You are on page 1of 6

‫‪1‬‬

‫الكهنوت‪ ،‬عه ٌد بخدمة شعب اهلل‬


‫المق ّدمة‬
‫يف صفحاتنا هذه‪ ،‬حناول أن َنتََبنَّي مالمح املوهبة الكهنوتيّة‪ ،‬باإلصغاء إىل ما مُت ليه علينا قراءة نص من رتبة سيامة الكاهن‬
‫حبسب طقس الكنيسة االنطاكيّة السريانيّة املارونيّة‪.‬‬
‫املتأص ل يف ت دبري ابن اهلل‪ ،‬وق د ص ار‬ ‫ِ‬
‫مي للحي اة الكهنوتيّ ة‪ .‬ه ذا البع د ّ‬
‫نت وخى من قراءتن ا للنص الكش ف عن الوج ه اخل َد ّ‬
‫واحلق‪ ،‬متثُّال باملسيح‪،‬‬
‫مالزم ا لطبيعة احلياة الكهنوتيّة؛ ويقوم يف جوهره على بذل الذات حبً ا بآخرين‪ ،‬كفعل عبادة هلل بالروح ّ‬ ‫ً‬
‫اخلالصي ّقرب فعل العبادة األمسى هلل اآلب‪ ،‬أبيه‪ ،‬باسم البشريّة مجعاء‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الكاهن األوحد‪ ،‬خادم اخلالص‪ ،‬والذي بتدبريه‬
‫املدعو ويكون قد كتبها خبط يده ليرتكها للمحتفل؛ فهي‬ ‫نُورد النص‪ ،‬وهو "صورة خمتصرة للمجاهرة باإلميان"‪ ،‬يتلوها ّ‬
‫نوع من شرعة حياة‪.‬‬

‫" أنا (االسم واسم األب واسم العائلة)‬


‫مشاس بيعة اهلل االنطاكيّة املق ّدسة‪،‬‬
‫الواقف هنا أمام اهلل‪،‬‬
‫وأمام مذحبه املق ّدس وأسراره اإلهليّة‪،‬‬
‫وأمام راعينا وأبينا مار‪ ...‬مطراننا‪،‬‬
‫وأمام (األساقفة) والكهنة وهذا الشعب املؤمن‬

‫أُج ّدد يف هذا الوقت ومدى احلياة‪،‬‬


‫إمياين باهلل الواحد واآلب واالبن والروح القدس‬
‫وبالكنيسة الواحدة اجلامعة املق ّدسة الرسوليّة‪،‬‬

‫مستحق نعمة وضع اليد هذه‪،‬‬


‫ّ‬ ‫وأُعلن أيّن غري‬
‫اليت هبا سريفعين الروح القدس‪،‬‬
‫من درجة الشماسيّة إىل درجة الكهنوت‪،‬‬

‫ِ‬
‫وأعد باألمانة للرب يسوع‪،‬‬
‫وتعليم رسله األطهار‪،‬‬
‫واآلباء الق ّديسني‪،‬‬
‫ووصايا الكنيسة وقوانينها وتقاليدها املق ّدسة‪،‬‬

‫وأ َُؤ ّدي اخلضوع التام والطاعة الكاملة‪،‬‬


‫للسلطة الكنسيّة‪،‬‬
‫قداسة احلرب األعظم بابا روما‪،‬‬
‫اإلنطاكي‬
‫ّ‬ ‫وغبطة بطريركنا‬
‫‪2‬‬

‫وسيادة راعينا‪،‬‬

‫وأُعاهد شعيب املؤمن‪،‬‬


‫بالقيام له بواجبايت الكهنوتيّة كافة‪،‬‬
‫وبالتكرس خلدمته يف األسرار والتعليم والتدبري‪،‬‬
‫ّ‬
‫وأسأل اهلل أن يثبتّين يف مقاصدي هذه كلّها‪،‬‬
‫قويين يف هذه اخلدمة املق ّدسة‪،‬‬
‫ويُ ّ‬
‫بربكتكم يل‪،‬‬
‫مجيعا من أجلي‪،‬‬‫وبصالتكم ً‬
‫وشفاعة ّأمنا العذراء مرمي‪،‬‬
‫ومار مارون‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫ومجيع الق ّديسني‪ .‬آمني‬
‫ٍ‬
‫وبصوت ٍ‬
‫عال" كما‬ ‫‪ ‬يتلو ّ‬
‫املدعو هذا النص‪ ،‬بعد أن يكون قد تال "قانون اإلميان" وبذات الطريقة‪ ،‬أي "وحده‬
‫سهلها التِالوة اجلماعيّة‪.‬‬ ‫هو مطلوب‪ .‬ذلك منعا ألية حماولة ٍ ِ‬
‫املدعو‪ ،‬قد تُ ّ‬
‫غش من قبل ّ‬ ‫ً ّ‬
‫يتوزع النص على سبع فقرات‪:‬‬ ‫ّ‬
‫الشخصي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -1‬إثبات احلضور‬
‫"أنا (االسم واسم األب واسم العائلة)‪،‬‬
‫مشّاس بيعة اهلل االنطاكيّة املق ّدسة‪،‬‬
‫الواقف هنا أمام اهلل‪ ،‬وأمام مذحبه املق ّدس وأسراره اإلهليّة‪،‬‬
‫وأمام راعينا وأبينا مار‪ ...‬مطراننا‪،‬‬
‫وأمام (األساقفة) والكهنة وهذا الشعب املؤمن‪"...‬‬
‫أيض ا‬ ‫ٍ‬
‫شخص آخر قد حيمل امسًا مماثالً من األمساء الثالثة‪ ،‬بل ً‬ ‫ألي إلتباس مع‬
‫الثالثي كامالً‪ ،‬جتنّبا ّ‬ ‫‪‬يبدأ ّ‬
‫املدعو ويُعلن امسه‬
‫ّ‬
‫الشخصي وجماهر ًة به؛ هذا اإلميان املبين على قاعدة الشراكة الكنسيّة يف اإلميان الواحد واملتج ّذر‬
‫ّ‬ ‫املدعو‬
‫تأكيدا على إميان ّ‬‫ً‬
‫فيها‪.‬‬
‫‪"‬الواقف هنا أمام اهلل"‪ ،‬أي املاثل يف حضرة اهلل‪ .‬يف هذه اللحظة احلامسة من حياته‪ ،‬خيترب املدعو ويتحسس يف كيانه كافة‬
‫واخلارجي على السواء؛ ميأله "رهب ةً"‬
‫ّ‬ ‫الداخلي‬
‫ّ‬ ‫ومن حوله حضور اهلل‪ ،‬ولكأنه ملموس‪ .‬فحضور اهلل هذا ميأل "املسكن"‬
‫تأخذ مبجامع الكيان‪ ،‬بقدر ما هي عميقة وينبوع فرح وأنوار‪.‬‬
‫الرب املسيح ودمه‪ ،‬حضوره‬ ‫‪‬تتجلّى حضرة اهلل هذه يف "مذحبه املق ّدس" ومبا عليه‪" :‬األسرار اإلهليّة"‪ ،‬اخلبز واخلمر‪ ،‬جسد ّ‬
‫تم من‬
‫أيضا يف شخص األسقف الراسم وفعله‪ :‬هو من سوف "يُعري" يده اجلسديّة املرئيّ ة‪ ،‬ليَ ّ‬ ‫الشخصي‪ .‬تتجلّى حضرة اهلل ً‬
‫ّ‬
‫أخريا يف األساقفة والكهنة والشعب املؤمن‪،‬‬ ‫اخلفي‪ .‬تتجلّى حضرة اهلل ً‬
‫اخلفي بالروح القدس ّ‬ ‫خالهلا‪ ،‬يف الظاهر‪ ،‬عمل اهلل ّ‬
‫‪1‬‬
‫كتاب سيامة الكاهن‪ ،‬بحسب طقس الكنيسة اإلنطاكيّة السريانيّة المارونيّة‪ ،‬بكركي‪ ،‬لبنان‪ ،1996 ،‬ص ‪54-53‬‬
‫‪3‬‬

‫واإلهلي‪ .‬هذا اجلسم‬


‫ّ‬ ‫البشري‬
‫ّ‬ ‫والسماوي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫األرضي‬
‫ّ‬ ‫عديه‬‫رأس ا وأعضاء‪ ،‬يف بُ َ‬
‫الكنسي كامالً‪ً ،‬‬
‫ّ‬ ‫اجلماعة احملتفلة ‪ :‬إنّه اجلسم‬
‫كل ب ٍر وصالح‪.‬‬
‫املدعو يف قراره‪ ،‬الضامن له واملتضامن معه يف الش ّدة‪ ،‬كما يف ّ‬
‫الكنسي يف ملئه‪ ،‬إمّن ا هو الشاهد على ّ‬
‫ّ‬
‫املدعو ُش رعة أو ميث اق حيات ه الكهنوتيّ ة‪ ،‬ب دءا بتجدي د إميان ه باهلل‬
‫‪ -2‬بع د إثب ات حض وره الشخص ّي يف حض رة اهلل‪ ،‬يُعلن ّ‬
‫والكنيسة‪:‬‬
‫"أج ّدد‪ ،‬يف هذا الوقت ومدى احلياة‪،‬‬
‫إمياين باهلل الواحد اآلب واالبن والروح القدس‪،‬‬
‫وبالكنيسة الواحدة اجلامعة املق ّدسة الرسوليّة‪"...‬‬
‫‪‬يف تصريح له ّأول‪ ،‬جي ّدد ّ‬
‫املدعو إميانه بوحدانيّ ة اهلل املثلّث األقانيم‪ ،‬اآلب واالبن والروح القدس‪ .‬هذا التجديد يعين‪ ،‬بل‬
‫املدعو ويُرسي عليه صرح‬
‫يقتضي ويفرتض وجود قاعدة إميان أوليّة‪ ،‬تُش ّكل األساس الصاحل والضامن ملنطلق جديد‪ ،‬يبين ّ‬
‫حياته الكهنوتيّة؛ وهذا هو ماجاهر به بتالوته "قانون اإلميان" وجياهر به اآلن يف هذه "الصورة املختصرة"‪.‬‬
‫وأيض ا احلياة بكاملها ‪" :‬مدى احلياة"‪ .‬إن لَفي هذا التجديد دعوة‬‫‪‬هذا التجديد‪ ،‬يطال احلاضر ‪" :‬يف هذا الوقت"‪ ،‬كما ً‬
‫عبورا بليل اإلميان‪ ،‬ليل قد‬
‫كل شجاعة البدء من جديد‪ ،‬يعيش مغامرة اإلميان‪ً ،‬‬ ‫كل يوم من جديد‪ ،‬فيه ّ‬ ‫إىل الذات للبدء ّ‬
‫عات ورؤى جديدة‪ ،‬حبيث أ ّن‬ ‫كل يوم من جديد بتطلّ ً‬ ‫مدعو إىل أن يولد ّ‬
‫يتأتّى عن الذات‪ ،‬كما عن أُطر حُم دقة‪ .‬فالكاهن ّ‬
‫تارخيه يس بقه‪ ،‬يُرس م ويُب ىن أمام ه؛ تارخيه ص ريورة تش ّد وتس عى ب ه إىل اهلدف ال ذي خطّ ه ملش روعه احلي ايتّ‪ ،‬وعم ره‬
‫واألبدي يف الزمن والذي مُي يز حياته‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يومي‪ ،‬جوابه هلل املطلق‬
‫الكهنويتّ يُقاس بـ "آمني" ّ‬
‫جيس دها بكيانه‬
‫وسرا هلا‪ّ ،‬‬
‫شاهدا يف دنيا البشر حلقيقة ليست من دنيا البشر ًّ‬‫وهكذا يصبح الكاهن كائنا َمعاديًا‪ً :‬‬
‫وجاد يف طلبها‪.‬‬
‫ساع ّ‬ ‫وكينونته‪ ،‬إذ هو ٍ‬
‫‪‬هذا االختبار يسعى فيه الكاهن‪ ،‬ال لوحده بل مع الكنيسة‪ ،‬فيها ومن أجلها‪ .‬لذا‪ ،‬فهو جي ّدد إميانه هبا‪ ،‬كنيسة واحدة‪،‬‬
‫وجتزءاهتا؛ جامعة‪ ،‬ما فوق احملدوديّات اليت تكبّلها وتقيّدها؛ مق ّدسة‪،‬‬
‫جامعة‪ ،‬مق ّدسة رسوليّة‪ :‬واحدة‪ ،‬ما فوق انقساماهتا ُّ‬
‫تشوه وتعلو جبينها؛ رسوليّة‪ ،‬ما فوق القصر والتل ّك ؤ يف تأدية الشهادة‬ ‫ما فوق عتق اخلطيئة وجتاعيد الشيخوخة اليت ّ‬
‫دوم ا ذاك الذي قال‪..." :‬إ ّن أبواب‬
‫والشخصي بالكنيسةكما شاءها ويشاؤها ً‬‫ّ‬ ‫الكنسي‬
‫ّ‬ ‫املدعو جي ّدد إميانه‬
‫املنوطة هبا‪ .‬إ ّن ّ‬
‫اجلحيم لن تقوى عليها"‪ .‬هذه القوى املعادية اليت‪ ،‬على السواء‪ ،‬تظهر فيها ِ‬
‫وحتدق هبا‪.‬‬
‫املدعو عدم أهليّته لنعمة وضع اليد‪:‬‬
‫‪ -3‬من مثّ يُعلن ّ‬
‫مستحق نعمة وضع اليد هذه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫"وأعلن أيّن غري‬
‫اليت هبا سريفعين الروح القدس‪،‬‬
‫الشماسيّة إىل درجة الكهنوت‪"...‬‬‫من درجة ّ‬
‫حقيقي وصادق‪ ،‬ال لَبس فيه وال تزييف‪ :‬فالتواضع‪ ،‬إمّن ا هو إقرار حبقيقة الواقع‬ ‫ّ‬ ‫‪‬مبجاهرته هذه‪ ،‬يقوم ّ‬
‫املدعو بفعل تواضع‬
‫الشخص ّي ال راهن‪ ،‬مبا ه و علي ه‪ ،‬واحت واء ل ه‪ ،‬م ع الع زم الث ابت على ختطي ال ذات‪ ،‬ب التزام األمان ة للنعم ة املعط اة والقي ام‬
‫الشماسيّة إىل درجة الكهنوت‪ ،‬إمّن ا‬ ‫فاملدعو هو ابن النعمة‪ ،‬هو إنتاج النعمة؛ فالدعوة اليت سرتتقي به من درجة ّ‬ ‫ّ‬ ‫مبوجباهتا‪.‬‬
‫هي نعمة مُت نح له‪ ،‬تُوهب له‪ ،‬يُعطاها‪ ...‬وهي ذاهتا ترفعه إىل مستوى االستحقاق‪ .‬إهّن ا إرادة اهلل فيه‪ ،‬إهّن ا قدرة اهلل اليت‬
‫تعمل يف الضعف وتتجلى من خالله‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫‪‬هذه النعمة‪ ،‬أو العطيّة اجملانيّة‪ ،‬إمّن ا هي دعوة إىل كمال اخلدمة‪ ،‬يرفعه إليها الروح القدس‪ ،‬باالنتقال من "درجة ّ‬
‫الشماسيّة"‬
‫إىل "درج ة الكهن وت"‪ .‬ف الكهنوت ه و إذًا ملء اخلدم ة‪ ،‬والك اهن ه و "اخلادم"‪ ،‬مثال ه األعلى‪ ،‬جيده يف املس يح الف ادي‪،‬‬
‫"خادم اخلالص"‪ .‬ومن هذا املنطلق بالذات‪ ،‬فاللقب أو االسم األعلى‪ ،‬األشرف واألمسى يف كنيسة املسيح‪ ،‬وكل ما سواه‬
‫دخيل وباطل‪ ،‬إمّن ا هو لقب "خادم"‪.‬‬
‫الشخصي‪ ،‬الذي جياهر به املدعو‪ ،‬إمّن ا يأيت يف موقعه‪ :‬فبنعمة جمانيّة كربى‪ ،‬تُوهب ومُت نح بالروح‬
‫ّ‬ ‫‪‬إعالن عدم االستحقاق‬
‫القدس‪ ،‬ميسي هذا اإلنسان الرتايب شري ًكا للمسيح الفادي يف خدمة اخلالص‪ ،‬ضمن الكنيسة‪ ،‬هي ظاهرة اخلالص واملؤمتنة‬
‫الرتايب‪ ،‬بل إحدى دالئل ُس كىن الروح واستقراره‬
‫عليه يف الزمن‪ .‬فالكهنوت إذًا‪ ،‬هو إحدى عطايا الروح القدس لإلنسان ّ‬
‫يف هذا االنسان؛ ومن مثار الروح يف هذا األخري‪" ،‬موهبة اخلدمة" اليت تشركه يف كهنوت املسيح‪ ،‬كهنوت اخلدمة‪.‬‬
‫املدعو‪ .‬ومل ا ك ان‬
‫ّ ّ‬
‫اخلفي على‬
‫املدعو "وض ع الي د"‪ ،‬ي د األس قف على رأس ه‪ :‬حرك ة ظ اهرة ترم ز إىل حل ول ال روح ّ‬ ‫‪‬يقب ل ّ‬
‫ويوجهه‪ ،‬ومن‬
‫الرأس يف اإلنسان يُعترب مركز القيادة والتوجيه‪ ،‬فلقد أصبح الكاهن‪ ،‬بنعمة وضع اليد‪ ،‬من يقتاده الروح ّ‬
‫ويوجهه بإهلام من الروح القدس‪ .‬إهنا موهبة الرعاية‪.‬‬ ‫يقود شعب اهلل ّ‬
‫ومير املدعو إىل الوعد باألمانة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫‪-4‬‬
‫"وأعد باألمانة للرب يسوع‪ ،‬وتعليم رسله األطهار‪،‬‬
‫واآلباء الق ّديسني‪،‬‬
‫ووصايا الكنيسة وقوانينها وتقاليدها املق ّدسة‪"...‬‬
‫اخلالصي؛ تراث تناقلته األجيال‬ ‫مسيحي‪ ،‬هو يف جوهره وقوامه الرب يسوع شخصيّا يف سره‬ ‫‪‬يعي املدعو ارتباطه ٍ‬
‫برتاث‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫"إجنيال"‪ ،‬بش رى خالص يّة‪ ،‬على لس ان الرس ل‪ ،‬تقلي ّدا جتلّى يف حي اة اآلب اء الق ّديس ني وتعليمهم‪ ،‬وب ه وعلي ه ارتف ع بن اء‬
‫تبشر به وتُبىن مبا ائتمنت عليه‪.‬‬
‫الكنيسة‪ ،‬اليت راحت بدورها ّ‬
‫ِ‬
‫أيض ا‪ ،‬حبكم كهنوته‪ ،‬دعوته إىل الشهادة‬ ‫العضوي به‪ ،‬راح يعي ً‬ ‫ّ‬ ‫‪‬يع د ّ‬
‫املدعو باألمانة هلذا الرتاث ألنّه‪ ،‬فض الً عن ارتباطه‬
‫هلذا الرتاث بالعيش وكلمة البشارة‪ ،‬على غرار الرسل اآلباء الق ّديسني‪.‬‬
‫املدعو دوام االطّالع والتغذية الروحيّة والشخصيّة من‬
‫الكنسي عامة حُي تّم على ّ‬
‫ّ‬ ‫‪‬هذا الوعد باألمانة للرب يسوع وللرتاث‬
‫مص ادرها‪ ،‬على م دى حيات ه الكهنوتيّ ة‪ .‬مما يُنش ئ بين ه وبني ال رب يس وع عالق ة وثيق ة تنم و م ع األيّ ام‪ .‬وتُكس به تق وى‬
‫مستنرية واعية‪ ،‬عميقة وناضجة‪ ،‬تُغين حياته هو وحياة الذين أُسندت إليه رعايتهم‪.‬‬

‫املدعو اخلضوع للسلطة الكنسيّة‪:‬‬


‫يؤدي ّ‬ ‫بعد الوعد باألمانة‪ّ ،‬‬ ‫‪-5‬‬
‫وأؤدي اخلضوع التّام والطاعة الكاملة للسلطة الكنسيّة‪،‬‬
‫" ّ‬
‫قداسة احلرب األعظم بابا روما‪،‬‬
‫االنطاكي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وغبطة بطريركنا‬
‫وسيادة راعينا‪"...‬‬
‫‪‬يع د ّ‬
‫املدعو باخلض وع التّ ام والطاع ة الكامل ة للس لطة الكنس يّة‪ .‬إنّ ه التناس ق املطل وب يف اجلس م الكنس ّي بني ال رأس‬
‫واألعضاء‪ ،‬وإالّ اعرتى اجلسم خلل وظهرت عليه دالئل ومؤ ّشرات َمَرضيّة‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫‪‬اخلضوع والطاعة‪ ،‬اللذين ليس بوسعهما أن يكونا جمتزأين‪ ،‬عمقهما حمبّ ة؛ وهذه تعين احلريّة‪ ،‬بل إهّن ا ذروة احلريّ ة‪ .‬لذا‬
‫تعبريا عن حمبّته وحريّته‪.‬‬
‫احلر‪ ،‬فتأيت طاعته ً‬ ‫واحلر‪ ،‬ولن يقدر على اخلضوع والطاعة إالّ ّ‬
‫حب ّ‬‫فاخلاضع أو املطيع‪ ،‬إمّن ا هو املُ ّ‬
‫أحب فأط اع ح ىت‬‫ال عبوديّ ة يف الطاع ة واخلض وع‪ ،‬وال اس تعباد‪ .‬واملث ال األعلى يف ذل ك‪ ،‬إمّن ا ه و ال رب يس وع‪ ،‬ال ذي ّ‬
‫خمتارا‪ ،‬فصار خادم اخلالص‪.‬‬
‫حرا ً‬ ‫املوت على الصليب‪ً ،‬‬
‫رأس ا‪ ،‬ما كان ليعين‬ ‫الكنسي‪ ،‬السلطة أو الرأس‪ .‬كون الرأس ً‬ ‫ّ‬ ‫‪‬ما تقدم‪ ،‬كان ليُلقي أضواء على الطرف اآلخر من اجلسم‬
‫أيض ا‪ ،‬إمّن ا ه و‬
‫واملتفهم‪ .‬املث ال األعلى يف ه ذا اجملال ً‬
‫ّ‬ ‫س لطويّة‪ ،‬ب ل حس ن الت دبري‪ ،‬مبحبّ ة واتس اع القلب ال رحب‪ ،‬املص غي‬
‫صائرا يف شبه البشر‪ .‬ومل ا ظهر يف هيئة‬
‫الرب املسيح‪ ،‬الذي "مع كونه يف صورة اهلل‪ ...‬أخلى ذاته‪ ،‬متّخ ًذا صورة العبد ً‬
‫ّ‬
‫كل اسم‪،‬‬ ‫جدا‪ ،‬وأعطاه االسم الذي يعلو ّ‬ ‫إنسان‪ ،‬واضع ذاته مطيعا حىت املوت‪ ،‬املوت على الصليب‪ .‬فلذلك رفعه اهلل ً‬
‫كل لسان أ ّن يسوع املسيح هو الرب‬ ‫كل ركبة يف السماء وعلى األرض وحتت األرض‪ ،‬ويعرتف ّ‬ ‫لكي جتثو باسم يسوع ّ‬
‫وجعل كامالً‪ ،‬فصار‬ ‫أيضا‪ ":‬مع كونه ابنا‪ ،‬فلقد تعلّم الطاعة مما عاىن من آالم‪ُ .‬‬
‫جملد اهلل اآلب" (فيليبـي ‪ .)19-6 /2‬أو ً‬
‫أبدي‪( "...‬عربانيني‪)9-8 /5‬‬
‫جلميع الذين يطيعونه سبب خالص ّ‬
‫بكل‬
‫ويوج ه اجلسم كلّ ه‪ ،‬راح عمله هذا لينخرط يف منطق العمل املختص ّ‬ ‫‪‬ملّا كان ُمعطى للرأس أن يرأس‪ ،‬أي أن يدبّر ّ‬
‫من أعضاء اجلسم‪ :‬من أجل بنيان اجلسم كلّه‪ .‬فالقيادة والتوجيه اللذين يعودان إىل الرأس‪ ،‬واخلضوع والطاعة املطلوبان‬
‫فهم مبعىن التكامل املطلوب بني الرأس واألعضاء‪ ،‬من‬
‫كل حبسب املوهبة اليت أعطيت له‪ ،‬راحت كلّها تُ َ‬ ‫من األعضاء‪ّ ،‬‬
‫أجل بنيان الذات الكنسيّة الواحدة يف بنيتها الثنائيّة املتناسقة‪.‬‬

‫املدعو شعبه املؤمن‪:‬‬


‫بعد تأدية الطاعة واخلضوع للسلطة الكنسيّة‪ ،‬يُعاهد ُ‬ ‫‪-6‬‬
‫"وأعاهد شعيب املؤمن‪،‬‬
‫بالقيام بواجبايت الكهنوتيّة كافة‪،‬‬
‫وبالتكرس خلدمته يف األسرار والتعليم والتدبري‪"...‬‬
‫ّ‬
‫‪‬إ ّن بني الك اهن وش عبه املؤمن‪ ،‬رعيت ه‪ ،‬عه د يظه ر وكأنّ ه ق وام الكهن وت وج وهره‪ ،‬عه د لن يص ري واقع ا إالّ بالقي ام‬
‫ناجزا‪ ،‬إالّ باخلدمة‪ ،‬أي تلبية‬
‫بالواجبات الكهنوتيّة جتاه الشعب املؤمن؛ بتعبري آخر‪ ،‬لن يتح ّقق كهنوت الكاهن‪ ،‬لن يصبح ً‬
‫ناجزا‪ ،‬بقربان ذاته‬‫متام ا كما املسيح الذي حتقق كهنوته‪ ،‬صار ً‬ ‫تصرفه‪ً .‬‬
‫حاجات شعب اهلل‪ ،‬أو وضع الذات كاملة يف ّ‬
‫على الصليب فوق اجللجلة من أجل البشر ومن أجل خالصهم‪ ،‬فصار بدم صليبه خادم اخلالص‪ .‬فالكهنوت إذًا‪ ،‬إمّن ا هو‬
‫حب أعظم من‬ ‫يلخص ثالث ة ال فص ل بينه ا‪ :‬احملبّ ة‪ ،‬اخلدم ة واجملّاني ة‪ .‬والش اهد على ذل ك ق ول ال رب‪" :‬ليس ألح د ّ‬
‫عه د ّ‬
‫أيض ا‪ ..." :‬مث ل ابن اإلنس ان ال ذي مل ي أت‬
‫ه ذا‪ ،‬وه و أن يب ذل االنس ان نفس ه يف س بيل أحبّائ ه" (يوحنا‪)13 /15‬؛ أو ً‬
‫ليُخدم بل ليَخدم ويبذل نفسه فداء عن كثريين" (مىت‪.)28 /20‬‬
‫ِ‬
‫استمرارية اخلالص الذي حققه الرب‬ ‫عهدا بالتكرس خلدمة شعب اهلل "يف األسرار"‪،‬‬‫‪‬من هذا املنطلق‪ ،‬مُي سي الكهنوت ً‬
‫يسوع على أرض البشر‪ ،‬وتأوين دائم له يف حاضر البشر؛ "يف التعليم"‪ ،‬الذي يُ ِربز وجه الكاهن الرسول‪ ،‬متمثال باملعلم‬
‫اإلهلي والرسول‪ ،‬يسوع املسيح؛ كما ويُ ِربز وجه الكنيسة املعلّمة‪ ،‬اليت حتمل كلمة اخلالص إىل العامل وتعلنها له بشرى‬
‫املدعو "الوكي ل‬
‫دوم ا جدي دة؛ "ويف الت دبري" احلس ن‪ ،‬ال ذي يرتك ز على ت دبري ال رب‪ ،‬يس تقي من ه ويس تلهمه‪ ،‬ج اعالً من ّ‬
‫ً‬
‫األمني احلكيم‪ ،‬يقيمه سيّده على أهل بيته ليعطيهم الطعام يف حينه" (مىت‪.)45 /24‬‬
‫‪6‬‬

‫يف النهاية‪ ،‬يلتمس املدعو نعمة الثبات يف مقاصده‪:‬‬ ‫‪-7‬‬


‫"وأسأل اهلل أن يثبّتين يف مقاصدي هذه كلّها‪،‬‬
‫ويقويين يف هذه اخلدمة املق ّدسة‪،‬‬
‫ّ‬
‫بربكتكم يل‪،‬‬
‫مجيعا من أجلي‪،‬‬
‫وبصالتكم ً‬
‫وبشفاعة ّأمنا العذراء مرمي‪،‬‬
‫ومار مارون ومجيع الق ّديسني‪ .‬آمني"‪.‬‬
‫‪‬يف هذه اللحظات احلامسة من حياته‪ ،‬يعي ّ‬
‫املدعو عمق الذات البشريّة‪ ،‬ذاته هو‪ ،‬يف عطوبتها‪ ،‬يف تقلّبها وضعفها؛ لذا فهو‬
‫القوة على القيام‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يسأل اهلل‪ ،‬مرجعيّته األوىل واألخرية‪ ،‬نعمة الثبات يف مقاصده‪ ،‬شرعة أو ميثاق حياته الكهنوتيّة؛ يسأل ّ‬
‫خبدمته املق ّدسة يف متطلّباهتا كافة‪.‬‬
‫‪‬هكذا يظهر ّ‬
‫املدعو‪ ،‬منذ البداية‪ ،‬يف دعوته واختياره‪ ،‬كما يف مسار حياته الكهنوتيّ ة‪ ،‬يظهر "ابن النعمة"‪ ،‬وكأ ّن الرب‬
‫أيض ا "ابن الصالة"‪ ،‬صالة الكنيسة‪ ،‬وبنوع خاص‪،‬‬ ‫ردد له ما قال للرسول‪":‬تكفيك نعميت" (‪2‬قورنثيني‪ .)9 /12‬يظهر ً‬ ‫يُ ّ‬
‫اجلماعة امللتئمة لالحتفال بسيامته الكهنوتيّة؛ كما وحُت دق به مجوع الق ّديسني‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫الخاتمة‬
‫يلخص خدمة الكهنوت‪:‬‬ ‫خنتم صفحاتنا هذه مبقطع جاء يف صالة اخلتام‪ّ ،‬‬
‫ويقرب القرابني‪...‬‬
‫وأهله مبرامحك أن يكهن لك ّ‬ ‫"‪ ...‬إمنحه من لدنك‪ّ ...‬‬
‫احلق‪ ،‬ويظ ّل يض رع ويطلب‬ ‫هب ل ه‪ ،‬ي ا رب‪ ،‬نعم ة الكلم ة‪ ،‬والنط ق مبعرف ة‪ ،‬لكي ي وبّخ ويع ظ مجي ع ال ذين ض لّوا عن ّ‬
‫رد الض الّني ويُس ند الغرب اء‬
‫ويص لّي ألج ل مجي ع املؤم نني احلقيق يني‪ ،‬أوالد البيع ة املق ّدس ة‪ ،‬يفتق د األيت ام ويعت ين باألرام ل‪ ،‬وي ّ‬
‫ويشجعهم‪ ،‬وحيفظ وصاياك اإلهليّة الرسوليّة مجيع أيّام حياته‪"...‬‬‫ّ‬

‫‪2‬‬
‫كتاب سيامة الكاهن‪ ،‬بحسب طقس الكنيسة اإلنطاكيّة السريانيّة المارونيّة‪ ،‬ص ‪65‬‬

You might also like