Professional Documents
Culture Documents
واملقصود به :االعتامد عىل جمرد النقل ،دون استثامر صحيح للمنقول :يف حترير أو حتليل
وهو رش العيوب ،وأكثرها حضورا يف رشوح املتأخرين .وهو َأد َوى أدواء كتب الرتاث
عموما واملتأخر باألخص ،وأشدها عالقة بالعبارة احلكيمة « :العلم قطرة ،ك ّثرها اجلاهلون».
وما أكثر كتب الرشوح التي استوىل عليها هذا العيب ،رغم مكاييل الثناء التي قد تسمعها أو
تقرؤها ،ورغم توفر الدعم لبعضها بفاخر الطباعة أو النرش املجاين ،مما يعطيها – غالبا -شهرة
بني الناس ،يسموهنا -بق ّلة َوعي : -قبوال ،وهي قبول الزور وشهرة اإلفالس ؛ ألهنا حظوة
ال تستح ّقها ؛ إال بام يستحقه املمدوح بضدّ ما فيه ،والقليل احلقي الذي ما َكـثـ َره و َأ َعزه غي
oكاإلعراب الذي يستعرض فيه املعرب قدرته عىل اإلعراب دون أن يظهر
( )1مبحث من مباحث مقرر رشح احلديث (تعريفه وتارخيه ومناهجه وأنواعه وخطواته وأهم املؤلفات فيه
ونامذج تطبيقية منه).
1
oوكاالستطراد الذي ال خيدت النص املرشوح ،وإنام يكون من باب شجون
احلديث ،باخلروج من موضوع إىل موضوع ،ومن قصة إىل شعر إىل
إعراب!!..
اإلضافة يف هذه احلالة رضب من العذاب وتضييع األوقات وحرمان الفائدة .وإال فال
يكاد خيلو كتاب من إضافة ما ،يتذرع هبا املدافعون عن ذلك الكتاب :بأن فيه إضافة!
لكن :ما حجمها ؟ ما طعمها ؟ ما لوهنا ؟ ما رحيها ؟ ال هيم عندهم ،املهم أن يزعموا
وجود إضافة !! أال يعلم هؤالء أن احلكمة قد تستخرج من أفواه املجانني؟! فهل
أصبح املجانني مصدرا للحكمة بذلك الشاذ النادر ؟! نعم ..ال يقصد هبذا املثل تشبيه
رشح من الرشوح بكالت املجانني ،حاشا ..وكال ،ولكنه مثال لبيان عدت حمو معرة
االعتامد عىل جمرد النقل بوجود اإلضافة الضائعة يف ركامه ،ولن تكون تلك اإلضافة
من التزوير ! وعندئذ يكون العيب قد َحتو َر َعيبة من النواقص املنفرة وعبئا ثقيال من اخلطايا
جتري بعدك ،و(قرب) :يف قربك ليكون صفحة سوداء يف صحيفة أعاملك .
2
وبعد التأكيد عىل قوة عالقة العلوت اإلسالمية ببعضها :نقلية وعقلية ،رشعية ولغوية ،
إال أن ذلك ال يعني أن أجعل كتابا يف علم منها جماال لتحرير مسائل علم آخر ،عىل وجه اإليغال
يف ذلك ،ودون أن يكون لذلك التحرير فائدة – عىل قدر التطويل يف التحرير -يف رشح النص
املرشوح .
وقد أملح إىل طرف من ذلك العالمة املتأخر عبد الرؤوف الـمناوي الشافعي
(ت1031هـ) ،عندما قال يف رشحه لألربعني النووية « :وقد أورد الشارح اهليثمي هنا فروعا
كثية عىل مذهب الشافعية ،والفاكهي فروعا كثية عىل مذهب املالكية ،وذلك غي جيد ،
والالئق بالكتب احلديثية :إنام هو ذكر مأخذ كل من األئمة املجتهدين عىل وجه االختصار،
سم بالعمق
وال يعني أن هذا الصنف من الرشوح ليس مفيدا ،بل هو مفيد ،خاصة إذا ا ّت َ
والد ّقة ؛ لكنه لن يكون معدودا ضمن الرشوح املتميزة لذلك الكتاب ،وإنام سي َعد كتابا متميزا
يف ذلك العلم األجنبي الذي أدخله ذلك الشارح يف رشحه لذلك النص املرشوح .
وحصول ذلك قليال يف الرشح ال يعيب الرشح ،وإنام يعاب اإلكثار منه ؛ ألن الشارح قد
متر به مسألة متعلقة بمسألة يف علم آخر ،ولديه فيها حترير جيد ال جيده يف كتاب آخر يمكن أن
حييل إليه ،وال للشارح نية يف تأليف كتاب يف ذلك العلم ،فهو إن مل يدون ذلك التحرير هنا :
( )1رشح األربعني النووي للمناوي – نسخة برلني رقم /182( – 461أ) ،ورسالة املاجستي التي حققت
قطعة من الرشح للباحث حممد عبد الكريم اإلسحاقي – اجلامعة اإلسالمية باملدينة املنورة .كلية
احلديث الرشيف .قسم فقه السنة ومصادرها .سنة 1436 :هـ و 1437هـ.)166( -
3
• الثالث :حضور املعارك يف فروع العقائد واملذاهب يف غري حملها من كتب
الرشوح:
فباهلل عليكم :هل جاء القرآن الكريم لينترص ملالكي عىل شافعي ،أو لشافعي عىل حنفي،
أو حلنبيل عىل غيه ؟! لكي يكون تفسي للقرآن الكريم ساحة لتلك االختالفات يف فروع الفقه!
وباهلل عليكم :هل كان النبي ﷺ يضيئ قلوبنا بسنته وسيته من أجل أن جتعل فتن َة تفريقنا
بفروع اخلالف العقدي بني حنبيل وأشعري ،أو حتى بني أشعري ومعتزيل يف فروع العقيدة.
وال يعني ذلك أن ال يستنبط من القرآن والسنة َهدي يف الفروع العقدية والعملية
(الفقهية) ،بل هذا من هدايات الكتاب والسنة بال أدنى ريب ،فهي اهلدايات التي َيتحرى فيها
املستنبطون هلا مواط َن ظنوهنم من أدلة الوحي فهام واستخراجا للمعاين ،ما داموا يف فروع
الدين ،ال يف أصوله ؛ ألن أصول الدين قطعية األحكات يقينية املآخذ من الكتاب والسنة وأدلة
الرشع .
وإنام املقصود بالنقص والعيب هنا :أن تصبح أدلة الوحي منطلقا للتعصب املذهبي ،
ولتفريق األمة عىل فروع ظنية :فقهية أو عقدية ،فيقوت الشارح برتفه الفكري (الذي هو نزف
فكري يقطع يف جسد األمة) والذي خيوض به معاركه الفقهية والعقدية ،فينقله من كتب اجلدل
(واخلصومات) إىل رشحه لكتاب من كتب السنة النبوية مثال ! يا أهيا الفارس الفكري :دع
رحمك وسيفك ،دع رصخات الط َعان ودعوات النزال ،واحرصها يف ساحات اجلدل
املتخصصة فقط ،إن كنت مرصا عليها ! باهلل عليك ال تنقلها إىل واحة تفسي القرآن أو إىل
روضة رشح السنة ،فأنت عندمها يف جنّة الوحيني وعىل بساط السامء وبني حفيف أجنحة َم َلك
الوحي ،فال ترفع صوتك وألق بسمعك ،واغمد سيفك و َأشهر قلبك ،وانزل عن صهوة
القتال لرتقى يف سامء اجلالل ،وهدئ من َروعك لينفث يف روعك من نور الوحي .أنت هنا يف
4
ون إخ َوة ﴾ ،وحتت قانون األلفة الذي يقول ﴿إن الذي َن َفرقوا دينَهم َوكَانوا
ساحة ﴿إن َام املؤمن َ
ش َيعا َلس َت منهم يف ََشء ﴾ ،ويف ظالل « :كونوا عباد اهلل إخوانا ،املسلم أخو املسلم :ال يظلمه،
وال خيذله ،وال حيقره » ،ويف كنف رعاية « :ترى املؤمنني يف ترامحهم وتوادهم وتعاطفهم ،كمثل
اجلسد ،إذا اشتكى عضوا َ :تدَ ا َعى له سائر جسده بالسهر واحلمى».
ّ
املخل : • الرابع :االختصار
كبعض احلواَش والرشوح التي ترشح غي املحتاج إىل رشح ،وتتعامى عن املشكالت التي
تستوجب الرشح .فيذكر الشارح هنا رشحا لغريب يمكن كل طالب علم أن يستخرجه من
(هناية) ابن األثي ،وإذا أتى إىل معنى مشكل تصات وتعامى ،فال يسمع شكوى احليارى ،وال
لقد عرفت بعض الدروس التي هي من هذا القبيل ،ثم نسخت وطبعت ،ونفخت بورت
األلقاب للشارح .ال ي َعلـق الشارح إال بحسب قليل ما يظن أنه حيسن ،مما يلهج بنحوه ويكرره
دائام ،ولو كان مما ال حيتاج رشحا .ويصمت عام يفتقر كل االفتقار إىل التعليق ،ولو بالتنبيه إىل
إشكاله ،وإىل حاجته إىل جواب ؛ «فإن معرفة اإلشكال علم يف نفسه ،وفتح من اهلل تعاىل» ،كام
قال اإلمات القرايف (ت684هـ)( .)1ثم ّ
يغط الشارح يف صمت دائم ،ليستيقظ عند تعليق حمفوظ،
لينتهي الدرس املبارك بتضييع األوقات وتسطيح العلوت وشحن النفس بغرور حضور جمالس
عن مقصود العلم الذي خيدمه النص األصيل املرشوح باستطرادات ال عالقة هلا بمقاصده ،فإذا
انضاف إىل ذلك :كثرة النقل والقص واللصق :فهو التطويل الثقيل والداء الوبيل ،عفا اهلل
أما إذا كان التطويل يف خدمة مقاصد الكتاب ،وكان فيه حترير وإبداع ،وجودة نقل مع
حسن استثامر للمنقول حتليال ونقدا وبناء عليه ..فأنعم به من تطويل ،فذاك هو العلم الذي
أما غي هذا التطويل (وهو التطويل اململ) :فاالختصار فضيلة يف مقابله مهام كان ..يكفي
االختصار أنه نجا من ثقل التطويل ودائه الوبيل .فكيف إذا كان اختصارا بليغا جيمع املعاين
الكثية يف األلفاظ اليسية ،بغي إلغاز ،أو كان يقترص من الكالت عىل أمهه وعيونه ،فهذا أو
أولئك العلامء .لكن بعد تَيِّس الوقوف عىل الكتب من خالل املطبوعات ،ثم من خالل الربامج
احلاسوبية :أصبحت تلك الرشوح نسخا ممسوخة عن أصوهلا ،ال تتجاوز فضيل َة القص
واللصق (كام يقال) ،إن كانت تلك فضيلة ،وق ّلت فائدهتا .فالعتب ال يتوجه إليها ،بقدر ما
استمر عىل طريقة التأليف هذه ،رغم عدت احلاجة إليها .
ّ -من
6
-وممن يرجع إىل هذه الكتب ويعزو إليها ،وجل املهم فيها منسوخ بحرفه من مصادر
-1ف إما أن يكون قصد الشارح تقريب السنة لعموت املسلمني ،من خالل ترتيب
الرشح( ،)1وحسن عرضه ،وسهولة أسلوبه ،بام يناسب معارف املعارصين وأذواق
-2وإما أن يضيف الشارح استنباطات وفوائدَ عىل رشوح السابقني ،خاصة فيام يناسب
هذه هي أهم عيوب الرشوح :أحببت التنويه بذكرها ؛ ليتنزه عنها من أت مه َة الرشح وقصد
غايتها ،فلينج منها ؛ وتكون من معايي هذا البحث التي عليها بني االختيار والثناء ،أو اإلقصاء
( )1كالكت ب الدراسية :التي تبدأ بالتعريف بالصحايب راوي احلديث ،ثم بمعاين الكلامت الغريبة (ضمن
جدول) ،ثم بني املعنى اإلمجايل ،ثم أهم فوائد احلديث ..مرقمة ،ثم أسئلة توجه عىل الدارسني لتحفيز
قدرهتم الفكرية عىل النقد واالستنباط .
7