You are on page 1of 7

‫حياته ومولوده‪:‬‬

‫كان يقيم في ديروط ‪ ،‬إحدى بلدان الصعيد حوالي سنة ‪ ۱۸۷۰‬طائفة من‬
‫المهندسين المصريين لإلشراف على قناطرها القائمة على النيل ‪ ،‬وكان‬
‫من بينهم مهندس مصري صميم يسمى إبراهيم فهمي ‪ ،‬اختار لسكناه سفينة‬
‫" ذهبية " أقام فيها مع زوجته التركية ‪ .‬وفي هذه الذهبية ولد لهما على‬
‫صفحة النيل حافظ [‪ .]1‬لم يعرف بالضبط تاريخ مولد الشاعر ‪ ،‬ومن واقع‬
‫األوراق الرسمية في ملف خدمته ‪ ،‬يتبين أنه عندما أحيل إلى القومسيون‬
‫الطبي لتحديد سنه عندما أريد تعيينه في دار الكتب ‪ ،‬وكان ذلك يوم ‪ ٤‬من‬
‫فبراير سنة ‪ ، ۱۹۱۱‬قدر القومسيون الطبى سنه يومئذ بتسع وثالثين سنة ‪.‬‬
‫وتأسيسا على هذا قرر أنه ولد يوم ‪ ٤‬من فبراير سنة ‪ . ۱۸۷۲‬ولما كان قد‬
‫توفي يوم ‪ ۲۱‬من يوليه سنة ‪ ۱۹۳۲‬فكأنه عاش ستين سنة وبضعة أشهر ‪،‬‬
‫حكم مصر خاللها من أسرة محمد علي ‪ ،‬الخديويون إسماعيل ومحمد‬
‫توفيق وعباس حلمي الثاني ‪ ،‬ثم السلطان حسين كامل والملك أحمد فؤاد‬
‫األول من بعده [‪ .]2‬وكان أبوه إبراهيم فهمي مصريا صميما ‪ .‬أما أمه‬
‫فهي السيدة " هانم بنت أحمد البورصة الي " من أسرة تركية محافظة‬
‫عريقة تسكن حي المغربلين ‪ ،‬أحد األحياء الشعبية القديمة بمدينة‬
‫القاهرة ‪ ،‬تعرف باسم أسرة الصروان ‪ .‬وسبب تسمية األسرة بهذا اإلسم أن‬
‫والد أم حافظ ‪ ،‬أي جده ألمه ‪ ،‬كان أمين الصرة في الحج ‪ .‬فلقب‪" R‬‬
‫الصروان " معناه القيم على الصرة ‪ ،‬وهي المال الذي كانت تبعث به‬
‫حكومة مصر سنويا في موسم الحج لألقطار الحجازية ‪ ،‬معونة لساكني‬
‫األراضي المقدسة وحكومتها ‪ ،‬بعضه هية من حكومة مصر ‪ ،‬والبعض‬
‫اآلخر هو ربع األعيان المصرية الموقوفة على الحرمين الشريفين بمكة‬
‫والمدينة ‪ .‬وبذلك اجتمع في حافظ دمان ‪ ،‬دم مصرى صميم مستمد من‬
‫والده ‪ ،‬ودم تركي طاهر نقى من والدته ‪ .‬ومن مجموع خصائص كال‬
‫الدماءين وتفاعلها في نفس وتكوين حافظ ‪ ،‬تكونت شخصية حافظ وبرزت‬
‫خصائصه ومميزاته [‪ .]3‬ولعل من أبرز الخصائص المصرية في حافظ‬
‫هي قوة احتماله المكروه والسخرية المرّ ة منه ‪ ،‬وديمقراطيته الواضحة ‪،‬‬
‫وتواضعه للناس جميعا وحبه لهم وأنسبه بهم ‪ ،‬ولعل جرأته التي ال تعرف‬
‫الحدود في مواجهة السلطات دون أي تقدير للعواقب ‪ ،‬وتضحياته بلقمة‬
‫العيش واألمن ‪ ،‬وترفعه عن كل المغريات ‪ ،‬وهزأه بكل المحاوالت التي‬
‫بذلت الستمالته إلى الحاكمين ‪ ،‬وصالبته فيما يراه حقا وعدال ‪ ،‬هي من‬
‫الخصائص التركية فيه ‪ ،‬وإن شاركتها خصائصه المصرية أيضا [‪.]4‬‬
‫توفي أبوه وحافظ في الرابعة من عمره [‪.]5‬‬

‫دراسته ‪:‬‬

‫وعاش حافظ في كنف أبيه أربع سنوات ‪ ،‬مات بعدها الوالد فعادت به أمه‬
‫من ديروط إلى بيت أسرتها ‪ .‬وتوفي جد حافظ قبل مولده ‪ ،‬فتولى أمره‬
‫وأمر األسرة الصغيرة ‪ ،‬خاله محمد نيازي الذي كان مهندسا بتنظيم‬
‫القاهرة [‪ .]6‬فرعاه وقام على تربيته [‪ .]7‬أدخله المدرسة حتى أتم الدراسة‬
‫الثانوية [‪ .]8‬التحق حافظ بالمدرسة األولية ثم تحول إلى مدرسة القرية ثم‬
‫المبتديان ثم الخدوية [‪ .]9‬ونقل خال حافظ الذي يرعاه ويتولى شئونه إلى‬
‫وظيفة مهندس تنظيم طنطا ‪ ،‬فكان لزاما أن ينتقل معه حافظ ‪ ،‬وخرج‬
‫حافظ من القاهرة إلى طنطا ‪ ،‬من عالمه الذي ألفه واطمأن إليه إلى عالم‬
‫جديد غريب عليه ‪ ،‬ليس له فيه إال خاله [‪.]10‬‬
‫" وألحقه خاله بمدرسة ثانوية بطنطا الستكمال تعليمه ‪ ،‬وانصرف خاله‬
‫إلى عمله الذي يستغرق كل وقته ‪ .‬ويتمرد الغالم ‪ ،‬ويصب تمرده على‬
‫المدرسة ودروسها ‪ ،‬فكان يذهب يوما اليها اليغيب عنها عشرة ‪ ،‬ال‬
‫انصرافا عن التعليم ‪ ،‬وإنما ألن الذي كان يتلقاه فيها من دروس ال يتفق‬
‫وميوله الطبيعة التي وجدها في الجامع األحمدى بطنطا ‪ ،‬فكان يجلس في‬
‫حلقات الدرس يتلقى عن األئمة العلماء دروسا في علوم اللغة والفقه‬
‫والشريعة ‪ ،‬وتلفته اللغة وآدابها ‪ ،‬ويشد الشعر بموسيقاه ووقعه في النفس‬
‫كل انتباهه ‪ ،‬ويملك عليه حواسه فيبدأ بدراسة الشعر ‪ ،‬ويطلع على دواوين‬
‫الشعراء القدامى ويجد نفسه قد حفظ كل ما تقع عليه عيناه من عيون الشعر‬
‫واألدب ‪ ،‬دون جهد يبذله أو تعمد للحفظ ‪ .‬ثم إذا به بعد قليل يقرض الشعر‬
‫وينظمه على نحو أثار إعجاب الكثيرين من شيوخ األدباء وذواقي األدب‬
‫في مدينة طنطا ‪ ،‬ولم يستطع خال حافظ أن يقبل من ابن شقيقته هذه‬
‫الفوضى وال هذا االنقالب المضيع وهو المسئول األول واألخير عنه ‪،‬‬
‫فزاد من تأنيبه وتقريعه ‪ ،‬فيهتاج حافظ ويعزم على قطيعة خاله الذي يقف‬
‫عقبة في سبيل سلوكه طريق األدب الذي رضيه لنفسه واختلطه لحياته ‪،‬‬
‫وسرعان ما تلفقه نقيب المحامين في طنطا وقتئذ ‪ ،‬فضمه إلى مكتبه‬
‫مساعدا له في القضايا‪ R‬بعد ما لمس فيه من فصاحة اللسان وقوة الحجة‬
‫وغزارة البيان ‪ .‬ولم تكن المحاماة وقتئذ منظمة بقانون أو مشترطا فيها‬
‫مؤهل ‪ ،‬وانما كانت مهنة مفتوحة يلجها وينخرط فيها كل من آنس في نفسه‬
‫صالحا لها ‪ .‬وأخذ حافظ ينتقل من مكتب الى مكتب ‪ ،‬فقد كان ملوك بطبعه‬
‫‪ ،‬ال يستقر على حال ‪ ،‬ولعله داء القلق النفسي الذي الزمه طوال حياته‬
‫نتيجة لما تعترض من أزمات نفسية توالت عليه منذ طفولته [‪ .]11‬تعاطى‬
‫المحاماة ثم انخرط في سلك الجندية ودخل المدرسة الحربية [‪ .]12‬وينتظم‬
‫بين طالبها ‪ ،‬ويتخرج فيها سنة ‪ .]13[ ۱۸۹۱‬ويعين في وزارة الحربية‬
‫ويظل فيها نحو ثالث سنوات ثم يتركها إلى وزارة الداخلية ويمكث بها‬
‫نحو عام ولكنه يعود ثانية إلى الحربية [‪ " .]14‬ويدعى إلى مرافقة الحملة‬
‫األخيرة إلى السودان ‪ ،‬وكانت بقيادة اللورد كتشز [‪ " .]15‬وال يرتاح‬
‫حافظ إلى الحياة هناك فيكتب إلى الشيخ محمد عبده ليتوسط له في الرجوع‬
‫إلى مصر ‪ .‬ويحدث تذمر في الجيش وكان من ضمن المتذمرين حافظ‬
‫فيحاكم ويحال إلى االستيداع عام ‪ . ۱۹۰۰‬ثم يحال على المعاش [‪" .]16‬‬
‫وحافظ في كل هذه األطوار التي مرت به من حياته قلق ضيق يعيشه ‪ ،‬فقد‬
‫نشأ يتيما في ‪ ۳۳‬أسرة متوسطة ‪ ،‬ولم يلبث أن اضطر إلى كسب قوته‬
‫بنفسه ‪ ،‬وحاول أن ينظم حياته فدخل المدرسة الحربية وتخرج منها ‪،‬‬
‫ولكن سوء الطالع الزمه ‪ ،‬فأحيل إلى االستيداع والمعاش [‪ " .]17‬وقد‬
‫تعرف حافظ في حياته على عديد من أبناء الطبقة المثقفة المستنيرة في‬
‫مصر وزاد تعرفه عليهم وصلته بهم بعد إحالته إلى التقاعد حيث اتصل‬
‫برجال السياسة والفكر والدين وزعماء اإلصالح والنهوض بمصر والعالم‬
‫العربي واإلسالمي من أمثال الشيخ محمد عبده ‪ ،‬ومصطفى كامل ‪ ،‬وسعد‬
‫زغلول وقاسم أمين وغيرهم [‪ .]18‬وهذه الطبقة هي الطبقة التي كانت‬
‫تفكر في اإلصالح الديني واالجتماعي والسياسي ‪ ،‬والتي ال تزال آثارها‬
‫فاعلة في حياتنا المصرية [‪ .]19‬وأفسحوا جميعا له بيوتهم ومجالسهم‬
‫وكانت تعجبهم فيه ميوله األدبية ونوادره الطريفة مع عذوبة حديثه وغيرته‬
‫على وطنه وأمته ورغبته القوية واألكيدة في أن تنال أمته حريتها‬
‫واستقاللها وأن تستعيد الشعوب العربية واإلسالمية كرامتها وأمجادها ‪.‬‬
‫في شعر حافظ ‪:‬‬

‫الشعر في حقيقته روح وإحساس وعاطفة ‪ .‬وقد جاء لفظ الشعر من‬
‫الشعور ‪ .‬ويجب أن تكون الروح في الشاعر صادقة مرهفة واإلحساس‬
‫لديه عميقا نافذا والعاطفة قوية جياشة حتى يمكن أن يطلع بشعره على‬
‫الناس فكرا صائبا وعرضا جميال لما يهمهم وينفعهم ‪ .‬وليس لدى الناس‬
‫كلهم الشعور الصادق المرهف ‪ ،‬وال اإلحساس العميق النافذ ‪ ،‬كما أنه ليس‬
‫لدي كل الناس تلك النظرة الفاحصة المدققة الالقطة لما يقع تحت بصرها‬
‫من مرثيات ومشاهد ‪ ،‬يستبطنها ويسنتبط منها ‪ ،‬ولكن هي ميزة ال تتوافر‬
‫إال في األديب والشاعر ‪.‬‬
‫أذن فالعناصر‪ R‬التي تكون الشاعر ثالثة ‪:‬‬
‫‪ . ١‬هو الموهبة التي ال غنى عنها وال محيص ‪ ،‬وتلك من هبات هللا جل‬
‫شأنه ‪ ،‬يمنحها من يشاء من عباده وال دخل لإلنسان فيها ‪ .‬وهنا نجد الفارق‬
‫واضحا وكبيرا بين الشاعر والناظم ‪ .‬فالناظم فاقد الموهبة وإن تعلم أوزان‬
‫الشعر وبحوره ‪ ،‬فيضع نظمه بال روح شعرية فيكون شعره أشبه بالزهور‬
‫الصناعية ‪ ،‬ال روح فيها وال شذى وال تأثيرا جماليا‪ R‬لها تنفعل به النفس ‪.‬‬
‫‪ . ۲‬هو القدرة على التعبير عما يحس به الشاعر ويحرك مشاعره ‪ ،‬وعلى‬
‫كل ذي موهبة شعرية أن ينمي من هذه القدرة بالقراءة‪ R‬واالطالع والعلم‬
‫باألساليب وأصول اللغة وعلوم البالغة وقواعد الشعر ‪ ،‬فهي أركان‬
‫التعبير وأدواته ‪ ،‬وهي الجزء الذي يجب على الشاعر أن يستكمله في نفسه‬
‫بنفسه ‪ .‬وبمعنى آخر هي الجزء العلمي المكتسب في أمر أساسه الموهبة ‪.‬‬

‫‪ . ٣‬واألخير هو ثقافة الشاعر ‪ ،‬فبقدر ما يثقف الشاعر نفسه بثقافات‪R‬‬


‫عصره المتنوعة يجئ شعره بقدرها ‪ ،‬بل عليه أن يزيد من حصيلته الثقافية‬
‫حتى يسبق عصره أو يواكبه على األقل بفكره فيما يقول ‪ .‬وكلما زادت‬
‫ثقافة الشاعر زادت قيمة شعره وعلت مرتبته ‪ .‬وفي شاعرنا حافظ نجد أن‬
‫العنصرين األول والثاني قد توافرا فيه إلى حد بعيد ‪ ،‬فالموهبة الشعرية قد‬
‫وضحت فيه كل الوضوح ‪ ،‬بل هي التي قادته في مقتبل صباه إلى أن‬
‫يتفرغ لها ‪ ،‬أما قدرته على التعبير فقد كان خبيرا بارعا متمكنا منه ‪،‬‬
‫يساس في الصياغة ‪ ،‬ويحسن اختيار الكلمات ‪ ،‬ويضع اللفظ موضعه تماما‬
‫‪ .‬إذا أخذنا نبحث في شخصية حافظ األدبية وجدنا عناصر مختلفة تشترك‬
‫في تكوينها ‪ ،‬وأول هذه العناصر الدم المصري الذي ورثه عن أبيه ‪ ،‬حقا‬
‫كانت أمه تركية ولكن تركيته لم تخلف أثرا واضحا فيه ‪ ،‬فقد غلبتها‬
‫مصريته ‪ ،‬بل لقد استبدت به ‪ ،‬وأصبحت كل شيء يجري في روحه‬
‫ومزاجه ‪ ،‬حتى غدا مثاال حيا للمصري في عصره ‪ ،‬مثاال لروحه القومية‬
‫ومزاجه الفكه الباسم ‪ ،‬وما تزال الصحف والمجالس تتناقل نوادره‬
‫وفكاهاته الى اليوم ‪ " .‬وقد طرق حافظ إبراهيم جميع أغراض الشعر التي‬
‫طرقها معاصروه كالمدح والرثاء والغزل والهجاء والسياسة واإلجتماع‬
‫واإلخوانيات وغيرها لكنه فيما يتصل بالمجتمع والسياسة الوطنية أمهر ‪.‬‬
‫ومن ميزات حافظ الكبرى أنه كان يحسن إلقاء‪ R‬الشعر ‪ ،‬فطان يلقى قصائده‬
‫بنفسه ‪ ،‬وال ينيب عنه أحدا في إلقائها إال ما ندر لعذر قاهر يمنعه عن‬
‫الحضور ‪ ،‬كان جهير الصوت ‪ ،‬قوى االداء ‪ ،‬إذا اعتلى المنير اهتز‬
‫تحته ‪ ،‬كأنها البراكين تتفجر ‪ ،‬يعلو صوته كالرعد في وطنياته ‪ ،‬وجموع‬
‫الشعب تصغي في اعجاب وانهار وقد ملك عليها أفئدتها وأنفاسها وكل‬
‫مشاعرها ‪ ،‬حتى إذا انتهى إلى مقطع من مقاطع القصيد ‪ ،‬جاوبه الشعب‬
‫بدير وزمجرة تعبر عن شعورهم وتقديرهم ومكنون ضمائرهم ولحافظ‬
‫شعر كثير يقرع فيه الشباب كأنه يريد أن يستثيرهم بما يغرس من الحمية‬
‫فيهم ‪ ،‬وكان ال يجد برا وعمال نبيال إال يشيد به ويتغنى بالقائمين على أمره‬
‫‪ ،‬وله في فتح المدارس والجامعة القديمة وإنشاء المالجئ شعر كثير ‪.‬‬
‫وفيها رسم مصر تحوطها هالة من أمجادها الفرعونية ‪ ،‬وما زال يعرض‬
‫هذه األمجاد في الفن والتشريع والسياسة ثم عرض بغزاتها وكيف أن راميا‬
‫لم يرمها بسهم إال ر ّد في نحره ‪ ،‬وتحول إلى االستعمار وصور كفاحنا‬
‫وصراعنا له ‪ ،‬وكيف نبني مصرنا الحديثة بناء شامخا ‪ ،‬وهذه النزعة‬
‫الوطنية يقترن بها في شعره ‪ :‬نزعتان ‪ :‬عربية وإسالمية ‪ ،‬وتبدو األولى‬
‫في كثير من قصائده وخاصة في قصيدته ‪ ،‬التي تكلم فيها بلسان اللغة‬
‫العربية ‪ ،‬وقد نشرها في أول القرن حين كانت تهب عاصفة العامية ضد‬
‫العربية ‪ .‬وأما النزعة االسالمية فتبدو في قصيدته العمرية التي خصها‬
‫على عمر ابن الخطاب وأعماله ‪ ،‬كما تبدو في شعر كثير له نظمه في‬
‫الخالفة العثمانية ‪ ،‬إذ كان المسلمون يتجهون إلى مكة ‪ ،‬فهذه قلب االسالم‬
‫الخافق وتلك سنده الذي يذود عنه بالسالح ‪ .‬وعلى هذا النحو كان حافظ‬
‫يشعر بما يشعر به شعبه شعورا دقيقا ‪ ،‬ألن نفسه كانت مصرية خالصة ‪،‬‬
‫واستطاع أن يصوغ هذا الشعور في لغة جزلة متينة صياغة باهرة ‪،‬‬
‫وبذلك يتبوأ مكانته في تاريخ شعرنا الحديث ‪ .‬عاصر حافظا شعراء‬
‫كثيرون ‪ ،‬نذكر من كبارهم محمد المطلب وأحمد شوقي وخليل مطران‬
‫وولي الدين يكن واسمعيل باشا صبري ‪ ،‬ومن قبلهم محمود سامى باشا‬
‫البارودي ‪ .‬إال أن أكبر شاعر من هؤالء المعاصرين كان بال شك أحمد‬
‫شوقي بك الملقب‪ R‬بأمير الشعراء والذي صاهر حافظا وزامله في الشعر‬
‫ظول حياته ‪ :‬حتى لقد لقيا هللا في سنة واحدة هي سنة ‪ ، ۱۹۳۲‬حيث توفي‬
‫حافظ في ‪ ۲۱‬من يوليه ‪ ،‬وقفاه شوقي في ‪ ١٤‬من أكتوبر من نفس سنة ‪.‬‬
‫وقد انقسم الناس في عهدهما فريقين ‪ :‬فريقا فضل حافظا وأثره عمن‬
‫سواه ‪ ،‬وفريقا فضل شوقي كمعجزة شعرية مع حبه لحافظ وإعجابه به ‪،‬‬
‫وقليال من وقف موقفا وسطا ‪ .‬كانت هذه حال الناس ‪ ،‬ال في مصر‬
‫وحدها ‪ ،‬بل في مشارق األرض العربية ومغاربها ‪.‬‬

‫آثاره ‪:‬‬

‫الحافظ إبراهيم إنتاج شعري ضخم يتمثل في ديوانه المؤلف من ثالثة‬


‫أجزائه ‪ .‬وله في النثر كتاب " سطيح " ‪ .‬وعمل في الترجمة فترجم قسما‬
‫من رواية " البؤساء " لفكتور هيجو واشترك مع الشاعر خليل مطران في‬
‫نقل كتاب " الموجز في االقتصاد السياسي‪.‬‬

‫مصنفاته ‪:‬‬

‫كان حافظ رحمه هللا غير منظم في عمله ‪ ،‬وال حريص على تدوين‬
‫شعره ‪ ،‬فيكتبه في ورقة حيثما اتفق ‪ ،‬ويلقيها أيضا حيثما اتفق ‪ ،‬فضاع‬
‫كثير منه ‪ ،‬ولوال فضل الصحف والمجالت في نشره واالحتفاظ به ‪ ،‬لما‬
‫بقي من شعره اال القليل ‪ .‬وقد جمع في حياته بعضا منه ‪ ،‬معتمدا على ما‬
‫نشر في الصحف والمجالت ‪ ،‬وعلى ما كان منه عند األصدقاء ‪ ،‬ولكن‬
‫وقف في ذلك عند أجزاء ثالثة صغار ‪ ،‬نشر الجزء األول منها سنة‬
‫‪ ۱۳۱۹‬هـ مع تعليقات قيمة بقلم محمد إبراهيم هالل بك ‪ ،‬وقد استفدنا‬
‫منها ‪ ،‬ونشر الثاني سنة ‪ ۱۳٢٥‬هـ ‪ ۱۹۰۷‬م ‪ ،‬والثالث سنة ‪ ۱۳۲۹‬هـ‬
‫‪ ۱۹۱۱‬م ‪ ،‬فأما شعره بعد ذلك فلم يجمع في حياته‪.‬‬

‫وفاته ‪:‬‬
‫في سنة ‪ ١٩٠٦‬بعد أن عاد حافظ من السودان ‪ ،‬تزوج من أسرة بحى‬
‫عابدين ولكن لم يدم زواجه أكثر من أربعة شهر ‪ ،‬فافترق الزوجان ‪ ،‬ولم‬
‫يعقب منها ‪ ،‬ثم لم يعد بعد ذلك إلى الزوج وتوفيت والدته حول سنة ‪۱۹۰۸‬‬
‫فظل يعيش مدة في بيت خاله ‪ ،‬وبعد أن توفي خاله ‪ ،‬كان يعيش مع زوجة‬
‫خاله نيازي بك الست عائشة هانم ‪ ،‬فكانت تدبر بيته ‪ ،‬وتقوم بأمره ‪،‬‬
‫وكانت لم ترزق بأوالد ‪ ،‬فكانت تتبنى بنتين وظلت تقوم بشؤونه الى أن‬
‫توفيت قبل وفاة حافظ بنحو ثالث سنين وفي بيت صغير بالزيتون من‬
‫ضواحي القاهرة ‪ ،‬توفي حافظ في الساعة الخامسة من صباح الخميس ‪۲۱‬‬
‫يوليه سنة ‪ ، ۱۹۳۲‬أي بعد إحالته إلى المعاش بنحو أربعة أشهر ونصف‪.‬‬

You might also like