You are on page 1of 160

‫‪ ..‬الأُوىل ‪..

‬‬
‫كثيرة هي المعار�ض الت�شكيلية‪ ,‬بل �أن المرء المتابع غير قادر على الإحاطة بها‪� ,‬إلى جانب عمله‪ ,‬و �أ�سرته‪ ,‬و �أوالده‪ ,‬و حاجاته و‬
‫عالقاته الخا�صة‪ .‬و هذا ما يفر�ض عليه الإختيار فيما بينها‪.‬‬
‫و ما من معر�ض يفتتح‪� ,‬إال و تجده غا�صاً بالم�شاهدين‪ ,‬علماً �أن العمل الفني‪ ,‬بمثل هذا ال�شرط‪ ,‬ال يمكن تلقيه كما يلزم‪ ,‬و ذلك‬
‫لعدم توفر الم�ساحة للر�ؤية‪� ,‬إ�ضافة �إلى ال�ضو�ضاء‪ ,‬التي تحيط بمن يود �أن يتلقى و يت�أمل ‪.‬‬
‫�أما في اليوم الثاني‪ ,‬ف�صالة الت�شكيل فارغة‪ ,‬و قد يوجد فيها واحد �أو اثنان‪ ,‬وهذا ما ي�شير �إلى �أن افتتاح المعار�ض‪ ,‬و ح�ضور‬
‫ال ثقافياً‪ ,‬خا�صة‪ ,‬و �أن من المالحظ غياب ال�شباب‪ ,‬و بال�ضبط طالب‬ ‫الم�شاهدين لها‪ ,‬قد �أ�صبح "طق�ساً اجتماعياً" �أكثر منه تعام ً‬
‫كلية الفنون الجميلة‪.‬‬
‫و عندما نقول "طق�ساً اجتماعياً " ف�إن الفاعلين فيه هم �أ�صحاب ال�صاالت – و هذا عملهم – و حاملو الكاميرات ال�ضوئية و‬
‫التلفزيونية‪ ,‬و محررو المجالت الخا�صة‪ ,‬المالحقة للن�شاطات االجتماعية‪ ,‬و بع�ض �إعالميي ال�صحف المحلية‪ ,‬و محررو بع�ض‬
‫مواقع االنترنت‪� ,‬أي �أن وراء هذا الطق�س االجتماعي ادارة اقت�صادية‪,‬و �أخرى �إعالمية‪ ,‬و �أنهما ي�ستجيبان و ي�ستغالن تطلعات فئة من‬
‫جمهور هذه ال�صاالت‪ ,‬لإثبات الح�ضور و الإ�شهار‪.‬‬
‫ومن الم�ؤكد �أن هذه ال�صورة تبدو �شبحية و غير وا�ضحة‪ ,‬على م�ستوى الت�شكيليين‪ ,‬و لكنها ت�أخذ �ألوانها و �أبعادها الوا�سعة‪ ,‬على‬
‫م�ستوى ن�شاطات الفنانين الدراميين‪ ,‬حيث تبرز �أوجه �أخرى للعن�صرين االقت�صادي و الإعالمي‪ ,‬مثل م�صممو الأزياء‪ ,‬و دور الماكياج‪,‬‬
‫و حينذاك تتو�ضح الظاهرة جيداً‪� ,‬إنها ظاهرة " توثين الفنان"‪ .‬ووراء هذه الظاهرة �أبعاد كثيرة‪ ,‬النود الخو�ض بها في هذه العجالة‪.‬‬
‫لمثل هذا " التوثين " �صحفه ومجالته – �أيها ال�سادة – ولكن مجلتنا تطمح‪� ,‬أقول تطمح – و �إن لم يتحقق ما تطمح �إليه – �أن‬
‫تطل على الم�ستبعد‪ ,‬و على‬ ‫تكون مجلة بحثية‪ ,‬بل و مح ّكمة‪ ,‬تدر�س ظواهر الفن‪ ,‬و علومه‪ ,‬و تاريخه‪ ,‬و نقده‪ ,‬و �أعمال �أ�صحابه‪ّ .‬‬
‫المهّم�ش‪ ,‬و المعتم عليه فناً و كتابة‪ .‬و هذا ما يتطلب جهداً وا�سعاً و مك ّثفاً‪ ,‬و نرجو �أن ي�ساعدنا‪ ,‬في تحقيق هذا الأمر‪� ,‬أ�صحاب هذا‬
‫التوجه الم�شار �إليه‪.‬‬

‫رئي�س التحرير‬
‫‪1‬‬ ‫الأولى‪ ...........................................................:‬رئي�س التحرير‬ ‫مجلة ف�صلية تعنى بفنون الت�شكيل‬
‫وعلوم الفن‬
‫علوم الفن‪:‬‬ ‫ت�صدر عن الهيئة العامة ال�سورية‬
‫‪P.A. Michelis‬‬ ‫للكتاب‬
‫‪4‬‬ ‫ترجمة‪ :‬د‪ .‬عبد اهلل ال�سيد‬ ‫المثال الم�سيحي و تميزه بمقولة الرائع؟؟‪...........‬‬ ‫في الجمهورية العربية ال�سورية‬
‫دم�شق‬
‫‪14‬‬ ‫د‪ .‬محمود �شاهين‬ ‫عوامل الوحدة في العمارة الإ�سالمية!!‪..............‬‬
‫*‬
‫‪25‬‬ ‫النحات عا�صم البا�شا‬ ‫منحوتة‬ ‫رئي�س مجل�س الإدارة‪:‬‬
‫ال�سيد وزير الثقافة‬
‫‪26‬‬ ‫د‪ .‬عفيف البهن�سي‬ ‫�أبعاد علم النقد الفني؟؟‪........................‬‬ ‫د‪ .‬ريا�ض ع�صمت‬

‫مقابلة مع فنان‪:‬‬ ‫المدير *الم�س�ؤول‪:‬‬


‫ال�سيد محمود عبد الواحد‬
‫�أجرى الحوار‪ :‬بثينة ال�شيخ عبيد ‪36‬‬ ‫الفنان ن�ش�أت الزعبي‪..‬خال�صي بالفن والحب ؟؟‪.......‬‬ ‫التحرير‪:‬‬‫رئي�س *‬
‫د‪ .‬عبد اهلل ال�سيد‬
‫‪47‬‬ ‫النحات �أكثم �سلوم‬ ‫منحوتة‬ ‫�أمين *‬
‫التحرير‪:‬‬
‫فنانون �سوريون‪:‬‬ ‫د‪ .‬محمود �شاهين‬
‫*‬
‫‪48‬‬ ‫محمود مكي‬ ‫الفنان روالن خوري‪..‬وواقعية الإيحاء الرومان�سي‪!!..‬‬ ‫الم�ست�شار الإعالمي‪:‬‬
‫ال�سيد ف�ؤاد بالط‬
‫‪58‬‬ ‫غازي عانا‬ ‫تناق�ضات ال�شخ�صية االفترا�ضية‪ ...‬عند الفنان �سبهان �آدم!!‪..‬‬ ‫الهيئة *‬
‫اال�ست�شارية‪:‬‬
‫د‪ .‬عفيف بهن�سي‬
‫فنان عربي‪:‬‬ ‫د‪ .‬اليا�س زيات‬
‫د‪ .‬حنان ق�صاب ح�سن‬
‫‪66‬‬ ‫غازي �أنعيم‬ ‫قراءة في رائد الت�شكيل الأردني‪ ...‬مهنا الدرة ؟؟‪..‬‬ ‫د‪ .‬عبد الكريم فرج‬
‫الفنان فائق دحدوح‬
‫بحوث‪:‬‬ ‫الفني والإخراج‪:‬‬‫الإ�شراف *‬
‫ت ّمام عدنان العمر‬
‫‪78‬‬ ‫معا�شو قرور‬ ‫الأمية الب�صرية ‪�....‬إ�شكالية تلقي الحداثة‬
‫الهيئة العامة *ال�سورية للكتاب‬
‫في الفن الت�شكيلي العربي‪....‬‬ ‫مجلة الحياة الت�شكيلية‬
‫دم�شق ‪ -‬ال�صالحية‬
‫مقابل مجل�س ال�شعب‬
‫بناء وزارة التموين �سابق ًا ط‪3‬‬
‫‪93‬‬ ‫الفنانة �سارة �شما‬ ‫لوحة‬
‫‪94‬‬ ‫د‪ .‬عبد الكريم فرج‬ ‫فن الت�صويرال�صيني!!‪...‬‬

‫‪101‬‬ ‫الفنان نعيم �شل�ش‬ ‫لوحة‬


‫‪102‬‬ ‫�سامر ا�سماعيل‬ ‫الر�ؤية الب�صرية في الحداثة‪!!..‬‬
‫‪108‬‬ ‫نزار �شاهين‬ ‫اال�ست�شراق في الفن (بين الواقع و المتخيل)‬

‫و من اللوحة �إلى الفوتوغراف‬

‫‪117‬‬ ‫الفنان بطر�س المعري‬ ‫لوحة‬


‫حدث‪:‬‬
‫‪108‬‬ ‫التحرير‬ ‫ر�صد‪...‬الندوة الموازية لمهرجان الفنون اال�سالمية‬

‫(نق�ش و رق�ش) في ال�شارقة‬

‫‪130‬‬
‫التحرير‬ ‫معر�ض الخريف ال�سنوي ‪2010‬‬

‫‪139‬‬ ‫النحات ف�ؤاد دحودح‬ ‫منحوتة‬


‫‪140‬‬ ‫الفنان طارق البطيحي‬ ‫لوحة‬
‫‪141‬‬ ‫�إعداد‪ :‬ح�سان �سعيد‬ ‫جريدة المجلة‪........................................:‬‬

‫‪160‬‬ ‫�أمين التحرير‬ ‫الأخيرة‪................................................ :‬‬

‫‪Chairman of Board of Directors: Minister of Culture Dr. Riyad Ismat‬‬


‫‪General Manager: Mr. Mahmoud Abdelwahed‬‬
‫‪Editor in Chief: Dr. Abdullah Alsayed‬‬
‫علوم الفن‬

‫املثال امل�سيحي و متيز تعبريه‪..‬‬


‫مبقولةالرائع ؟؟‪..‬‬
‫ت�أليف ‪P.A. Michelis :‬‬
‫ترجمة‪ :‬د‪ .‬عبد اهلل ال�سيد**‬

‫في الأديان ال�شرقية القديمة‪ ،‬ف�إن م�شاعر الرائع‪ ،‬ولدت من‬ ‫لنتفح�ص هذا ال�س�ؤال‪ :‬لماذا ع ّبر الفن الم�سيحي عن مثاله‪،‬‬
‫الخوف والرعب �أمام القوى ال�سرية والجموحة للطبيعة‪ ،‬ولهذا‬ ‫بالمقولة اال�ستطيقية لـ "الرائع" بجدارة لم تكن‪ ،‬لمقولة‬
‫ف�إن الفن يعطي للآلهة �أوجه ًا مخيفة‪ ،‬كما بنيت المعابد هائلة‪.‬‬ ‫"الجميل" كما هي حالتها لأجل الوثنية‪� .‬أ فلي�ست كل الأديان‬
‫في اليونان‪ ..‬ف�إن حمية "الرائع" تهد�أ‪ ،‬لأن الإن�سان كان يتبع‬ ‫بنت المعابد‪� ،‬أي �أماكن العبادة‪ ،‬ومثلت الآلهة فيها***‪� ،‬أي‬
‫العقل‪ ،‬كان يعي�ش التوحد بالطبيعة‪ ،‬وي�ؤن�سن الآلهة‪ .‬ومن هنا‬ ‫كائنات ال مرئية‪ ،‬موهوبة بقوى فوق طبيعية؟‪ ..‬بالفعل‪ ..‬ف�إن‬
‫جهد فن اليونان‪ ،‬الذي ولأجل مثلنة الج�سم الب�شري بالت�ساوي‬ ‫هذه النقطة الم�شتركة في كل الأديان‪ ،‬ت�شرح لماذا تع ّبر كل‬
‫مع الألوهية‪� ،‬أعطاه ن�سب ًا من�سجمة‪ ،‬ولأجل بناء معابده‪،‬‬ ‫حم ّية "الرائع" عن نف�سها في كل فن ديني‪ ،‬ولكن هذه الحم ّية‬
‫�أخذ كنموذج بيت الإن�سان‪ .‬وحتى لو �أن المقايي�س الإن�سانية‪،‬‬ ‫للرائع‪ ،‬ت�ستطيع االنطواء �أحيان ًا‪� ،‬أمام ميل غازٍ �آخر والخ�ضوع‬
‫وجدت مبالغة في تمثيل الآلهة‪ ،‬وفي مقايي�س م�ساكنها‪ ،‬ف�إن‬ ‫له‪� ،‬أو بالعك�س‪ ..‬تتمثله‪ ،‬وت�صبح هي بالذات مهيمنة‪.‬‬
‫هذه المبالغة‪ ،‬لم تبحث مع ذلك عن الهدوء الكمي‪ ،‬ولكن عن‬

‫* من كتاب ا�ستطيقا الفن البيزنطي "‪"Esthétique de L'art Byzantin‬‬


‫** نحات وباحث جمالي‪� ،‬أ�ستاذ في كلية الفنون الجميلة ‪ -‬بدم�شق‪.‬‬
‫*** �أال ي�ستثنى الدين الإ�سالمي من هذا التعميم؟‪( ..‬المترجم)‪.‬‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪4‬‬


‫كني�سة مونريال‪ ,‬كارلو‪ ,‬اليونان‪.‬‬
‫للقدماء‪ ،‬كما ال حظها "�شيلنغ ‪ "scheling‬بال�ضبط‪ ،‬هي‬ ‫�سمو الكيفية‪ .‬وكما �أن ن�سب الج�سم الإن�ساني ون�سب م�ساكنه‬
‫تمثيل "الالنهائي" في "النهائي"‪ ،‬في حين �أن الم�سيحية‬ ‫احترمت‪ ،‬ف�إن ال�سمو الكيفي للمعابد والآلهة لن ت�ستبعد‬
‫و�ضعت "النهائي" في "الالنهائي"‪� ،‬أي عملت منها مجاز ًا‬ ‫الإن�سان‪ .‬فهو لم يختبر �أمام هذه الأخيرة �أية م�شاعر فناء‪ .‬لأن‬
‫لالنهائي(‪ )1‬فالمعنى الذي ي�أخذه االله في كل دين‪ ،‬يختلف‬ ‫ن�شوة االنحطاف بـ "الرائع" ت�صبح هنا م�شاعر الفرح المرتبطة‬
‫�إذن في كل منها‪ ،‬كما تختلف كل الأديان في المعتقد وم�ؤيديها‪.‬‬ ‫بالأ�صداء العقلية‪ ،‬التي تتكاثر في الت�سجيل الوحيد للجميل‪.‬‬
‫ولهذا ف�إن التعبير عن الرائع ح�سب الحاالت‪ ،‬يتو�سع‪ ،‬يتقل�ص‪،‬‬ ‫ومن المتوجب انتظار الحقبة الم�سيحية‪ ،‬لر�ؤية م�شاعر‬
‫يتحول‪ ،‬وال�سمة اال�ستطيقية لأعمال الفن‪ ،‬تختلف في كل حقبة‪،‬‬ ‫"الرائع" التي تدور من جديد نحو الفائق الحدود‪ .‬وحيئنذ‬
‫كما تختلف في وظيفة المقولة اال�ستطيقية التي ت�سيطر عليها‪،‬‬ ‫فهذه المرة‪ ،‬لن يكون الهائل والمخيف في القوى الطبيعية‪،‬‬
‫وهذا ال يعني �أن المقوالت المختلفة تتقابل بال�ضرورة‪ ،‬وت�صبح‬ ‫هو ما ُيبحث عنه للتعبير‪ ،‬و�إنما النهائية عمق الروح‪ ،‬ولن يكون‬
‫متناق�ضة‪.‬‬ ‫الخوف واالرتعا�ش هما الدافع لال�ستكانة‪ ،‬ولكن م�شاعر الحب‬
‫* * *‬ ‫الالمتناهي‪ .‬ولهذا ف�إن الفن الم�سيحي‪ ،‬ولأجل �إظهار الكلي ‪-‬‬
‫لنر الآن‪ ،‬ومما هو �أكثر قرب ًا‪ ،‬بماذا يتناق�ضان‪ :‬الدين‬ ‫القدرة‪� ،‬أعطى لوجه الإن�سان‪ -‬اال له �شك ًال عديم المادية‪ .‬ولأجل‬
‫الم�سيحي‪ ،‬والدين الوثني‪ .‬القدي�س بول�س‪ ،‬وكي ي�شرح روح‬ ‫�أن ي�ستطيع احتواء الآله‪ ،‬وب�شكل ما‪ ،‬في معابده الجديدة‪ ،‬فقد‬
‫الدين الجديد‪ ،‬لأثنيي االنحطاط‪ ،‬كان قد قال‪� ،‬أنه �أثناء تنزهه‬ ‫بحث لجعل ف�ضاءاتها ال نهائية‪ .‬لقد كانت الم�شكلة بالن�سبة‬

‫‪5‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫ف�سيف�ساء‪ ,‬في كني�سة القدي�س‪ ,‬كوم وداميان‪ ,‬الأردن‪.‬‬
‫فقد اكت�سبه بانت�صاره على التيتان‪ ،‬وبم�ساعدة الآلهة الأخرى‪،‬‬ ‫في المدينة‪ ،‬ر�أى بين الح�شد �أ�صنام ًا‪ ،‬ومذبح ًا مكر�س ًا "للآله‬
‫الذين يدين لهم بالكثير لهذا الفعل‪ ،‬وبالخال�صة ف�إنه لم يكن‬ ‫المجهول"‪ .‬هذا االله الذي يج ّلونه‪ ،‬والذي يجهلونه كلية‪� ،‬أوجبوا‬
‫يحكم كملك مطلق‪ ،‬ولكن متعلق ًا بالآلهة الأخرى‪ .‬و�ضياعه كان‬ ‫‪ -‬كما كان قد ع ّلم القدي�س بول�س ‪ -‬البحث عنه فيهم بالذات‪.‬‬
‫متنب�أ به من قبل "بروميثه" الذي كافح لحمل النار للب�شر‪ ،‬ومعه‬ ‫فقد كان في كل واحد م ّنا‪" .‬فيه وبه لدينا الحياة‪ ،‬الحركة‬
‫النور ويقظة العقل‪ .‬فكان الإن�سان مركز العالم‪ ،‬وكان العقل‬ ‫والكينونة"(‪.)2‬‬
‫دليله‪.‬‬ ‫وبهذه الكفاءة للدوران نحو داخل النف�س‪ ،‬حيث يتك�شف‬
‫ولهذا كانت �أخالقية هذا الدين‪ ،‬ت�أخذ موقف ًا �إيجابي ًا‬ ‫الآلهي‪ ،‬يقوم التناق�ض بين المثال الديني للوثنيين‪ ،‬وبين‬
‫تجاه الحياة‪ ،‬وكانت تع ّلم �أن الروح‪ ،‬تكون �سليمة‪ ،‬حينما يكون‬ ‫مثال الم�سيحيين‪ ،‬ومن هنا ف�إن الفنان الم�سيحي ا�ستخل�ص‬
‫الج�سم �سليم ًا‪ .‬البحث عن الحقيقة كان م�س�ألة التربية الفل�سفية‬ ‫�أ�صالته‪ .‬ف�آلهة اليونان كانت كثيرة‪ ،‬وبهذا ال�شرك (التعددي)‪،‬‬
‫والتثقيف‪� ،‬أ�صحابها هم الوحيدون الذين كانوا ي�ستطيعون‬ ‫كان يوجد نظام تراتبي‪ ،‬ولكن زو�س هو بالذات كان خا�ضع ًا‬
‫حيازة �أن يكونوا مواطنين �أحرار تابعين للنخبة‪ ،‬ولي�س للعبيد‬ ‫لل�ضرورة (‪ ،)AVáγχη‬فهو لم يكن كلي القدرة‪ ،‬فقد كان لديه‬
‫�أبد ًا‪ .‬االلتما�س ال�صوفي للحقيقة في �أ�سرار ايلوزي�س‪ ،‬كان عمل‬ ‫�شهوات �إن�سانية �أي�ض ًا‪ ،‬مثل �آلهة الأولمب الأخرى‪ ،‬وكان خا�ضع ًا‬
‫عدد قليل من المطلعين‪ ،‬وفي الأ�سرار الأخرى �أو العبادات غير‬ ‫لالن�سجام الكوني‪ .‬كما كانت تناق�ضه قوى عدائية‪ ،‬و�سيادته لم‬
‫الر�سمية‪ ،‬حيث كان الم�شتركون �أكثر عدد ًا‪ ،‬كانوا ي�ستطيعون‬ ‫تكن م�ضمونة الأبدية‪ ،‬بما �أنه لم يكن خالق العالم‪� .‬أما �سموه؛‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪6‬‬


‫فري�سك القدي�س بري�سيال‪ ,‬روما‪.‬‬
‫من كل هوى �إن�ساني‪ .‬لم ي�أخذ �شك ًال �إن�ساني ًا‪� ،‬إال حين نزل‬ ‫�إتيان ال�شعب‪ .‬ويبدو �أن الفكر والنف�س لم ي�صال �إلى بع�ض‬
‫على الأر�ض‪ ،‬وحرر الب�شر من �أهوائهم‪ .‬وعلى الأر�ض عانى‬ ‫الحقائق �إال عبر الرموز‪ ،‬والتجارب الفيزيائية‪ ،‬مثل الهيجان‬
‫الحب الالمتناهي لأجلهم‪ ،‬وع ّلم �أن الحب للقريب كان وا�سطة‬ ‫الديونيزي‪ .‬الفاجرات كنّ ي�ضربنّ �أنف�سهنّ ‪ ،‬بالذات‪ ،‬يرق�صنّ ‪،‬‬
‫للإن�سان ليتحرر من طبيعتة المادية والخاطئة‪� .‬أخالق الدين‬ ‫ي�صرخنّ الليل في الغابات‪ .‬ينتحبنّ ويحتفلنّ بتهتك وعربدة‪،‬‬
‫الم�سيحي تب ّنت �إذن و�ضع ًا �سلبي ًا �ضد الحياة‪ ،‬وتعد بحياة �أخرى‬ ‫وكما الحظ "بيركهارد"‪ ،‬هذه الكلمات لأر�سطو‪" :‬ما يح�سب‪،‬‬
‫�أبدية‪ ،‬حيث الطيبون وال�شريرون �سوف يحاكمون‪ .‬فالحياة في‬ ‫لي�س تعلم الأ�شياء‪ ،‬ولكن �أن تعا�ش"(‪ .)3‬يطبقونها على كل‬
‫هذا العالم‪ ،‬لي�ست �إال �سفر ًا مملوء ًا باالختبارات‪� ،‬صراع الوعي‬ ‫الأ�سرار‪ .‬و�أق�صى نتيجة لهذه "التجربة" للأ�شياء‪ ،‬كان "نور‬
‫بين الخير وال�شر‪ ،‬الذي ي�سمح له ب�إحتياز الفرح الأبدي بف�ضل‬ ‫ايلوزي�س" الذي كان يبهر الم ّلقن فج�أة‪� ،‬إلى نهاية اختباراتها‪،‬‬
‫التوبة وال�صالة‪.‬‬ ‫وتجوالها في الجحيم‪.‬‬
‫الخطيئة‪ ،‬الفداء‪ ،‬التوبة‪ :‬هي العنا�صر الجديدة للحياة‬ ‫�أما التنوير والتطهير للنف�س فحينما كانا يتمان‪ ،‬فقد كانا‬
‫الدينية‪ ،‬وهي تقترح �أن ينظر الإن�سان في �أعماقه‪ ،‬كي يكت�شف‬ ‫متحققين �أ�سا�س ًا برموز مفهومية وتجارب �آتية من الخارج‪،‬‬
‫نف�سه و�شخ�صيته الم�ضيعتين؛ فهو مدعو بنداء فوق طبيعي‬ ‫ولي�س من تك�شفات داخلية مختبرة بالوعي الفردي‪.‬‬
‫للم�شاركة في الألوهية‪ .‬البحث عن الحقيقة لم يكن �إذن‬ ‫الأله الم�سيحي بالعك�س‪ ،‬كان وحيد ًا‪ ،‬خالق ًا‪� ،‬سيد كل الأ�شياء‬
‫قبلي ًا ‪ ،priori‬م�س�ألة للمعرفة‪ ،‬ولكن بالأحرى الكت�شاف "االله‬ ‫وح�سب العقيدة‪ ،‬فهذا االله في ثالثة �أقانيم غير منق�سمة‪ ،‬نقي‬

‫‪7‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫الم�صلية‪ ,‬قبو (كتاكومب) في كني�سة القدي�س لي�سين‪ ,‬روما‪.‬‬
‫لم يكن �أبد ًا عمل التثقيف‪ ،‬ولكن عمل الزهد‪ .‬المثال لم يكن‬ ‫المجهول" فينا‪ ،‬وهذا البحث كان بالأ�سا�س موجه ًا لأكثر �أطفال‬
‫�أبد ًا التطور االن�سجامي للج�سم‪ ،‬ولكن تجلده لإذالل الج�سد‪.‬‬ ‫ال�شعب توا�ضع ًا‪ ،‬للعبيد‪ ،‬وللنا�س الأحرار‪ ،‬وللأميين‪ ،‬للكل دون‬
‫فالزاهد م�صارع‪ .‬وحتى النا�س الب�شعون‪ ،‬الم�شوهون‪ ،‬المعاقون‪،‬‬ ‫ا�ستثناء‪ ،‬بما �أن الكل كان ي�ستطيع الحب‪ ،‬االعتقاد‪ ،‬الأمل‪.‬‬
‫كان يمكنهم �أن يحوزوا فيهم م�شاعر الحب الالمتناهي‪ ،‬و�أن‬ ‫هذه العودة غير المنتظرة للإن�سان نحو الداخل‪ ،‬هذا‬
‫يكون حتى �أكثر �سهولة للإن�سان ليكت�شف بذاته عظمة نف�سه‪،‬‬ ‫التك�شف المعانى للنور النقي والأبدي في نفو�سنا‪ ،‬هذا الفي�ض‬
‫عبر �إنكار الج�سد‪ ،‬وعدم االكتراث ل�سحر الجمال الخارجي‪.‬‬ ‫من الم�شاعر الغنية‪ُ ،‬عمل �إذن‪ ،‬و�سيكون معجزة دائم ًا‪ .‬ف�أي ردة‬
‫ولأجل الإخراج في تمثيل الإن�سان لعمق حياته الداخلية‪ ،‬ف�إن‬ ‫فعل ا�ستطيقية �ستثار‪� ،‬إن لم تكن الن�شوة؟‪..‬‬
‫الفن لم يكن لديه حاجة للجوء �إلى الن�سب المن�سجمة للج�سم‪،‬‬ ‫�ضمن هذا التناق�ض للإن�سان فيما بين عظمة نف�سه‪،‬‬
‫بل كان ي�سعى لمركزة انتباهه على الخطوط المميزة للوجه‪،‬‬ ‫و�صغارة وجوده اليومي‪ ،‬ف�إنه معت�صر بالخوف‪ ،‬الذي ُي�صمت‬
‫وعلى تعبيريته‪ ،‬على النظر‪ ،‬على ال�شفاه‪ ،‬على تجعدات وجوه‬ ‫بالفرح ال�شديد حينما ي�أتي الحب الالمتناهي‪ ،‬لتحريره من‬
‫النا�سكين‪ ،‬ذات الج�سد المعدوم المادية والمت�صلب‪ ،‬المعلق‬ ‫�سال�سل العالم المادي‪ .‬وهكذا ف�إن م�شاعر تجاوز الإن�سان ذاته‬
‫بالف�ضاء‪ ،‬كما لو �أنه لم يكن "من هذا العالم"‪.‬‬ ‫بذاته تنبثق منه‪ ،‬غامر ًا نف�سه بالإعجاب‪ .‬فعبادة الجمال‪ ،‬و�سحر‬
‫كان من العادي �إذن‪� ،‬أن تكون هذه الخطوط المميزة م�ؤكدة‬ ‫ال�شكل الخارجي يتقو�ضان منذ الآن‪ ،‬لأن الطبيعة الإن�سانية‬
‫في تمثيل الأله‪ .‬الأله هو الكلي القدرة؛ هو القا�ضي ال�سماوي‬ ‫تكت�شف فيها بالذات جما ًال �آخر‪ ،‬لي�س هو جمال العقل‪ ،‬الذي‬
‫وله النظرة ال�صاعقة‪ ،‬ولكنه �أي�ض ًا ال�ضحية وال�شاهد على‬ ‫اكت�شفه اليونانيون‪ ،‬ولكن جمال م�شاعر النف�س‪ ،‬وهذا الفتح‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪8‬‬


‫كني�سة مونريال‪ ,‬كارلو‪ ,‬اليونان‪.‬‬ ‫قبو (كتاكومب) كني�سة القدي�س بري�سيال‪ ,‬روما‪.‬‬
‫وا�صف ًا له كاله "الذي ما �إن يقطب حاجبيه حتى بهتز كل‬ ‫يحول‬‫الحب الالمتناهي‪ .‬و�أمامه ف�إن الرعب ي�شدّنا والفرح ّ‬
‫الأولب"(‪ .)4‬ولكن عملقة الأبعاد باللجوء الوحيد للخطوط‬ ‫�أنف�سنا‪� .‬أنه يك�سر ويرفع دفعة واحدة‪ ،‬هذه هي م�شاعر الرائع‬
‫كاف‪ ،‬لمعادلة الكلي ‪ -‬القدرة والعظمة الروحية‬ ‫الخارجية‪ ،‬غير ٍ‬ ‫‪ Sublime‬وااللهي التي يريد الفن التعبير عنها‪� .‬أنه يريد‬
‫للحب‪ .‬بالت�أكيد‪ ..‬االله الم�سيحي ُعبد �أي�ض ًا بما هو الآله "الذي‬ ‫التعبير عن المعجز‪ ،‬ولهذا ف�إن "البانتوكراتور في دفني" عمالق‬
‫ه ّز الأر�ض" والذي هو "نوح تحت الفي�ضان" والذي "يغطي‬ ‫بنظرة مرعبة‪ ،‬ولكن بوجه وديع‪ ،‬هذا هو الروح م�شخ�ص ًا‪ ،‬والذي‬
‫ال�سماء بالغيوم"‪ .‬ولهذا فعلى موزاييك �سفينه القدي�س ‪ -‬كوزم‬ ‫ال يمكن احتواءه‪� ،‬إال في �شكل �إن�ساني منعدم المادية‪ .‬الكلي ‪-‬‬
‫‪ -‬وداميان في روما‪ ،‬ف�إن لدى الم�سيح �شيئ ًا من زو�س‪ .‬ولكن اله‬ ‫القدرة‪ ،‬الالمرئي الذي يحطم كل �شكل‪ ،‬والذي ي�سامح لطيبته‬
‫الم�سيحيين لم يكن وا�ضع اليد على القوة المادية فقط‪ ،‬فهو‬ ‫الالمتناهية‪ ،‬انطالق ًا من عيوننا‪ ،‬هنا ‪ -‬تحت‪ ،‬تحت �شكل‬
‫�أي�ض ًا‪ ،‬رمز الحب الالنهائي‪ ،‬ال�ضحية التي عرفت الموت على‬ ‫�إن�ساني‪ .‬وبهذا ال�شكل يتوجب �إظهار الرعب‪ ،‬والإعجاب‪� .‬أنه‬
‫ال�صليب عاملة فداء جلي ًال‪ ،‬مما يتطلب تمثي ًال جلي ًال‪� .‬آلهة‬ ‫ال يمكن �أن يكون جمي ًال‪ ،‬على طريقة "�أبولون" �أو "هرمي�س"‬
‫اليونان لم يكن لديها االنجاز لأفعال بهذه المنزلة �أبد ًا‪ .‬ولم تبد�أ‬ ‫ولي�س حتى مثل "زو�س" "�أب الآلهة والب�شر" و�أقول بدقة "زو�س"‬
‫الحاجة لل�شعور بها �إال مع ا�سطورة "بروميته" ‪prométhée‬‬ ‫لأنه هو كان الأله الأعلى‪� ،‬سيد الرعد‪ ،‬و�سيكون من المتوجب �أن‬
‫وما غناه "اخيل ‪ ،"eschyle‬وفي موت "�سقراط ‪"socrate‬‬ ‫يحوز في تمثيله بع�ض ال�شيء‪ ،‬من الروعة‪ .‬وقد مثله "فيديا�س"‬
‫هذه الروح النبيلة جد ًا‪ ،‬تملك قوة النف�س �أمام الموت‪ ،‬وقد‬ ‫من جهة �أخرى‪ ،‬عمالق ًا‪ ،‬فقال "بريكل�س" �أن "فيديا�س" في‬
‫دعتنا للرائع من قبل‪.‬‬ ‫تمثيله لزو�س‪ ،‬و�صل �إلى تحقيق ال�صورة التي �أعطاها "هومير"‬

‫‪9‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫قبو (كتاكومب)‪ ,‬روما‪.‬‬ ‫قبو (كتاكومب)‪ ,‬روما‪.‬‬
‫علينا النظر لفن الأقبية الم�سيحية بعيون �أخرى‪ ،‬بعيون الروح‪.‬‬ ‫هذا االن�سجام النقي مع الجميل‪ ،‬الذي عي�ش‪ ،‬وترجمته‬
‫وحينئذ فقط‪ ،‬نفهم حالة روح الفنان‪ ،‬حينما نزل في ال�ضوء‬ ‫الكال�سيكية اليونانية‪ ،‬يك�شف لنا لم�سات الرائع في الحياة‪ ،‬كما‬
‫الباهت للأقبية‪ ،‬لير�سم فيها لي�س ظالل جحيم اليونانيين‪،‬‬ ‫في الفن‪ .‬فهنا يوجد حد�س بـ"االله المجهول" "االله الواحد"‬
‫ولكن نفو�س الم�سيحيين المتحررين من اللحم‪ .‬الم�شاركة بهذه‬ ‫�أي�ض ًا‪ ،‬وبالذات لدى الفال�سفة وال�شعراء اليونانيين" وهذا هو‬
‫الروح الجديدة محتّمة على الفنان‪ ،‬الذي كان يريد التعبير‬ ‫ما �أعلنه القدي�س بول�س حينما قال "لأنه فيه وبه‪ ،‬لدينا الحياة‪،‬‬
‫ب�إخال�ص‪ ،‬مما �أوجب التحري�ض لما في النف�س لهذه الريادات‬ ‫الحركة والكينونة‪ ،‬كما قاله بع�ض من �شعرائكم من قبل"‪ .‬ولكن‬
‫لالنقالبات الحقيقية‪.‬‬ ‫كل هذه المحاوالت للرائع‪ ،‬وجدت نف�سها مغمورة‪ ،‬وك�أنها في‬
‫ال�شاهد الذي كان حقيقي ًا‪ ،‬هو �أن الأعمال في الأقبية‪،‬‬ ‫نعا�س‪ ،‬لعظمة النقاء الأولمبي للجمال‪ .‬ولهذا لم تكن العقلية‬
‫تظهر م�سبق ًا خطوط ًا عالية الدرجة من الأ�صالة المده�شة‪.‬‬ ‫وال و�سائط الفن الكال�سيكي اليوناني جديرة بخلق �شكل وتعبير‬
‫انظروا بانتباه �صورة الم�صلي ‪� .L'orante‬أال تعت�صركم‬ ‫مت�ساوقين مع االله الواحد والوحيد عند الم�سيحيين‪" .‬االله‬
‫ق�شعريرة الوجد عند الظهور لهذا ال�شكل الإن�ساني الأهيف‪،‬‬ ‫المجهول"‪ ،‬روح الكلي ‪ -‬القدرة‪ .‬ولن يجد �أي فنان �أبد ًا هذا‬
‫بالأيدي الممتدة لر�ؤية راحاتها‪ ،‬ب�أ�صابعها المنفرجة وابهاماتها‬ ‫ال�شكل فيما بعد‪� ،‬إن لم تكن الأ�صنام مهدومة‪� ،‬إذا لم تكن‬
‫المت�صلبة‪ .‬و�أخير ًا ف�أمام التعبير المر ّكز لهذا الوجه ال�صارم‪،‬‬ ‫الأ�سلوبية مح ّولة‪� ،‬إذا لم يكن لدى الفنان نبذ نهائي لكل الأ�شكال‬
‫والب�ساطة في كل العمل‪� .‬أين يوجد في الفن القديم �شيء ما‬ ‫"الجميلة" لي�ستمد من �أعماق نف�سه هذه الم�شاعر الجديدة‬
‫م�شابه ًا؟‪ ..‬و�أي عالقة للروح‪ ،‬التي �أملت هذا العمل‪ ،‬مع روح‬ ‫للتعبير‪" .‬الرائع" هو الوحيد القادر على تمثيل المعجزة‪ ،‬مثلما‬
‫العالم القديم؟‪� ..‬إذن‪� ،‬إذا رف�ضنا �أن نترك �أنف�سنا لالنجرار‬ ‫�أجبر دين الحب الجديد الإن�سان‪� ،‬أن يعود �إلى �أعمق ما فيه‪،‬‬
‫بالم�شابهة الخارجية للأ�شكال‪ ،‬واال�ستعارات في فن الأقبية‬ ‫ليعرف التك�شف االلهي‪.‬‬
‫الم�سيحية من الت�شكيل الهلن�ستي‪� ،‬سيتوجب االعتراف‪� ،‬أنه‬ ‫ومن الم�ؤكد‪� ،‬أن تاريخ الفن‪ ،‬يع ّلم �أن هذا التطور‪ ،‬ال يعمل‬
‫بالرغم من التحويل الهادئ في الظاهرة ف�إننا �سنجد �أنف�سنا‬ ‫�إال بمراحل‪ .‬فري�سكات الأقبية ‪ catacomb‬ت�ضمنت بع�ض‬
‫وجه ًا لوجه مع الثورة الحقيقية‪ .‬قبل هذه الثورة كان هناك‬ ‫العنا�صر من الت�صوير الهلن�ستي‪ ،‬وا�ستدعت ال�شخ�صيات‬
‫دراما عا�شها الفنان‪ ،‬ليعبر عن الروح الجديد‪ .‬وبالطبع انهارت‬ ‫اال�سطورية الوثنية لترميز معتقد الم�سيحيين‪ .‬ولهذا يمكن �أن‬
‫�أمام عينيه التماثيل والت�صاوير الوثنية‪ ،‬قبل انهيارها عند‬ ‫يقال ب�أن ت�صوير الكاتوكومبات هو "�أقبية م�سيحية"‪ ،‬ولكن‬
‫الدولة‪ ،‬التي لم تنكرها ر�سمي ًا‪ .‬ملأ الروح الالنهائي الوحيد‪،‬‬ ‫هذه الرابطة التاريخية �شكلية مح�ضة بين مرحلتين‪ ،‬وال ت�شرح‬
‫الالمت�صور‪ ،‬نف�سه بالرعب‪ ،‬قبل �أن يعطيه �شك ًال في فنه‪،‬‬ ‫التناق�ض العميق في روحه‪ .‬ولفك �شيفرة المعاني‪ ،‬يتوجب‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪10‬‬


‫فري�سك‪ ,‬الراعي ال�صالح‪ ,‬قبو (كتاكومب)‪ ,‬كني�سة القدي�س لي�سين ‪ ,‬روما‪.‬‬
‫فت�صوير الأقبية لعينيه‪ ،‬ال يحوز هذه الروحانية بعد‪ ،‬والتي‬ ‫يوجب التعبير‪ ،‬ففعل هذا �سري ًا‪ ،‬رمزي ًا‪ ،‬ومجازي ًا‪ ،‬تحت م�سكن‬
‫هي الوحيدة التي ت�سمح لـ "هذا الأ�سلوب بالتعبير ال�سامي"‬ ‫ا�ستعاري في البداية للتعبير عن هذه الم�شاعر الدينية لمعتقده‬
‫(‪ )Transzenden ter ausdrucksstil‬فهو الوحيد القادر‬ ‫الجديد‪ ،‬هذا المعتقد كان يقوم على الحب‪ ،‬الحب على الأمل‪،‬‬
‫بالتعبير عن المثال الم�سيحي‪ ،‬وهو ما �سيوجد فيما بعد في‬ ‫الأمل من جديد على المعتقد‪ .‬حيث تتحرر هذه الح�سا�سية‬
‫بيزنطة‪ ،‬وبالفعل فهذه الروحانية غائبة‪ ،‬والمغاالة بالتعبير‪،‬‬ ‫للنقاوة‪ ،‬في كل الفري�سكات للأقبية الم�سيحية‪ ،‬وهذه الب�ساطة‬
‫ت�أتي في جزء كبير منها من الميل للباروك‪ ،‬وهو �أ�سلوب تعبيري‪،‬‬ ‫الرائعة ال نجدها‪� ،‬إال في نقاوة النظرة لطفل‪.‬‬
‫�أ�سلوب ب�صمة الفردية‪ ،‬وال�ضعف الإن�ساني‪ ،‬مليء بالحركة‬ ‫وح�سب عارف بارز بالت�صوير القرو�سطي "كرم�ستد‬
‫العنيفة‪ ،‬والحاالت الم�شجية‪ ،‬وبالحركات الم�سرحية‪ ،‬ومن‬ ‫‪ ،)Komstedi"(5‬ف�إن ت�صاوير الأقبية تمثل كل �سمات الباروك‬
‫جهة �أخرى‪ ،‬فقد ا�ستبعد‪ ،‬كما قاله �أي�ض ًا "كوم�ستد" العنا�صر‬ ‫‪ ،Baroque‬وبالذات اللباروك الروماني‪ ،‬ومن هنا هذه‬
‫ليلح على الروحانية‪ .‬ولكن هذه الحياة‬ ‫ال�شهوانية والح�سية‪ّ ،‬‬ ‫المغاالة‪ ،‬وهذه الكثافة في تعبير الوجوه‪ ،‬كما هي في الم�صلي‬

‫‪11‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫النف�س‪.‬‬ ‫للنف�س‪ ،‬التي اعتبرها "كوم�ستد" في ت�صوير الأقبية كعن�صر‬
‫�أوجب الدين الجديد بتك�شف االله في الإن�سان‪� ،‬أن يظل‬ ‫م�سيحي‪� ،‬ستوجب �أي�ض ًا محاكمته على الم�ستوى اال�ستطيقي لأن‬
‫مكر�س ًا ‪ -‬مثلما قلته �سابق ًا ‪ -‬مفهوم الأنا ‪ -‬فوق ال�شخ�صي‪،‬‬‫ِ‬ ‫الإلهام الرفيع‪ ،‬يوجب �أن ي�سكن الفنان و�أن يقلبه في العمق‪ ،‬لأنه‬
‫وكان هذا بف�ضل المبد�أ الذي خلقه �شعب من ال�شهداء‬ ‫وحتى عند مجرد الم�شاهدين‪ ،‬ف�إن عمله يحدث انفعا ًال بخا�صية‬
‫والقدي�سين ممثلين في الأيقونات‪ ،‬فح ّول اليونانيين �أخير ًا‪ ،‬من‬ ‫الرائع‪ ،‬على الرغم من مبالغة الباروك‪.‬‬
‫م�شاهدين غير منفعلين من ق�ضاة مو�ضوعيين للإن�سان‪ ،‬الذي‬ ‫ومن جهة �أخرى‪ ،‬فكل حقبة باروك‪ ،‬ت�أتي بعد الفن‬
‫هو "معيار كل �شيء"‪ ،‬والذي كان م�شارك ًا في االلهي في الع�صر‬ ‫الكال�سيكي‪ ،‬تعمل حقبة تح ّول بين "الجميل" و "الرائع" وهذه‬
‫القديم‪� ،‬إلى ق�ضاه ذاتيين عند الزهّ اد والمت�صوفين‪ ،‬وهكذا‬ ‫�إذن هي حقبة اجتذاب الرائع وحقبة انحالل ت�شير �إلى نهاية‬
‫عرفوا وجه ًا �آخر لهم بالذات‪� ،‬أو �إذا �أردنا قوله ‪ -‬من ال�شرط‬ ‫الجميل‪ ،‬من جهة �أولى‪ ،‬لك ّنها حقبة خلق جديد من جهة �أخرى‪،‬‬
‫الإن�ساني‪ .‬يجب �أال ننده�ش �إذا كان العود كام ًال‪ .‬فالفل�سفة‬ ‫ويح�ضر فيها النبثاق م�ستقبل الرائع‪ .‬هذه‬‫ّ‬ ‫بما �أنه يولد فيها‬
‫ح�ضرت لتجربة هذه الم�شاعر موقظة‬ ‫ال�صوفية الفالطون‪ّ ،‬‬ ‫ال�شعلة المو ّلدة للرائع‪� ،‬ستتو�ضح بف�ضل تو�ضحها هي لذاتها‬
‫القوى الحد�سية المالزمة لكل �إن�سان‪ .‬وكما قال نوفا لي�س "علقّ‬ ‫بالن�سبة للجميل‪ ،‬الذي �سينطفئ‪ ،‬ولهذا ف�إن الباروك متبوع‬
‫(‪ )hafted‬المرئي بالالمرئي‪ ،‬الم�سموع بالالم�سموع‪ ،‬الح�س‬ ‫بحقبة الروكوكو مع �أ�شكاله الغزلية‪ ،‬الب�سيطة وال�ساحرة‪،‬‬
‫بالالح�سي‪ ،‬ور ّبما حتى المفهوم بالالمفهوم‪ .‬ال �شيء �أكثر ولوج ًا‬ ‫التي �سنلتقيها �أي�ض ًا‪ ،‬في ت�صوير الأقبية وبهذا االختالف‪ ،‬مع‬
‫للروح مثل الالنهائي"(‪.)7‬‬ ‫الأخيرة‪ ،‬فهو لم ي�شتعل‪ ،‬بف�ضل كال�سيكية اليونانيين فقط‪،‬‬
‫وفي العمارة‪ ،‬ف�إن م�شكلة التف�سير للفن الم�سيحي‪،‬‬ ‫ولكن �أي�ض ًا ب�شرارات اللطف الأثيري‪.‬‬
‫تُطرح بنف�س الطريقة‪ ،‬التي كانت في الت�صوير‪ ،‬فهي توجب‬ ‫بد أ� الدين الم�سيحي والدته بالت�أكيد‪ ،‬في الدين اليهودي‪،‬‬
‫عدم الت�أثر بالم�شابهات الخارجية‪ ،‬و�إنما محاولة االكت�شاف‬ ‫وهو قبل كل �شيء "�صوفي ‪ ،"Mystique‬مثل الأخير‪ ،‬ولكن‬
‫وبالعمق‪ ،‬للروح الجديد جذري ًا‪ ،‬في الفن الم�سيحي‪.‬‬ ‫فنه لم يرف�ض التمثيل االلهي لهذا الأمر‪ ،‬لأن لرف�ض لهذا‬
‫ح ّل محل معابد اليونانيين الم�ساكن المن�سجمة للآلهة‪،‬‬ ‫التمثيل من قبل اليهود‪ ،‬لم يكن متوجب ًا بتحريم "مو�سى"‬
‫حيث كان الم�ؤمن يحاول الح�صول على محاباتهم‪ ،‬معبد من‬ ‫الذي كان‪ ،‬قد �أراد تجنب ال�صنمية‪ ،‬لأن لدينا تمثيالت يهودية‬
‫نوع �آخر‪ .‬الكني�سة التي بنيت على نموذج البازيليك‪ ،‬ففي‬ ‫للعهد القديم في "دور ًا �أوروبو�س" فهو متوجب �إذن‪ ،‬بالنفور‬
‫داخلها كان يجتمع الم�ؤمنون‪ ،‬تحت حماية الرب الوحيد‪،‬‬ ‫الطبيعي لهذا ال�شعب من محاكاة الطبيعة و�أن�سنة الآلهي‪،‬‬
‫الكلي الوجود‪ ،‬حتى يرتفعوا �إليه بال�صالة "الكني�سة‬ ‫وهو النفور الذي انتقل للإ�سالم‪ ،‬فهو �شعب بدوي �أي�ض ًا‪ ،‬كما‬
‫هي ال�سماء الأر�ضية‪ ،‬ي�سكن فيها اله ال�سماء ال�سامي‪،‬‬ ‫الحظ "�سترزيكو�سكي ‪ )strzygwski"(6‬كما ت�شير الميول‬
‫ويطوف"(‪ .)8‬القبة ت�صبح رمز ال�سماء‪ ،‬وهذه الأ�صالة في‬ ‫�ضد الإيقونية للبروت�ستانتية‪� ،‬إلى هذا النفور الفطري عند‬
‫العمارة الم�سيحية‪ ،‬ال يمكن �أن تكون م�شروحة‪ ،‬ك�آتية وحيدة‬ ‫ال�شعوب ال�شمالية‪ ،‬فهي �شعوب �صوفية "العقالنية" وهي ّميالة‬
‫من منظومة العنا�صر الهيكلية الرومانية وال�شرقية‪ .‬لأن‬ ‫�أكثر نحو ال�شعور ال�سامي للرائع‪ ،‬من ميلها للم�شاعر القيا�سية‬
‫هذا ال�شرح ال يح�سب الح�ساب �إال للمظاهر‪ ،‬فهي �شكلية‪،‬‬ ‫للجميل‪ .‬ولكن الدين الم�سيحي‪ ،‬لم يكن قادر ًا �أن يتم�سك‪،‬‬
‫و�ست�ضمحل‪ ،‬منذ �أن نبحث كيف �أن عنا�صر دون روح‬ ‫بهذا الرف�ض للتمثيل الآلهي‪ ،‬بما �أن اليونانيين هم الذين نقلوا‬
‫متنافرة‪ ،‬متعار�ضة‪� ،‬سيكون با�ستطاعتها �إبداع �شيء جديد‬ ‫معتقدات الم�سيحية �إلى كل العالم‪ ،‬عبر الو�سيط لمعتقدهم‪،‬‬
‫�أي�ض ًا‪ .‬فالجدة تفتر�ض م�شاعر جديدة‪ ،‬حم ّية جديدة‪ ،‬وهي‬ ‫للغتهم‪ ،‬ولفل�سفتهم‪ ،‬التي قدمت للمعتقدات عنا�صرها‬
‫�ستطرح وحدتها على العنا�صر المتوزعة التي �ستخدمها‪ .‬كما‬ ‫المنطقية ال�ضرورية‪ ،‬وكذلك فقد وهبت الفن الم�سيحي عنا�صر‬
‫�أن الفنان �سيكون مجبر ًا �أن ي�ستخدم عنا�صر قديمة‪ ،‬ب�سبب‬ ‫ت�شخي�صية �أ�سا�سية‪ ،‬التي �ست�سمح فيما بعد لبيزنطة للتعبير‬
‫التقليد‪ ،‬ولأنه من الم�ستحيل الإبداع من جديد‪ ،‬انطالق ًا من‬ ‫عن االلهامات الأكثر �سمو ًا‪ ،‬الم�شاعر الأكثر روعة‪ ،‬وحتى خلود‬
‫‪ .1‬ربة الينبوع ‪ -‬ماري ‪ -‬متحف حلب‪.‬‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪12‬‬


‫ال �شيء‪ .‬وهذا ال يعني �أنه ال يوجد �أي �إبداع �أ�صيل‪ .‬فبدون‬
‫هذه الأ�صالة‪ ،‬ف�إن كل تغيير وكل تقدم �سيكون عديم الفاعلية‪.‬‬
‫ولهذا‪ ،‬وبالرغم من كل االختالفات التي �ستكون‬
‫ح�سب البلدان وحقب الفن الم�سيحي‪ ،‬ف�إن هذا الفن مميز‬
‫منذ البداية‪ ،‬ودائم ًا ب�أ�سلوب خا�ص به‪ ،‬و�أ�صيل �أي�ض ًا‪ ،‬لأن‬
‫الح�سا�سية الخا�صة‪ ،‬هي التي و ّلدته‪ .‬وهكذا ف�إن هذه‬
‫الح�سا�سية تجتذب تلوينها العميق‪ ،‬و�سبب كينونتها من‬
‫الرائع‪.‬‬
‫بعد هذه المالحظات‪ ،‬على االختالفات الأ�سا�سية‬
‫المحتومة‪ ،‬لل�سمات الأ�ستطيقية فيما بين المثال الم�سيحي‪،‬‬
‫وبين المثال الوثني‪� ،‬س�أحلل مختلف العنا�صر الواحد بعد‬
‫الآخر في الفن البيزنطي‪ ،‬لإظهار كيف �أن هذه العنا�صر‬
‫التابعة للرائع‪ ،‬كيف �أن التقانة‪ ،‬والأ�سلوبية في العمارة‬
‫والت�صوير �أُلحقت بتعبير المثال الجديد‪� .‬إن اندفاع هذا‬
‫المثال الجديد‪ ،‬كان له مثل هذا الت�أثير على التقانة وعلى‬
‫الهيكلية‪ ،‬و�سيكون خط�أ فادح ًا على الم�ستوى اال�ستطيقي‪،‬‬
‫تحليلها منف�صلة وحملها �إلى �أ�سبقيات �آثارية‪ .‬فهذا �سيكون‬
‫�سلب ًا لكل �س ّره‪ ،‬وتفريغه من مثاله الجديد وتعبيره الرائع‪.‬‬
‫كني�سة القدي�س بطر�س في موا�ساك‪.‬‬

‫***‬
‫الم�صادر والمراجع‪:‬‬

‫‪(1) Lotze: Geschichte der Aesthetik in‬‬ ‫‪Malerei, P. 6-9 (augsburg, 1929).‬‬
‫‪Deutschland, p. 394 (München, 1868).‬‬ ‫‪(6) Voir Strzygowski: Ursprung der‬‬
‫‪(2) Actes XVII. 28 - 29.‬‬ ‫‪christlichen Kirchenkunst, p. 89 - 90‬‬
‫)‪(3‬‬ ‫‪Voir‬‬ ‫‪Burckardt,‬‬ ‫‪Griechische‬‬ ‫‪(Leipzig 1920) et peraté, L'art préroman‬‬
‫‪Kulturgeschichte 1 Be partie, p. 451‬‬ ‫‪dans A. Michel, Histoire de L'art, vol I,‬‬
‫‪(Leipzig, 1929).‬‬ ‫‪p. 3.‬‬
‫‪(4) Proclus le compare avec le Démiurge‬‬ ‫‪(7) Cité par Lützeler: Führer zur Kunst,‬‬
‫‪de timée; voir schuhl, platon et L'art de‬‬ ‫)‪S. 157 (Freiburg I, Br. 1941‬‬
‫‪son temps, p. 55, note 1(Alcan, 1933).‬‬ ‫‪(8) D'après le patriarche Germain. Cf.‬‬
‫)‪(5‬‬ ‫‪Komstedt,‬‬ ‫‪vormittelalterliche‬‬ ‫‪Migne P. G. 98, 384.‬‬

‫‪13‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫علوم الفن‬

‫عوامل الوحدة يف‪..‬‬


‫العمارة الإ�سالمية ؟؟‪..‬‬
‫د‪ .‬حممود �شاهني*‬

‫للأخذ‪ ،‬وب�سهولة لأنها ال تحتاج �إلى ترجمة لإدراكها‪ ،‬وال‬ ‫من الطبيعي‪� ،‬أن يت�أثر الفن الإ�سالمي (وهو �آخر وليد في‬
‫�إلى �شرح م�ستفي�ض للوقوف على مقوماتها وخ�صائ�صها‪� ،‬أو‬ ‫الفنون القديمة) بالفنون التي �سبقته‪ ،‬ال �سيما في البالد التي‬
‫للولوج �إلى غاياتها و�أهدافها وما تكتنز عليه من م�ضامين‬ ‫انت�شر و�ساد فيها‪ ،‬وهي في معظمها‪ ،‬بالد تمتلك ح�ضارات‬
‫ومعانٍ و�أفكار‪ .‬فهي �أ�شبه بالكتاب المفتوح والمكتوب بلغة‬ ‫عريقة‪ .‬والفنون ب�شكل عام‪ ،‬والب�صر ّية منها ب�شكل خا�ص‪،‬‬
‫عالم ّية وا�ضحة والمو�ضوع في متناول جميع ال�شعوب والأمم‪،‬‬ ‫�أكثر مظاهر الح�ضارة الإن�سان ّية قابل ّية للت�أثر والت�أثير‪ ،‬كونها‬
‫ولعل هذه الخ�صي�صة تحديد ًا‪ ،‬هي ما جعلت من الفنون‬ ‫تقوم على الم�شاهدة والر�ؤية‪ ،‬والتراكم في وجدان النا�س‬
‫الب�صر ّية لغة �سهلة الأخذ والتداول‪،‬والت�أثر والت�أثير‪� ،‬إذ يكفي‬ ‫وذاكرتهم الب�صر ّية‪ ،‬من خالل الب�صر وعبره‪ ،‬وهي جاهزة‬
‫* نحات و �أ�ستاذ‪ ,‬عميد كلية الفنون الجميلة بدم�شق‪.‬‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪14‬‬


‫الجامع االموي في دم�شق‪.‬‬

‫‪15‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫�أن ترتمي عليها العين‪ ،‬لتتر�سخ في ذاكرة الإن�سان ووجدانه‪،‬‬
‫فكيف بالن�سبة للفنان الذي يقوم باجتراح فعل الإبداع‪ ،‬في‬
‫هذه الفنون الوا�سعة والرحبة والمتلونة الأ�شكال والتقانات‬
‫والغايات ولديه دربة ومقدرة خا�صة على قراءتها وتذوقها‪.‬‬
‫هنا الت�أثر والت�أثير‪ ،‬ال بد �أن يح�صل‪ ،‬بق�صد �أو بدون ق�صد‪،‬‬
‫�إذ �أن ما تختزنه الذاكرة الب�صر ّية للفنان من �صور‪� .‬أو بتعبير‬
‫�أكثر دقة من (ثقافة ب�صر ّية) ال بد من �أن يرتمي في منجزه‬
‫الفني‪ ،‬بهذا ال�شكل �أو ذاك‪ ،‬بعد �أن ته�ضمه هذه الذاكزة‬
‫وتُعيد ت�أليفه من جديد‪ ،‬معجون ًا بروح البيئة التي ُيولد فيها‪،‬‬
‫والمتطلبات الماد ّية والروح ّية لإن�سانها‪ .‬وفي ال�شرق تحديد ًا‪،‬‬
‫كان الفن الب�صري وال زال‪ ،‬ميا ًال لخدمة الحياة اليوم ّية‬
‫واالندماج بالأدوات والأ�شياء اال�ستعمال ّية للإن�سان‪ ،‬بحيث‬
‫ي�ؤهلها للقيام بتي�سير وت�سهيل وت�أمين متطلبات وحاجات‬
‫ج�سده الماد ّية اليوم ّية‪ ،‬وحاجات روحه‪ ،‬ونزوعات ذائقته‬
‫الجمال ّية‪ .‬من هنا‪ ،‬كان الفن ال�شرقي مت�شابك في قيمه‬
‫الماد ّية والمعنو ّية‪ ،‬ففيه ال يوجد فن للفن الخال�ص‪ ،‬بل فن‬
‫لخدمة الحياة اليوم ّية‪ ،‬بمتطلباتها الماد ّية والروح ّية‪.‬‬
‫ي�أتي (الفن الإ�سالمي) �ضمن �إطار هذا المفهوم‪ ،‬وهو‬
‫والحرف‬‫م�صطلح وا�سع‪ ،‬ي�شمل العمارة والفنون التطبيق ّية ِ‬ ‫المركز الإ�سالمي في وا�شنطن‪.‬‬
‫وال�صناعات والم�شغوالت اليدو ّية والخط العربي‪ ،‬و�ضروب ًا‬
‫�أخرى كثيرة من الفنون والمهن‪ ،‬ارتبطت تارة بالعمارة‪ ،‬وتارة‬
‫�أخرى بفنون الكتاب والأدوات الم�ستعملة في الحياة اليوم ّية‬
‫للإن�سان الم�سلم المنتمي �إلى �شعوب و�أمم مختلفة‪ ،‬موزعة في‬
‫�أركان المعمورة كافة‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬للفن الإ�سالمي �شخ�صيته‬
‫المتفردة‪ ،‬ووحدته القوية‪ ،‬وهذه حقيقة لي�ست مو�ضع جدال‪،‬‬
‫ولكن‬
‫بالمقابل‪ ،‬وبنا ًء على �أن هذا الفن �آخر وليد في �سل�سلة‬
‫فنون العالم القديم‪ ،‬يدين بالكثير للفنون التي �سبقته‪� .‬أخذ‬
‫منها ما �شاء‪ ،‬وانتخب من عنا�صرها المنا�سب والمالئم له‬
‫ولتوجهاته‪ ،‬ثم ه�ضمها و�أعاد �صياغتها من جديد‪ ،‬مانح ًا‬
‫�إياها طابعه الخا�ص‪ ،‬و�شخ�صيته المتميزة‪ ،‬بحيث �صار من‬
‫ال�صعب التعرف على �أ�صولها الأولى‪ ،‬والمن�صات التي انطلقت‬
‫منها‪.‬‬
‫لم يحتج الفن الإ�سالمي لأكثر من قرن من الزمن‪ ،‬لكي‬
‫يتر�سخ‪ ،‬ويت�أ�صل‪ ،‬ويكت�سب وحدته المتينة التي ال تدل �إال‬
‫جامع الملك خالد في الريا�ض‪.‬‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪16‬‬


‫عليه‪ ،‬وهذه الوحدة‪ ،‬ازدادت ن�ضج ًا وبلور ًة وو�ضوح ًا‪ ،‬مع مرور‬
‫الزمن‪ ،‬بحيث تال�شت تمام ًا‪ ،‬الت�أثيرات التي حملها من فنون‬
‫الح�ضارات القديمة‪ ،‬في بداياته الأولى‪.‬‬
‫وباعتبار العمارة �أبرز و�أهم �ضروب الفنون الجميلة‪،‬‬
‫وكانت في البداية مكر�سة (في معظمها) لخدمة الدين‪،‬‬
‫فقد كانت العمارة الدين ّية �أول َمنْ تلقى االهتمام من قبل‬
‫الم�سلمين الذين يتفردون ب�أن لديهم �صالة يجب �أن ُت�ؤدى‬
‫خم�س مرات في اليوم الواحد (وهي �أبرز و�أهم �شعائر‬
‫دينهم) الأمر الذي يتطلب وجود مكان خا�ص لأدائها فيه هو‬
‫(الم�سجد) �أو (الجامع) الذي بد أ� من�ش�أة معمار ّية ب�سيطة‪،‬‬
‫ُنفذت من مواد وخامات البيئة الأقرب‪ ،‬ثم تطور لي�صبح تحفة‬
‫معمار ّية وفن ّية‪ ،‬فيها الكثير من الإعجاز‪ ،‬كونها ُنفذت من‬
‫قبل مواهب توفرت لديها الخبرة والمعرفة‪ ،‬و�سكنها الإيمان‬
‫المطلق بما تبدع‪ ،‬ولمن تبدع‪.‬‬
‫بعد ذلك‪ ،‬لحق تطور العمارة الإ�سالم ّية (وهي الحا�ضن‬
‫الرئي�س لأجنا�س الفن الإ�سالمي الأخرى) تطور مماثل‪� ،‬شمل‬
‫جامع بن مادية في دبي‪.‬‬ ‫والحرف اليدو ّية‪،‬‬
‫العمارة الداخل ّية (التزيين) والم�شغوالت ِ‬
‫والأثاث‪ ،‬وتفا�صيل �أخرى كثيرة‪ ،‬تتعلق بالعمارة الخارج ّية‬
‫والعمارة الداخل ّية‪.‬‬
‫فبعد �أن اقت�صر الم�سجد (في البداية) على مئذنة‪ ،‬وقبة‪،‬‬
‫ومحاريب و�أروقة تُزينها مجموعة من الأقوا�س‪ ،‬والقناطر‬
‫التقليد ّية المكرورة‪ .‬وعلى زخرف ب�سيط في الداخل والخارج‪،‬‬
‫�أعمل المعمار الم�سلم خياله‪ ،‬ووظف مواهبه وقدراته‬
‫الإبتكار ّية‪ ،‬ليخرج بت�صاميم معمار ّية جديدة‪ ،‬حافظ فيها‬
‫على المرافق والوظائف الأ�سا�س ّية التي ي�ؤديها‪� ،‬إنما ب�صيغ‬
‫وطرز و�أ�شكال حديثة‪ ،‬تتوافق وتطور تقانات البناء‪ ،‬وتن�سجم‬
‫في الوقت نف�سه‪ ،‬مع مواد وخامات وخ�صو�ص ّية البيئة‬
‫الموجود فيها‪.‬‬
‫بمعنى �أن المعمار الم�سلم‪ ،‬خرج عن الم�ألوف وال�سائد‪،‬‬
‫في ت�صاميم �أبنية الم�ساجد وتزيينها وتجميل �أثاثها‪ ،‬ف�أبدع‬
‫�أ�شكا ًال معمار ّية جديدة‪ ،‬تثير العين‪ ،‬وتغازل الإح�سا�س‪،‬‬
‫وتر�ضي الذوق‪ ،‬وتناجي الروح‪ ،‬وت�ؤدي وظيفتها المنوطة بها‬
‫في الأ�سا�س‪،‬بي�سر و�سهولة‪ ،‬وهي ت�أمين المكان المنا�سب‬
‫وال�سليم والجميل‪ ،‬لت�أدية فرو�ض العبادة ‪ ،‬ال �سيما ال�صالة‪.‬‬
‫في العمارة (وفي الفنون الإ�سالم ّية عموم ًا) تبرز‬
‫المركز الإ�سماعيلي في لندن‪.‬‬

‫‪17‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫خ�صو�ص ّية البيئة‪ ،‬من خالل الت�صميم الجمالي‪ ،‬ومواد‬
‫وخامات هذه العمارة‪ .‬فقد اعتمدت في �أ�سبانيا والمغرب‪،‬‬
‫على الحجر والخ�شب‪ .‬وفي ال�صين و�إندوني�سيا وتايوان‬
‫وماليزيا‪ ،‬على الخ�شب الملون مادة �أ�سا�سية لها‪ .‬وفي الهند‬
‫وباك�ستان و�إيران والدول العرب ّية‪ ،‬ا�ستعملت مواد وخامات‬
‫عديدة منها‪ :‬الحجر‪ ،‬واال�سمنت‪ ،‬والمعدن‪ ،‬والخ�شب‪،‬‬
‫والقرميد‪ ،‬والقا�شاني‪ .‬وفي الدول الإفريق ّية‪ُ ،‬نفذت الم�ساجد‬
‫ب�شكل عفوي‪ ،‬ب�سيط‪ ،‬وجميل‪ ،‬من الطوب الطيني‪ ،‬والخ�شب‪،‬‬
‫على هيئة كتل فراغ ّية مفعمة بالحركة التلقائ ّية المع ّبرة عن‬
‫دفء وروحان ّية الإن�سان الم�سلم في هذه البالد‪ ،‬حيث قام‬
‫بانيها ب�سكب �شعوره و�إح�سا�سه و�إيمانه دفعة واحدة‪ ،‬في‬
‫هذه الت�صاميم التي حملت بكثير من ال�صدق والإدها�ش‪،‬‬
‫خ�صو�ص ّية البيئة الناه�ضة فيها‪.‬‬
‫لقد حر�صت العمارة الإ�سالم ّية على �أن تكون بنت‬
‫بيئتها‪ ،‬ومن�سجمة مع الن�سيج العمراني للمكان الناه�ضة فيه‪،‬‬
‫ومتوافقة مع وظيفتها المنوطة بها‪ ،‬حيث اكت�سبت هذه العمارة‪،‬‬
‫وبالتدريج‪ ،‬خ�صو�صيتها الإ�سالم ّية ال�صرفة‪� ،‬ضمن منظومة‬
‫جمالية فريدة‪ ،‬قائمة على النظم الهند�س ّية القيم الفن ّية‬
‫التجريد ّية‪ ،‬للأ�شكال والعنا�صر وت�شكيالت الخط العربي‬ ‫الجامع الكبير في مالي‪.‬‬
‫الر�شيقة‪ ،‬التي ارتبطت بالزخرفة النبات ّية والهند�س ّية‪،‬نفذها‬
‫الفنان الم�سلم‪،‬بنوع من ال�صوفية العميقة‪،‬والنظام‬
‫المده�ش‪،‬الأمر الذي قاده �إلى حالة �إبداع ّية‪ ،‬تال�شى من‬
‫خاللها مع منجزه‪،‬مر�ضا ًة للخالق‪ ،‬وتقرب ًا منه‪ .‬ولأن هذا‬
‫الفنان يتغذى من فكر واحد‪ ،‬اكت�سبت المنجزات الب�صر ّية‬
‫التي �أبدعها‪ ،‬وحدتها الإ�سالم ّية الخا�صة‪.‬‬
‫ففي القرن التا�سع الميالدي‪ ،‬كان بالإمكان‪ ،‬وب�سهولة‪،‬‬
‫الت�أكد من �أن تاج عمود ب�سلته اللطيفة‪ ،‬و�أوراق الأكانتو�س‬
‫التي تغلفه‪ ،‬موجود في م�سجد بدم�شق �أو القاهرة‪ ،‬م�ستوحى‬
‫من الطراز الكال�سيكي الكورنثي‪ .‬وفي القرن الحادي ع�شر‪،‬‬
‫�أ�صبح من ال�صعوبة تحديد هوية الأ�صل الذي جاءت منه‪ ،‬هذه‬
‫العنا�صر المعمار ّية‪ .‬وفي القرنين الثالث ع�شر والرابع ع�شر‪،‬‬
‫�أ�صبحت هذه المهمة �شاقة‪ ،‬ال �سيما بعد �أن ح ّور هذه العنا�صر‬
‫المعمار ّية‪ ،‬في بالد الإ�سالم المختلفة‪ ،‬ع�شرون جي ًال من‬
‫المعماريين والفنانين والمزخرفين والحرفيين‪.‬‬
‫والحقيقة الم�ؤكدة‪� ،‬أنه رغم تنوع م�صادر الفنون الإ�سالم ّية‬
‫من جوامع النيجر‪.‬‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪18‬‬


‫(وفي طليعتها العمارة) واختالف موادها وخاماتها وبيئاتها‪،‬‬
‫جمعتها وحدة فن ّية مردها جملة من الأ�سباب‪� ،‬أبرزها و�أهمها‪،‬‬
‫روح الر�سالة الإ�سالم ّية المتمثلة بوحي النبوة‪ ،‬وا�ستمرارها‬
‫في الت�أثير القوي‪ ،‬على المعمار الم�سلم‪ ،‬عبر ع�صور الإ�سالم‬
‫المختلفة‪� .‬إذ ظلت نظرة الر�سالة الإ�سالم ّية مثال ّية �إلى‬
‫وحدة الم�ؤمنين‪ ،‬والجماهير الواحدة المج�سدة في الأمة‪،‬‬
‫القادمة مما تن�ص عليه هذه الر�سالة من الإيمان بوحدان ّية‬
‫اهلل‪ ،‬ووجود الثواب والعقاب‪� ،‬أو الجنة والنار‪ ،‬وحياة الخلود‬
‫بعد الموت‪ ،‬وهذه قوا�سم م�شتركة بين مذاهب وملل الإ�سالم‬
‫كافة‪ ،‬الأمر الذي �أثر وبقوة‪ ،‬على الفنون الب�صر ّية الإ�سالم ّية‪،‬‬
‫ومنحها هذه الوحدة المده�شة التي تجمعها‪ ،‬تمام ًا كما فعلت‬
‫اللغة العرب ّية التي نزل بها القر�آن الكريم‪ُ ،‬وو�ضحت من‬
‫خاللها‪ ،‬تعاليمه‪ ،‬حيث �ش ّكلت هذه اللغة‪ ،‬الو�سيلة الرئي�سة‬
‫لتعلم �أ�صول الدين وقواعده وتعاليمه‪ ،‬وتبادل الآراء والأفكار‬
‫المكتوبة‪ ،‬بين الم�سلمين‪ ،‬على اختالف الأمم التي يتحدرون‬
‫منها واللغات التي يتحدثونها‪ .‬كل هذه الأ�شياء مجتمعة‪ ،‬ك ّونت‬
‫ر�ؤية و�إدراك الآخرين للفنون الإ�سالم ّية المرئ ّية‪ ،‬و�أبرزت‬
‫وحدتها وتوافقها‪ ،‬رغم تنوعها‪ ،‬ذلك لأنها لم تك جامدة‪،‬‬
‫ولي�ست واحدة في ذاتها‪ ،‬في كل مكان‪ ،‬بل هي ح ّية كاللغة‪،‬‬
‫والتغيير فيها قانون‪.‬‬
‫ومن العوامل التي �ساهمت بوحدة الفنون الإ�سالم ّية‪،‬‬
‫منظر عام للمركز الإ�سالمي في روما‪.‬‬ ‫المنحى التاريخي‪ ،‬والمناخ‪ ،‬والتجارة‪ ،‬وطرق الموا�صالت‬
‫من مرحلة �إلى �أخرى‪ ،‬اعتماد ًا على هذه الخبرات والإمكانات‪،‬‬ ‫الرئي�سة‪ ،‬والأهواء التذوق ّية التي �ش ّكلها المناخ الواحد‪ ،‬وقبل‬
‫مع اال�ستدراك والت�أكيد‪ ،‬على �أنه‪ ،‬رغم هذا التنوع المرتبط‬ ‫هذا وذاك‪� ،‬ش ّكلها الإ�سالم نف�سه‪� ،‬إذ يبقى العامل الديني �أهم‬
‫بالمكان والزمان‪ ،‬حافظت الفنون الإ�سالم ّية بعامة‪ ،‬والعمارة‬ ‫و�أبرز عوامل قيام هذه الوحدة‪ ،‬وتالي ًا فاعليتها وا�ستمرارها‬
‫منها بخا�صة‪ ،‬على عدد من الخ�صائ�ص والمعالم الثابتة‪،‬‬ ‫وبقا�ؤها‪،‬وتجدد جمالياتها ب�شكل دائم‪.‬‬
‫مردها كما �سبق و�أ�شرنا‪ ،‬فكر وثقافة الإ�سالم‪ ،‬بغ�ض النظر‬ ‫رغم وجود وحدة عامة في العمارة الإ�سالم ّية‪ ،‬ال �سيما‬
‫عن الفترة �أو المنطقة التي ظهرت فيها هذه العمارة‪ ،‬ولأن‬ ‫على �صعيد مرافقها و�أهدافها وغاياتها‪ ،‬تلونت واختلفت في‬
‫الإ�سالم في الأ�سا�س‪ ،‬لم يك يهدف �إلى ال�سيطرة الماد ّية‬ ‫�شكلها وموادها وخاماتها من بلد �إلى �آخر‪ ،‬ومن ع�صر �إلى‬
‫على المناطق التي انت�شر فيها‪ ،‬و�إنما توجه �إلى عقل وروح‬ ‫�آخر �أي�ض ًا‪ ،‬لأن العمارة في الأ�سا�س‪ ،‬ابنة بيئتها‪ ،‬ترد على‬
‫�إن�سانها‪ ،‬معتمد ًا على قيم فكر ّية وثقاف ّية رفيعة‪ ،‬ت�ؤكد على‬ ‫مناخها‪ ،‬وت�ستفيد من موادها وخاماتها المتوفرة فيها‪ ،‬فهي‬
‫�إن�سان ّية الإن�سان‪ ،‬وت�سعى للإجابة على هواج�سه وتطلعاته في‬ ‫الأن�سب لتحقيق التوافق واالن�سجام مع عوامل الجو المختلفة‪،‬‬
‫فهم معنى وجوده العابر‪ ،‬وما ينتظره في العالم الآخر‪ ،‬فقد‬ ‫ومع خبرة و�إمكانيات الم�شتغلين فيها‪ ،‬م�صممين وحرفيين‪.‬‬
‫القى الإ�سالم القبول واالنت�شار ال�سريعين بين ال�شعوب‪ ،‬التي‬ ‫والعمارة ابنة زمانها �أي�ض ًا‪ .‬ولأن لكل زمان خبراته االبتكار ّية‬
‫الت�صميم ّية والتقان ّية‪ ،‬فمن الطبيعي �أن تتلون العمارة وتختلف‪،‬‬
‫محراب جامع بن مادية‪.‬‬

‫‪19‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫محراب جامع بهونك‪.‬‬
‫وتفننوا بربطه مع الزخارف النبات ّية والهند�س ّية‪ ،‬و�إنزاله في‬ ‫وجدت فيه مالذ ًا �آمن ًا للج�سد والروح فركنت �إليه‪ ،‬وتعلقت‬
‫الت�صاميم المعمار ّية الداخل ّية والخارج ّية‪ ،‬و فنون الكتاب‪،‬‬ ‫به‪ ،‬ودافعت ب�صدق و�إخال�ص وقوة عنه وعن �أفكاره و مبادئه‬
‫والمنمنمات‪ ،‬والم�شغوالت الن�سيج ّية‪ ،‬والمعدن ّية‪ ،‬والرخام ّية‪،‬‬ ‫وتعاليمه‪ ،‬وعملت جاهدة على ن�شره وتعميمه‪.‬‬
‫والعاج ّية‪ ،‬والخ�شب ّية‪ ،‬والخزف ّية ‪ ...‬وكل ما طالته �أناملهم‪،‬‬ ‫ولأن الطريق لفهم الإ�سالم ومبادئه وتعاليمه‪ ،‬و�إدراك‬
‫الحرف والم�شغوالت المتعددة الوظائف واال�ستخدامات‪.‬‬ ‫من ِ‬ ‫فكره وثقافته‪ ،‬يمر باللغة العربية التي نزل بها القر�آن الكريم‪،‬‬
‫وهكذا‪ ،‬برز الخط العربي كرافعة �أ�سا�س ّية‪ ،‬من روافع تحقيق‬ ‫و ُكتبت بها ال�سنة ال�شريفة‪� ،‬أ�صبح لزام ًا على الم�سلم‪ ،‬مهما‬
‫الوحدة في الفنون الإ�سالم ّية‪ ،‬وفي طليعتها العمارة‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫كانت جن�سيته و لغته‪ ،‬الإلمام بها وتع ّلمها‪ ،‬الأمر الذي جعل‬
‫�إلى العقيدة الواحدة‪ ،‬واللغة الواحدة‪.‬‬ ‫منها العامل الأقوى بعد العقيدة نف�سها‪ ،‬في توحيد الم�سلمين‪،‬‬
‫ولأن الخط العربي احت�ضن العقيدة الإ�سالم ّية‪ ،‬وكتبت‬ ‫وبالتالي توحيد فنونهم المختلفة‪ ،‬حيث �ش ّكل الخط العربي‬
‫به �آيات القر�آن الكريم‪ ،‬وكان الو�سيلة الأ�سا�س‪ ،‬لنقل العقيدة‬ ‫وجهة للخطاطين والفنانين والم�صممين والوراقين‬
‫الإ�سالم ّية �إلى الآخرين‪ ،‬فقد اكت�سب �سمة مقد�سة‪ ،‬جعلت‬ ‫والنقا�شين الذين‪ ،‬ل�شدة حب الم�سلم وتقديره لهذا الخط‪،‬‬
‫الخطاطين والفنانين‪ ،‬يتبارون في تح�سينه‪ ،‬وتجميله‪،‬‬ ‫�أنزلوه بكافة طرزه و�أنواعه‪ ،‬في �إبداعاتهم وم�شغوالتهم‪،‬‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪20‬‬


‫المركز الإ�سالمي في �أنديانا في الواليات المتحدة الأمريكية‪.‬‬ ‫من المركز الإ�سالمي‪ ,‬روما‪.‬‬
‫التي حملتها‪ ،‬في العقود الأولى لت�أ�سي�سها‪ .‬هذه الت�أثيرات‬ ‫وزخرفته‪ ،‬وت�أنيقه‪ ،‬بحيث اكت�سبت هذه النزعة‪� ،‬سمة دين ّية‪،‬‬
‫التي جاءتها من الفنون المحل ّية للبالد التي انت�شر فيها‬ ‫�أو و�سيلة يتقرب من خاللها‪ ،‬الخطاط‪� ،‬إلى الخالق‪ ،‬لنيل‬
‫الإ�سالم‪ ،‬كالفنون الرومان ّية واالغريق ّية والبيزنط ّية والقبط ّية‬ ‫مر�ضاته‪ ،‬والفوز بجنته‪.‬‬
‫وال�سا�سان ّية التي انوجدت في البالد الواقعة �شرق البحر‬ ‫بنا ًء على ما تقدم‪ ،‬تح ّول الخط العربي �إلى �أنبل الفنون‬
‫الأبي�ض المتو�سط‪ ،‬و �إيران والعراق‪ ،‬وبع�ض الت�أثيرات‬ ‫الإ�سالم ّية‪ ،‬و�ش ّكل في الوقت نف�سه‪� ،‬أبرز و�أهم المفردات‬
‫الأخرى التي جاءت من فنون الهند وال�صين‪ ،‬لكن �سرعان‬ ‫والعنا�صر التعبير ّية والجمال ّية والتزيين ّية‪ ،‬في الفنون‬
‫ما ه�ضم الفن الإ�سالمي‪ ،‬كل هذه الت�أثيرات‪ُ ،‬مخ�ضع ًا �إياها‬ ‫والم�شغوالت الإ�سالم ّية الأخرى‪ ،‬كما �صار التراث الأهم‬
‫بخ�صو�صيته التي �أناطت بها‪ ،‬مهام ووظائف ماد ّية وجمال ّية‬ ‫للم�سلمين‪ ،‬عبر ع�صورهم التاريخ ّية المختلفة‪ .‬تراث حافظ‬
‫جديدة‪.‬‬ ‫على �سويته الجمال ّية والفن ّية‪ ،‬ورفع من مكانة مزاوليه‪ ،‬وقيمة‬
‫فعلى �صعيد اللغة الب�صر ّية‪ ،‬تفرد الفن الإ�سالمي‪،‬‬ ‫ما ينجزونه‪ ،‬وتالي ًا �ش ّكلت هذه الإنجازات‪� ،‬أبرز و�سائل ترب ّية‬
‫باعتماده على الزخارف المتعددة ال�صيغ‪ ،‬وميله ال�ستخدام‬ ‫الذائقة الجمال ّية لدى النا�س‪ ،‬في ديار الم�سلمين كافة‪.‬‬
‫مو�ضوعات وعنا�صر ومفردات و�أفكار ورموز‪ ،‬مقبولة‬ ‫والحرفي الم�سلم بالخط العربي‪ ،‬نقله‬ ‫ول�شغف الفنان ِ‬
‫اجتماعي ًا وفكري ًا‪ ،‬واعتماده على الت�صميم المتنا�سق‬ ‫والحرف والم�شغوالت المنفذة من مواد وخامات‬ ‫�إلى العمارة ِ‬
‫والدقيق‪ ،‬بغ�ض النظر عن مكان وجود هذا الفن‪ :‬في العمارة‪،‬‬ ‫مختلفة‪ .‬فالنماذج الأولى للفنون الإ�سالم ّية‪ ،‬العائدة �إلى‬
‫�أو في الخزفيات‪� ،‬أو المعدنيات‪� ،‬أو الن�سيج‪ ،‬بحيث يمكننا‬ ‫�سنوات ت�أ�سي�س الإ�سالم‪ ،‬حملت العديد من العبارات‬
‫الحديث‪ ،‬عن وحدة ت�صميم ّية �إ�سالم ّية‪ ،‬برزت وت�أكدت‪ ،‬منذ‬ ‫الم�سطرة بخطوط عربية جميلة‪ُ ،‬محاطة بزخارف وتوريقات‪.‬‬
‫العقود الت�أ�سي�س ّية الأولى للعقيدة ال�سماو ّية الجديدة‪ ،‬وكانت‬ ‫وهي عبارات م�أخوذة من القر�آن الكريم �أو ال�سنة ال�شريفة‪،‬‬
‫تحمل ت�أثيرات الح�ضارات ال�سابقة للح�ضارة الإ�سالم ّية‪.‬‬ ‫�أو عبارات عامة تحمل معاني التبريكات والتمنيات بال�صحة‪،‬‬
‫وحتى القرن الثالث ع�شر الهجري الموافق للقرن التا�سع‬ ‫والغنى‪ ،‬والقوة‪ ،‬و�أحيان ًا ت�أتي على �صيغة مواعظ وحكم‪،‬‬
‫ع�شر الميالدي‪ ،‬حيث خ�ضع الفن الإ�سالمي‪ ،‬لت�أثيرات‬ ‫تعك�س القيم االجتماع ّية النبيلة‪ ،‬وت�ؤكد على الأخالق الكريمة‪،‬‬
‫قادمة من الفن الأوروبي‪� ،‬سرعان ما ه�ضمها هي الأخرى‪،‬‬ ‫وتدعو ل�صالح الأعمال والنجاح والتوفيق في العمل والحياة‪.‬‬
‫و�أعاد �إنتاجها بروحه وخ�صائ�صه المتميزة‪ .‬ولأن العقيدة‬ ‫لقد منح وجود الخط العربي وملحقاته من الزخارف‬
‫الإ�سالم ّية حثت الم�سلمين على تعمير الأر�ض‪ ،‬والإكثار من‬ ‫والتوريقات‪ ،‬وما يحمله من معانٍ وم�ضامين‪ ،‬في العمارة‬
‫�إ�شادة بيوت اهلل‪ ،‬فقد انت�شرت عمارة الم�ساجد التي اعتبرها‬ ‫الإ�سالم ّية الداخل ّية والخارج ّية وباقي �أجنا�س الفنون الجميلة‬
‫الدار�سون والم�ؤرخون �أهم الأ�س�س في تخطيط المدينة‬ ‫والتطبيق ّية‪ ،‬وحدة متجان�سة‪ ،‬كر�ست و�أكدت خ�صو�صيتها‬
‫الإ�سالم ّية‪ ،‬ما جعلها العنوان الأبرز للعمارة الإ�سالم ّية‪،‬‬ ‫وتمايزها وتفردها‪ ،‬ال �سيما بعد �أن تخل�صت من الت�أثيرات‬

‫‪21‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫التي ن�ش�أن فيها‪ ،‬وتفاعلت معها‪ .‬وبنا ًء عليه‪ ،‬يميز بين �أربع‬ ‫منذ مرحلة الت�أ�سي�س الأولى للدعوة الإ�سالم ّية وحتى اليوم‪.‬‬
‫مراحل �أ�سا�س ّية في هذه الطرز هي‪:‬‬ ‫وقد قامت العقيدة الإ�سالم ّية ومنذ البداية �أي�ض ًا‪ ،‬بتحديد‬
‫‪1‬ـ مرحلة الطراز العربي العائدة لما قبل ظهور النبي‬ ‫معالم الم�سجد‪ ،‬ومقوماته الأ�سا�س ّية‪ ،‬و�أو�ضحت خ�صائ�صه‬
‫محمد عليه ال�سالم‪ ،‬وهذا الطراز في معظمه‪ ،‬ال يزال‬ ‫ومرافقه‪� ،‬أما جمالياته الت�صميم ّية والزخرف ّية‪ ،‬فقد اجتهد‬
‫مجهو ًال با�ستثناء ما ت�ضمه اليمن القديمة‪ ،‬وما �شهدته‬ ‫الفنان الم�سلم‪ ،‬بابتكارها وتطويرها‪ ،‬من مرحلة تاريخ ّية �إلى‬
‫الممالك ال�سور ّية القديمة كمملكة الغ�سا�سنة‪.‬‬ ‫�أخرى‪ ،‬ومن بيئة �إلى �أخرى �أي�ض ًا‪ ،‬حيث لعب المناخ‪ ،‬والمواد‬
‫‪2‬ـ مرحلة الطراز البيزنطي العربي‪ ،‬وهو الطراز الذي‬ ‫والخامات المتوفرة‪ ،‬دور ًا رئي�س ًا في تحديد ال�شكل المعماري‬
‫ن�ش أ� نتيجة امتزاج الم�ؤثرات ال�شرق ّية ال�سور ّية وال�سا�سان ّية‬ ‫للم�سجد‪ ،‬ومح�سناته الجمال ّية المتمثلة بالزخرفة والتزيين‬
‫بالم�ؤثرات االغريق ّية الرومان ّية‪.‬‬ ‫الذي لحق خارجه (الم�آذن‪ ،‬القبب) وداخله (جدرانه‪� ،‬أبوابه‪،‬‬
‫�ش ّكل هذا الطراز‪ ،‬االنطالقة الأولى للعمارة العرب ّية‬ ‫نوافذه‪ ،‬منابره‪� ،‬أثاثه) �إنما تم ذلك‪ ،‬وفق ًا للظروف المناخ ّية‬
‫الإ�سالم ّية‪ ،‬وتُحدد بالفترة الممتدة ما بين القرن ال�سابع‬ ‫ال�سائدة في هذا البلد الم�سلم �أو ذاك‪� ،‬إذ �أن الت�صميم‬
‫الميالدي والقرن العا�شر �أو الحادي ع�شر‪.‬‬ ‫المعماري‪ ،‬يخ�ضع لمتطلبات المناخ (رياح‪ ،‬برودة‪ ،‬حرارة‪،‬‬
‫‪3‬ـ الطراز العربي الخال�ص‪ ،‬وقد انت�شر في م�صر فيما‬ ‫�أمطار) ويحاول الرد عليها‪ ،‬والت�أقلم معها‪ُ ،‬ي�ضاف �إلى ذلك‪،‬‬
‫بين القرن العا�شر والقرن الخام�س ع�شر الميالدي‪ ،‬وبلغ‬ ‫نوع ّية المواد والخامات المتوفرة‪ ،‬وهي في الأ�سا�س‪ ،‬خا�ضعة‬
‫ذروة كماله في جامع (قايتباي) العائد للعام ‪1468‬م‪.‬‬ ‫لمفهوم الت�أقلم واالن�سجام والتوافق مع المناخ‪ ،‬كونها ابنة‬
‫وانت�شر هذا الطراز �أي�ض ًا في الأندل�س‪ ،‬حيث تخل�ص‬ ‫بيئتها‪.‬‬
‫الم�صممون العرب من الم�ؤثرات الفن ّية البيزنط ّية‪ ،‬ب�سرعة‬ ‫الأمر نف�سه‪ ،‬انعك�س على العنا�صر التجميل ّية التزيين ّية‪،‬‬
‫الفتة‪.‬‬ ‫الخارج ّية والداخل ّية‪ ،‬في الم�سجد‪ ،‬والمواد والخامات‬
‫‪4‬ـ الطراز العربي المختلط ويمثله الطراز الأ�سباني‬ ‫الم�ستعملة في �إنجازها‪ ,‬ففي حين انت�شرت التزيينات النافرة‪،‬‬
‫العربي‪ ،‬والفار�سي العربي‪ ،‬والهندو�سي العربي‪ ،‬والهندو�سي‬ ‫في عدد من البالد‪ ،‬نراها ت�أخذ ال�صيغة الم�سطحة في بالد‬
‫الفار�سي العربي‪ .‬على الرغم من هذا التنوع في طرز‬ ‫�أخرى‪ .‬وفي حين ُاعتمد الحجر والرخام‪ ،‬كخامة رئي�س ّية‬
‫العمارة الإ�سالم ّية التي انت�شرت في العالم الإ�سالمي‪َ ،‬و ّحد‬ ‫للبناء والتزيين‪ ،‬نراه في �أمكنة �أخرى‪ ،‬بقوم على الخ�شب‬
‫بينها العامل الديني‪ ،‬كما َو ّحدت بينها وظيفتها‪ ،‬بحيث يمكن‬ ‫والقرميد والقا�شاني والف�سيف�ساء وغير ذلك‪ ،‬من المواد‬
‫الت�أكيد‪� ،‬أن ت�صميم الم�سجد‪ ،‬ب�صيغته المعمار ّية العامة‪ ،‬لم‬ ‫والخامات التي تت�شكل منها العمارة ومح�سناتها الجمال ّية‪.‬‬
‫يتغير منذ عهد الر�سول عليه ال�سالم وحتى الآن‪ ،‬وهو ما يمكن‬ ‫بنا ًء على ما تقدم‪ ،‬فقد ن�ش�أت اتجاهات ومدار�س وطرز‬
‫ت�سميته بـ (وحدة الت�صميم)‪� .‬أما التنوع واالختالف‪ ،‬فلم‬ ‫في العمارة الإ�سالم ّية‪ ،‬اتفق غالبية الباحثين على ح�صرها‬
‫يخرج عن �إطار هذه الوحدة‪.‬‬ ‫في مدار�س خم�س رئي�سة هي‪:‬‬
‫تقوم وحدة ت�صميم الم�سجد على عنا�صر معمار ّية �أربعة‪،‬‬ ‫‪1‬ـ مدر�سة م�صر و�سورية‪.‬‬
‫ظلت �أ�سا�س ّية وثابتة وهي‪:‬‬ ‫‪2‬ـ مدر�سة المغرب التي ت�شمل تون�س والمغرب والجزائر‬
‫‪1‬ـ جدار القبلة‪ :‬وهو الجدار الرئي�س في بيت ال�صالة‬ ‫و�أ�سبانيا‪.‬‬
‫المتجه نحو مكة المكرمة‪ ،‬وفي منت�صفه تو�ضع عالمة‬ ‫‪3‬ـ المدر�سة الفار�س ّية‪.‬‬
‫للمو�ضع الذي يقف �أمامه الإمام‪ .‬وكانت هذه الإ�شارة‬ ‫‪4‬ـ المدر�سة العثمان ّية وت�شمل تركيا والأنا�ضول‪.‬‬
‫في البداية حربة تغرز في الأر�ض‪ .‬ثم �أخذت هيئة باب على‬ ‫‪5‬ـ المدر�سة الهند ّية‪.‬‬
‫الجدار‪� ،‬أو عقد‪ ،‬ثم تحولت �إلى محراب مجوف على �شكل‬ ‫ُيرجع الباحث (غو�ستاف لوبون) هذا االختالف في‬
‫حنية داخل ّية‪.‬‬ ‫الطرز المعمار ّية والفن ّية الإ�سالم ّية‪� ،‬إلى اختالف البلدان‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪22‬‬


‫‪2‬ـ ال�صحن المك�شوف‪ :‬وهو في العادة مبلط‪ ،‬وفيه‬
‫ف�سق ّية �أو حو�ض ماء‪ ،‬وقد تتوزعه �أ�شجار النارنج والبرتقال‬
‫ُعطر الجو كما في م�ساجد الأندل�س‪� ،‬أو‬ ‫لتُعطي ظ ًال‪ ،‬ولت ّ‬
‫تتوزعه �أزهار الريحان كما في �إيران وتركيا‪.‬‬
‫‪3‬ـ الأروقة الم�سقوفة‪ :‬وهي مختلفة العدد من م�سجد‬
‫�إلى �آخر‪� ،‬أكبرها و�أهمها رواق ال�صالة المتجه �إلى القبلة‪.‬‬
‫‪4‬ـ المنبر‪ :‬وهو مختلف الأ�شكال والت�صاميم‪.‬‬
‫بعدها �أُ�ضيف �إلى الم�سجد المئذنة والمي�ض�أة‪ ،‬و�أقدم‬
‫مئذنة هي المنارة التي بناها من الحجر لجامع الب�صرة �سنة‬
‫‪672‬م (زياد بن �أبيه) عامل معاوية في العراق‪ ،‬والأرجح‬
‫�أن تكون هذه �أولى الم�آذن في الإ�سالم‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬ظهرت‬
‫(القبة) كمفردة معمار ّية مالزمة للمئذنة‪ ،‬وهي بناء دائري‬
‫الم�سقط‪ ،‬مقعر من الداخل‪ ،‬مقبب من الخارج‪ ،‬وهي �صيغة‬
‫معمار ّية ا�ستخدمت في تغطية �أ�سقف الكثير من المباني على‬
‫مر الع�صور‪ ،‬والأرجح �أنها ن�ش�أت في بالد ما بين النهرين‬
‫وال�شرق الأدنى‪ ،‬كما �أن العمارة الرومان ّية والبيزنط ّية‪ ،‬عرفت‬
‫القباب وا�ستعملتها في المباني‪.‬‬
‫والقبة في العمارة الإ�سالم ّية‪ ،‬تتجاوز مفهوم الحلول‬
‫المعمار ّية والإن�شائ ّية المتوافقة مع البيئة والمناخ‪ ،‬لت�أخذ‬
‫دالالت متعددة‪ ،‬منها ترميزها لل�سماء‪ ،‬خا�صة في المناطق‬
‫الم�سقوفة من الم�سجد‪ ،‬و ُيعدها البع�ض �صورة م�صغرة لما‬
‫كان يراه العربي في �صحرائه من ات�ساع الأفق وا�ستدارة‬
‫ال�سماء من فوقه‪.‬‬
‫كانت الم�آذن في الع�صور الإ�سالم ّية المبكرة (الع�صر‬
‫الأموي) مربعة ال�شكل على نمط �أبراج الكنائ�س ال�سور ّية‪.‬‬
‫�أما في العراق وبالد فار�س‪ ،‬فقد �أخذت �شك ًال �أ�سطواني ًا‪،‬‬
‫و�أحيان ًا ملوي ًا‪� .‬أما في المغرب العربي والأندل�س‪ ،‬فكانت‬
‫مربعة‪ .‬وفي م�صر (خا�صة في الع�صر المملوكي) كانت تبد أ�‬
‫بقاعدة مربعة يعلوها �أحيان ًا ق�سم مثمن‪ ،‬ثم ق�سم دائري‪،‬‬
‫ُمنتهية بر�أ�س �أو ر�أ�سين‪ ،‬يعلوهما �أحيان ًا مبخرة �أو جو�سق‪.‬‬
‫�أما الم�آذن الترك ّية العثمان ّية فقد امتازت بالجمال والر�شاقة‬
‫واال�ستقامة التي تنتهي بمخروط على �شكل ر�أ�س قلم ر�صا�ص‬
‫مبر‪� .‬أما القباب‪ ،‬فتنوعت �أ�شكالها هي الأخرى فكان منها‬
‫ال�شكل الكروي‪ ،‬والبي�ضاوي‪ ،‬والب�صلي‪ ،‬والم�ضلع‪.‬‬
‫ومن عنا�صر الم�سجد الرئي�سة‪ ،‬المحاريب وهي نوعان‪:‬‬
‫المركز الثقافي اال�سالمي في نيويورك‪.‬‬

‫‪23‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫عموم ًا‪ ،‬والعمارة الإ�سالم ّية خ�صو�ص ًا‪� ،‬سرعتها في تحديد‬ ‫م�سطحة و ُمج ّوفة‪ .‬ا�ستعمل في تنفيذها الحجر والرخام‬
‫مالمحها الخا�صة بها‪ ،‬وب�شكل تام ومحكم‪ ،‬قاد �إلى الخروج‬ ‫والخزف والف�سيف�ساء والخ�شب‪� .‬أما المنبر فال�شكل الغالب‬
‫بذخيرة كاملة ومتكاملة‪ ،‬من الت�صاميم القائمة على نظام‬ ‫عليه هو المثلث‪ ،‬وقد ُنفذ من الخ�شب والرخام والحجر‪.‬‬
‫هند�سي محكم ومتميز‪ ،‬ارتبطت جمعيها بفكرة وعقيدة الدين‬ ‫وهناك الأعمدة الداعمة لل�سقف والجدران‪ ،‬ولها عدة‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬خالل �سنواته الأولى‪ ،‬وهذه الخ�صي�صة لم تتوفر‬ ‫ت�سميات �أخرى كال�سارية (في المغرب) وال�شمعة (في �سورية‬
‫لفنون الأديان ال�سماو ّية الأخرى (كالم�سيح ّية) التي قد تحمل‬ ‫ولبنان)‪ .‬يت�ألف العمود من ثالثة �أجزاء رئي�سة هي‪ :‬القاعدة‪،‬‬
‫التنوع ولي�س التماثل‪ .‬فالفنون في مراحل الم�سيح ّية المختلفة‬ ‫والبدن‪ ،‬والتاج‪� .‬أما التيجان فمنها الرماني ذو القطع‬
‫كما يرى (دافيد تالبوت راي�س) في كتابه (الفن الإ�سالمي)‬ ‫الدائري‪� ،‬أو القطع المثمن‪� ،‬أو الهرمي الناق�ص‪ ،‬والمقلوب‪،‬‬
‫كالبيزنطيه‪ ،‬وال�شارلمانية‪ ،‬والروماني�سك‪ ،‬والقوطية‪ ،‬وع�صر‬ ‫والناقو�س‪ .‬وهو �إما ب�سيط �أو مزخرف‪ .‬ي�ضاف �إلى ما تقدم‪،‬‬
‫النه�ضة‪ ،‬كانت مختلفة كلي ًا‪ ،‬وكان هناك اختالف كبير بين‬ ‫ال�شرفات والمقرن�صات وغيرها من العنا�صر التي ارتبطت‬
‫المناطق‪ .‬لقد كان هذا التنوع هو بالت�أكيد جوهر الفن‪ ،‬ولكن‬ ‫بالعمارة الإ�سالم ّية‪ ،‬وب�شكل خا�ص منها (الم�سجد)‪� .‬أما‬
‫في العالم الإ�سالمي‪ ،‬كان هناك تماثل �أكبر بكثير‪ ،‬فيما يتعلق‬ ‫الم�سكن الإ�سالمي‪ ،‬فقد جاء هو الآخر‪ ،‬ملبي ًا الحتياجات‬
‫بكال الزمان والمكان‪:‬‬ ‫الم�سلم في مختلف دول العالم المتواجد فيها‪ ،‬ال �سيما‬
‫ف�أو ًال‪ :‬لم ي�س َع الفنانون وراء ما هو جديد وغير م�ألوف‬ ‫الخ�صو�ص ّية‪ ،‬وال�ستر‪ ،‬ومراعاة عوامل البيئة والمناخ‪ ،‬وفقر‬
‫بالطريقة التي اتبعها فنانو ع�صر النه�ضة‪ ،‬ولكنهم بد ًال من‬ ‫مظهره الخارجي‪ ،‬وغنى داخله الم�ؤلف في العادة من مدخل‬
‫ذلك‪ ،‬بقوا مرتبطين بالنموذج الذي �أقر الزمن والعرف جدارته‪،‬‬ ‫متك�سر ال ي�سمح باالت�صال المبا�شر بالخارج‪ ،‬و�إنما يف�ضي‬
‫�ساعين لتجديد قدرته على �إثارة الإعجاب لإعادة ال�شباب �إلى‬ ‫�إلى رحبة مربعة‪ ،‬ومنها �إلى ردهة تقود �إلى الفناء‪ ،‬وبذلك‬
‫�شخ�صيته‪ ،‬بو�ساطة التغييرات الماهرة في التفا�صيل‪.‬‬ ‫ال يتمكن العابر بال�شارع ر�ؤية ما بداخله عند فتح الباب‪� ،‬أما‬
‫وثاني ًا‪ :‬ف�إن تبني خط معين‪ ،‬ا�ستخدم �أي�ض ًا ك�شكل �أ�سا�سي‬ ‫الفناء فهو مك�شوف و ُي�ش ّكل قلب الم�سكن الرئي�س الذي تلتف‬
‫من �أ�شكال الزخرفة في الفن‪ ،‬في منطقة امتدت من الهند �إلى‬ ‫حوله باقي عنا�صره وفراغاته‪ ،‬ومنها حديقة وف�سق ّية ونافورة‬
‫�أ�سبانيا‪ ،‬كان له ت�أثير موحد على نحو هائل‪.‬‬ ‫لتلطيف الجو داخله‪ ،‬وقاعة للرجال‪ ،‬و�أخرى للن�ساء‪ ،‬و�إيوان‪،‬‬
‫ب�سبب هذه العوامل مجتمعة‪ ،‬يبدو الفن الإ�سالمي للعين‬ ‫ومطبخ‪ ،‬ومخزن ‪ ...‬وغير ذلك من المرافق التي ارتبطت‬
‫الغرب ّية‪ ،‬للوهلة الأولى‪ ،‬ذا درجة معينة من الرتابة‪� ،‬إذ يبدو من‬ ‫بالم�سكن الإ�سالمي الذي قد يختلف بمواده وخاماته و�أ�شكال‬
‫ال�صعب تحديد المنطقة الخا�صة بمنتجاته‪ ،‬ومن الأكثر �صعوبة‬ ‫ت�صاميمه‪ ،‬لكنه يتوحد بمرافقه وطريقة توزيعها التي تعك�س‬
‫تحديد تواريخها‪.‬‬ ‫التوجهات الدين ّية ل�ساكنه‪ ،‬وتحافظ على عاداته‪.‬‬
‫مع ذلك‪ ،‬هناك من يقول بعدم جواز و�صف المباني والعمائر‬ ‫من مظاهر الوحدة في العمارة الإ�سالم ّية‪ ،‬زخرفتها‬
‫التي بنيت في مختلف ديار الإ�سالم بـ (العمارة الإ�سالم ّية) لأنه‬ ‫من الخارج والداخل‪ ،‬بالخطوط العرب ّية والزخارف النبات ّية‬
‫ال يجب الربط بين الفن �أو العمارة والدين‪ ،‬بينما يرى البع�ض‬ ‫والهند�س ّية التي ُنفذت بمواد وخامات مختلفة‪ ،‬لعل �أبرزها‬
‫الآخر العك�س تمام ًا‪� .‬أي توجد عمارة �إ�سالم ّية تمثلها المباني‬ ‫و�أهمها (القا�شاني) الذي �ش ّكل ك�سوة العمارة الإ�سالم ّية‬
‫والمدن التي نه�ضت في كنف الم�سلمين‪� ،‬أينما تواجدوا‪ ،‬بما‬ ‫وزينتها الداخلية والخارج ّية‪.‬‬
‫فيها البالد التي كانت جزء ًا من العالم الإ�سالمي‪ ،‬لفترة من‬ ‫من جانب �آخر‪ ،‬ي�ؤكد بع�ض الباحثين (ومن بينهم‬
‫الزمن‪ ،‬كالأندل�س و�صقل ّية‪.‬‬ ‫�أجانب) �أن �أكثر ما ي�سترعي االنتباه في الفن الإ�سالمي‬

‫***‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪24‬‬


‫تمثال للفنان عا�صم البا�شا‪ ,‬تحية للمدافع عن البيئة (‪� , )2‬صل�صال ناري ‪� , 2007 ,‬إرتفاع ‪� 48‬سم‪.‬‬

‫‪25‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫علوم الفن‬

‫�أبعاد علم النقد الفني ؟؟‪..‬‬


‫د‪ .‬عفيف بهن�سي*‬

‫النقد الفني وعلم اجلمال‬ ‫تخ�ضع قراءة العمل الفني �إلى دربة ودرا�سة و�إلى موقف �إزاء‬
‫تبدو �أبحاث النقد الفني مالزمة لأبحاث علم الجمال‬ ‫العمل الفني‪ ،‬و ن�سمي هذه القراءة( النقد الفني )‪ ،‬والناقد‬
‫بو�صفه فرع ًا من الفل�سفة‪ ،‬ولكنه ينتمي �أي�ض ًا �إلى الأدب‪� ،‬ضمن‬ ‫الفني هو متذوق في �أعلى درجات نمو الر�ؤية الفنية‪ ،‬لأن ثقافته‬
‫مقايي�س كان ديدرو ‪ Diderot‬قد و�ضعها ولكنها تعتمد في‬ ‫في فل�سفة الفن وفي تاريخه وتقنياته ت�صل �إلى حد االخت�صا�ص‪،‬‬
‫تعريف النقد على الذائقة الأدبية‪ ،‬ولكن الحكم التقييمي على‬ ‫�أما المتذوق العادي فلي�س عليه �أن يكون اخت�صا�صي ًا ‪ ،‬بل قارئ ًا‬
‫العمل الفني يبقى التعريف الأقرب لمفهوم النقد‪ ،‬وبخا�صة �إن‬ ‫جيد ًا للعمل الفني‪ ,‬يعتمد في قراءته على ثقافة وممار�سة في‬
‫�شرط الجد ّية في الحكم ينفي الت�صورات ال�شعرية التي ال تنتج‬ ‫الإطالع على الأعمال الفنية‪ ،‬مما يدفعه �إلى اقتناء هذه الأعمال‬
‫حكم ًا �صحيح ًا‪.‬‬ ‫الفنية و�إلى ت�شجيع الفنانين عن قناعة وثقة‪.‬‬
‫ون�ستطيع الزعم �أن النقد الفني بو�صفه علم ًا‪ ،‬قد بد أ�‬ ‫و�إذا كان الإبداع الفني يقوم على الحد�س ‪� ،‬أي على العقل‬
‫�أكثر و�ضوح ًا في كتاب اال�ستطيقا الذي و�ضعه بومغارتن‬ ‫والعاطفة ‪ ،‬ف�إن النقد يقوم على الحد�س �أي�ض ًا عندما يمار�س‬
‫‪Baumgarten‬‬
‫�أدواره في تحديد الم�ستوى الفني للفنان‪ .‬و�أول هذه الأدوار‬
‫ولقد ا�ستوحى هيغل ‪ Hegel‬ما قاله �سقراط من �أن قراءة‬ ‫الدور الت�صنيفي الذي يقارن فيه العمل الفني بغيره ‪ ،‬والمدر�سة‬
‫العمل الفني هي التعرف على ماهية الجمال فيه‪.‬عندما ر�أى �أن‬ ‫الفنية بغيرها‪ .‬الدور الثاني هو دور تاريخي �إذ يحدد العالقة‬
‫الجمال «حقيقة كلية»‪.‬‬ ‫القائمة بين عمل اليوم وعمل الأم�س‪ ،‬وبين الأ�ساليب المعا�صرة‬
‫ً‬
‫وال �شك �أن هيغل يت�صور قارئ العمل الفني فيل�سوفا يبحث‬ ‫والأ�ساليب التي تتالت عبر تاريخ الفن والح�ضارة‪ .‬والدور الثالث‬
‫عن معنى العمل الفني‪ .‬ولكن كانط ‪ Kant‬في كتابه «نقد ملكة‬ ‫�إر�شادي‪ ،‬وكثير ًا ما كان للناقد �أثر في تكوين الفنان كما له دور‬
‫الحكم» (‪� )1790‬أثار م�س�ألة الحكم الجمالي والحقيقة الكلية‬ ‫في تكوين الر�ؤية النقدية عند الجمهور‪.‬‬
‫‪ .‬واختلف الفال�سفة في تحليل مفهوم الفن وعالقته بالأدب‬ ‫وب�صورة عامة‪ ،‬ف�إن الناقد يقوم بدور تقييمي عندما يحدد‬
‫والعلم والطبيعة والحياة االجتماعية والعوامل النف�سية‪ .‬ولم‬ ‫م�شروعية العمل وم�ستواه الفني‪ ،‬هل هو فن �أم ال‪ ،‬هل هو فن‬
‫يخرج واحد منهم في بحثه عن خيمة الفل�سفة‪ ،‬وهذا ما جعل‬ ‫جاد �أم فن هابط‪.‬‬

‫*م�ؤرخ فن و المدير العام للمتاحف و الآثار بدم�شق �سابق ًا ‪.‬‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪26‬‬


‫لوحة للفنان علي الكفري‪.‬‬

‫‪27‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫لوحة للفنان عبد الحميد فيا�ض‪.‬‬
‫عند هيدغر ‪ Heidegger‬تقوم على الدرا�سة الظواهرية‬ ‫قراءة العمل الفني �أو ما ي�سمى بالنقد الفني مختلفة متعددة‬
‫(الفينومونولوجية)‪.‬ويرى �سوريو ‪� Souriou‬أن النقد الفني هو‬ ‫الوجوه والمقا�صد‪ ،‬فكانت �آلية قراءة العمل عند برغ�سون‬
‫علم يبحث في معرفة �أ�شكال الأ�شياء وعالم ال�صور‪.‬‬ ‫‪ Bergson‬تقوم على الحد�س ‪ .Intuition‬وكان الهدف من‬
‫واقتحم م�س�ألة النقد الفني عدد كبير من الأدباء والنقاد‪،‬‬ ‫النقد الفني عند ديوي ‪ Dewey‬الك�شف عن الخبرة‪ ،‬وكانت‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪28‬‬


‫لوحة للفنان �سرور علوان‪.‬‬
‫النقد الفني بو�صفه قراءة مركبة‬ ‫مثل بول فاليري ‪ P. Valéry‬و�أندره مالرو ‪ A. Malraux‬و�سارتر‬
‫ا�صبح النقد الفني قراءة مركبة تعتمد على الفكر والخيال‬ ‫‪ P. Sarter‬و�ألبير كامو ‪ . A. Camu‬وانتقلت هذه القراءة‬
‫�إلى مجال الدرا�سات الل�سانية ال�سيمانتية عند دو�سو�سور ‪De‬‬
‫وعلى الثقافة والمعرفة‪ ,‬ثم على الموقف الخا�ص والظرف‬
‫‪.‬‬ ‫‪Saussure‬‬

‫‪29‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫لوحة للفنان �سعد يكن‪.‬‬
‫يحدد بالغة الن�ص ف�إن برغ�سون يرى �أن العمل الفني يت�صف‬ ‫االجتماعي وال�سيا�سي‪ .‬ولي�س �سه ًال االعتماد على واحد من‬
‫بالجمال عندما يكون عامر ًا بالإيحاء‪.‬‬ ‫هذه الآليات فقط لت�سمية قراءة الن�ص الفني قراءة نقدية‪.‬‬
‫وفي طرف �آخر يرى ديوي في النقد الفني طريق ًا للك�شف‬ ‫والنقد الفني ال يعتمد في درا�سة الواقعة الجمالية على الذائقة‬
‫عن الحالة ال�سعيدة التي و�صل �إليها الفنان في ن�صه الفني‪،‬‬ ‫والم�شاعر واللذة فقط‪ ،‬وهي حاالت حد�سية‪ ,‬بل ال بد �أن يعتمد‬
‫ب�سبب الخبرة الجمالية ال�سوية المكتملة التي ت�ستوعب ذكريات‬ ‫�أي�ض ًا على حكم مو�ضوعي لتحديد القيمة الجمالية كما يرى‬
‫الما�ضي و�آمال الم�ستقبل‪ ،‬وا�ستطاعت �أن تحقق في الحا�ضر‬ ‫�شارل اللو ‪� .Ch. Lalo‬إذ �إن تذوق عمل فني هو �إدراك لقيمته‬
‫الوحدة والتكامل‪ ،‬مما يرقى بنا �إلى الم�ستوى الأمثل في الجمال‬ ‫في حياة الإن�سان‪ ،‬فالأعمال الفنية الواقعية �أو غير الواقعية‪،‬‬
‫والح�ضارة‪.‬‬ ‫لي�ست هامة لنقلها ما هو م�ألوف‪ ،‬ولكن بو�صفها �أ�شياء تختلف‬
‫و�إذا كان ديوي فيل�سوف ًا في �صياغة �أفكاره عن الخبرة‬ ‫عن الواقع الم�ألوف‪ ،‬وتقدم لنا عالم ًا جديد ًا من ال�صور المختلفة‬
‫في الفن ‪ ,‬ف�إن �أندره مالرو ‪� A. Marlaux‬صاغ �أفكاره بقالب‬ ‫والتي تجدد معرفتنا بالأ�شياء حتى ولو كانت �صورتها الأولى‪,‬‬
‫نقدي في كتبه المو�سوعية‪ ،‬وبخا�صة في كتابه ال�شهير �أ�صوات‬ ‫طبيعة �أو وجوه �أو �أ�شياء �صامتة‪ ,‬هي مو�ضوع العمل الفني ‪.‬‬
‫ال�صمت‪ ,‬وكتابه الإبداع الفني‪ ،‬وهو يرى �أن الناقد الفني متجه ًا‬ ‫النقد الفني والت�أويل‬
‫في قراءته للك�شف عن الجوانب الغام�ضة والملتب�سة في العمل‬ ‫يقدم النقد الفني ت�أوي ًال لم�ضمون الن�ص الفني‪ ،‬لم يكن‬
‫الفني‪ ,‬والتي مازالت تنتظر من يكت�شفها ويف�سرها ويعيد‬ ‫الفنان قد ق�صده �أو توقع الو�صول �إليه‪� ،‬إن مهمة الناقد �أن‬
‫خلقها من جديد‪� ،‬أما القارئ العادي ف�إنه يبحث عن المنفعة‬ ‫يكت�شف في الن�ص الفني ما هو ممكن فيما وراء هذا الن�ص ‪� ,‬أن‬
‫والمتعة الجمالية المرتبطة بذكرياته ومطامعه‪ .‬ولقد عار�ض‬ ‫يتك�شف العام الجماعي في الخا�ص الفردي‪ .‬و�إذا كان الجمال‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪30‬‬


‫لوحة للفنان �شبلي �سليم‪.‬‬
‫والتوازن في طبيعة الأ�شياء الجامدة والحية‪.‬‬ ‫ميرلوبونتي �أفكار مالرو في درا�سات مو�سعة‪ .‬فهو يرى �أن قراءة‬
‫ويعتمد الناقد الفني في ك�شفه على ثقافة معرفية فل�سفية‬ ‫العمل الفني تهدف �إلى الك�شف عن ما يقدمه الفنان مرئي ًا بعد‬
‫وعلمية وتاريخية‪ ،‬وعلى حدو�سه التي تعادل حدو�س الفنان في‬ ‫�أن �ساءل العالم المرئي‪.‬‬
‫عملية �إبداعه الفني‪ .‬وللناقد دور في ت�صنيف العمل الفني وفي‬ ‫والنقد الفني يتجه �إلى الك�شف عن الفن وعن الجمال في‬
‫تحديد تطوره وتداخله مع الفنون والطرز والمبدعين الآخرين‪.‬‬ ‫الن�ص الفني‪ ،‬ويتجلى الفن في العمل الإن�ساني والموقف والر�ؤية‬
‫ولكنه ال ي�ستطيع �أن يت�صدى لذاتية الم�صور وحريته الإبداعية‪،‬‬ ‫الخا�صة بالفنان‪ ،‬ويبدو الجمال في �صيغ االن�سجام والوحدة‬

‫‪31‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫لوحة للفنان �أنور الرحبي‪.‬‬
‫عن الجمال الفني في هذا الن�ص‪ ،‬م�ؤازر ًا القارئ العادي في‬ ‫فلي�س عمله معياري ًا ولي�س �إر�شادي ًا ولكنه معني بت�أويل م�ضمونه‬
‫الك�شف عن �أ�سرار الجمال‪�.‬إذ �إن مهمة الناقد تو�سيع المعرفة‬ ‫دون محاولة �سجن العمل الفني في �إطار معايير تختلق عنا�صره‪،‬‬
‫الفنية‪ ,‬وربط الأثر الفني بالحياة وهذا هو مفهوم البراك�سي�س‬ ‫ولكنه قادر على مقارنة الن�ص بغيره من الن�صو�ص لتو�ضيح‬
‫عند المارك�سيين‪.‬‬ ‫�أوجه االختالف والم�شاركة‪.‬‬
‫وال يعني نق�ض المعيارية عدم تقييم العمل الفني وفق �أحكام‬
‫النقد الفني و القراءة ال�سيمائية‬ ‫فل�سفية جمالية ‪ .‬ولكن لي�س من مجال لأحكام �أدبية �أو رومان�سية‬
‫يرى هربرت ريد ‪� H. Reed‬أن الفن لغة رمزية‪ ،‬وعلى‬ ‫�أو �إيديولوجية‪.‬‬
‫هذا يرى علماء الأل�سنية �أن الن�ص الفني بو�صفه لغة يت�ضمن‬ ‫ولي�س النقد �إبداع ًا مهما كانت ملكة الحد�س الفني قوية‬
‫دا ًال ومدلو ًال‪.‬ويكمن دور الناقد في ممار�سة قراءة الن�ص‬ ‫عند الناقد ‪ ,‬ولكن من المف�ضل �أن يتمتع بملكة الإبداع لكي‬
‫يك�شف عن �آلية الإبداع في الن�ص الفني المقروء‪ .‬ثم ليك�شف‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪32‬‬


‫لوحة للفنان �أ�سعد فرزات‪.‬‬
‫لقراءة الن�ص وتفكيكه ‪ ,‬ور�سم الم�سار في دهاليز الن�ص‬ ‫قراءة جمالية تخترق ظواهرية ال�شكل �إلى �أعماقه‪ ,‬للتعرف‬
‫المعقدة للو�صول �إلى المدلول الأكثر عمق ًا و�شموال ً ‪ ,‬المدلول‬ ‫على ال�شفرات الملغزة �أو الملتب�سة التي كونت الن�ص‪.‬وهذا دور‬
‫المنف�صل عن ال�شكل الظاهري والمت�صل بالموقف الذاتي ‪,‬‬ ‫�سيمائي تحليلي يقوم به الناقد‬
‫فالعالـَم الذي يكت�شفه المتلقي في �أعماق الن�ص‪ ,‬عالـَم قد ال‬ ‫‪.‬‬
‫يكون الم�ؤلف قد ر�آه ‪.‬‬ ‫ومع �أن القراءةالنقدية لي�ست اعتباطية ؛ �إال �أنها غير‬
‫على �أن قراءة الن�ص لي�ست مجانية ‪ ,‬بل تخ�ضع �إلى قيم‬ ‫قاعدية �أي�ض ًا‪ ,‬فالنظرية ال�سيميائية لي�ست قاعدة بل هي تو�ضيح‬
‫تتجلى في تحويل الت�أويل نحو الأ�سمى �إن�ساني ًا وفكري ًا‬ ‫لآلية القراءة ‪ ,‬مع االعتراف بم�س�ؤولية هذه القراءة �إزاء الن�ص‬
‫و القراءة ال�سيمائية قراءة حرة وم�س�ؤولة عن حماية الن�ص‬ ‫الذي �أ�صبح بذاته منتـَج ًا ثقافي ًا ح�ضاري ًا ‪ .‬ولذلك ف�إن التنظير‬
‫الذي �أ�صبح منتج ًا ح�ضاري ًا‪ .‬ونعني بالم�س�ؤولية عدم المجانية‬ ‫ال�سيميائي لي�س �إيديولوجيا بل هو( تنظيم منهجي)‬
‫في عملية الت�أويل بل هي تخ�ضع �إلى قيم تتجلى في دفع الن�ص‬ ‫وتبحث القراءة ال�سيميائية ب�شكل م�ستمر عن طرائق جديدة‬

‫‪33‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫وحدات ذات ت�أثير متبادل بين عنا�صره البنيوية‪.‬‬ ‫نحو الأ�سمى �إن�ساني ًا وفكري ًا‪ .‬ويعني ت�أويل الن�ص الت�شكيلي‬
‫وفي الفن المجرد الحديث‪� ،‬أو في فن الرق�ش العربي‪،‬‬ ‫اكت�شاف مالمح غير مرئية وغير متوقعة كامنة في الن�ص ‪,‬‬
‫ف�إن ثمة دالالت وجدية �شاعرية تتجاوز االلتبا�س الذي ي�صيب‬ ‫ف�صح عنها الم�ؤلف �صراحة بل كناية �أو رمز ًا عن طريق‬ ‫لم ُي ِ‬
‫الناقد ‪ ,‬وتدفعه لت�صور دالالت �أ�سطورية خيالية كما يرى بارت‬ ‫�شيفرات ‪ ,‬فالتف�سير هو منهج عقلي تحليلي ريا�ضي ي�سعى �إلى‬
‫‪ . Barthes‬ذلك �أن الن�ص التجريدي يحتوي في باطنه على‬ ‫تو�ضيح الن�ص بعد فهمه مو�ضوعي ًا ‪,‬بعيد ًا عن موقف القارىء ‪,‬‬
‫دالالت جمالية م�ؤلفة من �شفرات ت�أويلية �أو رمزية غالب ًا‪.‬‬ ‫مرتبط ًا بموقف الم�ؤلف و ر�ؤيته ‪� .‬أما الت�أويل ف�إنه �إ�سقاط ذاتي‬
‫كما يحوي في ظاهره على �إ�شارة �أيقونية ذات معنى‪ ،‬ومهمة‬ ‫على المو�ضوع �أو الن�ص ‪� ,‬إنه محاولة الحتالل موقع الم�ؤلف‬
‫الناقد تو�ضيح العالقة بين ظاهر الن�ص الت�شكيلي وباطنه‪.‬‬ ‫لتوجيه الن�ص �إلى �أبعاد لم يف�صح عنها الم�ؤلف ‪ ,‬وقد ال يكون‬
‫ففي الرق�ش العربي نرى الخط يحمل مدلوله الرمزي م�شترك ًا‬ ‫قد توقعها �أ�صال ً ‪ ,‬على �أن يمر الناقد في طريق تحليلي قد‬
‫مع داالته‪ ،‬وتقابل �شفراته الباطنية عدد ًا �أقل من المدلوالت‬ ‫يتجاوز ق�صدية الم�ؤلف ‪ ,‬فاتح ًا الباب لقبول دالالت خا�صة ‪,‬‬
‫التاويلية‪ ،‬بل تحمل في المنمنمات والمرقنات مدلو ًال وحد ًا‪.‬‬ ‫تختلف باختالف القراء ‪ ,‬وباختالف م�ستوى قدرتهم على قراءة‬
‫الن�ص قراءة جمالية ولي�ست �أدبية �أو و�صفية �صحفية ‪ .‬وهذه‬
‫يدخل الناقد �إلى الن�ص من الباب الذي يختاره ‪ ,‬فهو حر‬ ‫القراءة تخترق ظواهرية ال�شكل �إلى باطنيته للتعرف على البنى‬
‫في فتح و�إغالق عالم الداللة دون التقيد بمدلول م�سبق‪ ،‬ولكن‬ ‫التحتية للن�ص‪ ,‬و�إلى ال�شيفرات الملغزة التي ت�ضمنت الن�ص ‪,‬‬
‫دون �أن ت�صبح عالقته مع الم�ؤلف عالقة خالفية �أو كيدية‬ ‫�سواء �أكان هذا الن�ص واقعي ًا �أو تجريدي ًا ‪ .‬وهذه ال�شيفرات توجه‬
‫�أحيان ًا‪.‬‬ ‫ر�سالة ما‪ ,‬ر�سالة مركبة تقوم على الت�ساند التركيبي �أو التكاف ؤ�‬
‫اال�ستبدالي ح�سب "جاكب�سون" ‪ ,Jackpson‬والتي تر�شد‬
‫ثقافة النقد الفني‬ ‫المتلقي في ت�أويله للن�ص ‪ ,‬وفي الك�شف عن الوظيفة الت�شكيلية‬
‫لقد �أ�صبحت ثقافة الناقد من الم�سائل التربوية الهامة‬ ‫في الن�ص ‪ ,‬فالن�ص الذي و�ضعه الم�ؤلف اليوم �أو في الما�ضي‬
‫‪ ،‬وكان ال بد من تغذيتها عن طريق التربية والتعليم‪ ،‬بيد‬ ‫البعيد لم يقدم من �أجل م�ؤلفه بل من �أجل الجمهور المتلقي عبر‬
‫�أن تربية التذوق على اختالف درجاته لي�ست �سهلة‪ ،‬ذلك‬ ‫الزمان ‪ ,‬وعبر تحوالت منهاج القراءة الذي يرتبط بتطور الفكر‬
‫�أن التذوق يرتبط بعوامل مختلفة‪ ،‬بع�ضها نف�سي وبع�ضها‬ ‫وال�سيا�سة والمجتمع ‪.‬‬
‫اجتماعي وبع�ضها �أخالقي‪ ،‬ومع ذلك يبقى هدف التربية‬ ‫وثمة م�سارات للنقد تحدث عنها بارت تقوم على عدم‬
‫التذوقية‪،‬تقوية الموقف النقدي �إزاء �شيء جمالي �أو فني‪.‬‬ ‫االرتباط بين الدال والمدلول في النقد ‪ .‬فالدال يمثل حالة‬
‫ويتم ذلك عن طريق تقوية ملكة الحد�س لديه‪ ،‬وتقوية ملكة‬ ‫ح�ضور‪ ,‬بينما يمثل المدلول حالة غياب لأنه يعتمد على فعل‬
‫الحكم �أي�ض ًا‪.‬‬ ‫المتلقي في عملية الربط بين الحا�ضر الدال وبين الغائب‬
‫ومهمة التربية النقدية رفع م�ستوى الدرا�سات ال�صحفية‬ ‫المدلول ‪ ,‬بين الن�ص الحا�ضر وبين ال�صورة الذهنية عن‬
‫�إلى م�ستوى النقد الفني ‪ .‬و لكن عندما انتقلت القراءات‬ ‫الن�ص‪ .‬وبهذا ت�صبح القراءة �أو النقد عم ًال �إبداعي ًا ‪ .‬ويرى‬
‫النقدية ال�صحفية ‪ ,‬لكي ت�ستقر بين دفتي الكتب تحت عناوين‬ ‫بارت �أن الن�ص الأدبي �أو الفني لي�س نتاج ًا ‪ ,‬بل عالقة مع �شيء‬
‫ت�أ�سي�سية‪ ,‬كان علينا �أن نت�ساءل هل حملت معها عنوانها ‪�,‬أم‬ ‫يقع وراءه ‪ ،‬ومهمة النقد ت�أويل الداللة‪.‬‬
‫حملت جميع مالمح الكتابة ال�صحفية التي بقيت حيادية‪,‬‬ ‫ويبدو الت�أويل رحب ًا عند قراءة الن�ص التجريدي والرق�ش‬
‫وهل �ساعدت على تو�ضيح النزعة الت�أ�صيلية التي ابتد�أها �أكثر‬ ‫العربي ‪� ،‬إذ تعبر الإ�شارات الت�شكيلية عن حدث �أو عن �أي �شيء‬
‫الفنانين العرب؟‪.‬‬ ‫ي�شير �إلى حدث ت�شكيلي �آخر‪ ،‬وهذه الإ�شارة الداللية تت�ضمن‬
‫ً‬
‫�إن �أبرز الكتب النقدية التي اعتـُمدت ر�سميا هي �سل�سلة‬ ‫دا ًال ومدلو ًال‪ ,‬وتبدو هذه الإ�شارة على �شكل خط �أو لون �أو‬
‫حجم في الت�شكيل الفني‪ ,‬بو�صفها لغة نظام �أيقوني م�ؤلف من‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪34‬‬


‫لوحة للفنان جمال بو�ستان‪.‬‬
‫جواب للأ�سئلة التي طرحت نف�سها‪ ,‬في ظروف �ضم قراءة‬ ‫الكتب التي خ�ص�صت لدرا�سة الحركات الفنية في كل قطر‬
‫الن�ص �إلى ت�أليفه في عملية بنائه النقدية‪.‬‬ ‫عربي‪ ,‬والتي �صدرت عن المنظمة العربية للتربية والثقافة و‬
‫العلوم (اليك�سو)‪ .‬وفي هذه ال�سل�سلة ن�ستطيع �أن نبحث عن‬

‫***‬
‫‪35‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬
‫مقابلة مع فنان‬

‫الفنان ن�ش�أت الزعبي؟؟‪..‬‬


‫خال�صي بالفن و احلب!!‪..‬‬
‫�أجرى احلوار‪ :‬بثينة ال�شيخ عبيد*‬

‫لي�س للإن�سان �إذا كان �أعمى �إال �أن ينظر بقلبه ليكون لنف�سه‬
‫ب�صيرة يتلم�س بوا�سطتها ما يناديه‪ ،‬بعيد ًا عن احتدام الآخرين‪..‬‬
‫يتلم�س دفء ًا ي�سعى �إلى لحظات ال يمكن �أن تن�سى يحت�ضن حلم ًا‬
‫ي�ضيء في الليل ما ا�ستطاع �سراج ويدفن بابت�سامة �ألم القلب‪.‬‬
‫بهذه الكلمات القليلة اخت�صر لنا الفنان ن�ش�أت الزعبي ق�صة‬
‫كاملة لروحه وك�شف لنا عن مكنونات داخله الجميل المليء‬
‫بالإح�سا�س والفن ‪.‬‬

‫الجميلة بم�صر‪ ،‬واليوم وبعد مرور �أكثر من �أربعين �سنة‪� ،‬أجد‬ ‫ن�ش�أت الزعبي ماذا يحدثنا عن هذا الع�شق لفان كوخ ؟‬
‫نف�سي �أنني ما زلت في محرابه‪ .‬لي�س من حيث ال�شكل‪ ،‬و�إنما في‬ ‫ ‬
‫اال�ستجابة ال�صادقة لأدق �إلهامات الح�س‪.‬‬ ‫‪-‬كانت ال�سماء كثيرة النجوم �أول ما ر�أيت للفنان العظيم‬
‫فان كوخ في لوحته �أ�شجار ال�سرو‪ ،‬كما في جميع لوحاته‪،‬‬ ‫فان كوخ الذي ولد عام ‪ 1853‬في قرية �صغيرة على حدود مع‬
‫يعارك عجينة الألوان عراك ًا م�ستميت ًا‪ ،‬غير عابئ بجميع‬ ‫بلجيكا والذي عا�ش حياة م�ضطربة لكنها كانت دائم ًا حافلة‬
‫التقاليد‪� ،‬أو الخطط‪� ،‬أو البرامج التي تحول بينه وبين التعبير‬ ‫بالمعاني الإن�سانية والحب الكبير‪.‬‬
‫عن انفعاالته الإن�سانية �أو هيجانه العاطفي‪.‬‬ ‫فان كوخ نبي الفنانين‪ ،‬عبارة كم كان يحلو لي �أن �أرددها‬
‫�أ�شجار ال�سرو تنمو‬ ‫ونحن نتناق�ش في الفن‪ ،‬عندما كنت طالب ًا في كلية الفنون‬
‫* �صحفية‪.‬‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪36‬‬


‫‪37‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬
‫على لوحة الر�سم طالما هو مرهون بالح�س‪ ،‬الح�س الذي يحكم‬ ‫�أ�شجار لي�ست كالأ�شجار تحت �سماء ال ت�شبه �أي �سماء لك�أنها‬
‫ويقود جميع المعالجات وو�سائل التقدير والتخيل والمقارنة في‬ ‫�شظايا الروح في المكان في مكان خارج المكان‪� ،‬إذ لم يكن الفن‬
‫لوحة �أوقعها �أخيرا با�سمي‬ ‫كما �أعرف في يوم من الأيام �إال ت�أكيد ًا للذات‪� .‬أ�شجار لم تنجح‬
‫كمحاكاة لكنها نجحت بكل ت�أكيد كوثائق �سرية لحياته‪ .‬وثائق‬
‫�أنت فنان مدر�س قدير ور�سام هارب من القواعد‬ ‫ال تلبث �أن تنمو بثبات تحت �أب�صارنا لنتقبلها كجزء من معرفة‬
‫الفنية فهل تجد في هذه القواعد ما هو �أ�سا�سي في تكوين‬ ‫غام�ضة‪.‬‬
‫الر�سام الحقيقي ؟‬ ‫�أ�شجار ال�سرو قد تبدو للوهلة الأولى وك�أنها على �صورة‬
‫‪� -‬أنا �أجد �أن توجيه الطفل واالهتمام بموهبته له دور‬ ‫�شاذة‪ ،‬فهي لي�ست جرد ًا لمكونات كما �أنها لي�ست �إتقان ًا �سياحي ًا‬
‫�أ�سا�سي في �إيجاد الر�سام الحقيقي وتنمية قدراته ب�شكل �سليم‪،‬‬ ‫للتعريف بتلك المكونات‬
‫لكن في بالدنا الأمر مختلف‪ ،‬فهو بالعموم ي�أخذ منحى خاطئ ًا‬ ‫�أ�شجار ال�سرو لها لغتها الخا�صة والتي ما تلبث �أن نتقبلها‬
‫لأننا في كتبنا نقول للطفل �أر�سم هذه وار�سم تلك ونحن بهذا‬ ‫كجزء من معرفة غام�ضة لأنها ال تفهم �إال بمرجعيتها �إلى الح�س‬
‫نلقنه الر�سم بدل من �إعطائه الأدوات الأ�سا�سية ومن ثم تركه‬ ‫والوجدان و�إلى الحلم والتذكر وحدة النظر معرفة �أتت من تنور‬
‫ليعبر هو عن نف�سه‪ ،‬فالفنان عندما ير�سم ي�شعر وك�أنه يدخل‬ ‫يغلي بالم�شاعر لتتفجر �صيغ ًا ما تلبث �أن ت�ضعنا في الن�شوة‬
‫�إلى غرف في داخله لم يكن مكت�شف ًا لها من قبل‪ ،‬و�أنا ومن خالل‬ ‫والإدها�ش‪.‬‬
‫تجربتي ال�شخ�صية‪ ،‬ا�شعر وك�أنني اكت�شف نف�سي من جديد‬ ‫معرفة لم تنجح كمحاكاة �سطحية للواقع لكنها نجحت بكل‬
‫‪،‬ولذلك فانا �أعتقد ب�أننا يجب �أن ندعو الطفل الكت�شاف نف�سه‬ ‫ت�أكيد كوثائق �سرية للحياة فهل ي�ستطيع �أي �إن�سان �أن يقدم‬
‫�أي�ضا ولكي نرى قدراته ‪،‬فنحن وبطريقتنا الخاطئة تلك نتركه‬ ‫بالكلمات �شروح ًا لأ�سرار‪.‬‬
‫عاجز ًا ونعطيه �شك ًال جاهز ًا‪ ،‬وي�صبح الهدف لديه تكوين هذا‬
‫ال�شكل الجاهز وك�أنه هو الغاية وبالتالي فنحن نكون بذلك قد‬ ‫كيف يمكن لنا �أن نلم�س ت�أثير فان كوخ على الفنان‬
‫قيدنا خياالته و�أحا�سي�سه و عزلناه عن نف�سه‪ ،‬و�أنا �شخ�صيا �ضد‬ ‫ن�ش�أت الزعبي ؟‬
‫كل القواعد والقوالب الموجودة في مجال الفن‪ ،‬فلي�س فيه �صح‬ ‫‪ -‬يعني عندما نرى �أعمال فان كوخ ال نح�سها غريبة نلقى‬
‫�أو خط�أ وبالتالي ال قواعد‪ ،‬بل هناك قدرة للتغير الفن الحديث‬ ‫�أنف�سنا نحن بطريقته في النظر �إليها‪.‬‬
‫بر�أي لي�س على �سطح اللوحة �إنما هو بمدى و�صول الإن�سان لذاته‬ ‫�أحيان ًا �أ�صنع لوحة تظهر فيها �أ�شياء ال تحتاج للفن لتحدث‬
‫الحقيقية ‪�،‬أنا �أراك كما �أنت من الداخل الكما تراك عد�سة‬ ‫مفعولها‪ ،‬وهي عندما تظهر بهذا التراكم اللوني فيها �أ�شعر �أنها‬
‫الكاميرا ‪.‬‬ ‫را�سخة بالمعنى ل�سنا بحاجة لنتكلم عن معنى خارجها‪ ،‬فهذه‬
‫الأعمال ترميني بما فيها من ن�شوة و�إدها�ش‪ ،‬فاللحوحة كما‬
‫كيف يبد�أ فناننا �صوغ لوحاته ومن �أين ي�ستقي �أفكاره ؟‬ ‫�أرها هي لي�ست �إتقان ًا �أو جدار ًا مر�صوف ًا بالحجارة ‪،‬بل هي ج�سد‬
‫‪ -‬لي�س لدي برامج �أو خطة‪� ،‬أترك الأمر لإح�سا�سي الذي‬ ‫ترتج فيه الذكريات وتندمج مع الحلم والخيال وحدة الب�صر‪.‬‬
‫يقودني حيثما يريد ويتجلى فيما بعد على لوحة الر�سم‪.‬‬ ‫هي مكان خارج المكان ي�ستقطب �أفراد ًا وتفا�صيل ي�ستخل�صها‬
‫و لم يكن من �ضمن اهتمامي يوما من الأيام �أن �أر�سم الواقع‬ ‫ا�ستخال�ص ًا من الأرا�ضي ال�سحيقة للنف�س الإن�سانية تراكبات‬
‫�أو �أن �أنقله لأن ذلك يخاطب م�شاهد واحد‪ ،‬ويدور حول نقطة‬ ‫لأ�شكال و�ألوان ال تود �أن تكون �إال مكتفية بذاتها‪ ،‬وهنا ال�سر‬
‫واحدة �أي�ضا‪.‬‬ ‫فعندما �أر�سم لوحة ما �أقوم بعمل مهم لإنني �أختبر ذاتي و�أ�سعى‬
‫لوحتي دائما تتعدد فيها الف�ضاءات وهي مجموعة تقطيعات‬ ‫�سعي ًا د�ؤوب ًا للتعبير عنها بجميع كريات التلوين والعمل تارك ًا‬
‫‪،‬وهذه التقطيعات تنقلك من �أجل �أن ت�ستمر بالمو�ضوع ككل‪� ،‬أو‬ ‫جانب ًا جميع ما تعلمت من مهارات وقواعد �إذ كل �شيء ممكن‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪38‬‬


‫التي ت�أخذها لأن قيم الفن هي قيم الحياة فمثال كما يوجد‬ ‫بالمو�ضوع والم�ؤثرات لذاتها‪ ،‬وهنا يقوم الح�س بجمع ما كان‬
‫بالحياة تنوع �أحيانا ف�إننا نجد هذا التنوع في تلك الم�ساحة‬ ‫مبعثر ًا في البداية لأنها مجموعة م�شاهد لكي يجعلها في منظومة‬
‫اللونية والذي يعطيها حيوية وقابلية للوجود‪ .‬وعموم ًا ف�أنا �أ�سعى‬ ‫ان�سجامية والذي يحكم هذه المنظومة هو الإح�سا�س والحد�س‬
‫وراء وجود غير الوجود الذي تراه العين والذي �أهدف من ورائه‬ ‫الذي هو داخلي �أما عندما �أريد �أن �أر�سم فتكون اللوحة �أمامي‬
‫لتحقيق ذاتي من جهة ولخلق �إح�سا�س جديد من جهة ثانية ‪،‬هذا‬ ‫‪،‬وعندما �أبا�شر في اللوحة تكون لدي فكرة ب�سيطة عما �س�أر�سم‬
‫الإح�سا�س الجديد يج�سد طريقة الر�ؤية للوحة‪ ،‬و�أنا على العموم‬ ‫وعندما �أبد�أ‪� ،‬أ�شعر ب�أنني ال �أعرف ماذا �س�أفعل و�أبد أ� التلوين‬
‫ال �أحب تقديم الم�ألوف بل �أحب تقديم الجديد‪ ،‬فالفن ابتداع‬ ‫بالفحم �إلى �أن �أح�صل على �شكل ‪،‬هذا ال�شكل من الم�ؤكد ب�أنني‬
‫لأحا�سي�س جديدة كما قال ا�ستندال‪.‬‬ ‫ال �أح�صل عليه من فراغ �إنما هو ا�ستجابة ل�شيء في داخلي‪ ،‬ربما‬
‫لغة الفن كانت دائم ًا �إيحائية كما كانت دائم ًا تعمل على‬ ‫هي ذكريات تطفو على �سطح اللوحة دون �أن �أعلم من �أين �أتت‪.‬‬
‫محورين وهما تحريك لذائذ العين‬ ‫وال�شكل الذي �أح�صل عليه هو الذي يقودني في الخطوة التالية‪،‬‬
‫و الآخر يخاطب القلب والروح‬ ‫�أن �ألون �أو كيف يجب �أن �أ�ضع الألوان‪ ،‬فقط الألوان هي التي‬
‫لغة لم تعرف في يوم من الأيام التقيد بالمظاهر المرئية‬ ‫تعبر عن ذاتها‪ ،‬عن االحتماالت التي �أ�ضعها للوحتي‪ .‬واللوحة‬
‫‪،‬بل كانت دائم ًا تدافع لالت�صال بالقوة البكر للحياة التي ال‬ ‫م�ساحة ا�صنع منها احتما ًال وتبقى فر�ضية غام�ضة في البداية‬
‫يمكن �أن تقا�س بها �أي �شيء �آخر‪ ،‬وك�أن �صيغ الفن في مقدرتها‬ ‫في داخلنا‪ ،‬ومع التقدم في العمل ف�إن هذا االحتمال يت�ضح‪،‬‬
‫على‬ ‫وي�صبح ال�شكل �أكثر �إقناع ًا‪ .‬بع�ض الأ�شكال خيالية ال �أ�صل لها‬
‫ً‬
‫�صيغ الفن تكون في مقدرتها �أي�ضا علي �صيغ الأ�شياء نحو‬ ‫في الواقع تكت�سب قوة الحياة من خالل المعالجة وال�صفات‬

‫‪39‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫ما �أكثر نقا ًء و�أعمق ت�أثير ًا‬
‫كما يقول الناقد ادوارد فريد هو الوجدان عندما يتخذ‬
‫�شك ًال‪.‬‬
‫والفنان لي�س �أمامه الإنتاج النوعي العالي من العمل �إال �أن‬
‫ين�ضم �إلى الأ�شياء‬

‫ال�سقوط لوحة تحمل الكثير من المعاني فما هو المعنى‬


‫الذي �أراد �أن يو�صله �إلينا ن�ش�أت الزعبي ؟‬
‫‪ -‬الحقيقة المعنى الذي ق�صدته بال�سقوط في لوحتي‬
‫�سقوط الوهم‪ ،‬فمثال دونكي�شوت كان يعي�ش حالة من الوهم‬
‫جعلته يظن ب�أنه فار�س زمانه و جعلته ي�شعر بان ح�صانه لي�س‬
‫له �شبيه‪ ،‬والمر�أة الب�سيطة جعلته ي�شعر ب�أنها �سيدة هذا الكون‬
‫وب�أن الفر�سان الذين كان يهزمهم‪ ،‬والذين هم في الواقع فر�سان‬
‫وهميين‪ ،‬كان يدعوهم لتقديم الطاعة والوالء‪ ،‬وعندما �أفاق‬
‫من الوهم مات لأن حياته كان يغذيها الوهم ‪،‬ولوحة ال�سقوط‬
‫ق�صدت بها حاكم بغداد �صدام هذا الإن�سان الذي �أح�س نف�سه‬
‫�سوبر مان الذي يفكر عن كل الب�شر ويعرف �أكثر ما يعرف جميع‬
‫الب�شر‪ ،‬فهو �سقط كظاهرة ولي�س كان�سان وقد �آن لهذه الظاهرة‬
‫�أن ت�سقط لأن الم�س�ؤول عن جماعة يجب �أن يفكر بروح الجماعة‬
‫هذا الذي ق�صدته �أنا من لوحة ال�سقوط‪ .‬فالنا�س في اللوحة‬
‫يت�ساءلون �إن كان هناك �أمل بالغد وقد حاولت �أن �أج�سدهم‬
‫ب�شخ�صية المر�أة الحامل مثال و الواقفة في زاوية اللوحة وهي‬
‫ت�ضع يدها على بطنها‪ .‬والإن�سان في لوحاتي فكرة ولي�س واقع‬
‫مادي وفي لوحتي ر�ؤى لمدينة ال تنام الإن�سان قادم �إلى هذه‬
‫المدينة وك�أنه يحمل معاناة كبيرة وهو ي�ضع يده على بطنه وك�أن‬
‫في داخله رحم فيه رغيف خبز وبيده �أزهار ومن هذا الرحم‬
‫تولد جميع العالقات المعقدة وكل المعاناة ‪،‬بمعنى �أن المدينة‬
‫مليئة بالمعاناة‪.‬‬

‫الفن‪ ،‬ذلك اال�سم الكبير لمدينة مليئة بالألوان �إلى �أين‬


‫ت�أخذ هذه المدينة فناننا ؟‬
‫‪ -‬الفن ي�أخذني �إلى عالم �آخر فهو بالن�سبة لي يمثل نوع ًا‬
‫من الخال�ص من الحياة التي تحيط بي والتي ال تعجبني ‪،‬وعلى‬
‫الرغم من �أنني �أعتبر ب�أن ات�صالي بالحياة التي من حولي هو‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪40‬‬


‫ات�صال مثمر و�أعتقد ب�أنه �إيجابي ‪،‬لكن ا�صطدامي بكثير من‬
‫التفاهة التي تلف الحياة التي حولي تجعلني �ألج�أ �إليه‪ ،‬فالر�سم‬
‫بالن�سبة لي هو نوع من �أنواع الخال�ص‪ ،‬وهذا هو جوهر حياتي‬
‫‪،‬ولأن طفولتي لم تكن بمجملها جيدة وقد كان فيها الكثير‬
‫من المرارات والأحداث الأليمة ‪،‬فكان الفن في مراحل الحقة‬
‫يمثل لي الخال�ص من هذه الآالم‪ ،‬فمث ًال عندما كان عمري ‪6‬‬
‫�سنوات كنت �ألعب مع ابن الجيران‪ ،‬وعندما �سمعت �أمي �أ�صوت‬
‫الطائرات في الجو نادتني لت�أخذني �إلى المنزل ‪،‬ومن ثم قامت‬
‫الطائرات بق�صف حينا وبعد قليل �أتت �إحدى المجاهدات‬
‫و�أنقذتنا وخرجنا �أنا و�أمي و�أخي و�أختي‪ ،‬وكان هناك الكثير من‬
‫الدمار‪� ،‬أما �صديقي الذي كنت �ألعب معه فكان تحت هذا الدمار‬
‫هو و�أخته ‪.‬‬
‫وفي �سن ال�سابعة توفيت والدتي وعندما �س�ألت عنها قالوا‬
‫لي �أنها �سافرت فا�سودت الدنيا بعيني و�سكت ونمت في �سريري‬
‫و�أ�صبحت �أنظر �إلى ال�ضوء ي�صنع �أ�شكا ًال على الحائط و�أ�صبح‬
‫عندي متعة عندما ينام الجميع �أن �أراقبها‪ ،‬وقد كان هذا‬
‫الأمر نوع ًا من الخال�ص من الحزن الذي كنت �أ�شعر به ‪،‬كما‬
‫�أنني بد�أت �أراقب القطط كيف تمر على الدالية و�صوت الهواء‬
‫و�أ�صبحت �أ�شغل نف�سي ب�شكل النبات‪ ،‬والع�صافير‪ ،‬واليا�سمينة‪،‬‬
‫و�أ�صبحت �أ�شغل نف�سي عن الحزن الذي بداخلي ب�سب فقدان‬
‫�أمي و�صديقي ‪.‬فالموت تعامل معي بوقت مبكر ‪.‬‬

‫هل تعتقد �أن الفنان بمقدوره �أن يعبر عن الألم بالر�سم ؟‬


‫‪� -‬أحيان ًا نجد الكثير من الر�سامين الذين يعبرون عن‬
‫الم�أ�ساة وب�صيغة جميلة‪ ،‬لي�ست جميلة في الحقيقة بل فنية ف�أنا‬
‫بر�أيي �أن الفن هو �شيء �أكثر من الجمال‪ ،‬لأن الفن هو حالة‬
‫�إن�سانية‪ ،‬وكل �شخ�ص لديه �إح�سا�س يتقبله‪ ،‬فالجمال ق�ضية‬
‫معيارية فهي تخ�ضع لمعايير تختلف من �إن�سان لإن�سان �آخر‪� ،‬أما‬
‫الفن فهو لكل الب�شر‪.‬‬

‫ما ر�أيك بالنقد الفني وهل تجد �أنه لدينا نقد حقيقي ؟‬
‫‪ -‬النقد �شيء �إيجابي لنا قد يقوم ب�إنتاج العمل مرة �أخرى‬
‫ولكن بطريقته الخا�صة وهذا مهم بالن�سبة للفنان �أن ي�سمعه و‬
‫يعاي�شه‪ ،‬و�إذا كان النقد ي�صدر عن مزاجية فهنا الخطورة �أما‬

‫‪41‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫يق�ضي على الحياة وهو �ضد الحياة و�ضد التطور وهذا يقيد‬ ‫�إذا كان نابع ًا عن ن�ضج ومعرفة فهو نقد مهم وي�ساعد على دفع‬
‫الفنان ويق�ضي عليه‪� ،‬أما الموروث ال�شعبي الحقيقي فهو جميل‬ ‫الحركة الفنية نحو الأمام‬
‫ويكون كخزان من الخزانات التي ترفد ر�ؤية الفنان وتنميها نحو‬
‫الأف�ضل‪ ،‬فلوحاتي ت�أخذ الموروث ال�شعبي والذي يعبر ب�شكل‬ ‫و �أما عندنا فالنقد ي�أخذ اتجاها �إن�شائي ًا مث ًال‪ :‬هذا الفنان‬
‫من الأ�شكال عن خيال �شعب كقولنا مثال فالن �أ�صابه الغ�ضب‬ ‫فنه جميل و�أ�شكاله جميلة‪ ،‬هذا الكالم �أعتبره كالما هام�شيا‬
‫ف�أ�صبحت عيناه كبرك من الدماء و�أنا �أعتبر �أننا من خالل هذه‬ ‫بالن�سبة لي فنحن بحاجة لنقد ي�صل �إلى الأعماق‪ ،‬و�إلى الأرا�ضي‬
‫العبارة نكون قد خرجنا عن الواقع و بر�أيي �أننا عندما نخرج عن‬ ‫ال�سحيقة التي انطلق منها الفنان‪.‬‬
‫الواقع نكون قد دخلنا في عالم الفن‬ ‫والفنان في �سورية �أ�صيل و الحركة الفنية اليوم تعج ب�أعداد‬
‫هائلة من الفنانين الذين لديهم الفن هو حياتهم‪ ،‬والذين �أعتقد‬
‫ال �أرى في لوحاتك �أية ر�سوم لفتيات عارية‪ ,‬ما هو‬ ‫ب�أنهم قلة ‪،‬وهم في النهاية ال ي�صنعون طرائف �أو �صرعات بل‬
‫ال�سبب ؟‪..‬‬ ‫يقدمون �أنف�سهم‪ ،‬وهنا نحتاج �إلى ناقد ينطلق من الأر�ضية التي‬
‫‪ -‬لقد ر�سمت العديد من الفتيات العاريات في �أثناء‬ ‫انبثق منها الفنان ويتكلم عنها بمو�ضوعية و�أعتقد �أن هذا الأمر‬
‫درا�ستي‪ ،‬والفكرة الآن �أن هذه الموا�ضيع جميعها قد تراجعت‬ ‫لي�س موجود ًا لدينا بعد‪.‬‬
‫فنحن في كلية الفنون الجميلة كان لدينا موديل امر�أة عارية �أما‬
‫الآن فلم يعد موجود ًا وذات ال�شيء موجودا في م�صر وعندما‬ ‫هل تجد �أن الموروث ال�شعبي من الممكن �أن يكون‬
‫ذهبت للدرا�سة هناك كان هناك في حينها موديل عارية‪� ,‬أما‬ ‫عائق ًا في وجه حركة تقدم الفن ؟‬
‫الآن فال يوجد‪ .‬فالحياة االجتماعية �أحيان ًا من الممكن �أن تنحو‬ ‫‪ -‬الموروث ال يقيد وال ي�ضيق على الفنان‪ ،‬والموروث نوعان‪،‬‬
‫�إلى �أماكن قد يجبر عليها النا�س ولي�ست مزاجهم‪ ،‬و الأمر في‬ ‫الموروث االجتماعي والذي نما �أ�صال ب�أجواء غير طبيعية فهو‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪42‬‬


‫الكباد‪ ،‬االت�صال بالطبيعة‪ ،‬البركة و�أزهار القرطا�س‪ ،‬الدالية‪،‬‬ ‫حماه كوني ابن حماه قد �أختلف فيما م�ضى عن وقتنا الحالي‬
‫وقطة الدار‪ ،‬رائحة الم�ساء في الدار‪� ،‬ضوء القمر‪ ،‬وال�سهر على‬ ‫فعندما بد�أنا الر�سم ونحن في �سن ال�شباب كنا ننت�شر في ربوع‬
‫الأ�سطح في ليالي ال�صيف‪ ،‬العالقات الحميمة بين النا�س ‪.‬لقد‬ ‫حماه‪ ،‬ونر�سم الطبيعة‪ ،‬وكان النا�س الذين يروننا يخرجون لنا‬
‫كانت الطبيعة من حولنا جزء ال يتجز�أ من حياتنا �إذ غالب ًا ما‬ ‫الكرا�سي‪ ،‬والقهوة‪ ،‬والماء‪� ،‬أما الآن ف�أنا �أعتقد ب�أن �أي �شخ�ص‬
‫يتم االنتقال من �أ�شيائها �إلى انطباعنا عنها �أو �إح�سا�سنا بها‪.‬‬ ‫يريد �أن يجل�س وير�سم ف�سوف ي�صبح عر�ضة للفرجة‪ ،‬و ك�أن‬
‫الثقافة تنح�صر �أحيان ًا عما كانت عليه‪ ،‬وعلى الرغم من �أن‬
‫�أذا كيف ترى ثقافة النا�س الآن في عام ؟‬ ‫معطيات الح�ضارة �أخذت مدى �أو�سع‪ ،‬لكن الحياة الإن�سانية‬
‫‪ -‬رد ًا على �س�ؤالك �أريد �أن �أقول‪ .‬هكذا وبكل �سهولة‪ ،‬فنحن‬ ‫�ضمرت لم تعد مثل ما كانت عليه‪ ،‬وكنا نلقى الت�شجيع من قبل‬
‫كما نترك هويتنا على البيوت التي نبنيها ف�إنها تفر�ض ت�أثيرها‬ ‫الأهالي‪ ،‬فعندما �أقمنا معر�ضنا هناك ا�ضطررنا لال�ستعانة‬
‫علينا‪ ،‬بل تر�سم مالمح هويتنا �أي�ض ًا‪ .‬اليوم �أنا �أت�ساءل و�أعي�ش‬ ‫بال�شرطة لتنظيم دخول الن�سوة �إليه‪� ،‬أما اليوم فال ن�شهد هذه‬
‫في دم�شق‪ .‬دم�شق التي لم تعد ب�ستان ًا �أو �شام ًا كما ت�سمى فقد‬ ‫الظواهر وهذا بر�أي يعود �إلى �أننا �أ�صبحنا مجتمع ًا ا�ستهالكي ًا‬
‫تم اقتالع ال�شجر من غوطتها ليحل محلها الأ�سمنت والحجر‪.‬‬ ‫وبالتالي لم تعد اهتماماتنا ثقافية ‪،‬فيما قبل كان �إن�ساننا �إن�سان‬
‫هي �أبنية هجينة بال طراز‪� ،‬أبنية متجاورة متالحقة بعد �أن‬ ‫بحق �أما الآن �أ�صبحنا مجرد �أ�شخا�ص ا�ستهالكيين‬
‫تخلت حتى عن �ألوانها لدخان ال�سيارات‪ ،‬ال�سكان ال يعرفون‬ ‫كثير ًا ما يكفي �شيئ عار�ض ليحيلنا �إلى وقت م�ضى حتى‬
‫بع�ضهم‪� ،‬أو بالكاد يعرفون بع�ضهم‪ ،‬العمارات لم تنجح �إلى‬ ‫�إننا نتذكر تفا�صيل عديدة تتعلق بزمان ذلك ال�شيء ومكانه‪،‬‬
‫ب�إقامة الحواجز بين الجيران‪ ،‬فيما �أطفالنا يمنحون على مدار‬ ‫بل كثير ًا ما ي�ستح�ضر فينا بقوة كل ما يتعلق به من م�شاعر‬
‫اليوم عيونهم و ذواتهم ل�شا�شات الكمبيوتر وال �سيما الألعاب‪،‬‬ ‫و�أحا�سي�س فلقد كان لجيلنا ما نتذكره ممتزج ًا بال�سحر‬
‫عمارات كما �أراها م�صطنعة وقبيحة‪ ،‬عمارات تقطع‬ ‫والإثارة‪ ،‬كانت حياتنا غنية بالألفة في البيوت‪ ،‬اليا�سمين و‬

‫‪43‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪44‬‬
‫بما انك تحب �أن ت�سمي لوحاتك فما هو اال�سم الذي‬ ‫النف�س وتقتل ا لإح�سا�س‪ ،‬فهي لي�ست كتلك التي �شكلت‬
‫ت�ضع تحته جميع لوحاتك؟‬ ‫فينا وجدان ًا ‪ ،‬وذكريات تلك التي كانت متينة وك �أن بها‬
‫‪ -‬تحت عنوان الحب‪:‬‬ ‫�أرواح ًا ‪ ،‬نتعاون معها ب �أقل ما يمكن من العوائق‪ ،‬و �أكثر ما‬
‫هذه هي النظرة ال�سائدة في كل �أعمالي‪.‬‬ ‫يمكن من الم�شاعر وا لأحا�سي�س‪ ،‬وال� س�ؤال الذي يلح علينا‬
‫عندما �أنظر الحارات والبيوت ذات الدفء‪ ،‬عندما �أنظر‬ ‫دائم ًا ‪ ،‬وهو � س�ؤال يطغى علينا نف�سه �شئنا ذلك �أم لم ن�ش �أ‪.‬‬
‫ال�سماء‪ ،‬الأر�ض‪ ،‬ال�صخور‪ ،‬الأ�شجار‪ ،‬عندما �أنظر الأم التي‬ ‫وال� س�ؤال هل ينبغي لنا �أن ال نفيق �أبد ًا؟ و�إذا �أفقنا هل‬
‫تر�ضع طفلها‪� ،‬أو ت�سقيه ملعقة الدواء‪ ،‬وتدور بها الدنيا عندما‬ ‫نملك الجر �أة وا لأدوات لنكافح �ضد ال�سقوط‪ ،‬وهل لدينا‬
‫ي�ضحك‪ ،‬وت�ضيق بها الدنيا وتعتم عندما يحزن‪ ،‬عندما �أنظر‬ ‫الدافع لن�سترد بع�ض ًا من هويتنا‪ ،‬بع�ض ًا من ثقافتنا التي‬
‫الأب يفنى لكي ال تفنى الفرحة في بيته‪ ،‬عندما �أنظر الأخ‪ ،‬الأخت‪،‬‬ ‫يتم تدميرها ب �أيدي الغير �أو ب �أيدي من وفق‪ ،‬في كل يوم‬
‫العا�شق‪ ،‬العا�شقة‪ ،‬ورع�شات اللذة في عيون المحبين‪ ،‬عندما‬ ‫ما زال يت�شكل لدي بع�ض ا لأمل �أن يتمكن المبدعون في‬
‫�أنظر طيران الفرا�ش‪ ،‬نواء القطة وهي تتم�سح ب�أليفها‪ ،‬رق�ص‬ ‫بلدي على اختالف م�شاكلهم و �أدواتهم من �إنقاذ حياتنا‬
‫الطيور قبل لحظات الحب‪ ،‬رق�ص الطيور بعد لحظات الحب‪،‬‬ ‫من الجفاف و�إنقاذ ثقافتنا من الت�شرد وال�ضياع‪.‬‬
‫ال�سنونو وهو يملأ الف�ضاء‪ ،‬الأكف المتعانقة‪ ،‬الأكف المت�سابقة‪،‬‬

‫‪45‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫‪� -‬أنا متفائل جدا بم�ستقبل الفن في �سوريا ويوجد لدينا‬ ‫دموع اللقاء ودموع الوداع‪ ،‬ابت�سامات الر�ضا وابت�سامات الرغبة‪،‬‬
‫مجموعة كبيرة من ال�شباب يعملون ب�صدق وبجد و �أنا بر�أيي‬ ‫يا�سمين الدار‪ ،‬ويا�سمين الطرقات‪ ،‬ال�سهر القديم على �أ�سطح‬
‫�أن كل �شيء �صادق هو مر�شح الن يكون خالد ًا وهذا ال�صدق‬ ‫المنازل‪ ،‬ال�سهر في ال�شرفات‪ ،‬النجوم‪ ،‬القمر‪ ،‬الب�ستان‪ ،‬التنوع‪،‬‬
‫موجود عند فئة قليلة من ال�شباب �أما الفئة الأخرى فهم يتبعون‬ ‫الت�أرجح بين ال�سعادة والألم بين ال�شهوة والتمنع‪ ،‬عند كل ذلك‬
‫المو�ضة وما هو �سائد في العالم والذي من الممكن �أن يكون غير‬ ‫وغير ذلك تتحول هذه العالقات من العين �إلى القلب ف�إن ذلك‬
‫معا�صرتنا �أو ما نطمح له و�إن معا�صرتنا تنبع من مدى �إخال�صنا‬ ‫تحديد ًا ما �أزعم �أنه الحب‪.‬‬
‫لذواتنا وهنا تت�أكد الهوية وي�صبح لدينا هوية ‪�،‬سواء �شئنا �أو‬ ‫كيف ينظر اليوم الفنان ن�ش�أت الزعبي م�ستقبل الفن‬
‫�أبينا فنحن لدينا هوية‪.‬‬ ‫والفنانين ؟ في �سوريا؟‪..‬‬

‫***‬
‫ذاتية الفنان‬
‫‪ 1969‬جائزة الجناح ال�سوري ‪ -‬الجائزة التقديرية ‪ -‬في‬ ‫�أحمد ن�ش�أت الزعبي‪ ,‬من مواليد حماه ‪1939 ,‬‬
‫معر�ض بينالي الأ�سكندرية الثامن لدول البحر الأبي�ض‬ ‫‪1964‬بكالوريو�س فنون جميلة بتقدير ‪ -‬ممتاز ‪ -‬من جامعة‬
‫المتو�سط‪.‬‬ ‫دم�شق‪.‬‬
‫الم�شاركة بت�أ�سي�س جماعة الع�شرة للفن الحديث و الم�شاركة‬
‫‪ 1965-1973‬مدر�س ًا في مركز الفنون و ثانويات و مدار�س‬
‫بمعار�ضها داخل القطر و خارجه‪.‬‬
‫حماه و موجه ًا �إخت�صا�صي ًا في المنطقى الو�سطى‬
‫‪� 1971‬أنتخابه نائب ًا لنقيب الفنون الجميلة في �أول مجل�س‬
‫‪ 1974-1998‬مدر�س ًا في ثانويات و مدار�س المقررات في‬
‫منخب للنقابة‪.‬‬
‫دولة الكويت‬
‫اختيار لوحة (الفتاة الريفية ) لتمثيل �سوريا في الكتاب الذي‬
‫�صدر عن معر�ض ترنيالي الهند العالمي بم�شاركة (‪ 38‬دولة)‬ ‫‪ 1999‬متفرغ ًا للعمل الفني و �أ�ستاذ ًا محا�ضر في كلية الهند�سة‬
‫الم�شاركة بت�أ�سي�س �إتحاد الفنانين الت�شكيلين العرب‬ ‫المعمارية في جامعة دم�شق‪ ,‬و م�ؤخر ًا في جامعة القلمون‪.‬‬
‫‪ 1998‬تكريم من وزارة التربية في دولة الكويت‬ ‫امل�شاركات و الأن�شطة‪:‬‬
‫‪ 2000‬تكريم من وزارة الثقافة �ضيف �شرف مهرجان المحبة‬ ‫‪ 1956‬الم�شاركة في ت�أ�سي�س حلقة فنية في مدينة حماه‪ ,‬كان‬
‫‪� 2009‬ضيف �شرف في معر�ض الخريف ال�سنوي الذي تقيمه‬ ‫لها دور مميز في �إقامة المعار�ض‪ ,‬كما فازت �إحدى عرباتها‬
‫مديرية الفنون بالتعاون مع اتحاد الفنانين الت�شكيلين‪.‬‬ ‫االحتفالية بالجائزة الأولى في مهرجان القطن بحلب و برز من‬
‫�أفرادها فيما بعد فنانون على م�ستوى �سوريا و خارجها‪.‬‬
‫الأعمال موجودة يف‪:‬‬ ‫‪1959‬حتى تاريخه‪ :‬الم�شاركة في معظم المعار�ض المحلية‬
‫المتحف الوطني في دم�شق‬
‫داخل �سوريا‪ ,‬و المعار�ض الجماعية‪ ,‬كما مثل �سوريا في عدد‬
‫متحف البا�سل‬
‫من المعار�ض التي طافت عدة دول �أجنبية و كان �آخرها في‬
‫متحف ال�شارقة‬
‫فرانكفورت عام ‪ ,2003‬كما �شارك في عدد من لجان القبول‬
‫مجل�س ال�شعب‬
‫في كلية الهند�سة المعمارية في جامعة دم�شق‪ ,‬و عدد من لجان‬
‫وزارة الثقافة‬
‫قبول الأعمال الفنية و �إقتنائها في المعار�ض الر�سمية التي‬
‫لدى مجموعات خا�صة داخل �سوريا و خارجها‪.‬‬
‫تقيمها وزارة الثقافة في �سوريا‪.‬‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪46‬‬


‫منحوتة للنحات �أكثم �سلوم‪.‬‬

‫‪47‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫فنان �سوري‬

‫الفنان روالن خوري‪..‬‬


‫وواقعية الإيحاء‬
‫الرومان�سي‪!!..‬‬
‫حممود م ّكي*‬

‫النا�س‪ ،‬لقد كان الفنان يدرك مقدار �أهمية الفن في بناء‬


‫الإن�سان والحياة والح�ضارة ‪...‬‬
‫الر�ؤية الفنية‬
‫الفنان الراحل ( روالن خوري ) واحد من �أعمدة رواد الجيل‬
‫ال�سرية الفنية‬ ‫الثاني في م�ضمار الذائقة الب�صرية ال�سورية الذين �ساهموا‬
‫بجد وحيوية مع الجيل الأول في بناء الأ�س�س الثابتة للحركة‬
‫ولد الفنان ( روالن خوري ) عام ( ‪ ،) 1930‬في مدينة‬
‫�أنطا كية التي تربطها بمدينة حلب الطريق الروماني القديم‪،‬‬ ‫الت�شكيلية ال�سورية في بداية ال�ستينيات من القرن ال�سابق‪،‬‬
‫انتقلت �أ�سرته‪ ،‬في ظروف خا�صة‪� ،‬إلى مدينة حلب‪ ،‬بعد �سلخ‬ ‫وخا�صة‪ ،‬في مدينة حلب على �أقل تقدير‪ ،‬التي �أحبها و�أخل�ص‬
‫لواء ا�سكندرون عن �سوريا الأم في عام ( ‪ ،) 1939‬وفيها ترعرع‬ ‫لها بحبه‪ ،‬وهو من الأوائل الذين حاولوا‪ ،‬بكل ما يملك من‬
‫الفنان ودر�س حتى نال الثانوية في عام ( ‪ ،) 1950‬وفي �أثنائها‬ ‫موهبة وعطاء لتطوير الفن الت�شكيلي ال�سوري نحو المحلية‬
‫ظهرت مواهبه الفنية في الر�سم‪ ،‬وتعرف على الفنان الرائد (‬ ‫الخال�صة من ال�شوائب الغريبة علينا‪ ،‬رغم اعتماده على‬
‫محمد غالب �سالم )‪ ،‬والفنان ( فاتح المدر�س ) عندما كان‬ ‫مفاهيم الواقعية‪ ،‬كما حاول‪ ،‬في نهاية المطاف‪ ،‬و�ضع قواعد‬
‫ير�سم المناظر الطبيعية بالألوان المائية عن حلب وريفها‬ ‫�أكاديمية ومدر�سية جديدة في مفاهيم الفن المعا�صر‪ ،‬ت�ساير‬
‫مفهوم الواقعية في تلك الفترة التي كانت �سائدة لدى �أكثر‬
‫*فنان ت�شكيلي و ناقد‪.‬‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪48‬‬


‫‪49‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬
‫المتميز بقبابه الطينية التي كانت الغواية الرئي�سية في �أعماله‪،‬‬
‫وهذا يدلنا على مدى �شفافية روح الفنان‬
‫وح�سه المرهف منذ البداية‪ ،‬كما كان يعر�ض‬ ‫( روالن ) ّ‬
‫�أعماله في هذه الفترة على �صديقه الفنان ( فاتح المدر�س )‬
‫الذي يقول عنها ‪ ( :‬قبل �أن نلتقي في روما كنا نلتقي في منزلي‬
‫بحلب �أو في مقهى البرازيل ونتحدث عن �أعماله التي ر�سمها‬
‫بالألوان المائية وفي الحديقة العامة‪ ،‬ومرة �أطلعني على ر�سوم‬
‫فيها الكثير من النفحة الجبرانية جاءت بعد مالزمته ل�شاب‬
‫هادئ يرتدي برن�س ًا �أ�سود ) وتابع قائال ‪ ( :‬تمكنه الفني ال يرجع‬
‫�إلى براعة يده وحذقه فح�سب‪� ،‬إنما يرجع بالدرجة الأولى �إلى‬
‫فكره الفني المبدع‪ ،‬وكانت مناق�شاتنا تحمل �إلي‪ ،‬مع كل لفظه‬
‫الهادئ المت�أني فكر ًا في م�ستوى الع�صر‪� ،‬أي يحمل روح الحداثة‬
‫مع البقاء في الأطر التقليدية عند الإنجاز )‪.‬‬
‫�شغف روالن في بداية حياته الفنية بمدر�سة ( جبران )‬
‫الفنية ذات الم�سحة الرومان�سية المفرطة الذي قال عنها‪ (:‬لقد‬
‫�سحرني هذا الجو ال�سري‪ ،‬انه يبدو بعيد ًا عن عالم ال�شر ‪) ..‬‬
‫في عام (‪� )1956‬سافر (روالن خوري) �إلى روما‪ ،‬التي‬
‫�أ�صبحت محط �أنظار ال�شباب الموهوبين لدرا�سة الفن في‬
‫�أكاديمية الفنون الجميلة‪ ،‬وعلى نفقته الخا�صة‪ ،‬كما فعل �أ�ستاذه‬
‫الفنان الرائد (وهبي الحريري)‪ ،‬حيث التقى بعدد من �شباب‬
‫الوطن الذين �أوفودوا للدرا�سة‪ ،‬وتوطدت فيما بينهم �أوا�صر‬
‫ال�صداقة‪ ،‬وخا�صة من خالل محاوراته معهم حول ق�ضايا الفن‬
‫في الحياة‪ ،‬ونذكر منهم ‪( :‬طالب يازجي ‪ -‬فاتح المدر�س ‪ -‬ل�ؤي‬
‫كيالي‪ ،)...‬هذه المحاورات الجادة التي �أ�سفرت‪ ،‬فيما بعد‪ ،‬عن‬
‫نظريته الفنية المعروفة با�سم (الواقعية الإيحائية) التي كتبها‬
‫�صديقه ال�شاعر المعروف الدكتور (نهاد ر�ضا) في كتيب �صغير‬
‫على �شكل حواريات تت�سل�سل فيها الأفكار الفنية على ات�ساق‬
‫منطقي وفل�سفي �إلى �أن ي�صل �إلى الر�ؤية الفكرية‪ ،‬والر�ؤية‬
‫الفنية‪ ،‬والر�ؤية الجمالية‪� ،‬ضمن مفاهيم معا�صرة للواقعية ‪...‬‬
‫تخرج الفنان (روالن خوري) من الأكاديمية في عام‬
‫(‪ )1960‬مع زميله الفنان (طالب يازجي) باخت�صا�ص الر�سم‬
‫الزيتي‪.‬‬
‫ويعود �إلى مدينته حلب التي يحبها‪ ،‬وهو ي�شعر في داخله‬
‫بمدى م�س�ؤوليته الوطنية تجاه بلده الحبيب‪ ،‬كانت الحما�سة‬
‫تدفعه دائم ًا للبحث عن تلك المفاهيم الفنية الجديدة التي‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪50‬‬


‫كان ي�ؤمن بها‪ ،‬ولهذا �شعر �أن وظيفته كمدر�س للفن في مدار�س‬
‫حلب‪ ،‬ربما تحد كثير ًا من طموحاته الفنية‪ ،‬فترك هذا العمل‬
‫التدري�سي في عام ( ‪ ،)1962‬وخا�صة بعد نجاح معر�ضه الأول في‬
‫عام (‪ ،)1961‬ليتفرغ كلي ًا للفن ولإنتاج اللوحة الفنية الالئقة‪...‬‬
‫كان هذا الموقف العملي من الفنان (روالن خوري)‬
‫يعتبر في حد ذاته منعطف ًا كبير ًا في حياته الفنية له �أ�سبابه‬
‫ال�شخ�صية التي تنم عن جر�أة قوية في اتخاذ مثل ذلك القرار‬
‫ال�صعب والخطير في ذلك الوقت الذي لم يكن العمل في مجال‬
‫الفن يعطي مردود ًا مادي ًا يفي ب�أغرا�ض الحياة اليومية المادية‬
‫ال�صعبة‪ ،‬ولكن الفنان ا�ستطاع �أن يجذب �إليه مجموعة من‬
‫المقتنين لأعماله‪ ،‬وذلك لإتباعه �أ�سلوب ًا خا�ص ًا يلبي متطلبات‬
‫الذوق العام‪ ،‬ويلبي ر�ؤيته الفنية والفكرية والجمالية‪ ،‬ب�آن واحد‪،‬‬
‫وهذا ينم عن قدرته الفنية في الأداء الكلي في م�ضمار الذائقة‬
‫الب�صرية المعا�صرة‪ ،‬وتحقيق رغبته الخا�صة‪ ،‬وذلك ب�إتباعه‬
‫�أ�سلوب الواقعية الإيحائية في �صناعة اللوحة والتي تبناها في‬
‫الن�صر‪.1961 ,‬‬ ‫حياته‪ ،‬وهو محاكاة الأ�شكال الواقعية بدقة متناهية‪ ،‬وبنظافة‬
‫لونية متميزة‪ ،‬وك�أنه ير�سمها من وراء لوح زجاجي �أقل من‬
‫�شفاف ‪...‬‬
‫في معر�ضه الأول الذي قدمه بعد تخرجه من �أكاديمية روما‬
‫للفنون في عام (‪ )1961‬في �صالة المتحف الوطني بحلب‪� ،‬أثار‬
‫هذا المعر�ض �ضجة ثقافية وا�سعة‪ ،‬ونال �إعجاب الجمهور ب�شكل‬
‫ملفت للنظر‪ ،‬بحيث نقله �إلى مدينتي (دم�شق وحم�ص) في نف�س‬
‫العام ‪....‬‬
‫ا�ستطاع الفنان (روالن خوري) خالل فترة زمنية ق�صيرة‬
‫�أن ي�أخذ مكانه المنا�سب في الحركة الت�شكيلية ال�سورية‪ ،‬وينال‬
‫بموقفه الفني الخا�ص‪ ،‬الإعجاب في الأو�ساط الفنية‪ ،‬تمام ًا كما‬
‫فعل زميله الفنان (ل�ؤي كيالي) في نف�س الوقت ‪ ...‬رغم وجود‬
‫مجموعة من الفنانين الذين عادوا من مواطن درا�ستهم �أمثال ‪:‬‬
‫( طالب يازجي ‪ -‬ل�ؤي كيالي ‪ -‬فاتح مدر�س ) ‪.‬‬
‫هذا النجاح الكبير دفعه نحو متابعة �أبحاثه الفنية في �إنتاج‬
‫اللوحة المتميزة‪ ،‬فوا�صل ن�شاطه الفني على وتيرة متنامية‬
‫الغناء تجربته الفنية‪ ،‬بروافد جديدة من الأعمال الفنية �أمام‬
‫تحديات الحركات الفنية العالمية‪ ،‬لهذا تعتبر فترة ال�ستينيات‬
‫وبداية ال�سبعينيات من حياته الفنية في القرن ال�سابق‪ ،‬فترة‬
‫غنية وخ�صبة في �إنتاجه الفني الذي �أ�صبح له مميزاته الخا�صة‬
‫بورتريه ‪.‬‬

‫‪51‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫بورتريه لل�سيد محمد دعدو�ش ‪.‬‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪52‬‬


‫به في م�ضمار ال�ساحة الت�شكيلية ال�سورية ‪...‬‬
‫انتقل �إلى روما ثانية لإقامته معر�ض ًا فيها عام ( ‪،) 1961‬‬
‫و�أقيم له فيها ندوة كبيرة للبحث حول معر�ضه ونظريته الفنية‬
‫(الواقعية الإيحائية)‪ ،‬ف�أ�صبح مو�ضع اهتمام كبير من النقاد‬
‫الإيطاليين‬
‫ويح�صد‪ ،‬هناك‪ ،‬بع�ض الجوائز العالمية‪ ،‬وفي عام‬
‫(‪ )1962‬يفوز الفنان ( روالن خوري ) بجائزة �سان فيتورمان‬
‫الإيطالية‪ ،‬فتكتب عنه ال�صحف الإيطالية بالخط العري�ض تقول‬
‫‪ :‬فنان �سوري من �سوريا يتقدم ال�صفوف الأولى على الفنانين‬
‫الإيطاليين ‪!!...‬‬
‫كان هذا النجاح حافز ًا قوي ًا له لمتابعة بحثه الفني وتطوير‬
‫تجربته الفنية �ضمن مفاهيم نظريته في الفن وا�ستمراره في‬
‫تقديم �أعماله الفنية التي ت�شرح نظريته الواقعية االيجابية‬
‫التي تمثل موقفه تجاه المدار�س الفنية المحدثة التي راجت‬
‫في الحياة الفنية العالمية مثل (البوب �آرت ‪ -‬التجريدية ‪-‬‬
‫التكعيبية )‪ ،‬وم�ضمون نظريته يعتمد �أ�سا�سا على توزيع النقط‬
‫اللونية ال�صغيرة جدا ب�شفافية متناثرة وبتوازن وان�سجام‪،‬‬
‫وبنعومة وحيوية مع ال�شكل الواقعي الكلي ليوحي للمتلقي �إلى‬
‫الفكرة الأ�سا�سية برموز �إيحائية وا�ضحة ال و�صفية مبا�شرة‪،‬‬
‫بل بروح خفيفة و�شعور مرهف ي�ؤكد على الرومان�سية المحبوبة‬
‫للعين‪ ،‬مما يدفع المتلقي �إلى �إعمال الفكر فيها‪ ،‬وليتولد لديه‬
‫عنا�صر انفعالية رقيقة تجاهها و�شعور ان�سيابي ر�صين وعقلي‬
‫ليجد الهدف الأ�سا�سي منها ‪...‬‬
‫بعدها تابع الفنان ( روالن خوري ) �إقامة عدة معار�ض‬
‫فردية في محافظات القطر‪ ،‬وفي ايطاليا‪ ،‬وفي لبنان‪ ،‬كما‬
‫�شارك بعدة معار�ض جماعية في كل من �سوريا وايطاليا ولبنان‬
‫وكان �أخر معار�ضه الفردية في �صالة المتحف الوطني بحلب‬
‫في عام (‪� )1985‬ضم مجموعة من �أعماله القديمة والجديدة‪،‬‬
‫و�أخر معر�ض جماعي �شارك به في �صالة �أمية للآداب والفنون‬
‫بحلب في عام (‪ ،)1987‬بعدها و�ضع نف�سه في عزلة اختيارية‬
‫مف�ضال االن�صراف للعمل‬ ‫فر�ضها على نف�سه في �سنواته الأخيرة ّ‬
‫الفني وعدم االنغما�س في �صراعات الو�سط الفني‪ ،‬حتى توفي‬
‫في مدينته حلب (‪ )1988\6\15‬تاركا خلفه �إرث ًا فنيا ً كبير ًا من‬
‫�أعماله التي توزعت في �أكثر دول العالم‪.‬‬

‫بورتريه الفنان بري�شته ‪.‬‬

‫‪53‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫الثورة‪.1961 ,‬‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪54‬‬


‫الكبير نحو مطابقة الواقع �سواء حين ر�سم الطبيعة بمحتوياتها‬
‫المتنوعة‪� ،‬أو الإن�سان الموجود فيها ب�أحواله المختلفة‪ ،‬وخا�صة‬
‫التجربة الفنية‬
‫ينتمي الفنان الراحل ( روالن خوري ) بتجربته الفنية‪ ،‬في‬
‫البورتريه ال�شخ�صية التي ا�شتهر بها‪ ،‬ولكننا نرى بو�ضوح مدى‬
‫مجمل �أعماله‪� ،‬إلى التجارب الواقعية المتميزة عن غيرها والتي‬
‫اهتمامه لإيجاد مناخ خا�ص في لوحته يعتمد فيه على ت�شكيل نوع‬
‫لها خ�صائ�صها الفنية في م�ضمار الذائقة الب�صرية ال�سورية‪،‬‬
‫من غالالت �ضبابية بالألوان‪ ،‬وظالل من نور ال�شم�س بطريقة‬
‫رغم اعتمادها القوي على مبادئ المدر�سة الواقعية كنهج في‬
‫فوتوغرافية فنية خا�صة به‪ ،‬ويعتمد عند معالجة العنا�صر ب�ألوانه‬
‫التعبير الفني �أكثر من اهتمامه في التعبير الفكري‪� ،‬إال �أن‬
‫على بنائها بلم�سات خفيفة رائعة‪ ،‬و�ضربات ري�شة لونية �صغيرة‬
‫تجربته الواقعية ت�شير �إليه بو�ضوح‪ ،‬لأنه ا�ستطاع �إعطاءها من‬
‫متناهية بحجمها جد ًا ومتتالية‪ ،‬وتتراكب على بع�ضها البع�ض‬
‫روحه وب�صمته ال�شخ�صية التي تكونت خالل عمله الطويل في‬
‫بتراكيب ن�سيجية يذكرنا ب�أ�سلوب الفنان العالمي (�سواره) التي‬
‫تطويرها لتلبي متطلباته الفنية والجمالية والفكرية الخا�صة‪.‬‬
‫تتجمع في �أعماله النقط اللونية لتترك ت�أثيرها الب�صري على‬
‫نرى في تجربته الفنية‪ ،‬بو�ضوح الر�ؤية النقدية الحديثة‪،‬‬
‫العين لتبدو لون ًا واحد ًا ‪...‬‬
‫اعتماده الكبير على مناهج الواقعية التي ت�ستمد �أ�شكالها من‬
‫�إن �أعمال الفنان ( روالن خوري ) ال تمثل لديه الواقعية‬
‫خالل المظاهر الواقعية المرئية الحية‪ ،‬لذلك �أبدى اهتمامه‬

‫‪55‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫الطبيعة بم�شاهدها الجميلة المريحة ب�صري ًا بما ت�ضمنته‬ ‫بمفاهيمها الكال�سيكية بالمطلق بل تمثل تلك الواقعية الإيحائية‬
‫من نباتات وحيوانات وبيوت من البيئة المحلية ‪...‬‬ ‫التي تبناها في نظريته الفنية‪ ،‬والقادرة على تج�سيد المالمح‬
‫الإن�سان بحاالته في الحياة‪ ،‬وبرع ب�شكل خا�ص بر�سم‬ ‫بمهارته الفائقة تكاد �أن تحاكي �آلة الت�صوير لوال تلك اللم�سات‬
‫البورتريه الذي كانت من �أ�سباب نجاحه الفني ومورد ًا لرزقه‬ ‫اللونية الخفيفة الناعمة المليئة بالحيوية والدفء والم�شاعر‬
‫منها ‪...‬‬ ‫الرقيقة بح�سها المرهف �ضمن مفاهيم رومان�سية غنية‬
‫ً‬
‫وهذا االتجاه جعل الفنان ( روالن خوري ) يقع �أ�سيرا له‬ ‫بعنا�صرها ال�صوفية التي تميز بها في �أعماله الفنية‪ ،‬وخا�صة‬
‫ف�أوغل في تقديم تجربته الفنية ب�شكلها الخا�ص به‪ ،‬و�أ�سرف‬ ‫في‪� ،‬آخر تجربته الفنية عن باقي الفنانين الواقعيين‪ ،‬حيث ينبغي‬
‫كثير ًا في ت�أنق ال�شكل واللون‪ ،‬وبالغ في �إظهار الأجواء الرومان�سية‬ ‫على العمل الفني ( كما يقول روالن ) تلبية حاجة العين بالتوازن‬
‫�ضمن ر�ؤيته الجمالية التي تميزت في �ساحة الحركة الت�شكيلية‬ ‫واالن�سجام والتوافق من حيث ال�شكل‪ ،‬على الأقل‪ ،‬بينما من ناحية‬
‫ال�سورية‪ ،‬حيث ينبغي على العمل الفني‪ ،‬من وجهة نظره ‪( :‬‬ ‫الم�ضمون‪ ،‬يجب توزيع اللون برموز �إيحائية ال و�صفية كي تتوالد‬
‫�أن يحتوي على ثالثة عنا�صر �أ�سا�سية هي‪ :‬عقالنية‪� ،‬إنفعالية‪،‬‬ ‫العنا�صر االنفعالية بالفكرة من خاللها‪.‬‬
‫جمالية ) ‪.‬‬ ‫وهنا نرى براعته ومهارته في ال�صياغة الفنية‪ ،‬وقدرته في‬
‫من هنا كانت تجربة الفنان الراحل ( روالن خوري ) في‬ ‫�أداء الأ�سلوب م�ضاف ًا �إليهام الفكر الفني المبدع �ضمن مفاهيم‬
‫الذائقة الب�صرية ال�سورية من التجارب الفنية التي نهجت نهج ًا‬ ‫الفن الحديث‪.‬‬
‫خا�ص ًا‪ ،‬والتزمت بر�ؤية فكرية وفنية وجمالية ح�سب ما تبناه‬ ‫توزعت موا�ضيعه‪ ،‬في مجمل �أعماله‪ ،‬التي قدمها خالل‬
‫الفنان في نظريته التي �أعلنها‪ ،‬وهي ‪ ( :‬الواقعية الإيحائية ) ‪.‬‬ ‫حياته الفنية على م�ساحات وا�سعة ت�ضم الطبيعة والإن�سان ‪...‬‬

‫***‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪56‬‬


‫ذاتية الفنان روالن خوري‬

‫‪ 1972‬معر�ض في بيروت‪.‬‬ ‫بانوراما ال�سرية‬


‫‪ 1974‬معر�ض في �صالة ال�شعب للفنون الجميلة‪.‬‬ ‫ولد روالن خوري عام ‪ 1930‬في �إنطاكية ‪� ،‬سورية‬
‫‪ 1974‬معر�ض في متحف حلب‪.‬‬ ‫�أنهى درا�سته الثانوية في حلب عام‪ .1950.‬تابع درا�سة‬
‫‪ 1975‬معر�ض في �صالة ال�سيجيلو في روما‪.‬‬ ‫الت�صوير في �أكاديمية روما للفنون الجميلة وتخرج منها عام‬
‫‪ 1982‬معر�ض بالمركز الثقافي بدم�شق‪.‬‬ ‫‪.1960‬‬
‫‪ 1985‬معر�ض بمتحف حلب‪.‬‬ ‫دبلوم ‪ G.B.Salvi e piccola europa‬بمدينة ‪Sasso‬‬
‫عاد �إلى �سورية في عام ‪ 1979‬حيث �أقام عدة معار�ض‬ ‫‪ Ferrato‬الإيطالية عام ‪ 1964‬ونال الو�سام الف�ضي‪.‬‬
‫�شخ�صية له في حلب ودم�شق‪ ،‬وا�ستمر في عمله حتى ال�شهور‬ ‫عمل مدر�سا في مدار�س �سورية حتى عام ‪1955‬‬
‫الأخيرة من حياته حيث توفي في ‪.1988-6-15‬‬ ‫بالتزامن مع بينالي البندقية عام ‪ 1964‬كتب بيانا عن الفن‬
‫معار�ض م�شرتكة‬ ‫الت�شكيلي والتيارات الفنية الحديثة‪ ،‬وقد ن�شر في ال�صحف‬
‫�شارك في معر�ض جماعي في ‪Palazzo Esposizioni‬‬ ‫الإيطالية وال�سورية‪ ،‬ثم طبع على �شكل كتيب با�سم الواقعية‬
‫في روما عام ‪.1962‬‬ ‫الإيحائية‪..‬‬
‫�شارك في معر�ض جماعي في �صالة ‪Galleria d'art‬‬ ‫في عام ‪ 1965‬قام بر�سم جداري ل�صالة الألعاب ال�شتوية في‬
‫‪ d'Urso‬في عام ‪.1963‬‬ ‫حلب (رعاية ال�شباب) بم�ساحة ‪400‬متر مربع‪.‬‬
‫�شارك في معر�ض جماعي في مدينة ‪ Fiuggi‬الإيطالية‪.‬‬ ‫كتبت عنه عدة معاجم فنية �إيطالية ونال من بع�ضها �شهادات‬
‫�شارك بمعر�ض جماعي ب�صالة ‪ Stagni‬بروما عام ‪.1964‬‬ ‫تقدير‪.‬‬
‫�شارك في بينالي �إيطاليا الدولي في البندقية عام ‪.1964‬‬ ‫كتب عنه عدد من النقاد العرب منهم‪ ( :‬غازي الخالدي ‪-‬‬
‫م�شاركة بالمعر�ض الجماعي في ‪Pallazo Esposizioni‬‬ ‫طارق ال�شريف ‪ -‬فاتح المدر�س ‪ -‬محمود مكي ‪ ) ..‬ونقاد �أجانب‬
‫‪ Roma‬بروما عام ‪.1968‬‬ ‫متحدثون عن تجربته الفنية الفريدة في الفن‪.‬‬
‫م�شاركة بمعر�ض ‪ Fiumicino‬قرب روما عام ‪.1977‬‬ ‫معار�ض خا�صة‬
‫م�شاركة بالمعر�ض الم�شترك في ال�سفارة ال�سورية في روما‬ ‫‪ 1961‬معر�ض في دم�شق‪.‬‬
‫عام ‪.1977‬‬ ‫‪ 1961‬معر�ض في المركز الثقافي بحلب‪.‬‬
‫ا�شترك بمعر�ض الربيع في حلب بالمتحف الوطني عام‬ ‫‪ 1961‬معر�ض في المركز الثقافي بحم�ص‪.‬‬
‫‪.1985‬‬ ‫‪ 1961‬معر�ض ب�صالة ‪ Giotti‬بروما‪.‬‬
‫�شارك بمعر�ض م�شترك في �صالة �أمية للآداب والفنون عام‬ ‫‪ 1962‬معر�ض ب�صالة ‪ Giotti‬بروما‪.‬‬
‫‪.1987‬‬ ‫‪ 1963‬معر�ض في �صالة ‪ Stagni‬بروما‪.‬‬
‫اجلوائز‬ ‫‪ 1964‬معر�ض بدم�شق‪.‬‬
‫الجائزة الأولى في م�سابقة �سان فيتو رومانو ب�إيطاليا عام‬ ‫‪ 1964‬معر�ض بحلب‪.‬‬
‫‪.1962‬‬ ‫‪ 1969‬معر�ض ب�صالة ‪ Cavalletto‬بروما‪.‬‬
‫جائزة ‪ Premio Cronaca‬الإيطالية عام ‪1988 .1975‬‬ ‫‪ 1970‬معر�ض بحلب‪.‬‬
‫‪ -‬توفي في حلب ‪� ،‬سوريا ‪.‬‬ ‫‪ 1972‬معر�ض في �ضهور ال�شوير في لبنان‪.‬‬

‫‪57‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫فنان �سوري‬

‫تناق�ضات ال�شخ�صية االفرتا�ضية‪..‬‬


‫عند�سبهان �آدم ؟؟‪..‬‬
‫غازي عانا*‬

‫‪ -‬وكما تبدو ‪� -‬صادقة مع ذاتها‪ ،‬من في�ض التعبير في الوجه‬ ‫هذه ال�شخ�صيات االفترا�ضية التي ا�ستمر�أت مربعات �سبهان‬
‫تلف معها باقي‬ ‫عن مكنونات الروح المختبئة في عباءة مترفة ّ‬ ‫�آدم الت�شكيلية تدلـّل عن �شكل ما من الأحياء‪� ،‬أو هي تعك�س هنا‬
‫الج�سد‪ ،‬نكت�شف من ذلك التناق�ض بين القبح الإن�ساني في‬ ‫نمط ًا مت� ّأخر ًا من الحياة‪ ،‬هكذا تبدو على الأقل للوهلة الأولى‪،‬‬
‫الوجه‪ ،‬وبين حالة البذخ والجماليات في اللبا�س‪ ،‬انف�صام ًا‬ ‫منهـَكة ‪ ..‬محبـَطة ‪ ..‬ال تقوى على �شيء‪ ،‬وهي في نف�س الوقت‬
‫�شديد ًا تزيد من حدّته تلك الخلفية الحيادية التي ال تحتوي �سوى‬ ‫�إذا ما تع ّودت على م�شاهدتها �ستكت�شف من جانب �آخر �أنها ال‬
‫لون ًا واحد ًا و�صريح ًا يدفع بال�شكل �إلى مقدمة اللوحة باتجاهنا‪،‬‬ ‫ب ّد تمتلك كل القوة وال�شرا�سة‪ ،‬والتف ّرد ب�صفات ذاتية تجعلها‬
‫فين ّبهنا بالالوعي �إلى ذلك االنف�صام الذي يعاني منه بع�ضنا‪،‬‬ ‫�شديدة الخ�صو�صية ال تنتمي �إلى منطقة �أو قومية �أو �سحنة‬
‫بين ما ي�ضمر في داخله وما يعلنه‪ ،‬تلك الحقيقة ال�صعبة‬ ‫ب�شرية تم ّيزها‪ ،‬وهذا ربما ت�شكيلي ًا كان دائم ًا وراء �س ّر نجاحها‪،‬‬
‫تواجهنا بها تلك ال�شخو�ص في كل مرة ننظر �إليها‪ ،‬هي هكذا‬ ‫رغم �إ�شكاليتها من �شدة التعبير الذي ي�سيل من الوجوه بخا�صة‪،‬‬
‫افتر�ضها الفنان ليبدي من خاللها ر�أيه �أو �سخطه واعترا�ضه‬ ‫ومناق�ض ًا في الوقت نف�سه كما ذكرت تلك الجماليات من‬
‫على كثير مما يجري من حوله من �أحداث‪� ،‬أو في العالم من‬ ‫التزيين والزرك�شات والكو ّالج الذي ي�ضيفه الفنان على اللبا�س‬
‫رعب وانتهاك للكرامات‪ ،‬وتلك ال�شخ�صيات ربما كانت نماذج‬ ‫ليظهر بالنهاية غريب ًا مده�ش ًا و ُملفت ًا هو �أي�ض ًا‪ ،‬يغطي الج�سد‬
‫له�ؤالء المنغم�سين في �شهوة ال�سلطة والمال ويفتقدون لأدنى‬ ‫بالكامل‪ ،‬مانح ًا ال�شخ�صية بع�ض عنا�صر غمو�ضها وتف ّردها‪.‬‬
‫المعايير الأخالقية‪ ،‬وربما مثـّلت ال�شريحة الأخرى المغلوب على‬
‫�أمرها‪ ،‬الكريمة بنف�سها وروحها والمحبطة في حياتها ال ت�ألو‬ ‫كائنات َ�س ْبهان �آدم التي ال ت�شبه �أحد ًا �سواها‪ ،‬المهم �أنها‬
‫*نحات و ناقد ت�شكيلي‪.‬‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪58‬‬


‫‪59‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬
‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪60‬‬
‫فيها نموذج ًا للت�ضحية وال�سخاء بدون مقابل وبال ت�أفـّف �أو‬ ‫على �شيء �سوى االنطواء والعزلة ‪.‬‬
‫�شكوى‪ ،‬ومعظم لوحات ( َ�سبهان ) التي تع ّد بالآالف كان‬ ‫�سبهان �آدم ‪ ..‬الفنان القادم من الح�سكة في ال�شمال‪ ،‬ولكن‬
‫يف�ضل ذلك ليكون �أقرب‬ ‫�أنجزها هناك في ذلك المر�سم‪ ،‬وهو ّ‬ ‫على عجل باتجاه دم�شق ‪ ..‬يج ّر خلفه �أحالم ًا‪ ،‬و�أحما ًال ثقيلة ‪!..‬؟‬
‫من والدته التي تمنحه طاقة كبيرة‪ ،‬من الر�ضا الذي يناله وهو‬ ‫كان ذلك قبل �أكثر من حوالي العقد ون�صف من الزمن‪،‬‬
‫قريب منها ‪.‬‬ ‫الجميع كانوا مت�أكدين من �أنه �شخ�ص �إ�شكالي بامتياز ‪..‬‬
‫في �أحد مقابالته يتحدث �آدم ب�صراحة ومبا�شرة حول وعيه‬ ‫وم�شاك�س في �أكثر الأحيان ‪ ..‬مزاجي �إلى �أبعد الحدود‪� ،‬أي�ض ًا لم‬
‫المب ّكر وتف�سيره للأحالم التي �أو�صلته ربما �إلى هذا المكان‪:‬‬ ‫يكن �أحد ًا ( با�ستثنائه هو ) مت�أكد ًا من موهبته الفنية‪ ،‬لطريقته‬
‫( �أتذكر كل �شيء‪ ،‬من م�شهد والدتي‪ ،‬المرحلة الالحقة كانت‬ ‫يم�ض وقت طويل‬ ‫ربما في �إقناع الآخرين بم�شروعيته كفنان‪ ،‬لم ِ‬
‫لتم�ضية الوقت وخلق �سعادة معينة خا�صة في �صحراء زمنية "‬ ‫حتى ت�أكـّد ه�ؤالء ( الجميع ) ب�أن خطوات ذلك ال�شاب يومها‬
‫الحياة البدوية " لم �أرد �أن �أقطعها بب�ؤ�س �أ�ش ّد مما فيها‪ ،‬كنت‬ ‫كانت ثابتة وغير م�ستعجلة‪ ،‬من المفاج�أة التي حقـٌقها َ�سبهان‬
‫را�ض عما يجري في العالم‪� ،‬أما الإن�سان‬‫�سعيد ًا مع نف�سي وغير ٍ‬ ‫بعد �سبع �سنوات من ذلك الزحف باتجاه العا�صمة‪ ،‬الذي تح ّول‬
‫فكان خط ًا �أحمر ًا ومرحلة من ال�شك والت�سا�ؤل‪ ،‬الآن �أحاول‬ ‫�إلى طيران تجاوز من خالله حدود الوطن‪ ،‬مح ّو ًال الحلم �إلى‬
‫ت�صنيع روائح المكان وك�أنها مركبات جاهزة في الذاكرة؛ ما‬ ‫�أكثر من حقيقة �أكـّدها ح�ضوره في باري�س التي ح�صل منها‬
‫كان من غدائنا �أو ع�شائنا (خبز ًا ياب�س ًا‪ ،‬بندورة‪ ،‬ب�صل) هناك‬ ‫على �شهادته كفنان يتمتـّع بكل مقومات النجومية‪ ،‬وهو اليوم‬
‫�أي�ض ًا روائح الطين‪ ،‬وغرفة ب�سقف �صغير‪� ،‬أتذكر البرد �أي�ض ًا‬ ‫بعد غياب ق�صير ن�سبي ًا يعود لي�ستقر بين الح�سكة ‪ -‬مدينته ‪-‬‬
‫والتلفاز الأبي�ض والأ�سود‪ ،‬هذه اللحظات الآن مقد�سة لدي‬ ‫خ�ص�صه للأعمال‬ ‫وبين دم�شق التي يملك في قلبها منز ًال فخم ًا ّ‬
‫وحالمة )‪.‬‬ ‫والمال‪ ،‬وفي القديم منها منز ًال �أخر لل�سكن والراحة في ال�شتاء‪،‬‬
‫وما تبقى من ال�سنة يق�ضي معظمه في مر�سمه بالح�سكة هناك‬
‫يقول �آدم ‪( :‬فني يمثل حدة التمرد والثورة الت�شكيلية‬ ‫بالقرب من والدته التي يعتبرها مثله الأعلى في الحياة‪ ،‬ويرى‬

‫‪61‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪62‬‬
‫الحداثي‪ ،‬هناك �أ�سماء محددة �أ�ضافت �إلى الفن في �سورية‪،‬‬
‫كفاتح المدّر�س ومروان ق�صاب با�شي) ‪.‬‬

‫ذلك ( الآدم ) الذي ولد كبير ًا‪ ،‬لم يع�ش طفولته كالآخرين‪،‬‬
‫ليتلقى الأ�شياء كما هي‪ ،‬بل �أرادها على طريقته‪ ،‬فكان دائم ًا‬
‫يترك لنف�سه م�ساحة من التخ ّيل والتفكير بكل ظاهرة وخبر �أو‬
‫ويف�سر الأمور كما يحلو له‪ ،‬معتمد ًا على نف�سه في‬‫رواية ليح ّلل ّ‬
‫ح ّل م�شاكله‪ ،‬لم ي�س�أل �أحد ًا حول �أي م�س�ألة منذ مرحلة وعيه‬
‫الأولى ‪ -‬التي ال يتذ ّكر �أي �شيء قبلها ‪ -‬العتقاده ب�أن �أهله وكل‬
‫من حوله من نا�س كانوا طيبين وب�سطاء‪ ،‬فبقي راف�ض ًا متم ّرد ًا‬
‫يبحث عن االختالف والتم ّيز في بيئة ومحيط ثابتين الك ّل هناك‬
‫ي�شبه بع�ضه بالأ�سماء وال�سلوك وطريقة العي�ش المتوارثة �ضمن‬
‫تقاليد وعادات ربما م�ضى عليها مئات ال�سنين ‪.‬‬

‫من هنا نالحظ كم ي�شبه " َ�سبهان" لوحاته من حيث‬


‫كونه بالأ�سا�س هو �شخ�ص �إ�شكالي‪ ،‬بد أ� حياته بالبحث عن‬
‫االختالف منذ �صغره والتم ّيز في �شخ�صيته و�أرائه كما في‬
‫�سلوكه الذي جعله يبدو للآخرين م�شاك�س ًا ولو ظاهري ًا‪ ،‬وربما‬
‫هذا ما �سعى �إليه الفنان منذ ق ّرر �أن يكون ر�سام ًا �أو فنان ًا‪ ،‬قبل‬
‫حوالي الع�شرين عام ًا من اليوم‪ ،‬بعدما ت�أكد من �أنه لن يكتب‬
‫�شعر ًا �أف�ضل مما كتبه ال�شاعر الفرن�سي �إيف بونفوا حين قال‬
‫‪ ( :‬لعل ما �أقب�ض عليه م�شدود ًا لم يكن �إال ظ ًال )‪ ،‬والترجمة‬
‫لل�شاعر �أدوني�س الذي �أ�صبح فيما بعد �صديق ًا مف�ضـ ّ ًال للفنان‬
‫الذي يعتبره قدوة تع ّلم من فل�سفته في الحياة الكثير‪ ،‬ومن بعد‬
‫تلك القراءة ق ّرر �سبهان �أن ي�صبح ت�شكيلي ًا‪ ،‬بعد �أن كان م�شروع‬
‫�شاعر �أو �أديب‪ ،‬وهو مت�أكد منذ ذلك الوقت ب�أنه �سي�صبح له �ش�أن‬
‫وت�أثير كبيرين في الفن‪ ،‬ربما هو اليوم يعي�ش ذلك الحلم حقيقة‬
‫ل�شعوره بال�سعادة من ر�أي الآخرين بتجربته‪ ،‬وبخا�صة ما قاله‬
‫ال�شاعر �أدوني�س في لوحاته ‪ (:‬يا �آدم �أبعدني عن �آدم ‪ ..‬هذا‬
‫هو ال�صوت الذي نكاد �أن ن�سمعه يخرج من لوحات �سبهان �آدم‪،‬‬
‫فيما ننظر �إليه‪ ،‬فالوجه م�ش ّوه‪ ،‬يردّنا �إلى �إن�سان غير طبيعي‪،‬‬
‫ولهذا الت�شويه جمالية خا�صة تتمثل في االحتجاج‪ ،‬والتحري�ض‪،‬‬
‫والتمرد‪ ،‬والع�صيان‪ ،‬تتمثل كذلك في مزج الحياة بالر�سم مزج ًا‬
‫ع�ضوي ًا‪ ،‬اللوحة حياة‪ ،‬والأنا كيان �إن�ساني ‪ -‬حيواني‪� ،‬إنه مزج‬
‫يزعزع من جهة حدود الهوية الذائبة في اللوحة‪ ،‬ويولـّد في ال�شكل‬

‫‪63‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫ن�شوة اللون وغزارة ال�ضوء على الداكن من الم�ساحة الرحبة‬ ‫من جهة ثانية قوة جديدة تتجاوز قوة الإن�سان المعهودة ) ‪.‬‬
‫المتو�ضعة في خلفية م�شاهده الم�أ�سوية عموم ًا ‪.‬‬
‫�إن تلك المعادلة المتناق�ضة بين الداخل والخارج على‬ ‫�إن هام�ش الحرية الذي يحدّده ( �آدم ) ل�شخو�صه يكاد‬
‫�سطح العمل ي�صيغها الفنان بعناية وق�صد ًا منه للإ�شارة ربما‬ ‫يكون معدوم ًا‪ ،‬من حالة ُ‬
‫ال�سبات وال�صمت الذي يخ ّيم على‬
‫�إلى متناق�ضاته هو �أو ًال‪ ،‬والتي تبد�أ من حياته الخا�صة بين‬ ‫معظم �أرجاء اللوحة‪ ،‬رغم احتفائها بالجماليات الب�صرية من‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪64‬‬


‫�شب عليها‪ ،‬والحياة اليوم التي �أ�صبح يقرر‬ ‫مرحلة البداوة التي ّ‬
‫ً‬
‫هو طعمها ولونها ورائحتها بمزاجه وعلى هواه‪ ،‬مقنـّنا من‬
‫�صداقاته‪ ،‬وم�شير ًا بحب �إلى الأ�شخا�ص الذين يعتبرهم مثله‬
‫في الفن والحياة‪ ،‬وهو نزق �أي�ض ًا في اختارياته للألوان التي‬
‫يفر�ش فيها الم�ساحات الكبيرة التي تحت�ضن �أ�شكاله الن�صف‬
‫ؤن�سنة‪ ،‬بحيث يجمع فيها بمهارة كل‬ ‫�آدمية �أو الحيوانية الم� َ‬
‫الت�ضادات ويولـّفها بخبرة وذائقة ب�صرية عالية‪ ،‬لتبدو بالنتيجة‬
‫في �أح�سن حال من االتفاق والتناغم على �سطح غالب ًا ما ينتهي‬
‫د�سم ًا باللون وغني ًا بالجماليات‪ ،‬يحدّد بتكراره مربعات �آ�سرة‬
‫من الحزن على �أمل م�ؤجـّل �إلى �إ�شعار �أخر بزمن �أقل ب�شاعة ‪.‬‬

‫في لوحات �سبهان �آدم التي تنت�شي باللون وت أ�لـّقه‪ ،‬تظهر‬


‫وا�ضحة جماليات الغرافيك من ح�سا�سية الخطوط التي ت�ساهم‬
‫في مثل هكذا �أعمال في ت�ضييق الم�سافة بين داخلية �شخو�صه‬
‫وما هم عليه‪ ،‬وبين الخارج وما يظهرونه من تعبير �صارخ‪،‬‬
‫تروي تلك التفا�صيل الدقيقة لت�شابك تلك الخيوط �أو الخطوط‬
‫حكاية ه�ؤالء الأ�شخا�ص ب�صدق وتكثيف �شديدين‪ ،‬لما تحمل من‬
‫م�شاعر و�أمنيات ي�ضفي الأ�سود عليها كثير ًا من ال�صدق‪ ،‬الذي‬
‫غالب ًا ما يكون مع ّبر ًا �أكثر عن الحالة التي �أراد تج�سيدها الفنان‬
‫في تلك اللحظة من اال�شتغال واالن�شغال �أو االنفعال ‪.‬‬

‫***‬

‫َ�سبهان �آدم‬
‫مواليد الح�سكة العام ‪.1972‬‬
‫تع ّلم الفن مت�أخر ًا بالممار�سة واالطالع ومن باب االكت�شاف‪ ،‬بعد‬
‫محاوالت في كتابة ال�شعر الحديث ‪.‬‬
‫بد�أ الر�سم في �سن ال�سابعة ع�شر‪ ،‬وقدّم مجموعة معار�ض فردية‬
‫في �سورية ‪.‬‬
‫�سافر منت�صف الت�سعينات �إلى باري�س ليعر�ض هناك قبل �أن‬
‫يعرفه الكثير من المهتمين بالفن في �سوريا ‪.‬‬
‫قدم �أكثر من �أربعين معر�ض ًا فردي ًا في العالم (بومباي ‪ -‬جنيف‬
‫‪ -‬طوكيو ‪ -‬نيويورك ‪ -‬بروك�سل ‪ -‬لندن ‪ -‬باري�س ‪ -‬مدريد ‪-‬‬
‫ع ّمان ‪ -‬روما ‪ -‬تون�س ‪ -‬القاهرة ‪ -‬بيروت ‪ -‬ودم�شق )‬

‫‪65‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫فنان عربي‬

‫قراءة يف جتربة‬
‫رائد الت�شكيل الأردين‪..‬‬
‫غازي �أنعيم *‬
‫مهنا الدرة!!‪..‬‬
‫المتاحف والم�ؤ�س�سات الخا�صة والعامة ولدى عدد كبير من‬ ‫تعد تجربة الفنان " مهنا الدرة " واحدة من التجارب‬
‫الأفراد في كل مكان وفي �شتى بقاع الدنيا‪.‬‬ ‫البارزة والرائدة في مالمحها داخل �إطار حركة الفن الت�شكيلي‬
‫ولد الفنان مهنا الدرة في عمان �سنة ‪ 1938‬م‪ ،‬لوالد من‬ ‫الأردني ب�شكل خا�ص‪ ،‬والعربي والعالمي ب�شكل عام‪ ،‬وهو �صاحب‬
‫�أ�صل لبناني التج�أ �إلى عمان هارب ًا من بط�ش الفرن�سيين‪ ،‬وبعد‬ ‫" البداية الذاتية الخالقة " في �إ�ضاءة �شعلة فن الر�سم والتلوين‬
‫عامين اتجهت عائلته �إلى مدينة الكرك‪ ،‬حيث عمل والده مدير ًا‬ ‫في الأردن منذ منت�صف القرن الما�ضي حتى يومنا هذا‪.‬‬
‫لمدر�ستها الثانوية‪ ،‬وفيها عا�ش مهنا الدرة طفولته المبكرة من‬ ‫كما يعتبر الفنان الدرة من الفنانين الذين تركوا ب�صماتهم‬
‫�سنة ‪ 1940‬ـ ‪ 1944‬م‪.‬‬ ‫الوا�ضحة على الفن الت�شكيلي الأردني من خالل م�ساهماته في‬
‫قبل التحاقه ب�أكاديمية روما للفنون الجميلة �سنة ‪1954‬‬ ‫�إيقاظ ح�س المتلقي للتيارات الجمالية الحديثة‪ ،‬النابعة من‬
‫م‪ ،‬ذهب لدرا�سة اللغة في ( بيروجيا ‪ ،) Perugia‬مت�سلح ًا‬ ‫البيئة االجتماعية والثقافية المحلية‪ ،‬وهذا وا�ضح في ت�أثيره على‬
‫بالخبرة والممار�سة والمعرفة التامة ب�أ�صول الفن وقواعده‪ ،‬وبعد‬ ‫الفنانين الذين ت�أثروا و�ساروا على نهجه واتجهوا �إلى التجريد‬
‫التحاقه بالأكاديمية في روما‪ ،‬ق�ضى ال�ساعات الطوال كل مرة‬ ‫حتى يتمكنوا من التعبير الحر خارج القيود‪ ،‬رغبة في التنويع‬
‫يلم فيها بالمدينة ال�ساحرة‪� ،‬أمام الإبداعات المتجددة للفنانين‬ ‫والتجريب‪ ،‬و�أ�صبحوا يولون �أهمية متزايدة لو�سائل الإنجاز‬
‫المعا�صرين‪ ،‬وفي روما تع ّرف �أي�ض ًا على �آثار كبار المعلمين‬ ‫وتقنيات التكوين‪.‬‬
‫القدماء و�أ�ساتذة ع�صر النه�ضة في متاحف ايطاليا وكنائ�سها‪،‬‬ ‫وعلى الرغم مما قدّم لنا هذا الفنان الكبير عبر م�سيرته‬
‫وعلى الجمال المعماري لمدينة روما‪ ،‬وا�ستطاع في ال�سنة‬ ‫الفنية‪ ،‬وال�شهرة الكبيرة التي يتمتع بها كرائد لحركة الفن‬
‫الدرا�سية الأولى من التحاقه ب�أكاديمية روما ر�سم لوحات فنية‬ ‫الت�شكيلي الأردني‪ ،‬ف�إنه لم ينل االهتمام الكافي من قبل الباحثين‪،‬‬
‫مت�أثرة بخطوط الفنان ( ليوناردو دافنت�شي )‪ ،‬وب�أنوار رامبرانت‪.‬‬ ‫فنحن لم ن�شاهد درا�سة متكاملة‪ ،‬ولم نر بحث ًا علمي ًا عن تجربته‬
‫و�أثناء �سنوات الدرا�سة كانت م�شاركاته الفكرية والثقافية‬ ‫الفنية‪ ،‬رغم �أنه نال �شهرة وا�سعة في كل �أنحاء الوطن العربي‪،‬‬
‫وا�سعة‪ ،‬ف�أ�ضرمت في قلبه وفي عقله ال�شعلة المقد�سة‪ ،‬التي ت�ضئ‬ ‫وفي كثير من البلدان الأجنبية‪ ،‬ولوحاته موزعة في العديد من‬
‫* ناقد ت�شكيلي‪ ,‬رئي�س رابطة الفنانين الت�شكيليين الأردنيين‪.‬‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪66‬‬


‫�أ�سلوبه ال�شخ�صي القادر على ترجمة عوالمه الداخلية‪ ،‬في هذه‬ ‫�صدر كل �أردني مهاجر �إلى ثقافة �أكثر تقدما‪� ،‬سرعان ما م�ضى‬
‫المرحلة ر�سم عدة لوحات تمثل ( م�شاهد من مدينة عمان )‬ ‫على هديها‪ ،‬ممتلئا برغبة التطور �إلى الأف�ضل مما لديه فاختلط‬
‫امتزج فيها‪ ،‬العالم الداخلي المخزون‪ ،‬بالمكان‪ ،‬وعن طريق‬ ‫في الفكر الأوروبي دون �أن تتغلب �صراعات المدار�س الفنية على‬
‫�إعادة �صياغة المكان‪ ،‬ع ّبر عن عالمه التجريدي الخا�ص‪ ،‬ولكن‬ ‫فطرته التي بقيت محتفظة بجوهرها العربي الأ�صيل‪ ،‬وكانت تلك‬
‫التجريد لم يبلغ درجة مطلقة في بعده عن الواقع‪ ،‬ولم يتحرر كلي ًا‬ ‫الم�شاركات من �أكثر العوامل الم�ؤثرة في تبلور �شخ�صيته الفنية‬
‫من الموجودات‪ ،‬لأن الفاعلية اللونية كان م�صدرها بيوت عمان‪،‬‬ ‫الم�ستقلة‪ ،‬التي �ساهمت في تحرره من القوالب الكال�سيكية‪،‬‬
‫التي �أخذت �شكل م�ساحات من خالل اللم�سة اللونية الفنية‪� ،‬ضمن‬ ‫فن�ضج �أ�سلوبه الفني‪ ،‬وح ّلق في الآفاق الرحبة‪.‬‬
‫�إطار يمثل الفراغ‪ .‬ويمكن القول �أن مجموعة الأعمال التي �أنجزها‬ ‫" وقد مثلت الرحلة �إلى روما والدرا�سة فيها‪ ،‬مرحلة‬
‫الدرة عن مدينة عمان‪ ،‬من �أجمل ما جادت به ري�شته مما جعل‬ ‫ا�ستق�صاء وبحث لتمثل جو ال�صحراء‪ ،‬الذي ا�ستقى �أعماله‬
‫من هذه الأعمال ق�صيدة حب لعمان‪.‬‬ ‫الأولى منه‪ ،‬وحاول �أن ينقله حرفي ًا‪ .‬ولهذا �شكلت روما‪ ،‬منتجع‬
‫(‪)1‬‬
‫�أما بالن�سبة لبورتريهات هذه المرحلة‪ ،‬التي تمثل �أعماله‬ ‫�ضياع بين عوالم الألوان والخطوط في مدينة الفن "‪.‬‬
‫الأولى‪ ،‬فقد اهتم باللون والنور وت�أثيراتهما المختلفة‪ ،‬ويبدو‬ ‫في �سنة ‪ 1958‬تخرج " مهنا الدرة " في �أكاديمية الفنون‪،‬‬
‫�أ�سلوب المعالجة لها �أقرب للواقعية من التعبيرية حيث اعتمد‬ ‫وبعد �سنة عاد من روما �إلى عمان‪ ،‬وكانت عودته بداية لتجذير‬

‫‪67‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪68‬‬
‫فعلينا �أن ندخله من باب تلك اللحظة الفارقة ( الحرية الكاملة‬ ‫الفنان في ر�سمها �سواء بالحبر ال�صيني �أو بالألوان الزيتية على‬
‫) التي و�ضعته على بدايات " التجريد " تلك اللحظة التي بد�أت‬ ‫بناء الأ�شكال م�ستخدم ًا تباين البقع المظلمة‪.‬‬
‫تُع ِّبر فيها �أعماله عن الهوية المحلية كموقف وخطاب �أ�ستطيقي‬ ‫�أ�صالة التفكير‬
‫موجه �إلى الروح والوجدان والم�شاعر والأحا�سي�س المطلقة‪ ،‬حيث‬ ‫لم تنقطع مفاج�آت الفنان مهنا الدرة في المراحل التالية‪..‬‬
‫يثير ذلك الخطاب في المتلقي متعة روحية ذات نكهة �شرقية‪،‬‬ ‫فقد ظل في الفترة من ( ‪ 1970‬ـ ‪ ،) 1980‬حري�ص ًا على المعنى‬
‫تن�ضح ب�إيقاعات تُ�شبه الت�سابيح‪ ،‬كلما �أطال المتلقي الت�أمل ح ّلقت‬ ‫في �أعماله التي تف�صح عن �إح�سا�سه النا�ضج بالقيم الفنية‪،‬‬
‫روحه في عالم المتعة المنزهة عن الغر�ض‪ ،‬وتبد�أ اللوحات في‬ ‫والإدراك المبكر للم�ضامين الفل�سفية الجادة‪ ،‬في هذه الفترة‬
‫الك�شف عن �أ�سرار جمالياتها التي تجمع في توافق مده�ش بين‬ ‫�ساهم الدرة في �إثراء الحركة الت�شكيلية في الأردن بما يمتلك‬
‫التجريد والعنا�صر المقروءة ك�أنها تروي ق�ص�ص ومذاق جمال‬ ‫من خبرات وا�سعة‪ ،‬وكان محترفه الخا�ص في جبل عمان‪ ،‬مكان ًا‬
‫اكت�سبه الفنان من �أيام الطفولة في عمان والكرك والتجوال في‬ ‫اللتقاء الفنانين والفنانات‪ ،‬وموئ ًال لتدريب نخبة من ال�شباب‬
‫�أرجائها‪ ،‬قبل �أن تط�أ قدماه �أر�ض �إيطاليا حين ذهب �إلى روما‬ ‫الموهوبين على �أ�سرار اللون والر�سم ‪.‬‬
‫للدرا�سة في �أكاديمية الفنون‪.‬‬ ‫ونحن ندر�س هذا الجانب المهم من حياة الفنان مهنا الدرة‪،‬‬
‫وبعد تخرجه م�ضى ب�أ�سلوبه الذي يبحث فيه عن �صيغ‬ ‫و�أثره على طالبه‪ ،‬ندرك‪� ،‬أن الدرة‪ ،‬ا�ستطاع �أن ي�ؤثر في غيره‬
‫ت�شكيلية جديدة‪ ،‬تعبر عن هويته‪ ،‬الم�ستمدة من ثقافته وخبرته‬ ‫من الفنانين‪ ،‬وي�سحرهم بحب فن الر�سم‪ ،‬و�أن مهارته " الدرة‬
‫المتنوعة الم�صادر‪ ،‬ومكونات �شخ�صيته المكت�سبة من تنقله‬ ‫" لعبت دور ًا مهم ًا في طالبه‪ ،‬الذين عرفت �أ�سما�ؤهم فيما بعد‬
‫بالعديد من دول العالم كدبلوما�سي واختالطه بالهويات المحلية‬ ‫كفنانين المعين في الأردن‪.‬‬
‫لمختلف البلدان‪ ،‬وعالقاته الثقافية المت�سعة التي ت�ؤثر �سلب ًا في‬ ‫�إذا �أردنا الدخول �إلى عالم الفنان مهنا الدرة الحقيقي‪،‬‬

‫‪69‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪70‬‬
‫وبما �أن الفنان �إن�سان ال ي�ستطيع �أن يتعدى الواقع‪ ،‬ف�إنه يعود‬ ‫ب�صمة الهوية المحلية‪ ،‬الأمر الذي ي�ضفي على �إبداعه الال�شكلي‬
‫�إلى التعبير عن الوجود المرئي تعبير ًا تجريدي ًا‪ ،‬فنجد في �أعماله‬ ‫�شيئ ًا من العولمة‪.‬‬
‫الأولى التي تناول فيها بيوت مدينة عمان �أنفا�س الواقع دون �أن‬ ‫�إن تطور فن مهنا الدرة في فترة ال�ستينيات يمثل نقطة �صراع‬
‫نجد �أمامنا الواقع ذاته‪ ،‬وهنا نجح الدرة في �أن ي�ستخل�ص من‬ ‫م�ضن و�شاق مع ال�شكل والمعنى‪ ،‬بحث ًا عن الحقيقة الق�صوى‬
‫الر�ؤية الواقعية قيم ًا خا�صة بالن�سبة للخط واللون والتكوين‪،‬‬ ‫الكامنة وراء العالم المرئي‪ ،‬حيث ينبع �إلهامه من اعتقاد قوي‬
‫فاتجهت خطوطه �إلى االن�سيابية والتب�سيط‪ ،‬وات�سمت بطابع‬ ‫ب�أن وراء كل الظواهر المتغيرة حقيقة واحدة غير متغيرة‪ ،‬و�أن‬
‫�شرقي في مبناها ومعناها‪ ،‬مع االحتفاظ بالأ�سا�سيات في ال�شكل‪.‬‬ ‫مهمة الفنان �أن يكت�شف هذه الحقيقة‪.‬‬
‫وهنا يت�أكد الأ�سلوب الذاتي الذي تكمن فيه قدرة الفنان ال‬ ‫ويتمثل التق�صي عن الحقيقة عند مهنا الدرة في التحول‬
‫على الن�سخ والمحاكاة‪ ،‬بل التميز و�إعطاء قيمة للزمن‪.‬‬ ‫الم�ستمر من �أ�سلوب �إلى �أ�سلوب‪ ،‬فمن " واقعيته التعبيرية‬
‫�أما �ألوانه فيمكن نقول ب�أنها مخت�صرة وقاتمة‪ ،‬ظهرت على‬ ‫المبكرة " في بورتريهاته التي ما زالت م�ستمرة والتي تجلى فيها‬
‫م�سطح لوحاته في هارمونية زرقاء تعتبر �إثراء لأبجدية مهنا الدرة‬ ‫دقة مالحظته وحبه للون واهتمامه الكبير بال�شكل الإن�ساني‪،‬‬
‫اللونية‪ ،‬وتتفق هذه الهارمونية الزرقاء بدرجاتها مع المو�ضوع‬ ‫�إلى الرغبة في التب�سيط الذي بد�أ به " مهنا الدرة " و�أو�صله في‬
‫الذي يعالجه‪ ،‬كما في لوحات بيوت عمان‪ ،‬التي توحي بوفرة لونية‬ ‫النهاية �إلى " التجريد "‪.‬‬

‫‪71‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪72‬‬
‫فالبيوت وما يحيط بها من عنا�صر تتميز في الليل بمهابة ال‬ ‫وب�إح�سا�س من الر�شاقة والتغني بجمال المدينة العامرة ب�أنفا�س‬
‫تقاوم‪ ،‬وتزداد عظمتها و�شموخها كثير ًا‪ ،‬بل �أن العتمة ت�ضخم‬ ‫الب�شر الذين ي�سكنون كل �شبر فيها‪ ،‬و�إن لم يظهروا في اللوحات‪.‬‬
‫الر�ؤى‪ .‬و�أول ما ي�ستوقفنا في تلك اللوحات هو الطابع ال�سكوني‬ ‫الح�س والبناء المن�سجم‬
‫المخيم عليها‪ ،‬لذلك يمكن ت�سميتها ـ بالمو�سيقى الكال�سيكية ـ‬ ‫في لوحات هذه المرحلة‪ ،‬عمل " الدرة " على توحيد تجربة‬
‫" بالليليات "‪.‬‬ ‫الح�س والبناء المن�سجم‪ ،‬م�ستعير ًا من الفن التجريدي‪ ،‬الأ�شكال‬
‫ورويد ًا رويد ًا غابت البيوت و�أبوابها و�سائر تركيباتها ولم‬ ‫والطرق‪ ،‬لكي يطبقها على عنا�صره‪ ،‬وهي من وحي واقع محدد‬
‫يعد لها وجود في اللوحة‪ ،‬بعد ذلك ن ّمى مهنا الدرة‪ ،‬في مرحلته‬ ‫في حياته‪ ،‬لأنها تثبيت لر�ؤى اختزنت في داخله‪ ،‬تعود على �شكل‬
‫هذه‪ ،‬وببطء‪ ،‬ت�صورات جمالية جديدة‪ ،‬وخا�ض تجارب فتحت له‬ ‫م�ساحات لونية �شبه هند�سية ت�ؤول بيوت ًا ـ بنوافذها و�أبوابها‬
‫م�سارات‪ ...‬بعدما �أو�صل مقا�صده الفنية في المو�ضوع الال�شكلي‪،‬‬ ‫وعتباتهاـ وجدران ًا و�أ�شجار ًا‪ ،‬و�سماء‪ ،‬وزقاق ع ّمانية يتهادى فيه‬
‫على نحو ي�ست�شف منه فكرة العودة �إلى الب�سيط والأولي‪ :‬من‬ ‫�شعاع راق�ص‪.‬‬
‫الحجم �إلى ال�سطح‪ ،‬من ال�شكل �إلى الخط‪ ،‬تم فيها توظيف ما‬ ‫توحي �أغلب اللوحات الم�صورة عن مدينة عمان الملت�صقة‬
‫ذكر �إلى جانب ال�شعر والبناء ال�سيمفوني للمو�سيقى‪ ،‬والتكوين‬ ‫ببع�ضها بع�ض ًا‪ ،‬ب�أنها تدور في جو الليل‪ ،‬وتنبع من الظالم المحيط‬
‫الفني المرئي في منظومة �إبداعية‪ ،‬ت�ضمن اندماج الأجزاء‬ ‫بها‪ ،‬حيث ي�أتي النور من الأمام‪ ،‬كترديد لأغنية ال�صمت الحافل‬
‫في الكل‪ ،‬مع ا�ستثمار ح�ضورها وح�ضور الخطوط والألوان‬ ‫بالهم�سات‪ ،‬مثل �سماء الليل المر�صعة بالنجوم التي ال تح�صى‪،‬‬

‫‪73‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫عنده هي العوالم الذوقية‪ ،‬منقول في الحال من الب�صرية �إلى‬ ‫والمو�سيقى في خلق طرح �إبداعي يثير الده�شة والإعجاب‪ ،‬وقد‬
‫الم�ساحة التي يمتطي عليها التكوين �سواء كان هادئ ًا متنا�سق ًا‬ ‫ي�صل بنا �إلى حد االهتزاز طرب ًا في بع�ض الأحيان‪ ،‬ويحقق الفنان‬
‫�أو ذو حركة‪ ،‬لأن الحركة هي العامل الذي يتحكم في ال�شكل‬ ‫في هذه الغنائية �صيغة �شعرية �أخاذة في �صناعة م�شهد الر�سم‪.‬‬
‫والم�ساحة‪ ،‬وهي على حد قول " كاندني�سكي " ( ‪ 1886‬ـ ‪:) 1944‬‬ ‫والذي يثير الإعجاب حق ًا في العمل الفني لي�س الخطوط‬
‫" جوهر روحي كامن خلف الحياة كلها "‪.‬‬ ‫والألوان والمو�سيقى وتوافقها فح�سب‪ ،‬بل " �إيماءاتها �إلى‬
‫تمثل الحركة جوهر الكون‪ ،‬ووم�ضة �ضوء‪ ،‬وتمثل اللحظة‬ ‫المجهول "‪.‬‬
‫التي تبقى اللوحة فيها منفتحة على ذاتها‪� ،‬أي �أن الفن ي�شعرك‬ ‫وطريقة التنفيذ هنا ال يحاكي فيها ما �سبق‪ ،‬بل يجرب في‬
‫بحاجة دائمة لت�أكيد ذاتك‪ ،‬ومن يتابع مهنا الدرة على مدى‬ ‫اللحظة التي يتحول التجريب فيها �إلى خبرة متراكمة في المكان‬
‫تاريخه الفني يجد �أنه اختط طريقه‪ ،‬واختار بما يربط فر�شاته‬ ‫الذي اختمرت فيه عجينة التكوين‪ ،‬ولذا ف�أ�صل فن " مهنا الدرة‬
‫و�ألوانه‪ ،‬اختار ما هدته �إليه تجربته الذاتية في الفن‪ ،‬هذا الذي‬ ‫" هو بحث ت�أملي في �أدائه‪ ،‬ولي�س في موا�ضيعه‪� ،‬أو ما ينتمي �إليه‬
‫اختاره اتفق في النهاية بالموقف المعا�صر‪ ،‬وبروح الع�صر‪.‬‬ ‫فكريا‪.‬‬
‫والفنان " مهنا الدرة " ال يلبث �أن يعي�ش في حالة حتى‬ ‫ال يكرر الفنان مهنا �أفكاره ال�سابقة‪ ،‬بل يعيد �صياغتها كلما‬
‫نجده في حالة �أخرى �أكثر تحرر ًا‪ ..‬ففي مرحلة الت�سعينيات‬ ‫ا�ستدعت الحالة الفنية ذلك‪ ،‬ويمكن تبين مالمح ال�صياغة من‬
‫بد�أ يبحث عن الجديد والمختلف‪ ،‬وك�أنه يريد �أن يعود �إلى تلك‬ ‫خالل ذلك التلخي�ص اللوني المعبر الذي �أخذ ي�شمل الم�ساحات‪،‬‬
‫الأيام البعيدة في ال�صبا الباكر‪� ،‬إلى در�س ( الكوالج )‪ ،‬الق�ص‬ ‫ويزيد من و�ضوح الم�سطحات‪ ،‬ويختزل بالتالي كل �أثر لوجود �أي‬
‫والتل�صيق‪ ،‬عندما كان يق�ص �صور ًا و�شخ�صيات وم�شاهد‪،‬‬ ‫نوع من التفا�صيل‪� ،‬أما الخطوط فكانت �أكبر العنا�صر الت�شكيلية‬
‫ويعيد ل�صقها وتركيبها في ن�سق جديد‪ ،‬ولعله ما زال �أ�سير ًا عن‬ ‫ت�أثر ًا بهذا التغير‪ ،‬فلأول مرة تظهر في لوحات الدرة بعد‬
‫طواعية لهذه الغواية الت�شكيلية‪ ،‬و�صناعة ما هو قريب ال�صلة‬ ‫منت�صف الثمانينات خطوط في مثل حدة و�صرامة وقوة وعنف‬
‫بذلك كله وعندما وجد نف�سه �أنه مفتون بالقما�ش‪� ،‬أن�ساق وراء‬ ‫هذه الخطوط‪ ،‬حتى تلك التي كان ي�ستخدم فيها الك�شط‪...‬‬
‫غواية الكوالج القما�شي ـ �أو �إعادته ـ ف�صنع مجموعة من اللوحات‬ ‫ولأن الكون ال �أبعاد له‪ ،‬ف�إن " الدرة " ي�صور ر�ؤاه على الدوام‬
‫عر�ضت في �آخر �أعوام القرن الع�شرين‪ ،‬بالرغم �أن القما�ش (‬ ‫دون �أن تكون ثمة �أر�ض يقف عليها ويحرك فر�شاته على اللوحة‬
‫الكوالج ) �أ�صبح ا�ستخدامه �شائع ًا عند بع�ض الفنانين في فترة‬ ‫في كل االتجاهات‪ ،‬لتغدو �أكثر مالئمة لتج�سيد �إح�سا�سه بعنف‬
‫من الفترات �إال �أن الدرة وظفه في �أعماله بح�س مختلف يظهر‬ ‫الحركة‪ ،‬لأن الكون متحرك ال نهائي‪ ...‬والخلق عنده خبرة‬
‫تعاطف ًا تجاه تلك الخامة‪ ،‬فالفنان ي�ستطيع �أن يكت�شف �أ�شياء‬ ‫لممار�سة الوجود المرئي بالب�صيرة‪ ،‬وثقافة تختلط فيها كل‬
‫كثيرة في الخامة حتى و�إن تعامل معها كثيرون‪ ،‬وهذه التجربة‬ ‫الألوان‪ .‬ولحظة تحويل ما هو متخيل عنده �إلى تكوين وخطوط‬
‫تعتبر ا�ستجابة ال تقاوم لحافز روحي وعقلي وح�سي مع ًا‪ ..‬لأنها‬ ‫وكتل‪ ،‬وم�ساحات‪ ،‬ون�سيج‪ ،‬و�أ�شكال هند�سية‪ ،‬حيث الحقول اللونية‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪74‬‬


‫‪75‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬
‫و�أ�صفر‪ ،‬تتحدى المزج المنطقي فتزيد اللون احمرار ًا بالتقاء‬ ‫ربطت تكوين اللوحة بعالم ذاتي‪ ،‬وقدّمت ر�ؤية جديدة‪� ،‬أراد مهنا‬
‫البرتقالي بالأ�صفر‪� ،‬أو التقاء الأزرق بالأبي�ض‪ ،‬يتتالى فيها لون‬ ‫الدرة من خاللها ت�أ�سي�س خيال مغاير وعالقات من نوع خا�ص‬
‫البحر الميت فوق رطوبة خليج العقبة وراء بعثرة ال�صحراء‪.‬‬ ‫ما بين الأ�شكال والم�ساحات‪ ،‬ما بين الهند�سي والع�ضوي في‬
‫�أما بالن�سبة للخط فهو ديناميكي‪ ،‬وي�ؤكد على فل�سفته في‬ ‫�سبيل الو�صول �إلى جوهر الأ�شياء من الداخل للتعبير عن الطاقة‬
‫ر�ؤية الأ�شياء من خالل خطوطه المتحركة في اتجاهات مختلفة‪،‬‬ ‫الذهنية والنف�سية والروحية‪.‬‬
‫وخطوطه �سواء كانت م�ستقيمة‪ ،‬متعامدة‪ ،‬منك�سرة متداخلة‪...‬‬ ‫�إن لوحة الدرة الم�شغولة بكوالج القما�ش‪ ،‬لوحة تجريدية‬
‫تفاجئ‪ ،‬تعتر�ض لون ًا‪ ،‬ت�ؤطر لون ًا �آخر‪ ،‬تكمل لون ًا‪� ،‬أو تحتل مكان‬ ‫تغافل التجريد‪ ،‬ت�ضع حجم ًا " �شريط من القما�ش وثناياه " يخفي‬
‫لون‪ ،‬ولكن يترافق هذا الخط دوم ًا مع م�ساحات‪ ،‬ي�ؤطرها �أو‬ ‫قطعة قما�ش ب�شكل �أفقي مائل‪� ،‬أو م�ساحة لونية �أفقية مختبئة‬
‫يقطعها‪.‬‬ ‫تقطعها قطعة قما�ش �أخرى‪ ،‬وتبزغ الأ�شكال �أو تتوارى‪ ،‬تت�أكد �أو‬
‫وفي نهاية الت�سعينيات راح الفنان يخلق من �ألوانه المنت�شرة‬ ‫تغيب خلف قما�ش الظل ال�شفيف‪� ،‬إنها جدلية بين تجريد وواقع‪،‬‬
‫برذاذها على امتداد م�سطح اللوحة‪ ،‬عالم ًا فريد ًا وم�ؤثر ًا‪،‬‬ ‫بين �سكون وحركة‪ ،‬بين خط ولون‪ ،‬بين مربع وم�ستطيل‪ ،‬بين‬
‫ب�إيقاعاته المتواترة‪ ،‬ومن الت�أمل الدقيق‪ ،‬يتك�شف مدى غنى‬ ‫�ضربة لونية طولية و�أخرى اعترا�ضية مائلة‪.‬‬
‫تنوعه الداخلي‪ ،‬ف�أحيان ًا تطالعنا تكوينات بالغة الهدوء والرقة‬ ‫ف�إلقاء نظرة عابرة على الم�ساحات اللونية المائلة‬
‫والكمال‪ ،‬بطريقة تداخلت فيها �أمامية التكوين بخلفيته �إلى‬ ‫والمتقاطعة‪ ،‬قد يدل على احتفال بالمدى المفتوح‪ ،‬الذي يغطي‬
‫حد ي�صعب ف�صلهما عن بع�ض‪ ،‬وت�صبح عنا�صر البناء في‬ ‫بدرجاته م�سطح اللوحة‪ ،‬تلك الدرجات اللونية التي تتحرك من‬
‫اللوحات ذات الأ�شكال الهند�سية �أكثر تحرر ًا في طريقة تواجدها‬ ‫مو�ضع �أو في نعومة بالغة‪ ،‬حيث ي�شرق لون‪ ،‬ليغيب لون �آخر في‬
‫بالتكوين‪ ،‬فلي�س هناك ما يمنع‪ ،‬مث ًال‪� ،‬أن تتداخل م�ساحة تمثل‬ ‫انحناء طبيعي ان�سيابي‪� ،‬ألوان تتحمل �شفافية بع�ضها‪ ،‬وامتدادات‬
‫�شكل هند�سي ـ م�ستطيل �أو مربع ـ بم�ساحات مختلفة �سواء بالطول‬ ‫لونية تتراوح ما بين الألوان الباردة والألوان الحارة �أو ما بين �أزرق‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪76‬‬


‫ما يمكن �أن يو�ضح �أن الفنان ال يقول في لوحاته ما يراه‪ ،‬و�إنما ما‬ ‫�أو العر�ض في مقدمة الخلفية‪ ،‬طالما كانت التجربة الوجدانية‬
‫يعرف انه موجود بالفعل‪.‬‬ ‫التي ي�سعى الفنان لتج�سيدها تقت�ضي ذلك‪.‬‬
‫�أخير ًا �ش ّكل مهنا الدرة ظاهرة في حياتنا الفنية بد�أت فيه‬ ‫لوحات هذه المرحلة تم معالجتها ب�شكل متحرر من كل‬
‫للفنون منذ منت�صف القرن الما�ضي مالمح ت�شكلت من روحه‬ ‫القيود‪ ،‬فجاءت م�ستقرة ومتوازنة‪ ،‬وهكذا ت�ستقل اللوحة عند‬
‫وارتبطت ب�صدق زمانه‪ ،‬و�أ�ضفت على مالمح اللوحة �شاعرية‬ ‫الفنان مهنا الدرة الذي حاول �أن يك�شف الطاقة الب�صرية‪ ،‬و�أن‬
‫وغناء‪� ..‬ستظل �آثارها حية في النف�س والذاكرة‪.‬‬ ‫يوجد في لوحة واحدة الإمكانيات المتعددة المتاحة للر�ؤية‪ ،‬وهذا‬

‫***‬
‫الم�صادر والمراجع‪:‬‬
‫درا�سات في نقد الفنون الجميلة ـ ‪ 7‬ـ الهيئة العامة للكتاب‬ ‫(‪ )1‬مجلة فنون عربية‪ :‬بلند الحيدري‪ ،‬العدد ‪� ،1982 ،7‬ص‪.142‬‬
‫بالتعاون مع الجمعية الم�صرية للنقاد‪ 1994 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ 1‬ـ العطار‪ ،‬مختار‪ :‬رواد الفن وطليعة التنوير في م�صر‪:‬‬
‫‪ 4‬ـ لغة الفن الت�شكيلي‪ :‬ف‪ .‬كو�ستين‪ ،‬ف‪ .‬يوماتوف‪ ،‬ترجمة‪:‬‬ ‫الهيئة الم�صرية العامة للكتاب بالتعاون مع الجمعية الم�صرية‬
‫برهان �شاوي‪ ،‬من�شورات دائرة الثقافة والإعالم ـ ال�شارقة‪ ،‬ط‬ ‫لنقاد الفن الت�شكيلي‪ ،‬ج‪ ،1996 ،1‬بت�صرف‪.‬‬
‫‪ 1997 ،1‬م‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ �أبو غازي‪ ،‬بدر الدين‪ :‬رواد الفن الت�شكيلي‪ :‬مكتبة الفنون‬
‫‪ 5‬ـ ال�شريف‪ ،‬طارق‪ :‬فاتح المدر�س‪ ،‬فن حديث‪ ...‬بروح‬ ‫الت�شكيلية( ‪ ،) 13‬مركز ال�شارقة للإبداع الفكري‪ ،‬دائرة‬
‫تعبيرية‪ ،‬من�شورات وزارة الثقافة‪ ،‬دم�شق‪� ،‬أعالم الفن‬ ‫الثقافة والإعالم بحكومة ال�شارقة ( ب‪ .‬ت )‪.‬‬
‫الت�شكيلي ( ‪ 1991 ،) 3‬م‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ العطار‪ ،‬مختار‪ :‬الفنون الجميلة بين المتعة والمنفعة‪،‬‬

‫‪77‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫بحوث‬

‫الأمية الب�رصية !!‪..‬‬


‫�إ�شكالية تلقي احلداثة‪..‬‬
‫يف الفن الت�شكيلي العربي؟؟‪..‬‬
‫معا�شو قرور*‬

‫القارئ �أو المتلقي في بنائه و ت�شييده و هو‬ ‫‪ ،‬وتُعمل معولها الأركيولوجي في التنقيب‬ ‫‪ 1-‬التلقي و محدودية اال�ستجابة ‪:‬‬
‫جوهـر نظريـة القراءة وجمالية التلقي » ‪،‬‬ ‫عن المغيب من الم�شاهد الب�صرية ‪.‬‬ ‫‪ 1.1‬قراءة الأثر الفني كن�سق‬
‫(‪ )2‬تمهيد ًا للدخول في عملية ا�ستحداث‬ ‫و لئن كانت لهذا الم�سار عالماته‬ ‫مفتـوح ‪ :‬لم تقت�صر �شمولية الح�سا�سية‬
‫تركيبية معقدة « تت�صرف كفعل �شمولي‪،‬‬ ‫و�إ�شارياته الت�شكيلية‪ « ،‬ف�إن المحرك‬ ‫الجمالية على اال�شتغال خارج نمطية‬
‫كلي‪ ،‬في م�ضمونه وتكوينه‪ ،‬وت�أخذ‬ ‫الجوهري للمبدع الحديث هو تفكيك‬ ‫المنطوقات اليومية‪ ،‬و ما يعتمل‬
‫في اعتبارها المعطيات والم�ضامين‬ ‫الن�سق‪ ،‬كل �أ�شكال الن�سق‪ ،‬والخروج‬ ‫داخلها من �إحداثيات‪ ،‬بل عمدت �إلى‬
‫الحداثية للثقافات الب�صرية في �أو�سع‬ ‫(‪)1‬‬
‫من الدوائر التي ر�سمها الآخـرون »‬ ‫توريط المخيلة الفنية‪ ،‬وج ّرها �إلى‬
‫مجاالتها لت�أتينا بفعل كلي مفتوح يعبر‬ ‫و ا�ستباق النزعة الذرية في مجابهتها‬ ‫تخوم المكا�شفة الب�صرية‪ ،‬با�ستقطار‬
‫عن مواجهة الإن�سان لأ�شياء العالم ‪،‬‬ ‫ل�شمولية النزعة الكلية‪ ،‬ف�إن « الن�سق‬ ‫ا�شتغاالتها‪ ،‬المنزاحة عن اللغة و�آلياتها‬
‫وتناق�ضاته‪ ،‬ورغبته المتحركة في �إنتاج‬ ‫يبقى قاب ًال للتحول فهو �إما �أن يكون‬ ‫التعبيرية‪ ،‬وتحديد ًا تاريخ الأفكار‪،‬‬
‫جمالية جديدة»(‪ )3‬ت�ستدعي قراءة الأثر‬ ‫معطى �أولي ًا كما تزعم البنوية ال�صورية‬ ‫والم�سارات ال�سياقية للمعرفة الن�صية‪.‬‬
‫المفتوح‪ L'oeuvre Ouverte‬بتعبير‬ ‫‪ ،‬و �إما يحدد الوعي الجمعي كما تن�شـد‬ ‫ذلك �أن الر�سم جهاز من المفاهيم‬
‫�أمبرتو �إيكو ‪ Umberto Eco‬كعالمة‪،‬‬ ‫ذلك البنوية التكوينية ‪ ،‬و�إما �أن ُي�سهم‬ ‫الأيقونية ‪ ،‬تُمار�س رحلتها اال�ستك�شافية‬
‫*�أ�ستاذ في جامعة ابن خلدون‪ ,‬الجزائر‪.‬‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪78‬‬


‫جوهو كورن‪.‬‬

‫‪79‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫بول مكارثي‪.‬‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪80‬‬


‫ماريك‪.‬‬
‫�أحد منظري الجناح الإ�ستيطيقي في‬ ‫بين الذات (�آفاقها) والعالم‪ .‬الحياة‬ ‫�أو نظام كالمي على اعتبار �أن «كل عمل‬
‫المدر�سة ال�شكلية يذهب في معالجته‬ ‫(بكل �آفاقه)»(‪� )5‬سواء �أكان �إعالء‬ ‫فني يظل مفتوحا ومنفتحا مادام عم ًال‬
‫للمقولة ال�سائرة‪«:‬الفن تفكير في ُ�ص َور»‬ ‫ل�شعرية العمل الفني المفتوح على �شبكة‬ ‫فني ًا ‪� ،‬أي مادام م�ؤثر ًا وفاع ًال‪ .‬وهذا‬
‫�إلى تر�شيد الطاقة الفنية‪� ،‬أوبما ي�سمى‬ ‫من العالقات الإدراكية الم�ضاعفة‪� ،‬أو‬ ‫الكالم ينطبق على كل الأعمال الفنية‬
‫«الإقت�صاد في الجهد الذهني » كطريقة‬ ‫تحرير ًا للذائقة الب�صرية من �سطوة‬ ‫�أ ّيا يكن نوعها ( �أدب‪ ،‬فن ت�شكيـلي‪،‬‬
‫ت�سمح بتوليد ال�شعور الجمالي‪ ،‬م�ستثمر ًا‬ ‫المفردة الت�شكيلية‪.‬‬ ‫مو�سيقى‪�...‬إلخ)»(‪ )4‬وثمة �أي�ضا عالمـات‬
‫�أدوات التعامل مع الفن ومناهجه‬ ‫�إن م�س�ألة �إدراك �أن الجميل هو الذي‬ ‫تعتمد الخبرة الب�شرية لتحل مح ّل‬
‫بنف�س التكنيك الذي نظر فيه بوتبني‬ ‫يح ّررنا من �سطوة المباهج على نحو كلي‪،‬‬ ‫الأ�شياء الغائية العارفة كـ « نوع من‬
‫‪ potebnya‬من �أن «العالقة بين‬ ‫في غياب مد ّونة المت�صورات ال�سابقة‪،‬‬ ‫الك�شف التلقائي الذي ي�أتي من تراكم‬
‫ال�صورة وما تو�ضحه هي ‪� :‬أ ) ال�صورة‬ ‫ف�إن فيكتور �شكلوف�سكي ‪V.Chklovski‬‬ ‫المعطـيات‪ .‬فالمعرفة هي نقطة االلتقاء‬

‫‪81‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫�ألبرت �أويهيلن‪.‬‬
‫مبدعا‪ ،‬ال مج ّرد م�ستهلك «لل�سلعة‬ ‫وتجلياتها بانفتاح الأثر الفني في‬ ‫محمول معين ‪ predicate‬لمتغير‪� -‬أ هي‬
‫الفنية»(‪ ،)8‬وهي �إحدى مت�صورات علم‬ ‫تخ�صيب القراءة الب�صرية؟ ال�سيما‬ ‫الو�سيلة الالمتغيرة اللتقاط ما يدرك‬
‫الجمال الفينومينولوجي �إزاء التلقي‬ ‫و�أن محدودية التلقي الت�ستجيب ل�شـبكة‬ ‫كمتغير‪ .‬ب) ال�صورة �أو�ضح و �أب�سط مما‬
‫بو�صفه خبرة جمالية‪.‬‬ ‫العالقـات المت�ضافرة في تكوين الأثر‬ ‫ت�شير �إليه »(‪ )6‬والمالحظ �أن مثل هذا‬
‫�إن مجال الإدراكات الحقيقية‬ ‫الفني‪ « ,‬فالعمل الفني المفتوح ي�شجع‬ ‫التقنين يبدو منطقي ًا حيال االقت�صاد‬
‫للمتلقي الذي طالما �ساورته ال�شكوك‬ ‫�أفعال الإختيار الواعي لدى المتلقي »‬ ‫في الطاقة الإبداعية وتكثـيفها بمعنى‬
‫حول التبا�س الإحتـماالت بين «التوقع» و‬ ‫(‪ ، )7‬وهذا االختيار ينهج عادة �سبيل‬ ‫�أن ‪(:‬ال�صـورة =الرمز)‪ .‬ولكن غـزو‬
‫«الالتوقع»‪ ،‬والمراوحة بين ثنائية الثبات‬ ‫توليد الداللة المرجعية في �إخ�صاب‬ ‫الفنية ‪� Technicité‬إلى �أثر ما ‪ -‬ح�سب‬
‫والتحول ‪ ،‬لم ي�سهم في بلـورة الحلول‬ ‫ملكة التلقي «حيث تركز جماليات الفن‬ ‫التقنيات الخا�صة به ‪ -‬تت�أتى و�ضوح‬
‫الناجعة‪ ،‬و تحديد الإجابات لكثير من‬ ‫الحديث على �إ�شراك المتلقي في «�صنع»‬ ‫ف ّنيتها في ؤ� من موقع تلقيها ‪.‬‬
‫المفاهيم‪ ،‬وبالتالي ف�إن هاج�س االنفتاح‬ ‫العمل الفني نف�سه‪� ،‬أي �أن ي�صبح المتلقي‬ ‫وتحديد ًا ما عالقة الجماليات‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪82‬‬


‫ال�سماع ( ال�شفوية) ولغة الب�صر (‬ ‫الحـداثي‪ ،‬مما �أثر في طبيعةالتلقي‪،‬‬ ‫ي�أخذ �سبـيل المغايرة ‪� ،‬إذ �سرعان ما‬
‫الكتابية )‪ ،‬في مماثلتها لقانون ال�شرح‬ ‫وفر�ض ذوق ًا جديد ًا‪ ،‬وبالغة �أخرى‪،‬‬ ‫يتحول �إلى الم�صب الذي نبع منه‪ ،‬وهو‬
‫والتف�سير‪ ،‬غير �أن تحديده للأ�سيقة‬ ‫وبنى �أفق انتظار جديد على �أنقا�ض‬ ‫حال كثير من الأطروحات التي لم يتوافر‬
‫ال�سردية لل�صورة الثابتة ‪ ،‬دون �إغفال‬ ‫�أفق انتظار �سابق»(‪)12‬و�إن �صورة‬ ‫لها عن�صر الثراء ( الخبرة الجمالية )‬
‫فاعلية المزج المنتظم و حركية المادة‬ ‫تحديد مع ّوقات التلقي تقت�ضي االهتمام‬ ‫والم�ساءلة ( التلقي الب�صري ) لالنفالت‬
‫الم�شكـلة ‪ ،‬هو �أ�شبه بتكنـيك الممار�سة‬ ‫بثقافة العين‪ ،‬وت�أمل خ�صائ�ص الوقع‬ ‫من قب�ضة االنغـالق ‪ ،‬بو�صف الحدود‬
‫الت�شكيلية الذي ا�ستثمره �أندري جيد في‬ ‫الجمالي عليها‪ ،‬ومعاينة االرتباكات‬ ‫الممكنة للقراءة «تحتمل �أكثر من معنى‬
‫كتابـاته بانت�صـاره لها على ح�سـاب قانون‬ ‫التي تحدث من ج ّراء اال�ستجابة لها‪،‬‬ ‫و داللة ‪� :‬إنها مفتوحة على كل ممكنات‬
‫ال�شرح والتف�سير في قوله‪� « :‬إني لم‬ ‫دون تغليب ال�سياقات الخارجية للأثر‬ ‫المعنى في كل الأو�ساط والبيئات التي‬
‫�أحاول �أن �أدافع �أو �أهاجم و�إنما حاولت‬ ‫الفني ‪2.1-‬جدلية قانون ال�شرح‬ ‫يتاح فيها انت�شار هذا العمل» (‪� )9‬أثناء‬
‫جهدي �أن �أتقن الر�سم و�أ�ضيء جيد ًا‬ ‫والتف�سير‪�:‬إذا كان اللون عن�صر ًا دينامي ًا‬ ‫ممار�سة هذه المت�صـورات التي �شيدتها‬
‫معالم ال�صورة» (‪ )14‬وم�س�ألة الت�سليم‬ ‫في تحديد �ساللة اللغة الت�شكيلية‪ ،‬مثله‬ ‫نظرية التلقي ‪ ،‬و التي ا�ستثمرتها‬
‫بجدلية هذا القانون الذي تعزى �إليه‬ ‫مثل الفونيم الذي هو �أ�سا�س ت�شذيب‬ ‫مدر�سة كون�ستان�س الألمانية مع روبرت‬
‫الخطابات النقدية الت�شكـيلية‪ ،‬هو من‬ ‫نوامي�س اللغة‪.‬ف�إن الحديث عن لغة الفن‬ ‫هان�س ياو�س‪ - R.H.Jauss‬ت�أليب‬
‫جملة الإجراءات الم�ساهمة في تثويـر‬ ‫الت�شكيلي خ�صو�ص ًا‪ ،‬والفنون الب�صرية‬ ‫القراءة الب�صرية �أمام �ضراوة محدودية‬
‫�إ�شكالية التلقي ومحدودية اال�ستجابة‪،‬‬ ‫ب�شكل عام‪ ،‬يكاد يكون متجاوز ًا وفق‬ ‫ا�ستجابة التلقي‪.‬‬
‫و �إن ع ّد مج ّرد اجـتراء لمتعة ن�صية‪/‬‬ ‫ما �أنجزته �أنظمة العالمات‪ ،‬من حيث‬ ‫ذلك �أن �س�ؤال الحدود القائمة‬
‫كالمية على ت�أطيرات فنية‪.‬‬ ‫�إخ�صابها لكثير من الحقول المعرفية‬ ‫هو الم�ضمار الذي تنتبذ فيه الوقائع‬
‫الكف عن م�ساءلة الفنان عن‬ ‫�إن ّ‬ ‫في النطاق الأو�سع للعلوم الإن�سانية‪،‬‬ ‫الجمالية رهانات الحداثة‪ ،‬لأنه «ما‬
‫معنى اللوحة‪� ،‬أو عن تلك المنظومات من‬ ‫فروالن بارت ‪198-R.Barthes[1915‬‬ ‫�صحت المعرفة لمحدود قط وال لمعدود‬ ‫ّ‬
‫التخطيطات �سوف يح ّد من هيمنة مدونة‬ ‫] ي�ؤكد على الدعامة الت�شكيلية في‬ ‫وال لمجهود وال لمكدود » على حد‬
‫(‪)10‬‬

‫ال�شرح والتف�سير‪ ،‬وبف�ضل «المغامرة‬ ‫تحليله البنوي لل�سرد �ضمن مغامرته‬ ‫تعبير الحالج في طوا�سينه ‪ ،‬و�إن كان‬
‫ال�سيميولوجية» �أمكننا مدار�سة هذه‬ ‫ال�سيميولوجـية‪« ،‬حيث �أن الحكي‬ ‫الح ّد في عرف ال�صوفية‪ « :‬قول دال‬
‫الإيماءات الإ�شارية للح ّيز اللوني‪ ،‬بعيد ًا‬ ‫يمكن �أن يدعم باللغة المزدوجة‬ ‫على ماهية ال�شيء » (‪ )11‬ف�إن ارتكاز‬
‫عن �سطوة التنظير الكال�سيكي للفن‪.‬‬ ‫ال�شفوية منها و المكتـوبة ‪ ،‬وبال�صورة‬ ‫الأثر الفني المفتوح على امتياز القراءة‬
‫و البحث ‪ -‬هنا‪ -‬يجرنا �إلى �ضرورة‬ ‫الثابتة وبالحركة والمزج المنتظم‬ ‫الب�صرية يتعلق بمدى ا�ستجابة الرائي‬
‫الت�أكيد على اعتباطية العالمة اللونية‬ ‫لهذه المواد‪ .‬فهو خا�ص في الأ�سطورة‬ ‫لفاعلية المرئي‪ ،‬وتجاوزه لنوامي�س‬
‫كما هي عليه الحال في رمزية المعنى �أو‬ ‫والخرافة والق�صة والأق�صـو�صة‬ ‫المنع في الح ّيز الم�شاهد وي�ؤكد على‬
‫المدلول في ثنائية اللغة‪/‬الكالم‪.‬‬ ‫والملحمة والتاريخ والتراجـيديا والدراما‬ ‫تعطل ر�ؤيته في نطاق‬‫حدوث ال�شيء بعد ّ‬
‫وهو تحديد ًا ما ت�ؤكد عليه‬ ‫والكوميديا والم�سرحية الإيمائية‬ ‫المرئيات‪.‬‬
‫ال�سيميولوجيا لإخراج المنظومة‬ ‫واللوحة المر�سومة(‪ )...‬والزجاجيات‬ ‫�إن هذه التحديدات لإنتاج المعنى‬
‫الت�شكيلية من حقلها الو�صفي‪،‬‬ ‫وال�سينما‪ ،‬والهزليات‪ ،‬والحديث التافه‬ ‫في ظل الم�ستويات المتعددة للتلقي ال‬
‫ومراهنتها على مدى فاعلية العالمة‬ ‫والمحادثات»(‪ ،)13‬وجملة ما يثيرنا‬ ‫تنفي المت�صورات ال�سابقة‪ ،‬ذلك «�أن‬
‫اللونية‪ ،‬وح�ضورها ك�أثر فني داخل‬ ‫ونحن نتلم�س هذه الف�سيف�ساء‪ .‬هو‬ ‫الم�س�ألة ‪ -‬هنا‪ -‬تتعلق بهيمنة المعـيار‬
‫التجميعـات الخطية بعنا�صرها‬ ‫التركيز على ثنائية االزدواج بين لغة‬ ‫الفني القديم على جمالية الن�ص‬

‫‪83‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫ماثيو ريت�ش‪.‬‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪84‬‬


‫�س�ؤال ‪� :‬أيهما �أ�سبق في تخ�صيب عملية‬ ‫بتجربة الفنـان ثم حاول �أن ينقله �إلى‬ ‫المت�ضادة‪ ،‬ال ب�شكلها الرمزي المتداول‬
‫التف�سير وال�شرح‪� .‬أمية ذائقة المتلقي ؟‬ ‫الم�شاهـد عن طريق اهتمامه ببع�ض‬ ‫معياري ًا من حيث �إيقاعيتها اللونية‬
‫�أم ذلك الم�أزق من العزلة التي �أفرد فيها‬ ‫عنا�صر ذلك ال�شكل و�ألوانه» (‪ ،)17‬ولي�س‬ ‫ال�شفافة‪ « .‬وهنا تت�أ�س�س عنا�صر الثبات‬
‫الفنان مو�ضوعاته ‪/‬منطوقاته الب�صرية‬ ‫�شرط ًا انعكا�سي ًا �أن يجنح التفكير �إلى‬ ‫داخل الم�سار الإ�ستيطيقي‪/‬الجمالي‪،‬‬
‫‪ -‬على �شا�شة اللوحة المعرو�ضة ؟ والتي‬ ‫ا�ستخدام الجدل ب�ش�أن تف�سير الأثر‬ ‫الذي يفتر�ض �أن يكون للعين ح�ضور‬
‫انبج�ست عنها جملة من التعبيرات عبر‬ ‫الفني وفق �شروح تقع خارج منظومة‬ ‫�سيميولوجي في تفكيك الذائقة الفنية‪،‬‬
‫الت�سل�سل الكرونولوجي لتواريخ المدار�س‬ ‫الفنان ‪ ،‬بل وفق القدرة على �إ�شبـاع الهم‬ ‫وقراءة رموزها‪ ،‬ومن ثم الإ�سهام في‬
‫الفنية حتى الع�صر الحديث‪ .‬وتالي ًا ف�إن‬ ‫الجمالي «بما �أن الكثير من اللوحـات‬ ‫تحديـد التراكيب الأ�سا�سية لمفاهيـم‬
‫م�سالة التعليق على النتاج الفني وتنميط‬ ‫والمنحوتات الفنية تُخ َلق فقط من‬ ‫ال�صورة الفوتوغرافية‪ ،‬ثقوب القما�شة‬
‫ذائقته لي�س بالأمر اله ّين‪ ،‬فقانون ال�شرح‬ ‫�أجل التعبـير عن هذه �أو تلك الأ�شكال‬ ‫الزيتية‪ ،‬نتوءات ج ّرة �إ�صبع البا�ستيل‪،‬‬
‫والتف�سير لي�س �ضروري ًا وال مندوحة منه‬ ‫وال�صفات الجمالية ‪ .‬فلي�س كل عمل فني‬ ‫والتدرج اللوني لل�سواد الحبري »(‪)15‬كما‬
‫في تحديد �آلية الفهم‪ .‬ذلك �أن الن�شاط‬ ‫من ر�سم �أو نحت ي�سعى �إلى التعبير عن‬ ‫�أن هذا ال يعني في مقارباته الإهتداء‬
‫الب�صري متج ّل في �سطوة المناهج‬ ‫فكرة دينية �أو فل�سفية ‪ ،‬بل الكثير من‬ ‫�إلى بلورة كثافة هذه العالمـات ‪ ،‬و لكنه‬
‫التي تتفهمها ثقافة العين مبا�شرة من‬ ‫االعمال الفنية ت�سعى فقط �إلى التعبير‬ ‫ي�سهم في البحث عن خ�صو�صيات التميز‬
‫م�صدرها‪.‬‬ ‫عن ال�شكل وال�صفة من �أجل ذات ال�شكل‬ ‫والفرادة‪ ,‬دونما ال�سقوط في �ضحالة‬
‫‪�3.1-‬إ�شكالية الت�أ�صيل والتحديث‬ ‫وذات ال�صفة »(‪ )18‬ومن الأرجح �أن ت�سلم‬ ‫الر�ؤية وهجانة التفكير بفعل طغيان‬
‫‪� :‬إن �أ�سلوبية التوفيق التي يلج�أ‬ ‫بجدوى هذا التفكير الت�صويري‪� ،‬أوذاك‪،‬‬ ‫�أ�سلوبية التجريد ‪.‬‬
‫�إليها كثير من الفنانين للتدليل‬ ‫كامتداد ل�ضرورات فنية واجتماعية‬ ‫�إن �سن �أ�ساليب في الت�صوير من‬
‫على �أ�سلوبياتهم الت�شكلية ‪ ،‬هي التي‬ ‫بحتة‪.‬‬ ‫منظور م�شكالت فهم الفن وتق ّبله‪،‬‬
‫تنتع�ش فيها الأمية الب�صرية ‪ ،‬وتندرج‬ ‫ومثلما كان للفنون الب�صرية اليد‬ ‫�أوالإنخراط في كلية الإنتقال �إلى‬
‫عبرها محدودية التلقي ‪ ،‬وتتعطل فطرة‬ ‫الطولى في طرق الأداءات الجديـدة في‬ ‫التجريد كتوجه حداثي‪ ،‬يتزامن «‬
‫اال�ستجابة الب�صرية �أمام ر�ؤية م�سبقة‬ ‫عملية الت�شكيل‪ ،‬ف�إن دور الفنان« هو �أن‬ ‫بانفعال الفنان مع تجارب الحياة‬
‫ترى �أن «الحداثة هي عملية تركيبية‬ ‫ينقل �إلى الم�شاهد حالة وجود �أو �شعـور‬ ‫الحديثة القا�سية وتعقيدتها المت�ضاعفة‪،‬‬
‫معقدة تت�صرف كفعل �شمولي كلي في‬ ‫بوا�سطة �إقناعه ب�أن يتحرك مع الم�ص ّور‬ ‫كان لزام ًا عليه �أن ينتج ف ّن ًا يعك�س �أوجه‬
‫م�ضمونه وتكوينه » (‪� )20‬إزاء مناه�ضة‬ ‫في اتجاه �إيقاعي ناب�ض مقلق �أحيان ًا‪،‬‬ ‫االرتباك والتوتر عند الإن�سان الحديث‬
‫مجـانية التجريد التي طبعت الفن‬ ‫غنائي �أحيان ًا �أخرى‪ ،‬قد تتخذه الخطوط‬ ‫ومن �أجل هذا الغر�ض وجد الفنان نف�سه‬
‫الغربي المعا�صر‪ ,‬وهيمنة �سلطة الميديا‪,‬‬ ‫والألوان»(‪ ،)19‬وهذا ي ّبرر لنا وجهة‬ ‫مبتكر ًا للغة فنية جديدة »(‪ ،)16‬قد ال‬
‫�أومجتمع الم�شهد بتعبير غي دو بور‪ ,‬وهو‬ ‫الفنان نف�سه نحو العزلة ق�صد تلبية‬ ‫تنفي عنه عدم كفاية تربيته الفنية‪ ،‬في‬
‫ما يدعونا �إلى �ضرورة االعتقاد «في‬ ‫اعتبارات �أدائية وجمـالية‪ ،‬لأن �سرعة‬ ‫ترجيح التلقي باال�ستجابة لدى متلقيه‬
‫حياة ع�صرية �شديدة التداخل‪ ,‬م�س�ؤولة‬ ‫تدفق �آليات اال�ستقطاب الحديثة‪ ،‬بفعل‬ ‫مادامت �صفة الإدها�ش عن�صر ًا دينامي ًا‬
‫وحدها عن التعقيد الإبداعي الجديد‬ ‫ت�أثيرات التكنولوجيا‪ ،‬حال دون تحقيق‬ ‫في �أي �أثر فني ‪.‬‬
‫و ذائقته الجمالية الراقية في الكتابة‬ ‫مطالب الجماعات ال�ضاغطة‪.‬‬ ‫ومادام �أن مجمل التنظيرات‬
‫وال�صورة والم�شـهد الطاغي بتركيبات‬ ‫لي�س بالم�ستطاع توافر الإ�شباع‬ ‫الجمالية يكون قد ت�شربها ن�سيج حياتنا‬
‫(‪)21‬‬
‫متناق�ضة‪ ,‬مت�صـارعة نحو الأبرع »‬ ‫الجمالي في ظل ا�ست�شراء جدل‬ ‫اليومية‪ ،‬ف�إن « العمل الفني الحديث هو‬
‫وهي و�سيـلة الإ�شهار اال�ستعرا�ضي �إلى‬ ‫الثنائيات ال �سيما الثنائية القائمة حول‬ ‫�إجمال الإح�سـا�س ب�شكل ما كان قد م ّر‬

‫‪85‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫بيتر دوغ‪.‬‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪86‬‬


‫لي�س لها من معنى داخل الحياة الفنية‬ ‫قد تكون بغية الأخذ ب�شرعية‬ ‫�سلطة ما وراء المرئي ‪ /‬الم�شاهد بتعبير‬
‫في نظام �أي حركة فنية �صاعدة ‪ .‬غير‬ ‫الت�أ�سي�س لهذه المقوالت ‪ ,‬هو من قبيل‬ ‫�إليا�س لحود ‪.‬‬
‫�أن هذا االن�شغال بجدوى الثنائيات‬ ‫التعامل مع « الحداثة الحقة التي هي‬ ‫لذلك ف�إن �أ�سلوبية التوفيق بين‬
‫وا�صطراعها ينم عن الرغبة في‬ ‫حداثة الفكر الذي يجـدد نظرته للعالم‬ ‫ثنائية الأ�صالة و المعا�صرة ال تقل �أهمية‬
‫االمتـالء بالهم الجمالي و ما يدخل في‬ ‫ولي�ست حداثة هدم الما�ضي » (‪ .)23‬ولأن‬ ‫عن ثنائية الح�ضور ‪ /‬الغياب ‪ ,‬الذات‪/‬‬
‫معجمه من مفردات ت�شكيـلية‪ .‬اللهم‬ ‫مفهوم التحديث يقت�ضي الموا �ضعة على‬ ‫المو�ضوع في منظومـة العمل الت�شكيلي‪.‬‬
‫�إال �إذا جهدت للإفالت من قب�ضة هذه‬ ‫منظومة الأعراف ال�سائدة ‪.‬بمعنى �أن‬ ‫فهي من المجاالت الخ�صبة التي دار‬
‫التداعيـات المتناق�ضة والمت�ضادة داخل‬ ‫العرف ‪ :‬هو ت�أ�صيل الفكر‪ .‬ف�إن "رامبو‬ ‫حولها �سجال الرغبة في م�ساومة‬
‫الم�شهد الواحد ذاته‪ .‬فالفن يحر�ص على‬ ‫" يرى �أنه من الواجب �أن نكون على‬ ‫المتلقي بم�شهدياته‪.‬على الرغم من‬
‫الحياة من داخل الفكر‪ ,‬و لطالما نازعته‬ ‫الإطالق حداثيين‪ ,‬على اعتبار «�أن ما ال‬ ‫�أنّ عالم الفنون الب�صرية يتح ّرك وفق‬
‫فيه التي تريد الفن في خدمة المجتمع‬ ‫يعرف يفتر�ض �أ�شكاال جديدة»‪ .‬ولذلك‬ ‫�صدمة الوجود(الأ�صالة) مع �ضرورة‬
‫والثقافة» (‪ .)27‬و ما دام الإعتقاد ال�سائد‬ ‫يرى "لوك" فيري ‪Luc ferry‬في «معنى‬ ‫ممار�سة التطهـير ( الحداثة ) ‪ -‬بمعناه‬
‫هو ‪ conformisme‬الإمتثالية الذي‬ ‫الجميل»�أن‪«:‬م�ستقبل الفن المعا�صر‬ ‫الأر�سطي‪ -‬كو�سيلة تجريب تهدف �إلى‬
‫يتمثل الحداثة ك�ضرورة من �ضرورات‬ ‫ال يقوم على القطيعة مع الما�ضي‪ ,‬بل‬ ‫تفعيل مختلف �أدوات التو�صيل‪ ،‬لتحقيق‬
‫تجاوز الراهن‪ ,‬مثلها مثل الإختالف حول‬ ‫في ابتكار بع�ض �أوجه المقد�س للوجه‬ ‫فرادة هذه الذات ‪ ،‬و �إال ف إ� ّنه االندحار‬
‫الجوهري والهام�شي‪ ,‬ف�إن تثوير هذه‬ ‫الب�شري »(‪ )24‬ما دام �س�ؤال «التحدي»‬ ‫�أمام توتر وجودي و ثقافي‪� ،‬سبيل‬
‫الثنائية المو�سومة بالأ�صالة والمعا�صرة‪,‬‬ ‫في مجال الفنون الب�صرية له �أ�سيقة‬ ‫الخال�ص منه االندماج الكلي في ثقافة‬
‫هو من قبيل الوهم الإيديولوجي الذي ال‬ ‫تاريخية‪ ,‬ي�صعب معها تحديد معناه‬ ‫الآخر‪ ،‬واال�شتغال بمعارفه و �أدواته في‬
‫يخدم المدرك الجمالي‪.‬‬ ‫الفعلي كقطيعة ‪� ,‬أو كتجريد يخترق‬ ‫نقاطها المتعارف عليها ‪.‬‬
‫‪� 2-‬إ�شكـالية الأمـية الب�صـرية‬ ‫«�شيئية الما�ضي»(‪ ,)25‬بمن�أى عن م�س�ألة‬ ‫وك�أن و عي الهوية في �سلوك التطبيع‬
‫‪ :‬تطرح م�س�ألة الأمية الب�صرية نقد‬ ‫المعنى الذي يدخل في تجريدية الأثر‬ ‫الثقافي مع الآخر‪ ,‬مهما كانت فاعلية‬
‫الحياة الت�شكيلية‪� ،‬ضمن منظومة‬ ‫الفني المفتوح ‪.‬‬ ‫هذا االزدواج �سواء في �إلغاء الآخر ‪� ,‬أو‬
‫القيم الإن�سانية المتعارف عليها ك�إرث‬ ‫يدين الناقد الفني " �أ�سعد عرابي"‪,‬‬ ‫في �إبقائه كا�ستراتيجية تذويب ‪ ,‬مرهون‬
‫ح�ضاري وجمالي‪ ،‬ولكنها ال ت�ستدعي‬ ‫النقد الفني باعتباره الم�س�ؤول عن‬ ‫بالح�سا�سية الجمالية التي ا�ستقطبتها‬
‫معار�ضة علم الجمال كتوجه فني‬ ‫االرتباك الحا�صل في جدلية الت�أ�صيل‬ ‫الآلة الحداثية كرغبة ملحة ي�صعب‬
‫لعالم الفكر وال�شعور وعالم االعتبارات‬ ‫والتحديث‪ ,‬على الرغم من التوازنات‬ ‫القب�ض على مجازاتها اال�ستعارية‪« ,‬‬
‫الثابتة‪ ،‬و�سواء �أت�أكد لنا �أن مرجعية‬ ‫الهـ�شة التي دعت �إلى �إن�شاء جمالية‬ ‫فالفنان ال ي�ستح�ضرها بقرار بقدر ما‬
‫الفنون الب�صرية تحتكم بالأ�سا�س �إلى‬ ‫ت�صالحية‪ ,‬م�ستثمرا لها ال�س�ؤال‬ ‫تح�ضر عبر حركاته و �سكناته في لحظة‬
‫فردانية الذوق‪� ،‬أم تحتكم �إلى اهتبال‬ ‫التالي‪«:‬حول تحديد دور الفنان‪ .‬فيما‬ ‫الجذوة الخالقة ‪ .‬للوعي دوره و موقعه‬
‫الجميل كمنظـومة عالمية تقترن‬ ‫�إذا كان �شاهد ًا على جديد ع�صره �أم �أنه‬ ‫و فعاليته في تن�سيق �أو تثبيت هارمونيا‬
‫بموا�صفات الر�ؤية الب�صرية ف�إن الأثر‬ ‫ناقل تراثي ل�شعلة‬ ‫الف�ضاء الت�شكيلي»(‪ )22‬وبالمقابل‬
‫الفني هو �إفراز لو�شائج نف�سية و�أ�سيقة‬ ‫ً‬
‫ح�ضارته ؟ » ‪ ،‬وتحديدا �إلى �أي‬
‫(‪)26‬‬
‫هناك اندحار مريع �أمام حنينية تجاوز‬
‫اجتماعية لها من المعايير و المرجعيات‬ ‫مدى تعيقنا هذه الم�سلمة عن االنتباه‬ ‫الما�ضي‪ ,‬و الإنخراط في مواجهة‬
‫الجمـالية نف�س الموا�صفات التي تحتكم‬ ‫�إلى مكوناتنا الجمالية ؟‬ ‫الثقافة التقليدية‪ ,‬في محاولة �إ�ضعاف‬
‫�إليها عملية مراجعة المنظومة النقدية‬ ‫كما �أن عالقة تحديد بالت�شكيل‬ ‫ال�شرعية الفنية‪.‬‬

‫‪87‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫فرانز �أكريمان‪.‬‬
‫الت�أ�صيل و التحديث ‪.‬‬ ‫الجمالي وتحديد �أهداف وطبيعة‬ ‫للعمل الفني و بالتالي ف�إن مفهوم التجلي‬
‫الأبحاث المبرمجة في معايير النقد‬ ‫الجمالي لثنائية القبيح ‪ /‬و الجميل ال‬
‫و �إذ �أ�سهمت �شبكة العالقات‬ ‫الفني دون التنكر للذوق العام الذي هو‬ ‫ت�ستقيم في �ضوء المالب�سات التي لم‬
‫الإدراكية التي يخل�ص �إلى معالجة‬ ‫ح�صيلة التنويع على الخبرة الجمالية‪.‬‬ ‫تك�سر طوق الت�شوي�ش العام للذوق و‬
‫م�ساراتها ال�سياقية عبر الرغبة في‬ ‫كما �أن فاعلية الإ�شباع الجمالي تتجلى في‬ ‫االحتكام �إلى ال�ضوابط الفنية ال�صارمة‬
‫تجاوز التوقعات الإحتـمالية‪ ،‬من تحديد‬ ‫معاينة ارتباكات اال�ستجابة المحدودة‬ ‫ال �سيما في مو�ضوعي العادة و اال�ستيعاب‬
‫�إ�شاريات العمل الت�شكـيلي و �سواه ك�أثر‬ ‫ب�أفق انتظار ال ي�ستند �إلى ثقافة ب�صرية‬ ‫في حدود الب�ساطة المتوافرة على‬
‫فني مفـتوح على تعددية الت�أويالت في‬ ‫ح�صيفة‪ ،‬الأمـر الذي ا�ستدعى معار�ضة‬ ‫عنا�صر ( الحركـة‪ -‬المادة ‪ -‬الر�ؤية)‪،‬‬
‫ظل نظرية جمالية التلقي عند "ياو�س" و‬ ‫هذه الخبرة الجمالية و تحديـدا الوقوف‬ ‫وتحديد ًا ف�إن «الجميل يكون مختبئ ًا‪،‬‬
‫نظرية جمالية التجاوب عند "�آيزر" في‬ ‫على �إ�شكاليتها المطروحة بدء ًا من‬ ‫�أحيان ًا‪ ،‬داخل الأ�شياء‪ ،‬كما �أن العادة‬
‫حقل النقد الفني كوقع جمالي للتفاعل‬ ‫قراءة الأثر الفني كن�سق مفتوح وتحريـر‬ ‫تغلف الجمال‪ ،‬بل �إن الجمال يمكن �أن‬
‫بين الأثر الفني و التلقي‪ .‬ف�إن الثقافة‬ ‫المفردة الت�شكيلية من ثنائية ال�شرح‬ ‫يعبر كما ال يقال»(‪،)28‬كما يجب الإقرار‬
‫الب�صرية لدى المتلقي تنطوي على تقدير‬ ‫والتف�سير و التي �أعقبتها �أ�سلوبية‬ ‫ب�ضرورة انتقاد الحياة الجمالية من �أجل‬
‫جملة المهارات الإدراكية ك�ضرورة ملحة‬ ‫التوفيـق بين الوهم الإيديولوجي و بين‬ ‫تعزيز القيم الإن�سانية‪ ،‬و�إثراء منظومة‬
‫من �ضرورات تعبئة القدرة على ر�ؤية‬ ‫خدمة المدرك الجمالي عبرجدلية‬ ‫التربية الفنية بطروحات التف�ضيل‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪88‬‬


‫الفنية العربية‪ ،‬ذلك « �أن تراجع الكتابة‬ ‫ا�ستجابة الناظر �إليها ‪.‬‬ ‫الأ�شكال الب�صرية في مهادها الطبيعي‬
‫يدل على �سيادة الم�سمـوع على المرئي‬ ‫كما �أن جملة المبادئ التي �أفرزتها‬ ‫لدى المتمتعين بنعمة الب�صر‪ ،‬وتنبع‬
‫من منطلق �أن ثقافة الأذن �أكثر �إقت�صاد ًا‬ ‫القراءة الب�صرية ظلت ت�ستدعي �أكثر‬ ‫هذه الموا�صفات مما قد يتوافر لنا‬
‫في �إنفاق الجهد من �أجل التلقي بالقيا�س‬ ‫من �آلية �إجرائية لفهم و �ضبط مرتكزات‬ ‫من تعدد �آليات القراءة و الكتابة و‬
‫�إلى ثقافة العين »(‪ )32‬وهي من الم�آخذ‬ ‫الحوار الب�صري من خالل الموا�ضـعة‬ ‫الم�شاهدة العلمية الح�صيفة ذلك « �أن‬
‫التي و�سمت الحوار الب�صري العربي‬ ‫على تقنية الت�صوير‪ ،‬و �سن الحدود‪،‬‬ ‫القدرة على اال�ستجابة للأعمال الفنية‬
‫بو�صمة ( الأمية الب�صرية )‪ ،‬على الرغم‬ ‫و مفهمة المعايـير الت�أويلية ‪ ،‬و تر�شيد‬ ‫والبيئة الب�صرية لب�ست بب�ساطة‪ ،‬م�س�ألة‬
‫من الإرث الجمالي لثقافة العين العربية‬ ‫الحوار النقدي لت�أليب الرائي على‬ ‫حل �أو ترجمة للرموز ور�ؤية خ�صائ�ص‬
‫‪.‬‬ ‫الأوجه المتعددة للعمل الفني‪ ،‬و �إن كانت‬ ‫الأ�شياء الجديرة بالمالحظة‪ ،‬بل �إنها‬
‫تتوخى المعرفة الجمالية الإدراك‬ ‫« مثل هذه الت�أكيـدات المتقلبة لي�ست‬ ‫اال�ستعداد الم�صقول بالتعلم للبحث عن‬
‫كمنطق ت�شكيلي للتجاوب مع الأ�شكال‬ ‫مبررة فقط ولكنها طبيعية و �ضرورية‬ ‫المعنى المعبر في الأ�شكال الب�صرية‬
‫الب�صرية‪ ،‬وبناء عليه ثمة جملة من‬ ‫�أي�ضا ‪.‬ف�إن مدارك الناقـد الح�سية‬ ‫»(‪ ،)29‬ناهيك عن �صـيرورة االتعـقيدات‬
‫العوائق التي تندرج �ضمن جمالية‬ ‫تت�شكل دائما بح�سب الأهمية و الأولويات‬ ‫التي تواكب العملية الإدراكية في غياب‬
‫التجاوب و مح�سنات التلقي الب�صـري‬ ‫النقدية» (‪ .)31‬مع تحديد موا�صفات‬ ‫مرجعية الت�شكيل الب�صري‪� ،‬أومحددات‬
‫‪ ،‬وتخطي هذه الظروف يحقق لقوانا‬ ‫حوار الر�ؤية بتعبير "ناثان نوبلر"‪ ،‬و‬ ‫الإ�ستجابة للأ�شكال الب�صرية في ظل‬
‫الإدراكية خ�صو�صية الممار�سة الحقة‬ ‫ال�س�ؤال المطروح ‪ :‬ما هي حدود هذه‬ ‫منجزات التحليل النف�سي والدر�س‬
‫لطبيعة الأ�شكال الب�صرية ‪ « ،‬وقد اهتم‬ ‫الحوارية الب�صرية من منظور النقد‬ ‫التاريخي المت�صل بجمـاليات الإرث‬
‫علماء الج�شطلت بالعالقة بين الإدراك‬ ‫الفني العربي ؟‬ ‫الفني و غيرها من الإ�سهامات التي‬
‫و التعبـير وقال �أرنهايم ‪� « :‬إن التعبير‬ ‫لقد �أخذ النقد الفني العربي‬ ‫التكتفي باعتبار هذه المهارات الإدراكية‬
‫هو لغة الفن و في مو�ضع ثان �أكـد �أنه‬ ‫نزوعه نحو التبرير المتعالي ‪ ،‬واعتماده‬ ‫مجرد ملحقات للن�شاط الفني ‪.‬‬
‫من دون ازدهار التعبير الب�صري‬ ‫على ذائقة ب�صرية مبتورة الحوا�س‬ ‫�إن الوحدة الجمالية في مثل حاالت‬
‫الت�سطيع �أي ثقافة �أن تن�شط على نحو‬ ‫‪،‬وانف�صال النخبة الناقدة عن �آليات‬ ‫التنظيم ال تعتمد التعقيدات المرموز‬
‫�إبداعي»(‪.)33‬ومن ثم جاءت مفا�ضلة‬ ‫المرجعية الفنية ‪.‬واهتبالها لفل�سفة‬ ‫�إليها في كثير من المرجعيات‪،‬بل قد‬
‫ال�شكل على الم�ضمون في محاورات‬ ‫من المعارف الن�صية في طروحاتها‬ ‫ت�ستقي وحدة نظامها من تقنية المماثلة‬
‫�أفالطون ‪.‬‬ ‫الفنية �أوتنظيراتها الأكاديمية‪ .‬كما‬ ‫و التطابق والتنويع وهي �إحدى موا�صفات‬
‫ولئن كان �أفالطون في محـاورات‬ ‫يرجح الناقد "محمد نور الدين �أفاية"‬ ‫ا�ستنـباط المعنى لدى الم�شاهد ‪ ،‬ذلك‬
‫فيدرو�س التي طرحها على ل�سان‬ ‫كفة عدم احت�ضان الح�سا�سية النقدية‬ ‫�أن امتالك هذا الإجراء من منظور‬
‫�سوقـراط قد نبه �إلى الجمالية المعرفية‬ ‫العربية للعمل الت�شكيلي في �ضوء‬ ‫التنظيم الجمالي لدى المتلقي يرادف‬
‫من خالل ترغيبه في المحاورة �إلى‬ ‫الم�سارات الجمالية ذات البعد التوا�صلي‬ ‫« �صعوبة تتحدى الناظر لكي ي�شركه‬
‫تغليب خ�صائ�ص ال�شكل على الم�ضمـون‬ ‫ك�إ�ستراتيجية التلقي‪.‬‬ ‫في التق�صي عن معنى ي�شعر �أنه موجود‬
‫كلغة وا�صفة للظواهر الجمالية �ضمن‬ ‫و�إذا كان المثقف العربي اليعثر على‬ ‫هناك في العمل» (‪ ، )30‬وهو النطاق من‬
‫منابع الر�ؤية الكلية لهما‪ ،‬المت�صفة‬ ‫متعه �إال داخل الكالم بتعبـير الفنان‬ ‫العنا�صر التي ت�ؤ�س�س للمهارة الفنية التي‬
‫بالإ�شباع و ان�سجام �أنظمته‪.‬‬ ‫"محمد القا�سمي"* ف�إن ثقافة الإن�شادي‬ ‫تحتكم �إلى الإثارة الجمالية با�ستنـطاق‬
‫و على �ضوء منجزات التحليل‬ ‫التي غلبت على ثقافة الت�صويري ت�ضرب‬ ‫الأثر الفني و ا�ستنباط معناه من‬
‫النف�سي الج�شطلتي ن�ستطـيع �أن ن�ستثمر‬ ‫بجذورها في الحقل ال�شفوي للمنظومة‬ ‫بين احتماالت جمة ق�صد ا�ستجالب‬

‫‪89‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫رون مويك‪.‬‬

‫‪ -2‬القالب ‪ :‬بالطريقة نف�سها تقدم‬ ‫الجمالي فاعلية تطور اال�ستـطرادات‬ ‫خال�صة التو�صالت الح�سية حيث‬
‫القوالب مفهوم العادة التكرارية في‬ ‫الإدراكية التي تعتبر« ذات �أهـمية‬ ‫ح�صرت عوائق الإ�ستجابة التي خل�صت‬
‫تب�سيـط ا�ستجابتنا للمدركات الح�سية‪،‬‬ ‫للن�شاطات الن�سقية‪ ،‬فبا�ستطاعتها منعها‬ ‫�إليها الباحثة الأمريكية لورا ت�شابمان‬
‫فالقالب اليقدم منظومة اعتيادية‬ ‫من ر�ؤية العديد من الفوارق الب�صرية‬ ‫‪ Laura Chapman‬من منظور الأمية‬
‫خال�صة لل�صورة المنظور �إليها‪ ،‬فهو‬ ‫التي ي�صعب �إدراكها و التي ت�ساعد في‬ ‫الب�صرية في العقبات التالية ‪:‬‬
‫بقدر ما يحفزنا على ا�ستكناه �أحكام‬ ‫ت�شكيل م�شاعرنا» (‪ ،)34‬وهذا ما طمحت‬ ‫‪-1‬الإ�ستطرا ‪ :‬تتمحور‬
‫م�سبقة �أو مرج�أة ف�إنه « عند ا�ستجابتنا‬ ‫�إليه الإ�ستجابة بالإدراك ككلية متكاملة‬ ‫الإ�ستطرادات على تغليب الميول‬
‫للفن والبيـئة الب�صرية يجب‬ ‫ولي�س كتحديد لقيمة الجزئية‪«.‬لذلك‬ ‫الإدراكية التي ت�شكلت �أثناء المرحلة‬
‫علينا غالبا ت�أجيل �أو تعليق الحكم‪،‬‬ ‫ف�إن قدرتنا على تخطي اال�ستطرادات‬ ‫الطفلية عبر مفهوم التنظيم الذي‬
‫وتحمل الغمو�ض‪ ،‬والكف عن المالزمات‬ ‫الإدراكية تعتبر �أ�سا�سية لوعي �صاف‪.‬‬ ‫يحدد المزايا الكلية وتجنبنا للوقوع في‬
‫الم�ألوفة » (‪ )36‬في مواجهات تجارب فنية‬ ‫وحيوي في المحتوى الفني »(‪.)35‬‬ ‫المرجع الفارغ ‪ ،‬وتر�سخ في المدرك‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪90‬‬


‫الدينية و المازارات في مواقعها ‪ ،‬ف�إن‬ ‫التف�ضيل الجمالي �إغناء التجربة‬ ‫جديدة وفريدة من التعبير الج�شطلتي ‪.‬‬
‫زيارات ميدانية للمتاحف والتماثيل المبثوثة‬ ‫الجمالية بالف�ضول والإطالع‪-4،‬‬ ‫التحيز ‪ :‬ت�أتي التحيزات الإدراكية‬
‫في الحدائق العمومية ومدار�س الفنون‬ ‫ق�صد تح�سين ا�ستجابتنا للعمل‬ ‫ك�سند للعملية التكرارية و الإعتيادية‬
‫الجميلة �أمر ال مندوحة منه حيث ن�ستطيع‬ ‫الفني‪ .‬غير �أن افتقار خلفية المعلومـات‬ ‫لمنظومة الأ�شكال‪-3‬‬
‫�إدراك خ�صو�صيات الحجم اللون والم�ساحة‬ ‫الفنية لمدركاتنا الح�سية ‪ ،‬تت�ضارب و‬ ‫الب�صرية ‪،‬‬
‫والن�سخ الأ�صلية للوحات الأ�صلية التي عليها‬ ‫القيم المحددة �سلف ًا كمهـارات معرو�ضة‬ ‫ال�سيما �إذا كان انتقالنا للعمل الفني‬
‫تقنية اال�ستعادة واال�ستن�ساخ التقني الذي ال‬ ‫على �شا�شة الأ�شكـال الب�صرية ‪ .‬و تح�ضر‬ ‫انتقائي ًا ب�شكل ال يتفق مع تحيزاتنا‬
‫ينفي عنها الإح�سا�س بالقرب والمبا�شرة‪.‬‬ ‫الخلفية الفنية كمرجع ثقافي يعيننا على‬ ‫ال�سابقة « لذلك من ال�ضروري القيام‬
‫ولعل مقولة توما�س مونرو ‪THOMAS‬‬ ‫فهم الأطر االجتماعية لتاريخ الفنون في‬ ‫بفعاليات �إدراكية تمتاز بحد �أدنى من‬
‫‪ «: MUNRO‬المتحف قاعدة للتربية‬ ‫الزمان و المكان‪،‬‬ ‫التحيزات (�أو الأحكام الم�سبقة) قدر‬
‫الفنية »بمثابة التنظير النف�سي والمادي لفك‬ ‫و من ثم تحديد خ�صائ�ص هذ ا‬ ‫الم�ستطاع عند مواجهة الأعمال الفنية‬
‫العزلة عن منظومة الأ�شكال الب�صرية التي‬ ‫ال�شكـل المنجز وفق القراءة ال�سياقية‬ ‫»(‪ .)37‬وهو ما يف�سر لنا عدم اندها�شنا‬
‫نراها و ال ن�ستطيع التعبير عنها �أوت�أويلها ‪،‬‬ ‫ِل�س َير و �أعمـال الفنانين ومنظومة‬ ‫لر�ؤية بورتريه الأمير عبد القادر ‪-‬‬
‫لأن اال�ستجابة مرهونة ب�أفق تلقي �إ�سمه «‬ ‫�أ�سلوبياتهم التي عادة ما تحفل‬ ‫المتداول ‪ -‬في برنو�سه الق�شيب و‬
‫الأمية الب�صرية » ‪.‬‬ ‫بم�ساجالتهم النقدية ‪.‬‬ ‫نيا�شينه المر�صعة و لحيته الكثة وعيناه‬
‫وفي حالة التماهي مع معوقات‬ ‫‪ -5‬توافر ال�شرط المادي والنف�سي‪:‬‬ ‫ال�سوداوان ويده على مقب�ض �سيفه ‪ ،‬كل‬
‫الأمية الب�صرية ومدى ا�ستجابة المتلقي‬ ‫�إن توافر القـابلية النف�سية والمـادية ي�ص ّعد‬ ‫هذه الجزئيـات ال تلتب�س علينا في كليتها‬
‫لطروحاتها‪ ،‬ق�صد �إ�شباع الت�أويالت‬ ‫من درجـات اال�ستجابة للعمل الفني ‪ ،‬فالعوز‬ ‫�إذا ما قدم لنا بورتريه الأمـير في بذلة‬
‫النف�سية بمجرد �إ�ضفاء الدليل الب�صري ‪،‬‬ ‫المادي و الحرمان النف�سي ي�سهمان في‬ ‫�إفرنجية من (ق ‪ )18‬مغايرة لمنظومة‬
‫الذي يفجر فينا رغبة الإح�سا�س بهويتنا‬ ‫بلورة خ�صائ�ص ال�شكل الب�صري من زاوية‬ ‫اال�ستطرادات الح�سية التي �سبق الت�آلف‬
‫الجمالية‪ ،‬و هو ما ت�شير �إليه التو�صالت‬ ‫الإدراك الح�سي ‪ ،‬فكما ينبغي معاينة الآثار‬ ‫معها و التحيز لها ‪.‬‬
‫الح�سية في الجدول الآتي ‪:‬‬ ‫المعمارية كالأهرامات والعمائر‬ ‫عجز الخلفية الثقافية‪ :‬ي�ستدعي‬

‫اللم�س‬ ‫الفراغ‬ ‫احلركة‬ ‫الإ�ضاءة‬ ‫املوقع‬ ‫احلجم‬ ‫اخلط‬ ‫اللون‬ ‫ال�شكل‬


‫لي‬ ‫عميق‬ ‫ن�شطة‬ ‫�صناعية‬ ‫قريب‬ ‫�ضخم‬ ‫دقيق‬ ‫�أ�سا�سي‬ ‫هند�سي‬
‫ناعم‬ ‫�سطحي‬ ‫�ضعيفة‬ ‫طبيعية‬ ‫بعيد‬ ‫�صغري‬ ‫عري�ض‬ ‫ثانوي‬ ‫معقد‬
‫خ�شن‬ ‫فارغ‬ ‫�إيقاعية ع�شوائية‬ ‫خافتة‬ ‫فوق‬ ‫ثابت‬ ‫م�ستقيم‬ ‫داكن‬ ‫مركب‬
‫�ساخن‬ ‫ممتلئ‬ ‫منفتحة‬ ‫�ساطعة‬ ‫حتت‬ ‫متغري‬ ‫منحني‬ ‫حار‬ ‫حلزوين‬
‫بارد‬ ‫وا�سع‬ ‫منغلقة‬ ‫معتمة‬ ‫ي�سار‬ ‫طويل‬ ‫متك�سر‬ ‫�شفاف‬ ‫خطي‬
‫رطب‬ ‫�ضيق‬ ‫�صاعدة‬ ‫ممت�صة‬ ‫ميني‬ ‫ق�صري‬ ‫متعرج‬ ‫دايفء‬ ‫دائري‬
‫جاف‬ ‫ممتد‬ ‫هابطة‬ ‫عاك�سة‬ ‫مركزي‬ ‫بارز‬ ‫�شاقويل‬ ‫نقي‬
‫مت�شعب‬ ‫حموري‬ ‫غائر‬ ‫خملوط‬

‫***‬

‫‪91‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫الم�صادر والمراجع‪:‬‬

‫ال�شرعية والإدانة ‪.‬مجلة الوحدة العدد‬ ‫‪à L’analyse structural des‬‬ ‫(‪)1‬محمد نور الدين �أفاية ‪:‬الت�شكيل‬
‫المزدوج ‪�71/70.‬ص ‪23.‬‬ ‫‪Récits in communication n8‬‬ ‫العربي و�أ�سئلة الثقافة (حوار مع محمد‬
‫‪voir‬‬ ‫(‪bertrand)27‬‬ ‫‪. ed : Seuil- Paris .1981. p.07‬‬ ‫القا�سمي)‪:‬مجلة الوحدة العدد المزدوج‬
‫‪vergely:‬‬ ‫‪LES‬‬ ‫‪GRANDES‬‬ ‫(‪)15‬هذه المقولة �صدّر بها �أحمد‬ ‫‪ 71 70/‬يوليو‪� /‬أغ�سط�س ‪1990-1991‬‬
‫‪INTERROGATIONS‬‬ ‫ر�ضا حوحو مجموعة ‪ :‬غادة �أم القرى ‪،‬‬ ‫(‪� )2‬أحمد يو�سف‪ :‬القراءة الن�سقية‬
‫‪ESTHETIQUE - P43‬‬ ‫الم�ؤ�س�سة الوطنية للكتاب ‪� 1983 ،‬ص ‪08‬‬ ‫ومقوالتها النقدية‪ ،‬دار الغرب ‪ ،‬وهران ج‬
‫‪142.‬ص ‪ 70/71‬مجلة الوحدة العدد‬ ‫(‪)15‬خليل بن الدين‪ :‬اللوحة الحروفية‬ ‫‪.1‬ط ‪� 2000-2001‬ص ‪38‬‬
‫المزدوج (‪)28‬‬ ‫العربية (حوار مع معا�شو قرور ) مجلة‬ ‫(‪)3‬مجلة الوحدة ‪� :‬ص ‪.138‬‬
‫‪� 80.‬ص ‪ 1 .1993‬النقد الفني ( �أبحاث‬ ‫كتابات معا�صرة العدد ‪44 :‬مج ‪11‬‬ ‫(‪ )4‬ملف �أمبرتو �إيكو‪.‬مجلة العرب‬
‫في النقد الفني) ت ‪ :‬د‪ .‬زياد �سالم حداد‬ ‫(جويلية ‪� -‬أوت ‪� ) 2001‬ص ‪.123‬‬ ‫والفكر العالمي‪ ،‬العدد ‪�05‬شتاء‪�. 1989‬ص‬
‫‪.‬دار المناهل بيروت ط (‪)29‬‬ ‫(‪)16‬برنار مايزر‪ :‬الفنون الت�شكيلية‬ ‫‪. 152‬‬
‫(‪)30‬ناثان نوبلر‪ :‬حوار الر�ؤية ‪ .‬تر ‪:‬‬ ‫وكيف نتذوقها ترجمة �سعد من�صوري‬ ‫(‪� )5‬سيزا قا�سم ‪ :‬حول بو يطيقا العمل‬
‫فخري خليل مر‪:‬جبرا ابراهيم جبرا‪.‬‬ ‫وم�سعد القا�ضي‪ .‬مكتبة النه�ضة‬ ‫المفتوح قراءة في«اختناقات الع�شق‬
‫الم�ؤ�س�سة العربية للدرا�سات والن�شر‬ ‫الم�صرية‪ .‬القاهرة ‪ .‬يونيه ‪� 1966‬ص‪.382‬‬ ‫وال�صباح » لإدوارد الخراط دار الأداب ‪،‬‬
‫بيروت ‪.‬ط ‪� 11 . 1992‬ص‪100.‬‬ ‫(‪)17‬المرجع نف�سه �ص ‪.383‬‬ ‫ط بيروت ط ‪� ،)1(1992‬ص ‪100‬‬
‫(‪)31‬النقد الفني ( �أبحاث في النقد‬ ‫(‪)18‬ح�سن عجمي‪ :‬معراج المعنى‬ ‫(‪ )6‬فكتور �شكلوف�سكي‪ :‬الفن باعتباره‬
‫الفني) ت ‪ :‬د‪ .‬زياد �سالم حداد �ص ‪77.‬‬ ‫‪ .‬مطبعة الم�ستقبل ‪�.‬صيدا ‪.‬لبنان‪ ،‬ط‬ ‫تكنيكا ‪.‬ترجمة ‪ :‬عبا�س التون�سي ‪.‬مجلة‬
‫* فنان مغربي يعد من القالقل الذين‬ ‫‪2001‬م‪1422/‬هـ‪� ،‬ص ‪101‬‬ ‫عيون المقاالت الدار البي�ضاء‪ .‬العدد ‪01‬‬
‫واكبوا ق�ضايا الحركة الت�شكيلية ممار�سة‬‫(‪)19‬برناد مايرز‪ :‬الفنون الت�شكلية‬ ‫‪�.1986 /3‬ص ‪99.‬‬
‫و تنظيرا وهو ال يقنع ب�صفة الفنان‬ ‫وكيف نتذوقها ‪�.‬ص ‪.384‬‬ ‫(‪�)7‬سيزا قا�سم ‪ :‬حول بوطيقا العمل‬
‫المحترف بل يقارب الراهن الفني من‬ ‫(‪)20‬مجلة الوحدة ‪ :‬العدد المزدوج‬ ‫المفتوح ‪�.‬ص ‪95.‬‬
‫داخل الحياة الت�شكيلية نف�سها وهو �صاحب‬ ‫‪( 81/80‬جويلية ‪�-‬أوت ‪�. )1990‬ص‪143.‬‬ ‫(‪� 95.)8‬سيزا قا�سم ‪ :‬حول بوطيقا العمل‬
‫مقولة الأمية الب�صرية ينظر الحوار‬ ‫(‪�)21‬إليا�س لحود‪:‬كاميرا �أيزان�شتانية‬ ‫المفتوح ‪�.‬ص ‪8‬‬
‫الذي �أجراه معه محمد نور الدين �أفاية‬ ‫لمجتمع الم�شهد‪.‬مجلةكتابات معا�صرة‬ ‫(‪ )9‬ملف ‪� :‬أمبير تو �إيكو‪ :‬مجلة العرب‬
‫‪ :‬الت�شكيل العربي و�أ�سئلة الثقافة مجلة‬ ‫العدد ‪( 47‬جوان‪-‬جويلية‪� )2000‬ص ‪05‬‬ ‫والفكر العالمي‪ .‬العدد ‪� 05‬شتاء ‪1989‬‬
‫الوحدة العدد المزدوج ‪70/71‬جويلية ‪-‬‬ ‫العدد‬ ‫الوحدة‪:‬‬ ‫(‪)22‬مجلة‬ ‫‪�.‬ص ‪.152‬‬
‫�أوت ‪� 1990‬ص ‪.133-146‬‬ ‫المزدوج‪( 80/81‬جويلية ‪�-‬أوت ‪.)1990‬‬ ‫(‪ )10‬د‪�.‬سامي مكارم‪ :‬الحالج في ما‬
‫(‪�)32‬أحمد يو�سف ‪ :‬عالم ال�صورة و‬ ‫�ص ‪. 139‬‬ ‫وراء المعنى والخط واللون‪ .‬ريا�ض الري�س‬
‫ثقافة العين ‪.‬مجلة العربي‪.‬ع‪� .491‬أكتوبر‬ ‫‪Bertrand‬‬ ‫‪vergely‬‬ ‫(‪)23‬‬ ‫للكتب والن�شر‪.‬لندن ط‪1989‬ص ‪82.‬‬
‫‪� 1999‬ص‪37.‬‬ ‫‪-LES‬‬ ‫‪GRANDES‬‬ ‫(‪)11‬الجرجـاني‪ :‬كتاب التعريفات‬
‫‪�)33( I N T E R R O G A T I O N S‬شاكر عبد الحميد ‪ :‬التف�ضيل‬ ‫‪ ،‬تحق‪� :‬إبراهيم الأبياري‪ .‬دار الكتاب‬
‫‪ ESTHETIQUE .ed MILAN‬الجمالي ( �سل�سلة عالم المعرفة ) ‪.‬‬ ‫العربي‪ .‬بيروت ط‪1996 ، 3‬م ‪ 1417‬هـ‪.‬‬
‫الكويت مار�س ‪� 2001‬ص ‪159.‬‬ ‫‪.1999.P55‬‬ ‫�ص ‪ 112‬المفردة رقم ‪.236‬‬
‫(‪)34‬د‪ .‬زياد �سالم حداد ‪ :‬النقد الفني‬ ‫(‪Ibid voir lamarge .p 54 )24‬‬ ‫الأبعاد‬ ‫يو�سف‪:‬‬ ‫(‪)12‬د‪�.‬أحمد‬
‫(‪� voir florence Begel LA-)25‬ص‪. 81‬‬ ‫ال�سو�سيوثقافية لنظرية القراءة‪ .‬مجلة‬
‫‪)35( PHILOSOPHI E DE L’ART‬المرجع نف�سه �ص ‪. 81‬‬ ‫عالم الفكر الكويتية العدد ‪ 3‬المجلد ‪30‬‬
‫‪)36( .COL MEMO ed.euil 1998 .p 49‬المرجع نف�سه �ص‪81.‬‬ ‫يناير ‪ -‬مار�س ‪�2002‬ص ‪. 177‬‬
‫(‪ )26‬د‪�.‬أ�سعد عرابي ‪ :‬النقد الفني بين (‪ )37‬م ن ‪� .‬ص ‪81.‬‬ ‫(‪R. Barthes: Introduction )13‬‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪92‬‬


‫لوحة للفنانة‪� ,‬سارة �شما‪.‬‬

‫‪93‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫مقال‬

‫فن الت�صوير ال�صيني!!‪..‬‬


‫يف ع�رص مينغ وت�س انغ ‪1644 _ 1368‬‬
‫‪Dynastie ming and Ts ing‬‬
‫( فن يقع يف اهتمام امل�ؤرخني و النقاد الأوروبيني )‬

‫د‪ .‬عبد الكرمي فرج*‬

‫لم يذكر �إال ر�سامين �أربعة من منطقة ( وومن ) ‪Wu-men‬‬ ‫رغم �أن الم�ؤرخين ال�صينيين ق ّدموا فن الت�صوير‬
‫و بع�ض الفعاليات الفنية الأخرى‪ ،‬و لم يتعر�ض للعدد الأكبر‬ ‫ال�صيني في ع�صر مينغ وت�س انغ باهتمام و تع ّمق‪ ،‬و لكنهم‬
‫من الفنانين الم�صورين و نا�سخي الأعمال الفنية المهرة في‬ ‫ربما يكونوا قد أ� ّكدوا على �أعالم فن الت�صوير دون التعر�ض‬
‫عهد �أ�سرة مينغ رغم الأهمية الكبيرة لوجودهم في خ�ضم‬ ‫�إلى مجمل التفا�صيل الهامة عبر �سجالت تاريخهم‪ ،‬و‬
‫الحراك الثقافي‪ ،‬الأمر الذي دعا بع�ض النقاد الم�ؤرخين‬ ‫خ�صو�ص ًا في فترة ازدهار منطقة (�سوت�شو ‪)Suzhou‬‬
‫الأوروبيين مثل‬ ‫في �أوا�سط عهد �أ�سرة مينغ تلك المنطقة التي ا�ستفادت‬
‫( ‪� ) Jean.A.Keim‬إلى �إعادة درا�سة ع�صر مينغ‪ ،‬و‬ ‫من تطورها االقت�صادي و مناخها الجاذب لكل الفعاليات‬
‫هو ما �سنذكره ب�شئ من الو�صف و التحليل بما يت�ضمنه من‬ ‫الحيوية في ذلك الوقت‪ ،‬و�أ�صبحت مركز ًا لالقت�صاد و‬
‫�إ�ضافات ربما تعيد �شيئ ًا من التوازن للع�صر المذكور ‪ ،‬مع‬ ‫الثقافة في الجنوب و تقدمت في �صناعة الغزل والن�سيج‪،‬‬
‫�إلقاء ال�ضوء على �إبداعات الت�صوير للعديد من الفنانين‬ ‫و اجتمع فيها عدد كبير من الخطاطين والر�سامين القامة‬
‫ال�صينيين الذين تركوا ب�صماتهم المميزة خالل فترة ما‬ ‫الحوارات حول المهارات و بيع الأعمال الفنية و ازدهرت‬
‫يقرب من ثالثة قرون دامت في رعاية �أ�سرة مينغ وت�س انغ‬ ‫ابداعات الر�سم و الخط ح�سب ما يورده ( ت�شو انغ جيايي‬
‫بناء على ما تقدم نقول �إن ع�صر ‪ /‬مينغ ‪ /‬هو ع�صر‬ ‫ونيه ت�شونغ ت�شنغ ) في كتابه ( الر�سم ال�صيني ‪ )..‬و فيه‬
‫*نحات و�أ�ستاذ‪ .‬عميد كلية الفنون الجميلة بجامعة ال�سويداء ‪.‬‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪94‬‬


‫‪ ,1696‬منظر‪,‬ت�شي كي‪ ,‬ع�صر مينغ‪.‬‬

‫‪95‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫‪, 1396-1435‬الكالب‪� ,‬سوان تي‪ -‬القي�صر الفنان‪ ,‬ع�صر مينغ‪.‬‬

‫الحوار و الن�شاط الفني في كل المراكز الثقافية الفنية في‬ ‫والدة �إبداعات الفنانيين ال�صينيين الذين ارتكزت‬
‫ال�صين و خ�صو�ص ًا في مدر�سة ‪ ( Wu‬وو ) التابعة لمنطقة‬ ‫�إ�ضافاتهم الإبداعية في فن الت�صوير على المنابع التقليدية‬
‫( وومن )‪.‬‬ ‫ال�صينية‪ ،‬و ج�سدوا �شخ�صية التراث ال�صيني الحقيقي‬
‫ظهر الفنان ( ليوكي ) ‪ Liu-Ki 1496 - 1576‬الذي‬ ‫باحترام �أعمال المعلمين القدامى و التعلم من ثقافاتهم‬
‫عرف في تلك الحقبة ب�شهرته الكبيرة كفنان م�صور‬ ‫الفنية و الفكرية المنطلقة من �أر�ضية ثقافية نظرية معتمدة‬
‫للق�صور و الزهور والحيوانات ‪ ،‬وقد انتهج الأ�سلوب‬ ‫على مبادئ و �أ�صول ‪ ،‬تلك التي كانت رموزها و فحواها‬
‫التزييني في ر�سومه و اكت�سب �أعماله الفنية �شهرة وا�سعة ‪،‬‬ ‫تنطلق من العقائد و التقاليد و البيئة ال�صينية ب�أر�ضها و‬
‫من ت�صويره اقتب�س الفنانون اليابانيون العنا�صر الزخرفية‬ ‫�إن�سانها و كل مكوناتها الحيوية و التاريخية‪.‬‬
‫و ا�ستخدموها في تزيين الحواجز الداخلية و الجدران في‬ ‫كان الدافع الأكثر فاعلية للن�شاط الفني و خا�صة‬
‫الفراغات المنا�سبة ( المثال رقم ‪. ) 1‬‬ ‫الت�صوير في تلك الحقبة و جود �أحد القيا�صرة‬
‫و ت�ستمر الإ�ضافات الفنية في حقبة مينغ وت�س انغ حيث‬ ‫‪� ( Suan - Te‬سوان تي ) ‪� 1435 - 1396‬شخ�صية‬
‫يظهر الإتجاه لجمع الأعمال الفنية الهامة و اقتنائها‪ ،‬وتكثر‬ ‫هامة ترعى الفن والأهم �أنه كان م�صور ًا جيد ًا مثال ( رقم‬
‫الدرا�سات حول الفن وحواراته و الثقافات النظرية المتعلقة‬ ‫‪ ) 2‬وقد حكم البالد خم�س ع�شرة عام ًا و في رعايته كثر‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪96‬‬


‫‪ , 1509-1427‬انتظار‪� ,‬شن ت�شو‪ ,‬ع�صر مينغ‪.‬‬

‫الإن�سانية و الحيوانية والنباتية ‪.‬و ُعرف الفنان ( وانغ هوي‬ ‫به و �صدرت المو�سوعات التي ت�ضمنت واحتوت كنوز التاريخ‬
‫) ‪ Wang huei 1632 - 1717‬م�صور ًا وا�سع الثقافة و متعمق‬ ‫الفني الما�ضي في البالد‪.‬‬
‫في فهم عنا�صره الت�صويرية ‪ ،‬ير�سم برقة و يقدم �إبداعه‬ ‫وجرى ت�سليط ال�ضوء كذلك على �أعمال الفنان ( تونغ‬
‫الهادئ الحالم بخ�صو�صية التدرجات الرهيفة في �ألوانه ‪،‬‬ ‫كي ت�شنغ ) ‪ Tung K"I czeng‬التي ركزت في م�ضمونها‬
‫وقد كان يتوق في �أعمال الت�صويرية �إلى ال�سير في م�سار‬ ‫على الفكرة �أكثر من الإح�سا�س ( مثال رقم ‪ ) 6‬وقد تركزت‬
‫الفنانين ال�صينيين القدامى دون �أن يقلدهم ( من �أعماله‬ ‫الإهتمامات الفنية نحو تنمية الفكر الفني الأكاديمي لتنمية‬
‫المثال رقم ‪ )12‬و ن�ضيف �إلى فناني هذه الحقبة الم�صور‬ ‫الحوار المنظم و ت�أهيل الأفكار والأبحاث الفنية‪ ،‬و برزت‬
‫( يون �شو ‪-‬ب انغ ) ‪Jun szu p'ing 1633 1690‬الذي ابتد�أ‬ ‫مدر�ستان ارتبطتا بحكم المناطق‪ :‬مدر�سة ال�شمال ومدر�سة‬
‫بمناظره الطبيعية و انتهى بر�سم الزهور (�شكل ‪. )13‬‬ ‫الجنوب‪ ،‬وفيهما نمت الإمكانات الأكاديمية‪ ،‬و ت�شكلت‬
‫افرز الحراك الثقافي والحوارات و التجارب الفنية‬ ‫مجموعات �أهلتها خبرتها لت�سمية �أكاديميين ومتمرنين‪،‬‬
‫الطموحة م�ستويات متميزة للفنانين‪ ،‬بع�ضهم زاد �شهرة و‬ ‫وبرزت �أفكار تتعلق ب�إدخال الحروف والكلمات ال�صينية و‬
‫�آخرون غابت �أ�سما�ؤهم ‪ ،‬وظهرت جماعة المهرة اليدويين‬ ‫�إدماجها في ت�أليف الت�صوير للمناظر الطبيعية المبهجة و‬
‫�أو محترفي �أعمال الن�سخ عن �أعمال الفنانين القدامى و‬ ‫المعبرة عن الأرا�ضي و الجغرافية ال�صينية بكل عنا�صرها‬

‫‪97‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫‪ ,1717-1623‬منظر‪ ,‬ع�صر مينغ‪.‬‬

‫وذهب �إلى الريف ليعي�ش مع �أعماله الفنية‪ ،‬وقد ا�شتهرت‬ ‫الذين تمكنوا من جمع مخزون فني كبير لأعمال الفنانين‬
‫�صور ُه ب�أنها تر�سم �أحداث ًا ملفتة عندما �صورت في خلفياتها‬ ‫ال�صينيين‪.‬‬
‫عنا�صر ورموز محملة بالدالالت و التعابير‪ ،‬وقد عرف‬ ‫وفي �إطار التجمعات الفنية التي وفرها المناخ ال�سيا�سي‬
‫بمهارته في �إخراج �صوره بتقنيات ت�صويرية بارعة‪ ،‬ولم‬ ‫و االجتماعي في حقبة �أ�سرة مينغ ت�شكلت مدر�ستان‬
‫يخف هذا الفنان ت�أثره بثقافة من �سبقوه من الفنانين‬ ‫جديدتان �إحداهما مدر�سة ‪(cze‬ت�شي) و مدر�سة ( وو )‬
‫ال�صينيين خ�صو�ص ًا �أولئك الذين تميزت �أعمالهم بالح�س‬ ‫‪ Wu‬التي �أ�شرنا �إليها و قد �أ�س�س المدر�سة االولى (تاي‪-‬‬
‫الباروكي الذي يج�سد الواقعية في �إيقاعاتها الرتيبة ( مثال‬ ‫ت�شين ) ‪ Tai-Tsin 1430 -1456‬الذي ابتعد عن البالط‬

‫‪ , 1707-1630‬منظر‪� ,‬شي‪-‬تي‪�-‬أو ‪ ,‬ع�صر مينغ‪.‬‬ ‫‪ , 1456-1430‬النهر‪ ,‬تاي ت�شين ‪ ,‬ع�صر مينغ‪.‬‬

‫احلياة الت�شكيلية‬ ‫‪98‬‬


‫‪� ,1576-1496‬سمكة ولوت�س‪ ,‬ليو كي‪ ,‬ع�صر مينغ‪.‬‬

‫انتهج بت�صويره الأ�سلوب التزييني ( مثال رقم ‪ )5‬وعبر‬ ‫رقم ‪� )3‬أما اتجاه مدر�سة (وو) ‪ Wu‬فقد مثله الفنان (‬
‫هذه المداخالت و التحليالت يمكن القول �أن فناني ع�صر‬ ‫�شن ت�شو ) ‪ szen czou 1427 - 1509‬الذي توجه نحو‬
‫مينغ وت�س انغ بذلوا مجهودات خا�صة جد ًا تدل على زمنهم‬ ‫الإرث الفني التقليدي المنبعث من ع�صر (�سونغ ) ‪sung‬‬
‫و تفردهم‪ ،‬وج�سدوا امتياز ًا وخ�صو�صية بحيث ال يمكن‬ ‫( المثال رقم ‪ ) 4‬و الذي يجمع تنوع ًا �إبداعي ًا ال تحيط‬
‫ت�صنيفهم ب�أنهم �أكاديميين ر�سميين وال متمرنين مثقفين‬ ‫بو�صفه العبارات‪.‬‬
‫وال ي�شبهوا الفنانين الأوروبيين الذين عملوا في �إطار‬ ‫ومن �أمثلة �أولئك الفنانين كان الفنان كيو �إنغ ‪Kieu -‬‬
‫المدار�س اليابانية‪ ،‬ه�ؤالء بالطبع لم يخلقوا فن ًا خارج ًا عن‬ ‫‪ eng‬الذي تميزت �أعماله في الفترة بين ‪ 1560 1522‬فنان‬

‫‪ ,1690-1633‬زهرة اللوت�س‪ ,‬ع�صر مينغ‪.‬‬ ‫‪ , 1682-1652‬كونغ هين‪ ,‬ع�صر مينغ‪.‬‬

‫‪99‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫‪� , 1560-1522‬صراع الديوك‪,‬كيو ‪-‬انغ ‪ ,‬ع�صر مينغ‪.‬‬

‫وفي الح�س الإن�ساني حتى في �أرجاء المنظر الطبيعي ‪ ،‬و�إ�سباغ‬ ‫الر�ؤية ال�صينية والمناخ ال�صيني ولكنهم �أكدوا في عمق‬
‫المعاني الروحية على عنا�صره و مكوناته نتو�صل �إلى تحديد‬ ‫انتمائهم خ�صو�صية مناظرهم و ابتعادهم عن المفاهيم‬
‫معالم تلك المرحلة الهامة التي ولدت في غ�ضون مخا�ص‬ ‫المعا�صرة التي ربما تلتهم ب�شكل ما الح�س الإنتمائي و‬
‫ثقافي امتد لأكثر من الفي �سنة‪ ،‬وقد �أبرزت هذه الحقبة‬ ‫المالمح المحلية ب�سبب هجومها االختراقي على كل القيم‬
‫التاريخية خ�صائ�ص هامة ووا�ضحة لإنتاج فنانيها تتمثل في‬ ‫الإرثية التقليدية‪.‬‬
‫درا�ساتها الواقعية وتقنياتها الت�صويرية البارعة و المتفوقة و‬ ‫وفي نظرة �شاملة على انجاز هذه المرحلة في ع�صر �أ�سرة‬
‫اتجاهها نحو الح�س التزييني المتجه ب�شكل ما نحو الب�ساطة‬ ‫مينغ في تاريخ الفن ال�صيني المتعدد الأحقاب و المراحل و‬
‫وانتمائها بامتياز لمناخها ال�صيني المتفرد‪.‬‬ ‫الت�أثيرات و المرجعيات و المنابع و التعمق في درا�سة الطبيعة‬

‫***‬

‫الم�صادر والمراجع‪:‬‬
‫‪70-‬دمشق ‪2004 -‬‬ ‫‪ 3-‬الحياة الت�شكيلية العدد‬ ‫‪) Traditional chines paintings ( 1 -‬‬
‫‪ 4-‬درا�سات الباحث الخا�صة ‪.‬‬ ‫‪chong zheng zhuang Jiayi and nie‬‬
‫( ‪sztuka chinska) Jean A.keim warsaw 1978‬‬ ‫‪2-‬‬

‫‪ 100‬احلياة الت�شكيلية‬
‫لوحة للفنان نعيم �شل�ش‪.‬‬

‫‪101‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫مقال‬

‫الر�ؤية الب�رصية‪..‬‬
‫يف احلداثة!!‪..‬‬
‫�سامر ا�سماعيل*‬

‫الثور ّية للتجربة الب�صر ّية كانت جزء ًا من جملة ظواهر ٍ‬


‫تبدل و‬ ‫�شك �أنّ الفترة المو�سومة بالحداثة �شهدت �صعودا‬ ‫ال ّ‬
‫تغـ ّي ٍر عميقة في المجتمع كظهور التيارات الفكر ّية والفل�سف ّية‬ ‫وتجليات جدل ّية‬
‫ٍ‬ ‫بتناق�ضات‬
‫ٍ‬ ‫ًجوهريا ً على مختلف الم�ستويات‬
‫و الإيديولوجية‪ ،‬و�صعود للتطور العلمي‪ ،‬و ت�شكل الأحزاب‬ ‫مغلفة بالوحدة‪ ،‬وقد رافق ذلك �صعود البرجوازية التي كان‬
‫ال�سيا�سية‪ ،‬والثورات الطالبية في �أوروبا حيث كانت هذه الفترة‬ ‫لها فيما بعد دو ٌر كبي ٌر في الت�أثير على الحياة المعا�صرة وعلى‬
‫حقيقي في المجتمع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ثوري‬
‫انقالب ّ‬‫ٍ‬ ‫م�ؤهلة �أن تقود �إلى‬ ‫الفاعلي ّة الفكر ّية والثقاف ّية في �أداء دورها‪ ,‬وقد كانت ذات‬
‫لقد �أعلن ( نيت�شه) ثورته على الدين و موت المقد�سات‬ ‫ح�ضور مم ّيز تجلى في الفل�سفة والأدب والفن‪ .‬و�إيديولوجيا‬
‫ثوري قاد ٍر على خلق منظومات‬ ‫الما�ضية التي تع ّد م�ؤ�شرا ً لتغ ّي ٍر ّ‬ ‫مخالف للر�أ�سمالية ا�ستندت في‬ ‫ٍ‬ ‫ً ت�شكلت المارك�سية كت ّيا ٍر‬
‫فكر ّي ٍة و�أخالقي ٍة جديدة لذلك كان (نيت�شه) يت�ساءل �إذا ك ّنا‬ ‫ق ّوتها على البروليتاريا لأجل تكوين فاعل ّية جماع ّية للثورة التي‬
‫بم�ستوى هذا الموت و �إذا كانت الحداثة جديرة بهذا العمل‪.‬‬ ‫تراجع ح�ضورها فيما بعد الحداثة ومع الح�ضور الجديد للثقافة‬
‫ال ريب في �أنّ تلك الفترة �شهدت مخا�ض ًا حقيقي ًا نتج عنه‬ ‫الأميركية حيث ت�أكدت الذاتية والفردية لي�صبح المجتمع‬
‫فنّ وليد ومختلف على الرغم من الأطر العقالنية التي بد�أت‬ ‫الر�أ�سمالي الآن �أق ّل فاعلية ًجماعية من ذي قبل ‪.‬‬
‫تنظم حياة �أوروبا على مختلف الم�ستويات‪ ،‬فالحداثة بعامة‬ ‫�إذ ًا من �سمات الر�أ�سمالية محاولتها �إلغاء الجدل والتنوع‬
‫مقترنة بالعقلنة كما ي�ؤكد( �آالن تورين) ** �أي �أن الـحداثة‬ ‫القائم على الوحدة كما حاولت �إق�صاء المارك�سية في تح�سين‬
‫تعـمل على خلق مجتمع عقالني‪.‬‬ ‫الو�ضع المعي�شي للعامل لإبعاده عن � ّأي بوتق ٍة �أيديولوجية وتم‬
‫في �إطار تلك الو�ضعية ت�شكلت التجربة الب�صرية الأوروبية‬ ‫تفعيل وتكري�س ما ي�سمى بـ(الثقافة الجماهيرية) * لإك�ساب‬
‫التي لم ت�أخذ �شكال ً توافقيا ً مع العقالنية في طروحاتها‬ ‫الفرد ثقافة �أفقية ال عمودية وعميقة‪.‬‬
‫الت�شكيلية وفي البع�ض الآخر جاءت كتعبير عن المو�ضوعية‬ ‫�إذ ًا منذ ظهور الحداثة كانت مح ّملة بالر�ؤى الثورية لتبديل‬
‫والعقالنية �إال �أنها ـ �أي التجربة الفن ّية ‪ -‬تتفق فيما بينها على‬ ‫الواقع وكانت مح ّملة ب�أحالم وطموحات �أكثر من حجمها‪ ،‬ن�ش أ�‬
‫الفني وقد قامت حركية الفن بما‬ ‫ّ‬ ‫قطع ال�صلة مع الما�ضي‬ ‫عن ذلك ر�ؤىً فنية تم ّردية ذات طابع عبثي ‪� .‬إنّ الح�سا�س ّية‬

‫*فنان ت�شكيلي‪.‬‬

‫‪ 102‬احلياة الت�شكيلية‬
‫‪103‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬
‫منحى �آخر نحو الخلق والإبداع‪ ،‬باتجاه التجريد و االهتمام‬ ‫فيه الأدب على ت�أ�سي�س المدار�س الفنية التي �أوجدت لغة فنية‬
‫بالخيال ( ال�سريالية ) هذا الخيال الذي تجذر في العقل‬ ‫ن�صفها (بالحداثة)‪.‬‬
‫الباطن و‬ ‫هذه اللغة ّتم الت�أكيد فيها على فعل اللغة ( �إن ال�شعر يطالب‬
‫الال�شعور هو ما عاد بالحداثة �إلى نقطة البداية حيث لم‬ ‫بالأولوية للغ ٍة بكمالها الممكن)‪ 2‬لذلك فالتجربة الفنية في‬
‫تجد م�ؤونة لال�ستمرار دون االرت�شاف من الما�ضي الموغل في‬ ‫الحداثة تعك�س داللتها عبر اللغة التي تغيرت وظائفها من حيث‬
‫القدم‪ ،‬حيث ينبعث بقوة في الحداثة الت�شكيلية‪.‬‬ ‫هي حالة �إن�شائية‪ ,‬تو�صيفية للواقع �أو و�سيلة للتعبير عنه لت�أخذ‬

‫‪ 104‬احلياة الت�شكيلية‬
‫المو�ضوعي للتجربة الأوروبية وعلى تالقح‬
‫ّ‬ ‫تط ّوره على الظرف‬ ‫�إذا كانت الحداثة بعامة (انت�شار منتجات الن�شاط العقالني‬
‫الثقافة الغربية مع الثقافات الأخرى‪ ،‬وهذا ما ع ّبد الطريق‬ ‫والتكنولوجي والإداري )‪ 3‬الذي �أبدل النظم ال�سابقة بنظم‬
‫لمرور الحداثة التي �شهدت بزوغها في فترة ما قبل االنطباعية‪.‬‬ ‫جديدة ف�إنها على الم�ستوى الت�شكيلي اهتمام جاد بما هو روحي‬
‫انتقاالت ب�صر ّي ٍة تبد أ� من االنطباعية وحتى التجريد الذي‬
‫ٍ‬ ‫عبر‬
‫ينحو في بع�ض ت ّياراته نحو ما بعد الحداثة‪ ،‬هذه االنتقاالت‬
‫ما قبل االنطباعية‬ ‫نى جمالية‬ ‫ت�ؤكد �صفة ها ّمة لها هي �أنها تعمل على هدم ُب ً‬
‫ب�صري ينمو‬
‫ّ‬ ‫نى جديدة وهي بمعنى �آخر ت�شك ٌل‬
‫�سابقة ل�صالح ُب ً‬
‫في الحياة ال ّريفية الزراع ّية يعي�ش الإن�سان مع الطبيعة‪.‬‬ ‫ب�صري �آخر‪ ،‬هذا الخلق والتطور‬ ‫ّ‬ ‫�شكل‬
‫في داخله رحم لوالدة ٍ‬
‫ي�شعر بنوع من االنتماء واالن�سجام معها‪� ,‬إ ّنه بمعنى �آخر داخلها‪,‬‬ ‫�أدى لح�ضو ٍر متنوع في الر�ؤى الب�صرية والمعرفية حيث ت�شكل‬
‫امتداد لها‪ .‬وقديم ًا كان الفنان يعتبر �أنّ الطبيعة هي المعلم‬ ‫في مجموعها ُكال ّ متنوع ًا ‪ .‬وفي هذا ال�سياق حاولت الحداثة‬
‫الأول وكما يقول �أنجر (عندما تجر�ؤون على التهجم عليها‬ ‫�أن تقطع �أوا�صر القربى مع الفن اليوناني وع�صر النه�ضة ومع‬
‫فك�أنما ترف�سون بطون �أمهاتكم)‪ 4‬هناك نوع من الدقة والأمانة‬ ‫الما�ضي الكال�سيكي للفن الغربي فقد �أ�صبح الما�ضي في �أحيان‬
‫في فنّ الت�صوير �أثناء المرحلة ما قبل الرومان�سية هناك حالة‬ ‫كثيرة مو�ضع رف�ض وازدراء حيث قطعت ال�صلة بجهود تلك‬
‫من االن�سجام كحالة الريفي المزارع‪.‬‬ ‫الفترة من تاريخ �أوروبا و�أ�صبح الفن كما يراه كاندن�سكي‪ :‬وليد‬
‫يف�سر تلك العالقة‬
‫في الحياة المدنية يحاول الإن�سان �أن ّ‬ ‫خا�ص ال يمكن تكراره‬ ‫ع�صره حيث كل فترة ثقافية ت�سفر عن فنّ ّ‬
‫لأ ّنه بد�أ يفكر بما يحيطه يحاول اكت�شاف ذاته وما حوله‪ ,‬فيبد�أ‬ ‫و�أي جهود تبذل لإحياء مبادئ فن ّية قديمة لن ّ‬
‫يتمخ�ض �إال عن‬
‫الفنان بالتفكير بالطبيعة �أكثر ونجد ذلك لدى الرومان�سية‬ ‫فن جهي�ض‬
‫التي يعبر عن �أ�سلوبها (ديالكروا) (�أن مهمة الفن لي�ست‬ ‫وفي ال�سياق نف�سه حاولت التجربة الت�شكيلية الأوروبية �أن‬
‫نقل الطبيعة �إنما التعبير عنها)‪ 5‬لذلك بد�أ الفنان يبحث في‬ ‫تقدم بناءات جديدة غير متكئة على الما�ضي عك�ست ع�صرها‬
‫الطبيعة عما ينا�سب انفعاالته يحاول ر�ؤية ذاته فيها وهذه‬ ‫وعبرت عن الراهن في نب�ضه المت�سارع مما �أدى �إلى طرح‬
‫الر�ؤية الرومان�سية للطبيعة دفعت بالخروج الحقيقي للفنان �إلى‬ ‫ب�صري جديد‬
‫ّ‬ ‫أ�شكال فني ٍة منبثق ٍة من قبلها‪ ,‬ومقدمة لفهم‬
‫� ٍ‬
‫الطبيعة و�إلى وعيها‪ .‬وهو بهذا المعنى يعك�س انتقال الفن �إلى‬ ‫لذلك فالحداثة بهذا المعنى حالة انبثاق وخلق م�ستمر اتك أ� في‬
‫مرحلة جديدة �إنه االنتقال من المرحلة الزراعية �إلى المرحلة‬

‫‪105‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫بتجلياته الب�صرية تمحور في اتجاهات فنية رئي�سية كالتكعيبية‬ ‫ال�صناعية‪� ,‬إنه انتقال من العالقة البكر مع الطبيعة �إلى العالقة‬
‫وال�سريالية والتجريد‪ ،‬وقد تم تطويرها �إلى �صياغات ب�صرية‬ ‫معها من وجهة نظر المدينة �إن اجتياح المدينة رافقه هروب‬
‫كثيرة وهي الآن ت�شكل تراكما للمعرفة الب�صرية القائمة‪ .‬تعك�س‬ ‫منها لذلك بد�أ المر�سم ي�شكل حالة ح�صار على الفنان الأمر‬
‫هذه المعرفة البعد الذاتي في ر�ؤيا الواقع وال ريب �أن ذلك البعد‬ ‫الذي دفع به نحو (الهواء الطلق) الذي كان ال بد منه لأنه هناك‬
‫بقدر ما هو مت�ص ٌل بالتجربة الجماعية �أو المحيطية بقدر ما هو‬ ‫ي�أتي الطلق‪.‬‬
‫منف�ص ٌل عنها‪ ،‬بعك�س التجربة الفنية عند الإن�سان البدائي حيث‬ ‫وهذه حالة ت�شكل بادرة نحو الحداثة وقد تجلت في هجرة‬
‫الفنان والإن�سان بخطى واحدة يعك�سان مفهومها الجماعي عن‬ ‫المرا�سم التي دعا �إليها( كوربيه) ويليه (مانيه) في لوحة‬
‫المحيط‪.‬‬ ‫(الغذاء على الع�شب) وهي عبارة عن رجلين يجل�سان مع امر�أة‬
‫�إنّ التجربة الذاتية للفنان المعا�صر تت�ضمن فهمه ومعرفته‬ ‫عارية في الطبيعة وهذه اللوحة كانت قد قوبلت �آنذاك بالرف�ض‬
‫الب�صرية التي ت�شكل الر�ؤيا الخا�صة به‪ ,‬فهو يمتلك حرية التعبير‬ ‫ال�شديد من قبل المجتمع‪ ,‬لأنها تحمل �إ�ساءة للأخالق وقد‬
‫عنها وهذا ما �أ�ضفى تنوع ًا للر�ؤى الت�شكيلية و�أحدث خروجا على‬ ‫قال مانيه حينها‪( :‬يظهر �أنه يجب �أن �أ�صور عارية ‪..‬ح�سن ًا‪...‬‬
‫�سلطة ال�سائد بو�صفه محاكاة خارجية للواقع لها نف�س المعنى‬ ‫�س�أ�صنع لهم عارية) ‪ 6‬وهذا القول يدعونا للتفكير‪� ,‬إنه الرف�ض‬
‫لأي راء‪ ،‬لذلك تم تهد يم هذا (ال�سائد) ل�صالح بناء يت�صف‬ ‫القابل للقبول لأنه يعك�س نوع ًا من التفهم لها بدليل �أنها قبلت‬
‫بالمحاكاة الداخلية للواقع والأ�شياء لأنه انتقال من ن�سق ت�شكيلي‬ ‫فيما بعد‪.‬‬
‫�إلى ن�سق �آخر‪،‬من الظاهر �إلى الباطن‪.‬‬ ‫�إن عالم المدينة دفع باتجاه البحث واالكت�شاف وتف�سير‬
‫عندما ترى �شيئ ًا يحدث ات�صال ب�صري معه تدركه ك�شكل‬ ‫الطبيعة والإن�سان لذلك ف�إن مونيه دعا لهذا االكت�شاف دون‬
‫ومعنى بمدلوله النف�سي الذي يختلف من �شخ�ص لآخر‪�،‬إن ر�ؤية‬ ‫مرجعية �أو تغليف ديني وهذه هي ال�شرارة الأولى لوالدة الحداثة‬
‫ال�شيء ب�شكله الظاهري فقط يلغي ما وراءه‪ ،‬بهذا يكون ال�شكل‬ ‫التي �أخذت االنطباعية قيادتها في تطورات مختلفة م�ستندة‬
‫الواقعي حاجب ًا لما وراءه‪ ،‬معيق ًا �أحيانا �أمام تج�سيد الحالة‬ ‫�إلى التجارب ال�سابقة عليها وقد تجلى التطور االنطباعي ب�شكل‬
‫االنفعالية والنف�سية لر�ؤية الفنان التي هي �أكثر من ال�شيء ذاته‪،‬‬ ‫محوري عند مونيه رائد االنطباعية وغوغان في الهروب نحو‬
‫وهذا ما عمل عليه الفن الحديث حيث �أ�صبح ال�شكل واللون‪،‬‬ ‫البدائية و�سيزان في الت�أليف وفان كوخ في التعبيرية ‪.‬‬
‫تعبير ًا يعك�س تجربة الفنان �أكثر مما هو تغليف ل�شكل معين‪.‬‬ ‫�إن هذه المرحلة التي دعوتها بما قبل االنطباعية هي التي‬
‫�إن حالة التخلي�ص والتجريد التي �سعى �إليها الفنان كانت‬ ‫دفعت بالعمل الفني نحو الحداثة التي �أحدثت التحوالت �سوا ًء في‬
‫على عالق ٍة بما يراه وفق �أ�سلوبية خا�صة وهذا ما �أدى �إلى ر�ؤيا‬ ‫بنية اللوحة ومادتها �أو في ال�شكل الفني وتعبيراته المختلفة‪,‬هذا‬
‫ذاتية تُخ�ضع العالم المو�ضوعي والواقعي لر�ؤية الفنان الذاتية‬ ‫التحول له م�سوغاته لأجل البحث عن ر�ؤيا ب�صرية مختلفة عن‬
‫�سوا ًء كانت هذه الر�ؤية ذاتية بطابع مو�ضوعي �أو بطابع داخلي‬ ‫الواقع الم�شخ�ص كما هو‪.‬‬
‫روحاني‪� .‬إن اللغة الت�شكيلية الحديثة في ابتعادها عن الواقع لها‬
‫معاييرها ال�شكلية والب�صرية التي جاءت باتجاهات مت�سل�سلة‪ ،‬كل‬
‫اتجاه يكمل الآخر‪ ،‬بمعنى �أن هناك خيط ًا لذاك التطور الت�شكيلي‬ ‫الر�ؤيا الب�رصية يف احلداثة الت�شكيلية‬
‫في الر�ؤيا تمحور في التعبير الذاتي والمو�ضوعي خالل انتقال‬
‫الفن �إلى المرحلة ال�صناعية‪ ،‬وقطع �أوا�صر القربى مع الطبيعة‬ ‫املعا�رصه‬
‫‪ -‬بمعنى �آخر‪ -‬خرج الفن من حالة االنتماء �إلى الطبيعة �إلى‬
‫حالة تف�سيرها‪ ،‬حيث �أ�صبح المحيط خا�ضع ًا ل�سيطرة الإن�سان‪،‬‬ ‫منذ ت�أ�سي�س الحداثة التي بد�أت مع االنطباعية (منعطف‬
‫�إنها الذات النامية التي تعيد قراءة الواقع مو�ضوعي ًا‪ ،‬كما عمل‬ ‫الفن الحديث) تو�ضحت تحوالتها ال�شكلية والت ّغير في البنية‬
‫�سيزان على االبتعاد عن تقلبات الذات االنفعالية ليقدم قراءة‬ ‫العامة لل�سطح الت�صويري‪ ,‬ويمكن القول �إن هذا التحول‬

‫‪ 106‬احلياة الت�شكيلية‬
‫�أخرى بديلة في جزر تاهيتي البدائية �أو االهتمام بما هو روحي عند‬ ‫مو�ضوعية لل�شكل غير مقطوعة ال�صلة عن �إيقاعاته الداخلية‬
‫(كاندن�سكي )‪� ،‬أو الخيال عند ال�سرياليين‪ ،‬وهي طرق مختلفة قادمة‬ ‫حيث قدم جد ًال بين طرفي الذات والمو�ضوع وهو بذلك قدم‬
‫من بيت الغربة باتجاه البحث عن الإن�سان فيما وراءه‪.‬‬ ‫منظومة جديدة للتفكير الب�صري �أ�س�ست عليه التكعيبية في‬
‫من هنا بد�أ الفن ال ينحو باتجاه محاكاة الواقع و�إنما باتجاه‬ ‫تجربتها �أما التجريدية فجاءت بتنوع في اتجاهاتها وقد �أم�سك‬
‫معالجته عبر لغة ت�شكيلية هدمت فيه الواقع وقدمت ر�ؤىً ب�صرية‬ ‫الفنان (موندريان) بالتجربة المو�ضوعية الم�ستقلة عن الذات‬
‫مختلفة تمتد �إلى ما هو خفي في الأ�شياء حيث ( لكل �شيء وجهان)‪.‬‬ ‫و�أم�سك الفنان (كاندن�سكي) بالتعبير عن الخلجات االنفعالية‬
‫الوجه العادي المعروف الذي يراه المرء عموم ًا والذي يراه النا�س‬ ‫والحالة الداخلية الذاتية للفنان وهذا ما عرف فيما بعد بمبد أ�‬
‫جميعا والوجه الميتافيزيقي والروحي الذي ال يراه �إال النا�س النادرون‬ ‫(ال�ضرورة الداخلية ) عند كاندن�سكي (وال�ضرورة الخارجية)‬
‫في لحظات التجلي والت�أمل الميتافيزيقي وعلى العمل الفني �أن يو�ضح‬ ‫عند موندريان‪.‬‬
‫ذلك ال�شيء الذي ال يظهر في �صورته المنظورة) ‪ .8‬فعندما ننظر‬ ‫�إن هذا الفهم الجديد للإن�سان والمحيط ب�صري ًا دفع بمركب‬
‫�إلى ال�شيء نعطيه �إح�سا�سنا‪ ,‬بمعنى �آخر ( �إن �أية �صورة تج�سد‬ ‫اللوحة نحو الحداثة التي �شكلت طرق ًا في الر�ؤيا عبرت عن التحوالت‬
‫واقعين)‪ 9‬واقعه المرئي المح�سو�س‪ ,‬وتجربتنا الذاتية التي تحمل‬ ‫الجوهرية في المجتمع وعن جمالية جديدة تجلت في البعد الرمزي‬
‫�إمكانية التخيل ‪ ,‬فال�صحراء بموا�صفاتها المرئية والفيزيائية واحدة‬ ‫والتعبيري والبدائي التي ت�شكلت في ن�سيج التطور الذي �سينه�ض‬
‫لكنها تبعث �إح�سا�سات مختلفة بين فرد و�آخر‪ ،‬والمبدع يت�أملها ب�شكل‬ ‫بالحداثة بدءا ً من غنائية االنطباعية وانتها ًء بالتجارب التجريدية‬
‫معمق �أكثر حيث ي�شكل منها ربما �شك ًال ب�صريا ً مختلف ًا عن وجودها‬ ‫مرور ًا بال�سريالية‪� ،‬إنها و�سائل وطرق ت�شكيلية تعك�س ر�ؤية ميتافيزيقية‬
‫الفيزيائي وهذا ما ينطبق على كل ال�صور والأ�شياء التي نراها ب�شكل‬ ‫في البحث عما وراء الأ�شياء‪ ،‬هو ك�شف وانتقال �إلى حالة ال�س�ؤال‬
‫يومي‪.‬‬ ‫والت�أويل‪� ،‬إنه فهم للواقع ال كما يبدو في ظاهرة �إنما في حاالته‬
‫�إن الر�ؤيا الب�صرية في الفن الحديث تتعدى وتتجاوز ال�شيء‬ ‫الداخلية‪ ،‬هذا التطور جاء مواكب ًا لتطور الأجنا�س الإبداعية الأخرى‬
‫بذاته‪ ,‬هي ر�ؤيا حاملة لت�أمل و�إدراك �أبعد مما نت�صور‪�,‬إذ لم تكن‬ ‫وللتطور الفكري والفل�سفي الذي �شهده العالم المعا�صر في تغير‬
‫النتاجات الإبداعية للحداثة �سوى نتاج لت�أمل عميق وعمل في الر�ؤيا‬ ‫الكثير من الثوابت في فهم المحيط والعالم و�أ�صبح الإن�سان محاط ًا‬
‫غائر في العقل الباطن وهذا ما يف�سر �إدراك (كاندن�سكي) ب�أن ال�شكل‬ ‫ب�أ�سئلة الكون معاد ًا �إلى غربته وقلقه �إذ (حالما ي�ضطر الفن لأن يعبر‬
‫المادي �أ�ساء للوحته‪ ,‬لأن الواقعية بهذا المعنى قد تحجب الر�ؤيا ومن‬ ‫عن الخوف يتوجب عليه �أن يف�صل نف�سه عن المثال الكال�سيكي)‪7‬‬
‫ثم المعرفة لذلك من هنا ن�ش�أت ال�ضرورة لتحطيم البنية التقليدية‬ ‫وبالتالي يتوجب عليه الخو�ض في الالمرئي وخلق عوالم بديلة‬
‫للوحة بغية البحث عن المجهول والغام�ض والك�شف عن الإن�سان‪.‬‬ ‫للواقع بت�صوراته المرئية لذلك بحث ( غوغان ) و ك�شف عن عوالم‬

‫***‬
‫الهوام�ش‪:‬‬
‫‪ 1-‬نقد الحداثة‪ ,‬الق�سم الأول‪� ,‬آالن تورين‪-‬ترجمة �صياح ‪ 5-‬نف�س الم�صدر‪،‬‬
‫�ص‪11‬‬
‫‪ 6-‬نف�س الم�صدر‪،‬‬ ‫الجهيم‪� ,‬إ�صدار وزارة الثقافة ال�سورية �ص ‪.135‬‬
‫‪ 2-‬ما الحداثة ‪ -‬هنري لوفيفر‪ ,‬ترجمة كاظم جهاد ‪,‬دار ابن ‪� 8-‬سيكولوجية العقل الباطن‪ ،‬كارل يونغ‪ ،‬ترجمة عبد الكريم‬
‫نا�صيف‪� ،‬إ�صدار دار منارات للن�شر‪� ،‬ص ‪248‬‬ ‫ر�شد ‪� 1983‬ص‪23‬‬
‫‪ 8-‬نف�س الم�صدر �ص‪.232‬‬ ‫‪ 3-‬نقد الحداثة �ص‪.15‬‬
‫‪ 4-‬االنطباعية‪� ،‬سليمان قطاية‪ ،‬ا�صدار وزارة الثقافة ال�سورية ‪ 9-‬الفن وال�شعور الإبداعي‪ ،‬غراهام كوليير‪ ،‬ترجمة منير‬
‫�صالحي اال�صبحي‪ ،‬ا�صدار وزارة الثقافة ال�سورية‪� ،‬ص ‪127‬‬ ‫عام ‪� ،1973‬ص‪7‬‬

‫‪107‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫مقال‬

‫الإ�ست�رشاق يف الفن (بني الواقع و املتخيل)‬


‫ومن اللوحة �إىل الفوتوغراف!!‪..‬‬
‫نزار �شاهني*‬

‫وخا�صة مدينة البندقية ‪ .‬التي ُ �أخذت بالأزياء التركية والأ�سلحة‬ ‫الإ�ست�شراق بمعناه الأكاديمي هو مفهوم وا�سع ي�شمل الفن‬
‫ال�شخ�صية والخناجر المر�صعة وال�سيوف المقو�سة ذات المقاب�ض‬ ‫والفل�سفة والأدب والمو�سيقى والعمارة وجوانب �أخرى وكل مفهوم‬
‫المحفورة بالزخارف والمزينة بالأحجار الكريمة وهذا ماحدى‬ ‫من هذه المفاهيم يحتاج لدرا�سة م�ستفي�ضة و�سنتعر�ض في‬
‫بالفنا ن البندقي(جنتيلي بلليني ) �أن يرحل �إلى الق�سطنطينية‬ ‫درا�ستنا هذه للأ�ست�شراق من �أكثر من جانب‪ .‬ت�أثر الم�ست�شرقين‬
‫فر�سم بور تريه لل�سلطان محمد الفاتح و بع�ض اللوحات التي ن�سبت‬ ‫الغربيين الذين زاروا ال�شرق من خالل البعثات �أو من خالل‬
‫له مثل لوحة ‪ -‬ا�ستقبال �سفير البندقية في القاهرة ‪ -‬وقد تنوعت‬ ‫التب�شير �أو ب�شكل فردي بهذه المفاهيم‪ .‬فمنهم من در�س ال�شرق‬
‫�آراء الم�ست�شرقين في �إظهار ال�شرق ح�سب المفاهيم التي تكونت‬ ‫ب�شكل ا�ستعالئي واعتبر ال�شرق منطقة بغاية التخلف والقذارة‬
‫لديهم‪ .‬و�سن�ستعر�ض �آراء بع�ض الم�ست�شرقين �سلب ًا و�إيجاب ًا قبل �أن‬ ‫ويحتاج �إلى �سنوات من ا لتح�ضر واعتبر الدين الإ�سالمي �سبب ًا‬
‫نتعرف على عالقة الأ�ست�شراق بالفن ‪.‬‬ ‫مهم ًا لهذا التخلف‪ .‬ومنهم من در�سه بعيد ًا عن التع�صب والحكم‬
‫يقول ( لوي�س برتران ) بعد زيارته لل�شرق في كتابه ( ال�سراب‬ ‫الم�سبق‪ .‬و تعبير م�ست�شرق (‪ ) orintalis‬ظهر في �أوربة في نهاية‬
‫ال�شرقي ) ‪ .‬ال�شرق �إنكم ال تعلمون حقيقته �إنه القذارة وال�سرقة‬ ‫القرن الثامن ع�شر �أما الأ�ست�شراق((‪ orintalism‬بمفهومه العام‬
‫واالنحطاط واالحتيال والق�سوة والتع�صب والحماقة ‪� ..‬إني �أكره‬ ‫فقد ورد في العام (‪ ) 1838‬م في قامو�س الأكاديمية الفرن�سية‪ .‬وقد‬
‫ال�شرق وال�شرقيين �أكره �أولئك المعتمرين الطرابي�ش والمتهللين‬ ‫بد أ� مفكروا الغرب المتع�صبين حملة كبيرة عبر كتبهم وم�ؤلفاتهم‬
‫بال�سبحات ‪..‬‬ ‫�سوا ًء الذين زاروا ال�شرق �أو الذين بنوا �أفكارهم ب�شكل تع�سفي وهم‬
‫يقول �شاتوبريان ‪� ( :‬أنت في ا�ستنبول ل�ست بين �شعب بل بين‬ ‫قابعون في �أماكن �إقامتهم فتم تحقير الثقافة العربية والتركيز على‬
‫قطيع من الغنم يملك ال�سلطان مقاده ويتولى جنود الإنك�شارية‬ ‫م�شهد التخلف والعنف والتع�صب و�صورت المر�أة ك�سلعة جن�سية‬
‫ذبحه وال متعة للقوم �إال في المجون وال جزاء ينتظرهم غير الموت‬ ‫وو�ضع ج�سدها تحت الأنظار‪ .‬وقبل �أن يبد�أ الأ�ست�شراق كانت‬
‫وقد ت�ستمع ل�صوت عود ي�سري �إليك حزين ًا خافت ًا من �أحد المقاهي‬ ‫الق�سطنطينية قد �سقطت في �أيدي الأتراك في العام( ‪ ) 1435‬وبد�أ‬
‫‪ ,‬وتراهم جال�سين حول فتاة ترق�ص رق�صة مخزية وهم في حلقات‬ ‫الت�أثر با لمظاهر ال�شرقية بالولوج �إلى الدول الأوربية المجاورة‬

‫*م�صور �ضوئي ‪.‬‬

‫‪ 108‬احلياة الت�شكيلية‬
‫فردريك �أرثر‪.‬‬

‫‪109‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫كالقرود بينما يقوم ق�صر ال�سلطان بين الإ�صالحيات وال�سجون )‬
‫ويرى م�ؤلف روح ال�شرائع ( مونتي�سكو ) ( ‪ ) 1748‬م �أن (‬
‫الت�سلط يتالءم مع وا قع طبيعي في ال�شرق هو نتيجة للعامل‬
‫المناخي حيث يجد ال�شرقي نف�سه مهي�أ لال�ستعباد ‪ ) ..‬وقد ر�أى‬
‫( �أرن�ست رينان ) الم�ست�شرق الفرن�سي �أن هناك تمايز ًا في البنية‬
‫المعرفية للعقول بح�سب الأعراف حيث قال �أن العقل الغربي منذ‬
‫اليونان عقل �إبداعي مقابل العقل ال�شرقي الذي ال يجاوز دور‬
‫المحاكاة واال�سترداد ‪ .‬ويرى ( ما رميه ) �أن كل ما قيل عن ال�شرق‬
‫هو أ� وهام و�سرا ب ‪.‬‬
‫في الوقت الذي نرى فيه (جيرا رده نير فال ) يغاير‬
‫�شاتوبريان في و�صفه للأتراك ‪ .‬وقد غاير �أي�ض ًا الروائي والأديب‬
‫بيير لوتي (‪ )1923-1850‬م �أولئك المتعالين على النمط ال�شرقي‬
‫بع�شقه لل�شرق و�أن�صفه من خالل �أعماله الأدبية �إال �أ ن منهم‬
‫من قدم درا�سات نقدية من�صفة ومو�ضوعية ومنهم الأوربيون �أو‬
‫العرب مثل الم�ست�شرق الألماني ( يوهان ج‪ .‬را�سكيه ) ( ‪-1716‬‬
‫‪ ) 1774‬م و �أنور عبد الملك ومحمد �أراكون وجون ماكنوي‬
‫وروبرت �أكوين ‪ ,‬وقد ر�أى المفكر الفل�سطيني الراحل �إدوار �سعيد‬ ‫جان ليون جيروم‪:‬الحمام‪1885+ 1880,‬زيتية على قما�ش‪,‬في متحف‬
‫في كتابه (الأ�ست�شراق) �أن الأ�ست�شرا ق ابتداع غربي مت�أ�س�س‬ ‫الفنون الجميلة في �سان فران�سي�سكو‪ ,‬مجموعةميلدريد �آنا ويليامز‬
‫على نظرة دونية لكل ماهو �شرقي ويرى �أ ن الفن منتج تاريخي‬
‫خدم ال�سلطة اال�ستعمارية با لتوازي مع المنتج العلمي وقد حاول‬
‫علماء الأ�ست�شراق طم�س م�س�ؤوليتهم عن �إبراز حقيقة ال�شرق‬
‫كجزء من التاريخ الإن�ساني المعرفي وتم التركيز على الكونيالية‬
‫كمفتاح تنويري حمل �إلى ال�شرق مفاهيم الحداثة �إال �أن ذلك‬
‫كان كنوع من التجديف ولذا غامر بع�ض الم�ست�شرقين بك�شف‬
‫�أوهامهم ‪ .‬إ� ن هذا التطرف الم�صحوب بتع�صب وا�ضح �ضد كل‬
‫ماهو �شرقي يجلي وب�شكل ملحوظ مدى التحجر الذي و�صل �إ ليه‬
‫بع�ض الم�ست�شرقين الذين لم تكن المو�ضوعية هدفهم �أبد ًا وقد‬
‫ت�أكد �أن بع�ض الم�ست�شرقين كان لهم ارتباط بالحركة اال�ستعمارية‬
‫وقد تجلى ذلك عند (غو�ستاف دوغا ) و (جاك بيرك ) وقد ا‬
‫نبرى بع�ض المفكرين العرب لمهاجمة معظم الم�ست�شرقين ب�شكل‬
‫ابتعد عن المو�ضوعية �أحيان ًا �إال �أن( مونتي�سكو) �أدا ن كبقية بع�ض‬
‫المفكرين الفرن�سيين الحروب اال�ستعمارية �ضد �شعوب ال�شرق‬
‫وا�ضطهادها وتحطيم قيمها باحتالل �أرا�ضيها‪ .‬وقد ُ �شنت عليه‬
‫حمالت قا�سية من بع�ض المفكرين العرب‪ .‬نتيجة �آرائه بهذا‬
‫ال�صدد ونحن على خالف معه في �أن يكون المناخ هو �أهم �سبب‬
‫فريدرك �أرثر‪.‬‬

‫‪ 110‬احلياة الت�شكيلية‬
‫في تكوين طابع اال�ستكانة وقبول الظلم لدى ال�شرقيين‪.‬‬
‫�أخذ الأ�ست�شراق طابع ًا وا�ضح ًا في بداية القرن التا�سع ع�شر مع‬
‫بدء احتالل الدول الأوربية للعالم العربي وتفكيك الدولة العثمانية‬
‫والإ�ستيالءعلى بع�ض �أرا�ضيها وك�شفت حملة نابليون تحول الغرب‬
‫�إلى مخول لتدري�س ال�شرق ما يجب �أن يكونه ‪.‬‬
‫فبالرغم من المتعار�ضات التي �أثيرت حول حملة نابليون على‬
‫م�صر( ‪ ) 1801-1798‬فقد ر�أى ا �أ�ستاذ التاريخ الحديث والمعا�صر‬
‫في جامعة عين �شم�س الأ�ستاذ �أحمد زكريا ال�شلق �أن الحملة على‬
‫م�صر هي ( جزء من الأحالم الإمبراطورية لنابليون الم�سحور‬
‫بال�شرق والمت�أثر بكتابات الم�ست�شرقين ) وقد يكون �أحد الأ�سباب ‪.‬‬
‫ال�سير فرانك ديك�سي‪1892,‬زيت على قما�ش‪ ,‬جمعية الفنون الجميلة‪ ,‬لندن‪.‬‬ ‫طموحاته ال�شخ�صية �أو �أحالمه في �أن ينه�ض به من خالل العلماء‬
‫الذين ا�صطحبهم معه من كافة االخت�صا�صات ( الريا�ضيات‬
‫‪ -‬الكيمياء ‪ -‬الهند�سة المعمارية ‪ -‬هند�سة المناجم ‪ -‬الطب ‪-‬‬
‫الجغرافيا ‪ -‬الر�سم ‪ -‬النحت ‪ -‬الأدب ‪ -‬المو�سيقى‪ -‬فنيو طباعة‬
‫متخ�ص�صون بالمتفجرات ‪ ) ....‬وقد �شبه هذه المجموعة بكتيبة‬
‫غزو التقل �أهمية عن كتائب الجي�ش ‪ .‬حيث بلغ عددهم ( ‪) 175‬‬
‫عالم ًا ونظر�أ لل�شبهة التي نطلقها دوم ًا على كل ماهو غربي وو�ضعه‬
‫مو�ضع الإتهام فقد هُ وجمت حملة نابليون من معظم المفكرين‬
‫العرب على �أنها فقط حملة ا�ستعمارية الغاية منها الهيمنة على‬
‫ترا ثنا وح�ضارتنا دون �أن نعير �أي اهتمام لأي ايجابية ترافقت‬
‫مع ا لحملة فكتاب ( و�صف م�صر ) ب�أجزائه ال�ستة والذي �شارك‬
‫ب�إنجازه ثالثمائة عالم حول ح�ضارة م�صر الفرعونية ماهو �سوى‬
‫م�ؤامرة حاكها الفرن�سيون لطم�س ح�ضارتنا التي كنا عنها �ساهون‬
‫الهون ‪ .‬والمطبعة التي جاء بها نابليون معه هي جزء من الم�ؤامرة‬
‫‪......‬؟ ‪.‬‬
‫لقد بلغت عدد المخطوطات العربية والتركية والفار�سية في‬
‫فردريك �أرثر‬ ‫الربع الأخير من القرن التا�سع ع�شرفي مكتبة باري�س (‪)3500‬‬
‫مخطوط وبالت�أكيد ف�إن هذا العدد قد ت�ضاعف وهي م�صنفه‬
‫ت�صنيف ًا جيد ًا وقد ت�شعب اخت�صا�ص الم�ست�شرقين فمنهم من‬
‫در�س اللغة العربية وفقهها �أو الت�شريع الإ�سالمي �أو المو�سيقى‬
‫ب�آالتها وت�صنيفاتها وفنون الزخرفة والمنمنمات والطب والحكمة‬
‫‪ ..‬الخ ‪.‬‬
‫�إن التناق�ض في الحوار الذي يتم من طرف واحد له �صفة‬
‫الحكم الم�سبق والجاهز لرمي الآخر‬
‫باتهامات قد تكون من �صنع مخيلتنا التي تبحث عن الإثارة‬
‫�صورة فوتغرافية�ضمن الأ�ستوديو و هي محاكاة للوحات الأ�ست�شراق‪,‬‬
‫التقطت في نهايات القرن الثامن ع�شر‪.‬‬
‫‪111‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬
‫جون فائد‪ ,‬رجل يقاي�ض جارية بدرع‪,‬حوالي‪1860‬زيتية على لوح‪ ,‬مجموعة خا�صة‪.‬‬
‫الفن الكال�سيكي وكان �إر�ضاء الذوق الفني للنخبة واالغترا ف من‬ ‫من خالل �إبراز ال�صفات‬
‫مباهج الحياة �سبب ًا في �سيادة الألوان الزاهية وحلت الخطوط‬ ‫التي تدخل في �صلب محاكمة غير عادلة غاب عنها الطرف‬
‫الخفيفة محل الخطوط ال�صارمة والقوية وحلت المو�ضوعات‬ ‫المتهم‪.‬‬
‫الح�سية المثيرة في �أعمال فناني ( الروكوكو) ك�صور المحظيات‬ ‫وما يهمنا بعد هذه المقدمة هو عالقة الإ�ست�شراق بالفن‬
‫والغانيات والعاريات التي انت�شرت في ق�صور النبالء وفي هذا‬ ‫بحيادية غير م�ؤد لجة تخدم المعرفي فقط ‪.‬‬
‫الع�صر ( الروكوكو ) �أدخلت ال�صورة ال�شرقية �شك ًال وم�ضمون ًا في‬ ‫بد�أ �أول احتكاك معرفي بين ال�شرق والغرب بقيام عالقات‬
‫فن الت�صوير الأوربي وبد�أت نوع من الحمى ال�شرقية تجتاح حياة‬ ‫دبلوما�سية بين �شارلمان وهارون الر�شيد ولم يكن الفن الإ�سالمي‬
‫الق�صور وال�صالونات وبد�أت ن�ساء الق�صور من النبيالت وغيرهم‬ ‫قد �أخذ �صيغ ًا مدر�سية لها �أ�ساليب معتمدة بعموم الفن رغم �أنه‬
‫بالت�شبه بال�سلطانات ال�شرقيات بلبا�سهن ونمط حياتهن فهاهما‬ ‫لم يتعد القوالب الزخرفية والنق�ش والزرك�شة والزخرفة النباتية‬
‫مدام ( بومباردو ) ومدام ( دي باري ) محظيتا الملك لوي�س‬ ‫والهند�سية‪� ,‬إ�ضافة للأ�شياء الأ�ستعمالية التي �أخذت منحى الفنون‬
‫الخام�س ع�شر يقفن �أمام الفنان لير�سمهن كال�سلطانات وانت�شر‬ ‫التطبيقية كالنحا�سيات بمختلف �أنواعها و�أ�شكالها وال�سجاد‬
‫ر�سم البور تريه واللوحات الأ�ست�شراقية مثل ( ال�سلطانة ت�شرب‬ ‫والخ�شبيات المحفورة والأقم�شة والزجاجيات ‪.‬‬
‫القهوة ) و (ال�سلطانة و جواريها ) ( ال�سلطانة في الحديقة ‪....‬‬ ‫كان الفن في �أوربة يعي�ش �أزمته ( �أزمة روح ) وخا�صة في‬
‫�إلخ ) �إال �أن الفن خرج من �أزمته و حررته الثورة الفرن�سية و�أتاحت‬ ‫فرن�سا فهو كان ل�صيق البرجوازية الفرن�سية والإقطاع فعمت‬
‫للفنان التخل�ص من قيود الإقطاع والكني�سة وكان النزوع �إلى ت�أميم‬ ‫ال�سطحية فيه وتم االبتعاد عن الأ�س�س الجمالية التي قام عليها‬

‫‪ 112‬احلياة الت�شكيلية‬
‫جون فريدريك‪ ,‬حياة الحرملك‪ ,‬الق�سطنطينية ‪ ,1854‬مائية على ورق‪.‬‬ ‫جو�ستاف جان جيرنيوم‪.‬‬
‫�أتاح الإ�ست�شراق الفر�صة للفن الأوربي كي يخرج من �أزمته‬ ‫الآثار الفنية والمتاحف هدف ًا وكان الفنانون بحاجة �إلى موا�ضيع‬
‫فانطلق الفنانون يجوبون ال�شرق‬ ‫جديدة بعد ا�ستهالكهم لق�ص�ص الكتاب المقد�س ‪ .‬وت�صوير �أمراء‬
‫يبحثون عن �أحالمهم وخياالتهم في لوحاتهم فالر�سامان(‬ ‫الإقطاعيات ورجال الكني�سة ‪ .‬وقد �سبقت حملة نابليون ترجمة‬
‫ميللينغ ) و( بريزيوري ) لحقا( بليوتارد ) و( فينمو ر) �إلى تركيا‬ ‫كتاب أ� لف ليلة وليلة في �أوائل القرن الثامن ع�شر على يد الباحث‬
‫�أما ( لوي�س ودي نيرفال ) و( جيرمي وفلورا ن�س نايتنجيل ) فقد‬ ‫الفرن�سي ( �أنطوان غاالن) في العام ( ‪ )1704‬م ف�أ�ضرمت نيران‬
‫ذهبا �إلى م�صر‪ ,‬و( دي الكروا ) ذهب �إلى مراك�ش حيث اكت�شف‬ ‫الولع بال�شرق لتفتح بوابة الخيال �أمام نوع من ا ل�سرد المتخيل‬
‫تلك الألوان ال�صارخة وقد ت�أثر ببيوت طنجة و�شرفاتها ون�صاعة‬ ‫واال�ستمتاع الح�سي بالمحكي عن ن�ساء جميالت مع�شوقات من قبل‬
‫البيا�ض فيها ولما احتلت فرن�سا الجزائر زارها الفنان وكانت‬ ‫الأمراء وال�سالطين ي�شكلن وجبات من التلذذ ال تنتهي �إال لتبد�أ من‬
‫نتيجة زيارته لوحته الرائعة ( جزائريات في غرفتهن ) ( ‪1834‬‬ ‫جديد‪ .‬لقدا نتقل البهاء ال�شرقي �إلى �صميم الفنانين وبد�أت مرحلة‬
‫)وقد زارها العديد من الفنانين الفرن�سيين (كهورا�س فرنيه )‬ ‫من ( الأكزوتية ) �أي ال�شغف بكل ماهو غريب ت�أخذ بخياالت‬
‫الذي �صور �أ�سر قافلة الأمير عبد القادر الجزائري ولوحته موجودة‬ ‫الفنانين �أما حكايات ال�شرق الغام�ض ا ل�ساحر من خالل �ألف ليلة‬
‫في متحف فر�ساي ويبلغ طولها ثالثة وع�شرين مترا وقد نالت‬ ‫وليلة فقد فتحت الباب ليلج منه الأ�ست�شرا ق ويثبت مفاهيم قد‬
‫الإعجاب في �صالون باري�س ( ‪� ) 1845‬أما في الفنون الب�صرية‬ ‫تكون خاطئة حول ال�شرق وال�شرقيين �إال �أن نابليون بونابرت �أعاد‬
‫وبعد دخول الحرملك في م�ساحة الر�ؤية الفعلية �أو المحكية‬ ‫الفن �إلى القف�ص ليغرد با�سمه و�أطره ليخدم م�شاهد الحروب التي‬
‫فقد بات هناك مبررمالئم لر�سم العاريات الحالمات و�صارت‬ ‫خا�ضها ولي�سجل انت�صاراته الدامية وحتى الوهمية منها ‪.‬‬

‫‪113‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫الجواري رمز ًا للروعة ال�شهوا نية والغرائبية وتم اختالق الكثير‬
‫من الم�شاهد الب�صرية يلفها غمو�ض ح�سي فلوحة �إنغر (الجارية‬
‫الم�ستلقية ) (‪ )1814‬لم تكن بالمطلق جارية �شرقية و�إنما ج�سد‬
‫من ال�شمع وهو ت�شريح لج�سد امر�أة �أوربية م�ستلقية تولي ظهرها‬
‫للم�شاهد �أبرز الفنان �شرقيتها بعمامة ونارجيلة ومروحة بينما‬
‫ج�سدها الملفوف بخ�ضاب الرغبة برزت منه تف�صيالت تقول‬
‫ها �أ نا‪ .‬وهناك مجموعة من الم�صورين لم تغادر بالدها وكانوا‬
‫ي�سمون (( م�صوري المقاعد الوثيرة )) اقتب�سوا مو�ضوعا تهم من‬
‫مجموعة ال�صور المطبوعة كما فعل الر�سام الفرن�سي ( �آنجر ) في‬
‫لوحته الم�شهورة (الحمام التركي )‪.‬‬
‫عندما ظهر الت�صوير الفوتوغرافي كبديل ت�سجيلي للوحة‬
‫كانت �شركات الت�صوير تمار�س ن�شاطها في ال�شرق مثل �شركة (‬
‫بونغيها �آند �صن ) ثم �أنتجت �شركة (كوداك ) كاميرا محمولة‬
‫يمكن ا�ستخدامها ب�سهولة وما �إن حلت نهاية القرن التا�سع ع�شر‬
‫حتى قل�ص الت�صوير الفوتوغرافي ر�سم اللوحات الأ�ست�شراقية‬
‫وكان الفنان الإيطالي ( فو�ستو زونارو) ‪ 1939 -‬قد �أعاد ر�سم‬
‫ال�صور الفوتوغرافية التي التقطها في كل من الجزائر والقاهرة‬ ‫لودفيغ دوت�ش‪.‬‬
‫وا�سطنبول �سواء ً بالألوان الزيتية �أو المائية �أو الر�صا�ص وكان‬
‫( جان ليون جيروم ) قد قام برحلة �إلى تركيا ومن بعدها �إلى‬
‫م�صر وفل�سطين و�سوريا و�سيناء و�شمال �أفريقيا و قام ب�إعادة‬
‫�إنتاج ال�صور الفوتوغرافية بلوحات غاية في الدقة والإبداع وب�ألوان‬
‫جريئة وكانت التفا�صيل في اللوحة مذهلة وقد فتن بالحمامات‬
‫التركية فقد �أبدع م�شاهد منها ومن الحرملك ويبدو �أنه ا�ستقاها‬
‫من الروا يات المحكية عن هذا العالم الغام�ض ال�ساحر فن�سا�ؤه‬
‫الالتي يظهرن في لوحاته خلف �سديم الأبخرة في الحمامات هن‬
‫ن�ساء كامالت وك�أنه جلبهن من عالم يغ�ص بالرغبات التي يف�صح‬
‫عنها للتو وقد تنوعت موا�ضيعه لدرجة الت�سا�ؤل من �أين يت�أتى له‬
‫كل هذا الخيال لير�سم هذا العالم المليء حتى ب�أدق التفا�صيل‬
‫المحيرة والتي ال ت�ستطيع عد�سة الكاميرا التقاطها وقد بذل جهد ًا‬
‫م�ضني ًا لإبراز كل ماهو �شرقي من خالل التركيز على ما ين�ضح من‬
‫خياله لإعطاء �أي مو�ضوع تف�صيالته والتي يتفرد بها باقتدار ي�ؤخذ‬
‫بالح�سبان فلوحته المنفذة بالحفر الفوتوغرافي( الحمام الكبير‬
‫في ‪ -‬بور�صة‪ ) 1885 -‬ارتقى بها �إلى كل ماهو متخيل عن حمام‬
‫يعج بم�ستحمات عاريات غافالت عن المراقبة تطفح �أج�سادهن‬
‫باال�شتهاء ‪ .‬كانت م�صر قد خلبت لب �أوربا و�ألهبت خيال الأوربيين‬
‫�أنجي تي�سا�سر‪,‬جزائرية و عبدتها‪1860,‬زيت على قما�ش‪.‬‬

‫‪ 114‬احلياة الت�شكيلية‬
‫جان ليون جيروم‪.‬‬
‫ي�سعنا هنا ذكر جميع الفنانين الذين زاروا مراك�ش والجزائر‬ ‫وعندما تكللت بالنجاح جهود الم�صورين الفرن�سيين ( لوي�س جاك‬
‫وتون�س �أي دول المغرب التي خ�ضعت لالحتالل الفرن�سي‪.‬‬ ‫داجيري ) وزميله ( الفون�س جيرو ) في �إنتاج �أول �صورة فوتغرا‬
‫�أما لوحة ( موت �ساردا بال) فهي من �أهم لوحات الإ�ست�شراق‬ ‫فية عن طريق �آلة الت�صوير وذلك في العام (‪ )1839‬حتى كانت‬
‫المبكر ففيها كل العنا�صر ال�شرقية‬ ‫هذه الآلة في م�صر حيث تقاطر عليها مجموعة من الم�صورين‬
‫الفاتنة وقد �أجج دي الكروا الم�شاعر الب�صرية من خالل‬ ‫من ا�سطنبول �سواء المكلفين من ال�سالطين �أومن جاء على نفقته‬
‫التف�صيالت التي و�ضعها في اللوحة و الأج�ساد المترعة بالعافية‬ ‫الخا�صة �إ�ضافة �إلى الإيطالي ( كارلو نايا) واليوناني ( زنجا كي)‬
‫الجن�سية والملك الم�ستلقي تلتف حوله مجموعة من الجواري‬ ‫الذي كان غزير الإنتاج وقد ر�صد الحياة في المدن الم�صرية‬
‫وعند قدميه �أمته وهم بانتظار النار التي �ست�أتي عليهم وك�أنهم‬ ‫كالقاهرة والإ�سكندرية وبور �سعيد �إ�ضافة للعديد من الم�صورين‬
‫قرابين‪ .‬وقد حر�ص الفنانون على الإثارة لدعم مو�ضوعا تهم‬ ‫الأرمن والفرن�سيين‪ .‬وانت�شرت حمى الت�صوير الفوتوغرافي و�أبدع‬
‫وغدت �سوق النخا�سة مو�ضوع ًا �شائع ًا يتيح لهم عر�ض �أج�ساد‬ ‫في هذا المجال العديد منهم حيث قدموا �أعما ًال مناف�سة للوحات‬
‫الن�ساء عرايا �أو تحت لبا�س ي�شف عن جمال يعابث خيال الم�شتري‬ ‫الأ�ست�شراق‪ ,‬وهذا قل�ص رحالت الفنانين �إلى ال�شرق‪.‬‬
‫والرائي‪ .‬و�صار الحرملك م�صدر الهام للفنانين فراحوا يغرفون‬ ‫تعد الفترة مابين عامي(‪)1880-1840‬فترة ذهبية لفن‬
‫منه تاركين لخياالتهم ابتداع �أج�ساد تفي�ض بالرغبة والجمال‬ ‫الأ�ست�شراق وما من م�صور له من ال�شهرة مكان �إال وكان‬
‫ورغم �أن العديد منهم �صور الحياة اليومية ب�أ�شكالها �سوا ًء الأ�سوا‬ ‫م�ست�شرقا‪(.‬دي ال كروا وجيروم) من فرن�سا(مكارت) من‬
‫ق بما تحتويه من عر�ض لل�سلع �أو معاينتها من قبل الزبائن �أو‬ ‫النم�سا و (بريولوف) من رو�سيا و(هولمان هنت ) من بريطانيا‬
‫الحواري بنا�سها �أو الم�ساجد بهيبتها الروحية �أو الحياة اليومية‬ ‫و (فورتوني) من ا�سبانيا و (كافي وكور دوني) من ايطاليا ‪ .‬وال‬

‫‪115‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫جان ليون جيروم‪.‬‬ ‫جان ليون جيروم‪.‬‬
‫ال�شرق والغرب كما �أن تطور الت�صوير الفوتوغرافي قد‬ ‫في البيوت وطرز عمارتها وزخارفها والعبيد والإماء الذين ي�شغلون‬
‫�أوقف هجرة الفنانين ال�ستقاء موا�ضيعهم‬ ‫حيز ًا من الم�شهد فقد �أولى بع�ض الفنانين الدقة لنقل الم�شاهد‬
‫فعين الكاميرا باتت �أكثر توثيق ًا و�سهولة وبد�أت المجالت‬ ‫ب�ألوانهم ال�ساحرة والأزياء الملونة ب�شفافيتها الكا�شفة لما يمكن‬
‫الم�صورة (الل�ستريد لندن نيوز)الإنكليزية و(اللو�سترا�سيون)‬ ‫�أن يكون م�ستور ًا‪ .‬ولم يقت�صر الأمر على الم�صورين فقد بد�أ الأدب‬
‫الفرن�سية ومنذ العام (‪ )1850‬تطالع قرائها بال�صور‬ ‫يغرف من هذا المنهل كما المو�سيقى التي �أغنت الأوبرا بموا�ضيع‬
‫الفوتوغرافية عن ال�شرق وبد�أت ال�صاالت التي كانت تحتكر‬ ‫�شتى ولو �أردنا تعداد الأعمال الأدبية �أو الأوبرا ل�ضاق بنا المجال‬
‫�أعمال اال�ست�شراق (�صالون باري�س) ومعر�ض (الأكاديمية‬ ‫طالما �أن مو�ضوعنا في الأ�سا�س هو فن الت�صوير والأ�ست�شراق ‪.‬‬
‫الملكية) بلندن تتجه نحو موا�ضيع �أخرى بعد �أن جفت منابع‬ ‫يعتبر افتتاح قناة ال�سوي�س (‪ )1869‬هو بداية النهاية لفن‬
‫ال�شرق من الموا�ضيع التي تحتوي الكثير من الجديد‪.‬‬ ‫الأ�ست�شراق فقد ج�سرت الهوة مابين‬

‫***‬
‫المراجع‬
‫‪ 1-‬د‪ .‬عكاشة ثروت ‪ .‬كتاب العربي ‪ -‬الشرق في عيون غربية‬
‫‪ 2-‬د‪ .‬بيطار زينات ‪ .‬عالم المعرفة ‪ -‬األستشراق في الفن الفرنسي‬
‫‪ 3-‬عالم الحريم خلف الحجاب ‪ -‬أليف كروتييه ‪ .‬ترجمة أ‪ .‬خليل علي‬

‫‪ 116‬احلياة الت�شكيلية‬
‫لوحة للفنان بطر�س المعري‪.‬‬

‫‪117‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫حدث‬

‫ر�صد؟؟‪..‬‬
‫الندوة املوازية ملهرجان الفنون الإ�سالمية!!‪..‬‬
‫(نق�ش ورق�ش)يف ال�شارقة القيم اجلمالية للعمارة الإ�سالمية‪..‬‬
‫التحرير*‬

‫والغاية واالحتياج وتطبيق ذلك في مختلف الت�صاميم بروح‬ ‫على هام�ش مهرجان الفنون الإ�سالمية الثالث ع�شر الذي‬
‫جامعة تج�سد الفل�سفة الخا�صة لالعتقاد‪ ،‬باعتبارها الهوية‬ ‫�شهدته مدينة ال�شارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة خالل‬
‫المركزية التي تنوعت في �إطارها المراحل والأمكنة وتطورت‬ ‫�شهر كانون �أول ‪� ،2010‬أقيمت ندوة موازية حملت عنوان‬
‫في ظاللها �أ�شكال المعمار ووظائفه بح�سب الظروف المناخية‬ ‫(نق�ش ورق�ش) بحثت في القيم الجمالية للعمارة الإ�سالمية‬
‫والمعي�شية والثقافية‪..‬‏‬ ‫�شارك فيها ع�شرة باحثين من �سورية ولبنان وم�صر والعراق‬
‫وتون�س وال�سودان وتركيا قدمت خاللها ع�شر مداخالت‬
‫‏و�أ�ضافت الدائرة م�ؤكدة �أنه مرور ًا بكل الثوابت الجمالية‬ ‫تحدثت عن منهجية الفن الإ�سالمي بين فل�سفة البعد الواحد‬
‫للعمارة الإ�سالمية �شرق ًا وغرب ًا‪ ،‬ف�إن الحديث عن القيم‬ ‫واللقاء مع التجديد‪ ،‬والإيقاع المعماري الإ�سالمي‪ -‬الع�صر‬
‫الجمالية التي �أر�ست المفاهيم البنائية والروحية جنب ًا �إلى جنب‬ ‫والأبعاد الروحية‪ ،‬والجمالية لدى �شيخ العمارة العثمانية �سنان‪،‬‬
‫وبتناغم فريد يظهر االمكانات التعبيرية للتجديد كعن�صر �شامل‬ ‫والح�ضور الجمالي للعمارة في منمنمات مقامات الحريري‪,‬‬
‫يوفق بين الجوانب المادية والم�شاعر الروحانية والمرجعيات‬ ‫والعمارة اال�سالمية بين الفل�سفة والفن‪ ,‬والعمارة الإ�سالمية‬
‫الح�ضارية لل�شعوب التي اختارت اال�سالم دين ًا وعقيدة كما‬ ‫ورهان التعبير عن الكلي بمفردات المحلي وجماليات العمارة‬
‫يراعي ال�صلة بالطبيعة والمناخ والمواد وكل ما من �ش�أنه‬ ‫الإ�سالمية بمدن �شرق افريقيا وعوامل الوحدة في العمارة‬
‫الت�أثير في التفكير الجمعي لل�شعوب‪ ,‬وكما راعت هذه العمارة‬ ‫الإ�سالمية والقيم الفل�سفية والجمالية للعمارة الإ�سالمية والقيم‬
‫النور والرطوبة والجفاف والرياح والماء واالتجاهات فقد راعت‬ ‫الجمالية لم�سجد زايد بن �سلطان‪.‬‬
‫المراحل الح�ضارية المميزة لل�شعوب وكانت روح العقيدة وجالل‬ ‫مهدت دائرة الثقافة والإعالم‪� -‬إدارة الفنون في ال�شارقة‬
‫اهلل ومركزية الوعي هي الهدف الأ�سمى‪.‬‏‬ ‫للندوة م�ؤكدة على �أنه ال تجتمع الفنون في �أمر بمثل اجتماعها‬
‫نحات و�أ�ستاذ‪ :‬عميد كلية الفنون الجميلة في جامعة دم�شق‬ ‫في العمارة الإ�سالمية التي تعد بحق قامو�س ًا مميز ًا لأنواع‬
‫و�أكدت الدائرة‪� ،‬أن �إعادة قراءة هذه القيم في العمارة‬ ‫الفنون التي تداخلت ب�سمو مع مختلف العنا�صر المعمارية لت�ؤكد‬
‫الإ�سالمية والتداول حولها تاريخي ًا وفل�سفي ًا ال بد �أن يف�ضي �إلى‬ ‫خ�صو�صية جمالياتها وتفردها في ا�ستيعاب معادلة الوظيفة‬

‫‪ 118‬احلياة الت�شكيلية‬
‫�أرليندو �أريز‪�50+70+220,‬سم‪.‬‬ ‫عماد ك�سحوت‪�45+40+156,‬سم‪.‬‬

‫‪119‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫احد الجوامع االيرانية‪.‬‬
‫قبة جامع بهونك في باك�ستان‪.‬‬ ‫طراز معماري �إ�سالمي معا�صر‪.‬‬
‫ومتمث ًال في تفا�صيلها الم�شتملة على العقود والتيجان والنوافذ‬ ‫واقع العمارة المعا�صرة في العالم الإ�سالمي وهو الهدف من‬
‫والم�شربيات والأقوا�س والأبواب والمقرن�صات والمنابر والقباب‬ ‫�إقامة هذه الندوة التخ�ص�صية التي ال بد لها من التعريج �أي�ض ًا‬
‫والم�آذن والمحاريب و�سواها من التفا�صيل التي كانت ل�صيقة‬ ‫على محتوياتها المختلفة من �أثاث وزخارف وعمارة داخلية‬
‫بالعمارة الإ�سالمية وال تزال ت�شكل عوامل الوحدة فيها‪.‬‏‬ ‫ب�شكل عام ذلك لأن العمارة هي الوعاء الحا�ضن ل�شتى �ضروب‬
‫�شارك في الندوة الدولية (نق�ش ورق�ش) د‪� .‬سيد هويدي و‬ ‫و�أجنا�س الفنون الأخرى‪.‬‏‬
‫د‪ .‬مجدي عبد الحافظ‪ ،‬ود‪ .‬يحيى محمد محمود (من م�صر)‬ ‫من جانب �آخر ف�إن العمارة الإ�سالمية على مر الع�صور‬
‫وطالل معال (من الإمارات) ود‪ .‬عبد الحليم �آر �أوغلو (من‬ ‫كانت وال تزال ال�شاهد الأكثر ح�ضور ًا باعتبارها تحمل ثوابت‬
‫تركيا) ود‪ .‬ماهود �أحمد (من العراق) ود‪ .‬محمد بن حمودة‬ ‫ت�شمل في ع�ضويتها وتلقائيتها وتباين م�سطحاتها وتفعيل‬
‫(من تون�س) ومحمد عبد الرحمن (من ال�سودان) ود‪ .‬محمود‬ ‫تعبيريتها وتنغيميتها التي ت�أخذ حالة متكاملة من المليء‬
‫�شاهين (من �سورية)* ود‪.‬في�صل �سلطان (من لبنان) جاءت‬ ‫والفارغ وبالتالي تركز على الداخل وتراعي البروزات ب�إبداع‬
‫هذه الندوة الدولية التخ�ص�صية لت�ؤكد على العطاء الفعال‬ ‫الت�شكيالت الهند�سية وتن�سيق المواقع وهند�سة المدن بالإ�ضافة‬
‫وعلى ا�ستمرارية الدور النبيل الذي تلعبه مدينة ال�شارقة في‬ ‫�إلى جمعها مختلف الفنون الجمالية كفنون النق�ش والرق�ش نحت ًا‬
‫�سعيها الحثيث ال�ستنها�ض تراث الأمتين العربية والإ�سالمية‬ ‫ور�سم ًا وخزف ًا وخط ًا وعبر مختلف المواد التي �أثبتت مهارة‬
‫واال�ستفادة منه‪ ،‬في العمارة والفنون المعا�صرة و�صونه والحفاظ‬ ‫الفنان الم�سلم كالحجر والرخام ب�أنواعه والخ�شب والمعادن‬
‫على المكونات الأ�سا�سية لل�شخ�صية العربية اال�سالمية والتي‬ ‫والزجاج والمن�سوجات‪ ,‬وكل ما نراه متجلي ًا في الآثار المعمارية‬
‫*ن�شرت مداخلة تحت عنوان"عوامل الوحدة في العمارة الإ�سالمية"‪ ,‬في هذا ال�صدد‪.‬‬

‫‪ 120‬احلياة الت�شكيلية‬
‫نعتز جميع ًا با�سهامها الح�ضاري والتاريخي ودورها الرائد‪ ،‬في‬
‫حقول المعرفة المتنوعة وعلى مدى قرون طويلة‪.‬‏‬
‫وفي نهاية الندوة �أو�صى المنتدون و�أكدوا على �أهمية‬
‫ا�ستمرار مثل هذه الفعاليات الثقافية لما لها من دفع للحركة‬
‫الإبداعية العربية الإ�سالمية‪ ,‬وطالبوا بطباعة ن�صو�ص‬
‫المداخالت التي قدمت في الندوة‪ ،‬تعميم ًا لفائدتها و�أهميتها‬
‫و�أكدوا على �ضرورة تو�سيع دائرة الم�شاركة من قبل الجمهور‬
‫في هذه الفعاليات ال�سيما طلبة الكليات والمعاهد الفنية وباقي‬
‫من جوامع مدينة جدة ال�سعودية‪.‬‬
‫المهتمين وتعميم مداوالتها عبر و�سائل االعالم المختلفة من‬
‫�أجل تح�سي�س �أكبر عدد ممكن من المعنيين بالأمر بما تقترحه‬
‫هذه الفعاليات ونا�شدوا الم�شرع العربي مراعاة القيم الجمالية‬
‫العربية الإ�سالمية في العمارة المعا�صرة في البالد العربية‬
‫والإ�سالمية والت�شريع الر�سمي لها‪.‬‏‬
‫كما �أكد المنتدون على �ضرورة �إقامة م�ؤتمرات علمية‬
‫للعمارة العربية المعا�صرة تهدف للحفاظ على الطابع الح�ضاري‬
‫للأمة واحترام عنا�صر البيئة في الت�صاميم المعمارية العربية‬
‫المعا�صرة وتو�سيع وتعميق العالقات الثقافية بين الدول‬
‫دار اال�سالم في نيو مك�سيكو في الواليات المتحدة االمريكية‪.‬‬ ‫الإ�سالمية في مجال الفنون والعمارة و�ضرورة مراعاة البعد‬
‫االجتماعي في التخطيط العمراني‪ ,‬وقد اقترح المنتدون‬
‫�أن يكون هذا المو�ضوع تحديد ًا هو محور الندوة القادمة في‬
‫مهرجان الفنون الإ�سالمية الذي تقيمه مدينة ال�شارقة ب�شكل‬
‫دوري منذ �سبع ع�شرة �سنة‪ ،‬وي�شمل الفنون الب�صرية العربية‬
‫والإ�سالمية كلها بدء ًا من العمارة والر�سم والت�صوير والنحت‬
‫والخزف والمج�سمات والزخارف وانتها ًء بالخط العربي الذي‬
‫توليه هذه المهرجانات والندوات االهتمام الأكبر‪.‬‏‬
‫احد الم�ساجد في قرى م�صر‪.‬‬
‫التجريد والإيقاع‬
‫(التجريد) و(الإيقاع) �إحدى �أهم تيمات الفنون الإ�سالمية‬
‫التي توزعت على مختلف مناحي الحياة فطاولت العمارة‬
‫والفنون الت�شكيلية والفنون التطبيقية والحرف والم�شغوالت ومن‬
‫الخط العربي والزخرفة ب�شقيها‪ :‬النباتي والهند�سي‪ ،‬من �أجل‬
‫هذا‪ ،‬كان التجريد والإيقاع‪� ،‬أحد الموا�ضيع البارزة التي تناولتها‬
‫�أوراق الندوة ب�شيء من الإيجاز الذي يقدم المعنى كام ًال وتالي ًا‬
‫منظر عام لجامع بهونك في باك�ستان‪.‬‬

‫‪121‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫مقرن�صات ايرانية‪.‬‬
‫وليد فكرة محددة عن العالم والحياة عن الإن�سان واهلل وت�ستند‬ ‫الفائدة حتى للمتلقي غير المخت�ص �أو الم�شغول بمثل هذه‬
‫هذه الفكرة �إلى �أن اهلل هو كنه هذا الوجود‪ ،‬منه بد�أ وعليه‬ ‫الموا�ضيع التي تبدو للوهلة الأولى نخبوية‪ ،‬لكنها في حقيقة‬
‫ينتهي هو الأول والآخر والظاهر والباطن ومن هذه النظرة‬ ‫الأمر‪ ،‬تم�س حياتنا اليومية التي تعتبر العمارة على اختالف‬
‫اختلفت فنون الإ�سالم اختالف ًا ب ّين ًا عن فنون الغرب‪.‬‏‬ ‫وظائفها ومهامها‪ ،‬الحا�ضن الأ�سا�س لهذه الحياة التي و�صلها‬
‫عبر العمارة ومن خاللها‪ ،‬تلفيق وتهجين وغربة بد�أت تعمل‬
‫تهديم ًا وفتك ًا‪ ،‬بموروثنا الثقافي والفني والفكري‪ ،‬وبمنظومة‬
‫الإيقاع والتجريد‬ ‫قيمنا الأخالقية واالجتماعية‪.‬‏‬
‫(التجريد والإيقاع في الفنون الإ�سالمية) مو�ضوع تعر�ضت‬
‫ور�أى هويدي �أن القيمة الجوهرية الكامنة في الفن‬ ‫له‪ ،‬عدة ورقات في الندوة منها مداخلة الدكتور �سيد هويدي‬
‫الإ�سالمي هي �إيقاعه وتجريده وما ي�صاحب ذلك من �إح�سا�س‬ ‫من جمهورية م�صر العربية التي حملت عنوان (منهجية الفن‬
‫مو�سيقي رائع ال يجاريه فيه �أي فن �آخر لقد ان�شغل الفن‬ ‫الإ�سالمي بين فل�سفة البعد الواحد واللقاء مع التجريد) وفيها‬
‫الإ�سالمي ب�إظهار ما هو غير مرئي ومحاولة الإح�سا�س بقوانين‬ ‫�أ�شار �إلى �أن الفن الإ�سالمي ي�ضرب بجذور مت�شعبة في فنون‬
‫الريا�ضيات التي تحكم هذا الوجود‪ ،‬وت�أكيد لهذه القيم اتجه‬ ‫العالم القديم‪ ،‬وربما كان العن�صر العربي الوحيد والم�ستمر‬
‫الفن الإ�سالمي �إلى الهند�سة والتجريد في الأرابي�سك‪ ،‬معتمد ًا‬ ‫في هذا الكيان‪ ،‬هو الر�سالة الروحية للإ�سالم ولغة القر�آن‬
‫على التماثل والتناظر والتبادل وتعدد الم�ساحات في توزيعها‪،‬‬ ‫الكريم و�أن هذا الفن قائم في الأ�سا�س على الزخرفة الخطية‬
‫والإيقاع الخطي المتراق�ص الذي يوحي بالم�سرة وال�شعور‬ ‫والهند�سية والتوريقية‪ ،‬وهي المجاالت التي ازدهر فيها الفن‬
‫بالمتعة الب�صرية مو�ضوعي ًا �أو بموجز العبارة «ي�سر العين»‪..‬‏‬ ‫الإ�سالمي و�إن �أول ما نالحظه في فن الترقين الزخرفي هو �أنه‬

‫‪ 122‬احلياة الت�شكيلية‬
‫على هذا الأ�سا�س‪ ،‬يرى هويدي �أن التجريد في الفن‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬اتك أ� على قوانين الإيقاع الريا�ضية‪ ،‬تلك القوانين‬
‫التي تعتبر الجوهر الأ�سا�سي للإيقاعات المو�سيقية التي تعتبر‬
‫انعكا�س ًا ب�سيط ًا للإيقاعات الفلكية الكونية‪ ،‬ومن هنا يكت�سب‬
‫التجريد الإ�سالمي �سحره‪.‬‏‬

‫مفهوم ال�ضوء‬
‫من جوامع ماليزيا‪.‬‬
‫�أما الفنان والباحث الجمالي طالل معال‪ ،‬فر�أى �أن الإيقاع‬
‫هو من �أكثر الأمور لفت ًا للنظر في العمارة الإ�سالمية‪� ،‬إنما يذهب‬
‫تطلعنا �إلى ال�ضوء بمفهوميه‪ :‬الفيزيائي والروحاني‪ ،‬ولعل هذا‬
‫الأمر يقود �إلى �ضرورة تحليل العديد من المواقع والمن�ش�آت‬
‫المعمارية‪ ،‬التاريخية والمعا�صرة‪ ،‬للوقوف على المدى الذي‬
‫يلعبه ال�ضوء في الت�صاميم التي تمزج العقيدي بالممار�سة‬
‫اليومية‪ ،‬وبالأبعاد الإيحائية التي يتركها المنجز للوقوف على‬
‫الح�ضور الإن�ساني فيها بالرغم من تجريديتها المطلقة‪ ،‬وهو‬
‫ما ي�ؤكد على �أهمية االنقالب الذي �أحدثته العمارة الإ�سالمية‬
‫م�سجد الملك في�صل في ا�سالم اباد ‪-‬باك�ستان‪.‬‬ ‫في تراكماتها وتنوعاتها على الم�ستويات المختلفة‪ :‬الهند�سي‪،‬‬
‫والفني‪ ،‬والجمالي‪ ،‬والحرفي‪.‬‏‬
‫و�أكد الفنان معال‪� ،‬أنه �سواء في العمارة التقليدية ب�أنواعها‬
‫وانتماءاتها‪� ،‬أو في العمارة الحديثة‪ ،‬ال بد من التطرق ل�صيغة‬
‫الإيقاع الب�صري المتولد عن الفل�سفة الإن�شائية لهذه العمارة‬
‫وي�سوق مثا ًال على ذلك مبنى معهد العالم العربي في باري�س‬
‫الذي وفق فيه م�صممه (جان نوفيل) بين روح العمارة الإ�سالمية‬
‫والعربية‪ ،‬وبين عمارة المكان الباري�سي �أو الغربي‪ ،‬معتمد ًا على‬
‫التناغم بين الهند�سي وال�ضوء والظالل‪ ،‬والظاهر والخفي‪،‬‬
‫والداخل والخارج‪ ،‬والتكرار والتجريد‪ ،‬م�ستفيد ًا من كل ذلك‬
‫ل�صياغة فراغ له قيمته الوظيفية والأدائية باعتباره ف�ضاء معي�ش ًا‬
‫يتميز بتنوع �إيقاعاته الداخلية التي تعد ظاهرة ب�صرية حديثة‬
‫متفردة لها ح�ضورها في الم�شاهدة المبا�شرة لقيمة ال�شفافيات‬
‫الم�شهدية التي تحاكي روح الزخرفة �أو النقو�ش‪.‬‏‏‬
‫وذهب الدكتور في�صل �سلطان وهو �أ�ستاذ في معهد الفنون‬
‫الجميلة بالجامعة اللبنانية �إلى الت�أكيد على �أن القيم الجمالية‬
‫الكامنة في عنا�صر الت�أليف الهند�سي والزخرفي التي كر�ستها‬
‫من جوامع ا�سالم اباد‪.‬‬

‫‪123‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫العمارة الإ�سالمية عبر الع�صور‪ ،‬هي ف�ضاءات من نور‪ ،‬تنطلق‬
‫من مفهوم التوحيد‪ ،‬والنابعة من النظرة الفل�سفية الإ�سالمية‬
‫للكون والوجود‪.‬‏‬
‫فالفنان الم�سلم عمل على تحويل كل �شيء في عمله الفني‬
‫�إلى مناطق وم�ساحات و�أجزاء مت�شابهة �أو متقاربة ال�شبه‪،‬‬
‫موزعة ب�إيقاع مو�سيقي هند�سي‪� ،‬ضمن منهج محدد‪ ،‬يجمع ما‬
‫بين الم�ساحة المتحركة (الج�سم المملوء) والم�ساحة ال�ساكنة‬
‫(الج�سم الفراغي) بغية بلورة جمالية جديدة م�ستمدة من‬
‫الفل�سفة الفيثاغورثية‪ ،‬وذلك من خالل �إيجاد روابط عميقة ما‬ ‫جامع بومدين في الجزائر‪.‬‬
‫بين تجان�س حركة الكون ومفاهيم الريا�ضيات‪ ،‬فاهلل هو الكل‪،‬‬
‫وهو المطلق‪.‬‏‏‬
‫و�أكد �سلطان �أن الزخرفة في كل الأحوال‪ ،‬هي �إ�شارات‬
‫تجريدية تف�سر جمالية الأ�شكال الهند�سية والنباتية كحد�س‬
‫داخلي ينم عن ت�سبيح الخالق المدرك بعين القلب ونور‬
‫الب�صيرة فالتجريد الإ�سالمي كعن�صر �شامل يوفق بين جوانب‬
‫الأ�شكال الم�ستمدة من الطبيعة والم�شاعر الروحية والمرجعيات‬
‫الح�ضارية لل�شعوب التي اختارت الإ�سالم دين ًا وعقيدة فالتجريد‬
‫الإ�سالمي هو طريق �إلى اهلل‪ ،‬والطرق �إلى اهلل متعددة‪ ،‬وفي‬
‫جامع النيلين في الخرطوم‪.‬‬
‫تعدادها يبقى مجال الإبداع الفني مفتوح ًا مدى الدهر‪.‬‏‬
‫وي�شير �سلطان �إلى �أنه من هذا المفهوم الفل�سفي الروحاني‬
‫�أ�صبحت هند�سة العمارة الإ�سالمية �أ�شبه بهند�سة هياكل‬
‫لف�ضاء من نور ف�ضاء �إيماني يعك�س في حواره الح�ضاري كتابات‬
‫الغزالي عن جماليات فناء النور في النور‪ ،‬وكتابات ال�سهرودي‬
‫عن المربع ال�سحري �أثر الحج والطواف حول الكعبة وت�أمالت‬
‫�شكل المربع الملتف حول نف�سه وكتابات اخوان ال�صفا حول‬
‫ا�ستقاللية الرق�ش وتحرره من ال�شكل المح�سو�س‪ ،‬وجعله و�سيلة‬
‫للت�أمالت الدينية واالنخطاف في حب اهلل‪.‬‏‬
‫و�أ�شار �سلطان‪� ،‬إلى �أن القيم الجمالية للعمارة الإ�سالمية‪،‬‬
‫تطورت من الب�ساطة �إلى التعقيد والتفخيم‪ ،‬و�أن الفنون‬
‫الزخرفية الإ�سالمية‪� ،‬أثرت على الفنون الأوروبية‪ ،‬ال �سيما‬
‫ت�أثيرات الحركة المت�شابكة للزخارف النباتية الرائجة في‬
‫العمارة الأندل�سية وتحول مدينة الحمراء (في مملكة غرناطة)‬
‫�إلى �أكبر مركز لفنون الأرابي�سك في القرن الرابع ع�شر‬
‫الميالدي‪.‬‏‬

‫من المركز الثقافي الإ�سالمي في نيويورك‪.‬‬

‫‪ 124‬احلياة الت�شكيلية‬
‫بني الفل�سفة والفن‬
‫(العمارة الإ�سالم ّية بين الفل�سفة والفن) تيمة �أخرى‪،‬‬
‫توقفت عندها الندوة‪ ،‬و�أثارتها عدة مداخالت منها ورقة‬
‫الدكتور مجدي عبد الحافظ �صالح (�أ�ستاذ الفل�سفة الحديثة‬
‫والمعا�صرة في ق�سم الفل�سفة بكلية الآداب بجامعة حلوان‬
‫بالقاهرة) وفيها �أ�شار �إلى �أن ال�صلة بين العمارة والفل�سفة‬
‫في تراث العمارة الغرب ّية‪ ،‬ع�ص ّية على التالقي‪ ،‬وبعيدة عن‬
‫االن�سجام‪ ،‬ومهما حاول الباحث المحايد والملتزم بالمنهج ّية‬
‫والدقة العلم ّية‪ ،‬ومهما بذل من جهد وا�ستنباط‪� ،‬إال �أن تاريخ‬
‫جامع االبراهيم في فنزويال‪.‬‬
‫العمارة يزخر بمثل هذه المحاوالت المتكررة عبر الع�صور‪،‬‬
‫انطالق ًا من �أفالطون ومرور ًا بكانت وهيغل و�إروين بانوف�سكي‪،‬‬
‫لكن العمارة الإ�سالم ّية‪ ،‬لي�ست بمثل هذه ال�صعوبة‪ ،‬حيث تجلى‬
‫فيها منذ البدايات الأولى‪ ،‬مبادئ و�أ�س�س دين ّية تفاعلت معها‪،‬‬
‫وا�ست�سلمت لها‪ ،‬عاك�سة وممثلة للجوهر الروحي الذي ت�سل�سل‬
‫�شيئ ًا ف�شيئ ًا �إلى العمارات المحل ّية‪ ،‬تمثلها و�أعطى لها من روحه‪،‬‬
‫فا�ستطاع �أن يوظفها لخدمة مبادئه وطقو�سه الدين ّية‪ ،‬هذا‬
‫من جانب‪ ،‬ومن جانب �آخر‪ ،‬كيفها مع ظروف الحياة والبيئة‬
‫المحل ّية‪ ،‬من �أجل توفير �أكبر قدر ممكن من الراحة والرفاه ّية‬
‫للإن�سان‪.‬‬
‫و�أ�شار �صالح �إلى �أن هذا الأمر‪ُ ،‬طبق على �شتى �أنواع‬
‫العمارة الإ�سالم ّية كالم�ساجد والأ�ضرحة والخانات والحمامات‬
‫والمدار�س والقالع والأبراج والأ�سوار والأبواب والح�صون ‪...‬‬
‫الخ‪ .‬وقد عك�س كل منها �أدوار ًا اقت�صاد ّية واجتماع ّية وثقاف ّية‬
‫ودين ّية وغيرها‪ .‬ولم تظهر هذه العمارة في �أنحاء العالم‬
‫تف�صيل من جامع االزهر‪.‬‬ ‫الإ�سالمي‪� ،‬إال بقدر الحاجة �إليها في الواقع المعي�ش‪ ،‬لكن‬
‫االهتمام بالقيمة الوظيف ّية للعمارة الإ�سالم ّية‪ ،‬لم يكن على‬
‫ح�ساب القيمة الفن ّية فيها‪،‬حيث �أوالها المعماري الم�سلم قدر ًا‬
‫كبير ًا من العناية‪ ،‬فظل العن�صر الفني والجمالي ُي�ش ّكل جزء ًا ال‬
‫يتجز�أ من القيمة اال�ستعمال ّية للعمارة الإ�سالم ّية‪ ،‬حيث ا�ستخدم‬
‫المعماري الم�سلم عنا�صر البيئة المحل ّية مثل‪ :‬الخطوط العرب ّية‬
‫المختلفة‪ ،‬والمنمنمات‪ ،‬والأرابي�سك‪ ،‬والأغ�صان‪ ،‬والورود‪،‬‬
‫كموتيفات متعددة في الزخرفة الجمال ّية‪ ،‬ليظهر المكان‬
‫ممتلئ بالحيو ّية والحميم ّية مع ًا‪ ،‬لعين �ساكنه والمتعاملين معه‪،‬‬
‫غير غريب عن ثقافته‪ ،‬ومتما�شي ًا مع احتياجاته‪ ،‬وهو الأمر‬
‫جامع في طهران‪.‬‬

‫‪125‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫الذي يجعلنا نميز مث ًال‪ ،‬بين منارات م�ساجد من �شرق العالم‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬ومنارات م�ساجد الغرب منه‪ ،‬وخا�صة الأندل�س‪.‬‬

‫الكلي مبفردات املحلي‬


‫التعبري عن ّ‬
‫ي�ؤكد الدكتور محمد بن حمودة (�أ�ستاذ فل�سفة الفن في‬
‫معاهد الفنون الجميلة بتون�س) في مداخلته التي حملت عنوان‬
‫الكلي بمفردات المح ّلي)‬
‫(العمارة الإ�سالم ّية ورهان التعبير عن ّ‬
‫�أن الجمال ّية الإ�سالم ّية‪� ،‬سواء كانت �شعب ّية �أو �سلطو ّية‪ ،‬تتباين‬
‫عن ال�سائد والمعروف‪ ،‬فقد واظبت العمارة الإ�سالم ّية على‬
‫ا�ستلهام ال�شعر‪ ،‬وعلى التوج�س من �صورية الفن‪� ،‬ش�أنها في‬
‫ذلك �ش�أن ت�صوير الم�صغرات‪ ،‬مقارنة بالت�صوير ذي المقا�س‬
‫الكبير‪ .‬وقد �أ�صاب (�أورهان باموق) حين ميز بين الجن�سين‬
‫على قاعدة المقابلة بين عامل المعنى وعالم ال�صورة‪ .‬هكذا‬
‫كانت وحدة الطراز ال تعني �أبد ًا وحدة المدر�سة الفن ّية‪� ،‬أو‬
‫تطابق ال�صيغ الإبداع ّية‪ ،‬كما هو الحال مع تاريخ الفن الغربي‪،‬‬
‫ذلك لأن ال�صالح ّية الكل ّية ال تقت�ضي حتم ًا �شطب ال�صالح ّية‬
‫جامع في كرواتيا‪.‬‬
‫المحل ّية من الأمثلة المبلورة لهذا التنويع للطراز الواحد‪ ،‬ن�ش�أة‬
‫العمارة التون�س ّية على �أيام الحف�صيين‪ ،‬على �أن الت�شدد على‬
‫داللة المحلي‪� ،‬ستنتهي بتحويل الرخ�صة التي جاء بها الإ�سالم‬
‫�إلى �إعفاء من واجب االلتزام بمقام االنفتاح‪ ،‬وبعبقر ّية الجوار‬
‫التي ُيحيل عليها‪.‬‬
‫وي�ؤكد بن حمودة �أن الأمر انتهى بالعمارة وال�شعر �إلى �أن‬
‫يتحوال �إلى زخرف ال طائل من ورائه‪ .‬ولم تكن (فاطمة ناعوت)‬
‫مجانبة لل�صواب حين كتبت قائلة‪�( :‬أما عالقة ال�شعر تحديد ًا‬
‫بالعمارة فهو الأجلى‪ ،‬فلو ت�أملنا �شعر الحقبة العبا�س ّية‪ ،‬لوجدنا‬
‫فيه الكثير من المالمح المحاك ّية لبنيوية العمارة‪ .‬وبعد �سقوط‬
‫الدولة العبا�س ّية‪ ،‬وحلول الحقبة االيلخائية‪ ،‬ظهرت تيمات‬
‫البديع وال�سجع والتالعب ال�شكالني المجاني باللغة مما �أثقل‬
‫كاهل ال�شعر والخطاب الإبداعي بعامة‪ ،‬وهو ما نراه في عمارة‬
‫ذلك الع�صر‪ ،‬حيث ال�شكالن ّية الفجة‪ ،‬والمثقالت فاقدة الداللة‬
‫واالرتباك الت�صميمي الذي ينم عن انحطاط الذائقة‪ .‬وت�صاعد‬
‫ذلك في العمارة ال�صفو ّية الفار�س ّية التي �أفرطت في تطعيم‬
‫المباني بعنا�صر معمار ّية ذات �أ�شكال مبهرة خيالئ ّية‪ ،‬ال تعك�س‬
‫م�أذنة جامع الح�سن الثاني في الدار البي�ضاء‪.‬‬

‫‪ 126‬احلياة الت�شكيلية‬
‫الجامع االموي في دم�شق‪.‬‬
‫معماري جميل و�أ�صيل‪� ،‬شارك في ت�أ�سي�س مدر�سة معمار ّية‬ ‫واقع الإن�شاء وحقيقته)‪.‬‬
‫عثمان ّية متميزة‪ ،‬انت�شرت منجزاتها المعمارية في الأنا�ضول‬ ‫و ُي�شير بن حمودة‪� ،‬إلى �أن المبالغات في هذه العمارة‪،‬‬
‫وا�سطنبول و�سورية والقاهرة والجزائر ومكة‪.‬‬ ‫ظهرت في المداخل والقباب والعقود‪ ،‬ما �أخل باتزان الن�سب‬
‫من الإنجازات البارزة لهذا المعمار‪ :‬جامع �شاه زاده‪،‬‬ ‫الجمال ّية‪،‬فك�أن �إقحام نف�س الخامات البنائ ّية �سيعو�ض هزال‬
‫وجامع ال�سليمان ّية في ا�سطنبول‪ ،‬وجامع ال�سليمية في �أدرنة‪ ،‬وقد‬ ‫الفكرة المعمار ّية‪ .‬ولأن هزال الفكرة المعمار ّية هو جزء من‬
‫ت�أثر �سنان بخبرات معمار ّية منها‪ :‬العمارة البيزنط ّية والعمارة‬ ‫هزال الفكر ب�شكل عام‪ ،‬فقد كانت العالقة على و�ضع ترتبك‬
‫المحل ّية‪.‬‬ ‫خالله عالقة التعدي الواجب ح�صولها بين �سلم التراتب‬
‫وي�ستدرك �أوغلي م�ؤكد ًا‪� ،‬أنه �إذا كانت العمارة البيزنط ّية‬ ‫االجتماعي‪ ،‬و�سلم االندماج الثقافي‪.‬‬
‫قدمت للمعمار �سنان ومعا�صريه عنا�صرها المعمار ّية الأ�سا�س ّية‪،‬‬
‫وخا�صة القبة الكبرى المركز ّية‪ ،‬ف�إن المعمار �سنان قد انطلق‬
‫منها في �إبداع طرازه المعماري الإ�سالمي العثماني الجديد‪،‬‬ ‫اجلمال ّية لدى املعمار �سنان‬
‫ويمكن تحديد �أهم خ�صائ�ص هذا الطراز المعماري الإ�سالمي‬
‫العثماني الجديد كما يلي‪:‬‬ ‫تحت عنوان (الجمال ّية لدى �شيخ العمارة العثمان ّية �سنان)‬
‫‪ 1-‬القبة الكبرى المركز ّية التي تحقق م�ساحة وا�سعة‪.‬‬ ‫�أكد الدكتور عبد الحليم �أرا�أوغلو (م�س�ؤول ال�شرق الأو�سط‬
‫‪� 2-‬صحون جانب ّية تعلوها �أن�صاف قباب‪.‬‬ ‫في مركز ‪ YZ‬للدرا�سات اال�ستراتيج ّية في تركيا) �أن المعمار‬
‫تج�سد الطموح‬ ‫‪ 3-‬الم�آذن الر�شيقة والمرتفعة التي ّ‬ ‫التركي المعروف �سنان‪ ،‬ت�أثر بجمالية التراث المعماري‬
‫الروحي ودرجاته في �أ�سمى معانيها‪.‬‬ ‫الإ�سالمي في بالده‪ ،‬فاقتب�س منه كل ما �أفاده في �إبداع طراز‬

‫‪127‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫‪ 4-‬االهتمام بالأنوار وال�ضياء وامتداد النور و�إيحاءاته‬
‫الروح ّية‪ ،،‬والحر�ص على ح�سن توزيع الإ�ضاءة وتجان�سها‪،‬‬
‫وكل ما من �ش�أنه �أن يزيد في �صفاء البناء ومنطق الهند�سة‬
‫المعمار ّية ال�شفافة‪.‬‬
‫‪ 5-‬ح�سن ا�ستخدام �ألواح الخزف في ك�سوة �أعالي‬
‫الفتحات والنوافذ والأبواب والجدران‪.‬‬

‫العمارة ومقامات احلريري‬


‫(الح�ضور الجمالي للعمارة في منمنمات مقامات‬
‫الحريري) تحت هذا العنوان‪ ،‬قدم الدكتور ماهود �أحمد (�أ�ستاذ‬
‫علوم الفن في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد) مداخلة‬
‫�أ�شار فيها �إلى اهتمام المزوقين العرب في منمنماتهم بالأبن ّية‬
‫المعمار ّية‪ ،‬ور�سموها بكل تنوعاتها وهند�ستها وتف�صيالتها‪،‬‬
‫تعط و�صف ًا لها‪� ،‬أو التحدث عن‬ ‫رغم �أن الن�صو�ص الأدب ّية لم ِ‬
‫طبيعتها و�أ�شكالها وواجهاتها‪ ،‬و�إنما �أعطتنا فقط �إ�شارات حول‬
‫المكان الذي جرت فيه الأحداث فنقول‪ :‬اجتمعنا في بيت‪� ،‬أو‬
‫جل�سنا في ديوان القا�ضي‪� ،‬أو مررنا �أمام ق�صر‪� ،‬أو دخلنا حانة‪.‬‬
‫وهكذا كان مقت�ضب ًا جد ًا‪ ،‬غير �أن المز ّوق ح ّول هذه الإ�شارات‬ ‫زخرفة من جامع م�صري‪.‬‬
‫�إلى عالم حقيقي لم�شاهد بيوت ودواوين وم�ساجد وق�صور‬
‫ن�ست�شف فيها جمال ّية هند�سة البناء و�أقوا�سه و�أعمدته وزخرفته‪،‬‬
‫وحتى �ستائره‪� ،‬إلى جانب التعبير عن الح�س التوثيقي والتطابق‬
‫لهذه الأبنية مع الواقع‪ .‬وهذا ما جعل المنمنمة رمز ًا للإرث‬
‫الح�ضاري والتاريخي للعمارة الإ�سالم ّية العبا�س ّية في منت�صف‬
‫القرن الثالث ع�شر‪ ،‬وما �ساعد �أي�ض ًا على ر�سم العمائر في ذلك‬
‫الوقت‪ ،‬وبهذا الزخم هو �أن اعتبارات التحريم لم تطالها ب�سبب‬
‫�أنها من الجمادات‪ ،‬علم ًا �أن المز ّوق لم يظهر البناء كام ًال‪،‬‬
‫و�إنما �أظهر ما يحتاجه منه‪.‬‬
‫وي�ضيف �أحمد م�ؤكد ًا �أن ما ي�ساعد على جمال ّية المنمنمة‪،‬‬
‫قيام المزخرف بتحويل البناء �إلى خلف ّية �شبه زخرف ّية فيها‪،‬‬
‫مع االحتفاظ بالتفا�صيل وطبيعة البناء نف�سه‪ ،‬حتى �أنه �أحيان ًا‬
‫ير�سمه من الداخل فيقدم باحة الدار و�أواينه وم�سار الدخول‬
‫فيه مع �سطحه وما فيه من جملونات وفتحات التهو ّية والقباب‪،‬‬
‫وهذا ما جعل ال�شكل المعماري نظير ًا للأ�صل ومقنع ًا وك�أنه‬
‫وجود حقيقي‪ .‬ومن �أجل الإحاطة بالبناء كام ًال‪ ،‬ر�سم فنان‬
‫جامع في �سنغافورة‪.‬‬

‫‪ 128‬احلياة الت�شكيلية‬
‫االختالف هو اختالف البيئات والأجواء وطرائق حياة الجماعات‬ ‫المنمنمة الواجهة وال�سطح مع داخل البناء في �آنٍ واحد‪ ،‬مع‬
‫الإ�سالم ّية المختلفة‪ ،‬والتي كانت دائم ًا تتطلب تنظيم ف�ضاءات‬ ‫الت�أكيد على مادة البناء‪ ،‬ك�أن يكون من حجر وخ�شب وطابوق‬
‫ال�سكن‪ ،‬و�أداء ال�شعائر والطقو�س بطريقة مختلفة ت�ستجيب‬ ‫وحديد‪ ،‬ولم يتيقن المز ّوق بحجم البناء بالن�سبة للأ�شخا�ص‪،‬‬
‫لحاجات البيئة والجماعات المعن ّية‪ ،‬وبالتالي ف�إن ال�صيغ الجمال ّية‬ ‫فهو ير�سمه بمعزل عنهم‪� ،‬سواء كان ذلك في الحجم �أو مكان‬
‫التي نتجت عن التوفيق بين مطلوبات هذه البيئات المختلفة وتراث‬ ‫وجودهم‪ ،‬غير �أن ذلك ال ُيحدث �أي خلل في التكوين ب�سبب �أن‬
‫العمارة الإ�سالم ّية‪ ،‬كانت تت�صف بتنوع كبير‪ ،‬ال يمكن فهمه �إال‬ ‫ال�سمات الفن ّية لمدر�سة بغداد جعلت الت�شابك والوحدة بين‬
‫�ضمن التنوع الذي حفل به المجال الح�ضاري الخا�ص بالح�ضارة‬ ‫الأ�شخا�ص والبناء �أحد عنا�صرها الجمال ّية الذي يعطي �إح�سا�س ًا‬
‫الإ�سالم ّية‪ ،‬والذي و�سمها ب�أنها ح�ضارة عالم ّية الطابع‪.‬‬ ‫بالحركة والعمق‪ ،‬وبالتالي ي�شكل وجود ت�شخي�ص ا�صطالحي‬
‫و�أ�ضاف ح�سن م�شير ًا‪� ،‬إلى �أن فنون النق�ش والرق�ش‬ ‫يقوم بتنظيم تكوينات المنمنمة في حدود �أبعاده العامة‪ .‬وعليه‬
‫الإ�سالم ّية‪ ،‬اعتبرت تمثي ًال للف�ضاء المتجان�س وك�أنها ال تحفل‬ ‫فالبناء المعماري في المنمنمة هو خال�صة التفاعل بينها وبين‬
‫بالتنوع وبخ�صو�ص ّية ال�سياق االجتماعي والثقافي والتاريخي‪،‬‬ ‫هيكليتها‪ ،‬من جهة‪ ،‬وبين خطوطها و�ألوانها وتفاعلها مع الفكر‬
‫هذا بينما نجد �أن العمارة التي �أنتجتها ال�شعوب الإ�سالمية‪،‬‬ ‫الجمالي الإ�سالمي الذي يدفع نحو تجاوز مكوناتها الح�س ّية‬
‫ُوجه عناية كبيرة للعالقة مع الف�ضاء الطبيعي والبيئي المحيط‬ ‫ت ّ‬ ‫ذات الت�شخي�صات المتعينة باتجاه �شد المنمنمة بالكامل‪ ،‬نحو‬
‫بعمارتها‪ ،‬وللعالقة مع المجال االجتماعي والثقافي‪ ،‬كما هو الحال‬ ‫�شفاف ّية روح ّية مح�ضة‪.‬‬
‫في المدن الأفريق ّية الإ�سالم ّية‪.‬‬
‫ور ّكز ح�سن في مداخلته‪ ،‬على جماليات العمارة الإ�سالم ّية‬
‫في �شرق �أفريقيا متناو ًال نموذجين هما‪ :‬مدينة �سواكن الواقعة‬ ‫عمارة �رشق �أفريقيا‬
‫في �شرق ال�سودان‪ ،‬ومدينة وهرر الواقعة في �شرق �أثيوبيا‪ ،‬حاول‬ ‫(جماليات العمارة الإ�سالم ّية بمدن �شرق �أفريقيا) عنوان‬
‫من خاللهما ر�سم منظور تف�سيري ي�ساعد على �إعادة فهم تراث‬ ‫مداخلة محمد عبد الرحمن ح�سن من ال�سودان (محا�ضر‬
‫العمارة الإ�سالم ّية بو�صفه تراث ًا يعتمد التعدد بحيث ي�ستوعب‬ ‫مادة فونولوجيا اللغات الأفريق ّية في جامعة �أفريقيا العالم ّية‬
‫نظري ًا مفاهيم االختالف والهجنة‪ ،‬كما ي�ساعد على فهم كيف ّية‬ ‫بالخرطوم) التي �أكد فيها �أن الت�أمل النقدي في جماليات العمارة‬
‫ا�ستجابة العمارة الإ�سالم ّية عملي ًا لمطلوبات التوافق مع التنوع‬ ‫اليوم‪ ،‬ال ينف�صل عن التفكير نقدي ًا في الخطاب التاريخي‬
‫الطبيعي والبيئي والثقافي الذي ع ّبر به تراث الح�ضارة الإ�سالم ّية‬ ‫واالجتماعي المعا�صر‪ ،‬ون�سبة لهذا االرتباط بين ميدان العمارة‬
‫بو�صفها ح�ضارة عالم ّية‪ ،‬وذلك من خالل ثالث نقاط هي‪:‬‬ ‫وميدان نقد الخطاب النظري‪ ،‬كان مجال العمارة من �أكثر‬
‫‪ 1-‬عالقة ف�ضاء العمارة بتداخل الف�ضاءات الطبيع ّية‬ ‫الميادين التي تم فيها تطوير عدة مفاهيم نقد ّية م�ؤثرة‪ ،‬منها‬
‫واالجتماع ّية والثقاف ّية‪.‬‬ ‫مفهوم ما بعد الحداثة الذي تم ا�ستجالء ت�ضميناته في مجال‬
‫‪2-‬عالقة النق�ش والرق�ش بتداخل الف�ضاءات‪.‬‬ ‫العمارة‪ ،‬بقدر �أكبر من كل الميادين الأخرى‪.‬‬
‫‪ 3-‬دور ذلك في نقد الطرق التقليد ّية في فهم جماليات‬ ‫و�أ�شار ح�سن �أنه ُيف�ضل �أن تُدر�س جماليات العمارة الإ�سالم ّية‬
‫العمارة الإ�سالم ّية‪.‬‬ ‫انطالق ًا من التحوالت المعا�صرة في التنظير والممار�سة النقد ّية‬
‫وانتهى بحث ح�سن �إلى تو�ضيح االرتباط بين تطوير فهم‬ ‫با�ستخدام مفاهيم و�أدوات نقد ّية ذات فعال ّية �شاملة‪ ،‬ت�ستوعب عدة‬
‫العمارة الإ�سالم ّية والفنون الإ�سالم ّية عموم ًا‪ ،‬وبين تطوير‬ ‫حقول نظر ّية منها الجماليات والفل�سفة والتاريخ‪ .‬فتعدد النظم‬
‫الأدوات النظر ّية التي تتعدى ميدان الفن لت�ؤثر على التفكير‬ ‫المعرف ّية‪ ،‬ي�ساعد على تجاوز ق�صور التقليد ّية في فهم الفنون‬
‫الفل�سفي الذي يتعاطى مع تاريخ الح�ضارة الإ�سالم ّية بو�صفها‬ ‫الإ�سالم ّية‪ ،‬حيث دُر�ست هذه الفنون انطالق ًا من مفاهيم الهو ّية‬
‫ح�ضارة عالم ّية‪ ،‬ومن ثم ي�ؤثر على طرق فهم ونقد واقع‬ ‫والتجان�س ما �أنتج فهم ًا �سكوني ًا لم يتجاوز الر�ؤ ّية اال�ست�شراق ّية‪.‬‬
‫الم�سلمين المعا�صر‪.‬‬ ‫وي�ؤكد ح�سن على �أن المحفز الرئي�س على جدوى فكر‬

‫***‬
‫‪129‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬
‫حدث‬

‫معر�ض اخلريف ال�سنوي ‪..2010‬‬

‫التحرير‬

‫�شهد خان ا�سعد با�شا في �سوق البزور ّية بدم�شق القديمة‬


‫مابين ‪ 1‬و ‪ 2010/12/15‬معر�ض الخريف ال�سنوي ‪ ،‬وهو الجزء‬
‫الأول من المعر�ض العام للفنانين الت�شكيليين ال�سوريين‬
‫المكر�س لمن عمره فوق الأربعين عام ًا‪ ،‬و الجزء الثاني الذي‬
‫يقام با�سم ( الربيع ) فيقام في وقت الحق‪ ،‬و ي�شارك فيه‬
‫الفنانون الذين دون الأربعين من العمر‪.‬‬
‫�ضم معر�ض الخريف الأخير نحو ‪ 175‬عم ًال فني ًا لعدد مماثل‬
‫من الفنانين‪ ،‬توزعت على الت�صوير المتعدد التقانات‪ ،‬وهو‬
‫كالعادة الحا�ضر الأكبر في المعر�ض‪� ،‬إذ بلغت اعماله ‪128‬‬

‫لوحة‪ ،‬يليه فن النحت الذي بلغت �أعماله ‪ 28‬منحوتة‪� ،‬أما‬


‫اعمال الحفر المطبوع فلم تتجاوز ‪ 5‬محفورات �إ�ضافة �إلى ‪4‬‬

‫قطع من الخزف‪.‬‬
‫المعر�ض بما �ضم من �أعمال فنية متنوعة ال�صياغة و‬
‫الأ�ساليب و التقانات و الموا�ضيع‪ ،‬لم يخرج عن الم�ألوف‪ ،‬فهو‬
‫ا�ستمرار �أمين للمعار�ض ال�سابقة‪ ،‬بكل �أطيافها واتجاهاتها‬
‫‪ ،‬كما �أن الأعمال الفن ّية التي �ضمها‪ ،‬هي الأخرى‪ ،‬ا�ستمرار‬
‫�أمين ال�ساليب �أ�صحابها‪ ،‬و االتجاهات و المو�ضوعات‬
‫التي ي�شتغلون عليها منذ �سنوات ‪ ،‬ما ي�ؤكد وجود حالة من‬
‫النمطية �أن�س �إليها الفنانون الت�شكيليون ال�سوريون و ت�أقلموا‬
‫معها‪ ،‬فباتوا يكررونها تحت يافطة (ال�شخ�صية الفن ّية) �أو(‬
‫�أنور ر�شيد‪,‬ذاكرة المدينة‪ ,‬بازلت‪� 90 ,‬سم‪.‬‬

‫‪ 130‬احلياة الت�شكيلية‬
‫فائق دحدوح‪,‬خم�س ن�ساء‪ +‬واحد‪ ,‬زيت ‪ +‬فحم‪� 130X100 ,‬سم‪.‬‬

‫‪131‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫عبد الرحمن م�ؤقت‪ ,‬رخام‪ ,‬نحت مرمر ‪� 50 ,‬سم‪.‬‬

‫‪ 132‬احلياة الت�شكيلية‬
‫لبيب ر�سالن‪,‬تك�سير ‪,5‬ت�صوير زيتي‪� 100X100 ,‬سم‪.‬‬

‫لها من قريب �أو بعيد‪ ،‬بالتي غادروها‪ ،‬و�أ�صبحت قرينة‬ ‫الأ�سلوب الخا�ص ) ما ي�ؤكد �أن غالبيتهم باتوا تحت �سطوة‬
‫وجودهم الفني‪ ،‬و القيمة الأ�سا�س ّية لتجاربهم و �أبحاثهم‪ ،‬في‬ ‫(ال�شخ�صية النمط ّية ) و بالتالي غير قادرين على‬ ‫ّ‬ ‫هذه‬
‫الحقل الذي ي�شتغلون عليه‪ ،‬الأمر الذي ي�ؤكد مدى �شدة �سطوة‬ ‫تجاوزها‪� ،‬أو التمل�ص منها‪ ،‬وحتى من حاول منهم القيام‬
‫النمط ّية الأ�سلوب ّية على تجاربهم و النمط ّية ال تطول ال�صياغة‬ ‫بذلك‪ ،‬جاء نتاجه الجديد‪� ،‬ضائع ًا‪ ،‬تائه ًا و �ضعيف ًا‪ ،‬ال �سيما‬
‫الفن ّية لديهم‪ ،‬و المفردات و العنا�صر التي ي�ستخدمونها في‬ ‫�أولئك الذين غادروا المن�صات التي انطلقوا منها‪ ،‬وام�ضوا‬
‫التعبير عن مو�ضوعات �أعمالهم‪ ،‬و �إنما تطول �أي�ض ّا‪ ،‬هذه‬ ‫فيها ردح ًا طوي ًال من الزمن‪� ،‬إلى من�صات جديدة‪ ،‬ال عالقة‬

‫‪133‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫موفق قات‪ ,‬هاملت‪ ,‬ت�صوير زيتي‪� 80X100 ,‬سم‪.‬‬

‫‪ 134‬احلياة الت�شكيلية‬
‫غ�سان ال�سباعي‪ ,‬ت�صوير زيتي‪� 70X100 ,‬سم‪.‬‬
‫والتفرد‪ ،‬من المعار�ض الفن ّية الر�سم ّية‪ ،‬وان�ضوائها بعقود‬ ‫المو�ضوعات المتوزعة على الطبيعة‪ ،‬والطبيعة ال�صامتة‪ ،‬و‬
‫واتفاقيات خا�صة‪ ،‬مع �صاالت القطاع الخا�ص التي ا�ستقبلت‬ ‫الحروف ّية‪ ،‬و الإن�سان �ضمن حاالت حياتية متباينة‪ ،‬بع�ضها‬
‫في العقد الأخير‪ ،‬ر�ؤو�س �أموال كبير‪ ،‬حلقت ب�سعر المنجز‬ ‫له عالقة بالو�ضع الراهن‪ ،‬وبع�ضها الآخر‪ ،‬ي�ستعير الحالة‬
‫الفني الت�شكيلي ال�سوري المعا�صر من ع�شرات الألوف‪� ،‬إلى‬ ‫ال�شعب ّية المعجونة بالبيئة‪� ،‬أو ي�ضرب بعيد ًا‪ ،‬في التاريخ‬
‫مئات الألوف ‪�،‬ضمن غمو�ض ملتب�س‪ ،‬عن دوافع وغايات ر�ؤو�س‬ ‫الح�ضاري و الأ�سطوري البعيد للمنطقة‪ ،‬مدفوع ًا بها ج�س‪،‬‬
‫الأموال هذه‪ ،‬وبالتالي هدفها الحقيقي‪ ،‬من اختيارها لحقل‬ ‫ّ‬
‫تعوي�ضية‪ ،‬عن الواقع‬ ‫ا�ستعادة المتميز والم�ضئ منه‪ ،‬كحالة‬
‫الفن الت�شكيلي الأبي�ض‪ ،‬ال�شفيف‪ ،‬والنظيف‪ ،‬لال�ستثمار فيه‪،‬‬ ‫المعا�صر المفلو�ش و المعتم و الغام�ض‪ ،‬او يتخذ ذلك متك أ�ً‬
‫و�إحداث هذه النقلة النوع ّية‪ ،‬في �أثمان غالله التي لم ت�ضف‬ ‫لي�سقط به ومن خالله حالة الوهن‪ ،‬و ال�ضياع‪ ،‬و الت�شتت‪،‬‬
‫�إلى قيمها الب�صرية والتعبيرية ماي�ستوجب هذه الفقرة‪ ،‬ذلك‬ ‫والغربة التي يعي�شها هذا الفنان‪ ،‬في ع�صر العولمة الماكر‬
‫�أن التجارب التي �أنع�شتها ر�ؤو�س الأموال ال�ضخمة هذه‪ ،‬وطارت‬ ‫‪،‬واالختراقات الكبرى‪ ،‬وتداخل الم�صالح و المالمح‪ ،‬وتقدم‬
‫بها �إلى المحافل العرب ّية والأجنبية‪ ،‬لتزاود بها ومن خاللها‪،‬‬ ‫ال�سطوة الفوالذ ّية للمادة على الروح المحا�صرة ب�ألف لون‬
‫على ما تفرزه هذه المحافل من نتاجات فن ّية‪ ،‬ال تتميز عن‬ ‫ولون من اال�ستالب‪ .‬من جانب �آخر‪ ،‬ورغم ت�سرب العديد‬
‫غيرها من التجارب الفن ّية الت�شكيل ّية ال�سور ّية التي تطالعنا‬ ‫من التجارب الفن ّية الت�شكيلية ال�سور ّية التي تدعي التمايز‬

‫‪135‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫جورج ماهر‪,‬من وحي الأ�سطورة‪ ,‬ت�صوير زيتي‪� 120X100 ,‬سم‪.‬‬

‫‪ 136‬احلياة الت�شكيلية‬
‫�سعيد الطه‪ ,‬ت�صوير زيتي‪ ,‬مواد مختلفة‪� 80X120 ,‬سم‪.‬‬

‫‪137‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫حمود �شنتوت‪ ,‬حالة حب‪ ,‬مواد مختلفة‪� 100X100 ,‬سم‪.‬‬
‫ج�سدها من طفح‪ ،‬ال لتحديد م�سارات محددة لها‪� ،‬أو �إخ�ضاعها‬ ‫بها‪ ،‬المعار�ض الر�سم ّية‪ ،‬و�صاالت عر�ض القطاع الخا�ص‬
‫للفكر ال�ضيق‪ ،‬والقوالب الجاهزة‪ ،‬و�إنما ال�ستثمار حالة االزدهار‬ ‫المتوا�ضعة الإمكانات الت�سويق ّية‪ ،‬الأمر الذي يرفع �أكثر من‬
‫الطارئة والغام�ضة التي دبت في بع�ض �أطرافها‪ ،‬وتعميمها ون�شرها‪،‬‬ ‫ت�سا�ؤل حول الهدير الذي دب فج�أة‪ ،‬في عروق �أو (بع�ض‬
‫لتطول باقي الأطراف‪ ،‬والت�أ�سي�س بقوة‪ ،‬لكي التنتك�س بعد ا�ستنفاذ‬ ‫عروق)‪ ،‬الحركة الفن ّية الت�شكيلية ال�سورية المعا�صرة!!!‬
‫ر�ؤو�س الأموال التي خلقت حالة االزدهار هذه �أغرا�ضها‪ ،‬وتن�سحب‪،‬‬ ‫بنا ًء على ما تقدم‪ ،‬يبدو �أننا بحاجة ما�سة‪ ،‬للوقوف‪ ،‬بكثير من‬
‫على حين غيرة‪ ،‬من حقولها النظيفة‪ ،‬ال�شفيفة‪ ،‬اللينة‪ ،‬والمفتوحة‬ ‫الت�أمل العميق‪ ،‬والدرا�سة المو�ضوع ّية‪ ،‬لواقع هذه الحركة‪ ،‬وما يدور‬
‫دوما‪ ،‬ال�ستقبال الجديد‪ ،‬والطارئ‪ ،‬والغريب!!!‬ ‫فيها وحولها‪ ،‬من �سجال وحراك‪ ،‬وما تفرزه من ظواهر‪ ،‬ويظهر على‬

‫***‬
‫‪ 138‬احلياة الت�شكيلية‬
‫مقطع من رولييف نحتي للنحات ف�ؤاد دحدوح‪.‬‬

‫‪139‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫لوحة للفنان طارق البطيحي‪.‬‬

‫‪ 140‬احلياة الت�شكيلية‬
‫جريدة املجلة‬

‫ح�سان �سعيد‬
‫�إعداد‪ّ :‬‬

‫‪141‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫الت�شكيل ال�سوري‪...‬‬

‫قي�س �سلمان‪.‬‬

‫‪ 142‬احلياة الت�شكيلية‬
‫�أحمد �أبو زينة‪.‬‬ ‫ابراهيم جلل‪.‬‬

‫�شهدت �صالة المركز الثقافي‬ ‫الت�شكيليين والخطاطين العرب هم‪:‬‬ ‫معر�ض ًا للفنان‬ ‫‪2010/11/1‬‬‫م�ساء‬
‫الفرن�سي بدم�شق م�ساء ‪2010/11/10‬‬ ‫�أحمد عبد الرزاق‪� ،‬أكرم ال�سراج‪� ،‬أكرم‬ ‫ابراهيم جلل‪.‬‬
‫معر�ض ًا للفنانة ليلى مريود حمل عنوان‬ ‫طالع‪ ،‬جا�سم حميد‪ ،‬جا�سم محمد‪،‬‬ ‫�شهدت �صالة اليد الحرة (فري‬
‫(حديقة الالمكان) �ضم مجموعة من‬ ‫جمال بو�ستان‪ ،‬ح�سين محمد‪� ،‬ضياء‬ ‫هاند) م�ساء ‪ 2010/11/9‬معر�ض ًا‬
‫ال�صور ال�ضوئ ّية الفن ّية‪.‬‬ ‫الجزائري‪ ،‬عالء ا�سماعيل‪ ،‬محمد‬ ‫حمل عنوان (ت�شكيالت حروف ّية)‬
‫�شهدت �صالة بيت الفن (الآرت‬ ‫غنوم‪ ،‬م�صطفى ال�سامرائي‪.‬‬ ‫�شارك فيه مجموعة من الفنانين‬

‫‪143‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫�شاهين عبد اهلل‪.‬‬

‫‪ 144‬احلياة الت�شكيلية‬
‫ليلى مريود‪.‬‬
‫بدم�شق م�ساء ‪ 2010/11/24‬بمنا�سبة‬ ‫للفنانين منير العيد و�أيمن الزغير‪.‬‬ ‫هاو�س) م�ساء ‪ 2010/11/10‬معر�ض ًا‬
‫الذكرى الأربعين للحركة الت�صحيحية‬ ‫�شهدت �صالة ال�سيد للفنون الجميلة‬ ‫للفنان يا�سر حمود حمل عنوان‬
‫المجيدة معر�ض ًا حمل عنوان (تحية‬ ‫بدم�شق م�ساء ‪ 2010/11/23‬معر�ض ًا‬ ‫(�إ�شراقات)‪.‬‬
‫لت�شرين) نظمه و�أقامه اتحاد الفنانين‬ ‫للنحات �أك�سم ال�سلوم‪.‬‬ ‫�شهدت �صالة �أيام للفنون الجميلة‬
‫الت�شكيليين ال�سوريين‪.‬‬ ‫�شهدت �صالة الأ�سد للفنون الجميلة‬ ‫بدم�شق القديمة م�ساء ‪2010/11/20‬‬

‫�شهدت �صالة المعار�ض في المركز‬ ‫بحلب �أواخر ت�شرين الثاني ‪2010‬‬ ‫معر�ض ًا للنحات م�صطفى علي‪.‬‬
‫الثقافي العربي بدم�شق (�أبورمانة)‬ ‫معر�ض ًا حمل عنوان (ملتقى الخريف‬ ‫�شهد خان �أ�سعد با�شا في �سوق‬
‫م�ساء ‪ 2010/11/28‬معر�ض ًا للفنان‬ ‫بين حلب والالذق ّية) �أقيم بالتعاون‬ ‫البزور ّية بدم�شق القديمة م�ساء‬
‫غ�سان ديري‪.‬‬ ‫مع فرع الالذق ّية التحاد الفنانين‬ ‫‪ 2010/11/21‬معر�ض الخط العربي‬
‫�شهدت �صالة المعار�ض في دار‬ ‫الت�شكيليين بمنا�سبة االحتفال‬ ‫والت�صوير ال�ضوئي ال�سنويين‪.‬‬
‫كلمات للفنون والن�شر بحلب م�ساء‬ ‫بالذكرى الأربعين للحركة الت�صحيح ّية‬ ‫�شهدت �صالة المعار�ض في‬
‫‪ 2010/11/28‬معر�ض ًا للفنان الت�شكيلي‬ ‫المجيدة‪.‬‬ ‫المركز الثقافي الرو�سي بدم�شق‬
‫�سمير ال�صفدي‪.‬‬ ‫�شهدت �صالة ال�شعب للفنون الجميلة‬ ‫م�ساء‪ 2010/11/21‬معر�ض ًا م�شترك ًا‬

‫‪145‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫�شهدت �صالة المعار�ض في المركز‬
‫الثقافي الألماني (معهد غوته) بدم�شق‬
‫م�ساء ‪ 2010/11/29‬معر�ض ًا للفنان‬
‫الت�شكيلي ال�سوري خالد البو�شي حمل‬
‫عنوان (ت�صوف وجودي)‪.‬‬
‫�شهد خان �أ�سعد با�شا في �سوق‬
‫البزور ّية بدم�شق القديمة م�ساء‬
‫‪ 2010/12/1‬معر�ض الخريف الذي‬
‫تنظمه وتقيمه مدير ّية الفنون الجميلة‬
‫في وزارة الثقافة بالتعاون مع اتحاد‬
‫الفنانين الت�شكيليين ال�سوريين‪.‬‬
‫بتر�شيح من جمعية الفنانين‬
‫المحترفين في فرن�سا‪� ،‬شارك‬
‫الفنان الت�شكيلي ال�سوري كاظم خليل‬
‫في تظاهرة فنون باري�س العالم ّية‬
‫لعام ‪ 2010‬والتي افتتحت م�ساء‬
‫‪ 2010/11/30‬في حدائق الق�صر الكبير‬
‫(الكراندباليه) في باري�س‪.‬‬
‫�شهدت �صالة ت�شرين للفنون الجميلة‬
‫بحلب مطلع كانون �أول ‪ 2010‬المعر�ض‬
‫الدولي الرابع لفنون الأطفال الذي‬
‫تقيمه منظمة طالئع البعث بم�شاركة‬
‫وا�سعة لعدد من الدول العرب ّية‬
‫والأجنب ّية‪.‬‬
‫�شهدت �صالة المعار�ض في‬
‫المركز الثقافي العربي بالمزة م�ساء‬
‫‪ 2010/12/5‬معر�ض ًا للفنانة مي�سون‬
‫كركوتلي حمل عنوان (�إلى ال�شام)‪.‬‬
‫�شهدت �صالة المعار�ض في المركز‬
‫الثقافي الفرن�سي بدم�شق م�ساء‬
‫‪ 2010/12/8‬معر�ض ًا للفنان �شاهين‬
‫خالد البو�شي‪.‬‬

‫‪ 146‬احلياة الت�شكيلية‬
‫�صالح الهجر‪.‬‬
‫�شهدت �صالة كامل للفنون بدم�شق‬ ‫�سورية‪.‬‬ ‫عبد اهلل حمل عنوان (غرباء)‪.‬‬
‫‪ 2010/12/19‬معر�ض ًا للفنان �أ�سامة‬ ‫�شهدت �صالة تجليات للفنون بدم�شق‬ ‫�شهدت �صالة �أيام في مدينة دبي‬
‫دويعر‪.‬‬ ‫م�ساء ‪ 2010/12/1‬معر�ض ًا للنحات‬ ‫بدولة الإمارات العرب ّية المتحدة م�ساء‬
‫�شهدت �صالة رفيا للفنون بدم�شق‬ ‫عا�صم البا�شا‪.‬‬ ‫‪ 2010/12/13‬معر�ض ًا للفنان الت�شكيلي‬
‫‪ 2010/12/21‬معر�ض ًا م�شترك ًا‬ ‫�شهدت �صالة بيت الفن (الآرت‬ ‫ال�سوري قي�س �سلمان حمل عنوان‬
‫للفنانين‪ :‬بطر�س المعري‪ ،‬عبد اهلل‬ ‫هاو�س) للفنون بدم�شق م�ساء‬ ‫(عالم مادي)‪.‬‬
‫مراد‪ ،‬كاظم خليل‪.‬‬ ‫‪ 2010/12/18‬معر�ض ًا للفنان جورج‬ ‫حاز الفنان الت�شكيلي ال�سوري �أحمد‬
‫�شهدت �صالة اليد الحرة (فري‬ ‫بيلوني‪.‬‬ ‫�أبو زينة �إلى جانب �أربعة فنانين على‬
‫هاند) للفنون بدم�شق م�ساء‬ ‫�شهدت �صالة ال�شعب للفنون الجميلة‬ ‫جائزة بينالي الخرافي الدولي الرابع‬
‫‪ 2010/12/21‬معر�ض ًا جماعي ًا حمل‬ ‫بدم�شق م�ساء ‪ 2010/12/19‬معر�ض ًا‬ ‫للفن المعا�صر الذي �شارك فيه ‪90‬‬

‫عنوان (�أوراق خريف ّية) �ضم مجموعة‬ ‫للفنان جهاد �صالح‪.‬‬ ‫فنان ًا وفنانة من ‪ 17‬دولة عرب ّية بينها‬

‫�سمير ال�صفدي‪.‬‬ ‫�سارة �شما‪.‬‬ ‫رابي جرج�س‪.‬‬

‫‪147‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫�أ�سامة دويعر‪.‬‬

‫‪ 148‬احلياة الت�شكيلية‬
‫الذكرى الثانية للعدوان ال�صهيوني‬ ‫من اللوحات ال�صغيرة لعدد من‬
‫على غزة‪.‬‬ ‫الفنانين الت�شكيليين‪.‬‬
‫�شهدت �صالة المعار�ض في المركز‬ ‫فاز الفنان الت�شكيلي ال�سوري كاظم‬
‫الثقافي الرو�سي بدم�شق م�ساء‬ ‫خليل بجائزة الر�سم والت�صوير لعام‬
‫‪ 2011/1/4‬معر�ض ًا للفنان طالل ديوب‬ ‫‪ 2010‬في (الغراند باليه) �ضمن‬
‫حمل عنوان (نزيف الزجاج)‪.‬‬ ‫تظاهرة فنون باري�س العالم ّية‪.‬‬
‫بدعوة من المجل�س الوطني للثقافة‬ ‫�شهد رواق ال�شارقة بدولة الإمارات‬
‫جورج بيلوني‪.‬‬ ‫والفنون في الكويت‪� ،‬شارك الفنان‬ ‫العرب ّية المتحدة م�ساء ‪2010/12/20‬‬

‫الت�شكيلي ال�سوري نبيل ال�سمان في‬ ‫معر�ض ًا للفنان الخطاط �صالح الهجر‪.‬‬
‫فعاليات مهرجان القرين الثقافي‬ ‫�شهدت �صالة المعار�ض في المركز‬
‫ال�سابع ع�شر وذلك بمعر�ض فردي‬ ‫الثقافي الرو�سي بدم�شق م�ساء‬
‫افتتح م�ساء ‪.2011/1/9‬‬ ‫‪ 2010/12/21‬للفنان �أيمن ف�ضة‪.‬‬
‫�شهدت �صالة النهر الخالد في مدينة‬ ‫�شاركت �سورية في معر�ض لر�سوم‬
‫حم�ص م�ساء ‪ 2011/1/10‬معر�ض ًا‬ ‫الكاريكاتير بعنوان (خطوط‬
‫للفنان علي الكفري‪.‬‬ ‫هزل ّية) الذي �شهده قطاع غزة‬
‫�شارك الفنانان الت�شكيليان ال�سوريان‬ ‫م�ساء ‪ 2010/12/22‬و�شارك فيه ‪15‬‬

‫نذير ا�سماعيل وع�صام دروي�ش في‬ ‫فنان ًا عربي ًا و�أجنبي ًا‪ .‬مثل �سورية في‬
‫بطر�س المعري‪.‬‬
‫الملتقى الدولي للر�سم الذي �أقيم في‬ ‫المعر�ض الفنانون‪ :‬علي فرزات‪ ،‬رائد‬
‫العا�صمة البولون ّية (وار�سو) في الفترة‬ ‫خليل‪ ،‬يا�سر �أحمد‪ ،‬فهد البحادي‪،‬‬
‫بين ‪ 20-8‬كانون الثاني ‪.2011‬‬ ‫ن�ضال ديب‪ ،‬فادي فا�ضل‪ ،‬نزار عثمان‪.‬‬
‫�شهدت �صالة بيت الفن (الآرت‬ ‫انتهى الفنان والخطاط الحروفي‬
‫هاو�س) للفنون بدم�شق م�ساء‬ ‫ال�سوري خالد ال�ساعي من �إنجاز‬
‫‪ 2011/1/11‬معر�ض ًا للفنانة �سارة �ش ّمة‬ ‫�أول و�أكبر جدار ّية ت�شكيل ّية حروف ّية‬
‫�أكثم ال�سلوم‪.‬‬ ‫حمل عنوان (والدة)‪.‬‬ ‫عرب ّية في �أ�سبانيا‪ ،‬حيث بلغ طولها‬
‫�شهدت �صالة اليد الحرة (فري هاند)‬ ‫�سبعة �أمتار وارتفاعها مترين‪ ،‬وذلك‬
‫للفنون بدم�شق م�ساء ‪2011/1/18‬‬ ‫لم�صلحة م�ؤ�س�سة البيت العربي في‬
‫معر�ض ًا للفنانة (فدوى الرهونجي)‬ ‫مدريد‪.‬‬
‫حمل عنوان (الطيور المهاجرة)‪.‬‬ ‫�شهدت �صالة مدير ّية الثقافة بحلب‬
‫�شهدت �صالة المعار�ض في المركز‬ ‫م�ساء ‪ 2010/12/28‬معر�ض ًا للفنان‬
‫الثقافي الرو�سي بدم�شق م�ساء‬ ‫محمد ب�سام مولوي حمل عنوان‬
‫‪ 2011/1/18‬معر�ض ًا لذوي االحتياجات‬ ‫(�صرخة ري�شة) وذلك بمنا�سبة‬
‫غالف كتالوج لمعر�ض يا�سر حمود‪.‬‬

‫‪149‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫من معر�ض ت�شكيالت حروف ّية‪.‬‬
‫�شهدت �صالة المعار�ض في المركز‬ ‫�شهدت �صالة المعار�ض في المركز‬ ‫الخا�صة‪.‬‬
‫الثقافي الألماني (معهد غوته) بدم�شق‬ ‫الثقافي الألماني (معهد غوته) بدم�شق‬ ‫�شهدت �صالة المعار�ض في المركز‬
‫م�ساء ‪ 2011/2/14‬معر�ض ًا للفنانة‬ ‫م�ساء ‪ 2011/2/1‬معر�ض ًا للفنان‬ ‫الثقافي الرو�سي بدم�شق م�ساء‬
‫ال�ضوئ ّية رهف الجالد حمل عنوان‬ ‫الت�شكيلي ال�سوري رابي جرج�س حمل‬ ‫‪ 2011/1/20‬معر�ض ًا للفنان ع ّمار عبد‬
‫(لحظة �صمت)‪.‬‬ ‫عنوان (حدائق باردة)‪.‬‬ ‫ر ّبه‪.‬‬

‫فدوى الرهونجي‪.‬‬

‫‪ 150‬احلياة الت�شكيلية‬
‫الت�شكيل العربي‪...‬‬

‫من معر�ض ماوراء الأبواب‪.‬‬

‫‪151‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫من معر�ض �إ�سقاط خطوط‪.‬‬
‫مطلع ت�شرين الثاني ‪ 2010‬معر�ض ًا‬ ‫حاطوم‪ ،‬والفنان الم�صري المقيم‬ ‫�شهدت �صالة المعار�ض في جمعية‬
‫م�شترك ًا حمل عنوان (�إ�سقاط خطوط‬ ‫في نيويورك يو�سف نبيل‪ ،‬والفنان‬ ‫الإمارات للفنون الت�شكيل ّية في مدينة‬
‫‪-‬فن �إماراتي معا�صر) �شارك فيه‬ ‫اللبناني بول غيراغو�سيان‪ ،‬والفنان‬ ‫ال�شارقة م�ساء ‪ 2010/11/1‬معر�ض ًا‬
‫الفنانون‪ :‬عبد الرحمن المعيني‪ ،‬ليلى‬ ‫الإماراتي عبد القادر الري�س‪.‬‬ ‫ا�ستعادي ًا للفنان علي العبدان‪.‬‬
‫جمعة‪ ،‬ح�سن �شريف‪ ،‬ح�سين �شريف‪،‬‬ ‫حطمت لوحة (الدراوي�ش) للفنان‬ ‫�شهدت �صالة المعار�ض في معهد‬
‫محمد حمد ابراهيم‪ ،‬محمد كاظم‪.‬‬ ‫الت�شكيلي الم�صري محمود �سعيد‬ ‫الفنون بال�شارقة بدولة الإمارات‬
‫�شهدت �صالة ترافيك للفنون في دبي‬ ‫�أرقام ًا قيا�سية على �صعيد اللوحات‬ ‫العربية المتحدة مطلع �شهر ت�شرين‬
‫مطلع ت�شرين الثاني ‪ 2011‬معر�ض ًا‬ ‫الفن ّية‪ ،‬حيث بيعت بمليونين و ‪546‬‬ ‫الثاني ‪ 2010‬معر�ض ًا للفنانة‬
‫لمقتنيات رامي فاروق‪ ،‬ومعر�ض ًا �آخر‬ ‫�ألف دوالر �أمريكي لتحمل لقب �أغلى‬ ‫الت�شكيل ّية �سو�سن ال�شماع حمل عنوان‬
‫للفنان الإيراني ح�سام رحمانيان‪.‬‬ ‫لوحة في العالم ر�سمها فنان عربي‪،‬‬ ‫(كما الريح)‪.‬‬
‫�شهدت �ضالة (وان) في �أبو ظبي‬ ‫وهي المرة الثانية التي ت�سجل فيها‬ ‫�شهدت مدينة دبي مطلع ت�شرين‬
‫مطلع ت�شرين الثاني ‪ 2010‬معر�ض ًا‬ ‫�أعمال محمود �سعيد مثل هذا الفوز‪،‬‬ ‫الثاني ‪ 2010‬معر�ض ًا جماعي ًا‬
‫جماعي ًا حمل عنوان (ما وراء‬ ‫حيث �سبق وحققت لوحة (ال�شادوف)‬ ‫لأ�شهر الفنانين الت�شكيليين العرب‬
‫الأبواب) �ضم روائع فن ّية من ال�شرق‬ ‫نجاح ًا مماث ًال في مزاد �أقامته دار‬ ‫المعا�صرين منهم‪ :‬الفنان الم�صري‬
‫الأو�سط عائدة لمجموعة من الفنانين‬ ‫كري�ستيز للمزادات في دبي‪.‬‬ ‫محمود �سعيد‪ ،‬والفنان التون�سي نجا‬
‫الت�شكيليين البارزين منهم‪ :‬محمود‬ ‫�شهدت �صالة �سلوى زيدان في دبي‬ ‫المهداوي‪ ،‬والفنانة الفل�سطينية منى‬

‫‪ 152‬احلياة الت�شكيلية‬
‫مختار‪� ،‬شاكر ح�سن �آل �سعيد‪ ،‬برويز‬
‫تناولي‪ ،‬جواد �سليم‪ ،‬فاتح المدر�س‪،‬‬
‫ح�سن �شريف‪ ،‬وليد رعد‪ ،‬عبد النا�صر‬
‫غارم‪ .‬بلغت الأعمال المعرو�ضة نحو‬
‫‪ 90‬عم ًال فني ًا منجزة خالل الفترة‬
‫الممتدة بين ع�شرينيات القرن‬
‫الما�ضي وعام ‪.2010‬‬
‫�شهدت �صالة الفنون في بيروت‬
‫�أواخر ت�شرين الثاني ‪ 2010‬معر�ض ًا‬
‫للفنان حلمي فاير‪.‬‬
‫�شهدت �صالة رفيا للفنون بدم�شق‬
‫م�ساء ‪ 2010/11/28‬معر�ض ًا للفنان‬
‫العراقي �سعدي الكعبي حمل عنوان‬
‫(جدار ال�صمت)‪.‬‬
‫ـ �شارك في الدورة الثالثة لملتقى‬
‫الأق�صر الدولي للت�صوير الذي افتتح‬
‫في م�صر اعتبار ًا من ‪ 11/29‬وحتى‬
‫‪� 2010/12/11‬أربعة وع�شرون فنان ًا‬
‫م�صري ًا وعربي ًا و�أجنبي ًا جاءوا من‬
‫�سورية والأردن وال�سعود ّية وتون�س‬
‫وكوريا الجنوب ّية ورومانيا والنم�سا‬
‫وباك�ستان وتركيا والواليات المتحدة‬
‫الأمريك ّية و�أ�ستراليا‪� ،‬إلى جانب‬
‫م�صر‪.‬‬
‫�شهدت �صالة �أيام في دبي مطلع‬
‫كانون �أول ‪ 2010‬معر�ض ًا للفنان‬
‫الفل�سطيني �أ�سامة دياب حمل عنوان‬
‫(�أقنعة وملوك و�أ�شياء �أخرى زيارة‬
‫ثانية)‪.‬‬
‫�شارك كل من الفنانين الت�شكيليين‬
‫الإمارتيين خلود الجابري ومحمد‬
‫المزروعي في بينالي الخرافي الدولي‬
‫الرابع للفن العربي المعا�صر بالكويت‬
‫الذي افتتح يوم ‪.2010/12/5‬‬
‫�سعدي الكعبي‪.‬‬

‫‪153‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫من معر�ض �صالة وان‪.‬‬

‫محمد �أبولحية‪.‬‬ ‫خلود الجابري‪.‬‬

‫‪ 154‬احلياة الت�شكيلية‬
‫عبد الرحمن ح�سن عبد الرحمن‬ ‫فازت ر�سامة الكاريكاتير‬
‫من ال�سودان‪ ،‬د‪.‬عبد الحليم محمد‬ ‫الفل�سطين ّية �أمية حجاب بالجائزة‬
‫�أراوغلو من تركيا‪.‬‬ ‫الكبرى في م�سابقة ناجي العلي الدول ّية‬
‫�شهدت �صالة المعار�ض في ندوة‬ ‫للكاريكاتير التي تنظمها جمعية‬
‫الثقافة والعلوم بمدينة دبي م�ساء‬ ‫الت�ضامن مع ال�شعب الفل�سطيني في‬
‫‪ 2010/12/21‬معر�ض ًا حمل عنوان‬ ‫تركيا بالتعاون مع مجموعة (هومور)‬
‫(فن القلم) �شارك فيه مجموعة من‬ ‫للفكاهة والكاريكاتير‪.‬‬
‫هواة الخط العربي‪.‬‬ ‫�شهدت ال�شارقة في دولة الإمارات‬
‫�شارك ‪ 40‬فنان ًا وفنانة ينتمون لـ‬ ‫العرب ّي ة المتحدة م�ساء ‪2010/12/10‬‬
‫(جماعة �إبداع للفنون) بالقطيف‬ ‫معر�ض ًا للفنان عبد اهلل ح�سن‬
‫في حملة البيئة التي نظمتها م�ؤخر ًا‬ ‫الغيث عميد المعهد العالي للفنون‬
‫�شركة �أرامكو ال�سعود ّية‪ ،‬وجاءت‬ ‫الم�سرح ّية في الكويت‪ ،‬وذلك على‬
‫الحملة التطوع ّية بهدف تجميل‬ ‫هام�ش فعاليات مهرجان الإمارات‬
‫كورني�ش ر�أ�س تنورة‪.‬‬ ‫الأول للم�سرح الجامعي‪.‬‬
‫�أ�سامة دياب‪.‬‬ ‫�شهدت �صالة المعار�ض في مركز‬ ‫�شهدت ال�شارقة يومي ‪12‬‬
‫ت�شكيل للإبداع الفني في دبي خالل‬ ‫و ‪ 2010/12/13‬ندوة دول ّية مواز ّية‬
‫كانون الثاني ‪ 2011‬معر�ض ًا جماعي ًا‬ ‫لمهرجان الفنون الإ�سالم ّية الثالث‬
‫لخم�سة ع�شر فنان ًا ت�شكيلي ًا من دولة‬ ‫ع�شر حملت عنوان (نق�ش ورق�ش ‪-‬‬
‫الإمارات العرب ّية المتحدة‪.‬‬ ‫القيم الجمال ّية للعمارة الإ�سالم ّية)‬
‫�شهد متحف ال�شارقة م�ساء‬ ‫�شارك فيها من �سور ّية د‪.‬محمود‬
‫‪ 2011/1/12‬المعر�ض ال�سنوي العام‬ ‫�شاهين عميد كلية الفنون الجميلة‬
‫التا�سع والع�شرين لجمع ّية الإمارات‬ ‫بجامعة دم�شق‪ ،‬د‪.‬في�صل �سلطان من‬
‫للفنون الت�شكيل ّية‪.‬‬ ‫لبنان‪ ،‬د‪.‬ال�سيد هويدي‪ ،‬د‪.‬مجدي‬
‫�شهدت �صالة ميم في دبي خالل‬ ‫عبد الحافظ عبد اهلل �صالح‪،‬‬
‫كانون الثاني ‪ 2011‬معر�ض ًا للفنان‬ ‫د‪.‬يحيى محمد محمود �أحمد من‬
‫الحروفي الليبي علي عمر الرمي�ص‬ ‫م�صر‪ ،‬د‪.‬محمد بن حمودة من تون�س‪،‬‬
‫حمل عنوان (تجدد الر�ؤى)‪.‬‬ ‫د‪.‬ماهود �أحمد من العراق‪ ،‬محمد‬
‫محمد المزروعي‪.‬‬

‫‪155‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫الت�شكيل العاملي‪...‬‬

‫من الأعمال المعرو�ضة في غاليري �أي‪.‬في‪.‬دي‪�.‬أي‪.‬‬


‫وربما يعود ال�سبب في جني هذا الربح‬ ‫في مزاد علني في بيت كري�ستي‬ ‫في مزاد فني هو الأ�ضخم من نوعه‬
‫الوفير �إلى بيع لوحة للفنان الإيطالي‬ ‫�سنوي ًا‪ ،‬عر�ضت دار المزادات الكبرى للمزادات في نيويورك‪ ،‬بيع تمثال يبلغ‬
‫(اميديو موديلياني) بمبلغ قيا�سي هو ‪69‬‬ ‫ب�أم�ستردام ‪ 110‬لوحات فن ّية نادرة طوله ‪� 180‬سم المر�أة عارية تظهر من‬
‫مليون دوالر‪.‬‬ ‫للبيع‪ ،‬يرجع معظمها �إلى القرن ال�سابع الخلف �أنجزه الفنان الفرن�سي المعروف‬
‫�شهدت �صالة الم�سرح الوطني بمدينة‬ ‫ع�شر فما فوق‪ ،‬منها �أعمال فن ّية نادرة (ماتي�س) بمبلغ ‪ 48,8‬مليون دوالر‪ .‬وكان‬
‫�أبوظبي م�ساء ‪ 2010/11/13‬معر�ض ًا‬ ‫للفنانين (وليام كال�سيز هيدا) و(جان التقدير الأولي ل�سعر التمثال قبل المزاد‬
‫م�شترك ًا لفنانين فرن�سيين هما‪( :‬بابلو‬ ‫فان جوين) و(�ستان فارنيك�س) يتراوح من ‪� 25‬إلى ‪ 35‬مليون دوالر‪.‬‬
‫كوت�س) و(لبوناردو جودوي)‪.‬‬ ‫حقق مزاد للفن االنطباعي �أقامته‬ ‫و(جيراردو) وهذا الأخير من �أبرز‬
‫�أعلنت �صالة مزاد لندن ّية عن بيع‬ ‫الفنانين الهولنديين في الع�صر الذهبي دار مزادات �سوثبي مطلع ت�شرين الثاني‬
‫�إناء زهر �صيني بمبلغ ‪ 43‬مليون جنيه‬ ‫الأوروبي للفن‪ .‬ولد عام ‪ 1613‬وتوفي عام ‪ 2010‬في نيويورك ‪ 227‬مليون دوالر فيما‬
‫ا�سترليني �أي ‪ 69‬مليون دوالر متجاوز ًا‬ ‫‪ 1675‬وكان تلميذ ًا للفنان (رامبرانت)‪ .‬كانت التقديرات ال�سابقة ‪ 195‬مليون ًا‪.‬‬

‫‪ 156‬احلياة الت�شكيلية‬
‫ال�سعر المقدر له ‪ 40‬مرة‪.‬‬
‫قامت ال�سفارة ال�سويد ّية بدم�شق‬
‫بالتعاون مع وزارة البيئة في �سورية‪،‬‬
‫بتنظيم معر�ض م�شترك لمجموعة‬
‫من ر�سامي الكاريكاتير ال�سوريين‬
‫وال�سويديين �أقيم م�ساء ‪2010/11/23‬‬
‫في �صالة المعار�ض في المركز الثقافي‬
‫العربي بكفر�سو�سة بدم�شق‪.‬‬
‫بمنا�سبة الذكرى ‪ 85‬لت�أ�سي�س اتحاد‬
‫جمعيات ال�صداقة ووكالة (رو�س�سوتر‬
‫ودينت�شي�ستفو) �شهدت �صالة المعار�ض‬
‫في المركز الثقافي الرو�سي بدم�شق‬
‫�أناتولي ريبكن‪.‬‬ ‫م�ساء ‪ 2010/12/1‬معر�ض ًا م�شترك ًا‬
‫للفنانين الرو�سيين (�أناتولي ريبكين)‬
‫و(يفغينيا �أبالزوفا)‪.‬‬
‫�شهدت �صالة غاف للفنون بدبي‬
‫خالل كانون �أول ‪ 2010‬معر�ض ًا للفنانة‬
‫الألمان ّية بايني�س �أ‪.‬الندمي�سر حمل‬
‫عنوان (غد ًا الآن)‪.‬‬
‫�شهدت �صالة كاربون ‪ 12‬في دبي‬
‫من معر�ض الفن الفرن�سي المعا�صر‪.‬‬ ‫خالل كانون �أول ‪ 2010‬معر�ض ًا جماعي ًا‬
‫حمل عنوان (كائن ال تحتمل خفته)‬
‫م�ستوحى من رواية للكاتب الت�شيكي‬
‫ميالن كونديرا‪� .‬شارك في المعر�ض‬
‫الفنانون‪ :‬جيل حيتور‪� ،‬سارة رحبا‪،‬‬
‫فرزان �ساديادي‪ ،‬مايكا �ساي�ستورفير‪،‬‬
‫كاترين بيرنهارت‪.‬‬
‫�شهدت �صالة �إيزابيل فان دان ايدن‬
‫في دبي خالل كانون �أول ‪ 2010‬معر�ض ًا‬
‫للفنان الإيراني ينكي نوديومي حمل‬
‫عنوان (الخيل)‪.‬‬
‫�شهدت �صالة المعار�ض في العديات‬
‫بمدينة �أبوظبي خالل �شهر كانون �أول‬
‫‪ 2010‬معر�ض ًا للفن المعا�صر �شارك فيه‬
‫�ستة فنانين عالميين‪.‬‬
‫من معر�ض الر�ؤى ال�سبعة‪.‬‬

‫‪157‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫الب�ستكية التاريخ ّية‬
‫�شهدت منطقة ّ‬ ‫كهربائي فرن�سي متقاعد‪ ،‬حاول بيعها‬
‫ب�إمارة دبي م�ساء ‪ 2010/12/23‬معر�ضاً‬ ‫لورثته‪ .‬ت�ضم الأعمال ‪ 271‬لوحة ور�سم ًا‬
‫بعنوان (الفخر بالأوطان) وذلك‬ ‫وتخطيط ًا وطباعة حجر ّية‪ ،‬الكثير منها‬
‫بمنا�سبة اليوم الوطني ‪ 39‬للدولة �شارك‬ ‫غير معروف وتعود �إلى الفترة الواقعة‬
‫فيه مجموعة من الفنانين الأجانب‬ ‫بين ‪ 1900‬و‪.1932‬‬
‫الذين يعي�شون في الإمارات‪.‬‬ ‫قال باحثون وعلماء �أنه تم العثور على‬
‫عثرت ال�شرطة الأ�سبان ّية على �أعمال‬ ‫رموز في عيون (موناليزا) لوحة الر�سام‬
‫فن ّية‪ ،‬تم �سرقتها خالل �شهر ت�شرين‬ ‫العالمي ليوناردو دافن�شي ال�شهيرة‪،‬‬
‫الثاني ‪ 2010‬بالقرب من العا�صمة‬ ‫بعدما ُعثر على كتاب قديم ي�ؤكد‬
‫الأ�سبان ّية مدريد‪ .‬وكان ل�صو�ص‬ ‫وجود �أحرف التين ّية في عيون ال�سيدة‬ ‫من معر�ض الر�ؤى ال�سبعة‪.‬‬
‫مجهولون �سرقوا في �ضاح ّية خيتاف‬ ‫المر�سومة في اللوحة‪ .‬وفور العثور على‬
‫بمدريد �شاحنة بداخلها ‪ 22‬عم ًال لكبار‬ ‫الكتاب الذي يبلغ عمره خم�سين عام ًا‪،‬‬
‫القنانين مثل‪ :‬بابلو بيكا�سو‪� ،‬إدواردو‬ ‫توجهت �أنظار م�ؤرخي الفن �إلى لوحة‬
‫�شيليدا‪ ،‬و�أنطونيو تابي�س‪ .‬وتقدر قيمة‬ ‫ال�سيدة الغام�ضة التي �أخ�ضعوها لفح�ص‬
‫الأعمال الم�سروقة بـ ‪ 2,7‬مليون يورو‪.‬‬ ‫مجهري فوجدوا حرفين منحوتين‬
‫�أعلنت مجموعة �أبو ظبي للثقافة‬ ‫في عين (موناليزا) اليمنى هما‪LV :‬‬
‫والفنون ان�ضمام �أكثر من �أربعين فنان ًا‬ ‫ويفتر�ض �أنهما يرمزان �إلى ا�سم الفنان‬
‫تف�صيل من لوحة القدي�سة‬
‫ت�شكيلي ًا �إماراتي ًا �إلى مبادرة (رواق‬ ‫ليوناردو دافن�شي‪.‬‬ ‫هيالنة وطفالها لروبنز‪.‬‬
‫الفن الإماراتي) منذ �إطالقها في‬ ‫�شهدت م�ؤ�س�سة �سلطان بن علي‬
‫�شهر ت�شرين الثاني ‪ 2010‬وهي مبادرة‬ ‫العوي�س الثقاف ّية في مدينة دبي م�ساء‬
‫مكر�سة الحت�ضان الفنانين الت�شكيليين‬ ‫‪ 2010/12/22‬معر�ض ًا للفن البرازيلي‬
‫في الإمارات وتقديم جميع �أ�شكال‬ ‫المعا�صر �شارك فيه ‪ 56‬فنان ًا بـ ‪245‬‬
‫الدعم لهم �إلى جانب تنمية وتطوير‬ ‫لوحة‪.‬‬
‫المواهب الفن ّية ال�شابة و�صقلها‪.‬‬ ‫�شهد متحف ال�شارقة للح�ضارة‬
‫بدء ًا من �أيار ‪ 2011‬يبد�أ متحف فني‬ ‫الإ�سالم ّية ما بين ‪2010/12/20‬‬
‫جديد للفن المعا�صر (موكاك) افتتح‬ ‫و‪ 2011/2/11‬معر�ض ًا حمل عنوان‬ ‫من �أعمال الترك ّية ايبرو ايجون‪.‬‬
‫م�ؤخر ًا في (كراكوف) بعر�ض �أعمال‬ ‫(لمحات من �إ�شراقات ملك ّية ‪ -‬الفن‬ ‫�شهدت �صالة �إك�س‪.‬في‪�.‬أي في منطقة‬
‫لفنانين بولنديين و�أجانب‪ .‬وتعر�ض‬ ‫الإ�سالمي الهندي من متحف �سوالر‬ ‫الب�سك ّية في دبي خالل كانون �أول ‪2010‬‬‫ّ‬
‫الأعمال في م�صنع ل�صقل المينا لرجل‬ ‫جونج حيدر �آباد الهند)‪.‬‬ ‫ً‬
‫معر�ضا للفنانة الإيران ّية غزال خطيبي‪،‬‬
‫الأعمال الألماني ال�شهير في زمن‬ ‫في بادرة رياد ّية‪ ،‬دعا متحف برادو في‬ ‫ومعر�ض ًا �آخر للفنان الإيراني مرت�ضى‬
‫الحرب (�أو�سكار �شيندلر)‪.‬‬ ‫مدريد‪ ،‬رواد الإنترنت �إلى ا�ستك�شاف‬ ‫زاهدي‪.‬‬
‫�شهدت مدينة دبي م�ساء ‪2011/1/16‬‬ ‫لوحات الر�سام الفلمنكي (بيار _ بول‬ ‫ُعثر على مئات من �أعمال بابلو‬
‫معر�ض ًا لثمان ّية فنانين ت�شكيليين من‬ ‫روبنز ‪ )1640 _ 1577‬الموجودة فيه‪،‬‬ ‫بيكا�سو التي �أنجزها خالل فترة من‬
‫العرب والأجانب حمل عنوان (العالم‬ ‫وذلك بف�ضل �شريط فيديو تفاعلي‬ ‫�أخ�صب فترات حياته وتقدر قيمتها‬
‫مع ًا)‪.‬‬ ‫بعنوان (روبنز ‪ 360‬درجة)‪.‬‬ ‫بما ال يقل عن ‪ 60‬مليون يورو في منزل‬
‫ليوناردو دافنت�شي‪.‬‬

‫‪ 158‬احلياة الت�شكيلية‬
‫للكاريكاتير حمل عنوان (�صرخة من‬ ‫‪2011/1/10‬‬ ‫�شهدت مدينة دبي م�ساء‬
‫�أجل غزة)‪.‬‬ ‫افتتاح ثالثة معار�ض ت�شكيل ّية في ثالث‬
‫افتتحت والية فلوريدا الأمريك ّية‬ ‫�صاالت عر�ض‪ ،‬وفي وقت واحد‪ .‬ففي‬
‫متحف ًا با�سم الفنان الأ�سباني ال�سوريالي‬ ‫مجل�س غاليري‪ ،‬افتتح معر�ض للفنان‬
‫�سلفادور دالي والذي عا�ش فترة من‬ ‫�ستيفن ميكين بعنوان (وردة ال�ضباب)‪.‬‬
‫حياته في الواليات المتحدة الأمريك ّية‪،‬‬ ‫وافتتح في �صالة غرين �آرت معر�ض‬
‫لعر�ض تفا�صيل حياته التي �أثارت انتقاد‬ ‫للفنانة الترك ّية ايبرو ايجون بعنوان‬
‫الكثيرين‪� ،‬إ�ضافة �إلى بع�ض �أ�شهر‬ ‫(�أحالم)‪ .‬وافتتح في �صالة كاربون‬
‫لوحاته‪ .‬وقد ت�ضمن حفل االفتتاح الذي‬ ‫معر�ض للفنان الأي�سلندي فيليب موللر‬
‫تم مطلع كانون الثاني ‪ 2011‬ا�ستعرا�ض ًا‬ ‫بعنوان (كل عندما ت�ستطيع‪ ،‬ونم عندما‬
‫احتفالي ًا عك�س النزعة ال�سوريال ّية التي‬ ‫ت�ستطيع‪ ،‬لكن الحياة ال تتوقف)‪.‬‬
‫من معر�ض الت�صوير الياباني‪.‬‬ ‫ج�سدها الفنان المتمرد وغريب الأطوار‪.‬‬ ‫�شهد خان �أ�سعد با�شا في �سوق‬
‫�شهد متحف لويزيانا للفن الحديث في‬ ‫البزور ّية بدم�شق القديمة م�ساء‬
‫الدانمارك م�ساء ‪ 2011/1/11‬معر�ض ًا‬ ‫‪ 2011/1/10‬معر�ض ًا للت�صوير ال�ضوئي‬
‫كبير ًا للر�سام الأ�سباني ال�شهير بابلو‬ ‫المغاير (فنانو اليابان اليوم)‪.‬‬
‫بيكا�سو �ضم �أكثر من ‪ 100‬عمل فني‪،‬‬ ‫�شهدت �صالة الم�سرح الوطني في‬
‫وقد حمل المعر�ض عنوان (بيكا�سو ‪...‬‬ ‫�أبوظبي م�ساء ‪ 2011/1/17‬معر�ض ًا حمل‬
‫من معر�ض الر�ؤى ال�سبعة‪.‬‬ ‫�سالم وحر ّية)‪.‬‬ ‫عنوان (الر�ؤى ال�سبعة) �شارك فيه �سبعة‬
‫�أثار معر�ض فني تحت الأر�ض في‬ ‫فنانين ت�شكيليين هم‪� :‬أندرو فيلد من‬
‫نيويورك االهتمام دون �أن يتمكن �أحد‬ ‫انكلترا‪� ،‬سعيد علي �صوفي من �أوغندا‪،‬‬
‫من تحديد موقعه‪ ،‬فهو موجود ب�شكل غير‬ ‫برو�س �سبين�سرهيل من نويزلندا‪،‬‬
‫�شرعي في محطة مترو مهجورة‪ ،‬وي�ضم‬ ‫علي حماد من باك�ستان‪ ،‬جيوفانا‬
‫ر�سوم ًا جدار ّية تغطي م�ساحة وا�سعة‪،‬‬ ‫ماجوجلياني من �إيطاليا‪� ،‬سام فيك�س‬
‫وقد �شارك في �إنجاز هذا المعر�ض ‪103‬‬ ‫من الواليات المتحدة الأمريك ّية‪� ،‬سغرين‬
‫من �أ�شهر الفنانين المعا�صرين‪ .‬حمل‬ ‫بتروف من بلغاريا‪.‬‬
‫المعر�ض عنوان (�أندربيلي بروجيكت)‪.‬‬ ‫�شهدت �صالة ال�شعب للفنون الجملة‬
‫من معر�ض في مواجهة المناخ‪.‬‬
‫�إلى �أنه يتحدى كل المعايير المتبعة في‬ ‫بد�أ الفنانون عملهم ب�إنجاز الأعمال الفن ّية‬ ‫بدم�شق م�ساء ‪ 2011/1/10‬معر�ض ًا‬
‫المعار�ض‪ ،‬لكن ال يمكن �شراء معرو�ضاته‬ ‫عام ‪ 2009‬وب�شكل �سري‪ ،‬وبان�ضباط �شبه‬ ‫للر�سومات الهند ّية الرمز ّية المعا�صرة‪.‬‬
‫التي تناولت �أ�شكا ًال تجريد ّية وت�شخي�ص ّية‬ ‫ع�سكري‪ ،‬هرب ًا من ال�سلطات‪ ،‬متنقلين عبر‬ ‫ـ �شهدت �صالة المعار�ض في الم�ست�شار ّية‬
‫ب�شر ّية �سوريال ّية‪ ،‬ور�سوم مخيفة لجرذان‬ ‫الأنفاق المظلمة لير�سموا ثم يعودوا �إلى‬ ‫الإيران ّية بدم�شق مطلع كانون الثاني‬
‫وجماجم‪ ،‬وما �أ�ضفى الطابع الأ�سطوري‬ ‫ال�سطح‪ .‬وقد �أ�شار �أحد الأ�شخا�ص القالئل‬ ‫‪ 2011‬بمنا�سبة الذكرى ال�سنو ّية الثان ّية‬
‫هو �أن الأعمال دُفنت تحت الأر�ض‪.‬‬ ‫الذين ُ�سمح لهم ب�إلقاء نظرة على المعر�ض‪،‬‬ ‫للعدوان ال�صهيوني على غزة‪ ،‬معر�ض ًا‬

‫***‬

‫‪159‬‬ ‫احلياة الت�شكيلية‬


‫‪ ..‬الأخرية ‪..‬‬
‫ما �سكن الفن مكان ًا �إلى �أحاله �إلى جنة ترفل بالخ�ضرة والجمال والنظافة والترتيب والح�ضارة‪ ،‬من �أجل هذا‪ ،‬تحتاجه المدن‬
‫والبلدات والقرى‪� ،‬سواء ب�شكله المج�سم (كتلة في فراغ) �أو الم�سطح (اللوحات الجدار ّية المتعددة التقانات)‪ .‬وللفن الذي ي�سكن‬
‫العراء‪ ،‬بين النا�س في رواحهم وغدوهم‪� ،‬شروطه ومقوماته وتقاناته‪ ،‬ال يتكامل وجوده‪ ،‬وال ي�ؤدي دوره دونها‪ ،‬وهذا النوع من الفن‬
‫ي�ستدعي وجود الموهبة والخبرة في مبدعه ومنفذه‪ ،‬والو�ضوح في �أ�شكاله و�أفكاره‪ ،‬كونه اختار ال�سكن بين النا�س‪ ،‬على اختالف‬
‫�أعمارهم وثقافتهم ووعيهم االجتماعي‪ .‬ولأنه في الأ�سا�س‪� ،‬صمم لهم‪ ،‬يجب �أن تكون له عالقة بهم‪ ،‬و�أن يو�ضع في المكان المنا�سب‬
‫القادر من خالله‪ ،‬التوا�صل معهم‪ ،‬بي�سر و�سهولة‪ ،‬و�أن ين�سجم ويت�آلف في الوقت نف�سه‪ ،‬مع محيطه المعماري والطبيعي‪.‬‬
‫للمدن والبلدات النظيفة‪ ،‬المرتبة‪ ،‬المنظمة التي تتنف�س الهواء وال�ضوء والعاف ّية برحابة وي�سر‪ :‬نكهة خا�صة‪ .‬وللمدن التي تزاوج‬
‫جيد ًا‪ ،‬بين الكتلة والفراغ‪ ،‬تارك ًَة للهواء وال�شم�س مالعبهما الف�ساح‪ :‬و�سامتها الخا�صة‪ ،‬و�شكلها الجميل والمريح‪ .‬وللمدن المزينة‬
‫بالع�شب وال�شجر والزهر والنظافة‪� :‬سحرها المميز‪ ،‬ووقعها المنع�ش على القلب والعين‪ .‬وللمدن الناه�ضة على �ضفاف الأنهار‪،‬‬
‫و�شواطئ البحار‪ ،‬وفوق اله�ضاب و�أقدام الجبال والذرى‪� ،‬أو بين �أح�ضان ال�سفوح وال�سهول والغابات‪ ،‬ي�سكنها الفن والترتيب ورذاذ‬
‫الماء‪ :‬جمالها الآ�سر النافذ في العقل والوجدان والروح‪.‬‬
‫للمدن التي ي�سكنها الما�ضي والحا�ضر بتوافق وت�آلف وان�سجام‪ :‬نكهة العتاقة الأ�صيلة‪ ،‬و�شهية الم�ستقبل الآمن الواثق‪ .‬للمدن هذه‪،‬‬
‫�سحر ال ي�شيخ‪ ،‬وجمال ال يذبل‪ ،‬وتجدد ال يتوقف عن التنا�سخ ال�سليم‪ ،‬والوالدة الطبيع ّية‪ ،‬واال�ستمرار ال�صحيح‪ .‬للمدن هذه‪ ،‬بوابات‬
‫عري�ضة وو�ساعة مفتوحة على الحياة وللحياة‪.‬‬
‫وحده الفن َمن ي�صنع هذه المدن‪َ ،‬من يرتبها وينظمها ويحقق معادلة ان�سجامها قديمها وحديثها‪ .‬ولكي ينجح الفن بهذه المهمة‪،‬‬
‫ال بد له من �شروط ومقومات وخ�صائ�ص تتوفر فيه �أو ًال‪ ،‬وتتوفر في المكان الذي ي�شغله ثاني ًا‪ ،‬وهو (للأ�سف) ما لم يتحقق في غالبية‬
‫اللم�سات الفن ّية التي بد�أت تظهر في مدننا ال�سور ّية م�ؤخر ًا‪ ،‬فهي مغرقة في ذات ّية منتجيها‪ ،‬ما جعلها خارج مدارك النا�س وفهمهم‬
‫ومقحمة في الأماكن التي تو�ضعت بها وبدت �شاذة غير متوافقة مع محيطها‪.‬‬

‫■ �أمين التحرير‬

‫‪ 160‬احلياة الت�شكيلية‬

You might also like