
‫‪ -71‬قول في تبيين ما الحزن وأسبابه‪.‬‬
‫‪ -72‬مقالة إلى أبي عبيد اهلل الحسين بن سهل بن محمد السهيلي في أمر مشوب‪.‬‬
‫ويوجد‪ S‬بعض الكتب األخرى لم يذكرها ابن أبي أصبعة قيل‪( :‬فقد البعض منها‪ ،‬وبعضها ما هو إال رسائل‬
‫صغيرة‪ ،‬وبعضها‪ S‬ما كتب على شكل ٍ‬
‫مقالة أو رسالة ضمت من قبل ابن سينا إلى كتاب‪.‬‬
‫ومن الكتب التي لم يتوصل ابن أبي أصبيعة إلى إحصائها ومنها‪:‬‬
‫‪ -1‬إثبات النبرات من النفس الناطقة وأحوالها‪.‬‬
‫‪ -2‬بحث في القوى النفسانية ورسالة في معرفة ورسالة في الكالم على النفس الناطقة نشرها أحمد فؤاد‬
‫األهواني مع (أصول النفس) في مصر سنة ‪1371‬هـ ‪1952 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -3‬أسباب حدوث الحروف‪ :‬وقد نشره محب الدين الخطيب في مطبعة المؤيد بمصر سنة ‪1332‬هـ وهو‬
‫كذلك يختلف عما أشار إليه ابن أبي أصيبعة‪.‬‬
‫‪ -4‬وفي مجموعة «تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات»‪ :‬التي نشرت في القسطنطينية سنة ‪ ،1298‬وفي‪S‬‬
‫بمباي سنة ‪ ،1318‬وفي‪ S‬القاهرة سنة ‪ ،1326‬نجد مما لم يطبع رسالة «إثبات النبوات»‪.‬‬
‫‪« -5‬دفع المضار‪ S‬الكلية عن األبدان اإلنسانية»‪.‬‬
‫‪ -6‬وهناك «ديوان ابن سينا»‪ :‬وقد نشره «حسين محفوظ» في مطبعة الحيدري في طهران سنة ‪1377‬هـ‬
‫‪1957 -‬م‪ ،‬كما طبعه «نور الدين عبد القادر» في مكتبة الفراديس في الجزائر سنة ‪ ،1961‬مع‬
‫ترجمة فرنسية لهنري جاهن وفيه قصائد‪ S‬تختلف عما ذكره ابن أبي أصيبعة في الرقم‪.)65( S‬‬
‫‪ -7‬رسائل ابن سينا وكتاب الفرق بين الروح والنفس‪ :‬لقسطا بن لوقا حققه‪ :‬حلمي هيفا أولكن‪ ،‬ونشره في‬
‫استانبول‪.‬‬
‫‪ -8‬وهناك مجموع حققه «ميكائيل بن يحيى المهرني‪ :»S‬وطبع في مطبعة بريل بليدن سنة ‪1889 /1888‬‬
‫ثم ‪ 1817‬بعنوان‪« :‬رسائل الشيخ الرئيس في أسرار الحكمة المشرقية» وهو اربعة أجزاء في مجلد‬
‫واحد يتضمن مما ذكره ابن أبي أصيبعة‪:‬‬
‫أ‪ -‬رسالة حي ابن يقظان – ب‪ -‬وبعض أنماط «اإلشارات» ‪ -‬ج‪ -‬ورسالة في العشق ‪ -‬د‪ -‬ورسالة في‬
‫القدر‪.‬‬
‫الفكر الرتبوي عند ابن سينا – م‪4‬‬ ‫‪ - 8‬رسالة في ماهية الصالة‪.‬‬
‫رسالة في رفع الغم من الموت‪.‬‬
‫‪ -10‬الرسالة األلواحية‪ :‬حققها محمد سويس ونشرها‪ S‬مركز الدراسات واألبحاث في الجامعة التونسية‬
‫بتونس سنة ‪.1975‬‬
‫‪ -11‬رسالة الحث على الذكر‪ :‬طبعت في مجموع رسائل الشيخ‪ ...‬في حيدر أباد الدكن سنة ‪1354‬هـ‪.‬‬

‫‪-27-‬‬
‫‪ -12‬رسالة في الحجج العشر في جوهرية النفس الناطقة‪ :‬في المجموع السابق الذكر أيضاً‪.‬‬
‫‪ -13‬رسالة السياسة‪ :‬نشرت في كتاب مقاالت فلسفية قديمة ‪ -‬بيروت سن ‪1911‬م‪ ،‬ولهذه الرسالة أهمية‬
‫كبيرة في التربية سنوضحها في ثنايا الكتاب‪.‬‬
‫‪ -14‬رسالة في الفعل واالنفعال‪ :‬طبعت في حيدر أباد الدكن من منشورات دار المعارف العثمانية سنة‬
‫‪1353‬هـ‪.‬‬
‫‪ -15‬رسالة في معرفة النفس الناطقة وأحوالها البن سينا‪ :‬نشرت بتحقيق ثابت الفندي سنة ‪1934‬م‪.‬‬
‫‪ -16‬وقد‪ S‬حقق عبد الرحمن بدوي «مجموعة مقاالت ابن سينا»‪ :‬ونشرها‪ S‬له المعهد الفرنسي بمصر‪ S‬سنة‬
‫‪ ،1954‬وفيها‪ S‬كثير مما لم يذكر سابقاً‪.‬‬
‫ويرى‪ S‬بعض الباحثين أن مخطوطاته التي لم يتم طباعتها أكثر بكثير‪ ،‬ولذلك فقد دهش علماء الغرب من‬
‫كثرة إنتاج هذا المفكر المسلم حتى قال سارتون‪:‬‬
‫«ولست أدري كيف أتفق البن سينا أن ينتج هذا اإلنتاج الضخم وسط حياته القلقة المضطربة‪ ،‬فلم يكتب‬
‫كتبه التي بلغت ‪ -‬ستة وسبعين ومائتين ‪ -‬لم يكتبها في بلد واحد‪ ،‬وال في فترة واحدة متصلة‪ ،‬وال في دولة واحدة‬
‫وإ نما كان يحرر رسائله الصغيرة في أثناء رحالته» (عبد الحليم منتصر‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬مجلة تراث اإلنسانية)‪.‬‬
‫والسؤال الذي يطرح نفسه إلى أي حد تغنينا الكتب التي وصلت إلينا عن الكتب التي لم تصل؟‬
‫إن اإلجابة عن هذا السؤال تقتضي أوالً تقسيم كتبه حسب موضوعاتها أخذاً من الثبت الذي قدمه ابن أبي‬
‫أصيبعة‪ ،‬ثم التعقيب على ذلك ببيان ما وصل إلينا في الموضوع خصوصاً مما نشر حتى اآلن‪.‬‬

‫كتب الحكمة الجامعة والمتخصصة‪:‬‬


‫إن من أبرز الموضوعات عنده كتب الحكمة‪ ،‬وهي في حد ذاتها تقسم إلى كتب جامعة‪ ،‬وكتب متخصصة‪.‬‬
‫وفي‪ S‬الصفحة التالية نقدم الئحة بأسماء كتب الحكمة الجامعة تبين اسم الكتاب‪ ،‬ورقمه في ثبت ابن أبي‬
‫أصيبعة السابق ثم نشير في حقل المالحظات إلى المطبوع‪ S‬منه أو غير المطبوع‪ .‬ثم نتبع ذلك ببيان الكتب‬
‫الحكمية المتخصصة ببعض الموضوعات‪ ،‬ثم بقية الفنون‪ ،‬نتبعه إن شاء اهلل ببيان المطبوع من كتبه حسب‬
‫موضوعاتها‪ S‬مع التعليق بعدها على ما يناسب مطلوبنا من حيث غناها أو عدمه‪.‬‬
‫‪ -‬ونشير‪ S‬إلى أن أبرز الموضوعات عند الشيخ الرئيس (كتب الحكمة الجامعة والمتخصصة) التي جاءت‬
‫في ثبت ابن أبي أصيبعة بعضها مطبوع واآلخر‪ S‬غير مطبوع‪.‬‬
‫من كتب الحكمة الجامعة عند ابن أبي أصيبعة للشيخ الرئيس‪:‬‬
‫‪ -1‬كتاب اللواحق‪ ،‬ويذكر‪ S‬أنه شرح «الشفاء» الذي جمع جميع العلوم األربعة‪.‬‬
‫‪ -2‬كتاب الحاصل والمحصول‪ ،‬وهو قريب من عشرين مجلدة‪.‬‬
‫‪ -3‬كتاب اإلنصاف‪ ،‬عشرون مجلدة‪.‬‬
‫‪ -4‬كتاب المجموع‪ ،‬ويعرف‪ S‬بالحكمة العروضية‪.‬‬
‫‪ -5‬كتاب النجاة‪ ،‬وهو مختصر الشفاء‪.‬‬
‫‪ -6‬كتاب اإلشارات والتنبيهات‪.‬‬

‫‪-28-‬‬
‫‪ -7‬كتاب الهداية‪.‬‬
‫‪ -8‬كتاب عيون الحكمة‪.‬‬
‫‪ -9‬المباحثات‪.‬‬
‫‪ -10‬كتاب الحكمة المشرقية‪.‬‬
‫‪ -11‬كتاب التعليقات ويحتوي على أكثر من ألف نبذة عن حياته عند الشيخ‪.‬‬
‫ومن الكتب المتخصصة عنده والمقاالت‪:‬‬
‫أ‪ -‬اإللهيات‪:‬‬
‫‪ -1‬الخطب التوحيدية في اإللهيات‪.‬‬
‫‪ -2‬الحكمة العرشية‪ ،‬وهو كالم مرتفع في اإللهيات‪.‬‬
‫‪ -3‬فصول إلهية في إثبات األول‪.‬‬
‫‪ -4‬رسالة في العشق‪.‬‬
‫ب ‪ -‬المنطق والجدل والحدود‪:‬‬
‫‪ -5‬كتاب األوسط‪ S‬الجرجاني‪.‬‬
‫‪ -6‬كتاب الموجز‪ S‬الكبير‪.‬‬
‫‪ -7‬الموجز الصغير‪ S‬وهو منطق النجاة‪.‬‬
‫‪ -8‬العقيدة المزدوجة في المنطق‪.‬‬
‫‪ -9‬مقالة في اإلشارة إلى علم المنطق‪.‬‬
‫‪ -10‬كتاب مفاتيح الخزائن في المنطق‪.‬‬
‫‪ -11‬كتاب الحدود‪.‬‬
‫‪ -12‬مقالة في تعقب المواضع الجدلية‪.‬‬
‫‪ -13‬مقالة في حد الجسم‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الجوهر والعرض‪:‬‬
‫في أن ال يجوز أن يكون شيء واحد جوهراً وعرضاً‪.‬‬
‫كالم في الجوهر والعرض‪.‬‬
‫د ‪ -‬الحروف‪:‬‬
‫مقالة في مخارج الحروف‬
‫كالم في تبيين ماهية الحروف‪S‬‬
‫هـ ‪ -‬الرصد والهيئة واألرض‬
‫‪ -1‬كتاب األرصاد‪ S‬الكلية‪.‬‬
‫‪ -2‬مقالة في آلة رصد صنعها لعالء الدولة‪.‬‬
‫‪ -3‬مقالة في غرض قاطيغورياس‪S.‬‬
‫‪ -4‬مقالة في خواص خط االستواء‪.‬‬

‫‪-29-‬‬
‫‪ -5‬مقالة في هيئة األرض من السماء وكونها‪ S‬وسطاً‪.‬‬
‫‪ -6‬مقالة في األجرام السماوية‪.‬‬
‫‪ -7‬مقالة في كيفية الرصد ومطابقته للطبيعيات‪.‬‬
‫‪ -8‬مقالة ذكرها أنها في الممالك وبقاع األرض‪.‬‬
‫‪ -9‬كتاب قيام األرض في وسط السماء‪.‬‬
‫‪ -10‬مقالة في إبطال أحكام النجوم‪.‬‬
‫و‪ -‬الرياضيات‪:‬‬
‫‪ -1‬رسالة إلى أبي سهل المسيحي في الزاوية‪.‬‬
‫‪ -2‬مقالة في عكوس ذوات الجهات‪.‬‬
‫‪ -3‬مقالة في الالنهاية‪.‬‬
‫‪ -4‬مختصر أوقليدس‪ S‬المضموم إلى النجاة‪.‬‬
‫‪ -5‬مقالة األرثماطيقي‪.‬‬
‫‪ -6‬في أن الزاوية التي من المحيط والمماس ال كمية لها‪.‬‬
‫ز‪ -‬الطب‪:‬‬
‫‪ -1‬كتاب القانون في الطب‪.‬‬
‫‪ -2‬كتاب القولنج صنفه بقلعة قردجان‪.‬‬
‫‪ -3‬كتاب األدوية القلبية صنفها بهمدان‪.‬‬
‫‪ -4‬مقالة في النبض بالفارسية‪.‬‬
‫‪ -5‬مقالة في تعرض رسالة الطبيب في القوى الطبيعية‪.‬‬
‫‪ -6‬مقالة في الهنديا‪.‬‬
‫‪ -7‬رسالة في السكنجبين‪.‬‬
‫‪ -8‬كتاب التدارك ألنواع خطأ التدبير‪.‬‬
‫‪ -9‬تعاليق مسائل حنين في الطب‪.‬‬
‫‪ -10‬قوانين ومعالجات‪.‬‬
‫‪ -11‬مسائل عدة طبية عشرون مسألة‪.‬‬
‫ح‪ -‬العلوم‪:‬‬
‫‪ -1‬مقالة في تقاسيم الحكمة والعلوم‪.‬‬
‫‪ -2‬عشر مسائل أجاب عنها ألبي الريحان البيروني‪.‬‬
‫‪ -3‬جواب ست عشرة مسألة أجاب عنها ألبي الريحان البيروني‪.‬‬
‫‪ -4‬رسالة في الكيمياء إلى الشيخ أبي الحسن السهلي‪.‬‬
‫ط ‪ -‬في النفس‪:‬‬
‫‪ -1‬كتاب المبدأ والمعاد في النفس صنفه للشيرازي‪S.‬‬
‫‪ -2‬مقالة في القوى الطبيعية إلى أبي سعد اليمامي‪.‬‬

‫‪-30-‬‬
‫‪ -3‬مناظرات في النفس مع أبي علي النيسابوري‪.‬‬
‫‪ -4‬شرح كتاب النفس ألرسططاليس‪ S‬ويقال إنه من اإلنصاف‪.‬‬
‫‪ -5‬مقالة في النفس تعرف بالفصول‪.‬‬
‫‪ -6‬فصول في النفس والطبيعيات‪.‬‬
‫‪ -7‬كتاب تأويل الرؤيا‪.‬‬
‫‪ -8‬رسالة في القوى اإلنسانية وإ دراكاتها‪.‬‬
‫‪ -9‬قول في تبيين ما الحزن وما أسبابه‪.‬‬
‫‪ -10‬مقالة في أن علم زيد غير علم عمرو‪.‬‬
‫ي‪ -‬القصص الرمزي‪:‬‬
‫‪ -1‬رسالة حي بن يقظان‪.‬‬
‫‪ -2‬رسالة الطير‪.‬‬
‫ك‪ -‬األخالق والزهد‬
‫‪ -1‬كتاب البر واإلثم صنفه للفقيه البرقي في األخالق‪.‬‬
‫‪ -2‬مقالة في تحصيل السعادة = الحجج الغر‪.‬‬
‫‪ -3‬مقالة في القضاء والقدر‪.‬‬
‫‪ -4‬مقالة في األخالق‪.‬‬
‫‪ -5‬الرسالة األضحوية في المعاد‪.‬‬
‫‪ -6‬عشر قصائد‪ S‬وأشعار في الزهد‪.‬‬
‫‪ -7‬رسالة إلى أبي سعيد بن أبي الخير الصوفي‪.‬‬
‫‪ -8‬كتاب المعاد صنفه بالري للملك مجد الدولة‪.‬‬
‫‪ -‬في اللغة والموسيقى‬
‫‪ -1‬لسان العرب‪.‬‬
‫‪ -2‬كتاب الملح في النحو‪.‬‬
‫‪ -3‬خطب وتمجيدات‪ S‬وأسجاع في االعتذار‪.‬‬
‫‪ -4‬المدخل إلى صناعة الموسيقى‪ ،‬وهو غير الموضوع‪ S‬في النجاة‪.‬‬
‫‪ -‬كتب بالفارسية‪:‬‬
‫‪ -1‬كتاب دانش ماية العالئي‪.‬‬
‫‪ -2‬رسائل بالفارسية والعربية ومخاطبات‪.‬‬
‫‪ -‬التعاليق‪:‬‬
‫‪ -1‬كتاب تعاليق علقه عنه تلميذه أبو منصور بن زيال‪.‬‬
‫‪ -2‬تعليقات أبي الفرج الطيب الهمداني‪.‬‬

‫‪-31-‬‬
‫ومن أبرز كتب المتفرقات‪:‬‬

‫‪ -‬متفرقات‬
‫كتاب تدبير الجند والممالك والعساكر وأرزاقهم‪ S‬وخراج الممالك‪.‬‬
‫‪ -‬رسائل وجوابات‪:‬‬
‫‪ -1‬مسائل ترجمها بالتذاكير‪ S‬جواب مسائل كثيرة‪.‬‬
‫‪ -2‬رسالة إلى علماء بغداد‪.‬‬
‫‪ -3‬رسالة إلى صديق‪.‬‬
‫‪ -4‬أجوبة أبي الحسن العامري ‪ -14-‬مسألة‪.‬‬
‫‪ -5‬الرد على أبي الفرج بن الطيب‪.‬‬
‫ونشير‪ S‬إلى أن أبرز الموضوعات عند ابن سينا (كتب الحكمة الجامعة والمتخصصة) التي جاءت في ثبت‬
‫ابن أبي أصيبعة بعضها مطبوع واآلخر‪ S‬غير مطبوع‪ ،‬كما أشرنا سابقاً ومن الطبعات التي وصلت إلينا‪:‬‬
‫‪ -1‬طبعات كتاب الشفاء‪ :‬فقد طبع بداية في طهران سنة ‪1303‬هـ كما طبع في (براغ) سنة ‪1956‬م‬
‫ويوجد منه صورة بجامعة القاهرة‪ ،‬كما تم طباعته في المطبعة األميرية بالقاهرة سنة ‪1371‬هـ ‪ ،1952‬في ثالثة‬
‫أجزاء ‪ -‬تضمنت مختلف العلوم الرياضية في أصول الهندسة والرياضيات‪ ،‬والطبيعيات‪ ،‬وقد نشر محمود‪ S‬قاسم‬
‫من الطبيعيات ثالثة أبواب هي‪:‬‬
‫السماء والعالم‪ ،‬الكون والفساد‪ ،‬واألفعال واالنفعاالت في دار الكتاب العربي سنة ‪1969‬م وكانت من نتيجة‬
‫دأب ابن سينا أن أصبحت المعلومات عنده ملكة كاملة في معالجة كافة العلوم وتحري الحقيقة فيها كما جاء في قوله‪:‬‬
‫«وكذلك حتى استحكم معي جميع العلوم‪ ،‬ووقفت عليها بحسب اإلمكان اإلنساني‪ ،‬وكل ما علمته في ذلك‬
‫الوقت فهو كما علمته اآلن‪ ،‬ولم أزد فيه إلى اليوم‪ ،‬حتى أحكمت علم المنطق والطبيعي‪ S‬والرياضي!!‬
‫وبعد تمكنه وإ تقانه علوم الطبيعة وآالتها انتقل إلى دراسة ما بعد الطبيعة وبذلك يقول‪:‬‬
‫علي غرض واضعه‪،‬‬
‫«ثم عدلت إلى اآللهي‪ ،‬وقرأت كتاب ما بعد الطبيعة‪ ،‬فما كنت أفهم ما فيه‪ ،‬والتبس ّ‬
‫حتى أعدت قراءته أربعين مرة‪ ،‬وصار لي محفوظاً‪ ،‬وأنا مع ذلك ال أفهمه وال المقصود به‪ ،‬وأيست من نفسي‬
‫وقلت‪« :‬هذا كتاب ال سبيل إلى فهمه»‪.‬‬
‫وإ ذا أنا في يوم من األيام حضرت وقت العصر في الوراقين‪ ،‬وبيدي دالل مجلد ينادي عليه‪ ،‬فعرضه‬
‫علي‪ ،‬فرددته رد متبرم معتقد أن ال فائدة من هذا العلم‪ .‬فقال لي‪ :‬اشتر مني هذا فإنه رخيص‪ ،‬أبيعكه بثالثة‬
‫ّ‬
‫دراهم‪ ،‬وصاحبه محتاج إلى ثمنه‪ ،‬واشتريته فإذا هو كتاب ألبي نصر الفارابي في أغراض كتاب ما بعد الطبيعة‪.‬‬
‫«ورجعت إلى بيتي وأسرعت قراءته فانفتح علي في الوقت أغراض ذلك الكتاب‪ ،‬بسبب أنه كان محفوظاً‬
‫لي على ظهر القلب‪ ،‬وفرحت بذلك‪ ،‬وتصدقت‪ S‬في ثاني يومه بشيء كثير على الفقراء شكراً هلل تعالى»‪.‬‬

‫‪-32-‬‬
‫وهذا يشير إلى الغموض الذي جاء في كتاب «ما بعد الطبيعة ألرسطوطاليس‪ »S‬ويؤكد ذلك أن ابن سينا‬
‫نفسه احتاج لمراجعة الكتاب أكثر من أربعين مرة‪ ،‬دون فهم والغرض منه‪ ،‬إال أنه استطاع‪ S‬وبطريق‪ S‬الصدفة‬
‫جلسة‬
‫شراء كتاب ألبي نصر الفارابي (كتاب ما بعد الطبيعة) الذي شرح فيه مغالق علم الطبيعة حيث فهم من ّ‬
‫واحدة‪ .‬وقد‪ S‬أشار ابن سينا إلى ذلك بقوله‪:‬‬
‫«كتاب في أغراض الحكيم في كل مقالة من الكتاب المرسوم بالحروف» وقد طبع الكتاب في ليدن ‪1890‬م‬
‫كما طبع في مصر سنة ‪1907‬م‪.‬‬
‫وقد‪ S‬أشار الباحثون إلى أن ابن سينا حصل على الفلسفة اليونانية من شروح المسلمين لها وفي طليعتهم‪S‬‬
‫الفارابي‪ ،‬ويؤكد‪ S‬ذلك قوله‪:‬‬
‫«وتصدقت‪ S‬في ثاني يوم بشيء كثير‪ ...‬شكراً هلل تعالى‪ ...‬وهذا دليل إيمانه باهلل»‪.‬‬
‫لقد كان ابن سينا محباً للمطالعة شغوفاً‪ S‬بها‪ ،‬دقيق المالحظة لنفسه وأحوالها فإذا هو يقرر حقيقة نفسية‬
‫تتعلق بالتعلم الذي يكون حفظاً في أول أمره وهذا يساعد على النضج واإلدراك‪ ،‬ويقول ابن سينا‪:‬‬
‫«فلما بلغت ثماني عشرة سنة من عمري‪ ،‬فرغت من هذه العلوم كلها‪ ،‬وكنت إذ ذاك للعلم أحفظ‪ ،‬ولكنه‬
‫اليوم معي أنضج‪ ،‬وإ ال فالعلم واحد لم يتجدد لي بعده شيء»‪.‬‬
‫وقد‪ S‬ظهر البن سينا مجموعة رسائل كان من أبرزها رسالة في الفعل واالنفعال وأقسامها في مجموعة‬
‫رسائل ابن سينا التي نشرت في حيدرأباد‪ S‬الركن في دائرة المعارف‪ S‬العثمانية سنة ‪.353‬‬
‫‪ -‬كتاب المنطق‪.‬‬
‫‪ -‬تناول ابن سينا في كتاب المنطق أجوبته إلى أبي سعيد بن أبي الخير ‪ -‬وهي تتضمن خمسة أسئلة البن‬
‫أبي الخير في موضوعات‪ S‬مختلفة منها المنطق‪.‬‬
‫‪ -‬األجوبة عن المسائل العشرينية (عشرون مسألة في المنطق)‪.‬‬
‫‪ -‬أرجوزة في المنطق‪.‬‬
‫كما ظهر كتاب العبارة بتحقيق محمود الخضيري‪ S‬في دار الكاتب العربي سنة ‪1970‬م‪.‬‬
‫وكذلك «القياس» بتحقيق سعيد زايد في المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة سنة‬
‫‪1383‬هـ ‪1964 -‬م‪.‬‬
‫ونشر‪ S‬الدكتور عبد الرحمن بدوي في مكتبة النهضة المصرية الطبعة األولى سنة ‪1374‬هـ ‪1954 -‬م‪،‬‬
‫كتاب «البرهان»‪.‬‬
‫وكانت الطبعة الثانية بدار النهضة العربية بمصر سنة ‪1966‬م‪.‬‬
‫وعن المنطق في غير كتاب الشفاء نجد «منطق المشرقيين» و«القصيدة المزدوجة» وقد نشرتهما‪ S‬المكتبة‬
‫السلفية بمصر سنة ‪1910‬م‪.‬‬
‫وأما عن الشعر من كتاب الشفاء‪:‬‬
‫‪ -‬فقد نشر عبد الرحمن بدوي‪ S‬كذلك في الدار المصرية للتأليف والترجمة سنة ‪1386‬هـ ‪1966 -‬م‪:‬‬
‫«كتاب الشعر»‪.‬‬
‫‪ -‬ونشر‪ S‬المعهد الفرنسي بمصر سنة ‪ 1952‬المقالة العاشرة من الشفاء‪.‬‬

‫‪-33-‬‬
‫‪ -‬كما نشر الدكتور عبد الحليم المنتصر موجزاً‪ S‬عن الجزء الخاص بالطبيعيات والمعادن والنبات في‬
‫سلسلة «تراث اإلنسانية»‪.‬‬
‫ومن الكتب الجامعة في الحكمة أيضاً‪:‬‬
‫كتاب اإلشارات والتنبيهات‪:‬‬
‫وهو أجود ما صنف في الحكمة‪ ،‬وقد‪ S‬تولى شرحه من بعده كثيرون أمثال الطوسي نصير‪ S‬الدين وفخر‬
‫الدين الرازي وابن طفيل‪.‬‬
‫وقد‪ S‬نشر سليمان دنيا بتحقيقه كتاب اإلشارات بشرح نصير‪ S‬الدين الطوسي أوالً في دار إحياء الكتاب‬
‫العربي بمصر سنة ‪1366‬هـ ‪1947 -‬م‪ ،‬ثم نشره في دار المعارف بمصر‪ S‬في سلسلة ذخائر العرب في أربعة‬
‫أجزاء مجموعة في ثالثة مجلدات سنة ‪1960‬م ثم ‪1391‬هـ ‪1971 -‬م‪.‬‬
‫لكن أقدم طبعة من طبعاتها هي طبعة فورجيت بليدن سنة ‪1892‬م‪.‬‬
‫أما دار الطباعة في القاهرة فقد أخرجتها تحت عنوان «شرحي اإلشارات لنصير‪ S‬الدين الطوسي وفخر‪S‬‬
‫الدين الرازي» سنة ‪1325‬هـ في جزئين ومجلد واحد‪.‬‬
‫كما أخرجت «شرح اإلشارات البن طفيل سنة ‪1920‬م»‪.‬‬
‫وفي‪ S‬مطبعة بريل‪ S‬في‪ S‬ليدن‪ ،‬نشر‪ S‬ميكائيل‪ S‬بن يحيى‪ S‬المهرني‪ S‬سنة ‪1888‬م‪1889/‬م‪ ،‬مجموعة من مؤلفات‬
‫ابن سينا‪ S‬باسم‪ :‬رسائل‪ S‬الشيخ الرئيس‪ S‬ابن سينا‪ S‬في‪ S‬أسرار‪ S‬الحكمة المشرقية‪ S‬وهي‪ 4 S‬أجزاء مع ترجمة‪ S‬فرنسية‪S،‬‬
‫ومن رسائلها‪S:‬‬
‫األنماط الثالثة األخيرة من اإلشارات‪ ،‬ومن الكتب الجامعة كذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬كتاب المباحثات‪:‬‬
‫وهو أجوبة الشيخ على مسائل تلميذه «بهمنيار»‪ ،‬وقد نشره عبد الرحمن بدوي‪ S‬ضمن كتابه عن‪« :‬أرسطو‬
‫عند العرب» في القاهرة سنة ‪1947‬م ص‪.239 - 122 :‬‬
‫‪ -‬وكتاب التعليقات‪:‬‬
‫وهي تعليقات استفادها من الشيخ الرئيس تلميذه أبو الفرج الطيب الهمذاني حسب قول ابن أبي أصيبعة‪،‬‬
‫وقد نشرت بتحقيق عبد الرحمن بدوي في سلسلة المكتبة العربية برقم ‪ 130‬تحت إشراف الهيئة المصرية العامة‬
‫للكتاب في القاهرة سنة ‪1392‬هـ ‪1973 -‬م‪ ،‬وهي قريب من مئتي صفحة وعليها تعليقات لتلميذ ابن سينا‬
‫بهمنيار‪.‬‬
‫وقد‪ S‬ذكر األستاذ محمد رضا الشبيبي في كتابه «تراثنا الفلسفي» المطبوع في مطبعة العاني ببغداد سنة‬
‫‪1965‬م‪ ،‬أنه وجدها في مجموع خطي في مكتبة النجف‪ ،‬ويقول عنها الشبيبي‪« :‬وهو أكبر كتاب في المجموع‬
‫وعدد صفحاته ‪ 178‬وفيه ‪ 1088‬نبذة‪ ،‬تولى عملها أبو العباس اللوكري‪ S‬تلميذ بهمنيار سنة ‪503‬هـ‪.‬‬
‫‪ -5‬ومن الكتب الجامعة كتاب النجاة‪:‬‬
‫وأما كتاب النجاة فقد طبع طبعات تجارية‪ ،‬كما طبع بتحقيق محي الدين صبري الكردي سنة ‪1331‬هـ ‪-‬‬
‫ثم أعيدت طباعته سنة ‪1938‬م وهو في حدود ‪ 312‬صفحة‪.‬‬
‫‪ -6‬ومن الكتب الجامعة كتاب الهداية‪:‬‬

‫‪-34-‬‬
‫وأما كتاب الهداية‪ ،‬فقد طبع بتحقيق محمد عبده مرتين في مكتبة القاهرة الحديثة‪ ،‬آخرهما سنة ‪1974‬م‪،‬‬
‫وهي في حدود ‪ 335‬صفحة‪.‬‬
‫‪ -7‬ومنها‪ :‬كتاب عيون الحكمة‪:‬‬
‫وقد‪ S‬طبع كتاب «عيون الحكمة» بتحقيق عبد الرحمن بدوي في مصر سنة ‪1954‬م‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬كتب في الحكمة لم تطبع بعد والرأي فيها‪:‬‬
‫‪ -1‬الكتب الجامعة‪:‬‬
‫يبقى في إطار الكتب الجامعة للحكمة‪ ،‬مما ذكره ابن أبي أصيبعة خمسة كتب هي‪:‬‬
‫‪ -1‬كتاب اللواحق‪.‬‬
‫ويذكر‪ S‬أنه شرح الشفاء‪.‬‬
‫‪ -2‬كتاب الحاصل والمحصول‪.‬‬
‫يقول ابن أبي أصيبعة‪ :‬إنه ال يوجد منه إال نسخة األصل‪ ،‬فقد كان معرضاً للضياع من أيام ابن أبي‬
‫أصيبعة‪.‬‬
‫إال أنه من الكتب التي ألفها في أول حياته ولذلك نعتقد أن الكتب التي ألفها بعد أن نضج تغني عنه‪.‬‬
‫‪ -3‬كتاب اإلنصاف‪:‬‬
‫يقول ابن أبي أصيبعة إنه في عشرين مجلدة‪ ،‬وقد‪ S‬شرح فيه كتب أرسططاليس‪ ،‬وأنصف بين المشرقيين‬
‫والمغربيين‪.‬‬
‫وكذلك نعتقد أن الكتب الجامعة للحكمة المطبوعة حتى اليوم تغني عنه إن لم يوجد‪.‬‬
‫‪ -4‬كتاب المجموع‪:‬‬
‫ويعرف‪ S‬بالحكمة العروضية‪ ،‬صنفه وله إحدى وعشرون سنة ألبي الحسن العروضي‪ S‬من غير‬
‫الرياضيات‪ .‬فال شك أن الكتب التي صنفها بعده أنضج وأشمل‪ ،‬وهي كذلك تغني عنه‪.‬‬
‫‪ -5‬وأخيراً كتاب الحكمة المشرقية‪:‬‬
‫وهو بال شك غير ما طبعه «ميكائيل بن يحيى المهرني» في ليدن سنة ‪88/1889‬م تحت اسم «رسائل‬
‫الشيخ الرئيس ابن سينا في أسرار الحكمة المشرقية» ألن كتاب المهرني‪ S‬مجموعة رسائل في موضوعات‬
‫متعددة‪ ،‬والمفروض ابن أبي أصيبعة يقصد كتاباً موحداً‪ .‬فلعل هذا الكتاب ينقصنا لبيان رأي ابن سينا في الحكمة‬
‫المشرقية‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬الكتب المخصصة والمقاالت‪:‬‬
‫لقد أشرنا إلى أن البن سينا في الحكمة‪ ،‬إلى جانب كتبه الجامعة‪ ،‬كتباً أو رسائل أو مقاالت‪ ،‬في‬
‫موضوعات خاصة من الحكمة من مثل‪:‬‬
‫أ‪ -‬اإللهيات ‪ -‬ب ‪ -‬المنطق والجدل والحدود ‪ -‬جـ ‪ -‬الجوهر والعرض ‪ -‬د ‪ -‬الحروف ‪ -‬هـ ‪ -‬الرصد‬
‫‪ -‬و ‪ -‬الرياضيات‪ S‬وغيرها‪....‬‬

‫‪-35-‬‬
‫وقد‪ S‬أشرنا في الفقرة السابقة عن الكتب المطبوعة إلى بعض الموضوعات‪ S‬الخاصة مثل المنطق والشعر‪...‬‬
‫ونحن نعتقد أن ما ورد في الكتب العامة عن بعض الموضوعات‪ S‬يغنينا عن بعض الرسائل‪ ،‬ولذلك‬
‫فسنقتصر‪ S‬هنا على ذكر المطبوع‪ S‬مما يتعلق بالموضوعات التي تغني عنها الكتب الجامعة‪ .‬وهي‪:‬‬
‫أ‪ -‬في اآللهيات‪:‬‬
‫‪ - 1‬الحكمة العرشية‪:‬‬
‫وقد‪ S‬ذكر ابن أبي أصيبعة عنها أنها كالم مرتفع في اآللهيات وعهد له عاهد اهلل به لنفسه‪ ،‬ونحن نجد في‬
‫المجموعة التي تحمل عنوان‪[ :‬تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات] رسالة بعنوان «رسالة العهد»‪.‬‬
‫وقد‪ S‬طبع المجموع عدة طبعات أولها في مطبعة الجوائب في القسطنطينية سنة ‪1298‬هـ‪ ،‬ثم في مطبعة‬
‫هندية بالقاهرة سنة ‪1908‬م‪ ،‬ثم في مطبعة كلزار حسن في بمباي سنة ‪1318‬هـ‪.‬‬
‫كما نشر عبد الرحمن بدوي‪ S‬في كتاب أرسطو‪ S‬عند العرب ص ‪ ،247‬نسخة عهد به ابن سينا لنفسه‪.‬‬
‫‪ -2‬وهناك‪« :‬رسالة العشق»‪:‬‬
‫وقد طبعها ميكائيل المهري في مطبعة بريل ‪ -‬ليدن ‪ -‬سنة ‪88/1889‬م مع مجموعة رسائل األخرى باسم‪:‬‬
‫رسائل الشيخ الرئيس ابن سينا في أسرار الحكمة المشرقية مع ترجمة فرنسية‪ 4 ،‬أجزاء في مجلد واحد‪.‬‬
‫‪ -3‬أما الخطب التوحيدية‪:‬‬
‫فقد أفاد األستاذ رضا الشبيبي في كتابه «تراثنا الفلسفي» أنه قد عثر عليها في مجموع في خزائن كتب‬
‫النجف‪ ،‬ولكن األستاذ الشبيبي قد وهم بأن هذه «الخطب التوحيدية» هي نفس رسالة «خطب وتمجيدات» التي‬
‫تحدث عنها ابن أبي أصيبعة تحت رقم‪ ]62[ S‬حيث يقول إنها مجموعة اعتذارات ال دخل لها باإللهيات‪.‬‬
‫ب‪ -‬وقد أشرنا إلى ما طبع في المنطق قبالً‪.‬‬
‫ج‪ -‬أما في الجوهر والعرض فقد نشرت منه رسالة في مجموع صدر في حيدر أباد الدكن سنة ‪1354‬هـ تحت‬
‫اسم‪« :‬مجموع رسائل الشيخ الرئيس»‪.‬‬
‫د‪ -‬أما الحروف فلم يطبع مما ذكره فيها ابن أبي أصيبعة شيء‪ ،‬غير أن محب الدين الخطيب قد نشر في‬
‫مطبعة المؤيد سنة ‪1332‬هـ‪ ،‬كتيباً باسم «أسباب حدوث الحروف» البن سينا‪ ،‬وهو يقع في حوالي عشرين‬
‫صفحة‪ ،‬كذلك أشار عبد الرحمن بدوي‪ S‬في كتابه «أرسطو‪ S‬عند العرب» إلى شرح ابن سينا لحرف الالم‪ ،‬ونكتفي‬
‫عن «الرياضيات» و«الرصد» و«الهيئة» وأمثالها‪ S‬بما جاء في الكتب الحكمية الجامعة ألن هذه العلوم قد تقدمت‬
‫اليوم تقدماً كبيراً بسبب ما تهيأ لها من وسائل البحث‪ ،‬وما نعتقد أن بحوث ابن سينا في الموضوع‪ S‬تفيدنا في أكثر‬
‫من العرض التاريخي‪ S‬لتطور هذه العلوم‪ ،‬ولغرض العرض التاريخي‪ S‬يمكن أن يستغنى‪ S‬بما جاء في الكتب‬
‫الحكمية الجامعة‪ .‬إنما يهمنا أن نبرز من الموضوعات‪ S‬الخاصة‪ :‬كتب الطب والدراسات النفسية‪.‬‬
‫‪ -5‬كتب الطب والعلوم‪:‬‬
‫‪ -1‬كتب الطب‪:‬‬
‫رأينا أن المطبوع من كتب الطب هو كتاب القانون في الطب [‪ ،]7‬وأقدم طبعة له في العالم اإلسالمي هي‬
‫طبعة بوالق في المطبعة األميرية بمصر سنة ‪1294‬هـ‪ ،‬في ثالثة مجلدات‪ ،‬وصدرت عن هذه الطبعة في بيروت‬
‫تصويرًا طبعة دار صادر بدون تاريخ‪ ،‬وذلك باالشتراك مع مكتبة المثنى ببغداد‪.‬‬

‫‪-36-‬‬
‫ولكن الكتاب ترجم إلى اللغات الحية جميعاً وكان يدرس في أوربا باللغة الالتينية طوال أربعة قرون‪ ،‬وقد‬
‫طبع أخيراً باللغة الروسية‪ ،‬كما طبع باللغة العربية في روما سنة ‪1957‬م‪ ،‬والمؤسف‪ S‬أن يتوفر مثل هذا الكتاب‬
‫في اللغة العربية وال تقوم جماعة من العلماء باإلشراف‪ S‬على طباعته طباعة محققة أحسن من الطبعة التجارية‬
‫المعروفة باسم «طبعة بوالق‪ .»S‬فضالً عن أن ينبري المتخصصون لدراسته من جميع الجوانب‪.‬‬
‫وقد‪ S‬ال يكون الكتاب جامعاً لكل آراء ابن سينا وأفكاره في الموضوع‪ S‬ومع ذلك فإن الثروة المتضمنة فيه‬
‫من األفكار تكفي لالستغناء عن بقية رسائل ابن سينا الطبية‪.‬‬
‫‪ -‬أهمية كتاب القانون للدراسات النفسية‪:‬‬
‫وال تقتصر عظمة كتاب القانون على ما فيه من معلومات طبية‪ ،‬بل إن علماء النفس المتعمقين يستطيعون‬
‫أن يجدوا فيه دراسات نفسية سباقة سواء في علم النفس الفزيولوجي‪ ،‬أو علم نفس النمو‪ ،‬أو في التحليل والعالج‬
‫النفسي‪ ،‬فضالً عن أنه بال شك أقدم كتاب فتح باب الطب النفسي الجسدي‪.‬‬
‫وسنخصص‪ S‬بإذن اهلل فصالً كامالً لبيان بعض خصائص الدراسات النفسية في كتاب القانون‪ ،‬ولكننا نشعر‬
‫بعد الذي ذكرناه عن أهمية هذا الكتاب للدراسات النفسية بأن القارئ في شوق إلى أن يسمع على ما قررناه دليالً‬
‫واحداً على األقل‪ ،‬ولذلك سنكتفي هنا بإعطاء هذا الدليل من تعريف الطب عند ابن سينا في هذا الكتاب إذ يقول‬
‫في التعليم األول‪ :‬حد الطب‪.‬‬
‫«الطب ينظر في‪:‬‬
‫‪ -1‬في األركان‪.‬‬
‫‪ -2‬والمزاجات‪.‬‬
‫‪ -3‬واألخالط‪.‬‬
‫‪ -4‬واألعضاء البسيطة والمركبة‪.‬‬
‫‪ -5‬واألرواح وقواها‪ S‬الطبيعية والحيوانية والنفسانية‪.‬‬
‫‪ -6‬واألفعال وحاالت البدن من الصحة والمرض والتوسط‪.‬‬
‫‪ -7‬وأسبابها‪ :‬من المآكل والمشارب واألهوية والمياه والبلدان والمساكن‪.‬‬
‫‪ -8‬واالستفراغ واالحتقان‪.‬‬
‫‪ -9‬والعادات والحركات البدنية والنفسانية‪.‬‬
‫‪ -10‬والسكونات‪.‬‬
‫‪ -11‬واألسنان واألجناس‪.‬‬
‫‪ -12‬والواردات‪ S‬على البدن من األمور الغريبة‪.‬‬
‫‪ -13‬والتدبير‪ S‬بالمطاعم والمشارب‪ ...‬الخ»‪.‬‬
‫فمن هذا التعريف‪ S‬نرى‪:‬‬
‫‪ -1‬أن التشخيص عنده ال يعتمد فقط على تشريح األعضاء البسيطة والمركبة‪ ،‬إنما هو تشخيص نفسي‬
‫جسدي يشمل األرواح وقواها‪ S‬الطبيعية والحيوانية والنفسانية‪.‬‬
‫‪ -2‬كما يشمل األفعال أو ما يسمونه اليوم بالسلوك‪.‬‬
‫‪ -3‬باإلضافة إلى أثر البيئة الطبيعية‪ :‬البلدان والمساكن‪.‬‬
‫‪ -4‬والبيئة الجسدية‪ :‬االستفراغ واالحتقان‪.‬‬
‫‪ -5‬والبيئة االجتماعية‪ :‬الصناعات والعادات‪.‬‬

‫‪-37-‬‬
‫‪ -6‬والبيئة النفسية‪ :‬الحركات البدنية والنفسانية والسكونات‪.‬‬
‫‪ -7‬والدراسة التطورية‪ :‬األسنان واألجناس‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫فمن هذا التعريف‪ S‬يتبين أن ابن سينا زعيم المدرسة النفسية في الطب‪ ،‬وأنه رائد في الدراسات النفسية‬
‫الجسدية بمختلف ميادينها‪ ....‬وسنزيد‪ S‬الموضوع‪ S‬وضوحاً‪ S‬في الفصول القادمة إن شاء اهلل‪.‬‬
‫‪ -2‬كتبه في العلوم‪:‬‬
‫تحتوي‬
‫الرتبوي عند ابن سينا – م‪5‬‬ ‫كذلك من سوء الحظ أن كتبه ومقاالته في العلوم كالفيزياء والكيمياء لم تطبع بعد‪ ،‬والظاهر أنهاالفكر‬
‫على أفكار قيمة ألن كتاب القانون قد شرح لنا عناية ابن سينا بالمنهج التجريبي‪ ،‬والمنهج التجريبي هو لب‬
‫الدراسات العلمية في الفيزياء والكيمياء‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك أن بعض هذه الكتب مساجالت بين ابن سينا وبين عالم إسالمي كبير له شهرته هو أبو‬
‫الريحان البيروني‪ .‬فعسى أن يكون قريباً‪ S‬يوم ترى فيه هذه األبحاث عناية من الباحثين‪.‬‬
‫وننتقل بعد هذا إلى بيت القصيد من حديثنا عن كتبه وهو المتعلق بالدراسات النفسية عنده‪.‬‬
‫‪ -6‬الدراسات النفسية‪:‬‬
‫وإ ذا ما استعرضنا‪ S‬ما طبع عن النفس من مؤلفات ابن سينا لم نجد مما ذكره ابن أبي أصيبعة إال‪:‬‬
‫‪ -1‬رسالة القوى اإلنسانية (‪ ،)94‬وقد‪ S‬نشرت مع مجموعة تحت اسم «تسع رسائل في الحكمة‬
‫والطبيعيات» طبعت في القسطنطينية سنة ‪1298‬هـ ثم في بومباي سنة ‪1318‬هـ‪ ،‬ثم في القاهرة سنة ‪1326‬هـ ـ‬
‫‪1908‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬وقد نشرت دار العلم للماليين ملحقًا بكتاب عن «فلسفة ابن رشد» بحثًا عن القوى اإلنسانية‪ ،‬يشبه ما ورد‬
‫في «تسع رسائل» ومع ذلك فقد نشرت كتب ومقاالت أخرى في موضوع النفس‪ ،‬غير ما ذكره ابن أبي أصيبعة‬
‫أهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬ما نشرهُ «أحمد فؤاد األهواني» سنة ‪1317‬هـ‪1952-‬م تحت عنوان‪ :‬أحوال النفس‪ ،‬من تحقيقه‪ ،‬وقد‬
‫نشر معه ثالث رسائل‪:‬‬
‫أ ‪ -‬بحث في القوى النفسانية‪.‬‬
‫ب‪ -‬ورسالة في معرفة النفس الناطقة وأحوالها‪.‬‬
‫ج‪ -‬ورسالة في الكالم عن النفس الناطقة‪.‬‬
‫‪ -2‬وما نشره ثابت الفندي سنة ‪1934‬م تحت عنوان رسالة في معرفة النفس الناطقة وأحوالها‪ ،‬وهي التي‬
‫سبق أن ذكرت فيما نشره األهواني أيضًا‪.‬‬
‫‪ -3‬وكذلك نشر «حلمي هيفاء أولكن» في استانبول كتاباً بعنوان‪ :‬رسائل ابن سينا وكتاب الفرق بين‬
‫الروح والنفس لقسطا بن لوقا‪.‬‬
‫‪ -4‬وقد طبع في حيدر أباد الدكن في مجموع رسائل الشيخ الرئيس سنة ‪1354‬هـ رسالة عنوانها‪:‬‬
‫رسالة في الحجج العشر في جوهرية النفس الناطقة‪.‬‬
‫‪ -5‬وهنالك طبعات تجارية لرسائل صغيرة مثل‪:‬‬
‫هدية الرئيس لألمير‪ :‬بحث عن القوى النفسية ولعلها هي «الرسالة في النفس» التي ألفها ابن سينا لألمير‬
‫نوح بن منصور‪.‬‬

‫‪-38-‬‬
‫‪ -6‬ويشير ابن أبي أصيبعة إلى أن ابن سينا قد شرح كتاب النفس ألرسطوطاليس‪ S‬باللغة الفارسية ونحن‬
‫نعرف أن أول من ترجم هذا الكتاب إلى العربية هو إسحق بن حنين وقد‪ S‬نشر عبد الرحمن بدوي‪ S‬تلك الترجمة في‬
‫كتابه‪« :‬أرسطو‪ S‬عند العرب» سنة ‪1954‬م‪.‬‬
‫‪ -7‬ولكن موضوع «النفس» قد بحث بتفصيل في الكتب الجامعة للحكمة من مثل‪:‬‬
‫أ‪ -‬الشفاء حيث يخصص من الفن السادس من الطبيعيات كتاباً للنفس‪ ،‬يتحدث فيه عن نفس النبات ونفس‬
‫الحيوان ونفس اإلنسان‪ ،‬وقد أشرنا إلى أن الهيئة المصرية العامة للكتاب قد أخرجت كتاب «الطبيعيات‪ S‬والنفس»‬
‫من «الشفاء» بتحقيق قنواتي‪ S‬وسعيد زايد سنة ‪1975‬م‪.‬‬
‫ب‪ -‬وليس كتاب «النجاة» إال ملخص كتاب الشفاء فهو يحتوي على أبحاثه كلها باختصار‪ S‬من مثل وجود‪S‬‬
‫النفس وقواها‪ ...‬ألخ‪.‬‬
‫ج‪ -‬وكذلك كتاب اإلشارات والتنبيهات يحتوي‪ S‬لفتات هامة عن الذات أو الشخصية ووجودها‪ S‬والشعور‪S‬‬
‫بها‪.‬‬
‫د‪ -‬وقل مثل ذلك في كل كتب الحكمة كالتعليقات والمباحثات‪ ....‬الخ‪.‬‬
‫‪ -8‬القصيدة العينية‪:‬‬
‫ولعل مما استأثر‪ S‬باهتمام الباحثين قصيدة ابن سينا في النفس‪ ،‬وهي تعرف باسم القصيدة العينية‪ ،‬وقد‬
‫ذكرها ابن أبي أصيبعة كاملة‪ ،‬وقد‪ S‬كتبت عليها شروح كثيرة وتعليقات نذكر منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬شرح عينية ابن سينا لنعمة اهلل بن عبد اهلل بن محمد أبي حسين توفي سنة ‪1112‬هـ‪ ،‬وقد نشر الشرح‬
‫بتحقيق حسين علي محفوظ في طهران في مطبعة الحيدري‪ ،‬ونشرت معه قصيدة في الرد على ابن سينا لعبد علي‬
‫الحويزي‪.‬‬
‫ب‪ -‬شرح قصيدة النفس البن سينا‪ ،‬كتبه عبد الرؤوف المناوي‪ ،‬وطبع في مطبعة الموسوعات في مصر سنة‬
‫‪1318‬هـ‪1900 -‬م‪ ،‬ويقع في ‪ 119‬صفحة‪.‬‬
‫ج‪ -‬وكذلك كتاب فتح اهلل خليف‪ ،‬ابن سينا ومذهبه في النفس‪ ،‬دراسة في القصيدة العينية‪ ،‬نشرته جامعة‬
‫بيروت العربية في بيروت سنة ‪1974‬م في ‪ 186‬صفحة‪.‬‬
‫د‪ -‬كما نشر أحمد أمين مقاالً في «مجلة الثقافة» في العدد ‪ 691‬الذي ظهر في مارس سنة ‪1953‬م تحت‬
‫عنوان‪« :‬عينية ابن سينا»‪ .‬والقصيدة تبدأ بشرح نظرية ابن سينا في النفس وتنتهي بالسخرية من هذه النظرية‬
‫حيث يقول‪« :‬لقد غربت بغير المطلع»‪ ،‬ألن نظرية أفالطون عنده ال تبين الحكمة من خلق نفس اإلنسان بوضوح‬
‫كما بينها القرآن الكريم حيث قال تعالى‪:‬‬
‫س ُن َع َمالً‪ ‬سورة الملك‪ ،‬آية ‪.2‬‬
‫َح َ‬
‫‪‬ليبلُو ُك ْم ُأي ُك ْم أ ْ‬
‫‪ -9‬إال أن الصبغة الغالبة على جميع ما سبق من مؤلفات في النفس هي الصبغة الفلسفية‪ ،‬إذ تهتم كثيراً‬
‫بإثبات وجود‪ S‬النفس واستقاللها عن الجسد باإلضافة إلى البحث في قواها المختلفة‪.‬‬
‫ولقد شغل أكثر المهتمين بالبحوث النفسية عند ابن سينا باألعمال الفلسفية هذه‪.‬‬
‫ولكن أصالة ابن سينا في الدراسات النفسية ال تظهر بوضوح من خالل هذه الكتابات الفلسفية‪ ،‬ولذلك فإننا‬
‫نعود إلى ما قلناه بمناسبة كتاب «القانون في الطب» ونؤكد أن الدراسة النفسية العلمية عند ابن سينا تتجلى في‬
‫«كتاب القانون»‪ .‬الذي سنخصه إن شاء اهلل ببحث مستفيض‪ ،‬يبين ما امتازت به دراسات ابن سينا النفسية من‬
‫حيث المنهج ومن حيث الموضوع‪.‬‬
‫‪ -10‬وخالصة القول إن أفكار ابن سينا عن النفس تتجه اتجاهين أحدهما هو االتجاه الفلسفي ويكفينا فيه ما‬
‫طبع من كتب الحكمة‪ ،‬واآلخر علمي يكفينا منه كتاب القانون‪.‬‬
‫‪-39-‬‬
‫‪ -7‬القصص الرمزية‪:‬‬
‫وقد‪ S‬ذكر منها ابن أبي أصيبعة رسالتين‪ :‬رسالة حي بن يقظان ورسالة الطير والشبكة‪.‬‬
‫‪ -1‬وقد حظيت رسالة حي بن يقظان [‪ ]18‬بعناية كبيرة من الناس في القديم والحديث فقد جمعها‪:‬‬
‫‪ -‬ابن طفيل أو أعاد كتابتها بأسلوبه‪ ،‬وقد نشر كتابه في مطبعة وادي النيل سنة ‪1299‬هـ بمصر تحت‬
‫عنوان‪« :‬حي بن يقظان جمع ابن طفيل»‪.‬‬
‫‪ -‬وتناولها «السهروردي» بالعناية وتابع فيها رحلة «حي بن يقظان» إلى عالم اآلخرة‪.‬‬
‫‪ -‬ونشرها‪ S‬أحمد أمين تحت اسم‪« :‬حي بن يقظان البن سينا وابن طفيل والسهروردي» مرتين‪ :‬في مكتبة‬
‫الخانجي سنة ‪1958‬م وفي دار المعارف بمصر‪ S‬سنة ‪1966‬م‪.‬‬
‫‪ -‬وطبعها‪ S‬المهرني في المجموعة التي سماها «أسرار‪ S‬الحكمة المشرقية» بليدن سنة ‪88/1889‬م مع‬
‫ترجمة فرنسية وشروح مختارة‪.‬‬
‫‪ -‬ونشرت‪ S‬لها طبعة تجارية في مطبعة السعادة بمصر‪ S‬سنة ‪1327‬هـ‪1909 -‬م‪.‬‬
‫والغالب أن يكون األديب الفرنسي ‪ J. J. ROUSSEAU‬قد سمع بها واقتبس منها قصة «اميل» التي يشير فيها‬
‫إلى أن اإلنسان يستطيع أن يعلم نفسه بنفسه وأن يصل بذلك إلى الحقيقة كاملة‪ ،‬فالقصة إذن تمثل نظرية نفسية تربوية‬
‫هامة‪.‬‬
‫‪ - 2‬ورسالة الطير [‪ ]24‬كذلك مطبوعة في مجموع‪:‬‬
‫‪ -‬أخرجه مهرن سنة ‪1917‬م مع رسائل أخرى منها‪:‬‬
‫رسالة إجابة الدعاء وكيفية الزيارة‪.‬‬
‫ورسالة رفع الغم عند وقوع الموت‪.‬‬
‫ورسالة في الصالة وماهيتها‪.‬‬
‫ورسالة الطير هذه‪.‬‬
‫ورسالة العشق‪.‬‬
‫‪ -‬وهنالك مجموع ظهر في مصر باسم «جامع البدائع» فيه كذلك‪ :‬رسالة الطير‪ ،‬ورسالة العشق‪ ،‬وفيه‬
‫تفسير سورة اإلخالص واألعلى‪ ،‬والفلق‪ ،‬والناس‪ ،‬وكلها منسوبة إلى ابن سينا‪.‬‬
‫‪ -‬ومما لم يذكره ابن أبي أصيبعة في مجال الرمز قصة «أسال وسالمان»‪ ،‬وقد نشرت في مجموع عنوانه‬
‫«تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات‪ ،‬طبع في القسطنطينية في مطبعة الجوائب سنة ‪1298‬هـ‪ ،‬وأعيدت طباعته‬
‫بنفس االسم في القاهرة في مطبعة هندية سنة ‪1326‬هـ‪1908 ،‬م‪.‬‬
‫وقد‪ S‬كان القصد من هذه القصص تقريب المعاني الفلسفية من أذهان الناس‪ ،‬فهي في حد ذاتها أسلوب من‬
‫أساليب التربية ذات هدف شريف‪ S‬يرتفع باإلنسان إلى السعي حتى يعرف اهلل‪ ،‬وهي على عكس ما نشره «فرويد‪»S‬‬
‫في علم النفس الحديث من األخذ باألساطير‪ S‬اليونانية التي تعبر عن انحطاط‪ S‬اإلنسان وخضوعه األعمى للعشق‬
‫والشهوات‪.‬‬
‫‪ -8‬األخالق والزهد والدين‪:‬‬
‫‪ -1‬في موضوع‪« S‬األخالق والزهد» نجد ابن أبي أصيبعة يذكر البن سينا ثمانية مؤلفات لم يطبع منها إال‬
‫اثنتين هما‪:‬‬
‫أ‪« -‬الرسالة األضحوية في أمر المعاد»‪:‬‬
‫وقد‪ S‬نشرها سليمان دنيا بتحقيقه في دار الفكر العربي بمصر سنة ‪1949‬م‪ ،‬وهي تقع في ‪ 127‬صفحة‪.‬‬

‫‪-40-‬‬
‫ب‪« -‬مقالة في األخالق»‪:‬‬
‫ولعلها هي التي نشرت في المجموعة المعروفة باسم «تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات» وقد‪ S‬طبعت‬
‫في القسطنطينية سنة ‪1298‬هـ ‪ ،‬وفي مصر سنة ‪1326‬هـ‪1908 ،‬م‪ ،‬وفي بمباي سنة ‪1318‬هـ‪ .‬وعنوان الرسالة‬
‫فيها‪« :‬في علم األخالق»‪.‬‬
‫‪ -2‬ويبدو اهتمام ابن سينا «باألخالق» منذ نعومة أظفاره إذ يقول ابن أبي أصيبعة‪ :‬أن «الرسالة األضحوية»‬
‫قد ألفت وله من العمر سبع عشرة سنة‪..‬‬
‫كذلك صنف «كتاب البر واإلثم» في األخالق وعمره قريب من العشرين سنة‪.‬‬
‫ونحن نالحظ أن «كتاب البر واإلثم» لم يؤلف هدية ألمير وإ نما أهدي إلى أبي بكر البرقي الذي يقول عنه‬
‫ابن سينا إنه «فقيه النفس‪ ،‬متوحد‪ S‬في الفقه والتفسير والزهد»‪ ،‬كما يذكر عن أهمية الكتاب أن هذه الفقيه الزاهد قد‬
‫احتفظ به فلم يعر أحداً ينسخ منه‪.‬‬
‫‪ -3‬ولعله قد كتب في األخالق بلغة الفالسفة‪ ،‬كما كتب بلغة الزهاد والفقهاء‪ ،‬فاألخالق‪ S‬عند الفالسفة ترتبط‪S‬‬
‫بالسعادة‪ ،‬وقد‪ S‬ذكر له ابن أبي أصيبعة‪ « :‬مقالة في تحصيل السعادة» تعرف‪ S‬باسم «الحجج الغر»‪ .‬كما يذكر أن‬
‫له رسالة أخرى بعنوان‪:‬‬
‫«رسالة السعادة والشقاوة الدائمة في النفوس»‪.‬‬
‫‪ -4‬كما يبدو أن كتابته في األخالق والزهد والدين‪ ،‬تصدر‪ S‬عن خبرات شخصية إذ يحدثنا ابن أبي أصيبعة‬
‫عن «مقالته في القضاء والقدر» أنه صنفها في طريقه إلى أصفهان بعد أن لقي كثيراً من المصاعب ثم نجاه اهلل‬
‫منها‪.‬‬
‫وقد نشر المهرني في كتابه الذي طبعه بليدن سنة ‪88/1889‬م تحت اسم «رسائل الشيخ الرئيس ابن سينا في‬
‫أسرار الحكمة المشرقية» رسالة عنوانها «في القدر» ال نستطيع أن نجزم أنها هي التي عناها ابن أبي أصيبعة‪.‬‬
‫‪ -5‬وعلى ضوء تسميات رسائله في األخالق والزهد والدين يتبين لنا تأثره بالتصوف‪ S‬اإلسالمي في هذا‬
‫الموضوع‪ S‬أكثر من تأثره بالفلسفة اليونانية فاألخالق عند ابن سينا ترتبط‪ S‬بالحساب يوم المعاد‪ ،‬ولذلك فقد ذكر‬
‫«المعاد» في الرسالة األضحوية‪ ،‬ثم جعله كتاباً صنفه بالري للملك نجد الدولة‪.‬‬
‫وهذا الذي جعلنا نضع األخالق والزهد والتدين في عنوان واحد واستعمال‪ S‬ابن سينا للكلمة اإلسالمية كلمة‬
‫«البر» و«اإلثم» فيها ظاهر‪.‬‬
‫وظاهر‪ S‬أيضاً أن كتبه في هذا قد أهديت للصوفية والزهاد كما نرى في الرسالة المرسلة إلى أبي سعيد بن‬
‫أبي الخير الصوفي في الزهد‪.‬‬
‫‪ -6‬وذلك ما يبرر أن نضم إليها قصائد ابن سينا في الزهد [‪ ،]65‬ولعل ابن أبي أصيبعة قد أخذ عنها‬
‫بعض ما نشره من أشعار ابن سينا حسبنا أن نذكر منها مثاالً هاهنا حيث يقول‪:‬‬
‫وحقيـق كميـات ماهياتهـا‬ ‫خير النفوس العارفـات ذواتهـا‬
‫أعضاء بنيتهـا على هيئاتها‬ ‫وبـم الذي حلت؟ ومم تـكونت‬
‫هـال كذاك سماته كسماتهـا‬ ‫نفس النبات‪ ،‬ونفس حي‪ ،‬ركبـا‬
‫منه النفوس تخب في ظلماتها‬ ‫يا للرجال لعظم رزء لم تـزل‬

‫‪-41-‬‬
‫أفال تذكر هذه األبيات التي تستعمل ألفاظ الفالسفة بالمعاني التي تتردد في القرآن الكريم‪:‬‬
‫السَر ِائر ‪‬‬
‫وم تُْبَلى َّ‬ ‫ِِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اء َد ِافق‪َ ‬ي ْخُر ُج من ِ‬
‫بين ُّ ِ‬
‫الصْلب والتَرائ ْب‪ ‬إَن ُه َعَلى َر ْجعه ل َقادْر‪َ ‬ي َ‬
‫ق ِم ْن م ٍ‬
‫َ‬ ‫ان ِم َّم ُخِلق‪ُ ‬خِل َ‬
‫سُ‬ ‫‪ ‬فليَن ُظر اإلْن َ‬
‫سورة الطارق آية ‪.9،8،7،6،5‬‬
‫‪ -9‬ما تبقى من مؤلفاته‪:‬‬
‫بقي من مؤلفاته في التصنيف‪ S‬السابق‪:‬‬
‫ما كتبه في اللغة والموسيقى‪ :‬ويقول ابن أبي أصيبعة إنه قد اطلع على شيء من كتاب «لسان العرب»‪ ،‬فوجد‬
‫فيه كالمًا عجيبًا‪ ،‬ولسوء الحظ لم يصل إلينا شيء منه‪ ،‬ويؤكد ابن أبي أصيبعة أن كتاب المدخل إلى صناعة‬
‫الموسيقى هو غير ما كتبه عن الموسيقى في كتاب النجاة‪ ،‬ولم يصل إلينا أيضًا‪..‬‬
‫‪ -‬أما كتبه الفارسية ورسائله فقد وصل منها أشياء‪ ،‬ولكنها تنتظر التعريب‪.‬‬
‫‪ -‬وفي‪ S‬التعاليق وصل إلينا كتاب «التعليقات» ألبي الفرج الطيب الهمداني‪ ،‬وقد‪ S‬أشير إلى طباعته بتحقيق‬
‫عبد الرحمن بدوي‪ S‬في منشورات الهيئة العامة للكتاب بمصر ‪1392‬هـ ‪1973 -‬م‪.‬‬
‫ولكننا ال نتوقع‪ S‬أن تكون تعليقات أبي الفرج كافية عن تعليقات غيره‪.‬‬
‫‪ -‬ويستوقفنا‪ S‬في المتفرقات كتاب فريد‪ S‬هو الذي عنونه ابن أبي أصيبعة باسم «كتاب تدبير الجند والممالك‬
‫والعساكر‪ S‬وأرزاقهم وخراج الممالك»‪ ،‬وليس الكتاب بعيداً عن اهتمامات ابن سينا الذي شغل منصب الوزارة‬
‫عدة مرات‪ ،‬ولكن لسوء الحظ لم يصل إلينا منه شيء‪.‬‬
‫‪ -‬أما الرسائل والجوابات فإنها غالباً ما تتعلق بحياة ابن سينا الخاصة من االستفتاء الذي وجهه إلى علماء‬
‫بغداد وإ لى بعض أصدقائه ليحكموا بينه وبين رجل من أهل بلده يدعي الحكمة‪ .....‬ومع ذلك فلو عثرنا على هذه‬
‫الرسائل والجوابات‪ ،‬لما عدمنا أن نجد فيها طرائف وأضواء‪ S‬جديدة‪.‬‬
‫هذه لمحة خاطفة عن مؤلفات ابن سينا‪ ،‬تبين لنا منها أمور أهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬سعة األفق وتعدد االختصاصات وهو وليد نزعة الشمول والتكامل التي عرف بها المسلمون في‬
‫دراستهم‪.‬‬
‫‪ -2‬الموقف النقدي بالنسبة إلى الثقافات األصيلة الذي يبدأ من حسن فهمها وإ خراج الكتب في شرحها‪ ،‬ثم‬
‫ينتهي ببيان نواقصها وتدارك‪ S‬أخطائها‪.‬‬
‫‪ -3‬التمسك بالعقيدة اإلسالمية في القضايا الواضحة ومحاولة انتقاء ما يناسبها‪ S‬من اآلراء الدخيلة أو‬
‫معارضتها‪ S‬بما يبرز الرأي اإلسالمي‪.‬‬
‫وستتوضح هذه الخصائص إذا فصلنا في إطار الدراسات النفسية وتطبيقاتها التربوية آراء ابن سينا التالية‪.‬‬
‫«هو أن يكون حصولها‪ S‬من جهة شيء آخر أداها إليه»‪.‬‬
‫والقوة المدركة الباطنة أو الداخلية كثيرة منها‪:‬‬
‫‪ -1‬قوة الحس المشترك‪ :‬وهي تقبل بذاتها جميع الصور المنطبعة في الحواس الخمس‪.‬‬
‫‪ -2‬قوة الخيال أي (المصورة)‪ :‬وهي‪ :‬قوة تحفظ ما قبل الحس المشترك من الحواس الخمس‪ ،‬وتبقى فيه‬
‫بعد غيبة المحسوسات‪.‬‬

‫‪-42-‬‬
‫‪ -3‬قوة المتخيلة‪ :‬وهي قوة من شأنها أنها تركب بعض ما ترى في الخيال مع بعض‪ ،‬وتفصل بعضه عن‬
‫بعض بحسب االختبار‪ ،‬وتسمى‪ S‬هذه القوة مفكرة بالنسبة إلى النفس اإلنسانية‪.‬‬
‫‪ -4‬القوة الوهمية‪ :‬وهي تدرك المعاني غير المحسوسة الموجودة في المحسوسات‪ S‬الجزئية‪ ،‬كالقوة‬
‫الحاكمة بأن الذئب مهروب منه‪ ،‬وأن الولد معطوف عليه‪.‬‬
‫‪ -5‬القوة الحافظة‪( :‬الذاكرة) ‪ -‬وهي تحفظ ما تدركه القوة الوهمية من المعاني غير المحسوسة الموجودة‬
‫في المحسوسات الجزئية‪.‬‬
‫ويذكر‪ S‬ابن سينا أن كل قوة من هذه القوى لها تجويف في الدماغ ويذكر‪ S‬نسبتها بعضها إلى بعض‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫إن من الحيوان ما يكون له الحواس الخمس كلها‪ ،‬ومنه ماله بعضها دون بعض‪ .‬أما الذوق واللمس فإنهما‪S‬‬
‫موجودان في كل حيوان‪ ،‬ولكن من الحيوان ما ال يشم ومنه ما ال يسمع ومنه ما ال يبصر‪.‬‬
‫‪ -3‬النفس الناطقة اإلنسانية‪:‬‬
‫وتقسم إلى عاملة وعالمة‪ ،‬وكل قوة من هاتين القوتين تسمى عقالً‪.‬‬
‫أ‪ -‬القوة العاملة‪ :‬أو العقل العملي ‪ -‬وهي المحرك لبدن اإلنسان إلى األفاعيل الجزئية الخاصة بالروية‬
‫على مقتضى آراء تخصها‪ ،‬إصالحية‪.‬‬
‫وبذا يكون ابن سينا قد وضع لنا منهجاً تربوياً‪ ،‬من واقع عصره ومجتمعه‪ ،‬ومؤلفاته التي ذكرنا بعضاً‬
‫منها‪ ،‬فالشيخ الرئيس (ابن سينا) عالم من أعالم اإلسالم الموسوعيين الذي تتنوع فيهم عطاء اهلل وتعددت في‬
‫اهتماماته فروع‪ S‬المعرفة والثقافة حتى قيل إنه لم يظهر علم من العلوم‪ ،‬أو فن من الفنون في عصره إال وترك‪ S‬فيه‬
‫مؤلفاً أو رسالة‪.‬‬
‫وهذا ما يجعل معلمنا من أصحاب المذاهب التربوية الجديرة بالدراسة واالهتمام وفي‪ S‬مذهب هذا الفيلسوف‬
‫من اآلراء والنظريات العلمية مايجعلنا نعتز بتراثنا وأعالمنا المبرزين الذين أسهموا في عطائها الحضاري‪S‬‬
‫وإ نجازه العلمي وفي‪ S‬طليعتهم الحسين بن عبد اهلل بن الحسن بن علي بن سينا‪ .‬الذي ترك لنا تراثاً ضخماً ينهل‬
‫منه المتخصصون من كل صوب‪ ،‬وهذا ماجعل األطباء والفالسفة وعلماء االجتماع وعلماء النفس والتربية‬
‫واألخالق واللغة‪ .‬كل يجد بغيته‪ ،‬ويطفئ غلته للوصول إلى المستوى الحضاري‪ S‬والثقافي الالئق بإنسانية‬
‫اإلنسان‪.‬‬

‫‪-43-‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫أهمية الفترة التي عاش فيها ابن سينا‬

‫‪ -‬مقدمة‪.‬‬

‫‪ -1‬أثر الفترة التي عاش فيها على آرائه العلمية والتربوية‪.‬‬

‫‪ -2‬آراء ابن سينا التربوية‪.‬‬

‫‪ -3‬عالقة الدراسات الفلسفية بالفكر التربوي عند ابن سينا‪.‬‬

‫‪ -4‬محتوى التراث التربوي العربي اإلسالمي عند ابن سينا‪.‬‬

‫‪-44-‬‬
‫أهمية الفترة التي عاش فيها ابن سينا‬

‫‪‬‬
‫عاش أبو علي ابن سينا في بيئة تشجع العلم والعلماء والتفكير والمفكرين واتصل في فترة من حياته‬
‫بسلطان بخارى‪ S‬نوح بن نصر الساماني‪ S‬المعروف بحبه للعلم‪ ،‬وأفاد‪ S‬أبو علي كثيراً من كتبه ومؤلفاته التي شملت‬
‫جميع العلوم فلسفة ومنهجاً‪ S‬وسلوكاً‪ S‬وأداء في جميع مناحي الحياة‪ ،‬وهذا ما يعكس أهمية الفترة التي عاش فيها إذ‬
‫اتسمت بتعدد الثقافات العالمية الخالصة التي تعتمد على القرآن الكريم الذي نزل من عند العليم الخبير ال يقدم‬
‫(نظرية) تتبدل من يوم آلخر‪ ،‬وإ نما يقدم (حقائق) ال تتغير وال تتبدل‪ ،‬بقصد هداية البشر إلى خالقهم فقد أنزل‬
‫هداية ورحمة وشفاء‪....‬‬
‫ولكن من الحق أن نقول‪ :‬إن الهداية والرحمة والشفاء ال تتم إال بالعلم الصحيح «لذلك كان طبيعياً‪ S‬أن يكون‬
‫موقف القرآن الكريم من العلم واضحاً‪( S‬محمد خير عرقسوسي‪ ،1982 ،‬ابن سينا والنفس اإلنسانية)‪:‬‬
‫فهو يؤكد وجود‪ S‬الظواهر المختلفة التي تشهد لصانعها بالعظمة‪.‬‬
‫ويدعونا‪ S‬إلى تأمل تلك الظواهر‪ S‬ودراستها‪ S‬واستخراج ما أودع اهلل فيها من نظام ونسق‪ S‬لنزداد خشية هلل‬
‫وإ يماناً به‪.‬‬
‫أجمع المؤرخون أن الشيخ الرئيس ازدهر في عصر اتصف باالنقسام‪ S‬والتجزئة الفكرية والثقافية‬
‫والسياسية وأن مرحلة ازدهاره كانت َمعلماً بارزاً من معالم العلم والمعرفة والفهم‪ ،‬فهو عصر أنجب ابن سينا‬
‫فيلسوف‪ S‬العقل‪ ،‬وابن الهيثم فيلسوف‪ S‬العلم‪ ،‬والبيروني فيلسوف الرياضة‪ ،‬ومحمد بن النعمان ‪ -‬المعروف بالمفيد‬
‫‪ -‬فيلسوف‪ S‬الفقه والكالم‪ ،‬والغزالي فيلسوف الشك والعرفان‪ ،‬وغيرهم ممن تحفل بهم كتب التراث العربي‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫ومن المراكز الثقافية التي برزت في ذلك العصر مدينة (كركانج) الشبيهة بمدينة بخارى في عهد الدولة‬
‫السامانية‪ ،‬وإ ال أنها لم تبلغ مبلغ بخارى ‪ -‬ونشير‪ S‬إلى أن ابن سينا بعد وفاة والده هاجر إلى كركانج والتجأ إلى‬
‫أحمد بن محمد السهلي الخوارزمي وزير‪ S‬خوارزمشاه علي بن مأمون وهذا ما أكده ابن سينا ذاته في إمالء سيرته‬
‫الذاتية (مصطفى جواد‪ ،1865 ،‬الثقافة العقلية والحال االجتماعية في عصر ابن سينا)‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬أثر الفترة التي عاش فيها على آرائه العلمية والتربوية‬
‫‪ -‬نضج فكر ابن سينا الوقاد وهو في العقد الثاني من حياته‪ ،‬واثق النفس‪ ،‬مؤتمناً على معرفته كل‬
‫االئتمان‪ ،‬واسع العلم في شبابه وأكثر عمقاً في كهولته‪ ،‬مارس حياته العقلية منفتحة في جميع مجاالت حياته‪،‬‬
‫وأنتج في سجنه بعض كتبه الفلسفية والعلمية التي أحاطت بكل مشكالت عصره الفكرية» (جعفر آل ياسين‪،‬‬
‫‪ ،1984‬دراسة تحليلية لحياة ابن سينا)‪.‬‬

‫‪-45-‬‬
‫‪ -‬إن ما قدمه ابن سينا من اإلنتاج الفكري يشير إلى أن الفكر التربوي‪ S‬كان جزءاً غير مستقل عن النسق‬
‫الفكري الكلي عنده‪ ،‬وهذا ما مكن كثيراً من المفكرين والفالسفة في القرون الماضية ومنهم‪ S‬الشيخ الرئيس أن‬
‫يكونوا موسوعيين بحيث ال يقتصر الواحد منهم على أن يكون طبيباً‪ ،‬أو فقيهاً‪ ،‬أو فيلسوفاً‪ ،‬أو غير ذلك من‬
‫حد االستيعاب والجمع وإ نما تجاوز ذلك إلى‬ ‫التخصصات‪ ،‬وإ نما يجمع بينها جميعاً‪ ،‬بل إن منهم من لم يقف عند ّ‬
‫االبتكار واإلبداع‪ S‬في أكثر من فن أو علم وهذا هو حال ابن سينا الذي أحاط بكل مشكالت عصره الفكرية أجاد‬
‫تقرب من السالطين واألمراء‬ ‫فأفاد كان يقوم بأعمال الدولة المكلف بها نهاراً ويتفرغ ليالً للكتابة والتدريس‪ّ ،‬‬
‫والحكام والخلفاء الذين دأبوا على ضم العباقرة والمفكرين إلى مجالسهم‪ S‬العلمية لتحقيق الفائدة العلمية والمنفعة‬
‫الشخصية‪ ،‬وابن سنيا نفسه لم يكن فيلسوفاً فحسب بل كان رجل سياسة‪ ،‬وهذا ما أجج الحاقدين واألعداء ضده إال‬
‫أن هذا لم يزده إال عزيمة وأمالً في تحقيق ما رسمه في ريعان شبابه‪ ،‬من الناحيتين العلمية والسياسية‪.‬‬
‫فمن الناحية العلمية كان من العباقرة المفكرين‪ ،‬فقد تميز بالدقة والمهارة والعمق والطراوة والتنسيق‪ S‬وجمال‬
‫التأليف والتركيب وهذا لم نجده عند الفالسفة العرب‪ ،‬كان موسوعياً‪ S‬غزير التأليف‪ ،‬شغل عمره القصير في‬
‫التأليف مستفيداً من الظروف التي أحاطت به في عصره‪ ،‬ومن البيئة التي عاش فيها بتشجيع العلم والعلماء‪،‬‬
‫والتفكير والمفكرين‪.‬‬
‫تناول الشيخ الرئيس في مؤلفاته جوانب متعددة من الفلسفة والعلم‪ ،‬وأثار كثيراً من المشكالت المعقدة‬
‫خالل دراساته لقضايا الفكر الفلسفي والتربوي‪ ،‬وهو يتناول في كتبه ومؤلفاته ورسائله ومقاالته نفس المشكالت‬
‫التي تواجه العاملين في التربية‪ ،‬إذ تحدث عن اإلنسان والمجتمع والمعرفة واألخالق‪ S‬وهذا ما يبرزه في كتاب‬
‫(السياسة) وتربية الطفل في كتاب (القانون) وهو بذلك يمثل صورة صادقة لعالقة الفلسفة بالتربية‪ ،‬ونشير إلى‬
‫أن الشيخ الرئيس عمل فترة غير قصيرة بالتعليم مارس مهنة التدريس وتكونت‪ S‬لديه نظرية تربوية لها أسسها‬
‫الفلسفية من حيث نظرتها‪ S‬إلى اإلنسان والمجتمع والمعرفة واألخالق‪.‬‬
‫وإ ن آراءه التربوية تعطينا الصورة المشرقة للفكر التربوي عند ابن سينا استناداً إلى ما قدمه لإلنسان‬
‫والمجتمع إضافة إلى ما تناوله في مؤلفاته عن التربية‪ ،‬وعن ممارسته العملية التعليمية من مبادئ وأساليب‬
‫تربوية تبصر المعلمين بنفسية المتعلمين وبحاجاتهم الفردية واالجتماعية‪ ،‬حيث إن دراسة العلوم التربوية تفيد‬
‫المعلمين الذين يدرسون‪ S‬سائر فروع العلم التي يتضمنها‪ S‬المنهاج الدراسي‪ S‬ألنها تزودهم‪ S‬بطرق ووسائل‪ S‬التعليم‬
‫المالئمة‪ ،‬وتسهل تحقيق األهداف العامة والخاصة التي تقوم عليها التربية‪.‬‬
‫ولكن من الحق القول‪ :‬إن العصر الذي عاش فيه ابن سينا‪ ،‬ساعده في إنتاج وافر ومتنوع على الرغم مما القى‬
‫ال أو‬
‫في حياته من القلق والظروف السياسية الصعبة‪ ،‬فكتب في مجال الفلسفة المختلفة وفي الدين واللغة‪ :‬مجم ً‬
‫ال‪ ،‬ملخصًا أو شارحًا‪ ،‬ناثرًا أو ناظمًا‪ ،‬مبتدئاً من نفسه أو مجيبًا عن أسئلة وجهت إليه؛ فله في الموضوع الواحد‬
‫مفص ً‬
‫أكثر من كتاب أو رسالة‪ ،‬وهذا ما أشار إليه الدكتور إبراهيم مدكور في مقدمته لمؤلفات ابن سينا بقوله‪« :‬ولعله بين‬
‫فالسفة اإلسالم أكثرهم خظًا من البحث والدراسة‪ ،‬شغل به القدامى مؤيدين ومعارضين‪ ،‬وعنى به المحدثون ناشرين‬
‫ومعلقين‪ ،‬بيد أنه ال يكاد يذكر في شيء ما نشر من مؤلفاته نشرًا علميًا محققًا‪ ،‬وأغلب ما ظهر منها إنما نشر على‬
‫عجل أو على أيدي غير المختصين‪ ،‬وال يزال جانبها األكبر مخطوطًا أو في حاجة إلى نشر جديد‪.‬‬
‫وهذه المخطوطات موزعة بين أركان العالم األربعة في مصر ولبنان‪ ،‬وإ يران‪ ،‬والهند‪ ،‬أو في روما‪S‬‬
‫ومدريد‪ S‬ولندن وباريس‪ S‬وبرلين وموسكو‪ S،‬وفي استانبول‪ S‬بوجه خاص منها قسط كبير»‪.‬‬

‫‪-46-‬‬
‫والحق أن ابن سينا من الرجال القالئل في العالم اإلسالمي الذين يصح أن نسميهم (موسوعيين) أو كما‬
‫يسمون اليوم «كتاب دائرة المعارف‪ »S‬كما أكد الدكتور أحمد أمين بقوله‪ :‬وهؤالء الموسوعيون نوعان‪ :‬نوع وهو‬
‫األكثر يجمع ما كتب غيره ويبوبه ويصنفه كما فعل النويري في «نهاية األدب» والقلقشندي في «صبح األعشى»‬
‫ونوع آخر أرقى من ذلك وهو تأليف الموسوعة ال االقتصار على الجمع كما فعل الجاحظ‪ :‬فقد ألف في شتى‬
‫الموضوعات األدبية واالجتماعية والتاريخية والكالمية؛ وال ينقص تأليفاته أن تكون دائرة معارف‪ S‬إال ترتيب‬
‫موضوعها حسب الحروف األبجدية؛ وكما فعل أبو علي ابن سينا فقد كان كذلك موسوعياً‪ S‬مؤلفاً‪ ،‬وإ ن كان طابعه‬
‫األعم األغلب هو الفلسفة بجميع فروعها المعروفة في زمنه من إلهيات وطبيعيات وطب ونفس ومنطق ورياضة‬
‫وأخالق وتربية وغير ذلك‪ .‬في كل هذا ألّف ابن سينا؛ «وقد يؤلف في الموضوع الواحد كتباً مختلفة مطولة‬
‫ومختصرة؛ يعتمد فيها على فلسفة اليونان‪ ،‬وعلى تعاليم اإلسالم‪ ،‬وعلى ابتكاراته الخاصة‪ .‬ولم يصل البحث‬
‫الدقيق إلى الكشف عن رسم الحد الفاصل بين ما نقله وما ابتكره‪ ،‬وقد منحه اهلل‪ ،‬كما طلب هو‪ ،‬حياة عريضة وإ ن‬
‫لم تكن طويلة‪ ،‬فمع اتصاله بالسياسة واكتوائه بنارها‪ ،‬ومع اشتغاله أحياناً باألعمال الحكومية‪ ،‬وغير الحكومية‪،‬‬
‫فقد استطاع‪ S‬أن ينتج هذا النتاج الغزير العميق الواسع الذي ال يستطيع أن يقوم به متفرغ للبحث منقطع للدرس‪،‬‬
‫لكن فضل اهلل يؤتيه من يشاء»( جورج شحاته قنواتي‪ ،1950S،‬مؤلفات ابن سينا)‪.‬‬
‫إن البيئة التي عاش فيها ابن سينا ساعدته على تحقيق أهدافه القائمة على إيجاد اإلنسان الصالح‪ ،‬من حيث هو‬
‫إنسان‪ ،‬يصرف النظر عن كونه مواطنًا في هذا المكان‪ ،‬أو في ذلك الزمان حيث كانت التربية اإلسالمية‪ ،‬هي‬
‫السائدة في معاهد التعليم في ذلك العصر‪ .‬ومن الحق أن نقول‪ :‬إن القرن الرابع الهجري يعد من الناحية العلمية‬
‫والثقافية من أزهى العصور اإلسالمية وأكثرها إنتاجًا وأغزرها ثقافة وفكرًا‪ .‬وفي شخصية ابن سينا متسع رحيب‬
‫للبحث والنظر‪ ،‬قل أن نجد في تاريخ الفكر اإلنساني شخصية تعد لها اتساعًا وإ حاطة وعمقًا‪ ،‬وهذا ما عني به‬
‫الباحثون قديمًا وحديثًا‪ ،‬فقد ألفوا الكتب والرسائل والمقاالت‪ ،‬إال أن اآلراء التربوية عنده لم يتناولها الباحثون‬
‫والمفكرون‪.‬‬
‫قد يعود هذا اإلغفال إلى أن ابن سينا ضمن آراءه التربوية في رسالة السياسة‪ .‬وهذه الرسالة لم يكشف‬
‫مضمونها التربوي والتعليمي إال في عهد قريب جدًا‪ ،‬حتى (ابن أصيبعة) أورد في (طبقاته) جملة رسائله‬
‫ومصنفاته‪ ،‬لم يذكرها بينها‪ ،‬ربما كان لعنوانها السياسة في األخالق السبب في عدم ذيوعها وانتشارها‪ ،‬والذي ساعد‬
‫على كشف مضمونها المستشرق العالمة (كاراده فو) بعدما تحرى آثار ابن سينا في دور الكتب الغربية‪ ،‬فأثبتها في‬
‫مؤلفاته وقال عنها‪« :‬إن ما وضعه ذلك اإلمام في الفلسفة األدبية لهو نزر قليل‪ ،‬وإ نما يعرف له في هذا الباب رسالة‬
‫في األخالق مصونة في إحدى كنبخانات االستانة»‪.‬‬
‫ومن المعتقد أن هذه الرسالة وجدت في هولندة بمكتبة (ليدن)‪ ،‬وبيعت رسميًا إلى المسمى (محمد بن أحمد) سنة‬
‫‪408‬هـ وقد قامت مجلة المشرق لصاحبها األب لويس معلوف اليسوعي بنشرها في أعداد ثالثة في عام ‪1906‬م‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬آراء ابن سينا التربوية‬
‫تضمنت‪ S‬رسالة‪ S‬ابن سينا‪ S‬في‪( S‬السياسة)‪ S‬تربية الولد‪ S‬من مولده‪ S‬حتى خروجه‪ S‬إلى‪ S‬ميدان العمل والكسب‪ S‬في‪S‬‬
‫جميع جوانب‪ S‬الحياة التربوية‪ S‬والمهنية‪ ،‬وتركز‪ S‬اهتمام‪ S‬ابن سينا‪ S‬فيها‪ S‬باإلنسان‪ S‬وبتربيته‪ S‬وتحسين‪ S‬ثقافته‪ S‬في‪ S‬جميع‬
‫الفروع‪ S‬العلمية‪ ،‬وأن يتخصص‪ S‬في‪ S‬فرع‪ S‬أو‪ S‬أكثر‪ S‬من فروع‪ S‬العلم‪ S‬والمعرفة‪ S.‬وأشار‪ S‬إلى أهم‪ S‬ما يؤخذ‪ S‬به الناشئ‪S‬‬
‫من أنواع‪ S‬التربية الجسمية‪ S‬والخلقية والعلمية واألخالقية‪S.‬‬

‫‪-47-‬‬
‫من هنا نستطيع القول‪ :‬إن آراء ابن سينا التربوية تقوم على أساس نظرته لإلنسان والمجتمع والعلوم‬
‫المعرفية وما اهتمامه بتربية الطفل وما يتصل به من رضاع وفطام وتربية جسمية وأخالقية وذوقية إال دليل على‬
‫تمسكه بالجوانب التي تسهم في تربيته وتنمية ميوله وقدراته التربوية والمهنية وفق‪ S‬األهداف المرسومة‪.‬‬

‫والحق‪ S‬أن هدف التربية‪ S‬عند ابن سينا‪ :‬تعني‪ S‬نمو‪ S‬الفرد نمواً‪ S‬كامالً من جميع‪ S‬الجوانب الجسمية‪ S‬والعقلية‪،‬‬
‫والخلقية‪ ،‬على‪ S‬أن يتم‪ S‬إعداده ليؤدي‪ S‬واجبه في‪ S‬المجتمع‪ S‬وفق‪ S‬المهنة التي‪ S‬يرغب العمل فيها‪ S،‬أو يختارها‪ S‬بنفسه‪،‬‬
‫وابن سينا‪ S‬بذلك‪ S‬يهدف‪ S‬إلى وجود‪ S‬الشخصية المتكاملة‪ S‬جسماً‪ S‬وعقالً وخلقاً حتى‪ S‬يتمكن الفرد‪ S‬من تأدية المهام‪ S‬التي‪S‬‬
‫يقوم‪ S‬بها في‪ S‬عملية (البناء‪ S‬االجتماعي)؛ ألن المجتمع يقوم‪ S‬على التعاون‪ S،‬وعلى العالقة‪ S‬الموضوعية‪ S‬في‪ S‬تبادل‬
‫اآلراء والخدمات‪ S‬بين أبنائه‪.‬‬

‫إن الكشف عن التراث العربي اإلسالمي ودراسة «اآلراء التربوية التي جاءت في مؤلفات الكتّاب‬
‫والفالسفة واألئمة عند المسلمين والعرب وخاصة (ابن سينا) تلك اآلراء التي يتضح من دراستها‪ S‬مدى قيمتها‬
‫ومدى اتفاقها مع المذاهب الفلسفية‪ ،‬والتقاليد االجتماعية السائدة في العصور‪ S‬اإلسالمية والتي تدل على فطنة‬
‫هؤالء الكتّاب‪ ،‬وسعة آفاقهم‪ ،‬وعمق معرفتهم للطبيعة البشرية‪ ،‬ولنفسية المتعلمين»( فتحية سليمان حسن‪ ،‬بدون‬
‫الروضة‬
‫الرتبوي عند ابن سينا – م‪6‬‬ ‫تاريخ‪ ،‬مذاهب في التربية) لالستفادة من هذه المؤلفات في وضع منهج تربوي متكامل يبدأ من مرحلةالفكر‬
‫حتى الدراسة الجامعية‪ ،‬هذا هو منهج ابن سينا‪ ،‬وهذه هي طريقته وأسلوبه‪ ،‬فما عرف في عصره واشتهر نجده‬
‫يتفق في طائفة من فلسفته األخالقية وأشهر‪ S‬فالسفتهم أرسطو‪ S،‬وشيشرون وكونتليان‪ ،‬كما نجد الفارابي يتأثر‬
‫بفلسفة أفالطون أكثر منهم‪.‬‬
‫وقد‪ S‬تناول ابن سينا في آرائه التربوية الفرد في جميع جوانب الحياة‪ ،‬حيث دعا إلى العناية بتربيته منذ‬
‫والدته‪ ،‬وإ لى تأديبه‪ ،‬وتعويده على اتباع السلوك الحسن بالترغيب تارة والترهيب تارة أخرى‪ ،‬وباإليناس‪ S‬حيناً‪،‬‬
‫والوحدة حيناً آخر‪ ،‬وباإلعراض عنه‪ ،‬واإلقبال‪ S‬عليه‪ ،‬وبالحمد والتوبيخ‪ ،‬على أن ال يتم اللجوء إلى العقوبة‬
‫البدنية‪ ،‬ألن في ذلك إذالالَ للطفل‪ ،‬وإ هانة لكرامته‪ ،‬كذلك يوصي بأن يتناسب العقاب مع الذنب ويجب أن يشعر‬
‫المعلم الطالب المخطئ بذنبه كي يكون واثقاً من عطف المعلم عليه‪.‬‬
‫هذه بعض آراء ابن سينا التربوية وسنقف عندها بالتفصيل عند دراستنا‪ S‬االتجاهات التربوية للكشف عن‬
‫آرائه في التربية والتعليم‪ ،‬لعلها تفتح لنا صفحة نيرة من كتاب هذا الفيلسوف الخالد‪ ،‬تبين موقعه من كبار‬
‫المربين‪ ،‬كما هو بين كبار الفالسفة والنابغين‪ ،‬وستكون كتبه ومؤلفاته ورسائله هي موئلنا ومصدرنا‪ S‬لهذه لدراسة‬
‫فابن سينا لم يكن طبيباً فقط بل كان مؤلفاً في علوم الدين واللغة والهندسة وطبقات األرض وإ ن كان قد‬
‫اشتهر بموسوعته العلمية الضافية في الطب والموسومة بـ «القانون» والتي تمثل خالصة الطب اليوناني‪S‬‬
‫والعربي‪ ،‬وتمثل القمة التي وصلت إليها الحضارة العربية في فنون الطب تجربة ونقالً» (محمود أحمد السيد‪،‬‬
‫‪ ،1991‬في قضايا التربية المعاصرة)‪.‬‬

‫‪-48-‬‬
‫فهو لم يترك موضوعاً من مواضيع عصره ومجتمعه إال وكتب فيه‪ ،‬ترك لألمة الكثير من المؤلفات‬
‫والرسائل في شتى المواضيع‪ S‬ومختلف المجاالت‪ ،‬كان عبقرية ف ّذة‪ ،‬اقتحمت بمالمحها القوية النادرة مسالك‬
‫الطريق الوعر الذي قادها إلى أعماق جذور‪ S‬الفكر اإلنساني‪ S‬الستكشاف‪ S‬الحقيقة وبيان ما عجز عنه اإلنسان العالم‬
‫في جميع المجاالت‪.‬‬
‫إن عبقرية ابن سينا الفلسفية «استلهمت الكثير من أصولها‪ S‬ومناهجها من الفارابي ‪ -‬فيلسوف اإلسالم بال‬
‫منازع ‪ -‬وهذا ما اعترف به األستاذ الرئيس نفسه بعلو هذه التلمذة وتأثيرها عليه!‪( »...‬محمود عبد اللطيف‪،‬‬
‫‪ ،2007‬الفكر التربوي‪ S‬عند الفارابي) لقد كان أبو علي ابن سينا ثمرة من ثمار أبي نصر‪ :‬تميز بقدراته واستيعابه‬
‫ومنهجيته في مختلف الموضوعات العلمية والمعرفية والتربوية‪.‬‬
‫إن آراء ابن سينا التربوية تهدف إلى إعداد اإلنسان الصالح وكماليته وشعوره بمسؤولياته وأن يكون عنصرًا‬
‫ال في بناء مجتمعه‪ ،‬فالكمال اإلنساني عند ابن سينا هدف إنساني يتحقق من خالل التربية‪ .‬وبشيء من التفصيل‬
‫فعا ً‬
‫يريد ابن سينا أن تكون التربية شاملة لكل وجه من الوجوه‪ ،‬القراءة والكتابة وحفظ القرآن واألدب والشعر‪ ،‬وإ تقان‬
‫للعلوم‪ ،‬وتشبع لمكارم األخالق‪.‬‬
‫ويرى‪ S‬أبو علي ابن سينا أنه يجب على المعلم أن يستغل ميول الطفل الداخلية من أجل تعليمه وأن يهيء‬
‫تشرب‬
‫الجو األخالقي‪ S‬الذي يجنب الطفل اكتساب الشرور‪ S‬وأن يحميه من قرناء السوء ألن الطفل إذا خالطهم ّ‬
‫بأخالقهم دون أن يدري‪.‬‬
‫يشترط‪ S‬ابن سينا في المعلم أن يكون نقياً‪ ،‬وحكيماً‪ ،‬وخالياً من األمراض والعاهات الجسمية وذكياً‪ S‬ذا‬
‫مروءة‪ ،‬كما يشترط‪ S‬على األب أن يكون حكيماً في تربية الطفل وأن يجيد اختيار مرضعته واالبتعاد عن كل ما‬
‫من شأنه أن يعكر صفاء حياته من أجل إسعاده وحسن تربيته‪.‬‬
‫مجمل القول‪ :‬لقد أسهم ابن سينا من خالل كتابة السياسة في وضع قواعد التربية اإلسالمية‪ ،‬وله في ذلك‬
‫آراء فلسفية وتربوية هامة يجب عدم إغفالها بل تهيئة الجو المناسب إلعداد الفرد كي يعيش ويحيا حياة كاملة‪،‬‬
‫فاإلعداد للحياة الكاملة هو الغرض الذي ترمي إليه التربية‪.‬‬
‫وقد‪ S‬وضع (هربرت سبنسر) الفيلسوف اإلنكليزي عوامل لتلك الحياة اإلنسانية الكاملة‪ ،‬وفيها على حسب‬
‫أهميتها هكذا‪:‬‬
‫‪ -1‬األمور التي تستخدم مباشرة لحفظ النفس‪.‬‬
‫‪ -2‬األمور التي تستخدم عرضاً لحفظ النفس والحصول‪ S‬على ضروريات‪ S‬الحياة‪.‬‬
‫‪ -3‬األمور التي تتضمن حفظ الصالت المتينة والعالقات‪ S‬السياسية واالجتماعية‪.‬‬
‫‪ -4‬األمور التي تجعل وقت الفراغ جزءاً من الحياة‪ ،‬وتخصصه بإرضاء حواس اإلنسان وتهذيب عواطفه‬
‫وأذواقه‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬عالقة الدراسات الفلسفية بالفكر التربوي عند ابن سينا‬


‫‪-‬آفاق الفلسفة التربوية‬

‫‪-49-‬‬
‫إذا كانت الفلسفة في أصل وضعها بلغة اليونان تعني (صوفيا) ‪ Sophia‬فإن الفلسفة التي تطورت من النظر‬
‫في أصل الموجودات لدى طاليس‪ ،‬وديموقريطس‪ ،‬وهرقليطس‪ ،‬وأمبوذقليس ففيثاغورث‪ ،‬أولئك الذين قرروا أن‬
‫الذرة‪ ،‬أو الماء والنار‪ ،‬والهواء والتراب مجتمعة‪ ،‬أو أنه العدد؛ هؤالء يسمون‬
‫مبدأ الوجود‪ ،‬الماء‪ ،‬أو النار‪ ،‬أو ّ‬
‫من الباحثين في الفلسفة(علي شلق‪ ،2003 ،‬أبو حيان التوحيدي)‪.‬‬
‫الفيلسوف كما جاء في تعريف علي شلق «هو الذي يحيط بمعارف عصره‪ ،‬ويتأمل في كونه مجتمعاً‪،‬‬
‫تاريخاً‪ ،‬أمماً غيباً‪ ،‬مبدأ نهايةً‪ ،‬وفي‪ S‬الذات من حيث داخلها النفس‪ ،‬العقل‪ ،‬الروح‪ ،‬الحلم‪ ،‬الوهم‪ ،‬الرؤيا‪ ،‬الحدس‪،‬‬
‫الظهر ثم يأخذ ببناء قلعة فلسفته شمولياً‪ ،‬وليس هذا فحسب بل أن يح ّل مشاكل الكون وعقده برأيه مهما كان‬
‫جامحاً أو معقداً أو غريباً»(علي شلق‪ ،2003 ،‬أبو حيان التوحيدي)‪ .‬وهذا يؤكد أن أفالطون كان من أوائل‬
‫علماء الفلسفة‪ ،‬ولم يعرف في العلم الفلسفي أسبق منه في هذا علم‪ ،‬وفي الحضارة اإلسالمية ظهر ابن سينا‬
‫الفيلسوف تام الشروط‪ S‬وعظيم العظماء وهو بحق في طليعة رجال الفلسفة عند العرب‪.‬‬
‫إن فلسفة التربية تحدد للمربين اإلطار التوجيهي لألنشطة التي سيقومون بها‪ ،‬وهي بذلك توفر البنية‬
‫العميقة للتربية‪ ،‬وينبغي أن تسري فيها كما يسري الماء في العود األخضر‪.‬‬
‫ي‪S‬ع‪S‬ت‪S‬ب‪S‬ر‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬أ‪S‬غ‪S‬ز‪S‬ر‪ S‬ف‪S‬ال‪S‬س‪S‬ف‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬س‪S‬ال‪S‬م‪ S‬إ‪S‬ن‪S‬ت‪S‬ا‪S‬ج‪S‬اً‪ S‬و‪S‬أ‪S‬ك‪S‬ث‪S‬ر‪S‬ه‪S‬م‪ S‬ت‪S‬ن‪S‬و‪S‬ع‪S‬اً‪ S،S‬ك‪S‬ت‪S‬ب‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ع‪S‬ل‪S‬م‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ن‪S‬ط‪S‬ق‪ S‬و‪S‬ع‪S‬ل‪S‬م‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ط‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ع‪S‬ة‪S‬‬
‫و‪S‬ع‪S‬ل‪S‬م‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ف‪S‬س‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ر‪S‬ي‪S‬ا‪S‬ض‪S‬ي‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬و‪S‬ا‪S‬إل‪S‬ل‪S‬ه‪S‬ي‪S‬ا‪S‬ت‪S( S‬م‪S‬ا‪ S‬ب‪S‬ع‪S‬د‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ط‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ع‪S‬ة‪ S)S‬و‪S‬م‪S‬ش‪S‬ك‪S‬ال‪S‬ت‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬س‪S‬ت‪S‬ع‪S‬ص‪S‬ي‪S‬ة‪ S،S‬و‪S‬ا‪S‬ت‪S‬ج‪S‬ه‪ S‬ن‪S‬ح‪S‬و‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ل‪S‬س‪S‬ف‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬م‪S‬ي‪S‬ل‪S‬ة‪S‬‬
‫ف‪ّ S‬د‪S‬و‪S‬ن‪ S‬ر‪S‬س‪S‬ا‪S‬ئ‪S‬ل‪ S‬م‪S‬ت‪S‬ف‪S‬ر‪S‬ق‪S‬ة‪ S‬ف‪S‬ي‪S‬ه‪S‬ا‪ S.S.S.S‬و‪S‬أ‪S‬ل‪S‬ف‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ط‪S‬ب‪ S‬و‪S‬م‪S‬و‪S‬ض‪S‬و‪S‬ع‪S‬ا‪S‬ت‪S‬ه‪ S‬ن‪S‬ث‪S‬ر‪S‬اً‪ S‬و‪S‬ش‪S‬ع‪S‬ر‪S‬اً‪ S،S‬و‪S‬ا‪S‬ت‪S‬ج‪S‬ه‪ S‬إ‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ف‪S‬س‪S‬ي‪S‬ر‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ق‪S‬ر‪S‬آ‪S‬ن‪S‬ي‪ S‬ف‪ّ S‬د‪S‬و‪S‬ن‪ S‬ف‪S‬ي‪S‬ه‪S‬‬
‫م‪S‬ج‪S‬م‪S‬و‪S‬ع‪S‬ة‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ر‪S‬س‪S‬ا‪S‬ئ‪S‬ل‪ S،S‬و‪S‬ك‪S‬ذ‪S‬ل‪S‬ك‪ S‬ع‪S‬ن ا‪S‬ل‪S‬ل‪S‬غ‪S‬ة‪ S‬و‪S‬ع‪S‬ال‪S‬ق‪S‬ت‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬ب‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ك‪S‬ر‪S.S‬‬
‫والفلسفة بمعناها عند المسلمين في العصور الوسطى‪ S‬كانت من علوم الخاصة‪ ،‬والفالسفة أنفسهم أصروا‬
‫على ذلك‪ ،‬ونهوا العوام عن االنشغال بها‪ ،‬وحددوا‪ S‬بعض الشروط للمشتغل بها وما يجب أن يدرسه قبل أن يتعلم‬
‫الفلسفة‪ ،‬إن فلسفة التربية ينبغي أن تكون جزءاً من رؤيتنا العامة للحياة واألحياء‪ ،‬كما ينبغي أن تكون في الوقت‬
‫نفسه منفتحة على ما يتراكم‪ S‬من الخبرات في الوعي التربوي العالمي‪.‬‬
‫إن التربية اإلنسانية تتجاوز حدود الواجبات والحقوق‪ ،‬لتسمو إلى آفاق مراعاة المشاعر والظروف‪S‬‬
‫والهموم‪« ،‬إنها نوع من الشهامة والمروءة والتذمم أو هي ‪ -‬كما سماها القرآن الكريم ‪ -‬درجة الفضل قال‬
‫تعالى‪ :‬وال تنسوا الفضل بينكم إن اهلل بما تعملون بصير [سورة البقرة‪ :‬اآلية‪.]237‬‬
‫إن الفلسفة التربوية كما يريدها الشيخ الرئيس تقوم على تنشئة اإلنسان الصالح الذي له سلوك واحد‪،‬‬
‫وتعامل واحد‪ ،‬ومعايير واحدة‪ ،‬فاإلنصاف‪ ،‬واألمانة‪ ،‬والعدل‪ ،‬وأداء الحقوق والنصح واإلحسان‪ ،‬وإ غاثة‬
‫الملهوف‪ ،‬ورعاية حقوق الغير‪ ،‬وما شاكل ذلك من كريم الصفات مقومات أساسية يجب أن تتجلى في سلوك‬
‫المربي في مختلف االتجاهات‪.‬‬
‫إن النظريات التربوية‪ ،‬ال تعدو أن تكون أدوات في يد الفلسفة التربوية وهي مثل كل األدوات‪ ،‬تستمد‬
‫قيمتها من مدى إمكانية تطبيقها‪ ،‬ومن تحقيقها للغايات التي نشأت من أجلها؛ ولذا فإنها تصلح في مرحلة وال‬
‫مر على الناس زمان كان لهم المسيطر عليهم‬
‫تصلح في أخرى‪ ،‬وقد تصلح في بلد‪ ،‬وال تصلح في بلد آخر‪ ،‬وقد‪ّ S‬‬
‫هو استيعاب الواقع الموضوعي‪ S‬وفهمه‪ ،‬لكن القرآن الكريم يشير إلى أن علينا أن نغير من هدف العلم ومن هدف‬
‫التربية‪ ،‬وأن نضيف إلى محاولة فهم العالم محاولة تغييره (عبد الكريم بكار‪ ،2001،‬التربية والتعليم‪ ،) S‬كما في‬
‫قوله سبحانه‪ :‬إن اهلل ال يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ‪[‬سورة الرعد‪:‬اآلية ‪.]11‬‬

‫‪-50-‬‬
‫إن نظرية ابن سينا الفلسفية التربوية تمثل نزوعًا إنسانيًا عميقًا نحو إصالح الفرد‪ ،‬وإ صالح محيطه وتقويم‬
‫اعوجاجه ‪ -‬وسد حاجاته‪ ،‬والمحافظة عليه قال سبحانه‪ :‬فلما نسوا ما ّ‬
‫ذكروا به‪ ،‬أنجينا الذين ينهون عن السوء‬
‫بئيس بما كانوا يفسقون‪[ ‬سورة األعراف‪ :‬اآلية ‪.]165‬‬
‫ٍ‬ ‫وأخذنا الذين ظلموا بعذاب‬
‫ع‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ر‪S‬غ‪S‬م‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬أن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ا‪S‬م‪S‬ل‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ش‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ك‪ S‬ب‪S‬ي‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ل‪S‬س‪S‬ف‪S‬ة‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ي‪S‬ق‪S‬و‪S‬م‪ S‬عل‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬و‪S‬ف‪S‬ي‪S‬ق‪ S‬ب‪S‬ي‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ح‪S‬ك‪S‬م‪S‬ة‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ح‪S‬قة‪S‬‬
‫ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ي‪ S‬ت‪S‬ت‪S‬ط‪S‬ل‪S‬ب‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ق‪S‬د‪S‬ر‪S‬ة‪ S‬عل‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬م‪S‬ل‪ S،S‬و‪S‬ق‪S‬و‪S‬ة‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ح‪S‬ك‪S‬م‪ S،S‬و‪S‬ح‪S‬س‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ب‪S‬ص‪S‬ي‪S‬ر‪S‬ة‪ S،S‬و‪S‬ب‪S‬ع‪S‬د‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ظ‪S‬ر‪ S،S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ح‪S‬ل‪S‬ي‪ S‬ب‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ا‪S‬د‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ص‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ح‪S‬ة‪S،S‬‬
‫و‪S‬ا‪S‬أل‪S‬خ‪S‬ال‪S‬ق‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ا‪S‬ض‪S‬ل‪S‬ة‪ S:S‬م‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ش‪S‬ا‪S‬ط‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ث‪S‬ا‪S‬ب‪S‬ر‪S‬ة‪ S،S‬و‪S‬ا‪S‬أل‪S‬م‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ة‪ S،S‬و‪S‬ا‪S‬ال‪S‬ع‪S‬ت‪S‬م‪S‬ا‪S‬د‪ S‬عل‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ف‪S‬س‪ S،‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ن‪S‬ا‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ب‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ص‪S‬ح‪S‬ة‪ S،S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ط‪S‬ا‪S‬ع‪S‬ة‪S‬‬
‫ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ع‪S‬ق‪S‬و‪S‬ل‪S‬ة‪ S،S‬و‪S‬أ‪S‬د‪S‬ا‪S‬ء‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬و‪S‬ا‪S‬ج‪S‬ب‪ S،S‬و‪S‬إ ر‪S‬ض‪S‬ا‪S‬ء‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ض‪S‬م‪S‬ي‪S‬ر‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬س‪S‬ر‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ال‪S‬ن‪S‬ي‪S‬ة‪ S،S‬و‪S‬ب‪S‬ه‪S‬ذ‪S‬ه‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ي‪S‬س‪S‬ت‪S‬ط‪S‬ي‪S‬ع‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ر‪S‬د‪ S‬أن‪ S‬ي‪S‬ن‪S‬ت‪S‬ف‪S‬ع‪ S‬ب‪S‬ع‪S‬ل‪S‬م‪S‬ه‪S‬‬
‫ف‪S‬ي‪ S‬ح‪S‬ي‪S‬ا‪S‬ت‪S‬ه‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬م‪S‬ل‪S‬ي‪S‬ة‪S.‬‬
‫ومن هنا ندرك الحقيقة التي لمسناها في الفيلسوف الحكيم (ابن سينا) حين جمع بين المبادئ التربوية التي‬
‫تتطلبها التربية الحقة وبين الفكر الفلسفي الذي تبناه ومن هنا يبدو واضحاً أن أي بناء فلسفي ال يستقيم إال في ٍ‬
‫جو‬
‫تتوافر‪ S‬فيه مناخات فكرية معينة‪ ،‬تتسم بالرقي‪ S‬واالتزان‪ ،‬والبعد عن اإلرهاص والقلق‪ ،‬وتعيش جوها العلمي‬
‫واالجتماعي بحرية واختيار بحيث يساعد هذا التقدم واالنفتاح على ازدهار‪ S‬الذهنيات الستقبال ما هو جديد‬
‫وطريف‪ S‬في ظل حضارة متنامية عالمة هاضمة»( إبراهيم مدكور‪ ،1947،‬الفلسفة اإلسالمية منهج وتطبيق)‪.‬‬
‫تناول الشيخ الرئيس في الفكر الفلسفي جوانب متعددة‪ ،‬وآثاره الكثيرة خاصة ما يتعلق منها بالمشكالت‬
‫المعقدة‪.‬‬

‫‪ -‬الترابط بين أجزاء فلسفة ابن سينا التربوية‪:‬‬


‫أجمع المؤرخون على أن ابن سينا سيظل تلك الذروة الشامخة‪ ،‬ألنه وعى كثيراً ومزج كثيراً‪ ،‬فشغل كل‬
‫من اهتم بالفلسفة التربوية والحظ الباحثون في فلسفته التربوية الترابط المحكم والصارم‪ S‬بين مختلف الجوانب‬
‫الفلسفية والتربوية في معظم مؤلفاته ومصنفاته‪ ،‬وإ لى حرصه على عدم إهمال أي فكرة تتعلق بالجوانب التربوية‬
‫أو الفلسفية أو السياسية‪ ،‬وهذا يشير إلى مدى الترابط بين نواحي فلسفته النظرية والعملية‪ ،‬وبالتالي‪ S‬يشكل أحد أهم‬
‫عرف «الالند» المنهج والفلسفة المنهجية بقوله‪ :‬إنه مجموعة عناصر يتوقف‪S‬‬
‫عناصر الفلسفة المنهجية‪ ،‬وقد‪ّ S‬‬
‫بعضها على بعضها اآلخر بحيث تشكل هذه العناصر كالً منتظماً‪ ،‬والفلسفة المنهجية هي مجموعة أفكار‪S‬‬
‫مترابطة منطقياً بحيث تفسر األفكار‪ S‬األخيرة باألفكار األولى»‪.‬‬
‫إن مذهب ابن سينا في الفلسفة ال يختلف عن مذهب الفالسفة العرب‪ ،‬وقد أخذ بهذا المذهب قبله الفارابي‬
‫والكندي وبعده ابن رشد‪ ،‬ولقد بحثت نظرياته الفلسفية الميتافزيقية في الخير‪ ،‬والصلة بين اهلل والعالم‪ ،‬وقورنت‬
‫فكرة األلوهية عنده بما قال به المتكلمون من جانب وما قال به ابن رشد من جانب آخر‪ ،‬وهذه مسائل من الفلسفة‬
‫اإلسالمية في صميمها‪ S‬وأياً كان‪ ،‬فإن الشيخ الرئيس يورد‪ S‬تقديره ألبي نصر الفارابي في مجاالت عدة من مؤلفاته‬
‫بقوله‪« :‬أما أبو نصر الفارابي فيجب أن يفطم فيه االعتقاد‪ ،‬وال يجري مع القوم في ميدان‪ ،‬فيكاد أن يكون أفضل‬
‫من سلف من السلف»( ابن سينا‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬اإلشارات)‪.‬‬
‫وتلك شهادة حق وصدق‪ S،‬تضع أبا نصر في قمة الفكر اإلنساني‪ S‬بما فيه أفالطون وأرسطوطاليس‪.‬‬

‫‪-51-‬‬
‫إنتاج‪ S‬ابن سينا‪ S‬وافر‪ S‬ومتنوع‪ S‬شمل جميع‪ S‬المجاالت‪ ،‬ولعله بين فالسفة اإلسالم‪ S‬أكثرهم‪ S‬حظأ‪ S‬من البحث‬
‫والدراسة‪ S‬واستثمار‪ S‬المعارف‪ S‬في‪ S‬الكسب‪ S‬واالرتزاق‪ S،‬ليتذوق‪ S‬الناشئ‪ S‬حالوة‪ S‬الكسب بالصناعة‪ S‬والجد‪ S‬واالعتماد‪S‬‬
‫على‪ S‬الذات‪ ،‬وهذا‪ S‬في‪ S‬الحقيقة ما‪ S‬ترمي‪ S‬إليه فلسفة التربية‪ S‬قديماً‪ S‬وحديثاً‪ S،‬وعلى التربية‪ S‬أن تأخذ‪ S‬استعداد‪ S‬الطالب‪S‬‬
‫فيوجه‪ S‬بحسب ذلك‪ S‬واألخذ‪ S‬بعين‬ ‫وأن توجهه بحسب‪ S‬االستعداد‪ S،‬وأن ينظر‪ S‬إلى ما‪ S‬يراه أن تكون‪ S‬صناعته‪ُ ،‬‬
‫االعتبار ميوله‪ S‬واستعداداته‪ S‬ومواهبه‪ S،‬فالتربية‪ S‬الصحيحة هي‪ S‬التي تقوم‪ S‬على معرفة‪ S‬غرائز‪ S‬اإلنسان وميوله‪ S‬ألن‬
‫الغاية من التربية هي‪ S‬العمل‪ ،‬وابن سينا‪ S‬في‪ S‬ذلك‪ S‬ال يختلف‪ S‬عن غيره من فالسفة المسلمين‪ S‬في‪ S‬األخذ بمبادئ‪ S‬هذه‬
‫التربية مما‪ S‬يعين في‪ S‬التأديب والتهذيب‪ S‬والحث‪ S‬على‪ S‬البر واصطن‪S‬اع‪ S‬المعروف‪ S،‬وكل ما‪ S‬فيه مكارم‪ S‬األخالق‪S.‬‬
‫ابن سينا‪َ ،‬علَ ٌم جليل من أعالم اإلسالم الموسوعيين الذي تنوع فيهم عطاء اهلل وتعددت في اهتماماته فروع‬
‫المعرفة والثقافة حتى قيل إنه لم يظهر علم من العلوم أو فن من الفنون في عصره إال وترك فيه مؤلفاً أو رسالة‪،‬‬
‫إن التربية السيناوية تميزت بأنها تناولت حياة اإلنسان منذ لحظة والدته‪ ،‬وهذا يشير إلى اهتمامه بإنسانية اإلنسان‬
‫وإ يصالها إلى المستوى المطلوب خالل دراساته لقضايا الفكر الفلسفي‪ ،‬منها ما يتعلق بعلم المنطق‪ ،‬وعلم‬
‫الطبيعة‪ ،‬وعلم النفس وعالج من وجهة نظر الفلسفة التربوية مالمح التربية المالئمة المستقبلية‪ ،‬ألن إدراك ما هو‬
‫مطلوب لسد حاجات األمة يعتمد على إحراز (رؤية تركيبية) مشكلة من عناصر ثقافية واجتماعية وسياسية‬
‫واقتصادية كثيرة تندرج في مجال مواجهة العقبات التي تواجه التقدم التربوي ومتطلبات‪ S‬األمة وحاجاتها‪،‬‬
‫والقضايا التي يجب أن تعطي األولوية في المعالجة واإلصالح‪.‬‬
‫وهكذا يكون ابن سينا قد حاول أن يوجد منهجية علمية يحقق عن طريقها الغايات التي سعى إليها وبالتالي‪S‬‬
‫يكون منهجاً يطالب فيه كل فرد في كل زمان ومكان من خالل‪:‬‬
‫‪ -‬تحصيل العلم والسعي إليه‪ :‬لتحقيق هدف اإلنسان وغاياته‪.‬‬
‫‪ -‬نشدان العلم اليقين‪ :‬القائم على معرفة طبائع األشياء‪.‬‬
‫‪ -‬الربط بين النتائج واألسباب‪ ،‬لتحقيق هدف الفكر التربوي‪S.‬‬
‫لهذا نجد ابن سينا في كتاباته يدعو إلى التعقل في مختلف الظواهر اإلنسانية والطبيعية على السواء‪ ،‬لقد‬
‫وضعنا ابن سينا أمام مذهب تربوي‪ S‬واضح األهداف ومحدد‪ S‬المعالم‪ ،‬نابع عن فلسفة مدركة لمستلزمات‪ S‬العملية‬
‫التربوية وأبعادها من ناحية‪ ،‬ولطبيعة الكائن البشري‪ S‬وفطرته من ناحية أخرى‪ ،‬إنه أحد المبادئ الحديثة في‬
‫التربية والمختص بمراعاة طبيعة المتعلم‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬محتوى التراث التربوي العربي اإلسالمي عند ابن سينا‪:‬‬


‫يعتبر الشيخ الرئيس (ابن سينا) من أوائل أعالم التراث العربي اإلسالمي‪ ،‬اهتم بالفلسفة وتعلّم أوائل‬
‫المنطق والهندسة والفلك وأكمل وحده دراسة الطبيعيات واإللهيات‪ ،‬ثم تعلم الطب‪ ،‬وعالج المرضى‪.‬‬

‫‪-52-‬‬
‫والحق أن ابن سينا كان رائدًا في مختلف االتجاهات العلمية والتربوية ترك تراثًا ضخمًا ما بين مطبوع‬
‫ومخطوط سيبقى المنارة المضيئة على مر الزمان واألجيال‪ ،‬عالج في مؤلفاته مكونات الفكر التربوي والنفسي في‬
‫جميع الجوانب اللغوية والعلمية واألخالقية والجسمية وأبرز المضامين التي ينطوي عليها هذا الفكر من إيداع فكري‬
‫أسهم في تكوين الفكر العربي الخالق‪ ،‬ويركز على مكانة التربية في تشكيل شخصية الطفل العربي ورعايتها‬
‫وترسيخ مكانتها االجتماعية باعتبار أن الطفل ثروة وطنية وقومية يمكن أن تستثمر لصالح ترقية وإ نماء المجتمع‬
‫ال‪.‬‬
‫العربي حاضرًا ومستقب ً‬
‫لقد استمد ابن سينا أصول وتكوين التربية العربية اإلسالمية من مصدرين هما‪:‬‬
‫‪ -‬القرآن الكريم كتاب اهلل العزيز وهو المنبع األساسي‪ S‬الذي يحتوي‪ S‬على كل ما يتصل بشؤون اإلنسان‬
‫الحياتية والدنيوية والحياة اآلخرة‪ ،‬وهو األصل في تشريع القوانين وتحديد األحكام والحقوق‪ S‬لبني البشر وفيه بيان‬
‫دقيق للكون والحياة واإلنسان وبه ومن خالله استطاع اإلنسان المسلم أن يفهم حقيقة وجوده وينظم‪ S‬عالقاته مع‬
‫بيئته الطبيعية واالجتماعية وأن يرسم صورة حياته وكينونته‪.‬‬
‫‪ -‬السنة النبوية الشريفة وهي ما أثر عن النبي ‪ ‬من قول أو فعل وهي مصدر متكامل مع القرآن الكريم‬
‫وترجمة فعلية ألحكامه وهي استلهام من الوحي المنزل من عند اهلل باالستناد إلى قوله تعالى بحق النبي صلوات اهلل‬
‫عليه ‪‬وما ينطق عن الهوى إن هو إال وحي يوحى‪[ ‬سورة النجم‪ :‬اآلية ‪ 3‬ـ ‪.]4‬‬
‫اهتم الشيخ الرئيس بدراسة وتحليل سمات مرحلة الطفولة وكانت آراؤه مبنية على أساس المالحظة‬
‫والحدس واستلهام ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية لتشكل هذه اآلراء نسقاً فكرياً‪ S‬أشبه ما يكون بنظرية‬
‫وكما يوصفها محمود‪ S‬قنبر (لم تصل إلينا هذه النظرة في بنية فكرية كاملة بذاتها اصطلح عليها المربون‪ ،‬ويمكن‬
‫نسبتها إلى مصدر‪ S‬واحد‪ ،‬أو إلى مفكر تربوي معروف‪ S،‬أو إلى منظر فلسفي بشر فيها وروج لها‪ ،‬أو إلى هيئة‬
‫تربوية اشتغلت بها‪ ..‬لقد جاءت إلينا في شكل معان أولية مستلهمة من كتاب اهلل عز وجل وسنة رسوله وقد‪ S‬وقف‬
‫تكون فيما بينها مبادئ‬
‫أمامها نفر من العلماء المسلمين بالبحث والنظر فحولوها إلى مفاهيم متوافقة ومتآلفة ّ‬
‫النظرية التربوية الخاصة بتربية الطفل‪.‬‬
‫إن اهتمام أعالم التراث بتربية الطفل يشير إلى خلق الجو المالئم للطفل ليعيش حياة سعيدة من حيث‪:‬‬
‫‪ -1‬البناء العقلي والنفسي واالجتماعي الذي يتجلى في التوحد مع قيم األسرة والقبيلة كوحدتين اجتماعيتين‬
‫متكاملتين لها قوانينها ونظمها‪ S‬وسلطانها‪ S‬الخاصة وما على الفرد إال التمسك بها والذود‪ S‬عنها حفاظاً على أمنه‬
‫وسالمة شخصيته من االضطهاد‪ S‬والعنف الذي قد يتعرض عليه في المجتمع‪.‬‬
‫‪ -2‬البناء الجسمي والمهاري للطفل الذي يجعل منه شخصية قادرة على التكيف مع متطلبات البيئة في‬
‫مختلف المجاالت لكي يكون في مأمن من المخاطر‪ S‬التي قد يتعرض عليها في تنظيم شؤون حياته‪.‬‬
‫حصل كثيراً‪ ،‬وألف‬
‫من هنا نستطيع القول‪ :‬إن ابن سينا من الرواد األوائل في التراث العربي اإلسالمي ّ‬
‫كثيراً‪ ،‬وعني بشؤون السياسة‪ ،‬وامتاز باالعتداد بالنفس‪ ،‬وبالطموح إلى المجد‪ ،‬هدف إلى إيجاد اإلنسان الصالح‬
‫بتربيته كفرد مع األخذ بعين االعتبار جميع المكونات التي تدخل في تركيبه‪.‬‬
‫لقد اتسم تراث أمتنا العربية بالعراقة؛ إذ إنه نشأ قبل ألوف السنين على األرض العربية‪ ،‬وبقي متنامياً عبر‬
‫الزمان والمكان؛ معبراً عن ذاته في عدد كبير من الحضارات قبل أن يتحد في النهاية في حضارة عربية إسالمية‬
‫واحدة ذات ثقافة واحدة شملت األرض العربية كلها‪.‬‬
‫‪-53-‬‬
‫كما‪ S‬اتسم‪ S‬بقدرته على استيعاب‪ S‬الثقافات‪ S‬األخرى‪ S‬من فلسفة اإلغريق‪ S‬وعلومهم‪ S‬إلى‪ S‬حكمة الهند وفكره‪S‬ا‪S‬‬
‫إلى آداب الفرس ونظمها؛‪ S‬وقد‪ S‬تفاعلت ثقافتنا‪ S‬مع هذه الثقافات دون‪ S‬أن تفقد هويتها‪ S‬أو‪ S‬تذوب‪ S‬أو تفقد أصالتها؛‪S‬‬
‫وطبعت‪ S‬ذلك كله بالطابع‪ S‬العربي‪ S‬مبرهنة على قدرة‪ S‬فائقة في‪ S‬التطور‪ S‬والنمو‪ S‬واستيعاب‪ S‬المحدثات‪ S‬في‪ S‬مجال‪S‬‬
‫العلوم‪ S‬والثقافة والفنون‪ S‬واآلداب؛ وصمدت‪ S‬أمام محاوالت‪ S‬التشويه‪ S‬واالستالب؛‪ S‬واجتازت‪ S‬بنجاح‪ S‬المعادلة‬
‫الصعبة بين الحوار‪ S‬المكافئ‪ S‬واألخذ‪ S‬اإليجابي‪ S‬على‪ S‬الثقافات األخرى‪ S،‬وبين‪ S‬الرفض القاطع‪ S‬لمحاوالت‪ S‬طمس‬
‫الهوية‪.‬‬
‫والحق أن ابن سينا (الشيخ الرئيس) يؤمن باالنفتاح الرحب على الثقافات اإلنسانية التي كانت على الدوام‬
‫ذات سمات إنسانية‪ ،‬ولن نضيف‪ S‬جديداً إذا ذكرنا أن هدف أمتنا العربية إنما يقوم على االنفتاح الحضاري‬
‫اإلنساني؛ فمن أرضها‪ S‬قامت الفتوحات وعبرها مرت وتعرضت لمحن واجتياحات‪ ،‬ومع ذلك كله بقيت تقدم‬
‫للعالم أنموذجاً‪ S‬اجتماعياً إنسانياً يؤكد انفتاح اإلنسان على أخيه اإلنسان وظلت تحمل راية الحياة المعطاة؛ راية‬
‫األخوة اإلنسانية‪ ،‬لقد عبر (ابن سينا) تعبيراً صادقاً عن الفكر اإلسالمي ولهذا الفكر خصائصه ومميزاته‪ .‬أخذ‬
‫وألم بالثقافة اإلسالمية الشاملة المعاصرة له‪ ،‬وهضمها‪S‬‬
‫عن اليونان والرومان‪ ،‬كما تأثر بالفرس والهند والسريان‪َّ ،‬‬
‫خير هضم‪ ،‬ثم ترجم عنها ترجمة صادقة‪ ،‬فكتب في الطب والكيمياء والطبيعة وعلم األحياء‪ ،‬والفلك والرياضة‬
‫واألخالق والسياسة‪.‬‬
‫إن ثقافة ابن سينا ثقافة إنسانية واسعة األفق‪ ،‬ال تخشى األخذ عن الغير ما دامت تؤمن بنفسها‪ ،‬كما ال‬
‫تخشى أن يؤخذ عنها فتستفيد‪ S‬وتفيد‪ ،‬ومن هنا كان ابن سينا مفكراً عالمياً‪ ،‬يرتفع عن حدود الزمان والمكان‪ ،‬وال‬
‫غرابة فهو عالم وفيلسوف؛ والعلم والفلسفة الحقة ال وطن لها‪ ،‬ففلسفته هي فلسفة اللغة العربية منذ القرن الخامس‬
‫الهجري إلى أوائل القرن الحالي‪ ،‬وما يقال عن العربية يمكن أن يقال عن الفارسية التي تعتبر لغة ابن سينا‬
‫األصلية‪ ،‬فكتب بها وألف‪ ،‬وما لم يكتبه ترجمه الفرس إليها من بعده‪ ،‬وتعلقوا بتراثه جميعه‪ ،‬إن في الطب أو في‬
‫الفلسفة أو التربية‪ .‬وعن طريق العربية والفارسية امتد أثره إلى التركية‪ ،‬فتتلمذ له األتراك بدورهم‪ ،‬ورددوا‬
‫آراءه وتعاليمه‪ ،‬وأشير إلى أن مكتبات استانبول تعد أكبر مصدر آلثاره ومخلفاته‪.‬‬
‫و‪S‬ي‪S‬ر‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ش‪S‬ي‪S‬خ‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ر‪S‬ئ‪S‬ي‪S‬س‪ S‬أن‪ S‬ا‪S‬أل‪S‬ه‪S‬د‪S‬ا‪S‬ف‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬و‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ال‪ S‬ت‪S‬ت‪S‬ح‪S‬ق‪S‬ق‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ف‪S‬ر‪S‬ا‪S‬غ‪ S،S‬إ‪S‬ذ‪ S‬ب‪S‬د‪S‬و‪S‬ن‪ S‬م‪S‬ح‪S‬ت‪S‬و‪S‬ى‪ S‬م‪S‬ال‪S‬ئ‪S‬م‪ S‬ت‪S‬ظ‪S‬ل‪ S‬ا‪S‬أل‪S‬ه‪S‬د‪S‬ا‪S‬ف‪S‬‬
‫ش‪S‬ع‪S‬ا‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬غ‪S‬ي‪S‬ر‪ S‬ق‪S‬ا‪S‬ب‪S‬ل‪S‬ة‪ S‬ل‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ط‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ق‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬د‪S‬ن‪S‬ي‪S‬ا‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬و‪S‬ا‪S‬ق‪S‬ع‪ S،S‬و‪S‬ع‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬عل‪S‬م‪S‬ا‪S‬ء‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬س‪S‬ال‪S‬م‪S‬ي‪ S‬أ‪S‬ن‪ S‬ي‪S‬ق‪S‬و‪S‬م‪S‬و‪S‬ا‪ S‬ب‪S‬إ‪S‬ض‪S‬ا‪S‬ف‪S‬ا‪S‬ت‪S‬‬
‫ج‪S‬د‪S‬ي‪S‬د‪S‬ة‪ S‬ك‪S‬ل‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬م‪S‬ي‪S‬د‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ت‪S‬خ‪S‬ص‪S‬ص‪S‬ه‪ S،S‬و‪S‬أ‪S‬ن‪ S‬ي‪S‬ك‪S‬و‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ح‪S‬ت‪S‬و‪S‬ى‪ S‬ص‪S‬ا‪S‬د‪S‬ق‪S‬اً‪ S‬ب‪S‬ع‪S‬ك‪S‬س‪ S‬ح‪S‬ق‪S‬ي‪S‬قة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ل‪S‬م‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ذ‪S‬ي‪ S‬ي‪S‬ن‪S‬ت‪S‬م‪S‬ي‪ S‬إ‪S‬ل‪S‬ي‪S‬ه‪ S،S‬إ‪S‬ذ‪ S‬ال‪ S‬ش‪S‬ي‪S‬ء‪S‬‬
‫أ‪S‬خ‪S‬ط‪S‬ر‪ S‬عل‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬س‪S‬ال‪S‬م‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬س‪S‬ط‪S‬ح‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ب‪S‬م‪S‬ع‪S‬ن‪S‬ى‪ S‬أ‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ال‪S‬س‪S‬ت‪S‬ش‪S‬ه‪S‬ا‪S‬د‪ S‬ب‪S‬ب‪S‬ع‪S‬ض‪ S‬ا‪S‬آل‪S‬ي‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬و‪S‬ا‪S‬أل‪S‬ح‪S‬ا‪S‬د‪S‬ي‪S‬ث‪ S‬د‪S‬و‪S‬ن‪ S‬إ‪S‬د‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ك‪ S‬ص‪S‬ح‪S‬ي‪S‬ح‪S‬‬
‫ل‪S‬م‪S‬ق‪S‬ا‪S‬ص‪S‬د‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬ي‪S‬ض‪S‬ر‪ S‬أ‪S‬ك‪S‬ث‪S‬ر‪ S‬م‪S‬م‪S‬ا‪ S‬ي‪S‬ن‪S‬ف‪S‬ع‪ S.S‬إ‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ط‪S‬ر‪S‬ي‪S‬ق‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ي‪ S‬ت‪S‬ن‪S‬ق‪S‬ل‪ S‬م‪S‬ح‪S‬ت‪S‬و‪S‬ى‪ S‬م‪S‬ع‪S‬ي‪S‬ن‪S‬اً‪ S‬ل‪S‬إل‪S‬ن‪S‬س‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬و‪S‬ت‪S‬ع‪S‬ت‪S‬م‪S‬د‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ط‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ع‪S‬ت‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬عل‪S‬ى‪S‬‬
‫ا‪S‬أل‪S‬ه‪S‬د‪S‬ا‪S‬ف‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬و‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ب‪S‬ت‪S‬ز‪S‬و‪S‬ي‪S‬د‪S‬ه‪ S‬ب‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ح‪S‬ق‪S‬ا‪S‬ئ‪S‬ق‪ S،S‬ف‪S‬إ‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ح‪S‬ت‪S‬و‪S‬ى‪ S‬ي‪S‬ه‪S‬ت‪S‬م‪ S‬ب‪S‬ك‪S‬م‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ح‪S‬ق‪S‬ا‪S‬ئ‪S‬ق‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ي‪ S‬ي‪S‬ق‪S‬د‪S‬م‪S‬ه‪S‬ا‪ S،S‬أ‪S‬م‪S‬ا‪ S‬إ‪S‬ذ‪S‬ا‪ S‬ك‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ه‪S‬د‪S‬ف‪ S‬ت‪S‬ح‪S‬ل‪S‬ي‪S‬ل‪S‬‬
‫ا‪S‬ل‪S‬ظ‪S‬ا‪S‬ه‪S‬ر‪S‬ة‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ع‪S‬ر‪S‬ف‪ S‬عل‪S‬ى‪ S‬أ‪S‬س‪S‬ب‪S‬ا‪S‬ب‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬و‪S‬ا‪S‬س‪S‬ت‪S‬خ‪S‬ال‪S‬ص‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ت‪S‬ا‪S‬ئ‪S‬ج‪ S‬ف‪S‬إ‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ح‪S‬ت‪S‬و‪S‬ى‪ S‬ي‪S‬ن‪S‬ظ‪S‬م‪ S‬ب‪S‬ط‪S‬ر‪S‬ي‪S‬ق‪S‬ة‪ S‬ت‪S‬م‪S‬ك‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬د‪S‬ا‪S‬ر‪S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬ر‪S‬ب‪S‬ط‪S‬‬
‫ا‪S‬أل‪S‬س‪S‬ب‪S‬ا‪S‬ب‪ S‬ب‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ت‪S‬ا‪S‬ئ‪S‬ج‪ S،S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ي‪ S‬ت‪S‬ع‪S‬ن‪S‬ى‪ S‬ب‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ج‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ب‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ظ‪S‬ر‪S‬ي‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ع‪S‬ر‪S‬ف‪S‬ة‪ S‬ال‪ S‬ت‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ن‪ S‬ل‪S‬ل‪S‬د‪S‬ا‪S‬ر‪S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ك‪S‬ي‪S‬ف‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ي‪ S‬ي‪S‬م‪S‬ك‪S‬ن‪ S‬أن‪S‬‬
‫ت‪S‬ط‪S‬ب‪S‬ق‪ S‬ب‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬ت‪S‬ل‪S‬ك‪ S‬ا‪S‬آل‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ء‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ح‪S‬ي‪S‬ا‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬م‪S‬ل‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬و‪S‬ت‪S‬ح‪S‬ق‪S‬ق‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ا‪S‬ئ‪S‬د‪S‬ة‪ S‬ب‪S‬م‪S‬ع‪S‬ن‪S‬ى‪ S‬أ‪S‬ن‪ S‬م‪S‬ح‪S‬ت‪S‬و‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ل‪S‬و‪S‬م‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬و‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ي‪S‬ج‪S‬ب‪ S‬أ‪S‬ن‪ S‬ي‪S‬ع‪S‬ك‪S‬س‪S‬‬
‫م‪S‬خ‪S‬ت‪S‬ل‪S‬ف‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ط‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ئ‪S‬ق‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬س‪S‬ت‪S‬خ‪S‬د‪S‬م‪S‬ة‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ك‪S‬ت‪S‬س‪S‬ا‪S‬ب‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ع‪S‬ر‪S‬ف‪S‬ة‪ S،S‬و‪S‬أ‪S‬ن‪ S‬ال‪ S‬ي‪S‬ق‪S‬ف‪ S‬ع‪S‬ن‪S‬د‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ح‪S‬د‪ S‬م‪S‬ن‪S‬ه‪S‬ا‪S.S‬‬

‫‪-54-‬‬
‫ب‪S‬ذ‪S‬ا‪ S‬ي‪S‬ص‪S‬ن‪S‬ف‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬ن‪S‬س‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ب‪S‬ق‪S‬و‪S‬ل‪S‬ه‪ S:‬ه‪S‬و‪ S‬ع‪S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪ S‬ق‪S‬ا‪S‬ئ‪S‬م‪ S‬ب‪S‬ذ‪S‬ا‪S‬ت‪S‬ه‪ S..S.S‬له‪ S‬ك‪S‬ي‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬خ‪S‬ا‪S‬ص‪ S‬م‪S‬س‪S‬ت‪S‬ق‪S‬ل‪ S،S‬و‪S‬ف‪S‬ي‪S‬ه‪ S‬ق‪S‬و‪S‬ى‪ S‬د‪S‬ف‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ة‪ S‬له‪S‬‬
‫آ‪S‬م‪S‬ا‪S‬له‪ S‬و‪S‬آ‪S‬ال‪S‬م‪S‬ه‪ S،S‬و‪S‬ل‪S‬ه‪ S‬أ‪S‬ف‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ح‪S‬ه‪ S‬و‪S‬أ‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ح‪S‬ه‪ S،S‬و‪S‬ل‪S‬ه‪ S‬خ‪S‬ي‪S‬ا‪S‬ال‪S‬ت‪S‬ه‪ S‬و‪S‬أ‪S‬ح‪S‬ال‪S‬م‪S‬ه‪ S.S.S‬ل‪S‬ق‪S‬د‪ S‬ن‪S‬ظ‪S‬ر‪ S‬إ‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬ن‪S‬س‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ن‪S‬ظ‪S‬ر‪S‬ة‪ S‬ع‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ف‪S‬ي‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬إ‪S‬ك‪S‬ب‪S‬ا‪S‬ر‪ S‬له‪S‬‬
‫و‪S‬إ ج‪S‬ال‪S‬ل‪ S،S‬و‪S‬ف‪S‬ي‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬إع‪S‬ج‪S‬ا‪S‬ب‪ S‬به‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ح‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ا‪S‬م‪ S‬ل‪S‬ش‪S‬أ‪S‬ن‪S‬ه‪ S،S‬و‪S‬ا‪S‬إل‪S‬ن‪S‬س‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ر‪S‬أ‪S‬ي‪S‬ه‪ S‬ل‪S‬ي‪S‬س‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ب‪S‬د‪S‬ن‪ S،‬ب‪S‬ل‪ S‬ذ‪S‬ل‪S‬ك‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ج‪S‬و‪S‬ه‪S‬ر‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬و‪S‬ا‪S‬ح‪S‬د‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ذ‪S‬ي‪ S‬ي‪S‬س‪S‬ك‪S‬ن‪S‬‬
‫ا‪S‬ل‪S‬ب‪S‬د‪S‬ن‪ S،‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ذ‪S‬ي‪ S‬ي‪S‬د‪S‬ع‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ف‪S‬س‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ا‪S‬ط‪S‬ق‪S‬ة‪ S..S.S.‬ف‪S‬ت‪S‬ل‪S‬ك‪ S‬ه‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬ن‪S‬س‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬عل‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ح‪S‬ق‪S‬ي‪S‬ق‪ S(S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S،S‬ب‪S‬د‪S‬و‪S‬ن‪ S‬ت‪S‬ا‪S‬ر‪S‬ي‪S‬خ‪ S،S‬ا‪S‬إل‪S‬ش‪S‬ا‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬م‪S‬ن‪S‬‬
‫ا‪S‬ل‪S‬ج‪S‬ز‪S‬ء‪ S‬ا‪S‬أل‪S‬و‪S‬ل‪S.S)S‬‬
‫ف‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ك‪S‬م‪S‬ا‪ S‬ي‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S‬ت‪S‬ب‪S‬د‪S‬أ‪ S‬ب‪S‬ا‪S‬إل‪S‬ن‪S‬س‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬ح‪S‬ي‪S‬ث‪ S‬ه‪S‬و‪ S‬إ‪S‬ن‪S‬س‪S‬ا‪S‬ن‪ S،S‬ث‪S‬م‪ S‬ت‪S‬ع‪S‬م‪S‬ل‪ S‬عل‪S‬ى‪ S‬إ‪S‬ي‪S‬ص‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ه‪ S‬إ‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬ك‪S‬م‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ه‪S‬‬
‫ا‪S‬إل‪S‬ن‪S‬س‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ي‪ S‬ك‪S‬ي‪ S‬ي‪S‬ت‪S‬م‪S‬ك‪S‬ن‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬ت‪S‬ح‪S‬ق‪S‬ي‪S‬ق‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬خ‪S‬ال‪S‬ف‪S‬ة‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ه‪S‬ذ‪S‬ه‪ S‬ا‪S‬أل‪S‬ر‪S‬ض‪ S،S‬و‪S‬ب‪S‬ه‪S‬ذ‪S‬ا‪ S‬ت‪S‬ك‪S‬و‪S‬ن‪ S‬ع‪S‬ص‪S‬ر‪S‬ن‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ث‪ S‬ك‪S‬م‪S‬ا‪ S‬ي‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪S‬‬
‫م‪S‬ت‪S‬م‪S‬ث‪S‬ل‪S‬ة‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬إع‪S‬ط‪S‬ا‪S‬ء‪ S‬ق‪S‬ي‪S‬م‪S‬ة‪ S‬و‪S‬ظ‪S‬ي‪S‬ف‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ذ‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬ت‪S‬أ‪S‬ث‪S‬ي‪S‬ر‪ S‬و‪S‬ت‪S‬أ‪S‬ث‪S‬ر‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ج‪S‬م‪S‬ي‪S‬ع‪ S‬م‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ح‪S‬ل‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ح‪S‬ي‪S‬ا‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬ن‪S‬س‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ف‪S‬ع‪S‬م‪S‬ل‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ة‪ S،S‬ه‪S‬ي‪ S‬ت‪S‬ن‪S‬م‪S‬ي‪S‬ة‪S‬‬
‫ش‪S‬خ‪S‬ص‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬ن‪S‬س‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬عل‪S‬ى‪ S‬أن‪ S‬ت‪S‬ت‪S‬م‪S‬ث‪S‬ل‪ S‬ك‪S‬ل‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ج‪S‬و‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ب‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬و‪S‬ي‪S‬ة‪ S،S‬ف‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ن‪S‬س‪S‬ج‪S‬ا‪S‬م‪ S‬و‪S‬ت‪S‬ك‪S‬ا‪S‬م‪S‬ل‪ S‬ت‪S‬ت‪S‬و‪S‬ح‪S‬د‪ S‬م‪S‬ع‪S‬ه‪ S‬ط‪S‬ا‪S‬ق‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬ن‪S‬س‪S‬ا‪S‬ن‪S‬‬
‫و‪S‬ت‪S‬ت‪S‬ض‪S‬ا‪S‬ف‪S‬ر‪ S‬ج‪S‬ه‪S‬و‪S‬د‪S‬ه‪ S‬ل‪S‬ت‪S‬ح‪S‬ق‪S‬ي‪S‬ق‪ S‬ه‪S‬د‪S‬ف‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ح‪S‬د‪ S‬ت‪S‬ت‪S‬ف‪S‬ر‪S‬ع‪ S‬ع‪S‬ن‪S‬ه‪ S‬و‪S‬ت‪S‬ع‪S‬و‪S‬د‪ S‬إ‪S‬ل‪S‬ي‪S‬ه‪ S‬ج‪S‬م‪S‬ي‪S‬ع‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ج‪S‬ه‪S‬و‪S‬د‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ص‪S‬و‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬و‪S‬ض‪S‬ر‪S‬و‪S‬ب‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬س‪S‬ل‪S‬و‪S‬ك‪S‬‬
‫ا‪S‬ل‪S‬ش‪S‬خ‪S‬ص‪S‬ي‪S.S‬‬

‫‪-55-‬‬
:‫مراجع الفصل الثاني باللغة األجنبية‬

- The works o aristatle translatedirto englishvder the editorship of sir david ross. Axford 1908.
- Rovesr dictionary of philosophy new york 1942.
- Supple ment aux diction vairesarafes leide 1881.

- 1B. N siema. Eggmr،essaisur l' Hlistorire dela critique chezlesgrecs Paris 1886.

- Bachenshifoamailogical freiburge 1942.

-56-
‫الفصل الثالث‬
‫أثر ابن سينا العلمي والتربوي في الشرق والغرب‬

‫مقدمة‪.‬‬

‫‪ -1‬أثر ابن سينا العلمي والتربوي في الشرق‬

‫‪ -2‬أثر ابن سينا العلمي والتربوي في الغرب‬

‫‪ -3‬مكانة ابن سينا العلمية والتربوية والسياسية‬


‫‪ -4‬رسالة ابن سينا التربوية ودوره في إعداد اإلنسان لتحمل أعباء الرسالة اإلنسانية‬

‫‪-57-‬‬
‫أثر ابن سينا العلمي والتربوي في الشرق والغرب‬

‫‪‬‬
‫ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S‬م‪S‬ف‪S‬ك‪S‬ر‪ S‬ع‪S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ي‪ S‬ك‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬و‪S‬ال‪ S‬ي‪S‬ز‪S‬ا‪S‬ل‪ S‬م‪S‬و‪S‬ض‪S‬ع‪ S‬د‪S‬ر‪S‬س‪ S‬و‪S‬ت‪S‬ق‪S‬د‪S‬ي‪S‬ر‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ي‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬س‪S‬ال‪S‬م‪S‬ي‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬س‪S‬ي‪S‬ح‪S‬ي‪ S،S‬و‪S‬ف‪S‬ي‪S‬‬
‫ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ن‪S‬ظ‪S‬م‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ه‪S‬ي‪S‬ئ‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬د‪S‬و‪S‬ل‪S‬ي‪S‬ة‪ S،S‬ه‪S‬ذ‪S‬ه‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ك‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ل‪S‬م‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ح‪S‬م‪S‬ل‪S‬ت‪ S‬د‪S‬و‪S‬ل‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪ S‬إ‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬ت‪S‬خ‪S‬ل‪S‬ي‪S‬د‪ S‬ذ‪S‬ك‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ه‪ S‬خ‪S‬ا‪S‬ص‪S‬ة‪ S‬ذ‪S‬ك‪S‬ر‪S‬ى‪ S‬م‪S‬و‪S‬ل‪S‬د‪S‬ه‪S‬‬
‫و‪S‬و‪S‬ف‪S‬ا‪S‬ت‪S‬ه‪ S‬ل‪S‬م‪S‬ا‪ S‬ا‪S‬ت‪S‬ص‪S‬ف‪ S‬ب‪S‬ه‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬ذ‪S‬ك‪S‬ا‪S‬ء‪ S‬م‪S‬ت‪S‬و‪S‬ق‪S‬د‪ S،S‬و‪S‬م‪S‬و‪S‬ه‪S‬ب‪S‬ة‪ S‬ف‪S‬ذ‪S‬ة‪ S،S‬ت‪S‬ع‪S‬لّ‪S‬م‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ق‪S‬ر‪S‬آ‪S‬ن‪ S‬و‪S‬ا‪S‬أل‪S‬د‪S‬ب‪ S‬و‪S‬ه‪S‬و‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬ع‪S‬ش‪S‬ر‪ S‬س‪S‬ن‪S‬ي‪S‬ن‪ S،S‬و‪S‬ت‪S‬ع‪S‬ل‪S‬م‪ S‬ح‪S‬س‪S‬ا‪S‬ب‪S‬‬
‫ا‪S‬ل‪S‬ه‪S‬ن‪S‬د‪ S،S‬و‪S‬ا‪S‬ش‪S‬ت‪S‬غ‪S‬ل‪ S‬ب‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ق‪S‬ه‪ S،S‬و‪S‬ت‪S‬ر‪S‬د‪S‬د‪ S‬ف‪S‬ي‪S‬ه‪ S‬ع‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬إ‪S‬س‪S‬م‪S‬ا‪S‬ع‪S‬ي‪S‬ل‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ز‪S‬ا‪S‬ه‪S‬د‪ S،S‬ح‪S‬ت‪S‬ى‪ S‬أ‪S‬ل‪S‬ف‪ S‬ط‪S‬ر‪S‬ق‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ط‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ب‪S‬ة‪ S‬و‪S‬و‪S‬ج‪S‬و‪S‬ه‪ S‬ا‪S‬ال‪S‬ع‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ض‪ S‬ع‪S‬ل‪S‬ى‪S‬‬
‫ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ج‪S‬ي‪S‬ب‪ S‬ع‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬و‪S‬ج‪S‬ه‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ذ‪S‬ي‪ S‬ج‪S‬ر‪S‬ت‪ S‬ع‪S‬ا‪S‬د‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ق‪S‬و‪S‬م‪ S‬ب‪S‬ه‪ S،S‬ث‪S‬م‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ت‪S‬د‪S‬أ‪ S‬ب‪S‬ك‪S‬ت‪S‬ا‪S‬ب‪ S‬إ‪S‬ي‪S‬س‪S‬ا‪S‬غ‪S‬و‪S‬ج‪S‬ي‪ S‬ع‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ا‪S‬ت‪S‬ل‪S‬ي‪S( S‬أ‪S‬ب‪S‬و‪ S‬ع‪S‬ب‪S‬د‪ S‬ا‪S‬هلل‪S‬‬
‫ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ا‪S‬ت‪S‬ل‪S‬ي‪S،S‬ب‪S‬د‪S‬و‪S‬ن‪ S‬ت‪S‬ا‪S‬ر‪S‬ي‪S‬خ‪ S،S‬ت‪S‬ا‪S‬ر‪S‬ي‪S‬خ‪ S‬ح‪S‬ك‪S‬م‪S‬ا‪S‬ء‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬س‪S‬ال‪S‬م‪ S.S)S‬و‪S‬ا‪S‬س‪S‬ت‪S‬م‪S‬ر‪ S‬ع‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬ط‪S‬ر‪S‬ي‪S‬ق‪S‬ت‪S‬ه‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬خ‪S‬ا‪S‬ص‪S‬ة‪ S‬ي‪S‬ع‪S‬ل‪S‬م‪ S‬ن‪S‬ف‪S‬س‪S‬ه‪ S‬و‪S‬ي‪S‬ث‪S‬ق‪S‬ف‪S‬ه‪S‬ا‪ S،S‬و‪S‬ي‪S‬ق‪S‬و‪S‬ل‪S:S‬‬
‫«‪S‬و‪S‬ص‪S‬ا‪S‬ر‪S‬ت‪ S‬أ‪S‬ب‪S‬و‪S‬ا‪S‬ب‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ل‪S‬و‪S‬م‪ S‬ت‪S‬ت‪S‬ف‪S‬ت‪S‬ح‪ S‬ع‪S‬ل‪ّ S‬ي‪ S،S‬ث‪S‬م‪ S‬ر‪S‬غ‪S‬ب‪S‬ت‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ع‪S‬ل‪S‬م‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ط‪S‬ب‪ S،S‬و‪S‬ص‪S‬ر‪S‬ت‪ S‬أ‪S‬ق‪S‬ر‪S‬أ‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ك‪S‬ت‪S‬ب‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ص‪S‬ن‪S‬ف‪S‬ة‪ S‬ف‪S‬ي‪S‬ه‪ S،S‬و‪S‬ع‪S‬ل‪S‬م‪S‬‬
‫ي‪S‬‬
‫ا‪S‬ل‪S‬ط‪S‬ب‪ S‬ل‪S‬ي‪S‬س‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬أل‪S‬م‪S‬و‪S‬ر‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ص‪S‬ع‪S‬ب‪S‬ة‪ S،S‬ف‪S‬ال‪ S‬ج‪S‬ر‪S‬م‪ S‬أ‪S‬ن‪S‬ن‪S‬ي‪ S‬ب‪Sّ S‬ر‪S‬ز‪S‬ت‪ S‬ف‪S‬ي‪S‬ه‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬أ‪S‬ق‪S‬ل‪ S‬م‪S‬د‪S‬ة‪ S.S.S.S‬و‪S‬ت‪S‬ع‪S‬ه‪S‬د‪S‬ت‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ر‪S‬ض‪S‬ى‪ S،S‬ف‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ف‪S‬ت‪S‬ح‪ S‬ع‪S‬ل‪ّ S‬‬
‫م‪S‬ن‪ S‬أ‪S‬ب‪S‬و‪S‬ا‪S‬ب‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ع‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ج‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ق‪S‬ت‪S‬ب‪S‬س‪S‬ة‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ج‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ة‪ S‬م‪S‬ا‪ S‬ال‪ S‬ي‪S‬و‪S‬ص‪S‬ف‪S(S»S‬أ‪S‬ب‪S‬و‪ S‬ع‪S‬ب‪S‬د‪ S‬ا‪S‬هلل‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ا‪S‬ت‪S‬ل‪S‬ي‪ S،S‬ب‪S‬د‪S‬و‪S‬ن‪ S‬ت‪S‬ا‪S‬ر‪S‬ي‪S‬خ‪ S،S‬ت‪S‬ا‪S‬ر‪S‬ي‪S‬خ‪ S‬ح‪S‬ك‪S‬م‪S‬ا‪S‬ء‪S‬‬
‫ا‪S‬إل‪S‬س‪S‬ال‪S‬م‪ S.S)S‬و‪S‬ل‪S‬م‪S‬ا‪ S‬ب‪S‬ل‪S‬غ‪ S‬س‪S‬ت‪ S‬ع‪S‬ش‪S‬ر‪S‬ة‪ S‬س‪S‬ن‪S‬ة‪ S‬ك‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ق‪S‬د‪ S‬أ‪S‬ل‪ّ S‬م‪ S‬ب‪S‬م‪S‬ا‪ S‬ش‪S‬ا‪S‬ء‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ل‪S‬و‪S‬م‪ S.S‬و‪S‬ك‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ت‪ S‬ن‪S‬ج‪S‬ا‪S‬ب‪S‬ت‪S‬ه‪ S‬و‪S‬ذ‪S‬ك‪S‬ا‪S‬ؤ‪S‬ه‪ S‬و‪S‬ف‪S‬ط‪S‬ن‪S‬ت‪S‬ه‪ S‬ق‪S‬د‪ S‬ل‪S‬ف‪S‬ت‪S‬ت‪S‬‬
‫إ‪S‬ل‪S‬ي‪S‬ه‪ S‬ا‪S‬أل‪S‬ن‪S‬ظ‪S‬ا‪S‬ر‪ S‬م‪S‬ن‪S‬ذ‪ S‬ع‪S‬ه‪S‬د‪ S‬م‪S‬ب‪S‬ك‪S‬ر‪ S،S‬ح‪S‬ت‪S‬ى‪ S‬إ‪Sّ S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ا‪S‬ت‪S‬ل‪S‬ي‪ S‬ن‪S‬ص‪S‬ح‪ S‬ل‪S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬د‪S‬ه‪ S‬أ‪S‬ال‪ S‬ي‪S‬ش‪S‬غ‪S‬ل‪S‬ه‪ S‬ب‪S‬غ‪S‬ي‪S‬ر‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ل‪S‬م‪S(S»S‬أ‪S‬ب‪S‬و‪ S‬ع‪S‬ب‪S‬د‪ S‬ا‪S‬هلل‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ا‪S‬ت‪S‬ل‪S‬ي‪ S،S‬ب‪S‬د‪S‬و‪S‬ن‪S‬‬
‫ت‪S‬ا‪S‬ر‪S‬ي‪S‬خ‪ S،S‬ع‪S‬ي‪S‬و‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬أل‪S‬ن‪S‬ب‪S‬ا‪S‬ء‪S.S)S‬‬
‫أوالً‪ :‬أثر ابن سينا العلمي والتربوي في الشرق‬
‫ماعرف عن ابن سينا من الدأب والصبر يفوق كل تصور‪ ،‬فهو اليعرف الملل وال ينزل بساحته الضجر‪،‬‬
‫وبذا يقول عن نفسه حين توفر على العلم‪« :‬وفي هذه المدة ما نمت ليلة واحدة بطولها‪ ،‬وال اشتغلت في النهار‬
‫بغيره»‪.‬‬
‫هذه الصورة التي رسمها ابن سينا تجلت في الحضارة العربية الزاهرة‪ ،‬راسخة الجذور‪ ،‬باسقة الفروع‪،‬‬
‫شملت مختلف أنحاء العالم ما بين سور الصين شرقاً إلى جبال البرانس في الغرب‪ ،‬وهو يتحدث ويعلم ويملي‬
‫على تالميذه ويؤلف‪ S‬الكتب باللغة العربية المبينة‪ ،‬لغة العلم والحضارة في كل أرجاء هذه الرقعة الواسعة من‬
‫األرض‪.‬‬
‫إن الشيخ الرئيس الذي قضى‪ S‬فترة غير قصيرة في صحبة الملوك واألمراء‪ ،‬كان يتصف‪ S‬بغزارة إنتاجه‪،‬‬
‫وتنوعه‪ ،‬وإ حاطته‪ ،‬وابتكاره‪ ،‬وقدرته الفائقة في سرعة التأليف مع التجويد‪ S‬واإلتقان‪.‬‬
‫كانت إحاطته بالعلوم‪ S‬شاملة وضع مؤلفاته في شتى العلوم التي عرفها عصره‪ ،‬فقد ألف في الطب‪ ،‬وفي‪S‬‬
‫الفلسفة بكل أبوابها‪ ،‬وفي الدين والزهد والتصوف والكيمياء‪ ،‬وفي‪ S‬اللغة والنحو‪.‬‬
‫هذه المكانة التي بلغها ابن سينا بمؤلفاته وكتبه‪ ،‬حظيت بعناية العلماء تحقيقاً وشرحاً‪ S‬وانتشاراً‪ ،‬فأقيمت‪S‬‬
‫المناسبات تخليداً لذكراه وتقديراً للفيلسوف الحكيم بمكانته العلمية والتربوية‪ ،‬وبما قدمه في شتى البيئات العلمية‬
‫والفكرية‪.‬‬
‫‪-58-‬‬
‫لقد عرفت أوربا في العصور‪ S‬الوسطى ابن سينا وكرمته ورفعت‪ S‬من شأنه‪ ،‬وإ ن صورته المرسومة على‬
‫جدران مكتبة جامعة أكسفورد‪ S‬بين أعاظم رجال العالم وفالسفتهم لترمز إلى هذا التقدير الذي حبته به أوربا‪ S‬في‬
‫تلك العصور‪ S‬السابقة»‪.‬‬
‫‪ -‬ففي المجال العلمي الفلسفي والتربوي‪:‬‬
‫يعتبر ابن سينا من أغزر فالسفة العرب‪ ،‬فهو مفكر عالمي‪ ،‬يرتفع عن حدود الزمان والمكان‪ ،‬وال غرابة‬
‫في ذلك فهو عالم وفيلسوف؛ والعلم والفلسفة الحقة ال وطن لهما‪ ،‬ففلسفته هي فلسفة اللغة العربية من القرن‬
‫من عند ابن سينا – م‪7‬‬ ‫الخامس الهجري إلى أوائل القرن العشرين درس في تونس والقاهرة ودمشق وبغداد‪ ،‬ولم يكن أثر طبهالفكربأقل‬
‫الرتبوي‬
‫أثر فلسفته‪ ،‬وربما‪ S‬كان أشد وأوضح‪ ،‬فكتابه (القانون) اتخذ مرجعاً لألطباء في البالد العربية وحتى يومنا هذا في‬
‫كل ما يتعلق بعلم الطب‪ ،‬وطرق‪ S‬العالج‪.‬‬
‫وهكذا يمكن القول‪ :‬إن ابن سينا كان أكثر إنتاجاً‪ ،‬بل كان رائداً بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى في‬
‫الفلسفة والطب والرياضيات والكيمياء وفي‪ S‬مختلف االتجاهات العلمية في المنطق‪ ،‬وعلم النفس والموسيقى‪.‬‬
‫فهو رجل موهوب‪ ،‬وعنوان ثقافة‪ ،‬ومفكر عالمي يمتاز بذكاء حاد‪ ،‬وذاكرة قوية‪ ،‬وعقل خصب‪.‬‬
‫وهذا ما ساعده على استكمال ثقافته اللغوية والدينية والعقلية وهو في سن العاشرة‪ ،‬ووصل‪ S‬إلى مرتبة‬
‫النبوغ والتخصص ولما يناهز العشرين مما جعله حجة في الطب والفلك والرياضة وإ ماماً في الفلسفة‪.‬‬
‫كان االهتمام بكتبه ومؤلفاته في بالد الفرس كبيراً‪ ،‬فالفارسية تعتبر لغته األصلية‪ ،‬فكتب فيها وألف وقد‬
‫تعلق الفرس بتراثه جميعه‪ ،‬إن كان في الطب أو في الفلسفة‪ ،‬أو عن طريق‪ S‬اللغتين العربية والفارسية امتد أثره‬
‫تعد أكبر مصدر‪S‬‬
‫إلى اللغة التركية‪ ،‬أخذوا مؤلفاته وتعاليمه وجميع اآلراء العلمية التي نبغ فيها‪ ،‬فمكتبات استانبول‪ّ S‬‬
‫آلثاره ومخلفاته‪.‬‬
‫والبن سينا في العبرية والسريانية قراء وتالميذ وأتباع « نقلت طائفة من مؤلفاته إلى العبرية منها (عيون‬
‫الحكمة) وبعض أجزاء «اإلشارات» و«النجاة»‪ ،‬وتأثر به مفكرو اليهود في القرون الوسطى‪ ،‬وعلى رأسهم موسى‬
‫بن ميمون»‪.‬‬
‫ولوحظت‪ S‬آثار مؤلفات وكتب ابن سينا في التاريخ الحديث لدى اسبينوزا‪ ،‬ونقلت أيضاً بعض كتبه إلى‬
‫السريانية «كاإلشارات» و«القصيدة العينية» و«رسالة الطير» ومن أتباعه من السريان ابن العربي في القرن‬
‫الثالث عشر الميالدي‪.‬‬
‫إن أثر ابن سينا التربوي في العالم اإلسالمي يمثل في إيضاح الصورة التي رسمها القرآن الكريم لإلنسان‪،‬‬
‫فاإلنسان هو محور العملية التربوية‪ ،‬ومن هنا يمكن القول «إن جميع الممارسات التربوية تؤول إلى اإلخفاق ما لم‬
‫تبن على فهم واضح وصحيح لماهية اإلنسان وخصائصه»‪ ،‬والتيار الفلسفي عند ابن سينا يمثل أحد التيارات الفكرية‬
‫ال‪ ،‬وقد عمق ابن سينا هذا االتجاه الفلسفي في الحياة اإلسالمية خالل‬‫والتربوية في العالم اإلسالمي‪ ،‬وكان مؤثرًا وفعا ً‬
‫القرن الرابع الهجري بشخصه كمعلم للفلسفة أو بتالميذه ومنهم (أبو الحسن) بهمينار بن المرزبان وهو أول تالميذ‬
‫ابن سينا الذي الزم الشيخ في مجالس تدريسه أثناء تولية الوزارة لشمس الدولة الديلمي البويهي بهمدان وذلك ما بين‬
‫‪ 404‬و ‪ 412‬بعد الهجرة‪ ،‬ثم فرقت بينهما الحروب وأزعجتهما الفتن بعد ذلك اضطرب نظام اجتماعاتهما‪ ،‬ولكن لم‬
‫تنقطع بينهما الصالت‪ ،‬كما يتضح من رسالة كتبها الشيخ إلى بهمينار وفيها أنه سعى أثناء التجائه عند عالء الدولة‬
‫إلى استفتائه لرعايته وإ حاطته بعطفه (شاكر الفحام‪ ،1981،‬أسبوع العلم العشرون)‪.‬‬

‫‪-59-‬‬
‫الذين أكملوا رسالته من بعده وقد رافق‪ S‬ذلك تمسكهم‪ S‬بمنهج القرآن الكريم المبني على أساس تحكيم العقل‬
‫باالعتماد على الحجج والحوار‪ ،‬وفي‪ S‬اإلثارة واإلقناع‪ S‬والتعليل والبرهان والحجة والمنطق‪ S،‬ومن الطبيعي‪ S‬أن‬
‫يؤثر ذلك بشكل مباشر‪ S‬في التربية وأساليبها‪ S‬وأهدافها التربوية التي لها عالقة بالبيئة والسلوك‪ S‬الديني واالجتماعي‬
‫والتربوي‪( S‬إبراهيم‪ S‬مدكور‪ ،1952،‬الكتاب الذهبي للمهرجان األلفي لذكرى (ابن سينا)‪.‬‬
‫ما أراده ابن سينا من تالميذه أن يولوا الحكمة والمعرفة االهتمام الكبير لما لهما من منزلة تبهر العقول‪.‬‬
‫وإ ذا كان ابن سينا قد أراد أن يلقن طالبه (حب المعرفة) فقد لقنهم أيضاً شيئاً من االستقاللية وعدم التبعية‪،‬‬
‫ودعاهم إلى اتباع طريق األصول الفكرية‪ .‬ولعل هذا االتجاه الفلسفي في المعرفة والذي حمل لواءه في القرن‬
‫الرابع الهجري ومثله أفضل تمثيل في البيئة اإلسالمية قد جذب له رواداً مخلصين‪ ،‬ودفع‪ S‬بعض الناس إلى تقليده‬
‫واالنتماء إليه‪ ،‬واتباع خطاه في فكره واتجاهه الفلسفي‪.‬‬
‫وأعطى ابن سينا كالً من الجسم والعقل والروح الوزن الذي تستحقه في بناء األهداف التربوية التي تدخل‬
‫في تركيبة الجسم والعقل والروح‪ ،‬وأعطى كالً منها الوزن الذي تستحقه‪ ،‬فاألهداف‪ S‬الجسمية ال تطغى على‬
‫األهداف العقلية أو الروحية‪ ،‬كما أن العناية بالجانب الروحي ال يتعارض مع تنمية العقل وتربية الجسم تربية‬
‫سليمة‪ .‬ومن الطبيعي‪ S‬أن تؤثر‪ S‬اهتمامات الشيخ الرئيس بشكل مباشر في التربية وأساليبها وأهدافها‪ S‬وعالقتها‬
‫بالبيئة والسلوك‪ S‬الديني واالجتماعي والتربوي‪.‬‬
‫إن المكانة العلمية للشيخ الرئيس بخاصة في ميدان الطب ال تزال حتى اآلن ذات آفاق واسعة في إيران‬
‫وباكستان حيث الطب السينوي يدرس ويطبق‪ S‬في الجامعات‪ .‬وبذلك ظلت كتب ابن سينا تراثاً يتناقله طالب‬
‫المعرفة عبر العصور حتى إن جمال الدين األفغاني‪ ،‬ومحمد عبده تأثروا بها ورأوا في دراستها‪ S‬دواء لجمود‬
‫الشرق وأخذوا بأسباب المدينة فدعوا إلى نشرها وطبعها‪ S‬وذيوعها بل خطوا في ذلك خطوات يكملها من بعدهما‬
‫تالميذ لهما وأتباع‪ ،‬ولعل من أبرزهم الشيخ مصطفى عبد الرزاق‪.)1(»S‬‬

‫ثانياً‪ :‬أثر ابن سينا العلمي والتربوي في الغرب‬


‫إ‪S‬ن‪ S‬إ‪S‬س‪S‬ه‪S‬ا‪S‬م‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ت‪S‬ش‪S‬ي‪S‬ي‪S‬د‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ص‪S‬ر‪S‬ح‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ش‪S‬ا‪S‬م‪S‬خ‪ S‬ل‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ل‪S‬م‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ح‪S‬د‪S‬ي‪S‬ث‪ S‬ي‪S‬ت‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ن‪ S‬ب‪S‬ش‪S‬ك‪S‬ل‪ S‬خ‪S‬ا‪S‬ص‪ S‬ل‪S‬د‪S‬ى‪ S‬م‪S‬ف‪S‬ك‪S‬ر‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬غ‪S‬ر‪S‬ب‪ S.S‬ه‪S‬ذ‪S‬ا‪S‬‬
‫م‪S‬ا‪ S‬أ‪S‬ك‪S‬د‪S‬ه‪ S- S‬ر‪S‬و‪S‬ج‪S‬ي‪S‬ه‪ S‬ب‪S‬ي‪S‬ك‪S‬و‪S‬ن‪ - S‬ف‪S‬ي‪ S‬ك‪S‬ت‪S‬ا‪S‬ب‪S‬ه‪ opusMaius S‬ب‪S‬إ‪S‬ع‪S‬ط‪S‬ا‪S‬ئ‪S‬ه‪ S‬ن‪S‬ب‪S‬ذ‪S‬ة‪ S‬ع‪S‬ن ت‪S‬ا‪S‬ر‪S‬ي‪S‬خ‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ل‪S‬س‪S‬فة‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ع‪S‬ص‪S‬ر‪S‬ه‪ S‬ف‪S‬ي‪S‬ق‪S‬و‪S‬ل‪S« S:S‬إ‪S‬ن‪S‬‬
‫أ‪S‬ر‪S‬س‪S‬ط‪S‬و‪ S.S.S.S.S‬ق‪S‬د‪ S‬أ‪S‬ز‪S‬ا‪S‬ح‪ S‬أ‪S‬غ‪S‬ال‪S‬ط‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ال‪S‬س‪S‬ف‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ذ‪S‬ي‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ب‪S‬ق‪S‬و‪S‬ه‪ S‬و‪S‬و‪S‬س‪S‬ع‪ S‬ن‪S‬ط‪S‬ا‪S‬ق‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ل‪S‬س‪S‬فة‪ S،S‬ط‪S‬ا‪S‬م‪S‬ح‪S‬اً‪ S‬إ‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬س‪S‬ي‪S‬ط‪S‬ر‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ك‪S‬ا‪S‬م‪S‬ل‪S‬ة‪ S‬ع‪S‬ل‪S‬ى‪S‬‬
‫ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬و‪S‬ض‪S‬و‪S‬ع‪ S‬ك‪S‬م‪S‬ا‪ S‬ك‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ه‪S‬ذ‪S‬ا‪ S‬ش‪S‬أ‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬آل‪S‬ب‪S‬ا‪S‬ء‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ق‪S‬د‪S‬م‪S‬ا‪S‬ء‪ S‬ب‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ر‪S‬غ‪S‬م‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬أ‪S‬نه‪ S‬ل‪S‬م‪ S‬ي‪S‬ك‪S‬ن‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬و‪S‬س‪S‬ع‪S‬ه‪ S‬أ‪S‬ن‪ S‬ي‪S‬ت‪S‬م‪S‬ك‪S‬ن‪ S‬ت‪S‬م‪S‬ا‪S‬م‪S‬اً‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬ك‪S‬ل‪ S‬أ‪S‬ج‪S‬ز‪S‬ا‪S‬ئ‪S‬ه‪S‬ا‪S،S‬‬
‫و‪S‬ق‪S‬د‪ S‬ن‪S‬ق‪S‬ح‪ S‬خ‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ا‪S‬ؤ‪S‬ه‪ S‬ب‪S‬ع‪S‬ض‪ S‬آ‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ئ‪S‬ه‪ S‬و‪S‬أ‪S‬ض‪S‬ا‪S‬ف‪S‬و‪S‬ا‪ S‬ك‪S‬ث‪S‬ي‪S‬ر‪S‬اً‪ S‬إ‪S‬ل‪S‬ي‪S‬ه‪S‬ا‪ S،S‬و‪S‬ه‪S‬ذ‪S‬ا‪ S‬أ‪S‬م‪S‬ر‪ S‬ال‪ S‬غ‪S‬ن‪S‬ى‪ S‬ع‪S‬نه‪ S‬ح‪S‬ت‪S‬ى‪ S‬ن‪S‬ه‪S‬ا‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪ S.S‬إ‪S‬ذ‪ S‬ل‪S‬ي‪S‬س‪ S‬ه‪S‬ن‪S‬ا‪S‬ك‪S‬‬
‫ك‪S‬م‪S‬ا‪S‬ل‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ال‪S‬ك‪S‬ت‪S‬ش‪S‬ا‪S‬ف‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬ن‪S‬س‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ي‪S‬ة‪ S..S.S‬و‪S‬ل‪S‬ك‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ج‪S‬ز‪S‬ء‪ S‬ا‪S‬أل‪S‬ك‪S‬ب‪S‬ر‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬ف‪S‬ل‪S‬س‪S‬ف‪S‬ة‪ S‬أ‪S‬ر‪S‬س‪S‬ط‪S‬و‪ S‬ل‪S‬م‪ S‬ت‪S‬ح‪S‬ظ‪ S‬إ‪S‬ال‪ S‬ب‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ت‪S‬ب‪S‬ا‪S‬ه‪ S‬ض‪S‬ئ‪S‬ي‪S‬ل‪ S،S‬و‪S‬ن‪S‬ش‪S‬ي‪S‬ر‪ S‬إ‪S‬ل‪S‬ى‪S‬‬
‫أن‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬ر‪S‬ش‪S‬د‪ S‬و‪S‬ف‪S‬ال‪S‬س‪S‬ف‪S‬ة‪ S‬آ‪S‬خ‪S‬ر‪S‬و‪S‬ن‪ S‬ج‪S‬م‪S‬ع‪S‬و‪S‬ا‪ S‬ب‪S‬ع‪S‬ض‪ S‬م‪S‬ؤ‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬و‪S‬ك‪S‬ت‪S‬ب‪ S‬أ‪S‬ر‪S‬س‪S‬ط‪S‬و‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ف‪S‬ق‪S‬و‪S‬د‪S‬ة‪ S‬و‪S‬أ‪S‬ع‪S‬ا‪S‬د‪S‬و‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬إ‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬و‪S‬ر‪ S‬م‪S‬ن‪S‬‬
‫ج‪S‬د‪S‬ي‪S‬د‪ S،S‬و‪S‬ذ‪S‬ك‪S‬ر‪ S‬أن‪ S‬ف‪S‬ل‪S‬س‪S‬ف‪S‬ة‪ S‬أ‪S‬ر‪S‬س‪S‬ط‪S‬و‪ S‬ا‪S‬ك‪S‬ت‪S‬س‪S‬ب‪S‬ت‪ S‬ا‪S‬ه‪S‬ت‪S‬م‪S‬ا‪S‬م‪S‬اً‪ S‬ك‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ر‪S‬اً‪ S‬ع‪S‬ن‪S‬د‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ال‪S‬ت‪S‬ي‪S‬ن‪ S‬ع‪S‬ا‪S‬م‪S‬ة‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ط‪S‬ل‪S‬ب‪S‬ة‪ S‬ب‪S‬ش‪S‬ك‪S‬ل‪ S‬خ‪S‬ا‪S‬ص‪ S.S‬إ‪S‬م‪S‬ا‪ S‬ل‪S‬ق‪S‬ل‪S‬ة‪ S‬و‪S‬ج‪S‬و‪S‬د‪S‬‬
‫م‪S‬ؤ‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ا‪S‬ت‪S‬ه‪ S‬و‪S‬ن‪S‬د‪S‬ر‪S‬ت‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬أ‪S‬و‪ S‬ل‪S‬ص‪S‬ع‪S‬و‪S‬ب‪S‬ت‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬و‪S‬ع‪S‬د‪S‬م‪ S‬ش‪S‬ي‪S‬و‪S‬ع‪S‬ه‪S‬ا‪ S،S‬أ‪S‬و‪ S‬ب‪S‬س‪S‬ب‪S‬ب‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ح‪S‬ر‪S‬و‪S‬ب‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ي‪ S‬غ‪S‬م‪S‬ر‪S‬ت‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ش‪S‬ر‪S‬ق‪ S‬ح‪S‬ت‪S‬ى‪ S‬ز‪S‬م‪S‬ن‪ S‬م‪S‬ح‪S‬م‪S‬د‪S.S‬‬
‫و‪S‬ب‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ر‪S‬غ‪S‬م‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬أن‪ S‬ب‪S‬ع‪S‬ض‪ S‬م‪S‬ؤ‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ا‪S‬ت‪S‬ه‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ن‪S‬ط‪S‬ق‪ S‬و‪S‬غ‪S‬ي‪S‬ر‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬ق‪S‬د‪ S‬ت‪S‬ر‪S‬ج‪S‬م‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬ب‪S‬و‪S‬س‪S‬ي‪S‬و‪S‬س‪ ،Boethius S‬ف‪S‬إ‪S‬ن‪S‬ه‪ S‬م‪S‬ن‪S‬ذ‪ S‬ع‪S‬ه‪S‬د‪ S‬م‪S‬ي‪S‬ك‪S‬ل‪S‬‬
‫س‪S‬ك‪S‬و‪S‬ت‪ Micraelscot S‬ا‪S‬ل‪S‬ذ‪S‬ي‪ S‬ت‪S‬ر‪S‬ج‪S‬م‪ S‬ب‪S‬ع‪S‬ض‪ S‬أ‪S‬ج‪S‬ز‪S‬ا‪S‬ء‪ S‬م‪S‬ؤ‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬أ‪S‬ر‪S‬س‪S‬ط‪S‬و‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ط‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ع‪S‬ة‪ S‬و‪S‬م‪S‬ا‪ S‬و‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ء‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ط‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ع‪S‬ة‪ S‬و‪S‬ع‪S‬ل‪S‬ق‪ S‬ع‪S‬ل‪S‬ي‪S‬ه‪S‬ا‪S‬‬
‫ت‪S‬ع‪S‬ل‪S‬ي‪S‬ق‪S‬اً‪ S‬ص‪S‬ح‪S‬ي‪S‬ح‪S‬اً‪ S‬س‪S‬ن‪S‬ة‪1230 S‬م‪ S،S‬أ‪S‬خ‪S‬ذ‪S‬ت‪ S‬ف‪S‬ل‪S‬س‪S‬ف‪S‬ة‪ S‬أ‪S‬ر‪S‬س‪S‬ط‪S‬و‪ S‬ت‪S‬ك‪S‬ت‪S‬س‪S‬ب‪ S‬ا‪S‬ه‪S‬ت‪S‬م‪S‬ا‪S‬م‪S‬اً‪ S‬ع‪S‬ن‪S‬د‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ال‪S‬ت‪S‬ي‪S‬ن‪S.S‬‬

‫‪1‬‬
‫‪(1)Abdrahmau elvakie: The Educatinal reform of Al – A2 Azhar1872 –. ph.D.‬‬
‫‪-Thes is Exeter university, 1980, PP: 165 – 167.‬‬

‫‪-60-‬‬
‫قدر قليل جداً إلى وقتنا‬
‫إال أن ما يتعلق بضخامة حكمته الموجودة في عدد كبير من الكتب‪ ،‬فليس منها إال ٌ‬
‫هذا نقل إلى الالتينية‪ ،‬ليستفيد منه الطلبة‪ ،‬إن ابن سينا بوجه خاص‪ ،‬الذي اقتدى‪ S‬بمذهب أرسطو‪ S‬وفسره‪ ،‬وهو‬
‫الذي كمل الفلسفة بقدر المستطاع‪ ،‬وضع في الفلسفة كتاباً في ثالثة أجزاء‪ ...‬وقد وصل إلى الالتين جزء من‬
‫القسم األول‪ ،‬وهو كتاب الطبيعيات‪ ،‬وبعد ابن سينا جاء ابن رشد‪ ،‬رجل الحكمة الحقيقية‪ ...‬بالرغم من أنه كان‬
‫ويكمل في كثير من المواضيع‪.)1(»S‬‬
‫ينبغي له أن ينقح في بعض الجزئيات ّ‬
‫يدل هذا النص أن ابن سينا من الرواد األوائل في القرن الرابع الهجري الذين مكنوا العلماء في الغرب من‬
‫مباشرة الثورة العلمية «بدءاً من القرن الثالث عشر» وبلغت هذه مرحلتها‪ S‬األساسية في القرن السابع‬
‫عشر(جورج شحاتة فتواني‪ ،1981S،‬ابن سينا‪ ،‬أسبوع العلم العشرون)‪.‬‬
‫ومن عرض آراء المفكرين الغربيين في دراستهم عن ابن سينا نرى االهتمام بالخلفية النفسية التي أوجدتها‬
‫مؤلفات ابن سينا وأثرها‪ S‬على البيئة العلمية بشكل عام وفي‪ S‬الغرب خاصة‪.‬‬
‫« يقول العالم الفلكي الشهير وايتهيد‪ whitehead :‬في أحد كتبه إن الشيء الجديد في الحوادث المفصلة‬
‫والمقرون بنفس االهتمام بالتعميم التجريدي‪ Abstract generalization S‬أي بتعبير‪ S‬آخر باتحاد اهتمام رجال العلم‬
‫باهتمام ذوي النزعة الفلسفية »(جورج شحاتة فتواني‪،1981S،‬ابن سينا‪ ،‬أسبوع العلم العشرون)‪.‬‬
‫وقد‪ S‬طبق كرومبي‪ S‬هذه المالحظة في دراسته ابن سينا فوصف‪ S‬الخلفية النفسية‪ ،‬التي وجدتها‪ S‬مؤلفات ابن‬
‫سينا عندما دخلت ألول مرة في الغرب بقوله‪« :‬إن البيئة العلمية كانت حينذاك مهيئة لهذا القران بين االنتباه إلى‬
‫الحوادث التفصيلية ورغبة إدخالها بمذهب فلسفي شامل‪.‬‬
‫وهذا يفسر االهتمام الكبير الذي أبداه المفكر نحو التراث العلمي للعالم القديم الذي كان يرد في موكب‬
‫علماء العرب‪.‬‬
‫من هنا نستطيع القول‪« :‬إن ابن سينا‪ ،‬بنظرته إلى العلوم وممارسته للطب ممارسة عملية ومالحظاته‬
‫الدقيقة الراصدة كان مثالً حياً لهذا االتجاه الجديد نحو العلم المبنى على المالحظة والتجربة»( كرومبي‪ ،‬بدون‬
‫تاريخ‪ ،‬من أعالم مؤرخي تاريخ العلوم)‪.‬‬
‫بدأت أوربا في القرن الحادي عشر الميالدي حركة تقدم أدبي علمي‪ ،‬وتطلعت إلى علوم الشرق ومعارفه في‬
‫الوقت الذي كان فيه المسلمون قد قطعوا أشواطًا كبيرة في كافة المجاالت العلمية والفنية وهذا ما أكده سوزرن (‬
‫‪ )southern‬عندما قارن بين ثقافة ابن سينا وبين ثقافة البابا جربرن (‪ )1003 - 940‬المعاصر البن سينا‪ ،‬وبعد‬
‫المقارنة وجد أن الثقافة الغربية تشوبها الضحالة والجمود إذا ما قيست بالثقافة اإلسالمية المتجددة ‪ -‬ممثلة في ابن سينا‬
‫‪ -‬وهذاما اشتكى منه (بول الريوس ‪ « )Poulalrarus‬من إقبال المسيحيين اإلسبان على الثقافة اإلسالمية بعلومها‬
‫وآدابها وإ قبالهم على تعلم اللغة العربية‪ ،‬واقتناء الكتب والمؤلفات العربية مع عدم احتفالهم بثقافتهم المسيحية ولغتهم‬
‫الالتينية»(‪.) 2‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Rogerbacor, opus majus, 11, 13, J. H. Bridges, ohford 1987, English translation By. R. B.‬‬ ‫‪(1) Burke, philade lphic, 1928, 1,‬‬
‫‪63.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪R. W. Southern: western views of islami in The middleages, op. cil. P. 21.‬‬ ‫)‪(1‬‬

‫‪-61-‬‬
‫وهذا يشير «إلى قوة الجذب الثقافي للحضارة اإلسالمية في تلك العصور حيث كانت العلوم العربية في‬
‫العصور الوسطى تحتل المكانة التي تحتلها العلوم اليونانية في العصر القديم»( جورج سارتون‪ ،1959 ،‬العلم القديم‬
‫والمدينة الحديثة)‪.‬‬
‫ولما للعلوم العربية من أهمية في الغرب أسس العالم الالهوتي (ريمون) ديواناً للترجمة يشرف‪ S‬عليه (جند‬
‫يسالينوس) المتوفى سنة ‪ 1151‬لترجمة أمهات الكتب العربية «بطريقة وضع الكلمات الالتينية فوق الكلمات‬
‫العربية في األصل ثم تراجع الالتينية على يد كبير الموظفين وتحمل الترجمة في النهاية اسم من راجعها»‬
‫( دبالمسي أولبري‪ ،‬ترجمة تمام حسان‪ ،1961،‬الفكر العربي ومكانه في التاريخ)‪.‬‬
‫وبذا تكون المؤلفات العربية أصبحت في متناول جميع المترجمين والمهتمين بالثقافة العربية من طب‬
‫وفلك ورياضيات‪ S‬وتاريخ وأدب وفلسفة‪ ،‬وبخاصة مؤلفات ابن سينا التي بدأت التأثير على الحياة العقلية والفكرية‬
‫في أوربا‪ ،‬وقد أقبل طالب العلم على كتب ابن سينا ومؤلفاته الفكرية والتربوية في النفس واألخالق‪ S‬وفي تصنيف‪S‬‬
‫العلوم‪ ،‬وشمل ذلك كافة الجامعات األوروبية‪ ،‬حتى أصبح البن سينا تالميذ في الغرب يتتلمذون على كتبه‬
‫ومؤلفاته ويدافعون عن فكره وآرائه‪ ،‬وكان لتالمذته األثر الكبير في حياة الفكر والتربية في العصور‪ S‬الوسطى‬
‫وبدايات العصور الحديثة‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬مكانة ابن سينا العلمية التربوية والسياسية‬


‫أجمع المؤرخون على أن مكانة ابن سينا العلمية والتربوية لم يحظ بها أي مفكر آخر من بسط النفوذ‪،‬‬
‫وامتداد اآلراء والمؤلفات‪ ،‬فعرفته الفارسية كما عرفته العربية‪ ،‬وتأثر بمكانته العلمية والتربوية الفكر السرياني‬
‫وبعيد‬
‫ٌ‬ ‫كبير‬
‫كما تأثر به العربي‪ ،‬ونقل منذ القرن الثالث عشر أهم مؤلفاته إلى الالتينية‪ ،‬وكان لهذه الترجمة صدى ٌ‬
‫في الدراسات‪ ،‬والحياة العقلية لدى الغربيين في القرون الوسطى وعصر النهضة‪.‬‬

‫‪-62-‬‬
‫صحيح أن ابن سينا عاش في القرن الرابع الهجري الذي يعد من أزهى العصور اإلسالمية وأكثرها إنتاجًا‬
‫وأغزرها ثقافة وفكرًا‪ ،‬إال أن هذا من الناحية السياسية ظهر في صورة تكاد يرثى لها‪ ،‬وهذا لم ينل من عزيمة ابن‬
‫سينا العلمية والثقافية ومعالجته مشاكل الناس فهو يحدثنا عن الجوع الشديد «الذي كان يتعرض له الناس في عصره‬
‫في صورة بشعة تضطر الناس إلى استعمال الحشائش في أغذيتهم»( ابن سينا‪ ،1305 ،‬دفع المضار الكلية عن‬
‫مل ابن سينا هذا الجو السياسي المملوء بالفتن والحروب‪ ،‬والدسائس‪« ،‬ويرى أن الحكم البد أن‬ ‫األبدان اإلنسان) لقد ّ‬
‫يكون بالنص والتعيين‪ ،‬أو باالختيار الكامل‪ ،‬وأن وظيفة الحكومة وإ جراءاتها البد أن تكون امتدادًا لحكم النبي ‪،‬‬
‫وتشريعات الدين الحنيف»( ابن سينا‪1369 ،‬هـ‪ ،‬آراء ابن سينا في الحكم)‪ .‬ما تناوله الشيخ الرئيس يعد‬
‫مفخرة للفكر اإلنساني من حيث االتساع واإلحاطة والعمق‪ ،‬وقد عني الباحثون قديمًا وحديثًا بجوانب هذه‬
‫المكانة العلمية والتربوية‪ ،‬وألفوا الكثير من الكتب والرسائل والمقاالت تضمن قسم منها آراءه في التربية‬
‫العلمية الموضوعية‪ .‬ومما يدل على مكانة ابن سينا العلمية والتربوية واهتمامه في التعليم ومجالس‬
‫التدريس ما نقله بهمينار بن المرزبان‪ ،‬في وصفه حلقة الشيخ الرئيس أنه قال‪« :‬حضرت أنا وجماعة‬
‫من تالمذة شيخنا الرئيس بكرة سبت مجلس درسه الشريف‪ ،‬فاتفق أن ظهر منا في ذلك اليوم فتور‬
‫عن إدراك ما كان يحققه الشيخ‪ ،‬فقال لنا‪ :‬كأنكم صرفتم بارحتكم في التعطيل؛ فقلنا‪ :‬نعم كنا أمس مع‬
‫جمع من الرفقة في نزهة فلم يتيسر لنا مطالعة الدرس ومراجعة ما كنا فيه‪ ،‬فلما تنفس الشيخ الرئيس‬
‫الصعداء وفاضت عيناه بالدموع‪ ،‬قال‪ :‬إنما أسفي على أن الالعب بالحبال قد يبلغ أمره ي لعبه الذي‬
‫هو من الملكات الجسمانية إلى حيث تتحير في غرابة علمه عقول ألف ألف عاقل‪ ،‬ولكنكم لم يكن‬
‫مقدار ومنزلة‪ ،‬آثرتم البطالة واللهو على اكتساب العلم والفضيلة‪ ،‬فلم‬ ‫ٌ‬ ‫عندكم للحكم والمعارف الحقة‬
‫تقدروا على أن تنزلوا الملكة الروحانية من أنفسكم منزلة يتحير فيها جهلة الزمان»( محمد محمود‬
‫الخضري‪ ،1952 ،‬الكتاب الذهبي لذكرى ابن سينا)‪.‬‬
‫وهذا يشير إلى المكانة العلمية للشيخ الرئيس‪ ،‬ومدى اهتمامه باإلنسان‪ ،‬وتزويده بالعلوم المعرفية وبتكوينه‬
‫االجتماعي الجيد‪ ،‬وإ تقانه الثقافة بجميع فروعها‪ ،‬هدفه من ذلك اإلعداد التربوي واإلعداد المهني الذي يؤهل صاحبه‬
‫للقيام بالعمل الذي يعد له‪ ،‬ويؤدي غرضًا وظيفيًا يقتضيه حياة اإلنسان في محيط تعليمه‪ ،‬أو في محيط مجتمعه وما‬
‫تتطلبه ضرورات الحياة وتقتضيه حاجات اإلنسان في المجتمع الذي يعيش فيه مما يساعد الفرد على الوفاء بمطالب‬
‫الحياة المادية واالجتماعية وهذا يدل عل العالقة الوثيقة التي تربط اإلنسان ببيئته وبالكون المحيط به‪ ،‬وما يواجه‬
‫اإلنسان منذ البداية في أنه جزء اليتجزأ من الكون المحيط به وإ لى ضرورة تفاعله المثمر مع العالم المحيط به‪،‬‬
‫وبجسمه وعقله وروحه‪ ،‬بحيث يؤثر فيه ويتأثر به وينتفع بما أودعه اهلل من أسرار ومنافع‪ ،‬ويحافظ على تنميتها‬
‫وتطويرها وتحسينها بما منحه اهلل من عقل وعلم وقوة عضلية‪ .‬ونؤكد أن الشيخ الرئيس أوجد أفاقًا رحبة واسعة من‬
‫العلم والمعرفة‪ ،‬وهو نفسه نهل من هذا المورد الثقافي الهائل‪ ،‬واختار لنفسه «العلوم الفلسفية» يتخصص فيها طالبًا‬
‫وعالمًا ومؤلفًا‪ ،‬وفيلسوفًا تربويًا يدعم هذا االتجاه الفلسفي في التربية اإلسالمية‪.‬‬
‫لقد اختار ابن سينا طريق‪ S‬الفلسفة وجميع العلوم األخرى‪ ،‬وسخر‪ S‬إمكاناته كلها لخدمة اإلنسان‪ ،‬وقدم حياته‬
‫كلها من أولها إلى آخرها طالباً وباحثاً ومؤلفاً في جميع االتجاهات ثم واضعاً‪ S‬لمناهج تربية الفيلسوف «والعلوم‪S‬‬
‫التي ينبغي أن يحصلها‪ ،‬والمراجع التي يرجع إليها ومتى يبدا المتعلم في تعلم الفلسفة التربوية»‪.‬‬
‫وعلى الرغم مما سنجده عند الشيخ الرئيس من بناء واضح للنظرية الفلسفية والتربوية‪ ،‬فمن السهل تتبع‬
‫حلقات المنهج العلمي التربوي‪ S‬والتعرف على الكثير من تعليم الفلسفة التربوية في اإلسالم وهذا ال غنى عنه‬
‫لتحقيق منزلتها‪ S‬في الثقافة اإلسالمية‪ ،‬ومعرفة تاريخها‪ S‬معرفة صحيحة‪.‬‬

‫‪-63-‬‬
‫إن مكانة الشيخ الرئيس تجلت في آرائه من أصالة‪ ،‬وما في بحثه من تجديد وابتكار في جميع ميادين‬
‫العلوم المعرفية‪ ،‬وعنى الباحثون بإظهار نواحي أصالته المختلفة في المنطق وعلم النفس‪ ،‬والطب‪ ،‬والموسيقى‪،‬‬
‫وبذا يمكن أن يقال إن ثقافته إنسانية واسعة األفق‪ ،‬ال تخشى األخذ عن غيرها ‪ ،‬ألن الشيخ الرئيس نظر إلى‬
‫اإلنسان نظرة عالية فيها إكبار له وإ جالل‪ ،‬وفيها‪ S‬إعجاب به واحترام‪ S‬لشأنه‪ ،‬و«اإلنسان في رأيه ليس البدن‪ ،‬بل‬
‫ذلك الجوهر الواحد الذي يسكن البدن‪ ،‬والذي يدعى النفس الناطقة»‪.‬‬
‫لم يكن ابن سينا معجباً باإلنسان فحسب‪ ،‬بل كان فوق ذلك كله محباً «هذا الحب دفعه إلى العناية باإلنسان‪،‬‬
‫ولما كانت غاية الحياة عنده هي السعادة‪ ،‬وكان يرى أن هداية الغير إلى السعادة هي أفضل هداية وأن تهيئة‬
‫السعادة للغير هي أجل هداية»( ابن سينا‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬رسالة في السعادة)‪.‬‬
‫وهذا ما يجسد مكانة ابن سينا في جميع المجاالت ناهيك عن اهتماهه باإلنسان واإلنسان جدير بمثل هذه‬
‫العناية ومقتصر إليها‪ ،‬أما جدارته بها فألن العقل إذا رفعت عنه الموانع وخلى سبيله‪ ،‬استطاع أن ينطلق ويحلق‪،‬‬
‫وكان في مقدوره أن يخترق الحجب‪ ،‬ويبدد السحب‪ ،‬ويأتي بالعجائب‪ ...‬اإلنسان عالم قائم بذاته‪ ،‬يتمتع بشخصية‬
‫مستقلة‪ ،‬له آماله وآالمه وأفراحه وأتراحه‪ ،‬فكان االهتمام به منذ وجوده في هذه الدنيا فقد أعطي فرصًا متكافئة لدرك‬
‫المجد‪ ،‬وتحرير فكره وتحطيم القيود التي تكبل العقل وتحول بينه وبين تأدية رسالته‪.‬‬
‫لقد تمثلت مكانة ابن سينا في إحاطته بالعلوم‪ S‬شاملة‪ ،‬وكان شغفه بالمعرفة ال حدود له‪ ،‬درس فأوعب وجمع‬
‫فأوعى‪ ،‬ساعده في ذلك موهبته وحافظته وذكاؤه النادر‪ ،‬وعقله النير المتفتح‪ ،‬فقد ألف في الطب‪ ،‬وألف في‬
‫الفلسفة‪ ،‬بكل أبوابها المعروفة في عصره على سعتها وتعددها‪ ،‬وألف في الدين والزهد والتصوف‪ S‬والعشق‪،‬‬
‫والكيمياء واألسرار‪ S‬والفلك والموسيقى واللغة والنحو‪ ....‬الخ‪ ...‬لقد نالت شهرته من الذيوع في الشرق والغرب‬
‫وفي جميع أصقاع الدنيا‪ ،‬ولقد أطال الدارسون والمستشرقون في أحاديثهم‪ S‬عن مكانته وآثاره البعيدة في جميع‬
‫مجاالت العلوم‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬رسالة ابن سينا التربوية ودوره في إعداد اإلنسان لتحمل أعباء الرسالة اإلنسانية‪:‬‬
‫وصوره فأحسن تصويره‪ ،‬وخلقه على نحو يتكامل فيه‬ ‫َّ‬ ‫لقد كرم اهلل اإلنسان‪ ،‬وفضله على سائر المخلوقات‪،‬‬
‫الجسم والعقل والروح وبشخصية متميزة بخصائصها اإلنسانية التي ال يشاركها فيها أي مخلوق آخر في هذه الحياة‪.‬‬
‫ويشير ابن سينا إلى أن اإلنسان قد خلقه اهلل في الوقت نفسه لحكمة جليلة سابقة في علمه جل وعال‪ ،‬ولتحقيق رسالة‬
‫سامية في هذه الحياة‪ ،‬تتمشى مع ما منحه اهلل إياه من تكريم‪ ،‬وتفضيل على سائر المخلوقات‪ ،‬ولكي يحقق اإلنسان‬
‫القيام بالدور المنوط به في تأدية رسالته في الحياة عليه جانب كبير من المسؤولية في إعداد نفسه لمسؤوليات هذه‬
‫الرسالة «بتزكية نفسه واألخذ باألسباب التي تمكنه من تربية وإ عداد نفسه لتحمل أعباء الحياة في جميع جوانبها»‪.‬‬
‫إن المكانة التي بلغها ابن سينا بمؤلفاته وكتبه‪ ،‬وإ ن التقدير الذي ناله قد وفر له ولكتبه من الدراسات والبحوث‬
‫العلمية والتربوية ما لم يظفر به أحد غيره من فالسفة العرب‪ ،‬فهي بمجملها أشارت إلى مكانته وفتحت الباب واسعًا‬
‫لدراسات مبتكرة وبحوث جديدة تتناول الشيخ الرئيس وكتبه‪ ،‬وتعيد النظر في تحقيق مؤلفاته‪ ،‬وتجعلها أكثر وضوحًا‬
‫ال‪ ،‬وتزيدنا معرفة بها‪ ،‬وفهمًا لمقاصدها وغاياتها‪ ،‬وتبينًا لتأثيراتها المختلفة في شتى البيئات العلمية‬
‫وأقرب تناو ً‬
‫والفكرية‪.‬‬

‫‪-64-‬‬
‫من حيث تربية الشخصية‪ ،‬وتربية الخلق‪ ،‬أو بث الشعور الديني‪ ،‬أو تكوين عقيدة دينية خاصة‪ ،‬حتى يكون‬
‫عضواً كامالً في المجتمع‪ ،‬وقد‪ S‬حاول الكثير من المربين تحديد الغرض مـن التربية بقولهم‪ « :‬تهدف التربية إلى‬
‫تعويد النشئ االعتماد على النفس والتربية االستقاللية‪ ،‬وكسب العلم للعلم ذاته‪ ،‬والبعض منهم أهمل ما دون ذلك من‬
‫األغراض‪ ،‬وهذه األغراض تختلف باختالف األمم والعصور والبيئات وحتى في األمة الواحدة‪ ،‬بدليل ما حدث في‬
‫أثينا وإ سبرطة من بالد اإلغريق‪ « .‬فقد كانت أثينا تفكر في الحكمة والفلسفة واألدب‪ ،‬في حين أن إسبرطة كانت‬
‫تضحي بكل شيء في سبيل التربية الجسمية والعسكرية» (محمد عطية اإلبراشي‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬روح التربية‬
‫والتعليم) ويشير الشيخ الرئيس إلى ضرورة تفكير المربي في تكوين المثل األعلى لإلنسان المنظم التفكير القوي‬
‫الشخصية‪ ،‬النافذ اإلرادة‪ ،‬الكامل الخلق‪ ،‬السليم الجسم‪ ،‬المحب لالطالع‪ ،‬المهذب الوجدان‪ ،‬المخلص لوطنه‪ ،‬الذي‬
‫يستطيع أن يعتمد على نفسه في كسب عيشه ويعيش لغيره كما يعيش لنفسه‪ ،‬ويستفيد مما منحه اهلل من عقل وإ رادة‬
‫ودوافع للعمل والتملك والنجاح وتحقيق الذات‪ .‬ولكن مهما كانت أهمية الدور الذي يقوم به اإلنسان في تربية وتعليم‬
‫نفسه وفي إصالح أحواله وظروفه‪ ،‬فإنه ال يستغني عن عوامل التعليم والتربية التي تأتي من خارج ذات اإلنسان‬
‫لتتفاعل مع إمكاناته ومكوناته الداخلية‪ ،‬فمن الفلسفات المعاصرة المتميزة فلسفة القيم‪ ،‬وهي تود النظر إلى الفاعلية‬
‫ال وناجعًا‬‫اإلنسانية من كافة وجوهها‪ ،‬ومنها الجانب التعليمي‪ ،‬نظرة ثاقبة تضم العمل إلى الهدف وتربط ربطًا متكام ً‬
‫الفعل بفرضه‪ ،‬والنشاط بغايته‪ ،‬والعطاء بهدفه وسبله‪.‬‬
‫لقد وضع ابن سينا منهجاً تربوياً مستمداً أسسه ودعائمه من الدين‪ ،‬ومن واقع عصره ومجتمعه‪ ،‬ليفي‬
‫بمتطلبات مجتمعه ويساعده على النهوض والخالص مما هو فيه من انحالل وتعطل وفقدان للقيم إنها تربية‬
‫اجتماعية بكل معنى الكلمة‪ ،‬متعددة الجوانب فردية‪ ،‬مجتمعية‪ ،‬أخالقية‪ ،‬دينية مهنية‪.‬‬
‫وهذا يؤدي‪ S‬غرضاً وظيفياً تقتضيه حياة اإلنسان في محيط تعلمه‪ ،‬أو في محيط مجتمعه‪ ،‬كما يساعد الفرد‬
‫على الوفاء بمطالب الحياة المادية واالجتماعية‪ ،‬وما تقتضيه عالقاته مع بني البشر‪ ،‬لقضاء حاجاته وتنظيم‪S‬‬
‫شؤون في جميع مجاالت الحياة‪ .‬ويرى ابن سينا أن للتربية نواحي وأغراضاً عامة‪ ،‬ومقاييس معينة يجب تحقيقها‬
‫جسمياً وعقلياً وخلقياً واجتماعياً وجمالياً على أحسن الطرق التربوية المعروفة حالياً‪ .‬وهذا يشير إلى أنه قد تتحكم‬
‫بحياتنا مجموعة كبيرة من النظم العقدية واألخالقية والسياسية واالجتماعية‪ ،‬والعالقة بين هذه النظم هي عالقة‬
‫تأثير وتأثر‪ ،‬ولن يكون من مصلحة أي أمة أن تعلّق توازنها‪ S‬العام على نظام واحد‪ ،‬فإذا صلح صلح حالها‪ ،‬وإ ذا‬
‫فسد فسد أمرها‪ ،‬وبالتأكيد إن األمة ال تستطيع أن تفعل ذلك إال في حدود معينة‪ .‬من هنا تبدو طبيعة التخصص‬
‫ألي علم من العلوم معياراً للتقدم‪ ،‬فعلماء االقتصاد يعتقدون أن األمة لن تتقدم إال إذا تقدم اقتصادها‪ ،‬والتربويون‬
‫يعتقدون أن تقدم التربية شرط لتقدم العالم وهذا يشير إلى أن عالقة أي علم مع العلوم األخرى هي عالقة جدلية‪،‬‬
‫أخذ وعطاء وتأثير وتأثر‪.‬‬
‫فالتربية كما يراها الشيخ الرئيس تنقل رسالة‪ ،‬وتحدد مجاالت العمل‪ ،‬وترسي معايير أخالقية فهي تقوم بمهمة‬
‫مزدوجة صعبة‪ ،‬وتحاول االحتفاظ بما هو جيد من المكونات الثقافية المختلفة‪ ،‬من خالل نشرها وتنشئة الشبيبة عليها‪،‬‬
‫كما أنها تحاول بذر أفكار وعادات ومعارف جديدة‪ ،‬ربما كانت مناهضة لما هو معروف ومستقر‪ ،‬ويتم كل هذا في‬
‫مجتمعات تتغير بسرعة فائقة‪ ،‬وطبيعة مثل هذا العمل تكون نتائجه في العادة بطيئة‪ ،‬وتحتاج إلى المهارة والصبر‬
‫(بوترندراسل‪ ،1978 ،‬التربية والنظام اإلجتماعي‪ ،‬ترجمة سمير عبدة)‪.‬‬

‫‪-65-‬‬
‫وباإلشارة إلى تالحم أهداف العلوم التربوية مع الهدف العام للتربية ال يكفي إذا ما أريد توجيه تلك العلوم‬
‫توجيهاً سديداً‪ ،‬أي أنه البد من توجيهات محددة لكل منها‪ ،‬ففي علم النفس يجب أن ينصب االهتمام على معرفة‬
‫الخصائص األساسية التي يمتاز بها اإلنسان‪ ،‬صحيح أن اإلنسان يشترك في بعض مظاهره مع الكائنات األخرى‪،‬‬
‫ولكنه ال يتساوى‪ S‬معها‪ ،‬فمن أهم أهداف علم النفس «صيانة الفطرة من العوامل التي تخرجها‪ S‬عن مسارها‪،‬‬
‫فاالنفعاالت وإ غراءات المال والجسد‪ S‬تدرس على ضوء هذا الهدف‪ ،‬أما الدوافع‪ S‬التي يشترك‪ S‬فيها اإلنسان مع‬
‫الحيوان فتدرس‪ S‬بهدف السيطرة عليها‪ ،‬ذلك أن اإلنسان مسؤول‪ S‬عن تصرفاته‪ ،‬وفوق‪ S‬هذا وذلك؛ فإن كل العمليات‬
‫العقلية وأنماط‪ S‬السلوك الصادرة عن الفرد يجب أن توجه لكسب رضوان اهلل تعالى (عبد الحميد الهاشمي‪ ،‬بدون‬
‫تاريخ‪ ،‬صيغ علم النفس بالصبغة اإلسالمية) وعلم النفس المسلم ال ينخدع بالمظاهر السلوكية‪ ،‬ألنه يدرك أنه‬
‫يكمن وراءها دوافع تستقر في األعماق‪ ،‬فسلوك‪ S‬اإلنسان المؤمن حين تترقرق‪ S‬عيناه بالدموع‪ S‬ال يفهمه إال من‬
‫يدرك حقيقة أن الخوف واألمل والرجاء ال تكون إال من اهلل (عبد الرحمن صالح عبد اهلل‪ ،1988 ،‬الفكر التربوي‬
‫اإلسالمي)‪.‬‬
‫إن مهمة التربية ليست إلعداد األجيال لقبول التغييرات الكثيفة القادمة والتكيف‪ S‬معها فحسب‪ ،‬وإ نما‬
‫السيطرة عليها‪ ،‬واستخراج خير ما فيها‪ ،‬مع مقاومة السيء والضار‪ S‬منها‪.‬‬
‫وحين تعصف رياح التغيير بالمجتمع‪ ،‬ويكون تطور‪ S‬المؤسسات واألساليب التربوية على نحو بطيء‬
‫يؤدي إلى اعتبار التربية على أنها عامل تخلف وهذا يؤكد ضرورة االعتماد على الخبرات والدراسات التي تضع‬
‫النقاط على الحروف‪ ،‬وتعمق‪ S‬الفهم حول االستخدام األمثل لكل ذلك‪.‬‬
‫وعلم االجتماع التربوي ال يقل أهمية عن علم النفس التربوي‪ ،‬فمن أهداف علم االجتماع التربوي تبصير‬
‫الدارسين بالتغييرات المرغوب فيها‪ ،‬وبتلك التي تندرج في قائمة البدع غير المرغوب فيها‪ ،‬والمدرسة في المجتمع‬
‫اإلسالمي عامل أساسي لكبح جماح أي تسارع في التغييرات االجتماعية‪« .‬ومن أهداف علم االجتماع التربوي كذلك‬
‫غرس القيم الخلقية ومحاربة كل ما يتعارض معها للوصول إلى عرض كامل للنظرية التربوية االجتماعية من‬
‫الوجهة النفسية‪ .‬وبيان ترابط الوسائل واألهداف في التربية اإلسالمية‪ ،‬وتميز مناهجها حتى ولو التقت عرضاً‬
‫في بعض النقاط مع مناهج أخرى في الهدف بصورة خاصة» (عبد الرحمن صالح عبد اهلل‪ ،1988 ،‬الفكر‬
‫التربوي اإلسالمي)‪.‬‬
‫حيث تهدف التربية اإلسالمية إلى بناء اإلنسان الصالح وليس المواطن الصالح فحسب‪ ،‬ألنه ينظر إلى‬
‫ال بدقة متناهية‪ ،‬لتحقيق التطابق والتكافؤ بين النظر والعمل يستدل على‬
‫اإلنسان في جميع جوانبه جسدًا وروحًا وعق ً‬
‫ذلك بقوله تعالى (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) سورة البقرة آية ‪ 23‬وقول رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ال)‪.‬‬
‫(اليكون المرء عالمًا حتى يكون بعلمه عام ً‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫المراجع باللغة األجنبية‬

‫‪-66-‬‬
1- Abd Alrahman Eknakib، the Educational reforn of Al-Azhar 1972-1772 PH.thesis . Exeter university .
1980.pp165-167
2- Roger Bacon.opus majus.11.13 J.Hbario-Ges .oxford.1897.1..English translate-ionby .R.B.burke
.philadelphic.1928
3- R.W. Southern: western views of isdam in the middlages.opcial.p21

‫الفصل الرابع‬
‫المنهج العلمي التربوي عند ابن سينا‬

:‫ مقدمة‬-
‫ المكونات النظرية لمنهج ابن سينا التربوي‬-1
.‫ المنهج الفلسفي التربوي عند ابن سينا‬-2
.‫ أهمية تصنيف العلوم وصلته بالمنهج العلمي التربوي عند ابن سينا‬-3
‫ أهمية دراسة الفكر التربوي عند ابن سينا‬-4

-67-
‫المنهج العلمي التربوي عند ابن سينا‬

‫‪‬‬
‫ذكاء نادراً‪ ،‬وذاكرة قوية‪ ،‬وعقالً خصباً‪ ،‬فهو لم‬
‫كان ابن سينا عالماً موهوباً‪ ،‬ومفكراً عالمياً‪ ،‬وكان يملك ً‬
‫يكن مفكراً كمفكري عصره فحسب‪ ،‬بل كان عبقرية فذة وأعجب ما فيه طموحه العقلي الدائم‪ ،‬للبحث عن‬
‫الحقيقة‪ ،‬وإ معان النظر فيما يجب التساؤل عنه في جميع المجاالت‪ ،‬وكان بحق من جبابرة العقل يتألأل كل ذلك‬
‫في جميع مؤلفاته‪.‬‬
‫فهو صاحب منهج علمي تربوي‪ ،‬بل هو فيلسوف‪ S‬منهجي‪ ،‬ويعتبر‪ S‬بحق من أهم فالسفة اإلسالم المنهجيين‬
‫في الفلسفة والطب والتربية خاصة وفي جميع المجاالت العلمية األخرى كعلم الرياضيات‪ ،‬والفلك‪ ،‬والطبيعيات‪،‬‬
‫وجميع العلوم النظرية والتطبيقية‪.‬‬
‫لقد كان العصر العباسي أزهى العصور العربية توضح فكرًا ورقي عقل‪ ،‬ولقد وصل العرب في هذا القرن إلى‬
‫ٍ‬
‫شأو بعيد في مجال العلوم كافة‪ ،‬وأخذت الحضارة العباسية تؤتي ثمرها في كل فرع من فروع العلم والفلسفة واألدب‬
‫والفن‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬المكونات النظرية لمنهج ابن سينا التربوي‬


‫من الحق أن نقول‪ :‬إن منهج ابن سينا العلمي والتربوي اتصف بنزعة علمية عادلة حاول من خاللها إيضاح‬
‫منهجه بين مختلف مؤلفاته في الطب واألدب واألصول الفقهية والتربوية منطلقًا مما هو كائن إلى ما يجب أن يكون‪،‬‬
‫مختارًا الطريقة أو المنهج الذي من شأنه أن يحقق الهدف ويؤدي إلى الغرض‪.‬‬
‫ولما‪ S‬كان الفكر‪ S‬التربوي‪ S‬يتجلى‪ S‬عادة ببعدين‪ :‬نظري‪ S‬وعملي‪ ،‬فإن‪ S‬الشيخ الرئيس‪ S‬أتيح له أن يتعلم‪ S‬القرآن‬
‫ويكمله في‪ S‬سن العاشرة‪ S‬فهو‪ S‬يتحدث عن نفسه ويقول‪S:‬‬
‫«وأحضرت معلم القرآن‪ ،‬ومعلم األدب‪ ،‬وأكملت العشرين من العمر وقد‪ S‬أتيت على القرآن‪ ،‬وعلى كثير‬
‫من األدب حتى كان يقضي مني العجب»‪ ،‬ويبدو من قوله‪ :‬إنه لم يكن تلميذاً عادياً يكتفي بالحفظ عن ظهر قلب‪،‬‬
‫بل كان ذكاؤه يظهر من حين آلخر في فهم معاني القرآن الكريم وحسن استعمالها‪ S‬وهذا ماساعده على إبراز‬
‫المكونات النظرية لفكره التربوي‪ S.‬أما على الصعيد العملي فكان له الخبرة الواسعة والعريضة من خالل‬
‫ممارساته العملية في الطب وتعليم‪ S‬أوالد الخاصة أو في السياسة أثناء عمله في الوزارات التي كلف بها‪ ،‬فهو‬
‫طبيب درسه األطباء على أنه أحدهم‪ ،‬وعظيم من عظمائهم‪ ،‬وهو عالم بعلم النفس كذلك‪ ،‬وهو قصاص وشاعر‬
‫وطبيعي‪ S‬وكيماوي‪ ...‬الخ‪.‬‬

‫‪-68-‬‬
‫أجمع المؤرخون على أن الشيخ الرئيس (ابن سينا) رجل موهوب وعنوان ثقافة‪ ،‬ومفكر عالمي‪ .‬تلخصت‬
‫مواهبه في ذلك الذكاء النادر‪ ،‬والذاكرة القوية‪ ،‬والعقل الخصب‪ ،‬والجلد المنقطع النظير على العمل‪ ،‬وقد بدت مالمح‬
‫ذلك كله في سن مبكرة‪ ،‬بحيث استطاع أن يستكمل ثقافته اللغوية والدينية والعقلية ولما يجاوز العاشرة‪ ،‬وأن يصل‬
‫إلى مرتبة النبوغ والتخصص ولما يناهز العشرين‪.‬‬
‫إن ما سعى إليه الشيخ الرئيس هو تحقيق أغراض واضحة ومحددة في المنهج الذي سلكه في الطرق‬ ‫ّ‬
‫واألساليب والوسائل والخبرات والممارسات «أي كل ما من شأنه أن يؤدي دورًا في خدمة األهداف واألغراض‬
‫الموضوعة» (محمد عزت عبد الموجود وآخرون ‪ ،1971،‬أساسيات المنهج وتنظيماته)‪.‬‬
‫لقد أضحى ابن سينا حجة في الطب والفلك والرياضة‪ ،‬وإ ماماً في الفلسفة معتمداً على نفسه في تعلم الفلسفة‬
‫والهندسة تعلماً ذاتياً‪ ،‬وكذلك في تكوين عقليته التي درس بها الطب‪ ،‬وبديهي أن يجد الطب سهالً بالنسبة إلى ما‬
‫درسه من علوم فلسفية «ذلك ألن الطب علم «وصفي تجريبي» تكفي في تحصيل معلوماته الذاكرة والمالحظة‬
‫دون الدخول في المناقشات‪ S‬والمحاكات وتضارب األدلة» (محمد خير عرقسوسي‪،1982،‬ابن سينا والنفس‬
‫الفكر الرتبوي عند ابن سينا – م‪8‬‬ ‫اإلنسانية)‪.‬‬
‫قال ابن سينا‪« :‬ثم رغبت في علم الطب‪ ،‬وصرت أقرأ الكتب المصنفة فيه‪ ،‬وعلم الطب ليس من العلوم‬
‫علي علم الطب»‪.‬‬
‫الصعبة‪ ،‬فال جرم أني برزت فيه في أقل مدة حتى بدأ فضالء الطب يقرؤون ّ‬
‫ألم بالثقافة اإلسالمية الشاملة المعاصرة له‪ ،‬وهضمها خير هضم‪ ،‬ثم ترجم عنها ترجمة صادقة‪ ،‬فكتب في‬ ‫ّ‬
‫الطب والكيمياء والطبيعة وعلم األحياء‪ ،‬والفلك والرياضة‪ ،‬والمنطق‪ S‬والميتافزيقي‪ ،‬واألخالق والسياسة‪،‬‬
‫والتوحيد‪ S‬والتفسير‪ ،‬وكتابا «الشفاء» و«القانون» خير مثل لهذه الثقافة الواسعة‪.‬‬
‫ما أراده الشيخ الرئيس هو وضع القاعدة المتينة لوحدة الفكر الفلسفي التربوي في جميع المجاالت «وبذا‬
‫مستفيضة تناولت جميع جوانبه»( محمود‪ S‬عبد اللطيف ‪ ،2005،‬الفكر‬
‫ّ‬ ‫راجعت سوق‪ S‬العلم» وألّفت دراسات‬
‫التربوي عند الفارابي‪ ،‬مجلة المعرفة)‪.‬‬
‫بذا نرى المنهج العلمي التربوي‪ S‬والفلسفي عند ابن سينا يمثل تصوره للفكر التربوي‪ S‬لتحقيق األهداف‬
‫العامة والخاصة التي تقوم عليها التربية وسط هذا الجو المفعم بالحضارة والعلم‪.‬‬
‫فقد توجه إلى وحدة معالم ارتباط التربية بالفلسفة وينظر في تدبير أفعال الشخص‪ ،‬أو في ذكاء نفسه‪ ،‬أي‬
‫تصريف نفسه‪ ،‬وقد ساعده على ذلك ما كان يتصف به من الذكاء الحاد والفطنة الذكية والعبقرية الفذة في شتى أنواع‬
‫العلوم والمعارف‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬المنهج الفلسفي التربوي عند ابن سينا‬


‫كان ابن سينا يستنبط‪ S‬الهيكل العام للمنهج الفلسفي التربوي اإلسالمي من القرآن الكريم واألحاديث‬
‫بناء حسناً في كافة المجاالت‪ ،‬ألنه ينظر إلى‬
‫الشريفة‪ ،‬ويبين خصائصه المتميزة وقدرته الفائقة على بناء اإلنسان ً‬
‫يعد بال شك في مقدمة الباحثين والمبتكرين‬
‫اإلنسان على أنه قوة فاعلة في واقع الحياة بغير تسلط‪ ،‬وابن سينا ّ‬
‫المسلمين‪.‬‬

‫‪-69-‬‬
‫فقد عني المؤرخون والباحثون‪ S‬بإظهار نواحي أصالته المختلفة‪ ،‬في المنطق‪ ،‬وعلم النفس‪ ،‬والطب والتربية‬
‫والموسيقى‪« .‬وبذا يمكن أن يقال‪ :‬إن ثقافته إنسانية واسعة األفق‪ ،‬ال تخشى األخذ عن الغير ما دامت تؤمن‬
‫بنفسها‪ ،‬كما ال تخشى أن يؤخذ عنها فنستفيد‪ S‬وتفيد»( إبراهيم مدكورة‪ ،1952 ،‬المهرجان األلفي لذكرى ابن‬
‫سينا)‪ .‬هذا هو موقفه من حيث الغاية القصوى لتحصيل العلوم‪ ،‬وهو يتجه في هذا اتجاهاً أخالقياً وتربوياً‪ ،‬فهو‬
‫يرى أن غاية اإلنسان النهائية هي تحقيق السعادة فمتى حصلت له ال يسعى إلى غاية أخرى‪ ،‬وبذا يضع نظريته‬
‫التربوية فيحصرها‪ S‬في‪:‬‬
‫‪ -1‬ارتباط التربية بالفلسفة‪.‬‬
‫‪ -2‬النبوة والتربية‪.‬‬
‫‪ -3‬التربية الخاصة‪.‬‬
‫‪ -4‬معرفة النفس‪.‬‬
‫‪ -5‬قيمة العقيدة‪.‬‬
‫‪ -6‬جزاء المتقين‪.‬‬
‫‪ -7‬السعادة‪.‬‬
‫‪ -8‬تنظيم أمور المدينة‪.‬‬
‫‪ -9‬في نشوء األسرة واألتباع‪ S‬ووجوب السياسة‪.‬‬
‫‪ -10‬في سياسة الرجل دخله وخرجه‪.‬‬
‫‪ -11‬في سياسة الرجل أهله‪.‬‬
‫وحدد ابن سينا ثالثة أقسام‪( S‬الرتباط التربية بالفلسفة)( شاكر الفحام‪ ،1981 ،‬أسبوع العلم العشرون)‬
‫وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬علم األخالق‪ :‬وينظر في تدبير أفعال الشخص الواحد أو في ذكاء نفسه أي تصريف‪ S‬نفسه‪.‬‬
‫‪ -2‬تدبير المنزل‪ :‬وينظر في العالقات بين أفراد األسرة الواحدة‪ ،‬وتأمين الحياة المعاشية لألسرة‪.‬‬
‫‪ -3‬العلم السياسي‪ :‬وينظر‪ S‬في عالقات الناس بعضهم‪ S‬ببعض في المدينة الواحدة‪ ،‬وفي عالقات المدن‬
‫بعضها مع بعض ثم عالقاتها‪ S‬مع الدول األخرى‪.‬‬
‫وبذا يكون ابن سينا قد تناول في مصنفاته ومؤلفاته مختلف االتجاهات الفلسفية والتربوية التي ساهمت في‬
‫تكوين السلوك اإلنساني‪ .‬وهذا يشير إلى مدى االهتمام بالدراسات المتعلقة باإلنسان ورصد‪ S‬اإلمكانات المادية‬
‫والعلمية لرفع مكانة اإلنسان‪.‬‬
‫ويمكننا‪ S‬القول‪ :‬إن ثقافته إنسانية واسعة األفق في جميع المجاالت الفلسفية والتربوية «فهو مفكر عالمي‪،‬‬
‫يرتفع عن حدود الزمان والمكان وال غرابة فهو عالم وفيلسوف؛ والعلم والفلسفة الحقة ال وطن لهما‪ ،‬ففلسفته هي‬
‫فلسفة اللغة العربية منذ القرن الخامس الهجري إلى أوائل القرن الحالي» (عيون األنباء‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬والوافي‬
‫بالوفيات)‪.‬‬

‫‪-70-‬‬
‫ما أردته هو تقدير فضل الشيخ الرئيس ابن سينا على اإلنسانية‪ ،‬بما أسداه من خدمات كبرى للعلم‬
‫والمعرفة والفلسفة والدين‪ ،‬حيث كان هو والفارابي وسائر‪ S‬فالسفة اإلسالم العظام كابن الطفيل وابن رشد حملة‬
‫رسالة العلم العالمي‪ ،‬وإ ن التمثل بروح العلم هو مطمح أنظار كل فيلسوف عظيم‪ ،‬ألن غايته الكبرى ال تقل عن‬
‫الطموح إلى التعرف بالحق المطلق‪ ،‬وبالحقيقة العالمية الخالدة‪ ،‬هذا هو ابن سينا وهذا هو منهجه وطريقته‬
‫وأسلوبه هدفه اإلنسان وتربيته التربية الصادقة‪ ،‬انتفع به الشرق والغرب سواء في ذلك فلسفته أو طبه أو طبيعته‬
‫وكيمياؤه‪ ،‬فهو كالشمعة تضيء كل مكان‪.‬‬
‫بدأ ابن سينا نتاجه العلمي والفكري مبكراً‪ ،‬ألف في السابعة عشرة من عمره كتاب معتصم الشعراء في‬
‫العروض‪ ،‬وألف وهو في الحادية والعشرين من عمره سنة ‪ / 391‬كتاب المجموع‪ /‬أتى فيه على سائر العلوم‬
‫سوى الرياضي» (شاكر الفحام‪ ،1981 ،‬أسبوع العلم العشرون) وهي‪:‬‬
‫وألف كتاب الحاصل والمحصول‪ S‬في قريب من عشرين مجلدة‪ ،‬وكتاب البر واإلثم في األخالق مجلدتان‪.‬‬
‫وإ ذا كانت عبقرية الشيخ الرئيس التي تألقت في كتبه وتآليفه قد دفعت األجيال أن تعود إليها دراسةً منقبة‪،‬‬
‫تكشف لها األيام كما قال أستاذنا‪ S‬الدكتور شاكر الفحام‪ :‬كل مرة صفحة جديدة‪ ،‬ومعرفة جديدة‪ ،‬ألن العباقرة ال‬
‫ينفد معينهم‪ ،‬يتجددون تجدد الفكر اإلنساني‪.‬‬
‫والحق أن مقدرة ابن سينا على تأليف الكتب وإ نشاء الرسائل في فترة قصيرة تفوق كل تصور‪ S،‬هذه‬
‫المقدرة المعجزة تواتيه في سهولة ويسر‪ ،‬يقول أبو عبيد‪ :‬وكان الشيخ الرئيس متوارياً في دار أبي غالب العطار‬
‫بهمذان خوف السلطان «وطلبت منه إتمام كتاب الشفاء‪ ،‬فاستحضر‪ S‬أبا غالب‪ ،‬وطلب الكاغد والمحبرة‬
‫فأحضرهما‪ S،‬وكتب الشيخ في قريب من عشرين جزءاً‪ ،‬وبقي فيه يومين‪ ،‬حتى كتب رؤوس‪ S‬المسائل كلها‪ ،‬بال‬
‫كتاب يحضره وال أصل يرجع إليه‪ ،‬بل من حفظه‪ ،‬وعن ظهر قلبه‪ ،‬ثم ترك الشيخ تلك األجزاء بين يديه‪ ،‬وأخذ‬
‫الكاغد‪ ،‬فكان ينظر في كل مسألة ويكتب شرحها‪ ،‬فكان يكتب في كل يوم خمسين ورقة حتى أتى على جميع‬
‫الطبيعيات واإللهيات‪ ،‬ما خال كتابي الحيوان والنبات» وابتدأ بالمنطق وكتب منه جزءاً…(ابن أبي أصيبعة‪،‬‬
‫بدون تاريخ‪ ،‬عيون األنباء ‪ -‬الجزء الثاني)‪.‬‬
‫إن ما جاء به الشيخ الرئيس يدل على إحاطته باللغة وتمكنه من مفرداتها وهذا يتطلب موهبة في التعبير‬
‫تفسح لصاحبها أن يفصح عن أدق الفكر الفلسفية والعلمية‪.‬‬
‫كانت فلسفته التربوية تدور‪ S‬حول تنمية الفرد من حيث هو إنسان ال من حيث هو عضو في جماعة‪ ،‬وهدف‬
‫التعليم في رأيه هو تنمية القدرة على التفكير‪ ،‬وتمكين اإلنسان من الوصول‪ S‬إلى هذه المفاهيم األساسية‪ ،‬أو‬
‫المبادئ الخلقية التي يجب أن يتصف‪ S‬بها اإلنسان‪.‬‬
‫إنتاج ابن سينا وافر ومتنوع‪ ،‬على الرغم مما القى في حياته من عنت وقلق فكتب في أبواب الفلسفة المختلفة‪،‬‬
‫وفي الدين واللغة‪ ،‬وله في الموضوع الواحد أكثر من كتاب أو رسالة‪ ،‬ويبدو في وضوح أن مؤلفاته كانت موضع‬
‫عناية المشتغلين بالعلوم العقلية طوال القرون الماضية وهذا ما نبينه في حينه‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬أهمية تصنيف العلوم وصلته بالمنهج العلمي التربوي‬
‫عند ابن سينا‬

‫‪-71-‬‬
‫ي‪S‬ع‪ّ S‬د‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ر‪S‬ج‪S‬ا‪S‬ل‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ق‪S‬ال‪S‬ئ‪S‬ل‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬س‪S‬ال‪S‬م‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ذ‪S‬ي‪ S‬ي‪S‬ص‪S‬ح‪ S‬أ‪S‬ن‪ S‬ن‪S‬س‪S‬م‪S‬ي‪S‬ه‪S‬م‪S( S‬م‪S‬و‪S‬س‪S‬و‪S‬ع‪S‬ي‪S‬ي‪S‬ن‪ S)S‬و‪S‬إ ن‪ S‬ك‪S‬ا‪S‬ن‪S‬‬
‫ط‪S‬ا‪S‬ب‪S‬ع‪S‬ه‪ S‬ا‪S‬أل‪S‬ع‪S‬م‪ S‬ا‪S‬أل‪S‬غ‪S‬ل‪S‬ب‪ S‬ه‪S‬و‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ل‪S‬س‪S‬ف‪S‬ة‪ S‬ب‪S‬ج‪S‬م‪S‬ي‪S‬ع‪ S‬ف‪S‬ر‪S‬و‪S‬ع‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ع‪S‬ر‪S‬و‪S‬ف‪S‬ة‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ز‪S‬م‪S‬ن‪S‬ه‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ه‪S‬ي‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬و‪S‬ط‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ع‪S‬ي‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬و‪S‬ط‪S‬ب‪ S‬و‪S‬ن‪S‬ف‪S‬س‪S‬‬
‫و‪S‬م‪S‬ن‪S‬ط‪S‬ق‪ S‬و‪S‬ر‪S‬ي‪S‬ا‪S‬ض‪S‬ة‪ S‬و‪S‬أ‪S‬خ‪S‬ال‪S‬ق‪ S‬و‪S‬غ‪S‬ي‪S‬ر‪ S‬ذ‪S‬ل‪S‬ك‪S( S‬أ‪S‬ح‪S‬م‪S‬د‪ S‬أ‪S‬م‪S‬ي‪S‬ن‪ S،1950 S،S‬م‪S‬ؤ‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S)S‬ف‪S‬ق‪S‬د‪ S‬أ‪S‬ل‪S‬ف‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ك‪S‬ل‪S‬‬
‫ه‪S‬ذ‪S‬ا‪ S،S‬و‪S‬ق‪S‬ي‪S‬ل‪ S:S‬إ‪S‬ن‪S‬ه‪ S‬أ‪S‬ل‪S‬ف‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬و‪S‬ض‪S‬و‪S‬ع‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬و‪S‬ا‪S‬ح‪S‬د‪ S‬ك‪S‬ت‪S‬ب‪S‬اً‪ S‬م‪S‬خ‪S‬ت‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ة‪ S‬ت‪S‬ض‪S‬م‪S‬ن‪S‬ت‪ S‬ف‪S‬ل‪S‬س‪S‬ف‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ي‪S‬و‪S‬ن‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬م‪S‬ع‪S‬ت‪S‬م‪S‬د‪S‬اً‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ذ‪S‬ل‪S‬ك‪ S‬ع‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬ت‪S‬ع‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ي‪S‬م‪S‬‬
‫ا‪S‬إل‪S‬س‪S‬ال‪S‬م‪ S،S‬و‪S‬ع‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ت‪S‬ك‪S‬ا‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ت‪S‬ه‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬خ‪S‬ا‪S‬ص‪S‬ة‪S.S‬‬
‫إ‪S‬ن‪ S‬أ‪S‬ي‪ S‬ت‪S‬ص‪S‬و‪S‬ر‪ S‬ل‪S‬ت‪S‬ص‪S‬ن‪S‬ي‪S‬ف‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ل‪S‬و‪S‬م‪ S‬إ‪S‬ن‪S‬م‪S‬ا‪ S‬ي‪S‬ك‪S‬ش‪S‬ف‪ S‬عن‪ S‬ف‪S‬ل‪S‬س‪S‬ف‪S‬ة‪ S‬م‪S‬ع‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ة‪ S‬ل‪S‬ص‪S‬ا‪S‬ح‪S‬ب‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ص‪S‬ن‪S‬ي‪S‬ف‪ S،S‬و‪S‬م‪S‬ن‪ S‬ث‪S‬م‪ S‬ي‪S‬ت‪S‬م‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬خ‪S‬ال‪S‬ل‪S‬ه‪S‬‬
‫ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ع‪S‬ر‪S‬ف‪ S‬عل‪S‬ى‪ S‬ص‪S‬ل‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ل‪S‬و‪S‬م‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ر‪S‬ت‪S‬ب‪S‬ا‪S‬ط‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬ف‪S‬ي‪S‬م‪S‬ا‪ S‬ب‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬م‪S‬ج‪S‬ا‪S‬ال‪S‬ت‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ح‪S‬ي‪S‬ا‪S‬ة‪S« S‬ا‪S‬أل‪S‬م‪S‬ر‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ذ‪S‬ي‪ S‬ي‪S‬س‪S‬م‪S‬ح‪ S‬ل‪S‬ف‪S‬ر‪S‬ي‪S‬ق‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ل‪S‬م‪S‬ا‪S‬ء‪S‬‬
‫ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ت‪S‬خ‪S‬ص‪S‬ص‪S‬ي‪S‬ن‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ع‪S‬ل‪S‬و‪S‬م‪ S‬ض‪S‬ي‪S‬ق‪S‬ة‪ S‬م‪S‬ت‪S‬ق‪S‬ا‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ج‪S‬ا‪S‬ل‪ S‬ب‪S‬أ‪S‬ن‪ S‬ي‪S‬ت‪S‬ن‪S‬ا‪S‬و‪S‬ل‪S‬و‪S‬ا‪ S‬ب‪S‬ا‪S‬ل‪S‬د‪S‬ر‪S‬ا‪S‬س‪S‬ة‪ S‬و‪S‬ق‪S‬ا‪S‬ئ‪S‬ع‪ S‬أ‪S‬و‪ S‬ظ‪S‬و‪S‬ا‪S‬ه‪S‬ر‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ح‪S‬د‪S‬ة‪ S‬ك‪S‬ل‪ S‬م‪S‬ن‪S‬ه‪S‬م‪ S‬ي‪S‬ع‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ج‪S‬ه‪S‬ا‪S‬‬
‫م‪S‬ن‪ S‬ز‪S‬ا‪S‬و‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ت‪S‬خ‪S‬ص‪S‬ص‪S‬ي‪S‬ة‪S( S»S‬م‪S‬ح‪S‬م‪S‬و‪S‬د‪ S‬ع‪S‬ب‪S‬د‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ل‪S‬ط‪S‬ي‪S‬ف‪ S،2005S، S‬ا‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ك‪S‬ر‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬و‪S‬ي‪ S‬ع‪S‬ن‪S‬د‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ا‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ب‪S‬ي‪ S.S)S‬و‪S‬ف‪S‬ي‪ S‬ه‪S‬ذ‪S‬ا‪ S‬ك‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ه‪ّ S‬م‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪S‬‬
‫س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S‬أن‪ S‬ي‪S‬م‪S‬ك‪S‬ن‪ S‬غ‪S‬ي‪S‬ر‪S‬ه‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬أن‪ S‬ي‪S‬ت‪S‬ع‪S‬ل‪S‬م‪ S‬و‪S‬ق‪S‬د‪ S‬م‪S‬ن‪S‬ح‪S‬ه‪ S‬ا‪S‬هلل‪ S،S‬ك‪S‬م‪S‬ا‪ S‬ط‪S‬ل‪S‬ب‪ S‬ه‪S‬و‪ S،S‬ح‪S‬ي‪S‬ا‪S‬ة‪ S‬ع‪S‬ر‪S‬ي‪S‬ض‪S‬ة‪ S،S‬و‪S‬إ ن‪ S‬ل‪S‬م‪ S‬ت‪S‬ك‪S‬ن‪ S‬ط‪S‬و‪S‬ي‪S‬ل‪S‬ة‪ S،S‬ف‪S‬ق‪S‬د‪ S‬ا‪S‬س‪S‬ت‪S‬ط‪S‬ا‪S‬ع‪S‬‬
‫أن‪ S‬ي‪S‬ن‪S‬ت‪S‬ج‪ S‬ه‪S‬ذ‪S‬ا‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ت‪S‬ا‪S‬ج‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬غ‪S‬ز‪S‬ي‪S‬ر‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬م‪S‬ي‪S‬ق‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬و‪S‬ا‪S‬س‪S‬ع‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ذ‪S‬ي‪ S‬ال‪S‬ي‪S‬س‪S‬ت‪S‬ط‪S‬ي‪S‬ع‪ S‬أ‪S‬ن‪ S‬ي‪S‬ق‪S‬و‪S‬م‪ S‬به‪ S‬أ‪S‬ح‪S‬د‪ S،S‬ل‪S‬ك‪S‬ن‪S‬ه‪ S‬ف‪S‬ض‪S‬ل‪ S‬ا‪S‬هلل‪ S‬ي‪S‬ؤ‪S‬ت‪S‬ي‪S‬ه‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬ي‪S‬ش‪S‬ا‪S‬ء‪S.S‬‬
‫ل‪S‬ق‪S‬د‪ S‬خ‪S‬ل‪S‬ف‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪( S‬ا‪S‬ل‪S‬ش‪S‬ي‪S‬خ‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ر‪S‬ئ‪S‬ي‪S‬س‪ S)S‬ث‪S‬ر‪S‬و‪S‬ة‪ S‬ك‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ر‪S‬ة‪ S‬ي‪S‬ص‪S‬ع‪S‬ب‪ S‬ج‪S‬م‪S‬ع‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬و‪S‬ت‪S‬ص‪S‬ن‪S‬ي‪S‬ف‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬و‪S‬ت‪S‬ق‪S‬س‪S‬ي‪S‬م‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ت‪S‬ش‪S‬ا‪S‬ر‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ج‪S‬م‪S‬ي‪S‬ع‪S‬‬
‫أ‪S‬ن‪S‬ح‪S‬ا‪S‬ء‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S.S‬‬
‫ك‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ت‪ S‬ح‪S‬ي‪S‬ا‪S‬ت‪S‬ه‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ك‪S‬ر‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬خ‪S‬ص‪S‬ب‪S‬ة‪ S‬و‪S‬ك‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ت‪ S‬ف‪S‬ل‪S‬س‪S‬ف‪S‬ت‪S‬ه‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬و‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ت‪S‬د‪S‬و‪S‬ر‪ S‬ح‪S‬و‪S‬ل‪ S‬ت‪S‬ن‪S‬م‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ر‪S‬د‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬ح‪S‬ي‪S‬ث‪ S‬ه‪S‬و‪ S‬إ‪S‬ن‪S‬س‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ه‪S‬د‪S‬ف‪S‬ه‪S‬‬
‫ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ط‪S‬ف‪S‬ل‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ن‪S‬ا‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ب‪S‬ه‪ S،S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ع‪S‬ا‪S‬م‪S‬ل‪ S‬م‪S‬ع‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ك‪S‬و‪S‬ي‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬خ‪S‬ل‪S‬ق‪S‬ي‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬س‪S‬ل‪S‬و‪S‬ك‪S‬ي‪ S‬ل‪S‬ل‪S‬ط‪S‬ف‪S‬ل‪ S‬و‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ت‪S‬ه‪ S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ن‪S‬ف‪S‬س‪S‬ي‪S‬ة‪ S،S‬ع‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬أ‪S‬ح‪S‬س‪S‬ن‪S‬‬
‫ا‪S‬ل‪S‬ط‪S‬ر‪S‬ق‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬و‪S‬ي‪S‬ة‪ S،S‬و‪S‬ي‪S‬ؤ‪S‬ك‪S‬د‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S‬ض‪S‬ر‪S‬و‪S‬ر‪S‬ة‪ S‬م‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ع‪S‬ا‪S‬ة‪ S‬ن‪S‬ف‪S‬س‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ل‪S‬ط‪S‬ف‪S‬ل‪ S‬ب‪S‬ح‪S‬ي‪S‬ث‪ S‬ال‪S‬ي‪S‬ص‪S‬ي‪S‬ب‪S‬ه‪ S‬غ‪S‬ض‪S‬ب‪ S‬ش‪S‬د‪S‬ي‪S‬د‪ S‬أ‪S‬و‪ S‬خ‪S‬و‪S‬ف‪ S‬ش‪S‬د‪S‬ي‪S‬د‪S‬‬
‫أ‪S‬و‪ S‬غ‪S‬م‪ S‬أ‪S‬و‪ S‬س‪S‬ه‪S‬ر‪ S،S‬و‪S‬ي‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ش‪S‬ي‪S‬خ‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ر‪S‬ئ‪S‬ي‪S‬س‪ S‬أ‪S‬ن‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ذ‪S‬ل‪S‬ك‪ S‬م‪S‬ن‪S‬ف‪S‬ع‪S‬ت‪S‬ي‪S‬ن‪S‬؛‪ S‬أ‪S‬و‪S‬ال‪S‬ه‪S‬م‪S‬ا‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ن‪S‬ف‪S‬س‪S‬ه‪ S‬ب‪S‬أ‪S‬ن‪ S‬ي‪S‬ن‪S‬ش‪S‬أ‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ط‪S‬ف‪S‬و‪S‬ل‪S‬ة‪ S‬ح‪S‬س‪S‬ن‪S‬‬
‫ا‪S‬أل‪S‬خ‪S‬ال‪S‬ق‪ S‬و‪S‬ي‪S‬ص‪S‬ي‪S‬ر‪ S‬ذ‪S‬ل‪S‬ك‪ S‬ل‪S‬ه‪ S‬م‪S‬ل‪S‬ك‪S‬ة‪ S‬ال‪S‬ز‪S‬م‪S‬ة‪ S،S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ث‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ل‪S‬ب‪S‬د‪S‬ن‪S‬ه‪ S‬ف‪S‬إ‪S‬ن‪S‬ه‪ S‬ك‪S‬م‪S‬ا‪ S‬أ‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬أل‪S‬خ‪S‬ال‪S‬ق‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ر‪S‬د‪S‬ي‪S‬ئ‪S‬ة‪ S‬ت‪S‬ا‪S‬ب‪S‬ع‪S‬ة‪ S‬أل‪S‬ن‪S‬و‪S‬ا‪S‬ع‪ S‬س‪S‬و‪S‬ء‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ز‪S‬ا‪S‬ج‪S،S‬‬
‫ف‪S‬ف‪S‬ي‪ S‬ت‪S‬ع‪S‬د‪S‬ي‪S‬ل‪ S‬ا‪S‬أل‪S‬خ‪S‬ال‪S‬ق‪ S‬ح‪S‬ف‪S‬ظ‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ص‪S‬ح‪S‬ة‪ S‬ل‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ف‪S‬س‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ب‪S‬د‪S‬ن‪ S‬ج‪S‬م‪S‬ي‪S‬ع‪S‬اً‪S.S‬‬

‫إ‪S‬ن‪ S‬م‪S‬ؤ‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S‬ع‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬غ‪S‬ز‪S‬ا‪S‬ر‪S‬ت‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬و‪S‬ت‪S‬ن‪S‬و‪S‬ع‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬ك‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ت‪ S‬م‪S‬و‪S‬ض‪S‬ع‪ S‬ع‪S‬ن‪S‬ا‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ب‪S‬ا‪S‬ح‪S‬ث‪S‬ي‪S‬ن‪ S‬و‪S‬ه‪S‬ي‪ S‬ل‪S‬م‪ S‬ت‪S‬ك‪S‬ن‪ S‬م‪S‬ص‪S‬ن‪S‬ف‪S‬ة‪S‬‬
‫ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ص‪S‬ن‪S‬ي‪S‬ف‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ل‪S‬م‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬و‪S‬ض‪S‬و‪S‬ع‪S‬ي‪ S‬ب‪S‬ل‪ S‬ك‪S‬ت‪S‬ب‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ذ‪S‬ل‪S‬ك‪S« S‬م‪S‬ج‪S‬م‪S‬الً‪ S‬أ‪S‬و‪ S‬م‪S‬ف‪S‬ص‪S‬الً‪ S‬أ‪S‬و‪ S‬م‪S‬ل‪S‬خ‪S‬ص‪S‬اً‪ S‬أ‪S‬و‪ S‬ش‪S‬ا‪S‬ر‪S‬ح‪S‬اً‪ S،S‬ن‪S‬ا‪S‬ث‪S‬ر‪S‬اً‪ S‬أ‪S‬و‪ S‬ن‪S‬ا‪S‬ظ‪S‬م‪S‬اً‪S،S‬‬
‫م‪S‬ب‪S‬ت‪S‬د‪S‬ئ‪S‬اً‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬ن‪S‬ف‪S‬س‪S‬ه‪ S‬أ‪S‬و‪ S‬م‪S‬ج‪S‬ي‪S‬ب‪S‬اً‪ S‬عن‪ S‬أ‪S‬س‪S‬ئ‪S‬ل‪S‬ة‪ S‬و‪S‬ج‪S‬ه‪S‬ت‪ S‬إ‪S‬ل‪S‬ي‪S‬ه‪S( »S‬ج‪S‬و‪S‬ر‪S‬ج‪ S‬ش‪S‬ح‪S‬ا‪S‬ت‪S‬ة‪ ،1950 S،S‬ق‪S‬ن‪S‬و‪S‬ا‪S‬ت‪S‬ي‪ - S‬م‪S‬ؤ‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪S.S)S‬‬

‫ا‪S‬ع‪S‬ت‪S‬م‪S‬د‪ S‬ا‪S‬أل‪S‬ب‪ S‬ج‪S‬و‪S‬ر‪S‬ج‪ S‬ش‪S‬ح‪S‬ا‪S‬ت‪S‬ة‪ S‬ق‪S‬ن‪S‬و‪S‬ا‪S‬ت‪S‬ي‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ت‪S‬ص‪S‬ن‪S‬ي‪S‬ف‪ S‬م‪S‬ؤ‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S‬ح‪S‬س‪S‬ب‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬و‪S‬ا‪S‬د‪ S‬ا‪S‬ت‪S‬خ‪S‬ذ‪ S‬ذ‪S‬ل‪S‬ك‪ S‬أ‪S‬س‪S‬ا‪S‬س‪S‬اً‪ S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ت‪S‬ي‪S‬ب‪S‬‬
‫إ‪S‬ن‪S‬ت‪S‬ا‪S‬ج‪S‬ه‪ S‬و‪S‬ف‪S‬ق‪ S‬ر‪S‬س‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ة‪S« S‬تق‪S‬س‪S‬ي‪S‬م‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ل‪S‬و‪S‬م‪ S»S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ي‪ S‬و‪S‬ض‪S‬ح‪ S‬ف‪S‬ي‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬ج‪S‬م‪S‬ي‪S‬ع‪ S‬ج‪S‬و‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ب‪ S‬م‪S‬ؤ‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ا‪S‬ت‪S‬ه‪S.S‬‬

‫و‪S‬ي‪S‬ر‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S‬أن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ل‪S‬و‪S‬م‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬م‪S‬ل‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ت‪S‬أ‪S‬ت‪S‬ي‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ر‪S‬ت‪S‬ب‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ث‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ب‪S‬ع‪S‬د‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ل‪S‬و‪S‬م‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ظ‪S‬ر‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬أل‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ل‪S‬و‪S‬م‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ظ‪S‬ر‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ت‪S‬ت‪S‬و‪S‬ق‪S‬ف‪S‬‬
‫عل‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ل‪S‬و‪S‬م‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬م‪S‬ل‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ال‪S‬ق‪S‬ة‪ S‬ب‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ه‪S‬م‪S‬ا‪ S‬ه‪S‬ي‪ S‬ع‪S‬ال‪S‬ق‪S‬ة‪ S‬ج‪S‬د‪S‬ل‪S‬ي‪S‬ة‪ S،S‬و‪S‬م‪S‬و‪S‬ق‪S‬ف‪S‬ه‪ S‬ه‪S‬و‪ S‬م‪S‬و‪S‬ق‪S‬ف‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ي‪S‬ل‪S‬س‪S‬و‪S‬ف‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬ح‪S‬ي‪S‬ث‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬غ‪S‬ا‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ق‪S‬ص‪S‬و‪S‬ى‪S‬‬
‫م‪S‬ن‪ S‬ت‪S‬ح‪S‬ص‪S‬ي‪S‬ل‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ل‪S‬و‪S‬م‪ S‬ل‪S‬ب‪S‬ن‪S‬ا‪S‬ء‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ه‪S‬ي‪S‬ك‪S‬ل‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ا‪S‬م‪ S‬ل‪S‬ل‪S‬م‪S‬ن‪S‬ه‪S‬ج‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ل‪S‬س‪S‬ف‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬و‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬س‪S‬ال‪S‬م‪S‬ي‪ S،S‬و‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬خ‪S‬ص‪S‬ا‪S‬ئ‪S‬ص‪S‬ه‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ت‪S‬م‪S‬ي‪S‬ز‪S‬ة‪S‬‬
‫و‪S‬ق‪S‬د‪S‬ر‪S‬ت‪S‬ه‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ا‪S‬ئ‪S‬ق‪S‬ة‪ S‬عل‪S‬ى‪ S‬ب‪S‬ن‪S‬ا‪S‬ء‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬ن‪S‬س‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ب‪S‬ن‪S‬ا‪ً S‬ء‪ S‬ح‪S‬س‪S‬ن‪S‬اً‪ S‬أل‪S‬ن‪S‬ه‪ S‬ي‪S‬ن‪S‬ظ‪S‬ر‪ S‬إ‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬ن‪S‬س‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ج‪S‬م‪S‬ي‪S‬ع‪ S‬ج‪S‬و‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ب‪S‬ه‪ S‬ج‪S‬س‪S‬د‪S‬اً‪ S‬و‪S‬ر‪S‬و‪S‬ح‪S‬اً‪ S‬و‪S‬ع‪S‬ق‪S‬الً‪ S‬ب‪S‬د‪S‬ق‪S‬ة‪S‬‬
‫م‪S‬ت‪S‬ن‪S‬ا‪S‬ه‪S‬ي‪S‬ة‪ S،S‬أل‪S‬ن‪S‬ه‪ S‬ي‪S‬ت‪S‬ع‪S‬ا‪S‬م‪S‬ل‪ S‬م‪S‬ع‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬ن‪S‬س‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ع‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬أ‪S‬س‪S‬ا‪S‬س‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ط‪S‬ر‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ب‪S‬ش‪S‬ر‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬م‪S‬ت‪S‬ز‪S‬ج‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ب‪S‬ط‪S‬ة‪ S‬ل‪S‬ت‪S‬ح‪S‬ق‪S‬ي‪S‬ق‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬و‪S‬ا‪S‬ز‪S‬ن‪ S‬ب‪S‬ي‪S‬ن‪ S‬ج‪S‬م‪S‬ي‪S‬ع‪S‬‬
‫ط‪S‬ا‪S‬ق‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬ن‪S‬س‪S‬ا‪S‬ن‪ S،S‬و‪S‬ه‪S‬و‪ S‬ي‪S‬ن‪S‬ظ‪S‬ر‪ S‬إ‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬ن‪S‬س‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬عل‪S‬ى‪ S‬أ‪S‬نه‪ S‬ق‪S‬و‪S‬ة‪ S‬ف‪S‬ا‪S‬ع‪S‬ل‪S‬ة‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ق‪S‬ع‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ح‪S‬ي‪S‬ا‪S‬ة‪ S‬ب‪S‬غ‪S‬ي‪S‬ر‪ S‬ت‪S‬س‪S‬ل‪S‬ط‪S( S‬ج‪S‬ع‪S‬ف‪S‬ر‪ S‬آ‪S‬ل‪ S‬ي‪S‬ا‪S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S،S‬‬
‫‪ S،1952‬ف‪S‬ي‪S‬ل‪S‬س‪S‬و‪S‬ف‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ر‪S‬ا‪S‬ئ‪S‬د‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ك‪S‬ن‪S‬د‪S‬ي‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ا‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ب‪S‬ي‪S.S)S‬‬

‫‪-72-‬‬
‫رابعاً‪ :‬أهمية دراسة الفكر التربوي عند ابن سينا‬
‫كون عقله العالم‬
‫آ‪ -‬ثقافة ابن سينا التربوية‪ :‬لكل ثقافة من الثقافات منهاجها التربوي الخاص‪ ،‬وابن سينا ّ‬
‫اإلسالمي أجمـع بقراءتـه وثقافته وعلمـه وفلسفته ( وهذا التكوين العقلي أهم البن سينا من التكوين الجسمي‪ ،‬على‬
‫أن العلم ال يعرف له وطن‪ ،‬فليس هناك عالم أندلسي وال مغربي وال مشرقي‪ ،‬إنما هو كالشمعة‪ ،‬تضيء كل‬
‫مكان‪ ،‬وإ ذا كان العلم كذلك‪ ،‬فكيف بالفلسفة وهي تهزأ بالوطن‪ ،‬وترتفع عن الزمان والمكان» (المهرجان األلفي‬
‫لذكرى ابن سينا‪ ،1952 ،‬جامعة الدول العربية) لقد كان ابن سينا فيلسوفاً عالمياً‪ ،‬انتفع به اإلنسان الذي هو‬
‫محور العملية التربوية‪ ،‬سواء أكان في ذلك فلسفته أو طبيعته أو ثقافته التي عبر عنها أستاذنا الدكتور‪ S‬أحمد أمين‬
‫بقوله‪« :‬إنه سبح في الالنهاية والالمحدود‪.»S‬‬
‫من هنا يمكن القول‪ :‬إن ابن سينا مثال للروح اإلنسانية الثائرة‪ ،‬التواقة إلى السمو‪ ،‬والطامحة في الصعود‪S‬‬
‫إلى المأل األعلى‪ ،‬وهذا الطموح العقلي يمثل درجة من الحيوية والثراء والفاعلية‪ ،‬ألن النفوس الطامحة ال تهدأ‬
‫كما يهدأ الماء الراكد‪ ،‬بل تندفع إلى األمام دائماً‪ ،‬وتتجرد‪ S‬من قيود المادة‪ ،‬وابن سينا كان يدرك تمام اإلدراك أن‬
‫همه الرئيسي‪ S‬هو إبالغ المتعلم إلى كماله اإلنساني‪ ،‬مما يجعل من المحتم على ابن سينا أو غيره أن يقف وقفة‬ ‫ّ‬
‫مهما قصرت‪« S‬أمام تدريب المعلم وتوجيهه لتكوين اإلنسان فكراً وثقافة وروحاً وخلقاً‪ ،‬وهذا سيكون سبباً في‬
‫إحداث ثورة ثقافية تربوية تكون أداة لنقل الخبرات‪ ،‬وصقل الكيانات االجتماعية المختلفة»( محمود عبد اللطيف‪،‬‬
‫‪ ،2005‬الفكر التربوي‪ S‬عند الفارابي ‪ ،‬مجلة المعرفة)‪.‬‬
‫إن ما جاء به ابن سينا من أفكار تربوية تعبر عن إحاطة وشمول بتربية اإلنسان منذ أن يكون جنيناً في‬
‫بطن أمه إلى أن يولد وينمو‪ S‬ويمر في مراحل العمر المختلفة‪ ،‬وهذا يشير إلى أن آراء ابن سينا التربوية تعبر‬
‫تعبيراً دقيقاً عن جوهر المبادئ التربوية التي يؤمن بها المنفعة مع روح الدين اإلسالمي‪ ،‬ويدل هذا على عمق‬
‫تفكيره ورجاحة عقله في مجاالت التربية كافة فهو فيلسوف من الطراز‪ S‬األول‪ ،‬أظهر في ثنايا كتبه كثيراً من‬
‫األفكار التربوية وعبر عنها بلغة سهلة واضحة‪.‬‬
‫والحق أن ابن سينا قرر أموراً تعد غاية في الدقة والروعة في مجال تربية الطفل من ذلك‪:‬‬
‫إرضاعه وتعليمه والعناية بجسمه وتوجيهه إلى ما يالئم طبعه في جميع مجاالت الحياة‪.‬‬
‫إن ما جاء به ابن سينا يوفر البنية العميقة للتربية‪ ،‬وقد‪ S‬أفاد الباحثون والمفكرون الذين أتوا بعده في الفكر‬
‫التربوي الذي يمثل اإلطار التوجيهي‪ S‬لألنشطة التربوية التي يقومون بها‪.‬‬

‫‪-73-‬‬
‫هذا هو نهج ابن سينا وهذه هي طريقته وأسلوبه ومنطقه الفلسفي التي ال يمكن أن يقف اإلنسان فيها عند‬
‫حد العلم‪ ،‬بل البد من الممارسة والتدريب حتى يكتسب المهارة المطلوبة‪ ،‬وهذا ما نعالجه في دراستنا لالتجاهات‬ ‫ّ‬
‫التربوية عند ابن سينا (الدينية واللغوية‪ ،‬والعقلية والموضوعية واالجتماعية‪ ،‬والجسمية‪ ...‬الخ‪ )‬من هنا نلمح‬
‫أهمية الفكر التربوي‪ S‬عنه‪ .‬إليضاح بعض الحقائق حول التربية العربية اإلسالمية وبيان أسسها ومناهجها‪ ،‬مع‬
‫مناقشة مفاهيم التربية الحديثة على ضوء مما ورد في القرآن الكريم وفي‪ S‬األحاديث الشريفة حول الهيكل العام‬
‫للمنهج التربوي اإلسالمي‪ ،‬والدافع‪ S‬إلى هذا قلة الكتابات في هذا الشأن السيما وأن التربية الحديثة تقوم على‬
‫فلسفات وضعية من الغرب إلى الشرق‪ ،‬وأن الذين كتبوا في التربية أو علم النفس أخذوا مباشرة بما فرزته هذه‬
‫الفلسفات‪ ،‬مع األخذ بالحسبان جميع مكونات اإلنسان‪ ،‬واالهتمام‪ S‬بنوازعه الفطرية وتوجهه نحو الكمال وتدربه‬
‫للصعود إلى القمة بكل طريق ممكنة وجهد مستطاع‪ ،‬وأنها ليست خياالً وال معجزات صعبة التحقيق‪ .‬ويمكن‬
‫استخدمها على أحسن وجه في جميع المجاالت‪.‬‬

‫‪-74-‬‬
‫الفصل الخامس‬
‫االزدهار العلمي والثقافي في القرن الرابع الهجري‬

‫‪ -‬مقدمة‬

‫‪ -1‬معالم االزدهار الثقافي والحضاري في القرن الرابع الهجري‪.‬‬

‫‪ -2‬محددات المجتمع البشري في القرن الرابع الهجري‪.‬‬

‫‪ -3‬المزايا العلمية والثقافية في القرن الرابع الهجري‪.‬‬

‫‪ -4‬ابن سينا وأعالم التراث في القرن الرابع الهجري‪.‬‬

‫‪-75-‬‬
‫االزدهار العلمي والثقافي في القرن الرابع الهجري‬

‫‪‬‬
‫األمم التي كتبت تاريخها الحضاري‪ S‬كثيرة قديماً‪ S‬وحديثاً‪ ،‬ووعي األمة بذاتها واعتزازها‪ S‬بتراثها يجعل من‬
‫واجبها االعتزاز بأعالمها المبرزين الذين أسهموا في عطائها الحضاري وإ نجازها‪ S‬العلمي‪ ،‬ودارسو أعالم هذا‬
‫البد لهم من أن يكونوا على وعي تام بحضارة الشعوب‪ ،‬وسير التاريخ ناظرين إلى شؤون‬ ‫التراث العربي ّ‬
‫مجتمعاتهم‪ ،‬وسير‪ S‬األحداث‪ ،‬وتناغم العقول‪ ،‬وبذا نستطيع أن نصنف حضارتهم في القرن الرابع الهجري‪ ،‬فاألمم‬
‫تتبارى حقيقة في تجاذب أطراف‪ S‬الفخار واالعتزاز‪ S‬بمقدار ما لديها من هذه القمم البشرية التي تركت بصماتها‪S‬‬
‫على الثقافة والحضارة والتاريخ‪ ،‬وكان ألعالم األمة اإلسالمية السبق في دفع عجلة الحضارة والثقافة وإ يصالها‬
‫إلى المستوى‪ S‬المطلوب الالئق بإنسانية اإلنسان ومنزلة اإلسالم التي مهدت لحضارة الغرب في القرنين التاسع‬
‫عشر والعشرين‪.‬‬
‫على الرغم من قساوة الحياة في الجزيرة العربية‪ ،‬فقد كانت زاخرة بالمعارف والدرايات‪ S‬الضرورية التي‬
‫ضمنتها ظروف البيئة‪ ،‬ولعل من أهم المعارف التي اصطنعتها‪ S‬البيئة العربية الخطابة والقصص والتنجيم‪ S‬والطب‬
‫والرواية‪ ،‬وهي وسائل تربوية بحد ذاتها جعلت من العربي أن يحفظ الشعر باعتباره سجالً للمآثر‪ ،‬والمكانة لكل‬
‫أن نجد على مر العصور‪ S‬واألزمان فيلسوفاً‪ S‬مثل‬ ‫جانب من جوانب الثقافة العربية إذ إنه من الصعوبة بمكان ّ‬
‫الفارابي وال شاعراً مثل المتنبي وال نحوياً مثل األخفش وال أديباً ابتدع المقامات مثل بديع الزمان الهمذاني‪ ،‬وال‬
‫أديباً مؤرخاً‪ S‬ناقداً مثل األصفهاني‪ ،‬وال عالماً مثل البيروني‪ S‬أو ابن الهيثم‪ ،‬أو ابن سينا الذي جمع فأوعى جميع‬
‫جوانب العلوم والثقافة بجميع مضامينها‪ S،‬فهو طبيب حاذق‪ ،‬وفيلسوف كبير‪ ،‬مؤلفاته تربو‪ S‬على المئة منها‪:‬‬
‫«اإلشارات والتنبيهات‪ »S‬في المنطق والحكمة‪( ،‬وكتاب الشفاء) في الطب والفلسفة وكتاب النجاة الذي جمع فيه‬
‫التراث العظيم لكل ما ذكر‪ ،‬ومن أعالم هذا القرن أبو حبان التوحيدي فهو دائرة معارف عصره‪ ،‬وقد نسج على‬
‫منوال الجاحظ في افتتاحيات كتبه كلّها‪.‬‬
‫إن االزدهار العلمي الثقافي في القرن الرابع الهجري يشير إلى أهمية دراسة هذا العصر وتصوير اإلنسان‬
‫فيه‪ ،‬واإلشارة إلى حركة الزمن الفاعلة في جميع جوانب الحياة اإلنسانية وما تقدمه «لخزانة البشرية التي تعرف‬
‫باسم الحضارة» (علي شلق‪ ،2003 ،‬أبو حيان التوحيدي‪ S‬والقرن الرابع الهجري)‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬معالم االزدهار الثقافي والحضاري في القرن الرابع الهجري‬


‫إن معالم االزدهار الثقافي والحضاري تبدو جلية في مجاالت االجتماع‪ ،‬األدب‪ ،‬السياسة‪ ،‬العلم‪ ،‬الدين‪،‬‬
‫االقتصاد‪ ،‬بمعنى أن أعالم التراث في هذا العصر تناولوا هذه العلوم بجميع مراحلها كل في مجال اختصاصه‪،‬‬
‫وهذا يوجب علينا تسليط الضوء على هذا العصر من عدة نواح تقوم على ركائزها الحضارة ونعني‪ S‬بهذا الواقع‬
‫االجتماعي والثقافي والعلمي‪.‬‬

‫‪-76-‬‬
‫بذا ترانا نبين واقع عصر بني العباس منذ عهد السفاح إلى المنصور رجل الدولة األول في هذا العصر‪،‬‬
‫والذي يشبه عبد الملك بن مروان بقوة اإلرادة‪ ،‬وتوطيد‪ S‬الملك الذي استقر في عهد المهدي وازدهر‪ S‬في عصري‬
‫عرف في تاريخ األمة العربية‪.‬‬
‫الرشيد والمأمون ازدهاراً لم ُي َ‬
‫وإ ذا كان عصر الرشيد والمأمون قد تم مدحه من قبل بعض الشعراء الكبار كأبي نواس والعتاهية والحسين‬
‫بن الضحاك‪ ،‬ومسلم‪ S‬بن الوليد‪ ،‬ومروان بن أبي حفصة‪ ،‬والسيد‪ S‬الحميري‪.‬‬
‫لقد امتاز ذلك العصر بنظام دقيق‪ S‬شديد يحفظ األمن والحرية لدور العلم لتنير العقول‪ ،‬وتغني الفكر في‬
‫جميع جوانبه إال أن عصر بني العباس غابت شمسه بعد مصرع المتوكل وفسد‪ S‬فيه أمر المجتمع‪ ،‬واضطرب‬
‫حبله‪ ،‬وأصبحت الجماهير تقف أمام األقدار‪ S‬حيال هذا المصير الذي آل إليه واقع هذا العصر سواء أكان في‬
‫مجال االقتصاد وهو العنصر‪ S‬األساسي في بناء الدولة‪ ،‬والعلم الذي هو صدى البحث واالستنباط‪S.‬‬
‫وفي‪ S‬مجال الفن بوصفه عامالً لتجاوز الواقع إلى ما هو أكمل وأجمل «وأنه إضافة اإلنسان إلى الطبيعة‬
‫والكون فقد شق طريقه بتمايز‪ ،‬إذ هو والعلم طائران ال يخضعان لمناخ األقاليم‪ S‬التي تجري فيها الفصول» (علي‬
‫شلق‪ ،2003 ،‬أبو حيان التوحيدي والقرن الرابع الهجري)‪.‬‬
‫فلو أننا نظرنا إلى قضايا المجتمع في القرن الرابع الهجري من نواحيه المختلفة لبان لنا من األمور‪ S‬ما‬
‫يدعو إلى االهتمام بأفراد المجتمع وبيان الفارق بين ظروف المعيشة آنذاك بين كافة طبقات الشعب‪ ،‬وهذا يؤثر‪S‬‬
‫على النهضة الحضارية في تلك الفترة‪.‬‬
‫‪ -‬الفن المعماري في القرن الرابع الهجري‪:‬‬
‫يشير «برناردلويس» إلى أن الفن المعماري في القرن الرابع الهجري ال يتناول المضارب والقرى بمقدار‬
‫ما يتناول المدن‪ ،‬هذه المدن التي تكلم عليها إنها كانت تتبع في بنائها (‪ )Urbenisme‬ثالثة مبادئ‪ :‬المساحة‪،‬‬
‫والمناخ اإلقليمي‪ ،‬والموقع الهام الذي تقتضيه ظروف‪ S‬العصر الذي بنيت فيه(‪.)1‬‬
‫أما في مجال الفن المعماري في البيت اإلسالمي يشير « ريشار‪ S‬أتينجهوزن » إلى أنه كان واحة نضرة‬
‫في بادية عطشى‪ ،‬ففيه عبر المسلمون عن ذوقهم‪ S‬الفني ونمط‪ S‬حياتهم بتزيين بيوتهم‪ S‬من الداخل‪ ،‬كنوافير‪ S‬الماء في‬
‫المداخل‪ ،‬أو النقش‪ ،‬والفسيفساء‪ ،‬أما شوارع مدنهم التي هي بمثابة جسور عبور‪ ،‬وروابط‪ S‬بيوت فقد كانت‬
‫ضيقة(‪.)2‬‬
‫لقد كان فن البناء في القرن الرابع الهجري بفضل عبقرية الذهن البناء السائدة عند بعض العباسيين الذي‬
‫ترك أثره فيمن جاء بعدهم سواء أكان بتشييد القصور وبناء المدن وتنظيم البساتين وزروعها‪ ،‬وجلب كل غريب‬
‫بعيد من شجر الفاكهة وبناء البيوت األنيقة‪ ،‬يقول ميتز « ال نعرف في القرن الرابع الهجري إال تصنيفاً واحداً‬
‫للمدن وهو يقوم على اعتبار أساس سياسي وتعرف‪ S‬بين المدن على هذا النحو»‬
‫األمصار‪ :‬وهي البالد التي يحلّها السلطان وتجتمع فيها الدواوين‪ ،‬وتقلد األعمال‪ ،‬وتضاف‪ S‬إليها‬ ‫‪-1‬‬
‫األقاليم‪.‬‬
‫القصبات‪ :‬وهي عواصم األقاليم‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫المدن أو المدائن وهي ما يلي القصبة في األقاليم‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫النواحي مثل نهاوند‪ ،‬وجزيرة ابن عمر‪.‬‬ ‫‪-4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪L'isfom. D'hierA, avjourdhui – par B. Lowis, p. 63.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Lacreation artistique F'isia MD, hier aou jourdhui – par R. E. p. 67. ARtetarchitecture.‬‬ ‫)‪(2‬‬

‫‪-77-‬‬
‫‪ -5‬القرى وهي الملحقة بالمدن(الحضارة اإلسالمية‪ ،‬الجزء الثاني)‪.‬‬
‫وفي‪ S‬القرن الرابع الهجري بنى الخلفاء مدناً خاصة بهم مثل المدن الفاطمية في مصر منها‪ :‬المهدية‪،‬‬
‫والمنصورية‪ ،‬والمحمدية‪ ،‬والقاهرة‪ .‬أما في األندلس فقد بنى عبد الرحمن الناصر غربي قرطبة مدينة الزهراء‬
‫الرائعة‪ .‬وفي مجال المساجد فقد ذكر الخطيب البغدادي أنه كان في بغداد عام ‪ 300‬للهجرة سبعة وعشرون ألف‬
‫مسجد وفي البصرة سبعة آالف ( الخطيب البغدادي‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬تاريخ بغداد)‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬محددات المجتمع البشري في القرن الرابع الهجري‪:‬‬


‫وفي‪ S‬القرن الرابع الهجري‪ ،‬حفلت بغداد عاصمة العباسيين‪ ،‬ومقر دار الخالفة بمختلف أنواع الشعوب‪،‬‬
‫وقد شبهها «كارل بروكلمان» بأنها كانت كالمعدة الجبارة تهضم كل ما يلقى إليها‪ ،‬كما وصفها بأنها كانت مدينة‬
‫العالم األولى‪ ،‬وأصبح فيها الناس خليطاً عجيباً‪ ،‬فالعربي‪ ،‬واألعرابي‪ ،‬والفارسي‪ ،‬والرومي‪ ،‬والهندي‪ ،‬والصيني‪،‬‬
‫والتركي والديلمي‪ ،‬والنبطي‪ S،‬واألرمني‪ ،‬والجركسي‪ ،‬والكردي‪ ،‬والبربري إلى جانب العلماء‪ ،‬والمؤرخين‬
‫والشعراء‪ ،‬والمتكلمين والمحدثين‪ ،‬والفقهاء» (علي شلق‪ ،2003 ،‬أبو حيان التوحيدي والقرن الرابع الهجري)‪.‬‬
‫يعد امتداداً لعهود‪ :‬المعتصم‪ ،‬والمتوكل‪،‬‬
‫وهذا ما شكل المجتمع البشري‪ S‬في بغداد حيث كان عهد الرشيد والذي ّ‬
‫والواثق‪ ،‬والمقتدر‪ ،‬والقاهر‪ ....‬ومن األدباء المرموقين في ذلك العصر‪:‬‬
‫‪ -‬الصاحب بن عباد الذي امتدت حياته على معظم القرن الرابع الهجري فقد ولد سنة ‪ 326‬وتوفي سنة‬
‫‪ 385‬عمل في بداية عمله معلماً في إحدى القرى ثم ترقى إلى أن أصبح وزيراً لمعالجة األزمات‪ ،‬ثم أوكل‬
‫مفوضاً بأعمال الدولة البويهيه‪ ،‬ويعتبر الصاحب بن عباد من األدباء المرموقين‪ ،‬ومن القائلين باالعتزال‪،‬‬
‫المتعصبين للشيعة‪ ،‬وكان مجلسه ندوة أدب وفكر‪ ،‬ومعرفة لصلته المشهورة بأدباء عصره‪ ،‬إذ كانت له مراسالت‬
‫مع رجال األدب والفكر في الشام وبغداد مثل‪ :‬الرضي‪ ،‬والصابي‪ ،‬وابن الحجاج‪ ،‬وابن سكرة وابن نباته (ابن‬
‫نيازة‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬يتيمة العصر للثعالبي)‪.‬‬
‫ويشير‪ S‬المؤرخون إلى أن فهرس كتب الصاحب بن عباد كان عشرة مجلدات‪ ،‬وأنه كان يحمل كتبه على‬
‫أربعمائة جمل‪ ،‬وكان ملماً بعلم الطب وغيره من العلوم األخرى‪.‬‬
‫‪ -‬ابن العميد الذي قيل فيه‪ ،‬وفي‪ S‬عبد الحميد الكاتب‪« :‬بدئت الكتابة بعبد الحميد‪ ،‬وانتهت بابن العميد»‬
‫وابن العميد هو أبو الفضل‪ ،‬صاحب المتنبي الذي قصده ومدحه في ّأرجان‪ ،‬وقرنه بكسرى‪ ،‬وأرسطاطاليس‪ ،‬وقد‪S‬‬
‫كان ابن مسكويه صاحب أبي حيان التوحيدي وأستاذه في الهوامل والشوامل‪ ،‬قد خدم ابن العميد‪ ،‬خازناً لكتبه‪،‬‬
‫مشرفاً عليها‪ ،‬وبقي وفياً‪ S‬له معجباً به‪ ،‬لثقافته‪ ،‬وأدبه‪ ،‬وجالل فكره‪ ،‬وذلك مما حمل أبا حيان على السخرية من‬
‫ابن مسكويه تحدياً‪ ،‬وإ معاناً‪ S‬في كره ابن العميد وصاحبه ابن عباد(علي شلق‪ ،2003 ،‬أبو حيان التوحيدي والقرن‬
‫الرابع الهجري)‪..‬‬
‫لقد كان ابن العميد شجاعاً‪ ،‬وقائداً‪ S‬بارعاً‪ ،‬وذا خالئق عطرة‪ ،‬وقد‪ S‬مني بابن له لم يكن ذا طواعية لتوجيهاته‬
‫وإ شاراته كما أشار ابن مسكويه لذلك وربما كان لذلك األثر الكبير على نهايته‪.‬‬

‫‪-78-‬‬
‫‪ -‬وإ ذا كان القرن الرابع الهجري يظهر لنا في صورة تكاد يرثي لها من الناحية السياسية فسوف نجد له شأنًا‬
‫يعد من أزهى العصور اإلسالمية وأكثرها إنتاجًا وأغزرها ثقافة وفكرًا‪ ،‬ولن‬
‫آخر من الناحية العلمية والثقافية‪ ،‬بل ّ‬
‫نجد فنًا من فنون العلم التي عرفها األقدمون وال ضربًا من ضروب الهزل والجد التي اشترك فيها الناس إال وقد أخذ‬
‫المسلمون منه بحظ غير قليل‪ ،‬بهدف دمج اإلنسان في المجتمع الذي يعيش فيه‪ ،‬وعملية الدمج هذه عبارة عن‬
‫محاوالت تنمية لبعض جوانب شخصيته‪ ،‬وتشذيب لجوانب أخرى‪ ،‬هناك جوانب عديدة في شخصية اإلنسان ال‬
‫ينضجها إال الزمن‪ ،‬ويجب أن نعطيه الفرصة الكافية والمستوى العالي من النضج الفكري قد ال يتم قبل أن يسلخ‬
‫المرء من عمره عقودًا من الزمن حيث أن البشرية كائن يتعلم على نحو مستمر‪.‬‬
‫وليس بنا حاجة إلى أن نذكر تاريخ الترجمة عند المسلمين وما اختلف عليها من أطوار وما تناولته من فنون‬
‫وعلوم (دي السن أولبري‪ :‬علوم اليونان وسبل انتقالها إلى العرب)‪ ،‬وهذا يشير إلى أن ما جاء في فهرست ابن النديم‬
‫وتاريخ الحكماء للقفطي‪ ،‬واألطباء البن أصيبعة يعد إثباتًا لهؤالء األعالم من الفالسفة والمترجمين وما نقلوا ولخصوا‬
‫من كتب األمم األخرى‪ ،‬وحسبنا أن نشير إلى أنه لم يظل األمة اإلسالمية عصر ابن سينا حتى كان قد تم نقل ما‬
‫أورث اليونان من فلسفة وحكمة وعلوم‪ ،‬إذ ترجمت كتب أرسطوطاليس وأفالطون وإ قليدس وبطليموس وجالينوس‬
‫وكثيرًا مما أنتجه قرائح السريان والفرس والهنود وصبت كل تلك الروافد في الفكر اإلسالمي وأصبحت متداولة بين‬
‫أيدي الناس يدرسونها ويتفهمونها في المنازل وفي األندية وفي قصور الخلفاء واألمراء‪ .‬ونشير إلى أن لكل مجتمع‬
‫مبادئه ومثله العليا‪ ،‬كما أن له أيضًا مصالحه وطموحاته وتقاليده ومشكالته‪ ،‬وبين هذه وتلك نوع من التشابك‬
‫والتضاغط المستمر؛ المثل والمبادئ تضغط على المصالح؛ حتى تظل في إطارها‪ ،‬والمصالح تضغط على المبادئ‬
‫كي تتسع لها من خالل توسيع مدلوالتها‪ ،‬والتخفيف من صرامة أحكامها‪ ،‬ومن المبادئ والمصالح تتكون البيئة القيمية‬
‫واألخالقية وحين يكون صوت المبادئ هو األعلى‪ ،‬فإن نسق الحياة كلها يتحسن في السياسة واألخالق والتربية‬
‫واالجتماع (جرجي زيدان‪1325 ،‬هـ‪ ،‬تاريخ آداب اللغة العربية)‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬المزايا العلمية والثقافية في القرن الرابع الهجري‬
‫‪ -1‬نضج العلوم وكثرة المكتبات‪:‬‬
‫ففي هذا العصر نضجت العلوم على اإلجمال وتكونت المعاجم اللغوية واستقر اإلنشاء على أسلوب أصبح‬
‫يقلده أهل العصور التالية‪ ،‬ونضجت الفلسفة وتألفت جمعية إخوان الصفا‪ ،‬واستقرت قواعد الطبيعيات والطب كما‬
‫والتفكيرعند ابن سينا – م‪9‬‬ ‫ظهرت في رسائل إخوان الصفا‪ ،‬واتسع خيال الشعراء وظهر الشعر الفلسفي المبنى على النظر واالختبار‬
‫الفكر الرتبوي‬
‫في الحكمة من الوجود‪ ،‬ثم تكون االنتقاد الشعري أو األدبي واستقرت أبواب الشعر وظهرت الروايات والقصص‬
‫الحماسية الخيالية‪ ،‬ونما فن التاريخ وتفرع عنهما علم معرفة األوائل‪ ،‬وظهر كتاب الفهرست البن النديم وهو أهم‬
‫مصادر تاريخ آداب اللغة العربية إلى ذلك العهد‪.‬‬

‫‪-79-‬‬
‫وقد‪ S‬امتاز هذا العصر بكثرة المكتبات الكبرى في مصر والعراق‪ S‬واألندلس وبالد ما وراء النهر‪ ،‬وتشتمل‪S‬‬
‫المكتبة منها على مئات األلوف من المجلدات‪ ،‬وفتحت أبوابها لطالب العلم والمطالعين كمكتبة العزيز الفاطمي‬
‫التي كانت تحتوي على نحو مليون من كتب الفقه والنحو واللغة والحديث والتاريخ والنجامة والروحانيات وسائر‬
‫العلوم القديمة‪ .‬ودار الحكمة أو دار العلم للحاكم بأمر اهلل‪ ،‬وكانت أبوابها مفتوحة للطالب كالمدرسة الكبرى‬
‫للمطالعة والنسخ‪ .‬ومكتبة الصاحب بن عباد الذي ملك من الكتب ما يقدر حينئذ بما كان في مكتبات أوربا‪ S‬مجتمعة‬
‫(ويل ديورانت‪ ،1960 ،‬مآثر العرب على الحضارة األوربية)‪ .‬ومكتبة نوح بن منصور‪ S‬الساماني ببخارى‪ S‬التي‬
‫يقول عنها ابن سينا‪« :‬فدخلت داراً ذات بيوت كثيرة في كل بيت صناديق كتب منضدة بعضها على بعض‪ ،‬وفي‬
‫كل بيت منها كتب العربية والشعر وفي‪ S‬آخر الفقه‪ ،‬وكذلك في كل بيت علم مفرد فطالعت فهرست‪ S‬كتب األوائل‬
‫وطلبت ما احتجت إليه منها ورأيت من الكتب ما لم يقع اسمه إلى كثير من الناس قط وما كنت رأيته من قبل وال‬
‫رأيته أيضاً من بعـد (ابن أبي أصيبعة‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬عيون األنباء )‪ ،‬وقس على ذلك سائر المكتبات اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -2‬ظهور الموسوعات العلمية واألدبية‪:‬‬

‫ففي هذا العصر أخذت الموسوعات (دوائر المعارف) في الظهور‪ S‬بعد أن وضع أساسها الفارابي بكتابه‬
‫«إحصاء العلوم» الذي قسمه إلى خمسة فصول تحتوي‪ S‬على ثمانية علوم هي‪ :‬اللسان‪ ،‬وعلم المنطق‪ ،‬وعلم‬
‫التعاليم (الرياضة)‪ ،‬والعلم الطبيعي‪ ،‬والعلم المدني‪ ،‬وعلم الفقه‪ ،‬وعلم الكالم (عثمان أمين‪ ،1948،‬مقدمة إحصاء‬
‫للفارابي)‪ ،‬ثم وضع أبو عبد اهلل محمد بن أحمد بن يوسف الخوارزمي المتوفى‪ S‬سنة ‪387‬هـ كتاب «مفاتيح‬
‫العلوم» ألبي الحسن عبيد اهلل بن أحمد العقبي وقسمه إلى مقالتين‪ :‬األولى ‪ -‬وتشتمل على اثنين وخمسين فصالً‬
‫تجتمع في ستة أبواب وهي‪ :‬الفقه‪ ،‬والكالم‪ ،‬والنحو‪ ،‬والكتابة‪ ،‬والشعر‪ ،‬والعروض‪ ،‬واألخبار‪ ،‬والثانية‪ :‬وتشتمل‬
‫على واحد وأربعين فصالً في تسعة أبواب‪ :‬الفلسفة‪ ،‬والمنطق‪ S،‬والطب وعلم العدد‪ ،‬والهندسة‪ ،‬والنجوم‪S،‬‬
‫والموسيقى‪ ،‬والخيال‪ ،‬والكيمياء‪.‬‬
‫وكذلك ظهرت رسائل إخوان الصفا في القرن الرابع الهجري‪ ،‬وهي أشبه بموسوعة في الفلسفة والعلوم‪،‬‬
‫وتحتوي على اثنتين وخمسين رسالة‪ ،‬قسمها مؤلفوها إلى أربعة أقسام كبرى‪ :‬رياضية وتعليمية‪ ،‬وطبيعية جسمانية‬
‫ونفسانية عقلية‪ ،‬وإ لهية ناموسية‪ ،‬ويقول إخوان الصفا في الرسالة األولى من هذه الرسائل‪« :‬فالفلسفة أولها محبة‬
‫العلوم وأوسطها معرفة حقائق الموجودات بحسب الطاقة اإلنسانية وآخرها القول والعمل بما يوافق العلم‪ .‬والعلوم‬
‫الفلسفية أربعة أنواع‪ :‬أولها الرياضيات‪ ،‬والثاني المنطقيات‪ ،‬والثالث العلوم الطبيعيات‪ ،‬والرابع العلوم اإللهيات»‬
‫(رسائل إخوان الصفا‪1306 ،‬هـ‪ ،‬الجزء األول)‪.‬‬
‫وقد‪ S‬الحظ فان فلوتن (فان فلوتن‪ ،1895 ،‬مقدمة إحصاء العلوم للفارابي) مدى تأثير «إحصاء العلوم»‬
‫للفارابي على تلك الموسوعات ومقدار ما كتب لهذا الكتاب من ذيوع وانتشار‪ S‬لدى العلماء والمؤلفين في العالم‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وبجوار‪ S‬هذا فإن من كتب األدب ما يعد من قبيل الموسوعات لتعدد موضوعاته ككتاب العقد الفريد‬
‫البن عبد ربه وغيره من الكتب‪.‬‬
‫‪ -3‬تعدد العلوم‪:‬‬

‫‪-80-‬‬
‫فقد تعددت فروع‪ S‬العلم اإلسالمي تعدداً يدل على الثراء والخصب (ابن صاعد األندلسي‪ ،1917،‬العلوم‬
‫عند العرب ) حتى وصلت إلى ثالثمائة علم قسمها صاحب «مفتاح السعادة» فيما بعد إلى ستة أبواب (طاش‬
‫كبرى زادة‪1328 ،‬هـ‪ ،‬مفتاح السعادة ومصباح‪ S‬السيادة ) العلوم الخطية وهي تنقسم إلى تسعة علوم‪ ،‬والعلوم‪S‬‬
‫المتعلقة باأللفاظ أو العلوم اللسانية وهي أربعة وأربعون علماً‪ ،‬والعلوم‪ S‬الباحثة عما في األذهان من المقوالت‬
‫وهي خمسة علوم‪ .‬والعلوم‪ S‬المتعلقة باألعيان وهي مائة واثنان وعشرون علماً يدخل فيها الطبيعيات والرياضيات‬
‫والطب والتاريخ الطبيعي والفراسة‪ ،‬والعلوم‪ S‬الحكمية العملية وهي ثمانية علوم يدخل فيها االقتصاد والتدبير‪S‬‬
‫المنزلي والتربية واألخالق والسياسة‪ ،‬والعلوم الشرعية ويزيد‪ S‬عددها عن نيف ومائة علم كعلوم القراءة‬
‫والتفسير والحديث وأصول‪ S‬الدين‪.‬‬
‫وغير هذا البحث كفيل بالحديث عن تلك العلوم وأسماء المؤلفين‪ ،‬والمؤلفات التي وضعوها في كل علم‬
‫(محمد كرد علي‪ ،1934،‬اإلسالم والحضارة العربية) والذي يهمنا هنا أن التاكيد أن هذه المزايا الثقافية للعصر‬
‫كانت أمراً مشاعاً تتداوله جميع اإلمارات والدول اإلسالمية‪ ،‬وأن الطالب المسلم في هذا العصر وجد مناهل عذبة‬
‫ومتعددة‪ ،‬وآفاقاً‪ S‬رحبة واسعة من العلم والمعرفة‪ ،‬ولقد نهل ابن سينا من هذا المورد الثقافي الهائل‪ ،‬واختار‪ S‬لنفسه‬
‫«العلوم الفلسفية» يتخصص فيها طالباً وعالماً ومؤلفاً‪ ،‬وفيلسوفاً تربوياً‪ S‬يدعم هذا االتجاه الفلسفي في التربية‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫إن إحياء التراث وتحويله إلى مؤثرات فاعلة في حياتنا المعاصرة وفي‪ S‬بناء المستقبل يعني كما يرى محمد‬
‫عمارة «أن نبصر جذور‪ S‬غدنا الذي نريده مشرقاً في الصفحات المشرقة من التراث‪ :‬وأن نجعل العدل‬
‫االجتماعي الذي نكافح من أجله االمتداد المتطور‪ S‬لحلم أسالفنا‪ S‬بسيادة العدل في حياة اإلنسان وأن نجعل قسمات‬
‫العقالنية والقومية في تراثنا زاداً طيباً وروحاً ثورياً تفعل فعلها في يومنا وغدنا‪ ،‬فبذلك يصبح تراثنا روحاً سارية‬
‫في ضمير األمة وعقلها‪ ،‬تصل مراحل تاريخها‪ ،‬وتدفع‪ S‬مسيرة تطورها‪ S‬خطوات وخطوات إلى األمام‪ ،‬وبذلك‬
‫وحده يصبح التراث طاقة فاعلة وفعالة»‪.‬‬
‫ويقول محمود أحمد السيد‪« :‬نأخذ من تراث األقدمين ما نستطيع تطبيقه اليوم تطبيقًا عمليًا‪ ،‬فيضاف إلى‬
‫الطرائق الجديدة المستحدثة‪ ،‬فكل طريقة للعمل اصطنعها األقدمون وجاءت طريقة أنجح منها كان البد من إطراح‬
‫الطريقة القديمة ووضعها على رف الماضي‪ ،‬بعبارة أخرى‪ ،‬إن الثقافة ثقافة األقدمين أو المعاصرين هي طرائق‬
‫عيش‪ ،‬فإذا كان عند أسالفنا طريقة تفيدنا في حياتنا الراهنة أخذناها‪ ،‬وكان ذلك هو الجانب الذي نحييه من التراث‪،‬‬
‫وأما ما ال ينفع نفعًا عمليًا تطبيقيًا فهو الذي نتركه‪ ،‬وكذلك نقف الوقفة نفسها بالنسبة إلى ثقافة معاصرينا من أبناء‬
‫أوروبا وأمريكا‪ ،‬المدار هو العمل والتطبيق‪ ،‬وما نحياه»‪.‬‬
‫ويتابع محمود‪ S‬أحمد السيد قائالً‪« :‬لنأخذ من الموروث جزءه العاقل المبدع الخالق‪ ،‬وننبذ جزءه اآلخر‬
‫الخامل البليد‪ ،‬نأخذ جزءه العاقل المبدع ال لنقف عند مضمونه وفحواه نبدي ونعيد‪ ،‬بل لتستخلص منه الشكل كي‬
‫نمأل مضمون هذا الشكل من عصرنا ومن حياتنا ومن خبراتنا‪.»S‬‬

‫رابعاً‪ :‬ابن سينا وأعالم التراث في القرن الرابع الهجري‬

‫‪-81-‬‬
‫تجدر اإلشارة إلى أنه البد من النظر إلى االرتقاء العلمي في القرن الرابع الهجري‪ ،‬وإ لى التراث على أنه‬
‫حياة الموت وحركة الجمود عند العرب في مجال العلوم النظرية والتطبيقية من رياضيات‪ ،‬وهندسيات‪ ،‬وفلك‪،‬‬
‫وجغرافيا‪ ،‬وطبيعيات أو بيولوجيا وطب‪ ،‬وصيدلة‪ ،‬حيث تفوقوا على الهنود واليونان والمصريين القدماء والبابليين‬
‫إال أنهم كانوا مولعين بشكل خاص بالفيثاغورية‪ ،‬وفك رموز العدد‪ ،‬والعناية بأمر الطالسم‪ ،‬والسحوبات عناية‬
‫واضحة‪.‬‬
‫وإلظها‪S‬ر‪ S‬التقدم‪ S‬العلمي والحضا‪S‬ري‪ S‬في‪ S‬هذا‪ S‬العصر‪ S‬نشير‪ S‬إلى مكانة كل من علمائه وآثارهم‪ S‬ومقدار‪ S‬كل‬
‫واحد‪ S‬منهم‪ S‬في‪ S‬عصره لنبدأ بعلم‪ S‬الفلك وفيه تقدم‪ S‬العرب على العلماء‪ S‬الذين سبقوهم‪ S‬من البابليين واليونان‪ S‬وقد‪ S‬بدأ‬
‫هذا العلم‪ S‬عند العرب في‪ S‬مدينة‪ S‬بغداد‪ ،‬خاصة‪ S‬في‪ S‬عهدي الرشيد‪ S‬وابنه‪ S‬المأمون اللذين أكدا‪ S‬على‪ S‬ضرورة‪S‬‬
‫االهتمام‪ S‬بترجمة كتب الفلك حيث كانت‪ S‬عناية «المترجمين‪ S‬في‪ S‬هذا الموضو‪S‬ع‪ S‬منصبة‪ S‬على‪ S‬ترجمة ما‪ S‬ألفه‬
‫إقليدس‪ S‬وأرخميدس‪ S،‬وبطليم‪S‬وس‪.»S‬‬
‫بيد أن معرفة العرب قبل القرن الرابع الهجري تتمحور حول‪( :‬علي شلق‪ ،2003،‬أبو حبان التوحيدي)‪:‬‬
‫‪ -1‬تجربة الجاهلين بتأمل الفلك لالهتداء ليالً من واقع النجوم‪.‬‬
‫‪ -2‬االستفادة من تقدم علم الفلك عند البابليين قديماً‪.‬‬
‫‪ -3‬تحدثوا عن اإلشارات الفلكية التي جاء بها القرآن الكريم‪.‬‬
‫والحق إن «جوستاف لوبون» أكد أن العرب قد عرفوا بالدقة العظيمة‪ ،‬وعينوا انحراف سمة الشمس كما‬
‫هو الحال في الوقت الحاضر(جوستاف‪ S‬لوبون‪ ،‬بدون تاريخ حضارة العرب)‪.‬‬
‫ويعد البتاني من أشهر علماء الفلك في العصر العباسي ‪ -‬القرن الرابع الهجري منه (التاسع الميالدي) وهو‬
‫صاحب كتاب «زيج الصافي» وكذلك لوبوف ببطليموس اليوناني‪ ،‬والبتاني هو أبو عبد اهلل محمد بن جابر بن سفيان‬
‫الحراني‪ ،‬الصابئ‪ ،‬المعروف عند الغربيين في القرون الوسطى باسم‪ Albatevesset Albategni :‬وهو من‬ ‫البتّاني‪ّ ،‬‬
‫أكبر علماء الفلك عند العرب‪ ،‬وهو الذي قال عنه جوستاف لوبوف في كتابه‪ :‬حضارة العرب «وضع الالند صاحب‬
‫المعجم الفلسفي البتّاني في سن الفلكيين العشرين الذين عدوا أشهر فلكيي العالم»‪.‬‬
‫ولد البتّاني عام ‪244‬هـ‪858 -‬م توفي سنة ‪317‬م ‪929‬م ومن آثار العالم الفلكي البتاني‪:‬‬
‫‪ -‬كتاب معرفة مطالع البروج فيما بين أرباع الفلك‪.‬‬
‫‪ -‬رسالة في تحقيق أقدار االتصاالت‪.‬‬
‫‪ -‬شرح المقاالت األربع لبطليموس‪.‬‬
‫‪ -‬الزيج وهو أهم تصانيفه وقد‪ S‬كان لهذا الكتاب أثر كبير في أوروبة‪ ،‬إذ ترجمه إلى الالتينية «روبرتوس‬
‫رتنسيس» ‪ Robertus Retinesis‬كذلك نقله إلى الالتينية «أفالطون تيباستيفوس» ‪ Platon Tibastinas‬في‬
‫منتصف القرن الثاني عشر‪.‬‬
‫كان البتّاني عالماً حاذقاً‪ S‬في بيان أحوال القمر عند والدته‪ ،‬وله رصود جليلة للكسوف‪ S‬والخسوف‪ S‬اعتمد‬
‫عليها «دنثورن» «‪ »Dunthorne‬سنة ‪ 1749‬في تحديد تسارع‪ S‬القمر في حركته خالل قرن من الزمان‪.‬‬

‫‪-82-‬‬
‫ومن أشهر فلكيي هذا العصر أبناء موسى بن شاكر الثالثة‪ ،‬إذ وضعوا‪ S‬تقاويم ألمكنة النجوم السيارة ومن‬
‫بعدهم أبو الوفاء المتوفى‪ S‬سنة ‪( 998‬البوزجاني) الذي صحح آراء بطليموس‪ ،‬وكل ذلك كان يجريه هؤالء‬
‫العلماء من وسائل كالمنظار‪ S‬والمرقب (جوستاف‪ S‬لوبون‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬حضارة العرب) وأكد المؤرخون أن‬
‫الفلكيين العرب سبقوا كيبلر‪ ،‬وكوبرنيك في اكتشاف‪ S‬حركات الكواكب السيارة على شكل بيضي‪ ،‬وفي‪ S‬نظرية‬
‫دوران األرض‪ ،‬كما أن األزياج المعروفة «باألزياج األذفوفشية» مأخوذة عن العرب (جوستاف لوبون‪ ،‬بدون‬
‫تاريخ‪ ،‬حضارة العرب)‪ .‬وكلمة الزيج تعني الجدول الذي يستدل به على حركات الكواكب السيارة وهي كلمة‬
‫فارسية‪.‬‬
‫‪ -‬من أعالم القرن الرابع الهجري «البوزجاني» (الزركلي‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬كتاب األعالم)‪.‬‬
‫ا‪S‬ل‪S‬ب‪S‬و‪S‬ز‪S‬ج‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ي‪ S:S‬ه‪S‬و‪ S‬م‪S‬ح‪S‬م‪S‬د‪ S‬ب‪S‬ن‪ S‬ي‪S‬ح‪S‬ي‪S‬ى‪ S‬ب‪S‬ن‪ S‬إ‪S‬س‪S‬م‪S‬ا‪S‬ع‪S‬ي‪S‬ل‪ S‬ب‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ب‪S‬ا‪S‬س‪ S‬أ‪S‬ب‪S‬و‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬و‪S‬ف‪S‬ا‪S‬ء‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ب‪S‬و‪S‬ز‪S‬ج‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ي‪ S،S‬م‪S‬ه‪S‬ن‪S‬د‪S‬س‪ S،S‬ف‪S‬ل‪S‬ك‪S‬ي‪ S،S‬ر‪S‬ي‪S‬ا‪S‬ض‪S‬ي‪S‬‬
‫و‪S‬ل‪S‬د‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ب‪S‬و‪S‬ز‪S‬ج‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ب‪S‬ي‪S‬ن‪ S‬ه‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ة‪ S‬و‪S‬ن‪S‬ي‪S‬س‪S‬ا‪S‬ب‪S‬و‪S‬ر‪ S‬س‪S‬ن‪S‬ة‪ 940 - 328 S‬و‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ت‪S‬ق‪S‬ل‪ S‬إ‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ق‪ S‬س‪S‬ن‪S‬ة‪ 348 S‬و‪S‬ت‪S‬و‪S‬ف‪S‬ي‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ب‪S‬غ‪S‬د‪S‬ا‪S‬د‪ S‬س‪S‬ن‪S‬ة‪S‬‬
‫‪388‬ه‪S‬ـ ‪998 -‬م‪S.S‬‬
‫ومن آثار البوزجاني الكامل في حركات الكواكب‪ ،‬وكتاب الهندسة‪ ،‬وتفسير‪ S‬كتاب الخوارزمي في الجبر‬
‫والمقابلة‪ ،‬وتفسير كتاب ديوفنطس‪ S‬في الجبر والمقابلة‪ ،‬ويعد البوزجاني‪ S‬من أعظم رياضيي العرب‪ ،‬وله الفضل‬
‫الكبير على تقدم هذا العلم في الغرب‪ ،‬والقرون الوسطى‪ S،‬لقد بلغ البوزجاني‪ S‬قمة الدقة في علم الرياضيات‪ S‬مما‬
‫جعل ابن خلكان يبدي إعجابه ببحوثه الهندسية‪ ،‬وزيادته على أبحاث الخوارزمي زيادة تعد أساساً لعالقة الهندسة‬
‫بالجبر (علي شلق‪ ،2003،‬أبو حبان التوحيدي)‪.S‬‬
‫ومن أهم كتب البوزجاني التي دهش لها الغربيون «كتاب في عمل المسطرة‪ ،‬والبركار‪ ،‬والكدنيا‪ ،‬ترجمها‬
‫الغربيون‪)GeoMetrical Covstruction :‬‬
‫وقد اطلع المستشرق الفرنسي كاراده فو ‪ Carradeveax‬على بحوث البوزجاني في المثلثات فأعجب به ومثله‬
‫سميث ‪ Smith‬وسارطون ‪ ،Sarton‬وأجمع هؤالء على أنه أول من وضع النسبة المثلثية (ظل) وأنه أول من‬
‫استعملها في حلول المسائل الرياضية (علي شلق‪ ،2003 ،‬أبو حبان التوحيدي)‪.‬‬
‫والحق أن علماء القرن الرابع الهجري امتازوا بالمهارة والحذاقة في كافة المجاالت الحضارية والعلمية‬
‫مستخدمين التربية العقلية لخدمة اإلنسان والبشرية ألن العقل هو الذي يمكن المرء من معرفة بناء العالم الذي‬
‫يحيط به‪ ،‬وبذلك تتضح أهمية العلماء الذين تناولوا‪ S‬العلوم الرياضية والفلكية والفلسفية والتربوية في هذا القرن‪.‬‬
‫فمن المرموقين في علم الرياضيات في هذا العصر أبو بكر محمد بن الحسن الكرخي‪ ،‬الذي اهتم بالحساب‬
‫والجبر‪ ،‬وهو الذي اعتمد على طريقة اليونان‪ :‬الحسبان باألحرف في ح ّل المسائل ال على الطريقة الهندية‪:‬‬
‫الحسبان باألرقام‪.‬‬
‫ومن المشهورين في العلوم الفلكية والرياضية أبو يونس الصفدي المصري المتوفى‪ S‬سنة ‪397‬هـ ‪-‬‬
‫كرمه الفاطميون‪ ،‬ووثقوا‪ S‬بوفائه وجهوده العلمية‪ ،‬وأكد مؤرخو‬
‫‪1007‬م وهو من بيت عرف بالعلم والفضل‪ ،‬فقد ّ‬
‫تطور علم الفلك أن حساب ابن يونس الصفدي ال يختلف في وقته عن حساب الفلكيين المعاصرين وقد‪ S‬برع في‬
‫مجال العلوم الطبيعية في مجاالت الفيزياء والكيمياء والحيل (الميكانيك) ومعرفة العناصر والتحوالت‪ S‬بكافة‬
‫أنواعها‪ ،‬كالثقل والخفة في األجسام‪ ،‬واألصوات‪ S‬والحرارة‪ ،‬والمغناطيس‪.‬‬

‫‪-83-‬‬
‫وقد‪ S‬تناولها إخوان الصفاء في رسائلهم العناصر‪ S‬األربعة الماء والهواء والتراب والنار‪ S‬ورفضوا المذهب‬
‫الذري الذي قال به علماء الكالم كاألشعري والقاضي‪ S‬عبد الجبار بن أحمد به ومن علماء هذا القرن إبراهيم بن‬
‫سنان‪ ،‬بن ثابت بن قرة المتوفى سنة ‪335‬هـ ‪946‬هـ‪.‬‬
‫وله عدة رسائل في الهندسة والفلك‪ ،‬واالضطراب ورسم‪ S‬القطوع الثالثة وحركة الشمس والهندسة‬
‫حيان والذي أصبح بفضل أبحاثه علماً مختبرياً تطبيقياً‪،‬‬
‫والنجوم‪ ،‬أما في علم الكيمياء فقد اشتهر به جابر بن ّ‬
‫والذي مهد السبيل لمن عنوا بالكيمياء بعده‪.‬‬
‫‪ -‬وقد‪ S‬أورد إخوان الصفاء آراء عن الكيمياء في الرسالة الجامعة فقالوا‪ :‬اإلكسير‪ S‬هو الكيمياء والكيمياء‬
‫هو الفن‪ ،‬والفن هو السعادة‪ ،‬والسعادة هي البقاء على أفضل األحوال‪ ،‬والتشبه باآللة» (رسائل إخوان‬
‫الصفا‪،‬بدون تاريخ‪ ،‬الرسالة الجامعة)‪.‬‬
‫والحق أن المؤرخين أكدوا أن علماء الصفاء لم يعتمدوا‪ S‬في تقريرهم بصدد الكيمياء على التجربة ألنهم في‬
‫الحقيقة حكماء نظريون ال علماء تطبيقيون‪ ،‬غير أن ابن سينا الذي قضى‪ S‬ج ّل عمره في القرن الرابع الهجري‬
‫ويرد على المشتغلين بها‪.‬‬
‫(المتوفى سنة ‪428‬هـ ‪1037 -‬م) ألف كتاباً فيه بطالن الكيمياء ّ‪S‬‬
‫‪ -‬وابن سينا‪ ،‬الشيخ الرئيس إن أصاب في قوله‪« :‬لكل معدن طبائع خاصة به‪ ،‬وقائم بنفسه فال يجوز أن‬
‫ينقلب إلى غيره‪ .‬وأشار‪ S‬علي شلق في كتابه (أبو حيان التوحيدي)‪ S‬فقد أخطأ في حصر الكيمياء في هذه الزاوية‬
‫من تحويل المعادن حسب الخط الذي رسمه جابر بن حيان تلميذ خالد بن يزيد‪ ،‬واإلمام‪ S‬جعفر‪ ،‬وفاته كما فات‬
‫عصره آنذاك إن الكيمياء علم مختبري‪ ،‬من أدق العلوم وأخطرها‪.‬‬
‫كما أن أبا بكر بن وحشية‪ ،‬العشاب المتوفى سنة ‪960 -350‬م يعتبر من كبار علماء القرن الرابع الهجري‪،‬‬
‫فهو أبو بكر‪ ،‬أحمد بن علي بن عبد الكريم‪ ،‬بن جرثبا بن بدنيا‪ ،‬بن برطانيا‪ ،‬بن عاالطيا‪ ،‬الكسداني صاحب كتاب‬
‫«طرد الشياطين» ويعرف باألسرار‪ ،‬وكتاب الطبيعة‪ ،‬وكتاب الحياة والموت في عالج األمراض والذي يهمنا من‬
‫المدرجة‪ ،‬وكتاب‬
‫مؤلفاته هنا هو كتابه في الكيمياء‪ :‬كتاب األصول الكبير‪ ،‬وكتاب األصول الصغير‪ ،‬وكتاب ِّ‬
‫المذاكرات‪ ،‬ثم كتاب الفالحة النبطية (بطرس البستاني‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬دائرة المعارف الجزء الرابع)‪.‬‬
‫وهناك أسماء أخرى كان لها فضل كبير في الترجمة والتأليف العلمي في القرن الرابع الهجري وهم أبناء‬
‫موسى بن شاكر‪ ،‬محمد‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وحسن الذين ألفوا كتاب الحيل (الميكانيك) (علي شلق‪ ،2003،‬أبو حبان‬
‫التوحيدي)‪.‬‬
‫محمد‪ :‬كان ماهراً في الهندسة والنجوم‪S.‬‬
‫أحمد‪ :‬الذي برع في الميكانيك‪.‬‬
‫حسن‪ :‬وهو الذي تفوق في الهندسة النظرية‪.‬‬
‫وبرز‪ S‬في القرن الرابع الهجري في علم البصريات‪ S‬والهندسة أبو علي الحسن بن الحسن‪ ،‬بن الهيثم المولود‪S‬‬
‫في البصرة سنة ‪354‬هـ ‪965‬م وتوفي‪ S‬سنة ‪340‬هـ ‪1308 -‬م في دمشق‪ ،‬وقيل مات في القاهرة‪.‬‬
‫وهذا االختالف راجع إلى خوفه من الحاكم بأمر اهلل وهروبه إلى بالد الشام‪ ،‬ويعد ابن الهيثم من األوائل‬
‫الذين أحاطوا بضروب‪ S‬العلم في عصره‪ ،‬فقد تعمق في الفلسفة‪ ،‬وبرع‪ S‬في الهندسة‪ ،‬وقد تجاوزت‪ S‬مصنفاته سبعين‬
‫مصنفاً بين كتاب ورسالة‪ ،‬ويقول األستاذ قدري‪ S‬حافظ طرقان‪:‬‬

‫‪-84-‬‬
‫«لقد أحدث ابن الهيثم انقالباً في علم البصريات‪ S‬في القرون الوسطى‪ S،‬وجعل منه علماً مستقالً بذاته‪ ،‬وذلك‬
‫بعد أن ظهرت ترجمته الالتينية سنة ‪1572‬م ويعتقد أن كبلر‪ ،‬روجر باكرن قد استفاد منه كل اإلفادة (بطرس‬
‫البستاني‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬دائرة المعارف الجزء الرابع)‪.‬‬
‫ابن الهيثم هو عالم يمتلك أصول المنهج المبني على التتبع‪ ،‬واالستقراء‪ ،‬واالستيفاء وهو المسمى بالمذهب‬
‫التجريبي التطبيقي ليصير‪ S‬بعد ذلك له الحكم العلمي الكلي‪ ،‬اتبع طريق المقارنة والمقابلة وهو يعيد البحث‬
‫والتجربة ليستوفي‪ S‬قناعاته العلمية‪ ،‬وهذا ما تأثر به العالم والفيلسوف‪ S‬اإلنكليزي (روجر بايكون) ‪ReGorbecon‬‬
‫الذي حاضر‪ S‬في جامعة باريس‪ ،‬وجامعة أكسفورد‪ ،‬وبث الروح العلمية التجريبية في عصره (علي شلق‪،2003،‬‬
‫أبو حبان التوحيدي‪ S،‬القرن الرابع الهجري) وكان الحسن بن الهيثم يأخذ باالستقراء والقياس والتمثيل واالعتماد‬
‫على المشاهدة والتجربة وقد‪ S‬استعان على قوانين الضوء بإجراء التجارب على النحو الذي نعنيه اليوم بالتجارب‪.‬‬
‫ومن علماء القرن الرابع الهجري في مجال العلوم الفلكية‪ ،‬والطبيعية‪ ،‬والطبية أبو الريحان‪ ،‬محمد بن‬
‫أحمد البيروني فارسي األصل‪ ،‬ولد في بيرون عاصمة خوارزم‪ S‬من التركستان (باكستان الغربية اليوم)‪ .‬ولد سنة‬
‫‪973 - 362‬م في بيرون وتوفي‪ S‬في سنة ‪1050 - 442‬م في ظل البالغ القزنوي (بطرس البستاني‪ ،‬بدون‬
‫تاريخ‪ ،‬دائرة المعارف‪ S‬الجزء الرابع) عالقته بالشيخ الرئيس (ابن سينا) تتناول دراسة الطب في مجال األدوية‬
‫(الصيدلة) استقصى جميع أنواع األدوية‪ ،‬وكان بينهما الكثير من الرسائل المتعلقة بعلم الطب‪ ،‬وعلم النجوم‪،‬‬
‫وعلم الهيئة‪ ،‬والجغرافية‪ ،‬والفلك ‪ -‬والرياضيات وكانت األبحاث مرتبطة بالحياة‪ ،‬إذ تؤكد بعض المصادر‪S‬‬
‫الموسوعية أن العرب هم الذين أسسوا الكيمياء الحديثة بتجاربهم ومستحضراتهم‪.‬‬
‫ومن آثاره كتاب الجماهير في الجواهر وقد‪ S‬سماه بروكلمن الجواهر في معرفة الجواهر‪.‬‬
‫‪ -‬بلغ الطب في القرن الرابع الهجري مرتبة عالية ال يضاهيها‪ S‬أي عصر من عصور اإلمبراطورية‬
‫أن‬
‫اإلسالمية وكان في طليعة علماء هذا العصر في علم الطب الشيخ الرئيس علي بن سينا‪ ،‬وأكد المؤرخون إلى َ‬
‫كتاب القانون في الطب لقي من العناية في القرون الوسطى‪ S‬ما لقيه أي كتاب آخر وفيه يقول الصاحب بن عباد‪:‬‬
‫في كتاب األغاني ألبي الفرج أنه استغنى به عن حمل أربعين جمالً من الكتب‪.‬‬
‫وقد‪ S‬جمع كتاب القانون البن سينا علم اليونان‪ ،‬والهنود‪ S،‬والعرب وسائر األمم في الطب‪ ،‬ومن ميزاته‪:‬‬
‫‪ -1‬أنه درس فيه النبض دراسةً وافيةً‪ ،‬رابطاً بينه وبين مختلف األمراض التي تصيب اإلنسان‪.‬‬
‫ووصف السكتة القلبية‪ ،‬واحتقان الدماغ‪ ،‬وعرف خصائص العدوى في السل الرئوي‪ ،‬وفي انتقال‬
‫األمراض التناسلية (بطرس البستاني‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬دائرة المعارف‪ S‬الجزء الرابع)‪.‬‬
‫‪ -2‬ودرس أيضاً الجهاز الهضمي دراسة تامة‪ ،‬وعرف األعراض السريرية‪ ،‬والعالمات الفارقة للحصاة‬
‫إذا كانت في الكلية أو في المثانة‪.‬‬
‫وألم به من الناحية النفسية إذ قد يأتي من عدم الوفاق بين الزوجين‪،‬‬
‫‪ -3‬كما تناول ببراعة أحوال العقم‪َّ ،‬‬
‫نفسياً وطبيعياً‪ ،‬وسوف‪ S‬نقف عند مفاهيم ابن سنيا في علم الطب عند معالجة الجوانب التربوية‪.‬‬
‫‪ S-‬و‪S‬ق‪S‬د‪ S‬ح‪S‬ف‪S‬ل‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ق‪S‬ر‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ب‪S‬ع‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ه‪S‬ج‪S‬ر‪S‬ي‪ S‬ب‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ب‪S‬ي‪S‬م‪S‬ا‪S‬ر‪S‬س‪S‬ت‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ك‪S‬ث‪S‬ي‪S‬ر‪S‬ة‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬م‪S‬خ‪S‬ت‪S‬ل‪S‬ف‪ S‬أ‪S‬ص‪S‬ق‪S‬ا‪S‬ع‪S‬ه‪ S،‬و‪S‬ك‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ط‪S‬ل‪S‬ي‪S‬ع‪S‬ة‪ S‬ه‪S‬ؤ‪S‬ال‪S‬ء‪S‬‬
‫(ا‪S‬ل‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ز‪S‬ي‪ S)S‬أ‪S‬ب‪S‬و‪ S‬ب‪S‬ك‪S‬ر‪ S،S‬م‪S‬ح‪S‬م‪S‬د‪ S‬ب‪S‬ن‪ S‬ز‪S‬ك‪S‬ر‪S‬ي‪S‬ا‪ S،S‬و‪S‬ل‪S‬د‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ر‪S‬ي‪ S‬س‪S‬ن‪S‬ة‪ 251 S‬ـ ‪ 865‬و‪S‬ت‪S‬و‪S‬ف‪S‬ي‪ S‬س‪S‬ن‪S‬ة‪925 S- 313 S‬م‪ S‬و‪S‬ت‪S‬و‪S‬ل‪S‬ى‪S‬‬
‫ت‪S‬د‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ر‪ S‬ب‪S‬ي‪S‬م‪S‬ا‪S‬ر‪S‬س‪S‬ت‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ر‪S‬ي‪ S،S‬و‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ت‪S‬ق‪S‬ل‪ S‬إ‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬ب‪S‬غ‪S‬د‪S‬ا‪S‬د‪ S‬ر‪S‬ئ‪S‬ي‪S‬س‪S‬اً‪ S‬أل‪S‬ط‪S‬ب‪S‬ا‪S‬ء‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬س‪S‬ت‪S‬ش‪S‬ف‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ق‪S‬ت‪S‬د‪S‬ر‪S‬ي‪ S‬ح‪S‬ي‪S‬ث‪ S‬ك‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ي‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ق‪S‬ي‪ S‬م‪S‬ع‪ S‬ت‪S‬ال‪S‬م‪S‬ي‪S‬ذ‪S‬ه‪S‬‬
‫ي‪S‬و‪S‬ج‪S‬ه‪S‬ه‪S‬م‪ S‬ب‪S‬ت‪S‬و‪S‬ج‪S‬ي‪S‬ه‪S‬ا‪S‬ت‪S‬ه‪ S‬ل‪S‬م‪S‬ع‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ج‪S‬ة‪ S‬م‪S‬ر‪S‬ض‪S‬ا‪S‬ه‪S‬م‪ S‬و‪S‬ت‪S‬د‪S‬ر‪S‬ي‪S‬ب‪S‬ه‪S‬م‪ S‬ل‪S‬ل‪S‬ح‪S‬ص‪S‬و‪S‬ل‪ S‬عل‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬خ‪S‬ب‪S‬ر‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ط‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ة‪S.S‬‬
‫ذكر ابن أبي أصيبعة أن عدد كتب الرازي بلغت ‪ 232‬كتاباً‪ ،‬وقد ترجم البعض منها إلى الالتينية‪.‬‬
‫‪-85-‬‬
‫وقال الدكتور‪ S‬لوبون‪ :‬إن كتب الرازي ترجمت إلى الالتينية‪ ،‬وطبعت عدة مرات‪ ،‬وأنها مع كتب ابن سينا‬
‫بقيت أساساً للتدريس في جامعة (لوفان) على مر القرن السابع عشر(جوستاف‪ S‬لوبون‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬حضارة‬
‫العرب)‪.‬‬
‫ومن رواد القرن الرابع الهجري الفارابي‪ :‬هو أبو نصر‪ ،‬محمد بن رافع‪ ،‬بن أوزلغ‪ ،‬بن طرخان من‬
‫فاراب من بالد الترك في أرض خراسان‪ ،‬كان أبوه قائد جيش وهو فارسي المنتسب‪ ،‬قضى في بالط سيف الدولة‬
‫فترة طويلة من الزمن‪ ،‬وتوفي‪ S‬في دمشق سنة ‪339‬هـ‪.‬‬
‫كان عالماً بالطب‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬والشعر‪ ،‬وذكر‪ S‬بعض المؤرخين أنه عمل في بداية حياته قاضياً‪ ،‬وكان مهتماً‬
‫بعلم الموسيقى‪ ،‬فأعطى وحقق نجاحاً كبيراً وحقق مرتبة مرموقة في هذا المجال‪.‬‬
‫إن كل األمم التي تحتل مراكز متقدمة في العالم‪ ،‬خطت خطوات واسعة عن طريق استفادتها من حضارتها‬
‫وثقافتها‪ ،‬وعن طريق تكوين أبنائها تكويناً علمياً رصيناً مستفيدة من ماضيها‪ S‬ومن حاضرها‪ S‬من خالل بناء‬
‫شخصيتها العلمية‪ ،‬وتأسيس العقلية المنهجية ألبنائها‪ ،‬فالتقدم الصناعي واالجتماعي‪ S‬واالقتصادي والسياسي‬
‫بحاجة ماسَّة إلى ذلك‪ ،‬فالذي‪ S‬يملك شخصية علمية يقف موقفاً راشداً من التغييرات والتجديدات‪ S‬الحضارية في‬
‫جميع المجاالت‪.‬‬
‫فالحضارة العربية صنعها العرب مباشرة أو في ظل حكمهم‪ ،‬والصنع جاء بلغتهم منهم ومن سواهم الذين‬
‫استعربوا‪ ،‬وذابوا‪ S‬في اللغة‪ ،‬واإلسالم‪ S‬واألعراف‪ ،‬وفي الحضارة اإلسالمية‪ ،‬ال يبتعد علماء القرن الرابع الهجري‬
‫عن كل ما يحيط بمعارف‪ S‬عصرهم‪ ،‬متأملين في كونه‪ ،‬مجتمعاً‪ ،‬تاريخاً‪ ،‬أمماً‪ ،‬غيباً‪ ،‬مبدأ ونهاية‪.‬‬
‫ألقدم إلى القارئ‪ ،‬وجهًا يبين المالمح عن ابن سينا (الشيخ الرئيس) عظيم العظماء والذي‬
‫بذا أراني قد جهدت ّ‬
‫يمثل الشخص بجانبيه‪ :‬هيكله‪ ،‬وصور عقله‪ ،‬فهو لم يكن طبيبًا فقط‪ ،‬وإ نما ألف في علوم الدين واللغة والهندسة‬
‫وطبقات األرض‪ ،‬وإ ن كان قد اشتهر بموسوعته العلمية الضافية في الطب والمرسومة بالقانون والتي تمثل خالصة‬
‫ال‪ ،‬واشتهر‬
‫الطب اليوناني والعربي‪ ،‬وتمثل القمة التي وصلت إليها الحضارة العربية في فنون الطب تجربة ونق ً‬
‫كتاب القانون في أوروبا في العصور الوسطى شهرة واسعة حتى قيل إنه طبع بالالتينية عشرين مرة في القرن‬
‫السادس عشر وحده‪ .‬وقد كان الكتاب المدرسي في الطب في بعض الجامعات األوروبية في أواسط القرن السابع‬
‫عشر‪.‬‬
‫ونشير إلى أن جوهر أمتنا العربية يقوم على االنفتاح الحضاري اإلنساني من أرضها قامت الفتوحات وعبرها‬
‫مرت‪ ،‬كما أنها تعرضت لمحن واجتياحات‪ ،‬وبقيت رغم ذلك كله تقدم للعالم نموذجًا اجتماعيًا إنسانيًا يؤكد انفتاح‬ ‫ّ‬
‫اإلنسان على اإلنسان وظلت تحمل راية الحياة المعطاء راية األخوة اإلنسانية‪.‬‬
‫ومع مجيء اإلسالم ارتبط العلم بحاجات البشر ومنافعهم‪ ،‬يقول «‪« :»‬اللهم علمني ما ينفعني وانفعني بما‬
‫علمتني‪ ،‬وزدني علماً»‪ .‬لقد اخترعت أمتنا األبجدية‪ ،‬وقدمتها للعالم‪ ،‬وبعد أن شقت البحار ناشرة الثقافة‪ ،‬ونشأت‬
‫في رباها أول الشرائع بدءاً بشريعة حمورابي وانتهاء بشرائع السماء‪.‬‬
‫«فالرساالت السماوية التي أسهمت في السمو باإلنسان إلى ذرا اإلنسانية السمحة قد وجدت في هذه البيئة‬
‫األرض الخصبة لنموها وانتشارها في العالم‪ ،‬ألنها في توقها اإلنساني التوحيدي المست روح هذه األمة‪ ،‬روح هذا‬
‫الوجود الحضاري فوجد فيها تعبيرًا عن أشواقه‪ ،‬عن مثله‪ ،‬عن نزعته اإلنسانية‪ ،‬فحملها ونشرها في العالم» محمود‬
‫أحمد السيد في قضايا التربية المعاصرة‪.‬‬

‫‪-86-‬‬
‫وإ ذا كانت ثقافتنا العربية تؤمن باالنفتاح على الثقافات اإلنسانية فإنها كانت على الدوام ذات سمات إنسانية‪،‬‬
‫ولعلنا ال نضيف جديداً إذا ذكرنا أن جوهر أمتنا العربية إنما يقوم على االنفتاح الحضاري اإلنساني؛ فمن أرضها‬
‫مرت وتعرضت لمحن واجتياحات‪ ،‬ومع ذلك كله بقيت تقدم للعالم أنموذجاً‪ S‬اجتماعياً‬ ‫قامت الفتوحات وعبرها ّ‬
‫إنسانياً يؤكد انفتاح اإلنسان على أخيه اإلنسان وظلت تحمل راية الحياة المعطاء راية األخوة اإلنسانية‪.‬‬
‫وإ ذا كنا نسلّم بأن كل من ينوي إتقان عمل معين يحتاج إلى شيء من التدريب واإلعداد‪ ،‬وأن هذا اإلعداد‬
‫يزداد أو يصبح أكثر تعقيداً بازدياد درجة ما يراد إنجازه‪ ،‬فإننا ندرك ضرورة تربية اإلنسان وتدريبه‪ ،‬والمعلم‬
‫الذي يتعامل مع اإلنسان يحتاج إلى خبرات غنية‪ ،‬نظراً لتعدد األدوار التي يؤديها‪ :‬إنه شارح للفكر اإلسالمي‪،‬‬
‫محافظ عليه‪ ،‬حريص على تنشئة اإلنسان الصالح صاحب الرسالة‪ ،‬وهو في سلوكه وكل ما يصدر‪ S‬عنه قدوة‬
‫لطالبه بإرشادهم‪ S‬وتقويم تعلمهم في جميع المجاالت‪ ،‬فاإلنسان هو محور‪ S‬العملية التربوية‪ ،‬ومن هنا يمكن القول‪:‬‬
‫بأن جميع الممارسات‪ S‬التربوية تؤول إلى اإلخفاق ما لم تبن على فهم واضح وصحيح لماهية اإلنسان وخصائصه‬
‫والتركيز‪ S‬على أن كل ما يتعلمه المرء ينبغي له أن يؤدي‪ S‬وظيفة لصاحبه في الحياة التي يتفاعل معها‪ ،‬ويلبي له‬
‫حاجاته ومتطلباته!‬
‫إذ ال خير في علم ال ينفع ويتصل بعراقة األمة في ماضيها‪ S‬الحي؛ وعلى استمرارها‪ S‬في التعبير عن‬
‫شخصيتها في مستقبلها‪ ،‬علينا أن نأخذ من الماضي جميع ما يعين على أغناء الحاضر وحسن التخطيط لما هو‬
‫آت‪.‬‬
‫يقول ابن سينا‪« :‬فالبد في وجود اإلنسان وبقائه ومعاملته ومشاركته وال تتم هذه المشاركة إال بمعاملة كما‬
‫البد من ذلك من سائر األسباب التي تكون له‪ ،‬والبد في المعاملة من سنة وعدل والبد للسنة والعدل من سان‬
‫ومعدل‪ ،‬والبد أن يكون هذا بحيث يجوز أن يخاطب الناس ويلزمهم السنة‪ ،‬والبد من أن يكون هذا إنسانًا‪ ،‬وال يجوز‬
‫ال وما عليه ظلمًا» (ابن سينا‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬كتاب‬
‫أن يترك الناس وآراءهم في ذلك فيختلفون ويرى كل منهم ماله عد ً‬
‫النجاة)‪.‬‬
‫وفي‪ S‬كل هذا مايثبت أن ابن سينا مفكر عالمي ويظهر‪ S‬أن رجال القرون الوسطى‪ S‬أنفسهم كانوا ممن يؤمنون‬
‫بذلك‪ ،‬وقد‪ S‬أجريت إصالحات في جدران مكتبة بودلبان بأكسفورد‪ ،‬وكشف‪ S‬عن مجموعة من الصور منها صورة‬
‫ألرسطو‪ ،‬وأخرى‪ S‬ألفالطون‪ ،‬وثالثة ألقليدس‪ ،‬ورابعة غامضة بعض الشيء ولم يلبث البحث أن أظهر أنها للشيخ‬
‫الرئيس‪.‬‬
‫لقد تحدث الناس طويالً عن ابن سينا وسيتحدثون عنه فيما بعد المحالة فهو طبيب الجسم‪ ،‬وفيلسوف‪ S‬النفس‬
‫في جميع الجوانب وإ ن استعراض مواكب التاريخ وما انتاب اإلنسانية من نكبات أعاقت تقدمها‪ ،‬وأضاعت الكثير‬
‫من جهودها‪ ،‬بهولة األمر‪ ،‬ويكاد يستولي‪ S‬عليه يأس مرير‪ ،‬ولوال أن يلمح من خالل الضباب والظالم أنجماً‬
‫زاهرة كابن سينا‪ ،‬تلمع بين حين وأخر فتتعلق‪ S‬اإلنسانية بها‪ ،‬وتحاول‪ S‬أن تستأنف‪ S‬السير على ضوئها‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫مراجع الفصل الخامس باللغة األجنبية‬

‫‪-87-‬‬
(1) L'islam. D'Hier A'aujourdhei – par. B، lomis، p. 63.1
(2) Lacréation artistique – f'isiamd"Hier aujourdhui – par – R، E، P. 67، Artetarch itecture.
(3) AL، tihawi "Arabeducation in the Golder Ageorcaliphate islam ic Review. Jure 1954، pp. 14، 15.
(4) Durcan B. Macdonald: Development of Muslim Theolgy New York Charles scribners sovs196 pp. 67 – 198.
(5) A…. tihawi "ARabeducation in The Goldes – Age of Caliphate" Islamice Review. Juve 1954 pp. 14. 1.

-88-
‫الباب الثاني‬
‫الفكر التربوي عند ابن سينا‬

‫مقدمة‬

‫الفصل األول‪ :‬خصائص األهداف التربوية عند ابن سينا‪.‬‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬االتجاه الفلسفي في التربية الدينية‬

‫الفصل الثالث ‪ :‬مفاهيم تربية الطفل‬

‫الفصل الرابع ‪ :‬التربية الخلقية‬

‫الفصل الخامس ‪ :‬التربية االجتماعية‬

‫الفصل السادس ‪ :‬التربية العقلية‬

‫الفكر الرتبوي عند ابن سينا – م‪10‬‬

‫‪-89-‬‬
‫‪‬‬
‫إن حياة ابن سينا الثقافية تصور لنا طريقة الحياة التعليمية في عصره واألضواء التي كان يمر بها المتعلم من‬
‫مرحلة الطفولة إلى مرحلة متقدمة في السن‪ ،‬وإ لى عالم مرموق المكانة وما يرتبط به من مكونات البيئة المحيطة به‬
‫في بالد ما وراء النهر ذات الميول الدينية (اإلسماعيلية) لما لذلك من تأثير مباشر على ذلك االتجاه‪ ،‬وعلى ما أتاحه‬
‫اتصاله باألمراء من الدخول إلى مكتباتهم الغزيرة المعارف والجلوس في مجالس علمهم المتعددة المباحث مضافًا إلى‬
‫ذلك كله التشجيع األدبي والمادي الذي كان يلقاه من هؤالء األمراء‪ ،‬كل هذا قد ساعده على االنصراف إلى علوم‬
‫الحكمة طالبًا ومعلمًا ومؤلفًا ثم فيلسوفًا تربويًا لهذا االتجاه‪.‬‬
‫ومن هنا تأتي أهمية هذه الدراسة لتلقي الضوء والتعرف على أساليب تكوين الفكر التربوي السينوي‪ ،‬إذ إن‬
‫المجتمع الذي عاش فيه ابن سينا بما وصل إليه من تقدم تربوي ومهني هو الذي جعله يشعر بضرورة التوجيه‬
‫ويكون شخصيته السوية المتوازنة‬‫التربوي والمهني للفرد وأن يعده للمهنة أو الحرفة التي يشتغل بها في مستقبله‪ّ ،‬‬
‫البعيدة عن العنف واالنحراف من خالل استلهام الموروث التربوي اإلسالمي‪ .‬ولما كان ابن سينا يعتقد في «الحكمة»‬
‫ويرى أنها أشرف العلوم على اإلطالق وأن الحكماء هم أعلى الناس مرتبة‪ ،‬فقد اهتم «بتربية الحكيم» ووضع المناهج‬
‫التعليمية إلعداده بكل ما يتضمنه ذلك من تنمية القدرة على فهم البيئة والتعامل معها والسيطرة عليها واالنتفاع بها إلى‬
‫أقصى حد ممكن تحقيقًا الستمرار نمو الفرد والمجتمع وازدهار البيئة‪.‬‬
‫وينبغي أال يفهم اإلعداد بصورته الجديدة على أنه يتضمن إهمال الجوانب المعرفية أو ثمار الثقافة العالمية‪ ،‬أو‬
‫أنه ال يستهدف اإلعداد لمراحل التعليم التالية‪ ،‬فقد كشفت الدراسات التربوية الحديثة عن أن اإلعداد للحياة هو أفضل‬
‫إعداد لمراحل التعليم التالية‪ ،‬ذلك أنه يستهدف تنمية مهارات القراءة والفهم والتلخيص والتفكير وتنمية مهارات‬
‫التواصل وتحقيق وظيفة التعليم إلى أقصى ٍ‬
‫حد ممكن‪.‬‬
‫وإ بن سينا لم يغفل ‪ -‬مع ذلك ‪ -‬حاجة المجتمع إلى العلوم النقلية أو الشرعية وتعلم الصناعات والحرف‪ ،‬ولذا‬
‫يمر الطالب بفترة «تعليم عام» ينالون فيه جميعًا‬
‫فهو يؤكد أن التوجيه التربوي والمهني ال يكون إال بعد أن ّ‬
‫أساسيات الثقافة اإلسالمية‪ ،‬ثم بعد ذلك وعلى ضوء اكتشاف ميول الطالب واستعداداتهم يكون توجيهه التربوي‬
‫والمهني وهذا ما نتناوله في هذه الدراسة‪.‬‬
‫إن التربية بالعمل تعتمد على تطبيق ما تعلمه الطفل من أسرته أو مدرسته من معارف وسلوكيات وتوظيفها في‬
‫حياته العملية‪ ،‬فأنماط السلوك ال يكتسبها الفرد إال إذا قام بتطبيقها وأصبحت عادة لديه وبذلك يقول عز وجل‪ :‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا ِل َم تقولوا ما ال تفعلون‪ ،‬كبر مقتاً عند اهلل أن تقولوا ما ال تفعلون‪ ‬سورة الصف آية ‪ 3،2‬لقد اهتم المفكرون‬
‫المسلمون بهذا األسلوب التربوي «فالغزالي يرى ضرورة تحقيق التطابق والتكافؤ بين التربية النظرية والتربية العملية‬
‫ويستدل على ذلك بقول اهلل تعالى‪ :‬أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم‪ ‬سورة البقرة آية ‪ 43‬وقول رسول اهلل ‪:‬‬
‫ال»‪.‬‬
‫«ال يكون المرء عالمًا حتى يكون بعلمه عام ً‬

‫‪-90-‬‬
‫ويعتبر الشيخ الرئيس أن اإلنسان هو محور العملية التربوية‪ ،‬وجميع الممارسات التربوية تؤول إلى اإلخفاق‬
‫ما لم تبن على فهم واضح وصحيح لماهية اإلنسان وخصائصه‪ .‬والواقع أن ابن سينا تناول تربية اإلنسان منذ والدته‬
‫إلى خروجه إلى ميدان العمل والكسب‪ ،‬حيث أشار إلى أهم ما يؤخذ به الناشئ من أنواع التربية الدينية والخلقية‬
‫والعقلية والجسمية والعلمية واالجتماعية‪ .‬ويرى أنه على التربية أن توجه اإلنسان إلى ما يصلح له من الصناعات‬
‫واألعمال بحسب ميوله واستعداداته‪ ،‬وهذا ما دعت إليه التربية في القديم والحديث ويقول (روسو)‪ :‬إن التربية‬
‫الصحيحة ما قامت على معرفة غرائز اإلنسان وميوله‪ ،‬وعلى ذلك يجب أن يخرج اإلنسان في صناعة من‬
‫الصناعات‪.‬‬
‫إن الغاية من التربية هي العمل واستثمار المعارف في الكسب واالرتزاق‪ ،‬ليتذوق الناشئ حالوة الكسب‬
‫بالصناعة‪ ،‬ويعتاد طلب العيش بالجد‪ ،‬وال يعتمد على أبيه فيجد عنده المقنع والكفاية‪ ،‬ألن في ذلك مفسدة له‪ ،‬وهذا في‬
‫الحقيقة ما ترمي إليه فلسفة التربية قديمًا وحديثًا في جميع الجوانب الحياتية‪.‬‬

‫‪-91-‬‬
‫الفصل األول‬
‫خصائص األهداف التربوية عند ابن سينا‬

‫مقدمة‬

‫‪ -1‬أهداف التربية‬

‫‪ -2‬التخصص المهني التربوي‬

‫‪-92-‬‬
‫خصائص األهداف التربوية عند ابن سينا‬

‫‪‬‬
‫لكل ثقافة من الثقافات منهاجها التربوي الخاص بها من حيث الخبرات والمبادئ‪ S‬التي يكتسبها‪ S‬المتعلم وفق‬
‫طرائق محدودة للوصول‪ S‬إلى تحقيق األهداف المنشودة في حياة الفرد والجماعة‪ ،‬أي في جميع مجاالت الحياة‪.‬‬
‫التربية كما يراها ابن سينا تتعلق بجميع مكونات الحياة‪ ،‬فهو يحدثنا عنها بإسهاب ودقة كاملة مثل حديثه‬
‫عن الطفولة المبكرة وكل ما يتصل بها من رضاع وفطام وتربية صحية وأخالقية وذوقية‪ ،‬ومثل حديثه عن‬
‫الميول والقدرات والتوجيه التربوي والمهني‪.‬‬
‫والتربية هي تنمية فكر اإلنسان‪ ،‬وتنظيم‪ S‬سلوكه‪ ،‬وعواطفه‪ ،‬وهي عملية تتعلق قبل كل شيء بتهيئة عقل‬
‫يوجه‬
‫اإلنسان وفكره وتصوراته عن الكون والحياة وعن دوره وعالقته بما يحيط به والهدف الذي يجب أن ّ‬
‫مساعيه إلى تحقيقه (ألفريد نورث هوايتهيد‪ ،1958 ،‬أهداف التربية)‪.‬‬
‫إن التربية خالل العصور الوسطى لم تكن مرتجلة وإ نما كانت تربية لها أهدافها ومناهجها ومراحلها وأساليبها‬
‫التربوية‪ ،‬وما الحركة العلمية التي ظهرت في تلك العصور اإلسالمية واإلنتاج الضخم‪ ،‬والعدد الهائل من العلماء‬
‫واألدباء لتحقيق هذا التراث الخالد عن تلك التربية اإلسالمية‪ .‬إنها تربية اإلنسان على أن يحكم العقل والمنطق في‬
‫موك فيما شجر‬ ‫جميع أعماله وتصرفاته‪ ،‬وأن ينقاد ألمر اهلل ورسوله قال تعالى‪ :‬فال ِّ‬
‫وربك ال يؤمنون حتى ُي َح ِّك َ‬
‫ِّ‬
‫ويسلموا تسليماً‪[ ‬سورة النساء‪ :‬اآلية ‪.]65‬‬ ‫بينهم ثم ال يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت‬
‫وإ يمان اإلنسان باهلل تعالى‪ ،‬والعمل الصالح‪ ،‬والتعاون‪ ،‬والتواصي بالحق والصبر على إحقاق الحق‬
‫إن اإلنسان لفي‬‫ومحاربة الباطل ينقذه من الشعر وما يحاك به من الويالت‪ ،‬قال اهلل تعالى‪ :‬والعصر ‪ّ ‬‬
‫الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر‪ [  ‬سورة العصر آية ‪.]3،2،1‬‬ ‫خسر‪ ‬إال الَّذين آمنوا وعملوا َّ‬
‫ٍ‬
‫وفي‪ S‬هذه السورة إشارة إلى أن خالص اإلنسان من العذاب ال يتم إال بثالثة ضروب من التربية‪:‬‬
‫‪ -1‬تربية الفرد على اإليمان باهلل تعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬تربية النفس على األعمال الصالحة‪.‬‬
‫‪ -3‬تربية المجتمع على التواصي بالحق وااللتزام‪S.‬‬
‫فالتربية قضية إنسانية وضرورة مصيرية‪ ،‬فظلم اإلنسان لإلنسان وسوء تربيته واالنحراف عن ابتغاء كماله‪،‬‬
‫وعن فطرته وطبيعته اإلنسانية كل ذلك نتيجة لسوء تربية اإلنسان واالنحراف عن أهداف التربية‪ ،‬وسوف نلقي‬
‫ال في آراء ابن سينا التربوية‪.‬‬
‫الضوء على الفكر التربوي في القرن الرابع الهجري ممث ً‬

‫أوالً ‪ :‬أهداف التربية عند ابن سينا‪:‬‬

‫‪-93-‬‬
‫لما كان اإلسالم هو المنهج الرباني‪ S‬المتكامل‪ ،‬المواتي لفطرة اإلنسان‪ ،‬والذي أنزله اهلل لصياغة الشخصية‬
‫اإلنسانية صياغة متزنة متكاملة‪ ،‬تحقق العدالة في المجتمع اإلنساني‪ ،‬واستخدام‪ S‬قوى الطبيعة استخداماً نيراً متزناً‬
‫لمصلحة اإلنسان في جميع جوانب الحياة وجدنا أن التربية اإلسالمية أصبحت ضرورة حتمية‪ ،‬وقضية إنسانية‬
‫هدفها بناء اإلنسان وتربيته والعناية به وتمكينه من التغلب على قوى الطيبعة وتكييفها بحيث تصبح مالئمة‬
‫لحياته‪.‬‬
‫عني الباحثون في التربية اإلسالمية بالحديث عن أهدافها على وجه العموم‪ ،‬دون تفرقة بين عصر وعصر‪،‬‬
‫أو بين مفكر وآخر‪ ،‬وهذا ما تناوله خليل طوطح بقوله‪ :‬إن التعليم عند المسلمين كان يرمي إلى عدة جوانب منها‪.‬‬
‫الجانب االجتماعي‪ :‬ويهدف‪ S‬إلى نيل المكانة في المجتمع‪ ،‬إذ العلم شرف لصاحبه يرفع قدره بين الناس‬ ‫‪-‬‬
‫درجات ودرجات‪.‬‬
‫الجانب العقلي‪ :‬والغرض منه دراسة العلم لذات العلم لما في ذلك من متعة عقلية ولذة روحية ال تقدر‬ ‫‪-‬‬
‫بغيرها من الملذات‪.‬‬
‫الجانب الديني‪ :‬الغرض منه تعليم الناس آداب الشريعة والفقه في الدين والتأدب بآداب القرآن والسنة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الجانب المادي أو النفعي والغرض منه كسب الرزق‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وتناول ذلك أيضًا محمد عبد الرحيم غنيمة في كتابه تاريخ الجامعات اإلسالمية الكبرى من خالل إيضاح‬
‫الصورة المشرقة التي رسمها القرآن لإلنسان‪ ،‬فاإلنسان هو محور العملية التربوية ومن هنا يمكن القول بأن جميع‬
‫الممارسات التربوية تؤول إلى اإلخفاق ما لم تبن على خصائص تربوية محددة (محمد عبد الرحيم‪ ،‬غنيمة‪،1953 ،‬‬
‫تاريخ الجامعات اإلسالمية الكبرى)‪.‬‬
‫والواقع‪ S‬أن األستاذ محمد فوزي الفتيل أضاف إلى الجوانب التي عرضها األستاذ خليل طوطح جانباً آخر‬
‫هو الجانب الحزبي أو السياسي‪ S‬ويستدل على ذلك بما فعله الفاطميون من إنشاء األزهر دعاية للمذهب الفاطمي‬
‫ثم الحركة التربوية المناهضة لذلك على يد صالح الدين األيوبي إذ قام بإنشاء مدرسة للشافعية وأخرى‪ S‬للمالكية‬
‫لتأييد المذهب السني‪ ،‬وقد فعل مثل ذلك نظام الملك الذي هدف من فتح المدارس الكثيرة إلى تأييد هذا‬
‫المذهب(محمد فوزي‪ S‬الفتيل‪ ،1966 ،‬التربية مظاهرها واتجاهاتها)‪.‬‬
‫إن الجوانب التي تناولت األهداف التربوية وإ مكانية تحقيقها ال تعني انتفاء الجهد البشري‪ ،‬فالمؤمن ال‬
‫يحقق األهداف المنشودة إال إذا بذل الجهد المطلوب‪ ،‬والقرآن الكريم يحث اإلنسان على السعي لكسب العيش‬
‫وعلى اقتحام‪ S‬العقبات‪ ،‬فإذا كان الهدف المحدد غير قابل للتحقيق إال بعد تذليل الصعاب‪ ،‬فاإلنسان يعيش في ظل‬
‫اختيار مستمر طوال حياته‪ ،‬وعليه مواجهة التحديات مهما كبرت لتحقيق الهدف أو الدخول إلى نتيجة مرضية‪.‬‬
‫وظروف االختبار‪ S‬مهما كانت صعبة ال ترهق أعصابه وال تشعره بالعجز الدائم لسبب بسيط هو أن األهداف التي‬
‫الع ْسَر‪ [ ‬سورة البقرة‪ :‬اآلية ‪ ]185‬وقوله‬
‫يد ِب ُك ُم ُ‬
‫س َر وال ُي ِر ُ‬ ‫يسعى لتحقيقها ليست فوق طاقته ‪ُ ‬ي ِر ُ‬
‫يد اهللُ ِب ُك ُم ُ‬
‫الي ْ‬
‫ف َع ْن ُك ْم‪[ ‬سورة النساء‪ :‬اآلية ‪.]28‬‬ ‫يد اهللُ أن ُي َخفِّ َ‬
‫تعالى‪ُ  :‬ي ِر ُ‬

‫‪-94-‬‬
‫إن ما جاء به المؤرخون في الكتب العربية وعلى مختلف العصور‪ S‬مثل (تعليم المتعلم) للزرنوجي‪ S‬و(جامع‬
‫العلم) البن عبد البر و(إحياء علوم الدين) للغزالي‪ ،‬و(كشف الظنون) لحاجي خليفة و(مفتاح السعادة) لطاش‬
‫كبرى زادة‪ ،‬ووسائل إخوان الصفا‪ ،‬ومؤلفات الشيخ الرئيس (ابن سينا) فهي تمثل االتجاهات الفكرية المختلفة‬
‫التي سادت الفكر اإلسالمي على مر العصور‪ ،‬كما أنها تمثل أيضاً العصور‪ S‬اإلسالمية المختلفة وكأنها‪ S‬امتداد‬
‫واحد اتحدت ظروفه والقوى السياسية واالقتصادية واالجتماعية التي تشكل فكره التربوي‪S.‬‬
‫والقرآن الكريم جاء لهداية الناس أجمعين‪ ،‬وانطالقاً‪ S‬من هذه الحقيقة الكبرى يمكن القول بأن التربية‬
‫اإلسالمية تربية عالمية وأهدافها‪ S‬صالحة لجميع الناس في جميع األماكن واألزمان‪ ،‬الشتمالها على الكمال‬
‫يت لَ ُك ُم اإلسالَ َم ديناً‪[ ‬سورة‬
‫ض ُ‬‫مت علي ُكم ِنعم ِتي ور ِ‬
‫ت ل ُك ْم ِد َين ُك ْم وأَتْ َم ُ‬
‫المطلق‪ ،‬يقول اهلل تعالى‪ :‬اليوم أَ ْك َم ْل ُ‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫المائدة‪:‬اآلية ‪ ]3‬فالقيم اإلنسانية التي تضمنتها التعليمات القرآنية قيم ثابتة ال دخل فيها ألهواء البشر‪ ،‬وهناك من‬
‫ال يروق له التسليم لوجود أهداف ثابتة‪ ،‬فجون ديوي يؤكد أن (الفكرة القائلة بأن النمو والتقدم يرميان إلى هدف‬
‫نهائي ال يتغير وال يتبدل‪ ،‬هي آخر أمراض العقل البشري‪ S‬في انتقاله من نظرة جامدة إلى الحياة إلى نظرة مفعمة‬
‫بالحركة» (جون ديوي‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬الديمقراطية والتربية)‪ ،‬فهو يعين على أولئك الذين ينصبون هدفاً نهائياً‬
‫تتجه نحوه عملية النمو‪ ،‬وهو يعتقد بأن النمو والتربية والحياة شيء واحد سهل علينا إدراك موقفه العدائي من‬
‫وجود أهداف تربوية ثابتة‪ ،‬لذا نراه يحذر المربين من اإليمان بمثل هذه األهداف‪ .‬فالهدف ‪ -‬حسبما يعتقد ‪-‬‬
‫جزء ال يتجزأ من عملية النمو‪ ،‬وليس باألمر الخارجي الذي يثير نحوه خبرة المتعلم فال هدف لعملية النمو إال‬
‫المزيد من النمو في جميع مراحل وأساليب وأهداف العملية التربوية ‪.‬‬
‫والواقع أن التربية في نظر الفالسفة وعلماء التربية تهدف إلى تهيئة حياة سعيدة لألفراد على اختالف واضح‬
‫ال‪ ،‬بينما يرى‬
‫بينهم في وصف هذه الحياة السعيدة‪ ،‬فبعض الفالسفة يرى أنها تتم في أحضان الدين كالغزالي مث ً‬
‫البعض ترك الدين وشأنه‪ ،‬فالحياة السعيدة هي الحياة الدنيوية الناجحة‪ ،‬وبعض الفالسفة يهتم بالفرد (كروسو)‬
‫وآخرون يهتمون بالجماعة ومصلحتها‪ ،‬واإلنسان في نظرهم ال يجد راحته وسعادته إال في كنف مجتمع فيه قوانين‬
‫تحميه وتمنحه الحرية والعدالة (سعد مرسي أحمد‪ ،1966 ،‬تطور الفكر التربوي)‪.‬‬
‫فالتربية تقوم على اعتبار المجتمع كيانًا حيًا واحدًا‪ ،‬فقد شبه رسول اهلل ‪ ‬هذا المجتمع بالجسد حيث قال‪:‬‬
‫توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»‬ ‫«ترى المؤمنين في ّ‬
‫(صحيح البخاري‪ ،‬الجزء الرابع‪.).‬‬
‫رغب القرآن بالتعاون بين أفراد المجتمع‪ ،‬وتحقيق الخير والبر والتقوى قال‬ ‫وعلى هذا األساس العظيم ّ‬
‫س ِج ِد ا ْل َح َر ِام أ ْ‬
‫َن تَ ْعتَ ُدوا وتَ َع َاو َنوا على ال ِبِّر والتَّ ْق َوى وال تَ َع َاونوا على‬ ‫صدو ُك ْم َع ِن ا ْل َم ْ‬
‫َن ّ‬ ‫آن ٍ‬
‫قوم أ ْ‬ ‫تعالى‪ :‬وال َي ْج ِر َم َّن ُك ْم َ‬
‫ش َن ُ‬
‫قاب‪[ ‬سورة المائدة‪:‬اآلية ‪ ]2‬والتربية تربي المواطن على تحقيق العدل‬ ‫شديد ا ْل ِع ِ‬
‫ُ‬ ‫دوان واتَّقوا اهللَ َّ‬
‫إن اهللَ‬ ‫والع ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اإلثْم ُ‬
‫والتعاون‪ ،‬وقضاء حاجات اإلنسان‪ ،‬ونشر المحبة وعلى المربي أن يغرس هذه الصفات في نفوس الناشئة وأن‬
‫يبني النشاط االجتماعي المدرسي على هذا المعنى‪ ،‬وهذا ما سعى إلى تحقيقه الشيخ الرئيس‪ ،‬فكيف‪ S‬نظر إلى‬
‫الحياة السعيدة؟‬
‫والسؤال‪ S‬الكبير هو ما هدف التربية عند ابن سينا؟‬

‫‪-95-‬‬
‫إن هدف التربية عند ابن سينا هو‪ :‬نمو الفرد نمواً كامالً من جميع الجوانب‪ ،‬النمو الجسمي‪ ،‬والنمو‪S‬‬
‫العقلي‪ ،‬والنمو الخلقي‪ ،‬ثم إعداد هذا الفرد لكي يعيش في المجتمع ويشارك فيه بعمل أو حرفة يختارها وفق‪S‬‬
‫استعداده ومواهبه هو‪ ،‬فالتربية السينوية لم تغفل الحديث عن النمو الجسمي وكل ما يتصل من رياضة بدنية‪،‬‬
‫وطعام وشراب وثوم‪ ،‬ونظافة‪ ،‬ولم تستهدف‪ S‬فقط النمو العقلي وجمع المعلومات‪ ،‬بل تناولت جميع الجوانب التي‬
‫تتعلق باإلنسان في جميع مكوناته الجسمية والعقلية والخلقية‪ ،‬وال يقتصر عمل التربية على خلق المواطن الكامل‬
‫جسماً وعقالً وخلقاً فقط‪ ،‬بل البد أن تعده لمهنة أو عمل أو حرفة يشارك بها في عملية (البناء االجتماعي)‪ ،‬ألن‬
‫المجتمع في نظر ابن سينا إنما يقوم على التعاون وعلى تخصص كل فرد في عمل أو مهنة وتبادل المنافع‬
‫والخدمات بين أفراده‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬التخصص المهني التربوي عند ابن سينا‬


‫الواقع أن ابن سينا دأب على إظهار االتجاه نحو التخصص التربوي‪ S‬والمهني لطبيعة التكوين االجتماعي‬
‫واالقتصادي للمجتمعات في ذلك العصر‪ .‬فقد دعا إلى التخصص بعلم من العلوم‪ ،‬وعلى أساس هذا التخصص‬
‫وتلك الشهرة كان ينال العلماء التقدير الكبير بين األمراء‪ ،‬إذ خصص لكل طائفة من هؤالء العلماء رزق‪ S‬محدود‪،‬‬
‫وقد يأخذ البعض رزقاً‪ S‬أكبر من طائفة واحدة أمثال الزجاج المتوفى عام ‪310‬هـ فقد كان له رزق‪ S‬في الندماء‬
‫ورزق‪ S‬في الفقهاء‪ ،‬ورزق في العطاء ( آدم مينز‪ ،1947 ،‬الحضارة اإلسالمية في القرن الرابع الهجري‪ ،‬ترجمة‬
‫عبد الهادي أبو ريدة)‪.‬‬
‫وقد ثبت في بعض اآليات واألحاديث النبوية ضرورة أن يعمل كل إنسان بحسب قابلياته واستعداداته الذاتية‪:‬‬
‫سّوى‪ ‬والذي قدََّر فهدى‪[ ‬سورة األعلى‪ :‬اآلية‪ 1‬ـ ‪.]3‬‬
‫ق َف َ‬
‫َعَلى ‪ ‬الذي َخَل َ‬
‫رب َك األ ْ‬
‫اس َم ِّ‬ ‫كقوله تعالى‪َ  :‬‬
‫سِّب ِح ْ‬
‫أي قدر لكل كائن استعداداً خاصاً به‪ ،‬وهداه إلى سبل الحياة التي تحقق قابلياته واستعداداته‪.‬‬
‫س َيَرى اهللُ َع َملَ ُك ْم َوَرسولُ ُه والمؤمنون‪[ ‬سورة التوبة‪:‬اآلية ‪.]105‬‬ ‫وقوله سبحانه وتعالى‪ :‬وقل ْ‬
‫اع َملُوا فَ َ‬
‫فالمجتمع‪ S‬يرى أعمال أفراده ويشجع قابلياتهم ويقابلها بالشكر‪ S‬والتقدير‪.‬‬
‫وكقول الرسول ‪« :‬اعملوا فكل ٍ‬
‫ميسر لما خلق له»‪.‬‬
‫أي أن اهلل خلق كل كائن وكل إنسان لهدف أو مهنة‪ ،‬وزوده بقدرات وكفاءة معينة‪ ،‬ثم يسر له من المجاالت ما‬
‫يناسب ذاتيته وكفاءته ومقدرته‪ ،‬ولذلك أمره بالعمل والسعي لتحقيق مثله األعلى حسب قدرته وذاتيته‪ .‬وفي هذا‬
‫المجال يقول المربي الكبير ابن ّقيم الجوزية‪ ،‬في كتابه (تحفة المودود بأحكام المولود)‪:‬‬
‫«ومما ينبغي أن يعتمد حال الصبي‪ ،‬وما هو مستعد له من األعمال ومهيأ له منها‪ ،‬مما كان مأذوناً منه‬
‫شرعاً‪ ،‬فيعلم أنه مخلوق‪ S‬له‪ ،‬فال يحمله على غيره‪ ،‬فإنه إن حمل على غير ما هو مستعد له لم يفلح فيه‪ ،‬وفاته‬
‫ماهو مهيأ له‪ ،‬فإذا رآه حسن الفهم صحيح اإلدراك جيد الحفظ واعياً‪ ،‬فهذه من عالمات قبوله وتهيئة للعلم‪ ،‬لينقشه‬
‫في لوح قلبه ما دام خالياً‪ ،‬فإنه يتمكن فيه ويستقر ويزكو معه‪ ،‬وإ ن رآه بخالف ذلك من كل وجه‪ ،‬وهو مستعد‬
‫للفروسية وأسبابها‪ S،‬من الركوب والرمي واللعب بالرمح‪ ،‬وأنه ال نفاد له في العلم‪ ،‬ولم يخلق له‪ ،‬مكنه من أسباب‬
‫الفروسية والتمرن عليها فإنه أنفع له وللمسلمين‪ ،‬وإ ن رآه بخالف ذلك‪ ،‬وأنه لم يخلق لذلك ورأى عينه مفتوحة‬
‫إلى صنعة من الصنائع‪ ،‬ومستعداً‪ S‬لها‪ ،‬قابالً لها‪ ،‬وهي صناعةٌ مباحةٌ نافعةٌ للناس‪ ،‬فليمكنه منها‪ ،‬هذا كله بعد‬
‫تعليمه له ما يحتاج إليه في دينه (ابن قيم الجوزية‪1380 ،‬هـ‪ ،‬تحفة المودود‪ S‬بأحكام المولود)‪.‬‬

‫‪-96-‬‬
‫وقال ابن سينا في كتابه (القانون)‪:‬‬
‫ميال إليه‪ ،‬وال يتركه يسير‬
‫« وعلى المؤدب أن يبحث له عن صناعة‪ ،‬فال يجبره على العلم إذا كان غير ّ‬
‫مع الهوس‪ ،‬إذ ليس كل صناعة يرومها الصبي ممكنة له‪ ،‬مواتية‪ ،‬لكن ما شاكل طبيعته‪ ،‬وناسبه‪ ،‬وأنه لو كانت‬
‫اآلداب والصناعات تجيب وتنقاد بالطلب دون المشاكلة والمالءمة‪ ،‬إذن ما كان أحد غفالً من األدب وعارياً من‬
‫صناعته‪ ،‬وإ ذن ألجمع الناس على اختيار أشرف الصناعات»( عبد الرحمن غالوي‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬علم النفس‬
‫التربوي)‪.‬‬
‫والحق إن ابن سينا كان فيلسوفًا‪ ،‬والفالسفة بشكل عام يعتقدون أن الفكر اليوناني هو فكر الصفوة المثقفة وأن‬
‫فضل الفيلسوف على غيره أمر مفروغ منه‪ ،‬إال أن هدف التربية عنده لم يقتصر على إيجاد الفيلسوف وما كان البن‬
‫سينا أن يفعل ذلك‪ ،‬وهو يعيش في القرن الرابع الهجري‪ ،‬مع أن الفكر اليوناني هو للخاصة دون العامة‪ ،‬لذلك فقد‬
‫جعل ابن سينا «تربية الفيلسوف» هدفًا من أهداف التربية عنده في المرحلة المتخصصة‪ ،‬يتجه إليها من يشاء وفق‬
‫استعداده وميوله‪ ،‬هذا هو جوهر الفرق بين تربية ابن سينا والتربية عند الغزالي أو القابسي‪ ،‬في حين أن تربية‬
‫الفيلسوف غير وارد عندهما‪ ،‬وال معترف بها‪ ،‬نجد أن ابن سينا يسهب في حديثه عن «تربية الفيلسوف» والعلوم التي‬
‫يتلقاها وغاية كل علم من تلك العلوم وجدواه (عبد الرحمن النقيب‪ ،2002 ،‬الفكر التربوي اإلسالمي)‪.‬‬
‫بذا يمكننا القول‪ :‬إن هدف التربية عند ابن سينا هو خلق مواطن صالح‪ ،‬جسماً وعقالً وخلقاً‪ ،‬وإ عداد هذا‬
‫المواطن لعمل أو حرفة سواء أكان عمالً نظرياً أم عمالً يدوياً‪.‬‬
‫ال بالعلوم النقلية أم العلوم العقلية التي يجلبها ابن سينا ويرى ضرورتها في‬
‫وسواء أكان العمل النظري متص ً‬
‫حياة المجتمع‪ ،‬وابن سينا يعد (الصناعة) و(الحرف) ضربًا من التعليم يحتاج إلى اإلعداد المهني والتدريب‬
‫والتخصص فيقول‪« :‬التعليم والتعلم منه صناعي مثل تعلم النجارة والصياغة وإ نما يحصل بالمواظبة على استعمال‬
‫تلك الصناعة»( ابن سينا‪375 ،‬هـ‪ ،‬البرهان من الشفاء)‪.‬‬
‫ويرى بعض علماء التربية وفالسفتها المعاصرون أن الهدف األوحد للتربية هو النمو‪ ،‬نمو اإلنسان من جميع‬
‫النواحي العقلية والجسمية والروحية‪ ،‬واالجتماعية والسؤال الذي يطرح نفسه هل يحتاج النمو إلى إيضاح؟ هل النمو‬
‫مجرد زيادة في الحجم أو الوزن أو المعلومات والتصورات‪ ،‬أم هو تطور كيفي ألسلوب حياة الناشئ منذ الوالدة حتى‬
‫البلوغ؟ ولحركاته وتصرفاته وسلوكه؟‬
‫يجمع علماء التربية أن الزيادة الكمية ليست هي معنى النمو الذي تهدف إليه التربية‪ ،‬ولكنهم يختلفون في‬
‫تطوير سلوك اإلنسان‪.‬‬
‫‪ -‬بعضهم‪ S‬يرجعه إلى آليات وردود‪ S‬أفعال منعكسة‪ ،‬فيجعلون اإلنسان كالمعمل كل آلة تحرك التي تليها‪،‬‬
‫حتى يصل اإلنتاج إلى آخر مرحلة فيخرج إلى يد المستهلك براداً‪ ،‬أو سيارة‪ ،‬أو مكيفاً‪ ...،‬وهكذا اإلنسان كلما‬
‫أثر فيه مؤثر‪ S‬خارجي سعى إلى تحقيق ما يرغب الحصول عليه‪.‬‬
‫وتتغير‪ S‬االستجابة من إنسان إلى آخر بحسب تربية كل إنسان وظروفه الحالية أو آماله المستقبلية‪.‬‬
‫والبعض اآلخر يقول‪ :‬إن اإلنسان ينمو أي يتطور سلوكه‪ ،‬على أثر ما يتكون عنده من خبرات‪ ،‬فإذا كان‬
‫وعنفوه‪ ،‬وأظهروا‪ S‬أمامه من االنفعاالت‪ ،‬ما‬
‫الطفل بين أهله ووسخ ثوبه الجديد‪ ،‬مثالً‪ ،‬بالطعام‪ ،‬عابوا عليه ذلك‪ّ ،‬‬
‫يجعله يعلق في ذهنه ارتباط األلم النفسي بتوسيخ الثوب الجديد‪.‬‬

‫‪-97-‬‬
‫هذا االرتباط يسميه (جون ديوي)(‪( ) 1‬جون ديوي‪ ،1952 ،‬الديمقراطية والتربية‪ ).‬خبرة‪ ،‬وهذه الخبرة بالذات‪،‬‬
‫في هذا المثال‪ ،‬لما كانت صادرة عن المجتمع‪ ،‬أمكننا أن نسميها خبرة اجتماعية‪ ،‬ألنها تحصر التعامل مع الجماعة‪،‬‬
‫وتتابع خبرات الطفل االجتماعية‪ ،‬حول السلوك المعيب أمام الضيف‪ ،‬والسلوك المحبب‪ ،‬كالتحية وألفاظها‪ ،‬فنقول إن‬
‫الطفل ينمو نموًا اجتماعيًا أي تزداد خبراته االجتماعية‪ ،‬وتنمو معها مشاعره االجتماعية‪ ،‬كاألنس باآلخرين‪ ،‬كالصغار‪،‬‬
‫والخوف من بعض الناس أو من بعض المواقف‪ ،‬والنفور من البعض اآلخر وهكذا‪ ،‬وقل مثل هذا في نمو الخبرات‬
‫الحسابية‪ ،‬واللغوية‪ ،‬والقصصية‪ ،‬والصناعية‪ ،‬واليدوية‪.‬‬
‫ليس من شك في أن تتابع الخبرات ينمي مدارك الناشئ ويجعل سلوكه أقرب إلى التعايش مع المجتمع‪ ،‬ومع‬
‫الحضارة ومخترعاتها‪ ،‬ومع ظروف الحياة ومتطلباتها‪ .‬والنمو سالح ذو حدين‪ ،‬إذا لم يوجه منذ الصغر نحو هدف أسمى‪،‬‬
‫فقد يستخدمه الناشئ بعد خروجه إلى المجتمع‪ ،‬لتحقيق أغراض دنيئة‪ ،‬أو أعمال ضارة باآلخرين‪.‬‬
‫الواقع أن ابن سينا يرى أن التربية الصحيحة تضع كل شيء في موضعه الطبيعي‪ ،‬واعتبر أن النمو بجميع‬
‫جوانبه وسيلة لتحقيق المثل العليا للتربية في كل الجوانب الجسمية‪ ،‬والعقلية والخلقية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والذوقية‬
‫والروحية‪ ،‬والوحدانية مع توجيه هذا النمو نحو تحقيق هدفها األسمى‪.‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫االتجاه الفلسفي في التربية اإلسالمية عند ابن سينا‬

‫‪ -‬مقدمة‬

‫‪ -1‬أهداف التربية اإلسالمية‬

‫‪ -2‬أثر الفكر الفلسفي في التربية اإلسالمية‬

‫‪ -3‬عالقة علم التربية بالعلوم األخرى‬

‫‪ -4‬العالقة بين الفلسفة والعلم والدين‬

‫( ‪ )1‬ج‪SS S S‬ون دي‪SS S S‬وي‪ ،‬فيلس‪SS S S‬وف وم‪SS S S‬ربي أم‪SS S S‬ريكي معاصر ت‪SS S S‬وفي ‪ ،1952‬وله آراء وكتب في التربية مش‪SS S S‬هورة وإ ليه تنسب طريقة‬ ‫‪1‬‬

‫(الشروع) من طرق التربية الغربية (الديمقراطية والتربية)‪.‬‬

‫‪-98-‬‬
‫االتجاه الفلسفي في التربية اإلسالمية عند ابن سينا‬

‫‪‬‬
‫ي‪S‬ر‪S‬ى‪ S‬ب‪S‬ع‪S‬ض‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ب‪S‬ا‪S‬ح‪S‬ث‪S‬ي‪S‬ن‪ S‬أن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ل‪S‬س‪S‬ف‪S‬ة‪ S‬ه‪S‬ي‪ S‬ف‪S‬ن‪ S‬ت‪S‬ش‪S‬ك‪S‬ي‪S‬ل‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ب‪S‬ت‪S‬ك‪S‬ا‪S‬ر‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ف‪S‬ا‪S‬ه‪S‬ي‪S‬م‪ S،S‬و‪S‬ي‪S‬ق‪S‬و‪S‬ل‪ S« S:S‬و‪S‬ي‪S‬ل‪ S‬د‪S‬ي‪S‬و‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ت‪ S»S‬إ‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ل‪S‬س‪S‬فة‪S‬‬
‫ه‪S‬ي‪ S‬إ‪S‬ن‪S‬ج‪S‬ا‪S‬ز‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ل‪S‬م‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ت‪S‬ر‪S‬ك‪S‬ي‪S‬ب‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ح‪S‬ك‪S‬م‪S‬ة‪ S.‬ف‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ل‪S‬م‪ S‬ي‪S‬ر‪S‬غ‪S‬ب‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬أ‪S‬ن‪ S‬ي‪S‬ح‪S‬ل‪S‬ل‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ك‪S‬ل‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬غ‪S‬ا‪S‬م‪S‬ض‪ S‬إ‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬أ‪S‬ج‪S‬ز‪S‬ا‪S‬ء‪ S،S‬و‪S‬أ‪S‬ن‪ S‬ي‪S‬ح‪S‬ي‪S‬ل‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬غ‪S‬ا‪S‬م‪S‬ض‪S‬‬
‫إ‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬م‪S‬ع‪S‬ل‪S‬و‪S‬م‪ S،S‬و‪S‬ه‪S‬و‪ S‬ال‪ S‬ي‪S‬ب‪S‬ح‪S‬ث‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ق‪S‬ي‪S‬م‪ S‬ا‪S‬أل‪S‬ش‪S‬ي‪S‬ا‪S‬ء‪ S‬و‪S‬إ م‪S‬ك‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ا‪S‬ت‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ث‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ي‪S‬ة‪ S،S‬و‪S‬ال‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬م‪S‬غ‪S‬ز‪S‬ا‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ك‪S‬ل‪S‬ي‪ S‬و‪S‬ا‪S‬أل‪S‬خ‪S‬ي‪S‬ر‪S.S.S.S.S‬‬
‫أما الفيلسوف فإنه ال يقنع بوصف‪ S‬الواقعة‪ ،‬حيث يرغب في توكيد‪ S‬عالقتها بالخبرة بصورة عامة‪ ،‬وهو‬
‫يربط بين األشياء في تركيب توضيحي أو تأويلي‪ ،‬وهو يحاول أن يجمع بصورة أفضل مما قيل بين أجزاء ساعة‬
‫الكون العظيمة التي فككها العالم الفضولي‪.‬‬
‫الفلسفة تبحث في الكليات‪ ،‬والعلم يفكك الكليات إلى جزئيات‪ ،‬كي يستطيع العقل استيعابها‪ ،‬ومن وجهة‬
‫النظر الدينية فإن لدينا نوعين من الفلسفة‪ ،‬فلسفة عامة تشكل اإلطار النظري والفكري لكل جوانب الحياة‪ ،‬وفلسفة‬
‫خاصة بكل علم من العلوم‪ .‬ويمكن تعريف‪ S‬فلسفة التربية تعريفاً إجرائياً شامالً بالقول‪« :‬إنها علم يوفر إطاراً‬
‫عقدياً وفكرياً للتربية‪ ،‬ويحدد غاياتها‪ ،‬ويضع معايير نجاحها‪ ،‬ويضفي نوعاً من التوحد على أنشطتها‪ ،‬ويولد‪S‬‬
‫مفاهيمها ويحلل عملياتها‪ ،‬ويعالج مشكالتها»( عبد الكريم بكار‪ ،2001 ،‬التربية والتعليم)‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬أهداف التربية اإلسالمية‬
‫فالتربية عملية هادفة لها أغراضها‪ S‬وأهدافها وغايتها‪ ،‬والمربي الحق على اإلطالق هو اهلل الخالق‪ :‬خالق‬
‫الفطرة وواهب المواهب‪ ،‬وهو الذي َّ‬
‫سن سنناً لنموها وتدرجها‪ S‬وتفاعلها‪ ،‬كما أنه شرع شرعاً لتحقيق كمالها‬
‫وصالحها وسعادتها‪ .‬والتربية تقتضي خططاً متدرجة تسير فيها األعمال التربوية والتعليمية وفق ترتيب منظم‬
‫متطور‪ ،‬ينتقل مع الناشئ من طور‪ S‬إلى طور‪ S‬ومن مرحلة إلى مرحلة وأن عمل المربي تابع لشرع اهلل ودينه‪.‬‬
‫هذا التحليل لمعنى التربية ونتائجه يؤدي بنا إلى معنى الشرع والدين‪ ،‬ألن التربية تستمد جذورها منه‪،‬‬
‫فطبيعة النفس اإلنسانية طبيعة متدينة واإلنسان في الحقيقة متدين‪« ،‬الدين عالقة خضوع وانقياد وعبودية من قبل‬
‫البشر‪ ،‬يشعرون بها نحو خالق حاكم ألمور الكون‪ ،‬حاكم قهار‪ S‬يحيي ويميت وإ ليه النشور‪ ،‬قد وضع لهم نظاماً‬
‫عده لجميع المكلفين يوم الحساب»‬ ‫شامالً للحياة بجميع جوانبها‪ ،‬وأمرنا أن نسير عليه‪ ،‬وأخبرنا بالجزاء الذي أ ّ‬
‫(عبد الرحمن النحالوي‪ ،1983 ،‬أصول التربية اإلسالمية)‪ ،‬ويورد أبو األعلى المودودي‪ S‬تعريفاً للدين فيقول‪:‬‬
‫المراد (الدين) هو نظام الحياة الكامل الشامل لنواحيها‪ S‬االعتقادية والفكرية والخلقية والعملية‪ ،‬فقد ّبين اهلل تعالى‬ ‫ّ‬
‫المرضي عند اهلل هو النظام المبني على إطاعة اهلل وإ خالص العبودية له وحده‪ .‬قال‬ ‫ّ‬ ‫أن نظام الحياة الصحيح‬
‫ليه ُي ْرجعون‪[ ‬سورة آل عمران‪:‬‬ ‫واألرض طوعاً وكرهاً وإ ِ‬ ‫ِ‬ ‫دين ِ‬ ‫تعالى‪ْ  :‬‬
‫ِ ْ َ ْ‬ ‫السموات‬ ‫أسلَ َم َم ْن في‬
‫غون ولَ ُه ْ‬
‫اهلل َي ْب َ‬ ‫أفغي َر ِ‬
‫أآلية ‪.]83‬‬

‫‪-99-‬‬
‫عند ِ‬
‫اهلل‬ ‫ِّين َ‬
‫إن الد َ‬‫ثم استعمل اللفظ في القرآن علماً على الدين والنظام‪ ،‬الذي أرسل اهلل به رسوله محمداً ‪َّ  ‬‬
‫الم ِديناً‬
‫اإلس َ‬ ‫علي ُك ْم ِن ْع َمت] َوَر ُ‬
‫ضيت ل ُكُم ْ‬ ‫اإلسالم‪[ ‬سورة آل عمران‪ :‬اآلية ‪ ]19‬وقال تعالى‪َ  :‬‬
‫اليْوَم ْأكمْل ُت ل ُك ْم ديَن ُك ْم وأَ ْت َم ْم ُت ْ‬ ‫ُ‬
‫‪[ ‬سورة المائدة‪:‬اآلية ‪.]3‬‬
‫ِّين‪[ ‬سورة الزمر‪:‬اآلية ‪.]11‬‬ ‫أعبد اهلل م ِ‬
‫خلصاً لَ ُه الد َ‬ ‫وقال تعالى‪ُ :‬ق ْل إني أ ِ‬
‫ت أن َ َ ُ‬ ‫ُم ْر ُ‬
‫فاإلسالم‪ S‬هو النظام اإللهي الذي ختم اهلل به الشرائع وجعله نظاماً كامالً شامالً لجميع نواحي الحياة‪،‬‬
‫والحاكم عند ابن سينا – م‪11‬‬ ‫وارتضاه لتنظيم‪ S‬عالقة البشر بخالقهم‪ ،‬وبالكون والخالئق وبالدنيا‪ S‬واآلخرة وبالمجتمع والزوجة والولد‪S‬‬
‫الفكر الرتبوي‬
‫والمحكوم‪ ،‬ولتنظيم كل االرتباطات‪ S‬التي يحتاج إليها الناس‪ ،‬تنظيماً‪ S‬مبنياً على الخضوع هلل وحده وإ خالص‬
‫العبودية له‪ ،‬وعلى األخذ بكل ما جاء به الرسول ‪( ‬عبد الرحمن النحالوي‪ ،1983 ،‬أصول التربية اإلسالمية‪.).‬‬

‫ل‪S‬ق‪S‬د‪ S‬م‪ّS‬ي‪S‬ز‪ S‬د‪S‬ا‪S‬ر‪S‬س‪S‬و‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬س‪S‬ال‪S‬م‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ب‪S‬ي‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ت‪S‬ج‪S‬ا‪S‬ه‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬ف‪S‬ك‪S‬ر‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ث‪S‬ال‪S‬ث‪S‬ة‪ S‬س‪S‬ا‪S‬د‪S‬ت‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ك‪S‬ر‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬و‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬س‪S‬ال‪S‬م‪S‬ي‪ S،S‬و‪S‬ك‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ل‪S‬ك‪S‬ل‪S‬‬
‫ا‪S‬ت‪S‬ج‪S‬ا‪S‬ه‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬ه‪S‬ذ‪S‬ه‪ S‬ا‪S‬ال‪S‬ت‪S‬ج‪S‬ا‪S‬ه‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ث‪S‬ال‪S‬ث‪S‬ة‪ S‬ف‪S‬ل‪S‬س‪S‬ف‪S‬ة‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ت‪S‬خ‪S‬ص‪S‬ه‪ S‬و‪S‬ت‪S‬ؤ‪S‬ك‪S‬د‪S‬ه‪ S‬و‪S‬ت‪S‬ث‪S‬ب‪S‬ت‪ S‬و‪S‬ج‪S‬ه‪S‬ة‪ S‬ن‪S‬ظ‪S‬ر‪S‬ه‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬ن‪S‬س‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬و‪S‬ج‪S‬و‪S‬د‪S،S‬‬
‫ف‪S‬ه‪S‬ن‪S‬ا‪S‬ك‪ S‬ا‪S‬ال‪S‬ت‪S‬ج‪S‬ا‪S‬ه‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬فق‪S‬ه‪S‬ي‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬و‪S‬ت‪S‬م‪S‬ث‪S‬ل‪S‬ه‪ S‬ك‪S‬ت‪S‬ا‪S‬ب‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ح‪S‬ن‪S‬و‪S‬ن‪S( S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ت‪S‬و‪S‬ف‪S‬ى‪326 S‬ه‪S‬ـ)‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ق‪S‬ا‪S‬ب‪S‬س‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ت‪S‬و‪S‬ف‪S‬ي‪ S‬س‪S‬ن‪S‬ة‪( S‬‬
‫‪403‬ه‪S‬ـ)‪S( S‬أ‪S‬ح‪S‬م‪S‬د‪ S‬ف‪S‬ؤ‪S‬ا‪S‬د‪ S‬ا‪S‬أل‪S‬ه‪S‬و‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ي‪ S،1955 S،S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬س‪S‬ال‪S‬م‪ S.S)S‬و‪S‬ه‪S‬ن‪S‬ا‪S‬ك‪ S‬ا‪S‬ال‪S‬ت‪S‬ج‪S‬ا‪S‬ه‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ص‪S‬و‪S‬ف‪S‬ي‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬و‪S‬خ‪S‬ي‪S‬ر‪ S‬م‪S‬م‪S‬ث‪S‬ل‪S‬‬
‫له‪ S‬ه‪S‬و‪ S‬أ‪S‬ب‪S‬و‪ S‬ح‪S‬ا‪S‬م‪S‬د‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬غ‪S‬ز‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ت‪S‬و‪S‬ف‪S‬ى‪505( S‬ه‪S‬ـ)‪S( S‬م‪S‬ح‪S‬م‪S‬د‪ S‬ن‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ل‪ S‬ن‪S‬و‪S‬ف‪S‬ل‪ S،1967 S،S‬أ‪S‬ب‪S‬و‪ S‬ح‪S‬ا‪S‬م‪S‬د‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬غ‪S‬ز‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ي‪ S‬ح‪S‬ي‪S‬ا‪S‬ت‪S‬ه‪ S‬و‪S‬آ‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ؤ‪S‬ه‪ S‬ف‪S‬ي‪S‬‬
‫ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ع‪S‬ل‪S‬ي‪S‬م‪ S، )S‬و‪S‬أ‪S‬خ‪S‬ي‪S‬ر‪S‬اً‪ S‬ه‪S‬ن‪S‬ا‪S‬ك‪ S‬ا‪S‬ال‪S‬ت‪S‬ج‪S‬ا‪S‬ه‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ل‪S‬س‪S‬ف‪S‬ي‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ال‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪S.S‬‬

‫ثانياً ‪ :‬دور الفكر الفلسفي في التربية اإلسالمية‬


‫إن الفكر الفلسفي أو المدرسة الفلسفية في التربية هو أقل تلك المدارس تأثيراً في ميدان التربية في العالم‬
‫اإلسالمي من ناحية التأثير العام‪ ،‬ويرجع‪ S‬ذلك إلى طبيعة العالم اإلسالمي إلى الفلسفة والفالسفة (إبراهيم عبد‬
‫المجيد اللبان‪ ،1954 ،‬الفلسفة والمجتمع اإلسالمي)‪ .‬ولقد كانت هناك عدة عوامل جعلت الفكر الفلسفي فكراً‬
‫غريباً على المجتمع اإلسالمي‪ ،‬أو فكراً انعزالياً محدد التأثير منها (عبد الرحمن النقيب ‪ ،2005‬الفكر التربوي‬
‫اإلسالمي)‪:‬‬
‫‪ -1‬إن الذين نقلوا أصول هذا الفكر الفلسفي إلى العالم اإلسالمي في البداية هم في الغالب من العناصر‪S‬‬
‫غير اإلسالمية(‪ .)1‬أمثال آل بختيشوع‪ S‬وهم من السريان النساطرة‪ ،‬وآل حنين وهم من نصارى‪ S‬الحيرة‪ ،‬وفسطا‪S‬‬
‫ابن لوقا البعلبكي من نصارى الشام‪ ،‬وآل ماسرجويه وهو يهودي المذهب سرياني اللغة‪ ،‬وبالتالي فقد نقلوه دون‬
‫مراعاة لروح اإلسالم‪ ،‬وبذا أصبح هذا الفكر فكراً دخيالً يشتغل به الدخالء غير العرب‪ ،‬ولقد ظل اشتغال غير‬
‫المسلمين بتلك العلوم الفلسفية حتى كان الكندي أول فيلسوف عربي اشتغل بنقل الفلسفة إلى اللغة العربية والتأليف‪S‬‬
‫فيها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Richard Walzer. Greek into Arabic. Okford. Brurocossiver. 1962. p. 6. f t1.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪Iu indraw sweetman. Islawavd Christiav theology. Lovpon, lutterperss. 1945 – 1947.‬‬
‫‪P. B 1fa. Felhawavy. Islamic philosophy.‬‬
‫‪Cairo. AngloeGyptian book shoop 1957. p. 26.‬‬

‫‪-100-‬‬
‫‪ -2‬إن الفالسفة المسلمين تعصبوا في الغالب للفكر اليوناني وقدروه أكثر من الالزم حتى قدموه على النص‬
‫أحيانًا وأولوا النصوص حتى توافق بعض هذه اآلراء اليونانية وال أدل على هذا التعصب الفكري للفالسفة اليونان‪،‬‬
‫وبالذات أرسطو من شكوى ابن سينا من ذلك التعصب وعدم قدرته ‪ -‬وهو فيلسوف ‪ -‬على مخالفة جمهور‬
‫المشائيين بمثل قوله‪« :‬فقد بلينا برفقة منهم» طالب الفلسفة «عاري الفهم كأنهم خشب مسندة يرون التعمق في النظر‬
‫بدعة ومخالفة المشهور ضاللة كأنهم الحنابلة في كتب الحديث» (روزنال‪ ،1961 ،‬مناهج العلماء المسلمين في‬
‫البحث العلمي‪ ،‬ترجمة أنيس فريحة)‪.‬‬
‫‪ -3‬إن الفالسفة المسلمين عندما أرادوا أن يحلوا مشكلة التوفيق بين العقل والنقل وبعد فحص في‪ :‬النظر‬
‫في الفلسفة وعلوم المنطق هل هو مباح بالشرع‪ S‬أم محظور‪ S‬أم مأمور‪ S‬به على جهة الندب أو يحل جهة الصواب‬
‫(ابن رشد‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬الحكمة في فلسفة ابن رشد) وصلوا‪ S‬أخيراً على أن طريق الفلسفة غير طريق الشرع‪،‬‬
‫ورغم أن غاية الفلسفة في نظرهم‪ S‬وغاية الشرع واحدة وهي الوصول‪ S‬إلى الحقيقة إال أن الوسيلة في نظرهم‬
‫مختلفة‪ ،‬فأنت تصل إلى الحقيقة عن طريق‪ S‬الشرع مستخدماً النص معتمداً عليه‪ ،‬أو عن طريق الفلسفة مستخدماً‬
‫العقل معتمداً على المنطق‪ .‬ولذا فإن طريق الفلسفة في نظرهم هو طريق الخاصة والحكماء‪ ،‬والشرع‪ S‬طريق‬
‫العامة والدهماء وال يمكن التوفيق بين الفلسفة والدهماء والعقيدة إال إذا حدث تفرق بين عقيدة العامة وعقيدة‬
‫الخاصة‪ ،‬وإ ال إذا حدث تأويل في شرح بعض اآليات المنزلة‪ ،‬وهذا هو موقف الكندي والفارابي‪ S‬ابن سينا وابن‬
‫رشد وغيرهم (حنا الفاخوري‪ ،‬خليل الجر‪ ،1958 ،‬تاريخ الفلسفة العربية‪.).‬‬
‫إن فلسفتنا التربوية ليست وليدة الخبرة‪ ،‬وال تبنى بناء على نحو مطلق ‪ -‬كما يرى بعض الباحثين ‪ -‬وال‬
‫هي في المقابل فلسفة مغلقة‪ ،‬كل ما فيها قطعي‪ S‬ونهائي‪ ،‬وال هي فلسفة متعالية تدعي نضج نظمنا التربوية‪،‬‬
‫وتوصد‪ S‬األبواب أمام تراكم الخبرة‪ ،‬فاإلسالم دين عمل‪ ،‬ولذا فال يكاد يذكر اإليمان إال ويذكر معه العمل الصالح‬
‫وكان ‪ ‬يستعيذ‪ S‬باهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬من علم ال ينفع؛ وإ ن أكبر مشكلة خلقتها الفلسفة اإلسالمية وغير اإلسالمية‬
‫يعد الخالق ‪ -‬سبحانه ‪ -‬العقل البشري‪ S‬الستجالء كنهها‪ ،‬فكان حليفها‬‫لنفسها‪ ،‬أنها أقحمت نفسها في بحث أمور لم َّ‬
‫دائماً اإلخفاق واالضطراب‪.‬‬
‫إن النظريات التربوية ال تعدو أن تكون أدوات في يد الفلسفة التربوية وهي مثل كل األدوات‪ ،‬تستمد قيمتها‪S‬‬
‫من مدى إمكانية تطبيقها‪ ،‬ومن تحقيقها للغايات التي نشأت من أجلها‪ ،‬ولذا فإنها قد تصلح في مرحلة‪ ،‬وال تصلح‬
‫أن علينا أن نغير من هدف العلم‪،‬‬ ‫في أخرى‪ ،‬وقد‪ S‬تصلح في بلد‪ ،‬وال تصلح في بلد آخر‪ ،‬والقرآن الكريم يشير إلى ّ‬
‫غي ُر ما‬ ‫ومن هدف التربية‪ ،‬وأن نضيف إلى محاولة فهم العالم محاولة تغييره‪ ،‬كما في قوله سبحانه‪َّ  :‬‬
‫إن اهللَ ال ُي ِّ‬
‫غيروا ما بأنفُ ِس ِه ْم‪[ ‬سورة الرعد‪ :‬اآلية‪.]11‬‬ ‫ٍ‬
‫بقوم حتَّى ُي ِّ‬

‫فالتربية اإلسالمية أصبحت ضرورة حتمية‪ ،‬وقضية إنسانية لتخليص الطفولة في البشرية عموماً من‬
‫التهديد والضياع من النظم المادية غير اإلنسانية وبين اإلباحة والتدليل والميوعة (عبد الرحمن النحالوي‪،‬‬
‫‪ ،1983‬أصول التربية اإلسالمية) إلنقاذ الطفولة في الشعوب النامية والضعيفة من الخنوع والذل وويالت‬
‫الجوع واالستسالم‪ S‬لطغيان الظلم واالستبداد‪.‬‬
‫وذلك بما تغرسه التربية اإلسالمية في اإلنسان من العزة والشعور‪ S‬بالكرامة بل االستحقاق في سبيلها‪ ،‬مهما‬
‫وللمؤ ِم َ‬
‫نين‪[ ‬سورة المنافقون‪:‬اآلية ‪.]8‬‬ ‫ْ‬ ‫العزةُ وِل َرسوِل ِه‬
‫أحاطت به الشدائد‪ ،‬أو أذهلته عنها المغريات‪ .‬وهلل َّ‬

‫‪-101-‬‬
‫‪ -‬إن الفلسفة بمعناها عند المسلمين في العصور الوسطى كانت من علوم الخاصة‪ ،‬والفالسفة أنفسهم جميعًا‬
‫أصروا على ذلك‪ ،‬ونهوا العوام عن االشتغال بها وحددوا عددًا من الشروط للذي يعمل بها وما يجب أن يدرس قبل‬
‫أن يتعلم الفلسفة (الفارابي‪1328 ،‬هـ‪ ،‬ما ينبغي أن يقدم قبل تعلم الفلسفة)‪.‬‬
‫وكانت لغتها صعبة في الواقع‪ ،‬ربما لطبيعة موضوعاتها‪ ،‬وربما بقصد من الفالسفة ألسباب خاصة بهم‪.‬‬
‫ونشير‪ S‬إلى أن أفالطون كتب ألرسطو‪ S‬معاتباً إياه على وضوح‪ S‬كتبه الفلسفية فرد عليه أرسطو قائالً‪« :‬إني‬
‫وإ ن دونت هذه العلوم والحكم المضنون بها فقد رتبتها ترتيباً ال يخلص إليها إال أهلها‪ ،‬وعبرت عنها بعبارات ال‬
‫يحيط بها إال بنوها» (الفارابي‪ ،1328 ،‬ما ينبغي أن يقدم قبل تعلم الفلسفة)‪.‬‬
‫وقد علل الفارابي أسباب تعهده لهذا اإلغماض في كتب الفالسفة بما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬استبراء طبيعة المتعلم هل يصلح للتعليم أم ال؟‬
‫‪ -2‬لئال تبذل الفلسفة لجميع الناس بل لمن يستحقها فقط‪.‬‬
‫‪ -3‬ليروض الفكر بالتعب في الطلب‪.‬‬
‫وبذا يكون ما جاء به حامد عمار في كتابه بناء البشر أن الفالسفة ارتبطوا بالخلفاء واألمراء‪ ،‬واعتمدوا‬
‫على تشجيعهم‪ ،‬وهذا كان يهيئ لهم فرص الدراسة والبحث ما دام هؤالء الحكام واألمراء من أحرار الفكر‪ ،‬ومن‬
‫ذوي القوة والسلطان‪ ،‬ولكنه في نفس الوقت عرضهم لسلطان هؤالء الحكام وبطشهم‪ S‬واقتصار دائرة تأثيرهم في‬
‫حاالت أخرى كثيرة (حامد عمار‪ ،1964 ،‬في بناء البشر)‪.‬‬
‫إن رجال الفكر اإلسالمي ‪ -‬لعوامل عديدة ‪ -‬قد حاربوا هذا االتجاه الفلسفي ورموا رجاله بالكفر أحياناً‬
‫كما فعل الغزالي وابن تيمية‪ ،‬ورغم أن العداء بين التيار العقلي عموماً والتيار النقلي عداء قديم‪ S‬لم يسلم منه حتى‬
‫المعتزلة أنفسهم رغم أنهم علماء كالم (عبد الدائم أبو العطاء‪ ،1948 ،‬أهداف الفلسفة اإلسالمية)‪.‬‬
‫المعركة قد احتدم أوارها بضعف الحكام وحاجتهم‪ S‬إلى السند الشرعي القوي وسيطرة نزعة التقليد حتى إنه‬
‫لم يأت القرن الثاني عشر الميالدي حتى أحرقت رسائل إخوان الصفا ومؤلفات ابن سينا في بغداد عام ‪1150‬م‬
‫وعدت هذه المؤلفات هرطقة وخروجاً عن الدين الحنيف وقد روى‪ S‬جالل الدين السيوطي‪ S‬عن الشيخ نصر الدين‬
‫المقدسي‪ ،‬أن يحيى بن خالد بن برمك كتب إلى ملوك الروم برغبته في نقل الكتب اليونانية إلى اللغة العربية‪،‬‬
‫وكان ملك الروم قد خاف على قومه من النظر في تلك الكتب اليونانية أن يتركوا دين النصرانية‪ ،‬ويرجعوا‪ S‬إلى‬
‫بناء محكماً حتى ال يصل‬‫دين اليونانية وتشتت كلمتهم وتتفرق جماعتهم تجمع تلك الكتب في موضع ويبنى‪ S‬عليها ً‬
‫إليها أحد‪ ،‬فلما طالبه خالد ابن برمك بذلك استطار فرحاً‪ S‬وجمع البطارقة واألساقفة والرهبان وقال لهم‪ :‬إنه مرسل‬
‫تلك الكتب إلى خالد بن برمك وسائله أال يردها قط حتى يبتلوا بها (عباس محمود‪ S‬العقاد‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬التفكير‬
‫فريضة إسالمية)‪.‬‬

‫‪-102-‬‬
‫بذا نستطيع القول‪ :‬إن المدرسة الفلسفية في الفكر اإلسالمي كانت مدرسة محدودة التأثير أرستقراطية‬
‫الفكر‪ .‬كانت مدرسة الخاصة فقط‪ ،‬وكانت كنت هؤالء الفالسفة تمثل «دوائر منفصلة عن تيار الفكر اإلسالمي‬
‫العام» (علي سامي النشار‪1367 ،‬هـ‪ ،‬مناهج البحث عند مفكري اإلسالم)‪ .‬قليلة التأثير على حياة المجتمع العقلية‬
‫والتربوية‪ ،‬وهذا الكالم ال يخلو من الصحة إذا قيس باألثر الفقهي أو األثر الصوفي‪ S‬في تاريخ الفكر اإلسالمي‬
‫والتربوي‪ S‬في العصور الوسطى‪ S.‬وال يعني ذلك تجاهل تلك المدرسة الفكرية‪ ،‬إذ إنه ليس في مقدور أي باحث‬
‫للحركة الفكرية في العصور‪ S‬اإلسالمية الزاهية أن يتجاهل هذا التيار الفلسفي أو أن يقلل من شأنه‪ ،‬وخصوصاً أنه‬
‫تيار خصب مبدع وخالق في بعض نواحيه‪ ،‬وأن إنتاجه العقلي والفكري ال يقل عن التيارين اآلخرين‪ :‬الفقهي‬
‫والصوفي غزارة وأهمية‪.‬‬
‫والحق أن كتابات ابن سينا تعد قمة فيما وصل إليه هذا التيار الفلسفي اإلسالمي في أوضح صورة وأشملها‪،‬‬
‫هذا من ناحية‪ ،‬ومن ناحية أخرى فإن آراء ابن سينا التربوية سوف تظهر لنا كيف اضطر فالسفة المسلمين إلى‬
‫الحديث في أمور التربية لكي يدعموا هذا االتجاه الفلسفي(‪ )1‬ويدخلوه في صميم عملية التعليم‪ ،‬محاولين تأكيد هذا‬
‫االتجاه وإ ظهار قيمته وجدوى علومه ومناهجه‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬عالقة علم التربية بالعلوم األخرى‬


‫لما كانت التربية اإلسالمية تربية واعية‪ ،‬هادفة‪ ،‬وقد‪ S‬وضع اهلل أسسها في هذه الشريعة لجميع البشر‪ -‬كان‬
‫لزاماً علينا أن نبين هدفها السامي الذي عينه اهلل لجميع البشر‪ ،‬قبل الشروع ببيان أساليبها وخصائصها‪ ،‬ألن‬
‫الهدف هو الذي يعين األساليب‪ ،‬ولو ألقينا نظرة على أسس التربية اإلسالمية‪ ،‬وتصور اإلسالم للكون والحياة‪،‬‬
‫وألهداف الحياة لوجدنا‪ S‬فيها‪:‬‬
‫إن اهلل خلق الكون‪ ،‬لهدف معين‪ ،‬وأوجد اإلنسان على األرض ليكون خليفة يحقق طاعة اهلل‪ ،‬ويهتدي بهديه‪،‬‬
‫وسخر ما في السموات واألرض‪ ،‬فجعل ذلك كله خادمًا لحياة اإلنسان محققًا لها‪ .‬وأن اهلل جعل لهذا الكون ولهذه الحياة‬
‫ال ينتهي في وقت محدود عند اهلل‪ ،‬من هذه النظرة اإلسالمية إلى الكون يتضح أن الهدف األساسي لوجود‬ ‫الدنيا أج ً‬
‫اإلنسان في الكون‪ ،‬هو عبارة اهلل والخضوع له‪ ،‬والخالفة في األرض ليعمرها بتحقيق شريعة اهلل وطاعته‪ ،‬وقد‬
‫ون‪[ ‬سورة الذاريات‪:‬اآلية ‪.]56‬‬ ‫س إ ّال ِلَي ْعِبُد ِ‬ ‫صرح القرآن بهذا الهدف في قوله تعالى‪ :‬وما َخَل ْق ُت ِ‬
‫الج َّن ِ‬
‫واإلْن َ‬
‫فإن تربيته يجب أن تكون لها نفس الهدف ألن التربية اإلسالمية‬ ‫وإ ذا كانت هذه مهمة اإلنسان في الحياة‪ّ ،‬‬
‫هي «تنمية فكر اإلنسان وتنظيم‪ S‬سلوكه‪ ،‬وعواطفه‪ ،‬على أساس الدين اإلسالمي»‪.‬‬
‫ولقد حفل القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بالدعوة إلى إعمال العقل والتفكير في ظواهر‪ S‬الكون‬
‫واإلشادة بالتدبر في آيات اهلل المختلفة وعوالمه المتعددة (نبات‪ ،‬وحيوان‪ ،‬وإ نسان‪ ،‬وطبيعة‪ ...‬الخ) وتقريع‬
‫ِ‬
‫ض فانظُروا كيف َب َدأَ‬ ‫يروا في األ َْر ِ‬ ‫الجهال والغافلين والسخرية ممن ال يعلمون‪ ،‬وال يفكرون‪ ،‬يقول تعالى‪ُ  :‬ق ْل س ُ‬
‫ق‪[ ‬سورة العنكبوت‪:‬اآلية ‪ ]20‬وقوله تعالى‪ُ  :‬ق ْل ا ْنظُ ْروا ماذا في السموات واألرض‪[ ‬سورة يونس‪ :‬اآلية‬ ‫ا ْل َخ ْل ُ‬
‫ض َو ُح ْمٌر‬‫ال ُج َد ًد ِب ْي ً‬ ‫ات م ْختَِلفاً أَْل َوا ُنها َو ِم َن ِ‬
‫الج َب ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أن اهلل أَ ْن َز َل من َّ ِ‬
‫‪ ]101‬وقوله‪ :‬أَلَ ْم تََر َّ‬
‫َخ َر ْج َنا به ثَ َم َر ُ‬
‫ماء فأ ْ‬
‫الس َماء ً‬
‫اب واألَ ْن َع ِام ُم ْختَ ٌ‬
‫لف أَْل َوا ُنه‬ ‫َّو ِ‬ ‫الن ِ‬
‫اس والد َّ‬ ‫ود‪[ ‬سورة فاطر‪:‬اآلية‪ ]27‬وقوله تعالى‪َ  :‬و ِم َن َّ‬ ‫س ٌ‬‫وغرابيب ُ‬
‫ُ‬ ‫ف أَْل َوا ُنها‬‫ُم ْختَِل ٌ‬
‫اء‪[ ‬سورة فاطر‪:‬اآلية ‪ .]28‬فأمثال هذه اآليات وغيرها كثير تدعو العقل‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫َك َذِل َك َّإن َما َي ْخ َ‬
‫العلَ َم ُ‬
‫شى اهللُ من ع َباده ُ‬
‫المسلم إلى التأمل والنظر في ظواهر‪ S‬الطبيعة ومجال الكون ومحاولة تأمل أسرارها‪ S‬والتعمق في فهمها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Maurice Goude Fray. Demombyres, Muslin – institution slovdov GeorFe Allenurwivlt.‬‬ ‫)‪(1‬‬ ‫‪D. 1950. p 204.‬‬

‫‪-103-‬‬
‫إذا ما رجعنا إلى مؤلفات المسلمين في مجال العلوم الطبيعية ألدركنا مدى صلتها باهلل وتوحيده‪ ،‬واإليمان‬
‫بقدرته وعظمته وحكمته‪ ،‬وإ ذا رجعنا إلى مؤلفاتهم في العلوم الدينية لوجدنا أنها تقوم على األدلة والحجج العقلية‬
‫معاً‪ ،‬حتى علوم أصول الدين الذي يتناول قضية التوحيد ال يستند إلى األدلة النقلية فقط كما يتبادر‪ S‬إلى الذهن‪ ،‬إنما‬
‫يقوم بجوار ذلك على نظرية متكاملة في المعرفة تناقش مصادر العلم ذاتها من محسوسات ومجريات‪ S‬ومشاهدة‬
‫وأوليات وبديهيات ومتوافرات‪ ....‬الخ حتى تصل في النهاية إلى «التوحيد‪ S‬اإلسالمي» العقلي والنقلي معاً ويمكن‬
‫أن نجد ذلك واضحاً‪ S‬في مؤلفات عديدة مثل‪ :‬العقيدة النظامية للجويني‪)478( S‬هـ االقتصاد‪ S‬في االعتقاد للغزالي (‬
‫‪)505‬هـ وطوالع‪ S‬األنوار للبيضاوي (‪)685‬هـ والمواقف لإليجى (‪756‬هـ) وأشرف‪ S‬المقاصد للتفتازاني (‪791‬هـ)‬
‫(حسن حنفي‪ ،1982 ،‬دراسات إسالمية)‪.‬‬
‫ولقد أحصى أحد الباحثين ما ورد في القرآن من آيات تتعلق بالعلوم الطبيعية فوجد أنها تمثل أكثر من‬
‫ُعشر القرآن‪ ،‬فمن بين مجموع آيات القرآن وعددها (‪ )6257‬آية وجد (‪ )620‬آية تتعلق بشتى الموضوعات‪S‬‬
‫العلمية موزعة كما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬الذرة ‪5‬‬ ‫‪ -‬الفيزياء ‪64‬‬ ‫‪ -‬الرياضيات ‪61‬‬
‫‪ -‬الفلك ‪100‬‬ ‫‪ -‬النسبية ‪62‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪ -‬الكيمياء‬
‫‪ -‬علم السالالت البشرية ‪10‬‬ ‫‪ -‬الجغرافيا العامة ‪73‬‬ ‫‪ -‬علم األحياء ‪26‬‬
‫‪ -‬طبقات األرض ‪ - 20‬علم الكون وتاريخ األحداث الكونية(‪.)1‬‬
‫وصف العلم والعلماء والحث على طلب العلم (عبد الرحمن النقيب‪ ،2002 ،‬الفكر التربوي اإلسالمي)‪.‬‬
‫وبعد أن اتضح مفهوم العلم الذي ينسجم مع التصور‪ S‬اإلسالمي‪ ،‬فإنه ينبغي التدقيق‪ S‬في معنى لفظة تربوي‪S‬‬
‫التي تلحق ببعض العلوم‪ .‬وقد اصطلح على نعت مجموعة من العلوم بلفظة التربوية‪ ،‬وهذا هو علم النفس‬
‫التربوي‪ ،‬وعلم االجتماع التربوي‪ ،‬وتاريخ التربية وفلسفة التربية وغيرها‪ .‬وقد يوحي وصف مجموعة من‬
‫العلوم بأنها تربوية وأن غيرها ليست تربوية‪ .‬وهذا أمر ال يمكن القبول به‪ ،‬فعلوم‪ S‬الشريعة تربوية؛ ألنها تدل‬
‫اإلنسان على طريق‪ S‬الخير وتجنبه طريق‪ S‬الشر‪ ،‬وعلم الرياضيات والفلك والكيمياء علوم تربوية؛ ألن دراسة كل‬
‫منها يؤدي‪ S‬إلى اكتساب مهارات واتجاهات معينة‪)1(.‬‬
‫إن كل علم في اإلسالم موصول باهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وإ ن جميع العلوم لها عالقة تأثير وتأثر في التربية‬
‫إذا قصر‪ S‬بالتربية المفهوم العام‪ ،‬والذي قوامه في اإلسالم تنشئة اإلنسان الصالح‪ ،‬وفي المجتمعات القومية تنشئة‬
‫المواطن الصالح‪ ،‬ومن الممكن التعرف على المقصود من لفظ تربوي التي تلحق ببعض العلوم إذا أمكن تحديد‬
‫الوظائف التي تؤديها هذه العلوم‪ ،‬وإ ن كل علم يسهم في تحقيق أهداف التربية العامة هو علم تربوي بالضرورة‬
‫ونشير إلى أن منطق العلم ليس في تضاد مع منطق الوحي وأنهما ضدان ال يجتمعان؛ ذلك ألن علماء المسلمين‬
‫الذين عملوا بالعلوم‪ S‬والطب والهندسة وغيرها ‪ -‬مثل ابن سينا والبيروني‪ S‬والخيام ونصر‪ S‬الدين الطوسي وغيرهم‬
‫لم يشعروا‪ S‬بأي صراع أو تناقض بين اإلنسان المسلم واإلنسان العلمي‪ ،‬ولم يحل أخذهم بالمنهج الديني أن يبدعوا‬
‫في مجاالت العلوم ذات المنهج العلمي التجريبي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Segyed Hossienrasr: Islam and plight of Modern mar, lovGmar, lovdor, new (1) Gort, 1975. pp. 147, 178.‬‬

‫‪-104-‬‬
‫إذ كانت العلوم والمعارف سواء أكانت عقلية أم نقلية وفق‪ S‬النظرة اإلسالمية للمعرفة علوماً توصل إلى‬
‫اهلل‪ ،‬يقول فؤاد‪ S‬زكريا‪« :‬كان العلم اإلسالمي ينطوي‪ S‬على جانبي الدنيوية واألزلية في آن واحد‪ ،‬ويستهدف‪ S‬العلم‬
‫خدمة الحياة اإلنسانية في هذا العالم األرضي‪ S‬في إطار تركز أصوله على النظر إلى عالم السماء واألرض‪،‬‬
‫واستخالص العبرة من نظامه المحكوم‪ ،‬وقوانينه األزلية‪ ،‬وهكذا كان العلماء يقومون ببحوثهم‪ S‬مؤمنين بأن العلم‬
‫ركن أساسي من أركان العقيدة ولم تكن فكرة التعارض بين العلم واإليمان الديني تخطر ببال أحد منهم‪ ،‬بل إن كل‬
‫من أثاروا هذه الفكرة لم يكونوا من العلماء‪ ،‬ولم تكن لديهم أدنى فكرة عن الطبيعية الحقيقية للبحث العلمي وعن‬
‫أهدافه اإلنسانية الرفيعة» (فؤاد‪ S‬زكريا‪ ،1978 ،‬التفكير العلمي)‪.‬‬
‫الواقع أن كثيرًا من العلماء المعاصرين يؤكدون هذا المنهج اإلسالمي الصحيح في طليعتهم يوسف مروة‬
‫حيث قال‪« :‬وإ نني كلما فهمت قانونًا من هذه القوانين (العلمية) ازددت إيمانًا بقدرة اهلل وعظمته وحكمته وقوته‪،‬‬
‫فاإلنسان لم ينصع قوانين الطبيعة الفيزيائية والكيميائية والفلكية والحيوية والرياضية‪ ،‬إن العلماء لم يفعلوا أكثر من‬
‫كشف الغطاء عن هذه القوانين اإللهية ومحاولة فهمها وتفسيرها واستعمالها‪ ،‬وهذه القوانين قائمة سواء كان اإلنسان‬
‫موجودًا أو معدومًا فهي وجدت قبل خلق الكون‪ ،‬ومن هنا أفهم أن قوانين الطبيعة هي كلمات اهلل وأنظمته في تيسير‬
‫الكون منذ بدء الخليقة‪ ،‬وإ ن كل قانون نكتشفه وندرسه ونفهمه هو برهان ساطع على وجود اهلل وعلى عظمته‬
‫وحكمته وقدرته» (يوسف مروة‪ ،1986 ،‬العلوم الطبيعية في القرآن)‪.‬‬
‫إن فلسفة التربية هي التي تساعد الناس على قبول التغيير ومواكبته‪ ،‬بل إنها هي التي تمكن القيادات‬
‫الفكرية والتربوية من التخطيط‪ S‬للتغيير‪ ،‬وليست مهمة فالسفة التربية أن يمهدوا السبيل أمام التغييرات المطلوبة‬
‫فحسب‪ ،‬وإ نما التبشير‪ S‬والمطالبة بها من خالل تفكيرهم الدائم في وضع المجتمع‪ ،‬وتلمسهم لما يصلح شؤونهم في‬
‫جميع مجاالت الحياة‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬العالقة بين الفلسفة والعلم والدين عند ابن سينا‬


‫الواقع أن التربية البدائية خضعت لفلسفة اإلنسان البدائي‪ ،‬فقد واجه هذا اإلنسان الكون والطبيعة في جميع‬
‫الجوانب وبدأ يتساءل‪ ،‬وكانت أولى المشكالت الفكرية مشكالت طبيعة الكون وتفسير‪ S‬المظاهر الكونية‪ ،‬ثم عالقة‬
‫وكون اإلنسان نظريات للكون والسماء واألرض والشمس‪ ....‬ونظريات متعلقة بعالقته‬ ‫اإلنسان بالكون وقواه‪ّ ،‬‬
‫بهذه القوى‪ ،‬وأخذ يعلل ما يصيبه من خير وشر على ضوء نظريات بدائية غيبية تحولت إلى عقائد وأنماط‪S‬‬
‫سلوكية شبيهة بالعبادات‪ ،‬والغرض من ذلك مواجهة القوى الطبيعية وتحويلها إلى مصلحة اإلنسان (الرقص ‪-‬‬
‫التعاويذ ‪ -‬الحفالت الدينية) فأول تربية في العالم وفق هذا التصور منبعثة من األصل الفلسفي‪.‬‬
‫والواقع أن الباحثين أشاروا إلى أن الفكر الوضعي يجعل الفلسفة تسبق الدين‪ ،‬وأن جميع العلوم الطبيعية‬
‫واإلنسانية التي تتناول شتى الظواهر الطبيعية واإلنسانية بالدراسة التي تقوم على المالحظة والتجريب من أجل‬
‫الوصول إلى القوانين والنظريات التي تفسر الظواهر خرجت من الفلسفة‪ ،‬ولقد بدأ التفكير في تلك العلوم فلسفيًا يقوم‬
‫على القياس ورد القضايا الجزئية إلى قضايا كلية‪ ،‬وظلت العلوم جزءًا من الفلسفة طوال العصور القديمة والوسطى‬
‫إلى أن استقلت العلوم بمناهجها التجريبية عن الفلسفة وأصبحت العلوم تصطنع المنهج التجريبي‪ .‬وبذلك صارت‬
‫الفلسفة لها مجاالتها ومناهجها المتميزة عن العلم بمجاالته المحددة ومناهجه التي تقوم في معظمها على االستقراء‬
‫والتجريب (عبد الرحمن‪ ،2004 ،‬الفكر التربوي اإلسالمي)‪.‬‬

‫‪-105-‬‬
‫أما‪ S‬الدين فقد ظل‪ S‬ينظر‪ S‬إليه خاصة‪ S‬في‪ S‬العصور‪ S‬الحديثة‪ S‬على‪ S‬أنه يختلف‪ S‬عن الفلسفة‪ ،‬وعن العلم وهو‪S‬‬
‫أكثر‪ S‬ارتباطاً‪ S‬بالوجدان‪ S‬ال بالعقل‪ ،‬وأقرب‪ S‬إلى‪ S‬المينافيزيا‪ S‬والغيبيات‪ S‬التي تخرج‪ S‬عن ميدان العلم‪ ،‬وفي‪ S‬الوقت‪S‬‬
‫الذي ق ّ‪S‬ل فيه االحتفال بالفلسفة وأهمية الفلسفة لصالح العلم‪ S‬كادت منزلة‪ S‬الدين أن تختفي‪ S‬واكتفى‪ S‬اإلنسان‬
‫المعاصر‪ S‬بالفلسفة والعلم‪ S‬كمجالين وحيدين‪ S‬قادرين‪ S‬على مده بالحقائق‪ S‬العلمية والنظري‪S‬ات‪ S‬الفلسفية التي‪ S‬يعيش‬
‫على‪ S‬ضوئها‪ S،‬ولعل مشكلة اإلنسان‪ S‬المعاصر‪ S‬بالعقل أنه لم يستطع‪ S‬حتى‪ S‬اآلن أن يجد‪ S‬نظاماً‪ S‬معرفياً‪ S‬يوحد‪ S‬بين‬
‫الدين والفلسفة والعلم‪( S‬عبد الرحمن‪ S‬عبد الرحمن‪ ،2004 ،‬الفكر التربوي‪ S‬اإلسالمي)‪.S‬‬
‫الحق أن محاولة الفصل بين الدين والعلم والفلسفة لم يكن في صالح اإلنسان وال من صالح البحث‬
‫ادعى من بعد عن الدين أو الفلسفة فمن المحال تحقيق ذلك ألن‬
‫للوصول إلى الحقيقة؛ ذلك أن العلم نفسه مهما ّ‬
‫العالقة بينهما جدلية‪ ،‬فالعالم‪ S‬وهو يجري تجاربه إلثبات نظرية أو قانون سوف يعتمد حكماً على بعض المعطيات‬
‫الفلسفية مثل قانون السببية أو قانون الحتمية وكذلك قانون االطراد ألن لكل منهما مسلمات فلسفية يقوم عليها‬
‫العلم‪.‬‬
‫وإ ذا كانت الفلسفة ضرورية لوجود العلم‪ ،‬فالذي‪ S‬يعصم الفلسفة والعلم من أي انحراف هو الدين‪ ،‬فالدين‬
‫يعصم الفلسفة من أن تكون تهويمات عقلية دون عاصم من شك أو ضالل‪ ،‬كما حدث بالفعل في تاريخ الفلسفة‬
‫عندما تحول التفلسف إلى شك وجحود وإ نكار‪ S‬أو تبرير‪ S‬الظلم والطغيان‪.‬‬
‫كما أنه يحول دون العلم أن ينفلت ويصبح أداة من أدوات التدمير والعدوان‪ ،‬فتآزر الدين والعلم والفلسفة‬
‫هو سبيل اإلنسان لتشييد حضارته التي تقوم على تكامل المعرفة الدينية والعلمية والفلسفية‪ ،‬بل يمكن القول‪ :‬إن‬
‫الدين بدون فلسفة وعلم دين سطحي‪ ،‬والعلم بدون فلسفة‪ ،‬ودين علم زائف‪ ،‬والفلسفة بدون علم ودين فلسفة فجة‬
‫غير ناضجة (محمد أبو القاسم حاج أحمد‪1399 ،‬هـ‪ ،‬العالمية اإلسالمية الثانية)‪.‬‬
‫ل‪S‬ق‪S‬د‪ S‬ح‪S‬ا‪S‬و‪S‬ل‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ش‪S‬ي‪S‬خ‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ر‪S‬ئ‪S‬ي‪S‬س‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬و‪S‬ف‪S‬ي‪S‬ق‪ S‬ب‪S‬ي‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ق‪S‬ل‪ S‬و‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ق‪S‬ل‪ S،‬ف‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ال‪S‬س‪S‬ف‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬غ‪S‬ر‪S‬ي‪S‬ق‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ق‪S‬د‪S‬ا‪S‬م‪S‬ى‪ S‬ك‪S‬ا‪S‬ن‪S‬و‪S‬ا‪ S‬ي‪S‬ق‪S‬و‪S‬ل‪S‬و‪S‬ن‪ S‬ب‪S‬أ‪S‬ز‪S‬ل‪S‬ي‪S‬ة‪S‬‬
‫ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪ S،S‬و‪S‬أ‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬د‪S‬ي‪S‬ن‪ S‬ي‪S‬ق‪S‬و‪S‬ل‪ S:S‬ب‪S‬أ‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪ S‬م‪S‬خ‪S‬ل‪S‬و‪S‬ق‪ S،S‬و‪S‬ق‪S‬د‪ S‬خ‪S‬ل‪S‬قه‪ S‬ا‪S‬هلل‪ S‬ت‪S‬ع‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬و‪S‬أ‪S‬و‪S‬ج‪S‬د‪S‬ه‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬د‪S‬م‪ S،S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S‬ل‪S‬م‪ S‬ي‪S‬ق‪S‬ف‪ S‬ح‪S‬ا‪S‬ئ‪S‬ر‪S‬اً‪S‬‬
‫أ‪S‬م‪S‬ا‪S‬م‪ S‬ذ‪S‬ل‪S‬ك‪ S،S‬ب‪S‬ل‪ S‬أ‪S‬ق‪S‬د‪S‬م‪ S‬ع‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬و‪S‬ف‪S‬ي‪S‬ق‪ S‬ب‪S‬ي‪S‬ن‪ S‬ه‪S‬ذ‪S‬ي‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ق‪S‬و‪S‬ل‪S‬ي‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ت‪S‬ن‪S‬ا‪S‬ق‪S‬ض‪S‬ي‪S‬ن‪ S،S‬و‪S‬و‪S‬ض‪S‬ع‪ S‬ل‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬ح‪S‬الً‪ S‬و‪S‬س‪S‬ط‪S‬اً‪ S‬ر‪S‬آ‪S‬ه‪ S‬م‪S‬ف‪S‬ع‪S‬و‪S‬الً‪ S،S‬ف‪S‬ق‪S‬ا‪S‬ل‪ S:S‬إ‪S‬ن‪S‬‬
‫ك‪S‬ل‪ S‬ح‪S‬ا‪S‬د‪S‬ث‪ S‬ق‪S‬د‪ S‬س‪S‬ب‪S‬ق‪ S‬و‪S‬ج‪S‬و‪S‬د‪S‬ه‪ S‬ز‪S‬م‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬و‪S‬إ م‪S‬ك‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬و‪S‬ج‪S‬و‪S‬د‪ S،S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ز‪S‬م‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ال‪ S‬ي‪S‬ت‪S‬ص‪S‬و‪S‬ر‪ S‬ب‪S‬د‪S‬و‪S‬ن‪ S‬ح‪S‬ر‪S‬ك‪S‬ة‪ S،S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ح‪S‬ر‪S‬ك‪S‬ة‪ S‬ع‪S‬ر‪S‬ض‪ S،‬و‪S‬ك‪S‬ذ‪S‬ل‪S‬ك‪S‬‬
‫إ‪S‬م‪S‬ك‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬و‪S‬ج‪S‬و‪S‬د‪ S‬ع‪S‬ر‪S‬ض‪ S،S‬و‪S‬م‪S‬ع‪S‬ل‪S‬و‪S‬م‪ S‬أ‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ر‪S‬ض‪ S‬ال‪ S‬ي‪S‬ك‪S‬و‪S‬ن‪ S‬إ‪S‬ال‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬م‪S‬و‪S‬ض‪S‬و‪S‬ع‪ S‬أ‪S‬و‪ S‬م‪S‬ا‪S‬د‪S‬ة‪ S.S‬ف‪S‬ك‪S‬ي‪S‬ف‪ S‬ي‪S‬ن‪S‬ف‪S‬ق‪ S‬ذ‪S‬ل‪S‬ك‪ S‬عل‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬د‪S‬م‪S‬‬
‫ا‪S‬ل‪S‬س‪S‬ا‪S‬ب‪S‬ق‪ S‬ل‪S‬و‪S‬ج‪S‬و‪S‬د‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ش‪S‬ي‪S‬ء‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ح‪S‬ا‪S‬د‪S‬ث‪ S،S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬د‪S‬م‪ S‬ال‪ S‬ي‪S‬ك‪S‬و‪S‬ن‪ S‬ف‪S‬ي‪S‬ه‪ S‬ع‪S‬ر‪S‬ض‪ S‬و‪S‬ال‪ S‬م‪S‬و‪S‬ض‪S‬و‪S‬ع‪ S‬و‪S‬ال‪ S‬م‪S‬ا‪S‬د‪S‬ة‪.S.S..S‬؟‪S( S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S،S‬ب‪S‬د‪S‬و‪S‬ن‪S‬‬
‫ت‪S‬ا‪S‬ر‪S‬ي‪S‬خ‪ S،S‬م‪S‬ج‪S‬م‪S‬و‪S‬ع‪S‬ة‪ S‬ر‪S‬س‪S‬ا‪S‬ئ‪S‬ل‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ح‪S‬ك‪S‬م‪S‬ة)‪S.S‬‬
‫إن كتابات ابن سينا المختلفة تمثل اجتهاداً بين الفلسفة والعلم والدين‪ ،‬وهو اجتهاد موضوعي فيه الكثير من‬
‫الصواب‪ ،‬أثرى الحياة الفكرية في عصره‪ ،‬وما زال قادراً‪ S‬على اإلثراء في هذا العصر‪ ،‬ومن خالل كتاباته نقدر‬
‫تلك االجتهادات المختلفة للتوفيق بين الفلسفة والعلم والدين‪ .‬فابن سينا بين مفكري اإلسالم من خير من يحمل هذا‬
‫الطابع ويعبر عنه‪:‬‬
‫ألم بالثقافة اإلسالمية الشاملة المعاصرة له‪ ،‬وهضمها‪ S‬خير هضم‪ ،‬ثم ترجم عنها ترجمة صادقة فلسفته‬ ‫فقد ّ‬
‫كلها متآخية مع العلم وممتزجة به كل االمتزاج فهو مفكر عالمي‪ ،‬يرتفع عن حدود الزمان والمكان‪ ،‬وال غرابة‬
‫فهو عالم وفيلسوف؛ والعلم والفلسفة الحقة ال وطن لهما‪ ،‬ففلسفته هي فلسفة اللغة العربية منذ القرن الخامس‬
‫الهجري إلى أوائل القرن الحالي‪.‬‬

‫‪-106-‬‬
‫يرى ديوي‪ S‬أن كل فكر فلسفي‪ ،‬على اختالف المذاهب‪ ،‬يرتبط بخصوصية تاريخية‪ ،‬واإلشكالية الفلسفية‬
‫تعبر عن إشكالية تاريخية‪ .‬وعلى هذا النحو يجرد اإلشكالية الفلسفية من خصوصيتها‪ S‬التي تميزها عن أشكال‬
‫الفكر األخرى‪ ،‬ليجعل منها صورة من التعبير الفكري عن التاريخ بأبعاده السياسية واالجتماعية واالقتصادية‬
‫وبالصراعات التي تنبثق فيه‪.‬‬
‫ويذهب ديوي‪ S‬في شرحه لفكرته لبيان العالقة بين الفلسفة والتربية منذ نشأة الفلسفة وإ ذا رضينا‪ S‬بفهم‬
‫التربية على أنها عملية تكوين النزعات األساسية الفكرية والعاطفية في اإلنسان تلقاء الطبيعة» (جون ديوي‪،‬‬
‫‪ ،1946‬الديمقراطية والتربية) ويعني ذلك أنه ال يوجد للفلسفة أية قيمة إال إذا انتهت بنتائج عملية في التربية‪،‬‬
‫ولن تجد الفلسفة سبيالً في مهمتها إال أن يكون لها مما يقابلها في التربية ما يدلنا على ما ينبغي فعله‪.‬‬

‫‪-107-‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫مفاهيم تربية الطفل عند ابن سينا‬

‫‪ -‬مقدمة‪:‬‬

‫‪ -1‬آراء ابن سينا التربوية في مجال تربية الطفل‬

‫‪ -2‬اإلبداع الفكري البن سينا في تربية الطفل‬

‫‪ -3‬إكرام الطفل‬

‫‪ -4‬الدالالت التربوية لتنشئة الطفل عند ابن سينا‬

‫‪-108-‬‬
‫مفاهيم تربية الطفل عند ابن سينا‬

‫‪‬‬
‫تقوم آراء ابن سينا في تربية الطفل على أساس نظرته لبناء اإلنسان‪ ،‬فقد تحدث بإسهاب عن الطفولة المبكرة‬
‫وكل ما يتصل بها من رضاع وفطام وتربية صحية وأخالقية وذوقية‪ ،‬والبن سينا عناية فائقة بكل ما يتصل‬
‫بالمرحلة األولى من حياة الطفل من حيث النوم واالستحمام والرضاعة والرياضة‪.‬‬
‫والشيخ الرئيس عالم جليل من أعالم اإلسالم الموسوعيين الذي تنوع فيهم عطاء اهلل‪ ،‬وتعددت في اهتماماته‬
‫فروع المعرفة والثقافة حتى قيل إنه لم يظهر علم من العلوم أو فن من الفنون في عصره إال وترك فيه مؤلفًا أو‬
‫رسالة‪.‬‬
‫فابن سينا قد أدرك ـ قبل علماء النفس والتربية المحدثين ‪ -‬أهمية سني الطفولة األولى في تنشئة الطفل‪،‬‬
‫وفي تمتعه بأكبر قسط‪ S‬من الصحة النفسية والعقلية في مستقبل حياته؛ ولذلك أطال الحديث عن أحسن السبل في‬
‫معاملة الطفل‪ ،‬وكل ما يتصل به من رضاع‪ S‬وفطام‪ S‬ونظافة‪ ،‬ومراعاة ألخالق الطفل‪ ،‬وإ بعاد‪ S‬كل المؤثرات‬
‫الضارة عنه‪ ،‬التي تؤثر في نفسه وفي‪ S‬أخالقه‪ .‬كما اهتم بالنمو البدني والحركي‪ S‬للطفل‪ ،‬فهو ينظر إلى اإلنسان‬
‫كجسم وروح معاً‪ ،‬وبالنمو‪ S‬الذوقي والوجداني عند الطفل وهذا ما سعى إلى تحقيقه والعمل من أجل إنجاحه في‬
‫جميع مراحل حياة الطفل األولى‪ ،‬والذي الشك فيه أن هذا الذي يتحدث عنه ابن سينا كان مطبقاً في عصره‪ ،‬ينفذه‬
‫المعلمون والمؤدبون مع األطفال في منازلهم‪ S‬وفي قصورهم‪.‬‬

‫‪-109-‬‬
‫أوالً‪ :‬آراء ابن سينا التربوية في مجال تربية الطفل‬
‫تقوم آراء ابن سينا التربوية في مجال تربية الطفل على أساس نظراته لإلنسان والمجتمع والمعرفة‬
‫واألخالق ‪ ،‬وتناول الجوانب التربوية بكافة مضامينها‪ S،‬وركز على االعتماد على النفس والتربية االستقاللية‪،‬‬
‫وركز على تربية الطفل في المرحلة األولى بشكل خاص إذ أدرك ‪ -‬قبل علماء النفس والتربية المحدثين ‪-‬‬
‫أهمية سن الطفولة األولى في تنشئة الطفل ‪ -‬وفي‪ S‬تمتعه بأكبر قسط من الصحة النفسية والعقلية في مستقبل‬
‫حياته‪.‬‬
‫وهذا يشير إلى مدى تفكيره في كسب العلم للعلم ذاته‪ ،‬وأنه أهمل ما دون ذلك من األغراض‪ ،‬والحق أن‬
‫األغراض تختلف باختالف األمم والعصور والبيئات‪ ،‬وقد تختلف في األمة الواحدة‪ ،‬كما حدث في أثينا وإ سبرطة‬
‫من بالد اإلغريق‪ ،‬فقد كانت أثينا تفكر في الحكمة والفلسفة واألدب‪ ،‬في حين أن إسبرطة كانت تضحي بكل شيء‬
‫في سبيل بعض جوانب التربية (الجسمية والعسكرية)‪ .‬وابن سينا يرى أنه ال يكفي أن يقصر المربي نفسه على‬
‫غرض معين ويهمل غيره من األغراض‪ ،‬بل يجب أن يعنى بتربية (اليد والرأس والقلب) في اإلنسان وهذا ما يعبر‬
‫عنه المربون في اللغة اإلنكليزية بالهاءات الثالثة(‪ .)1‬غير أن أكثر آرائه التربوية نجدها في الرسالة المسماة بـ (كتاب‬
‫السياسة) وإ ن أبرز ما تميز به المذهب التربوي عند الشيخ الرئيس هو (محمد خير عرقسوسي‪ ،1982 ،‬ابن سينا‬
‫والنفس اإلنسانية)‪:‬‬
‫‪ -1‬إن التربية السيناوية لم تقتصر على مرحلة واحدة وهي دخول الطفل المدرسة بل شملت تربية الطفل‬
‫منذ لحظة والدته حتى انخراطه في الحياة االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -2‬إن التربية السيناوية لم تركز على جانب واحد من جوانب الشخصية اإلنسانية‪ ،‬لتهمل الجوانب‬
‫األخرى بل اهتمت بوحدة الشخصية اإلنسانية وتكاملها الفعلي والجسدي واالنفعالي‪.‬‬
‫‪ -3‬إن التربية السيناوية تأثرت بتعاليم الدين اإلسالمي وبخاصة القرآن الكريم والسنة النبوية كما تأثر‬
‫بالفلسفة اليونانية‪.‬‬
‫‪ -4‬إن التربية السيناوية حرصت على تدعيم آرائه بمبررات نفسانية‪ ،‬ونشير‪ S‬إلى أنه نجح نجاحاً كبيراً في‬
‫الفكر الرتبوي عند ابن سينا – م‪12‬‬
‫هذا الميدان‪ ،‬وهذا ما يحملنا على االعتقاد أن ذلك عائد إلى حد كبير إلى امتهانه مهنة الطب‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬اإلبداع الفكري البن سينا في تربية الطفل‬


‫الطفولة حياة قائمة بحد ذاتها ومرحلة تمولها قوانينها ونظرياتها‪ S‬في التربية وعلم النفس وهي ليست مجرد‬
‫فكرة زمنية يمر بها اإلنسان دون أن يفهم ويدرك‪ S‬ويفسر ما يدور‪ S‬حوله من متغيرات بيئية مستخدماً حواسه‬
‫وعقله في التعامل مع هذه المتغيرات‪.‬‬

‫‪Hand, Head, Heart‬‬ ‫(‪ )1‬وهي ثالث كلمات مبدوءة بالهاء‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-110-‬‬
‫لقد اهتم ابن سينا بدراسة وتحليل سمات مرحلة الطفولة وكانت آراؤه مبنية على أساس المالحظة والحدس‬
‫واستلهام ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة لتشكل هذه اآلراء نسقًا فكريًا أشبه ما يكون بنظرية‬
‫جمعها بوصفها محمود قنبر‪« :‬لم تصل إلينا هذه النظرة في بنية فكرية كاملة بذاتها اصطلح عليها المربون‪ ،‬ويمكن‬
‫نسبتها إلى مصدر واحد‪ ،‬أو إلى مفكر تربوي معروف‪ ،‬أو إلى منظر فلسفي‪ ،‬بشر بها وروج لها‪ ،‬أو إلى هيئة‬
‫تربوية اشتغلت بها‪ ..‬لقد جاءت إلينا في شكل معان أولية مستلهمة من كتاب اهلل عز وجل وسنة رسوله وقد وقف‬
‫تكون فيما بينها مبادئ النظرية‬
‫أمامها نفر من العلماء المسلمين بالبحث والنظر فحولوها إلى مفاهيم متوافقة ومتآلفة ّ‬
‫التربوية الخاصة بتربية الطفل» (محمد خير عرقسوسي‪ ،1982 ،‬ابن سينا والنفس اإلنسانية)‪.‬‬
‫والحق أن اإلسهامات الفكرية العربية التي اضطلع بها المربون تناولت جميع المراحل التي يمر بها الطفل‬
‫منذ نشأته وحتى بلوغه سن الرشد وذلك من خالل تنمية طاقاته المختلفة‪ :‬الجسمية والعقلية والروحية‪ ،‬وتوفير‬
‫الحاجات األساسية لكل طفل في جميع مراحل حياته‪ .‬فمن األهمية بمكان أن يعيش اإلنسان في أسرة يحمل‬
‫أفرادها مشاعر المحبة والتعاون‪ ،‬واإلسالم الذي يعتبر األبناء زينة الحياة الدنيا يطالب في الوقت ذاته بحسن‬
‫تربيتهم‪ ،‬ويرى‪ S‬ابن سينا أن مجرد حب الوالد لولده ال يوصل األبناء إلى األهداف المنشودة‪ ،‬إال إذا كان سلوك‬
‫الوالدين منسجماً مع حاجات الطفل‪ ،‬ألن سلوك الوالدين يعتبر أحد العوامل الرئيسة المؤثرة في حياته‪.‬‬
‫وهذا التأثير يبدأ منذ األيام األولى‪ :‬أي قبل اكتساب الوليد اإلنساني اللغة والتفاهم مع اآلخرين عن طريق‪S‬‬
‫األلفاظ‪ ،‬فإطعام‪ S‬الوالدين الطعام ومداعبتهما‪ S‬له وحمله‪ ،‬أقدر أن تشعر الطفل بأهميته وبمدى‪ S‬تقبل من حوله‬
‫لشخصيته‪ .‬وبما أن الوالدين حريصان على إشباع حاجات الطفل فإنهما‪ S‬يسهمان في نمو الشعور‪ S‬باألمن‬
‫والطمأنينة عند ذلك الطفل‪.‬‬
‫والحق أن الوالدين يلعبان دوراً أساسياً في تنمية القدرة على استخدام األلفاظ للداللة على األشياء المحيطة‬
‫بالطفل‪ ،‬فاللغة ال تكتسب إال من خالل المحادثة مع اآلخرين‪« .‬ومن هنا وجب على الوالدين اإلصغاء إلى الطفل‬
‫وتبادل األحاديث معه‪ ،‬ألن هذا يعينه على تنمية ثروته اللغوية‪ ،‬ويعمل على إقامة عالقات قوية مع األشخاص‬
‫المحيطين به» (بطرس البستاني‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬دائرة المعارف مجلد ‪.)1‬‬
‫يشير ابن سينا إلى أن العالقة بين الوالدين والطفل هي عالقة تأثير وتأثر‪ ،‬وكما أن الوالدين يسهمان في‬
‫تعليم الطفل الشيء الكثير‪ ،‬فإنهما في الوقت ذاته يتعلمان أموراً عديدة من خالل التعامل معه ومالحظة ما يصدر‬
‫عنه من أقوال وأفعال‪ .‬ومن هنا فإنه يحسن بالوالدين التعرف على القدرات الحقيقية للطفل كي ال يضعا له من‬
‫مستويات الطموح ما ال يتفق وقدراته‪ .‬فالوالدان يعلمان الطفل الثقة بالنفس أو الشك فيها‪ ،‬اإلقبال على الحياة أو‬
‫النفور منها‪ ،‬ومن الممارسات التي تعطي ثماراً طيبة وتعمل على نمو شخصية األبناء نمواً سليماً‪ :‬مدح األطفال‬
‫عندما يصيبون‪ ،‬وتنمية حب االستطالع لديهم‪ ،‬وقضاء فترة كافية معهم‪ ،‬وهذا يتطلب من الوالدين التحلي بالعديد‬
‫من الصفات مثل الصبر والقدرة على إدراك ما قد يواجههم‪ ،‬ومعرفة الحقائق المتصلة بالنمو خاصة في مرحلة‬
‫الطفولة‪.‬‬
‫بذا يرى ابن سينا أن الحب والحنان والعطف بهذا األسلوب السليم في التربية يؤدي‪ S‬إلى توثيق‪ S‬الصلة بين‬
‫اآلباء واألطفال والمحيط‪ S‬الخارجي ويتطلب ذلك بالدرجة األولى كما يرى الشيخ الرئيس ما يلي‪:‬‬

‫ثالثاً‪ :‬إكرام الطفل‬

‫‪-111-‬‬
‫‪ -1‬أول مبادئ اإلكرام عدم سب الطفل ألي سبب‪ ،‬فال يقال له يا شقي أو يا كسول‪ ،‬أو يقال اهلل يلعنك وقد‬
‫قال الرسول ‪« :‬سباب المسلم فسوق»‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم ضرب الطفل إال لذنب كبير‪ ،‬وقد نهى اإلسالم عن ضرب الطفل على الوجه والتربية المعاصرة‬
‫أكدت عدم استخدام‪ S‬العنف ضد الطفل لما لذلك من خطر على شخصيته‪.‬‬
‫‪ -3‬على األبوين أن يكونا قدوة ألبنائهما‪ ،‬فإذا كانا متحابين ودودين عطوفين‪ ،‬انتقلت هذه الصفات إلى‬
‫أبنائهما‪.‬‬
‫‪ -4‬احترام مشاعر الطفل ألن هذا األمر يخلق روح المودة والترابط‪ S‬بين األسرة في جميع جوانب الحياة‪.‬‬
‫‪ -5‬أن تتولى األم تربية أبنائها بنفسها وعدم االعتماد على الخدم والخادمات‪ S‬في تربية الطفل فالتربية‬
‫الصحيحة تجعل الطفل مطيعاً لوالديه محباً ألسرته واثقاً بنفسه‪ ،‬فتربية الخدم تجعل من األطفال أطفاالً غير‬
‫مهذبين الختالف العادات والتقاليد والقيم الخلقية‪ ،‬بين األهل وبين الخدم‪.‬‬
‫ونشير إلى أن اإلسالم قد أقر مبدأ رعاية الوالدين لألبناء‪ ،‬فللمرء أن يستعين بالسبل المتعددة الموصلة إلى‬
‫تحقيق هذا الهدف‪ ،‬شريطة أن ال تتعارض هذه السبل مع مبادئ اإلسالم‪ ،‬أو تصطدم بقواعده‪ .‬كان رسول اهلل ‪ ‬يعلم‬
‫اإلنسان كيف يعامل طفله؟ كيف يكون ودودًا مع أطفاله ليزرع الثقة في نفوسهم ويزرع الحب والحنان والعطف في‬
‫قلوب األطفال‪ ،‬ليسهل على األبناء تقبل توجيهات آبائهم وتعليماتهم لما يلقون من بذور المحبة ومن المعاملة الحسنة‪،‬‬
‫وقد قال رسول اهلل ‪« :‬رحم اهلل والدين أعانا ابنهما على برهما»‪( .‬الوالدان هما أول من يتفاعل معهما الطفل بصورة‬
‫تكاد تكون مستمرة‪ ،‬فهما يقدمان للطفل نماذج حية عن الحياة اإلنسانية‪ ،‬ولذا فإن سلوك الوالدين يعتبر أحد العوامل‬
‫الرئيسة المؤثرة في حياة الطفل) (ابن سينا‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬القانون في الطب)‪ .‬ومن الواجب على الوالدين أن يحرصا‬
‫ال وقبل كل شيء على غرس بذور األخالق الفاضلة في نفس أطفالهما‪ ،‬وتعويدهما العادات الكريمة والخصال‬ ‫أو ً‬
‫الحميدة واآلداب الرفيعة وتجنبهما الترف الزائد والبذخ‪ ،‬وإ بعادهما عن قرناء السوء‪ ،‬وفي هذا يقول الغزالي (عبد‬
‫الرحمن بدوي‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬موسوعة الحضارة العربية اإلسالمية) ‪:‬‬
‫عن تربية الوالد لولده وصيانته‪ ،‬بأن يؤدبه ويعلمه محاسن األخالق ويحفظه من قرناء السوء وال يعوده‬
‫التنعم والترف‪ ،‬وال يحبب إليه الزينة‪ ،‬وأسباب الرفاهية فيضيع‪ S‬عمره في طلبها إذا كبر فيخسر عمره‪ ،‬بل ينبغي‬
‫أن يراقبه من أول عمره‪.‬‬
‫ويقول علماء التربية المعاصرين‪ :‬بادروا بتعليم األطفال قبل تراكم األشغال‪ ،‬وإ نه وإ ن كان الكبير أوفر‬
‫عقالً‪ ،‬فإنه أشغل قلباً ويقول الشاعر‪:‬‬
‫فمطلبها كهـالً عليه شــديـد‬ ‫إذا المرء أعيته المروءة ناشئاً‬

‫‪-112-‬‬
‫والتربية المعاصرة اهتمت بتعليم الطفل المهنة التي يحبها ويعشقها ويبذل جهده في تعلمها واالستفادة منها كما‬
‫يرى ابن سينا (الشيخ الرئيس) إذ يقول‪:‬‬
‫«إنه ليست كل صناعة (مهنة) يرومها‪ S‬الصبي ممكنة له مواتية‪ ،‬ولكن ينبغي له أن يزاول مشاكل‬
‫طبعه‪ .‬ولقد روي أن يونس بن حبيب كان يتردد على الخليل بن أحمد الفراهيدي ليتعلم منه العروض‬
‫والشعر‪ ،‬فصعب ذلك عليه‪ ،‬فقال له الخليل يوماً‪ :‬من أي بحر قول الشاعر‪:‬‬
‫وجـاوزه إلى ما تستطيـع‬ ‫إذا لم تستطع شيئاً فدعـه‬

‫‪-113-‬‬
‫ففطن يونس بن حبيب لقصد الخليل بن أحمد وتوجه إلى أغراض أخرى في العلم غير العروض ونظم‬
‫القوافي‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬الدالالت التربوية لتنشئة الطفل عند ابن سينا‬
‫خصص ابن سينا في الكتاب األول من كتاب القانون في الطب فصالً خاصاً تناول فيه الطرق‪ S‬الحكيمة‬
‫لتربية الطفل وقد‪ S‬سماه «التعليم األول في التربية»‪ ،‬وقسمه إلى أربعة مقاالت (عبد الرحمن بدوي‪ ،‬بدون تاريخ‪،‬‬
‫موسوعة الحضارة العربية اإلسالمية)‪.‬‬
‫في المقال األول تناولت بالحديث عن تدبير المولود منذ أن يولد إلى أن ينهض‪ ،‬في حين أنه بحث في‬
‫المقالة الثانية عن اإلرضاع‪ ،‬وفي‪ S‬ذلك ألح على أن يرضع الطفل لبن أمه ما أمكن فإنه أشبه األغذية بجوهر‪ S‬ما‬
‫سلف من غذائه وهو في الرحم‪ ،‬ثم تحدث ابن سينا عن موضوع‪ S‬الفطام وأكد على أن يكون تدريجياً‪ ،‬أما المقالة‬
‫الثالثة فقد تناولت بعض أمراض الطفولة وضرورة الوقاية منها‪ ،‬وفي‪ S‬المقالة الرابعة تحدث ابن سينا عن تربية‬
‫الطفل حتى سن البلوغ‪ ،‬وفيه يستعرض فصول‪ S‬التربية النفسية لألطفال وفق أحسن الطرق‪ S‬التربوية المعروفة‬
‫حالياً»‪.‬‬
‫وفي‪ S‬مجال تدبير المولود‪ S‬يشير ابن سينا إلى الخصائص التي يجب اتباعها في تلك المرحلة بحيث يتم‬
‫تنفيذها وفق‪ S‬األساليب التي تالئم وضعه الصحي باستخدام‪ S‬حاجاته الضرورية وفق الشروط‪ S‬الصحيحة المالئمة‬
‫من حيث النظافة واللباس وكيفية اإلمساك به ووضعه في مكان معتدل الهواء ليس ببارد وال حار حسب حرارة‬
‫الجو في الصيف والشتاء‪.‬‬
‫وفي مجال إرضاع الطفل يؤكد ابن سينا على ضرورة بذل كل المحاوالت ألن يرضع الوليد من لبن أمه‪،‬‬
‫ألنه تأكد بالتجربة أن تناول الطفل لحليب أمه عظيم النفع ويبعده عنه ما يؤذيه‪ ،‬ويشير ابن سينا إلى أنه من األفضل‬
‫إعطاء الطفل ملعقة عسل وبعد ذلك تتم رضاعته‪ ،‬وبذا يقول (عبد األمير شمس الدين‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬في المذهب‬
‫التربوي عند ابن سينا من خالل فلسفته العملية)‪:‬‬

‫‪-114-‬‬
‫«من الواجب أن يلزم الطفل شيئين نافعين أيضاً لتقوية مزاجه أحدهما التحريك اللطيف واآلخر‪ S‬الموسيقى‬
‫والتلحين الذي جرت به العادة لتنويم األطفال وبمقدار قبوله» في حالة وجود ما يمنع من تلقي الوليد حليب والدته‬
‫يبين ابن سينا إلى أن يختار له مرضعة تنطبق‪ S‬عليها شروط معينة‪ ،‬بعضها في السن وبعضها‪ S‬في األخالق‬
‫وبعضها في هيئة ثديها وبعضها‪ S‬في كيفية لبنها وبعضها‪ S‬في مقدار مدة ما بينها وبين وضعها‪ ،‬وبعضها‪ S‬من جنس‬
‫مولودها» (ابن سينا‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬القانون في الطب)‪ .‬أما فيما يتعلق بشرط سن المرضعة فيشير‪ S‬ابن سينا إلى‬
‫أن أفضل سن هو ما بين خمس وعشرين سنة وخمس وثالثين سنة فهو سن الشباب وسن الصحة والكمال‪ .‬أما‬
‫شروط سحنتها وتركيبها فيجب أن تكون حسنة اللون قوية العنق واسعة الصدر متوسطة في السمن والهزال‬
‫لحمانية ال شحمانية»‪ .‬وأما في أخالق المرضعة فيجب أن تكون حسنة األخالق‪ ،‬بطيئة االنفعاالت النفسانية‬
‫الرديئة من الغضب والغم والجبن وغير ذلك فإن جميع ذلك يفسد المزاج‪ .‬ذكرني ذلك قول أحد األطباء‬
‫النفسانيين أن أماً مرضعة كانت عصبية وشديدة االنفعاالت النفسانية وسريعة الغضب جاء أوالدها جميعاً على‬
‫نفس شاكلتها من حيث العصبية واالنفعال وسرعة الغضب‪ ،‬وأكد لي أنك إذا أردت الحديث أو الحوار مع أحد‬
‫أوالدها فلن تستطيع أن تبني حوارك معه أو يعبر عن حاجته إال بعصبية وبصوت‪ٍ S‬‬
‫عال كأنك أمام حالة من فقدان‬
‫الذاكرة أو العقل حتى وإ ن كان األمر ال يستدعي ذلك الموقف‪ .‬وأكد أنه من خالل معالجته لم يصل إلى نتيجة‬
‫للحد من هذا السلوك نتيجة العادات المكتسبة منذ الطفولة وهذا يوضح حقيقة مدى التأثير والتأثر بين األم‬
‫المرضعة ووليدها باكتساب العادات التي تتميز بها‪.‬‬
‫ويوضح‪ S‬ابن سينا حقيقة ال زال لها أهميتها في مسألة إرضاع‪ S‬الوليد أوالً‪ ،‬ومسألة الفطام المفاجئ وهذا ما‬
‫تلح عليه المراجع الطبية الحديثة والتي تؤكد أنه ال شيء على الطفل أضر من المرضعة شديدة االنفعال النفسي‬
‫والغضب والغموض والجبن (ابن سينا‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬كتاب السياسة)‪ .‬ومن الفطام المفاجئ‪ ،‬وقد ذكر ابن سينا‬
‫هذه الحقيقة عندما قال‪ :‬إن المرضعة يجب أن تنطبق عليها شروط‪ S‬معينة تتعلق بالصحة النفسية واألخالق‪S‬‬
‫الحميدة‪ ،‬ويجب أن يكون الفطام تدريجياً ال دفعة واحدة‪ ،‬يقول ابن سينا في كتابه القانون في الطب (أحمد شلبي‪،‬‬
‫بدون تاريخ‪ ،‬تاريخ التربية اإلسالمية)‪ « :‬يجب أن يرضع الطفل ما أمكن من لبن أمه‪ ،‬فإنه شبه األغذية بجوهر‬
‫ما سلف من غذائه‪ ،‬بهذه العبارة التي أوصى‪ S‬بها ابن سينا بالرضاعة الطبيعية وضرورتها نجده قد سبق الدعوات‬
‫العالمية التي تدعو وتحث على اإلرضاع‪ S‬الطبيعي للطفل وتحذر‪ S‬من أخطار اإلرضاع الصناعي‪ ،‬وفي حال تعذر‬
‫الرضاعة من األم فال مانع من اللجوء إلى مرضعة تنطبق‪ S‬عليها الشروط التي سبق ذكرها خاصة توفر‪ S‬الصحة‬
‫الجسدية والخلقية عند المرضعة‪.‬‬
‫فابن سينا أدرك أهمية مرحلة الطفولة وأوالها األهمية البالغة في جميع مراحل نمو الطفل‪ .‬فهو يتعرض‬
‫بالحديث عن بعض األمراض التي يصاب بها الطفل مع ذكر عالجاتها‪ ،‬من ذلك تحدث عن أورام يتعرض لها‬
‫الطفل عند نبات األسنان‪ ،‬ويشير إلى عالج ذلك باستخدام بعض الدهون والعسل‪ ،‬فهو لم يدع حالة من الحاالت‬
‫المرضية التي قد يصاب فيها الطفل إال وتحدث عنها ووضع العالج لها وقد أوضح أن اإلصابة الخفيفة ال تحتاج‬
‫إلى عالج مطلقًا‪ ،‬أما في الحاالت الشديدة فالبد من عالجها‪ ،‬وهذا األمر هو قريب جدًا لما يطبق اليوم‪.‬‬

‫‪-115-‬‬
‫ويشير‪ S‬الشيخ الرئيس إلى أنه قد يصاب الطفل بسوء التنفس وهو ما يسمى اليوم بمرض الربو وحدد‬
‫العالج باستعمال بزر الكتان والعسل‪ ،‬وفي حال إصابة الطفل بالقالع يؤكد ابن سينا على ضرورة استخدام‪S‬‬
‫البنفسج المسحوق وحده في مثل هذه الحالة‪ ،‬ومن الممكن خلطه بالورد‪ S‬إضافة إلى عالجات األمراض التي‬
‫ونبه ابن سينا على إمكانية أن يتعرض الطفل ألحالم تفزعه في نومه‪ ،‬ويعزوه لفساد الطعام‬
‫يتعرض لها الطفل‪ّ ،‬‬
‫في المعدة وحدد العالج لذلك بإلعاقه العسل وهذا يريح الطفل‪.‬‬
‫وتناول الشيخ الرئيس مرحلة التكوين الخلقي والسلوكي للطفل‪ ،‬ويؤكد ضرورة مراعاة نفسية الطفل بحيث ال‬
‫يصيبه غضب شديد أو خوف شديد أو غم أو سهر ويبين أن في ذلك منفعتين(ابن سينا‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬كتاب‬
‫السياسة)‪« :‬أوالهما في نفسه بأن ينشأ من الطفولة حسن األخالق ويصير ذلك له ملكة الزمة‪ ،‬والثانية لبدنه فإنه كما‬
‫أن األخالق الرديئة تابعة ألنواع سوء المزاج فكذلك إذا انحرفت عن العادة استتبعت سوء المزاج المناسب لها»‪.‬‬
‫وبذا يكون ابن سينا قد وضع منهجًا تربويًا يفي بمتطلبات المجتمع ويساعده على معالجة جميع متطلباته الحياتية‬
‫الفردية أو المجتمعية‪ ،‬وإ ن النصائح واإلشارات التي قدمها لتربية الطفل تجعل معلمنا (ابن سينا) من أصحاب‬
‫المذاهب التربوية الجديرة بالدراسة واالهتمام في مذهب هذا الفيلسوف من اآلراء والنظريات العلمية ما يجعله جديرًا‬
‫بأن يمد اإلنسانية بمعين ال ينضب من المعرفة‪ ،‬وما يتفرع عنه من تربية وسياسة وإ صالح‪ ،‬بعد أن أمدها بمعين من‬
‫الفلسفة والطب‪.‬‬
‫‪ -‬ولقد أسهم ابن سينا من خالل كتابه السياسة في وضع قواعد التربية اإلسالمية‪ ،‬وله في ذلك آراء تربوية‬
‫تعد من المكونات األساسية لتربية الطفل‪ .‬يقول في ذلك(ابن سينا‪،‬‬
‫هامة يجب الوقوف‪ S‬عندها وعدم إغفالها ألنها ّ‬
‫بدون تاريخ‪ ،‬كتاب السياسة)‪« :‬ينبغي البدء بتعلم القرآن بمجرد تهيؤ الطفل للتلقين جسمياً وعقلياً‪ ،‬وفي الوقت‬
‫نفسه يتعلم حروف الهجاء ويلقن معالم الدين‪ ،‬ثم يروي الصبي الشعر مبتدئاً بالرجز‪ S‬ثم بالقصيدة‪ ،‬ألن رواية‬
‫الرجز وحفظه أيسر إذ أن بيوته أصغر ووزنه أخف‪ ،‬على أن يختار من الشعر ما قيل في فضل األدب ومدح‬
‫العلم وذم الجهل‪ ،‬وما حث على بر الوالدين واصطناع المعروف‪ S‬وإ كرام الضيف‪ .‬فإذا فرغ الصبي من حفظ‬
‫وألم بأصول‪ S‬اللغة ينظر عند ذلك في توجيهه إلى ما يالئم طبيعته واستعداده» (عبد األمير شمس الدين‪،‬‬
‫القرآن ّ‬
‫بدون تاريخ‪ ،‬المذهب التربوي عند ابن سينا)‪.‬‬
‫ويشير‪ S‬الشيخ الرئيس إلى مراعاة قدرة الطفل على التعلم وأن يكون مربي الصبي مراعياً لطبعه وما‬
‫يناسبه‪ .‬فإن أراد الكتابة مثالً أضاف إلى دراسة اللغة دراسة الرسائل والخطب ومناقالت‪ S‬الناس ومحاوراتهم‪ S‬وما‬
‫شابهها‪ .‬وما نصح به ابن سينا يتالءم مع التربية الحديثة حيث يجب األخذ بعين االعتبار ميول الطفل وتوجهاته‬
‫لكي يكون مبدعاً في دراسته ومترفقاً في مهنته المستقبلية ليعرج إلى وجود‪ S‬أحسن‪ ،‬وسلوك أنقى للوصول إلى‬
‫الحقيقة‪ ،‬والحقيقة ذاتها قيمة لدى أنصارها‪ ،‬قيمة تتمسك التربية السيناوية بأهدابها‪.‬‬
‫أجل‪ ،‬قد يصح قولنا‪ :‬إن للطبيعة الالعضوية لغة‪ ،‬ولكن من باب لغة الغريزة ال غريزة اللغة‪ ،‬والغريزة‬
‫كما يقال‪ ،‬موسومة بأنها معرفة عفوية‪ ،‬تلقائية‪ ،‬فال تحتاج إلى تعليم‪ ،‬وإ نما تبلغ غايتها بأفعال استمرار‪ S‬وتكرار‪،‬‬
‫استمرار بقاء لغة الطبعية الطبيعية على ما هي عليه‪ ،‬وتكرارها‪ S‬االجتراري عبر الحقب والثواني‪ S‬سواء بسواء‪،‬‬
‫فليس لها تجدد‪ ،‬وال نماء‪ ،‬بل بقاء على سنن البقاء‪ ،‬أو تحول بآالء التحول‪ ،‬وكأنها أشبه بعضها ببعض‪ ،‬ذاكرة‬
‫موصولة‪ ،‬أو طفرات متجانسة متناقضة ولكنها غير متباينة بالنوع‪.‬‬

‫‪-116-‬‬
‫وألمح ابن سينا بذلك إلى الصفات السلوكية والخلقية التي يجب أن يتصف بها معلم الصبي بحيث يتمتع‬
‫بالقدوة الحسنة لمن يعلمهم فهو يقول(ابن سينا‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬كتاب السياسة)‪« :‬ينبغي أن يكون مؤدب الصبي‬
‫عاقالً ذا دين‪ ،‬بصيراً برياضة األخالق‪ ،‬حاذقاً‪ S‬بتخريج الصبيان‪ ،‬وقوراً رزيناً غير ٍ‬
‫كز وال جامد‪ ،‬حلواً لبيباً ذا‬
‫مروءةً ونظافة ونزاهة‪.‬‬
‫كما يؤكد ابن سينا على ضرورة النظر إلى أقران الصبي‪ ،‬إذ أنه كثيراً ما يتعلم منهم‪ ،‬لذلك فهو يرى أن‬
‫يحاط الصبي مع من هم حسنة آدابهم‪ ،‬مرضية عاداتهم كما قال‪« :‬ألن الصبي عن الصبي ألقن‪ ،‬وهو عنه آخذ‬
‫وبه آنس»‪ .‬ثم يقول‪« :‬والمحادثة تفيد انشراح العقل‪ ،‬وتحل منعقد الفهم‪ ،‬ألن كل واحد من أولئك إنما يتحدث‬
‫بأعذب ما رأى وأغرب ما سمع فتكون غرابة الحديث سبباً للتعجب منه وسبباً لحفظه وداعياً إلى التحدث‪ ،‬ثم إنهم‬
‫يتوافقون ويتعارضون ويتقارضون‪ S‬الحقوق‪ ،‬كل ذلك من أسباب المباراة والمباهاة والمحاكاة‪ ،‬وفي ذلك تهذيب‬
‫ألخالقهم وتحريك‪ S‬لهمهم وتمرين لهممهم»‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بتنمية القدرة الكالمية عند الصبي‪ ،‬فإن ذلك ينبثق من طبيعة اإلنسان الثقافية طبيعة اإلنسان‬
‫بصفة اإلنسان‪ ،‬وإ ذ ذلك تنبثق غريزة اللغة‪ ،‬في قلب غريزة االجتماع‪ ،‬وتوجب الحاجة الشاملة الالزبة الدائبة‬
‫والنامية والمتجددة‪ ،‬الحاجة إلى اللغة والمنطق والكالم‪ ،‬وتشير الدكتورة وسمية عبد الحسن المنصور في توظيف‬
‫المأثور القولي في تنمية لغة الطفل القول اآلتي (وسمية عبد المحسن المنصور‪ ،2000 ،‬تنمية المأثور القولي في‬
‫تنمية لغة الطفل)‪« :‬الكالم عملية معجزة معقدة تتهيأ لها أجهزة متعددة في الجسم اإلنساني‪ ،‬وتؤثر فيه عوامل‬
‫خارجية تساهم في أداء العملية الكالمية مثل الظرف االجتماعي‪ ،‬وتأثير الحالة النفسية للمتكلم‪ ،‬بل حالة الطقس‬
‫والمناخ وما يطرأ على المجتمع من تغيرات سياسية واقتصادية بتفاوت تأثيرها في آليات الكالم عند الفرد‪ ،‬ويكشف‬
‫مسار العملية الكالمية عن العالقة التكاملية بين النمو الفسيولوجي والنمو اللغوي‪ ...‬وهذه العملية تخضع لمؤثرين‪:‬‬
‫داخلي وهو آلية النطق‪ ..‬وخارجي يكون فيه المتكلم مكتسبًا متأثرًا بما يحيط به من منتج لغوي‪ ...‬ونقصد به‬
‫مجموع العمليات العقلية من قبول ورفض وتذكر وتخيل واسترجاع»‪.‬‬
‫خصص ابن سينا في القسم األول من كتاب القانون في الطب فصالً خاصاً عن تربية األطفال وأمراضهم‬
‫وركز على حاالت صعوبة النطق والكالم‪ ،‬ويرى أن أسباب الخلل في الكالم قد تكون من آفة في الدماغ وفي‪S‬‬
‫مخرج العصب الجائي إلى اللسان المحرك‪ ،‬وقد يكون في الشعبة نفسها‪ ،‬وقد‪ S‬يكون في العضلة نفسها ويبين‬
‫بالوصف‪ S‬ذلك الخلل فيقول (محمد زهير البابا‪ ،1984 ،‬مؤلفات ابن سينا الطبية)‪:‬‬
‫«وذلك الخلل إما تشنج‪ ،‬وإ ما تمدد أو تصلب أو استرخاء أو قصر‪ S‬رباط أو تعقد جراحة اندملت أو ورم‪S‬‬
‫صلب‪ ،‬وقد يكون ذلك من رطوبة في األكثر‪ ،‬وقد يكون من يبوسة‪ ،‬وقد‪ S‬تكون اآلفة في الكالم لسبب في عضل‬
‫الحنجرة إذا كان فيها تمدد أو استرخاء‪ ،‬فربما كان يتعذر عليه التصويت في أول األمر إال أنه يعنف في تحريك‬
‫عضل صدره وحنجرته تعنيفاً ال تحتمله تلك العضلة‪ ،‬فتعصى‪ S،‬فإذا يبس في أول كلمة ولفظة استرسل بعد ذلك‪.‬‬
‫ومثل هذا الطفل يجب أال يستعد للكالم بنفس عظيم وتحريك‪ S‬للصدر عظيم بل يشرع فيه بالهوينا‪ S‬فإنه إذا اعتاد‬
‫ذلك سهل عليه الكالم واعتاد السهولة فيه»‪.‬‬

‫‪-117-‬‬
‫ومما يدل على بعد نظر ابن سينا وفهمه العميق لحاجات الطفولة وأسرارها (محمود الحاج قاسم محمد‪،‬‬
‫‪ ،1978‬تاريخ طب األطفال عند العرب) ال نجد غيره من المربين من انتبه إلى هذه النواحي مجتمعة من حيث‬
‫تكون األخالق في مرحلة الطفولة وبين االنفعاالت العنيفة والسهر والغذاء‪.‬‬
‫االهتمام بأخالق األطفال والربط بين ّ‬
‫وتقديره ألهمية مرحلة المراهقة والبلوغ ووضعه قواعد خاصة لتدبير أمور البالغين عند بلوغهم سن الرابعة عشرة‪،‬‬
‫واهتمامه الكبير بالتربية الرياضية ومن ذلك (ابن سينا‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬القانون في الطب)‪:‬‬
‫‪ -1‬تنوع األلعاب الرياضية‪ ،‬وتحديده لألوقات المناسبة للتدريبات الرياضية المختلفة‪.‬‬
‫‪ -2‬ربطه االستحمام‪ S‬بالتدريبات الرياضية‪ ،‬وهذا يدل على فهمهم‪ S‬الدقيق لحاجات الجسم البشري وكيفية‬
‫تلبيتها‪.‬‬
‫‪ -3‬ربط تدليك الجسم بالرياضة‪.‬‬
‫يلتقي ابن سينا مع علماء العصر في تقرير تعليم الطفل من السنة السادسة من العمر‪ ،‬ويشير إلى أهمية‬
‫التوجيه المهني(محمد كامل حسن‪ ،1987 ،‬الطب عند العرب والمسلمين تاريخ ومساهمات )‪ ،‬أي توجيه الطفل إلى‬
‫دراسة ما يناسب طبعه‪ ،‬وقد تناول هذه الفكرة عن ابن سينا كثير من الباحثين في التربية منهم عبد اهلل عبد الدايم‬
‫( أمين أسعد خير اهلل‪ ،1946،‬الطب العربي) وأحمد شلبي ومحمود عبد اللطيف‪.‬‬
‫قال عبد اهلل عبد الدايم‪« :‬ومن آراء ابن سينا التي تلتقي مع اآلراء الحديثة اليوم قوله بمسايرة ميول الصبي إلى‬
‫الصناعة أو المهنة التي تتفق مع قابلياته‪ ،‬ذلك أنه ليس كل صناعة يرومها الصبي ممكنة له مؤاتية‪ ،‬ولكن ما شاكل‬
‫طبعه وناسبه‪ ،‬ولو كانت اآلداب والصناعات تجيب وتنقاد بالطلب والمزاج دون المشاكلة والمالزمة‪ ،‬إذن ما كان أحد‬
‫ال من األدب وعاريًا من صناعة‪ ،‬وأذن ألجمع الناس كلهم على اختيار أشرف وأرفع الصناعات‪ ،‬وينبغي لمدير‬ ‫غف ً‬
‫ال طبع الصبي ويسبر قريحته ويختبر ذكاءه فيختار له الصناعات بحسب‬ ‫الصبي إذا رام اختيار صناعة أن يزن أو ً‬
‫ذلك» (عبد اهلل عبد الدايم‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬التربية عبر التاريخ)‪.‬‬
‫كما تناول محمود عبد اللطيف ذلك بقوله‪« :‬إن غالبية ما يتعرض له اإلنسان‪ ،‬ويطلب إليه الحديث عنها أو‬
‫الكتابة فيها تركز على الوصف والتعبير‪ S‬عن الذات والخيال‪ ،‬وحتى هذه تبعده عن الواقع الذي يعيش فيه ألنها‬
‫تتناول قضايا بعيدة كل البعد عن حياته‪ ،‬كما أنها ال تتناسب مع الزمن الذي يعيش فيه‪ ،‬وهذا يؤخر‪ S‬نمو الطالب‬
‫في التعبير عن حاجاته وتقرير‪ S‬ميوله المهنية‪ ،‬وأن االزدواجية التي يعاني منها المتعلم بين لغة الحياة ولغة التعلم‬
‫ما تزال تشكل عائقاً يحول بينه وبين االنطالق‪ S‬في التعبير عن حاجاته» (محمود عبد اللطيف‪ ،2000 ،‬التعبير‬
‫وطرائق‪ S‬تدريسه)‪.‬‬
‫والحق أن ابن سينا تناول في كتابه (آراء في السياسة) أفكاراً تربوية هامة تحدث عنها كثير من المربين‬
‫األجانب وترجمها بعض األساتذة العرب‪ ،‬وتم نشرها على أنها من مبادئ التربية الحديثة التي تعبر عن إحاطة‬
‫وشمول بتربية اإلنسان منذ أن يكون جنيناً في بطن أمه إلى أن يولد وينمو ويمر‪ S‬في مراحل العمر المختلفة‪.‬‬
‫الوالدان هما أول من يتفاعل معهما الطفل بصورة تكاد تكون مستمرة‪ ،‬فهما يقدمان للطفل نماذج حية عن‬
‫الحياة اإلنسانية‪ ،‬ولذا فإن سلوك الوالدين يعتبر أحد العوامل الرئيسة المؤثرة في حياة الطفل‪ ،‬وهذا التأثير يبدأ منذ‬
‫األيام األولى‪ :‬ويرى ابن سينا أن ذلك يتحقق قبل اكتساب الوليد اإلنساني اللغة والتفاهم مع اآلخرين عن طريق‪S‬‬
‫األلفاظ وأن الوالدين يلعبان دوراً أساسياً في تنمية القدرة على استخدام‪ S‬األلفاظ للداللة على األشياء المحيطة‬
‫بالطفل‪.‬‬

‫‪-118-‬‬
‫الشك أن تربية الطفل والعناية به صحياً ونفسياً كانت من المواضيع التي اهتم بها العلماء والمربون العرب‬
‫المسلمون األوائل‪ ،‬ولعل ابن سينا هو أحد أولئك الذين أفاضوا في الحديث عن العناية بالطفل في مراحل نموه‬
‫المختلفة بدءاً بالحياة الجنينية وحتى بلوغه سن الرشد‪ ،‬وهذا ما بدا واضحاً‪ S‬وجلياً سيما في كتابه القانون في‬
‫الطب‪ ،‬وقد حظيت آراؤه في هذا المجال بعناية خاصة لدى الكثير من علماء الشرق والغرب ولقرون عدة‪.‬‬

‫مراجع الفصل الثامن باللغة األجنبية‬

‫‪1 – w – manteomarg. Matt./ sanic philasofy، and Theolo Gy Edinbu RRGH، The university 1962، p. 96.‬‬
‫‪2 – The works of Aristatle Transiated into English under the editorship of sir david ross. Okford 19.8 – 1930.‬‬
‫‪3 – Roves، r. dictionary of philosophg – new – york 1942.‬‬
‫‪4 – Rosenthal. F. ahmed B. Al – taggibassaroksi – Newharar 1943.‬‬
‫‪5- Conant: the education of the American tea chars.p،120.‬‬

‫‪-119-‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫التربية الخلقية عند ابن سينا‬

‫‪ -‬مقدمة‬

‫‪ -1‬مكونات التربية الخلقية‬

‫‪ -2‬محددات التربية الخلقية‬

‫‪ -3‬الحرية واألخالق‬

‫‪ -4‬العالقة بين الفلسفة التربوية واألخالق‬

‫‪-120-‬‬
‫التربية الخلقية عند ابن سينا‬

‫‪‬‬
‫تناول ابن سينا التربية األخالقية عند اإلنسان من مولده حتى خروجه إلى ميدان العمل والكسب‪ ،‬فأشار‪ S‬إلى‬
‫أهم ما يؤخذ به الناشئ من أنواع التربية الجسمية والخلقية والعقلية‪ ،‬كما أشار إلى تأثره بفلسفة اليونان والرومان‬
‫ومذاهبهم في األخالق والنفس‪.‬‬
‫فما عرف في عصره واشتهر نجده يتفق في طائفة من فلسفته األخالقية وأشهر فالسفتهم أرسطو‪،‬‬
‫وشيشرون‪ ،‬وكونتليان‪ ،‬كما نجد الفارابي يتأثر بفلسفة أفالطون أكثر‪ .‬صحيح أن الفالسفة اليونانيين سقراط‬
‫وأفالطون وأرسطو تحدثوا عن األخالق‪ ،‬إال أن أيًا منهم لم يقدم معايير وأساليب عملية «العمل األخالقي»‪ ،‬وما‬
‫جمهورية أفالطون الطوبائية إال خير دليل على ذلك‪ ،‬ونستطيع القول‪ :‬إن الفكر الفلسفي األخالقي لم يقدم نظامًا‬
‫أخالقيًا عمليًا الحتواء المشكلة األخالقية‪ ،‬وقد عنيت التربية اإلسالمية باألخالق اإلنسانية على نحو يختلف كثيرًا عن‬
‫أعالم الفلسفة في الغرب أو الشرق قديمًا وحديثًا‪.‬‬
‫«هدى‬
‫ً‬ ‫«وبقيت اإلنسانية تعاني أزمة األخالق في حين أن اإلسالم قدم إطاراً فكرياً وعملياً لألخالق‬
‫ورحمةً‪ ،‬لكي ال تضل اإلنسانية عن الغاية من وجودها» (الفكر التربوي‪ S‬العربي اإلسالمي‪ ،1987 ،‬األصول‬
‫والمبادئ)‪.‬‬
‫الواقع أن ابن سينا قدم آراء ونظريات أخالقية تمثل ذروة اإلبداع العقلي وهذا يشير إلى مدى عنايته‬
‫باألخالق‪ ،‬موضحاً أن الفلسفة ليست علماً جزئياً تتناول جانباً واحداً من جوانب القيم األخالقية‪ ،‬بل هي كل‬
‫متكامل لتحصيل الفضائل النظرية أوالً ثم الفضائل العملية ببصيرة يقينية‪.‬‬
‫والحق أن دور المربين من آباء وأمهات يحتم عليهم التفكير دائماً في تربية أطفالهم تربية خلقية من‬
‫الطفولة المبكرة‪ ،‬فالشيخ الرئيس يرى أن يبدأ بتأديب الطفل ورياضة أخالقه بعد فطامه‪ ،‬وذلك قبل أن تهجم‬
‫مساوئ األخالق‪ ،‬وذميم الصفات إذ تصبح المادة راسخة عنده‪ ،‬وهو في هذا يتفق مع الكثيرين من فالسفة التربية‬
‫القديمة والحديثة‪ ،‬حتى قالت طائفة‪ :‬إن الطفل يولد صفحة بيضاء‪ ،‬ينقش فيها كل ما يقع عليها‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬مكونات التربية الخلقية عند ابن سينا‬


‫يرى ابن سينا أن للتربية األخالقية شروطاً‪ S‬ينبغي توافرها وهي « محية الصدق والعدل‪ ،‬والعفة‪ ،‬والقناعة‬
‫والسخاء‪ ،‬والشجاعة والصبر‪ ،‬والحلم‪ ،‬وكتمان السر‪ ،‬والعلم‪ ،‬والبيان‪ ،‬والفطنة‪ ،‬والرحمة‪ ،‬والحزم‪ ،‬والتواضع‪،‬‬
‫والخير‪ ،‬وتصفية النفس من شوائب المادة وشواغل الحسن‪ ،‬وأن يكون الفرد جيد الفهم والتصور‪ ،‬محباً للصدق‬
‫وأهله‪ ،‬والعدل وأهله‪.‬‬

‫‪-121-‬‬
‫ويرى‪ S‬أن خير الوسائل إلبعاد الطفل عن مساوئ‪ S‬األخالق «إنما يكون بالترغيب تارة‪ ،‬والترهيب أخرى‪،‬‬
‫وباإليناس حيناً‪ ،‬واإليماء جنباً آخر‪ ،‬وباإلعراض عنه‪ ،‬واإلقبال‪ S‬عليه وبالحمد‪ S‬والتوبيخ‪ ،‬فإن لم ِ‬
‫تجد هذه الوسائل‬
‫لم يحجم عن االستعانة باليد‪ ،‬بالضرب القليل الموجع بعد اإلرهاب الشديد‪ ،‬وبعد إعداد الشفعاء‪ ،‬ألن الضربة‬
‫األولى إذا كانت موجعة ظهر الصبي مما بعدها‪ ،‬واشتد‪ S‬خوفه عنها‪ ،‬والعكس‪.‬‬
‫إن اإلنسان عند ابن سينا مولود‪ S‬على الفطرة‪ ،‬ليس شريراً بطبعه‪ ،‬أو خيراً بطبعه‪ ،‬وإ نما يستمد أخالقه‬
‫وقيمه من المجتمع والبيئة بكل مؤثراتها‪ ،‬وهو أوالً وأخيراً‪ S‬يستطيع‪ S‬أن يغير من عاداته وأخالقه عن طريق‬
‫«التعود‪ »S‬أو «عملية التطبيع االجتماعي» بكل وسائلها وأساليبها‪ S‬المختلفة‪.‬‬
‫بميل ابن سينا إلى أن اإلنسان يولد على الفطرة ويكتسب صفاته النفسية والخلقية من المجتمع بمؤثراته‬
‫وهذا‬
‫عند ابن سينا – م‪13‬‬ ‫الشر‪،‬‬
‫الرتبوي‬ ‫الثقافية المختلفة‪ ،‬وأنه ليس خيراً بطبعه أو شريراً‪ S‬بطبعه وإ ن كانت نظرته أقرب إلى الخير منها إلىالفكر‬
‫اإلنسان يتغير ويتشكل‪ S‬وفق مؤثرات البيئة ونظمها‪ S‬التربوية‪ ،‬وإ ذا تعود الشر أصبح شريراً وإ ذا تعود الخير‬
‫أصبح خيراً وفي ذلك يقول الشيخ الرئيس‪« :‬فإذا فطم الصبي عن الرضاع‪ S‬بدئ بتأديبه ورياضة أخالقه قبل أن‬
‫تهجم عليه األخالق اللئيمة وتفاجئه الشيم الذميمة‪ ،‬فإن الصبي تتبادر‪ S‬إليه مساوئ األخالق وتنثال عليه العادات‬
‫الخبيثة فما تكن منه من ذلك غلب عليه فلم يستطع له مفارقة والعنه نزوعاً» (ابن سينا‪ ،1906 ،‬كتاب السياسة)‪.‬‬
‫ويؤكد‪ S‬ذلك في موضع آخر فيقول‪« :‬واألخالق كلها الجميل والقبيح هي مكتسبة ويمكن لإلنسان الذي لم‬
‫يكن له خلق حاصل أن يحصله لنفسه ومتى صادفت أيضاً نفسه على خلق حاصل جاز أن ينتقل بإرادته عن ذلك‬
‫إلى ضد ذلك الخلق» (ابن سينا ‪1328‬هـ‪ ،‬علم األخالق)‪.‬‬
‫الواقع أن دور المربين من أباء وأمهات يحتم عليهم التفكير دائمًا في تربية أطفالهم تربية خلقية من الطفولة‬
‫المبكرة‪ ،‬كلما سنحت الفرصة كي يكونوا المثل األعلى لألخالق في المستقبل فاألمم ال ترقى بالمال والحصون‬
‫ولكنها ترقى بالعلم واألخالق‪ ،‬وقد قال الرسول الكريم ‪« :‬إنما بعثت ألتمم مكارم األخالق»‪.‬‬
‫فاإلنسان عند ابن سينا عبارة عن بدن ونفس تحرك هذا البدن‪ ،‬واإلنسان إنسان ببدنه ونفسه معًا‪ ،‬أو بالمادة‬
‫ال وثيقًا ومتعاونان دون انقطاع «فلوال النفس ما كان‬ ‫والصورة في نفس الوقت‪ ،‬وأن الجسم والنفس متصالن اتصا ً‬
‫الجسم ما ألنها مصدر حياته والمديرة ألمره والمنظمة لقواه‪ ،‬ولوال الجسم ما كانت النفس‪ ،‬فإن تهيؤه لقبولها شرط‬
‫لوجودها وتخصصه بها مبدأ وحدتها واستقاللها‪ .‬وال يمكن أن توجد نفس إال إن وجدت المادة الجسمية المعدة لها ‪-‬‬
‫فهي منذ نشأتها تواقة إلى الجسم ومتعلقة به ومخلوقة ألجله وفي أدائها لمهامها الكثيرة وتعول عليه» (إبراهيم‬
‫مدكور‪1367 ،‬هـ في الفلسفة اإلسالمية‪ ،‬منهج وتطبيق‪ ).‬وهي ال تفارق البدن إال بالموت‪.‬‬
‫بذا يكون ابن سينا طبيب الجسم وفيلسوف النفس‪ ،‬قد عالج موضوع النفس في مؤلفاته بقدر ما عالج فيها‬
‫موضوع الجسم‪ ،‬ولقد خصص للنفس أهم الفصول في مؤلفاته الفلسفية‪ ،‬كما وأنه خصص لها وسائل كاملة وقصصًا‬
‫رمزية وال غرابة في ذلك ألنه ماذا يعني المفكر أكثر من أن يفهم ذاته ونفسه ومصيره؟ ولما أيقن ابن سينا أن‬
‫اإلنسان جسم ونفس‪ ،‬اهتم ُبكال العنصرين حتى يكون متصفًا نحوهما‪ ،‬وكان اهتمامه منصبًا على معالجة المشكلة‬
‫األخالقية عنه‪ ،‬فهو يقول‪« :‬إن كل إنسان مفطور على قوة بها يفعل األفعال الجميلة وتلك القوة بعينها تفعل األفعال‬
‫القبيحة‪ ،‬واألخالق كلها الجميل منها والقبيح هي مكتسبة‪ ،‬ويمكن لإلنسان متى لم يكن له خلق حاصل جاز أن ينتقل‬
‫بإرادته إلى ضد ذلك الخلق‪ ،‬والذي يحصل به اإلنسان نفسه الخلق ويكتسب به متى لم يكن له خلق أو ينقل نفسه عن‬
‫خلق صادف نفسه عليه هو العادة‪ ،‬وأعني بالعادة تكرير فعل الشيء الواحد مرارًا كثيرًا أزمانًا طويلة في أوقات‬
‫متقاربة» (ابن سينا‪1328 ،‬هـ‪ ،‬علم األخالق)‪.‬‬

‫‪-122-‬‬
‫ومما سبق نرى أن األخالق الفاضلة أو الشريرة أمور مكتسبة‪ ،‬وفي‪ S‬استطاعة اإلنسان أن يغير من أخالقه‬
‫حسبما أراد‪ ،‬والمرجع‪ S‬في ذلك كله إلى العقل‪ ،‬ومتى عرف اإلنسان كيف يطيع أوامر العقل أمكنه أن يكون مؤدباً‬
‫أو فاضالً‪ ،‬والعقل هو الذي يحدد السلوك الفاضل‪ ،‬والمعيار الذي يحدد به العقل ذلك هو‪« :‬المتوسطات‪ S‬من ناحية‬
‫والعدالة من ناحية أخرى»(تيسير شيخ األرض‪ ،1962 ،‬ابن سينا)‪.‬‬
‫فابن سينا يرى أن الفضائل مكتسبة لإلنسان‪ ،‬وهو ال يستطيع‪ S‬أن ينتقل من خلق إلى خلق أو يكتسب من‬
‫الفضائل ما لم يكن له‪.‬‬
‫ويرى (كانط) الفيلسوف األلماني أن هناك عالقة كبيرة بين األخالق واإلرادة‪ ،‬فإذا حسنت اإلرادة حسنت‬
‫األخالق‪ ،‬وإ ذا ساءت اإلرادة ساءت األخالق‪ ،‬وبذلك ال يفكر (كانط) في أثر الشرور والعاطفة واإلحساس والفكر في‬
‫األخالق»(‪.)1‬‬
‫والحق أن التربية تعالج كائناً‪ ،‬يتمتع بالعنصر‪ S‬الروحي واإلرادة الحرة‪ ،‬ومع أن أي إنسان قابل ألن يتغير‬
‫‪ -‬والسيما الطفل ‪ -‬فإن من الصحيح أن عنصر المرونة في اإلنسان ليس مكتمالً‪ ،‬ومن ثم فإن المربي يظل فيما‬
‫يشبه حالة (النزال) مع من يربيه‪.‬‬
‫فالمربي ال ينفرد بالتأثير‪ S‬والتوجيه‪ ،‬فالجهات التي تتولى تنمية الكائن البشري عديدة‪ ،‬وليس لدينا إجماع‬
‫اجتماعي على جوهر ما ينبغي أن يقال للطفل‪ ،‬وهذا كله يولّد نوعاً من الشك في صدق ما يلقّن إياه ومدى‪ S‬فائدته‬
‫له‪.‬‬
‫َّة درجة من النضج‪ ،‬يصعب تجاوزها‪ S،‬كما أن لها مشكالت ال يمكن حلّها إال على‬ ‫إن لكل مرحلة عمري ٍ‬
‫ُْ‬
‫نحو جزئي‪ ،‬ولذا فإن (العجلة) هي العدو األول للتربية‪ ،‬إن اآلباء والمعلمين يميلون إلى أن ينفضوا أيديهم من‬
‫مسؤوليات التربية‪ ،‬ويلقوا أعباءها عن كواهلهم‪ ،‬ولذا فإن الشكوى من بطء االستجابة‪ ،‬وضعف‪ S‬تأثير التربية تظل‬
‫مستمرة‪ .‬إال أن شعور‪ S‬المربي أن هناك تقدماً ما على صعيد الجانب الذي يهتم بتنميته في شخصية من يرببه‪.‬‬
‫والحق أن ابن سينا يرى أن التربية الصحيحة والموضوعية لإلنسان تبدأ قبل التحاق الطفل بدور‪ S‬الحضانة‬
‫ورياض األطفال‪ ،‬وأصبح لزاماً علينا العناية بتعليم الطفل وتأديبه وتقويمه وتهذيبه‪ ،‬وأن نفكر دائماً في تربية‬
‫أطفالنا تربية حسنة مبنية على السلوك الحسن والقيم العليا الخالقة حتى يكونوا‪ S‬المثل األعلى في جميع جوانب‬
‫الحياة‪ ،‬ويقول فرويل‪ S‬في كتابه تربية اإلنسان‪ :‬إن الغرض من التربية إيجاد حياة طاهرة مقدسة يملؤها اإلخالص‬
‫والطهارة‪.‬‬
‫فالطفولة حياة قائمة بحد ذاتها ومرحلة تمولها قوانينها ونظرياتها‪ S‬في التربية وعلم النفس وهي ليست مجرد‬
‫فترة زمنية يمر بها اإلنسان دون أن يفهم ويدرك‪ S‬ويفسر ما يدور‪ S‬حوله من متغيرات بيئية مستخدماً حواسه وعقله‬
‫في التعامل مع هذه المتغيرات‪.‬‬
‫لقد اهتم المفكرون العرب المسلمون األوائل بدراسة وتحليل سمات مرحلة الطفولة‪ ،‬وكانت آراؤهم مبنية‬
‫على أساس المالحظة والحدس واستلهام ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية تحولت إلى مفاهيم متوافقة‬
‫ومتآلفة تكون فيما بينها مبادئ النظرية التربوية األخالقية بتربية الطفل‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬محددات التربية األخالقية عند ابن سينا‬

‫ويعد من أعظم الفالسفة المحدثين ولد سنة ‪1724‬م وتوفي سنة ‪1804‬م ويقال‪ :‬إنه من أصل اسكتلندني‪.‬‬
‫( ‪ )1‬كانط‪ :‬فيلسوف ألماني ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪-123-‬‬
‫‪ - 1‬نظرته إلى األخالق‪:‬‬

‫أجمع الباحثون أن لنظرية الفيلسوف األخالقية عالقة وثيقة بفكره التربوي‪ .‬وأن التربية بمجملها تهدف‬
‫إلى تكوين شخصية تؤمن بمثل وأخالقيات‪ S‬معينة‪ ،‬وهذا يدفعنا إلى البحث عن الجانب المعرفي‪ S‬عند ابن سينا عن‬
‫األخالق‪ ،‬وما معنى الخلق عنده؟ وما هي الفضائل التي يريد أن يكتسبها‪ S‬الفرد أو المتعلم؟ وما هي الرذائل التي‬
‫يسعى إلى إبعاد الفرد عنها؟ وكيف تتحقق تلك التربية األخالقية في نظره‪.‬‬
‫وحد سقراط بين المعرفة‬ ‫الحقيقة أن المعرفة شرط ضروري ومسبق‪ S‬الختيار العمل األخالقي‪ ،‬فقد ّ‬
‫جهل‪ ،‬ففي غياب المعرفة تنتفي حرية االختيار‪ ،‬ويفقد العمل مضمونه‬ ‫وبين أن الفضيلة ال تكون عن ٍ‬ ‫والفضيلة‪ّ ،‬‬
‫األخالقي (عادل العوا‪ ،1987 ،‬الفكر التربوي‪ S‬العربي اإلسالمي)‪ ،.‬وعلى اإلنسان أن يعي مضمون العمل‬
‫األخالقي‪ ،‬وهي أفعال تخضع في قيامها لعامل التميز الذهني عند اإلنسان كما يراها ابن سينا فنحن ال ننال‬
‫السعادة باألفعال‪ S‬الجميلة‪ ،‬ما لم تكن تلك األفعال قاصدة هادفة من جهة‪ ،‬ومتحققة بصناعة معينة من جهة أخرى‪،‬‬
‫بحيث يستطيع‪ S‬اإلنسان امتالك القدرة على التمييز في أفعاله طوال حياته بأسرها‪.‬‬
‫إذا رجعنا إلى كتابات ابن سينا في هذا المجال فسوف تبرز لنا نظرته الخاصة به في الخير والشر‪ ،‬وتعاريفه‬
‫الدقيقة لكل خلق من األخالق المقبولة أو المرذولة‪ ،‬وطريق تكوين العادة أو الطبع أو الخلق‪ .‬وهو في ذلك كله متأثر‬
‫بالثقافات األجنبية بجوار األثر اإلسالمي األصيل(محمد يوسف موسى‪ ،1950 ،‬مقال في األخالق)‪.‬‬
‫ويشير الفارابي إلى أن إتباع الفعل الجميل يكون مل َكة لدى اإلنسان اليمكن زوالها باعتبار أن «الخلق‬
‫الجميل وقوة الذهن هما الفضيلة اإلنسانية» وفي سبيل تحقيق هذه الغاية التي قصدها أبو نصر الفارابي ينبغي أن‬
‫نسلك طريقين لنقف منها على مقاصد أبي نصر بالذات(محمود عبد اللطيف‪ ،2007 ،‬الفكر التربوي عند‬
‫الفارابي)‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ومشقة‪.‬‬ ‫األول‪ :‬محاولة أن تصير‪ S‬األخالق الجميلة ملكة لنا‪ ،‬بحيث ال يمكن للصواب أن يزول إال ٍ‬
‫بعسر‬
‫الثاني‪ :‬أن تكون لدينا القدرة على إدراك الصواب إدراكاً سليماً ال عوج فيه وال ضالل‪.‬‬
‫الواقع‪ S‬أن الفارابي‪ S‬يشير‪ S‬إلى أن الوسط‪ S‬األخالقي‪ S‬يختلف‪ S‬قوة وضعفاً‪ S،‬سلباً‪ S‬وإ يجاباً‪ S‬حسب أفعاله‪S‬‬
‫وغاياتها‪ S،‬وبذلك‪ S‬تبرز‪ S‬أهمية التعليم‪ S‬بالنسبة لإلنسان‪ S‬فقد اتفق‪ S‬كبار‪ S‬المربين القدماء‪ ،‬على أن التعليم‪ S‬الذي ال‬
‫يؤدي‪ S‬إلى‪ S‬الكمال ال يستحق‪ S‬أن يسمى‪ S‬تعليماً‪ S،‬ألن الغرض من التعليم‪ S‬تهذيب‪ S‬األخالق‪ ،‬مع العناية بالصحة‪S‬‬
‫والتربية‪ S‬البدنية‪ ،‬والعقلية والوجدانية‪ S،‬والعلمية‪ ،‬وإ عداد الطفل للحياة االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -2‬معنى الخلق عند ابن سينا‪:‬‬

‫يرى ابن سينا أن الخلق ال يعني السلوك الفاضل فقط‪ ،‬ولكن تعوده واإلتيان به في كل مناسبة من‬
‫المناسبات‪ ،‬وال يستطيع اإلنسان أن يأتي بعكسه أو ضده‪ ،‬فالخلق‪ S‬في نظر ابن سينا عبارة عن ملكة يصدر بها‬
‫عن النفس أفعال ما بسهولة من غير تقدم روية»( ابن سينا‪ ،1952 ،‬رسالة العروس)‪.‬‬
‫ونحن غير قادرين على إطالق صفة الصدق على إنسان إال إذا كانت عادته أن يصدق‪ S‬في أقواله‪ ،‬وهكذا‬
‫سائر األقوال حول األخالق الفاضلة‪ ،‬كما أننا ال نطلق صفة الكذب على إنسان إال إذا كانت عادته أن يكذب في‬
‫أقواله‪ ،‬وهكذا سائر األخالق المرذولة‪.‬‬

‫‪-124-‬‬
‫فالتربية األسرية لها دور بارزومهم‪ S‬في تربية الطفل وتأديبه وتقويمه وتهذيبه وتعويده السلوك الفاضل‪،‬‬
‫واالبتعاد عن كل ما من شأنه أن يسيئ للسلوك الحسن والقيم العليا الخالقه حتى يكون المثل األعلى في جميع‬
‫جوانب الحياة‪.‬هذا ما أكده «فروبل‪ »S‬في كتابه تربية اإلنسان قائالَ‪« :‬إن الغرض من التربية إيجاد حياة طاهرة‬
‫ومقدسة يملؤها اإلخالص والطهارة وإ تباع الفعل الجميل» ويرى (هربرت سبنر) أن الغرض من التربية يمكن‬
‫أن يلخص في فكرة واحدة وهي كلمة (الفضيلة)‪.‬‬
‫وكما صرح (بستالوتزي) قائالً‪ :‬أن الطفل الذي تعلم الصالة والتفكير والعمل هو أكثر من نصف متعلم‪،‬‬
‫وأنه لم يكن غرضه من تعليم الطفل أن يعلمه من العلم ما لم يعمل اآلداب واألخالق‪ S‬وحسن المعاملة»‪.‬‬
‫فالتربية تهدف إلى إشاعة االستمساك‪ S‬بالحق‪ ،‬ودفع‪ S‬الباطل‪ ،‬وعلينا أن نربي أطفالنا على قبول الحق‪،‬‬
‫وإ بداء الحماسة له واالنفعال به‪ ،‬ويعد ذلك الخطوة األولى على تحقيقه‪ ،‬إن القبول بالحق والحقيقة شأن من شؤون‬
‫النفوس الكبيرة التي ترفعت عن األهواء واالفتتان بالمنافع‪ S‬العاجلة‪ ،‬وهو ضالة من يهتم بمصيره األكبر‪،‬‬
‫وبمصير‪ S‬المجتمعات التي يعيش فيها‪ ،‬وتتطلب التربية تعويد الطفل على تحمل المسؤولية عن األعمال التي يقوم‬
‫بها ‪ -‬أياً كان ذلك العمل ‪ -‬وهذا نوع من االستمساك‪ S‬بالحق وإ حقاقه‪ ،‬وهذا الخلق كما يرى ابن سينا سينمو‪ S‬لدى‬
‫ينبه بلطف على ما كان من خطأ‪.‬‬‫الطفل حين يسمع الثناء على ما قام به من عمل الخير‪ ،‬وحين ّ‬
‫الواقع أن تحقيق النجاح في تربية الطفل خلقياً يجب أن نعرف طبيعة الطفل ونفسيته‪ ،‬وغرائزه وميوله‪،‬‬
‫حتى يكون المثل األعلى لألخالق‪ ،‬ويشير الفارابي إلى أنه ينبغي أن تبدأ التربية الخلقية في المنزل أوالً‪ ،‬وفي‪S‬‬
‫المدرسة ثانياً‪ ،‬لكي تبنى المدرسة على أساس متين من األخالق‪.‬‬
‫إن اكتشاف روسو الهام في ميداني علم النفس وعلم التربية هو وجود‪( S‬طبيعة خاص بالطفولة) وأن هذه‬
‫الطبيعة أو هذه المرحلة الطبيعية هي مرحلة ضرورية ووظيفته ولهذا نراه يدعو بإلحاح إلى معوقة الطفولة‬
‫بقوله‪:‬‬
‫‪ -‬تعلموا كيف تتعرفون إلى أوالدكم‪ S‬ألنكم يقيناً تجهلونهم كل الجهل‪.‬‬
‫‪ -‬الطفولة لها وظيفتها في النمو‪.‬‬
‫‪ -‬دعوا الطفولة تنضج في األطفال…‪ .‬دعوا الطبيعة تعمل وحدها زمناً طويالً قبل أن تتدخلوا بالعمل‬
‫مكانها خشية عرقلة عملها»‪.‬‬
‫‪ -‬احترموا‪ S‬الطفولة وال تتسرعوا أبداً بالحكم عليها خيراً كان أو شراً»‪.‬‬
‫ويرى‪ S‬ابن سينا أن األخالق موضوع فلسفي عالجه الفالسفة في مختلف العصور‪ S،‬وقد وضعوا‪ S‬نظريات‬
‫ومذاهب أخالقية تمثل ذروة اإلبداع‪ ،‬العقلي‪ ،‬وهذا يحتم علينا ضرورة الكشف عن االتجاهات التربوية التي‬
‫برزت عند هؤالء الفالسفة‪ ،‬والسيما‪ S‬أن المربي نفسه يعمل في نشاط خلقي وتحدد‪ S‬طبيعة اختباراته الخبرة التي‬
‫يقدمها في إطار االهتمام باألخالق الفاضلة للوصول‪ S‬إلى حياة أفضل‪.‬‬
‫‪ -3‬األخالق الفاضلة عند ابن سينا‪:‬‬

‫تتجسد تربية الناشئين بصون فطرتهم الطاهرة عن التدنس وارتكاب‪ S‬األخطاء وغرس معاني اإليمان في‬
‫قلوبهم بشتى المناسبات‪ ،‬ولفت نظرهم إلى كل ظاهرة من ظواهر‪ S‬الكون الدالة على القيم الحميدة واألخالق‪S‬‬
‫الفاضلة‪ ،‬وتربية الناشئ خلقياً حتى يكون المثل األعلى لألخالق في المنزل والمدرسة حتى يعرف معنى الواجب‬
‫ويقدر حقوقه اإلنسانية‪.‬‬

‫‪-125-‬‬
‫إن غاية التربية تكوين شعب مثقف كريم األخالق ومذهب‪ ،‬ألن التربية هي التي تسهم في بلوغ اإلنسان‬
‫الكمال‪ ،‬وترسم‪ S‬خطى اإلنسان في بلوغه الكمال األخالقي في جميع جوانب الحياة‪ ،‬والدافع أن سبيل الوصول‪ S‬إلى‬
‫حياة أفضل لن يكون إال عبر التربية ومقوماتها‪.‬‬
‫السؤال الكبير الذي يطرح نفسه‪ ،‬ما هي األخالق الفاضلة‪ ،‬التي يريد ابن سينا أن يكتسبها اإلنسان وتكون‬
‫له ملكة يصدر‪ S‬عنها في أقواله وأفعاله؟ ما هي صورة اإلنسان في نظرة من الناحية األخالقية؟ وما المزايا‬
‫األخالقية التي يجب أن يكون عليها؟ في هذا السياق يذكر ابن سينا تلك األخالق الفاضلة ممثلة في (ابن سينا‪،‬‬
‫‪1328‬هـ‪ ،‬علم األخالق)‪:‬‬
‫‪ -1‬العفة‪ :‬وبها يكون المرء معتدالً في شهوات البدن من مأكل ومشرب‪ ،‬وال ينقاد إلى تلك الشهوات بل‬
‫يتصرف‪ S‬فيها بحسب الرأي الصحيح‪.‬‬
‫‪ -2‬القناعة‪ :‬وهي أن يضبط‪ S‬نفسه عن االشتغال بما يزيد عن كفايته وحاجته من المعاش واألقوات‪ S‬القيمة‬
‫لألبدان وال يتطلع إلى ما عند غيره من ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬السخاء‪ :‬أن يبذل ما عنده من أموال في أوجه الحاجة لآلخرين‪ ،‬وحسن المواساة بما يجوز‪ S‬أن يواسي‪S‬‬
‫به منها‪.‬‬
‫‪ -4‬الشجاعة‪ :‬هي اإلقدام على ما يجب من األمور التي تحتاج إلى أن يعرض اإلنسان نفسه لها متحمالً‬
‫في سبيل ذلك المكاره مستهيناً باآلالم الواصلة إليه منها‪.‬‬
‫‪ -5‬الصبر‪ :‬هو أن يلزم نفسه احتمال ألم أو مكروه نزل به ويلزمه في حكم العقل احتماله‪ ،‬أو أن يتوقف‬
‫اإلنسان عن محبوب لنفسه مشتهى ويلزمه في حكم العقل اجتنابه حتى ال يتناوله على غير وجهة‪.‬‬
‫‪ -6‬كتمان السر‪ :‬أن يضبط اإلنسان قوة الكالم عنده فال يظهر ما في ضميره مما يضر إظهاره وإ بداؤه قبل‬
‫وقته‪.‬‬
‫‪ -7‬الصدق‪ :‬هو أن يطابق ما يقوله لما في ضميره‪.‬‬
‫‪ -8‬الرحمة‪ :‬هي الرقة على من يحل به مكروه‪.‬‬
‫‪ -9‬الحزم‪ :‬أن يتصرف‪ S‬التصرف السليم البعيد عن الضرر‪ S‬بدون تردد‪.‬‬
‫‪ -10‬الحياء‪ :‬هو أن يرتدع عن األمور التي يقبح تعاطيها‪ S‬واإلقدام‪ S‬عليها لما ينتج من قبح األحدوثة‪.‬‬
‫‪ -11‬إصابة الرأي‪ :‬أن تجري مالحظته لعواقب األمور‪ S‬الغضب فيمن يجنى عليه جناية يصل مكروهها‬
‫إليه‪.‬‬
‫‪ -12‬الحلم‪ :‬هو اإلمساك عن المبادرة إلى قضاء الغضب فيمن يجنى عليه جناية يصل مكروهها إليه‪.‬‬
‫‪ -13‬العلم‪ :‬هو أن يدرك األشياء التي من شأن العقل اإلنساني‪ S‬أن يدركها‪ S‬إدراكاً ال يلحقه فيها خطأ وال‬
‫زلل‪ ،‬فإن كل ذلك بالحجج اليقينية والبراهين الحقيقية يسمى حكمة‪.‬‬
‫‪ -14‬البيان‪ :‬هو أن يحسن نقل ما يعنى إلى ضمير مخاطبه‪.‬‬
‫‪ -15‬حسن العهد والمحافظة‪ :‬هو أن يحافظ‪ S‬على الصالت والعالقات‪ S‬بينه وبين أهله وأصدقائه‪.‬‬
‫‪ -16‬عظم الهمة‪ :‬وهو أن ال يقتصر على بلوغ غاية من األمور‪ S‬التي يزداد بها اإلنسان فضيلة وشرفاً‪S‬‬
‫حتى يسمو بنفسه إلى ما وراءها مما هو أعظم فوراً‪ S‬وأجل خطراً‪.‬‬
‫‪ -17‬إصابة الرأي‪ :‬أن تجري مالحظته لعواقب األمور‪ S‬التي يفكر فيها حتى تظهر له جهة الصواب‪.‬‬

‫‪-126-‬‬
‫‪ -18‬الفطنة وجودة الحدس‪ :‬هو أن يسرع هجومه على حقائق معاني ما تورده الحواس عليه‪.‬‬
‫‪ -19‬التواضع‪ :‬هو أن يمنع من التكبر على الناس بفضيلة في نفسه جسمانية أو نفسانية متذكراً ما طبع‬
‫عليه اإلنسان من ضعف ونقص» (ابن سينا ‪1328‬هـ علم األخالق‪ ،‬الرسالة السادسة)‪.‬‬
‫إن هدف األخالق وضبط‪ S‬السلوك يعد من أهم األهداف التي تسعى التربية العربية اإلسالمية إلى تحقيقها‬
‫في تنشئة الطفل وهو محور‪ S‬النشاط التربوي وقد‪ S‬ظهرت أهمية هذا الهدف واضحة من خالل ما ورد في القرآن‬
‫الكريم والسنة النبوية الشريفة من آيات وأحاديث تحث المسلم على التحلي بالخلق الكريم وقد‪ S‬خاطب اهلل سبحانه‬
‫ق عظيم» وذهب المفكرون المسلمون أمثال اإلمام الغزالي إلى‬ ‫وتعالى نبيه الكريم في قوله تعالى‪ :‬وإ َّنك لعلى ُخل ٍ‬
‫ربط العلم بالعمل والسلوك الديني بالسلوك‪ S‬األخالقي‪ ،‬فالتربية بالنسبة له هي «إخراج األخالق السيئة وغرس‬
‫األخالق الحسنة» في نفس المتعلم‪ ،‬والتربية الصحيحة ما هي إال عملية بناء للقيم بذلك فهي تشجيع الناشئة على‬
‫الخلق النبيل وأن يكون اللوم والتوبيخ والعقاب برفق معهم‪ ،‬وهي عملية توجيه ال تأنيب وعقاب وعنف لذلك نجد‬
‫أن الغزالي كان ضد اإلسراع في معاقبة التالميذ بل إنه كان يحبذ التعرف على الدوافع‪ S‬الكامنة وراء السلوك‬
‫الشاذ والسعي إلى تغيرها وتعديلها فالطفل ال يولد شاذاً وال منحرفاً‪ S‬وإ نما هناك ظروف تدفعه إلى مثل هذا‬
‫السلوك غير السوي‪.‬‬
‫إن هذه الفضائل يجب أن يتحلى بها إنسان ابن سينا حتى يصبح إنساناً فاضالً‪ S‬في نظره‪ ،‬وعليه أن يتعود‬
‫تلك الفضائل حتى تصير‪ S‬أخالقاً‪ ،‬له وعادات سلوكية يصدر عنها في كل تصرفاته‪.‬‬
‫إن طبيعة اإلنسان الحقيقية طبيعة ملكية وعلينا أن نربيه حقًا من أجل هذا السمو‪ .‬وهذا ما عبر عنه ابن سينا‬
‫يعد لنفسه ثوابًا وعقابًا ويسوسها به‪ ،‬فإذا أحسنت طاعتها وساس‬
‫ال‪« :‬وينبغي لإلنسان أن ّ‬ ‫في كتابه السياسة قائ ً‬
‫انقيادها لما يسوقها من قبول الفضائل وترك الرذائل‪ ،‬وإ ذ أنت بخلق كريم أو منقبة شريفة أثابها بإكثار حمدها وجلب‬
‫السرور لها‪ ،‬وتمكينها من بعض لذاتها وإ ذا ساءت طاعتها وامتنع انقيادها‪ ،‬وجمحت فلم يسلس عنانها وأثرت‬
‫ذمها ولومها وجلب عليها شدة الندامة ومنعها لذتها‬
‫الرذائل على الفضائل وأتت بخلق لئيم أو فعل ذميم عاقبها بإكثار ّ‬
‫حتى تليق له»( ربطوريتا‪ ،1950 ،‬ابن سينا لمن تكون له المدحة)‪.‬‬
‫وعكس هذه األخالق الفاضلة تكون األخالق المرذولة التي يريد ابن سينا أن يبتعد عنها اإلنسان‪ ،‬وأن يتخلص‬
‫منها‪ ،‬ألن الرذيلة في األصل هي سيطرة قوة الشهوة أو الغضب على قوة العقل‪ ،‬وهذا يؤدي إلى االنحراف واالبتعاد‬
‫عن الفضيلة‪ ،‬ولما كان اإلنسان في كثير من األحيان ال يستطيع اكتشاف رذائله أو الرذائل المحيطة به من الحسد‪،‬‬
‫والحقد‪ ،‬وسرعة االنتقام‪ ،‬والبذاءة والشتيمة‪ ،‬والغيبة والنميمة‪ ،‬والكذب‪ ،‬وإ ذاعة السر‪ ،‬والجهل الذي هو من أعظم‬
‫الرذائل والنقائص المضادة للعلم الذي هو الفضيلة العظمى من فضائل القوة التميزية والقدر والخيانة والقساوة التي‬
‫هي بإزاء الرحمة‪ ،‬يقتضي ذلك وجود صديق حكيم لإلنسان يبصره بذلك‪ .‬يقول ابن سينا‪« :‬ولما كانت معرفة‬
‫اإلنسان نفسه غير موثوق بها لما في طباع اإلنسان من الغباوة عن مساويه وكثرة مسامحته نفسه عند محاسبتها‬
‫وألن عقله غير سالم من ممازجة الهوى إياه عند نظره في أحوال نفسه كان غير مستفيد في البحث عن أحواله‬
‫والفحص عن مساويه ومحاسنه عن معونة األخ اللبيب الوارد الذي يكون منه بمنزلة المرأة فيريه حسن أحواله حسنًا‬
‫وسيئها سيئًا» (لويس معلوف‪ ،1906 ،‬كتاب السياسة البن سينا)‪.‬‬

‫‪-127-‬‬
‫وللشريعة اإلسالمية جانب تربوي‪ S‬أخالقي يتجلى في األمر والنهي‪ ،‬والتحريم‪ ،‬والتحليل‪ ،‬واإلباحة‬
‫والخطر‪ ،‬والحدود‪ ،‬والعقوبات‪ ،‬والقصاص‪ ،‬واإلرشاد‪ S‬إلى أساليب عملية معينة «عن طريق‪ S‬الترغيب والترهيب‪،‬‬
‫أو أخذ العبرة من التاريخ أو الحض على التقوى ومخافة اهلل‪ ،‬ولذلك نجد كثيراً من األحكام يعللها القرآن تارة بـ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يهم بها‪‬‬ ‫ِّ‬
‫وتزك ْ‬ ‫ط ِّه ُر ُه ْم‬ ‫‪‬لعلكم تتقون‪[ ‬سورة البقرة‪:‬اآلية ‪ ،]21‬وتارة بالتطهير والتزكية ‪ُ ‬خ ْذ م ْن أموال ِه ْم َ‬
‫ص َدقَ ًة تُ َ‬
‫[سورة التوبة‪ :‬اآلية‪ .]103‬وهذا يشير إلى أن تعاليم الشريعة اإلسالمية عندما تتمكن من نفس الفرد ومشاعره‬
‫تصبح بمثابة ضابط خلقي‪ ،‬يحاكم المرء نفسه إليه‪ ،‬عندما يقف أمام أمور مشتبهات‪ ،‬والضابط الخلقي هنا غير‬
‫بالكلية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الوازع التربوي الديني‪ ،‬فالوازع‪ S‬يبعدك عن موضوع‪ S‬المحرمات‬
‫ال؟ ومتى يتعود الخلق الفاضل؟ في هذا الجانب نرى‬‫والسؤال الذي يطرح نفسه؟ متى يصبح اإلنسان فاض ً‬
‫غلبة النزعة األفالطونية على الفكر السينوي إذ يبدو لنا أخذه بنظرية القوى الثالث للنفسه»‪ (.‬ابن مسكويه‪،1959 ،‬‬
‫تهذيب األخالق وتطهير األعراق) القوة الناطقة‪ ،‬والقوة الغضبية‪ ،‬والقوة الشهوية‪.‬‬
‫فالقوة الناطقة‪ :‬تنجلى فيها الفكر والتمييز والنظر‪ S‬في حقائق األمور‪.‬‬
‫أما القوة الغضبية‪ :‬فيكون بها الغضب والنجدة واإلقدام على األهوال والشوق‪ S‬إلى التسلط والترفع‪S‬‬
‫وضروب‪ S‬الكرامات‪.‬‬
‫والقوة الشهوية‪ :‬ففيها تكون الشهوة وطلب الغذاء والشوق إلى المالذ التي في المآكل والمشارب‪ S‬وغير‬
‫ذلك‪.‬‬
‫هذه القوى الثالث متباينة إذا قوي بعضها أضر باآلخر‪ ،‬وربما‪ S‬تبطلها‪« ،‬واإلنسان الفاضل هو الذي تتغلب‬
‫قوته النظرية على قوتيه الغضبية والشهوية وتتحكم فيها نشتهي وال يشتهي‪ ،‬وفيما يغضب وال يغضب‪ ،‬ومع‬
‫تعود القوة الغضبية والشهوية أن تنقاد ألحكام العقل يصبح اإلنسان فاضالً‪ ،‬أما إذا تغلبت قوى البدن الشهوية‬
‫والغضبية على القوة الناطقة أذعن العقل لمطالب البدن ولم يعد إنساناً فاضالً‪ ،‬فاإلنسان الفاضل هو الذي تذعن‬
‫قواه الشهوية والغضبية لقواه الناطقة‪ ،‬أو هو اإلنسان الذي تستعلي قواه الناطقة على قواه الحيوانية الشهوية‬
‫والغضبية»( ابن سينا‪1328 ،‬هـ‪ ،‬علم األخالق)‪.‬‬
‫يجب على المربي أن يذ ّكر الناشئ بنظرية القوى الثالث للنفس‪ ،‬ويبين له معانيها وكيف يبني العالقة‬
‫االجتماعية لكل منها‪ ،‬وعليه أن يحذره من جليس السوء‪ ،‬وأن يختار له مجالس الصالحين‪ ،‬والرفقة المؤمنة‪،‬‬
‫يدنس النفس‪ ،‬أو يضيع وقته في غير ما هو طاعة أو فائدة‬
‫واألتراب الذين ربوا تربية صالحة‪ ،‬وأن يحذره مما ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كثير ِم ْن َن ْج ُ‬
‫ال ِح‬
‫إص َ‬
‫بص َد َقة أَْو َم ْعروف أَو ْ‬
‫أمَر َ‬
‫واه ْم إ ّال َم ْن َ‬ ‫ال بقوله تعالى‪ :‬ال َ‬
‫خير في ٍ‬ ‫علمية أو كسب دنيوي حالل‪ ،‬عم ً‬
‫أجراً عظيماً‪[ ‬سورة النساء‪:‬اآلية ‪.]114‬‬ ‫وف ُن ْؤِت ِ‬
‫يه ْ‬ ‫س ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْبي َن َّ‬
‫الن ِ‬
‫تغاء َمْرضات اهلل َف َ‬
‫وم ْن َي ْغ َف ْل ذل َك ْاب َ‬
‫اس َ‬
‫الواقع أن كتابات ابن سينا ال تخلو من الحديث عن الخير الذي يسعى إليه اإلنسان والصورة المثالية‬
‫لإلنسان الفاضل في نظره عليه أن يغير له الطرق كي يوصله إلى ما ينبغي له أن يعمله حتى يصبح فاضالً‪،‬‬
‫ووضع برنامج له إليصاله إلى الحكمة واألخالق‪ S‬الفاضلة‪ ،‬وهو ما يسمى في كتب فالسفة األخالق بمشكلة‬
‫الواجب(أندريه كرسون‪ ،1952 ،‬المشكلة األخالقية والفالسفة)‪ .‬وأول واجبات اإلنسان إذا أراد أن يصبح إنساناً‬
‫فاضالً أن يعرف عيوبه ويحدد‪ S‬أخطاءه لمعالجتها قبل أن تصبح خلقاً دائماً له‪ .‬فلقد نظر ابن سينا إلى اإلنسان‬
‫نظرة عالية فيها إكبار له وإ جالل‪ ،‬وفيها إعجاب به واحترام لشأنه واإلنسان في رأيه يجب أن يحدد السلوك‬
‫الفاضل ألنه يستطيع‪ S‬أن يغير من أخالقه حسبما أراد وهذا هو المبتغى‪.‬‬

‫‪-128-‬‬
‫يقول ابن سينا‪« :‬ومن أوائل ما يلزم من رام سياسة نفسه أن يعلم أن له عقالً هو السايس ونفساً أمارة‬
‫بالسوء كثيرة المعايب جمة المساوئ في طبعها واصل خلقها هي المسوسة‪ ،‬وأن يعلم أن كل من رام إصالح فاسد‪S‬‬
‫لزمه أن يعرف جميع فساد ذلك الفاسد معرفة مستقصاة حتى ال يغادر منه شيء ثم يأخذ في إصالحه وإ ال كان ما‬
‫يصلحه غير حريز وال وثيق‪ ،‬وكذلك من رام سياسة نفسه ورياضتها‪ S‬وإ صالح فاسدها لم يجز له أن يبتدئ في‬
‫دعمها باإلصالح‬
‫ذلك حتى يعرف جميع مساوئ‪ S‬نفسه معرفة محيط فإنه إن أغفل بعد تلك المساوئ‪ S‬وهو يرى أنه ّ‬
‫كان كمن يديل ظاهر الكلم وباطنه مشتمل على الداء» ( لويس معلوف‪ ،1906 ،‬كتاب السياسة البن سينا)‪.‬‬
‫إن الفلسفة األخالقية كما يرى (كانط) تصدر عن العقل وحده‪ ،‬ومفهوم‪( S‬الواجب) أو (األمر األخالقي‪»S‬‬
‫الذي يشكل الدعامة األساسية لهذه الفلسفة ال يصدر‪ S‬عن التجربة‪ ،‬وال يصدر‪ S‬عن طبيعة اإلنسان الحسية‪ ،‬كما أنه‬
‫ال يصدر عن الدين‪ ،‬إله األمر األخالقي‪ S‬هو أمر العقل‪.‬‬
‫وفي‪ S‬استطاعة اإلنسان أن يغير من أخالقه حسبما أراد‪ ،‬والمرجع في ذلك كله إلى العقل‪.‬‬
‫هذه هي فلسفة ابن سينا في اإلنسان والمعرفة واألخالق والمجتمع‪ ،‬وهي فلسفة جمعت بين وجهة النظر‬
‫اإلسالمية الصافية‪ ،‬ووجهة النظر الفلسفية‪ .‬إن ثقافة ابن سينا اإلسالمية أتاحت له صوغ فلسفته في اإلنسان‬
‫واألخالق والمجتمع‪ ،‬وكان للفلسفة اليونانية الدور الهام في تلك الفلسفة‪ .‬فاإلنسان في اإلسالم هو أفضل ما في‬
‫هذا الكون من عناصر وموجودات‪ ،‬ميزه اهلل مزوداً‪ S‬باالستعداد‪ S‬لكسب المعارف‪ S‬والمهارات المختلفة ولالختراع‪S‬‬
‫واإلبداع والقيام بالعمليات العقلية المتعددة لبناء اإلنسان الصالح والمواطن الصالح‪ ،‬وفي جميع جوانبه جداً‬
‫وروحاً‪ S‬وعقالً‪ ،‬بذمة متناهية تأخذ في حسابها جميع مكونات اإلنسان وتهتم‪ S‬بنوازعه الفطرية وتوجهه نحو الكمال‬
‫وتدربه للصعود إلى القمة بكل طريق ممكنة وجهد مستطاع‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬الحرية واألخالق عند ابن سينا‬
‫أول ما تعنيه الحرية ممارسة اإلنسان ألفعاله بملء حريته واختياره فهي ترتبط بعناصر النظرية األخالقية‬
‫كلها‪ ،‬فال إلزام‪ ،‬وال مسؤولية وال جزاء من غير حرية‪ ،‬وإ ن سلوك اإلنسان يفقد مضمونه األخالقي في غياب‬
‫الحرية وإ رادة االختيار(الفكر التربوي العربي اإلسالمي‪ ،1987 ،‬األصول والمبادئ)‪.‬‬
‫وللحرية مظاهر متعددة تتمثل في حرية التفكير التي تمكن اإلنسان من تحديد أهدافه وتلمس الحلول لمشكالته‬
‫وقضاياه وفق حاجاته وإ مكاناته ومطالب مجتمعه‪ .‬كما تتمثل في حرية الحركة والنشاط وهي ال تنفصل عن حرية‬
‫التفكير بل هي الوسيلة نحوها‪ ،‬ولو لم يكن ذلك كذلك فإن الحرية ستتحول إلى عبث وانفجارات انفعالية‪ ،‬وهناك‬
‫حرية التعبير والعبادة والعمل‪ ،‬وجميعها الزمة لمواصلة مسيرة الحياة في ثقة واطمئنان(محمود أحمد السيد‪1991 ،‬‬
‫‪ -‬في قضايا التربية المعاصرة)‪.‬‬
‫إذا كانت التربية الفعالة تهدف إلى بناء الشخصية المتوازنة والمتكاملة والمتعادلة من جميع الوجوه جسمياً‬
‫وفكرياً‪ S‬وانفعالياً واجتماعياً‪ ،‬فاإلنسان ال ينال السعادة باألفعال‪ S‬الجميلة ما تكن تلك األفعال «قاصرة هادفة من‬
‫جهة‪ ،‬ومتحققة بصناعة معينة من جهة أخرى‪ ،‬بحيث يعود الكائن الناطق يمتلك قدرة على التمييز في أفعاله‬
‫المختارة طيلة حياته بأسرها‪ (»S‬الفارابي ‪ ،1985‬تحقيق جعفر آل ياسين)‪.‬‬
‫ولما كانت األخالق في نظر ابن سينا أمراً مكتسباً غير موروث‪ ،‬وكان في قدرة اإلنسان أن يكتسب‬
‫األخالق‪ ،‬أو يمارس سلوكه بالقدر المالئم من الحرية األخالقية بالوالء المطلق لدين اهلل تعالى‪.‬‬

‫‪-129-‬‬
‫ويرى ابن سينا‪ ،‬أن القيم األخالقية تمثل في قيمة األخالق‪ ،‬وإ رادة الخير وفعل الخير‪ ،‬وما برح الناس‬
‫يختلفون حول تحديد معنى الخير فمنهم من اعتبره سعادة‪ ،‬واعتبر السعادة لذة حسية‪ ،‬أو لذة معنوية‪ ،‬ومنهم من‬
‫اعتبره فضيلة شجاعة‪ ،‬أو عدل‪ ،‬أو إحساس‪ ،‬أو نظام أو حب الوطن‪ ،‬ومنهم من أراد أن يكون الخير تشبيهًا باإلله‪،‬‬
‫أو بالعظماء‪ ،‬أو بالعباقرة‪ ،‬أو باألبطال ومنهم من أراد اعتباره منفعة‪ ...‬الخ (عادل العوا‪ 1983 ،‬الفكر التربوي‬
‫العربي اإلسالمي)‪.‬‬
‫فالواجب األخالقي‪ S‬هو أمر قطعي صادر‪ S‬عن إرادة خالصة وهي تعني عند كانط أنها غير مشوبة بأي‬
‫شيء أدنى منها كالمصلحة والرغبة والنزوة إلى إرادة منفعلة برغبات حسية‪ ،‬فإذا كان األمر كذلك البد لنا من‬
‫طرح السؤال‪ :‬كيف يمكن تحقيق السلوك األخالقي‪ S‬في الحياة العملية؟‬
‫يجيب كانط‪ :‬باإلرادة الحرة‪ ،‬فإذا كان العقل اإلنساني‪ S‬كما يرى ابن سينا قادراً‪ S‬على تصور‪ S‬الواجب‪،‬‬
‫مشرع القانون وهو المنفذ له‪ ،‬وفي تشريعه للقانون‬
‫وإ صدار األمر‪ ،‬فله القدرة على أدائه‪ .‬فاإلنسان العاقل هو ِّ‬
‫يتحرر من األهواء‪ ،‬أي يحقق حريته نظرياً‪ ،‬وفي طاعته للقانون بحقه حريته عملياً‪.‬‬
‫يؤدي‪ S‬كل هذا إلى مفهوم وحدة الذات العاقلة واستقاللها أي إلى اإلرادة الحرة‪ ،‬فالطاعة طاعة األمر‬
‫األخالقي‪ ،‬هي إذن أسمى مراتب الحرية‪ ،‬فهي ليست خضوعاً ألمر غريب عن الذات‪ ،‬صادر عن سلطة خارجية‬
‫أو عن أمر ديني بل عن سلطة األمر األخالقي‪.‬‬
‫فالتعاليم‪ S‬اإلسالمية الكثيرة تدلنا على أنه على اإلنسان أن يتخلّق بخلق الرحمة‪ ،‬وأن يتمتع باإلحساس‬
‫المرهف مع كل ما فيه نوع من الحياة‪ ،‬بل إن ذلك يجب أن يمتد إلى الجمادات أيضاً‪ ،‬وذلك بالمحافظة على‬
‫وجودها‪ ،‬فال ينبغي للمسلم أن يدمر الموارد‪ S‬المتاحة‪ ،‬وأال يستخدمها‪ S‬إال على وجه يعود عليه بالنفع‪ ،‬وبحسب‬
‫عالقات منتظمة تدل على وحدة التدبير والنظام‪ S،‬بحيث تدعو المسلم إلى أن يهتدي بفعله وقلبه معاً إلى أنه أمام‬
‫تناسق مطلق وجمال معجز وتدبير‪ S‬مميز يزيده معرفة بالخالق المدبر هلل سبحانه وتعالى‪ .‬ومن ذلك قوله تعالى‪:‬‬
‫األرض و ِمن أنفُ ِسهم و ِم ّما ال يعلمون‪[ ‬سورة يس‪ :‬اآلية ‪ ،]36‬وقوله‬ ‫ُ‬ ‫نبت‬
‫مما تُ ُ‬ ‫ق األ َْز َ َّ‬
‫واج ُكلها ّ‬ ‫ذي َخلَ َ‬
‫ان الّ ِ‬
‫سب َح َ‬
‫‪ْ ‬‬
‫ور‪[ ‬سورة‬ ‫صر َه ْل تََرى ِم ْن فُطُ ٍ‬‫جع ا ْل َب َ‬
‫فار ِ‬ ‫الر ْحم ِن من تَفَ ٍ‬
‫اوت ْ‬
‫ُ‬ ‫ق َّ َ‬ ‫وات ِطباقاً ما ترى في َخ ْل ِ‬
‫ق س ْبع سم ٍ‬
‫تعالى‪ :‬الذّي َخلَ َ َ َ َ َ‬
‫شمس ينبغي لها أن تُ ْد ِر َك ا ْلقَمر وال اللي ُل سابق ال ّنهار وكل في ٍ‬
‫فلك َي ْس َب ُحون‪‬‬ ‫ََ‬ ‫الملك‪ :‬اآلية ‪ ]3‬وكقوله تعالى‪ :‬ال ال ّ ْ ُ‬
‫[سورة يس‪:‬اآلية ‪.]40‬‬
‫إن تنمية القيم واألخالق لدى اإلنسان كما يراها ابن سينا تتمثل في معارفنا وخبراتنا بالقدر المالئم من‬
‫الظروف واألحوال التي بوساطتها تصبح القيم حقيقة واقعة في الحياة؛ فنحن ال نعرف على وجه التحديد القدر‬
‫المالئم من الحرية أو النظام أو الفقر‪ ،‬أو الغنى‪ ،‬أو المعرفة‪ ....‬لنمو المثل العليا بالنفوس‪ .‬وربما جاز القول‪ :‬إن‬
‫االلتزام بأصول الحياة اإلسالمية الصحيحة قد يوفر نوعًا من المناخ المطلوب لذلك‪ ،‬والنتيجة القصوى المترتبة على‬
‫ال آخذًا يلقى من نفسه‪ ،‬ومما‬ ‫الفعل األخالقي وإ نجاز أشكاله كافة‪ ،‬أن نميز في الفاعل األخالقي سمتين األولى‪ :‬فاع ً‬
‫يكتنف وجوده في العالم معطيات يتناولها بفكره التقويمي األخالقي‪ ،‬فينقلب من جهة أخرى إال فاعل مبدع مرتبط‬
‫يربط تصوره وفعله بمثل أخالقي أعلى (محمود عبد اللطيف‪ ،2007 ،‬الفكر التربوي عند الفارابي)‪.‬‬
‫بفضيلة من الفضائل بمفهوم من الخير هو مفهوم الناس جميعاً‪ ،‬ويعتزم تحويل اختباره الحر إلى عمل ينفع‬
‫نفسه والناس معاً‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬العالقة بين الفلسفة التربوية واألخالق‬

‫‪-130-‬‬
‫العالقة بين الفلسفة والتربية عالقة وثيقة‪ ،‬فكل فيلسوف تتضمن فلسفته نظرية تربوية‪ ،‬وكل تربوي له‬
‫نظرية فلسفية (جيمس‪ ،‬س‪ ،‬روس ‪ ،1949‬األسس العامة لنظريات التربية)‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن هناك فرقاً‪ S‬كبيراً بين تناول ابن سينا للتربية في اإلنسان والمجتمع والمعرفة واألخالق وبين‬
‫تناوله في الفلسفة لتلك الموضوعات‪.‬‬
‫فالباحث في التربية ال ينبغي له أن يركز على التفاصيل الفلسفية الدقيقة ويقتضى في هذا السبيل بل هو‬
‫مطالب بإبراز‪ S‬القدر الكافي لفهم آراء هذا الفكر في ميدان التربية والتربية األخالقية فالفلسفة األخالقية تصدر‪ S‬عن‬
‫العقل وحده‪ .‬ومفهوم‪( S‬الواجب) أو (األمر األخالقي) الذي يشكل الدعامة األساسية لهذه الفلسفة ال يصدر‪ S‬عن‬
‫التجربة‪ ،‬وال يصدر‪ S‬عن طبيعة اإلنسان الحسية‪ ،‬كما أنه ال يصدر عن الدين‪ ،‬إن األمر األخالقي‪ S‬هو أمر العقل‪.‬‬
‫ولكي نتناول ابن سينا كصاحب فكر تربوي‪ S‬فالبد أن نقف على نظرته لألخالق والمعرفة ‪ -‬ولن نعرض‬
‫من فكر ابن سينا في هذه الموضوعات إال ما نراه ضرورياً‪ S‬لفهم فكره التربوي‪ .‬إن تقصي جذور‪ S‬هذه النظريات‬
‫هو الرتبوي عند ابن سينا – م‪14‬‬
‫ونقدها والحكم عليها ووضعها‪ S‬في اإلطار التاريخي بين الفكر الفلسفي التربوي واألخالقي‪ ،‬فاإلنسانالفكر‬
‫موضوع‪ S‬التربية‪ ،‬وتختلف نظرات المربين إلى العملية التربوية باختالف وجهات نظرهم‪ S‬لإلنسان وطبيعته‬
‫اإلنسانية‪ .‬فالتربية تهتم بتكوين شخصية اإلنسان وتؤمن بمثله وأخالقياته‪ ،‬والقيم األخالقية ليست مجرد إتيان‬
‫تعوده واإلتيان به في كل مناسبة من المناسبات ألن اإلنسان تعوده‪ ،‬وال يستطيع‪ S‬أن يأتي‬ ‫السلوك الفاضل‪ ،‬ولكن ِّ‬
‫بعكسه أو ضده‪.‬‬
‫الواقع ابن سينا يرى أن الفضائل مكتسبة لإلنسان‪ ،‬وهو يستطيع أن ينتقل من خلق إلى خلق أو يكتسب من‬
‫الفضائل ما لم يكن له‪ ،‬وهذا يشير إلى مقدار سيطرة اإلنسان الفطرية على قوتيه الشهوية والغضبية»(عبد‬
‫الرحمن النقيب‪ ،2000،‬الفكر التربوي)‪.S‬‬
‫لقد احتفى اإلسالم بالجانب األخالقي‪ S‬في اإلنسان والمجتمع بحيث ورد في القرآن الكريم ألف وخمسمائة‬
‫وأربع آيات تتصل باألخالق سواء في جانبها النظري‪ S‬أم في جانبها العملي‪ ،‬وهذا المقدار يمثل ما يقرب من ربع‬
‫آيات القرآن الكريم (عبد الرحمن عبد الرحمن‪ ،2002 ،‬الفكر التربوي)‪.‬‬
‫ٍ‬
‫عظيم» [سورة القلم‪ :‬اآلية ‪.]4‬‬ ‫واهلل سبحانه وتعالى أثنى على نبيه محمد ‪ ‬بقوله‪ :‬وإ َّن َك لعلى ُخلُ ٍ‬
‫ق‬ ‫َ‬
‫ت ألتمم مكارم األخالق»‪.‬‬
‫وأن الرسول أكد هذا الجانب األخالقي بقوله‪« :‬إنما ُبعثْ ُ‬
‫واألخالق في اإلسالم أخالق عملية يرتبط فيها القول بالعمل والنظرية بالتطبيق يقوله تعالى‪ :‬يا أيُّها الذين‬
‫ون ما َال تَ ْف َعلُون ‪َ ‬كُبَر مقتاً عند اهلل أن تقولوا ما ال تفعلون‪[ ‬سورة الصف‪:‬اآلية ‪ ]4-2‬ويقول تعالى‪ّ  :‬‬
‫إن‬ ‫آمنوا ِل َم تَقُولُ َ‬
‫فردوس ُنُز ًال‪[ ‬سورة الكهف‪:‬اآلية ‪ .]107‬فاإلنسان مسؤول عن أخالق‬ ‫ات اْل َ‬ ‫له ْم َّ‬
‫جن ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالحات كاَن ْت ُ‬
‫الذين أمُنوا وعملُوا ّ‬
‫جزى ُّ‬
‫كل‬ ‫رهين‪[ ‬سورة الطور‪:‬اآلية ‪ ]21‬وقال تعالى‪ :‬اليوم تُ َ‬
‫ٌ‬ ‫س َب‬ ‫ٍ‬
‫امرى بما َك َ‬ ‫في الدنيا واآلخرة‪ ،‬بقول تعالى‪ُّ  :‬‬
‫كل‬
‫إن اهلل سريع الحساب‪[ ‬سورة غافر‪:‬اآلية ‪.]41‬‬
‫كسبت ال ظُ ْل َم اليوم ّ‬
‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫نفس بما‬

‫وللشريعة اإلسالمية جانب تربوي‪ S،‬وجانب تطبيقي أخالقي يتجلى في األمر والنهي‪ ،‬والتحريم‪ S‬واإلرشاد‪S‬‬
‫إلى كيفيات وأساليب عملية أو تعاملية معينة في كثير من أمور الحياة‪.‬‬

‫‪-131-‬‬
‫مشرع للقانون وهو منفذ له‪ ،‬فهو يحقق حريته نظريًا‪ ،‬وفي إطاعته للقانون يحقق حريته‬
‫فاإلنسان العاقل هو ّ‬
‫عمليًا‪ ،‬كل هذا يؤدي إلى مفهوم وحدة الذات العاقلة واستقاللها أي إلى اإلرادة الحرة‪ ،‬فالطاعة‪ ،‬طاعة األمر‬
‫األخالقي‪ ،‬وهذا أسمى مراتب الحرية‪ ،‬فهي ليست خضوعًا ألمر غريب عن الذات‪ ،‬صادر عن سلطة خارجية أو‬
‫عن أمر ديني بل عن سلطة األمر األخالقي‪.‬‬
‫السؤال الكبير ما موقع التربية في الفلسفة؟‬
‫المشكلة التربوية تقع في قلب التساؤل الفلسفي‪ :‬ما هي المعرفة الحقيقية؟ ما هي غايتها؟ ما هي غاية‬
‫اإلنسان‪،‬؟ إن اتجاه اإلجابات عن هذه األسئلة التي تطرحها الفلسفة يعين غايات التربية وأساليبها ومضمونها‪ .‬بتعبير‬
‫آخر‪ ،‬الفلسفة العامة هي بالضرورة فلسفة للتربية والتربية تعكس في غاياتها‪ ،‬وطرائقها ومناهجها الفلسفة العامة‬
‫للمجتمع في مرحلة من مراحل تطوره‪.‬‬
‫إن الفلسفة مثالية كانت‪ ،‬أو مادية‪ ،‬دينية‪ ،‬أو علمانية تشكل أساسًا للتربية تنطلق منه وترتد إليه‪ .‬إن تاريخ‬
‫التربية بصورة عامة‪ ،‬وتاريخ مؤسساتها يرتبط في جانب هام من جوانبه بتطور النظرية الفلسفية‪ .‬فعالقة فلسفة‬
‫التربية‪ ،‬والتربية األخالقية هي عالقة تأثير وتأثر‪ ،‬فعلم األخالق يعلم المرء كيف يجب أن يكون هو نفسه‪ ،‬وكيف‬
‫يجب أن تكون أحواله التي تخصه‪ ،‬حتى يكون سعيدًا في الدنيا واآلخرة‪ ،‬وبذلك يرسم الفيلسوف صورة صادقة‬
‫لداللة المنهج التربوي األخالقي الذي وضعه من نظريته في التربية وحتى آخر مراحله في األخالق‪.‬‬
‫ويصور القرآن الكريم كيف أن لإلنسان مطالب بأن يجاهد نفسه لكي يرتقي أخالقياً‪ ،‬وكيف أن هناك‬
‫حاالت أخالقية مختلفة لإلنسان‪ ،‬فهناك من يخلد إلى األرض ويتبع شهواته وهذا ما عبر عنه القرآن بقوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬إ ّنا جعلنا الشياطين أولياء للذين ال يؤمنون‪[ ‬سورة األعراف‪:‬اآلية ‪ ]27‬وهناك من ينتصر انتصاراً‪ S‬كامالً على‬
‫بع َك ِم َن‬
‫سلطان إالّ َم ِن اتَّ َ‬
‫ٌ‬ ‫عليهم‬
‫ْ‬ ‫نفسه وال يصبح للشيطان عليه سبيل‪ ،‬وفي‪ S‬هذا جاء قوله تعالى‪ّ  :‬‬
‫إن عبادي ليس لك‬
‫الغاوين‪[ ‬سورة الحجر‪:‬اآلية ‪.]42‬‬
‫التربية عند ابن سينا تهدف إلى تهيئة حياة سعيدة لألفراد ونموهم‪ S‬نمواً كامالً ومن جميع النواحي‪ ،‬الجسمية‬
‫والعقلية والخلقية‪ ،‬والتربية السينوية لم تركز على الجانب األخالقي فقط‪ ،‬بل استهدفت وجوده الشخصية المتكاملة‬
‫جسماً وعقالً وخلقاً لخلق المواطن الكامل‪ ،‬وإ عداده لمهنة أو عمل‪ ،‬أو حرفة‪ ،‬يشارك‪ S‬بها في عملية «البناء‬
‫االجتماعي» ألن المجتمع في نظر ابن سينا إنما يقوم على «التعاون» وعلى تخصص كل فرد في عمل أو مهنة‬
‫وتبادل المنافع والخدمات بين أفراده‪ ،‬وما اهتمام ابن سينا بتكوين العادات الحسنة لدى الفرد إال دليل على حرص‬
‫البالغ بتربيته وغرس الفضيلة لديه‪ ،‬وبذلك يكون من السهل تطبيعه باألخالق والقيم التربوية الفاضلة إذا تم‬
‫اتباعها في السنوات األولى من حياته وتنعكس إيجاباً على التربية في النظرية وفي التطبيق‪ S‬في جميع الجوانب‪.‬‬

‫‪-132-‬‬
‫الفصل الخامس‬
‫التربية االجتماعية‬

‫‪ -‬مقدمة‬

‫‪ -1‬نظرته إلى المجتمع‬

‫‪ -2‬مكانة المجتمع في نظر ابن سينا‬

‫‪ -3‬دور التربية االجتماعية في بناء العالقة بين الفرد والمجتمع‬

‫‪ -4‬صلة التربية االجتماعية بالتربية الجسمية والجمالية‬

‫‪-133-‬‬
‫التربية االجتماعية عند ابن سينا‬

‫‪‬‬
‫إن الحياة االجتماعية تبين لنا أننا في حاجة ماسة إلى التربية االجتماعية في البيت والمدرسة والمجتمع‪،‬‬
‫حب أخيه والمحيطين به‪ ،‬ويفكر في غيره كما يفكر في نفسه‪ ،‬وأن نعلمه‬
‫فالطفل يجب أن يتدرب منذ الصغر على ّ‬
‫أن يكون اجتماعياً في جميع مراحل حياته‪ ،‬من دون تجاهل طبيعته فللطفل طبيعته ومورثاته‪ ،‬وبالتالي‪ S‬ردود‬
‫أفعاله الخاصة‪.‬‬
‫لقد اتخذت التربية االجتماعية تعريفات متعددة منها‪ :‬إنها العمل الذي نقوم به لتنشئة الطفل أو الشاب‪ ،‬أو‬
‫مجموعة من العادات الفكرية أو اليدوية التي تكتسب أو مجموعة من الصفات الخلقية التي تنمو‪ ،‬ويرى‬
‫«دوركهايم‪ »S‬أنها تكوين األفراد تكويناً‪ S‬اجتماعياً فهي في نظره «العمل الذي تحدثه األجيال الراشدة في األجيال‬
‫التي لم تنضج بعد النضج الالزم للحياة االجتماعية(رونيه أوبير‪ ،1963 S‬التربية عند ابن سينا)‪.‬‬
‫ويرى‪( S‬جون ديوي)‪ :‬أن التربية تنظيم مستمر‪ S‬للخبرة هدفه توسيع محتواها االجتماعي وتعميقه‪ ،‬فلكل‬
‫مجتمع مبادئه ومثله العليا‪ ،‬كما أن له مصالحه‪ ،‬وطموحاته‪ ،‬وتقاليده ومشكالته‪ ،‬وبين هذه وتلك نوع من التشابك‬
‫والتضاغط المستمر‪ ،‬المثل والمبادئ تضغط‪ S‬على المصالح‪ ،‬حتى تظل في إطارها‪ ،‬والمصالح تضغط على‬
‫المبادئ كي تتسع لها من خالل توسيع مدلوالتها‪ S،‬والتخفيف من صراحة أحكامها‪ ،‬ومن المبادئ والمصالح تتكون‬
‫البيئة القيمية واألخالقية‪.‬‬
‫يتحسن‪ :‬السياسة واألخالق‪ S‬والتربية‬
‫ّ‬ ‫حين يكون صوت المبادئ هو األعلى‪ ،‬فإن نسق الحياة كلها‬
‫واالجتماع‪ .‬وحين يعلو صوت المصالح‪ ،‬فإن الغايات االجتماعية تولد آنذاك من رحم المصالح‪ ،‬وتصبح مسوغة‬
‫لكل الوسائل التي تحققها مهما كانت غير مشروعة وينحط بذلك توازن الحياة كلها (عبد الكريم بكار‪،2001 ،‬‬
‫التربية والتعليم)‪.‬‬
‫والبد أن نقف على نظرة ابن سينا إلى اإلنسان الذي سيقع عليه فعل التربية ونظرته للمجتمع الذي سيرى‪S‬‬
‫له وفيه‪ ،‬واإلنسان كما يراه ابن سينا مولود‪ S‬على الفطرة‪ ،‬ليس شريراً بطبعه أو خيراً بطبعه‪ ،‬وإ نما يستمد أخالقه‬
‫من المجتمع والبيئة التي يعيش فيها بكل مؤثراتها‪ ،‬وهو أوالً وأخيراً‪ S‬يستطيع‪ S‬أن يغير من عاداته وأخالقه عن‬
‫طريق عملية التطبيع االجتماعي بكل وسائلها‪ S‬وأساليبها المختلفة‪.‬‬

‫اوالً‪ :‬نظرة ابن سينا إلى المجتمع‬

‫‪-134-‬‬
‫اهتم ابن سينا كثيراً باإلنسان وبتربيته‪ ،‬وبناء أفراد المجتمع بناء قوياً‪ S‬متماسكاً‪ S‬متوازناً‪ S‬متعاضداً ذلك ألن‬
‫«قوة المجتمعات البشرية ال تتعين بعدد األفراد الذين يؤلفونها‪ ،‬بل تتناسب مع شدة الروابط‪ S‬التي تربط بعضها‬
‫ببعضها اآلخر‪ ،‬كما أن صالبة األحجار والصخور ال تتبع حجمها‪ ،‬بل تتناسب مع تماسك أجزائها‪ ،‬فنرى‪ S‬بعض‬
‫األمم تشبه األحجار الهشة‪ ،‬حتى إنها لتشبه أحياناً أكوام التراب والرمال ألن أجزاءها قليلة التماسك وااللتصاق‪،‬‬
‫ولو كانت كثيرة العدد في حين أن بعض األمم تشبه األحجار الصلبة والصخور الصلدة‪ ،‬فإن أجزاءها شديدة‬
‫التماسك وااللتصاق‪ S‬وإ ن كانت قليلة العدد (محمود‪ S‬عبد اللطيف ‪ ،2007‬الفكر التربوي‪ S‬عند الفارابي)‪.‬‬
‫السؤال الذي يطرح نفسه في نظر ابن سينا هو‪ :‬كيف يتكون المجتمع؟ وما مكانة اإلنسان ودوره في البناء‬
‫االجتماعي؟ هل اإلنسان له قيمة وله دور في حياة المجتمع أم أنه خاضع وال إرادة له؟‬
‫إذا عدنا إلى مؤلفات ابن سينا في هذا الصدد نرى أنه هدف إلى تكوين مجتمع فاضل وفقًا للمبادئ الرئيسة‬
‫التي تقوم عليها فلسفته وآراؤه في السعادة واألخالق والكون وخالقه‪ ،‬وما وراء الطبيعة‪ ،‬إال أنه أراد أن يظهر‬
‫اهتمامه بالعالقات االجتماعية‪ ،‬وتربية الطفل وانتمائه إلى جماعته الصغيرة وهي األسرة‪ ،‬ثم إلى جماعته الكبرى‬
‫وهي المجتمع‪ ،‬إال أنه تناول العملية الكلية للتربية االجتماعية ضمن إطار نظرية اجتماعية سينوية تقوم على‬
‫دعامتين بارزتين‪:‬‬
‫‪ -‬الدعامة األولى‪ :‬تتناول اجتماعية اإلنسان الذي ال يستطيع أن يعيش منفرداً‪ ،‬فهو بحاجة المجتمع في‬
‫نموه وفي‪ S‬ثقافته وفي‪ S‬طلب أسباب الحياة‪ .‬اإلنسان بحاجة إلى المجتمع والبد أن يحيا في المجتمع‪ ،‬وبذا يقول ابن‬
‫سينا‪ « :‬اإلنسان يفارق سائر الحيوانات بأنه ال يحسن معيشته لو انفرد وحده شخصاً واحداً يتولى تدبير أمره من‬
‫غير شريك يعاونه على ضرورات حاجاته‪ .‬وأنه البد أن يكون اإلنسان مكفياً بآخر من نوعه يكون ذلك اآلخر‬
‫أيضاً مكفياً به وبنظيره فيكون مثالً هذا ينقل إلى ذاك وذاك يخبز لهذا وهذا يخيط لآلخر‪ ،‬واآلخر يتخذ اإلبرة لهذا‬
‫وإ ذا اجتمعوا كان أمرهم مكفياً ولهذا اضطروا‪ S‬إلى عقد المدن واالجتماعات» (ابن سينا‪ ،1892 ،‬النجاة)‪.‬‬
‫فالمجتمع‪ S‬اإلنساني في األصل سببه عدم قدرة اإلنسان الفرد على إشباع حاجاته واالستغالل بشؤون نفسه‪،‬‬
‫ومن تلك الحاجة االجتماعية ‪ -‬ولد «التجمع اإلنساني على اختالف صور‪S‬ه االجتماعية» واهلل سبحانه وتعالى‪- S‬‬
‫هو الذي «خلق اإلنسان» بحيث ال يستطيع‪ S‬أن يحيا بمفرده أو يستقل بنفسه‪.‬‬
‫ومن‪ S‬هنا نستطيع‪ S‬القول‪ :‬إنه تقع على‪ S‬التربية مسؤولية‪ S‬التوجيه‪ S‬والضبط‪ S‬لسلوك‪ S‬األفراد‪ S‬والجماعات‬
‫لحاجة اإلنسان إلى‪ S‬تحقيق العالقة‪ S‬االجتماعية بين أفراد‪ S‬المجتمع حتى‪ S‬يقوم‪ S‬كل واحد‪ S‬منهم‪ S‬بشيء مما‪ S‬يحتاج إليه‬
‫عن طريق‪ S‬التعاون‪S.‬‬

‫‪-135-‬‬
‫فاهلل سبحانه وتعالى قد خلق الناس متفاوتي‪ S‬الميول والمواهب والقدرات‪ ،‬واستدعى ذلك بالضرورة أن‬
‫يتخصص كل إنسان في عمل من األعمال أو حرفة من الحرف‪ ،‬وهذا التخصص البد أنه يدعو إلى التعاون إذا‬
‫خلق الناس متفاوتي الحظ من العقل والغنى والفقر والميول‪ S‬والقدرات‪ ،‬وجعل في هذا االختالف مدعاة للتكامل في‬
‫داخل المجتمع الواحد‪ ،‬ولوال هذا التباين في األرزاق‪ S‬والقدرات ما كان هذا التماسك والترابط في داخل المجتمع‬
‫من (اهلل) عليهم (عباده) بفضل رأفته مستأنفاً بأن جعلهم في عقولهم وآرائهم‬‫الواحد‪ .‬يقول ابن سينا « ثم ّ‬
‫متفاضلين كما جعلهم في أمالكهم ومنازلهم‪ S‬وراتبهم‪ S‬متفاوتين لما في استواء أحوالهم وتقارب أقدارهم من الفساد‬
‫الداعي إلى فنائهم‪ S‬لما يلقى فيهم من التنافس والتحاسد والتظالم؛‪ S‬فقد علم ذوو‪ S‬العقول أن الناس لو كانوا جميعاً‬
‫ملوكاً لتفاوتوا‪ S‬عن آخرهم ولو كانوا كلهم سوقة لهلكوا عياناً بأسرهم‪ S‬كما أنهم لو استووا‪ S‬في الغنى لما مهن واحداً‬
‫ألحد وال رفد حميم حميماً ولو استووا‪ S‬في الفقر لما توافدوا وهلكوا بؤساً»( ابن سينا‪ ،1906 ،‬كتاب السياسة‪،‬‬
‫مجلة المشرق)‪.‬‬
‫ويشير‪ S‬ابن سينا إلى أن اإلنسان ال يستطيع‪ S‬أن يحيا بدون التفاعل مع المجتمع في جميع جوانب الحياة‪،‬‬
‫وهذا التفاعل االجتماعي المستمر‪ S‬بينه وبين المجتمع الذي يعيش فيه‪.‬‬
‫‪ -‬الدعامة الثانية ألوهية المجتمع‪:‬‬
‫األهداف التربوية في اإلسالم تعنى بالمجتمع عنايتها بالفرد‪ ،‬فكل إنسان هو فرد مستقل بذاته‪ ،‬وهو في‬
‫الوقت نفسه عضو في مجتمع معين وال وجود‪ S‬في التاريخ البشري‪ S‬إلنسان عادي عاش بمعزل عن اآلخرين وكان‬
‫قادراً على تحقيق ذاته اإلنسانية‪ ،‬وحتى حينما يحاول اإلنسان اإلنزواء عن الجماعة بصورة مؤقتة فإنه ال‬
‫يستطيع إال التفكير في تلك الجماعة بصورة أو بأخرى‪.‬‬
‫الواقع أن المجتمع السينوي‪ S‬مجتمع إلهي في كل أموره‪ .‬في عقائده‪ ،‬وعباداته‪ ،‬ونظمه وأخالقه‪ ،‬ورغم أن‬
‫ابن سينا عاش في القرن الرابع الهجري وبالذات في بالد ما وراء النهر حيث طغى الجانب الفلسفي والكالمي‪S‬‬
‫على الجانب العملي والسلوكي‪ S‬في حياة الناس الدينية‪ ،‬إال أننا نجد إيماناً كامالً من ابن سينا بالمجتمع اإللهي‬
‫اإلسالمي الصحيح الذي يستمد مقومات وجوده من القرآن والسنة‪ .‬وهو يفلسف لنا وجود‪ S‬هذا المجتمع اإلسالمي‬
‫ودوافعه ومبررات‪ S‬وجوده‪.‬‬
‫وقد‪ S‬جمع القرآن بين الفرد والجماعة بصورة جلية عند تبيان قوة المؤمن في القتال وقدرته على الصمود‪S‬‬
‫أمام الكفار‪ .‬فالقرآن الكريم عند تأكيده على هذه الحقيقة المتصلة بالفرد المسلم صاغها في إطار جماعي‪ .‬يقول‬
‫قوم ال‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يكن من ُكم ِع‬
‫تعالى‪ :‬إن ْ‬
‫هم ٌ‬‫يغلبوا م َائتين وإ ن َي ُك ْن من ُك ْم مائ ًة َي ْغل ُبوا ألفاً م َن الذين كفروا بأن َ‬
‫صابرون ُ‬
‫َ‬ ‫شرون‬
‫َ‬
‫ون‪[ ‬سورة األنفال‪:‬اآلية ‪ ]65‬ويرى‪ S‬جودت سعيد أن هذه اآلية ال تشير إلى العدد الذي يستطيع المؤمن‬ ‫َي ْفقَ ُه َ‬
‫مواجهته وحسب‪ ،‬بل إنها تدل كذلك على ضرورة تآلف وتكاثف األفراد‪ S‬المؤمنين‪ ،‬حتى تتم لهم الغلبة على‬
‫األعداء‪ ،‬وحتى يتمكن الفرد الواحد من مواجهة عشرة من الكفار‪.‬‬
‫والتربية اإلسالمية تهدف إلى إعداد اإلنسان للدارين‪ :‬اآلجلة والعاجلة‪ ،‬وهنا تفترق عن كل الترتيبات‬
‫المادية التي ترى أن الهدف األسمى هو اإلعداد للحياة الدنيا‪ ،‬فاإلنسان ال ينتهي من المطاف مجرد موته‪ ،‬ولكنه‬
‫ينتقل من الحياة الدنيا إلى حياة أخرى يبعث فيها حياً وال يعرف فيها للموت طعماً‪.‬‬

‫‪-136-‬‬
‫والواقع أن ابن سينا يرى أن «المجتمع» قد نشأ نشأة طبيعية لحاجة األفراد إلى التعاون‪ ،‬ولكن من الذي ينظم‬
‫أمور هذا التعاون؟ وكيف يحدث التفاعل بين أفراد المجتمع؟ وكيف تنظم العالقة بين الحكام وبين األفراد العاديين؟‬
‫كل هذه المشاكل فكر فيها عقل ابن سينا الفيلسوف‪ ،‬وقرر أن حل تلك المشاكل يكون بعودة التشريع إلى مصدره‬
‫اإللهي وهو اهلل سبحانه وتعالى والرسول ‪.‬‬
‫يقول ابن سينا «فالبد في وجود‪ S‬اإلنسان وبقائه من معاملة ومشاركة‪ ،‬وال تتم المشاركة إال بمعاملة كما البد‬
‫من ذلك من سائر األسباب التي تكون له‪ ،‬والبد في المعاملة من سنة وعدل والبد للسنة والعدل من سان ومعدل‬
‫والبد أن يكون هذا بحيث يجدر أن يخاطب الناس ويلزمهم‪ S‬السنة‪ ،‬والبد من أن يكون هذا إنساناً‪ ،‬وال يجوز أن‬
‫يترك الناس وآراءهم في ذلك فيختلفون ويرى كل منهم ماله عدالً وما عليهم ظلماً (ابن سينا‪ ،1892 ،‬النجاة)‪.‬‬
‫فحب المسلم هلل وامتثاله ألوامره يجعله محباً لغيره من الناس‪ ،‬وهذا من شأنه أن يولد في المجتمع‬
‫اإلسالمي الشعور بوحدة الجماعة والتآخي‪ S‬والتراحم‪ ،‬وقد‪ S‬قرر اإلسالم أن صالة الجماعة في األوقات الخمسة‬
‫تفضل صالة الفرد بسبع وعشرين درجة واإلنسان المسلم يقرأ في صالته كل يوم عشرات المرات قوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬اهدنا الصراط المستقيم‪ ‬سورة الفاتحة آية ‪ 5‬إنه يناجي ربه باسم الجماعة حتى ولو كان في صالة فردية‪.‬‬
‫ما أراده ابن سينا مما تقدم أن المجتمع يحتاج إلى مشرع ألموره؛ وهذا المشرع البد أن يكون إنساناً يمتاز‬
‫عن غيره بمميزات تجعله مطاع الكلمة تنقاد له الجماعة‪ .‬وهذا هو تعليل ابن سينا لوجود النبي وما اختصه به اهلل‬
‫من معجزات‪ ،‬وضرورة وجود‪ S‬النبوة‪ .‬يقول ابن سينا‪« :‬فواجب إذن أن يوجد نبي وواجب أن يكون إنساناً‬
‫وواجب أن يكون له خصوصية ليست لسائر الناس حتى يستشعر‪ S‬الناس فيه أمراً ال يوجد لهم فيتميز‪ S‬عنهم فتكون‬
‫له المعجزات (ابن سينا‪ ،1892 ،‬النجاة)‪.‬‬
‫إن نصرة الحق وإ حقاقه والدفاع‪ S‬عنه‪ ،‬من المهمات األساسية للمسلم في هذه الحياة وأن بقاء المجتمع كما‬
‫يرى ابن سينا البد له من مشرع‪ ،‬والمشرع البد أن يكون إنساناً نبياً يتميز عن الناس بمعجزات وبما يملك من‬
‫القوى الخارقة واالتصال‪ S‬بالسماء‪ ،‬وما يجعل الناس يستقبلون شريعته وأحكامه على أنها حكم اهلل وإ رادته‪ ،‬وبذلك‬
‫يرضون له طواعية وينقادون لتعاليمه عن تسليم واقتناع وإ ذعان وبذلك ال يحدث التمرد على التشريع‪.‬‬
‫وكما يرى ابن سينا أن هذا المشرع إذا وجد فعليه أن ينظم أمور البشر وفق إرادة اهلل ووحيه‪ ،‬ويحدد‪ S‬لهم‬
‫العقائد والعبارات‪ S‬واألخالق والنظم‪ S‬التي يسيرون عليها في حياته ومن بعده‪ .‬فبالحق والعمل بملء القلب وتركيز‪S‬‬
‫العقل والفكر هو ما يحتاج إليه اإلنسان‪.‬‬
‫يسن للناس في أمورهم‪ S‬سنناً بأمر اهلل تعالى وإ ذنه ووحيه‬
‫يقول ابن سينا‪« :‬فهذا اإلنسان المشرع وجب أن ّ‬
‫يسنه تعريفه إياهم أن لهم صانعاً واحداً قادراً‪ S‬وأنه عالم بالسر‬
‫وإ نزاله الروح القدس عليه فيكون األصل فيما ّ‬
‫أعد لمن أطاعه المعاد‬‫والعالنية وأن من حقه أن يطاع أمره وأنه يجب أن يكون األمر لمن له الخلق وأنه قد ّ‬
‫المسبق ولمن عصاه المعاد المشقى» (ابن سينا ‪ ،1950‬رسالة العروس مجلة الكتاب‪.)1952 ،‬‬

‫‪-137-‬‬
‫فالمشاعر‪ S‬اإلنسانية التي ترتبط بمبدأ التشريع بوحي من اهلل فهذا يرتكز أساساً على اإليمان باهلل واليوم‬
‫اآلخر‪ ،‬وبدون هذا األساس الديني العميق اليمكن أن يخضع الناس للتشريع السماوي أو يطبقوه‪ ،‬فالبد من إصدار‬
‫تشريعات تذكر اإلنسان بأعماله وتصرفاته في حياته االعتيادية وفق المبادئ والتوجيهات القرآنية‪ .‬يقول ابن‬
‫سينا‪« :‬ويجب أن تكون هذه األفعال الشرعية مقرونة بما يذكر اهلل تعالى والمعاد ال محالة وإ ال ال فائدة فيها‬
‫والتذكير اليكون إال بألفاظ تقال أو نيات تنوى في الخيال‪ ،‬وأن يقال لهم إن هذه األفعال يتقرب بها إلى اهلل‬
‫ويستوجب بها الخير الكريم»‪ .‬كالصالة والصوم‪ S‬والزكاة والحج والجهاد‪ S‬في سبيل اهلل؛ فهذه العبادات فيها منبهات‬
‫إلى ذكر اهلل واليوم اآلخر بجوار‪ S‬ما فيها من مصالح دنيوية‪.‬‬
‫الواقع‪ S‬أن ابن سينا‪ S‬حدد الهدف‪ S‬األساسي‪ S‬من كل ما يتلقاه الناس‪ S‬من العقائد والعبادات‪ S،‬وتنظي‪S‬م‪ S‬كل ما‪S‬‬
‫يتعلق‪ S‬بأمور‪ S‬المجتمع‪ S،‬فهو‪ S‬يقول‪« :‬ويجب‪ S‬أن يكون‪ S‬القصد األول‪ S‬للسان في‪ S‬وضع‪ S‬السنن وترتيب‪ S‬المد‪S‬ينة على‬
‫أجزاء ثالثة‪ :‬المديرون‪ S‬والصناع‪ S‬والحفظة‪ ،‬وأن يرتب في‪ S‬كل جنس‪ S‬منهم‪ S‬رئيساً‪ S‬مرتب تحته رؤساء‪ S‬بلونه‪S‬‬
‫فيرتب‪ S‬تحتهم‪ S‬رؤساء‪ S‬يلونهم‪ S‬إلى‪ S‬أن ينتهي‪ S‬أفناء‪ S‬الناس فال‪ S‬يكون في‪ S‬المدينة‪ S‬إنسان معطل‪ S‬ليس له مقام‪ S‬محدود‪S،‬‬
‫بل يكون لكل واحد‪ S‬منهم‪ S‬منفعة في‪ S‬المدينة‪ S‬وأن يحرم‪ S‬البطالة والتعطل‪ S‬وأن ال يجعل‪ S‬ألحد سبيالً‪ S‬إلى أن يكون له‬
‫من غير الخط الذي‪ S‬البد منه لإلنسان‪ S‬وتكون‪ S‬جنبته معفاة ليس يلزمها‪ S‬كلفة‪ ،‬فإن هذا‪ S‬يجب أن يلزمهم‪ S‬كل الردع‪S‬‬
‫فإن لم‪ S‬يرتدعوا‪ S‬نفاهم من األرض‪ ،‬وإ ن كان السبب‪ S‬في‪ S‬ذلك مرضاً‪ S‬أو‪ S‬آفة أفرد‪ S‬لهم موضعاً‪ »S‬يكون‪ S‬فيه‬
‫«مالجئ» يكون‪ S‬فيه أمثالهم‪ S‬ويكون‪ S‬عليهم‪ S‬قيم‪( S‬ابن سينا‪ ،1335 ،‬رسالة‪ S‬الشفا‪ ،‬الجزء الثاني)‪.S‬‬
‫كما ينظم النبي أمور المجتمع من الناحية المالية‪ ،‬ويحدد‪ S‬ميزانيته دخالً ومنصرفاً‪ ،‬يقول ابن سينا‪« :‬ويجب‬
‫أن يكون في المدينة وجه مال مشترك بعضه من حقوق تفرض على األرباح المكتسبة والطبيعية كالثمرات‬
‫والنتاج وبعضه يفرض عقوبة‪ ،‬وبعضه يكون من أموال المنابذين للسنة وهو الغنائم‪ ،‬ويكون ذلك عدة لمصالح‬
‫مشتركة والزمة لصلة الحفظة الذين ال يشتغلون بصناعة‪ ،‬ونفقة على الذين حيل بينهم وبين الكسب بأمراض‬
‫وزمانات» (ابن سينا‪ ،1335 ،‬ج‪ 2‬رسالة الشفاء‪ ،‬الجزء الثاني)‪.‬‬
‫الواقع أن الشيخ الرئيس يرى أن المشرع للمجتمع هو النبي‪ ،‬وعلى المجتمع اإلنساني أن تكون دوافعه‬
‫إلهية‪ ،‬وتطبيق تعاليم الشريعة‪ ،‬لذا البد من العقوبات وفق‪ S‬المخالفات التي يقع فيها اإلنسان لردعه عن ارتكاب‬
‫مثل تلك المخالفات التي يعاقب عليها الشرع‪.‬‬
‫وهذا ينمي خبرة التفريق عند اإلنسان بين الجائزات والممنوعات‪ ،‬على أن يتم االستماع بأذن صاغية‪،‬‬
‫وبعقل مفتوح لكل ما يطرح من أفكار‪ ،‬وأن نتقبله على أنه اجتهاد‪ ،‬ما لم يصادف‪ S‬إجماعاً أو نصاً قطعياً‪ ،‬فاألفكار‪S‬‬
‫التنضج‪ ،‬وال تتبلور مالم يتم تناولها‪ S‬من خالل الحوار والمناظرة والنقاش والمفاتحة للوصول‪ S‬إلى الحقيقة‪ .‬إن‬
‫سعة الفهم ال تؤدي‪ S‬بالضرورة إلى االتفاق في اآلراء المطروحة‪ ،‬لكنها تمنح األساس لالختالف‪ ،‬أي تجعل‬
‫االختالف مؤصالً واضحاً‪ ،‬وتجعل ما يتم من اتفاق متيناً‪ ،‬ألنه يقوم على قواعد فكرية ومنهجية صحيحة‪.‬‬
‫إن اإلنسان كما يراه ابن سينا كائن قابل للتعلم‪ ،‬بل إن اإلنسانية كلها‪ ،‬تظل تتعلم باستمرار‪ ،‬وإ ذا تملكنا هذه‬
‫الفكرة فسوف‪ S‬نعرف كيف نكتسب المرونة‪ ،‬وكيف نستخدمها‪ S‬في تحسين نوعية الحياة‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬مكانة المجتمع في نظر ابن سينا‬

‫‪-138-‬‬
‫إن البناء العظيم للمجتمع ال يتحقق إال من خالل اإلنسان الذي يعمل بوعي على تكوين الحياة االجتماعية‬
‫ومن ثم اإلنسانية‪ .‬وهذا المجتمع بتلك الصورة السينوية عليه أن يدعو األعداء والمخالفين إلى مجتمع الهداية وإ ال‬
‫فيسن مقاتلتهم‪ ،‬وبذا يقول ابن سينا‪« :‬أما إذا كانوا أصحاب سنة حميدة غير سنة النبي فال يتعرض لهم إال إذا كان‬
‫الوقت صالحاً بأنه ال سنة غير السنة النازلة‪ ،‬أو إذا جاهروا‪ S‬بفساد هذه السنة النازلة وأنه ليس من حقها أن تقبل‬
‫وكذبت اللسان في دعواه أنها دعوة للناس جميعاً وعند ذلك يسن جهادهم ولكن مجاهدة دون مجاهدة أهل الضالل‬
‫الصوف أو يلزموا غرامة على ما يؤثرونه» (ابن سينا‪ ،1335 ،‬ج‪ 2‬رسالة الشفاء‪ ،‬الجزء الثاني)‪.‬‬
‫فالمجتمع كما رآه ابن سينا هو مجموعة من األفراد متفاوتي الحظوظ في المواهب والقدرات‪ ،‬وهذا يقتضي‬
‫نوعًا من التخصص ليتم التعاون بين أفراد المجتمع والتفاعل فيما بينهم في جميع جوانب الحياة لتطبيق هذا التعاون‬
‫الذي ينظم للناس أمور حياتهم‪ ،‬بشكل صحيح وفق مبادئ الشرع فالتربية ركزت على تنمية اإلنسان عاطفيًا ونفسيًا‬
‫بعد أن ركزت على تنميته فكريًا «ودعت إلى تنمية النوازع الخلقية والسمو بها‪ ،‬وتقوية الجسم واالرتقاء باإلحساس‬
‫الجمالي إلى الكون والحياة على أن يكون ذلك في خدمة المجتمع واالرتفاع به والنهوض بمستواه والعمل على رفاه‬
‫اإلنسان وسعادة البشرية في كل مكان (عادل العوا‪ ،1987 ،‬استراتيجية تطوير التربية‪ ،‬الفكر التربوي العربي‬
‫اإلسالمي)‪.‬‬
‫إن براعة المربي في إدراك حاجات اإلنسان أكثر إلحاحاً‪ ،‬والجوانب التي تتطلب عناية أعظم‪ ،‬فالعقالني‬
‫بحاجة إلى توجيه لالهتمام بالجانب الروحي‪ ،‬والهدف‪ S‬النهائي لكل مسلم هو الفوز برضوان اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬ولذا‬
‫فإن كل األهداف الصغرى‪ S‬يجب أن تخدم هذا الهدف على نحو مباشر أو غير مباشر‪،« ،‬عن كل هدف صغير هو‬
‫وسيلة إلى هدف أكبر يستمد شرعيته وأدبياته من شرعية الهدف األكبر وأدبياته»‪.‬‬
‫‪ S-‬م‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬و‪S‬ا‪S‬ض‪S‬ح‪ S‬أن‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S‬ي‪S‬ر‪S‬ى‪ S‬أ‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ج‪S‬ت‪S‬م‪S‬ع‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬ت‪S‬ت‪S‬ص‪S‬ف‪ S‬ب‪S‬ع‪S‬ال‪S‬ق‪S‬ا‪S‬ت‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬ن‪S‬س‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬و‪S‬ب‪S‬ك‪S‬م‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬و‪S‬ت‪S‬ع‪S‬ا‪S‬و‪S‬ن‪S‬ه‪S‬ا‪S‬‬
‫ا‪S‬ال‪S‬ج‪S‬ت‪S‬م‪S‬ا‪S‬ع‪S‬ي‪ S‬و‪S‬ه‪S‬ذ‪S‬ا‪ S‬م‪S‬ب‪S‬ن‪S‬ي‪ S‬عل‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ق‪S‬ي‪S‬م‪ S‬ا‪S‬أل‪S‬خ‪S‬ال‪S‬ق‪S‬ي‪S‬ة‪ S،S‬إن‪ S‬م‪S‬ا‪ S‬ج‪S‬ا‪S‬ء‪ S‬به‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ش‪S‬ي‪S‬خ‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ر‪S‬ئ‪S‬ي‪S‬س‪ S‬ل‪S‬م‪ S‬ي‪S‬خ‪S‬ر‪S‬ج‪ S‬ع‪S‬ن ك‪S‬و‪S‬ن‪S‬ه‪ S‬م‪S‬س‪S‬ل‪S‬م‪S‬اً‪ S‬ن‪S‬ش‪S‬أ‪ S‬ف‪S‬ي‪S‬‬
‫ب‪S‬ي‪S‬ئ‪S‬ة‪ S‬إ‪S‬س‪S‬ال‪S‬م‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬و‪S‬أ‪S‬ت‪S‬ق‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ل‪S‬و‪S‬م‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ب‪S‬ا‪S‬د‪S‬ئ‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬س‪S‬ال‪S‬م‪S‬ي‪S‬ة‪ S،S‬ف‪S‬ق‪S‬د‪ S‬ت‪S‬ن‪S‬ا‪S‬و‪S‬ل‪ S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬ن‪S‬س‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ك‪S‬ف‪S‬ر‪S‬د‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ا‪S‬ح‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ج‪S‬س‪S‬م‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ق‪S‬ل‪S‬ي‪S‬ة‪S‬‬
‫و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ر‪S‬و‪S‬ح‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ل‪S‬م‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬و‪S‬ا‪S‬أل‪S‬خ‪S‬ال‪S‬ق‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬و‪S‬أ‪S‬ع‪S‬ط‪S‬ى‪ S‬ك‪S‬الً‪ S‬م‪S‬ن‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬و‪S‬ز‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ذ‪S‬ي‪ S‬ت‪S‬س‪S‬ت‪S‬ح‪S‬ق‪S‬ه‪S.S‬‬
‫فاألهداف الجسمية ال تطغى على األهداف العقلية أو الروحية‪ ،‬كما أن العناية بالجانب الروحي ال يتعارض‬
‫مع تنمية العقل‪ ،‬وتربية الجسم تربية سليمة‪ .‬فالتربية للنفس اإلنسانية شاملة ومتوازنة‪ ،‬واألهداف التربوية تعنى‬
‫بالمجتمع عنايتها بالفرد‪ ،‬فكل فرد مستقل بذاته‪ ،‬وهو في الوقت نفسه عضو في مجتمع معين «وال وجود في التاريخ‬
‫البشري إلنسان عادي بمعزل عن اآلخرين‪ ،‬وكان قادرًا على تحقيق ذاته اإلنسانية» (محمود عبد اللطيف ‪،2007‬‬
‫الفكر التربوي عند الفارابي)‪.‬‬
‫‪ S-‬إ‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ص‪S‬و‪S‬ر‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ث‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ل‪S‬ل‪S‬م‪S‬ج‪S‬ت‪S‬م‪S‬ع‪ S‬ك‪S‬م‪S‬ا‪ S‬ا‪S‬ر‪S‬ت‪S‬أ‪S‬ه‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S‬ل‪S‬م‪ S‬ت‪S‬ك‪S‬ن‪ S‬ه‪S‬ي‪ S‬ن‪S‬ف‪S‬س‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ص‪S‬و‪S‬ر‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ح‪S‬ق‪S‬ي‪S‬ق‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ل‪S‬ل‪S‬م‪S‬ج‪S‬ت‪S‬م‪S‬ع‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬ي‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ي‪S‬‬
‫ح‪S‬ي‪S‬ث‪ S‬ي‪S‬ع‪S‬ي‪S‬ش‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S،S‬م‪S‬ع‪ S‬أ‪S‬نه‪ S‬ع‪S‬ا‪S‬ش‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ب‪S‬ال‪S‬د‪ S‬م‪S‬ا‪ S‬و‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ء‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ه‪S‬ر‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ق‪S‬ع‪ S‬ي‪S‬خ‪S‬ت‪S‬ل‪S‬ف‪ S‬إ‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬ح‪S‬د‪ S‬م‪S‬ا‪ S‬ع‪S‬ن ت‪S‬ل‪S‬ك‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ص‪S‬و‪S‬ر‪S‬ة‪S‬‬
‫ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ث‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ي‪S‬ة‪ S،S‬و‪S‬ه‪S‬ذ‪S‬ه‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ظ‪S‬ر‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬و‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬إ‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ج‪S‬ت‪S‬م‪S‬ع‪ S‬ق‪S‬د‪ S‬أ‪S‬ث‪S‬ر‪S‬ت‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ف‪S‬ك‪S‬ر‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬و‪S‬ي‪ S،S‬ف‪S‬ه‪S‬و‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ف‪S‬ك‪S‬ر‪S‬ه‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬و‪S‬ي‪S‬‬
‫ي‪S‬ح‪S‬ا‪S‬ف‪S‬ظ‪ S‬ع‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬م‪S‬و‪S‬ر‪S‬ث‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬ه‪S‬ذ‪S‬ا‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ج‪S‬ت‪S‬م‪S‬ع‪ S‬م‪S‬م‪S‬ث‪S‬الً‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ع‪S‬ق‪S‬ا‪S‬ئ‪S‬د‪S‬ه‪ S‬و‪S‬ع‪S‬ب‪S‬ا‪S‬د‪S‬ا‪S‬ت‪S‬ه‪ S‬و‪S‬أ‪S‬خ‪S‬ال‪S‬ق‪S‬ه‪ S،S‬و‪S‬ي‪S‬و‪S‬ص‪S‬ي‪ S‬ب‪S‬أ‪S‬ن‪ S‬ت‪S‬ق‪S‬د‪S‬م‪ S‬ه‪S‬ذ‪S‬ه‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬و‪S‬ر‪S‬ث‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬ل‪S‬ل‪S‬ط‪S‬ف‪S‬ل‪S‬‬
‫ف‪S‬ي‪ S‬أ‪S‬و‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬م‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ح‪S‬ل‪ S‬ت‪S‬ع‪S‬ل‪S‬ي‪S‬م‪S‬ه‪ S،S‬ك‪S‬م‪S‬ا‪ S‬ي‪S‬و‪S‬ص‪S‬ي‪ S‬ب‪S‬أ‪S‬ن‪ S‬ي‪S‬و‪S‬ج‪S‬ه‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ط‪S‬ال‪S‬ب‪ S‬ب‪S‬ع‪S‬د‪ S‬ذ‪S‬ل‪S‬ك‪ S‬ت‪S‬و‪S‬ج‪S‬ي‪S‬ه‪S‬اً‪ S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬و‪S‬ي‪S‬اً‪ S‬و‪S‬م‪S‬ه‪S‬ن‪S‬ي‪S‬اً‪ S‬ك‪S‬ل‪ S‬ح‪S‬س‪S‬ب‪ S‬م‪S‬ي‪S‬و‪S‬ل‪S‬ه‪S‬‬
‫و‪S‬ق‪S‬د‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ت‪S‬ه‪ S‬ح‪S‬ت‪S‬ى‪ S‬ي‪S‬ع‪S‬م‪S‬ل‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ر‪S‬د‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ك‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ذ‪S‬ي‪ S‬خ‪S‬ل‪S‬ق‪ S‬له‪ S‬و‪S‬ب‪S‬ذ‪S‬ل‪S‬ك‪ S‬ي‪S‬ح‪S‬د‪S‬ث‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ف‪S‬اع‪S‬ل‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬م‪S‬ا‪S‬س‪S‬ك‪ S‬ا‪S‬ال‪S‬ج‪S‬ت‪S‬م‪S‬ا‪S‬ع‪S‬ي‪( S‬ع‪S‬ب‪S‬د‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ر‪S‬ح‪S‬م‪S‬ن‪S‬‬
‫ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ق‪S‬ي‪S‬ب‪ ،2002 S،‬ا‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ك‪S‬ر‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬و‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬س‪S‬ال‪S‬م‪S‬ي‪S.S)S‬‬

‫‪-139-‬‬
‫اهتمت التربية اهتماماً كبيراً بالجانب االجتماعي كاهتمامها‪ S‬بالجانب الفكري لخدمة المجتمعات وتحسين‬
‫العالقات االجتماعية بين أفراد المجتمع من خالل حسن المعاملة والتواضع‪ S‬والصدق وتأدية األمانة وتجنب كل ما‬
‫من شأنه أن يسيء إلى اإلنسان والعالقات بين أفراد المجتمع‪ .‬إن حاجة اإلنسان إلى االجتماع والتعاون مسألة ال‬
‫حدود لها‪ ،‬فاإلنسان اجتماعي بطبعه‪ ،‬ومضطر إلى هذا االجتماع لسد حاجاته وتأمين متطلباته‪ ،‬فهو ال يستطيع‬
‫أن يعيش منفرداً وحتى يتمكن من العيش بأمان وهدوء ونجاح مع أفراد المجتمع الذي يقضي فيه‪ ،‬فإن عليه أن‬
‫يتقيد باألصول‪ S‬التي تمكنه من كسب مودتهم‪ ،‬ورفع‪ S‬مستواهم وفي‪ S‬مقدمة هذه األصول حسن المعاملة‪ ،‬والتعاون‪،‬‬
‫والتضحية» وقد أعطيت المعاملة االجتماعية أهمية عظمى حتى جعلت رجال الدين يقولون‪« :‬الدين المعاملة»‬
‫وجعلت رجال األخالق يقولون‪« :‬عامل الناس بمثل ما تحب أن يعاملوك به»‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬دور التربية االجتماعية في بناء العالقة بين الفرد والمجتمع‬


‫التربية االجتماعية هي األسلوب‪ ،‬وهي األداة التي تضع اإلنسان في بداية طريق‪ S‬النمو واالستفادة من‬
‫الوسط االجتماعي القائم لتحقيق األلفة بين أفراد المجتمع المبنية على دعائم األخوة وحدها أساس يقوم عليها‬
‫المجتمع ليصبح أفراده متعاونين متعاضدين‪ ،‬ويقول تعالى‪ :‬واذكروا نعمة اهلل عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين‬
‫قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً‪[ ‬سورة آل عمران‪:‬اآلية ‪ ]103‬كما يقول تعالى‪ :‬لو أنف ْق ُ‬
‫ت ما في األرض جميعاً ما‬
‫ألَّفت بين قلوبهم ولكن اهلل ألَّف بينهم إنه عزيز حكيم‪[ ‬سورةاألنفال‪:‬أآلية ‪ ،]63‬وقد‪ S‬تحققت هذه األلفة بأوسع‬
‫معانيها زمن الرسول ‪ ‬عندما حقق األلفة والمحبة واإلخاء والمودة بين المهاجرين واألنصار‪ ،‬وهذا يمثل أقوى‬
‫مظهر من مظاهر التربية االجتماعية البناءة ذلك «أن المهاجرين قوم‪ S‬تركوا في سبيل اهلل أموالهم وأراضيهم‬
‫فجاؤوا‪ S‬إلى المدينة وهم ال يملكون من حطام الدنيا شيئاً‪ ،‬واألنصار‪ S‬مستقرون في بيوتهم‪ ،‬وأموالهم بين أيديهم‬
‫ليلتفت كل منهم إلى أخيه من المهاجرين‪ ،‬وليفتح له بيته‪ ،‬وليقتسم معه سراء الحياة وضراءها لم يفعل ذلك أحد‬
‫من األنصار‪ ،‬وهو له كاره‪ ،‬بل كان يشعر بالسرور واالرتياح‪ ،‬وهو ينشد رضا اهلل وكان كل منهم يتسابق‪ S‬إلى‬
‫تقديم العون إلى أخيه اإلنسان (محمود‪ S‬السيد‪ ،1978 ،‬معجزة اإلسالم التربوية)‪.‬‬

‫انطالقاً‪ S‬من قول الرسول ‪« :‬ال يؤمن أحدكم حتى يحب ألخيه ما يحبه لنفسه»‪.‬‬

‫ويرى‪ S‬ابن سينا أن إيجاد مجتمع واحد تتحقق فيه سعادة األفراد على أكمل وجه ال يكون ذلك إال إذا تعاون‬
‫أفرادها على األمور‪ S‬التي تنال بها المساعدة‪ ،‬واختص كل منهم بالعمل الذي يحسنه‪ ،‬وبالوظيفة المهيأ لها بطبعه‪،‬‬
‫وهذا ما أراد الشيخ الرئيس تحقيقه ووضعه في أصوله الثابتة‪ ،‬وهو يؤكد ضرورة االجتماع بغية التعاون والعمل‬
‫على تحقيق الحاجات التي تفتقر إليها الجماعة‪ ،‬ويحقق فضيلة العدالة للوصول‪ S‬إلى المجتمع الفاضل‪.‬‬

‫لقد تبنى ابن سينا مفهوم التعاون بين أفراد المجتمع في كل ما من شأنه أن يحقق السعادة‪ ،‬واإلتقان في‬
‫العلم‪ ،‬كما دعا إلى االنصراف الكلي إلى العمل وإ خراجه على أحسن صورة‪ ،‬وأكمل أداء‪ ،‬انطالقاً من القاعدة‬
‫التي اختطها الرسول ‪ ‬ألصحابه «إن اهلل يحب إذا عمل أحدكم عمالً أن يتقنه»‪.‬‬

‫و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ح‪S‬ق‪ S‬أ‪S‬ن‪ S‬ن‪S‬ز‪S‬عة‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬ن‪S‬س‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ك‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ت‪ S‬ن‪S‬ق‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ال‪ S‬ت‪S‬ش‪S‬و‪S‬ب‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬ش‪S‬ا‪S‬ئ‪S‬ب‪S‬ة‪ S،S‬ف‪S‬ق‪S‬د‪ S‬أ‪S‬و‪S‬ت‪S‬ي‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬خ‪S‬ص‪S‬ا‪S‬ل‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ر‪S‬ف‪S‬ي‪S‬ع‪S‬ة‪ S‬م‪S‬ا‪S‬‬
‫ي‪S‬ص‪S‬ع‪S‬ب‪ S‬ت‪S‬ح‪S‬ق‪S‬ي‪S‬ق‪S‬ه‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ع‪S‬ا‪S‬مة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ا‪S‬س‪ S،S‬ف‪S‬ه‪S‬و‪ S‬س‪S‬ل‪S‬ي‪S‬م‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ب‪S‬ن‪S‬ي‪S‬ة‪ S،S‬ج‪S‬ي‪S‬د‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ذ‪S‬ه‪S‬ن‪ S،S‬ث‪S‬ا‪S‬ق‪S‬ب‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ذ‪S‬ك‪S‬ا‪S‬ء‪ S،S‬ح‪S‬ا‪S‬ض‪S‬ر‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ب‪S‬د‪S‬ي‪S‬ه‪S‬ة‪ S،S‬م‪S‬ا‪S‬ض‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ز‪S‬ي‪S‬م‪S‬ة‪S،S‬‬
‫ح‪S‬ص‪S‬ي‪S‬ف‪ S‬ص‪S‬ا‪S‬د‪S‬ق‪ S،S‬ع‪S‬ا‪S‬د‪S‬ل‪ S‬ن‪S‬ز‪S‬ي‪S‬ه‪ S،S‬م‪S‬ت‪S‬ج‪S‬ر‪S‬د‪ S‬ع‪S‬ن ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ا‪S‬د‪S‬ة‪ S‬م‪S‬ؤ‪S‬ث‪S‬ر‪ S‬ل‪S‬ل‪S‬ذ‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ر‪S‬و‪S‬ح‪S( S‬ا‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ا‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ب‪S‬ي‪ ،1931 S،S‬إ‪S‬ح‪S‬ص‪S‬ا‪S‬ء‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ل‪S‬و‪S‬م‪S.S)S‬‬
‫‪-140-‬‬
‫بذا نبين أهمية العالقة بين الفرد والمجتمع عند ابن سينا‪ ،‬ودور‪ S‬التربية االجتماعية في إذكاء هذه العالقة‬
‫في مختلف جوانب الحياة واالرتقاء بوحدة المجتمع وتماسكه وبنائه‪.‬‬
‫الفكر الرتبوي عند ابن سينا – م‪15‬‬

‫‪-141-‬‬
‫‪ -‬دور النمو االجتماعي في تحسين العالقة بين الفرد والمجتمع السينوي‪:‬‬

‫يقصد بالنمو االجتماعي أو الجانب االجتماعي في التربية عدة معان أهمها‪:‬‬


‫‪ -1‬نمو المشاعر االجتماعية كالشعور باالنتماء‪ ،‬والميل الفطري إلى الجماعة وحب التقليد‪.‬‬
‫‪ -2‬نمو الخبرات االجتماعية‪ ،‬وما ينتج عنها من أساليب التعايش مع الجماعة‪ ،‬ومعرفة ما تحرمه الجماعة‬
‫وما تستحبه‪ ،‬وما توجبه على أفرادها‪ ،‬وأساليب السلوك في المجتمع‪ ،‬وآداب الحياة المشتركة‪.‬‬
‫إن نمو التصورات االجتماعية بأفكارها وأهدافها‪ S‬المشتركة تنعكس في نفوس األفراد‪ ،‬نتيجة للتربية‬
‫االجتماعية التي يتلقونها في جميع الجوانب الحياتية‪ ،‬وهذا سيؤدي‪ S‬إلى تنمية المشاعر االجتماعية بشكلها‬
‫المزدهر المتفتح الخير‪ ،‬فالمجتمع يتكون باجتماع مجموعة من األفراد‪ ،‬واشتراكهم‪ S‬على تصورات وأهداف‬
‫ومصالح‪ ،‬يفهمونها‪ S‬فهماً موحداً ويعملون لها جميعاً‪ ،‬فيؤلف‪ S‬ذلك بينهم بروابط‪ S‬تربط جميع األفراد‪ S‬وتشدهم بعضاً‬
‫إلى بعض‪ ،‬وتحبب إليهم العيش المشترك‪ S‬والتعاون والتكافل فيما بينهم» (عبد الرحمن النحالوي‪ 1979 ،‬أصول‬
‫التربية اإلسالمية)‪.‬‬
‫‪ -‬كان اهتمام الشيخ الرئيس ينصب في تكوين العادات االجتماعية وآداب السلوك االجتماعي‪ ،‬واكتساب‬
‫المهارات من منظور أن الممارسة والتكرار والفهم والقدرة والتعزيز‪ S‬والتوجيه كل ذلك سيتحول‪ S‬إلى عادات‬
‫اجتماعية وآداب السلوك االجتماعي في جميع جوانب حياة اإلنسان‪ ،‬مستمداً فكره وعمله من إسالمه ومذهبه‪،‬‬
‫وتلك مسحة نطلق عليها داللة االجتهاد العقلي التي امتاز بها أعالم التراث في القرن الرابع الهجري وفي‪S‬‬
‫تكون الجانب األكبر على الوجود االجتماعي‪ ،‬بل‬ ‫طليعتهم ابن سينا والفارابي‪ .‬فالتصورات‪ S‬المشتركة اإلسالمية‪ّ ،‬‬
‫يتعداه إلى كل أحوال الناشئ الفردية واالجتماعية‪ ،‬وللتربية االجتماعية دور كبير في تربية اإلنسان وتحسين‬
‫العالقة بين أفراد المجتمع‪ ،‬وهي تسهم بشكل أو بآخر في الحفاظ على المكتسبات الخيرة والنبيلة التي حصل‬
‫عليها‪ ،‬فالتربية اإلسالمية تهدف إلى إيجاد اإلنسان الصالح المؤمن بربه‪ ،‬وحرص القرآن على تربية اإلنسان‬
‫كفرد عندما أكد على فردية التكليف والجزاء‪ ،‬فالقرآن الكريم عندما تناول تربية اإلنسان فقد أخذ بعين االعتبار‬
‫جميع المكونات التي تدخل في تركيبه‪ :‬الجسم والعقل والروح‪ ،‬وهذا يشير إلى مدى االهتمام الكبير الذي أواله‬
‫ابن سينا للجوانب اإلنسانية من حيث الرعاية والتهذيب‪ ،‬وتكوين العادات الفاضلة والتمسك‪ S‬بها‪ ،‬وتحسين‬
‫مردودها‪ S‬االجتماعي واألخالقي‪ ،‬وغرس المفاهيم وتعديل السلوك االجتماعي‪ ،‬ومواجهة التحديات وتعزيز‪ S‬القيم‬
‫والعمل الصالح‪ ،‬وتحسين العالقات االجتماعية وترسيخها‪ S.‬وهذا يؤكد أن الترابط االجتماعي فطري‪ S‬في األفراد‬
‫ألنهم يحتاجون إليه فيما بينهم كي يحصل لهم الكمال الذي ألجله جعلت الفطرة طبيعية في األفراد‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬صلة التربية االجتماعية بالتربية الجمالية والجسمية‬


‫ِ‬
‫الجمالي في بناء الشخصية اهتمامها‪ ،‬والجمال الذي أنشدته هو‬ ‫لقد أولت التربية االجتماعية الجانب‬
‫يسر النفس ويمتّع الحس‪ ،‬وقال رسول اهلل ‪« :‬إن اهلل جميل يحب الجمال» وهي دعوة‬ ‫التناسق واالنسجام مما ّ‬
‫إلى أن ينهل المرء من معين الجمال الذي أوجده اهلل في مخلوقاته‪ ،‬وأن يستمتع بمظاهر هذا الجمال في التناسق‪S‬‬
‫واالنسجام‪ S‬والتكامل‪.‬‬

‫‪-142-‬‬
‫الواقع أن ابن سينا يرى أن الهدف من التربية الجمالية‪ :‬هو أن نبعث في نفس الطفل حب الجمال‪،‬‬
‫واإلعجاب به‪ ،‬والميل واإلصغاء إليه‪ ،‬بحيث يستطيع‪ S‬أن يعطي حكماً صادقاً على جمال ما يرى من الرسوم‪S‬‬
‫والتصاوير‪ ،‬وعلى حسن ما يسمع من القطع الغنائية والموسيقية أو على سحر ما يشاهد من المناظر الجميلة‬
‫والحركات المنتظمة‪.‬‬
‫والقرآن الكريم يلفت نظر اإلنسان إلى جمال المخلوقات لدى جمال الخلق وروعته‪ ،‬بل جعل اإلسالم االلتفات‬
‫أمرًا عقديًا قال تعالى‪ :‬الذي خلق سبع سموات طباقاً ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من‬
‫فطور ‪ ‬ثم ارجع البصر مرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير ‪[ ‬سورة الملك‪:‬اآلية ‪.]4-3‬‬
‫فالتربية الجمالية‪ « :‬تعبير يقصد به الجانب التربوي‪ S‬الذي يرقق‪ S‬وجدان الفرد وشعوره‪ ،‬ويجعله مرهف‬
‫الحس مدركاً للذوق والجمال‪ ،‬فيبعث في نفسه السرور‪ S‬واالرتياح ومن ثم يرتقي وجدانه وتتهذب انفعاالته»‬
‫(إبراهيم عصمت مطاوع‪ ،1979 ،‬أصول التربية)‪ .‬ويتضمن هذا التعريف بعدين‪:‬‬
‫األول‪ :‬بعد تربوي‪ ،‬والثاني‪ :‬بعد جمالي‪ ،‬بيد أن التربية عملية تنمية الشخصية المتكاملة والمتوازنة‪.‬‬
‫ومعنى هذا التكامل هنا هو‪ :‬إنسان الجوانب المختلفة في اإلنسان ومنها الجانب الجمالي‪ ...‬وهذا الجانب له أثره‬
‫وخطورته في تكوين الشخصية‪ ،‬وال يقل أثراً أو خطورة عن أي جانب آخر من جوانب الشخصية‪ ،‬الجانب‬
‫االنفعالي‪ ،‬أو الجسمي‪ ،‬أو االجتماعي‪.‬‬
‫ومن هنا يرى ابن سينا أن قيمة التربية الجمالية تتمثل في دقة التصوير‪ ،‬وروعة المالحظة‪ ،‬وتحقيق‬
‫اإليقاع الموسيقي‪ S‬البديع الذي يضفي على األسلوب بصورة عامة ظالالً من الفن والجمال‪.‬‬
‫إن االهتمام بالتربية الجمالية «يولد لدى األفراد حب الحياة واالندماج‪ S‬فيها بحيث يمارسونها‪ S‬بال إسفاف‬
‫ويسلكون فيها مسالك تدل على أنهم أسوياء» (محمد عزيز نظمي‪ ،1972 ،‬القيم الجمالية)‪.‬‬
‫وإ ذا كان الجمال سمة بارزة من سمات هذا الوجود‪ S‬بل أبرز سماته‪ ،‬فإنه يجب تأهيل الشخصية لإلحساس‬
‫بهذا الجمال وتربية الوجدان ليتوازن ذلك مع تنمية جوانب الشخصية المتكاملة‪ ،‬فالصلة وثيقة بين الجوانب‬
‫المختلفة‪ ،‬ألن ما يؤثر في الوجدان‪ ،‬البد من أن يؤثر‪ S‬في الوقت نفسه في التفكير‪ ،‬وهذا من شأنه أن يؤثر بعمق‬
‫في حياة اإلنسان بجميع جوانبه» (محمد علي أبو ربان‪ ،1971 ،‬القيم الجمالية)‪.‬‬
‫ونشير إلى أن الشيخ الرئيس (ابن سينا) أكد أن الجمال هو صنو للحق والخير‪ ،‬وأن حسن الجمال فطرة في‬
‫الكون ألن خالقه اتصف بصفات الجالل والجمال‪ ...‬وأن التربية الجمالية لها أهميتها القصوى في تربية اإلنسان‪،‬‬
‫وهي ليست منعزلة عن سائر أنواع التربية الجسدية والعقلية والخلقية‪.‬‬
‫فالتربية الجمالية هي نقطة ارتكاز في التربية كلها‪ ،‬وتلك التربية تكمن في إقامة الوزن‪ ،‬وتمييز اللفظ‬
‫وسهولة المخرج والفن في النهاية يوسع رقعة الحياة ويربط بين اإلنسان الفرد والجماعة‪ ،‬وما بين اإلنسان الفرد‬
‫واإلنسانية‪ ،‬بعد أن ربط بين هذا اإلنسان والكائنات األخرى‪ ،‬بمعنى آخر يربط بين اإلنسان والكون‪ ...‬وبهذا‬
‫الشمول والتعدد واالمتالء تصبح لوحة الكون الغنية أجمل وأكمل وأوسع‪.‬‬
‫إن بعض المؤرخين ومنهم (فارمر) كشفوا عن فضل العرب على الموسيقى العالمية ومنهم‪ S‬اإلغريق‪ ،‬فقد‬
‫قال فارمر‪( S:‬الفارابي‪ S‬وابن سينا زادا على ما جاء به اإلغريق في علم الموسيقى) فمقدمة الفارابي لكتابه الكبير‬
‫تبز كل ما ورد في المصادر اليونانية وجهودهم (أي العرب) في وصف‬ ‫في الموسيقى تضاهي في الواقع إن لم ّ‬
‫اآلالت الموسيقية تسهل على الغرب المعاصر‪ S‬فهم (الساللم) الموسيقية الخاصة بتلك الفترة‪.‬‬

‫‪-143-‬‬
‫فالتراث ليس مرحلة تاريخية بعينها ولكنه جماع التاريخ المادي والمعنوي لألمة منذ أقدم العصور إلى‬
‫اآلن‪ ،‬ولقد تبنت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم‪ S‬في استراتجيتها‪ S‬مفهوم الماضي الحي ورأت أن األصالة‬
‫تعبر عن هذا المفهوم وتعني‪ S‬اختيار مافي التراث من نماذج ومن أصول‪ ،‬اختياراً قائماً على الفهم والتمييز‪S‬‬
‫وماتنطوي عليه من اإلبداع واالبتكار‪ ،‬وعلى ماتلد عليه من ذاتية ثقافية األمة وذاتية العبقرية التي أسهمت في‬
‫تطوير هذا التراث في مجاالت القيم والفكر والثقافة‪ ،‬أو في تأكيد مجاالت العلم والفلسفة أو في مجاالت السياسة‬
‫واإلرادة (محمود‪ S‬أحمد السيد‪ ،1991 ،‬في قضايا التربية المعاصرة)‬
‫وفي‪ S‬مجال منهج التربية الجسمية عند ابن سينا‪ :‬كان اهتمام ابن سينا يتصف‪ S‬بالدرجة األولى بالنمو الحسي‬
‫‪ -‬الحركي والتربية الخلقية والوجدانية‪ ،‬وهو بالحقيقة لم يشر إلى منهج محدد في مرحلة تربية الطفل سوى‬
‫الرياضة والموسيقى‪ ،‬الرياضة لتربية الطفل ونموه الجسدي والحركي‪ ،‬ولكي يتعلم عن طريقها كثيراً من العادات‬
‫الخلقية والذهنية‪ .‬والموسيقى‪ S‬حتى يرهف حسه وترقى مشاعره ووجدانياته‪.‬‬
‫وتبعاً لذلك فإن األنشطة الجسمية المختلفة‪ ،‬التي كان يمارسها‪ S‬الفرد‪ ،‬وما ارتبط بذلك من عادات صحية‬
‫تعمل على حفظ الجسم وصيانته‪ ،‬والتحكم في عضالته لتعلم جميع أنواع اللعب‪ ،‬فقد أعطانا ابن سينا توجيهاته في‬
‫ذلك كله حول المنازعة والمباطشة واإلحضار‪ S‬وسرعة المشي والرمي‪ S‬من القوس والقفز إلى شيء ليتعلق به‬
‫والحلج على إحدى الرجلين‪ ،‬واألراجيح وركوب‪ S‬الزواريق‪ S‬والخيل‪( »...‬ابن سينا‪1294 ،‬هـ‪ ،‬القانون)‪.‬‬
‫ال المباطشة أنواع منها أن‬
‫ولكل نوع من الرياضة عنده أشكال وصور مختلفة عند األداء (تمارين رياضية) فمث ً‬
‫يشبك كل واحد من الالعبين يده على وسط صاحبه ويلزمه ويتكلف كل واحد منها أن يتخلص من صاحبه وهو‬
‫ممسكه‪ ،‬وأيضًا أن يلتوي بتدبير على صاحبه ويلزمه ويتكلف كل واحد منهما أن يتخلص من صاحبه وهو ممسكه‪،‬‬
‫وأيضًا أن يلتوى بتدبير على صاحبه يدخل يده اليمين على يمين صاحبه‪ ،‬ويده اليسار إلى يساره ووجهه إليه ثم يشيله‬
‫ويقلبه‪ ،‬وال سيما وهو ينحني تارة ويبسط أخرى‪ ،‬ومن ذلك المدافعة بالصدرين‪ ،‬ومالزمة كل واحد منهما عنق‬
‫صاحبه يجذبه إلى أسفل» (ابن سينا‪1294 ،‬هـ‪ ،‬القانون)‪.‬‬
‫لقد احتلت التربية الجسمية مكانة كبيرة في التربية في القرن الرابع الهجري‪ ،‬لما كانت عليه حياتهم من شظف‬
‫العيش‪ ،‬واإلقامة في بيئة مملوءة بالمخاطر‪ ،‬والقوي هو الذي يكتب له العيش والعز والسيادة‪ ،‬لذلك حظيت أسماء‬
‫اللعب التي أشار إليها ابن سينا في كتاب القانون بمكانة مرموقة بين األنشطة الرياضية‪.‬‬
‫وقد‪ S‬أوضح ابن سينا مظاهر االهتمام بالجسم من خالل تنفيذ الفرد لهذه األلعاب لما لها من أهمية في حياة‬
‫اإلنسان‪ ،‬إذ أدرك أن هناك صلة وثيقة بين الجسم والعقل‪ ،‬وعبر عن هذه الصلة بالحكمة القائلة «العقل السليم في‬
‫الجسم السليم» ولقد نظر اإلسالم إلى الجسد اإلنساني نظرة كريمة‪ ،‬وأواله عناية كبيرة مراعياً في ذلك كل‬
‫حاجاته ومتطلباته‪ ،‬فقد وضع الحركة الرياضية حاجة أساسية لإلنسان تتأسس على الجانب الجسمي فيه‪ ،‬وجعلها‬
‫موضع التقدير واالهتمام‪ ،‬إذ تعد جوهر التربية الجسمية‪.‬‬
‫وابن سينا يرى ضرورة أن تخلط الرياضات الشديدة والسريعة بفترات من الراحة أو برياضات فاترة‪ ،‬كما‬
‫أنه يرى أنه يجب أن ينتقل الصبي في استعمال الرياضات المختلفة وال يقام على رياضة واحدة‪ ،‬إذ لكل عضو‬
‫رياضة تخصه فهناك رياضة لليدين والرجلين والصدر وأعضاء التنفس‪ .‬وابن سينا بذلك يتفق مع كثير ما يقول مع‬
‫موجهي التربية الرياضية في عصرنا الحديث عن ضرورة اختيار الرياضة المناسبة لكل عمر‪ ،‬وضرورة أداء‬
‫الكثير من التمرينات المختلفة التي تكفل نمو عضالت الجسم وأعضائه في اتساق محدد‪.‬‬

‫‪-144-‬‬
‫إن االهتمام باألنشطة الرياضية وإ شراف المربين عليها باعتبارهم يلمون بالمبادئ‪ S‬األولية للتمرينات‬
‫الرياضية يؤلف وسيلة من الوسائل التي تساعد على تنمية العضالت وتقوية األجسام حتى تصل إلى حدها‬
‫الممكن من النمو‪ ،‬وهذه التمارين تكسب األطفال قوة في أعصابهم‪ .‬واعتداالً في قوامهم‪ S‬واتساعاً في صدرهم‪،‬‬
‫ونشاطاً‪ S‬في أعمالهم‪ ،‬مثالنا على ذلك ما قاله ابن سينا‪« :‬إن اللعب بالرمي يمثل مكوناً من مكونات التربية‬
‫الجسمية‪ ،‬وهو يمثل ضرورة من ضرورات الحياة للكائن الحي‪ ،‬ولدى كل كائن حي ميل فطري‪ S‬للعب والحركة‬
‫والنشاط»‪.‬‬
‫وابن سينا يرى أن الرياضة ضرورية لكل المراحل التعليمية‪ ،‬وأن لكل إنسان بحسبه رياضة توافقه‬
‫وتخصه‪ ،‬فالتربية الجسمية احتلت مكانة بارزة في الفكر التربوي العربي اإلسالمي فيه واإلسالم‪ S‬بعد انتشاره‪.‬‬
‫وقد أراد من عرضه ألنواع اللعب‪ ،‬أن يبين لنا أهمية العناية بالبدن‪ ،‬وبصحة اإلنسان كي يستطيع أن يقوم‬
‫بأعباء الحياة‪ ،‬وهذا يتطلب منه أن يكون قويًا في جسمه‪ ،‬سليمًا في بدنه‪ ،‬وقديمًا قال اليونانيون في حكمهم‪« :‬العقل‬
‫الصحيح في الجسم الصحيح» وبذلك نرى أن التربية الجسمية‪ ،‬احتلت مكانة بارزة في الفكر التربوي‪ ،‬والشيخ‬
‫الرئيس أسهم في تأكيد ميزات التربية الجسمية‪ ،‬وخاصة تلك التي ترتبط بدورها وقيمتها من حيث النظرة إلى الجسم‬
‫اإلنساني وإ عداد الفرد القادر على أداء دوره في الحياة وتحمل تبعاتها‪ ،‬وبالتالي من حيث مدى العناية واالهتمام بها‪،‬‬
‫وأثرها على تكوين القدرة العقلية على الفرد‪ .‬وقد أدلى المربون الجوانب التربوية‪ ،‬االجتماعية‪ ،‬والعقلية‪ ،‬واألخالقية‬
‫ال ومتوازنًا ومتطورًا من جميع‬‫ال ومنسجمًا ومتعاد ً‬
‫والجسمية العناية واالهتمام من حيث بناء اإلنسان بناء متكام ً‬
‫الوجوه خدمة للمجتمع واإلنسانية‪.‬‬
‫لقد أولت التربية العربية اإلسالمية الجانب الجمالي في بناء الشخصية اهتمامها والجمال الذي نشدته هو‬
‫التناسق واالنسجام مما يسر النفس ويمتع الحس‪ .‬ومن يشعر بالجمال ويحس به يدفعه ذلك إلى فعل الجميل‪ ،‬فعل‬
‫وتذوق‪ S‬جزء من خبرة اإلنسان في الحياة‪ ،‬ذلك أن التوازن‬
‫كل ما هو خير ألن الخير في الجمال‪ ،‬وإ دراك الجمال ّ‬
‫والتماثل والتناسب واإليقاع هي عوامل أساسية في الخبرة وهي من العناصر‪ S‬التي يمكن طريقها أن تنظم الخبرة‬
‫في أنماط معينة والتربية الجمالية تربي في الطفل حب الجمال وتقديره واإلعجاب به‪ ،‬وهذا يتطلب الحرص‬
‫والعناية بالمواد‪ S‬وكل ما يؤدي إلى التربية الجمالية‪.‬‬
‫إن الفن العربي في القرن الرابع الهجري‪ ،‬تمثل في النقوش والخشب والمعدن والجلد والثياب والفخار‬
‫والزجاج والسجاد والستائر‪ ،‬وفي صناعة الكتب وعلى الخطوط وما يتعلق بالقرآن الكريم‪.‬‬

‫‪-145-‬‬
‫الفصل السادس‬
‫التربية العقلية عند ابن سينا‬

‫‪ -‬مقدمة‬

‫‪ -1‬نظرة ابن سينا إلى المعرفة العقلية‬

‫‪ -2‬الغرض من التربية العقلية‬

‫‪ -3‬مالمح التربية العقلية‬

‫‪ -4‬عالقة التربية العقلية بالتربية العلمية‬

‫‪-146-‬‬
‫التربية العقلية عند ابن سينا‬

‫‪‬‬
‫تهدف التربية العقلية إلى تهذيب قوة اإلدراك‪ ،‬وتنمية الخيال‪ ،‬وتقوية اإلرادة‪ ،‬وإ حياء الشعور‪ ،‬وتربية قوة‬
‫الحكم في النفوس وتكوين عادات االنتباه‪ ،‬واإلخالص في العمل والمثابرة‪ ،‬وكسب المعرفة وفهمها وهضمها‪S‬‬
‫وتمثيلها‪ ،‬لالستفادة منها في الحياة العملية‪ ،‬وإلعداد الفرد للحياة‪ ،‬أي تمرينه على كيفية فهم الحقائق‪ ،‬ولن يكون‬
‫ذلك إال باالعتماد على اإلرشاد‪ S‬والتشويق‪ S،‬والدقة في الحكمة‪ ،‬والتعبير‪ S‬عن األفكار بوضوح‪ S‬وقوة وبالغة‬
‫واالنتفاع بالمعلومات في الحياة اليومية‪.‬‬
‫فالتربية العقلية عملية قصدية تهدف إلى تنشئة اإلنسان المتكامل‪ ،‬وحيث أن العقل أحد المكونات األساسية‬
‫للشخصية اإلنسانية‪ ،‬فإن التربية العقلية لم تكن إال ميداناً رئيسياً‪ S‬من ميادين التربية‪ .‬فالعقل هو الذي يمكن المرء‬
‫من معرفة بناء العالم الذي يحيط به‪ ،‬ذلك أن العقل كما يرى ابن سينا هو أصل نظريات المعرفة‪ ،‬وطبيعي‪ S‬أن‬
‫يكون لكل نظرية من تلك النظريات تطبيقاتها‪ S‬التربوية‪ .‬والسؤال الذي يطرح نفسه كيف نظر ابن سينا إلى أصل‬
‫تلك المعرفة وماهيتها‪ S‬وحدودها‪ S‬ودرجة اليقين منها‪.‬‬
‫ولإلجابة عن ذلك نجد أن ابن سينا يرى أن النفس بقواها المختلفة هي وسيلة المعرفة أو اإلدراك‪.‬‬
‫فالمعرفة الحسية في نظره هي معرفة مكتسبة‪ ،‬أما المعرفة العقلية فموضوعها المدركات المجردة ووسيلتها‪ S‬ما‬
‫أودعه اهلل في اإلنسان من قوة نظرية قادرة على تحصيل تلك المعرفة العقلية‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬نظرة ابن سينا إلى المعرفة العقلية‬
‫الواقع أن ابن سينا حدد مقومات عمل المعرفة العقلية‪ ،‬ذلك أن العقل يقوم بتنظيم االستجابة التي تنتقل إلى‬
‫داخل الفرد مروراً بالحواس وعن طريقها يقوم بأكثر من ذلك‪ ،‬فهو الذي يصحح الحواس عندما تقع في الخطأ‪،‬‬
‫فالعين ترى العصا مكسورة في الماء‪ ،‬وتحسب السراب ماء‪ ،‬والعقل هو الذي يدرك حقيقة الظاهرة التي أدت إلى‬
‫انكسار الضوء في الماء‪ ،‬وتلك التي أدت إلى عدم التمييز بين الماء والسراب‪ ،‬من هذا تتضح أهمية العقل للعملية‬
‫التربوية‪ ،‬ولكن ما هي تلك القوة النظرية (العقل) وكيف‪ S‬حدثت؟ وما مراحل تكوين العقل؟ هل العقل فطري‪ S‬أم‬
‫مكتسب؟‬

‫يرى ابن سينا أن العقل فطري أودعه اهلل في اإلنسان‪ ،‬ولكن العقل اإلنساني‪ S‬عند الطفل يبدأ كمجرد استعداد‬
‫للمعرفة ثم ينمو هذا العقل اإلنساني بنمو المعرفة ونمو‪ S‬المدركات‪:‬‬

‫وهناك أربع مراحل للنمو العقلي وتكوين تلك القوة النظرية الفطرية‪:‬‬

‫‪-147-‬‬
‫المرحلة األولى‪ :‬أن ال يكون لتلك القوة النظرية «العقل» شيء من المعلومات كما هو الحال عند الطفل‬
‫حيث ال يوجد عنده معلومات مطلقاً‪ ،‬ولكن فيه مجرد االستعداد لتلك المعلومات وتسمى تلك القوة النظرية في هذه‬
‫المرحلة «بالعقل الهيوالني‪ »S‬وهي موجودة لدى كل شخص من النوع اإلنساني وهي التي تفرق بين اإلنسان‬
‫وغيره من الحيوانات ال بعلم حاضر‪ S‬وال بقوة قريبة من العلم بل مجرد االستعداد له» (الغزالي ‪ ،1961‬منطق‬
‫تهافت الفالسفة)‪ .‬ويضرب‪ S‬ابن سينا مثالً على ذلك قدرة الطفل الصغير على القراءة والكتابة قبل تعلمه القراءة‬
‫والكتابة‪.‬‬

‫المرحلة الثانية‪ :‬من هذا‪ S‬تتضح أهمية العقل للعملية التربوية‪ S،‬وال أدل على ذلك‪ S‬من أن تربية‪ S‬من ال عقل‬
‫له عملية في‪ S‬غاية الصعوبة‪ S‬إن لم تكن مستحيلة‪ S‬مع أن نجاح‪ S‬العملية التربوية‪ S‬يتوقف‪ S‬إلى حد‪ S‬كبير‪ S‬على‪ S‬العقل‪،‬‬
‫إالّ أنه يمكن القول‪ :‬إن تنمية العقل تعتمد‪ S‬على التربية‪ ،‬فالمدر‪S‬سة‪ S‬التي تعود‪ S‬الطالب‪ S‬على‪ S‬الحفظ األصم‪ S‬تقف‪S‬‬
‫حجر‪ S‬عثرة أمام‪ S‬تنمية عقولهم‪ S،‬بخالف‪ S‬المدرسة التي‪ S‬تحث طالبها‪ S‬على‪ S‬االبتكار‪ S‬والتفكير‪ S‬الموضوعي‪ S‬السليم‪،‬‬
‫فيصير‪ S‬ما كان بالقوة البعيدة‪ S‬بالقوة القريبة‪ ،‬أي‪ S‬أن العقل الهيوالني‪ S‬قد‪ S‬حصل فيه التصديق‪ S‬بالمعقوالت‪ S‬األولى‪S‬‬
‫التي يتوصل‪ S‬منها وبها‪ S‬إلى‪ S‬المعقوالت التي‪ S‬تعتمد‪ S‬على‪ S‬المدركات‪ S‬العقلية‪.‬‬

‫والمعقوالت األولى كما يرى ابن سينا هي المقدمات التي يقع بها التصديق ال باكتساب وال بأن يشعر‬
‫المصدق بها أنه كان يجوز‪ S‬له أن يخلو عن التصديق بها‪ ،‬كاعتقادنا بأن الكل أعظم من الجزء وأن األشياء‬
‫المساوية لشيء واحد متساوية‪ .‬والقوة النظرية عندما تدرك تلك المعقوالت األولى تسمى عند ابن سينا عقالً‬
‫بالحكمة (ابن سينا‪ ،1952 ،‬النجاة)‪.‬‬

‫المرحلة الثالثة‪ :‬إن األوليات كما يرى ابن سينا هي قضايا‪ S‬ومقدمات تحدث في اإلنسان من جهة قوته‬
‫العقلية من غير سبب يوجب التصديق‪ S‬بها إال ذواتها‪ ،‬ومن خصائص العقل أيضاً (االعتقاد بأن األشياء هي كما‬
‫هي‪ ،‬ويقول ابن سينا‪ :‬إن مبدأ الذاتية وكل ما يتفرع عنه من مبدأ عدم التناقض وما يصدق‪ S‬على الجنس يصدق‪S‬‬
‫على النوع‪ ،‬كلها مبادئ مكتسبة في النفس ال بواسطة المالحظة بل بواسطة اإلشراق أي بواسطة نور إلهي(ابن‬
‫سينا‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬رسالة في السعادة)‪.‬‬

‫و‪S‬ل‪S‬م‪S‬ا‪ S‬ك‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ق‪S‬ل‪ S‬ي‪S‬ع‪S‬ت‪S‬م‪S‬د‪ S‬ع‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬ه‪S‬ذ‪S‬ه‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ع‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ي‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ب‪S‬ا‪S‬د‪S‬ئ‪ S‬ا‪S‬أل‪S‬و‪S‬ل‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ق‪S‬ي‪S‬ا‪S‬س‪ S،S‬ف‪S‬إ‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ث‪S‬و‪S‬ر‪ S‬ع‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ح‪S‬د‪ S‬ا‪S‬أل‪S‬و‪S‬س‪S‬ط‪S‬‬
‫ي‪S‬ك‪S‬و‪S‬ن‪ S‬ب‪S‬و‪S‬ا‪S‬س‪S‬ط‪S‬ة‪ S‬إ‪S‬ش‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ق‪ S،S‬و‪S‬ال‪ S‬غ‪S‬ر‪S‬ا‪S‬بة‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ذ‪S‬ل‪S‬ك‪ S‬أل‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬أل‪S‬و‪S‬ل‪S‬ي‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬م‪S‬ك‪S‬ت‪S‬س‪S‬ب‪S‬ة‪ S‬ب‪S‬و‪S‬ا‪S‬س‪S‬ط‪S‬ة‪ S‬ه‪S‬ذ‪S‬ا‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬ش‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ق‪ S،S‬أ‪S‬و‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬ل‪S‬ه‪S‬ا‪S‬م‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬ل‪S‬ه‪S‬ي‪S‬‬
‫ا‪S‬ل‪S‬ذ‪S‬ي‪ S‬ي‪S‬س‪S‬م‪S‬ي‪S‬ه‪ S‬أ‪S‬ي‪S‬ض‪S‬اً‪ S‬ح‪S‬د‪S‬س‪S‬اً‪S.S‬‬

‫‪-148-‬‬
‫لقد اعتمد ابن سينا العقل دليالً له للكشف عن الحقيقة المودعة في النظام الطبيعي‪ S‬محكماً فيما يشحن من‬
‫إن العقل عند ابن سينا مدخل للنظر في شؤون الحياة كافة‪ ..‬الطبيعة‬
‫مشكالت الحياة االجتماعية بعبارة أخرى ّ‬
‫واالجتماع واألخالق‪ ،‬فقد اعتبر العقل بأنه الذي يهدي الناس إلى األصول العامة للنظر العلمي‪ ،‬بحيث تكون‬
‫المعقوالت النظرية حاصلة في ذهن اإلنسان ولكنه غافل عنها‪ ،‬ومع ذلك فإنه متى شاء أحضرها ويسمى‪ S‬العقل‬
‫في تلك المرحلة (عقالً بالعقل) ويوضح ابن سينا ذلك بقوله‪ « :‬وهذا يكون قد حصل فيها (القوة النظرية)‬
‫الصورة المعقولة األولية إال أنه ليس يطالعها ويرجع‪ S‬إليها بالفعل بل كأنها عنده مخزونة فمتى شاء طالع تلك‬
‫الصورة بالفعل فعقلها‪ ،‬وعقل أنه عقلها‪ ،‬ويسمى‪( S‬عقالً بالفعل) ألنه عقل‪ ،‬ويعقل متى شاء بال تكلف وال‬
‫اكتساب»( ابن سينا‪ ،1952 ،‬النجاة)‪.‬‬
‫المرحلة الرابعة‪ :‬أن تكون المعلومات حاضرة في العقل‪ ،‬وهو يطالعها‪ ،‬ويداوم‪ S‬التأمل فيها‪ ،‬وهذا هو العلم‬
‫الموجود بالفعل‪ ،‬الحاضر‪ S‬في كل وقت‪ ،‬يقول ابن سينا في حد هذا العقل «وهو أن تكون الصورة المعقولة‬
‫حاضرة فيه وهو يطالعها ويعقلها بالعقل‪ ،‬ويعقل أنه يعقلها بالفعل‪ ،‬فيكون حينئذ عقالً مستفاداً»( ابن سينا‪،‬‬
‫‪ ،1952‬النجاة)‪.‬‬
‫إن هذه المراحل األربع التي يذكرها ابن سينا ليست متشابهة في جميع العقول‪ ،‬لما كان العقل الفعال هو‬
‫الذي يمنع الصور للعقول البشرية في هذه العقول الهيوالنية ما فيه استعداد شديد يمكنه من أن يتصل بالعقل‬
‫الفعال دون أن يحتاج إلى كبير شيء‪ ،‬وال إلى تخريج وتعليم‪ ،‬فكأنه يعرف كل شيء من نفسه‪ ،‬وهذه الدرجة هي‬
‫أعلى درجات العقول الهيوالنية‪ ،‬ويسميها ابن سينا عقالً قدسياً‪« ،‬وهو من جنس العقل بالملكة»( ألبير نصري‬
‫نادر‪ ،‬بدون تاريخ في النفس اإلنسانية عند ابن سينا)‪.‬‬

‫‪-149-‬‬
‫ثانياً‪ :‬الغرض من التربية العقلية‬
‫أجمع المؤرخون على أن الغرض من التربية العقلية كسب المعرفة وتهذيب العقل والمهارة في استعمال ما‬
‫يعرفه اإلنسان‪« ،‬وهذه األغراض الثالثة متصلة بعضها ببعض كل االتصال‪ ،‬وليس الغرض من المعرفة العلم‬
‫بحقائق مجردة تعرف للنجاح في االمتحان»( محمد عطية الليراني‪ ،1943 ،‬روح التربية والتعليم)‪.‬‬
‫و‪S‬م‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬خ‪S‬ط‪S‬أ‪ S‬ا‪S‬ال‪S‬ع‪S‬تق‪S‬ا‪S‬د‪ S‬أن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ح‪S‬ف‪S‬ظ‪ S‬ه‪S‬و‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬و‪S‬س‪S‬ي‪S‬ل‪S‬ة‪ S‬ت‪S‬ك‪S‬س‪S‬ب‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ل‪S‬م‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ع‪S‬ر‪S‬ف‪S‬ة‪ S،S‬ف‪S‬ه‪S‬ن‪S‬ا‪S‬ك‪ S‬أ‪S‬ش‪S‬ي‪S‬ا‪S‬ء‪ S‬ك‪S‬ث‪S‬ي‪S‬ر‪S‬ة‪ S‬ت‪S‬ت‪S‬م‪S‬ك‪S‬ن‪ S‬م‪S‬ن‪S‬‬
‫ا‪S‬ل‪S‬ح‪S‬ص‪S‬و‪S‬ل‪ S‬عل‪S‬ي‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬عن‪ S‬ط‪S‬ر‪S‬ي‪S‬ق‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬خ‪S‬ب‪S‬ر‪S‬ة‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ج‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ة‪ S‬ل‪S‬ت‪S‬ص‪S‬ل‪ S‬إ‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ح‪S‬ق‪S‬ي‪S‬قة‪S.S‬‬
‫فالتربية العقلية ال تهدف إلى االعتماد على الذاكرة وحدها لخزن المعلومات‪ ،‬بل تهدف إلى إعداد الفرد‬
‫للحياة‪ ،‬أي تمرينه على كيفية فهم الحقائق عن طريق اإلرشاد‪ S‬والتشويق‪ S‬واالعتماد على النفس في التفكير والدقة‬
‫في الحكمة‪.‬‬
‫اعتبر ابن سينا العقل بأنه الدليل للكشف عن الحقيقة المودعة في النفس وهو الذي يهدي الناس إلى‬
‫األصول العامة للنظر العلمي‪ ،‬وما اهتمام ابن سينا بالعقالنية وبالتفكير‪ S‬الموضوعي إال دليل على أن العلم الذي‬
‫يحتوي على حقائق هامة مرتبة ترتيباً‪ S‬منطقياً «نستطيع أن نستخدمها‪ S‬وننتفع بها في أعمالنا وحياتنا اليومية‪،‬‬
‫وسيلة لسعادتنا‪ S‬وسعادة غيرنا‪ ،‬وال يمكن الوصول‪ S‬إلى هذا النوع من العلم إال بالتفكير والنشاط‪ S‬الفعلي»( محمد‬
‫عطية الليراني‪ ،1943 ،‬روح التربية والتعليم)‪.‬‬
‫إن مواهب ابن سينا تتلخص في ذلك الذكاء النادر‪ ،‬والذاكرة القوية‪ ،‬والعقل الخصب الذي أدى إلى إبراز‬
‫أهمية التساؤل من حيث هي َم ْعلَمة من معالم الحياة العقلية بما فيها من مؤثرات وتأثيرات‪ ،‬وبما اشتملت عليه من‬
‫تطورات ونهضات‪ ،‬وكان ابن سينا يعيش في قمة هذا الطور الشامخ من الثقافات إذ كان العصر كله مصدراً‪ S‬في‬
‫نفسه وكتبه‪.‬‬
‫فالتربية‪ S‬اإلسالمية‪ S‬تُعلي من شأن العقل‪ ،‬والقرآن الكريم‪ S‬يشير‪ S‬في‪ S‬عشرات اآليات إلى‪ S‬العمليات العقلية‬
‫مثل التفكير‪ S‬والتدبير‪ S‬والتأمل‪ S،‬ومع أن لفظة عقل لم ترد‪ S‬في‪ S‬القرآن الكريم‪ S‬إال أن األفعال‪ S‬الدالة على العقل‬
‫وردت‪ S‬في‪ S‬عدد من اآليات‪ .‬وقد‪ S‬شبه القرآن الكريم‪ S‬من يعطلون‪ S‬عقولهم‪ S‬وال‪ S‬يستخدمونه‪S‬ا‪ S‬في‪ S‬مجاالتها‪ S‬الصحيحة‪S‬‬
‫باألنعام‪ S،‬بل هم أضل‪ S‬سبيالً‪ .‬ويلخص صالح‪ S‬الدين المنجد‪ S‬موقف‪ S‬القرآن من العقل بقوله‪« :‬وعلى هذا نرى‪ S‬أن‬
‫الفعل عقل قد‪ S‬استعمل‪ S‬في‪ S‬القرآن الكريم‪ S‬إما بمعنى‪ S‬الفهم‪ S‬واإلدراك‪ S‬والعلم‪ S،‬وإما‪ S‬بمعنى‪ S‬التمييز‪ S‬بين الخير‪ S‬والشر‪S‬‬
‫وإ مساك‪ S‬النفس عن األمور‪ S‬القبيحة‪ ،‬وفي‪ S‬جميع هذه المواضع‪ S‬يلح القرآن الكريم‪ S‬إلحاحاً متواصالً‪ S‬على استعمال‪S‬‬
‫العقل‪ ،‬وعلى‪ S‬الفهم والتمييز‪ S‬بين الخير‪ S‬والشر‪( »S‬صالح الدين المنجد‪ S،‬بدون تاريخ‪ ،‬اإلسالم‪ S‬والعقل)‪.‬‬
‫إن اإلنجازات العلمية التي حققها العلماء العرب كانت نتيجة التأمل والنظر‪ S‬والحذق في جميع العلوم‬
‫المعرفية والفلسفية‪ ،‬والحق لقد كانت حياة ابن سينا الفكرية خصبة جداً‪.‬‬
‫وإ ن جميع مؤلفاته كانت تهدف إلى رسم صورة شاملة للكون في مجموعة‪.‬‬
‫زد على ذلك فإن ابن سينا يرى أن ليست الغاية من تربية الوظائف‪ S‬العملية إال اكتساب وسائل الصدق‬
‫والمعرفة والمهارات‪ S‬العلمية لتنمية القدرات العقلية لدى المتعلم‪ ،‬ذلك أن اإلفرازات االجتماعية لعصر العقل‬
‫كانت أخطر بكثير من إفرازاته العقلية والمعرفية‪ ،‬هذه اإلفرازات التي تمثلت في نظرية (العقد االجتماعي)‬
‫ونظرية (اإلرادة العامة)‪.‬‬

‫‪-150-‬‬
‫و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ح‪S‬ق‪ S‬أ‪S‬ن‪S‬ه‪ S‬ل‪S‬ي‪S‬س‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬غ‪S‬ر‪S‬ض‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬د‪S‬ر‪S‬ا‪S‬س‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬و‪S‬ا‪S‬د‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ظ‪S‬ر‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ل‪S‬م‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ق‪S‬ل‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ف‪S‬ح‪S‬س‪S‬ب‪ S،S‬و‪S‬ل‪S‬ك‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ه‪S‬د‪S‬ف‪S‬‬
‫ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ر‪S‬س‪S‬و‪S‬م‪ S‬م‪S‬ع‪S‬ر‪S‬ف‪S‬ة‪ S‬ت‪S‬ل‪S‬ك‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬و‪S‬ا‪S‬د‪ S‬م‪S‬ع‪S‬ر‪S‬ف‪S‬ة‪ S‬ج‪S‬ي‪S‬د‪S‬ة‪ S‬ت‪S‬ؤ‪S‬د‪S‬ي‪ S‬إ‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬ال‪S‬س‪S‬ت‪S‬ف‪S‬ا‪S‬د‪S‬ة‪ S‬م‪S‬ن‪S‬ه‪S‬ا‪ S‬ع‪S‬م‪S‬ل‪S‬ي‪S‬اً‪ S‬و‪S‬ع‪S‬ق‪S‬ل‪S‬ي‪S‬اً‪ S‬و‪S‬و‪S‬ج‪S‬د‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ي‪S‬اً‪ S‬و‪S‬ل‪S‬غ‪S‬و‪S‬ي‪S‬اً‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ج‪S‬م‪S‬ي‪S‬ع‪S‬‬
‫ا‪S‬ال‪S‬ت‪S‬ج‪S‬ا‪S‬ه‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬و‪S‬ي‪S‬ة‪S.S‬‬
‫ثالثاً‪ :‬مالمح التربية العقلية‬
‫ما أراده ابن سينا من التربية العقلية لم يكن تربية الفكر فحسب‪ ،‬بل إتقان المهارة واالنتفاع باألفكار التي‬
‫تحصل عليها ونفهمها‪ .‬وللوصول إلى تلك المهارة نحتاج إلى الكثير من التمرين والعمل‪ ،‬والدقة والسرعة‪،‬‬
‫والفراسة‪ ،‬وحسن الحكم‪ ،‬وسرعة الخاطر‪ ،‬وحضور البديهة(محمود عبد اللطيف‪ ،2007 ،‬الفكر التربوي عند‬
‫الفارابي)‪.‬‬
‫قديماً‪ S‬اهتم المربون الغربيون في القرون الوسطى‪ S‬في التربية العقلية‪ ،‬إذ عنوا بدراسة اللغات بجميع‬
‫فروعها لمساعدة التلميذ في تربية العقل وتقوية قواه العقلية‪ ،‬ليكون قادراً على القيام بما يطالب به من أعمال‪،‬‬
‫وهذا يتطلب معرفة الجوانب التربوية وفهمها بشكل جيد ألنها تسهم في كسب المعارف‪ ،‬وتربية قوة الحكم في‬
‫النفوس وإ عداد الفرد للحياة وتمرينه على كيفية فهم الحقائق لمعرفة بناء العالم الذي يحيط به‪.‬‬
‫ف‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ق‪S‬ل‪ S‬ه‪S‬و‪ S‬و‪S‬س‪S‬ي‪S‬ل‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬د‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ك‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ظ‪S‬ر‪S‬ي‪ S‬ل‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ر‪S‬د‪ S،S‬و‪S‬ه‪S‬و‪ S‬ي‪S‬ن‪S‬ت‪S‬ق‪S‬ل‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬أل‪S‬م‪S‬و‪S‬ر‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ح‪S‬ا‪S‬ض‪S‬ر‪S‬ة‪ S‬إ‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬أل‪S‬م‪S‬و‪S‬ر‪ S‬غ‪S‬ي‪S‬ر‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ح‪S‬ا‪S‬ض‪S‬ر‪S‬ة‪S،S‬‬
‫و‪S‬ه‪S‬ذ‪S‬ا‪ S‬ا‪S‬ال‪S‬ن‪S‬ت‪S‬ق‪S‬ا‪S‬ل‪ S‬ك‪S‬م‪S‬ا‪ S‬ي‪S‬ق‪S‬و‪S‬ل‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪S« S:S‬ال‪ S‬ي‪S‬خ‪S‬ل‪S‬و‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬ت‪S‬ر‪S‬ت‪S‬ي‪S‬ب‪ S‬ف‪S‬ي‪S‬م‪S‬ا‪ S‬ي‪S‬ت‪S‬ص‪S‬ر‪S‬ف‪ S‬ف‪S‬ي‪S‬ه‪ S‬و‪S‬ه‪S‬ي‪S‬أ‪S‬ه‪ S،S‬و‪S‬ذ‪S‬ل‪S‬ك‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ت‪S‬ي‪S‬ب‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ه‪S‬ي‪S‬ئ‪S‬ة‪ S‬ق‪S‬د‪S‬‬
‫ي‪S‬ق‪S‬ع‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬عل‪S‬ى‪ S‬و‪S‬ج‪S‬ه‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ص‪S‬و‪S‬ا‪S‬ب‪ S،S‬و‪S‬ق‪S‬د‪ S‬ي‪S‬ق‪S‬ع‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ال‪ S‬عل‪S‬ى‪ S‬و‪S‬ج‪S‬ه‪ S‬ص‪S‬و‪S‬ا‪S‬ب‪ ،S‬و‪S‬ك‪S‬ث‪S‬ي‪S‬ر‪S‬اً‪ S‬م‪S‬ا‪ S‬ي‪S‬ك‪S‬و‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬و‪S‬ج‪S‬ه‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ذ‪S‬ي‪ S‬ل‪S‬ي‪S‬س‪ S‬ب‪S‬ص‪S‬و‪S‬ا‪S‬ب‪ S‬ش‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ه‪S‬اً‪S‬‬
‫ب‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ص‪S‬و‪S‬ا‪S‬ب‪ S‬أ‪S‬و‪ S‬م‪S‬و‪S‬ه‪S‬م‪S‬اً‪ S‬أ‪S‬نه‪ S‬ش‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ه‪ S‬ب‪S‬ه‪ S،S‬ف‪S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ن‪S‬ط‪S‬ق‪ S‬عل‪S‬م‪ S‬ي‪S‬ت‪S‬ع‪S‬ل‪S‬م‪ S‬ف‪S‬ي‪S‬ه‪ S‬ض‪S‬ر‪S‬و‪S‬ب‪ S‬ا‪S‬ال‪S‬ن‪S‬ت‪S‬ق‪S‬ا‪S‬ال‪S‬ت‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬أ‪S‬م‪S‬و‪S‬ر‪ S‬ح‪S‬ا‪S‬ص‪S‬ل‪S‬ة‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬ذ‪S‬ه‪S‬ن‪S‬‬
‫ا‪S‬إل‪S‬ن‪S‬س‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬إ‪S‬ل‪S‬ى‪ S‬أ‪S‬م‪S‬و‪S‬ر‪ S‬م‪S‬س‪S‬ت‪S‬ح‪S‬ص‪S‬ل‪S‬ة‪ S‬و‪S‬أ‪S‬ح‪S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪ S‬ت‪S‬ل‪S‬ك‪ S‬ا‪S‬أل‪S‬م‪S‬و‪S‬ر‪ S‬و‪S‬ع‪S‬د‪S‬د‪ S‬أ‪S‬ص‪S‬ن‪S‬ا‪S‬ف‪ S‬ت‪S‬ر‪S‬ت‪S‬ي‪S‬ب‪ S‬ا‪S‬ال‪S‬ن‪S‬ت‪S‬ق‪S‬ا‪S‬ال‪S‬ت‪ S‬ف‪S‬ي‪S‬ه‪ S‬و‪S‬ه‪S‬ي‪S‬ئ‪S‬ت‪S‬ه‪ S‬ج‪S‬ا‪S‬ر‪S‬ي‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ع‪S‬ل‪S‬ى‪S‬‬
‫ا‪S‬ال‪S‬س‪S‬ت‪S‬ق‪S‬ا‪S‬م‪S‬ة‪ S‬و‪S‬أ‪S‬ص‪S‬ن‪S‬ا‪S‬ف‪ S‬م‪S‬ا‪ S‬ل‪S‬ي‪S‬س‪ S‬ك‪S‬ذ‪S‬ل‪S‬ك‪S( S»S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪،1892 ، S‬ا‪S‬إل‪S‬ش‪S‬ا‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ت‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ن‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ه‪S‬ا‪S‬ت‪S.S)S‬‬
‫وألهمية المنطق في اكتساب المعرفة العقلية وفهمها وهضمها‪ S‬وتمثيلها لالستفادة منها في الحياة العملية‪،‬‬
‫أفرد ابن سينا بحوثاً مستفيضة في كتبه تناول فيها مدلول الكلمة‪ ،‬وعالقة اللغة بالمنطق‪ ،‬وأشكال القياس‪ ،‬ومواده‪،‬‬
‫واالستقراء والبرهان‪ ،‬وهذا ما أراد تحقيقه والوقوف عنده‪.‬‬
‫فالتربية العقلية تتمثل أوالً في المدركات العقلية‪ ،‬فالعقل قوة مستقلة في إدراكه عن بدن اإلنسان‪ ،‬وهو‬
‫موجود لدى كل إنسان‪ ،‬والعقل هو وسيلة اإلدراك العقلي‪ ،‬ويرى‪ S‬ابن سينا أن اإلنسان يولد وعنده القدرة على‬
‫اإلدراك العقلي‪ ،‬أو عنده (القوة النظرية) على حد تعبيره‪ ،‬وأن أول ما يحصل في هذه القوة النظرية من‬
‫سماه «ببداية العقول أو اآلراء العالية» وهو يعني بها تلك المعاني المتحققة بغير حاجة إلى القياس‬
‫المعقوالت ما ّ‬
‫والتعلَم‪ ،‬والتربية العقلية ميدان رئيسي‪ S‬من ميادين التربية ألنها توصل اإلنسان إلى الحقيقة عن طريق أحكام‬
‫القياس ومعرفة المنطق‪ ،‬وهذا ما يرشده إلى البرهان الفعلي الصحيح‪.‬‬
‫إن ما جاء به ابن سينا وما دعا إليه ومارسه من أساليب تربوية يدلنا على أساليب وطرائق التعليم الصحيحة‪،‬‬
‫وتعدد الطرق التربوية والتعليمية بتعدد الفلسفات في هذا الميدان‪ ،‬وهذا يمثل حجر الزاوية في بناء شرخ الفلسفة‬
‫التربوية الصحيحة‪ ،‬وستظل أفكار الشيخ الرئيس العقالنية والحقانية تتبوأ الصدارة حتى يطل على العالم اإلسالمي‬
‫عبقري جديد يفعل ما فعله ابن سينا في عصره‪.‬‬

‫‪-151-‬‬
‫إن المعقوالت األولية هي في منتهى األهمية عند ابن سينا ألنها مقدمات للقياس الذي يوصل إلى (المعرفة‬
‫العقلية) ولذا وقف ابن سينا عند هذه المعقوالت األولى يبحث عن مصدرها‪ :‬من أين أتت تلك المعقوالت األولى إلى‬
‫العقل؟‬
‫هل أدركها من المحسوسات‪ S‬ثم جردها وحولها‪ S‬إلى معقوالت؟ أم أنها فطرية غير مكتسبة حصلت بنبض‬
‫علوي عن طريق‪ S‬اإللهام؟ أم أنها فطرية ومكتسبة معاً؟ (عبد الرحمن النقيب‪ ،2002 ،‬الفكر التربوي‪ S‬اإلسالمي)‪.‬‬
‫ويرى‪ S‬ابن سينا أن تلك المعاني الكلية األولية لو كانت مستفادة من استقراء الجزئيات الحسية أو تجريدها‬
‫لما وثق بها اإلنسان ثقة مطلقة مطبوعاً على البحث عن أصل كل شيء وعن علته بدون أن يقتصر على االنقياد‬
‫والتقليد‪ ،‬وأنه ال يأخذ بأي شيء حتى يح ّكم عقله به‪ ،‬وإ ن لم يجزه أهمله ورماه‪ ،‬وال يجعل الشيء الجائز كالشيء‬
‫الذي تثبته األدلة ويخرجه البرهان من باب اإلنكار‪ .‬ويقول شفيق جبري في هذا الصدد‪:‬‬
‫«فاألدلة والبراهين عن أعمال العقل‪ ،‬إنما هي طريقة ديكارت مالكها العقل ومدار طريقته على هذه الكلمة‬
‫ال تصدق إال ما كان واضحاً‪ ،‬صدق ما كان واضحاً‪( »S‬شفيق جبري‪ ،1948 ،‬الجاحظ معلم العقل واألدب)‪..‬‬
‫ويقول‪ :‬ابن سينا – م‪16‬‬
‫العقليةالرتبوي عند‬
‫كما يرى ابن سينا أن المعاني الكلية ال تقبل الشك أو الخطأ شأن غيرها من المدركات الحسية أو الفكر‬
‫«الجوهر العقلي تجده عند األطفال خاليًا عن كل صورة عقلية‪ ،‬ثم نجد فيه المعقوالت البديهية من غير تعلم وال‬
‫تروية‪ ،‬فال يخلو إما أن يكون حصولها فيه بالحس والتجربة وإ ما أن يكون بفيض إلهي متصل»‪ .‬فالوضوح إنما هو‬
‫أصل األمر في اليقين‪ ،‬فما ينبغي لقوة من القوى الظاهرة أن يكون لها سلطان على حرية تفكيرنا‪ ،‬وما القوى الظاهرة‬
‫إال السلطة واألوهام والمصلحة واألحزاب‪ ،‬فما أشبه قول ديكارات‪« :‬ال تصدق إال ما كان واضحاً»‪.‬‬
‫يقول الجاحظ‪« :‬ال أجعل الشيء الجائز كالشيء الذي تثبته األدلة‪( »...‬قدري طوقان‪ ،1960 ،‬مقام العقل‬
‫عند العرب)‪.‬‬
‫وكان ديكارات يقول‪« :‬بعدم التسليم بشيء إال بعد فحصه بنور‪ S‬العقل وتحقق وجوده‪ ،‬ويرفض‪ S‬كل ما قام‬
‫على الظن والتخمين‪ ،‬وما ِألفَته العادة وأتى من العرف»‪.‬‬
‫كان ابن سينا نظاراً محققاً وكان منهاجه في العلم مطوالً‪ S‬واسعاً‪ ،‬يتناول كل ما يقع عليه الحس‪ ،‬وتنظره‬
‫العين‪ ،‬وتتشوق إليه النفس‪ ،‬وليس نظره في كل ما عانى النظر المجرد‪ ،‬بل نظر الفلسفة والغرائب‪ ،‬ويبحث‬
‫فيكشف عن الحقائق إال داعياً إلى استعمال العقل‪ ،‬وتجويد‪ S‬الفكر ألنه مع عدم الفكرة يكون عدم الحكمة وفي‬
‫التفكير «مشحذة لألذهان»‪ ،‬ومنبهة لذوي الغفلة وتحليل لعقدة البالدة‪ ،‬وسبب العتياد الروية‪ ،‬وانفساح في‬
‫الصدر‪ ،‬وعزاء في النفوس‪ ،‬وحالوة تقتاتها الروح وثمرة تغزو‪ S‬العقل‪.‬‬
‫فالعقل اإلنساني يتلقى تلك البديهيات من «العقل الفعال» والعقل هو القادر على ترتيب المقدمات معتمداً‬
‫على تلك البديهيات ليصل إلى نتائج جديدة يقينية تصبح فيما بعد «بديهيات جديدة» يستخرج منها نتائج‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬عالقة التربية العقلية بالتربية العلمية‬
‫استخدم‪ S‬ابن سينا الخبرات التربوية العملية ميداناً لتطور الشخصية واعتماد المنهج العلمي الذي يقوم على‬
‫المالحظة والتجريب‪ S‬في كثير من األحيان للوصول‪ S‬إلى الحقيقة بتحكيم المنطق واعتماد البراهين واألدلة‬
‫الموضوعية‪ .‬وفي الحضارة اإلسالمية ال يبتعد ابن سينا والفارابي عن أن يكونا فيلسوفين‪ S‬تامي الشروط وخاصة‬
‫ابن سينا عظيم العظماء الذي أحاط بمعارف‪ S‬عصره ومجتمعه وتاريخه‪.‬‬

‫‪-152-‬‬
‫فهو ال ينظر إلى األمور الغيبية وطريقه هو التعلم وليس الحدس‪ ،‬وكان يفرق بين اإلدراك الحسي واإلدراك‬
‫العقلي‪ ،‬فاإلدراك الحسي وسيلة الحواس الباطنة والظاهرة‪ ،‬وموضوعه المواد أو المحسوسات‪ ،‬أما اإلدراك العقلي‪،‬‬
‫فوسيلته العقل مستعينًا بالمنطق‪ ،‬وموضوعه المعنويات أو المدركات غير الحسية‪ .‬فالحقيقة هي ضالته للكشف عن‬
‫الفوائد المرجوة من إثارة النظرة التربوية والتعليمية‪ ،‬وكانت إشارته إلى العلوم التطبيقية والبحث في مضامينها‬
‫تندرج تحت عناوين عامة‪ ،‬وكأنه يريد من اإليماء أن اإلنسان يحتاج إلى نتائجها واالستفادة منها‪.‬‬
‫والحق أن علماء التراث سجلوا سبقاً جوهرياً في قضيتين مهمتين هما المقاربة والموضوعية في البحث‬
‫العلمي التجريبي‪ ،‬وابن سينا لم يقنع من العلم بالمالحظة والتدوين بل بالممارسة والتجريب للوصول إلى الحقيقة‪.‬‬
‫فهو يعتمد ما أراد وما أريد منه‪ ،‬وكأنه المغني الحجة يستغني في علوم الدنيا‪ ،‬دائماً واآلخرة فال يلحق غبار أحد‬
‫(محمد كرد علي ‪ ،1969‬آراء البتان)‪.‬‬
‫فالعملية التربوية كما يراها ابن سينا مطبوعة على البحث‪ ،‬عن أصل كل شيء وعن علته‪ ،‬دون أن يقتصر‬
‫على االنقياد والتقليد‪ ،‬وفي مواضع كثيرة من مؤلفاته كان يرد الرأي إلى العقل وال يأخذ بأي شيء حتى يحكم‬
‫عقله‪ .‬وكان يذهب في العلم وفي‪ S‬الدين وفي التربية وجوانبها‪ S‬المتعددة مذهب العقل ال يحكم غيره‪ ،‬وظلت آراؤه‬
‫في البحث العلمي منهاجاً علمياً للباحثين المربين وكان يدعو إلى التخصص والثقافة العامة‪ ،‬وأن العقل يستعين‬
‫بالمدركات الحسية بعد أن يجردها من عالئق المادة في تكوين بديهيات تصلح أن تكون مقدمات لمعرفة عقلية‬
‫جديدة‪ .‬والمنطق‪ S‬هو اآللة التي تعصم العقل من الوقوع‪ S‬في الخطأ‪.‬‬
‫كما أنه يرى أن اإلدراك الحسي ال يتم إال بتوسط‪ S‬آالت جسدية‪ ،‬أي أن الجسم بأعضائه له دخل في اكتساب‬
‫المعرفة الحسية‪ ،‬أما اإلدراك العقلي فهو مستقل عن الجسم وآالته‪ ،‬والعقل جوهر مستقل فطري‪ S‬في كل إنسان‬
‫ولكنه يقوم بالتعلم‪.‬‬
‫لقد أدرك ابن سينا العالقة القائمة بين العلوم النظرية والعلوم‪ S‬العملية‪.‬‬
‫ويرى‪ S‬أن التخصص ال يعني انفصال هذه العلوم عن بعضها‪ ،‬وهي متصلة بعضها ببعض‪ ،‬متعاونة في‬
‫إدراك الحقيقة والوصول إليها‪ ،‬وبعض تلك العلوم ضروري للبعض اآلخر‪.‬‬
‫‪ -‬فالعلوم‪ S‬العملية وهي ثالثة أقسام؟‬
‫‪ -1‬قسم يعرف به اإلنسان كيف ينبغي أن تكون أخالقه وأفعاله حتى تكون حياته األولى واألخرى‪S‬‬
‫سعيدة‪.‬‬
‫‪ -2‬قسم يعرف به اإلنسان كيف ينبغي أن يكون تدبيره لمنزله المشترك بينه وبين زوجه وولده‬
‫ومملوكه حتى تكون حاله منتظمة مؤدية إلى التمكن من كسب السعادة‪.‬‬
‫‪ -3‬وقسم يعرف به اإلنسان أصناف‪ S‬السياسات والرئاسات واالجتماعات والمدنية الفاضلة ويعرف‪ S‬وجه‬
‫استيفاء كل واحد منها وعلة زوالها وجهة انتقاله‪.‬‬
‫‪ -‬أما العلوم النظرية‪ ،‬فقد تناولت العلم الطبيعي‪ ،‬ويشتمل‪ S‬على أقسام تقوم منه مقام األصل من الدراسة‬
‫وأقسام‪ S‬أخرى فرعية تتفرع منها وهي‪:‬‬
‫‪ -‬العلوم الطبيعية األصلية‪ ،‬والعلوم الطبيعية الفرعية‪.‬‬
‫فالعلوم‪ S‬الطبيعية األصلية قسمها ابن سينا إلى ثمانية أقسام‪ S‬منها‪:‬‬

‫‪-153-‬‬
‫‪ -‬قسم يعرف منه األمور‪ S‬العامة لجميع الطبيعيات كالمادة‪ ،‬والصورة‪ ،‬والحركة والطبيعة‪ ،‬واإلنسان‬
‫ويشتمل‪ S‬عليه كتاب (سمع الكيان)‪.‬‬
‫‪ -‬وقسم‪ S‬يعرف منه أحوال األجسام التي هي أركان العالم وهي السموات وما فيهن ويشتمل عليه كتاب‬
‫«السماء والعالم»‪.‬‬
‫‪ -‬وقسم‪ S‬يعرف منه حال الكون والفساد والتوليد والنشوء‪ ...‬الخ ويشتمل عليه كتاب (الكون والفساد)‪.‬‬
‫‪ -‬وقسم‪ S‬يعرف منه حال الكائنات المعدنية ويشتمل‪ S‬عليه كتاب المعادن‪.‬‬
‫‪ -‬قسم يعرف منه حال الكائنات النباتية والحيوانية ويشتمل عليه كتاب النبات وكتاب الحيوان ويذكر ابن سينا‬
‫أن العلوم الطبيعية الفرعية تشمل‪:‬‬
‫‪ -‬الطب ‪ -‬والغرض منه معرفة مبادئ البدن اإلنساني وأحواله من الصحة والمرض وأسبابها ودالئلهما‬
‫ليدفع المرض ويحفظ الصحة‪.‬‬
‫‪ -‬أحكام النجوم‪ :‬وهو علم تخميني والغرض منه االستدالل من أشكال الكواكب بقياس بعضها إلى بعض‪،‬‬
‫وبقياس إلى درج البروج‪ ،‬وبقياس جملة ذلك إلى األرض لمعرفة ما يكون من أحوال العالم والبلدان‬
‫والمواليد‪ S‬والتحاويل واالختبارات والمسائل «عبد الرحمن النقيب‪ ،2002 ،‬الفكر التربوي‪ S‬العربي‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ -‬علم الفراسة‪ :‬والغرض منه االستدالل من الخلق على األخالق‪.‬‬
‫‪ -‬علم التعبير‪ :‬الغرض منه الكشف عن التخيالت الحكيمة على ما شاهدته النفس من علم الغيب‪.‬‬
‫‪ -‬علم الكيمياء‪ :‬والغرض منه سلب الجواهر المعدنية خواصها‪ S‬وإ فادتها‪ S‬خواص غيرها‪ ،‬وإ فادة خواص‬
‫بعض ليتوصل‪ S‬إلى اتخاذ الذهب والفضة من غيرها (ابن سينا‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬أقسام العلوم العقلية)‪.‬‬
‫أما العلم الرياضي‪ ،‬فيتناول علوم ومباحث أصلية وعلوم ومباحث فرعية‪ ،‬فالعلوم الرياضية األصلية تضمنت‬
‫علم العدد‪ ،‬علم الهندسة‪ ،‬علم الهيئة‪ ،‬علم الموسيقى‪ ،‬أما العلوم الرياضية الفرعية‪ ،‬فهي متفرعة من العلوم الرياضية‬
‫األصلية‪ ،‬فيتفرع من علم العدد‪ :‬علم الجمع والتفريق وعلم الجبر والمقابلة ويتفرع من علم الهندسة‪ :‬علم المساحة‪،‬‬
‫وعلم الحيل المتحركة‪ ،‬وعلم جر األثقال وعلم األوزان والموازين‪ ،‬وعلم اآلداب الجزئية وعلم المناظر والمرايا‪ ،‬وعلم‬
‫نقل المياه‪.‬‬
‫‪ -‬ويتفرع من علم الهيئة‪ :‬علم الزيجات والتقاويم‪S.‬‬
‫‪ -‬ويتفرع من علم الموسيقى‪ :‬اتخاذ اآلالت العجيبة الغريبة مثل األرغل وما أشبهه (ابن سينا‪ ،‬بدون‬
‫تاريخ‪ ،‬أقسام العلوم العقلية)‪.‬‬

‫فقد ذكر ابن سينا العلوم والمناهج المتعددة التي تشمل على العلوم النظرية والعملية‪ ،‬وهي تعتمد أصالً‬
‫على المنطق اليوناني وعلى الكتب والمراجع الفلسفية‪ ،‬وذكر‪ S‬أيضاً أمام كل علم مرجعه األصلي أو الكتاب‬
‫المعتمد في هذا االتجاه الطويل بأنواع تلك العلوم النظرية والعملية‪.‬‬

‫‪-154-‬‬
‫إن الحركة التربوية في القرن الرابع الهجري تناولت جميع االتجاهات المختلفة‪ ،‬فهو لم يكتب ما كتب إال‬
‫بعد الدرس الطويل‪ ،‬والخبرة الواسعة‪ ،‬فقد كانت نظرته التربوية واضحة في أغلب مؤلفاته التي لم تكن للعامة‬
‫دون الحاجة‪ ،‬واهتم الخاصة في كل شيء وأجرى تجاربه العلمية لتكون لبنة في فكره التربوي‪ ،‬وأحاط‪ S‬بأكثر ما‬
‫كان في أيدي عصره من ثقافات ومعارف تربوية‪ ،‬وعرف ما كان في زمنه في األرض من أعاجيب قلّما عرفها‬
‫إنسان عصره‪ ،‬وهو لم يحتقر شيئاً يدخل في باب العلم والثقافة‪ ،‬ولم يستنكف أن يأخذ من صغار الناس كما يأخذ‬
‫من كبارهم‪ ،‬وكشف كل غامض واستقرأ كل باب واستنبط‪ S‬العديد من مجاهل العلم‪.‬‬
‫تناول ابن سينا الجوانب التربوية‪ ،‬فجاءت تجاربه وتحرياته وتحقيقاته ومعايناته في إطار نظرته التربوية‪،‬‬
‫لكن ليس بالمعنى الحديث لمعنى التربية‪ ،‬فهو من رواد الحقيقة يحاول الوصول إليها عن طريق التجربة وغير‬
‫التجربة‪ ،‬وبمعرفة المادة ومعونة العقل‪ ،‬وإ نه كان كذلك دقيق‪ S‬المالحظة يبتعد عن الهوى ويتنزه عن الغرض في‬
‫كل ما يجرب أو يمحص‪ ،‬وفي‪ S‬تجربته وعيانه وسماعه ونقده وشكه وتعليله كان يطلع علينا في صورة العالم‬
‫الذي يعمل عقله في البحث عن الحقيقة‪ .‬هدفه إعداد الفرد للحياة‪ ،‬أي تمرينه على كيفية فهم الحقائق‪.‬‬
‫باالعتماد على اإلرشاد‪ S‬والتشويق‪ S،‬وتعويده االعتماد على نفسه في التفكير‪ ،‬والدقة في الحكمة والتعبير‪ S‬عن‬
‫أفكاره بوضوح وقوة وبالغة واالنتفاع بالمعلومات‪ S‬في حياته اليومية‪.‬‬
‫إن التراث العربي التربوي‪ S‬أصيل في أساسياته ومنطلقاته‪ ،‬فهو تجريبي واقعي‪ S‬في وسائله وأساليبه وفكره‬
‫وأعماله‪ ،‬وهو دعوة وبيان وتربية ومسؤولية علمية في بناء الذات اإلنسانية لتأصيل التراث التربوي‪ S‬واإلفادة من‬
‫قواعده في صياغة النفس فكراً وسلوكاً‪ S‬وتواصالً‪.‬‬
‫وعصرنة التراث تعني اختيار ما في التراث من نماذج وأصول اختياراً قائماً على الفهم والتمييز والفرز‬
‫والتبويب والتقويم‪ S‬التحليلي األمين البعيد عن األهواء العارضة‪ .‬ومن ثم ترسيخ أكثر عناصر التراث قدرة على‬
‫اإلسهام في تغيير واقعنا باستخدام‪ S‬المنهج في التفكير‪.‬‬
‫إن غنى التراث العربي اإلسالمي بأعالم التربية ومؤلفاتهم الضخمة وفي طليعتهم‪ S‬الشيخ الرئيس (ابن‬
‫سينا) جدير أن يبذل لها المربون والباحثون‪ S‬جهودهم وقدراتهم‪ S‬لتقديم دراسات وتحقيقات تربوية من التراث وهي‬
‫إذ تعد نواة في عمل تربوي‪ S‬واسع األفق متعدد األبعاد فإنها تدفعهم إلى مزيد من العمل التراثي في مجال التربية‪،‬‬
‫ومن المفيد أن يطلع المربي على دراسات تربوية من التراث مقارنة بالتربية الحديثة ال للكشف عن أحقية تراثنا‬
‫وسبقه إبداعه وحسب وإ نما ليتابع مربونا‪ S‬المعاصرون هذه الدراسات ويربطوا بين ماضي التربية وحاضرها‪،‬‬
‫مستفيدين من نتاج العقل الحديث‪ ،‬وتجارب اإلنسان التربوية العامة التي يمكنها ان تتالءم مع قيمنا وأصالتنا‪S.‬‬
‫وبذلك تستطيع‪ S‬أن تواجه التحديات التي تتعرض لها إذا تسلح أبناؤها بالعزيمة واإلرادة والتصميم‪ S‬والثقة‬
‫بالغد والمستقبل‪.‬‬

‫‪-155-‬‬
‫المصادر والمراجع‬

‫‪ -1‬أمين أحمد‪ ،1950 ،‬مؤلفات ابن سينا‪ ،‬جامعة الدول العربية‪.‬‬


‫‪ -2‬آل ياسين جعفر‪ ،1983 ،‬دار األندلس للطباعة والنشر ص ‪.68‬‬
‫‪ -3‬ابن أصيبعة‪ ،‬عيون األنباء‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪.4‬‬
‫‪ -4‬ابن أصيبعة‪ ،1956 ،‬عيون األنباء‪ ،‬دار الفكر بيروت ص ‪.343‬‬
‫‪ -5‬آل ياسين جعفر ‪ ،1984‬حياة ابن سينا وفكره الفلسفي‪ ،‬الناشر دار األندلس للطباعة ص ‪.22‬‬
‫‪ -6‬األنطاكي‪ ،‬داوود بن عمر‪ ،1952 ،‬تذكرة أولي األلباب والجامع للعجب العجاب الناشر‪ ،‬مطبعة مصطفى الباني‪.‬‬
‫‪ -7‬األهواني‪ ،‬أحمد فؤاد‪ ،1955 ،‬في رسالته «التربية في اإلسالم أو التعليم في رأي النابلسي القاهرة‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية‪.‬‬
‫‪ -8‬ابن سينا‪ ،‬الحسين بن علي ‪1294‬هـ‪ ،‬القانون في الطب‪ ،‬دار صادرة بيروت‪ ،‬الجزء األول والثاني ص‪.154 - 150‬‬
‫‪-9‬ابن سينا ‪1294‬هـ‪ ،‬كتاب القانون في الطب ج‪ 2‬ص ‪.39‬‬
‫‪ -10‬ابن سينا ‪ ،1294‬كتاب القانون في الطب‪ ،‬الجزء األول ص ‪.150‬‬
‫‪ -11‬ابن سينا‪ ،‬كتاب السياسة‪ ،‬فصل سياسة الرجل وولده‪.‬‬
‫‪ -12‬ابن سينا‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬مجموعة رسائل في الحكمة‪ ،‬والبيهقي وابن القطيف‪ ،‬وطبقات األطباء الجزء الثاني ص ‪.6‬‬
‫‪ -13‬أبو العطا عبد الدايم‪ ،1948 ،‬أهداف الفلسفة اإلسالمية نشأتها وتطورها‪.‬‬
‫‪ -14‬أحمد سعد مرسي ‪ ،1966‬تطور الفكر التربوي‪ ،‬الناشر عالم الكتب القاهرة ص ‪.557 - 556‬‬
‫‪ -15‬أولبري دبالسي ‪ ،1961‬الفكر العربي ومكانته في التاريخ ترجمة تمام حسان الناشر عالم الكتب ص ‪.286‬‬
‫‪ -16‬آل ياسين جعفر ‪ ،1983‬فيلسوفان رائدان الكندي والفارابي ص ‪ 281‬الناشر دار األندلس للطباعة والنشر‪.‬‬
‫‪ -17‬األنطاكي‪ :‬داود بن عمر ‪ ،1952‬تذكرة أولي األلباب‪ ،‬والجامع للعجب العجاب‪ ،‬الناشر مطبعة مصطفى الباني‪1294 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -18‬ابن سينا‪ ،‬كتاب القانون‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪.157‬‬
‫‪ -19‬ابن سينا‪ ،‬كتاب السياسة فصل سياسة الرجل ولده‪.‬‬
‫‪ S-20‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S،1952 S،S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ج‪S‬ا‪S‬ة‪ S،S‬ر‪S‬س‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ر‪S‬و‪S‬س‪ S،S‬ن‪S‬ش‪S‬ر‪ S‬ش‪S‬ا‪S‬ر‪S‬ل‪ S‬ك‪S‬و‪S‬ن‪S‬س‪ S،S‬م‪S‬ج‪S‬ل‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ك‪S‬ت‪S‬ا‪S‬ب‪ S‬ص‪.166 S‬‬
‫‪ S-21‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S‬ب‪S‬د‪S‬و‪S‬ن‪ S‬ت‪S‬ا‪S‬ر‪S‬ي‪S‬خ‪ S،S‬ر‪S‬سا‪S‬ل‪S‬ة‪ S‬في‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬س‪S‬عا‪S‬د‪S‬ة‪S.S‬‬
‫‪ S-22‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S،1952 S،S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬جا‪S‬ة‪ S،S‬ر‪S‬سا‪S‬ل‪S‬ة‪ S‬ال‪S‬ع‪S‬ر‪S‬و‪S‬س‪ S،S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬اش‪S‬ر‪ S‬ش‪S‬ار‪S‬ل‪ S‬ك‪S‬و‪S‬ن‪S‬س‪ S،S‬م‪S‬ج‪S‬ل‪S‬ة‪ S‬ال‪S‬ك‪S‬ت‪S‬ا‪S‬ب‪ S،S‬ص‪S.178 S‬‬
‫‪ -23‬ابن سينا‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬أقسام العلوم العقلية ص ‪ ،232‬تسع رسائل في الحكمة والتطبيقات‪.‬‬
‫‪ -24‬ابن سينا‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬أقسام العلوم العقلية ص ‪.237‬‬
‫‪ -25‬ابن سينا ‪ ،1892‬الناشر مطبعة ليدن‪ ،‬النجاة ص ‪.308‬‬
‫‪ -26‬ابن سينا‪ ،1906 ،‬كتاب السياسة‪ ،‬الناشر لويس معلوف‪ ،‬مجلة المشرق ص ‪.107‬‬
‫‪ -27‬ابن سينا‪ ،1892 ،‬الناشر مطبعة ليدن‪ ،‬النجاة‪ ،‬ص ‪.304‬‬
‫‪ S-28‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S،1922 S،S‬ر‪S‬س‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ر‪S‬و‪S‬س‪ S،S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ا‪S‬ش‪S‬ر‪ S‬ش‪S‬ا‪S‬ر‪S‬ل‪ S‬ك‪S‬و‪S‬ن‪S‬س‪ S،S‬م‪S‬ج‪S‬ل‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ك‪S‬ت‪S‬ا‪S‬ب‪ S،S‬أ‪S‬ب‪S‬ر‪S‬ي‪S‬ل‪ S‬ص‪S.398 S‬‬
‫‪ -29‬ابن سينا ‪1335‬هـ‪ ،‬رسالة الشفاء‪ ،‬جامع البدائع‪ S،‬القاهرة الجزء الثاني ص ‪.561‬‬
‫‪ -30‬ابن سينا‪1294 ،‬هـ‪ ،‬رسالة الشفاء‪ ،‬جامع البدائع‪ S،‬القاهرة الجزء الثاني ص ‪.561‬‬

‫‪-156-‬‬
‫‪ -31‬ابن سينا‪1294 ،‬هـ‪ ،‬كتاب القانون في الطب ج‪ 1‬ص ‪.159‬‬
‫ابن سينا‪1294 ،‬هـ‪ ،‬كتاب القانون ج‪ 1‬ص ‪.178‬‬
‫‪ -32‬ابن سينا‪1238 ،‬هـ‪ ،‬علم األخالق‪ ،‬الرسالة السادسة من مجموعة الرسائل القاهرة‪ ،‬نشر مطبعة كروستان العلمية ص ‪- 193‬‬
‫‪.197‬‬
‫‪ -33‬ابن سينا‪ ،1950 ،‬لمن تكون له المدحة من كتاب المجموع أو الحكمة العروضية في كتاب القاهرة‪ ،‬نشر مكتبة النهضة‬
‫الفكر الرتبوي عند ابن سينا – م‪17‬‬
‫المصرية ص ‪.64 - 51‬‬
‫‪ -34‬ابن سينا‪ ،1328 ،‬علم األخالق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬نشر مبطعة كردستان ص ‪.203 - 202‬‬
‫‪ -35‬ابن سينا‪ ،1906 ،‬كتاب السياسة‪ ،‬نشر لويس معلوف‪ ،‬مجلة المشرق ص ‪.973 - 972‬‬
‫‪ -36‬ابن سينا‪1328 ،‬هـ علم األخالق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬نشر مطبعة كردستان ص ‪.200 - 195‬‬
‫‪ -37‬ابن سينا‪ ،1952 ،‬رسالة العروش نشر شارل كرنس مجلة الكتاب ص ‪.380‬‬
‫‪ -38‬ابن سينا‪ ،1294 :‬كتاب القانون ج‪ 1‬ص ‪.157‬‬
‫‪ -39‬ابن سينا‪ :‬كتاب السياسة فصل سياسة الرجل ولده‪.‬‬
‫‪ -40‬ابن سينا‪ :‬كتاب السياسة‪.‬‬
‫‪ -41‬ابن سينا‪ ،1294 :‬القانون في الطب ‪ -‬نشر دار صادر بيروت ج‪ 1‬ج‪ 2‬ص ‪.151‬‬
‫‪ -42‬ابن سينا ‪372‬هـ‪ ،‬البرهان من الشفاء‪ ،‬القاهرة‪ ،‬نشر المطبعة األميرية ‪375‬هـ ص ‪ 57‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -43‬ابن سينا‪ :‬رسالة في السعادة ص ‪.3 - 2‬‬
‫‪ -44‬ابن سينا‪1369 :‬هـ آراء ابن سينا في الحكم نشر مطبعة الزهراء النجف ص ‪.81‬‬
‫‪ -45‬ابن سينا‪ 1305 :‬دفع المضار الكلية عن األبدان اإلنسانية بهامش منافع األغذية ودفع مضارها ألبي بكر الرازي ‪ -‬القاهرة‪،‬‬
‫نشر المطبعة الخيرية هـ ‪ -‬ص ‪.73‬‬

‫‪ -46‬آل ياسين جعفر‪ ،1984 ،‬دراسة تحليلية لحياة ابن سينا وفكره الفلسفي‪ ،‬الناشر دار األندلس للطباعة والنشر ‪ 2‬و‪.107‬‬
‫‪ -47‬ابن سينا‪1294 ،‬هـ‪ ،‬القانون في الطب‪ ،‬الناشر مطبعة بوالق‪.‬‬
‫‪ -48‬ابن أبي أصيبعة‪ ،1956 ،‬عيون األنباء في طبقات األطباء‪ ،‬الناشر دار الفكر ‪ -‬بيروت‪ ،‬ص ‪ 3‬و‪.29‬‬
‫‪ -49‬البيهقي ظهر الدين‪ ،1946 ،‬تاريخ حكماء اإلسالم‪ ،‬الناشر مطبعة الترقي بدمشق ص ‪ 101‬و‪.103 ،102‬‬
‫‪ -50‬ابن أبي أصيبعة‪1299 ،‬هـ ‪ -‬عيون األنباء الناشر‪ ،‬المطبعة الوهابية القاهرة‪ ،‬ص‪ ،2‬ابن سينا‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬الشفاء‪.‬‬
‫‪ -51‬ابن سينا بدون تاريخ‪ ،‬اإلشارات‪.‬‬
‫‪ -52‬الناتلي أبو بعد اهلل‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬تاريخ حكماء اإلسالم‪.‬‬
‫‪ -53‬أحمد السيد محمود‪ ،1991 ،‬في قضايا التربية المعاصرة‪ ،‬الناشر‪ ،‬دار الندوة للدراسات والنشر‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪ -54‬الفحام شاكر‪ ،1981 ،‬في ذكرى ابن سينا األلفية ‪ ،‬الناشر‪ ،‬مطبعة الكتاب العربي دمشق ص ‪.10‬‬
‫‪ -55‬ال‪S‬ع‪S‬ق‪S‬ا‪S‬د‪ S‬ع‪S‬ب‪S‬ا‪S‬س‪ S‬م‪S‬ح‪S‬م‪S‬و‪S‬د‪ S،1952 S‬ا‪S‬ل‪S‬ك‪S‬ت‪S‬ا‪S‬ب‪ S‬ال‪S‬ذ‪S‬ه‪S‬ب‪S‬ي‪ S‬لل‪S‬م‪S‬ه‪S‬ر‪S‬ج‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬أل‪S‬لف‪S‬ي‪ S‬ال‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S،S‬ب‪S‬غ‪S‬د‪S‬ا‪S‬د‪ S‬ص‪S.22 S‬‬
‫‪ S-56‬أ‪S‬ول‪S‬ب‪S‬ر‪S‬ي‪ S‬ب‪S‬ال‪S‬م‪S‬س‪S‬ي‪ S،1961 S،S‬ا‪S‬لف‪S‬ك‪S‬ر‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪ S‬و‪S‬م‪S‬ك‪S‬ا‪S‬ن‪S‬ه‪ S‬في‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ار‪S‬ي‪S‬خ‪ S،S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬اش‪S‬ر‪ S،S‬ع‪S‬ا‪S‬لم‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ك‪S‬ت‪S‬ب‪ S‬ص‪.281 S‬‬
‫‪ -57‬األندلسي ابن صاعد‪ ،1917 ،‬الكالم عند العرب‪ ،‬الناشر‪ ،‬المطبعة الكاثوليكية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص ‪.64 ،41‬‬
‫‪ -58‬ابن سينا ‪1369‬هـ‪ ،‬آراء ابن سينا في الحكم نشر مطبعة الزهراء النجف ص ‪.81‬‬
‫‪ -59‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S،1952 S،S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ه‪S‬ر‪S‬جا‪S‬ن‪ S‬ا‪S‬أل‪S‬ل‪S‬في‪ S‬ل‪S‬ذ‪S‬ك‪S‬ر‪S‬ى‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S،S‬ب‪S‬غ‪S‬د‪S‬ا‪S‬د‪ S‬ن‪S‬ش‪S‬ر‪ S‬ال‪S‬ج‪S‬ا‪S‬م‪S‬ع‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ص‪S.260 S‬‬

‫‪-157-‬‬
‫‪ -60‬المنظمة العربية للتربية والثقافة العلوم‪ ،1987 ،‬الفكر التربوي العربي اإلسالمي‪ ،‬تونس ‪.492‬‬
‫‪ -61‬الجوزية ابن قيم ‪1389‬هـ‪ ،‬تحفة المردود بأحكام المولود ‪ -‬نشر المطبعة الهندية‪ S‬ص ‪ 144‬ت ‪.145‬‬
‫‪ -62‬الخوري أنطون بدون تاريخ أعالم التربية‪ ،‬دار الكتاب اللبناني ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -63‬الخضيري محمد محمود ‪ ،1952‬سلسلة متصلة من تالميذ ابن سينا في مائتي عام ضمن الكتاب‪.‬‬
‫‪ -64‬المهرجان الذهبي األلفي لذكرى ابن سينا بغداد‪ S‬ص ‪.55 - 54‬‬
‫‪ -65‬الخونساري محمد يافي بدون تاريخ روضات الجنات ص ‪.140‬‬
‫‪ -66‬ابن سينا‪ ،1952 ،‬الكتاب الذهبي للمهرجان األلفي لذكرى ابن سينا بغداد‪ S‬الناشر الجامعة العربية ص ‪.10 ،7 ،5‬‬
‫‪ -67‬ابن سينا‪ ،1952 ،‬الناشر‪ ،‬الجامعة العربية‪.‬‬
‫‪ -68‬الرازي أبو بكر‪ ،1962 ،‬الناشر مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الركن والهند ثالثون جزءاً‪.‬‬
‫‪ -69‬الزركلي‪ ،‬خير الدين‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬كتاب اإلعالم ج‪ ،7‬ص ‪.21‬‬
‫‪ -70‬السيد محمود أحمد‪ ،1991 ،‬في قضايا التربية المعاصرة‪ ،‬نشر دار الندوة والدراسات والنشر دمشق‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫‪ -71‬الشطي أحمد شوكت‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬تاريخ الطب وآدابه وأالمه نشر مديرية الكتب والمطبوعات‪ ،‬جامعة حلب ‪.1982‬‬
‫‪ -72‬ابن رشد‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬فصل المقال ما بين الحكمة والشريعة من االتصال ضمن كتاب فلسفة ابن رشد القاهرة‪ ،‬نشر مكتبة‬
‫صبيح ص ‪.8 - 2‬‬
‫‪ -73‬ابن صاعد األندلسي ‪ ،1917‬العلوم عند العرب‪ :‬من كتاب جورجي زيدان طبقات األمم ‪ -‬نشر المطبعة الكاثوليكية‪ ،‬بيروت‬
‫ص ‪.64 - 41‬‬
‫‪ -74‬العقاد عباس محمود‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬التفكير فريضة إسالمية‪ ،‬نشر دار القلم العربي طبعة أولى القاهرة ص ‪.42 - 41‬‬
‫‪ -75‬ابن أصيبعة‪ ،1956 ،‬عيون األنباء‪ :‬ج‪ 2‬ص‪ 6‬الوافي بالوفيات ج‪ 2‬ص ‪.397 - 396‬‬
‫‪ -76‬الغزالي‪ ،1961 ،‬تهافت الفالسفة‪ ،‬المسمى معيار العلم‪ ،‬نشر سليمان دينا‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬ص ‪.288‬‬
‫‪ -77‬الفارابي ‪ ،1985‬تحقيق جعفر آل ياسين‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ -78‬الفكر التربوي العربي اإلسالمي‪ ،1987 ،‬المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم تحقيق عادل العوا تونس ص ‪.227‬‬
‫‪ S-79‬ا‪S‬ل‪S‬ف‪S‬ك‪S‬ر‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬و‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬س‪S‬ال‪S‬م‪S‬ي‪ S،1987S/S‬ا‪S‬أل‪S‬ص‪S‬و‪S‬ل‪ S‬و‪S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ب‪S‬ا‪S‬د‪S‬ئ‪ S‬ت‪S‬و‪S‬ن‪S‬س‪ S‬ص‪S.422 S‬‬
‫‪ -80‬الفكر التربوي العربي اإلسالمي ‪ /1987/‬األصول والمبادئ تونس ص ‪.480‬‬
‫‪ -81‬الفارابي‪ ،1959 ،‬آراء أهل المدينة‪ S‬الفاضلة تحقيق ألبير نصري نادر‪ ،‬نشر المطبعة الكاثوليكية بيروت ص ‪.46 - 25‬‬
‫‪ -82‬الفاخوري حنا‪ ،‬خليل الجر‪ 1958 ،‬تاريخ الفلسفة العربية‪ ،‬نشر دار المعارف بيروت ح‪ 1‬ص ‪.125‬‬
‫‪ -83‬الفارابي‪1328 ،‬هـ‪ ،‬ما ينبغي أن يقدم قبل تعلم الفلسفة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬نشر المكتبة السلفية ص ‪.2‬‬
‫‪ -84‬الفارابي‪1328 ،‬هـ‪ ،‬ما ينبغي أن يقدم قبل تعلم الفلسفة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬نشر المكتبة السلفية‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪ -85‬الفنتيل محمد فوزي ‪ ،1966‬التربية عند العرب مظاهرها واتجاهاتها القاهرة‪ ،‬نشر مكتبة مصر ص ‪.15‬‬
‫‪ -86‬الناتلي أبو عبد اهلل‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬تاريخ حكماء اإلسالم‪.‬‬
‫‪ -87‬النقيب عبد الرحمن‪ ،2002 ،‬الفكر التربوي اإلسالمي‪ ،‬نشر دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -88‬النحالوي عبد الرحمن‪ :1983 ،‬أصول التربية اإلسالمية‪ ،‬نشر دار الفكر دمشق‪.‬‬
‫‪ -89‬النقيب عبد الرحمن‪ ،2004 ،‬الفكر التربوي‪ ،‬نشر دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪.42 - 41 - 40‬‬

‫‪-158-‬‬
‫‪ -90‬النشار علي سامي‪1367 ،‬هـ‪ ،‬مناهج البحث عند مفكري اإلسالم ونقد المسلمين للمنطق األرسطاليس‪ ،‬نشر دار الفكر العربي‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ص‪.3‬‬
‫‪ -91‬الناتلي أبو عبد اهلل بدون تاريخ‪ :‬تاريخ حكماء اإلسالم ‪ - 38 - 37 -‬والناتلي نسبة إلى ناتل مدينة بطرستان (معجم‬
‫البلدان)‪S.‬‬
‫‪ S-92‬ا‪S‬ل‪S‬ه‪S‬ا‪S‬ش‪S‬م‪S‬ي‪ S‬ع‪S‬ب‪S‬د‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ح‪S‬م‪S‬ي‪S‬د‪ S:S‬ب‪S‬د‪S‬و‪S‬ن‪ S‬ت‪S‬ا‪S‬ر‪S‬ي‪S‬خ‪S« S‬ص‪S‬ب‪S‬غ‪ S‬ع‪S‬ل‪S‬م‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ف‪S‬س‪ S‬ب‪S‬ا‪S‬ل‪S‬ص‪S‬ب‪S‬غ‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬س‪S‬ال‪S‬م‪S‬ي‪S‬ة‪ S»S‬ن‪S‬ش‪S‬ر‪ S‬ف‪S‬ي‪ S‬إ‪S‬س‪S‬م‪S‬ا‪S‬ع‪S‬ي‪S‬ل‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ق‪S‬ا‪S‬ر‪S‬و‪S‬ن‪S‬ي‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ع‪S‬ل‪S‬و‪S‬م‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ط‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ع‪S‬ي‪S‬ة‪S‬‬
‫و‪S‬ا‪S‬ال‪S‬ج‪S‬ت‪S‬م‪S‬ا‪S‬ع‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬م‪S‬ن‪ S‬و‪S‬ج‪S‬ه‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ظ‪S‬ر‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬س‪S‬ال‪S‬م‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ص‪S.96 S- 95 S‬‬
‫‪ -93‬الفحام شاكر ‪ ،1981‬أسبوع العلم العشرون ابن سينا‪ ،‬نشر مطبعة الكاتب العربي ص ‪ ،19‬الكتاب الذهبي للمهرجان األلفي‬
‫لذكرى ابن سينا ‪.41 - 8‬‬

‫‪ -94‬اللبان إبراهيم عبد المجيد‪ ،1954 ،‬الفلسفة والمجتمع اإلسالمي‪ ،‬مكتبة النهضة القاهرة‪.‬‬
‫‪ -95‬ابن مسكويه‪ ،1959 :‬تهذيب األخالق وتطهير األعراق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬نشر مكتبة صبيح ص ‪.8 - 16‬‬
‫‪ -96‬البستاني‪ :‬بطرس‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬كتاب تاريخ العلوم عند العرب ‪ 128‬و‪.253‬‬
‫‪ -97‬البابا محمد زهير‪ 1984 ،‬مؤلفات ابن سينا الطبية‪ ،‬منشورات جامعة حلب‪.‬‬
‫‪ -98‬البستاني بطرس‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬دائرة المعارف‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬لبنان‪ ،‬مجلد ‪.1/535‬‬
‫‪ -99‬البخاري صحيح ‪1351‬هـ‪ ،‬نشر الطبعة العثمانية المصرية الجزء الرابع ص ‪.37‬‬
‫‪ -100‬البابا محمد زهير‪ ،1984 ،‬مؤلفات ابن سينا الطبية‪ ،‬منشورات جامعة حلب‪.‬‬
‫‪ -101‬بامات حيدر‪ ،‬بدون تاريخ في مجلة اإلسالم‪ ،‬ترجمة عادل زعيتر‪ ،‬القاهرة نشر‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية ‪- 119 - 195‬‬
‫‪.187‬‬
‫‪ -102‬المنصور وسمية عبد المحسن‪ ،2000 ،‬توظيف المأثور القولي في تنمية لغة الطفل‪ ،‬مجلسة عالم الفكر ص ‪.141‬‬
‫‪ -103‬بكار عبد الكريم‪ ،2001 ،‬التربية والتعليم‪ ،‬نشر دار القلم دمشق‪.‬‬
‫‪ -104‬بكار عبد الكريم‪ ،2001 ،‬التربية والتعليم‪ ،‬نشر دار القلم بدمشق‪.‬‬
‫‪ -105‬بدوي عبد الرحمن‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬موسوعة الحضارة العربية اإلسالمية مجلد ‪.1‬‬
‫‪ S-106‬ب‪S‬د‪S‬و‪S‬ي‪ S‬ع‪S‬ب‪S‬د‪ S‬ال‪S‬ر‪S‬ح‪S‬م‪S‬ن‪ S،S‬ب‪S‬د‪S‬و‪S‬ن‪ S‬ت‪S‬ا‪S‬ر‪S‬ي‪S‬خ‪ S‬م‪S‬و‪S‬س‪S‬و‪S‬ع‪S‬ة‪ S‬ال‪S‬ح‪S‬ضا‪S‬ر‪S‬ة‪ S‬ال‪S‬ع‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬إل‪S‬س‪S‬ال‪S‬م‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬م‪S‬جل‪S‬د‪S.1 S‬‬
‫‪ -107‬بدوي عبد الرحمن‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬موسوعة الحضارة العربية اإلسالمية مجلد ‪S.1‬‬
‫‪ -108‬بكار عبد الكريم‪ ،2001 ،‬المسلمون والتحدي‪ ،‬الناشر‪ ،‬دار القلم بدمشق‪ ،‬ص ‪.49‬‬
‫‪ -109‬بكار عبد الكريم‪ ،2001 ،‬التربية والتعليم‪ ،‬الناشر‪ ،‬دار القلم بدمشق ص ‪.40‬‬
‫‪ -110‬جواد مصطفى‪ ،1965 ،‬العقلية والحال االجتماعية في عهد ابن سينا‪ ،‬الناشر‪ ،‬مجلة المجمع العلمي العراقي بغداد‪ ،‬ص ‪.208‬‬
‫‪ -111‬حاج أحمد محمد أبو القاسم‪1399 ،‬هـ‪ ،‬العالمية اإلسالمية الثانية‪ ،‬نشر دار المبرة‪ ،‬أبو ظبي‪.‬‬
‫‪ -112‬حسين محمد كامل ‪ ،1987‬الطب عند العرب والمسلمين بدون تاريخ ومساهمات ط‪ ،1‬نشر الدار السعودية للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫‪ -113‬حسين محمد كامل ‪ ،1987 -‬الطب عند العرب والمسلمين تاريخ ومساهمات ط‪ ،1‬نشر الدار السعودية للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫‪ -114‬حسن محمد عبد الغني‪ ،1952 ،‬ابن سينا المترجم والمؤرخ‪ ،‬الناشر مجلة الثقافة دمشق‪.40 - 38 ،‬‬
‫‪ -115‬خير اهلل أمين أسعد‪ 1946 :‬الطب العربي‪ ،‬نشر المطبعة األميركانية بيروت‪.‬‬
‫‪ -116‬خير اهلل أمين أسعد‪ ،1946 ،‬الطب العربي‪ ،‬نشر المطبعة األمير كانية‪ ،‬بيروت‪.1946 ،‬‬

‫‪ -117‬خضر فخري رشيد‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬تطور الفكر التربوي ص ‪.156‬‬


‫‪ -118‬ديوي جون‪ ،1946 ،‬الديمقراطية والتربية‪ ،‬نشر مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر‪ ،‬القاهرة ص ‪.337‬‬

‫‪-159-‬‬
‫‪ -119‬ديوي جون‪ ،‬فيلسوف أميركي معاصر توفي ‪1372‬هـ‪1952 ،‬م وله كتب شهيرة وإ ليه تنسب طريقة المشروع‪ ،‬من أهم‬
‫طرق التربية العربية الديمقراطية والتربية ‪ -‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪ -120‬روزنتال‪ ،1961 ،‬مناهج العلماء والمسلمين في البحث العلمي‪ ،‬ترجمة أنيس فريحة‪ ،‬بيروت‪ ،‬نشر دار الثقافة ص ‪- 155‬‬
‫‪.156‬‬
‫‪ -121‬رضوان أبو الفتوح‪ ،1965 ،‬القومية العربية نشر لجنة البيان العربي القاهرة ص ‪.213 - 92‬‬
‫‪ -122‬زادة طاش كبرى ‪1328‬هـ‪ ،‬مفتاح السعادة ومصباح السيادة‪ -‬حيدر آباد‪.‬‬
‫‪ -123‬زكريا فؤاد‪ ،1978 ،‬التفكير العلمي‪ ،‬نشر المجلس الوطني للثقافة والعلوم واآلداب ص ‪.160‬‬
‫‪ -124‬سبنسر هربرت‪ ،1903 ،1982 ،‬هو من أكبر فالسفة التربية في انكلترا‪ ،‬وله كثير من اآلراء في التربية‪ ،‬وقد هذب رأي‬
‫روسو في العقوبة الطبيعية‪S.‬‬
‫‪ -125‬سارتون جورج ‪ ،1959‬العلم القديم والمدينة الحديثة‪ ،‬ترجمة عبد الحميد صبرة‪ ،‬نشر مكتبة النهضة‪ ،‬ص ‪.217‬‬

‫‪ -126‬سارتون جورج‪ ،1959 ،‬العلم القديم والمدينة الحديثة‪ ،‬الناشر‪ ،‬مكتبة النهضة‪ ،‬ترجمة عبد الحميد صيرة‪ ،‬ص ‪.217‬‬
‫‪ -127‬سليمان حسن فتحيه‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬مذاهب في التربية‪ ،‬المذهب التربوي عند ابن خلدون‪ ،‬الناشر‪ ،‬دار الهنا للطباعة والنشر‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ص‪.3‬‬
‫‪ -128‬شلق علي‪ 2003/‬أبو حيان التوحيدي‪ ،‬نشر الدار العربية للعلوم ص ‪.40 - 38‬‬
‫‪ -129‬شيخ األرض تيسير‪ ،1962 :‬ابن سينا بيروت‪ ،‬نشر دار الشرق الجديد‪ S،‬ص ‪.168‬‬
‫‪ -130‬شلبي أحمد‪ :‬بدون تاريخ تاريخ التربية اإلسالمية ص ‪.299‬‬
‫‪ -131‬شمس الدين عبد األمير‪ ،‬المذهب التربوي عند ابن سينا من خالل فلسفته العملية‪.‬‬
‫‪ -132‬شلبي أحمد بدون تاريخ‪ ،‬تاريخ التربية اإلسالمية‪ ،‬ص ‪.299‬‬

‫‪ -133‬شلق علي‪ ،2003 ،‬أبو حيان التوحيدي‪ ،‬الناشر‪ ،‬الدار العربية للعلوم‪ ،‬ص ‪.35 ،34‬‬
‫‪ -134‬صليبا جميل‪ ،1937 ،‬ابن سينا‪ ،‬الناشر‪ ،‬مكتبة النشر العربي‪ ،‬دمشق‪ ،‬ص ‪.2‬‬
‫‪ S-135‬ط‪S‬و‪S‬ط‪S‬ح‪ S‬خل‪S‬ي‪S‬ل‪ S،1935 S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ع‪S‬ن‪S‬د‪ S‬ال‪S‬ع‪S‬ر‪S‬ب‪ S،S‬ا‪S‬لق‪S‬د‪S‬س‪ S‬ن‪S‬شر‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ط‪S‬ب‪S‬ع‪S‬ة‪ S‬ال‪S‬ت‪S‬ج‪S‬ا‪S‬ر‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ص‪S.105 S- 99 S‬‬
‫‪ -136‬عبد اللطيف محمود‪ ،2007 ،‬التراث العربي اإلسالمي في مجال الفكر التربوي‪ ،‬ج‪ ،2‬الفكر التربوي عند الفارابي‪ ،‬وزارة‬
‫الثقافة‪ ،‬الهيئة العامة السورية للكتاب‪.‬‬
‫‪ -137‬علي محمد كرد‪ ،1934 ،‬اإلسالم والحضارة العربية‪ ،‬دار الكتب المصرية‪ ،‬ص ‪.289 - 21‬‬
‫‪ -138‬عبد اللطيف محمود‪ ،2007 ،‬الفكر التربوي عند الفارابي‪ ،‬نشر وزارة الثقافة‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.142‬‬
‫‪ -139‬عيسى أحمد ‪ ،1982‬معجم األطباء‪ ،‬ط‪ ،2‬نشر دار الرائد العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ S-140‬ع‪S‬ب‪S‬د‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ل‪S‬ط‪S‬ي‪S‬ف‪ S‬م‪S‬ح‪S‬م‪S‬و‪S‬د‪ S،2001 S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ع‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ر‪ S‬و‪S‬ط‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ئ‪S‬ق‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬د‪S‬ر‪S‬ي‪S‬س‪ S،S‬ن‪S‬ش‪S‬ر‪ S‬د‪S‬ا‪S‬ر‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ج‪S‬م‪S‬ه‪S‬و‪S‬ر‪S‬ي‪S‬ة‪ S‬ص‪S.78 S‬‬
‫‪ -141‬عرقسوسي محمد خير‪ ،1982 ،‬ابن سينا والنفس اإلنسانية‪ ،‬نشر مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫‪ -142‬عبد الكريم عبد اهلل‪ ،‬بدون تاريخ التربية عبر التاريخ ص ‪.190‬‬
‫‪ -143‬عبد الرحمن عبد الرحمن‪ ،2002 ،‬الفكر التربوي اإلسالمي‪ ،‬نشر دار الفكر العربي‪.‬‬
‫‪ -144‬عبد اهلل عبد الرحمن‪ ،1988 ،‬دار الفكر التربوي اإلسالمي‪ ،‬نشر مؤسسة الرسالة‪ ،‬دار النشر ص ‪.166 ،120‬‬
‫‪ -145‬عبد اللطيف محمود‪ ،2005 :‬الفكر التربوي عند الفارابي‪ ،‬مجلة المعرفة‪ ،‬وزارة الثقافة ص ‪.113‬‬

‫‪-160-‬‬
‫‪ S-146‬ع‪S‬ب‪S‬د‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ل‪S‬ط‪S‬ي‪S‬ف‪ S‬م‪S‬ح‪S‬م‪S‬و‪S‬د‪ S:S‬ال‪S‬ف‪S‬ك‪S‬ر‪ S‬ال‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬و‪S‬ي‪ S‬ع‪S‬ن‪S‬د‪ S‬ا‪S‬لف‪S‬ا‪S‬را‪S‬ب‪S‬ي‪ S،S‬م‪S‬جل‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ع‪S‬ر‪S‬ف‪S‬ة‪ S،S‬و‪S‬ز‪S‬ار‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ث‪S‬قا‪S‬ف‪S‬ة‪ S‬ص‪S.104 S‬‬
‫‪ -147‬عبد الموجود محمد عزت ‪ :1979‬أساسيات المنهج وتنظيماته ط‪ ،1‬نشر دار الثقافة والطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -148‬عرقسوسي‪ ،‬محمد خير‪ ،1982 ،‬ابن سينا والنفس اإلنسانية‪ ،‬نشر مؤسسة الرسالة بيروت ط‪ 1‬ص ‪.49‬‬
‫‪ -149‬عيون األنباء‪ :‬ج‪ 2‬ص ‪ 18‬الوافي بالوفيات ج‪ 12‬ص ‪.404‬‬
‫‪ -150‬عطبة محمد األبراشي‪ ،1943 ،‬روح التربية والتعليم‪.‬‬
‫‪ S-151‬ع‪S‬ب‪S‬د‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ل‪S‬ط‪S‬ي‪S‬ف‪ S‬م‪S‬ح‪S‬م‪S‬و‪S‬د‪ S،2007 S،S‬ا‪S‬لف‪S‬ك‪S‬ر‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬و‪S‬ي‪ S‬ع‪S‬ن‪S‬د‪ S‬ال‪S‬فا‪S‬ر‪S‬ا‪S‬ب‪S‬ي‪ S،S‬ن‪S‬ش‪S‬ر‪ S‬وز‪S‬ا‪S‬ر‪S‬ة‪ S‬ال‪S‬ث‪S‬ق‪S‬ا‪S‬ف‪S‬ة‪ S،S‬ص‪S.131 S‬‬
‫‪ -152‬علي محمد كرد‪ ،1969 ،‬البيان‪ ،‬نشر دار األمانة بيروت‪.‬‬
‫‪ -153‬علي محمد كرد‪ ،1969 ،‬البيان‪ ،‬نشر دار األمانة‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪ -154‬عبد الرحمن عبد الرحمن‪ ،1988 ،‬الفكر التربوي اإلسالمي‪ ،‬الناشر‪ ،‬دار البشر‪ ،‬القاهرة ص ‪.104‬‬
‫‪ -155‬عرقسوسي محمد خير‪ ،1982 ،‬ابن سينا والنفس اإلنسانية‪ ،‬الناشر‪ ،‬مؤسسة الرسالة بيروت‪ ،‬ص ‪.46 ،108‬‬
‫‪ -156‬عبد‪ S‬اللطيف محمود‪ ،2005 ،‬الفكر التربوي عند‪ S‬الجاحظ‪ ،‬الناشر‪ ،‬وزارة الثقافة‪ S،‬ص ‪.63‬‬
‫‪ -157‬عبد‪ S‬اللطيف محمود‪ ،2007 ،‬الفكر التربوي عند‪ S‬الفارابي‪ ،‬الناشر‪ ،‬وزارة الثقافة‪ S،‬ص ‪.18‬‬
‫‪ -158‬عبد الدايم عبد اهلل‪ ،195 - 190 ،‬التربية عبر التاريخ‪.‬‬

‫‪ -159‬عرقسوسي محمد خير‪ ،1982 ،‬ابن سينا والنفس اإلنسانية‪ ،‬الناشر‪ ،‬مؤسسة الرسالة بيروت‪ ،‬ص ‪.24 ،23‬‬
‫‪ -160‬غنيمة محمد عبد الرحيم‪ ،1953 ،‬تاريخ الجامعات اإلسالمية الكبرى‪ ،‬نشر دار الطباعة المغربية ص ‪.141 - 133‬‬
‫‪ -161‬قنواني جورج شحاتة ‪ ،1966‬ابن سينا أسبوع العلم العشرون نشر مطبعة الكتاب العربي دمشق ص ‪.15‬‬
‫‪ -162‬قنواتي جورج شحادة ‪ ،1981‬ابن سينا «أسبوع العلم العشرون» نشر مطبعة الكتاب العربي دمشق ‪ 1981‬ص ‪.67‬‬

‫‪ -163‬قاسم محمود‪ ،1969 ،‬السماء والعالم والكون والفساد واألفعال واالنفعاالت‪ ،‬ص ‪.131‬‬
‫‪ S-164‬ق‪S‬ن‪S‬و‪S‬ا‪S‬ت‪S‬ي‪ S‬ج‪S‬ور‪S‬ج‪ S‬شح‪S‬ا‪S‬ت‪S‬ه‪ S،1950 S،S‬م‪S‬ؤ‪S‬ل‪S‬فا‪S‬ت‪ S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S،S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬اش‪S‬ر‪ S،S‬د‪S‬ا‪S‬ر‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬م‪S‬ع‪S‬ا‪S‬رف‪ S‬ب‪S‬م‪S‬ص‪S‬ر‪ S‬ص‪S.8 S- 7 S‬‬
‫‪ -165‬قنواتي جورج شحاته‪ ،1981 ،‬ابن سينا في أسبوع العلم العشرون‪ ،‬الناشر‪ ،‬مطبعة الكتاب العربي‪ ،‬دمشق ص ‪ 67‬و‪.68‬‬
‫‪ S-166‬ق‪S‬ي‪S‬م‪S‬ر‪ S‬ي‪S‬و‪S‬ح‪S‬نا‪ S،1985 S‬ف‪S‬ال‪S‬س‪S‬ف‪S‬ة‪ S‬ال‪S‬ع‪S‬ر‪S‬ب‪S( S‬ا‪S‬ب‪S‬ن‪ S‬س‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ا‪ S)S‬ا‪S‬ل‪S‬ن‪S‬ا‪S‬شر‪ S،S‬ال‪S‬م‪S‬ط‪S‬ب‪S‬ع‪S‬ة‪ S‬ا‪S‬ل‪S‬ك‪S‬ا‪S‬ث‪S‬و‪S‬ل‪S‬ي‪S‬ك‪S‬ي‪S‬ة‪ S،S‬ل‪S‬ب‪S‬ن‪S‬ا‪S‬ن‪ S‬ص‪S.8 S‬‬
‫‪ -167‬كانط فيلسوف ألماني يعد من أعظم الفالسفة المحدثين‪ S‬ولد سنة ‪1724‬م وتوفي سنة ‪ 1814‬ويقال إنه كان من أصل‬
‫اسكتلندي‪.‬‬
‫‪ -168‬كعدان عبد الناصر بدون تاريخ‪ ،‬العناية بالطفل وتربيته عند ابن سينا ص‪.2‬‬
‫‪ -169‬كرويي‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬من أعالم مؤرخي تاريخ العلوم‪ ،‬ص ‪.86 - 85‬‬
‫‪ -170‬كرسون أزريسه‪ ،1952 :‬المشكلة األخالقية والفالسفة‪ ،‬ترجمة عبد الحليم محمود أبو بكر زكوي‪ ،‬نشر دار إحياء الكتب‬
‫العربية القاهرة‪ ،‬ص ‪.36‬‬

‫‪ -171‬كرد علي محمد‪ ،1946 ،‬تحقيق‪ ،‬تاريخ حكماء اإلسالم‪ ،‬الناشر‪ ،‬مطبعة الترقي‪ ،‬دمشق ص ‪ 102‬و‪.103‬‬
‫‪ -172‬لوبون جوستاف‪ ،1945 ،‬حضارة العرب ‪.459 ،426‬‬
‫‪ -173‬لويون جوستاف‪ :‬حضارة العرب‪ ،‬ترجمة محمد عادل زعيترة القاهرة‪ ،‬دار إحياء الكتب العربي ص ‪.559 - 457‬‬
‫‪ S-174‬ل‪S‬و‪S‬ت‪S‬ز‪S‬ي‪ S‬ن‪S‬س‪S‬ب‪S‬ا‪1828 S،1746 S،S‬م‪ S،S‬و‪S‬ل‪S‬د‪ S‬ب‪S‬م‪S‬د‪S‬ي‪S‬ن‪S‬ة‪ S‬ز‪S‬ي‪S‬و‪S‬ر‪S‬ي‪S‬خ‪ S‬ب‪S‬س‪S‬و‪S‬ي‪S‬س‪S‬ر‪S‬ا‪ S،S‬ل‪S‬ه‪ S‬آ‪S‬ثا‪S‬ر‪ S‬خ‪S‬ال‪S‬د‪S‬ة‪ S‬في‪ S‬ع‪S‬ل‪S‬م‪ S‬ال‪S‬ت‪S‬ر‪S‬ب‪S‬ي‪S‬ة‪S.S‬‬

‫‪-161-‬‬
‫‪ -175‬ماجد عبد المنعم‪ :‬تاريخ الحضارة اإلسالمية في العصور الوسطى‪ ،‬نشر مكتبة وهبه القاهرة‪.146 ،‬‬
‫‪ -176‬مدكور إبراهيم‪1367 ،‬هـ‪ ،‬في الفلسفة اإلسالمية‪ ،‬منهج وتطبيق نشر دار إحياء الكتب العربية القاهرة‪ ،‬ص ‪.217 - 214‬‬
‫‪ -177‬موسى محمد يوسف‪ ،1950 ،‬مقال «في األخالق» مجلة الكتاب ‪ -‬القاهرة‪ ،‬عدد نيسان ص ‪.462 - 455‬‬
‫‪ -178‬محمد محمود الحاج قاسم‪ ،1971 ،‬تاريخ طب األطفال عند العرب‪ ،‬نشر دار الحرية للطباعة بغداد‪.‬‬
‫‪ -179‬منجد صالح الدين‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬اإلسالم والعقل‪.‬‬
‫‪ -180‬مطاوع إبراهيم عصمت‪ ،1979 ،‬أصول التربية نشر دار المعارف بمصر‪.‬‬
‫‪ -181‬نحالوي عبد الرحمن‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬علم النفس كلية الشريعة ص ‪.44‬‬
‫‪ -182‬نحالوي عبد الرحمن بدون تاريخ‪ ،‬الفكر التربوي اإلسالمي‪ ،‬نشر دار الفكر دمشق‪ 200 ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪ -183‬نادر ألبير نصري بدون تاريخ‪ ،‬النفس اإلنسانية عند ابن سينا‪.‬‬
‫‪ -184‬نظمي محمد عزيز‪ ،1972 ،‬القيم الجمالية‪ ،‬نشر دار المعارف بمصر‪.‬‬
‫‪ -185‬يوسف الباشا‪ ،1945 ،‬فلسفة المتكلمين‪ S‬القاهرة‪ ،‬نشر مطبعة شبر الغنية ص ‪.51‬‬

‫‪-162-‬‬
‫المراجع باللغة األجنبية‬

1 – The works of Aristotle translated to English under the aditor ship of sir David Ross. Akfordl18.
- RovesR – Dictiovary of Philosophy New york 1942.
2 – Supplement oux dictionvairesorabes liede /88/.
3 – 1B. N Sina، Eglur، Essa isur L'Hhist – orire de la Critiquse chey lesgresc paris 1886.
4 – Bachenshifo amailoGical Freiburge 1942.
5 – Rishard walzer. Greek into Arabic. OxFord. Bru roco ssiner. 1962. p. 6. f tz.

-163-
‫‪‬‬
‫الصفحة‬
‫مقدمة‪7 .....................................................................‬‬

‫الباب األول‬
‫محددات االتجاه التربوي عند ابن سينا‪11 ..........‬‬

‫الفصل األول‪ :‬مسيرة ابن سينا الثقافية والتربوية ‪13 .............................‬‬


‫‪ -1‬حياة ابن سينا ‪15 .................................................‬‬
‫‪ -2‬ذكاؤه وفطنته ‪18 ................................................‬‬
‫‪24‬‬ ‫طفولته ‪.......................................................‬‬ ‫‪-3‬‬
‫‪27‬‬ ‫بيئته‪ S‬التربوية ‪.................................................‬‬ ‫‪-4‬‬
‫‪30‬‬ ‫ثقافته ‪.......................................................‬‬ ‫‪-5‬‬
‫‪33‬‬ ‫أساتذته‪...................................................... S‬‬ ‫‪-6‬‬
‫‪35‬‬ ‫تالمذته‪...................................................... S‬‬ ‫‪-7‬‬
‫‪37‬‬ ‫آثار ابن سينا العلمية والتربوية ‪................................‬‬ ‫‪-8‬‬
‫‪43‬‬ ‫مؤلفاته ‪.......................................................‬‬ ‫‪-9‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬أهمية الفترة التي عاش فيها ابن سينا ‪75 ........................‬‬
‫‪77‬‬ ‫أثر الفترة التي عاش فيها على آرائه العلمية والتربوية‪......... .‬‬ ‫‪-1‬‬
‫‪81‬‬ ‫آراء ابن سينا التربوية‪....................................... .‬‬ ‫‪-2‬‬
‫‪84‬‬ ‫عالقة الدراسات الفلسفية بالفكر التربوي عند ابن سينا‪......... .‬‬ ‫‪-3‬‬
‫‪89‬‬ ‫محتوى التراث التربوي العربي اإلسالمي عند ابن سينا‪....... .‬‬ ‫‪-4‬‬
‫الصفحة‬
‫الفصل الثالث‪ :‬أثر ابن سينا العلمي والتربوي في القرن العشرين ‪95 ..............‬‬
‫أثر ابن سينا العلمي والتربوي في الشرق ‪97 ......................‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أثر ابن سينا العلمي والتربوي في الغرب ‪100 ......................‬‬ ‫‪-2‬‬
‫مكانة ابن سينا العلمية والتربوية والسياسية ‪103 ....................‬‬ ‫‪-3‬‬
‫‪106‬‬ ‫رسالة ابن سينا التربوية ودوره في إعداد اإلنسان لتحمل أعباء الرسالة اإلنسانية‬ ‫‪-4‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬المنهج العلمي التربوي عند ابن سينا ‪111 .........................‬‬
‫‪112‬‬ ‫‪ -1‬المكونات النظرية لمنهج ابن سينا التربوي ‪.....................‬‬
‫‪114‬‬ ‫‪ -2‬المنهج الفلسفي التربوي عند ابن سينا‪......................... .‬‬
‫‪118‬‬ ‫‪ -3‬أهمية تصنيف العلوم وصلته بالمنهج العلمي التربوي عند ابن سينا‪.‬‬
‫‪120‬‬ ‫‪ -4‬أهمية دراسة الفكر التربوي عند ابن سينا ‪......................‬‬

‫‪-164-‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬االزدهار العلمي والحضاري والثقافي في القرن الرابع الهجري ‪123 ....‬‬
‫‪125‬‬ ‫‪ -1‬معالم االزدهار الثقافي والحضاري في القرن الرابع الهجري‪.......‬‬
‫‪127‬‬ ‫‪ -2‬محددات المجتمع البشري في القرن الرابع الهجري‪........... .‬‬
‫‪130‬‬ ‫‪ -3‬المزايا العلمية والثقافية في القرن الرابع الهجري‪.............. .‬‬
‫‪133‬‬ ‫‪ -4‬ابن سينا وأعالم التراث في القرن الرابع الهجري ‪..............‬‬

‫الباب الثاني‬
‫الفكر التربوي عند ابن سينا ‪145 ..................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬خصائص األهداف التربوية عند ابن سينا‪149 .......................‬‬
‫‪ -1‬أهداف التربية ‪151 ................................................‬‬
‫‪ -2‬التخصص المهني التربوي ‪155 ....................................‬‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬االتجاه الفلسفي في التربية الدينية ‪159 ...........................‬‬
‫‪161‬‬ ‫أهداف التربية اإلسالمية ‪......................................‬‬ ‫‪-1‬‬
‫‪162‬‬ ‫أثر الفكر الفلسفي في التربية اإلسالمية ‪........................‬‬ ‫‪-2‬‬
‫‪167‬‬ ‫عالقة علم التربية بالعلوم األخرى ‪.............................‬‬ ‫‪-3‬‬
‫‪171‬‬ ‫العالقة بين الفلسفة والعلم والدين ‪..............................‬‬ ‫‪-4‬‬
‫الصفحة‬
‫الفصل الثالث ‪ :‬مفاهيم تربية الطفل ‪175 ........................................‬‬
‫‪ -1‬آراء ابن سينا التربوية في مجال تربية الطفل ‪177‬‬
‫‪ -2‬اإلبداع الفكري البن سينا في تربية الطفل ‪178‬‬
‫‪ -3‬إكرام الطفل ‪180‬‬
‫‪ 4‬ـ الدالالت التربوية لتنشئة الطفل عند ابن سينا ‪182‬‬

‫الفصل الرابع ‪ :‬التربية الخلقية ‪191 ............................................‬‬


‫‪193‬‬ ‫مكونات التربية الخلقية ‪...............................................‬‬ ‫‪-1‬‬
‫‪197‬‬ ‫محددات التربية الخلقية ‪...............................................‬‬ ‫‪-2‬‬
‫‪207‬‬ ‫الحرية واألخالق ‪.....................................................‬‬ ‫‪-3‬‬
‫‪209‬‬ ‫العالقة بين الفلسفة التربوية واألخالق ‪.................................‬‬ ‫‪-4‬‬

‫الفصل الخامس ‪ :‬التربية االجتماعية ‪213 .......................................‬‬


‫‪215‬‬ ‫نظرته إلى المجتمع ‪...........................................‬‬ ‫‪-1‬‬
‫‪222‬‬ ‫مكانة المجتمع في نظر ابن سينا ‪...............................‬‬ ‫‪-2‬‬
‫‪224‬‬ ‫دور التربية االجتماعية في بناء العالقة بين الفرد والمجتمع‪......‬‬ ‫‪-3‬‬
‫‪227‬‬ ‫صلة التربية االجتماعية بالتربية الجسمية والجمالية ‪............‬‬ ‫‪-4‬‬

‫الفصل السادس ‪ :‬التربية العقلية ‪233 ...........................................‬‬


‫‪235‬‬ ‫‪ -1‬نظرة ابن سينا إلى المعرفة العقلية ‪.............................‬‬
‫‪238‬‬ ‫‪ -2‬الغرض من التربية العقلية ‪....................................‬‬
‫‪240‬‬ ‫‪ -3‬مالمح التربية العقلية ‪..........................................‬‬
‫‪243‬‬ ‫‪ 4‬ـ عالقة التربية العقلية بالتربية العلمية ‪...........................‬‬

‫‪-165-‬‬

You might also like