You are on page 1of 5

‫العاصفة‬

‫في لحظة عاصفة مجنونة قرر قراره ووضع متاريس حول عاطفته وحدث‬
‫نفسه " أجل ‪ ..‬سوف أتخلص من عذابك ‪ ..‬من السنوات المريرة التي‬
‫عشتها معك ‪ ..‬ثم أنسى صوتك المبحوح الذي تابع خطواتي وأقلق‬
‫غفواتي ‪ ..‬وأرتاح من أعمالك المدمرة سوف أنسلخ من ذاتي وأرمي بك‬
‫هناك "‪ .‬كان يحدث نفسه وهو يقود سيارته وقد وصل أطراف مدينته‬
‫…‬

‫ويسترق النظرات اليها وهي نائمة على الكرسي بجواره … ثم ينتابه‬


‫شيء من الضحكات الهستيرية … شاعرا بنشوة النصر … ألنه زاد‬
‫جرعة الحبوب المنومة ‪ .‬أحس أن الظالم زحف مبكرا ‪ .‬فالسماء ملبدة‬
‫بالغيوم والهواء بدأ يشتد فقال لنفسه ‪ ":‬سأسرع قبل أن تشتد العاصفة‬
‫سأرمي بها بعيدا ثم أهرب … سأختار لها موقعا مناسبا !! وبعد العاصفة‬
‫‪ ".‬ستشرق حياتي مع بداية الربيع‬

‫توغلت سيارته في الطرق الترابية ‪ ..‬بدت له شجرة كبيرة ملتفة األغصان‬


‫"!! فقال لنفسه ‪ ":‬هنا سأريح وأستريح‬

‫ثم حمل الصغيرة ووضعها بهدوء …نظر إليها نظرة الوداع … قاوم‬
‫‪ .‬دموعه وركب سيارته قاصدا العودة‬
‫حاول أن يسرع بسيارته … لكن العاصفة هاجمته قبل أن يبتعد كثيرا‬
‫عن الصغيرة النائمة ضغط على مقود سيارته كأنه بطل سباق …‬
‫‪ .‬فانغرست عجالت سيارته في التراب‬

‫لف معطفه وأحكم غطاء رأسه ‪ .‬وخرج يحاول عالج الموقف … فتح‬
‫باب السيارة … لفح وجهه الهواء البارد ‪ ..‬فارتعدت مفاصله ‪ .‬ثم سمع‬
‫صوت ذئب … فتضعضعت قواه … وبكى ‪ ،‬أغلق باب سيارته …‬
‫ووضع يده على جبينه واسترسل في البكاء … وأخذ يتذكر كالم أمها‬
‫‪ :‬رحمها اهلل‬

‫لنا _‬ ‫إنها قدرنا يا أحمد ‪ .‬بل هو امتحان من اهلل‬

‫الحنون _‬ ‫‪ :‬أنا أدعو اهلل عليها ليل نهار ! فتجيبه بصوتها‬

‫أحمد _‬ ‫… بل أدع اهلل لنا ولها يا‬

‫تنهد بعمق وقال لنفسه ‪ :‬كم عانت أمها معها و صبرت … أما أنا فلم‬
‫‪ .‬أحتملها سوى أشهر قليلة وها أنا أهرب من ذاتي وأرمي بها‬

‫أحس أن نبع مشاعره تفجر فأغرق كيانه … وعلم أنه سلك سبيل‬
‫الشقاء وجانب درب السعادة ‪ ..‬كيف يهرب من مشاعره األبوية مدى‬
‫‪ .‬الحياة ؟ وهو الذي استسلم بعد دقائق معدودات‬
‫بل كيف يتركها للذئاب تنهشها ويرمي نفسه بين رحى األلسن الحادة‬
‫التي ستالحقه والنظرات المتسائلة التي ستتابعه ؟ اشتدت العاصفة‬
‫فنهض مسرعا وخرج من سيارته باحثا عنها كالمذعور ‪ ،‬وأخذ يركض بين‬
‫الشجر رأى جميع األشجار كبيرة ‪ ،‬فأخذ يبحث تحت كل شجرة‬
‫ويشهق لهفة عليها ‪ ،‬ويدعو اهلل أن ال يكون قد اختطفها ذئب … أو‬
‫‪ .‬سرقها أحد‬

‫لم يكتشف أنه غبي بليد إال في تلك اللحظات … ركض ولهث وتعب‬
‫!!!‪ .‬ثم سمع صوتها تبكي بذعر بالغ‬

‫اختلطت األصوات لديه ‪ ،‬صوت الريح المجنونة مع األمطار المنهمرة‬


‫ممزوجا بصوت الذئاب المسعورة لكن صوتها هي ‪ ..‬كان أخفت‬
‫!! األصوات في سمعه وأشدها في قلبه‬

‫تابع الركض … سارع الخطوات خفق قلبه ‪ ،‬قاوم مخاوفه ‪ ،‬إنه يريد أن‬
‫يصل إليها عبر كل المتاهات التي يراها أمامه ‪ ،‬بدأت خطواته تسير في‬
‫االتجاه الصحيح … وضح صوتها أكثر ‪ ،‬اقترب منها سبقت ذراعاه‬
‫قدميه … عانقها بلهفة … أغرقها بقبالته ودموعه ‪ ،‬حدق في عينيها‬
‫‪ :‬وقال‬
‫به"‬ ‫‪" ..‬عيناك الجميلتان قدري وسوف أرضى‬

‫حملها ‪ ،‬ومسح رأسها وقال لنفسه ‪ :‬رغم "بالهتها " فهي ابنتي …‬
‫حبيبتي … وهي هبة الرحمن لي‪ .‬حملها على ظهره المنهك ‪ ،‬وتذكر‬
‫‪ :‬وجه أمها المضيء وثغرها الباسم وهي تردد اآلية الكريمة‬

‫الخيرة ((‬ ‫‪ )) .‬وربك يخلق ما يشاء ويختار ‪ ،‬ما كان لهم‬

‫أم حسان الحلو‬

‫أعلى الصفحة‬

You might also like