Professional Documents
Culture Documents
يقول الراوي :كنت أتابع حماضرة قيمة لألستاذ عمرو خالد على أحد قنوات التلفزيون ،وكنت مشدودا مع حديثه الشائق عن التوبة والتائبني ..غري أن قضية حمددة وردت يف خامتة الكالم ،كانت أشبه مبسك
..اخلتام بالنسبة يل ،هذه القضية استوقفتين طويال ،بعد أن هزتين كثريا
طرح األستاذ عمرو خالد القيام بتجربة وأخذ يؤكد أن لها ما بعدها في استجاشة الرغبة الشديدة في
التوبة واإلقبال على هللا ..وقررت أن اقدم على هذه الخطوة ،وانفردت بنفسي في حجرتي وأحضرت
!! ..ورقتين وقلما ً ،وكتبت في رأس األولى :قائمة بنعم هللا عليّ
! ..وكتبت يف رأس الثانية :قائمة مبا فعلت من معاصي وزالت وذنوب
..وبدأت أكتب ما أتذكره من نعم اهلل علي يف ذات نفسي ،فيما حويل مما تتعلق به حيايت
:وشرعت أكتب وأكتب ،وأنا أرى نعم اهلل تتوالد أمام عيين ،كلما كتبت نعمة تولدت عنها نعمة تتعلق هبا ،أو تقوم عليها ،ومما كتبته
نعمة العقل ..والذاكرة ..والقدرة على التحليل واستخالص النتائج ..والرباعة يف عرض األفكار ..وحسن الكالم والبيان اجليد املؤثر يف كثري من األحيان ..وجمرد اللسان نعمة كربى ..ونعمة البصر ..
وعدم احلاجة إىل استخدام نظارة نعمة أخرى ..ونعمة القراءة والكتابة ..وهكذا
..واكتملت الورقة األوىل ،ومل يكتمل شريط العرض الستعراض نعم اهلل علي
..وسحبت ورقة أخرى ،وواصلت تدوين النعم
… نعمة الوجود أصال ..نعمة الصحة والسالمة البدنية وكمال األعضاء ..نعمة العلم ،والقدرة على التعليم ..نعمة الشم والسمع واحلركة … اخل اخل
..وإذا يب أقف عاجزاً بعد أن أكملت الورقة الثانية مما أتذكره من نعم اهلل ،ولقد رأيت نفسي أشبه بالغريق يف خضم حبر عظيم
يم ) واكتفيت مبا كتبت وأنا أردد ( :وإِ ْن َتعدُّوا نِعمةَ اللَّ ِه ال حُتْصوها إِ َّن اللَّه لَغَ ُف ِ
..
ور َرح ٌ
َ ٌ ُ َ َ ُ َْ
..وانتقلت إىل القائمة الثانية وقليب حلظتها قد بدأ يهتز وهو مملوء بشعور احلياء من اهلل
..وشرعت أكتب ما أتذكره مما عملت من ذنوب ومعاصي وزالت ،اليت اغرتفتها وال أزال متلطخا بكثري منها
..وكذلك مل أنس أن أكتب ما ابتليت به من التقصري يف اإلقبال على الفرائض ،والتكاسل عنها
ومما كتبته :خطايا باللسان كثرية ..من غيبة وسخرية بالناس ،وكذب وهذر قول يف سفساف األمور ..وخطايا بالعني من نظر ال حيل إىل أمور ال يرضى عنها اهلل . .ومتابعة لساعات ملا ضره أكثر من
..نفعه ...وخطايا باألذن من مساع من كرهه اهلل وال حيبه كاالستماع إىل األغاين ..ومنها :صور كثرية من عقوق الوالدين ..وحنو هذا كثري
..وكتبت وكتبت وكتبت ،وإذا هبذه األخرى تتوالد كأهنا الدود ،وهالين أين رأيت هذا الزحم من اهلفوات والزالت واملخالفات
..وشرعت اسحب ورقة أخرى ألواصل رحلة البحث ..وإذا يب أمام قائمتني على طريف نقيض متاماً !!
..أما األوىل فنعم منهمرة متدفقة تقوم عليها حيايت كلها
..نعم تغمرين من مفرق رأسي إىل أمخص قدمي ،ومن فوق ومن حتيت ،ويف من حويل مما يتعلق به أمري ،ومن حلظة والديت إىل يوم الناس هذا
..منحين كل ذلك بال سؤال مين ،لعلمه هو مبا ينفعين
..وأما الثانية :فقائمة يطأطئ هلا الرأس حياء
! ..قائمة سوداء حالكة كلها خطايا وذنوب وآثام وزالت وهفوات وقصور وتقصري وجرأة على اهلل تعاىل
ومل اشعر إال بدمعات تنساب على خدي وأنا أعيد النظر متأمال هذه تارة وهذه تارة ،وتذكرت احلديث الشريف الذي يقول فيه اهلل سبحانه :إين واألنس واجلن يف نبأ عجيب ..أخلق ويعبد غريي ،
إيل
إيل باملعاصي ،وهم أحوج ما يكونون ّ… وارزق ويُشكر سواي ،خريي إليهم نازل ،وشرهم إىل صاعد ،أحتبب إليهم بالنعم ،وأنا الغين عنهم ،و يتبغضون ّ
عندها شعرت مبوجة غامرة من احلياء تغمرين من اهلل سبحانه ..بل شعرت هبيجان مشاعر حب جارف هلل جل جالله ..وكيف ال حيبه قليب وهو يتعامل معي على هذه الشاكلة العجيبة ..وأنا أتعامل معه
!! ..على هذه الشاكلة الغريبة
! ودخلت معي نفسي يف سلسلة عتاب ،مث كانت القشة اليت قصمت ظهر البعري
..قفزت إىل ذهين خاطرة جعلتين أجهش بالبكاء ..تذكرت كيف أتعامل مع أبنائي
! ..كيف أين أرى بأين قائم بأمرهم كله ،ومن مث فعليهم طاعيت ،وعدم خمالفيت وأين ال أحتمل ما يفرط منهم من خمالفات ،فأنزل بأحدهم عقابا يناسبه
!! بل أحيانا مبا ال يناسبه !! وإمنا هي فورة غضب عارمة
! ..وقلت لنفسي :فكيف لو عاملين اهلل مبا أعامل به أبنائي
! .كيف لو عاقبين على كل خمالفة أقع فيها … إذن ألهلكين منذ زمن ..وأيقنت أن اهلل حيب عباده أشد من حب الوالدين ألبنائهما
فكيف ال حيبه العباد سبحانه اشد احلب وأعاله وأعظمه …!؟
حقا ساعة خلوت فيها مع اهلل ألقوم هبذه التجربة ،لكنها كانت خري ساعات عمري ..لقد خرجت منها وقليب ميور مبشاعر متباينة ..اخلوف والرجاء واحلياء واحلب ..اخلوف من سوء اخلامتة بسبب هذه
..األوزار واآلثام واهلفوات والزالت ..والرجاء ألن من أنعم ابتداء ،سينعم انتهاء ..ومن أعطى بال سؤال ،لن يبخل مع السؤال واإلحلاح فيه
واحلياء من رؤية هذا احلشد من املعاصي والذنوب .يف مقابل تلك النعم اليت ال تزال تتواىل ..واحلب ألنه يستحق أن ميتلئ القلب حببه جل جالله ..يا هلا من مثرات رائعة وجليلة أمثرهتا تلك اجللسة مع اهلل
..
..وقد قال علماؤنا :أن ذرة من أعمال القلوب تعدل أمثال اجلبال من أعمال اجلوارح ..فلله احلمد رب العاملني
:مث قلت وأنا أبتسم :وهذه وحدها من أعظم نعم اهلل علي ..وعندها خررت ساجدا وأنا أبكي ،وأنا أردد
..امأل قليب حببك ..امأل قليب حببك .امأل قليب حببك ....يا رب ..يااااااااااااارب ...يااارب