You are on page 1of 38

‫” ( ‪)23‬‬ ‫كتاب مجلة “‬

‫‪2020‬املصرى (جالل أمين)‬ ‫يونيو ‪-‬‬


‫االقتصاد‬ ‫قصة‬ ‫هدية العدد (‪ )35‬من مجلة “‬
‫تلخيص كتاب ”‬

‫تلخيص كتاب‬
‫(قصة االقتصاد املصرى)‬
‫‪1‬‬
‫( جالل أمين )‬ ‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫هذه السلسلة‬

‫‪.‬‬ ‫بسم اهلل والحمد هلل والصالة والسالم ىلع رسول اهلل‬

‫لو أفنى اإلنسان عمره يف قراءة ما تكتبه األقالم لم يبلغ أن ينهي منها إال قدرًا ضئي ً‬
‫ال‪،‬‬
‫فالعقول ال تتوقف عن اإلنتاج واملطابع ال تتوقف عن الهدير‪ ،‬ويف عصرنا هذا كاد الناس‬
‫كلهم أن يكونوا أصحاب أقالم ولهم كتابات‪ ،‬فما عليك إال أن يكون لك حساب ىلع موقع‬
‫تواصل اجتماعي فيكون قد صار لك منبر عام تكتب فيه‪.‬‬
‫ٌ‬
‫قليل من السمين‪ ،‬فأودية العقول كثيرة ونتاج الفالسفة كغابة‬ ‫ِّ‬
‫الغث‬ ‫ومن بين الكثير من‬
‫ضخمة متشابكة‪ ..‬فالعلم النافع بالنسبة لبحور األفكار كالدرر واليواقيت يف أعماق البحار‪.‬‬
‫والعلم الذي تحتاجه أمة مهزومة مستضعفة تريد أن تنهض ليس كالعلم الذي تحتاجه‬
‫األمم يف حال رفاهيتها ورخائها‪ ..‬فإن أمتنا أحوج إلى فهم الدين الصايف الواضح كما نزل‬
‫ىلع محمد صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وهي بحاجة إلى فهم الواقع املعاصر ل ُت ِ‬
‫حسن إصالحه‬
‫بما لديها من الدين‪ ،‬وتحتاج إلى علوم النهوض وبناء األمم أكثر من حاجتها إلى علوم الترف‬
‫والزينة والزخارف‪ .‬ويف طليعة علوم النهوض‪ :‬فهم الدين والسياسة والتاريخ والعلوم األمنية‬
‫والعسكرية‪ ..‬فاملكتوب يف هذه األبواب أولى بالعناية واالطالع والدراسة من غيره‪.‬‬
‫” بفكرة أن نقدم مع كل عدد كتابًا كهدية‪ ،‬ونحن‬ ‫وقد أنعم اهلل علينا يف “مجلة‬
‫بين أن نستخرجه من كتاب مهم‪ ،‬أو أن يكون تلخيصًا لكتاب مهم‪ ،‬أو أن يكون ترجمة لتقرير‬
‫نقدر أهمية االطالع عليه‪.‬‬
‫مهم‪ ..‬وهكذا‪ ،‬نختاره بحسب ما ِّ‬
‫ونرجو أن يعيننا القراء الكرام بترشيحاتهم ومجهوداتهم‪ ،‬فالباب مفتوح لكل مجهود‪..‬‬
‫نسأل اهلل أن يكون علما نافعا وعمال صالحا خالصا لوجهه الكريم‬
‫مجلة‬

‫‪3‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫الفصل األول‬

‫عصر محمد علي‪ :‬تنمية بال ديون ‪1848-1805‬‬

‫تجــربة محمد علي مثال جيد ملحــاولة بناء تنمية اقتصادية مستقلة‪،‬‬
‫نجحت إلى حد كبير يف تحقيق االعتماد ىلع النفس‪ ،‬حتى تم ضربها من‬
‫القوى العاملية املستفيدة من ربط مصر باالقتصاد الرأسمالي‪ .‬هذا التشخيص‬
‫لتجربة محمد علي‪ ،‬وإن كان يحتوي ىلع جزء كبير من الحقيقة‪ ،‬يشير فقط‬
‫إلى نصف الحقيقة‪.‬‬

‫فالواقع أن مصـــر تحت حكم محمد علي شهــدت اندماجًا يف االقتصاد‬


‫العاملي بدرجة لم تعرفها طوال قرون طويلة سابقة‪ ،‬وكانت طبقًا لعدة معايير‬
‫أقل اعتمادًا ىلع النفس بكثير يف عهده‪ ،‬مما كانت طوال الحكم العثماني‬
‫ىلع األقل‪.‬‬

‫من أين إذن يأتي الحديث عن “التنمية املستقلة”يف عهد محمد علي؟‬
‫يصح ذلك يف رأيي من ثالثة وجوه أساسية نفتقدها كلها اليوم‪:‬‬

‫أولها‪ :‬يتعلق بما توفر ملصر يف عهد محمد علي من اكتفاء ذاتي يف الغذاء‪.‬‬

‫وثانيها‪ :‬أن مصر يف عهده كانت تتمتع بدرجة عالية من القدرة ىلع‬
‫املساومة مع املصدرين واملستوردين ىلع السواء‪.‬‬

‫وثالثها‪ :‬أنه لم يسمح لنفسه قط بالتورط يف الديون‪.‬‬

‫فإذا به يرحل عن العالم يف ‪ 1849‬دون أن تكون مصر مدينة ألحد بقرش واحد‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫إنما تأتي التبعية حينما تضعف قدرة الدولة ىلع املساومة بحيث ال يكون‬
‫لديها أية وسيلة لدفع الخطر عنها إذا أرادت دولة أخرى إخضاعها والتحكم يف‬
‫إرادتها‪ ،‬وهذا بالضبط ما نجح محمد علي يف تجنبه‪.‬‬

‫وقد كان من حسن حظ محمد علي أنه كان يعيش يف عصر لم تكن قد بلغت‬
‫فيه حاجة املقرضين األجانب إلى اإلقراض‪ ،‬ما بلغته يف عهد سعيد أو إسماعيل‪.‬‬

‫شخصيات الوالة يف أعقاب محمد علي جاءت منسجمة تمام االنسجام مع‬
‫حاجة رأس املال األوروبي‪ ،‬وإذا بالطلب يخلق العرض‪ ،‬والعرض يخلق الطلب‪،‬‬
‫يف دائرة جهنمية أودت باستقالل مصر االقتصادي والسياسي معًا‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫الفصل الثاني‬

‫سعيد باشا‪ :‬ديون بال تنمية ‪1854-1863‬‬

‫ال يقف املؤرخون االقتصاديون عادة وقفة طويلة عند عباس األول‪ ،‬الذي‬
‫انتقل بمصر من النصف األول إلى النصف الثاني من القرن املاضي ‪،1854-1848‬‬
‫إذ لم تشهد مصر يف عهده من األحداث االقتصادية كثي ًر ا مما يستحق الذكر‪.‬‬
‫فض ً‬
‫ال عن كراهيته للحضارة األوربية واألوربيين جملة‪.‬‬

‫وبينما انتهت حياة عباس بجريمة قتل غامضة ال تعرف ىلع وجه اليقين‬
‫دوافعها‪ ،‬ترك سعيد ليموت ميتة طبيعية‪ ،‬وبينما تولى إسماعيل العرش بد الً‬
‫من أخيه الذي كان صاحب الحق يف العرش‪ ،‬ومات بدوره يف ظروف ال تقل‬
‫غموضًا عن ظروف مقتل عباس‪ ،‬استقبل األوربيون إسماعيل بالثناء واستمروا‬
‫يمجدونه طاملا ظل قادرًا ىلع االقتراض وتسديد ديونه‪ ،‬وانهالوا عليه بالنقد‬
‫والتجريح حتى نجحوا يف عزله بمجرد أن توقف عن الدفع‪.‬‬

‫يمض وقت طويل ىلع اعتالء سعيد العرش ‪ 1854‬حتى بدأ يتورط‬
‫ِ‬ ‫لم‬
‫يف الديون‪.‬‬

‫عندما مات سعيد يف ‪ 1863‬كان إجمالي حجم الدين املصري نحو ‪ 18‬مليون‬
‫جنيه‪ ،‬أو ما يعادل خمسة أمثال إيرادات الحكومة املصرية يف السنة السابقة‬
‫ىلع وفاته‪.‬‬

‫كان ُجل مشروعات سعيد يف التنمية ‪-‬إن لم تكن كلها‪ -‬بنصيحة األجانب‬
‫ولخدمتهم‪ ،‬من حفر قناة السويس التي أدى فتحها إلى فقدان مصر ملا كان‬
‫يعود عليها من عوائد من مرور التجارة يف وسط الدلتا‪ ،‬إلى مد الخط الحديدي‬

‫‪6‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫من القاهرة إلى السويس‪ ،‬الذي تم بإلحاح الحكومة اإلنجليزية؛ لتسهيل نقل‬
‫جنودها إلى الهند‪.‬‬

‫أهم بكثير من شخصية سعيد وكونه “متالفًا للنقود” حقيقة كالحقيقة‬


‫اآلتية‪:‬‬

‫وهــي أن الفائض السنــوي يف ميزان املدفوعــات زاد يف الخمس‬


‫سنوات التي سبقت تولي سعيد‪ ،‬ثم تضاعف إلى أكثر من ثالثة أمثال‬
‫خالل السنوات الخمس التالية‪.‬‬

‫هذه الزيادة الكبيــرة يف الفائض الباحث عن االستثمار بالخارج يؤيدها ما‬


‫بدأ يظهر من إعالنات يف الجرائد البريطانية إلغراء أصحاب األموال بفرص الربح‬
‫املجزية املتاحة أمام اإلقراض يف مصر؛ فنشرت إحدى الشركات البريطانية‬
‫إعالنًا يف بريطانيا مؤداه أن‪“ :‬ميدان العمليات املالية ليس له حدود”‪ ،‬وأن‬
‫“املزارعين والتجار يف مصر العليا والسودان يستطيعون أن يقترضوا بسعر ‪%4‬‬
‫و ‪ %5‬يف الشهر”‪.‬‬

‫كانت الفرصة التي تتيحها مصر لرأس املال األوروبي والتجار األوروبيين يف‬
‫عهد سعيد تتمثل يف انفتاح مصر ىلع العالم بعد زوال نظام االحتكار الذي‬
‫فرضه محمد علي‪ ،‬ونمو االقتصاد النقدي‪ ،‬وما أصبح متاحًا لهم من االتصال‬
‫مباشرة بالفالحين دون وساطة الوالي‪.‬‬

‫وسرعان ما بدأت البنوك األوروبية تفتح لها فروعًا يف مصر‪ ،‬خاصة يف‬
‫اإلسكندرية؛ لتمويل التجارة الخارجية ورهونات األراضــي‪ ،‬ولتقديم القروض‬
‫للوالي الجديد‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫كــان املرابون واألفاقون من الصيارفة والتجــــار قد بدأ يسيل لعــابهم‬


‫حتى قبل مقتل عباس األول‪ ،‬فإذا بهم بمجرد سماع خبر مقتله يتدفقون‬
‫ىلع مصر بأعداد هائلة‪ ،‬كما لو كانت مصر كاليفورنيا جديدة‪ ،‬فدخل مصر‬
‫فيما بين عامي ‪ 1857‬و ‪ 1861‬ما يقرب من ‪ 20‬ألف أجنبي سنويًا‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫الفصل الثالث‬

‫عصر إسماعيل ‪ :‬االستدانة يف‬

‫عصر الرخاء ‪1879-1863‬‬

‫كال األوربيون الثناء إلسماعيل طاملا كان قادرًا ىلع االستدانة والشراء‬
‫وتسديد القروض‪ ،‬ووصفوه بالحاكم العظيم بالغ االستنارة والنشاط حتى وهو‬
‫يطبق نظام السخرة لتنفيذ مشروعاته‪ ،‬أو وهو يعرض الفالحين للموت جوعًا‬
‫تحت وطأة ضرائبه‪ ،‬ىلع أنه ما إن فرغت جعبته وظهر عجزه عن سداد ديونه‬
‫وأبدى مقاومة ملا أرادوا فرضه من مشروعات‪ ،‬حتى بدأوا يوجهون إليه سهام‬
‫النقد والسباب‪.‬‬

‫تورط إسماعيل يف الديون يف ظل رخاء لم تكن مصر قد عرفت مثله‬


‫لعشرات من السنين‪ ،‬وهي ظروف هي أبعد ما تكون عن ظروف العوز والحاجة‬
‫إلى االستدانة‪.‬‬

‫كان إسماعيل قد ورث بالطبع تركة سعيد من الديون‪ ،‬كما ورث عنه أخطاء‬
‫أخرى‪ ،‬لكن لم يكن قط مما يستعصي ىلع الخزانة املصرية مواجهته‪ ،‬ولكن‬
‫إسماعيل زاد اإلنفاق بد الً من أن يضغطه‪ ،‬وإذا بنا نجد بعد ثالثة عشر عامًا من‬
‫حكم إسماعيل‪ ،‬أي يف ‪ ،1876‬وهي السنة التي خرجت إدارة املالية املصرية‬
‫عن سيطرته وأصبحت يف يد املراقبين املاليين من األجانب‪ ،‬أن ديون مصر‬
‫الخارجية (بما يف ذلك ديون الخديو الخاصة) قد بلغت نحو ‪ 91‬مليون جنيه‪،‬‬
‫يبلغ حجم خدمتها السنوية (أي حجم األقساط السنوية والفوائد) أكثر من ستة‬
‫ماليين جنيه‪ ،‬أو ما يمثل نحو ‪ %80‬من إجمالي إيرادات الدولة يف تلك السنة‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫أما بالنسبة للتنمية فكـان جل االهتمام منصبــًا ىلع مشروعات البنية‬


‫األساسية دون إحداث أي تغير يذكر يف هيكل االقتصاد املصري لصالح التصنيع‪،‬‬
‫ومع ذلك فمن الخطأ التقليل من شأن ما تم يف عصر إسماعيل من تنمية لهذه‬
‫البنية األساسية‪.‬‬

‫شهد عصر إسماعيل تغيرًا واضحًا يف أنماط االستهالك‪ ،‬وزيادة واضحة يف‬
‫االعتماد ىلع االستيراد لتلبية حاجات هذه األنماط االستهالكية الجديدة‪ .‬كانت‬
‫القوة املحركة لهذا التغير هي يف األساس تزايد عدد األجانب املقيمين يف‬
‫مصر‪ ،‬وتزايد عدد حديثي الثراء من املصريين الذين بدأوا يقطنون األحياء‬
‫األوروبية يف القاهرة واإلسكندرية‪ ،‬ويقلدون األجانب يف نمط معيشتهم‪.‬‬

‫لـــم تكن خطيئة إسماعيل األساسيـــة هي “التبديد” بقــدر ما كانت هي‬


‫محض اللجوء إلى االستدانة يف ظل الشروط القاسية التي كانت ُتقدم بها‬
‫القروض‪ ،‬ما حدث هو أن “العرض يخلق الطلب” أكثر مما يحدث العكس‪ ،‬أي أن‬
‫تورط املدين يف االستدانة قد ال يرجع إلى حاجته إلى االقتراض بقدر ما يرجع‬
‫إلى حاجة الدائن إلى اإلقراض‪ ..‬شدة حاجة أوروبا إلى اإلقراض‪.‬‬

‫كان هناك تزايد يف أهمية التجارة الخارجية بصفة عامة بالنسبة لالقتصاد‬
‫األوروبي منذ منتصف القرن‪ ،‬وتزايد يف أهمية منطقة الشرق األوسط يف هذه‬
‫التجارة‪ ،‬ومن ثم تزايد الحاجة إلى دفع مزيد من رؤوس األموال األوروبية لتمويل‬
‫هذه التجارة من ناحية‪ ،‬ولتمويل مشروعات البنية األساسية التي تخدمها‪ ،‬من‬
‫مد السكك الحديدية إلى توسيع املواني إلى إنشاء خطوط التلغراف‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫أما محاولة إسماعيل األخيرة الستعادة سيطرته‪ ،‬فقد كلفته عرشه؛ إذ تجرأ‬
‫إسماعيل ىلع عزل مجلس الوزراء الذي فرضه عليه األوروبيون‪ ،‬واستدعى شريف‬
‫باشا لتشكيل وزارة مصرية خالصة‪ ،‬وإذ حاول أن يطبق مشروعه الخاص لإلصالح‬

‫‪10‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫املالي وتجاهل املشروع الــذي أعدته لجنة التحقيق‪ ،‬أرسلت الحكومتان‬


‫البريطانية والفرنسية مذكرتين متطابقتين تحمالن الخديو مسئولية ما صنع‪،‬‬
‫وتعد محاولته “للتصرف يف شئون الدين املصري وفق تصوره الخاص من قبيل‬
‫االعتداء املباشر والصريح ىلع االتفاقات الدولية”‪.‬‬

‫وسرعان ما سعت الحكومتــان لدى الباب العالي لعزله‪ ،‬وهو ما تم بالفعل‬


‫بعد عشرة أسابيع ىلع قيام إسماعيل‬
‫ُ‬ ‫يف ‪ 26‬يونيو ‪ ،1879‬ولم يكن قد انقضت‬
‫بطرد الوزارة األوروبية‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫الفصل الرابع‬

‫عصر االحتالل‪ :‬االقتصاد املصري يف‬

‫خدمة الدائنين ‪1956-1882‬‬

‫َ‬
‫تركنا عصر إسماعيل ومصر ىلع أعتاب االحتالل‪ ،‬ودخلت مصر مع قدوم‬
‫االحتالل ‪ 1882‬عهدًا تختلف سماته االقتصادية اختالفًا بينًا عن عصر سعيد‬
‫وإسماعيل؛ فخالل العقود الثالثة األولى لالحتالل البريطاني ‪ 1914-1882‬كانت‬
‫املوج لخدمة الدائنين؛ إذ‬
‫َّ‬ ‫السمة األساسية لالقتصاد املصري هي النمو السريع‬
‫مصد رة لرأس املال بد الً من أن تكون مستوردة له‪ ،‬وأصبح‬
‫ِّ‬ ‫تحو لت مصر إلى دولة‬
‫ّ‬
‫من بين األهداف األساسية لإلدارة االقتصادية يف ظل االحتالل توليد الدخل‬
‫الكايف لخدمة الديون التي تورطت فيها مصر يف العقدين السابقين‪.‬‬

‫كانت أول حجة قدمتها الحكومة البريطانية لتبرير احتاللها ملصر هي‬
‫حماية حقوق الدائنين األوربيين‪.‬‬

‫كان الهدف الوحيد لإلدارة البريطانية يف السنوات التالية لـ‪ 1882‬هو زيادة‬
‫مساحة األراضي املروية ريًا دائمًا واملساحة املزروعة بالقطن‪ ،‬بدافع توليد‬
‫إيرادات كافية من النقد األجنبي لخدمة الدين الخارجي الضخم‪.‬‬

‫إن من الخطأ الظن بأن مصر لم تشهد خالل الثالثين عامًا األولى لالحتالل‬
‫البريطاني نموًا اقتصاديًا يستحق الذكر‪ ،‬فالعكس بالضبط هو الصحيح‪ ...‬ولكن‬
‫هذه الزيادة الكبيرة يف الدخل لم تقترن بأي تغير يذكر يف بنيان االقتصاد‬
‫املصري‪ ،‬أو بزيادة درجة التنوع والتوازن بين مختلف عناصر الدخل‪ ،‬ذلك أنه لم‬
‫يكن يتصور يف إدارة اقتصادية تستهدف بدرجة أساسية توليد مصادر للنقد‬

‫‪12‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫األجنبي تكفي لخدمة الديون‪ ،‬أن تعطي األولوية لإلنتاج املوجه للسوق‬
‫املحلي باملقارنة باإلنتاج للتصدير‪ ،‬أو أن تسمح “بتبديد” النقد األجنبي يف‬
‫تنمية صناعات جديدة ال تجلب موارد جديدة للدولة إال يف املدى الطويل‪.‬‬

‫مصر دفعت لخدمة ديونها خالل الثالثين عامًا األولى من االحتالل نحو ‪145‬‬
‫مليون جنيه‪ ،‬ومع ذلك كانت مدينة يف ‪ 1914‬بمبلغ ‪ 86‬مليونا!‬

‫أي أن مصــر دفعت ‪ 145‬مليون جنيه إلنقــاص مديونتها بمبلغ ‪ 30‬مليون‬


‫جنيه فقط! وذهب الباقي (‪ 115‬مليون) يف صورة فوائد!‬

‫استمرت مصر بعد نشوب الحرب العاملية األولى يف تحقيق فائض يف‬
‫ميزانها التجاري‪ ،‬بل زاد هذا الفائض بشدة بسبب االرتفاع الكبير يف أسعار‬
‫القطن وصعوبات االستيراد بسبب ظروف الحرب‪ .‬فإذا أضفنا إلى ذلك ما أنفقته‬
‫بريطانيا ىلع قواتها املرابطة يف مصر‪ ،‬نجد أن مصر استطاعت خالل سنوات‬
‫الحرب والسنوات التالية مباشرة لها أن تحقق فائضًا متراكمًا يف ميزان‬
‫مدفوعاتها يبلغ ‪ 139‬مليونا من الجنيهات‪ .‬ولكن استمرت خدمة الديون تستأثر‬
‫بنصيب األسد من استخدامات هذا الفائض‪.‬‬

‫وهكذا انخفضت مديونية مصر الخارجية يف العشرين سنة التالية للحرب‬


‫األولى ‪ 1934-1914‬من ‪ 86‬مليون جنيه إلى ‪ 39‬مليونا‪.‬‬

‫جاءت نقطة التحول األساسية التالية يف تطور ديون مصر الخارجية خالل‬
‫سنوات الحرب العاملية الثانية؛ إذ استطاعت مصر خاللها ليس فقط أن تسدد‬
‫بقية ديونها‪ ،‬بل وأن تتحول من دولة مدينة إلى دولة دائنة؛ ذلك أنه ىلع الرغم‬
‫من العجز يف امليزان التجاري املتولد خالل سنوات الحرب‪ ،‬بسبب انخفاض صادرات‬
‫فعو ض هذا العجز وزاد عليه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫القطن‪ ،‬جاء اإلنفاق العسكري لقوات الحلفاء يف مصر‬

‫‪13‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫الخارجية إلى دين‬ ‫وإذا بمصر تتمكن يف ‪ 1943‬من تحويل ما بقي من ديونها‬
‫محلي‪ ،‬الدائنون فيه هم املصريون أو أجانب مقيمون يف مصر‪.‬‬

‫كانت مصر عندما قامت بتسديد ما بقي من ديونها الخارجية ما زالت ترزح‬
‫تحت االحتالل‪ ،‬كما كانت بقيامها بذلك تسدي خدمة أخرى لسلطات االحتالل‪،‬‬
‫كما كانت بقيامها بذلك تسدي خدمة أخرى لسلطات االحتالل التي كانت قد‬
‫تحولت من دولة تبحث عن مجال الستثمار فوائض رأس مالها إلى دولة تحتاج‬
‫إلى استرداد مستحقاتها بل وإلى االقتراض‪.‬‬

‫فإذا بمصر تنهض بعبء املهمة الثانية كما نهضت باألولى‪ ،‬كانت بريطانيا‬
‫قد أنهكتها نفقات الحرب‪ ،‬وبلغت نفقاتها العسكرية يف مصر وحدها يف‬
‫سنوات الحرب ‪ 314‬مليون جنيه‪ ،‬أي نحو ثمانية أمثال إجمالي ديون مصر‬
‫الخارجية عند بداية الحرب‪ ،‬وكان مما يالئم سلطات االحتالل إذن أن تسرع مصر‬
‫بسداد ما بقي من ديونها التي كان لبريطانيا أكبر نصيب فيها‪ .‬ووقع عبء‬
‫هذه املهمة ىلع أمين عثمان وزير املالية يف ذلك الوقت‪ ،‬والذي اشتهر‬
‫بإخالصه لبريطانيا أكثر مما اشتهر بالوطنية‪ ،‬فقدم مذكرة إلى مجلس الوزراء‬
‫الد ين”ىلع أنه عمل من أعمال الكرامة‬
‫صو ر فيها “تمصير َّ‬
‫يف سبتمبر ‪ّ 1943‬‬
‫الوطنية‪.‬‬

‫وعندما عرض األمر ىلع مجلس النواب اشتم بعض األعضاء أن املقصود‬
‫بقانون التمصير خدمة املصالح البريطانية؛ ذلك أن القانون املقدم من الحكومة‬
‫يطرح السندات الجديدة ال ىلع املصريين فقط بل وىلع األجانب املقيمين‬
‫الد ين من أيدي األجانب‬
‫بمصر‪ ،‬ومن ثم فلن تنتج عملية التحويل إال انتقال َّ‬
‫املقيمين يف إنجلترا وفرنسا وغيرهما إلى أيدي أجانب مقيمين يف مصر‪ ،‬أو‬
‫أجانب أيضًا مقيمين يف الخارج يشترون بواسطة ممثلين يف مصر ما يريدونه‬
‫من سندات هذا القرض عندما يعرض ىلع االكتتاب العام‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫ووافق املجلس ىلع القانون‪ ،‬وعرضت القروض التي سميت بالقروض‬


‫الوطنية ىلع االكتتاب يف نوفمبر ‪ 1943‬وغطيت بكامل قيمتها‪.‬‬

‫وهكذا أسدلت سنوات الحرب العاملية الثانية الستار ىلع مرحلة طويلة‬
‫كئيبة من تاريخ املديونية املصرية‪ ،‬وأصبحت مصر دائنة لبريطانيا بمبلغ ‪340‬‬
‫مليونا من الجنيهات‪.‬‬

‫مرة أخــرى نالحظ أن تحـــول مصر من دولة مكتفية بمـواردها إلى دولة‬
‫مدينة‪ ،‬ثم من دولة مدينة إلى دولة دائنة‪ ،‬لم تحكمه حاجة مصر إلى االقتراض‬
‫أو قدرتها ىلع السداد بقدر ما حكمته تقلبات ظروف االقتصاد الدولي‪...‬‬
‫انكمشت حاجة االقتصاديات املتقدمة إلى ولوج أبواب االستثمار الخارجي‪،‬‬
‫فأوروبا كانت مشغولة باالستعداد أو باإلنفاق ىلع الحربين العامليتين‪ ،‬أو‬
‫بإعادة تعمير ما دمرته الحربان‪ ،‬أو بدفع التعويضات املفروضة ىلع من انهزم‬
‫يف الحرب العاملية األولــى‪ ،‬أو بالكساد العاملي الذي حل بها جميعًا يف‬
‫الثالثينات‪ .‬والواليات املتحدة كانت منشغلة باستغالل مواردها االقتصادية‬
‫الهائلة وسوقها الواسعة‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫الفصل الخامس‬

‫ديون عبد الناصر‪1967-1956 :‬‬

‫حتى نهاية ‪ 1958‬ظلت مصر غير مدينة للخارج بشيء‪ ...‬فمن ناحية كانت‬
‫ال تزال لدى مصر أرصدتها اإلسترلينية املستحقة ىلع بريطانيا‪ ،‬فض ً‬
‫ال عما كانت‬
‫قد تلقته مصر منها قبيل الثورة ولم تنفقه فأضافته إلى احتياطياتها‪ ،‬ومن‬
‫ناحية أخرى كانت جهود التنمية يف ذلك الوقت متواضعة للغاية؛ إذ كانت‬
‫حكومة الثورة ما زالت منشغلة بتثبيت أسس النظام الجديد وتقليم أظافر‬
‫القوى السياسية القديمة فض ً‬
‫ال عن تحقيق الجالء‪.‬‬

‫ىلع أن صورة ميزان املدفوعات املصري ومديونية مصر الخارجية تغيرت‬


‫تغيرًا شام ً‬
‫ال خالل السنوات السبع التالية ‪1959-1965‬؛ فهذه هي سنوات التنمية‬
‫بالغة الطموح‪ ،‬واالرتفاع امللحوظ يف معدالت االستثمار‪ ،‬ويف متوسط الدخل‪،‬‬
‫ىلع الرغم من الزيادة السريعة يف السكان‪ ،‬والتغير الواضح يف هيكل االقتصاد‬
‫ومعدل التصنيع‪.‬‬

‫لم يكن غريبًا أن يترتب ىلع كل هذا أن يزيد العبء امللقى ىلع ميزان‬
‫املدفوعات وأن تظهر الحاجة إلى االستدانة؛ بل الغريب أن يكون قد تم إنجاز‬
‫كل ذلك دون تدهور أكبر بكثير مما حدث بالفعل يف ميزان املدفوعات‪ ،‬ودون‬
‫تورط أكبر بكثير يف الديون‪.‬‬

‫كان ال يزال لدى مصر يف بداية هذه الفترة من األرصدة اإلسترلينية ما‬
‫تستطيع استخدامه يف مواجهة العجز؛ إذ كانت بريطانيا ال تزال مدينة ملصر‬
‫يف مطلع ‪ 1959‬بمبلغ ‪ 80‬مليون جنيه إسترليني‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫تماما‪ ،‬ولم يخلق ملصر‬


‫ً‬ ‫لجوء مصر إلى االقتراض يف ذلك الوقت كان مبررًا‬
‫من األعباء ما كان يصعب عليها النهوض به مع االستمرار يف التنمية‪ ،‬والذي‬
‫أوقف مسيرة التنمية منذ منتصف الستينات ما تعرضت له مصر من ضغوط‬
‫خارجية بدأت منذ ‪ 1965‬وبلغت قمتها مع حرب ‪ 67‬وما ترتب عليها من آثار‪.‬‬

‫أما من حيث شروط االقتراض فقد كانت يف جملتها من أفضل ما‬


‫حصلت عليه مصر من شروط يف تاريخ مديونتها التاريخية‪ ،‬إن لم تكن‬
‫أفضلها ىلع اإلطالق‪.‬‬

‫فمن ناحية القيود السياسية املرتبطة بالقروض‪ ،‬كانت هذه الفترة بما‬
‫اتسمت به من ظروف توازن القوى بين املعسكرين الرأسمالي واالشتراكي‪ ،‬هي‬
‫الفترة الذهبية بالنسبة ملصر والعالم الثالث عمومًا‪ ،‬من حيث القدرة ىلع‬
‫االقتراض من كال املعسكرين بأقل قدر من التضحية بحريتها يف التصرف‪ .‬أما‬
‫الشروط االقتصادية فكانت بالغة اليسر‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫الفصل السادس‬

‫نكسة االقتصاد املصري ‪1970-1967‬‬

‫كان إجـــمالي ما حصلت عليه مصر من مساعـــــدات غذائية من الواليات‬


‫املتحدة خالل الفترة ‪ 1965-1958‬نحو ‪ 200‬مليون جنيه مصري‪ ،‬فلما أوشك حلول‬
‫موعد تجديد اتفاقية املعونات الغذائية‪ ،‬أبلغ السفير األمريكي يف القاهرة‬
‫الحكومة املصرية بأن حكومته “ليست ىلع استعداد يف الوقت الحاضر للدخول‬
‫يف أي نقاش حول تجديد االتفاقية ألنها غير راضية عن سياسة الحكومة‬
‫املصرية”‪.‬‬

‫اقترن ذلك بانخفاض مذهل يف املعونات التي كانت مصر تتلقاها من‬
‫الدول الغربية واملؤسسات الدولية‪.‬‬

‫أضف إلى ذلك مــا ترتب ىلع هزيمة ‪ 1967‬مـن انخفاض شديد يف موارد‬
‫مصر الذاتية من العمالت األجنبية‪ ،‬وترتب ىلع الحرب فقد مصر آلبار البترول‬
‫يف سيناء‪ ،‬وتخريب معامل تكرير البترول يف السويس‪ ،‬وإغالق قناة السويس‪،‬‬
‫فض ً‬
‫ال عن اإلنفاق الذي فرضه تهجير نحو مليون شخص من سكان مدن قناة‬
‫السويس‪ ،‬واالنخفاض الكبير يف إيرادات السياحة‪ .‬أضف إلى ذلك ما كان ىلع‬
‫مصر دفعه لخدمة الديون‪.‬‬

‫الدول واملؤسسات الغربية ما كانت لتعود إلى سابق عهدها يف مد مصر‬


‫بالقروض واملعونات ما لم تقبل مصر صلحًا غير مشرف مع إسرائيل‪ ،‬والتخلي‬
‫عن سياسة حماية الصناعة املصرية وتقييد الواردات‪.‬‬

‫يبد من االتحــاد السوفييتي ودول الكتـــلة الشرقية االستعداد‬


‫ولم ُ‬
‫‪18‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫لتقديم معونات كافية لتحقيق الغرضين معًا وتعويض مصر عما فقدته‬
‫من املعونات الغربية‪.‬‬

‫كان املصدر األساسي للمعونات املقدمة إلى مصر يف السنوات التالية‬


‫للحرب هو البالد العربية‪ ،‬بما يساوي تقريبًا املتوسط السنوي ملعونات الكتلتين‬
‫الغربية والشرقية معًا يف سنوات ما قبل ‪.1967‬‬

‫لم يكن من بين الحلول التي لجأ إليها عبد الناصر إغراق مصر يف ديون ال‬
‫تستطيع الوفاء بها‪ ،‬كان سد العجز يتم يف األساس باملنح التي ال تولد أية‬
‫أعباء مالية‪ ،‬أو بالقروض من الكتلة الشرقية ذات الشروط بالغة اليسر‪ .‬ولم يلجأ‬
‫إلى االقتراض باهظ التكلفة إال يف حدود ال تتجاوز ‪ %27‬من إجمالي العجز يف‬
‫العمالت األجنبية‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫الفصل السابع‬

‫ديون السادات يف السنوات العجاف ‪1975-1970‬‬

‫خالل األعوام األحد عشر التي تولــــى فيها أنور السادات حكم مصر ‪1970-‬‬
‫‪ ،1981‬زادت ديون مصر الخارجية زيادة مذهلة‪.‬‬

‫زاد إجــمالي مديونية مصر الخـــارجية بمختلف أنواعها مـن نحو ‪ 5‬باليين‬
‫دوالر يف ‪ 1970‬إلى نحو ‪ 30‬بليونا يف ‪ ،1981‬أي أنها تضاعفت خالل حكم السادات‬
‫نحو ست مرات‪.‬‬

‫إن زيادة تورط مصر يف الديون خالل السنوات الخمس األولى من حكم‬
‫السادات ترجع إلى الفشل يف ضبط الواردات يف السنوات الخمس األولى من‬
‫حكم السادات‪ ،‬ولكن هذا بدوره يثير التساؤل عما إذا كانت هذه الزيادة السريعة‬
‫يف الواردات تعود إلى خطأ يف اإلدارة االقتصادية أم إلى ظروف خارجية ال‬
‫سلطان ملصر عليها؟‬

‫والواقــع أن املسئولية تقع عــلى العام َلين ً‬


‫معا‪ ،‬ولكـــن األرقام املتوفرة ال‬
‫تدع مجا الً للشك يف أن جــز ًء ا كبيرًا من املسئولية يقع ىلع أخطاء اإلدارة‬
‫االقتصادية‪.‬‬

‫تكمن مسئولية السبعينات األساسية عن التورط يف الديون خالل‬


‫ُ‬ ‫إنما‬
‫الفترة ‪ 1975-1970‬يف أمرين‪:‬‬

‫األول‪ :‬إطالق حرية االستيراد يف كثير من السلع الضرورية وغير الضرورية‪،‬‬


‫وىلع األخص يف أعقاب حرب ‪ ،1973‬ىلع نحو لم تكن تسمح به ضآلة موارد‬
‫‪20‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫مصر من العمالت األجنبية واملعدل املنخفض نسبيًا للزيادة يف الصادرات‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬االلتجاء املفــرط إلى تمويل جزء كبير من العجـــز يف ميزان‬


‫املعامالت الجارية باالقتراض قصير األجل وباهظ التكلفة‪.‬‬

‫السنوات الخمس األولـــى من السبعينات لم يجن فيها االقتصاد املصري‬


‫كثيرًا من الثمار‪ ،‬يف مقابل زيادة التورط يف املديونية‪ ،‬سواء من حيث رفع‬
‫معدل النمو‪ ،‬أو تغيير هيكل االقتصاد‪.‬‬

‫أما األخطاء التي ارتكبت خالل النصف الثاني من حكم السادات فكانت‬
‫أخطر شأنًا بكثير وأبهظ ثمنًا‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫الفصل الثامن‬

‫ديون السادات يف سنوات الرخاء ‪1981-1975‬‬

‫يف ‪ 1975‬فــوجئ السادات ‪-‬أو هكــذا قال‪ -‬بالوضع االقتصادي الخطير الذي‬
‫تمثل يف عجزه عن الوفاء بمبالغ من القروض قصيرة األجل‪ .‬واستخدم السادات‬
‫حينئذ يف وصف حالة االقتصاد املصري أنه “بلغ درجة الصفر‪ ،‬وتعلل بأعذار غريبة‬
‫منها أن أحدًا لم يخبره من قبل بخطورة األمر‪ ،‬ومنها أن األرقام التي ُعرضت عليه‬
‫كان يظن أنها بالدوالرات ثم تبين له فيما بعد أنها بالجنيهات اإلسترلينية‪.‬‬

‫أيضا يف أعقاب ‪ 1973‬توفرت للمصارف األوروبية واألمريكية كميات طائلة‬


‫من األموال السائلة‪ ،‬نتيجة ملا ُسمي بإعادة تدوير النفط يف أعقاب ارتفاع‬
‫سعره‪ ،‬وكانت هذه املصارف تبحث بدورها عن مجاالت لتوظيف هذه األموال‬
‫خارج بالدها‪.‬‬

‫نحن نعرف أيضًا أن مجموع ديون مصر قصيرة األجل يف ‪ 1970‬لم يكن تجاوز‬
‫‪ 148‬مليون دوالر‪ ،‬فتضاعف نحو ثماني مرات يف خمس سنوات ليصل إلى ‪1168‬‬
‫مليون دوالر يف ‪.1975‬‬

‫فإذا تذكرنا أيضًا أنه بمجرد انتهاء حرب أكتوبر زينت للسادات مشروعات‬
‫إعادة تعمير مدن القناة‪ ،‬وهي ما لم تكن تسمح بالتوسع فيه أحوال مصر‬
‫االقتصادية يف ذلك الوقت؛ لضآلة مواردها من الصادرات‪ ،‬وأن اعتراضات بعض‬
‫املسئولين االقتصاديين ىلع هذا التوسع يف اإلنفاق ىلع مشروعات التعمير‪،‬‬
‫خاصة إذا كان يضطر مصر إلى التورط بشدة يف القروض التجارية قصيرة األجل‪،‬‬
‫هذه االعتراضات التي قوبلت وقتها بالقول بأن األمر يتعلق بـ”سياسات عليا”ال‬
‫يسمح بمناقشتها‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫إذا تذكرنا كل هذا أصبح من الصعب أال يثور بقوة احتمال أن يكون التورط‬
‫يف هذا النوع من الديون يف عهد السادات‪ ،‬قد جاء استجابة لنفس النوع من‬
‫الضغوط واإلغراءات التي تعرض لها الخديو إسماعيل من قبل‪.‬‬

‫شهدت تلك السنة ‪ 1975‬والتي تلتها‪ ،‬جوالت متعاقبة للسادات ولرئيس‬


‫الوزراء ووزراء املالية واالقتصاد املصريين يف دول الخليج يرجون فيه زيادة‬
‫حجم املعونات‪ ،‬وكان رد حكومات النفط أن “هذا الذي نقدمه هو أقصى ما‬
‫نستطيعه‪ ،‬وأنه حتى لو كان باستطاعتنا تقديم أكثر من ذلك فإنه ليس لدينا‬
‫ما يضمن أن مصر سوف تحسن استخدامه”‪.‬‬

‫هكذا نجد أنه يف ظل اشتداد الضائقة االقتصادية ىلع مصر يف ‪،1976‬‬


‫انخفضت املعونات التي قدمتها دول النفط العربية ملصر انخفاضًا ملحوظًا‪.‬‬

‫بعد إيماءة‬
‫ُ‬ ‫لم يكن األمر إال أن حكومات دول النفط لم تكن قد تلقت‬
‫باملوافقة من الواليات املتحدة وهيئات املعونة الدولية بزيادة حجم معوناتها‬
‫ملصر‪ ،‬ولم يكن هذا ليتم إال إذا أظهرت مصر استعدادها نهائيًا لقبول توصيات‬
‫النقد الدولي‪ ،‬والتخاذ خطوة حاسمة يف اتجاه عقد اتفاقية سالم مع إسرائيل‪.‬‬

‫كانت مصـــر بنهاية ‪ 1976‬قد ذهبت بالفعـــل شوطًا بعيدًا نحو كل من‬
‫املطلبين‪ ،‬وملن يبدو أن ما تم حتى هذا الوقت لم يكن كافيًا‪ .‬كانت مصر قد‬
‫أصدرت بالفعل قوانين تشجع رأس املال األجنبي ىلع االستثمار يف مصر‪،‬‬
‫وخفضت بشدة من القيود ىلع االستيراد‪ ،‬وسمحت للبنوك األجنبية بفتح فروع‬
‫لها يف مصر‪ ،‬وأقامت مناطق اقتصادية حرة‪ ،‬وضيقت الفجوة بين قيمة الجنيه‬
‫املصري الرسمية وقيمته السوقية‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫ومــع ذلك كانت ما تزال هنــاك سياسة الحماية املفـــروضة لشركات‬


‫‪23‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫القطاع العام‪ ،‬وما تقدمه الحكومة من دعم لهذه الشركات لتخفيض أسعار‬
‫السلع االستهالكية‪ ،‬وهو ما كانت الحكومة املصرية تبدي إحجامًا واضحًا‬
‫عن التخلي عنه‪.‬‬

‫كــذلك فيما يتعلق بقضية إسرائيل‪ ،‬كـــانت مصر بنهاية ‪ 1976‬قد قطعت‬
‫شوطًا بعيدًا يف الرضوخ للمطالب اإلسرائيلية‪ ،‬ولكن كانت الحكومة املصرية ال‬
‫تزال تصر ىلع رفض عقد صلح منفرد مع إسرائيل ال تشترك فيه سوريا واألردن‬
‫و يستبعد ا لفلسطينيين ‪.‬‬

‫ولكن بعــد أقل من سنة كانت الصورة قــد اختلفت تمامًا‪ ،‬ففي صباح أحد‬
‫أيام نوفمبر ‪ ،1977‬استيقظ الناس ىلع خبر زيارة رئيس الجمهورية املصرية‬
‫للقدس‪ ،‬ورأوا يف نفس اليوم ىلع شاشة التليفزيون رئيس جمهوريتهم وهو‬
‫يستعرض حرس الشرف اإلسرائيلي ويضع أكليل الزهور ىلع قبر الجندي‬
‫اإلسرائيلي املجهول‪.‬‬

‫كانت الحكومة السعودية يف مطلع نفس العام قد أعلنت بعد إحجام عن‬
‫قبولها أن تسهم بنسبة ‪ %40‬يف رأس مال “هيئة الخليج لتنمية مصر” البالغ‬
‫قدره ‪ 2‬بليون دوالر‪ ،‬وذلك يف أعقاب إعالن مصر قبولها ملشروع صندوق النقد‬
‫الدولي “لترشيد” السياسة االقتصادية‪.‬‬

‫ربما يكون قبول رئيس الجمهورية زيارة القدس واحدًا من الشروط املفروضة‬
‫عليه من أجل التدخل إلنقاذه‪ .‬قبل السادات زيارة القدس يف ‪ 1977‬فاستحق‬
‫بذلك رضا األمريكيين والدول الغربية وهيئات املعونة الغربية والدولية‪.‬‬
‫وإذا باالقتصاد املصري يبدأ فترة جديدة من االنتعاش الواضح استمرت حتى‬
‫نهاية عصر السادات‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫كانت هـــذه الظروف املواتية هي بال شك أنسب ظروف ليس فقط لوضع‬
‫حد لتزايد املديونية الخارجية بل وإلحداث تخفيض كبير فيها‪ ،‬ولكن الذي‬
‫حدث هو العكس بالضبط‪ ،‬فإذا مصر تلجأ يف فترة رخاء لم تشهد مثلها طوال‬
‫سبعين عامًا ىلع األقل إلى مزيد من االستدانة ‪.‬‬

‫لم تقترن تلك الزيادة املذهلة يف املديونية‪ ،‬خالل عهد السادات‪ ،‬بأي‬
‫تصحيح لهيكل االقتصاد املصري‪ ،‬بل صاحبتها زيادة كبيرة يف درجة االختالل‪،‬‬
‫سواء يف اإلنتاج أو هيكل العمالة‪.‬‬

‫ولم يقترن توقيع اتفاقية السالم يف ‪ 1979‬بتخفيض اإلنفاق العسكري‪ ،‬بل‬


‫ىلع العكس زاد هذا اإلنفاق العسكري بشدة يف أعقابها‪ ،‬وزاد االلتجاء يف‬
‫تمويله إلى القروض الخارجية ً‬
‫أيضا‪ ،‬التي أسهمت فيها الواليات املتحدة بأكبر‬
‫نصيب‪ ،‬وبأسعار الفائدة التجارية التي كانت بالغة االرتفاع يف ذلك الوقت‪.‬‬

‫استخدم جزء كبيـــر من القروض يف تمويل مشروعـــات ال تضيف إضافة‬


‫ملحوظة إلى اإلنتاج‪ ،‬بما يف ذلك شراء السالح‪ ،‬األمر الذي البد أن يثير التساؤل‬
‫مرة أخرى عن نوع النصائح (أو الضغوط) التي كان يتعرض لها الحاكم يف‬
‫الحالين‪ ،‬وعن املصالح الخارجية والداخلية التي كانت تجد مصلحتها يف‬
‫تشجيع االتجاه نحو االستدانة‪ ،‬إما تسهي ً‬
‫ال لفرض اإلرادة يف املستقبل‪ ،‬أو‬
‫تصريفًا ملنتجات ال تجد من يشتريها‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫الفصل التاسع‬

‫ديون حسني مبارك ‪1986-1981‬‬

‫كان إجمالي ديون مصـــر إذن عند وفاة السادات نحو ثالثين بليونًا‬
‫من الدوالرات‪.‬‬

‫اقترنت نهاية عصر السادات بظروف جديدة بدا فيها أن فترة الرخاء القائم‬
‫ىلع تدفق إيرادات البترول‪ ،‬وتزايد تحويالت العاملين بالخارج‪ ،‬وإيرادات قناة‬
‫السويس والسياحة‪ ..‬قد ولت‪ .‬بينما ظل معدل تدفق االستثمارات األجنبية‬
‫الخاصة ثابتًا تقريبًا عند زهاء بليون دوالر سنويًا‪.‬‬

‫يف نفس الوقت كان ىلع مصر بالطبع أن تستمر يف دفع فواتير متزايدة‬
‫ىلع ديونها السابقة‪ ،‬حيث ارتفعت قيمة الفوائد السنوية مستحقة الدفع من‬
‫‪ 1.4‬بليون دوالر يف ‪ 1982/81‬إلى ‪ 1.7‬بليونًا يف ‪.1986/85‬‬

‫كان قد ولى أيضًا عهد الهبات واملنح املقدمة من الدول العربية‪ ،‬التي‬
‫توقفت بتوقيع مصر السالم مع إسرائيل يف ‪.1979‬‬

‫تبنت اإلدارة االقتصادية االختيار األكثر سهولة يف املدى القصير‪ ،‬واملؤذن‬


‫بمتاعب ال حد لها يف املدى الطويل‪ ،‬والذي يعد يف سماته األساسية استمرارًا‬
‫للسياسة االقتصادية السابقة ىلع ‪ ،1981‬وهو تبني معدل مرتفع لالستثمارات‪،‬‬
‫خاصة يف املرافق العامة‪ ،‬وعدم إخضاع الواردات أو اإلنفاق العسكري لدرجة‬
‫عالية من التقييد‪ ،‬مع االستمرار ىلع القروض الخارجية يف تمويل العجز بين‬
‫املوارد واإلنفاق‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫وإذا باالقتصــاد املصري يف منتصف ‪ ،1986‬ينـــوء بعبء من املديونية‬


‫الخارجية أثقل بكثير مما تركه السادات‪ ،‬زاد الدين من نحو ‪ 30‬بليون دوالر يف‬
‫منتصف ‪ 1981‬إلى نحو ‪ 45‬بليون دوالر يف منتصف ‪ ،1986‬أي بزيادة قدرها ‪%50‬‬
‫يف خمس سنوات‪.‬‬

‫يمكن اعتراضنا األساسي ىلع السياسة االقتصادية لهذه الفترة يف أمرين‪:‬‬

‫األول‪ :‬التورط يف االقتراض لتمويل مشروعات املرافق العامة يف ظل‬


‫إهمال واضح للقطاعات السلعية التي يمكنها وحدها أن تولد القدرة ىلع‬
‫خدمة هذه القروض يف املستقبل‪ ،‬كان يعكس استمرارا لنفس سياسة‬
‫السبعينات التي تقوم ىلع تبني أسهل الحلول يف املدى القصير مع تجاهل‬
‫أثرها املدمر ىلع االقتصاد يف املدى الطويل‪.‬‬

‫كانت هذه السياسة تعكس توجهًا آخر أكثر عمقًا للسياسة االقتصادية يف‬
‫الثمانينات والسبعينات معًا‪ ،‬ويتعلق بموقفها من دور كل من القطاع العام‬
‫والقطاع الخاص؛ فقد قامت فلسفة االنفتاح االقتصادي منذ تدشينها يف ‪،1974‬‬
‫ومازالت مستمرة دون انقطاع حتى اليوم‪ ،‬ىلع تقليص مسئولية القطاع العام‬
‫وتركيز توسعاته ىلع مشروعات املرافق العامة‪ ،‬ىلع افتراض أن يقوم القطاع‬
‫الخاص بنصيب متزايد من استثمارات الزراعة والصناعة‪.‬‬

‫هذه النظرة إلى توزيع مسئوليات التنمية ما كانت لتحدث بالضرورة ضررًا‬
‫ملعدالت التنمية يف املدى الطويل‪ ،‬لو كان القطاع الخاص قد قام فع ً‬
‫ال بالدور‬
‫املنوط به يف تنمية القطاعات السلعية‪ .‬ولكن هذا لم يحدث خالل السبعينات‪،‬‬
‫وتفاقم االختالل لصالح قطاعات الخدمات‪ ،‬وىلع حساب الزراعة والصناعة‪.‬‬

‫إن القول بأن جزءًا ال يستهان به مما اقترضته مصر خالل السبعينات‬

‫‪27‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫والثمانينات كان بضغط وإغراء املقرضين وتحقيقًا ملصلحتهم‪ ،‬ال هو من قبيل‬


‫التخيل وال هو يصف ظاهرة جديدة لم تعهدها مصر من قبل‪.‬‬

‫وتحــدث وزير التخطيط أوائــل الثمانينات عما تعرضت لــه مصر يف‬
‫السبعينات من “إغراء وتوجيه لالستدانة” من جانب الدول الصناعية بسبب‬
‫“زيادة الفائض املالي لديها”‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫الفصل العاشر‬

‫يوم الحساب ‪1986‬‬

‫يف ‪ 1986‬تعرض االقتصاد املصري لصدمة عنيفة أظهرت بجالء جوانب‬


‫الضعف يف بنيان مصر االقتصادي برمته‪ ،‬هذه الصدمة كانت بالطبع هي‬
‫االنخفاض الحاد يف أسعار البترول‪ .‬أما املصدران الهامان اآلخران للنقد األجنبي‬
‫وهما قناة السويس والسياحة‪ ،‬فقد أصابهما الضعف بدورهما‪ ،‬األول بسبب‬
‫كساد سوق البترول‪ ،‬والثانية بسبب ما اقترنت به ‪ 1986‬والسنة السابقة عليها‬
‫من أحداث سياسية عنيفة‪.‬‬

‫زاد الطين بلة أن سنة ‪ 1986/1985‬اقترنت أيضًا بحلول موعد سداد بعض‬
‫األقساط لديون سابقة‪.‬‬

‫تجنب الخطأ يف اتخاذ القرارات االقتصادية ال يتطلب فقط حدًا أدنى من‬
‫املعرفة والحكمة‪ ،‬وإنما يتطلب أيضًا حدا أدنى من حرية اإلرادة وإصرارًا ىلع‬
‫استخدام القدر املتاح منها‪ ،‬وقد كانت مصر دائمًا‪ ،‬وبدرجة أكبر من دول كثيرة‬
‫أخرى‪ ،‬معرضة لفقدان هذه الحرية‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫الفصل الحادي عشر‬

‫عقدان من االنكماش االقتصادي ‪2004-1986‬‬

‫كان مــن املحتم أن تزيد ديون مصر الخارجية بعد ‪ 1986‬بسرعة أكبر‬
‫مما كانت تزيد به يف السنوات الخمس السابقة‪.‬كان وضع املديونية قاتمًا‬
‫إلى حد كبير عشية تفجر أزمة الخليج يف أغسطس ‪ ،1990‬يف ذلك الوقت‬
‫كان إجمالي الديون الخارجية قد بلغ ‪ 47.6‬بليون دوالر‪ ،‬أي أكثر من ‪%150‬‬
‫من الناتج املحلي اإلجمالي‪ ،‬مما جعل عبء الدين الخارجي ملصر من أىلع‬
‫أعباء الديون يف العالم‪.‬‬

‫يف ‪ 1990‬كان الوقت املناسب لوفاء مصر بديون لم يكن لديها أي موارد‬
‫لتسديدها‪ ،‬وذلك بالوقوف إلى جانب الواليات املتحدة ضد صدام حسين‪ ،‬إلى‬
‫حد إرسال قوات مصرية لالشتراك يف الحرب إلى جانب القوات األمريكية‪.‬‬

‫ومن الطريف أن نالحظ أنه خالل الستة أشهر التالية لبدء أزمة الخليج‪،‬‬
‫حصلت مصر ىلع تعهدات بمساعدات مالية بلغت ‪ 4726‬مليون دوالر من بعض‬
‫الدول العربية‪ ،‬أهمها اململكة السعودية والكويت ودولة اإلمارات‪ ،‬وهي نفس‬
‫الدول التي كانت خاصمت مصر وأدارت ظهرها لها منذ عشر سنوات بسبب‬
‫توقيعها اتفاقية السالم مع إسرائيل‪.‬‬

‫ولكن األهم من ذلك ما حصلت عليه مصر من إعفاءات كبيرة من ديونها‪،‬‬


‫أعفيت مصر أو الً من جانب الواليات املتحدة ودول الخليج من ديون قدرها ‪13.7‬‬
‫بليون دوالر‪.‬‬

‫املكو نة لنادي‬
‫ّ‬ ‫ثم دعيت مصر إلى عقد اتفاقية يف مايو ‪ 1991‬مع الدول‬

‫‪30‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫باريس‪ ،‬أسفر عن إعفاء مصر من ‪ %50‬من ديون أخرى ىلع مراحل‪ ،‬مع االشتراط‬
‫أن يكون حصول مصر ىلع اإلعفاء يف املرحلتين األخيرتين ‪ 1994/1992‬متوقفًا‬
‫ىلع تنفيذ مصر لتوصيات النقد الدولي والبنك الدولي‪.‬‬

‫ترتب عــلى هذا أن انخفضت ديون مصـر من ‪ 47.6‬بليون دوالر يف يونيو‬


‫‪ 1990‬إلى ‪ 34‬بليونا من فبراير ‪ 1991‬ثم إلى ‪ 24‬بليون دوالر يف منتصف ‪ ،1994‬أي‬
‫نصف ما كانت عليه يف منتصف ‪.1990‬‬

‫مما يلفت النظر إلى ما حدث لديون مصر الخارجية من ثبات نسبي يف‬
‫السنوات العشر التالية ‪ ،2004-1994‬فكيف نفسر هذا؟‬

‫من املمكن أو الً أن نقول إنه ال يمكن ألي دولة أن تستمر يف االقتراض‬
‫والتورط يف الديون إلى ما ال نهاية؛ إذ البد أن يأتي الوقت الذي يظهر فيه عجز‬
‫الدولة عن خدمة ديونها ويبدأ الدائنون يف القلق ىلع أموالهم؛ فتدخل‬
‫الدولة يف فترة جديدة تتسم بتسديد الديون السابقة أكثر مما تتسم بعقد‬
‫قروض جديدة‪.‬‬

‫بعبارة أخـــرى‪ ،‬البد أن تدخل الدولــــة املقترضة يف دورة من ازدياد‬


‫املديونية ثم انحسارها‪ ،‬تزداد ديونها ليس عندما تشتد بها الضائقة االقتصادية؛‬
‫بل ىلع العكس عندما تتدفق عليها األموال فتزداد ثقة الدائنين بقدرتها‬
‫ىلع السداد‪ ،‬ثم تتوقف عن االقتراض ويطالبها الدائنون بسداد الديون السابقة‬
‫عندما يفقدون الثقة يف مستقبلها االقتصادي‪.‬‬

‫بعد ربع قرن من تولي مبارك لم تعد الديون الخارجية مشكلة ملحة مثلما‬
‫كانت يف بداية عهده؛ فحجم الدين الخارجي يف سنة ‪ 2004‬لم يكن يمثل أكثر‬
‫من ‪ %31‬من الناتج املحلي اإلجمالي باملقارنة ب ‪ %141‬يف بداية عهده‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫يبدو إذن أن “الهم” الذي يجلبه الدين بالنهار قد زال أو كاد أن يزول‪ ،‬ولكن‬
‫ً‬
‫ذليل‬ ‫تابعا‬
‫ً‬ ‫املدهش أن “الذل بالنهار” أصبح أشد مما كان؛ فقد استمرت مصر‬
‫للواليات املتحدة تفعل ما تؤمر به وتمتنع عما ُتنهى عنه‪.‬‬

‫من املمكـــن تفسير استمرار الخضـــوع ىلع هذا النحو بعدة أمور؛‬
‫فالديون وإن كانت وسيلة فعالة إلخضاعك‪ ،‬فإنها ليست الوحيدة؛ فهناك‬
‫مث ً‬
‫ال الخوف من الفضيحة‪ ،‬إذا كان ممارس القهر يعرف لك زلة تخاف أن‬
‫تعلن ىلع املأل‪ ،‬وهناك اعتمادك ىلع سالح يملكه الغير وال تستطيع‬
‫حماية نفسك بغيره‪ .‬ولكن هناك فوق كل شيء مجرد “اإلدمان”؛ فإذا كنت‬
‫قد اعتدت نمطًا من الحياة بسبب ديونك السابقة‪ ،‬وأصبح من الصعب‬
‫عليك أن تتخلى عنه‪ ،‬فإنه من السهل إمالء اإلرادة عليك من جانب من‬
‫ّ‬
‫يمكنك من ممارسة هذا النمط من الحياة‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫الفصل الثاني عشر‬

‫االستثمارات األجنبية واألزمة العاملية ‪2009-2004‬‬

‫ارتفع فجأة حجم االستثمــــارات األجنبية يف مصــر ابتداء من ‪ ،2005‬بعد‬


‫حدوث تغير مهم ومفاجئ يف الحكومة املصرية؛ فقد تسلم رئاسة الحكومة‬
‫يمض وقت طويل‬
‫ِ‬ ‫د‪ .‬أحمد نظيف‪ ،‬دون أن يقدم أحد تفسيرًا لهذا التغيير‪ ..‬ولم‬
‫ً‬
‫سلفا‬ ‫حتى اتضح أن الحكومة الجديدة قد جاءت لتنفيذ جدول أعمال معد‬
‫يتفق تمامًا مع فلسفة “الليبراليين الجدد” يف الواليات املتحدة‪ ،‬ويف نفس‬
‫الوقت السير بسرعة أكبر يف تحقيق مصالح خارجية طال التباطؤ يف تنفيذها‪.‬‬

‫يف ديسمبـــر ‪ 2004‬ظهر أن مصر قد خارت قواهـــا إلى حد أنها أصبحت‬


‫مستعدة التخاذ هذه الخطوة الخطيرة‪ ،‬وهي التوقيع ىلع اتفاقية الكويز مع‬
‫إسرائيل والواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬التي تسمح لبعض الصناعات املصرية‬
‫(التي توصف “باملؤهلة”) بدخول السوق األمريكي دون ضريبة جمركية‪ ،‬بشرط‬
‫أن تحتوي منتجاتها ىلع جزء من إنتاج إسرائيلي‪ .‬وهكذا وضعت الصناعات‬
‫املصرية تحت رحمة إسرائيل‪ ،‬التي يمكن لها اآلن تقرير أي الصناعات سوف‬
‫تنمو وتزدهر وأيها سوف يتقلص ويندثر‪.‬‬

‫يف سنة ‪ ،2005‬قفزت االستثمارات األجنبية الخاصة يف مصر إلى ضعف ما‬
‫كانت عليه يف العام السابق‪ ،‬ثم تضاعفت مرة أخرى يف السنتين التاليتين‬
‫وإذا بالحكومة املصرية تعلن فجأة أن الحقبة املظلمة قد انتهت‪ ،‬وأن عهد‬
‫التنمية السريعة واملستمرة قد بدأ‪ ،‬وأن السبب بالطبع هو الحكمة التي تتسم‬
‫بها الحكومة الجديدة بعكس كل الحكومات السابقة‪.‬‬

‫أصبح مــــن الواضح بعد شهور قليلة مـــن مجيء الحكومة الجديدة أنها‬

‫‪33‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫تتبنى يف شئون االقتصاد املبادئ األربعة التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬املشكلة االقتصادية األساسية يف مصر هي انخفاض معدل نمو‬


‫الناتج القومي‪.‬‬

‫‪ -2‬أفضل وسيلة لالرتفاع بهذا املعدل هي تشجيع االستثمارات األجنبية‬


‫الخاصة ىلع املجيء إلى مصر‪.‬‬

‫‪ -3‬الخصخصة سيـــاسة ضرورية للنهوض باالقتصـــاد املصري‪ ،‬أي تحويل‬


‫امللكية العامة للمشروعات القائمة إلى‬
‫ملكية خاصة‪.‬‬

‫‪ -4‬السبب األساسي لسوء االقتصاد املصري خالل الخمسين عامًا املاضية‬


‫هو تدخل الحكومة أكثر من الالزم يف االقتصاد‪.‬‬

‫كـــان الزهو بارتفاع معــــدل النمو‪ ،‬وارتفاع حجـــم االستثمارات األجنبية‪،‬‬


‫واإلسراع بعملية الخصخصة‪ ،‬هو االتجاه السائد يف حديث املسؤولين عن حالة‬
‫االقتصاد املصري‪.‬‬

‫الشيء الوحيد الــذي لم تفاخر به الحكومة املصرية بل حاولت أن‬


‫تنفذه يف صمت‪ ،‬هو تقليص ما تقدمه الحكومة من دعم للفقراء يف‬
‫صورة تخفيض أسعار بعض السلع الغذائية والبترول وأسعار بعض الخدمات‬
‫األساسية كالتعليم والصحة‪ .‬كان مبدأ الحكومة هنا هو املبدأ الذي يعتنقه‬
‫صندوق النقد والبنك الدوليين‪.‬‬

‫كان البد أن نتوقع أن تؤدي األزمة العاملية عام ‪ 2008‬إلى انخفاض يف‬

‫‪34‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫حجم االستثمارات األجنبية الخاصة الواردة إلى مصر‪ ،‬وانخفاض يف قيمة وحجم‬
‫الصادرات السلعية‪ ،‬بما يف ذلك البترولية‪ ،‬والصادرات غير السلعية‪ ،‬بما يف‬
‫ذلك إيرادات السياحة وقناة السويس‪ ،‬ويف حجم تحويالت املصريين اآلتية من‬
‫الخارج‪ ،‬وكان هذا بالفعل ما حدث يف نهاية السنة املالية ‪.2009/2008‬‬

‫كان البد لألزمة العاملية أن تنبه من جديد إلى خطورة االعتماد املبالغ‬
‫فيه ىلع “االندماج يف االقتصاد العاملي”‪ ،‬وإلى أن االنفتاح ىلع العالم وإن‬
‫كان مطلوبًا إال أنه البد أن يكون له حدود‪ ،‬والبد أن يخضع لقيود واستثناءات‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫الفصل الثالث عشر‬

‫محاولة تفسير تطور االقتصاد املصري‬

‫يف مائتي عام ‪2009-1805‬‬

‫إذا نظرنا إلى تطور أحوال االقتصاد املصري خالل القرنين املاضيين‪ ،‬سوف‬
‫نالحظ أن األداء الجيد أو السيء يرجع إلى أحد العاملين اآلتيين أو كليهما‪:‬‬

‫‪-1‬تغيرات فــــي الظروف االقتصــــادية والسياسية فـــــي العالم الخارجي‬


‫وانعكاسها ىلع األحوال يف مصر‪.‬‬

‫‪ -2‬تغير النظام االقتصادي يف مصر من نظام تحكم فيه الدولة سيطرتها‬


‫ىلع االقتصاد‪ ،‬إلى نظام يتسم برخاوة الدولة وضعف دورها‪ ،‬أو بالعكس‪.‬‬

‫وإني أميل بشدة إلى تغليب دور العامل األول (أي الظروف الخارجية) بما‬
‫يف ذلك أثره يف تشكيل الظروف املحلية‪.‬‬

‫إن بعض مناهج البحث التي يجوز اتباعها يف دراسة التطور االقتصادي أو‬
‫السياسي أو الثقايف يف دولة مستقلة ال تخضع ألي نوع من الضغط السياسي‬
‫أو االقتصادي من قوة خارجية‪ ،‬ال يجوز أن تطبق يف دراسة تطور دولة ال تتمتع‬
‫بهذا االستقالل؛ فإذا جاز أن تكون نقطة االنطالق يف تفسير التطور االقتصادي‬
‫لدولة مستقلة هي البحث فيما تحوزه من موارد أو تطور فنون اإلنتاج فيه‪ ،‬وإذا‬
‫جاز أن يركز يف تفسير تطورها السياسي ىلع تطور موازين القوة بين طبقاتها‬
‫االجتماعية‪ ،‬أو حتى ىلع الخصائص الشخصية للحاكم‪ ،‬ويف تفسير تطورها‬
‫الثقايف ىلع أساس تفاعل هذه العوامل جميعًا؛ فإن نقطة االنطالق يف‬
‫‪36‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫تفسير التطور يف دولة تخضع بدرجة عالية لقوى خارجية وللنفوذ األجنبي‪،‬‬
‫يجب أن تكون ما يحدث يف الدولة املسيطرة نفسها من تطورات‪.‬‬

‫بتضافر هـــذين العاملين (الخارجي واملحلي) مـــع التركيز ىلع العامل‬


‫الخارجي‪ ،‬يمكن تفسير ما طرأ من تغيرات ىلع أداء االقتصاد املصري‪ ،‬بين‬
‫مرحلة وأخرى‪ ،‬خالل مائتي العام املاضية‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬
‫تلخيص كتاب قصة االقتصاد املصرى (جالل أمين)‬

‫‪2020‬‬ ‫يونيو‬ ‫‪،‬‬ ‫هدية العدد ‪ 35‬من مجلة‬

‫‪38‬‬
‫كتيب العدد ‪ ، 35‬يونيو ‪2020‬‬

You might also like