You are on page 1of 35

‫نظرات في‬

‫كتاب "املنهج األصولي عند الشيخ األلباني"‬


‫ويقر العين أن ترى األمة اإلسالمية تنصف علماءها‪،‬‬
‫إن مما يشرح الصدر ويثلج الفؤاد ّ‬
‫ومن إنصافهم أن يشكر لهم فضلهم‪ ،‬ويعرف لهم حقهم‪ ،‬ومن شكر فضلهم‪ :‬إنشاء‬

‫الدراسات حول جهودهم‪.‬‬

‫وتعدّ الدراسات الجامعية من أبرز مصادر الدراسات الجادة؛ وتنبع جديتها من أسباب‬

‫عديدة‪ ،‬من أظهرها‪:‬‬

‫‪-1‬اشتراط التزام الباحث بمواصفات البحث العلمي التي تفرضها الجامعات على‬

‫الباحثين‪.‬‬

‫‪-2‬الرقابة التي تفرضها الجامعات على البحث العلمي (أثناء البحث)‪ ،‬والمتمثل بوجود‬

‫ويقوم مسيرته البحثية‪.‬‬


‫مشرف على البحث‪ ،‬يسدد الباحث‪ّ ،‬‬

‫‪-3‬الرقابة التي تفرضها الجامعات على البحث العلمي (بعد البحث)‪ :‬والمتمثل بوجود‬

‫مناقشين من داخل الجامعة‪ ،‬فضال عن خارجها‪.‬‬

‫وغير ذلك مما ال يحتمل المقام بسطه‪.‬‬

‫وتتعدد الدراسات كثرة وقلة تبعا لتأثير العلماء يف مجتمعاتهم‪ .‬فكثرة الدراسات الجامعية‬

‫حول اإلمام األلباين ‪-‬رحمه اهلل‪-‬تنبئك عن مكانة هذا اإلمام يف األمة اإلسالمية‪.‬‬
‫* ومن هذه الدراسات يف الجانب العقدي‪:‬‬

‫‪"-‬جهود اإلمام األلباين يف بيان عقيدة السلف يف اإليمان باهلل تعالى"‪ ،‬رسالة ماجستير‪،‬‬

‫بجامعة تكريت‪ ،‬العراق‪ ،‬إعداد‪ :‬أحمد صالح حسين الجبوري‪ ،‬طبعت عن الدار األثرية يف‬

‫األردن‪ ،‬يف ‪ 246‬صفحة‪.‬‬

‫‪"-‬الشيخ األلباين ومنهجه يف تقرير مسائل االعتقاد"‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬بكلية دار العلوم‬

‫بالقاهرة‪ ،‬إعداد‪ :‬محمد سرور شعبان‪ ،‬طبعت عن دار الكيان يف الرياض‪ ،‬يف ‪ 823‬صفحة‪.‬‬

‫* وأما يف الجانب الحديثي؛ فمنها‪:‬‬

‫‪« -‬أثر زيادة الثقة يف التصحيح والتضعيف عند األلباين يف كتابه (سلسلة األحاديث‬

‫الصحيحة)‪ ،‬و(سلسلة األحاديث الضعيفة والموضوعة) ‪-‬دراسة تطبيقية»‪ ،‬رسالة‬

‫ماجستير‪ ،‬بجامعة العلوم اإلسالمية العالمية‪ ،‬إعداد‪ :‬طاهر النيجيري‪.‬‬

‫‪« -‬مقاييس نقد متن الحديث عند األلباين من خالل كتابه (سلسلة األحاديث الضعيفة‬

‫والموضوعة)»‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬بجامعة الحاج لخضر‪ ،‬الجزائر‪ ،‬إعداد‪ :‬عبد المجيد‬

‫مباركية‪.‬‬

‫‪« -‬منهج الشيخ األلباين يف دراسة األسانيد من خالل السلسلتين الصحيحة والضعيفة»‪،‬‬

‫رسالة دكتوراه‪ ،‬بجامعة أسيوط‪ ،‬كلية أصول الدين‪ ،‬إعداد‪ :‬رشوان أبو زيد محمود‪.‬‬

‫‪"-‬منهج العالمة المحدث األلباين يف تعليل الحديث"‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬بالجامعة األردنية‪،‬‬

‫إعداد‪ :‬محمد حمدي أبو عبده‪ ،‬طبع عن دار اللؤلؤة‪ ،‬يف ‪ 502‬صفحة‪.‬‬

‫‪ "-‬منهج الشيخ األلباين يف تقوية األحاديث بالشواهد"‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬بالجامعة األردنية‪،‬‬

‫إعداد‪ :‬شادي إسماعيل التميمي‪.‬‬


‫* وأما يف الجانب الفقهي واألصولي‪ ،‬فمنها‪:‬‬

‫‪« -‬آراء األلباين األصولية"‪ ،‬جمعا وتوثيقا ودراسة‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬بجامعة اإلمام محمد‬

‫بن سعود‪ ،‬إعداد‪ :‬سمية بنت محمد المسعود‪.‬‬

‫‪« -‬آراء الشيخ األلباين الفقهية يف العبادات»‪ ،‬دراسة فقهية مقارنة‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬بجامعة‬

‫أم القرى بمكة‪-‬كلية الشريعة‪ ،‬إعداد‪ :‬الدكتور الشريف مساعد محمد الحسني‪ ،‬طبع عن‬

‫دار التدمرية‪ ،‬يف مجلدين‪ ،‬يف ‪ 1128‬صفحة‪.‬‬

‫‪"-‬آراء الشيخ األلباين الفقهية يف المعامالت وبقية أبواب الفقه"‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬بجامعة‬

‫أم القرى بمكة‪-‬كلية الشريعة‪ ،‬إعداد‪ :‬د‪ .‬خالد بن راشد بن محمد المشعان‪ ،‬طبع عن دار‬

‫التدمرية‪ ،‬يف مجلدين‪ ،‬يف ‪ 1564‬صفحة‪.‬‬

‫‪« -‬االختيارات الفقهية لأللباين من خالل كتاب صفة صالة النبي صلى اهلل عليه وسلم»‪،‬‬

‫رسالة ماجستير‪ ،‬بجامعة األمير عبد القادر للعلوم اإلسالمية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬إعداد‪ :‬هند آكني‪،‬‬

‫طبع عن دار ابن حزم‪ 576 ،‬صفحة‪.‬‬

‫‪" -‬منهج االستدالل بالحديث عند الشيخ األلباين"‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬بدار‬

‫الحديث الحسنية المغربية‪ ،‬إعداد‪ :‬عالل الهاشمي الخياري‪.‬‬

‫‪" -‬منهج االستدالل بالحديث عند الشيخ األلباين"‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة ابن زهر‪،‬‬

‫بالمغرب‪ ،‬إعداد‪ :‬إبراهيم إد عدي‪.‬‬

‫‪" -‬المنهج األصولي عند الشيخ األلباين"‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬بكلية دار العلوم‪ ،‬جامعة‬

‫القاهرة‪ ،‬إعداد‪ :‬إبراهيم وفيق شعالن‪ ،‬طبع عن دار اللؤلؤة بمصر‪ ،‬يف مجلدين‪903 ،‬‬

‫صفحة‪.‬‬
‫وقد يسر لي المولى ‪-‬سبحانه بمنه وفضله وكرمه‪-‬اقتناء هذا البحث األخير‪ ،‬فأسأل اهلل‬

‫العظيم رب العرش أن يكتب أجر كاتبه‪ ،‬وأن يجزيه خير الجزاء على ما قدم‪.‬‬

‫وأثناء نظري يف هذا البحث انقدح يف الذهن بعض المالحظات التي ارتأيت أن تدوينها قد‬

‫ينفع‪ ،‬وجعلتها يف أربعة محاور‪:‬‬

‫األول‪ :‬عنوان الكتاب‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬دعاوى التفرد المنسوبة إلى اإلمام األلباين‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬دعوى خرق اإلمام األلباين إلجماع علماء األمة‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬وضوح (المنهج األصولي عند اإلمام األلباين) يف البحث‪.‬‬


‫* أوال‪ :‬عنوان الكتاب‬

‫عنون الباحث ‪-‬حفظه اهلل‪-‬لبحثه ب "المنهج األصولي عند الشيخ األلباين"‪.‬‬

‫ولي على العنوان مالحظتان‪:‬‬

‫أما األولى‪ :‬فمن نظر يف الكتاب علم أنه جمع لـ (آراء اإلمام األلباين يف (بعض) المباحث‬

‫األصولية)‪ ،‬وليس تحريرا (للمنهج األصولي عند اإلمام األلباين)‪.‬‬

‫وهذا ما صرح به الباحث ‪-‬حفظه اهلل‪-‬يف (الخطة المقترحة للدراسة) من مقدمته (‪،)18/1‬‬

‫فقال‪:‬‬

‫الفصل األول‪( :‬اآلراء األصولية) لأللباين يف القرآن الكريم‪.‬‬

‫الفصل الثاين‪( :‬اآلراء األصولية) لأللباين يف السنة النبوية‪.‬‬

‫الفصل الثالث‪( :‬اآلراء األصولية) لأللباين يف اإلجماع‪.‬‬

‫الفصل الرابع‪( :‬اآلراء األصولية) لأللباين يف القياس‪.‬‬

‫وال يخفى على أهل الصناعة األصولية أن ثم فروقا بين (المنهج األصولي) و (اآلراء‬

‫األصولية)‪.‬‬

‫وإال لو عددنا رسالة الباحث –حفظه اهلل‪-‬يف (المنهج األصولي) = لترتب عليه فوت ليس‬

‫باليسير يف بحثه منها‪:‬‬

‫‪ -‬منهج اإلمام يف استنباط الحكم الشرعي‪.‬‬

‫‪ -‬منهج اإلمام يف عرض األقوال‪.‬‬

‫‪ -‬منهج اإلمام يف تحرير محل النزاع‪.‬‬


‫‪ -‬منهج اإلمام يف إيراد التعريفات‪.‬‬

‫‪ -‬منهج اإلمام يف مناقشة األقوال‪.‬‬

‫‪ -‬منهج اإلمام يف الرد على المخالف‪.‬‬

‫‪ -‬منهج اإلمام يف سرد األدلة‪.‬‬

‫‪ -‬منهج اإلمام يف ترتيب األدلة‪.‬‬

‫‪ -‬منهج اإلمام يف الجمع بين األدلة‪.‬‬

‫‪ -‬منهج اإلمام يف ترجيح األدلة‪.‬‬

‫وأما المالحظة الثانية‪ :‬أن الباحث ‪-‬حفظه اهلل‪-‬لم يدرس إال (باب األدلة المتفق عليها)‪،‬‬

‫وترك دراسة باقي أبواب أصول الفقه‪ ،‬نحو‪:‬‬

‫‪-‬الحكم الشرعي‬

‫‪-‬واألدلة المختلف فيها‪.‬‬

‫‪ -‬والدالالت‪.‬‬

‫‪-‬واالجتهاد والتقليد‪.‬‬

‫= فليته حصر العنوان بقوله –مثال‪:-‬‬

‫"اآلراء األصولية عند اإلمام األلباين يف باب األدلة المتفق عليها"‪.‬‬


‫* ثانيا‪ :‬دعاوى التفرد‬

‫المنسوبة إلى اإلمام األلباين‬

‫عقد الباحث‪-‬حفظه اهلل‪-‬فصال لبيان (المسائل الفقهية التي خالف فيها األلباين المذاهب‬

‫األربعة)‪.‬‬

‫وحاول –جزاه اهلل خيرا‪-‬يف هذا الفصل تتبع انفرادات اإلمام األلباين –رحمه اهلل‪-‬عن‬

‫المذاهب األربعة‪.‬‬

‫وفات الباحث ‪-‬حفظه اهلل‪-‬أن يبين ضابط التفرد عنده‪ ،‬فال أدري هل بنى الباحث تفرد‬

‫اإلمام األلباين –رحمه اهلل‪ :-‬على المعتمد يف المذهب‪ ،‬أم على التفرد بعامة‪.‬‬

‫وإخاله فاته –أيضا‪-‬التأين يف بعض المواضع يف نسبة االنفراد إلى اإلمام األلباين –رحمه‬

‫اهلل‪-‬عن المذاهب األربعة‪ ،‬فأوقعه ذلك يف أوهام‪.‬‬

‫وأما مالحظاتي على دعاوى التفرد فعلى ثالثة أنواع‪:‬‬

‫األول‪ :‬دعوى التفرد‪ ،‬مع أن اإلمام األلباين قد وافق أحد المذاهب األربعة‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬دعوى التفرد‪ ،‬مع أن اإلمام األلباين ‪-‬رحمه اهلل‪-‬قد وافق رواية يف أحد المذاهب‬

‫األربعة‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬دعوى تفرد اإلمام األلباين –رحمه اهلل‪-‬تفردا مطلقا عن علماء األمة‪ ،‬أي‪ :‬أنه لم‬

‫يسبقه أحد إلى هذا القول‪.‬‬


‫أما النوع األول‬

‫وهو‪ :‬دعوى التفرد‬

‫مع أن اإلمام األلباين قد وافق أحد المذاهب األربعة‬

‫بوب الباحث –حفظه اهلل‪-‬للمسألة الرابعة (‪ )630/2‬بقوله‪:‬‬

‫(حكم التسميع والتحميد للمأموم)‪.‬‬

‫ولنا هنا وقفات‪:‬‬

‫أولها‪ :‬يف لقب المسألة‪ ،‬فكان حقها أن يقال فيها‪:‬‬

‫(حكم الجمع بين التسميع والتحميد للمأموم)؛ ذلك أن الخالف يف (الجمع بين التسميع‬

‫والتحميد)‪.‬‬

‫وثانيها‪ :‬تحقيق مذاهب أهل العلم يف المسألة‪.‬‬

‫فأقول‪ :‬بادئ ذي بدء ال بد من مراعاة فصل هذه المسألة عما يختلط بها من المسائل عند‬

‫أهل العلم؛ فكالم أهل العلم يف الباب باعتبارين‪:‬‬

‫األول‪ :‬يف صالة الجماعة‪.‬‬

‫والنظر فيه على قسمين‪:‬‬

‫أ‪-‬ما يقوله اإلمام‪.‬‬

‫ب‪-‬ما يقوله المأموم‪.‬‬


‫والثاين‪ :‬يف صالة المنفرد‪.‬‬

‫وسنحقق مذاهب أهل العلم يف المسألة التي اختارها الباحث –حفظه اهلل‪ ،-‬وهي بحسب‬

‫القسم الثاين من االعتبار األول‪ ،‬أي‪ :‬حال كونه مأموما‪.‬‬

‫فقد وهم الباحث –حفظه اهلل‪-‬يف بعض المذاهب فقال‪:‬‬

‫"القول األول‪ :‬استحباب التسميع والتحميد على اإلمام والمأموم‪.‬‬

‫وهو مذهب الحنفية!‪ ،‬والمالكية!‪ ،‬والشافعية"‪.‬‬

‫فوهم ‪-‬غفر اهلل لنا وله‪-‬يف مذهب الحنفية والشافعية‪.‬‬

‫أما الحنفية والمالكية فمذهبهم‪( :‬التحميد فقط للمأموم دون التسميع)‪.‬‬

‫قال القدوري يف "مختصره" (‪" :)72‬ثم يرفع رأسه‪ ،‬ويقول‪ :‬سمع اهلل لمن حمده‪،‬‬

‫ويقول المؤتم‪ :‬ربنا لك الحمد"‪.‬‬

‫وبنحوه قال صاحب "الهداية" (‪" :)49/1‬ثم يرفع رأسه‪ ،‬ويقول‪ :‬سمع اهلل لمن حمده‪،‬‬

‫ويقول المؤتم‪ :‬ربنا لك الحمد"‪.‬‬

‫وقال النسفي يف "كنز الدقائق" (‪ " :)163‬واكتفى اإلمام بالتسميع‪ ،‬والمؤتم والمنفرد‬

‫بالتحميد"‪.‬‬

‫وانظر‪" :‬التجريد" للقدوري (‪ ،)528/2‬و"االختيار" (‪ ،)174/1‬و"حاشية ابن‬

‫عابدين" (‪ ،)178/2‬و"اللباب يف شرح الكتاب" (‪.)148/2‬‬

‫هذا توثيق قول الحنفية‪ ،‬وأما المالكية‪ ،‬فقال اإلمام مالك يف "المدونة" (‪:)72/1‬‬

‫" إذا قال اإلمام‪ :‬سمع اهلل لمن حمده‪ ،‬لم يقل‪ :‬اللهم ربنا ولك الحمد‪.‬‬
‫وليقل من خلفه‪ :‬اللهم ربنا ولك الحمد‪ ،‬وال يقول من خلف اإلمام‪ :‬سمع اهلل لمن حمده‪.‬‬

‫ولكن يقول‪ :‬اللهم ربنا ولك الحمد"‪.‬‬

‫وقال القاضي عبد الوهاب يف " اإلشراف" (‪ " :)271/1‬ويقول المأموم‪ :‬ربنا لك‬

‫الحمد‪ ،‬وال يقول‪ :‬سمع اهلل لمن حمده"‪.‬‬

‫وقال ابن بزيزة يف "روضة المستبين" (‪" :)344/1‬قوله‪( :‬ويقول المأموم‪ :‬لربنا لك‬

‫الحمد) خص المأموم تنبيها على أن حكم اإلمام يخالف ذلك"‪.‬‬

‫وانظر‪" :‬المعونة" (‪ ،)221/1‬و "التفريع" (‪ ،)228/1‬و"الرسالة" (‪،)117‬‬

‫و"التلقين" (‪ ،)101‬و "عيون المسائل" (‪ ،)119‬و"عقد الجواهر الثمينة" (‪،)140/1‬‬

‫و "مقدمات ابن رشد" (‪ ،)275/1‬و"الخرشي" (‪ ،)275/1‬و"الشرح الصغير"‬

‫(‪ ،)327/1‬و"جامع األمهات" (‪.)97‬‬

‫وصنّف السيوطي –رحمه اهلل‪"-‬ذكر التشنيع يف مسألة التسميع"‪ ،‬طبعت ضمن "الحاوي‬

‫للفتاوي" (‪.)35 /1‬‬

‫وأما الوقفة الثالثة‪ ،‬وهي األهم‪ :‬فمع وهم الباحث ‪-‬حفظه اهلل‪-‬يف إدراجه مسألة (حكم‬

‫التسميع والتحميد للمأموم) (‪ )630/2‬يف (المسائل الفقهية التي خالف فيها األلباين‬

‫المذاهب األربعة)!‬

‫ذلك أن اإلمام األلباين ‪-‬رحمه اهلل‪-‬وافق القول الثاين‪ ،‬وهو مذهب الحنابلة‪ ،‬يف القول‬

‫بوجوب الجمع بين التسميع والتحميد؛ كما قرر ذلك الباحث –حفظه اهلل‪!-‬‬

‫فأين مخالفة المذاهب األربعة يف ذلك!‬


‫وأما النوع الثاين‬

‫وهو دعوى التفرد‬

‫مع أن اإلمام األلباين ‪-‬رحمه اهلل‪-‬قد وافق رواية يف أحد المذاهب األربعة‬

‫ومن ذلك‪:‬‬

‫‪-1‬يف أول مثال ذكره الباحث –حفظه اهلل‪ ،-‬وهي مسألة‪( :‬حكم الوضوء من حمل الميت)‬

‫(‪.)592/2‬‬

‫اختار فيها اإلمام األلباين –رحمه اهلل‪-‬القول الثالث‪ ،‬وهو االستحباب‪.‬‬

‫وهذا القول رواية عند الشافعية‪.‬‬

‫‪-2‬ونحوها مسألة (حكم رفع اليدين يف القيام من التشهد األول) (‪.)622/2‬‬

‫اختار فيها اإلمام األلباين –رحمه اهلل‪-‬القول الثاين‪ ،‬وهو استحباب رفع اليدين يف القيام بعد‬

‫التشهد األول‪.‬‬

‫وهذا القول رواية عند المالكية‪-‬اختارها ابن وهب‪ ،‬ورواية عند الشافعية – اختارها‪ :‬ابن‬

‫المنذر والبيهقي والنووي‪ ،‬ورواية عند الحنابلة –رجحها شيخ اإلسالم ابن تيمية‪.‬‬

‫‪-3‬ونحوها مسألة (عدد ركعات صالة التراويح) (‪:)644/2‬‬

‫اختار فيها اإلمام األلباين –رحمه اهلل‪-‬القول الثالث‪ ،‬وهو أن عدد ركعات صالة التراويح‬

‫إحدى عشر ركعة‪.‬‬

‫وهذا القول رواية عن اإلمام مالك‪ ،‬واختيار أبي بكر بن العربي‪.‬‬


‫‪-4‬ونحوها مسألة (حكم الدفن ليال) (‪:)680/2‬‬

‫اختار فيها اإلمام األلباين –رحمه اهلل‪-‬القول الثاين‪ ،‬وهو تحريم الدفن ليال إال لضرورة‪.‬‬

‫وهذا القول رواية عن اإلمام أحمد‪.‬‬

‫‪-5‬ونحوها مسألة (حكم العقيقة) (‪:)746/2‬‬

‫اختار فيها اإلمام األلباين –رحمه اهلل‪-‬القول الثالث‪ ،‬وهو أن العقيقة واجبة‪.‬‬

‫وهذا القول رواية عن اإلمام أحمد‪.‬‬


‫وأما النوع الثالث‬

‫وهو دعوى تفرد اإلمام األلباين –رحمه اهلل‪-‬‬

‫تفردا مطلقا عن علماء األمة‬

‫أي‪ :‬أنه لم يسبقه أحد إلى هذا القول‬

‫ومن ذلك‪:‬‬

‫‪-1‬مسألة (عدد التكبيرات يف صالة الجنازة) (‪.)674/2‬‬

‫قال الباحث –حفظه اهلل‪ " :)678/2(-‬وجه الداللة‪ :‬أن هذه األحاديث واآلثار تدل على‬

‫أن التكبير يف صالة الجنازة أربع تكبيرات‪ ،‬دون زيادة عليها‪.‬‬

‫وما سواها فإما ضعيف ال تقوم به الحجة !!! أو منسوخ ال يعمل به !!!"‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وهذه دعاوى عارية عن الدليل‪ ،‬بل ّ‬


‫دل الدليل على نقيضها‪:‬‬

‫‪ -‬أما آخرها‪ ،‬وهي دعوى النسخ‪ ،‬فأين الدليل‪ ،‬ثم أين تحقق شروط النسخ ؟!‬

‫‪ -‬وأما أنها ضعيفة ال تقوم بها الحجة‪ ،‬فانظر بطالنه فيما سيأتيك‪.‬‬

‫ثم نسب الباحث –حفظه اهلل‪-‬القول الثاين‪ ،‬وهو أن عدد التكبيرات من أربع إلى تسع‪-‬إلى‬

‫اإلمام األلباين –رحمه اهلل‪-‬وحده‪ ،‬دون سائر فقهاء األمة!‬

‫وهذه دعوى باطلة‪ ،‬فالخالف فيها عال؛ كما قال القاضي عياض يف "إكمال المعلم"‬

‫(‪:)416/3‬‬
‫"واختلف السلف من الصحابة يف ذلك من‪ :‬ثالث تكبيرات إلى تسع"‪.‬‬

‫ورد اإلمام األلباين –رحمه اهلل‪-‬الدعاوى السابقة بقوله يف "أحكام الجنائز" (‪:)142‬‬

‫" وأما الخمس فلحديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال‪:‬‬

‫" كان زيد بن أرقم يك ّبر على جنائزنا أربعا‪ ،‬وإنه ك ّبر على جنازة خمسا‪ ،‬فسألته فقال‪ :‬كان‬

‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يك ّبرها‪( ،‬فال أتركها (ألحد بعده) أبدا) "‪.‬‬

‫أخرجه مسلم (‪ )56 /3‬وأبو داود (‪ )68 ،67 /2‬والنسائي (‪ )281 /1‬والترمذي (‪/2‬‬

‫‪ )140‬وابن ماجه (‪ )458 /1‬والطحاوي (‪ )285 /1‬والبيهقي (‪ )36 /4‬والطيالسي‬

‫(‪ )674‬وأحمد (‪ )372 ،368 ،367 /4‬عنه‪.‬‬

‫ثم أخرجه الطحاوي والدارقطني (‪ )192 ،191‬وأحمد (‪ )370/4‬من طرق أخرى عنه به‬

‫نحوه‪ ،‬والزيادة لهم‪ ،‬والتي فيها للدارقطني‪.‬‬

‫وقال الترمذي‪ " :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا من أصحاب النبي صلى اهلل عليه وسلم وغيرهم‪ ،‬رأوا‬

‫التكبير على الجنازة خمسا‪.‬‬

‫وقال أحمد واسحاق‪ :‬إذا ك ّبر االمام على الجنازة خمسا فإنه يتبع االمام "‪.‬‬

‫ج ‪-‬وأما الست والسبع‪ ،‬ففيها بعض اآلثار الموقوفة‪ ،‬ولكنها يف حكم األحاديث المرفوعة‪،‬‬

‫ألن بعض كبار الصحابة أتى بها على مشهد من الصحابة دون أن يعترض عليه أحد منهم‪.‬‬

‫األول‪ :‬عن عبد اهلل بن ُمغَفل‪:‬‬


‫" أن علي بن أبي طالب صلى على سهل بن حنيف‪ ،‬فك ّبر عليه ستا‪ ،‬ثم التفت إلينا‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫إنه بدري "‪.‬‬

‫قال الشعبي‪ " :‬وقدم علقمة من الشام‪ ،‬فقال البن مسعود‪ :‬إن اخوانك بالشام يك ّبرون على‬

‫جنائز هم خمسا‪ ،‬فلو وقتُّم لنا وقتا نتابعكم عليه؟‬

‫فأطرق عبد اهلل ساعة ثم قال‪ :‬انظروا جنائزكم‪ ،‬فك ّبروا عليها ما ك ّبر أئمتكم‪ ،‬ال وقت وال‬

‫عدد "‪.‬‬

‫أخرجه ابن حزم يف " المحلى " (‪ )126 /5‬بهذا التمام‪ ،‬وقال‪ " :‬وهذا إسناد غاية يف‬

‫الصحة "‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وقد أخرج منه قصة علي رضي اهلل عنه أبو داود يف مسائله عن االمام أحمد (ص‬

‫‪ )152‬والطحاوي (‪ )287 /1‬والحاكم (‪ )409 /3‬والبيهقي (‪ )36 /4‬وسندهم صحيح‬

‫على شرط الشيخين‪ ،‬وهي عند البخاري يف " المغازي " (‪ )253 /7‬دون قوله " ستا‪...‬‬

‫"‪.‬‬

‫وقصة ابن مسعود أخرجها الطحاوي والبيهقي (‪ )37 /4‬نحوه‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬عن عبد خير قال‪:‬‬

‫" كان علي رضي اهلل عنه يك ّبر على أهل بدر ستا‪ ،‬وعلى أصحاب النبي صلى اهلل عليه‬

‫وسلم خمسا‪ ،‬وعلى سائر الناس أربعا "‪.‬‬

‫أخرجه الطحاوي والدارقطني (‪ ،)191‬ومن طريقه البيهقي (‪ ،)37 /4‬وسنده صحيح؛‬

‫رجاله ثقات كلهم‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬عن موسى بن عبد اهلل بن يزيد‪.‬‬


‫" أن عليا صلى على أبي قتادة‪ ،‬فك ّبر عليه سبعا‪ ،‬وكان بدريا "‬

‫أخرجه الطحاوي والبيهقي (‪ )36 /4‬بسند صحيح على شرط مسلم‪.‬‬

‫لكن أعله البيهقي بقوله‪:‬‬

‫" إنه غلط‪ ،‬ألن أبا قتادة رضي اهلل عنه بقي بعد علي رضي اهلل عنه مدة طويلة "‪.‬‬

‫ور ّده الحافظ يف " التلخيص " (‪ )1665‬بقوله‪:‬‬

‫" قلت‪ :‬وهذه علة غير قادحة‪ ،‬ألنه قد قيل‪ :‬إن أبا قتادة مات يف خالفه علي‪ ،‬وهذا هو‬

‫الراجح"‪.‬‬

‫وسبقه إلى هذا ابن التركماين يف " الجوهر النقي " فراجعه‪.‬‬

‫قلت‪ :‬فهذه آثار صحيحة عن الصحابة تدل على أن العمل بالخمس والست تكبيرات‬

‫استمر إلى ما بعد النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬خالفا لمن ادعى اإلجماع على األربع فقط‪.‬‬
‫ّ‬

‫وقد حقق القول يف بطالن هذه الدعوى ابن حزم يف "المحلى" (‪.)125-124/5‬‬

‫د ‪-‬وأما التسع‪ ،‬ففيه حديثان‪:‬‬

‫األول‪ :‬عن عبد اهلل بن الزبير‪ " :‬أن النبي صلى اهلل عليه وسلم صلى على حمزة فك ّبر عليه‬

‫تسع تكبيرات‪." .‬‬

‫وقد مضى بتمامه وتخريجه يف (الثاين) من المسألة (‪( )59‬ص ‪.)82‬‬

‫وهذا العدد هو أكثر ما وقفنا عليه يف التكبير على الجنازة‪َ ،‬ف ُيو َق ُ‬
‫ف عنده وال ُيزاد عليه‪ ،‬وله‬

‫أن َين ُقص منه إلى األربع‪ ،‬وهو أقل ما ورد‪.‬‬

‫قال ابن القيم يف "زاد المعاد" بعد أن ذكر بعض ما أوردناه من اآلثار واألخبار‪:‬‬
‫" وهذه آثار صحيحة‪ ،‬فال موجب للمنع منها‪ ،‬والنبي صلى اهلل عليه وسلم لم يمنع مما زاد‬

‫على األربع‪ ،‬بل فعله هو وأصحابه من بعده "‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وقد استدل المانعون من الزيادة على األربع بأمرين‪:‬‬

‫األول‪ :‬اإلجماع‪ ،‬وقد تقدم بيان خطأ ذلك‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬ما جاء يف بعض األحاديث‪ " :‬كان آخر ما ك ّبر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم على‬

‫الجنازة أربعا "‪.‬‬

‫والجواب‪ :‬أنه حديث ضعيف‪ ،‬له طرق بعضها أشد ضعفا من بعض‪ ،‬فال يصلح التمسك به‬

‫لرد الثابت عنه صلى اهلل عليه وسلم باألسانيد الصحيحة المستفيضة‪.‬‬

‫قال الحافظ يف " التلخيص " (‪ ،)167 /5‬ومن قبله الحازمي يف " االعتبار " (ص ‪،)95‬‬

‫والبيهقي يف " السنن " (‪:)3 /74‬‬

‫وي من غير وجه‪ ،‬كلها ضعيفة "‪.‬‬


‫" ُر َ‬

‫وأما ما جاء يف " المجمع " (‪:)35 /3‬‬

‫" وعن ابن عباس رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم صلى على قتلى أحد‪،‬‬

‫فك ّبر تسعا تسعا‪ ،‬ثم سبعا سبعا‪ ،‬ثم أربعا أربعا حتى لحق باهلل‪.‬‬

‫رواه الطبراين يف الكبير واألوسط‪ ،‬وإسناده حسن "‪.‬‬

‫فهو مردود من وجهين‪:‬‬

‫األول‪ :‬أنه مخالف لقول الحافظ ابن حجر ومن قبله من األئمة الذين صرحوا بأن طرق‬

‫الحديث كلها ضعيفة‪.‬‬


‫الثاين‪ :‬أن الحديث أخرجه الطبراين يف " المعجم الكبير" (‪ ،)2 / 120 /3‬وإسناده‬

‫هكذا‪:‬‬

‫حدثنا أحمد بن القاسم الطائي‪ ،‬ثنا بشر بن الوليد الكندي‪ ،‬ثنا أبو يوسف القاضي‪ ،‬حدثني‬

‫نافع بن عمر‪ ،‬قال‪ :‬سمعت عطاء بن أبي رباح يحدث عن ابن عباس به‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وهذا إسناد ال ُيحسن مثله؛ فإن فيه ثالث فيه ثالث علل‪:‬‬

‫األولى‪ :‬أبو يوسف القاضي‪ ،‬وهو يعقوب بن إبراهيم‪ ،‬ضعفه ابن المبارك وغيره‪ ،‬ووصفه‬

‫الفالس‪ :‬بأنه كثير الخطأ‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬ضعف بِشر بن الوليد الكندي‪ ،‬فانه كان قد َخ َر َ‬


‫ف‪.‬‬

‫الثالثة‪ :‬المخالفة يف سنده؛ فقد أخرجه الطبراين (‪ ،)1 / 119 /3‬والحازمي يف "االعتبار "‬

‫(‪ )95‬عن جماعة قالوا‪ :‬عن نافع أبي هرمز‪ ،‬عن عطاء‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬به‪.‬‬

‫إلى أن قال‪" :‬أهل بدر" بدل " قتلى أحد"‪ ،‬وهكذا أورده الهيثمي‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫" وفيه نافع‪ ،‬أبو هرمز‪ ،‬وهو ضعيف "‪.‬‬

‫قلت‪ :‬بل هو ضعيف جدا‪ ،‬كذبه ابن معين‪.‬‬

‫وقال أبو حاتم‪" :‬متروك‪ ،‬ذاهب الحديث"‪.‬‬

‫قلت‪ ،‬فهو آفة الحديث‪ ،‬وهو الذي رواه عن عطاء‪.‬‬

‫وما وقع يف الطريق األول أنه نافع بن عمر ‪-‬وهو ثقة ‪ :-‬وهم من بعض رواته‪.‬‬

‫والراجح‪ :‬أنه الكندي‪ ،‬الذي كان خرف كما عرفت‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬عن عبد اهلل بن عباس‪ ،‬قال‪:‬‬


‫" لما وقف رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم على حمزة ‪ ...‬أمر به َف ُهيئ إلى القبلة‪ ،‬ثم ك ّبر‬

‫عليه تسعا ‪." ." ...‬‬

‫انتهى كالم اإلمام األلباين –رحمه اهلل‪-‬بطوله‪.‬‬

‫قلت‪ :‬أبعد كل هذه األدلة الصحيحة يقال‪( :‬وما سواها فإما ضعيف ال تقوم به الحجة !!!‬

‫أو منسوخ ال يعمل به !!!)‪.‬‬

‫فلو نازع الباحث –حفظه اهلل‪-‬اإلمام يف صحتها باألدلة والبراهين = لقلنا‪ :‬لكالمه وجه‪.‬‬

‫ولو برهن الباحث –حفظه اهلل‪-‬على زعم النسخ = لقلنا‪ :‬لكالمه وجه‪.‬‬

‫أما أن تلقى الدعاوى جزافا‪ ،‬بال براهين‪ :‬فهذا ال يليق بمقام التحقيق العلمي‪.‬‬

‫‪-2‬مسألة (تعزير مانع الزكاة) (‪.)699/2‬‬

‫فنسب الباحث –حفظه اهلل‪-‬القول الثاين ‪-‬وهو أن مانع الزكاة تؤخذ منه قهرا وشطر ماله‪-‬‬

‫إلى اإلمام األلباين –رحمه اهلل‪-‬وحده‪ ،‬دون سائر فقهاء األمة!‬

‫وهذه دعوى باطلة‪ ،‬فقد قال النووي يف "روضة الطالبين" (‪:)208/2‬‬

‫"لكن نص يف "األم"‪ :‬أنه يجزئه وإن لم ينو‪ ،‬طائعا كان أو كارها‪.‬‬

‫وأما إذا امتنع من دفع الزكاة‪ ،‬فيأخذها منه السلطان كرها‪ ،‬وال يأخذ إال قدر الزكاة على‬

‫الجديد‪.‬‬

‫وقال يف القديم‪ :‬يأخذ مع الزكاة شطر ماله"‪.‬‬

‫‪-‬وقال يف "المجموع" (‪:)308/5‬‬

‫"وهل يؤخذ معها نصف ماله عقوبة؟‬


‫له فيه طريقان‪:‬‬

‫‪( -‬أحدهما) القطع بأنه ال يؤخذ‪.‬‬

‫وممن صرح بهذا الطريق القاضي أبو الطيب يف تعليقه‪ ،‬والماوردي‪ ،‬والمحاملي يف كتبه‬

‫الثالثة‪ ،‬والمصنف يف "التنبيه"‪ ،‬وآخرون‪.‬‬

‫وحكوا األخذ عن مالك‪ .‬قيل‪ :‬وليس هو مذهبه أيضا‪.‬‬

‫‪( -‬والطريق الثاين) وهو المشهور‪ ،‬وبه قطع المصنف هنا‪ ،‬واألكثرون‪.‬‬

‫فيه قوالن‪:‬‬

‫‪(-‬الجديد)‪ :‬ال يؤخذ‪.‬‬

‫‪( -‬والقديم) يؤخذ‪.‬‬

‫وذكر المصنف دليلهما‪.‬‬

‫واتفق األصحاب على أن الصحيح‪ :‬أنه ال يؤخذ‪.‬‬

‫وأجابوا هم والشافعي والبيهقي يف "معرفة السنن واآلثار"‪:‬‬

‫‪-‬عن حديث بهز بن حكيم‪ :‬بأنه منسوخ‪.‬‬

‫‪ -‬وأنه كان حين كانت العقوبة بالمال؛ كما ذكره المصنف‪.‬‬

‫وهذا الجواب ضعيف لوجهين‪:‬‬

‫‪( -‬أحدهما)‪ :‬أنما ادعوه من (كون العقوبة كانت باألموال يف أول اإلسالم)‪ :‬ليس بثابت‪،‬‬

‫وال معروف‪.‬‬
‫‪(-‬والثاين)‪ :‬أن النسخ إنما يصار إليه إذا ُع ِلم التاريخ‪ ،‬وليس هنا علم بذلك‪.‬‬

‫(والجواب) الصحيح‪ :‬تضعيف الحديث؛ كما سبق عن الشافعي رضي اهلل عنه‪ ،‬وأبي‬

‫حاتم‪ ،‬واهلل أعلم"‪.‬‬

‫‪-‬وقال ابن قدامة يف "المغني"(‪:)6/4‬‬

‫" وقال إسحاق بن راهويه وأبو بكر عبد العزيز‪ :‬يأخذها وشطر ماله "‪.‬‬

‫‪-‬وقال ابن القيم يف "تهذيب السنن" (‪:)465/1‬‬

‫" وقال بظاهر الحديث‪ :‬األوزاعي‪ ،‬واإلمام أحمد‪ ،‬وإسحاق بن راهويه‪ ،‬على ما فصل‬

‫عنهم‪.‬‬

‫وقال الشافعي يف القديم‪ :‬من منع زكاة ماله أخذت منه وأخذ شطر ماله عقوبة على منعه‪.‬‬

‫واستدل بهذا الحديث‪.‬‬

‫وقال يف الجديد‪ :‬ال يؤخذ منه إال الزكاة ال غير‪.‬‬

‫وجعل هذا الحديث منسوخا‪ ،‬وقال‪ :‬كان ذلك حين كانت العقوبات يف المال‪ ،‬ثم نسخت‪.‬‬

‫هذا آخر كالمه‪...‬‬

‫وليس لمن رد هذا الحدث حجة‪:‬‬

‫‪-‬ودعوى نسخه دعوى باطلة؛ إذ هي دعوى ما ال دليل عليه‪.‬‬

‫ويف ثبوت شرعية العقوبات المالية عدة أحاديث عن النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬لم يثبت‬

‫نسخها بحجة‪ ،‬وعمل بها الخلفاء بعده‪.‬‬


‫‪-‬وأما معارضته بحديث البراء يف قصة ناقته‪ :‬ففي غاية الضعف؛ فإن العقوبة إنما تسوغ إذا‬

‫كان المعاقب متعديا بمنع واجب أو ارتكاب محظور‪.‬‬

‫وأما ما تولد من غير جنايته وقصده‪ :‬فال يسوغ أحد عقوبته عليه‪.‬‬

‫وقول من حمل ذلك على (سبيل الوعيد دون الحقيقة) يف غاية الفساد‪ ،‬ينزه عن مثله كالم‬

‫النبي صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫وقول من حمله على (أخذ الشطر الباقي بعد التلف) باطل؛ لشدة منافرته وبعده عن مفهوم‬

‫الكالم‪ ،‬ولقوله‪" :‬فإنا آخذوها وشطر ماله"‪.‬‬

‫وقول الحربي‪( :‬إنه (وشطر) بوزن شغل)‪ :‬يف غاية الفساد‪ ،‬وال يعرفه أحد من أهل‬

‫الحديث‪ ،‬بل هو من التصحيف‪.‬‬

‫وقول ابن حبان‪ :‬لوال حديثه هذا ألدخلناه يف الثقات‪.‬‬

‫كالم ساقط جدا؛ فإنه إذا لم يكن لضعفه سبب إال روايته هذا الحديث‪ .‬وهذا الحديث إنما‬

‫ُرد لضعفه = كان هذا دورا باطال‪.‬‬

‫وليس يف روايته لهذا ما يوجب ضعفه؛ فإنه لم يخالف فيه الثقات‪.‬‬

‫وهذا نظير َرد من رد حديث عبد الملك بن أبي سليمان بحديث جابر يف شفعه الجوار‪،‬‬

‫وضعفه بكونه روى هذا الحديث‪.‬‬

‫وهذا غير موجب للضعف بحال‪ ،‬واهلل أعلم"‪.‬‬

‫انتهى كالم ابن القيم –رحمه اهلل‪.-‬‬


‫قلت‪ :‬فتحصل مما سبق أنها قول‪ :‬اإلمام الشافعي يف القديم‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وأبو بكر عبد‬

‫العزيز‪ ،‬واألوزاعي‪ ،‬وابن القيم‪ ،‬وغيرهم ‪-‬لمن تتبع‪.-‬‬

‫فال يليق بعد ذلك رمي اإلمام األلباين –رحمه اهلل‪-‬بالتفرد به‪ ،‬دون وجه حق‪.‬‬

‫‪-3‬مسألة (حكم صوم يوم السبت) (‪.)690/2‬‬

‫نسب الباحث –حفظه اهلل‪-‬القول الثاين ‪-‬وهو تحريم إفراد يوم السبت بالصوم‪-‬إلى اإلمام‬

‫األلباين –رحمه اهلل‪-‬وحده‪ ،‬دون سائر فقهاء األمة!‬

‫أن الناظر يف "نخب األفكار" للعيني (‪ )432/8‬يجد أن القائلين بالكراهة جمع من‬
‫مع ّ‬
‫أهل العلم؛ قال العيني‪:‬‬

‫"ص‪ :‬قال أبو جعفر ‪-‬رحمه اهلل‪ :-‬فذهب قوم إلى هذا الحديث‪ ،‬فكرهوا صوم يوم‬

‫السبت تطوعا‪.‬‬

‫ش‪ :‬أراد بالقوم هؤالء‪ :‬مجاهدا‪ ،‬وطاوس بن كيسان‪ ،‬وإبراهيم‪ ،‬وخالد بن معدان؛ فإنهم‬

‫كرهوا صوم يوم السبت تطوعا"‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ومن تأمل ديار العلماء المنقول عنهم القول بالكراهة وجدها مختلفة متباعدة‪:‬‬

‫فمجاهد حجازي مكي‪ ،‬وطاوس يمني‪ ،‬وإبراهيم عراقي كويف‪ ،‬وخالد بن معدان شامي‬

‫حمصي‪.‬‬

‫مما يشير إلى أن القول بالكراهة كان منتشرا يف األمصار المتباعدة‪.‬‬

‫فإن قيل‪ :‬من نقل عنهم القول بالمنع من السلف قالوا بالكراهة‪ ،‬ال بالتحريم‪ ،‬واإلمام‬

‫األلباين قال بالتحريم = ففرق بين األمرين‪.‬‬


‫قلنا‪ :‬الجواب عن ذلك يف المسألة التالية إن شاء اهلل‪.‬‬

‫‪-4‬مسألة (حكم تقبيل الرجل للرجل يف الوجه) (‪.)766/2‬‬

‫نسب الباحث –حفظه اهلل‪-‬القول الرابع ‪-‬وهو حرمة تقبيل الرجل للرجل يف الوجه ‪-‬إلى‬

‫اإلمام األلباين –رحمه اهلل‪-‬وحده‪ ،‬دون سائر فقهاء األمة!‬

‫ومالحظتي حول المسألتين السابقتين‪:‬‬

‫أن الباحث –حفظه اهلل‪-‬فاته التنبيه على اختيار اإلمام األلباين –رحمه اهلل‪-‬يف لقب‬

‫(الكراهة) إذا أطلق عند السلف‪.‬‬

‫فمن المتواتر يف مصنفات اإلمام األلباين –رحمه اهلل‪-‬أنه كان يرى‪:‬‬

‫أن لقب (الكراهة) إذا أطلق عند السلف‪ ،‬فالمراد به (الكراهة التحريمية)؛ ألنه المعروف‬

‫يف اصطالح السلف‪.‬‬

‫ومن ذلك‪:‬‬

‫‪ -‬قوله يف "تحذير الساجد" (‪:)48‬‬

‫" وإن كنت ال أستبعد حمل (الكراهة) يف عبارة الشافعي المتقدمة خاصة على (الكراهة‬

‫التحريمية)؛ ألنه هو المعنى الشرعي المقصود يف االستعمال القرآين‪ ،‬وال شك أن الشافعي‬

‫متأثر بأسلوب القرآن غاية التأثر‪.‬‬

‫فإذا وقفنا يف كالمه على لفظ له معنى خاص يف القرآن الكريم‪ :‬وجب حمله عليه‪.‬‬

‫ال على المعنى المصطلح عليه عند المتأخرين‪ ،‬فقد قال تعالى‪ :‬ﭐﱡﭐ ﭐ ﱶﱷﱸ‬

‫ﱺﱠ [الحجرات ‪.]7‬‬


‫ﱻ‬ ‫ﱹ‬
‫وهذه كلها محرمات‪ ،‬فهذا المعنى ‪-‬واهلل أعلم‪-‬هو الذي أراده الشافعي رحمه اهلل بقوله‬

‫المتقدم‪ " :‬وأكره "‪ .‬ويؤيده أنه قال عقب ذلك‪ " :‬وإن صلى إليه أجزأه‪ ،‬وقد أساء "‪.‬‬

‫فإن قوله " أساء " معناه‪ :‬ارتكب سيئة‪ ،‬أي‪ :‬حراما‪.‬‬

‫فإنه هو المراد بالسيئة يف أسلوب القرآن أيضا؛ فقد قال تعالى يف سورة (اإلسراء) بعد أن‬

‫نهى عن قتل األوالد‪ ،‬وقربان الزنى‪ ،‬وقتل النفس وغير ذلك‪:‬‬

‫ﭐﱡﭐﳟﳠﳡﳢﳣﳤﳥﱠ [اإلسراء ‪ ]38‬أي‪ :‬محرما‪.‬‬


‫ويؤكد أن هذا المعنى هو المراد من الكراهة يف كالم الشافعي يف هذه المسألة‪ :‬أن مذهبه أن‬

‫األصل يف النهي التحريم‪ ،‬إال ما دل الدليل على أنه لمعنى آخر؛ كما صرح بذلك يف رسالته‬

‫" جماع العلم " (ص ‪ ،)125‬ونحوه يف كتابه " الرسالة " (ص ‪.")343‬‬

‫‪ -‬وقال يف "أصل صفة صالة النبي صلى اهلل عليه وسلم" (‪:)1020/3‬‬

‫" والكراهة إذا أطلقت؛ فهي للتحريم‪ ،‬كما هو معروف عند علمائنا"‪.‬‬

‫‪-‬وقال يف "أحكام الجنائز" (‪:)268‬‬

‫" والكراهة عندهما إذا أطلقت فهي للتحريم"‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وسيأتي بعد قليل كالم لإلمام األلباين من كتابه "آداب الزفاف" يف الباب؛ فل ُينظر‪.‬‬

‫الحاصل‪ :‬أن بيان الباحث (لمنهج اإلمام األلباين األصولي) يف التعامل مع لقب (الكراهة)‬

‫يف مدونات السلف‪ ،‬والذي هو مقصد بحثه الذي أنشأه من أجله = أولى من رمي اإلمام –‬

‫رحمه اهلل‪-‬بالتفرد المطلق؛ دون تقرير قوله يف هذا األصل‪.‬‬


‫* ثالثا‪:‬‬

‫دعوى خرق اإلمام األلباين‬

‫إلجماع علماء األمة‬

‫وفيها قول الباحث –حفظه اهلل‪:-‬‬

‫"فالقول بحرمة استعمال الحلي للنساء تحكم بال دليل !!!‬

‫ومخالفة ظاهرة‪ :‬لإلجماع‪ ،‬ولجمهور علماء األمة قاطبة !!!‬

‫وهذه المسألة من المسائل التي تفرد بها الشيخ األلباين !!! "‪.‬‬

‫فهذه ثالث من الدعاوى العارية عن الدليل‪:‬‬

‫وأبدء بآخرها‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫دعوى الباحث ‪-‬حفظه اهلل‪ :-‬أن اإلمام األلباين –رحمه اهلل‪( -‬خرق إجماع العلماء) !!!‬

‫على إباحة تحلي النساء بالذهب المحلق!!!‬

‫فأقول‪ :‬هذه الدعوى ردها اإلمام األلباين –رحمه اهلل‪-‬يف كتابه "آداب الزفاف" (‪)238‬‬

‫بقوله‪:‬‬

‫"دعوى اإلجماع على إباحة الذهب مطلقا للنساء وردها‬

‫‪-1‬ادعى بعضهم اإلجماع على إباحة الذهب مطلقا للنساء‪.‬‬

‫وهذا مردود من وجوه‪:‬‬

‫اإلجماع الصحيح‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنه ال يمكن إثبات صحة اإلجماع يف هذه المسألة وإن نقله البيهقي يف "سننه" (‪4‬‬

‫‪ ،)124 /‬وغيره مثل الحافظ ابن حجر يف "الفتح"‪.‬‬

‫ولكن هذا كأنه أشار لعدم ثبوته حين قال‪ )260 / 10( :‬يف بحث خاتم الذهب‪:‬‬

‫"فقد ُن ِقل اإلجماع على إباحته للنساء"‪.‬‬

‫ويأتي قريبا ما يبطل هذا اإلجماع؛ وذلك ألنه ال يستطيع أحد أن يدعي أنه إجماع معلوم‬

‫من الدين بالضرورة‪ ،‬وغير هذا اإلجماع مما ال يمكن تصوره‪ ،‬فضال عن وقوعه‪.‬‬

‫ولهذا قال اإلمام أحمد رضي اهلل عنه‪:‬‬

‫"من ادعى اإلجماع فهو كاذب [وما يدريه؟] لعل الناس اختلفوا"‪.‬‬

‫رواه ابنه عبد اهلل يف "مسائله" ص (‪.)390‬‬

‫وتفصيل القول يف هذا الموضوع الخطير ليس هذا موضعه‪ ،‬فليراجع من شاء التحقيق‬

‫بعض كتب علم أصول الفقه التي ال يقلد مؤلفوها من قبلهم! مثل‪" :‬أصول األحكام"‬

‫البن حزم (‪ ،)144- 128 / 4‬و "إرشاد الفحول" للشوكاين‪ ،‬ونحوهما‪.‬‬

‫استحالة وجود إجماع صحيح على خالف حديث صحيح‬

‫دون وجود ناسخ صحيح‬

‫الثاين‪ :‬لو كان يمكن إثبات اإلجماع يف الجملة‪ ،‬لكان ادعاؤه يف خصوص هذه المسألة غير‬

‫صحيح؛ ألنه مناقض للسنة الصحيحة‪.‬‬


‫وهذا مما ال يمكن تصوره أيضا‪ ،‬ألنه يلزم منه اجتماع األمة على ضالل‪ ،‬وهذا مستحيل‬

‫لقوله صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬ال تجتمع أمتي على ضاللة"‪.‬‬

‫ومثل هذا اإلجماع ال وجود له إال يف الذهن والخيال‪ ،‬وال أصل له يف الوجود والواقع‪.‬‬

‫قال أبو محمد بن حزم رحمه اهلل تعالى يف "أصول األحكام" (‪:)72- 71 / 2‬‬

‫"وقد أجاز بعض أصحابنا أن َيرِ َد حديث صحيح عن النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ويكون‬

‫اإلجماع على خالفه‪.‬‬

‫قال‪ :‬وذلك دليل على أنه منسوخ‪.‬‬

‫وهذا عندنا خطأ فاحش متيقن؛ لوجهين برهانيين ضروريين‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬أن ورود حديث صحيح يكون اإلجماع على خالفه‪ ،‬معدوم لم يكن قط‪ ،‬وال هو‬

‫يف العالم‪ ،‬فمن ادعى أنه موجود فليذكره لنا‪ ،‬وال سبيل له ‪-‬واهلل ‪-‬إلى وجوده أبدا‪.‬‬

‫والثاين‪ :‬أن اهلل تعالى قد قال‪ :‬ﭐﱡﭐﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍ ﱠ [الحجر ‪]٩‬‬

‫فمضمون عند كل من يؤمن باهلل واليوم اآلخر أن ما تكفل اهلل عز وجل بحفظه‪ ،‬فهو غير‬

‫ضائع أبدا‪ ،‬ال يشك يف ذلك مسلم‪.‬‬

‫وكالم النبي صلى اهلل عليه وسلم ك ّله وحي؛ بقوله تعالى‪ :‬ﱡﭐﱋﱌ ﱍﱎﱏﱐﱑﱒ‬

‫ﱓﱔﱠ [النجم ‪.]4 – 3‬‬


‫ِ‬
‫والوحي ِذكر بإجماع األمة كلها‪ ،‬والذ ُ‬
‫كر محفوظ بالنص‪ ،‬فكالمه عليه السالم محفوظ‬
‫بحفظ اهلل تعالى عز وجل ضرورة‪ ،‬منقول ك ّله إلينا‪ ،‬ال بد من ذلك‪.‬‬
‫فلو كان هذا الحديث الذي ادعى هذا القائل أنه مجمع على تركه‪ ،‬وأنه منسوخ كما ذكر‪:‬‬

‫لكان ناسخه الذي اتفقوا عليه قد ضاع ولم ُيحفظ‪.‬‬


‫وهذا تكذيب هلل عز وجل يف أنه حافظ للذكر كله‪.‬‬

‫ولو كان ذلك لسقط كثير مما َبلغ عليه السالم عن ربه‪ ،‬وقد أبطل ذلك رسول اهلل صلى اهلل‬

‫عليه وسلم يف قوله يف حجة الوداع‪" :‬اللهم هل بلغت؟ " ‪.‬‬

‫قال‪" :‬ولسنا ننكر أن يكون حديث صحيح وآية صحيحة التالوة منسوخين‪ ،‬إما بحديث‬

‫آخر صحيح‪ ،‬وإما بآية متلوة‪ ،‬ويكون االتفاق على النسخ المذكور قد ثبت‪ ،‬بل هو موجود‬

‫عندنا‪.‬‬

‫إال أننا نقول‪ :‬ال بد أن يكون الناسخ لهما موجودا أيضا عندنا‪ ،‬منقوال إلينا محفوظا عندنا‬

‫مبلغا نحونا بلفظه‪ ،‬قائم النص لدينا‪ ،‬ال بد من ذلك‪.‬‬

‫وإنما الذي منعنا منه‪ :‬فهو أن يكون المنسوخ محفوظا منقوال مبلغا إلينا‪ ،‬ويكون الناسخ له‬

‫قد سقط ولم ينقل إلينا لفظه‪.‬‬

‫فهذا باطل عندنا‪ ،‬ال سبيل إلى وجوده يف العالم أبد األبد؛ ألنه معدوم ألبتة‪ ،‬قد دخل ‪-‬بأنه‬

‫غير كائن ‪-‬يف باب المحال والممتنع عندنا‪ ،‬وباهلل تعالى التوفيق"‪.‬‬

‫تقديم السنة على اإلجماع الذي ليس معه كتاب أو سنة‬

‫وقال العالمة المحقق ابن قيم الجوزية رحمه اهلل تعالى‪:‬‬

‫"ولم يزل أئمة اإلسالم على تقديم الكتاب على السنة‪ ،‬والسنة على اإلجماع‪ ،‬وجعل‬

‫اإلجماع يف المرتبة الثالثة‪.‬‬

‫قال الشافعي‪ :‬الحجة كتاب اهلل‪ ،‬وسنة رسوله‪ ،‬واتفاق األئمة‪.‬‬

‫وقال يف كتاب "اختالفه مع مالك"‪:‬‬


‫"والعلم طبقات‪ :‬األولى الكتاب والسنة الثابتة‪ ،‬ثم اإلجماع فيما ليس كتابا وال سنة ‪." ...‬‬

‫وقال ابن القيم أيضا يف صدد بيان أصول فتاوى اإلمام أحمد‪:‬‬

‫"ولم يكن ‪-‬يعني اإلمام أحمد‪-‬يقدم على الحديث الصحيح عمال‪ ،‬وال رأيا‪ ،‬وال قياسا‪،‬‬

‫وال قول صاحب‪ ،‬وال عدم علمه بالمخالف‪ ،‬الذي يسميه كثير من الناس إجماعا‪،‬‬

‫ويقدمونه على الحديث الصحيح!‬

‫وقد كذب أحمد من ادعى هذا اإلجماع‪ ،‬ولم يسغ تقديمه على الحديث الثابت‪ ،‬وكذلك‬

‫الشافعي ‪...‬‬

‫ونصوص رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ّ‬


‫أجل عند اإلمام أحمد وسائر أئمة الحديث من‬

‫أن يقدموا عليها توهم إجماع‪ ،‬مضمونه عدم العلم بالمخالف‪ .‬ولو ساغ لتعطلت‬

‫النصوص وساغ لكل من لم يعلم مخالفا يف حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على‬

‫النصوص"‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وهذا ما فعله البعض هنا‪ ،‬فقدموا ما زعموه إجماعا على النصوص المتقدمة‪ ،‬مع أنه‬

‫ال إجماع يف ذلك‪ ،‬وبيانه يف الوجه التالي‪:‬‬

‫الثالث‪ :‬أنه قد ثبت ما ينقض باإلجماع المزعوم‪ ،‬وهو ما روى عبد الرزاق يف "المصنف"‬

‫(‪ ،)19935 / 70 / 11‬وابن صاعد يف "حديثه"(‪- 1 / 35‬وهو بخط الحافظ ابن‬

‫عساكر)‪ ،‬وابن حزم (‪ )82 / 10‬بسند صحيح‪ ،‬عن محمد بن سيرين‪ ،‬أنه سمع أبا هريرة‬

‫يقول البنته‪:‬‬

‫"ال تلبسي الذهب؛ إين أخشى عليك اللهب"‪.‬‬

‫وروى ابن عساكر (‪ )2 / 124 / 19‬من طريقين آخرين‪ :‬أن ابنة ألبي هريرة قالت له‪:‬‬
‫إن الجواري يعيرنني‪ ،‬يقلن‪ :‬إن أباك ال يحليك الذهب!‬

‫فقال‪ :‬قولي لهن‪" :‬إين أبي ال يحليني الذهب‪ ،‬يخشى على من اللهب"‪.‬‬

‫ورواه عبد الرزاق (‪ )19938‬نحوه‪ ،‬وعلقه البغوي يف شرح السنة (‪،)82 / 210 / 3‬‬

‫وحكى الخالف يف هذه المسألة‪ ،‬فإنه بعد أن ذكر إباحة خاتم الذهب للنساء وتحليهن به‬

‫عند األكثرين‪ ،‬قال‪" :‬وكره ذلك قوم"‪.‬‬

‫ثم ساق حديث أسماء بنت يزيد المتقدم بعضه يف المتن (‪ ،)236‬وتمامه يف التعليق‬

‫(‪.)237‬‬

‫وما حكاه البغوي رحمه اهلل من الكراهة عن أولئك الذين أشار إليهم من العلماء‪ :‬فهي‬

‫الكراهة التحريمية؛ ألنه المعروف يف اصطالح السلف تبعا لألسلوب القرآين يف عديد من‬

‫اآليات الكريمة؛ كقوله تعالى‪:‬‬

‫ﱺﱠ [الحجرات‪]7 :‬‬


‫ﱻ‬ ‫ﱡﭐﱶﱷﱸﱹ‬
‫وقد كنت شرحت هذه المسألة الهامة يف كتابي‪" :‬تحذير الساجد من اتخاذ القبور‬

‫مساجد" (ص ‪ ،)55- 48‬وذكرت هناك بعض األمثلة‪ ،‬فلتراجع‪.‬‬

‫وبين أيدينا مثال آخر قريب المنال‪ ،‬وهو ما تقدم يف بحث خاتم الخطبة أن اإلمام أحمد‬

‫واإلمام إسحاق بن راهويه كرها خاتم الذهب للرجال‪ ،‬فهذه الكراهة للتحريم أيضا‬

‫لتصريح األحاديث المتقدمة هناك به‪.‬‬

‫وكذلك األمر يف تحريم خاتم الذهب على النساء ألن األدلة صريحة أيضا فمن أطلق‬

‫كراهته عليهن‪ :‬فإنما يعني الكراهة الشرعية‪ ،‬وهي التحريم فتأمل منصفا‪.‬‬

‫وذكر ابن عبد الحكم يف "سيرة عمر بن عبد العزيز" (ص‪:)163‬‬


‫أن ابنة عمر بعثت إليه بلؤلؤة‪ ،‬وقالت له‪ :‬إن رأيت أن تبعث لي بأخت لها؛ حتى أجعلها يف‬

‫أذين‪.‬‬

‫فأرسل إليها‪ ،‬ثم قال لها‪ :‬إن استطعت أن تجعلي هاتين الجمرتين يف أذنيك بعثت لك‬

‫بأخت لها!‬

‫ومن الظاهر أن اللؤلؤة كانت محالة بالذهب؛ ألنها ال تقوم بنفسها‪ ،‬وال تحلى عادة إال بها‪.‬‬

‫ويؤيد ذلك لفظة‪" :‬الجمرتين" فإنها مستوحاة من بعض أحاديث التحريم المتقدمة‬

‫كحديث بنت هبيرة‪.‬‬

‫فثبت بطالن دعوى اإلجماع يف هذه المسألة "‪.‬‬

‫انتهى كالم اإلمام األلباين ‪-‬رحمه اهلل‪.-‬‬

‫قلت‪ :‬ولإلمام األلباين –رحمه اهلل‪-‬ر ّد مفصل على تعقبات الشيخ إسماعيل األنصاري عليه‬

‫يف مسألة الذهب المحلق‪ ،‬سبق له أن طبع يف ثنايا كتاب "حياة األلباين وآثاره" لألستاذ‬

‫محمد إبراهيم الشيباين –حفظه اهلل‪.)228-117/1(-‬‬

‫لكن شاب هذه الطبعة بعض النقص والتصحيف والتحريف‪ ،‬مما دعا شيخنا مشهور بن‬

‫حسن آل سلمان –حفظه اهلل‪-‬إلى إعادة إخراجه‪ ،‬بعد مقابلته على أصله الخطي‪ ،‬أسـال أن‬

‫ييسر خروجه مطبوعا يف أقرب وقت‪.‬‬

‫ومما قاله اإلمام األلباين –رحمه اهلل‪-‬يف هذا الرد‪:‬‬

‫" وقد صرح العالمة ابن مفلح يف «اآلداب الشرعية» بنفي اإلجماع المزعوم‪ ،‬حيث قال‬

‫(‪:)507/3‬‬
‫«فصل يف إباحة الحرير والذهب للنساء عند الجمهور ال إجماعا» "‪.‬‬

‫ثم قال بعد كالم‪:‬‬

‫" وأما جواب األستاذ عليه بقوله‪:‬‬

‫«يمكن دفعه بأن القائل بتحريم الذهب على النساء قد انقرض بعد الحسن وأبي هريرة‪،‬‬

‫واستقر اإلجماع بعدهما على القول باإلباحة إلى زمن البيهقي والنووي»‪.‬‬

‫فر ُّدنا عليه من وجهين‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن عمدتنا يف اإلبطال ليس هو قول أبي هريرة والحسن فقط‪ ،‬بل ويف نفي األئمة‬

‫المذكورين له‪ ،‬أعني‪ :‬البغوي‪ ،‬وابن حزم‪ ،‬وابن مفلح‪."...‬‬

‫ومن أراد التفصيل فليراجع كتاب اإلمام –رحمه اهلل‪-‬يف الرد على الشيخ إسماعيل‬

‫األنصاري –رحمه اهلل‪.-‬‬

‫وأما الدعوى الثانية‪ :‬وهي قول الباحث –حفظه اهلل‪( :-‬ومخالفة ظاهرة لجمهور علماء‬

‫األمة قاطبة)!‬

‫فالسؤال الذي يرد على هذه الدعوى‪:‬‬

‫‪ -‬هل قول الجمهور حجة؟‬

‫‪ -‬ثم هل يثرب على من خالف قول جمهور العلماء مستندا إلى األدلة من السنة‪ ،‬وآثار‬

‫الصحابة؟‬

‫وأما الدعوى الثالثة‪ :‬وهي قول الباحث –حفظه اهلل‪:-‬‬


‫(فالقول بحرمة استعمال الحلي للنساء تحكم بال دليل) !!!‬

‫فال أدري كيف يكون (تحكما‪ ،‬ثم بال دليل)‪ ،‬وقد كتب الباحث ‪-‬حفظه اهلل‪-‬قبلها‬

‫بوريقات (ص‪( :)726/2‬واستدل األلباين باألدلة التالية) !!!‬


‫* رابعا‪:‬‬

‫وضوح‬

‫(المنهج األصولي عند اإلمام األلباين)‬

‫يف البحث‬

‫رأيت الباحث ‪-‬حفظه اهلل‪-‬ال يفصح عن طريقة استنباط اإلمام األلباين ‪-‬رحمه اهلل‪-‬‬

‫للحكم الشرعي من األدلة‪.‬‬

‫وإنما يذكر مصدر استدالل اإلمام األلباين ‪-‬رحمه اهلل‪-‬على استحياء! مع كلمة موجزة يف‬

‫طريقة استنباط الحكم الشرعي‪.‬‬

‫فليته بسط القول يف (طريقة نزع اإلمام للحكم الشرعي من مصدر االستدالل)؛ حتى‬

‫يتحقق المراد من هذه الرسالة‪ ،‬وهو إظهار (المنهج األصولي عند اإلمام األلباين)‪.‬‬

‫هذا ما َعن يف البال‪ ،‬وسنح يف الخيال‪ ،‬حال مطالعتي لهذه الرسالة الجامعية‪ ،‬فإن كان صوابا‬

‫فالحمد هلل على توفيقه‪ ،‬وإن كان خطأ فنرجع إلى الحق طائعين‪.‬‬

‫وكتبه بقلمه‪ :‬فراس بن خليل مشعل‬

‫أستاذ أصول الفقه بمركز اإلمام األلباين للدراسات واألبحاث‬

‫يوم السبت ‪2019/10/5‬‬

You might also like