You are on page 1of 78

‫‪W W W. I S L A M W A Y.

C O M‬‬

‫مالحظة ‪ /‬تم إخفاء األخطاء اإلمالئية في هذا المستند‪ ،‬ومن يريد تفعيل الخاصية‪ ،‬فليضغط‬
‫على زر أدوات الموجود بأعلى الصفحة‪ ،‬ثم يختار تدقيق إمالئي وتدقيق نحوي‪ ،‬ثم يختار‬
‫خيرا‬
‫خيارات‪ ،‬وجزاكم اهلل ً‬

‫« ال تنس إخوانك في فريق عمل طريق اإلسالم من صالح دعائك »‬


‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫آداب الزفاف‬
‫في السنة‬
‫المطهرة‬
‫تأليف العالمة المحدث‬
‫محمد ناصر الدين األلباني‬

‫المكتب اإلسالمي‬
‫ط ‪1409‬هـ‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫مقدمة‪:‬‬
‫حمداً هلل‪ ،‬وصال ًة وسالماً على نبيه وآله وصحبه ومن‬
‫وااله‪ ،‬وعلى كل من اهتدىـ بهداه‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬فقد كان الباعث على تأليف هذه الرسالة‬
‫وإخراجها للناس ألول مرة‪ ،‬تحقيق رغبة أخينا في‬
‫هللا تبارك وتعالى األستاذ عبد الرحمن ألباني‪ ،‬فإنه‪-‬‬
‫جزاه هللا خيراً‪ -‬اقترح تأليفها بمناسبة بنائه على‬
‫زوجه‪ ،‬ففعلت‪ ،‬ثم قام هو بطبعها على نفقته‪،‬‬
‫ووزعها مجاناً في حفلة زفافه‪ ،‬مكان ما جرى الناس‬
‫عليه من توزيع السكاكر والحلويات وغيرها‪ ،‬مما ال‬
‫يبقى أثره وال يدوم نفعه‪ ،‬فكان ذلك منه سنة‬
‫حسنة‪ ،‬من حسناته الكثيرة‪-‬ـ إن شاء هللا‪ -‬ما أحوج‬
‫المسلمين إلى االقتداء به فيها‪ ،‬والسير على‬
‫منوالها‪.‬‬
‫ثم لما نفدت نسخ الطبعة األولى‪ ،‬وكان من تمام‬
‫االستفادة منها‪ ،‬تعميمـ نشرها على الناس في‬
‫مختلف األقطار واألمصار‪ ،‬رأى كثيرونـ إعادة طبعها‪،‬‬
‫ي بالطلب‪ ،‬فاستجبت لذلك‪ ،‬وتفرغت له‬ ‫وألحوا عل ّ‬
‫بعض الوقت‪ ،‬فأضفت إليها زيادات كثيرة‪ ،‬فاتني‬
‫إيرادها في الطبعة األولى بسبب السرعة التي تم‬
‫بها تأليفها وإخراجها‪.‬‬
‫وقد رأيت أن أوسع الكالم في بعض المسائل الهامة‬
‫التي أساء بعض الناس فهمها في هذا العصر أو‬
‫قبله‪ ،‬فبينت‪ -‬ما استطعت‪ -‬خطأهم فيها‪ ،‬وبعدهم‬
‫عن الصوابـ فيما قالوه حولها‪ ،‬وذلك بالحجة‬
‫والبرهان‪ ،‬ليكون القارئ الكريم على بينة من أمره‪،‬‬
‫وبصيرة من دينه‪ ،‬فال يتأثر بشبهات الشاكين‪ ،‬وجدال‬
‫المبطلين‪ ،‬وقلة السالكين‪ ،‬في زمن أصبح التمسكـ‬
‫فيه بالسنة غريباً في بني دينه المحاولين التمسك‬
‫به‪ ،‬فكيف هو في المخالفين له‪ ،‬الصادين عنه؟!‬
‫أسأل هللا تبارك وتعالى أن يجعلنا من عباده القليل‬
‫ن‬
‫الذين قال فيهم نبيه صلى هللا عليه وسلم‪( :‬وإ ّ‬
‫اإلسالم بدأ غريباً‪ ،‬وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى‬
‫للغرباء) مسلم‪.‬‬
‫وأقدم بين يدي الرسالة الكلمة الهامة التي كان‬
‫العالمة الشيخ محب الدين الخطيب تفضل بكتابتهاـ‬
‫وطبعها في مقدمة الطبعة األولى‪ ،‬لما فيها من‬
‫فوائد ومواعظ‪ ،‬وهيـ في رأيي تمهيد قوي لنساءـ‬
‫هذا العصر لكي يتيسر لهن العمل بما جاء في هذه‬
‫الرسالة مما لم يألفنه‪ ،‬بل ولم يسمعن به من قبل‪،‬‬
‫فاللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه‪ ،‬وأرنا الباطل‬
‫باطال ً وارزقناـ اجتنابه‪ ،‬إنك سميع مجيب‪.‬‬
‫دمشق في ‪25/10/1376‬هـ‪.‬‬

‫مقدمة الطبعة األولى‬


‫بقلم فضيلة الشيخ محب الدين الخطيب‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وال رب لهم غيره‪ ،‬وال يطاع‬
‫في السر والعلن سواه‪ ،‬وصلى هللا على معلم‬
‫الناس الخير محم ٍد هادي اإلنسانية إلى سنة الحق‪،‬‬
‫وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫وبعد؛ فإن جماهيرـ المسلمين ال يزالون في مثل‬
‫ُ‬
‫عقول األطفال؛ يلهيهم ما يلهي األطفال‪ ،‬يلهيهم ما‬
‫يلهي األطفال‪ ،‬ويصرفهمـ عن مناهج الخير وأهداف‬
‫الحق كل ما يصرف األطفال من أالعيب وتوافه‬
‫وأوهام‪ ،‬حتى يتحروا سنة اإلسالم في االعتدال‪،‬‬
‫وهدايته في التحررـ من كل ما استعبدوا له من‬
‫المالهي والسفاسف والزخارف والشهوات‪،‬‬
‫وحينئذيرجعون إلى ربهم‪ ،‬فيحفظ لهم عقولهم‪،‬‬
‫ويبارك لهم في أوقاتهمـ وأعمالهم وجهودهم‪ ،‬ويدخر‬
‫لهم ثروتهم وأسبابـ قوتهم‪ ،‬فيستعملونها فيما‬
‫ينفعهم‪ ،‬ويكون بهم عزهم‪ ،‬ويعلو به سلطانهم‪.‬‬
‫وتحري سنة اإلسالم في االعتدال‪ ،‬واالنتفاع بهدايته‬
‫في التحرر من السفاسف التي صار السملمونـ‬
‫مستعبدين لها منذ أكثر من ألف سنة‪ ،‬يتوقف على‬
‫أمرين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬إخالص العلماء العاملين الذين يبينون لألمة‬
‫سنن دينها في كل ناحية من النواحي التي تتناولها‬
‫رسالة اإلسالم‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬ازدياد عدد المسلمين الذين يوطنون‬
‫أنفسهم في ترديد ذلك البيانـ العلميـ بالعمل به‪،‬‬
‫حتى يتلقاه عنهم بالقدوة من ال يتيسر لهم تلقيه‬
‫بالدرس والتعلم‪.‬‬
‫وهذه الرسالة اللطيفة نموذج لناحية من النواحي‬
‫التي تناولتهاـ رسالة اإلسالم بالسنن الصحيحة عن‬
‫معلم الناس الخير صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬في‬
‫حفالت الزفاف وآدابه ووالئمه‪ ،‬وهي الناحية التي‬
‫أسرف فيها المسلمونـ بالبعد عن سنن اإلسالم‪،‬‬
‫حتى أوغلوا ال في الجاهلية األولى التي امتازت‪-‬‬
‫في هذه الناحية‪ -‬بفطرة العروبة وتحررها من بذخ‬
‫المترفين‪ ،‬بل في الجاهليةـ الطارئة التي تشبهت‬
‫فيها كل طبقة بالطبقة التي سبقتها إلى النار‪ ،‬حتى‬
‫أصبحت أعباء الزواج وتكاليفه فوق طاقة الناس‪،‬‬
‫فكادوا ينصرفون عنه‪ -‬وهو في نفسه من سنة‬
‫اإلسالم‪ -‬ألنهم انصرفوا فيه عن سنن اإلسالم‪،‬‬
‫فأوقعهم ذلك في شر أنواع الجاهلية‪.‬‬
‫وبعد أن تهيأت لهذه الرسالة المناسبةـ التي عينت‬
‫موضوعها‪ ،‬تهيأ لها مؤلف من دعاة السنة الذين‬
‫وقفوا حياتهم على العمل إلحيائها‪ ،‬وهو أخونا‬
‫بالغيب الشيخ أبو عبد الرحمن محمد ناصر نوح‬
‫نجاتي األلباني‪ ،‬فوضع بين أيدي المسلمين‬
‫النصوص الصحيحة والحسنةـ من سنة رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم في آداب الزفاف‪ ،‬وحبذا لو‬
‫كان قد اتّسع له الوقت وواتته األسباب‪ ،‬فاستقصى‬
‫كل ماورد من ذلك في الحياة الزوجية‪ ،‬وآداب البيت‪،‬‬
‫وما ينبغي أن تكون عليه األسرة اإلسالمية‪ .‬ولكن‬
‫ظهور الهالل في ليلته األولى‪ ،‬قد يشعر بما يليه من‬
‫مطالع صفحات القمر حتى يكون بدراً كامالً‪.‬‬
‫وكما تهيأ لهذه الرسالة موضوعها والمؤلف الذي‬
‫يستوفيه‪ ،‬تهيأ لها كذلك المسلم األول والمسلمة‬
‫األولى اللذانـ آليا أن يكونا قدوة للمسلمين في‬
‫االعتدال والتحررـ من العبودية للسفاسف والمالهي‬
‫وتوافه العادات‪ ،‬عندما استخارا هللا‪ ،‬فخار لهما أن‬
‫يبنيا البيت المسلمـ الطاهر‪ ،‬واألسرة اإلسالمية‬
‫المتحررةـ من تقاليد الجاهليةـ األجنبية عنا‪ ،‬والطارئة‬
‫علينا‪ .‬فأرجو هللا عز وجل أن يأخذ بيد أخي المؤمن‬
‫المجاهد األستاذ السيد عبد الرحمن الباني في‬
‫جميع مراحل حياته‪ ،‬حتى يحقق له آماله‪ ،‬ملتزماً‬
‫سنة اإلسالم في ذلك ما استطاع‪.‬‬
‫وأختم هذه الكلمة بأن أضرب لعروسه المسلمة‬
‫الفاضلة مثال ً من تاريخ نساء العروبة واإلسالم‪،‬‬
‫ينبغي لكل مسلمة أن تجعله نصب عينيها‪ ،‬لتكون‬
‫من الخالدات إن شاء هللا‪.‬‬
‫إن فاطمة بنت أمير المؤمنين عبد الملك بن مروانـ‬
‫كان ألبيها‪ -‬يوم تزوجت‪ -‬السلطان األعظم على‬
‫الشام والعراق والحجاز واليمن وإيرانـ والسندـ‬
‫وقفقاسيا والقرم وما وراءـ النهر إلى نجارا وجنوة‬
‫شرقاً‪ ،‬وعلى مصر والسودان وليبيا وتونس والجزائرـ‬
‫والمغرب األقصى وإسبانياـ غرباً‪ .‬ولم تكن فاطمة هذه‬
‫بنت الخليفة األعظم وحسب‪ ،‬بل كانت كذلك أخت‬
‫أربعة من فحول خلفاء اإلسالم‪ ،‬وهم‪ :‬الوليد بن عبد‬
‫الملك‪ ،‬وسليمان بن عبد الملك‪ ،‬ويزيد بن عبد‬
‫الملك‪ ،‬وهشامـ بن عبد الملك‪ ،‬ويزيد بن عبد الملك‪،‬‬
‫وهشام بن عبد الملك‪ ،‬وكانت فيما بين ذلك زوجة‬
‫أعظم خليفة عرفه اإلسالم بعد خلفاء الصدر األول‪،‬‬
‫وهو أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز‪.‬‬
‫وهذه السيدة التي كانت بنت خليفة‪ ،‬وزوجة خليفة‪،‬‬
‫وأخت أربعة من الخلفاء‪ ،‬خرجت من بيت أبيها إلى‬
‫بيت زوجها يوم زفت إليه وهي مثقلة بأثمن ما‬
‫تملكه امرأة على وجه األرض من الحلي‬
‫والمجوهرات‪ ،‬ويقال‪ :‬إن من هذه الحلي قرطي‬
‫مارية اللذين اشتهرا في التاريخ‪ ،‬وتغنى بهما‬
‫الشعراء‪ ،‬وكانا وحدهماـ يساويانـ كنزاً‪ .‬ومن فضول‬
‫القول أن أشير إلى أن عروس عمر بن عبد العزيز‬
‫كانت في بيت أبيها تعيش في نعمة ال تعلوا عليها‬
‫عيشة امرأة أخرى في الدنيا لذلك العهد‪ ،‬ولو أنها‬
‫استمرتـ في بيت زوجها تعيش كما كانت تعيش‬
‫قبل ذلك لتمأل كرشها في كل يوم وفي كل ساعة‬
‫بأدسم المأكوالت وأندرها وأغالها‪ ،‬وتنعم نفسها‬
‫بكل أنواع النعيم الذي عرفه البشر‪ ،‬الستطاعت‬
‫ذلك‪ .‬إال أني ال أذيع مجهوال ً بين الناس إن قلت‪ :‬إن‬
‫عيشة البذخ والترفـ قد تضرها في صحتها من حيث‬
‫يتمتع بالعافية المعتدلون‪ ،‬وقد تكسبها هذه العيشة‬
‫الحقد والحسد والكراهيةـ من أهل الفاقة‬
‫والمعدمين‪ ،‬زد على ذلك أن العيشة مهما اختلفت‬
‫ألوانها تكون مع االعتياد مألوفة ومملولة‪ ،‬والذين‬
‫بلغوا من النعيم أقصاهـ يصدمون بالفاقة عندما تطلب‬
‫أنفسهم ما رواهـ ذلك‪ ،‬فال يجدونه‪ ،‬بينما المعتدلون‬
‫يعملون أن في متناول أيديهم وراء الذي هم فيه‪،‬‬
‫وأنهم يجدونه متى شاؤوا‪ ،‬غير أنهم اختاروا التحرر‬
‫منه ومن سائر الكماليات‪ ،‬ليكونوا أرفع منها‪ ،‬وليكونوا‬
‫غير مستعبدين لشهواتها‪ ،‬ولذلك اختار الخليفة‬
‫األعظم عمر بن عبد العزيز‪ -‬في الوقت الذي كان فيه‬
‫أعظم ملوك األرض‪ -‬أن تكون نفقة بيته بضعة دراهم‬
‫في اليوم‪ ،‬ورضيت بذلك زوجة الخيلفة التي كانت‬
‫بنت خليفة وأخت أربعة من الخلفاء‪ ،‬فكانت مغتبطة‬
‫بذلك؛ ألنها تذوقت القناعة‪ ،‬وتمتعت بحالوة‬
‫االعتدال‪ ،‬فصارت هذه اللذة وهذه الحالوة أطيب لها‬
‫وأرضى لنفسها من كل ما كانت تعرفه قبل ذلك من‬
‫صنوف البذخ وألوان الترف‪ .‬بل اقترح عليها زوجها أن‬
‫تترفع عن عقلية الطفولة فتخرج عن هذه األالعيب‬
‫والسفاسف التي كانت تبهرج بها أذنيها وعنها‬
‫وشعرها ومعصميها مما ال يسمن وال يغني من‬
‫جوع‪ ،‬ولو بيع ألشبع ثمنه بطون شعب برجاله‬
‫ونسائه وأطفاله‪ ،‬فاستجابت له‪ ،‬واستراحتـ من‬
‫أثقال الحلي والمجوهراتـ والآلليء والدرر التي‬
‫حملتها معها من بيت أبيها‪ ،‬فبعثت بذلك كله إلى‬
‫بيت مال المسلمين‪ .‬وتوفي عقب ذلك أمير‬
‫المؤمنين عمر بن عبد العزيز ولم يخلف لزوجته‬
‫وأوالده شيئاً‪ ،‬فجاءها أمين بيت المال‪ ،‬وقال لها‪ :‬إن‬
‫مجوهراتك يا سيدتي ال تزال كما هي‪ ،‬وإني‬
‫اعتبرتها أمانة لك‪ ،‬وحفظتها لهذا اليوم‪ ،‬وقد جئت‬
‫أستأذنك في إحضارها‪.‬ـ فأجابته بأنها وهبتهاـ لبيت‬
‫مال المسلمين طاعة ألمير المؤمنين‪ ،‬ثم قالت‪:‬‬
‫((وما كنت ألطيعه حياً وأعصيه ميتاً))‪ .‬وأبت أن‬
‫تسترد من مالها الحالل الموروثـ ما يساوي الماليين‬
‫الكثيرة‪،‬ـ في الوقت الذي كانت محتاجة فيه إلى‬
‫دريهمات‪ ،‬وبذلك كتب هللا لها الخلود‪ ،‬وها نحن‬
‫نتحدث عن شرف معدنها‪ ،‬ورفيع منزلتهاـ بعد عصور‬
‫وعصور‪ ،‬رحمها هللا‪ ،‬وأعلى مقامهما في جنات‬
‫النعيم‪.‬‬
‫إن أهنأ العيش هو العيش المعتدل في كل شيء‪،‬‬
‫وكل عيش مهما خشن أو نعم‪ ،‬إذا اعتاده أهله ألفوه‬
‫وارتاحوا إليه‪ ،‬والسعادة هي الرضا‪ ،‬والحرـ هو الذي‬
‫يتحرر من كل ما يستطيع االستغناء عنه‪ ،‬وذلك هو‬
‫الغنى بالمعنى اإلسالمي والمعنىـ اإلنساني‪،‬‬
‫جعلنا هللا من أهله‪.‬‬

‫‪17‬ذي الحجة سنة ‪1371‬هـ‬


‫‪ 7‬سـبتمبرـ سـنة‪1952‬م‬
‫محب الدين‬
‫الخطيب‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫الحمد هلل القائل في محكم كتابه‪﴿ :‬ومن آياته أن‬
‫خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل‬
‫بينكم مودّة ورحمة﴾ [الروم‪ .]21 :‬والصالة والسالم‬
‫على نبيه محمد الذي ورد عنه فيما ثبت من حديثه‪:‬‬
‫((تزوّجوا الودود الولود‪ ،‬فإني مكاثر بكم األنبياء يوم‬
‫القيامة)) رواهـ أحمد والطبراني بسند صحيح‪.‬‬
‫وبعد؛ فإن لمن تزوج وأراد الدخول بأهله آداباً في‬
‫اإلسالم‪ ،‬قد ذهل عنها‪ ،‬أو جهلها أكثر الناس‪ ،‬حتى‬
‫المتعبدين منهم‪ ،‬فأحببت أن أضع في بيانها هذه‬
‫الرسالة المفيدةـ بمناسبة زفاف أحد األحبة‪ ،‬إعانة له‬
‫ولغيره من اإلخوة المؤمنين‪ ،‬على القيام بما شرعه‬
‫سيد المرسلين عن رب العالمين‪ ،‬وعقبتها بالتنبيه‬
‫ابتلي‬
‫على بعض األمور التي تهم كل متزوج‪ ،‬وقد ُ‬
‫بها كثير من الزوجات‪.‬‬
‫اسأل هللا تعالى أن ينفع بها‪ ،‬وأن يجعلها خالصة‬
‫لوجهه الكريم‪ ،‬إنه هو البر الرحيم‪.‬‬
‫وليعلم أن آداب الزفاف كثيرة‪ ،‬وإنما يعنيني منها في‬
‫هذه العجالة؛ ما ثبت منها في السنة المحمدية‪،‬‬
‫مما ال مجال إلنكارها من حيث إسنادها‪ ،‬أو محاولة‬
‫التشكيك فيها من جهة مبناها؛ حتى يكون القائم‬
‫بها على بصيرة من دينه‪ ،‬وثقة من أمره‪ ،‬وإني ألرجو‬
‫أن يختم هللا له بالسعادة‪ ،‬جزاء افتتاحه حياته‬
‫الزوجة بمتابعة السنة‪ ،‬وأن يجعله من عباده الذين‬
‫وصفهم بأن من قولهم‪﴿ :‬ربنا هب لنا من أزواجناـ‬
‫وذرياتنا قرّة أعين واجعلنا للمتقين إماما﴾‪[ .‬الفرقان‪:‬‬
‫‪ .]74‬والعاقبة للمتقين كما قال رب العالمين‪﴿ :‬إن‬
‫المتقين في ظالل وعيون‪ .‬وفواكه مما يشتهون‪ .‬كلوا‬
‫واشربوا هنيئاًـ بما كنتم تعملون‪ .‬إنا كذلك نجزي‬
‫المحسنين﴾ [المرسالت‪.]44 -41 :‬‬
‫وهاك تلك اآلداب‪:‬‬

‫‪ -1‬مالطفة الزوجة عند البناء‬


‫بها‪:‬‬
‫يستحب له إذا دخل على زوجته أن يالطفها‪،‬‬
‫كأن يقدم إليها شيئاً من الشرابـ ونحوه؛ لحديث‬
‫(‪)1‬‬
‫أسماء بنت يزيد بن السكن‪ ،‬قالت‪(( :‬إني قيّنت‬
‫عائشة لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ثم جئته‬
‫فدعوته لجلوتها(‪ ،)2‬فجاء‪ ،‬فجلس إلى جنبها‪ ،‬فأتي‬
‫ب ُعس(‪ )3‬لبن‪ ،‬فشرب‪ ،‬ثم ناولها النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم فخضت رأسها واستحيت‪ ،‬قالت أسماء‪:‬‬
‫فانتهرتها‪ ،‬وقلت لها‪ :‬خذي من يد النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ ،‬قالت‪ :‬فأخذت‪ ،‬فشربت شيئاً‪ ،‬ثم قال‬
‫لها النبي صلى هللا عليه وسلم‪ :‬أعطي تربك(‪،)4‬‬
‫قالت أسماء‪ :‬فقلت‪ :‬يا رسول هللا! بل خذه فاشرب‬
‫منه ثم ناولنيه من يدك‪ ،‬فأخذه فشرب منه ثم‬
‫ناولنيه‪ ،‬قالت‪ :‬فجلست‪ ،‬ثم وضعته على ركبتي‪ ،‬ثم‬
‫طفقت أديره وأتبعه بشفتي ألصيب منه شرب النبي‬
‫() أي‪ :‬زينت‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫()أي‪ :‬للنظر إليها مجلوة مكشوفة‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() هو القدح الكبير‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أي‪ :‬صديقتك‪.‬‬ ‫‪4‬‬


‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ثم قال لنسوة عندي‪:‬‬
‫((ناوليهن))‪ ،‬فقلن‪ :‬ال نشتيه! فقال صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪(( :‬ال تجمعن جوعاً وكذباً))أخرجه أحمد‬
‫بإسنادين يقوي أحدهما اآلخر‪ .‬والحميدي في‬
‫مسنده‪ .‬وله شاهد في الطبراني‪.‬‬

‫‪ -2‬وضع اليد على رأس الزوجة‬


‫والدعاء لها‪:‬‬
‫وينبغي أن يضع يده على مقدمة رأسها عند البناء‬
‫بها أو قبل ذلك‪ ،‬وأن يسمي هللا تبارك وتعالى‪،‬‬
‫ويدعو بالبركة‪ ،‬ويقول ما جاء في قوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪:‬‬
‫((إذا تزوج أحدكم امرأة‪ ،‬أو اشترى خادماً‪[ ،‬فليأخذ‬
‫بناصيتها](‪[ ،)5‬وليسم هللا عز وجل]‪[ ،‬وليدع بالبركة]‪،‬‬
‫وليقل‪:‬‬
‫اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه‪،‬‬
‫وأعوذ بك من شرّها وشر ما جبلتها عليه‪.‬‬
‫[وإذا اشترىـ بعيراً فليأخذ بذروه سنامه‪ ،‬وليقل مثل‬
‫ذلك]))‪ .‬البخاري وأبو داود وابن ماجه والحاكم‬
‫والبيهقي‪.‬‬

‫‪ -3‬صالة الزوجين معاً‪:‬‬


‫ويستحب لهما أن يصليا ركعتين معاً‪ ،‬ألنه منقول عن‬
‫السلف‪ .‬وفيه أثران‪:‬‬
‫األول‪ :‬عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال‪:‬‬
‫((تزوجت وأنا مملوك‪ ،‬فدعوت نفراً من أصحاب النبي‬
‫() الناصية‪ :‬منبت الشعر في مقدم الرأس؛‪ %‬كما في ((اللسان))‪%.‬‬ ‫‪5‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم فيهم ابن مسعود وأبو ذر‬
‫وحذيفة‪ ،‬قال‪ :‬وأقيمتـ الصالة‪ ،‬قال‪ :‬فذهب أبو ذر‬
‫ليتقدم‪ ،‬فقالوا‪ :‬إليك! قال‪ :‬أو كذلك؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فتقدمت بهم وأنا عبد مملوك‪ ،‬وعلموني فقالوا‪((:‬إذا‬
‫دخل عليك أهلك فصل ركعتين‪ ،‬ثم سل هللا من خير‬
‫ما دخل عليك‪ ،‬وتعوذ به من شره‪ ،‬ثم شأنك وشأن‬
‫أهلك))‪ .‬أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف‪ .‬وعبد‬
‫الرزاق‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬عن شقيق قال‪(( :‬جاء رجل يقال له‪ :‬أبو‬
‫حريز‪ ،‬فقال‪ :‬إني تزوجت جارية شابة [بكراً]‪ ،‬وإني‬
‫أخاف أن تفركني‪ ،‬فقال عبد هللا (يعني ابن‬
‫مسعود)‪:‬‬
‫((إن اإللف من هللا‪ ،‬والفرك من الشيطان‪ ،‬يريد أن‬
‫يكرّه إليكمـ ما أحل هللا لكم؛ فإذا أتتك فأمرها أن‬
‫تصلي وراءكـ ركعتين))‪ .‬زاد في رواية أخرى عن ابن‬
‫مسعود‪:‬‬
‫ي‪،‬‬
‫((وقل‪ :‬اللهم بارك لي في أهلي‪ ،‬وبارك لهم ف ّ‬
‫اللهم اجمع بيننا ما جمعت بخير؛ وفرق بيننا إذا‬
‫فرقت إلى خير))‪ .‬وعبد الرزاقـ وسنده صحيح‪،‬‬
‫والطبرانيـ بسندين صحيحين‪.‬‬

‫‪ -4‬ما يقول حين يجامعها‪:‬‬


‫وينبغي أن يقول حين يأتي أهله‪:‬‬
‫((بسم هللا‪ ،‬اللهم جنبنا الشيطان‪ ،‬وجنب الشيطان‬
‫ما رزقتناـ))‪.‬‬
‫قال صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫((فإن قضى هللا بينما ولداً؛ لم يضره الشيطانـ أبداً))‬
‫البخاري وبقية أصحاب السنن إال النسائي‪.‬‬
‫‪ -5‬كيف يأتيها‪:‬‬
‫ويجوز له أن يأتيها في ق ُُبلها من أي جهة شاء‪ ،‬من‬
‫خلفها أو من أمامها‪ ،‬لقول هللا تبارك وتعالى‪:‬‬
‫﴿نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم﴾‪ ،‬أي‪:‬‬
‫كيف شئتم؛ مقبلة ومدبرة‪ ،‬وفي ذلك أحاديث أكتفي‬
‫باثنين منها‪:‬‬
‫األول عن جابر رضي هللا عنه قال‪:‬‬
‫((كانت اليهود تقولك إذا أتى الرجل امرأته من دبرها‬
‫حرث‬
‫ٌ‬ ‫في قبلها كان الولد أحول! فنزلت‪﴿ :‬نساؤكم‬
‫لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم﴾ [فقال رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪ :‬مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في‬
‫الفرج] ))‪ .‬البخاري ومسلم والنسائي‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬عن ابن عباس‪ ،‬قال‪:‬‬
‫((كان هذا الحي من األنصار؛ وهم أهل وثن‪ ،‬مع هذا‬
‫الحي من يهود‪ ،‬وهم أهل كتاب‪ ،‬وكانوا يرونـ لهم‬
‫فضال ً عليهم في العلم‪ ،‬فكانوا يقتدونـ بكثير من‬
‫فعلهم‪ ،‬وكان من أمر أهل الكتاب أن ال يأتوا النساء‬
‫إال على حرف‪ ،‬وذلك أستر ما تكون المرأة‪ ،‬فكان هذا‬
‫الحي من األنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم‪ ،‬وكان‬
‫هذا الحي من قريش يشرحون النساءـ شرحاً منكراً‪،‬‬
‫ويتلذذون منهن مقبالت ومدبرات ومستلقيات؛ فلما‬
‫قدم المهاجرونـ المدينة‪ ،‬تزوج رجل منهم امرأة من‬
‫األنصار‪ ،‬فذهب يصنع بها ذلك‪ ،‬فأنكرته عليه‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫إنما كنا ُنؤتى على حرف‪ ،‬فاصنع ذلك وإال فاجتنبني‪،‬‬
‫حتى شري أمرها‪ ،‬فبلغ ذلك رسول هللا صلى هللا‬
‫حرث لكم‬ ‫ٌ‬ ‫عليه وسلم‪ ،‬فأنزل هللا عز وجل‪﴿ :‬نساؤكم‬
‫فأتوا حرثكم أنّى شئتم﴾‪ .‬أي‪ :‬مقبالت ومدبراتـ‬
‫ومستلقيات‪ ،‬يعني بذلك موضع الولد))أبو داود‬
‫والحاكم‪.‬‬

‫‪ -6‬تحريم الدبر‪:‬‬
‫ويحرم عليه أن يأتيها في دبرها لمفهوم اآلية‬
‫حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى‬ ‫ٌ‬ ‫السابقة‪﴿ :‬نساؤكم‬
‫شئتم﴾‪،‬‬
‫واألحاديث المتقدمة‪ ،‬وفيه أحاديث أخرى‪:‬‬
‫األول‪ :‬عن أم سلمة رضي هللا عنها قالت‪:‬‬
‫((لما قدم المهاجرون المدينة على األنصار تزوجوا‬
‫من نسائهم‪ ،‬وكان المهاجرون يجبّون‪ ،‬وكانت األنصار‬
‫ال تجبّي‪ ،‬فأراد رجل من المهاجرين امرأته على ذلك‪،‬‬
‫فأبت عليه حتى تسأل رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬قالت‪ :‬فأتته‪ ،‬فاستحيت أن تسأله‪ ،‬فسألته‬
‫أم سلمة‪ ،‬فنزلت‪﴿ :‬نساؤكمـ حرث لكم فأتوا حرثكم‬
‫أنّى شئتم﴾‪ ،‬وقال‪ :‬ال؛ إال في صمام‬
‫واحد))أحمد‪،‬والترمذي وصححه‪ ،‬وأبو يعلى‪،‬‬
‫والبيهقي وإسناده صحيح على شرط مسلم‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬عن ابن عباس رضي هللا عنه قال‪:‬‬
‫((جاء عمر بن الخطاب إلى رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول هللا! هلكت‪.‬ـ قال‪ :‬وما‬
‫الذي أهلكك؟ قال‪ :‬حولت رحلي الليلة‪ ،‬فلم يرد‬
‫عليه شيئاً‪ ،‬فأوحي إلى رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫حرث لكم فأتوا حرثكم‬ ‫ٌ‬ ‫وسلم هذه اآلية‪﴿ :‬نساؤكم‬
‫ل وأدبِ ْر‪ ،‬واتقل الدبر‬ ‫أنّى شئتم﴾‪ ،‬يقول‪ :‬أق ِب ْ‬
‫والحيضة))النسائي والترمذيـ والطبراني والواحدي‬
‫بسند حسن‪.‬وحسنه الترمذي‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬عن خزيمة بن ثابت رضي هللا عنه‪:‬‬
‫((أن رجال ً سأل النبيـ صلى هللا عليه وسلم عن‬
‫إتيان النساءـ في أدبارهن‪ ،‬أو إتيان الرجل امرأته في‬
‫دبرها؟ فقال صلى هللا عليه وسلم‪ :‬حالل‪ .‬فلما ول ّى‬
‫الرجل دعاه‪ ،‬أو أمر به فدعي‪ ،‬فقال‪ :‬كيف قلت؟ في‬
‫أي الخربتين‪ ،‬أوفي الخرزتين‪ ،‬أو في أي الخصفتين؟‬
‫أمن دبرها في قبلها؟ فنعم‪ ،‬أم من دبرها في‬
‫دبرها؟ فال‪ ،‬فإن هللا ال يستحي من الحق‪ ،‬ال تأتوا‬
‫النساء في أدبارهن))الشافعي وقواه‪،‬‬
‫والدارمي‪،‬والطحاوي‪ ،‬والخطابي وسنده صحيح‪.‬‬
‫رجل يأتي امرأته في‬
‫ٍ‬ ‫الرابع‪(( :‬ال ينظر هللا إلى‬
‫دبرها))‪ .‬النسائي والترمذيـ وابن حبان وسنده‬
‫حسن‪ ،‬وحسنه الترمذي‪ ،‬وصححه ابن راهويه‪.‬‬
‫محاشهن‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الخامس‪(( :‬ملعون من يأتي النساء في‬
‫يعني‪ :‬أدبارهن))‪.‬ابن عدي بسند حسن‪.‬‬
‫السادس‪(( :‬من أتى حائضاً‪ ،‬أو امرأة في دبرها‪ ،‬أو‬
‫كاهناً فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما ُأنزل على‬
‫محمد)) أصحاب السنن إال النسائي‪.‬‬

‫‪ -7‬الوضوء بين الجماعين‪:‬‬


‫وإذا أتاها في المحل المشروع‪ ،‬ثم أراد أن يعود إليها‬
‫توضأ لقوله صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫((إذا أتى أحدكم أهله‪ ،‬ثم أراد أن يعود‪ ،‬فليتوضأ‬
‫[بينهما وضوءاً] (وفي رواية‪ :‬وضوءه للصالة) [فإنه‬
‫أنشط في العود] )) مسلم وابن أبي شيبة‪ ،‬وأحمدـ‬
‫وأبو نعيم والزيادة له‪.‬‬

‫‪ -8‬الغسل أفضل‪:‬‬
‫لكن الغسل أفضل من الوضوء لحديث أبي رافع أن‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم طاف ذات يوم على‬
‫نسائه‪ ،‬يغتسل عند هذه وعند هذه‪ ،‬قال‪ :‬فقلت له‪:‬‬
‫يا رسول هللا! أال تجعله غسال ً واحداً؟ قال‪:‬‬
‫((هذا أزكى وأطيب وأطهر))‪ .‬أبو داود‪ ،‬والنسائي‪،‬ـ‬
‫والطبرانيـ‪.‬‬

‫‪ -9‬اغتسال الزوجين معاً‪:‬‬


‫ويجوز لهما أن يغتسال معاً في مكان واحد‪ ،‬ولو رأى‬
‫منه ورأتـ منه‪ ،‬وفيه أحاديث‪:‬‬
‫األول‪ :‬عن عائشة رضي هللا عنها قالت‪:‬‬
‫((كنت اغتسل أنا ورسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫من إناء بيني وبينه واحد [تختلف أيدينا فيه]‪،‬‬
‫فيبادرني حتى أقول‪ :‬دع لي‪ ،‬دع لي‪ ،‬قالت‪ :‬هما‬
‫جنبان))البخاريـ ومسلمـ وأبو عوانة في‬
‫((صحاحهم))‪.‬‬
‫‪ -10‬الثاني‪ :‬عن معاوية بن حيدة قال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬يا رسول هللا! عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟‬
‫قال‪(( :‬احفظ عورتك إال من زوجتك أو ما ملكت‬
‫يمينك))‪.‬قال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬يا رسول هللا! إذا كان القوم بعضهم في بعض؟‬
‫قال‪:‬‬
‫((إن استطعت أن ال يرينها أحد‪ ،‬فال يرينها))‪.‬‬
‫قال‪:‬‬
‫فقلت‪ :‬يا رسول هللا! إذا كان أحدنا خالياً؟ قال‪:‬‬
‫((هللا أحق أن يستحيى منه من الناس))رواهـ‬
‫أصحاب السنن إال النسائي‪.‬‬
‫‪ -10‬توضؤ‪ B‬الجنب قبل النوم‪:‬‬
‫جنبين إال إذا توضأ‪ ،‬وفيه أحاديث‪:‬‬‫وال ينامان ُ‬
‫األول‪ :‬عن عائشة رضي هللا عنها قالت‪:‬‬
‫((كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إذا أراد أن‬
‫[يأكل أو] ينام وهو جنب غسل فرجه‪ ،‬وتوضأ وضوءه‬
‫للصالة)) البخاري ومسلم وأبو عوانة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬عن ابن عمر رضي هللا عنهما‪:‬‬
‫((أن عمر قال‪ :‬يا رسول هللا! أينام أحدنا وهو‬
‫جنب؟ قال‪ :‬نعم إذا توضأ))‪ ،‬وفي رواية‪:‬‬
‫((توضأ واغسل ذكرك‪ ،‬ثم نم))‪ .‬وفي رواية‪:‬‬
‫((نعم‪ ،‬ليتوضأ ثم لينم حتى يغتسل إذا شاء))‪.‬‬
‫وفي أخرى‪:‬‬
‫((نعم‪ ،‬ويتوضأ إن شاء)) أخرجه الثالثة في‬
‫صحاحهم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬عن عمار بن ياسر رضي هللا عنه أن رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪:‬‬
‫((ثالثة ال تقربهم المالئكة‪ :‬جيفة الكافر‪ ،‬والمتضمخـ‬
‫بالخلوق(‪ ،)6‬والجنبـ إال أن يتوضأ))حديث حسن أبو‬
‫داود وأحمد والطحاوي والبيهقي‪.‬‬

‫‪ -11‬حكم هذا الوضوء‪:‬‬


‫وليس ذلك على الوجوب‪ ،‬وإنما لالستحبابـ المؤكد‪،‬‬
‫لحديث عمر أنه سأل رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ :‬أينام أحدنا وهو جنب؟ فقال‪:‬‬
‫((نعم‪ ،‬ويتوضأ إن شاء))ابن حبان في صحيحه‪.‬‬
‫ويؤيده حديث عائشة قالت‪:‬‬
‫() أي المكثر الطلخ بـ(الخلوق) بفتح المعجمة قال ابن األثير وهو طيب معروف‬
‫‪6‬‬

‫مركب من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وإنما نهي عنه ألنه من طيب النساء‪.‬‬
‫((كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ينام وهو‬
‫جنب من غير أن يمس ما ًء [حتى يقوم بعد ذلك‬
‫فيغتسل] ))ابن أبي شيبة وأصحاب السنن إال‬
‫النسائي‪.‬‬
‫وفي رواية عنهما‪:‬‬
‫((كان يبيت جنباً فيأتيه بالل‪ ،‬فيؤذنه بالصالة‪ ،‬فيقوم‬
‫فيغتسل‪ ،‬فأنظر إلى تحدر الماء من رأسه‪ ،‬ثم يخرج‬
‫فأسمع صوته في صالة الفجر‪ ،‬ثم يظل صائماً‪ .‬قال‬
‫مطرف‪ :‬فقلت لعامر‪ :‬في رمضان؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬سواء‬
‫رمضان أو غيره)) ابن أبي شيبة وسندهـ صحيح وأبو‬
‫يعلى‪.‬‬

‫‪ -12‬تيمم الجنب بدل الوضوء‪:‬‬


‫ويجوز لهما التيممـ بدل الوضوء أحياناً لحديث عائشة‬
‫قالت‪:‬‬
‫((كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إذا أجنب‬
‫فأراد أن ينام توضأ‪،‬‬
‫أو تيمم)) البيهقي قال لحافظ في ((الفتح))‬
‫إسناده حسن‪.‬‬

‫‪ -13‬اغتساله قبل النوم أفضل‪:‬‬


‫واغتسالهما أفضل‪ ،‬لحديث عبد هللا بن قيس قال‪:‬‬
‫((سألت عائشة قلت‪ :‬كيف كان صلى هللا عليه‬
‫وسلم يصنع في الجنابة؟ أكان يغتسل قبل أن ينام‪،‬‬
‫أم ينام قبل أن يغتسل؟ قالت‪ :‬كل ذلك قد كان‬
‫يفعل‪ ،‬ربما اغتسل فنام‪ ،‬وربما توضأ فنام‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫الحمد هلل الذي جعل في األمر سعة)) مسلم وأبو‬
‫عوانة وأحمد‪.‬‬

‫‪ -14‬تحريم إتيان الحائض‪:‬‬


‫ويحرم عليه أن يأتيها في حيضها لقوله تبارك‬
‫وتعالى‪﴿ :‬ويسألونك عن المحيض قل هو أذى‬
‫فاعتزلوا النساءـ في المحيض وال تقربوهن حتى‬
‫يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم هللا إن‬
‫ب المتطهرين﴾‪.‬‬
‫هللا يحب التوابين ويح ّ‬
‫وفيه أحاديث‪:‬‬
‫األول‪ :‬من قوله صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫((من أتى حائضاً‪ ،‬أو امرأة في دبرها‪ ،‬أو كاهناً؛‬
‫فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد))‬
‫حديث صحيح‪ .‬رواه أصحاب السنن وغيرهم‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬عن أنس بن مالك قال‪:‬‬
‫(إن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأةـ أخرجوها من‬
‫البيت‪،‬ولمـ يؤاكلوها‪ ،‬ولم يشاربوها‪،‬ولم يجامعوها‬
‫في البيت‪ ،‬فسئل رسول هللا صلى هللا عليه وسلمـ‬
‫عن ذلك‪ ،‬فأنزل هللا تعالى ذكره ﴿ويسألونك عن‬
‫المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض﴾‬
‫إلى آخر اآلية‪ ،‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ :‬جامعوهن في البيوت‪ ،‬واصنعوا كل شيء؛‬
‫غير النكاح‪ ،‬فقالت اليهود‪ :‬ما يريد هذا الرجل أال يدع‬
‫شيئاً من أمرنا إال خالفنا فيه‪ ،‬فجاء أسيد بن حضير‬
‫وعبّاد بن بشر إلى النبي صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫فقاال يا رسول هللا! إن اليهود تقول كذا وكذا‪ ،‬أفال‬
‫ن في المحيض؟ فتم ّعر وجه رسول هللا صلى‬ ‫ننكحه ّ‬
‫هللا عليه وسلم حتى ظننّا أن قد وجد عليهما‪،‬‬
‫فخرجا‪ ،‬فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فبعث في آثارهماـ فسقاهما‪،‬‬
‫فظننا أنه لم يجد عليهما))‪ .‬مسلم وأبو عوانة وأبو‬
‫دواد في صحاحهم‪.‬‬

‫‪ -15‬كفارة من جامع الحائض‪:‬‬


‫من غلته نفسه فأتى الحائض قبل أن تطهر من‬
‫حيضها‪ ،‬فعليه أن يتصدق بنصف جنيه ذهب إنكليزي‬
‫تقريباً أو ربعها‪ ،‬لحديث عبد هللا بن عباس رضي هللا‬
‫عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم في الذي يأتي‬
‫امرأته وهي حائض‪ ،‬قال‪:‬‬
‫((يتصدق بدينار أو نصف دينار)) أخرجه أصحاب‬
‫السنن والطبرانيـ والدارمي والحاكم‪.‬‬

‫‪ -16‬ما يحل له من الحائض‪:‬‬


‫ويجوز له أن يتمتع بما دون الفرج من الحائض‪ ،‬وفيه‬
‫أحاديث‪:‬‬
‫األول‪ :‬قوله صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫((‪ ...‬واصنعوا كل شيء إال النكاح))‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬عن عائشة رضي هللا عنها قالت‪:‬‬
‫((كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يأمر إحدانا‬
‫إذا كانت حائضاً أن تتّزر‪ ،‬ثم يضاجعها زوجها‪ ،‬وقالت‬
‫مرة‪ :‬يباشرها))البخاريـ ومسلمـ وأبو عوانة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬عن بعض أزواج النبيـ صلى هللا عليه وسلم‬
‫قالت‪ :‬إن النبي صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫((كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها‬
‫ثوباً[ ثم صنع ما أراد] ))أبو داود وسنده صحيح على‬
‫شرط مسلم‪.‬‬

‫‪ -17‬متى يجوز إتيانها إذا‬


‫طهرت‪:‬‬
‫فإذا طهرت من حيضها‪ ،‬وانقطع الدم عنها‪ ،‬جاز له‬
‫وطؤها بعد أن تغسل موضع الدم منها فقط‪ ،‬أو تتوضأ‬
‫أو تغتسل‪ ،‬أي ذلك فعلت‪ ،‬جاز له إتيانها‪ ،‬لقوله‬
‫تبارك‬
‫وتعالى في اآلية السابقة‪:‬‬
‫﴿فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم هللا إن هللا‬
‫ب المتطهرين﴾‪.‬‬
‫يحب التوابين ويح ّ‬

‫‪ -18‬جواز العزل‪:‬‬
‫ويجو له أن يعزل عنها ماءه‪ ،‬وفيه أحاديث‪:‬‬
‫األول‪ :‬عن جابر رضي هللا عنه قال‪:‬‬
‫((كنا نعزل والقرآنـ ينزل))‪ ،‬وفي رواية‪:‬‬
‫((كنا نعزل على عهد رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فبلغ ذلك نبي هللا صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫فلم ينهنا)) البخاري ومسلم والنسائي والترمذي‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬عن أبي سعيد الخدريـ قال‪:‬‬
‫((جاء رجل إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫فقال‪ :‬إن لي وليدة‪ ،‬وأنا أعزل عنها‪ ،‬وأنا أريد ما يريد‬
‫الرجل‪ ،‬وإنـ اليهود زعموا‪(( :‬أن الموءودة الصغرى‬
‫العزل))‪ ،‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫(( كذبت يهود‪[ ،‬كذبت يهود]‪ ،‬لو أراد هللا أن يخلقه لم‬
‫تستطع أن تصرفه)) النسائي‪ ،‬وأبو داود والترمذي‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬عن جابر أن رجال ً أتى رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم فقال‪ :‬إن لي جارية هي خادمينا‬
‫وسانيتنا‪ ،‬وأنا أطوف عليها‪ ،‬وأنا أكره أن تحمل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫((اعزل عنها إن شئت‪ ،‬فإنه سيأتيها ما قدر لها))‪،‬‬
‫فلبث الرجل‪ ،‬ثم أتاه فقال‪ :‬إن الجارية قد حبلت!‬
‫فقال‪:‬‬
‫((قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها)) مسلم وأبو‬
‫داود وأحمد‪.‬‬

‫‪ -19‬األولى ترك العزل‪:‬‬


‫ولكن تركه أولى ألمور‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن فيه إدخال ضرر على المرأةـ لما فيه من‬
‫تفويت لذتها‪ ،‬فإن وافقت عليه ففيه ما يأتي‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه يفوت بعض مقاصد النكاح‪ ،‬وهو تكثيرـ‬
‫نسل أمة نبينا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وذلك قوله‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫((تزوجوا الودود الولد فإني مكاثر بكم األمم)) حديث‬
‫صحيح‪ ،‬رواه أبو داود والنسائي‪.‬‬
‫ولذلك وصفه النبيـ صلى هللا عليه وسلمـ بالوأد‬
‫الخفي حين سألوه عن العزل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫((ذلك الوأد الخفي))‪.‬مسلم والطحاويـ وأحمد‬
‫والبيهقي‪.‬‬
‫ولهذا أشار صلى هللا عليه وسلم إلى أن األولى‬
‫تركه في حديث أبي سعيد الخدري أيضاً‪ ،‬قال‪:‬‬
‫(( ُذكر العزل عند رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ولم يفعل ذلك أحدكم؟!‪ -‬ولم يقل‪ :‬فال يفعل‬
‫ذلك أحدكم‪ -‬فإنه ليست نفس مخلوقة إال هللا‬
‫خالقها‪( .‬وفي رواية)‪ ،‬فقال‪ :‬وإنكم لتفعلون‪ ،‬وإنكمـ‬
‫لتفعلون‪ ،‬وإنكمـ لتفعلون؟ ما من نسمة كائنة إلى‬
‫يوم القيامة إال هي كائنة)) مسلم والنسائي‪،‬ـ وابن‬
‫منده والبخاري‪.‬‬

‫‪ -20‬ما ينويان‪ B‬بالنكاح‪:‬‬


‫وينبغي لهما أن ينويا بنكاحمها إعفاف نفسيهما‪،‬‬
‫وإحصانهما من الوقوع فيما حرم هللا عليهما‪ ،‬فإنه‬
‫تكتب مباضعتهما صدقة لهما‪ ،‬لحديث أبي ذر رضي‬
‫هللا عنه‪:‬‬
‫((أن أناساً من أصحاب النبيـ صلى هللا عليه وسلم‬
‫قالوا للنبي صلى هللا عليه وسلم‪ :‬يا رسول هللا!‬
‫ذهب أهل الدثور باألجور‪ ،‬يصلون كما نصلي‪،‬‬
‫ويصومون كما نصوم‪ ،‬ويتصدقون بفضول أموالهم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أو ليس قد جعل هللا لكم ما تصدقون؟ إن بكل‬
‫تسبيحة صدقة‪[ ،‬وبكل تكبير صدقة‪ ،‬وبكل تهليلة‬
‫صدقة‪ ،‬وبكل تحميدة صدقة]‪ ،‬وأمر بالمعروف صدقة‪،‬‬
‫ونهي عن منكر صدقة‪ ،‬وفي ُبضع أحدكم صدقة!‬
‫قالوا‪ :‬يا رسول هللا! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له‬
‫فيها أجر؟! قال‪ :‬أرأيتم لو وضعها في حرام أكان‬
‫عليها فيها وزر؟ [قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ ]:‬فكذلك إذا وضعها‬
‫في الحالل كان له [فيها] أجر‪[ ،‬وذكر أشياء‪ :‬صدقة‪،‬‬
‫صدقة‪ ،‬ثم قال‪ :‬ويجزئ من هذا كله ركعتا الضحى]‬
‫)) مسلم والنسائيـ وأحمد‪.‬‬

‫‪ -21‬ما يفعل صبيحة بنائه‪:‬‬


‫ويستحب له صبيحة بنائه بأهله أن يأتي أقاربه‬‫ُ‬
‫الذين أتوه في داره‪ ،‬ويسلم عليهم‪ ،‬ويدعو لهم‪ ،‬وأنـ‬
‫يقابلوه بالمثل لحديث أنس رضي هللا عنه قال‪:‬‬
‫((أولمـ رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إذ بنى‬
‫بزينب‪ ،‬فأشبع المسلمين خبزاً ولحماً‪ ،‬ثم خرج إلى‬
‫أمهات المؤمنين فسلم عليهن‪ ،‬ودعا لهن‪ ،‬وسلمن‬
‫عليه ودعون له‪ ،‬فكان يفعل ذلك صبيحة بنائه))‬
‫أخرجه الحاكم والترمذيـ والنسائي وأحمد‪.‬‬

‫مام في‬
‫‪ -22‬وجوب اتخاذ الح ّ‬
‫الدار‪:‬‬
‫ويجب عليهما أن يتخذا حماماً في دارهما‪ ،‬وال‬
‫يسمح لها أن تدخل حمام السوق‪ ،‬فإن ذلك حرام‪،‬‬
‫وفيه أحاديث‪:‬‬
‫األول‪ :‬عن جابر رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫((من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فال يدخل حليلته‬
‫الحمام‪ ،‬ومن كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فال يدخل‬
‫الحمام إال بمئزر‪ ،‬ومن كان يؤممن باهلل واليوم اآلخر‬
‫فال يجلس على مائدة يدار عليها الخمر)) الحاكم‬
‫والترمذيـ والنسائي‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬عن أم الدرداء قالت‪:‬‬
‫خرجت من الحمام‪ ،‬فلقيني رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬من أين يا أم الدرداء؟ قالت‪ :‬من‬
‫الحمام‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫((والذيـ نفسي بيده‪ ،‬ما من أمرأةـ تضع ثيابها في‬
‫غير بيت أحد من أمهاتها‪ ،‬إال وهي هاتكة كل ستر‬
‫بينها وبين الرحمن)) أحمد والدوالبيـ بإسنادين عنها‬
‫؛ أحدهما صحيح‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬عن أبي المليح قال‪:‬‬
‫دخل نسوة من أهل الشام على عائشة رضي هللا‬
‫عنها‪ ،‬فقالت‪ :‬ممن أنتن؟ قلن‪ :‬من أهل الشام‪،‬‬
‫قالت‪ :‬لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها الحمام؟‬
‫قلن‪ :‬نعم‪ ،‬قالت‪ :‬أما إني سمعت رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫((ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إال هتكتـ ما‬
‫بينها وبين هللا تعالى))‪ .‬أصحاب السنن إال النسائي‪،‬‬
‫والدارميـ والطيالسي‪ ،‬وأحمد‪.‬‬

‫‪ -23‬تحريم نشر أسرار‬


‫االستمتاع‪:‬‬
‫ويحرم على كل منهما أن ينشر األسرار المتعلقة‬
‫بالوقاع‪ ،‬وفيه حديثان‪:‬‬
‫األول‪ :‬قوله صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫((إن من أشر الناس عند هللا منزلة يوم القيامة‬
‫الرجل يفضي إلى امرأته‪ ،‬وتفضي إليه‪ ،‬ثم ينشر‬
‫سرها)) ابن أبي شيبة‪ ،‬ومن طريقه مسلم‪ ،‬وأحمدـ‬
‫وأبو نعي‬
‫الثاني‪ :‬عن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬والرجال والنساءـ قعود‪،‬‬
‫فقال‪:‬‬
‫((لعل رجال ً يقول ما يفعل بأهله‪ ،‬ولعل امرأةـ تخبر‬
‫م القوم‪ ،‬فقلت‪ :‬إي وهللا يا‬ ‫بما فعلت مع زوجها؟! فأر ّ‬
‫رسول هللا! إنهن ليفعلن‪ ،‬وإنهم ليفعلون‪ .‬قال‪:‬‬
‫((فال تفعلوا‪ ،‬فإنما ذلك مثل الشيطانـ لقي شيطانة‬
‫في طريق‪ ،‬فغشيها والناس ينظرونـ)) أحمد وله‬
‫شاهد من عند ابن أبي شيبة‪ ،‬وأبي داود‪،‬‬
‫والبيهقي‪ ،‬وابن السني‪.‬‬

‫‪ -24‬وجوب الوليمة‪:‬‬
‫وال بد له من عمل وليمة بعد الدخول؛ ألمر النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف بها كما‬
‫يأتي‪ ،‬ولحديث بريدة ابن الحصيب‪ ،‬قال‪:‬‬
‫لما خطب علي فاطمة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫((إنه ال بد للعرس( وفي رواية للعروس) من وليمة))‬
‫‪ -‬أحمد والطبراني والطحاوي‪ .‬وإسناده كما قال‬
‫الحافظ في الفتح‪(( :‬ال بأس به))‪.-‬‬
‫قال‪ :‬فقال سعد علي كبش‪ ،‬وقال فالن‪ :‬علي كذا‬
‫وكذا من ذرة‪ ،‬وفي الرواية األخرى‪(( :‬وجمع له رهط‬
‫من األنصار أصوعاً ذرة))‪.‬‬

‫‪ -25‬السنة في الوليمة‪:‬‬
‫وينبغي أن يالحظ فيها أموراً‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن تكون ثالثة أيام عقب الدخول‪ ،‬ألنه هو‬
‫المنقول عن النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فعن أنس‬
‫رضي هللا عنه قال‪:‬‬
‫((بنى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بامرأة‪،‬‬
‫فأرسلني فدعوت رجاال ً على الطعام)) البخاري‬
‫والبيهقي‪.‬‬
‫وعنه قال‪:‬‬
‫((تزوج النبيـ صلى هللا عليه وسلمـ صفية‪ ،‬وجعل‬
‫عتقها صداقها‪ ،‬وجعل الوليمة ثالثة أيام)) أبو يعلى‬
‫بسند حسن وهو في ((صحيح البخاري)) بمعناه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يدعو الصالحين إليها‪ ،‬فقراء كانوا أو أغنياء‪،‬‬
‫لقوله صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫((ال تصاحب إال مؤمناً‪ ،‬وال يأكل طعامك إال تقي)) أبو‬
‫داود والترمذي‪ ،‬والحاكم‪،‬ـ وأحمد‪.‬وقالـ الحاكم‪:‬‬
‫((صحيح اإلسناد)) ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يولم بشاة أو أكثر إن وجد سعة‪،‬‬
‫لحديث أنس رضي هللا عنه قال‪:‬‬
‫((إن عبد الرحمن بن عوف قدم المدينة‪ ،‬فآخى‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بينه وبين سعد بن‬
‫الربيع األنصاريـ [فانطلق به سعد إلى منزله‪ ،‬فدعا‬
‫بطعام فأكال]‪ ،‬فقال له سعد‪ :‬أي أخي! أنا أكثر أهل‬
‫المدينة (وفي رواية‪ :‬أكثر األنصار)ماالً‪ ،‬فانظر شطر‬
‫مالي فخذه (وفي رواية‪ :‬هلم إلى حديقتي‬
‫أشاطركها))‪ ،‬وتحتي امرأتان [وأنت أخي في هللا‪ ،‬ال‬
‫امرأة لك]‪ ،‬فانظر أيهما أعجب إليك [فسمها لي]‬
‫حتى أطلقها [لك] [فإذا انقضت عدتها فتزوجها]‪،‬‬
‫فقال عبد الرحمن‪[ :‬ال وهللا]‪ ،‬بارك هللا لك في أهلك‬
‫ومالك‪ ،‬دلوني على السوق‪ ،‬فدلوه على السوق‪،‬‬
‫فذهب‪ ،‬فاشترى وباع‪ ،‬وربح‪[ ،‬ثم تابع الغدو] فجاء‬
‫ط‪ -‬لبن مجفف يابس مستجر يطبخ به‪-‬‬ ‫بشيء من أقِ ٍ‬
‫وسمن [قد أفضله] [فأتى به أهل منزله]‪ ،‬ثم لبث ما‬
‫شاء هللا أن يلبث‪ ،‬فجاء وعليه ردع زعفران (وفي‬
‫رواية‪ :‬وضر من خلوق)‪،‬‬
‫مهيَم؟ فقال‪:‬‬ ‫فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ْ :‬‬
‫يا رسول هللا! تزوجت امرأةـ [من األنصار]‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬
‫أصدقتها؟ قال‪ :‬وزن نواة من ذهب‪ ،‬قال‪[ :‬فبارك هللا‬
‫لك] أولم ولو بشاة‪[ ،‬فأجاز ذلك]‪ .‬قال عبد الرحمن‪:‬‬
‫فلقد رأيتنيـ ولو رفعت حجراً لرجوت أن أصيب [تحته]‬
‫سم لكل أمرأة‬ ‫[ذهباً أو فضة]‪[ ،‬قال أنس‪ :‬لقد رأيته ُق ِ‬
‫من نسائه بعد موته مائة ألف دينار] ))البخاري‪،‬‬
‫والنسائي‪ ،‬وابن سعد‪ ،‬والبيهقي‪.‬‬
‫وعن أنس أيضاً‪:‬‬
‫((ما رأيت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أولمـ‬
‫على امرأة من نسائه ما أولم على زينب‪ ،‬فإن ذبح‬
‫شاة‪[ ،‬قال‪ :‬أطعمهم خبزاً ولحماً حتى تركوه] ))‬
‫البخاري ومسلم‪.‬‬

‫‪ -26‬جواز الوليمة بغير لحم‪:‬‬


‫ويجوز أن تؤدى الوليمة بأي طعام تيسر‪ ،‬ولم لم يكن‬
‫فيه لحم‪ ،‬لحديث أنس رضي هللا عنه قال‪:‬‬
‫((أقام النبيـ صلى هللا عليه وسلم بين خيبر‬
‫والمدينة ثالث ليال يبني عليه بصفية‪ ،‬فدعوت‬
‫المسلمين إلى وليمته‪ ،‬وما كان فيها من خبز وال‬
‫لحم‪ ،‬وما كان فيها إال أن أمر باألنطاع فبسطت( وفي‬
‫رواية‪ :‬فحصت األرض أفاحيص‪ ،‬وجيء باألنطاع‬
‫فوضعت فيها)‪ ،‬فألقي عليها التمر واألقط والسمن‬
‫[فشبع الناس])) البخاري ومسلم‪.‬‬

‫‪ -27‬مشاركة األغنياء بمالهم‬


‫في الوليمة‪:‬‬
‫ويستحب أن يشارك ذوو الفضل والسعة في‬
‫إعدادها؛ لحديث أنس في قصة زواجه صلى هللا‬
‫عليه وسلم بصفية قال‪:‬‬
‫((حتى إذا كان بالطريق جهزتها له أم سليم‪،‬‬
‫فأهدتها له من الليل‪ ،‬فأصبح النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم عروساً‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫من كان عنده شيء فليجئ به‪( ،‬وفي رواية‪ :‬من‬
‫كان عنده فضل زاد فليأتنا به)‪ ،‬قال‪ :‬وبسط نطعاً‪،‬‬
‫فجعل الرجل يجئ باألقط‪ ،‬وجعل الرجل يجيء‬
‫بالتمر‪ ،‬وجعل الرجل يأتي بالسمن‪ ،‬فحاسوا حيساً‬
‫[فجعلوا يأكلون من ذلك الحيس ويشربون من حياض‬
‫إلى جنبهم من ماء السماء]‪ ،‬فكانت وليمة رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم)) الشيخانـ وأحمد‪.‬‬

‫‪ -28‬تحريم تخصيص األغنياء‬


‫بالدعوة‪:‬‬
‫وال يجوز أن يخص بالدعوة األغنياء دون الفقراء؛ لقوله‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫((شر الطعام طعام الوليمة‪ ،‬يدعى لها األغنياء‪،‬‬
‫ويمنعها المساكين‪ ،‬ومن لم يجب الدعوة فقط عصى‬
‫هللا ورسوله)) مسلم‪ ،‬والبيهقي‪،‬ـ وهو عند البخاري‬
‫موقوفاً على أبي هريرة‪.‬‬

‫‪ -29‬وجوب إجابة الدعوة‪:‬‬


‫ويجب على من دعي إليها أن يحضرها‪،‬ـ وفيها‬
‫حديثان‪:‬‬
‫األول‪ :‬فكوا العاني‪ ،‬وأجيبوا الداعي‪ ،‬وعودوا‬
‫المريض)) البخاري‪.‬‬
‫الثاني‪(( :‬إذا دعي أحدكم إلى الوليمة‬
‫فليأتها[ عرساً كان أو نحوه]‪[ ،‬ومن لم يجب الدعوة‪،‬‬
‫فقد عصى هللا ورسوله] ))البخاريـ ومسلمـ وأحمد‬
‫والبيهقي‪.‬‬

‫‪ -30‬اإلجابة ولو كان صائماً‪:‬‬


‫وينبغي أن يجيب ولو كان صائماً‪ ،‬لقوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪:‬‬
‫((إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب‪ ،‬فإن كان‬
‫مفطراً فليطعم‪ ،‬وإن كان صائماً فليصل‪ .‬يعني‪:‬‬
‫الدعاء)) مسلم والنسائي وأحمد والبيهقي‪.‬‬

‫‪ -31‬اإلفطار من أجل الداعي‪:‬‬


‫وله أن يفطر إذا كان متطوعاً في صيامه‪ ،‬وال سيما‬
‫إذا ألح عليه الداعي‪ ،‬وفيه أحاديث‪:‬‬
‫فليجب‪ ،‬فإن‬
‫األول‪(( :‬إذا دعي أحدكم إلى طعام ُ‬
‫شاء طعم‪ ،‬وإن شاء ترك)) مسلم وأحمد والطحاوي‪.‬‬
‫الثاني‪(( :‬الصائم المتطوع أمير نفسه‪ ،‬إن شاء صام‪،‬‬
‫وإن شاء أفطر)) النسائي‪ ،‬والحاكم‪،‬ـ والبيهقي‪ .‬وقال‬
‫الحاكم ((صحيح اإلسناد)) ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬حديث عائشة رضي هللا عنها قالت‪:‬‬
‫دخل علي رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يوماً‬
‫فقال‪ :‬هل عندكم شيء؟ فقلت‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬فإني‬
‫صائم‪ .‬ثم مرّ بي بعد ذلك اليوم وقد أهدي إلي‬
‫حيس‪ ،‬فخبأت له منه‪ ،‬وكان يحب الحيس‪ ،‬قالت‪ :‬يا‬
‫رسول هللا! إنه أهدي لنا حيس فخبأت لك منه‪ .‬قال‪:‬‬
‫أدنيه؛ أما إني قد أصبحت وأنا صائم‪ .‬فأكل منه‪ ،‬ثم‬
‫قال‪:‬‬
‫((إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله‬
‫الصدقة‪ ،‬فإن شاء أمضاها‪ ،‬وإن شاء حبسها))‬
‫النسائي بإسناد صحيح‪.‬‬

‫‪ -32‬ال يجب قضاء يوم النفل‪:‬‬


‫وال يجب عليه قضاء ذلك اليوم‪ ،‬وفيه حديثان‪:‬‬
‫األول‪ :‬عن أبي سعيد الخدري قال‪(( :‬صنعت لرسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم طعاماً‪ ،‬فأتاني هو‬
‫وأصحابه‪ ،‬فلما وضع الطعام قال رجل من القوم‪ :‬إني‬
‫صائم‪ ،‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫دعاكم أخوكم وتكلف لكم!ـ ثم قال له‪ :‬أفطر وصم‬
‫مكانه يوماً إن شئت))البيهقي بإسناد حسن‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬عن أبي جحيفة أن رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم آخى بين سلمان وبين أبي الدرداء‪،‬‬
‫ذلة‪،‬‬ ‫قال‪ :‬فجاءه سلمان يزوره‪ ،‬فإذا أم الدرداء متبَ ّ‬
‫فقال‪ :‬ما شأنك يا أم الدرداء؟ قالت‪ :‬إن أخاك أبا‬
‫الدرداء يقوم الليل ويصوم النهار‪ ،‬وليس له في شيء‬
‫من الدنيا حاجة! فجاء أبو الدرداء فرحب به‪ ،‬وقرب‬
‫إليه طعاماً‪ ،‬فقال له سلمان‪ :‬اطعم‪ ،‬قال‪ :‬إني صائم‪،‬‬
‫قال‪ :‬أقسمت عليك لتفطرنه‪ ،‬ما أنا بآكل حتى تأكل‪،‬‬
‫فأكل معه‪ ،‬ثم بات عنده‪ ،‬فلما كان من الليل أراد أبو‬
‫الدرداء أن يقوم‪ ،‬فمنه سلمانـ وقال له‪ :‬يا أبا الدرداء!ـ‬
‫إن لجسدك عليك حقاً‪ ،‬ولربك عليك حقاً‪[ ،‬ولضيفك‬
‫عليك حقا]‪ ،‬وألهلك عليك حقاً‪ ،‬صم‪ ،‬وأفطر‪ ،‬وص ّ‬
‫ل‪،‬‬
‫وائت أهلك‪ ،‬وأعط كل ذي حق حقه‪ ،‬فلما كان في‬
‫وجه الصبح‪ ،‬قال‪ :‬قم اآلن إن شئت‪ ،‬قال‪ :‬فقاما‬
‫فتوضآ‪ ،‬ثم ركعا‪ ،‬ثم خرجا إلى الصالة‪ ،‬فدنا أبو الدرداء‬
‫ليخبر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بالذي أمره‬
‫سلمان‪ ،‬فقال له رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫يا أبا الدرداء!ـ إن لجسدك عليك حقاً‪ ،‬مثل ما قال‬
‫سلمان(وفي رواية‪ :‬صدق سلمان) البخاري‬
‫والترمذي‪،‬ـ والبيهقي‪.‬‬

‫‪ -33‬ترك حضور الدعوة التي‬


‫فيها معصية‪:‬‬
‫وال يجوز حضور الدعوة إذا اشتملتـ على معصية‪ ،‬إال‬
‫أن يقصد إنكارها ومحاولة إزالتها‪،‬ـ فإن ُأزيلت؛ وإال‬
‫وجب الرجوع‪ ،‬وفيه أحاديث‪:‬‬
‫األول‪ :‬عن علي قال‪:‬‬
‫((صنعت طعاماً فدعوت رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فجاء فرأى في البيت تصاوير‪ ،‬فرجع [قال‪:‬‬
‫فقلت‪ :‬يا رسول هللا! ما أرجعك بأبي أنت وأمي؟‬
‫قال‪ :‬إن في البيت ستراً فيه تصاوير‪،‬ـ وإن المالئكة ال‬
‫تدخل بيتاً فيه تصاوير] )) ابن ماجه‪ ،‬وأبو يعلى‬
‫بسند صحيح‪.‬‬
‫مرقة فيها تصاوير‪،‬‬ ‫الثاني‪ :‬عن عائشة أنها اشترت ُن ُ‬
‫فلما رآها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قام على‬
‫الباب‪ ،‬فلم يدخل‪ ،‬فعرفت في وجهه الكراهية‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬يا رسول هللا! أتوب إلى هللا وإلى رسوله‪،‬‬
‫ماذا أذنبت؟ فقال صلى هللا عليه وسلم‪ :‬ما بال هذه‬
‫النمرقة؟ فقلت‪ :‬اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها‪،‬‬
‫فقال صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫((إن أصحاب هذه الصور( وفي رواية‪ :‬إن الذين‬
‫يعملون هذه التصاوير)ـ يعذبون يوم القيامة‪ ،‬ويقال‬
‫لهم‪ :‬أحيوا ما خلقتم‪ ،‬وإن البيتـ الذي فيه [مثل‬
‫هذه] الصور ال تدخله المالئكة[ قالت‪ :‬فما دخل حتى‬
‫أخرجتها])) البخاريـ ومسلم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬قال‪ :‬صلى هللا عليه وسلم‪( :‬من كان يؤمن‬
‫باهلل واليوم اآلخر؛ فال يقعدن على مائدة يدار عليها‬
‫بالخمر))‪.‬‬
‫وعلى ما ذكرنا جرى عليه عمل السلف الصالحـ‬
‫رضي هللا عنهم‪ ،‬واألمثلة على ذلك كثيرة جداً‪،‬‬
‫فأقتصر على ما يحضرني اآلن منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬عن أسلم –مولى عمر‪ -‬أن عمر بن الخطاب رضي‬
‫هللا عنه حين قدم الشام‪ ،‬فصنع له رجل من‬
‫النصارى‪،‬ـ فقال لعمر‪ :‬إني أحب أن تجيئني وتكرمني‬
‫أنت وأصحابك –وهو رجل من عظماء الشام‪ -‬فقال له‬
‫عمر رضي هللا عنه‪:‬‬
‫((إنا ال ندخل كنائسكمـ من أجل الصور التي فيها))‬
‫البيهقي بسند صحيح‪.‬‬
‫ب‪ -‬عن أبي مسعود ‪ -‬عقبة بن عمرو‪ -‬أن رجال ً صنع‬
‫له طعاماً‪ ،‬فدعاه‪ ،‬فقال‪ :‬أفي البيتـ صورة؟ قال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫فأبى أن يدخل حتى كسر الصورة ثم دخل‪ .‬البيهقي‬
‫سنده صحيح‪.‬‬
‫ج‪ -‬قال اإلمام األوزاعي‪:‬‬
‫((ال ندخل وليمة فيها طبل وال معزاف)) أبو الحسن‬
‫الحربي‪.‬‬
‫‪ -34‬ما يستحب لمن حضر‬
‫الدعوة‪:‬‬
‫ويستحب لمن حضر الدعوة أمران‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يدعو لصاحبها بعد الفراغ بما جاء عنه‬
‫صلى هللا عليه وسلم وهو أنواع‪:‬‬
‫أ‪ -‬عن عبد هللا بن بسر أن أباه صنع للنبيـ صلى‬
‫هللا عليه وسلم طعاماً‪ ،‬فدعاه‪ ،‬فأجابه‪ ،‬فلما فرغ‬
‫من طعامه قال‪:‬‬
‫((اللهم اغفر لهم‪ ،‬وارحمهم‪،‬ـ وبارك لهم فيما‬
‫رزقتهم)) ابن أبي شيبة‪ ،‬ومسلم‪ ،‬وأبو داود‪.‬‬
‫ب‪ -‬عن المقداد بن األسود قال‪ :‬قدمت أنا وصاحبان‬
‫لي على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ .‬فأصابنا‬
‫جوع شديد‪ ،‬فتعرضنا للناس‪ ،‬فلم يضفنا أحد‪،‬‬
‫فانطلق بنا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إلى‬
‫منزله؛ وعنده أربع أعنز‪ ،‬فقال لي‪ :‬يا مقداد جزئ‬
‫ألبانها بيننا أرباعاً‪ ،‬فكنت أجزئه بيننا أرباعاً‪[ ،‬فيشربـ‬
‫كل إنسان نصيبه‪ ،‬ونرفع لرسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم نصيبه]‪ ،‬فاحتبس رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم ذات ليلة‪ ،‬فحدثت أن رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم قد أتى بعض األنصار‪ ،‬فأكل حتى شبع‪،‬‬
‫وشرب حتى روي‪ ،‬فلو شربت نصيبه (!) فلم أزل‬
‫كذلك حتى قمت إلى نصيبه فشربته(!) ثم غطيت‬
‫قدم وما حدث‪ ،‬فقلت‪:‬‬ ‫القدح‪ ،‬فلما فرغت أخذني ما ُ‬
‫يجيء رسول هللا صلى هللا عليه وسلمـ جائعاً وال‬
‫جيت‪[ ،‬قال‪ :‬وعلي شملة من صوف‬ ‫يجد شيئاً‪ ،‬فتس ّ‬
‫كلما رفعت على رأسي خرجت قدماي‪ ،‬وإذا أرسلت‬
‫على قدمي خرج رأسي‪ ،‬قال‪[ ]:‬وجعل ال يجيئنيـ‬
‫النوم]‪ ،‬وجعلت أحدث نفسي‪[ ،‬قال‪ :‬وأما صاحباي‬
‫فناما]‪ ،‬فبينا أنا كذلك؛‬
‫إذ دخل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فسلم‬
‫تسليمة يسمع اليقظان‪ ،‬وال يوقظ النائم‪[ ،‬ثم أتى‬
‫المسجد فصلى]‪ ،‬ثم أتى القدح فكشفه‪ ،‬فلم ير‬
‫شيئاً‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫((اللهم أطعم من أطعمني‪ ،‬واسق من سقاني))‪،‬‬
‫واغتنمت الدعوة‪[ ،‬فعمدت إلى الشملة فشددتها‬
‫علي]‪ ،‬فقمت إلى الشفرة فأخذتها‪ ،‬ثم أتيت األعنز‪،‬‬
‫أجتسها أيها اسمن؛ [فأذبح لرسول هللا‬ ‫ّ‬ ‫فجعلت‬
‫صلى هللا عليه وسلم]‪ ،‬فال تمر يدي على ضرع‬
‫واحدة إال وجدتها حافالً‪[ ،‬فعمدت إلى إناء آلل محمد‬
‫ما كانوا يطعمون أن يحلبوا فيه]‪ ،‬فحلبت حتى مألـ‬
‫القدح‪ ،‬ثم أتيت [به] رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪[ ،‬فقال‪ :‬أما شربتم شرابكم الليلة يا مقداد؟‬
‫قال‪ ]:‬فقلت‪ :‬اشرب يا رسول هللا! فرفع رأسه إلي‪،‬‬
‫فقال‪ :‬بعض سوآتك يا مقداد‪ ،‬ما الخبر؟ قلت‪ :‬اشرب‬
‫ثم الخبر‪ ،‬فشرب حتى روي‪ ،‬ثم ناولني فشربت‪،‬‬
‫فلما‬
‫عرفت أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قد روي‬
‫وأصابتني دعوته‪ ،‬ضحكت‪ ،‬حتى ألقيت إلى األرض‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ما الخبر؟ فأخبرته‪ ،‬فقال‪ :‬هذه بركة نزلت من‬
‫السماء‪ ،‬فهال أعلمتنيـ حتى نسقي صاحبينا؟‬
‫فقلت‪[ :‬والذي بعثك بالحق]‪ ،‬إذا أصابتني وإياك‬
‫البركة‪ ،‬فما أبالي من أخطأت!‪ .‬مسلم وأحمد وابن‬
‫سعد وبعضه الترمذي وصححه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬عن أنس أو غيره أن رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم[ كان يزورـ األنصار‪ ،‬فإذا جاء إلى دور‬
‫األنصار جاء صبيان األنصار يدورون حوله‪ ،‬فيدعوا لهم‪،‬‬
‫ويمسح رؤوسهمـ ويسلم عليهم‪ ،‬فأتى إلى باب‬
‫سعد بن عبادة فـ] استأذن على سعد فقال‪:‬‬
‫السالم عليكم ورحمة هللا‪ ،‬فقال سعد‪ :‬وعليك‬
‫السالم ورحمة هللا‪ ،‬ولم ُيسمع النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم حتى سلم ثالثاً‪ ،‬ورد عليه سعد ثالثاً‪،‬‬
‫ولم ُيسمعه‪[ ،‬وكان النبي صلى هللا عليه وسلم ال‬
‫يزيد فوق ثالث تسليمات‪ ،‬فإن أذن له‪،‬‬
‫وإال انصرف]‪ ،‬فرجع النبي صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫واتبعه سعد‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول هللا! بأبي أنت وأمي ما‬
‫سلمت تسليمة إال هي بأذني‪ ،‬ولقد رددت عليك‬
‫ولم أسمعك‪ ،‬أحببت أن أستكثر من سالمك ومن‬
‫البركة‪[ ،‬فادخل يا رسول هللا]‪ ،‬ثم أدخله البيت‪،‬‬
‫فقرب له زبيباً‪ ،‬فأكل نبي هللا صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫فلما فرغ قال‪:‬‬
‫((أكل طعامكم األبرار‪ ،‬وصلت عليكم المالئكة‪ ،‬وأفطر‬
‫عندكم الصائمون))‪ .‬أحمد والطحاوي والبيهقي وابن‬
‫عساكر وإسنادهم صحيح‪.‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬الدعاء له ولزوجه بالخير والبركة‪ ،‬وفيه‬
‫أحاديث‪:‬‬
‫األول‪ :‬عن جابر بن عبد هللا رضي هللا عنهما قال‪:‬‬
‫هلك أبي‪ ،‬وترك سبع بنات أو تسع بنات‪ ،‬فتزوجتـ‬
‫امرأة ثيباً‪ ،‬فقال لي رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ :‬تزوجت يا جابر؟ فقلت‪ :‬نعم‪ ،‬فقال‪ :‬أبكراً أم‬
‫ثيباً‪ ،‬قلت‪ :‬بل ثيباً‪ ،‬قال‪ :‬فهال جارية تالعبها وتالعبك‪،‬‬
‫وتضاحكها وتضاحكك؟ فقلت له‪ :‬إن عبد هللا هلك‬
‫وترك [تسع أو سبع] بنات‪ ،‬وإني كرهت أن أجيئهن‬
‫بمثلهن‪ ،‬فتزوجت امرأة تقوم عليهن وتصلحهن‪،‬‬
‫فقال‪:‬‬
‫((بارك هللا لك))‪ ،‬أو قال لي خيراً‪ .‬البخاري ومسلم‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬عن بريدة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال نفر من‬
‫األنصار لعلي‪ :‬عندك فاطمة‪ ،‬فأتى رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم فسلم عليه‪ ،‬فقال‪ :‬ما حاجة ابن‬
‫أبي طالب؟ فقال‪ :‬يا رسول هللا! ذكرت فاطمة بنت‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬مرحباً‬
‫وأهالً‪ ،‬لم يزد عليهما‪ ،‬فخرج علي بن أبي طالب‬
‫على أولئك الرهط من األنصار ينتظرونه‪ ،‬قالوا‪ :‬ما‬
‫وراءك؟ قال‪ :‬ما أدري غير أنه قال لي‪ :‬مرحباً وأهالً‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬يكفيك من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫إحداهما‪ ،‬أعطاك األهل والمرحب‪ ،‬فلما كان بعد‬
‫ذلك‪ ،‬بعدما زوجه قال‪ :‬يا علي إنه ال بد للعروس من‬
‫وليمة‪ ،‬فقال سعد‪ :‬عند كبش‪ ،‬وجمع له رهط من‬
‫األنصار أصوعاً من ذرة‪ ،‬فلما كانت ليلة البناء‪ ،‬قال‪ :‬ال‬
‫تحدث شيئاً حتى تلقاني‪ ،‬فدعا رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم بما فتوضأ فيه‪ ،‬ثم أفرغه على علي‪،‬‬
‫فقال‪:‬‬
‫((اللهم بارك فيهما‪ ،‬وبارك لهما في بنائهما))‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬عن عائشة رضي هللا عنها قالت‪:‬‬
‫تزوجني النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فأتتني أمي‪،‬‬
‫فأدخلتنيـ الدار‪ ،‬فإذا نسوة من األنصار في البيت‪،‬‬
‫فقلن‪:‬‬
‫((على الخير والبركة‪ ،‬وعلى خير طائر))‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬عن أبي هريرةـ أن النبيـ صلى هللا عليه‬
‫وسلم كان إذا رفّأ اإلنسان إذا تزوج قال‪:‬‬
‫((بارك اله لك‪ ،‬وبارك عليك‪ ،‬وجمع بينكماـ في (وفي‬
‫رواية‪ :‬على) خير)) أبو داود‪ ،‬والترمذي‪،‬ـ وكذا أبو علي‬
‫الطوسي وصححاه‪ ،‬والدارمي وأحمد والحاكمـ‬
‫والبيهقي‪.‬‬

‫‪ -35‬بالرفاء والبنين تهنئة‬


‫الجاهلية‪:‬‬
‫وال يقول‪(( :‬بالرفاء والبنين))؛ كما يفعل الذين ال‬
‫يعلمون‪ ،‬فإنه من عمل الجاهلية‪ ،‬وقد ُنهي عنه في‬
‫أحاديث‪ ،‬منها‪ :‬عن الحسن أن عقيل بن أبي طالب‬
‫تزوج امرأة من جشم‪ ،‬فدخل عليه القوم‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫بالرفاء والبنين‪ ،‬فقال‪ :‬ال تفعلوا ذلك [فإن رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم نهى عن ذلك]‪ ،‬قالوا‪ :‬فما‬
‫نقول يا أبا زيد؟ قال‪ :‬قولوا‪ :‬بارك هللا‬
‫لكم‪ ،‬وبارك عليكم‪ ،‬إنا كذلك كنا نؤمر‪ .‬ابن أبي‬
‫شيبة‪ ،‬وعبد الرزاق‪،‬ـ والنسائي‪،‬وابن ماجه‪،‬‬
‫والدارمي‪.‬‬

‫‪ -36‬قيام العروس على خدمة‬


‫الرجال‪:‬‬
‫وال بأس من أن تقوم على خدمة المدعوين العروس‬
‫نفسها إذا كانت متسترة وأمنت الفتنة‪ ،‬لحديث‬
‫سهل بن سعد قال‪:‬‬
‫((لما عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم وأصحابه‪ ،‬فما صنع لهم طعاماً‪ ،‬وال قدمه‬
‫إليهم‪ ،‬إال امرأته أم أسيد‪ ،‬بل ّت (وفي رواية‪ :‬أنقعت)‬
‫تمرات في تور من حجارة من الليل‪ ،‬فلما فرغ النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم من الطعام أماثته له فسقته‪،‬‬
‫تتحفه بذلك‪[ ،‬فكانت امرأته يومئذ خادمهم وهي‬
‫العروس] ))‪ .‬البخاريـ ومسلم‪.‬‬

‫‪ -37‬الغناء والضرب بالدف‪:‬‬


‫ويجوز له أن يسمح للنساءـ في العرس بإعالن النكاح‬
‫بالضرب على الدف فقط‪ ،‬وبالغناء المباح الذي ليس‬
‫فيه وصف الجمال وذكر الفجور‪ ،‬وفي ذلك أحاديث‪:‬‬
‫األول‪ :‬عن الربيعـ بنت معوذ قالت‪:‬‬
‫((جاء النبي صلى هللا عليه وسلم يدخل حين ُبني‬
‫علي‪ ،‬فجلس على فراشي مجلسك مني‪،‬‬
‫(الخطاب للراويـ عنها)‪ ،‬فجعلت جويرات لنا يضربن‬
‫بالدف‪ ،‬ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر‪ ،‬إذ قالت‬
‫إحداهن‪ :‬وفيناـ نبي يعلم ما في غد‪ .‬فقال‪ :‬دعي‬
‫هذه وقولي بالذي كنت تقولين))‪ .‬البخاري والبيهقي‬
‫وأحمد والمحاملي في صالة العيدين‪ .‬وغيرهم‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬عن عائشة أنها زفت امرأة إلى رجل من‬
‫األنصار‪ ،‬فقال نبي هللا صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬يا‬
‫عائشة! ما كان معكم لهو‪ ،‬فإن األنصار يعجبهم‬
‫اللهو؟)) البخاري والحاكم وعنه البيهقي‪.‬‬
‫وفي رواية بلفظ‪:‬‬
‫((فقال‪ :‬فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟‬
‫قلت‪ :‬ماذا تقول؟ قال‪ :‬تقول‪:‬‬
‫أتيناكمـ أتيناكـم فحيـونا نحييـكـمـ‬
‫لوال الذهب األحمـ ـر ما حلت بواديكم‬
‫لوال الحنطة السمرا ء ما سمنت عذاريكم))‬
‫الثالث‪ :‬عنها أيضاً‪:‬‬
‫((أن النبي صلى هللا عليه وسلم سمع ناساً يغنون‬
‫في عرس وهم يقولون‪:‬‬
‫وأهـديـ لها أكبش يبحبحن في المربـدـ‬
‫وحبك في النـادي ويعلم ما في غـد‬
‫وفي رواية‪:‬‬
‫ويعلم ما في غـد‬ ‫وزوجـك في النادي‬
‫قالت‪ :‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬ال‬
‫يعلم ما في غد إال هللا سبحانه))‪ .‬أخرجه الطبرانفي‬
‫في الصغير والحاكم‪،‬ـ البيهقي‪ ،‬وقال الحاكم‪:‬صحيح‬
‫على شرط مسلم‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬عن عامر بن سعد البجلي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫((دخلت على قرظة بنت كعب وأبي مسعود‪ ،‬وذكر‬
‫ثالثاً‪ -‬ذهب علي‪ -‬وجواري يضربن بالدف ويغنين‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬تقرون على وأنتم أصحاب محمد صلى هللا‬
‫عليه وسلم؟ قالوا‪ :‬إنه قد رخص لنا في العرسات‪،‬‬
‫والنياحة عند المصيبة))‪ ،‬وفي رواية‪:‬‬
‫((وفي البكاءـ على الميتـ في غير نياحة)) أخرجه‬
‫الحاكم‪ ،‬والبيهقي‪ ،‬والنسائي‪،‬ـ والطيالسي‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬عن أبي بلج يحيى بن سليم قال‪:‬‬
‫((قلت لمحمد بن حاطب‪ :‬تزوجت امرأتين ما كان‬
‫في واحدة منهما صوت‪ ،‬يعني دفاً‪ ،‬فقال محمد‬
‫رضي هللا عنه‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪:‬‬
‫((فصل ما بين الحالل والحرام الصوت بالدف))‪.‬‬
‫النسائي‪ ،‬والترمذي وقال‪ :‬حديث حسن‪ ،‬وابن‬
‫ماجه‪.‬وغيرهم‪.‬‬
‫السادس‪(( :‬أعلنوا النكاح))‪ .‬ابن حبان والطبراني‪.‬‬
‫‪ -38‬االمتناع من مخالفة‬
‫الشرع‪:‬‬
‫ويجب عليه أن يمتنع من كل ما فيه مخالفة للشرع‪،‬‬
‫وخاصة ما اعتاده الناس في مثل هذه المناسبة‪،‬‬
‫حتى ظن كثير منهم‪ -‬بسبب سكوت العلماء‪ -‬أن ال‬
‫بأس فيها‪ ،‬وأنا أنبه هنا على أمور هامة منها‪:‬‬
‫ً‪ -1‬تعليق الصور‪:‬‬
‫األول‪ :‬تعليق الصور على الجدران‪،‬ـ سواء كانت‬
‫مجسمة أو غير مجسمة‪ ،‬لها ظل‪ ،‬أو ال ظل لها‪،‬‬
‫يدوية أو فوتوغرافية‪ ،‬فإن ذلك كله ال يجوز‪ ،‬ويجب‬
‫على المستطيع نزعها إن لم يستطع تمزيقها‪ ،‬وفي‬
‫أحاديث‪:‬‬
‫‪ -1‬عن عائشة رضي هللا عنها قالت‪:‬‬
‫((دخل علي رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وقد‬
‫سترت سهو ًة لي بقرام فيه تماثيل‪( ،‬وفي رواية‪:‬‬
‫فيه الخيل ذوات األجنحة)‪ ،‬فلما رآه هتكة‪ ،‬وتلون‬
‫وجهه‪ ،‬وقال‪ :‬يا عائشة! أشد الناس عذاباً عند هللا‬
‫يوم القيامة الذين يضاهون بخلق هللا‪،‬‬
‫(وفي رواية‪ :‬إن أصحاب هذه الصور يعذبون‪ ،‬ويقال‬
‫لهم‪ :‬أحيوا ما خلقتم‪ ،‬ثم قال‪ :‬إن البيت الذي فيه‬
‫الصور ال تدخله المالئكة)‪ ،‬قالت‪ :‬عائشة‪ :‬فقطعناه‬
‫فجعلنا منه وسادة أو وسادتين‪[ ،‬فقد رأيته متكئاً‬
‫على إحداهما وفيها صورة] ))‪.‬البخاري ومسلم‪.‬‬
‫‪ -2‬وعنها قالت‪:‬‬
‫((حشوت وسادة للنبي صلى هللا عليه وسلم فيها‬
‫تماثيل كأنها نمرقة‪ ،‬فقام بين البابين‪ ،‬وجعل يتغير‬
‫وجهه‪ ،‬فقلت‪ :‬ما لنا يا رسول هللا؟ [أتوب إلى هللا‬
‫مما أذنبت]‪ ،‬قال‪ :‬ما بال هذه الوسادة؟ قالت‪ :‬قلت‪:‬‬
‫وسادة جعلتها لك لتضطجع عليها‪ ،‬قال‪ :‬أما علمت‬
‫أن المالئكة ال تدخل بيتاً فيه صورة‪ ،‬وأن من صنع‬
‫الصور يعذب يوم القيامة‪ ،‬فيقال‪ :‬أحيوا ما خلقتم؟!‬
‫وفي رواية‪ :‬إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم‬
‫القيامة [قالت‪ :‬فما دخل حتى أخرجتها] )) البخاريـ‬
‫وأبو بكر الشافعي‪.‬‬
‫‪ -3‬قوله صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫((أتاني جبريل عليه السالم‪ ،‬فقال لي‪ :‬أتيتك‬
‫البارحة‪ ،‬فلم يمنعني أن أكون دخلت إال أنه كان‬
‫على الباب تمثال [الرجال]‪ ،‬وكان في البيت قرام‬
‫ستر فيه تماثيل‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وكان في البيتـ كلب‪ ،‬فمر برأس التمثال الذي في‬
‫ومر بالستر‬ ‫البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة‪،‬ـ ُ‬
‫فليقطع‪،‬‬
‫فليجعل منه وسادتين توطآن‪ ،‬ومر بالكلب فليخرج‬
‫[فإنا ال ندخل بيتاً فيه صورة وال كلب]‪ ،‬وإذا الكلب‬
‫[جرو] لحسن أو حسين‪ ،‬كانت تحت نضد لهم (وفي‬
‫رواية‪ :‬تحت سريره)‪[ ،‬فقال يا عائشة! متى دخل‬
‫هذا الكلب؟ فقالت‪ :‬وهللا ما دريت]‪ ،‬فأمر به فأخرج‬
‫[ثم أخذ بيده ما ًء فنضح مكانه] ))حديث صحيح‪.‬‬
‫ً‪ -2‬ستر الجدرانـ بالسجاد‪:‬‬
‫األمر الثاني مما ينبغي اجتنابه‪ :‬ستر الجدار‬
‫بالسجاد ونحوه‪ ،‬ولو من غير الحرير‪ ،‬ألنه سرف وزينة‬
‫غير مشروعة؛ لحديث عائشة رضي هللا عنها قالت‪:‬‬
‫((كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم غائباً في‬
‫غزاة غزاها‪ ،‬فلما تحينت قفوله‪ ،‬أخذت نمطا ّ [فيه‬
‫صورة]كانت لي‪ ،‬فسترت به على العرض‪ ،‬فلما دخل‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم تلقيته في الحجرة‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬السالم عليك يا رسول ورحمة هللا وبركاته‪،‬‬
‫الحمد هلل الذي أعز[ك] فنصرك‪،‬‬
‫وأقر عينيك وأكرمك‪ ،‬قالت‪ :‬فلم يكلمني!ـ وعرفت في‬
‫وجهه الغضب‪ ،‬ودخل البيت مسرعاً‪ ،‬وأخذ النمط‬
‫بيده‪ ،‬فجذبه حتى هتكه‪ ،‬ثم قال‪[ :‬أتسترين‬
‫الجدار؟!] [بستر فيه تصاوير؟!]‪ ،‬إن هللا لم يأمرنا فيما‬
‫رزقنا أن نكسو الحجارة[والطين‪ .‬قالت‪ :‬فقطعنا منه‬
‫ي]‬‫وسادتين‪ ،‬وحشوتهما ليفاً‪ ،‬فلم يعب ذلك عل ّ‬
‫[قالت‪ :‬فكان صلى هللا عليه وسلم يرتفق‬
‫عليهما] )) مسلم وأبو عوانة وأحمد‪.‬‬
‫ولهذا كان بعض السلف يتمنع من دخول البيوت‬
‫المستورة جدرها‪ ،‬قال سالم بن عبد هللا‪:‬‬
‫((أعرست في عهد أبي‪ ،‬فآذن أبي الناس‪ ،‬وكان أبو‬
‫أيوب فيمن آذنّا‪ ،‬وقد ستروا بيتي بنجاد أخضر‪ ،‬فأقبل‬
‫أبو أيوب فدخل‪ ،‬فرآني قائماً‪ ،‬واطلع فرأى البيتـ‬
‫مستتراً بنجاد أخضر‪ ،‬فقال‪ :‬يا عبد هللا! أتسترون‬
‫الجدر؟! قال‪ :‬أبي‪ - :‬واستحيى‪ -‬غلبنا النساء أبا‬
‫أيوب! فقال‪ :‬من [كنت] أخشى [عليه] أن تغلبنه‬
‫النساء فلم[أكن] أخشى [عليك] أن تغلبنك!ـ ثم‬
‫قال‪ :‬ال أطعم لكم طعاماً‪ ،‬وال أدخل لكم بيتاً‪ .‬ثم خرج‬
‫رحمه هللا)) الطبرانيـ وابن عساكر‪.‬‬
‫‪ -3‬نتف الحواجب وغيرها!ـ‬
‫الثالث‪ :‬ما تفعله بعض النسوة من نتفهن حواجبهن‬
‫حتى تكون كالقوس أو الهالل‪ ،‬يفعلن ذلك تجمال ً‬
‫بزعمهن!‬
‫وهذاـ مما حرمه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫ولعن فاعله بقوله‪:‬‬
‫((لعن هللا الواشمات‪ ،‬والمستوشمات(‪،)7‬‬
‫[والواصالت]‪ ،‬والنامصات(‪ ،)8‬والمتنمصات‪ ،‬والمتفلجاتـ‬
‫للحسن(‪)9‬؛ المغيرات خلق هللا))البخاريـ ومسلم وأبو‬
‫داود‪ ،‬والترمذيـ وصححه وغيرهم‪.‬‬
‫‪ -4‬تدميم األظفار وإطالتها‪:‬‬
‫الرابع‪ :‬هذه العادة القبيحة األخرى التي تسربت من‬
‫فاجرات أوربا إلى كثير من المسلمات‪،‬ـ وهيـ‬
‫تدميمهن ألظفارهن بالصمغ األحمر المعروف اليوم‬
‫بـ(مينيكور)‪،‬‬
‫وإطالتهن لبعضها‪ -‬وقد يفعلها بعض الشباب أيضاً‪-‬‬
‫فإن هذا مع ما فيه من تغير لخلق هللا المستلزمـ‬
‫لعن فاعله كما علمت آنفاً‪ ،‬ومن التشبه بالكافرات‬
‫المنهي عنه في أحاديث كثيرة التي منها قوله‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ...(( :‬ومن تشبه بقوم فهو‬
‫منهم))؛ فإنه أيضاً مخالف للفطرة ﴿فطرة هللا التي‬
‫فطر الناس عليها﴾‪ ،‬وقد قال صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫((الفطرة خمس‪ :‬االختتان‪ ،‬واالستحداد‪،‬‬
‫(وفي رواية‪ :‬حلق العانة)‪ ،‬وقص الشارب‪ ،‬وتقليم‬
‫األظفار‪ ،‬ونتف اإلبط))‪.‬‬
‫وقال أنس رضي هللا عنه‪:‬‬
‫ت لنا رسول هللا) في قص‬ ‫ت لنا (وفي رواية‪ :‬و َّق َ‬‫((وقِّ َ‬
‫ُ‬
‫الشارب‪ ،‬وتقليم األظفار‪ ،‬ونتف اإلبط‪ ،‬وحلق العانة‪،‬‬

‫() من الوشم‪ :‬غرز اإلبرة ونحوها في الجلد حتى يسيل الدم‪ ،‬ثم حشوه بالكحل أو ما‬ ‫‪7‬‬

‫شابه فيخضر‪.‬‬
‫والمستوشمة‪ :‬التي تطلب الوشم‪.‬‬
‫() جمع نامصة وهي التي تفعل النماص‪ ،‬والنماص‪ :‬إزالة شعر الوجه بالمنقاش كما‬ ‫‪8‬‬

‫في ((النهاية)) وغيره‪.‬‬


‫() أي ألجل الحسن‪ ،‬المتفلجة‪ :‬التي تطلب الفلج‪ ،‬وهوفرجة ما بين الثنايا‬ ‫‪9‬‬

‫والرباعيات‪،‬والتفلج أن يفرج بين المتالصقين‪ %‬بالمبرد ونحوه‪.‬‬


‫أن ال تترك أكثر من أربعين ليلة))مسلم وأبو عوانة‬
‫وأبو داود‪.‬‬
‫ً‪ -5‬حلق اللحى‪:‬‬
‫الخامس‪ :‬ومثلها في القبح –إن لم تكن أقبح منها‬
‫ابتليـ به أكثر الرجال‬ ‫عند ذوي الفطرة السليمة‪ -‬ما ُ‬
‫من التزين بحلق اللحية بحكم تقليدهم لألوربيين‬
‫الكفار‪ ،‬حتى صار من العار عندهم أن يدخل العروس‬
‫على عروسه وهو غير حليق! وفي ذلك عدة‬
‫مخالفات‪:‬‬
‫أ‪ -‬تغيير خلق هللا‪ ،‬قال تعالى في حق الشيطان‪:‬‬
‫ذن من عبادك نصيباً مفروضاً‪،‬‬ ‫﴿لعنه هللا وقال التخ ّ‬
‫وألضلنّهم وألمنينهم وآلمرنهم فليبتكن آذان األنعام‬
‫ن خلق هللا‪ ،‬ومن يتخذ الشيطانـ ولياً‬ ‫وآلمرنهم فليغير ّ‬
‫من دون هللا فقد خسر خسراناً مبيناً﴾‪.‬‬
‫فهذا نص صريح في أن تغيير خلق هللا دون إذن منه‬
‫تعالى‪ ،‬إطاعة ألمر الشيطان‪ ،‬وعصيان للرحمن جل‬
‫جالله‪ ،‬فال جرم أن لعن رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم المغيرات خلق هللا للحسن كما سبق قرباً‪،‬‬
‫للحسن(!) في اللعن‬ ‫ُ‬ ‫وال شك في دخول اللحية‬
‫المذكور بجامع االشتراك في العلة كما ال يخفى‪،‬‬
‫وإنما قلت‪(( :‬دون إذن من هللا تعالى))‪ ،‬لكي ال‬
‫ُيتوهم‪ ،‬أنه يدخل في التغييرـ المذكور مثل حلق‬
‫العانة ونحوها مما أذن فيه الشارع‪ ،‬بل استحبه‪ ،‬أو‬
‫أوجبه‪.‬‬
‫ب‪ -‬مخالفة أمره صلى هللا عليه وسلم وهو قوله‪:‬‬
‫((أنهكوا الشوارب‪ ،‬وأعفوا اللحى))البخاري ومسلم‬
‫وأبو عوانة وغيرهم‪.‬ـ‬
‫ومن المعلوم أن األمر يفيد الوجوب إال لقرينة والقرينة‬
‫هنا مؤكدة للوجوب‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫ج‪ -‬التشبه بالكفار‪ ،‬قال صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫((جزوا الشوارب‪،‬ـ وأرخوا اللحى‪ ،‬خالفوا المجوس))‬
‫مسلم وأبو عوانة في صحيحيهما‪.‬‬
‫ويؤيد الوجوب أيضاً‪:‬‬
‫د‪ -‬التشبه بالنساء‪ ،‬فقد‪:‬‬
‫((لعن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم المتشبهين‬
‫من الرجال بالنساء‪ ،‬والمتشبهاتـ من النساء‬
‫بالرجال))‪ .‬البخاري‪،‬ـ والترمذي وصححه‪.‬‬
‫وال يخفى أن في حلق الرجل لحيته‪ -‬التي ميزه هللا‬
‫بها على المرأة‪-‬ـ أكبر تشبه بها‪ ،‬فلعل فيما أوردنا من‬
‫األدلة ما يقنع المبتلين بهذه المخالفة‪ ،‬عافانا هللا‬
‫وإياهم من كل ما ال يحبه وال يرضاه‪.‬‬
‫ً‪ -6‬خاتم الخطبة‪:‬‬
‫السادس‪ :‬لبس بعض الرجال خاتم الذهب الذي‬
‫يسمونه بـ((خاتم الخطبة))‪ ،‬فهذا مع ما فيه من‬
‫تقليد الكفار أيضاً‪ -‬ألن هذه العادة سرت إليهم من‬
‫النصارى‪-‬‬
‫ففيه مخالفة صريحة لنصوص صحيحة تحرم خاتم‬
‫الذهب على الرجالـ وعلى النساءـ أيضاً كما‬
‫ستعلمه‪ ،‬وإليكـ بعض هذه النصوص‪:‬‬
‫أوالً‪(( :‬نهى صلى هللا عليه وسلم عن خاتم‬
‫الذهب))‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬عن ابن عباس أن رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم رأى خاتماً من ذهب في يد رجل‪ ،‬فنزعه‬
‫فطرحه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫((يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في‬
‫يده؟!))‪.‬‬
‫فقيل للرجل بعدما ذهب رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ :‬خذ خاتمك وانتفع به‪ ،‬قال‪ :‬ال وهللا ال آخذه‬
‫أبداً وقد طرحه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫ثالثاً عن أبي ثعلبة الخشني أن النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم أبصر في يده خاتماً من ذهب‪ ،‬فجعل‬
‫يقرعه بقضيبـ معه‪ ،‬فلما غفل النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم ألقاه‪[ ،‬فنظر النبي صلى هللا عليه وسلم فلم‬
‫يره في يده فـ]قال‪ :‬ما أرانا إال قد أوجعناك وأغرمناك‪.‬‬
‫النسائي وأحمد وابن سعد وأبو نعيم في‬
‫((أصبهان))‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬عن عبد هللا بن عمرو أن النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم رأى على بعض أصحابه خاتماً من ذهب‪،‬‬
‫فأعرض عنه‪ ،‬فألقاه‪ ،‬واتّخذ خاتماً من حديد‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫هذا شر‪ ،‬هذا حلية أهل النار‪ ،‬فألفاه‪ ،‬فاتخذ خاتماً‬
‫من َو ِرق‪ -‬أي فضة‪ -‬فسكت عنه‪ .‬حديث صحيح رواه‬
‫أحمد‪ .‬والبخاريـ في ((األدب المفرد))‪.‬‬
‫خامساً‪(( :‬من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فال يلبس‬
‫حريراً وال ذهباً))أحمد بسند حسن‪.‬‬
‫سادسا‪(( :‬من لبس الذهب من أمتي‪ ،‬فمات وهو‬
‫يلبسه حرم هللا عليه ذهب الجنة))‪ .‬أحمد بسند‬
‫صحيح‪.‬‬

‫‪ -39‬تحريم خاتم الذهب ونحوه‬


‫على النساء‪:‬‬
‫واعلم أن النساءـ يشتركن مع الرجال في حريم خاتم‬
‫الذهب عليهن‪ ،‬ومثله السوار والطوق من الذهب؛‬
‫ألحاديث خاصة وردت فيهن‪ ،‬فيدخلن لذلك في بعض‬
‫النصوص المطلقة التي لم تقيد بالرجال‪ ،‬مثل‬
‫الحديث األول المتقدم آنفاً‪ ،‬وإليك اآلن ما صح من‬
‫األحاديث المشارـ إليها‪:‬‬
‫األول‪(( :‬من أحب أن يح ِل ّق حبيبه بحلقة من نار‬
‫فليحل ّقه حلقة من ذهب‪ ،‬ومن أحب أن يطوق حبيبه‬
‫طوقاً من نار فليطوقه طوقاً من ذهب‪ ،‬ومن أحب أن‬
‫يسوّر حبيبه سواراً من نار فليطوقه طوقاً (ويفي‬
‫رواية‪ :‬فليسوره سواراً) من ذهب‪ ،‬ولكن عليكم‬
‫بالفضة‪ ،‬فالعبو بها [العبوا بها‪ ،‬العبوا بها]))أبو داود‪،‬‬
‫وأحمد بسند جيد‬
‫الثاني‪ :‬عن ثوبان رضي هللا عنه قال‪:‬‬
‫((جاءت بنت هبيرةـ إلى النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫وفي يدها فتخ [من ذهب] [أي خواتيم كبار]‪ ،‬فجعل‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم يضرب يدها [بعصية‬
‫معه يقول لها‪ :‬أيسرك أن يجعل هللا في يدك خواتيم‬
‫من نار؟!]‪ ،‬فأتت فاطمة تشكو إليها‪ ،‬قال ثوبان‪:‬‬
‫فدخل النبي صلى هللا عليه وسلم على فاطمة وأنا‬
‫معه؛ وقد أخذت من عنقها سلسلة من ذهب‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬هذا أهدى لي أبو حسن (تعني زوجها علياً‬
‫رضي هللا عنه)‪ -‬وفي يدها السلسلة‪ -‬فقال النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ :‬يا فاطمة! أيسرك أن يقول‬
‫الناس‪ :‬فاطمة بنت محمد في يدها سلسلة من‬
‫نار؟! [ثم عذمها عذماً شديداً]‪ ،‬فخرج ولم يقعد‪،‬‬
‫فعمدت فاطمة إلى السلسلة فباعتها فاشترتـ بها‬
‫نسمة‪ ،‬فأعتقتها‪ ،‬فبلغ ذلك النبيـ صلى هللا عليه‬
‫جى فاطمة من‬ ‫وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬الحمد هلل الذي ن ّ‬
‫النار)) النسائي والطيالسي والطبراني‪.‬‬
‫الثالث عن عائشة أن النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫رأى في يد عائشة قُلبين ملويين من ذهب‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ألقيهما عنك‪ ،‬واجعلي قلبين من فضة‪ ،‬وصفريها‬
‫بزعفران‪ .‬القاسم السرقسطي بسند صحيح‪،‬‬
‫والنسائيـ والخطيب‪ ،‬والبزارـ نحوه‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬عن أم سلمة زوج النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم قالت‪:‬‬
‫((جعلت شعائر من ذهب في رقبتها‪ ،‬فدخل النبيـ‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فأعرض عنها‪ ،‬فقلت‪ :‬أال تنظر‬
‫إلى زينتها‪ ،‬فقال‪ :‬عن زينتك ُأعرض‪[ ،‬قالت‪:‬‬
‫فقطعتها‪ ،‬فأقبل علي بوجهه]‪ .‬قال‪ :‬زعموا أنه قال‪:‬‬
‫ض َّر إحداكن لو جعلت خرصاً من ورق‪ ،‬ثم جعلته‬ ‫ما َ‬
‫بزعفران))‪.‬‬
‫وفي حديث أسماء بنت يزيد في قصة أخرى نحوه‪:‬‬
‫جمانتين من فضة‪ ،‬فتدرجه بين‬ ‫((‪ ...‬وتتخذ لها ُ‬
‫أناملها بشيء من زعفران‪ ،‬فإذا هو كالذهب‬
‫يبرق))أخرجه أحمد وأبو نعيم وابن عساكر‪.‬‬
‫شبهات حول تحريم الذهب المحلق‪ ،‬وجوابها‬
‫واعلم أن كثيراًـ من علماء أعرضوا عن العمل بهذه‬
‫األحاديث؛ لشبهات قامت لديهم ظنوها أدلة‪ ،‬وال‬
‫يزال‬
‫كثيرونـ منهم يتمسكون بها على أنها حجج تسوغ‬
‫لهم ترك هذه األحاديث‪ ،‬ولذلك رأيت أنه ال بد من‬
‫حكاية تلك الشبهاتـ والرد عليها‪ ،‬كي ال يغتر بها من‬
‫ال علم عنده بطرق الجمع بين األحاديث‪ ،‬فيقع في‬
‫مخالفة األحاديث الصحيحة المحكمة‪ ،‬بدون حجة أو‬
‫بينة‪ ،‬فأقول‪:‬‬
‫دعوى اإلجماع على إباحة الذهب مطلقاً للنساء‪،‬‬
‫وردها‬
‫‪ -1‬ادعى بعضهم اإلجماع على إباحة الذهبـ مطلقاً‬
‫للنساء‪ ،‬وهذاـ مردود من وجوه‪:‬‬
‫اإلجماع الصحيح‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنه ال يمكن إثبات صحة اإلجماع في هذه‬
‫المسألة‪ ،‬وإن نقله البيهقي في ((سننه)) (‪)4/124‬‬
‫وغيره‪ ،‬مثل الحافظ ابن حجر في ((الفتح))‪ ،‬ولكن‬
‫هذا كأنه أشار لعدم ثبوته حين قال‪ )10/260( :‬في‬
‫بحث خاتم الذهب‪:‬ـ‬
‫((فقد نقل اإلجماع على إباحته للنساء))‪ ،‬ويأتي‬
‫قريباً ما يبطل هذا اإلجماع‪ ،‬وذلك ألنه ال يستطيع‬
‫أحد‬
‫أن يدعي أنه إجماع معلوم من الدين بالضرورة‪ ،‬وغير‬
‫هذا اإلجماع مما ال يمكن تصوره‪ ،‬فضال ً عن وقوعه‪،‬‬
‫ولهذا قال اإلمام أحمد رضي هللا عنه‪:‬‬
‫((من ادعى اإلجماع فهو كاذب‪[ ،‬وما يدريه؟]‪ ،‬لعل‬
‫الناس اختلفوا))‪.‬‬
‫رواه ابنه عبد هللا في ((مسائله)) (ص‪.)390‬‬
‫وتفصيل القول في هذا الموضوع الخطير ليس هذا‬
‫موضعه‪ ،‬فليراجع من شاء التحقيق بعض كتب علم‬
‫أصول الفقه التي ال يقلد مؤلفوها من قبلهم!ـ مثل‪:‬‬
‫((أصول األحكام)) البن حزم (‪،)144 -4/128‬‬
‫و((إرشاد الفحول)) للشوكاني‪ ،‬ونحوهما‪.‬‬
‫استحالة وجود إجماع صحيح على خالف حديث‬
‫صحيح دون وجود ناسخ صحيح‬
‫الثاني‪ :‬لو كان يمكن إثبات اإلجماع في الجملة‪،‬‬
‫لكان ادعاؤه في خصوص هذه المسألة غير صحيح‪،‬‬
‫ألنه مناقض للسنة الصحيحة‪ ،‬وهذا مما ال يمكن‬
‫تصوره أيضاً؛ ألنه يلزم منه اجتماع األمة على ضالل‪،‬‬
‫وهذا‬
‫مستحيل لقوله صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬ال تجتمع‬
‫أمتي على ضاللة))‪ ،‬ومثل هذا اإلجماع ال وجود له‬
‫إال في الذهن والخيال‪،‬ـ وال أصل له في الوجود‬
‫والواقع‪ ،‬قال أبو محمد بن حزم رحمه هللا تعالى في‬
‫((أصول األحكام)) (‪:)72 -2/71‬‬
‫((وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح عن‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم ويكون اإلجماع على‬
‫خالفه‪ ،‬قال‪ :‬وذلك دليل على أنه منسوخ‪ .‬وهذا‬
‫عندنا خطأ فاحش متيقن لوجهين برهانيين‬
‫ضروريين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن ورود حديث صحيح يكون اإلجماع على‬
‫خالفه معدوم لم يكن قط‪ ،‬وال هو في العالم‪ ،‬فمن‬
‫ادعى أنه موجود فليذكره لنا‪ ،‬وال سبيل له‪ -‬وهللا‪-‬‬
‫إلى وجوده أبداً‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن هللا تعالى قد قال‪﴿ :‬إنا نحن نزلنا الذكر‬
‫وإنا له لحافظون﴾‪ ،‬فمضمون عند كل من يؤمن باهلل‬
‫واليوم اآلخر أن ما تكفل هللا عز وجل بحفظه فهو غير‬
‫ضائع أبداً‪ ،‬ال يشك في ذلك مسلم‪ ،‬وكالم النبيـ‬
‫صلى هللا عليه وسلم كله وحي بقوله تعالى‪﴿ :‬وما‬
‫ي يوحى﴾‪ ،‬والوحي‬ ‫ينطق عن الهوى‪ ،‬إن هو إال وح ٌ‬
‫ذكر بإجماع األمة كلها‪،‬‬
‫ٌ‬
‫والذكرـ محفوظ بالنص‪ ،‬فكالمه عليه السالم محفوظ‬
‫بحفظ هللا تعالى عز وجل ضرورة‪ ،‬منقول كله إلينا ال‬
‫بد من ذلك‪ ،‬فلو كان هذا الحديث الذي ادّعى هذا‬
‫القائل أنه مجمع على تركه‪ ،‬وأنه منسوخ كما ذكر‪،‬‬
‫لكان ناسخه الذي اتفقوا عليه قد ضاع ولم يحفظ‪،‬‬
‫وهذا تكذيب هلل عز وجل في أنه حافظ للذكر كله‪،‬‬
‫ولو كان ذلك لسقط كثير مما بل ّغ عليه السالم عن‬
‫ربه‪ ،‬وقد أبطل ذلك رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫في قوله في حجة الوداع‪ :‬اللهم هل بلغت؟))‪ .‬قال‪:‬‬
‫((ولسنا ننكر أن يكون حديث صحيح‪ ،‬وآية صحيحة‬
‫التالوة منسوخين إما بحديث آخر صحيح‪،،‬وإما بآية‬
‫متلوة‪ ،‬ويكون االتفاق على النسخ المذكور قد ثبت‪،‬‬
‫بل هو موجود عندنا إال أننا نقول‪ :‬ال بد أن يكون‬
‫الناسخ لهما موجوداً أيضاً عندنا‪ ،‬منقوال ً إلينا‪،‬‬
‫محفوظاً عندنا‪ ،‬مبلغاً نحونا بلفظه‪ ،‬قائم النص لدينا‪،‬‬
‫ال بد من ذلك‪ ،‬وإنما الذي منعنا منه فهو أن يكون‬
‫المنسوخ محفوظاً منقوال ً مبلغاً إلينا‪ ،‬ويكون الناسخ‬
‫له قد سقط ولم ينقل إلينا لفظه‪ ،‬فهذا باطل عندنا‪،‬‬
‫ال سبيل إلى وجوده في العالم أبد األبد‪ ،‬ألنه معدوم‬
‫البتة‪ ،‬قد دخل –بأنه غير‬
‫كائن‪ -‬في باب المحال‪ ،‬والممتنعـ عندنا‪ ،‬وباهلل تعالى‬
‫التوفيق))‪.‬‬
‫تقديم السنة على اإلجماع الذي ليس معه كتاب أو‬
‫سنة‬
‫وقال العالمة المحقق ابن قيم الجوزية رحمه هللا‬
‫تعالى‪:‬‬
‫((ولم يزل أئمة اإلسالم على تقديم الكتاب على‬
‫السنة‪ ،‬والسنة على اإلجماع‪ ،‬وجعل اإلجماع في‬
‫المرتبة الثالثة‪ .‬قال الشافعي‪ :‬الحجة كتاب هللا‬
‫وسنة رسوله واتفاق األئمة‪ ،‬وقال في ((كتاب‬
‫اختالفه مع مالك))‪:‬‬
‫((والعلم طبقات‪:‬األولىـ الكتابـ والسنة الثابتة‪ ،‬ثم‬
‫اإلجماع فيما ليس كتاباً وال سنة‪.))...‬‬
‫وقال ابن القيم أيضاً في صدد بيان أصول فتاوى‬
‫اإلمام أحمد‪:‬‬
‫((ولم يكن (يعني اإلمام أحمد) يقدم على الحديث‬
‫الصحيح عمال ً وال رأياً وال قياساً وال قول صاحب‪ ،‬وال‬
‫عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس‬
‫ذب‬ ‫إجماعاً ويقدمونه على الحديث الصحيح!ـ وقد ك ّ‬
‫أحمد من‬
‫ادعى هذا اإلجماع‪ ،‬ولم يسغ تقديمه على الحديث‬
‫الثابت‪ ،‬وكذلك الشافعي‪ ...‬ونصوص رسول هللا صلى‬
‫ل عند اإلمام أحمد وسائر أئمة‬ ‫هللا عليه وسلم أج ّ‬
‫الحديث من أن يقدموا عليها توهم إجماع مضمونه‬
‫عدم العلم بالمخالف‪ ،‬ولو ساغ لتعطلت النصوص‪،‬‬
‫وساغ لكل من لم يعلم مخالفاً في حكم مسألة أن‬
‫يقدم جهله بالمخالف على النصوص))‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا ما فعله البعض هنا‪ ،‬فقدموا ما زعموه‬
‫إجماعاً على النصوص المتقدمة‪ ،‬مع أنه ال إجماع‬
‫في ذلك‪ ،‬وبيانه في الوجه التالي‪:‬‬
‫الثالث‪ :‬أنه قد ثبت ما ينقض باإلجماع المزعوم‪ ،‬وهو‬
‫ما روىـ عبد الرزاق في ((المصنف)) (‪/ 70/ 11‬‬
‫‪ ،)19935‬وابن صاعد في ((حديثه)) (‪ -35/1‬وهو‬
‫بخط الحافظ ابن عساكر)‪ ،‬وابن حزم( ‪ ،)10/82‬بسند‬
‫صحيح عن محمد بن سيرين؛ أنه سمع أبا هريرة‬
‫يقول البنته‪:‬‬
‫((ال تلبسي الذهب؛ إني أخشى عليك اللهب))‪.‬‬
‫وروى ابن عساكر (‪ )19/124/2‬من طريقين آخرين أن‬
‫ابن ًة ألبي هريرةـ قالت له‪ :‬إن الجواري ُيعيّرنني‪،‬‬
‫يقلن‪ :‬إن أباك ال يحليك الذهب! فقال‪:‬‬
‫قولي لهن‪ :‬إني أبي ال يحليني الذهب؛ يخشى‬
‫علي من اللهب‪.‬‬
‫ورواه عبد الرزاقـ (‪ )19938‬نحوه‪ ،‬وعلقه البغوي في‬
‫((شرح السنة)) (‪ ،)82 / 210 /3‬وحكى الخالف في‬
‫هذه المسألة‪ ،‬فإنه بعد أن ذكر إباحة خاتم الذهبـ‬
‫للنساء وتحليهن به عند األكثرين؛ قال‪:‬‬
‫((وكره ذلك قوم))‪.‬‬
‫ثم ساق حديث أسماء بنت يزيد المتقدم بعضه في‬
‫المتن (ص‪)236‬وتمامه في التعليق(‪.)237‬‬
‫وما حكاه البغوي رحمه هللا من الكراهةـ عن أولئك‬
‫الذين أشار إليهم من العلماء‪ ،‬فهي الكراهة‬
‫التحريمية‪ ،‬ألنه المعروف في اصطالح السلف؛ تبعاً‬
‫لألسلوب القرآني في عديد من اآليات الكريمة؛‬
‫كقوله تعالى‪﴿ :‬وكرّه إليكمـ الكفر والفسوق‬
‫والعصيان﴾‪.‬‬
‫وقد كنت شرحت هذه المسألة الهامة في كتابي‪:‬‬
‫((تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد)) (ص ‪-48‬‬
‫‪ ،)55‬وذكرت هناك بعض األمثلة‪ ،‬فلتراجع‪.‬‬
‫وبين أيدينا مثال آخر قريب المنال‪،‬ـ وهو ما تقدم في‬
‫بحث (خاتم الخطبة) أن اإلمام أحمد‪ ،‬واإلمام‬
‫إسحاق بن راهويه كرها خاتم الذهب للرجال‪ ،‬فهذه‬
‫الكراهةـ للتحريم أيضاً‪ ،‬لتصريح األحاديث المتقدمة‬
‫هناك به‪ ،‬وكذلك األمر في تحريم خاتم الذهبـ على‬
‫النساء؛ ألن األدلة صريحة أيضاً‪ ،‬فمن أطلق كراهته‬
‫عليهن‪ ،‬فإنما يعني الكراهة الشرعية‪ ،‬وهي‬
‫التحريم‪ ،‬فتأمل منصفاً‪.‬‬
‫وذكر ابن عبد الحكمـ في ((سيرة عمر بن عبد‬
‫العزيز)) (ص‪ )163‬أن ابنة عمر بعثت إليه بلؤلؤة‬
‫وقالت له‪ :‬إن رأيت أن تبعث لي بأخت لها حتى‬
‫أجعلها في أذني‪ ،‬فأرسل إليها ثم قال لها‪ :‬إن‬
‫استطعت أن تجعلي هاتين الجمرتين في أذنيك‬
‫بعثت لك بأخت لها!‬
‫ومن الظاهر أن اللؤلؤة كانت محالة بالذهب‪ ،‬ألنها ال‬
‫تقوم بنفسها‪ ،‬وال تحلى عادة إال بها‪ ،‬ويؤيد ذلك‬
‫لفظة‪(( :‬الجمرتين))‪ ،‬فإنها مستوحاة من بعض‬
‫أحاديث التحريمـ المتقدمة كحديث بنت هبيرة‪ ،‬فثبت‬
‫بطالن دعوى اإلجماع في هذه المسألة‪.‬‬
‫دعوى نسخ األحاديث المتقدمة‪ ،‬وإبطالها‬
‫‪ -2‬وادعى آخرون نسخ هذه األحاديث المحرمة بمثل‬
‫قوله صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬أحل الذهب والحريرـ‬
‫إلناث أمتي‪ ،)) ...‬وهو حديث صحيح بمجموع طرقه‪،‬‬
‫وقد ذكرها الزيعلي في ((نصب الراية)) (‪-4/222‬‬
‫‪ ،)225‬ثم حققته في تخريج كتاب ((الحالل‬
‫والحرام)) لألستاذ القرضاوي (رقم‪ ،)78‬وهو ادعاء‬
‫باطل‪ ،‬ألن للنسخ شروطاً كثيرة معروفة عند العلماء؛‬
‫منها أن يكون الخطاب الناسخ متراخياًـ عن المنسوخ‪،‬‬
‫ومنها أن ال يمكن الجمع بينهما‪ ،‬وهذانـ الشرطانـ‬
‫منفيان هنا‪ ،‬أما األول؛ فألنه ال ُيعلم تأخر هذا‬
‫الحديث المبيحـ عن‬
‫أحاديث التحريم‪،‬ـ وأما الثاني؛ فألن الجمع ممكن‬
‫بسهولة بين الحديث المذكور وما في معناه‪ ،‬وبين‬
‫األحاديث المتقدمة‪ ،‬ذلك ألن الحديث مطلق‪ ،‬وتلك‬
‫مقيدة بالذهب الذي هو طوق أو سوار أو حلقة‪،‬‬
‫فهذا هو المحرمـ عليهن‪ ،‬وما سوى ذلك من الذهبـ‬
‫ل‬
‫المقطع فهو المباح لهن‪ ،‬وهو المراد بحديث ح ّ‬
‫الذهب لهن‪ ،‬فهو مطلق مقيد باألحاديث المشارـ‬
‫إليها‪ ،‬فال تعارض وبالتاليـ فال نسخ‪.‬‬
‫ولذلك لم نر أحداً ممن ألف في الناسخ والمنسوخ‬
‫أورد األحاديث المذكورةـ فيما هو منسوخ‪ ،‬كالحافظ‬
‫أبي الفرج ابن الجوزي في رسالة ((إخبار أهل‬
‫الرسوخ في الفقه والتحديث بمقدار المنسوخ في‬
‫الحديث))‪ ،‬والحافظ أبي بكر الحازمي في كتابه‬
‫((االعتبار في الناسخ والمنسوخ من اآلثار))‪،‬‬
‫وغيرهما‪ ،‬بل قد أشار ابن الجوزي رحمه هللا في‬
‫مقدمة رسالته المشارةـ إليها إلى رد دعوى نسخ‬
‫هذه األحاديث‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫((أفردت في هذا الكتاب قدر ما صح نسخه أو‬
‫احتمل‪ ،‬وأعرضت عما ال وجه لنسخه وال احتمال‪،‬‬
‫فمن‬
‫سمع بخبر يدعى عليه النسخ وليس في هذا‬
‫الكتاب‪ ،‬فليعلم وهاء تلك الدعوى‪ ،‬وقد تدبرته فإذا‬
‫فيه أحد وعشرونـ حديثا))‪.‬‬
‫بل قال المحقق ابن القيم في ((األعالم)) (‪:)3/458‬‬
‫((إن النسخ الواقع في األحاديث الذي أجمعت عليه‬
‫األمة؛ ال يبلغ عشرة أحاديث البتة‪ ،‬وال شطرها))!‬
‫قلت‪ :‬ثم ساقها‪ ،‬وليس فيها شيء من هذه‬
‫األحاديث السابقة‪ ،‬فثبت ضعف ادعاء احتمالـ‬
‫نسخها‪ ،‬فكيف الجزم بنسخها؟ وقد أشار لضعف‬
‫دعوى النسخ ابن األثير في((النهاية))‪ ،‬بقوله تعليقا‬
‫على حديث أسماءـ المشارـ إليه آنفاً‪:‬‬
‫((قيل‪ :‬كان هذا قبل النسخ‪ ،‬فإنه قد ثبت إباحة‬
‫الذهب للنساء))‪.‬‬
‫فإن لفظة‪(( :‬قيل)) للتمريضـ كما هو معروف‪.‬‬
‫وقال العالمة صدر الدين علي بن عالء الحنفي بعد‬
‫أن حكى كالم ابن الجوزي اآلنف الذكر‪:‬‬
‫سلِم من‬ ‫((وهذا هو الذي يشهد العقل بصدقه إذا َ‬
‫الهوى‪ ،‬وقد ادعى كثير من الفقهاء في كثير من‬
‫السنة أنها منسوخة‪ ،‬وذلك إما لعجزه عن الجمع‬
‫بينها وبين ما يظن أنه يعارضها‪ ،‬وإما لعدم علمه‬
‫ببطالن ذلك المعارض‪ ،‬وإما لتصحيح مذهبه ودفع ما‬
‫يرد عليه من جهة مخالفة‪ ،‬ولكن نجد غيره قد بين‬
‫الصواب في ذلك‪ ،‬ألن هذا الدين محفوظ‪ ،‬وال تجتمع‬
‫هذه األمة على ضاللة))‪.‬‬
‫ولقد صدق رحمه هللا في كل ما ذكره‪ ،‬فأنت ترى أن‬
‫هذه األحاديث المحرمة ال تتعارض مطلقاً مع حديث‬
‫حل الذهب للنساء‪ ،‬ألنه عام‪ ،‬وتلك خاصة‪ ،‬والخاص‬
‫مقدم على العام كما هو مقرر في علم األصول‪،‬‬
‫ولهذه القاعدة رجح اإلمام النووي رضي هللا عنه في‬
‫((شرح مسلم)) و((المجموع)) وجوب الوضوء من‬
‫أكل لحم اإلبل‪ ،‬مع أنه مخالف لمذهبه‪ ،‬بل ومذهب‬
‫الجمهور‪ ،‬حتى ظن بعض المتعالمين في هذا العصر‬
‫أنه ال يقول بالوضوء منه عالم من علماء المسلمين!ـ‬
‫كما نشر ذلك في‬
‫بعض الجرائد الدمشقية سنة ‪1386‬هـ تقريباً‪.‬‬
‫ولِما ذكرنا قال ولي هللا الدهلوي في ((حجة هللا‬
‫البالغة)) (‪ )2/190‬بعد أن ذكر أحاديث التحريم‬
‫وحديث الحل‪:‬‬
‫((معناه الحل في الجملة‪ ،‬وهذاـ ما يوجبه مفهوم‬
‫هذه األحاديث‪ ،‬ولم أجد لها معارضاً))‪.‬‬
‫وأقره صديق حسن خان في ((الروضة الندية)) (‬
‫‪.)218 -2/217‬‬
‫قلت‪ :‬ومما يدلك على ضعف دعوى النسخ هذه؛ أن‬
‫بعض متعصبة الحنفية‪ -‬وقد سبقت اإلشارة إليه‪ -‬لم‬
‫ينظر إليها بعين الرضا‪ ،‬مع أنه حكاها عن الجمهور‬
‫الذين يقلدهم في هذه المسألة‪ ،‬واحتج على ذلك‬
‫بقوله‪ -‬وقد وفق فيه‪:-‬‬
‫((إن النسخ ال ُيلجأ إلى القول به ما دام التوفيق بين‬
‫األحاديث ممكناً‪ ،‬بحيث ال يرد شيء من األدلة))‪،‬‬
‫وهذا حق ال ريب فيه‪ ،‬وهو من المقرر في علم‬
‫األصول‪.‬‬
‫ولكنه مع األسف لم يستقر عليه الدكتور‪ ،‬بل رجع‬
‫إلى ادعاء النسخ معارضاً بذلك األخذ بأحاديث‬
‫التحريم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫((إن الفريقين لما تجاذبا دعوى النسخ احتجنا إلى‬
‫النظر في التاريخ للترجيح بين المذهبين‪ ،‬وتعيين‬
‫الناسخ والمنسوخ‪ ،‬والتاريخ يؤيد نظر الجمهور (!)‪.‬‬
‫فإنه ال شك في أن الصحابة في ابتداء اإلسالم كانوا‬
‫في أمس الحاجة للمال‪ ...‬ولقد قسم األنصار‬
‫أموالهم مناصفة بينهم وبين المهاجرين‪ ،‬فكان‬
‫التختم بالذهب في تلك الفترة بطراً وترفاً‪ ،‬فلما‬
‫مضت األيام‪ ،‬وفتحت على رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم الفتوحات صار الناس في رخاء العيش فأباح‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم لبس الذهبـ لزوال‬
‫المانع))!‬
‫قلت‪ :‬وجوابي عليه من وجوه‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنه لم يذكر نصاً تاريخياً يؤيد تأخر المبيح عن‬
‫الحاظر‪ ،‬يرجح به نظر الجمهور‪ ،‬وإنما هو مجرد‬
‫الدعوى أن اإلباحة كانت بعد رخاء العيش‪ ،‬فأين‬
‫الدليل عليها؟!‬
‫الثاني‪ :‬هذه الدعوى لو صحت‪ ،‬لزم منها أن يكون‬
‫تحريم الذهب على الرجال قد شرع في الوقت الذي‬
‫حرم على النساء‪،‬ـ إن لم يكن تقدم عليه‪ ،‬وكل عاقل‬
‫يفهم من قوله‪(( :‬في ابتداءـ اإلسالم))‪ ،‬أنه يعني‬
‫في مكة‪ ،‬أو في أول الهجرة على أبعد تقدير‪ ،‬وإذا‬
‫كان كذلك‪ ،‬فنحن نقطع ببطالن هذه الدعوى؛ ألن‬
‫تحريم الذهب على الرجال إنما كان في أواخر األمر‪،‬‬
‫كما نص على ذلك الحافظ الذهبيـ في ((تلخيص‬
‫المستدرك)) (‪ ،)3/231‬ومما يشهد له ما أخرجه‬
‫البخاري في ((اللباس)) وأحمد في ((المسند)) (‬
‫‪ )4/328‬عن المسور بن مخرمة‪:‬‬
‫((أن أباه مخرمة قال له‪ :‬يا بني! إنه بلغني أن النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم قدمت عليه أقبية‪ ،‬فهو‬
‫يقسمها‪ ،‬فاذهب بنا إليه‪ ،‬فذهبناـ إليه‪ ...‬فخرج وعليه‬
‫قباء من الديباج مزرر بالذهب‪ ،‬فقال‪ :‬يا مخرمة هذا‬
‫خبأته لك‪ ،‬فأعطاه إياه))‪.‬‬
‫وإنما أسلم مخرمة عام الفتح‪ ،‬وذلك بعد ثمان سنين‬
‫ونصف من الهجرة‪ ،‬فهذا نص على أن الذهب كان‬
‫مباحاً إلى ما قبل وفاته صلى هللا عليه وسلم بسنة‬
‫ونصف تقريباً‪ ،‬ولوال ذلك لم يلبس صلى هللا عليه‬
‫وسلم القباء المزررـ بالذهب‪ ،‬وال وزعه على أصحابه‬
‫كما هو ظاهر‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنه لو صح قوله‪(( :‬فأباح النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم لبس الذهب لزوال المانع))‪ ،‬لزم منه‬
‫إباحة الذهبـ للرجال أيضاً لزوالـ المانع أيضاً! وهذا‬
‫باطل ال يقوله عالم‪ ،‬وما لزم منه باطل؛ فهو باطل‪.‬‬
‫فإن قال‪ :‬هذا غير الزم‪ ،‬ألن علة تحريم الذهبـ على‬
‫الرجال‪ ،‬غير علة تحريمه على النساء‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬ما هيه؟ وال سبيل له إلى إثباتها أبداً‪ ،‬إال بمثل‬
‫هذه الدعوى التي أثبت بها أختها! وليست هي إال‬
‫مجرد رأي تفرد به الدكتور في آخر الزمان!‬
‫وما ُيلجئ بعض الناس إلى مثل هذه المضايق‬
‫واآلراء‪ ،‬إال محاولتهم التخلص من معارضة النص‬
‫الشرعي لمخالفته لمذهبهم‪ ،‬وتقليدهم‪ ،‬وعاداتهم‪،‬‬
‫فيقعون فيما هو أعظم منه! ولو أنهم استسلمواـ‬
‫لحكم هللا ورسوله‪ -‬كما هو المفروض في المسلم‪-‬‬
‫لكان خيراً لهم‪ ،‬ولم يقعوا في مثل ذلك‪.‬‬
‫وخالصة البحث‪ :‬أن القول بنسخ األحاديث المحرمة‬
‫للذهب على النساءـ مما ال دليل عليه‪ ،‬بل هو‬
‫مخالف لعلم األصول‪ ،‬والواجب الجمع بينها وبين‬
‫األحاديث المبيحة للذهب عليهن‪ ،‬وذلك بحمل‬
‫المطلق على المقيد‪ ،‬أو العام على الخاص‪ ،‬كما‬
‫شرحنا‪ ،‬وينتج منه أن الذهب كله حالل على‬
‫النساء‪ ،‬إال المحلق منه‪ ،‬كما يحرم عليهن استعمال‬
‫أواني الذهب والفضة اتفاقاً‪ ،‬فال نسخ عندنا؛ خالفاً‬
‫لما فهمه الدكتور‪ ،‬وأدار كل بحثه في كتابه عليه‪،‬‬
‫كما ينبئك به كالمه السابق في المعارضة‬
‫المزعومة‪ .‬وهللا الهادي‪ ،‬ال رب سواه‪.‬‬
‫رد األحاديث المتقدمة بأحاديث مبيحة‪ ،‬والجواب عنها‬
‫‪ -3‬وقد يردّ بعضهم هذه األحاديث بأحاديث أخرى‪،‬‬
‫فيها إباحة المحلق من الذهب على النساء‪،‬‬
‫والجواب أن هذا كان قبل التحريم حتماً‪ ،‬وبيانه‪:‬‬
‫أن من المعلوم بداهة أن النهي عن الشيء مما‬
‫يحتمل التحليل والتحريم؛ـ ال يكون إال بعد أن يكون‬
‫مسبوقاً باإلباحة‪ ،‬فالتمسكـ بها حينئذ فيه مخالفة‬
‫صريحة‬
‫لمنطوق األحاديث المحرّمة‪ ،‬ومما يقرب هذا إلى‬
‫المنصفين إن شاء هللا تعالى أن هناك أحاديث‬
‫يستفاد منها إباحة الذهبـ على الرجال أيضاً‪ ،‬ومع‬
‫ذلك فلم يأخذ بها أحد من العلماء‪ ،‬لمجيء النصوص‬
‫المحرمة‪ ،‬وقد سبق ذكر بعضها‪ ،‬بل ذهبوا إلى أنها‬
‫كانت قبل التحريم‪ ،‬وكذلك نقول نحن في األحاديث‬
‫المبيحة للذهبـ المحلق للنساء‪ ،‬وال فرق أنها كانت‬
‫قبل التحريم‪ ،‬ومن فرق بين هذه وتلك‪ ،‬فهو متناقض‬
‫أو متالعب!‬
‫تقييد األحاديث المتقدمة بمن لم يؤد الزكاة‪ ،‬وردّه‬
‫‪ -4‬وأجاب بعضهم بأن الوعيد الوارد في األحاديث‬
‫المتقدمة إنما هو في حق من ال يؤدي زكاة تلك‬
‫الحلي؛ دون من أداها‪ ،‬واستدلـ عليه بحديث عمرو‬
‫بن‬
‫شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم ومعها ابنة لها‪ ،‬وفي يد ابنتها‬
‫مسكتان (أي سواران) غليظتان من ذهب‪ ،‬فقال لها‪:‬‬
‫أتعطين زكاة هذا؟ قالت‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬أيسرك أن يسوّرك‬
‫هللا بهما يوم القيامة سوارين من نار؟!قال‪:‬‬
‫فخلعتهما‪ ،‬فألقتهما إلى النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وقالت‪ :‬هما هلل عز ولرسوله‪.‬‬
‫أخرجه أبو داود (‪ ،)1/244‬والنسائي(ـ‪ ،)1/343‬وأبو‬
‫عبيد في ((األموال)) (رقم‪ ،)1260‬وإسناده حسن‪،‬‬
‫وصححه ابن الملقن (‪ ،)65/1‬وتضعيف ابن الجوزي له‬
‫في ((التحقيق)) (‪ ،)6/197/1‬مردود عليه‪.‬‬
‫ورواه النسائي في ((السنن الكبرى)) (ق‪ )5/1‬عن‬
‫عمرو بن شعيب به موصوالً‪ ،‬ثم رواه عنه مرسالً‪،‬‬
‫وقال‪:‬‬
‫((الموصول أولى بالصواب))‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬إن هذا استدالل ضعيف جداً‪ ،‬ألن الرسول‬
‫صلى هللا عليه وسلم لم ينكر في هذه القصة لبس‬
‫السوارين‪،‬‬
‫وإنما أنكر عدم إخراج زكاتهما‪ ،‬بخالف األحاديث‬
‫المتقدمة‪ ،‬فإنه أنكر اللبس‪ ،‬ولم يتعرض إليجاب‬
‫الزكاة عليها‪ ،‬والظاهرـ أن هذه القصة كانت في وقت‬
‫اإلباحة‪ ،‬فكأنه صلى هللا عليه وسلم تدرج لتحريمها‪،‬‬
‫فأوجب الزكاة عليها أوالً‪ ،‬ثم حرمها‪ ،‬كما هو صريح‬
‫األحاديث السابقة‪ ،‬وال سيما الحديث األول من رواية‬
‫أبي هريرة مرفوعاً‪:‬‬
‫((من أحب أن يحلق حبيبه بحلقة من نار فليحلقه‬
‫حلقة من ذهب‪ ))...‬إلخ‪ ،‬فإنه ال يدل داللة قاطعة أن‬
‫التحريم لنفس التحليق وما قرن معه‪ ،‬ال لعدم إخراج‬
‫زكاتها‪.‬‬
‫والحق أن هذه القصة أفادت وجوب الزكاة على‬
‫الحلي‪ ،‬ومثلها قصة عائشة اآلتية في زكاة خواتيم‬
‫الفضة‪ ،‬فهذه وتلك ال تدل على تحريم االستعمال‪،‬‬
‫بل على وجوب زكاة المستعمل؛ فالتحريم وعكسه‬
‫يؤخذ من أدلة أخرى‪ ،‬فأخذنا تحريم الذهبـ المحلق‬
‫عليهن األحاديث المتقدمة‪ ،‬وأخذنا إباحة الفضة من‬
‫حديث أبي هريرة المتقدم‪ ،‬ومن حديث عائشة‬
‫المشار إليها وغيرها‪.‬‬
‫وجملة القول؛ أن هذا الحديث ال حجة فيه على ما‬
‫ذكره المنذري‪ ،‬ألنه لم ينص فيه على تحريم‬
‫السوار‪ ،‬إنما كان ألنه لم يؤد زكاته حتى يمكن أن‬
‫يقال‪ :‬إنه مفصل‪ ،‬وتلك األحاديث مجملة‪ ،‬فيحمل‬
‫المجمل على المفصل‪ ،‬وإنما هي واقعة عين أفادت‬
‫وجوب زكاة الحلي‪ ،‬فال يعارض ما أفادته األحاديث‬
‫السابقة من التحريم‪.‬‬
‫تقييد آخر لألحاديث‪ ،‬والجواب عنه‬
‫‪ -5‬وأجاب هذا البعض أيضاً بجواب آخر فقال‪ :‬إن‬
‫الوعيد المذكورـ إنما هو في حق من تزينت به‬
‫وأظهرته‪ ،‬واستدب لما رواه النسائي وأبو داود عن‬
‫ربعي بن حراش عن امرأته عن أخت لحذيفة أن‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪:‬‬
‫((يا معشر النساء!ـ أما لكن في الفضة ما تحلين به؟‬
‫أما إنه ليس منكن امرأة تتحلى ذهباً تظهره إال‬
‫عذبت به))‪.‬‬
‫والجواب من وجهين‪:‬‬
‫األول‪ :‬رد الحديث من أصله لعدم ثبوته‪ ،‬فإن في‬
‫سنده امرأة ربعي وهيـ مجهولة كما قال ابن حزم(‬
‫‪)10/83‬؛ ولذلك ضعفته في ((المشكاة)) (‪.)4403‬‬
‫ثانياً‪ :‬لو كانت العلة هي اإلظهار؛ لكان ال فرق في‬
‫ذلك بين الذهبـ والفضة الشتراكهماـ في العلة‪ ،‬مع‬
‫أن الحديث صريح في التفريق بينهما‪ ،‬وال قائل‬
‫بحرمة خاتم الفضة على المرأةـ مع ظهوره‪ ،‬فثبت‬
‫بطالن التمسكـ بعلة اإلظهار‪ .‬ولهذا قال أبو الحسن‬
‫السندي‪:‬‬
‫(((تظهره)؛ يحتمل أن تكون الكراهةـ إذا ظهرت‬
‫وافتخرتـ به‪ ،‬لكن الفضة مثل الذهب في ذلك‪،‬‬
‫فالظاهر أن هذا لزيادة التقبيح والتوبيخ‪ ،‬والكالم‬
‫إلفادة حرمة الذهب (يعني‪ :‬المحلق) على ا لنساء‪،‬‬
‫مع قطع النظر عن اإلظهار واالفتخار))‪.‬‬
‫وهذا كله يقال على افتراض صحة الحديث‪ ،‬وإال فقد‬
‫عرفت ضعفه‪ ،‬فسقط االستدالل به أصالً‪.‬‬
‫رد األحاديث بفعل عائشة‪ ،‬والجواب عنه‬
‫‪ -6‬ومن أعجب ما ُردّت به هذه األحاديث الصحيحة؛‬
‫قول بعض متعصبة الحنفية‪:‬‬
‫((إن عائشة رضي هللا عنها كانت تلبس الخواتيم‬
‫من الذهب‪ ،‬كما رآها ابن أختها القاسم بن محمد‬
‫وحدث بذلك‪ ،‬وهذا الخبرـ عن عائشة رواه البخاري‬
‫في صحيحه))‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬إطالق عزو هذا األثر للبخاريـ فيه نظر‪ ،‬ألن‬
‫المعروف عند العلماء أن العزو إلى البخاري مطلقاً‬
‫معناه أنه في ((صحيحه)) مسند‪ ،‬وليس كذلك أمر‬
‫هذا األثر‪ ،‬فإنه إنما ذكره معلقاً بدون إسناد! وذكر‬
‫الحافظ في ((الفتح)) (‪ )10/271‬أنه وصله ابن سعد‬
‫في ((الطبقات))‪ .‬وسكت عن سنده‪ ،‬وهو عندي‬
‫حسن‪ ،‬فقال ابن سعد (‪ :)8/48‬أخبرنا عبد هللا بن‬
‫مسلمة بن قعنب‪ :‬حدثنا عبد العزيز بن محمد عن‬
‫عمرو بن أبي‬
‫عمرو قال‪ :‬سألت القاسم بن محمد قلت‪ :‬إن ناساً‬
‫يزعمون أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلمـ نهى‬
‫عن األحمرين‪ :‬المعصفر والذهب‪ ،‬فقال‪ :‬كذبوا وهللا‪،‬‬
‫لقد رأيت عائشة تلبس المعصفرات‪ ،‬وتلبس خواتم‬
‫الذهب‪.‬‬
‫لكن رواهـ غير عبد العزيز بلفظ‪ :‬كانت تلبس‬
‫األحمرين‪ :‬المذهبـ والمعصفر))‪ .‬أخرجه ابن سعد‬
‫أيضاً‪ :‬وأخبرنا أبو بكر بن عبد هللا بن ابي أويس عن‬
‫سلميان بن بالل عن عمرو به‪ ،‬وهذا اإلسناد أصح‪،‬‬
‫ألن سليمانـ هذا أحفظ من عبد العزيز‪ .‬فإن ثبت ذكر‬
‫الخاتم في هذا األثر عن عائشة فالجواب ما سيأتي‪،‬‬
‫وإال فال حجة فيه مطلقاً‪ ،‬ألن الرواية األخرى‪ -‬وهيـ‬
‫األصح‪ -‬ال ذكر للخاتم فيها‪ ،‬فهو على هذا مثل‬
‫حديثها اآلخر من طريق القاسم أيضاً أن عائشة‬
‫كانت تحلي بنات أختها الذهبـ ثم ال تزكيه‪ .‬رواه‬
‫أحمد في مسائل عبد هللا (ص‪ ،)145‬وسنده صحيح‪،‬‬
‫فهذا محمول على الذهبـ‬
‫المقطع‪ ،‬وهو جائز لهن اتفاقاً‪.‬‬
‫ثم قال ذاك المذكور‪:‬‬
‫(ال يتصور أن تلبس عائشة رضي هللا عنها الذهب‬
‫الملحق‪ ،‬ورسول هللا صلى هللا عليه وسلم كل يوم‬
‫معها وفي بيتها‪ ،‬ثم ال ينهاها عنه))‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذه مغالطة ظاهرة_ولعلهاـ غير مقصودة‪ -‬إذ‬
‫ليس في األثر المتقدمـ أن عائشة لبسته على علم‬
‫منه صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬بل فيه أن القاسم بن‬
‫محمد رآها تلبسه‪ ،‬فمعنى ذلك أن لبسها إياه إنما‬
‫كان بعد وفاته صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ألن القاسم لم‬
‫يدركه صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫ثم قال عطفاً على ما سبق‪:‬‬
‫((أ َو ينهى عنه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وال‬
‫يبلغهما؟! فهذا مستحيل قطعاً))‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ال استحالة في ذلك إال نظراً‪ ،‬وهذاـ ليس‬
‫يهمنا‪ ،‬ألن الواقع خالفه‪ ،‬فكم من سنن فعلية‪،‬‬
‫وأقوال نبوية؛ خفيت على كبار الصحابة رضي هللا‬
‫عنهم‪ ،‬ولوال صحة السند بذلك عنهم‪ ،‬لقلنا كما قال‬
‫المؤمأ إليه‬
‫هاهنا‪ ،‬وال يتحمل هذا التعليق اإلكثار من أمثلة ذلك‪،‬‬
‫فلنقتصر على مثالين منها‪:‬‬
‫‪ -1‬أن عائشة ترى أن األقراء إنما هي األطهار‪ ،‬كما‬
‫قال أحمد في ((المسائل) (‪ ،)185‬وروىـ مالك في‬
‫((الموطأ)) (‪ )2/96‬بسند صحيح جداً عنها أنها قالت‪:‬‬
‫((تدرون ما األقراء؟ إنما األقراء األطهار))‪.‬‬
‫ونحوه في مسائل اإلمام أحمد البنه عبد هللا (ص‬
‫‪.)231‬‬
‫أقول‪ :‬وقد ثبت في السنة أن القرء إنما هو الحيض‪،‬‬
‫وبه قال الحنفية‪ ،‬والرجل منهم‪ ،‬فهل يرد حضرته‬
‫مذهبه‪ ،‬وال سيما أنه موافق للسنة من أجل قول‬
‫عائشة هذا؟ أم يجعل قولها دليال ً على نسخ ذلك‬
‫كما فعل في مسألتنا هذه؟!‬
‫‪ -2‬قالت عائشة رضي هللا عنها‪ :‬دخل رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم فرأى في يدي فتخات من‬
‫ورق‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا يا عائشة؟ فقلت‪ :‬صنعتهن أتزين‬
‫لك يا رسول هللا! قال‪ :‬أتؤدين زكاتهن؟ قلت‪ :‬ال‪ ،‬أو ما‬
‫شاء هللا‪ ،‬قال‪ :‬هو حسبك من النار‪.‬‬
‫أخرجه أبو داود (‪ )1/244‬وغيره‪ ،‬وإسناده على شرط‬
‫الصحيح كما قال الحافظ في ((التخليص)) (‪،)6/19‬‬
‫ومحمد بن عطاء الذي في إسناده هو محمد بن‬
‫عمرو بن عطاء؛ ثقة محتج به في ((الصحيحين))‬
‫كما في ((الترغيب))‪ ،‬وظنه ابن الجوزي في‬
‫((التحقيق)) (‪ )1/198/1‬رجال ً آخر فجهله‪ ،‬وضعف‬
‫الحديث من أجل ذلك‪ ،‬فال يلتفت إليه‪.‬‬
‫فهذا الحديث صريح في إيجاب الزكاة على الحلي‪،‬‬
‫وهو حجة الذين ذهبوا إلى إيجابه‪ ،‬ومنهم الحنفية‪.‬‬
‫ثم إنه قد ورد عن عائشة نفسها ما يعارض هذا‬
‫الحديث‪ ،‬وهو ما أخرجه مالك (‪ )1/245‬عن القاسم‬
‫ابن محمد (راوي حديث الخاتم!) أن عائشة كانت تل‬
‫بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي‪ ،‬فال تخرج‬
‫من حليهن الزكاة‪ .‬سنده صحيح جداً‪ ،‬وتقدم نحوه‬
‫من رواية أحمد‪.‬‬
‫فهذه مخافة صريحة عن عائشة رضي هللا عنها‬
‫لحديثها فإذا جاز في حقها ذلك‪ ،‬فباألحرى أن تخالف‬
‫حديث غيرها‪ ،‬لم تروه هي‪ ،‬وهي على كل حال‬
‫مأجورة‪ ،‬فماذا يقول المشار إليه في هذه المخالفة؟‬
‫أيدع الحديث والمذهب لقولها‪ ،‬أم يتمسك بالحديث‬
‫ويدع قولهاً معتذراً عنها بأي عذر مقبول كما هو‬
‫الواجب؟‬
‫وعلى كل حال فقد ظهر لكل من له قلب أن ما كان‬
‫يظنه مما ((ال يتصور)) أو أنه ((مستحيل قطعاً))؛ قد‬
‫أثبتناه باألسانيد الصحيحة‪ ،‬والزم ذلك أن ال يتلفت‬
‫المسلم إلى أي قول يخالف ما ثبت عنه صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ ،‬مهما كان شأن قائله فضال ً وعلماً‬
‫وصالحاً؛ النتفاء العصمة‪ ،‬وهذا من األسباب التي‬
‫تشجعنا على االستمرارـ في خطتنا من التمسك‬
‫بالكتاب والسنة‪ ،‬وعدم االعتداد بما سواهما‬
‫كما صنعنا في هذه المسألة التي أسأل هللا تعالى‬
‫أن يوفق المسلمين للعمل بها‪ ،‬وبكل ما ثبت عنه‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫ترك األحاديث لعدم العلم بها بمن عمل بها‪ ،‬وجوابه‬
‫‪ -6‬هذا‪ ،‬ولعل فيمن ينصر السنة ويعمل بها ويدعو‬
‫إليها من يتوقف عن العمل بهذه األحاديث؛ بعذر أنه‬
‫ال يعلم أحداً من السلف قال بها‪ ،‬فليعلم هؤالء‬
‫األحبة أن هذا العذر قد يكون مقبوال ً في بعض‬
‫المسائل التي يكون طريق تقريرها إنما هو‬
‫االستنباط واالجتهاد فحسب‪ ،‬ألن النفس حينئذ ال‬
‫تطمئن لها خشية أن يكون االستنباط خطأ‪ ،‬وال‬
‫سيما إذا كان المستنبط من هؤالء المتأخرين الذين‬
‫يقررون أموراً لم يقل بها أحد من المسلمين ؛‬
‫بدعوى أن المصلحةـ تقتضي تشريعها‪ ،‬دون أن‬
‫ينظروا إلى موافقتها لنصوص الشرع أوالً‪ ،‬مثل إباحة‬
‫بعضهم للربا الذي سماه بـ(الربا االستهالكي)‬
‫واليانصيب الخيري –زعموا‪ -‬ونحوهما!ـ أما ومسألتناـ‬
‫ليست من هذا القبيل‪ ،‬فإن فيها نصوصاً صريحة‬
‫محكمة لم يأت ما ينسخها‪ -‬كما سبق بيانه‪ -‬فال‬
‫يجوز ترك العمل بها للعذر المذكور‪ ،‬وال سيما أننا قد‬
‫ذكرنا من قال بها مثل‬
‫أبي هريرة رضي هللا عنه‪ ،‬وولي هللا الدهلوي‬
‫وغيرهما كما تقدم‪ ،‬وال بدأن يكون هناك غير هؤالء‬
‫ممن عمل بهذه األحاديث لم نعرفهم؛ ألن هللا تعالى‬
‫بنص ما من‬ ‫ّ‬ ‫لم يتعهد لنا بحفظ أسماءـ كل من عمل‬
‫كتاب أو سنة‪ ،‬وإنما تعهد بحفظها فقط كما قال‪﴿ :‬إنا‬
‫نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾‪ ،‬فوجب العمل‬
‫بالنص سوءا علمنا من قال به أو لم نعلم‪ ،‬ما دام لم‬
‫يثبت نسخه كما هو الشأن في مسألتنا هذه‪.‬‬
‫وأختم هذا البحث بكلمة طيبة للعالمة المحقق ابن‬
‫القيم رحمه هللا تعالى؛ لها مساس كبير بما نحن‬
‫فيه‪ ،‬قال‪ :‬في ((إعالم الموقعين)) (‪:)465 -3/464‬‬
‫((وقد كان السلف الطيب يشتد نكيرهمـ وغضبهم‬
‫على من عارض حديث رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم برأي أو قياس أو استحسان أو قول أحد من‬
‫الناس كائناً من كان‪ ،‬ويهجرونـ فاعل ذلك‪ ،‬وينكرون‬
‫على من يضرب له األمثال‪ ،‬وال يسوغون غير االنقياد‬
‫له صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬والتسليم والتلقي‬
‫بالسمع والطاعة‪ ،‬وال يخطر بقلوبهم التوقف في‬
‫قبوله حتى يشهد له عمل أو قياس‪ ،‬أو يوافق قول‬
‫فالن وفالن‪ ،‬بل كانوا عاملين بقوله تعالى‪﴿ :‬وما كان‬
‫لمؤمن وال مؤمنة إذا قضى هللا ورسوله أمراً أن يكون‬
‫لهم الخيرة من أمرهم﴾‪ ،‬وبقوله تعالى‪﴿ :‬فال وربّك ال‬
‫يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ال يجدوا‬
‫ويسلموا تسليماً﴾‪،‬‬ ‫في أنفسهم حرجاً مما قضيتـ ُ‬
‫وبقوله تعالى‪﴿ :‬اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربكم وال‬
‫تتبعوا من دونه أولياء قليال ً ما تذكّرون﴾‪ ،‬وأمثالها‪،‬ـ‬
‫فدفعنا إلى زمان إذا قيل ألحدهم‪ :‬ثبت عن النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم أنه قال كذا وكذا‪ ،‬يقول‪ :‬من‬
‫قال هذا؟ دفعاً في صدر الحديث‪ ،‬ويجعل جهله‬
‫بالقائل حجة له في مخالفته وترك العمل به‪ ،‬ولو‬
‫نصح نفسه لعلم أن هذا الكالم من أعظم الباطل‪،‬‬
‫وأنه ال يحل له دفع سنن رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم بمثل هذا الجهل‪ ،‬وأقبح من ذلك عذره في‬
‫جهله‪ ،‬إذ يعتقد أن اإلجماع منعقد على مخالفة تلك‬
‫ال‪1‬إن كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ليؤتى‬
‫باإلناء‪ ،‬فأشرب منه وأنا حائض‪ ،‬ثم يأخذه فيضع فاه‬
‫ي‪ ،‬وإن كنت آلخذ العرق فآكل منه‪ ،‬ثم‬ ‫على موضع ف ّ‬
‫ي))‪ .‬مسلم وأحمدـ‬ ‫يأخذه فيضع فاه على موضع ف ّ‬
‫وغيرهما‪.‬‬
‫التاسع‪ :‬عن جابر بن عبد هللا‪ ،‬وجابر بن عمير‪ ،‬قاال‪:‬‬
‫قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫((كل شيء ليس فيه ذكر هللا‪ ،‬فهو [لغ ٌو] وسهو‬
‫ولعب‪ ،‬إال أربع [خصال]‪ :‬مالعبة الرجل امرأته‪،‬‬
‫وتأديب الرجل فرسه‪ ،‬ومشيه بين الغرضين‪ ،‬وتعليم‬
‫الرجل السباحة)) النسائي والطبرانيـ وأبو نعيم‬
‫بإسناد صحيح‪.‬‬

‫‪ -41‬وصايا إلى الزوجين‪:‬‬


‫وختاماً أوصي الزوجين‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬أن يتطاوعا ويتناصحا بطاعة هللا تبارك وتعالى‪،‬‬
‫واتباع أحكامه الثابتة في الكتاب والسنة‪ ،‬وال يقدما‬
‫عليها تقليداً أو عادة غلبت على الناس‪ ،‬أو مذهباً‬
‫فقد قال عز وجل‪﴿ :‬وما كان لمؤمن وال مؤمنة إذا‬
‫لهم الخيرة من‬ ‫قضى هللا ورسوله أمراً أن يكون ُ‬
‫أمرهم ومن يعص هللا ورسوله فقد ضل ضالال ً مبيناً﴾‬
‫[األحزاب‪.]36 :‬‬
‫ثانياً‪ :‬أن يلتزم كل واحد منهما القيام بما فرض هللا‬
‫عليه من الواجبات والحقوق تجاه اآلخر‪ ،‬فال تطلب‬
‫الزوجة‪ -‬مثالً‪ -‬أن تساوي الرجل في جميع حقوقه‪،‬‬
‫وال يستغل الرجل ما فضله هللا تعالى به عليها من‬
‫السيادة‬
‫والرياسة ؛ فيظلمها‪ ،‬ويضربها بدون حق‪ ،‬فقد قال‬
‫هللا عز وجل‪:‬‬
‫﴿ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن‬
‫درجة وهللا عزيز حكيم﴾ [البقرة‪ ،]228 :‬وقال‪:‬‬
‫م‬‫ل الل ُّه بَ ْعض َُه ْ‬‫ض َ‬ ‫ما َف َّ‬‫ساءـ بِ َ‬ ‫امونَ َعلَى ال ِنّ َ‬ ‫ال َق َّو ُ‬
‫ج ُـ‬
‫الرّ َ‬
‫﴿ ِ‬
‫ات َقانِ َت ٌ‬
‫ات‬ ‫ح ُـ‬ ‫صالِ َ‬‫م َفال َّ‬ ‫ن أَ ْم َوالِ ِه ْ‬‫ما أَن َف ُقو ْا ِم ْ‬
‫ض َوبِ َ‬‫َعلَى بَ ْع ٍ‬
‫خافُونَ‬ ‫ح ِفظَ الل ُّه َوالالَّتِي تَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ات لِ ّ ْل َغ ْي ِ‬
‫ب بِ َ‬ ‫حافِظَ ٌ‬ ‫َ‬
‫جعِـ‬
‫مضَا ِ‬ ‫ن فِي ا ْل َ‬ ‫وه َّ‬ ‫ج ُر ُ‬ ‫اه ُ‬
‫ن َو ْ‬ ‫ن َف ِعظ ُ‬
‫ُوه َّ‬ ‫ه َّ‬ ‫شو َز ُ‬‫ُن ُ‬
‫ن‬‫سبِيال ً إِ َّ‬ ‫ن َ‬ ‫ُم َفال َ تَ ْب ُغو ْا َعلَ ْي ِه َّ‬‫ن َف ِإ ْن أَطَ ْع َنك ْ‬ ‫وه َّ‬ ‫ض ِر ُب ُ‬
‫َوا ْ‬
‫الل ّ َه َكانَ َعلِيً ّا َكبِيراً﴾ [النساء‪.]34 :‬‬
‫وقد قال معاوية بن حيدة رضي هللا عنه‪ :‬يا رسول‬
‫هللا! ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال‪ :‬أن تطعمها إذا‬
‫طعمت‪ ،‬وتكسوهاـ إذا اكتسيت‪ ،‬وال تقبح الوجه‪ ،‬وال‬
‫تضرب‪[ ،‬وال تهجر إال في البيت‪ ،‬كيف وقد أفضىـ‬
‫بعضكمـ إلى بعض؛ إال بما حل عليهن] أبو داود‬
‫والحاكم وأحمد بسند حسن‪.‬‬
‫وقال صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫((المسقطون يوم القيامة على منابر من نور على‬
‫يمين الرحمن‪ -‬وكلتا يديه يمين‪ -‬الذين يعدلون في‬
‫حكمهم وأهليهم وما ولوا))‪ .‬مسلم وابن منده وقال‪:‬‬
‫((حديث صحيح))‪.‬‬
‫فإذا هما عرفا ذلك وعمال ً به‪ ،‬أحياهما هللا تبارك‬
‫وتعالى حياة طيبة‪ ،‬وعاشا‪ -‬ما عاشا معاً‪ -‬في هناء‬
‫وسعادة‪ ،‬فقد قال عز وجل‪﴿ :‬من عمل صالحاً من ذكر‬
‫أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم‬
‫أجرهم أحسن ما كانوا يعملون﴾ [النحل‪.]97 :‬‬
‫ثالثاً‪ :‬وعلى المرأةـ بصورة خاصة أن تطيع زوجها فيما‬
‫يأمرها به في حدود استطاعتها‪ ،‬فإن هذا مما فضل‬
‫هللا به الرجال على النساء كما في اآليتين‬
‫السابقتين‪﴿ :‬الرجال قوامون على النساء﴾‪﴿ ،‬وللرجالـ‬
‫عليهن درجة﴾‪ ،‬وقد جاءت أحاديث كثيرةـ صحيحة‬
‫مؤكدة لهذا المعنى‪ ،‬ومبينة بوضوح ما للمرأة‪،‬ـ وما‬
‫عليها؛ إذا هي أطاعت زوجها أو عصته‪ ،‬فال بد من‬
‫إيراد بعضها‪ ،‬لعل‬
‫فيها تذكيراً لنساء زماننا‪ ،‬فقد قال تعالى‪﴿ :‬وذكر فإن‬
‫الذكرى تنفع المؤمنين﴾‪.‬‬
‫الحديث األول‪(( :‬ال يحل ألمرأة أن تصوم (وفي رواية‪:‬‬
‫ال تصم المرأة) وزوجها شاهد إال بإذنه[غير رمضان]‪،‬‬
‫وال تأذن في بيته إال بإذنه))البخاري ومسلم‬
‫وغيرهما‪.‬‬
‫الثاني‪(( :‬إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته‪،‬‬
‫فبات غضبان عليها‪ ،‬لعنتها المالئكة حتى تصبح‪،‬‬
‫(وفي رواية‪ :‬أو حتى ترجع‪ ،‬وفي أخرى‪ :‬حتى يرضى‬
‫عنها) ))‪.‬‬
‫الثالث‪(( :‬والذي نفسي محمد بيده‪ ،‬ال تؤدي المرأة‬
‫حق ربها حتى تؤدي حق زوجها‪ ،‬ولو سألها نفسها‬
‫وهي على قتب لم تمنعه من [نفسها] ))حديث‬
‫صحيح‪ .‬رواه ابن ماجه وغيره‪.‬‬
‫الرابع‪(( :‬ال تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إال قالت‬
‫زوجته من الحور العين‪ :‬ال تؤذيه قاتلك هللا‪ ،‬فإنما هو‬
‫عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا))‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬عن حصين بن محصن قال‪ :‬حدثتني‬
‫عمتي قالت‪:‬‬
‫((أتيت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في بعض‬
‫الحاجة‪ ،‬فقال‪ :‬أي هذه! أذات بعل؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫كيف أنت له؟ قالت‪ :‬ما آلوه؛ إال ما عجزت عنه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫[فانظري] أين أنت منه؟ فإنما هو جنتك ونارك))رواه‬
‫ابن أبي شيبة‪ ،‬وابن سعد‪ ،‬والنسائي‪ ،‬والطبراني‪.‬‬
‫السادس‪ :‬إذا صلت المرأة خمسها‪ ،‬وحصنت فرجها‪،‬‬
‫وأطاعت بعلها‪ ،‬دخلت من أي أبواب الجنة شاءت))‪.‬‬
‫حديث حسن أو صحيح له طرق‪.‬‬
‫وجوب خدمة المرأةـ لزوجها‬
‫قلت‪ :‬وبعض األحاديث المذكورةـ آنفاً ظاهرة الداللة‬
‫على وجوب طاعة الزوجة لزوجها وخدمتها إياه في‬
‫حدود استطاعتها‪ ،‬ومما ال شك فيها أن من أول ما‬
‫يدخل في ذلك الخدمة في منزله‪ ،‬وما يتعلق به من‬
‫تربية أوالده ونحو ذلك‪ ،‬وقد اختلف العلماءـ في هذا‪،‬‬
‫فقال شيخ اإلسالم ابن تيمية في ((الفتاوى)) (‬
‫‪:)235 -2/234‬‬
‫((وتنازع العلماء‪ ،‬هل عليها أن تخدمه في مثل‬
‫فراش المنزل‪،‬ـ ومناولة الطعام والشراب‪ ،‬والخبز‬
‫والطحن والطعام لممالكيه وبهائمه‪ ،‬مثل علف دابته‬
‫ونحو ذلك؟ فمنهمـ من قال‪:‬‬
‫ال تجب الخدمة‪ .‬وهذاـ القول ضعيف‪ ،‬كضعف قول من‬
‫قال‪ :‬ال تجب عليه العشرة والوطء! فإن هذا ليس‬
‫معاشرة له بالمعروف‪ ،‬بل الصاحب في السفر الذي‬
‫هو نظير اإلنسان وصاحبه في المسكن؛ إن لم‬
‫يعاونه على مصلحته؛ لم يكن قد عاشره بالمعروف‪.‬‬
‫وقيل‪ -‬وهو الصواب‪ :-‬وجوب الخدمة‪ ،‬فإن الزوج‬
‫سيدها في كتاب هللا‪ ،‬وهي عانية عنده بسنة‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم؛ (كما تقدم ص‬
‫‪ ،)270‬وعلى العاني والعبد الخدمة‪ ،‬وألن ذلك هو‬
‫المعروف‪.‬‬
‫ن هؤالء من قال‪ :‬تجب الخدمة اليسيرة‪ ،‬ومنهم‬ ‫ثم ِم ْ‬
‫من قال‪ :‬تجب الخدمة بالمعروف‪ .‬وهذاـ هو الصواب‪،‬‬
‫فعليها أن تخدمه الخدمة المعروفة من مثلها‬
‫لمثله‪ ،‬ويتنوع ذلك بتنوع األحوال‪ ،‬فخدمة البدوية‬
‫ليست كخدمة القوية‪ ،‬وخدمة القوية ليست كخدمة‬
‫الضعيفة))‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا هو الحق إن شاء هللا تعالى؛ أنه يجب‬
‫على المرأة خدمة البيت‪ ،‬وهو قول مالك وأصبغ كما‬
‫في ((الفتح)) (‪ ،)9/418‬وأبي بكر بن أبي شيبة‪،‬‬
‫وكذا الجوزجاني من الحنابلة كما في ((االختيارات))‬
‫(ص‪ ،)145‬وطائفة من السلف والخلف‪ ،‬كما في‬
‫((الزاد)) (‪ ،)4/46‬ولم نجد لمن قال بعدم الوجوب‬
‫دليال ً صالحاً‪.‬‬
‫وقول بعضهم‪(( :‬إن عقد النكاح إنما اقتضىـ‬
‫االستمتاع ال االستخدام‪ ،‬مردود بأن االستمتاعـ‬
‫حاصل للمرأة أيضاً بزوجها‪ ،‬فهما متساويانـ في هذه‬
‫الناحية‪ ،‬ومن المعلوم أن هللا تبارك وتعالى قد أوجب‬
‫على الزوج شيئاً آخر لزوجته‪ ،‬أال وهو نفقتها‬
‫وكسوتها ومسكنها‪ ،‬فالعدل يقتضي أن يجب عليها‬
‫مقابل ذلك شيء آخر أيضاً لزوجها‪ ،‬وما هو إال‬
‫خدمتها إياه‪ ،‬وال سيما أنه القوّام عليها بنص القرآن‬
‫الكريم كما سبق‪ ،‬وإذا لم تقم هي‬
‫بالخدمة فسيضطرـ هو إلى خدمتها في بيتها‪ ،‬وهذا‬
‫يجعلها هي القوامة عليه‪ ،‬وهو عكس لآلية القرآنية‬
‫كما ال يخفى‪ ،‬فثبت أنه ال بد لها من خدمته‪ ،‬وهذاـ‬
‫هو المراد‪.‬‬
‫وأيضاً؛ فإن قيام الرجل بالخدمة يؤدي إلى أمرين‬
‫متباينين تمام التباين؛ أن ينشغل الرجل بالخدمة عن‬
‫السعي وراء الرزق وغير ذلك من المصالح‪ ،‬وتبقى‬
‫المرأةـ في بيتها عطال ً عن أي عمل ي عليها القيام‬
‫به‪ ،‬وال يخفى فساد هذا في الشريعة التي سوت‬
‫بين الزوجين في الحقوق‪ ،‬بل وفضلت الرجل عليها‬
‫ل الرسول صلى هللا عليه وسلم‬ ‫درجة‪ ،‬ولهذا لم ُي ِز ِ‬
‫شكوى ابنته فاطمة عليها السالم حينما‪:‬‬
‫((أتت النبي صلى هللا عليه وسلم تشكو إليه ما‬
‫تلقى في يدها من الرحى‪ ،‬وبلغها أنه جاءه رقيق‪،‬‬
‫فلم تصادفه‪ ،‬فذكرت لعائشة‪ ،‬فلما جاء‪ ،‬أخبرته‬
‫عائشة‪ ،‬قال علي رضي هللا عنه‪ :‬فجاءنا وقد أخذنا‬
‫مضاجعنا‪ ،‬فذهبناـ نقوم‪ ،‬فقال‪ :‬على مكانكما‪،‬ـ فجاء‪،‬‬
‫فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على‬
‫بطني‪ ،‬فقال‪ :‬أال أدلكماـ على خير مما سألتما؟ إذا‬
‫أخذتما مضاجعكما‪ ،‬أو أويتماـ إلى فراشكما‪ ،‬فسبحا‬
‫ثالثاً وثالثين‪ ،‬واحمدا ثالثا‬
‫وثالثين‪ ،‬وكبراـ أربعاً وثالثين‪ ،‬فهو خير لكماـ من‬
‫خادم[قال علي‪ :‬فما تركتها بعد‪ ،‬قيل‪ :‬وال ليلة‬
‫صفين؟ قال‪ :‬وال ليلة صفين!]))‪.‬‬
‫رواه البخاري( ‪.)418 -9/417‬‬
‫فأنت ترى أن النبيـ صلى هللا عليه وسلم لم يقل‬
‫لعلي‪ :‬ال خدمة عليها‪ ،‬وإنماـ هي عليك‪ ،‬وهو صلى‬
‫هللا عليه وسلم ال يحابي في الحكم أحداً كما قال‬
‫ابن القيم رضي هللا عنه‪ ،‬ومن شاء زيادة البحث في‬
‫هذه المسألة فليرجع إلى كتابه القيم ((زاد المعاد))‬
‫(‪.)46 -4/45‬‬
‫هذا وليس فيما سبق من وجوب خدمة المرأة‬
‫لزوجها ما ينافي استحباب مشاركة الرجل لها في‬
‫ذلك‪ ،‬إذا وجد الفراغ والوقت‪ ،‬بل هذا من حسن‬
‫المعاشرة بين الزوجين‪ ،‬ولذلك قالت السيدة عائشة‬
‫رضي هللا عنها‪:‬‬
‫((كان صلى هللا عليه وسلم يكون في مهنة أهله‪،‬‬
‫يعني خدمة أهله‪ ،‬فإذا حضرت الصالة خرج إلى‬
‫الصالة))‪.‬‬
‫رواه البخاري (‪ 2/129‬و‪ ،)9/418‬والترمذي (‪،)3/314‬‬
‫وصححه‪ ،‬والمخل ّص من الثالث من‬
‫السادس من ((المخل ّصيات)) (‪ ،)66/1‬وابن سعد (‬
‫‪ .)1/366‬ورواه في ((الشمائل)) (‪ )2/185‬من طريق‬
‫أخرى عنها بلفظ‪:‬‬
‫((كان بشراً من البشر؛ يفلي ثوبه‪ ،‬ويحلب شاته‪،‬‬
‫ويخدم نفسه))‪.‬‬
‫ورجاله رجال الصحيح‪ ،‬وفي بعضهم ضعف‪ .‬لكن رواه‬
‫أحمد وأبو بكر الشافعي بسند قوي كما حققته في‬
‫((سلسلة األحاديث الصحيحة)) (رقم ‪ ،)670‬وهللا‬
‫ولي التوفيق‪.‬‬

‫وهذا آخر ما وفقنا هللا تبارك وتعالى لذكره من آداب‬


‫الزفاف في هذه الرسالة‪ .‬و((سبحانك اللهم‬
‫وبحمدك‪ ،‬أشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬أستغفرك وأتوب‬
‫إليك))‪.‬‬
b

You might also like