You are on page 1of 445

‫الحمــد للــه‪ ،‬والصــاة والســام عــى خــر خلقــه وخاتــم رســله‪ ،‬محمــد بــن عبــد اللــه‪ ،‬وعــى آلــه‬

‫وصحبــه‪ ،‬ومــن تبعهــم بإحســان إىل يــوم الديــن ‪ ..‬وبعــد‪:‬‬


‫فهــذه نصائــح غاليــات‪ ،‬كتبهــا مجــرب حكيــم‪ ،‬جمــع شــتاتها ورتــب أولهــا وآخرهــا‪ ،‬فصــارت باقــة‬
‫ورد‪ ،‬ريحهــا طيــب وشــكلها يــر الناظريــن‪ ،‬فــا مــن أحــد رآهــا إال قــال‪ :‬الحمــد للــه الــذي‬
‫بنعمتــه تتــم الصالحــات‪.‬‬
‫لقــد وفــق اللــه املؤلــف الكريــم –هــو أكــرم النــاس خل ًقــا وأفقههــم علـ ًـا‪ ،‬نحســبه كذلــك وال‬
‫نزكيــه عــى اللــه فهــو حســيبه‪ -‬إىل املختــر املفيــد يف أســباب نجــاح األرس والعائــات‪ ،‬وإقامــة‬
‫البيــوت املســلمة عــى أســس اإلســام الصحيــح ومنهــج الفــذ الفريــد‪ ،‬فــا حقــد أو ضغينــة‪ ،‬أو‬
‫حتــى شــكوى وضجــر‪ ،‬وإمنــا هــي البيــوت التــي تدخلهــا املالئكــة فــا تربحهــا‪ ،‬وترفــرف عليهــا‬
‫الســعادة مــن كل ركــن وناحيــة‪ .‬فاللهــم زده علـ ًـا وحلـ ًـا ويقي ًنــا‪ ،‬ووفــق يــا ربنــا كل مــن بلّــغ‬
‫عــن نبيــك خل ًقــا مــن أخالقــه ‪ ..‬إىل مــا تحبــه وترضــاه يــا أكــرم األكرمــن‪.‬‬
‫ســوف تعيــش –عزيــزي القــارئ‪ -‬بــن أغصــان ورياحــن تلــك الواحــة الجميلــة «العــرة الطيبــة»‬
‫التــي قســمها أخونــا املؤلــف إىل ثالثــة أج ـزاء‪ :‬العــرة الطيبــة مــع الرجــل‪ ،‬مــع املــرأة‪ ،‬مــع‬
‫األوالد يف تربيتهــم‪ .‬وســوف تــدرك بعــد خروجــك منهــا –وقــد صنعهــا لــك املؤلــف عــى أســس‬
‫القــرآن والســنة وســرة النبــي صــى اللــه عليــه وســلم و َمـ ْن بعــده مــن الصالحــن‪ -‬أننــا نســتطيع‬
‫أن ن ُْس ـ ِعد أنفســنا بأنفســنا‪ ،‬أو أن نشــقيها إن أردنــا ذلــك‪.‬‬
‫إن النــاذج واألمنــاط التــي ســاقها املؤلــف يف هــذا الكتــاب‪ ،‬إمنــا جــاءت يف ســياقها الطبيعــي‪،‬‬
‫ـأت هــذه النــاذج‬ ‫لتؤكــد أن إســامنا الجميــل‪ ،‬مــا تــرك صغــرة وال كبــرة إال عالجهــا‪ ،‬كــا مل تـ ِ‬
‫خاصــة بالنبــي وحــده‪ ،‬وإمنــا يســتطيع كل مســلم أن يطبقهــا عــى نفســه وأهــل بيتــه‪ ،‬فهــي‬
‫مثاليــة الواقــع أو واقعيــة املثــال‪ ،‬فــا يحتــج أحــد بعــدم القــدرة أو بُعــد املثــال‪.‬‬
‫رشق النــاس وغ ّربــوا‪ ،‬فشــقوا أكــر مــا ســعدوا‪ ،‬فــآن األوان لــي يــؤوب التائهــون ويتذكــر‬ ‫لقــد ّ‬

‫‪5‬‬
‫الناســون‪ ،‬ويســتيقظ الغافلــون‪ ،‬مردديــن‪َ { :‬هـ ِـذ ِه ِبضَ ا َعتُ َنــا ُردَّتْ إِلَ ْي َنــا} فــا حــل إال يف اإلســام‪ ،‬وال‬
‫ســعادة إال يف اإلميــان‪ ،‬وال خــر إال فيــا جــاء بــه القــرآن وســنة النبــي العدنــان صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم‪.‬‬
‫ونحــن ال يســعنا إال الصــاة عــى النبــي‪ ،‬أرشف الخلــق‪ ،‬أفضــل صــاة وأمتهــا‪ ،‬وأن يبعثــه اللــه مقا ًما‬
‫محمــو ًدا الــذي وعــده‪ .‬وأن يكافــئ أخانــا املؤلــف‪ ،‬بتيســر أمــره وإكرامــه يف الدنيــا واآلخــرة‪ ،‬وأن‬
‫يوفــق قراءنــا األعـزاء إىل العمــل مــن أجــل دينــه ونــرة املســلمني ‪ ..‬اللهــم آمــن‬

‫النارش‬

‫‪6‬‬
‫ة‬ ‫لش ة‬
‫ا ع �ر� الط ي� ب��‬
‫[مع الرجل]‬
‫* حسن االختيار سبب عمران الدار‪.‬‬
‫* قواعد بناء الدور عىل الهناء والرسور‪.‬‬
‫* صيانة الصحبة باملودة والرحمة‪.‬‬
‫* غذاء األرواح بالرحيق املباح‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫عشرة األرواح تسبق عشرة األبدان‬

‫* عــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬النــاس معــادن كمعــادن‬
‫الذهــب والفضــة‪ ،‬خيارهــم يف الجاهليــة خيارهــم يف اإلســام إذا فقهــوا‪ .‬واألرواح جنــود مجنــدة‪،‬‬
‫فــا تعــارف منهــا ائتلــف ومــا تناكــر منهــا اختلــف» رواه مســلم‪ ،‬ورواه البخــاري عــن عائشــة‬
‫مــن «األرواح جنــود» آلخــره فقــط‪.‬‬
‫* رحلــة األرواح ســبقت حــدود األجســاد ونَفْــخ األرواح فيهــا‪ ،‬فالدنيــا مرحلــة الحقــة اللتقــاء‬
‫األرواح وتعارفهــا يف هــذه الدنيــا‪ ،‬ثــم الرحيــل إىل دار البقــاء والــرور الدائــم‪ .‬فمــن التقــى قبــل‬
‫الدنيــا بإلفــه ونوعــه فتقابــل يف هــذه الــدار مــع إلفــه القديــم انجــذب إليــه ومــال إليــه وصحبــه‬
‫باملــودة واملعــارشة الطيبــة حتــى يلتقيــان يف الــدار اآلخــرة‪ ،‬فتقــول الزوجــة لزوجهــا يف الجنــة كــا‬
‫جــاء يف الحديــث‪« :‬واللــه ال أرى يف الجنــة أجمــل منــك وال أحــب إ ّيل منــك»‪.‬‬
‫فــإ ْن قــوي تجانــس األرواح قــوي االئتــاف بــه‪ ،‬فالتجانــس أصــل املــودة واالتفــاق‪ ،‬فتثمــر املواصلة‬
‫واملؤانســة واملصافــاة ثــم املح ّبة‪.‬‬
‫واختــاف النــاس يف ظاهرهــم وباطنهــم وتبايــن طباعهــم أمــر مقــدر وواقــع مــن األزل‪ .‬لذلــك قال‬
‫أحــد الحكــاء‪ :‬النــاس كالشــجر‪ ،‬رشابــه واحــد ومثــره مختلــف‪ ،‬فلــزم االختيــار قبــل االصطفــاء‪.‬‬
‫فمــن رغــب يف اتخــاذ صاحــب بالجنــب يكــون معــه دنيــا وآخــرة‪ ،‬تــدور الســعادة مــع وفاقــه‬
‫وتفتقــد مــع خالفــه‪ ،‬ال بــد أن يبحــث ويعتنــي بأصــل الســجايا والطبــاع بجانــب الصــورة املنظورة‪.‬‬
‫لذلــك كانــت مــن البدايــة وصايــا الرســول صــى اللــه عليــه وســلم يف هــذا األمــر «فاظفــر بــذات‬
‫الديــن» ألن الديــن يقــف بأهلــه عــى الخ ـرات‪ ،‬وإن تــارك الديــن عــد ّو لنفســه فكيــف يُرجــى‬
‫منــه مــو ّدة غــره‪ .‬ومــا أجمــل وأنفــع لــكل مــن يرغــب يف اختيــار الــزوج املصاحــب مــن قــول‬
‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم «ال تصاحــب إال مؤم ًنــا‪ ،‬وال يــأكل طعامــك إال تقــي» ‪ ..‬وقولــه‪:‬‬
‫«املــرء عــى ديــن خليلــه‪ ،‬فلينظــر أحدكــم مــن يخالــل» والخلّــة صفــاء املحبــة‪ ،‬وقولــه‪« :‬املــرء‬
‫مــع مــن أحــب»‪.‬‬
‫***‬
‫‪9‬‬
‫ُشرِعت اخلطبة لضمان احملبة‬

‫* روى اإلمــام أحمــد والرتمــذي والنســايئ وابــن ماجــه وال ّدارمــي عــن املغــرة بــن شــيعة ريض اللــه‬
‫ـت امــرأة‪ ،‬فقــال يل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬هــل نظــرت إليهــا؟‬ ‫عنــه قــال‪ :‬خطبـ ُ‬
‫قلــت‪ :‬ال‪ ،‬قــال‪ :‬فانظــر إليهــا‪ ،‬فإنــه أ ْحــرى أن يــؤدم بينكــا» وروى أحمــد وأبــو داود عــن جابــر‬
‫ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬إذا خطــب أحدكــم املــرأة‪ ،‬فــإن‬
‫اســتطاع أن ينظــر إىل مــا يدعــوه إىل نكاحهــا فليفعــل» وروى مســلم عــن أيب هريــرة ريض اللــه‬
‫عنــه قــال‪« :‬كنــت عنــد النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فأتــاه رجــل فأخــره أنــه تــزوج امــرأة‬
‫مــن األنصــار‪ ،‬قــال لــه رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬أنظــرت إليهــا؟ قــال‪ :‬ال‪ ،‬قــال‪:‬‬
‫فاذهــب فانظــر إليهــا فــإن يف أعــن األنصــار شــي ًئا»‪.‬‬
‫نعــم وصــدق الصــادق املصــدوق صــى اللــه عليــه وســلم فإنــه أحــرى أن يــؤدم بــن الزوجــن‪،‬‬
‫أي أجــدر أن يتــم التواصــل واملعــارشة الطيبــة إذا نظــر الخاطــب ورأت املخطوبــة فوقــع يف قلــب‬
‫كليهــا التوافــق والرغبــة يف التصاحــب‪ ،‬فــإن للرؤيــة مــا ترتــاح بــه النفــس‪ ،‬فجــأة دون ســبب‬
‫واضــح ومحـ ّدد‪ ،‬بــل أحيانًــا تتحــر العقــول يف توافــق روحــن والتقــاء زوجــن‪ ،‬عــى غــر قوانــن‬
‫الظواهــر‪ .‬وصــدق املثــل املــري العامــي «كل فولــة ولهــا كيّــال» ولذلــك ال نعجــب أيضً ــا أن كل‬
‫النــاس يتزوجــون رغــم تبايــن أشــكالهم وطباعهــم‪ ،‬واللــه يف خلقــه شــؤون‪.‬‬
‫روى البخــاري ومســلم عــن ســهل بــن ســعد ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬إن امــرأة جــاءت رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســم فقالــت‪ :‬يــا رســول اللــه جئــت ألهــب لــك نفــي –فنظــر إليهــا رســول‬
‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فص ّعــد النظــر إليهــا وص ّوبــه ثــم طأطــأ رأســه‪ ،‬فلــا رأت املــرأة‬
‫أنــه مل يقــض فيهــا شــي ًئا جلســت‪ .‬فقــام رجــل مــن أصحابــه فقــال‪ :‬أي رســول اللــه إن مل يكــن‬
‫لــك بهــا حاجــة فز ِّو ْجنيهــا‪ ،‬فقــال‪ :‬هــل عنــدك مــن يشء؟ قــال‪ :‬ال واللــه يــا رســول اللــه‪ .‬قــال‪:‬‬
‫اذهــب فقــد َملَّكْ ُتكَ َهــا مبــا معــك مــن القــرآن» ومعنــى «فص ّعــد النظــر إليهــا وص َّوبــه»؛ أي‪ :‬نظــر‬
‫أعالهــا وأســفلها م ـرا ًرا‪ ،‬و«طأطــأ رأســه»؛ امل ـراد‪ :‬صمــت‪ ،‬ففــي الحديــث مــا يــدل عــى إباحــة‬

‫‪10‬‬
‫النظــر وتك ـراره‪ ،‬وأن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم مل يكــر خاطــر الصحابيــة ويرفضهــا‬
‫واكتفــى بالصمــت املفيــد للرفــض‪ ،‬وكيــف أُعجــب الصحــايب باملــرأة يف نفــس الوقــت وتزوجهــا‪،‬‬
‫كــا أن املــرأة مل متنعهــا أنوثتهــا مــن طلــب الــزواج ألنهــا مل تقصــد النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫فقــط ولكنهــا رضيــت بالصحــايب رغــم فقــره‪.‬‬
‫روى أبــو داود يف بــاب العتــق مــن ســننه‪ ،‬وروت كتــب الســرة‪ ،‬عــن عائشــة ريض اللــه عنهــا‬
‫قالــت «ملــا قســم رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم ســبايا بنــي املصطلــق وقعــت ج َويْريــة‬
‫بنــت الحــارث يف الســهم لثابــت بــن قيــس‪ ،‬فكاتَ َبتْــه عــى نفســها –أي أعتقــت نفســها مقابــل ما ٍل‬
‫تدفعــه لــه‪ -‬وكانــت امــرأة حلــوة ُمالحــة ال يراهــا أحــد إال أخــذت بنفســه‪ ،‬فأتــت رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم لتســتعينه يف كتابهــا‪ ،‬قالــت عائشــة‪ :‬فــو اللــه مــا هــو إال أن رأيتهــا عــى‬
‫ـت عليــه فقالــت‪ :‬يــا رســول‬ ‫بــاب حجــريت فكرهتهــا وعرفــت أنــه ســرى منهــا مــا رأيــت‪ .‬فدخلَـ ْ‬
‫ـت‬‫اللــه أنــا جويريــة بنــت الحــارث ســيد قومــه وقــد أصابنــي مــن البــا مــا مل يَ ْخـ َـف عليــك‪ ،‬فوق ْعـ ُ‬
‫يف الســهم لثابــت بــن قيــس فكاتبتــه عــى نفــي فجئتــك أســتعينك عــى كتابتــي‪ .‬قــال‪ :‬فهــل لــك‬
‫يف خــر مــن ذلــك؟ قالــت‪ :‬ومــا هــو يــا رســول اللــه؟ قــال‪ :‬أقــي عنــك كتابــك وأتزوجــك‪ .‬قالــت‪:‬‬
‫نعــم يــا رســول اللــه قــد فعلــت‪ .‬قالــت‪ :‬وخــرج الخــر إىل النــاس أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم قــد تــزوج جويريــة بنــت الحــارث‪ ،‬فقــال النــاس‪ :‬أصهــار رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم‪ .‬فأرســلوا مــا بأيديهــم –أي أعتقوهــم‪ -‬قالــت‪ :‬فلقــد أعتــق بتزويجــه إياهــا مائــة أهــل‬
‫ـت مــن بنــي املصطلــق‪ ،‬فــا أعلــم امــرأة أعظــم بركــة عــى قومهــا منهــا»‪.‬‬ ‫بيـ ٍ‬
‫وقــول عائشــة ريض اللــه عنهــا (فكرهتُهــا وعرفــت أنــه ســرى منهــا مــا رأيــت) ذلــك منهــا غــرة‬
‫فطريــة ألنهــا أدركــت أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم ســرى منهــا مــا يرضيــه فيتزوجهــا‪.‬‬
‫ففــي هــذه القصــة والتــي قبلهــا نــدرك كيــف تــرك رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم امــرأة‬
‫مل تعجبــه وأعجــب بهــا صحــايب‪ ،‬وكيــف زهــد صحــايب هــو ثابــت بــن قيــس يف امــرأة وأعجــب‬
‫بهــا النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فالشــكل الخارجــي والحــاوة واملالحــة ليســت وحدهــا التــي‬
‫تأخــذ بنفــس الخاطــب فتدعــوه للــزواج‪ ،‬ولكــ َّن هنــاك أمــ ًرا ال دخــل كبــر للمشــاهدة فيــه‬
‫لتوافــق النفــس وتنافرهــا‪.‬‬
‫***‬
‫‪11‬‬
‫أحكام وفقه اخلطبة‬

‫* قــال اإلمــام النــووي يف الروضــة‪ :‬ويبــاح هــذا النظــر وإن خــاف الفتنــة لغــرض التــزوج‪ ،‬ووقــت‬
‫هــذا النظــر بعــد العــزم عــى نكاحهــا وقبــل الخطبــة؛ لئــا يرتكهــا بعــد الخطبــة فيؤذيهــا‪ .‬وإذا‬
‫نظــر فلــم تعجبــه فلْيســكت وال يقــل ال أريدهــا ألنــه إيــذاء لهــا –وقــال أيضً ــا‪ :‬إذا رغــب يف‬
‫نكاحهــا اسـتُ ِح َّب أن ينظــر إليهــا لئـ ًـا ينــدم‪ ،‬ويجــوز تكريــر هــذا النظــر ليتبــن هيئتهــا‪ ،‬وســواء‬
‫ـر النظــر بعــث امــرأة تتأملهــا وتصفهــا لــه‪ ،‬واملــرأة أيضً ــا‬ ‫النظــر بإذنهــا وبغــر إذنهــا فــإن مل يتيـ ّ‬
‫تنظــر إىل الرجــل إذا أرادت تزوجــه‪ ،‬فإنــه يعجبهــا منــه مــا يعجبــه منهــا‪ ،‬ثــم املنظــور إليــه الوجــه‬
‫والكفــان ظهـ ًرا وبط ًنــا‪ ،‬وقيــل إنــه ينظــر إليهــا نظــر الرجــل إىل الرجــل‪.‬‬
‫* يجــوز الصــدق يف ذكــر مســاوئ الخاطــب ليحــذر وليــس هــذا مــن الغيبــة املحرمــة‪ .‬ولكنــه ال‬
‫يزيــد عــى النصيحــة وال يقصــد التشــهري‪.‬‬
‫ـال‪ ،‬فــا يجــوز للمخاطبــن الخلــوة أو‬ ‫الخطبــة مجــرد وعــد بالــزواج وال ت ُِحـ ُّـل حرا ًمــا وال تحــرم حـ ً‬
‫املخالطــة إال يف حــدود الحاجــة‪ ،‬ومثــل الخطيــب واملخطوبــة مثــل غريهــا‪ ،‬فهــا أجنبيــان‪ ،‬ومــا‬
‫تعــارف عليــه املجتمــع حال ًيــا مــن التســاهل والرضــا وعــدم إنــكار بعــض املصائــب التــي يفعلهــا‬
‫الخاطبــان مثــل الخــروج ســويًّا واملجالســة واملؤانســة داخــل املنــزل أو خارجــه كــا لــو كانــا‬
‫ـول عرفًــا‪ ،‬فــإن كان ال بــد لطــول مــدة الخطبــة‬ ‫عاقديــن‪ ،‬فهــذا كلــه منكــر رش ًعــا وإن كان مقبـ ً‬
‫فعليهــا بــاإلرساع بإمتــام العقــد الرشعــي لرفــع هــذا الحــرج الرشعــي‪.‬‬
‫* قــال عمــر بــن الخطــاب ريض اللــه عنــه‪ :‬ال تُ ْن ِكحــوا املــرأة الرجــل القبيــح ال ّدميــم‪ ،‬فإنهـ ّن يحبــن‬
‫ألنفســهن مــا تحبــون ألنفســكم‪ .‬وروى ابــن الجــوزي عــن الزبــر بــن العــوام ريض اللــه عنــه عــن‬
‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬يعمــد أحدكــم إىل ابنتــه فيزوجهــا القبيــح الدميــم‪ ،‬إنهــن‬
‫يُــر ْدن مــا تريــدون»‪.‬‬
‫* وقــال الحســن البــري‪ :‬ز ِّو ْج ابنتــك ملــن يتقــي اللــه‪ ،‬فإنــه إ ْن أح َّبهــا أك َر َمهــا‪ ،‬وإن أبغضهــا مل‬
‫يظلمهــا‪ .‬وأقــول‪ :‬وإن طلقهــا مل ينــس الفضــل بينهــا‪.‬‬
‫***‬
‫‪12‬‬
‫وجعل بينكم مودة ورمحة‬

‫السـ ِّد ّي‪ :‬املــودة‪ :‬املحبــة‪ ،‬والرحمــة‪ :‬الشــفقة‪ .‬وقــال ابــن عبــاس ريض اللــه عنهــا‪ :‬املــو ّدة‬
‫* قــال ُّ‬
‫حــب الرجــل امرأتــه‪ ،‬والرحمــة رحمتــه إياهــا أن يصيبهــا بســوء‪ .‬وقــال أيضً ــا‪ :‬املــو ّدة الجــاع‪،‬‬
‫والرحمــة الولــد‪ .‬قالــه أيضً ــا مجاهــد والحســن‪ .‬وقيــل‪ :‬املــودة والرحمــة عطــف قلوبهــم بعضهــم‬
‫عــى بعــض‪ .‬وقيــل‪ :‬مــو ّدة للكبــر ورحمــة للصغــر‪ .‬وقيــل‪ :‬مــودة للشــابة ورحمــة للعجــوز‪.‬‬
‫* قــال اإلمــام األلــويس يف تفســره «روح املعــاين»‪ :‬أي جعــل بينكــم بالــزواج الــذي رشعــه لكــم‬
‫تــوا ًّدا وتراحـ ًـا‪ ،‬مــن غــر أن يكــون بينكــم ســابقة معرفــة‪ ،‬وال رابط ـ ٌة مص ِّحح ـ ٌة للتعاطــف مــن‬
‫قراب ـ ٍة أو رحــم‪ ،‬فاملــو ّدة والرحمــة مــن اللــه تعــاىل‪ ،‬والف ـ ْرك وهــو بغــض أحــد الزوجــن لآلخــر‬
‫مــن الشــيطان‪.‬‬
‫* قــال ابــن كثــر يف تفســره‪ :‬ثــم مــن متــام رحمتــه ببنــي آدم أن جعــل أزواجهــم مــن جنســهم‪،‬‬
‫وجعــل بينهــم وبينهـ ّن مــو ّدة هــي املحبــة ورحمــة وهــي الرأفــة‪ ،‬فــإن الرجــل ميســك املــرأة إمــا‬
‫ملحبتــه لهــا أو لرحمتــه بهــا بــأن يكــون لــه منهــا الولــد‪ ،‬أو محتاجــة إليــه يف اإلنفــاق‪ ،‬أو لأللفــة‬
‫بينهــا‪.‬‬
‫* قــال البغ ـ ّوي يف تفســره معــامل التنزيــل‪ :‬جعــل بــن الزوجــن املــودة والرحمــة فهــا يتــوا ّدان‬
‫ـري يف‬
‫ويرتاحــان ومــا يشء أحــب إىل أحدهــا مــن اآلخــر مــن غــر رحــم بينهــا‪ .‬وقــال الزمخـ ّ‬
‫تفســره «الكشــاف» قري ًبــا مــن هــذا‪.‬‬
‫* ويقــول ســيد قطــب يف ظاللــه‪ :‬والنــاس يعرفــون مشــاعهم تجــاه الجنــس اآلخــر وتشــغل‬
‫أعصابهــم ومشــاعرهم تلــك الصلــة بــن الجنســن‪ ،‬وتدفــع خطاهــم وتحــ ّرك بســاطهم تلــك‬
‫املشــاعر املختلفــة األمنــاط واالتجاهــات بــن الرجــل واملــرأة‪ ،‬ولكنهــم قلّــا يتذكــرون يــد اللــه‬
‫التــي خلقــت لهــم مــن أنفســهم أزوا ًجــا‪ ،‬وأودعــت نفوســهم هــذه العواطــف واملشــاعر‪ ،‬وجعلــت‬
‫وأنســا‬
‫تلــك الصلــة ســك ًنا للنفــس والعصــب‪ ،‬وراحــة للجســم والقلــب‪ ،‬واســتقرا ًرا للحيــاة واملعــاش ً‬
‫الســواء‪ .‬والتعبــر القــرآين اللطيــف الرفيــق‬ ‫لــأرواح والضامئــر‪ ،‬واطمئنانًــا للرجــل واملــرأة عــى ّ‬

‫‪13‬‬
‫ـس‪:‬‬‫يصـ ّور هــذه العالقــة تصويـ ًرا موح ًيــا وكأمنــا يلتقــط الصــورة مــن أعــاق القلــب وأغــوار الحـ ّ‬
‫{لِتَ ْس ـ ُك ُنوا إِلَ ْي َهــا} [الــروم‪َ { ]21:‬و َج َعـ َـل َب ْي َنكُـ ْ‬
‫ـم َم ـ َو َّد ًة َو َر ْح َم ـ ًة} [الــروم‪.]21:‬‬
‫وقــال الطيبــي‪ :‬إنــه ملــا كان القصــد مــن خلــق األزواج والســكون إليهــا وإلقــاء املحبــة بــن‬
‫الزوجــن ليــس مجـ ّرد قضــاء الشــهوة التــي يشــرك فيهــا البهائــم‪ ،‬بــل تكثــر النســل وبقــاء نــوع‬
‫املتفكريــن الذيــن يؤديهــم الفكــر إىل املعرفــة والعبــادة التــي مــا خلقــت الســاوات واألرض إال‬
‫لهــا‪ ،‬ناســب كــون املتفكريــن فاصلــة لآليــة‪ .‬أي قولــه تعــاىل‪{ :‬إِنَّ ِف َذلِــكَ َ َل َيـ ٍ‬
‫ـات لِ َقـ ْو ٍم َي َت َفكَّـ ُرونَ }‬
‫[الــروم ‪.]21:‬‬
‫***‬

‫‪14‬‬
‫نصائح وهمسات‬

‫* الــزواج تـزاوج بــن برشيــن لــكل منهــا صفاتــه الحســنة والســيئة‪ ،‬وتصوراتــه وآمالــه وقدراتــه‪،‬‬
‫ولكنهــا مــن البــر وليســا مــن املالئكــة‪ ،‬مبزايــا وعيــوب البــر‪ ،‬ويعيشــان م ًعــا عــى األرض‪،‬‬
‫يف هــذه الحيــاة‪ ،‬بإمكاناتهــا ومق َّدراتهــا‪ ،‬حلوهــا وم ّرهــا‪ .‬واإلنســان يف طبعــه الخيــال والشــوق‬
‫ـاك مــن طلــب الخيــال واملثــال عنــد اختيــار الــزوج‪ .‬إيــاك مــن اإلغ ـراق يف‬ ‫ـاك وإيـ ِ‬
‫واملثــال‪ .‬فإيـ ِ‬
‫الخيــال عــن الــزوج والــزواج‪.‬‬
‫* يكفــي أن تغلــب املزايــا الســيئات‪ ،‬يكفــي يف كــال البــر أن تعــد عيوبــه وتعــرف‪ .‬وقــد جــاء يف‬
‫حديــث رشيــف‪« .‬إذا بلــغ املــاء قلتــن مل يحمــل خب ًثــا» والديــن يــزيك النفــس ويرقيهــا ويطهرهــا‬
‫«فاظفــر بــذات الديــن» «إن جاءكــم َمـ ْن ترضــون دينــه فز ّوجــوه»‪.‬‬
‫* يكفــي القبــول جملــة واحــدة‪ ،‬وخاصــة ألول وهلــة مــن حيــث الشــكل العــام‪ ،‬وعــرة الــروح‬
‫تحتــاج إىل وقــت‪ ،‬فســتغلب إن شــاء اللــه فــإذا مل يوجــد ال ّنفــور والصـ ّد دفعــة واحــدة مــن اللقــاء‬
‫األول فيمكــن املعــارشة‪ ،‬وتظهــر بعــد ذلــك املــودة والرحمــة وتنمــو بالخلطــة وســوف يُــرى مــن‬
‫بعــد جــال النفــس إن شــاء اللــه‪.‬‬
‫* إذا مل يوجــد القبــول مــن أي الطرفــن فــا يَ ُقـ ْـل أحــد يف اآلخــر إال خ ـ ًرا‪ ،‬بــل إذا علــم مبناســبة‬
‫الخطبــة شــيئًا يشــن اآلخــر‪ ،‬فيجــب عليــه الســر ويكتــم مــا رأى وعلــم‪.‬‬
‫* فــإذا حــاز أحدهــا القبــول فعليــه أن يســارع يف اســتخارة ربــه‪ .‬عــن جابــر ريض اللــه عنــه‬
‫قــال‪ :‬كان رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يعلمنــا االســتخارة يف األمــور كلهــا كالســورة مــن‬
‫ـم أحدكــم باألمــر فلريكــع ركعتــن مــن غــر الفريضــة‪ ،‬ثــم ليقــل‪ :‬اللهــم إين‬ ‫القــرآن‪ ،‬يقــول‪« :‬إذا هـ ّ‬
‫أســتخريك بعلمــك‪ ،‬وأســتقدرك بقدرتــك‪ ،‬وأســألك مــن فضلــك العظيــم‪ ،‬فإنــك تقــدر وال أقــدر‪،‬‬
‫وتعلــم وال أعلــم‪ ،‬وأنــت عــام الغيــوب‪ .‬اللهــم إن كنــت تعلــم أن هــذا األمــر –ويســمي حاجتــه‬
‫ره يل ثــم بــارك‬‫مثــل زواجــي مــن ‪ -...‬خــر يل يف دينــي ومعــايش وعاقبــة أمــري فاقــدره يل ويـ ّ‬
‫يل فيــه‪ .‬وإن كنــت تعلــم أن هــذا األمــر رش يل يف دينــي ومعــايش وعاقبــة أمــري‪ ،‬فارصفــه عنــي‬

‫‪15‬‬
‫وارصفنــي عنــه‪ ،‬واقــدر يل الخــر حيــث كان‪ ،‬ثــم رضّ نــي بــه» رواه البخــاري‪.‬‬
‫وهــذه االســتخارة عبــادة للــه‪ ،‬فينظــر اإلنســان بعقلــه ويشــاور مــن أراد ثــم يشــاور ويســتخري‬
‫ربــه‪ ،‬وال عالقــة لهــذه االســتخارة بإعــال النظــر واملشــاورة البرشيــة فيتخذهــا كاملــة فــإن مضــت‬
‫ـض وتوقــف األمــر ألي ســبب فهــذا فيــه‬ ‫كــا يشــر العقــل والنظــر فبعلــم اللــه وقدرتــه‪ ،‬وإن مل متـ ِ‬
‫أيضً ــا الخــر ألنــه بعلــم اللــه وقدرتــه‪.‬‬
‫* ترجــم النســايئ يف ســننه –صــاة املــرأة إذا ُخ ِطبــت واســتخارتها ربهــا‪ -‬وذكــر حديــث اســتخارة‬
‫ســيدتنا وأ ّمنــا زينــت بنــت جحــش ريض اللــه عنهــا عندمــا خطبهــا النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪.‬‬
‫وهــل هنــاك أفضــل خاطــب مــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم حتــى تســتخري فيــه؟ ولكنهــا‬
‫العبــادة‪ .‬فقــد قــال النبــي صــى اللــه عليــه وســلم لزيــد بــن حارثــة ريض اللــه عنــه «مــا أجــد يف‬
‫ي» قــال‪ :‬فذهبــت ووليتهــا ظهــري توق ـ ًرا للنبــي صــى‬ ‫نفــي أوثــق منــك فاخطــب زينــب ع ـ ّ‬
‫اللــه عليــه وســلم‪ ،‬وخطبتهــا ففرحــت وقالــت‪ :‬مــا أنــا بصانعـ ٍة شــيئًا حتــى أُ َوامــر ريب‪ ،‬فقامــت إىل‬
‫مســجدها ونــزل القــرآن‪ ،‬فتزوجهــا النبــي صــى اللــه عليــه وســلم ودخــل بهــا»‪.‬‬
‫***‬

‫‪16‬‬
‫قبل الزفاف وإعداد بيت السكن‬

‫* عــن عائشــة ريض اللــه عنهــا قالــت‪« :‬تزوجنــي النبــي صــى اللــه عليــه وســلم وأنــا بنــت ســت‬
‫ســنني‪ ،‬فقدمنــا املدينــة فنزلنــا يف بنــي الحــارث بــن الخــزرج‪ ،‬فوع ْكــت فتمــزق شــعري وقــد وفــت‬
‫يل ُجميْمــة‪ ،‬فأتتنــي أمــي أم رومــان وإين لفــي أرجوحــة ومعــي صواحــب يل‪ ،‬فرصخــت يب فأتيتهــا‬
‫مــا أدري مــا تريــد منــي‪ ،‬فأخــذت بيــدي حتــى أوقفتنــي عــى بــاب الــدار‪ ،‬وإين ألنهــج حتى ســكن‬
‫بعــض نفــي‪ ،‬ثــم أخــذت شــيئًا مــن مــاء فمســت بــه وجهــي‪ ،‬ورأيس ثــم أدخلتنــي الــدار فــإذا‬
‫نســوة مــن األنصــار يف البيــت فقلــن‪ :‬عــى الخــر والربكــة وعــى خــر طائــر‪ ،‬فأســلمتني إليهــن‬
‫فأصلحــن مــن شــأين‪ ،‬فلــم ي َر ْعنــي إال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم ضُ حــى فأســلمتني إليــه‬
‫وأنــا يومئــذ بنــت تســع ســنني» رواه البخــاري‪ ،‬ورواه أحمــد وفيــه قالــت عائشــة‪« :‬فجــاء رســول‬
‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فدخــل بيتنــا واجتمــع إليــه رجــال مــن األنصــار ونســاء‪ ،‬فجاءتنــي‬
‫أمــي وإين لفــي أرجوحــة بــن عذقــن يرجــح يب‪ ،‬فأنزلتنــي مــن األرجوحــة ويل جميمــة ففرقتهــا‬
‫ومســحت وجهــي بــيء مــن مــاء ثــم أقبلــت تقــودين حتــى وقفــت يب عنــد البــاب وإين ألنهــج‬
‫حتــى ســكن مــن نَ َفــي ثــم دخلــت يب فــإذا رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم جالــس عــى‬
‫رسيــر يف بيتنــا وعنــده رجــال ونســاء مــن األنصــار فأجلســتني يف حجــره ثــم قالــت‪ :‬هــؤالء أهلــك‪،‬‬
‫فبــارك اللــه لــك فيهــم وبــارك لهــم فيــك‪ ،‬فوثبــت الرجــال والنســاء فخرجــوا‪ ،‬وبنــى يب رســول‬
‫ي شــاة‪ ،‬حتــى أرســل‬ ‫ي جــزور وال ذُبحــت عـ ّ‬ ‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يف بيتنــا‪ ،‬مــا نُحــرت عـ ّ‬
‫إلينــا ســعد بــن عبــادة بجفنــة كان يرســل بهــا إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم إذا دار‬
‫إىل نســائه‪ ،‬وأنــا يومئــذ ابنــة تســع ســنني» قــال ابــن كثــر‪ :‬وبُنــي لرســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم حــول مســجده الرشيــف ُحجــر لتكــون مســاكن لــه وألهلــه وكانــت مســاكن قصــرة البنــاء‬
‫قريبــة الفنــاء‪ .‬قــال الحســن البــري –وكان غال ًمــا مــع أمــه خــرة مــوالة أم ســلمة ريض اللــه عنهــا‬
‫زوج النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ -‬لقــد كنــت أنــال أطــول ســقف يف ُحجــرة النبــي صــى اللــه‬
‫الســه ْييل‪ :‬كانــت مســاكنه عليــه الســام مبن ّيــة مــن جريــد عليــه طــن‪،‬‬‫عليــه وســلم بيــدي‪ .‬وقــال ّ‬

‫‪17‬‬
‫بعضهــا مــن حجــارة مرضومــة‪ ،‬وســقوفها كلهــا مــن جريــد‪.‬‬
‫* هكــذا بهــذه البســاطة والســهولة والصــدق النبيــل كانــت تقــام الحيــاة الزوجيــة‪ ،‬مثــل ســائر‬
‫أمــور حيــاة املســلمني الصادقــن‪ ،‬بــا تكلفــة وال تعقيــد وال إرهــاق‪ ،‬ومــا أجمــل اللقــاء والحيــاة‬
‫يف هــذا الجــو الصــادق‪ ،‬فليســت هنــاك عوائــق ماديــة وال اجتامعيــة وال رشعيــة تعــوق تدفّــق‬
‫العواطــف النبيلــة والســعادة الزوجيــة وااللتقــاء الســهل املعـ ّـر عــن كل يشء ســهل يف الحيــاة إذا‬
‫تــرك النــاس التكلــف املرهــق بينهــم يف املعامــات وســبل الحيــاة‪ ،‬وقامــت يف املجتمــع املســلم‬
‫أســس وقيــم للحيــاة كلهــا الصــدق واليــر والبســاطة‪ ،‬وقامــت العالقــات بينهــم عــى قواعــد مــن‬
‫نبــذ التكلــف والتنافــس املقيــت عــى االقتنــاء للعــرض الزائــي لتكميــل ومحاولــة تجميــل النفــوس‬
‫مــن خــار ٍج مبظاهــر ماديــة بعــد أن تفقــد الجــال والكــال الروحــي الداخــي‪ ،‬فــا ميكــن ســر‬
‫عــوار النفــوس بســر وطــاء البيــوت وزخرفتهــا‪ ،‬وال ميكــن تعويــض فقــد صفــات النفــس وكاملهــا‬
‫مبــلء البيــوت باألثــاث والتحــف وبريــق املظهــر‪.‬‬
‫* وهكــذا ذاق مجتمــع اإلســام األول طعــم الســعادة واملحبــة واملــو ّدة‪ ،‬فبهــذا األمــر اليســر‬
‫الســهل عــاش أســعد قلبــن‪ :‬قلــب رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم وقلــب أحــب الخلــق إليــه‬
‫عائشــة ريض اللــه عنهــا‪ .‬وهكــذا كان الرضــا والغنــى والعفــاف وهنــاء العيــش ويــره‪ ،‬وهكــذا‬
‫كانــت تنطلــق الحيــاة االجتامعيــة بهــذا الجمــع الصــادق يف كل أمــر‪ ،‬رجــال ونســاء يف بيــت أيب‬
‫بكــر الصديــق ريض اللــه عنــه يحــرون حفــل بنــاء الرســول صــى اللــه عليــه وســلم عــى أهلــه‬
‫يف حجــرة متواضعــة دون عنــاء التكلــف باألحفــال املاديــة‪ ،‬تفيــض بينهــم العواطــف واملحبــة‬
‫وت ُ ْد ِخــل أم العــروس ابنتهــا بعــد قليــل إصــاح ملظهرهــا عــى أفضــل الخلــق وهــي تقــول‪ :‬أهلــك‬
‫يــا رســول اللــه‪ ،‬وتدعــو بصــدق بالربكــة‪ ،‬ويســتحي الجمــع ويثــب خــارج البيــت بوقــار وبســاطة‬
‫وســهولة‪ ،‬ومتــي الحيــاة الطيبــة‪.‬‬
‫ـص حــرة النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬ولكنــه صــى اللــه عليــه‬ ‫* مل يكــن هــذا النمــوذج يخـ ّ‬
‫وســلم القــدوة التــي يبــدأ منهــا بيــان أســس الحيــاة الطيبــة واملمكنــة لــكل النــاس‪ ،‬وإال مــا‬
‫اســتطاع محــب أن يلحــق بالركــب‪.‬‬
‫* عــن عــي بــن أيب طالــب ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬خطبــت فاطمــة إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم فقالــت مــوالة يل‪ :‬هــل علمــت أن فاطمــة قــد خطبــت إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬

‫‪18‬‬
‫وســلم؟ قلــت‪ :‬ال‪ ،‬قالــت‪ :‬قــد ُخطبــت‪ ،‬فــا مينعــك أن تــأيت رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫فيز ّوجــك؟ فقلــت‪ :‬وعنــدي يشء أتــزوج بــه؟ فقالــت‪ :‬إنــك إن جئــت رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم زوجــك‪ .‬قــال عــي‪ :‬فــو اللــه مــا زالــت تر ِّجينــي حتــى دخلــت عــى رســول اللــه صــى اللــه‬
‫ـت فــو اللــه مــا اســتطعت أن أتكلــم جاللــة وهيبــة‪،‬‬ ‫عليــه وســلم فلــا أن قعــدت بــن يديــه أُف ِْح ْمـ ُ‬
‫ـكت‪ ،‬فقــال‪ :‬لعلــك‬ ‫فقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬مــا جــاء بــك ألــك حاجــة؟ فسـ ُّ‬
‫جئــت تخطــب فاطمــة؟ فقلــت‪ :‬نعــم‪ .‬فقــال‪ :‬وهــل عنــدك مــن يشء تســتحلها بــه؟ فقلــت‪:‬‬
‫ي بيــده إنهــا‬ ‫ال واللــه يــا رســول اللــه‪ .‬فقــال‪ :‬مــا َف َعلَـ ْ‬
‫ـت د ْرع س ـلَّ ْح ُتكَها؟ فــو الــذي نفــس ع ـ ٍّ‬
‫لخطم ّيــة مــا قيمتهــا أربعــة دراهــم‪ ،‬فقلــت‪ :‬عنــدي فقــال‪ :‬قــد زوج ُتكهــا‪ ،‬فابعــث إليهــا بهــا‬
‫فاســتحلها بهــا‪ .‬رواه البيهقــي يف كتابــه دالئــل النبــوة‪ .‬ثــم روى البيهقــي عــن عــي ريض اللــه عنــه‬
‫قــال‪ :‬جهــز رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فاطمــة يف خميــل وقربــة ووســادة أُ ْدم –أي جلــد‪-‬‬
‫حشــوها‪ :‬إذْخــر –أي حشــائش‪ .‬وكان عــي قــد تــزوج فاطمــة بعــد ســنة مــن الهجــرة وابتنــى بهــا‬
‫بعــد ذلــك بســنة أخــرى‪ .‬وذكــر الحافــظ ابــن عســاكر يف تاريخــه قــال‪ :‬قــال عــي‪ :‬مــا كان لنــا إال‬
‫إهــاب كبــش ننــام عــى ناحيتــه‪ ،‬وتعجــن فاطمــة عــى ناحيتــه‪ ،‬ونعلــف عليــه الناضــح بالنهــار‪،‬‬
‫ومــا يل خــادم عليهــا غريهــا‪.‬‬
‫* بنــت رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم وريض اللــه عنهــا وســيدة نســاء أهــل الجنــة وأبوهــا‬
‫صاحــب أرفــع منصــب يف الوجــود‪ ،‬ورئيــس الدولــة اإلســامية املنتــرة الــذي بــن يديــه مــا أحـ ّـل‬
‫ي بــن أيب طالــب ابــن عــم الرســول صــى اللــه عليــه وســلم‬ ‫اللــه لــه‪ ،‬خمــس الغنائــم‪ ،‬وهــذا عـ ّ‬
‫وأبــوه رئيــس قريــش كلهــا ومقدمهــا‪ ،‬كان الصــداق أي املهــر بينهــا مــا قيمتــه أربعــة دراهــم‪،‬‬
‫وكان تجهيــز بيتهــا بهــذا القــدر الرائــع الــكايف املقنــع لنفســن وزوجــن هــا مــن أنبــل وأكمــل‬
‫خلــق اللــه تعــاىل‪.‬‬
‫* واســتمر ركــب الحيــاة الراقــي‪ ،‬ملــوك الحيــاة وملــوك الجنــة‪ ،‬يف أبهــج وأهنــأ وأرغــد عيــش‪،‬‬
‫حتــى جــاء عهــد الفــاروق عمــر بــن الخطــاب أمــر املؤمنــن واتســع العيــش وفاضــت الربكــة‬
‫ود ّونــت الدواويــن ووزّعــت الرواتــب عــى أهــل اإلســام‪ ،‬وأمــر املؤمنــن عمــر يلبــس ثوبًــا‬
‫مرقّ ًعــا باثنتــي عــرة رقعــة‪ ،‬وأشــفق عليــه بعــض أصحابــه وتكلمــوا يف أمــر التوســعة يف العيــش‬
‫ألمريهــم‪ ،‬فبلــغ عمــر ذلــك‪ ،‬فدخــل عــى ابنتــه حفصــة ريض اللــه عنهــا زوج النبــي صــى اللــه‬

‫‪19‬‬
‫عليــه وســلم فقــال‪ :‬أنشــدك باللــه‪ :‬مــا أفضــل مــا اقتنــى رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يف‬
‫بيتــك مــن امللبــس؟ قالــت‪ :‬ثوبــن ُم َمشّ ــقني كان يلبســهام للوفــد ويخطــب فيهــا للجمــع‪ .‬قــال‪:‬‬
‫فــأي الطعــام نالــه عنــدك أرفــع؟ قالــت‪ :‬خبزنــا خبــزة شــعري فصببنــا عليهــا وهــي حــارة أســفل‬
‫ع ّكــة لنــا‪ ،‬فجعلناهــا هشّ ــة دســمة فــأكل منهــا وتط ّعــم منهــا اســتطابة لهــا‪ .‬قــال‪ :‬فــأي مبســط‬
‫كان يبســطه عنــدك كان أ ْوطــأ؟ قالــت‪ :‬كســاء لنــا تخــن ك ّنــا نربّعــه يف الصيــف فنجعلــه تحتنــا‪،‬‬
‫فــإذا كان الشــتاء بســطنا نصفــه وتدث ّرنــا بنصفــه‪ .‬قــال‪ :‬يــا حفصــة فأبلغيهــم عنــي أن رســول‬
‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم قـ ّدر فوضــع الفضــول مواضعهــا وتبلّــغ بالتزجيــة‪ ،‬وإين قـ ّدرت فــو‬
‫اللــه ألضعــن الفضــول مواضعهــا وألتبلَّ َغـ َّن بالتزجيــة‪ .‬أخرجــه الطــري وابــن عســاكر يف تاريخهــا‬
‫ومعنــى التزجيــة االكتفــاء‪.‬‬
‫ـس طيبــة تطلعــت للمعــايل‪ ،‬فملكــوا‬ ‫* لقــد كان هــذا النمــط مــن الحيــاة عــن قناعــة واقتــدار نفـ ٍ‬
‫أنفســهم وملكــوا الدنيــا وكانــوا أهلهــا وأحــق النــاس بهــا فســعدوا وأســعدوا الخلــق‪ ،‬فلــم يبالغــوا‬
‫يف تنميــقٍ ويتفاخــروا بالعــرض الزائــل ويتكلفــوا للنــاس ويع ِّنتُــوا عــى أنفســهم مـراءاة لغريهــم‪،‬‬
‫ومل يجــاروا أمنــاط عيــش أهــل الدنيــا‪ ،‬بــل ألزمــوا أنفســهم قوانــن الرحمــة بأنفســهم وغريهــم‬
‫فتبعهــم غريهــم عــى أســس الفطــرة‪ .‬عــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم‪« :‬انظــروا إىل مــن هــو أســفل منكــم وال تنظــروا إىل مــن هــو فوقكــم فهــو‬
‫أ ْجــدر أن ال تــزدروا نعمــة اللــه عليكــم» رواه البخــاري ومســلم‪ .‬وعــن أم الــدرداء عــن أيب الــدرداء‬
‫ريض اللــه عنهــا‪ ،‬قالــت‪« :‬قلــت لــه‪ :‬مالــك ال تطلــب مــا يطلــب فــان وفــان؟ قــال‪ :‬إين ســمعتي‬
‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يقــول‪ :‬إن وراءكــم عقبــة كــؤو ًدا ال يجوزهــا املثقلــون‪ ،‬فأنــا‬
‫أحــب أن أتخ ّفــف لتلــك العقبــة» رواه الط ـراين بإســناد صحيــح‪ ،‬والكــؤود‪ :‬الصعبــة‪ .‬وعــن أيب‬
‫أمامــة ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬رأيــت أين دخلــت الجنــة‬
‫فــإذا أعــايل أهــل الجنــة فق ـراء املهاجريــن وذراري املؤمنــن‪ ،‬وإذا ليــس فيهــا أحــد أقــل مــن‬
‫األغنيــاء والنســاء‪ ،‬فقيــل يل‪ :‬أمــا األغنيــاء فإنهــم عــى البــاب يحاســبون ومي ّحصــون‪ ،‬وأمــا النســاء‬
‫فألهاهــن األحمـران‪ :‬الذهــب والحريــر»‪ .‬رواه أبــو الشــيخ ابــن حبــان واملنــذري‪.‬‬
‫***‬

‫‪20‬‬
‫صحة النية يف بداية الصحبة‬
‫عالمة حسن العاقبة يف نهاية الرحلة‬
‫* عــن عبــد اللــه بــن عمــر ريض اللــه عنهــا قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬خــر‬
‫األصحــاب عنــد اللــه خريهــم لصاحبــه‪ ،‬وخــر الجـران عنــد اللــه خريهــم لجــاره» رواه الرتمــذي‬
‫وابــن خزميــة وغريهــا‪ .‬وعــن ابــن عبــاس ريض اللــه عنهــا أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم قــال‪« :‬إن أحــب األعــال إىل اللــه تعــاىل بعــد الفرائــض إدخــال الــرور عــى املســلم»‬
‫رواه الطـراين‪ .‬وعــن أنــس ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪َ « :‬مـ ْن‬
‫رسه اللــه عــز وجــل يــوم القيامــة» رواه الط ـراين‬ ‫ره بذلــك‪ّ ،‬‬ ‫ـب لي ـ ّ‬ ‫ـي أخــاه املســلم مبــا يحـ ّ‬ ‫لَ ِقـ َ‬
‫وأبــو الشــيخ‪ .‬وعــن عائشــة ريض اللــه عنهــا قالــت‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪:‬‬
‫ـرض اللــه لــه ثوبًــا دون الجنــة» رواه‬ ‫« َم ـ ْن أدخــل عــى أهــل بيــت مــن املســلمني رسو ًرا مل يـ َ‬
‫الطـراين‪ ،‬وعــن جعفــر بــن محمــد عــن أبيــه عــن جــده ريض اللــه عنهــم قــال‪ :‬قــال رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬مــا أدخــل رجــل عــى رجــل مؤمــن رسو ًرا إال خلــق اللــه عــز وجــل مــن‬
‫ذلــك الــرور ملـكًا يعبــد اللــه عــز وجــل ويوحــدّ ه‪ ،‬فــإذا صــار العبــد يف قــره أتــاه ذلــك الــرور‬
‫فيقــول‪ :‬أمــا تعرفنــي؟ فيقــول لــه‪ :‬مــن أنــت؟ فيقــول‪ :‬أنــا الــرور الــذي أدخلتنــي عــى فــان‪.‬‬
‫أنــا اليــوم أونــس َو ْحشَ ــتك‪ ،‬وألق ّنــك ح ّجتــك‪ ،‬وأث ّبتــك بالقــول الثابــت‪ ،‬وأشــهدك مشــاهدك يــوم‬
‫القيامــة‪ ،‬وأشــفع لــك إىل ربــك‪ ،‬وأريــك منزلــك مــن الجنــة» رواه ابــن أيب الدنيــا وأبــو الشــيخ‪.‬‬
‫* ليكــن شــعارنا يف الحيــاة‪ :‬إدخــال الــرور عــى الغــر‪ .‬والج ـزاء مــن جنــس العمــل‪ ،‬وقــد قــال‬
‫اللــه عــز وجــل {إِنَّــا َل ن ُِضيـ ُع أَ ْجـ َر َمـ ْن أَ ْح َسـ َن َع َمـ ًـا} وقــال النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬الــر‬
‫أول عــى صاحبــه «كــا تديــن تــدان» ولنتصـ ّور م ًعــا حيــاة زوجية‪،‬‬ ‫ال يبــى» فمــردود الخــر يعــود ً‬
‫كل زوج ه ّمــه وأملــه إســعاد زوجــه‪ ،‬كيــف تثمــر هــذه العالقــة مــن الربكــة والســعادة لــكل مــن‬
‫خالــط واتصــل بهــذه الحيــاة الزوجيــة؟‬
‫* الحيــاة يف نفســها مليئــة باألكــدار واملتاعــب‪ ،‬وقليــل مــن أيامهــا يصفــو ألهلــه‪ ،‬فكيــف تضيــع‬
‫هــذه األيــام القليلــة الصافيــة م َّنــا وال نســعد فيهــا؟ فالحــرص كل الحــرص عــى أيــام الســعادة‬

‫‪21‬‬
‫ال نك ّدرهــا نحــن بأنفســنا‪ ،‬فنغنــم وننعــم بأوقاتنــا قبــل أكــدار الحيــاة‪ ،‬وال نكــون أب ـ ًدا ســب ًبا يف‬
‫تكديــر عيــش الــزوج أو غــره‪ ،‬بــل نغتنــم صفــو األوقــات‪ ،‬بــل نحــرص عــى إزاحــة كل مــا يكـ ّدر‬
‫صفوهــا‪ ،‬ولنســعد ســويًّا قبــل مــي الحيــاة‪ ،‬ولنحافــظ م ًعــا عــى مــا أتــاح اللــه لنــا مــن املــو ّدة‬
‫والرحمــة فهــي أمانــة اللــه للزوجــن‪ ،‬والحيــاة حلــوة هنيئــة مــا دام أهلهــا طيبــن مســتبرشين‬
‫مؤمنــن مشــتاقني للجنــة‪.‬‬
‫***‬

‫‪22‬‬
‫بداية العشرة تكيّف وتأقلم‬
‫وترقب للعشري ّ‬
‫وتأهب للمصري‬
‫* منــذ أبعــاد عميقــة مــن الزمــن يف نفوســنا‪ ،‬قــد عشــناها تخ ّيـ ًـا وتصــو ًرا للــزوج املرتقــب وللحياة‬
‫معــه‪ .‬وهــا هــو الــزوج مالصــق معايــش مصاحــب بالجنــب‪ ،‬جمعنــا اللــه بقــدره وقدرتــه‪ ،‬وبــدأت‬
‫العالقــة بعقــد زواج عــى كتابــه وســنة نب ّيــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬وأغلــق علينــا بيــت دون‬
‫خلــق اللــه جمي ًعــا‪ ،‬فلــم يلتصــق ويتقــارب مــع النفــس مثــل الــزوج‪ ،‬ال أم وال أب وال أخــت وال‬
‫أحــد‪ ،‬يلتقــي الروحــان‪ ،‬ويتصــل قلبــان‪ ،‬وتتــازج عاطفتــان‪ ،‬وتتعاطف نفســان‪ ،‬ويكتمل جســدان‪،‬‬
‫ـاس لَ ُهـ َّن} [البقــرة‪ ]187:‬ألبــس‬ ‫ـاس لَ ُكـ ْم َوأَنْتُـ ْم لِبَـ ٌ‬ ‫وتثمــر غريزتــان‪ ،‬وصــدق اللــه العظيــم { ُهـ َّن لِبَـ ٌ‬
‫اللــه عــز وجــل الــزوج بالــزوج لبــاس الســر والع ّفــة‪ ،‬ولبــاس الوقايــة مــن ح ـ ّر الغريــزة وبــرد‬
‫الوحــدة‪ ،‬لبــاس الزينــة واملتــاع {يَــا بَ ِنــي َآ َد َم قَ ـ ْد أَنْ َزلْ َنــا َعلَ ْي ُك ـ ْم لِ َب ًاســا يُ ـ َوارِي َس ـ ْو َآتِ ُك ْم َورِيشً ــا‬
‫ـات اللَّـ ِه لَ َعلَّ ُهـ ْم يَ َّذكَّـ ُرو َن (‪ )26‬يَــا بَ ِنــي َآ َد َم لَ يَ ْف ِت َن َّن ُكـ ُم‬ ‫ـر َذلِـ َـك ِمـ ْن َآيَـ ِ‬ ‫ـاس التَّ ْقـ َوى َذلِـ َـك َخـ ْ ٌ‬ ‫َولِ َبـ ُ‬
‫الشَّ ـيْطَا ُن كَـ َـا أَ ْخـ َر َج أَبَ َويْ ُكـ ْم ِمـ َن الْ َج َّنـ ِة يَ ْنـ ِز ُع َع ْن ُهـ َـا لِبَ َاسـ ُه َم لِ ُ ِييَ ُهـ َـا َسـ ْو َآتِه َِم ‪[ }...‬األعـراف‪:‬‬
‫‪ ]27 ،26‬فهــذه جنتــك‪ ،‬زوجــك وبيتــك‪ ،‬وإيــاك وإيــاك أن يدخــل الشــيطان عليكــا فيخرجكــا‬
‫ـص اللــه علينــا قصــة أول التقــاء لزوجــن‪ ،‬آدم وحــواء عليهــا الســام { َوإِ ْذ‬ ‫مــن الجنــة‪ ،‬فقــد قـ َّ‬
‫َــك‬ ‫يــس أَ َب (‪ )116‬فَ ُقلْ َنــا يَــا َآ َد ُم إِ َّن َهــذَا َعــ ُد ٌّو ل َ‬ ‫قُلْ َنــا لِلْ َم َلئِكَــ ِة ْاســ ُج ُدوا ِ َل َد َم ف ََســ َج ُدوا إِ َّل إِبْلِ َ‬
‫َولِ َز ْو ِجـ َـك فَـ َـا يُ ْخ ِر َج َّن ُكـ َـا ِم ـ َن الْ َج َّن ـ ِة فَتَشْ ـقَى (‪ )117‬إِ َّن لَـ َـك أَلَّ تَ ُجــو َع ِفي َهــا َولَ تَ ْع ـ َرى (‪)118‬‬
‫ـال يَــا َآ َد ُم َهـ ْـل أَ ُدلُّـ َـك َعـ َـى‬ ‫َوأَنَّـ َـك لَ تَظْـ َـأُ ِفي َهــا َولَ ت َضْ َحــى (‪ )119‬فَ َو ْس ـ َو َس إِلَ ْي ـ ِه الشَّ ـ ْيطَا ُن قَـ َ‬
‫ـك لَ يَ ْبـ َـى (‪ )120‬فَـأَك ََل ِم ْن َهــا فَ َبـدَتْ لَ ُهـ َـا َسـ ْو َآت ُ ُه َم َوطَ ِف َقــا يَ ْخ ِص َفــانِ َعلَ ْي ِهـ َـا‬ ‫شَ ـ َج َر ِة الْ ُخلْـ ِـد َو ُملْـ ٍ‬
‫ـاب َعلَ ْي ـ ِه َو َه ـ َدى (‪)122‬‬ ‫ـى َآ َد ُم َربَّ ـ ُه فَ َغ ـ َوى (‪ )121‬ث ُ ـ َّم ا ْجتَ َبــا ُه َربُّ ـ ُه فَتَـ َ‬ ‫ِم ـ ْن َو َرقِ الْ َج َّن ـ ِة َو َعـ َ‬
‫اي‬‫ـض َع ـ ُد ٌّو فَ ِإ َّمــا يَأْتِيَ َّن ُك ـ ْم ِم ِّنــي ُه ـ ًدى فَ َمــنِ اتَّبَ ـ َع ُه ـ َد َ‬ ‫ـال ا ْه ِبطَــا ِم ْن َهــا َج ِمي ًعــا بَ ْعضُ ُك ـ ْم لِبَ ْعـ ٍ‬ ‫قَـ َ‬
‫فَـ َـا يَ ِضـ ُّـل َولَ يَشْ ـقَى (‪َ )123‬و َم ـ ْن أَ ْع ـ َر َض َع ـ ْن ِذكْ ـرِي فَ ـ ِإ َّن لَ ـ ُه َم ِعيشَ ـ ًة ضَ ْن ـكًا َونَ ْحـ ُ ُ‬
‫ـر ُه يَ ـ ْو َم‬
‫الْ ِق َيا َمـ ِة أَ ْع َمــى (‪[ })124‬طــه‪ ]124-116 :‬قــد جعــل اللــه لــك جنــة ال تجــوع لــك فيهــا عاطفــة وال‬
‫غريــزة‪ ،‬وال تعــرى لــك فيهــا ســوءة وال نفــس‪ ،‬وال تظــأ لــك فيهــا رغبــة وال روح‪ .‬فشــجرة الخلــد‬

‫‪23‬‬
‫وامللــك الــذي ال يبــى أنــت ســائرة إليــه‪ ،‬فاجعــي اإلحســان وحســن العــرة للــزوج الشــجرة التــي‬
‫تغرســينها يف قلــب الــزوج فتظلــك بــوارف ظلهــا‪ ،‬واجعــي امللــك الــذي ال يبــى املــو ّدة والرحمــة‬
‫لزوجــك متلكــن قلبــه إىل األبــد‪ ،‬فاإلنســان عبــد اإلحســان‪ ،‬فكــوين لــه أمـ ًة يكــن لــك عبـ ًدا‪ ،‬وإيــاك‬
‫مــن وســاوس العــدو ففيهــا املعيشــة الضنــك‪ ،‬والنفــس فيهــا ســوءات يبديهــا ويظهرهــا مخالفــة‬
‫الــرع‪ ،‬فعليــك بلبــاس التقــوى ذلــك خــر‪ .‬واســمعي هــذه الحكايــة عــن إحــدى الزوجــات لعـ ّـل‬
‫اللــه ينفعــك بهــا‪ :‬تــزوج ســيدنا ســلامن الفــاريس ريض اللــه عنــه امــرأة مــن كِ ْنــدة‪ ،‬قبيلــة مــن‬
‫العــرب‪ ،‬فدخــل بهــا‪ ،‬فلــا خــا بزوجتــه قــال لهــا‪ :‬هــل أنــت مطيعتــي يف يشء آمــرك بــه؟؟ قالــت‪:‬‬
‫ـت مجلــس مــن يطــاع‪ .‬فرحمهــا اللــه تعــاىل‪ ،‬فقــد فهمــت عــن رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬ ‫جلسـ َ‬
‫وســلم فلــم تجــب بأكــر مــن هــذا‪ :‬جلســت مجلــس مــن يُطــاع‪ ،‬أي أصبحــت يل زو ًجــا وحقــك‬
‫ي الطاعــة فأمــر مبــا شــئت‪ .‬فهنيئًــا ملــن كانــت هــذه بدايتهــا‪.‬‬
‫عـ ّ‬
‫* قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬املؤمــن كالنحلــة‪ ،‬تقــع فــا تكــر‪ ،‬وتــأكل فــا‬
‫تفســد‪ ،‬وال تضــع إال طي ًبــا» أنــت مؤمنــة إن شــاء اللــه تعــاىل‪ ،‬وأنــت يف عشــك الجميــل الجديــد‬
‫مثــل النحلــة‪ ،‬يف نشــاطها ونظافتهــا ونظامهــا وترتيبهــا‪ ،‬ال تحــط إال عــى األزهــار وال تكــر األعــواد‬
‫وتــأكل الرحيــق وال تفســد الزهــور‪ ،‬وال تعطــي إال عسـ ًـا طي ًبــا فيــه الغــذاء وفيــه الــدواء‪ ،‬فــا‬
‫يشــم ّن زوجــك إال طي ًبــا‪ ،‬وال يســمع إال حس ـ ًنا‪ ،‬وال ينظــر إال جميـ ًـا‪.‬‬
‫***‬

‫‪24‬‬
‫همسات ونصائح من اجملربني الصاحلني‬

‫* قــال عمــر بــن الخطــاب ريض اللــه تعــاىل عنــه‪ :‬النســاء ثــاث‪ :‬امــرأة عاقلــة‪ ،‬مســلمة‪ ،‬عفيفــة‪،‬‬
‫لينــة‪ ،‬ودود ولــود‪ ،‬تعــن أهلهــا عــى الدهــر‪ ،‬وال تعــن الدهــر عــى أهلهــا‪ ،‬وقليـ ًـا مــا تجدهــا‪.‬‬
‫وأخــرى وعــاء للولــد ال تزيــد عــى ذلــك‪ .‬وأخــرى ُغـ ٌـل قَ ِمـ ٌـل يجعلــه اللــه يف عنــق مــن يشــاء‪ ،‬ثــم‬
‫إذا شــاء أن ينزعــه نزعــه‪.‬‬
‫* قــال عــي بــن أيب طالــب ريض اللــه عنــه‪ :‬خــر نســائكم الط ّيبــة الرائحــة‪ ،‬الطيبــة الطعــام‪ ،‬التــي‬
‫إن أنفقــت أنفقــت قص ـ ًدا‪ ،‬ون أمســكت أمســكت قص ـ ًدا‪ ،‬فتلــك مــن عـ ّـال اللــه‪ ،‬وعامــل اللــه‬
‫ال يخيــب‪.‬‬
‫* ســئلت عائشــة ريض اللــه عنهــا‪ :‬أي النســاء أفضــل؟ فقالــت‪ :‬التــي ال تعــرف عيــب املقــال‪ ،‬وال‬
‫تهتــدي ملكــر الرجــال‪ ،‬فارغــة القلــب إال مــن الزينــة لبعلهــا‪ ،‬واإلبقــاء يف الصيانــة عــى أهلهــا‪.‬‬
‫* قــال الحســن البــري رحمــه اللــه‪ :‬ينبغــي للوجــه الحســن أال يشــن وجهــه بقبيــح فعلــه‪،‬‬
‫وينبغــي لقبيــح الوجــه أال يجمــع بــن قبيحــن‪.‬‬
‫* قيــل ألعـرايب‪ :‬أي النســاء أفضــل؟ قــال‪ :‬العزيــزة يف قومهــا‪ ،‬الذليلــة يف نفســها‪ ،‬التــي يف حجرهــا‬
‫غــام‪ ،‬ويف بطنهــا غــام‪ ،‬ولهــا يف الغلــان غــام‪.‬‬
‫* قــال حكيــم‪ :‬مــا تقــول زوجــة يف زوجهــا الــذي تــرك كل النســاء واختارهــا هــي؟ ومــا تفعــل‬
‫أنيســا لــه غريهــا؟‬
‫ـرض ألي ًفــا وال ً‬
‫زوجــة مــع زوجهــا الــذي تــرك الوالديــن واألهــل واألصدقــاء ومل يـ َ‬
‫ومــا حــرص زوجــة عــى عــرض زوج وبيتــه وعرضهــا عرضــه وبيتــه لهــا؟ ومــا صنــع زوجــة يف‬
‫نفســها لزوجهــا‪ ،‬وشــياطني النســاء رافــات يف الزينــة خــارج البيــت يف ـ ّن زوجهــا؟‬
‫* قــال الفقيــه ابــن عبــد ربــه األندلــي‪ :‬البــاء كلــه مــوكل بالزوجــة الســوء‪ ،‬التــي ال تســكن‬
‫النفــس إىل كريــم عرشتهــا‪ ،‬وال تقــ ّر العــن برؤيتهــا‪.‬‬
‫* خطــب عمــرو بــن ُح ْجــر إىل عــوف بــن محلّــم الشــيباين ابنتــه أم إيــاس‪ ،‬فقــال‪ :‬نعــم أز ّوجكهــا‬
‫عــى أن أسـ ّمي بنيهــا وأزوج بناتهــا‪ .‬فقــال عمــرو بــن حجــر‪ :‬أمــا بنونا فنســم ّيهم بأســائنا وأســاء‬

‫‪25‬‬
‫آبائنــا وعمومتنــا‪ ،‬وأمــا بناتنــا فننكحهــن أكفاءهــن مــن امللــوك‪ ،‬ولكنــي أصدقهــا عقــا ًرا يف كنــدة‪،‬‬
‫وأمنحهــا حاجــات قومهــا ال تــر ّد ألحــد منهــم حاجــة‪ ،‬فقبــل ذلــك منــه أبوهــا وأنكحــه إيّاهــا‪،‬‬
‫ـت‪،‬‬‫فلــا كان بنــاؤه بهــا خلــت بهــا أمهــا فقالــت‪ :‬أي بُن ّيــة‪ ،‬إنــك فارقــت بيتــك الــذي منــه خر ْجـ ِ‬
‫ـك الــذي فيــه درجــت‪ ،‬إىل رجــلٍ مل تعرفيــه‪ ،‬وقريــنٍ مل تَأْلَفيــه‪ ،‬فكــوين لــه أ َمـ ًة يكــن لــه عب ًدا‪،‬‬ ‫وعشَّ ـ ِ‬
‫را تكــن لــك ذُخـ ًرا‪ :‬أمــا األوىل والثانيــة‪ ،‬فالخشــوع لــه بالقناعــة‪ ،‬وحســن‬ ‫ـال عـ ً‬
‫واحفظــي لــه خصـ ً‬
‫الســمع لــه والطاعــة‪ ،‬وأمــا الثالثــة والرابعــة‪ ،‬فالتفقــد ملوضــع عينــه وأنفــه‪ ،‬فــا تقــع عينــه منــك‬
‫عــى قبيــح‪ ،‬وال يش ـ ّم منــك إال أطيــب ريــح‪ ،‬وأمــا الخامســة والسادســة‪ ،‬فالتفقــد لوقــت منامــه‬
‫وطعامــه‪ ،‬فــإن حـرارة الجــوع ُملْهبــة‪ ،‬وتنغيــص النــوم مغضبة‪ ،‬وأمــا الســابعة والثامنــة‪ ،‬فاالحتفاظ‬
‫مبالــه‪ ،‬واإلرعــاء عــى حشــمه وعيالــه‪ ،‬ومــاك األمــر يف املــال حســن التدبــر‪ ،‬ويف العيــال حســن‬
‫رسا؛ فإنــك إن خالفــت‬ ‫التقديــر‪ ،‬وأمــا التاســعة والعــارشة‪ ،‬فــا تعصــن لــه أم ـ ًرا‪ ،‬وال تفشــن لــه ًّ‬
‫أمــره أوغــرت صــدره وإن أفشــيت رسه مل تأمنــي غــدره‪ ،‬ثــم إيــاك والفــرح بــن يديــه إذا كان‬
‫مهتـ ًّـا والكآبــة بــن يديــه إذا كان فر ًحــا‪ .‬وكانــت أم إيــاس هــذه مــن أجــل مــا وصفــت العــرب‪.‬‬
‫ســئل أعـرايب عــن النســاء‪ ،‬وكان ذا تجربــة وعلـ ٍـم بهــن‪ ،‬فقــال‪ :‬أفضــل النســاء أطولهــن إذا قامــت‪،‬‬
‫وأعظمهــن إذا قعــدت‪ ،‬وأصدقهــن إذا قالــت‪ ،‬التــي إذا غضبــت حلمــت‪ ،‬وإذا ضحكــت تبســمت‪،‬‬
‫وإذا صنعــت شــيئًا جــ ّودت‪ ،‬التــي تطيــع زوجهــا‪ ،‬وتلــزم بيتهــا‪ ،‬العزيــزة يف قومهــا الذليلــة يف‬
‫نفســها‪ ،‬الــودود الولــود‪ ،‬وكل أمرهــا محمــود‪.‬‬
‫* قيــل‪ :‬املــرأة الســوء كالمهــا وعيــد‪ ،‬وصوتهــا شــديد‪ ،‬تدفــن الحســنات‪ ،‬وتفــي الســيئات‪ ،‬ليــس‬
‫ُوس ـ ُع النــاس ذ ًمــا‪ ،‬صخــوب غضــوب‪ ،‬صب ّيهــا مهــزول‪،‬‬ ‫يف قلبهــا لزوجهــا رحمــة‪ ،‬قليلــة اإل ْرعــاء‪ ،‬ت ِ‬
‫وبيتهــا مزبــول‪ ،‬إذا ح ّدثــت تشــر باألصابــع‪ ،‬تبــي وهــي ظاملــة‪ ،‬وتشــهد وهــي غائبــة‪ ،‬قــد ُد ّل‬
‫لســانها بالــزور‪ ،‬وســال دمعهــا بالفجــور‪.‬‬
‫* وقيــل‪ :‬آخــر عمــر الرجــل خ ـ ٌر مــن أ ّولــه‪ :‬يثــوب حلمــه‪ ،‬وتثقــل حصاتــه‪ ،‬وتُحمــد رسيرتــه‪،‬‬
‫وتكمــل تجاربــه‪ ،‬وآخــر عمــر املــرأة رش مــن أولــه‪ :‬يذهــب جاملهــا‪ ،‬ويــذرب لســانها‪ ،‬وتعقــم‬
‫رحمهــا‪ ،‬ويســوء خلقهــا‪.‬‬
‫***‬

‫‪26‬‬
‫الصادق األمني صلى اهلل عليه وسلم‬
‫يبني حقائق الدين ووصاياه للزوجني‬
‫* عــن ثوبــان ريض اللــه عنــه قــال‪( :‬ملــا نزلــت‪َ { :‬وال َِّذي ـ َن يَ ْك ِن ـ ُزو َن ال َّذ َهـ َ‬
‫ـب َوالْ ِفضَّ ـ َة}‪ ،‬كنــا مــع‬
‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يف بعــض أســفاره‪ ،‬فقــال بعــض أصحابــه‪ :‬أُنزلــت يف الذهــب‬
‫والفضــة لــو علمنــا أي املــال خـ ٌر فنتخــذه؟ فقــال صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬أفضلــه لســان ذاكــر‪،‬‬
‫وقلــب شــاكر‪ ،‬وزوجــة مؤمنــة تعينــه عــى إميانــه» رواه ابــن ماجــة والرتمــذي وقــال‪ :‬حديــث‬
‫حســن‪.‬‬
‫* وعــن أيب أُمامــة ريض اللــه عنــه عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم أنــه كان يقــول‪« :‬مــا اســتفاد‬
‫املؤمــن بعــد تقــوى اللــه عــز وجــل خـرًا لــه مــن زوجــة صالحــة‪ ،‬إن أمرهــا أطاعتــه‪ ،‬وإن نظــر‬
‫رستــه‪ ،‬وإن أقســم عليهــا أبرتــه‪ ،‬وإن غــاب عنهــا نصحتــه يف نفســها ومالــه» رواه ابــن‬ ‫إليهــا ّ‬
‫ماجــة‪ ،‬ومعنــى إن أقســم عليهــا أبّرتــه أي إن حلــف عــى يشء ســارعت بتنفيــذه‪.‬‬
‫* عــن عبــد اللــه بــن عمــرو بــن العــاص ريض اللــه عنهــا أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫قــال‪« :‬الدنيــا متــاع‪ ،‬وخــر متاعهــا املــرأة الصالحــة» رواه مســلم والنســايئ وابــن ماجــة ولفظــه‪:‬‬
‫«إمنــا الدنيــا متــاع‪ ،‬وليــس مــن متــاع الدنيــا يشء أفضــل مــن املــرأة الصالحــة» وذكــره رزيــن‬
‫ولفظــه «الدنيــا متــاع ومــن خــر متاعهــا امــرأة تعــن زوجهــا عــى اآلخــرة‪ ،‬مســكني مســكني‬
‫رجــل ال امــرأة لــه‪ ،‬مســكينة مســكنة امــرأة ال زوج لهــا»‪.‬‬
‫* وعــن أنــس ريض اللــه عنــه أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬مــن رزقــه اللــه امــرأة‬
‫ـق اللــه يف الشــطر الباقــي» رواه الطـراين يف األوســط‬ ‫صالحــة فقــد أعانــه عــى شــطر دينــه‪ ،‬فليتـ ِ‬
‫والبيهقــي والحاكــم وقــال‪ :‬صحيــح اإلســناد‪.‬‬
‫فانظــري هــداك اللــه ورعــاك َمـ ْن أنــت يف هــذا الوجــود؟ هــذا الوجــود الــذي خلقــه اللــه ليعبــد‪،‬‬
‫فأنــت بعــد تقــوى اللــه!!! فتقــوى اللــه بهــا ســعادة الدنيــا واآلخــرة‪ ،‬وأنــت بــك ســعادة الدنيــا‪،‬‬
‫والعــون عــى ســعادة اآلخــرة‪ .‬أنــت مفتــاح الســعادة وليــس للرجــل بعــد تقــوى اللــه مــن مطلــب‬
‫وغايــة واســتفادة إال أنــت‪ ..‬أنــت بصالحــك‪ ،‬أنــت بإميانــك‪ ،‬أنــت يف طاعتــك‪ ،‬ســعادته أن تطيعيــه‪،‬‬

‫‪27‬‬
‫رسوره أن ينظــر إليــك‪ ،‬متاعــه يف الدنيــا‪ ،‬بــل خــر متاعــه أنــت‪ ،‬دنيــاه ومبتغــاه‪ ،‬ال الولــد وال‬
‫ره وتعينــه وتنصحــه‬ ‫املنصــب وال املــال وال األهــل‪ ،‬ليــس بعــد تقــوى اللــه‪ ،‬إال امــرأة صالحــة‪ ،‬تـ ّ‬
‫وتحفظــه ومتتعــه وتـ ّره‪ ،‬فمســكني ألــف مســكني رجــل ال يجــدك فيســتكمل بــك الديــن‪ ،‬وينعــم‬
‫بــرزق رب العاملــن‪.‬‬
‫يتحصــن مــن الشــيطان‪ ،‬ويكــر التوقــان ويدفــع غوائــل الشــهوة‪ ،‬ويغــض البــر‪ ،‬ويحفــظ‬ ‫* بــك ّ‬
‫الفــرج‪ ،‬ويــر ّوح النفــس‪ ،‬ويأنــس باملجالســة والنظــر‪ ،‬واملداعبــة وإراحــة القلــب‪ ،‬فيقــوى عــى‬
‫العبــادة‪ ،‬فــإن النفــس ملــول وهــي عــن الحــق نفــور‪ ،‬ويفــرغ القلــب عــن تدبــر املنــزل‪ .‬قــال أبــو‬
‫ســليامن ال ـ ّداراين‪ :‬الزوجــة الصالحــة ليســت مــن الدنيــا فإنهــا تفرغــك لآلخــرة‪ ،‬وإمنــا تفريغهــا‬
‫بحســن تدبــر املنــزل وبقضــاء الشــهوة‪ .‬وقــال محمــد بــن كعــب القرظــي‪ :‬املــرأة الصالحــة هــي‬
‫معنــى قــول اللــه تعــاىل‪َ { :‬ربَّ َنــا َآتِ َنــا ِف ال ُّدنْيَــا َح َسـ َن ًة}‪.‬‬
‫* عــن جابــر بــن عبــد اللــه ريض اللــه عنهــا عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬إن‬
‫إبليــس يضــع عرشــه عــى املــاء ثــم يبعــث رسايــاه‪ ،‬فأدناهــم منــه منزلــة أعظمهــم فتنــة‪ ،‬يجــيء‬
‫أحدهــم فيقــول‪ :‬فعلــت كــذا وكــذا‪ ،‬فيقــول‪ :‬مــا صنعــت شــي ًئا‪ ،‬ثــم يجــيء أحدهــم فيقــول‪ :‬مــا‬
‫تركتــه حتــى ف ّرقــت بينــه وبــن امرأتــه‪ ،‬فيدنيــه منــه ويقــول‪ :‬نِ ْعــم أنــت فيلتزمــه» رواه مســلم‬
‫وغــره‪.‬‬
‫* «إن الشــيطان قــد يئــس أن يعبــده املصلــون يف جزيــرة العــرب‪ ،‬ولكــن يف التحريــش بينهــم»‬
‫رواه مســلم‪ ،‬والتحريــش هــو اإلغـراء وتغيــر القلــوب والتقاطــع‪.‬‬
‫* عــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬ليــس منــا مــن خبــب‬
‫امــرأة عــى زوجهــا» رواه أبــو داود والنســايئ وابــن حبــان يف صحيحــه‪ ،‬ولفظــه‪« :‬مــن أفســد امــرأة‬
‫عــى زوجهــا فلــس منــا» ومعنــى خ ّبــب‪ :‬خــدع وأفســد‪.‬‬
‫«أيــا امــرأة ســألت‬ ‫* وعــن ثوبــان ريض اللــه عنــه عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪ّ :‬‬
‫زوجهــا طالقهــا مــن غــر مــا بــأس‪ ،‬فحـرام عليهــا رائحــة الجنــة» رواه أبــو داود والرتمــذي وابــن‬
‫ماجــة وابــن حبــان يف صحيحــه‪.‬‬
‫فانظــري رحمــك اللــه وأعانــك‪ ،‬كيــف ِحــ ْرص شــياطني الجــن واإلنــس عــى إفســاد الســعادة‬

‫‪28‬‬
‫الزوجيــة‪ ،‬والحيــاة األبديــة؟ والشــجار والنفــار بعــد املــو ّدة والرحمــة؟ بالتحريــش والتفريــق‪،‬‬
‫وإفســاد الحيــاة الطيبــة‪ ،‬فــإن العــد ّو املبــن عــى الضــد مــن أمــر الديــن‪ .‬فأمــر اللــه للزوجــن‬
‫أن تكــون بينهــا املــودة والرحمــة‪ ،‬وأمــر الشــيطان القطيعــة والبغضــاء‪ .‬يقــول املــوىل عــز وجــل‬
‫ـي أَ ْح َس ـ ُن إِ َّن الشَّ ـيْطَا َن يَ ْن ـ َز ُغ بَيْ َن ُه ـ ْم إِ َّن الشَّ ـيْطَا َن كَا َن لِ ْ ِلن َْســانِ‬
‫{ َوقُـ ْـل لِ ِعبَــا ِدي يَقُولُــوا الَّ ِتــي ِهـ َ‬
‫َع ـ ُد ًّوا ُمبِي ًنــا} [اإلرساء‪ ]53 :‬وينــزغ أي يفســد‪.‬‬
‫***‬

‫‪29‬‬
‫الطاعة للرجل والقوامة على املرأة‬
‫هل هي تنقيص للمرأة وحط ملنزلتها؟‬
‫تـوطـئـة‪:‬‬
‫* الرجــل واملــرأة مخلوقــان لعبــادة اللــه وحــده‪ ،‬والدنيــا ليســت مقصــودة لذاتهــا وإمنــا هــي‬
‫ـس ذَائِ َقـ ُة الْ َمـ ْو ِت َوإِنَّ َــا ت ُ َوفَّـ ْو َن أُ ُجو َركُـ ْم يَـ ْو َم الْ ِقيَا َمـ ِة}‬ ‫مزرعــة اآلخــرة‪ .‬يقــول عــز وجــل‪{ :‬ك ُُّل نَ ْفـ ٍ‬
‫[آل عمـران‪ ]185 :‬وكل مــا يصيــب العبــد يف هــذه الدنيــا امتحــان ليفــوز مــن يفــوز ويخــر مــن‬
‫يخــر {فَ َم ـ ْن ُز ْح ـز َِح َعــنِ ال َّنــا ِر َوأُ ْد ِخـ َـل الْ َج َّن ـ َة فَ َق ـ ْد فَــا َز َو َمــا الْ َح َيــا ُة ال ُّدنْ َيــا إِ َّل َمتَــا ُع الْ ُغ ـ ُرورِ}‬
‫[آل عمـران‪ .]185 :‬والغــرور هــو الخــداع والوهــم‪ .‬ويقــول عــز وجــل‪{ :‬إِنَّــا َج َعلْ َنــا َمــا َعـ َـى الْ َ ْر ِض‬
‫ــا} [الكهــف‪ ]7 :‬فــكل أوضــاع الدنيــا وكل عطــاء فيهــا‬ ‫زِي َنــ ًة لَ َهــا لِ َنبْلُ َو ُهــ ْم أَيُّ ُهــ ْم أَ ْح َســ ُن َع َم ً‬
‫مقصــود بــه االمتحــان‪ .‬والرجــل واملــرأة يف ذلــك ســواء ال خــاف وال اختــاف يف غايــة األمــر‪.‬‬
‫ـس ال َّذكَ ـ ُر‬‫* تكاليــف الــرع للرجــل وللمــرأة راعــت العــدل والرحمــة‪ .‬يقــول اللــه تعــاىل‪َ { :‬ولَ ْيـ َ‬
‫ـر ملــا خلــق لــه‪ ،‬يقــول اللــه عــز‬ ‫كَالْ ُنْثَــى} [آل عم ـران‪ ]36 :‬ال يف القــدرات والجنــس‪ ،‬فــكل ميـ ّ‬
‫وجــل‪{ :‬أَلَ يَ ْعلَـ ُم َمـ ْن َخلَـ َـق َو ُهـ َو الل َِّطيـ ُـف الْ َخ ِبـ ُر} [امللــك‪ ]14 :‬ويقــول عـ َّز ِمـ ْن قائــلٍ {لَ يُ َكلِّـ ُـف‬
‫اللَّ ـ ُه نَف ًْســا إِ َّل ُو ْس ـ َع َها} [البقــرة‪ ]286 :‬فالتكاليــف التــي كلــف الــرع بهــا الرجــل مناســبة لــه‬
‫وملــا خلــق لــه وهــي يف وســعه ومقــدوره‪ ،‬والتكاليــف التــي كلــف الــرع بهــا املــرأة مناســبة لهــا‬
‫وملــا خلقــت لــه وهــي يف وســعها ومقدورهــا‪.‬‬
‫* الرجــل إذا قــام مبــا كُلــف بــه رش ًعــا فهــو كريــم عــى اللــه بقــدر تقــواه‪ ،‬وكذلــك املــرأة إذا‬
‫قامــت مبــا كلفهــا بــه الــرع كانــت كرميــة عــى اللــه بقــدر تقواهــا للــه‪ ،‬يقــول املــوىل عــز وجــل‬
‫{إِ َّن أَكْ َر َم ُك ـ ْم ِع ْن ـ َد اللَّ ـ ِه أَتْقَاكُ ـ ْم} [الحج ـرات‪ ]13 :‬بــا تفرقــة بــن رجــل وامــرأة‪ ،‬فهــو مقيــاس‬
‫واحــد يف رشع اللــه ال غــر‪ ،‬األفضــل هــو األتقــى‪ ،‬ال دخــل للمقاييــس األخــرى التــي تعــارف عليهــا‬
‫النــاس‪ ،‬ال الحســب‪ ،‬وال الجــاه‪ ،‬وال املــال‪ ،‬وال الذكــورة وال األنوثــة وال يشء مــن ذلــك‪.‬‬
‫* يختلــف الرجــل عــن املــرأة يف تكاليــف وواجبــات كل منهــا‪ ،‬فهــذه رضورة رشعيــة وفطريــة‬
‫وعقليــة وواقعيــة‪ ،‬فلــن يكــون الرجــل كاملــرأة وال املــرأة كالرجــل بهــذا الزعــم‪ ،‬فليــس الذكــر‬

‫‪30‬‬
‫ـاس َعلَ ْي َهــا‬‫كاألنثــى‪ ،‬وســنن اللــه يف الخلــق ال تتغــر بتغــر األزمــان {فطــرت اللــه التــي فَطَـ َر ال َّنـ َ‬
‫ـاس لَ يَ ْعلَ ُمــونَ} [الــروم‪ ]30 :‬فالرحــم‬ ‫ـر ال َّنـ ِ‬ ‫لَ تَبْ ِديـ َـل لِ َخلْــقِ اللَّ ـ ِه َذلِـ َـك ال ِّدي ـ ُن الْ َقيِّ ـ ُم َولَ ِك ـ َّن أَكْـ َ َ‬
‫للمــرأة والصلــب للرجــل ولــن يحمــل ذكــر ويلــد‪ ،‬ولــن يكــون إال ذكــر أو أنثــى فيمــن يولــدون‪.‬‬
‫ولــو كلَّفْنــا املــرأة بتكاليــف مخالفــة لفطرتهــا لــكان فيــه العنــت والظلــم والحــرج‪ ،‬بــل والعبــث‬
‫واملســتحيل‪.‬‬
‫* ولكــن العــدل املطلــق س ـ ّوى بــن الذكــر واألنثــى فيــا ُخلقــا مــن أجلــه‪ ،‬العبــادة والطاعــة‬
‫والجـزاء يف الدنيــا واآلخــرة‪ ،‬بــا فــرق وال أدىن فــرق‪ ،‬وهــذا مقصــود الوجــود‪ ،‬هــذا جوهــر القضيــة‬
‫فــا عــداه مقصــود لــه‪ .‬يقــول البــارئ الخالــق { َمـ ْن َع ِمـ َـل َصالِ ًحــا ِمـ ْن َذكَـ ٍر أَ ْو أُنْثَــى َو ُهـ َو ُم ْؤ ِمـ ٌن‬
‫فَلَ ُن ْح ِي َي َّن ـ ُه َح َيــا ًة طَ ِّي َب ـ ًة َولَ َن ْج ِزيَ َّن ُه ـ ْم أَ ْج َر ُه ـ ْم ِبأَ ْح َســنِ َمــا كَانُــوا يَ ْع َملُــونَ} [النحــل‪ ]97 :‬ويقــول‬
‫ـات ِمـ ْن َذكَـ ٍر أَ ْو أُنْثَــى َو ُهـ َو ُم ْؤ ِمـ ٌن فَأُولَ ِئـ َـك يَ ْد ُخلُــو َن الْ َج َّنـ َة‬ ‫الصالِ َحـ ِ‬ ‫ســبحانه‪َ { :‬و َمـ ْن يَ ْع َمـ ْـل ِمـ َن َّ‬
‫َولَ يُظْلَ ُمــو َن نَ ِق ـ ًرا} [النســاء‪ ]124 :‬ويقــول جــل وعــا {يَــا قَـ ْو ِم إِنَّ َــا َهـ ِـذ ِه الْ َح َيــا ُة ال ُّدنْ َيــا َمتَــا ٌع‬
‫ـي َدا ُر الْ َق ـ َرا ِر (‪َ )39‬م ـ ْن َع ِمـ َـل َس ـ ِّيئَ ًة فَـ َـا يُ ْج ـ َزى إِ َّل ِمثْلَ َهــا َو َم ـ ْن َع ِمـ َـل َصالِ ًحــا‬ ‫ال ِخ ـ َر َة ِهـ َ‬
‫َوإِ َّن ْ َ‬
‫ـاب} [غافــر‪:‬‬ ‫ـر ِح َسـ ٍ‬ ‫ِم ـ ْن َذكَ ـ ٍر أَ ْو أُنْثَــى َو ُه ـ َو ُم ْؤ ِم ـ ٌن فَأُولَ ِئـ َـك يَ ْد ُخلُــو َن الْ َج َّن ـ َة يُ ْر َزقُــو َن ِفي َهــا ِب َغـ ْ ِ‬
‫اب لَ ُه ـ ْم َربُّ ُه ـ ْم أَنِّ لَ أُ ِضي ـ ُع َع َمـ َـل َعا ِمــلٍ ِم ْن ُك ـ ْم ِم ـ ْن َذكَ ـ ٍر أَ ْو‬ ‫‪ ]40 ،39‬ويقــول ســبحانه‪{ :‬ف َْاس ـتَ َج َ‬
‫ـض} [آل عم ـران‪ ]195 :‬فانظــري وتفكــري وفقــك اللــه‪ ،‬فهــل تريــن اللــه‬ ‫أُنْثَــى بَ ْعضُ ُك ـ ْم ِم ـ ْن بَ ْعـ ٍ‬
‫فضــل الرجــل عــى األنثــى؟ هــل مــن أدىن فــرق؟ هــذه هــي املســاواة الحقــة مــن خالــق الخلــق‬
‫ومجــازي الخلــق‪ ،‬هــذه هــي حقيقــة األمــر يخــر بهــا اللــه الخلــق‪ .‬فكــم مــن أنثــى هــي عنــد‬
‫اللــه أفضــل مــن ماليــن الذكــور بتقواهــا وبفجورهــم وكفرهــم‪ .‬وكــم مــن زوجــة مطيعــة لربهــا‬
‫هــي أفضــل مــن زوجهــا املضيــع للديــن‪.‬‬
‫* مــن مقصــود الــرع والديــن أن يكلفنــا مبــا نحــب ومبــا نكــره‪ ،‬فليســت كل تكاليــف الديــن‬
‫ـى أَ ْن ت َ ْك َر ُهــوا‬ ‫ـال َو ُه ـ َو كُ ـ ْر ٌه لَ ُك ـ ْم َو َعـ َ‬ ‫ـب َعلَ ْي ُك ـ ُم الْ ِقتَـ ُ‬ ‫محببــة للمؤمنــن يقــول عــز وجــل {كُ ِتـ َ‬
‫ش لَكُــ ْم } [البقــرة‪ ]216 :‬ويقــول مــن‬ ‫ــى أَ ْن ت ُِحبُّــوا شَ ــيْئًا َو ُهــ َو َ ٌّ‬ ‫ــر لَكُــ ْم َو َع َ‬ ‫شَ ــيْئًا َو ُهــ َو َخ ْ ٌ‬
‫ـي الْـ َـأْ َوى}‬ ‫ـس َعــنِ الْ َه ـ َوى (‪ )40‬فَ ـ ِإ َّن الْ َج َّن ـ َة ِهـ َ‬ ‫ـاف َم َقــا َم َربِّـ ِه َونَ َهــى ال َّن ْفـ َ‬ ‫قائــل‪َ { :‬وأَ َّمــا َم ـ ْن َخـ َ‬
‫[النازعــات‪ ]41 ،40 :‬فمقصــود األوامــر والنواهــي امتحــان العبــد والجائــزة للفائزيــن هــي الجنــة‪،‬‬

‫‪31‬‬
‫لذلــك يكلفنــا اللــه بــرك مــا تحــب نفوســنا مــن شــهواتها وقــد زيّنهــا لنــا وحببنــا فيهــا مــن‬
‫أمــور ماديــة ومعنويــة كالزنــا والنظــر للعــورات وحــب املــدح وغــر ذلــك‪ ،‬ومــا تكرهــه النفــوس‬
‫ـض القــرآن عــى الطاعــة للــه ولرســوله وألوليــاء األمــر‪،‬‬‫الطاعــة للغــر والخضــوع لــه‪ ،‬لذلــك حـ ّ‬
‫وأخــذ الرســول صــى اللــه عليــه وســلم بيعــة الصحابــة عــى الســمع والطاعــة يف املنشــط واملكــره‬
‫والعــر واليــر وعــى أال ننــازع األمــر أهلــه‪.‬‬
‫***‬

‫‪32‬‬
‫طاعة ولي أمر املرأة والزوج‬
‫تكليف شرعي من أعظم التكاليف‬
‫ـألت رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم أي النــاس‬ ‫* عــن عائشــة ريض اللــه عنهــا قالــت‪« :‬سـ ُ‬
‫أعظــم ح ًّقــا عــى املــرأة؟ قــال‪ :‬زوجهــا‪ .‬قلــت‪ :‬فــأي النــاس أعظــم ح ًّقــا عــى الرجــل؟ قــال‪ :‬أمــه»‬
‫رواه البـزار والحاكــم وإســناده حســن‪ .‬فــا أعظمــه رشع مــن عنــد اللــه العليــم الحكيــم‪ ،‬تكليــف‬
‫عظيــم عــى املــرأة وفــا ًء بحــق الــزوج وهــو رجــل‪ ،‬ويف املقابــل تكليــف عظيــم عــى الرجــل وفــاء‬
‫بحــق األم وهــي امــرأة‪.‬‬
‫* عــن ُحصــن بــن ِم ْحصــن ريض اللــه عنــه أن ع ّمـ ًة لــه أتــت النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‬
‫لهــا‪ :‬أذاتُ زوج أنــت؟ قالــت‪ :‬نعــم‪ .‬قــال‪ :‬فأيــن أنــت منــه؟ قالــت‪ :‬مــا آلــوه إال مــا عجــزت‬
‫عنــه‪ .‬قــال‪ :‬فكيــف أنــت لــه؟ فإنــه جنتــك ونــارك» رواه أحمــد والنســايئ والحاكــم وهــو صحيــح‬
‫اإلســناد‪ ،‬ومعنــى مــا آلــوه أي مــا أســتطيعه‪ ،‬أي أفعــل معــه كل يشء يحبــه إال إذا عجــزت عنــه‪.‬‬
‫لقــد عرفــت نســاء الصحابــة حــق اللــه وحقــوق العبــاد ومنهــا حــق الــزوج فاجتهــدن وش ـ ّمرن‬
‫للجنــة‪ ،‬ومل تــر ّد أمــر اللــه ومل تناقشــه ومل تكرهــه عندمــا أمرهــا بطاعــة الــزوج وحســن التب ّعــل‬
‫لــه‪.‬‬
‫* عــن أم ســلمة زوج النبــي صــى اللــه عليــه وســلم وريض اللــه عنهــا قالــت‪ :‬قــال رســول اللــه‬
‫اض دخلــت الجنــة» رواه ابــن ماجــة‬ ‫صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬أميــا امــرأة ماتــت وزوجهــا عنهــا ر ٍ‬
‫والرتمــذي والحاكــم وحســنه الرتمــذي وقــال الحاكــم‪ :‬صحيــح اإلســناد‪ .‬وعــن أيب هريــرة ريض‬
‫وحصنــت‬‫اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬إذا صلّــت املــرأة خمســها‪ّ ،‬‬
‫فرجهــا‪ ،‬وأطاعــت بعلهــا‪ ،‬دخلــت مــن أي أبــواب الجنــة شــاءت» رواه ابــن حبــان يف صحيحــه‪.‬‬
‫ورواه عبــد الرحمــن بــن عــوف ريض اللــه عنــه‪« :‬إذا صلّــت املــرأة خمســها‪ ،‬وصامــت شــهرها‪،‬‬
‫وحفظــت فرجهــا‪ ،‬وأطاعــت زوجهــا‪ ،‬قيــل لهــا‪ :‬ادخــي الجنــة مــن أي أبــواب الجنــة شــئت» رواه‬
‫أحمــد والطـراين‪ .‬إنهــا تكاليــف واحــدة‪ ،‬الصلــوات الخمــس‪ ،‬صيــام رمضــان‪ ،‬حفــظ الفــرج‪ ،‬طاعــة‬
‫الــزوج‪ ،‬كلهــا تؤديهــا املــرأة للــه‪ ،‬طاعــة لــه وحــده‪ ،‬واســتجابة لرشعــه‪ ،‬فليــس النظــر يف األمــر‬

‫‪33‬‬
‫نفســه ولكــن النظــر فيمــن هــو صاحــب األمــر الــذي بــه أمــر‪ ،‬فالطاعــة لــه وحــده‪ ،‬إن صمــت‬
‫الشــهر فلــه وحــده‪ ،‬وإن أطعــت زوجــك فلــه وحــده‪ ،‬فكلهــا طاعــة للــه‪ ،‬والغايــة الجنــة‪ ،‬بــل‬
‫حتــى طاعــة الرســول صــى اللــه عليــه وســلم ليســت لــه ولكنهــا للــه { َمـ ْن يُ ِطـعِ ال َّر ُسـ َ‬
‫ـول فَ َقـ ْد‬
‫أَطَــا َع اللَّـ َه}‪.‬‬
‫* عــن ابــن عبــاس ريض اللــه عنهــا قــال‪« :‬جــاءت امــرأة إىل النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫فقالــت‪ :‬يــا رســول اللــه أنــا وافــدة النســاء إليــك‪ ،‬هــذا الجهــاد كتبــه اللــه عــى الرجــال‪ ،‬فــإن‬
‫يصيبــوا أجــروا‪ ،‬وإن قتلــوا كانــوا أحيــا ًء عنــد ربهــم يرزقــون‪ ،‬ونحــن معــر النســاء نقــوم عليهــم‪،‬‬
‫فــا لنــا مــن ذلــك؟ قــال‪ :‬فقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬أبلغــي مــن لقيــت مــن‬
‫النســاء أن طاعــة الــزوج واعرتافًــا بح ّقــه يعــدل ذلــك‪ ،‬وقليــل منكــن مــن يفعلــه» رواه الب ـزار‬
‫ورواه الط ـراين ولفظــه «ثــم جاءتــه يعنــي النبــي صــى اللــه عليــه وســلم امــرأة فقالــت‪ :‬إين‬
‫رســول النســاء إليــك ومــا منهــن امــرأة علمــت أو مل تعلــم إال وهــي تهــوى مخرجــي إليــك‪.‬‬
‫اللــه رب الرجــال والنســاء وإل ُه ُهــن‪ ،‬وأنــت رســول اللــه إىل الرجــال والنســاء‪ ،‬كتــب اللــه الجهــاد‬
‫عــى الرجــال فــإن أصابــوا أجــروا وإن استشــهدوا كانــوا أحيــاء عنــد ربهــم يرزقــون‪ ،‬فــا يعــدل‬
‫ذلــك مــن أعاملهــم مــن الطاعــة؟ قــال‪ :‬طاعــة أزواجهــن واملعرفــة بحقوقهــن‪ ،‬وقليــل منكــن مــن‬
‫يفعلــه»‪.‬‬
‫فانظــري هــداك اللــه وأعانــك قــول وافــدة النســاء وهــي أســاء بنــت يزيــد ريض اللــه عنهــا‪ :‬مــا‬
‫مــن امــرأة علمــت أو مل تعلــم إال وهــي تهــوى مخرجــي إليــك‪ ،‬إنــه إجــاع مــن النســاء عــى‬
‫طلــب واحــد محــدد‪ :‬مــا هــو الــيء الــذي تلحــق بــه النســا ُء الرجــال الذيــن يقاتلــون يف ســبيل‬
‫اللــه ألنــه أمــر مــن تكاليــف الرجــال دون النســاء؟ وهــو أمــر علــم مــن الديــن أنــه ســنام الديــن‬
‫وذروتــه بالنســبة للرجــال‪ .‬وكانــت إجابــة النبــي صــى اللــه عليــه وســلم محــددة أيضً ــا واضحــة‪:‬‬
‫طاعــة أزواجهــن واملعرفــة بحقوقهــن‪ .‬وهــذا هــو األمــر الــذي تكرهــه نفــوس النســاء مــن فــروض‬
‫وتكاليــف الديــن‪ ،‬متا ًمــا كــا أخــر اللــه تعــاىل أن الجهــاد املكتــوب عــى الرجــال تكرهــه نفوســهم‬
‫ـب َعلَ ْي ُكـ ُم الْ ِقتَـ ُ‬
‫ـال َو ُهـ َو كُـ ْر ٌه لَ ُكـ ْم} [البقــرة‪ ]216 :‬وانظــري أيضً ــا رعــاك اللــه مــا هــو املطلــب‬ ‫{كُ ِتـ َ‬
‫املجمــع عليــه مــن نســاء املســلمني!! األجــر والثــواب واملســاواة يف ذلــك مــع الرجــال ألن اللــه‬

‫‪34‬‬
‫رب الرجــال والنســاء وإلههــن‪ ،‬والرســول رســول اللــه إىل الرجــال والنســاء‪ ،‬ثــم انظــري أنــار اللــه‬
‫بصريتــك مــا هــو مطلــب نســاء املســلمني اليــوم!! املســاواة مــع الرجــال يف أمــور الدنيــا مبــا جلــب‬
‫للحيــاة الشــقاء للجميــع‪.‬‬
‫* عــن أنــس بــن مالــك ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬كان أهــل بيــت مــن األنصــار لهــم جمــل يســنون‬
‫عليــه‪ ،‬أي يســقون عليــه املــاء مــن البــر‪ ،‬وإنــه اســتصعب عليهــم فمنعهــم ظهــره‪ ،‬وإن األنصــار‬
‫جــاؤوا إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فقالــوا‪ :‬إنــه كان لنــا جمــل نســنى عليــه وإنــه‬
‫اســتصعب علينــا ومنعنــا ظهــره‪ ،‬وقــد عطــش الــزرع والنخــل؟ فقــال صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫ألصحابــه‪ :‬قومــوا‪ ،‬فقامــوا فدخــل الحائــط‪ ،‬أي الحديقــة‪ ،‬والجمــل يف ناحيتــه‪ ،‬فمــى النبــي صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم نحــوه‪ ،‬فقالــت األنصــار‪ :‬يــا رســول اللــه قــد صــار مثــل الكلْــب الكلِــب نخــاف‬
‫ي منــه بــأس‪ ،‬فلــا نظــر الجمــل إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬ ‫عليــك صولتــه؟ قــال‪ :‬ليــس عـ َّ‬
‫وســلم أقبــل نحــوه حتــى خ ـ َّر ســاج ًدا بــن يديــه‪ ،‬فأخــذ رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫بناصيتــه أذل مــا كانــت قــط حتــى أدخلــه يف العمــل‪ ،‬فقــال لــه أصحابــه‪ :‬يــا رســول اللــه هــذا‬
‫بهيمــه ال يعقــل يســجد لــك‪ ،‬ونحــن نعقــل فنحــن أحــق أن نســجد لــك‪ ،‬قــال‪ :‬ال يصلــح لبــر‬
‫أن يســجد لبــر‪ ،‬ولــو صلــح لبــر أن يســجد لبــر ألمــرت املــرأة أن تســجد لزوجهــا لعظــم‬
‫حقــه عليهــا‪ ،‬لــو كان مــن قدمــه إىل مفــرق رأســه قرحــة تنبجــس بالقيــح والصديــد ثــم اســتقبلته‬
‫فلحســته مــا أدت حقــه» رواه أحمــد والنســايئ بإســناد جيــد رواتــه ثقــات مشــهورون‪ ،‬ورواه البزار‬
‫وابــن حبــان يف صحيحــه مــن حديــث أيب هريــرة‪ ،‬وليــس فيــه لــو كان إىل آخــر الحديــث‪ .‬نعــم يــا‬
‫أختــي يف اللــه‪ ،‬إنهــا حقــوق قدرهــا اللــه تؤمــن بهــا املؤمنــة باللــه‪ ،‬وتخالــف طبعهــا وكربياءهــا‬
‫لتدخــل جنــة ربهــا‪ ،‬فاللــه اللــه ثــم الــزوج‪ .‬والج ـزاء مــن اللــه مــودة ورحمــة ووعــد بالســعادة‬
‫القلبيــة والعيــش والهنــيء‪ .‬قــد ســعدت يف الدنيــا النســاء املؤمنــات القانتــات الحافظــات للــه‬
‫بالغيــب مــن ســلفنا الصالــح‪ ،‬وشــقيت أكــر النســاء يف حياتنــا اليــوم ألن القلــوب أنكــرت رشع‬
‫اللــه وخالفــت أمــره‪ ،‬ومل يحــدث أن ســجدت امــرأة لزوجهــا ألن ذلــك يخالــف الــرع ولكنهــا‬
‫خضعــت لربهــا وأطاعــت زوجهــا فأخضــع اللــه قلــب زوجهــا لهــا فملكتــه وتربعــت فيــه‪ ،‬فهيئتهــا‬
‫أنهــا ذليلــة لزوجهــا وحقيقتهــا أنهــا عزيــزة ملكــت قلبــه وبيتــه‪ ،‬فالج ـزاء جنــس العمــل‪.‬‬
‫***‬
‫‪35‬‬
‫هل املرأة أقل من الرجل يف العقل والدين؟‬

‫* عــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬اســتوصوا‬
‫بالنســاء‪ .‬فــإن املــرأة خلقــت مــن ضلــع‪ ،‬وإن أعــوج مــا يف الضلــع أعــاه فــإن ذهبــت تقيمــه‬
‫كرستــه‪ ،‬وإن تركتــه مل يــزل أعــوج‪ ،‬فاســتوصوا بالنســاء» رواه البخــاري ومســلم وغريهــا‪ .‬ويف‬
‫روايــة ملســلم «إن املــرأة خلقــت مــن ضلــع لــن تســتقيم لــك عــى طريقــة‪ ،‬فــإن اســتمتعت بهــا‪،‬‬
‫اســتمتعت وفيهــا عــوج‪ ،‬وإن ذهبــت تقيمهــا كرستهــا‪ ،‬وكرسهــا طالقهــا»‪.‬‬
‫* عــن أيب ســعيد ال ُخ ـ ْدري ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬خــرج رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يف‬
‫أضحــى أو فطــر إىل املصـ ّـى فمــر عــى النســاء فقــال‪ :‬يــا معــر النســاء‪ ...‬مــا رأيــت مــن ناقصــات‬
‫ـب الرجــل الحــازم مــن إحداكــن‪ .‬قلــن‪ :‬ومــا نقصــان ديننــا وعقلنــا يــا‬ ‫عقــل وديــن أ ْذهــب للـ ّ‬
‫رســول اللــه؟ فقــال‪ :‬أليــس شــهادة املــرأة مثــل نصــف شــهادة الرجــل؟ قلــن‪ :‬بــى‪ .‬قــال‪ :‬فذلــك‬
‫ـم؟ قلــن‪ :‬بــى‪ .‬قــال‪ :‬فذلــك مــن نقصــان‬ ‫تصـ ْ‬
‫مــن نقصــان عقلهــا‪ ،‬أليــس إذا حاضــت مل تصـ ِّـل ومل ُ‬
‫دينهــا» رواه البخــاري ومســلم‪.‬‬
‫* معنــى العقــل‪ :‬قــال ابــن منظــور يف لســان العــرب‪ :‬العقــل التثبــت يف األمــور‪ .‬قــال ابــن األنباري‪:‬‬
‫رجــل عاقــل هــو الجامــع ألمــره ورأيــه‪ ،‬مأخــوذ مــن عقلــت البعــر إذا جمعــت قوامئــه‪ ،‬والعاقــل‬
‫الــذي يحبــس نفســه ويردهــا عــن هواهــا‪ .‬فالعقــل غــر الــذكاء‪ ،‬وقــد تكــون املــرأة أكــر ذكا ًء‬
‫مــن الرجــل أو يكــون الرجــل أكــر ذكا ًء مــن املــرأة‪ ،‬ولكــن الرجــل يف العمــوم أعقــل مــن املــرأة‬
‫أي أكــر حز ًمــا وتثبتًــا يف األمــور‪ .‬وذلــك أن طبيعــة عامــة النســاء الرقــة ووفــور العاطفــة وغلبتهــا‪،‬‬
‫فاملــرأة بطبعهــا شــديدة التأثــر باألمــور‪ ،‬موفــورة العاطفــة‪ ،‬رقيقــة األحاســيس‪ ،‬زائــدة الحنــان‬
‫والرحمــة والشــفقة‪ ،‬وهــذا فــرق نفــي وبيولوجــي تفــرق فيــه املــرأة عــن الرجــل‪ ،‬إن املــرأة‬
‫تفــرق عــن الرجــل يف العوامــل الجســمية فتمــر مبراحــل مختلفــة مــن حيــض ونفــاس وحمــل‬
‫ووالدة ورضاعــة تجعلهــا أكــر اســتجابة للســلوك االنفعــايل واملتقلــب‪ ،‬وبالتــايل يصعــب عــى املرأة‬
‫بعامــة حبــس انفعاالتهــا وحــزم أمورهــا وإدارة الــرأي والتثبيــت فيــه غال ًبــا‪ ،‬وهــذا معنــى نقصــان‬

‫‪36‬‬
‫العقــل‪ ،‬أي نقصــان النشــاط العقــي عنــد النســاء بتأثــر تلــك العوامــل‪.‬‬
‫ـن فَ َر ُجـ ٌـل َوا ْم َرأَتَــانِ ِم َّم ـ ْن تَ ْرضَ ـ ْو َن ِم ـ َن‬
‫* قــال ابــن تيميــة‪ :‬قولــه تعــاىل‪{ :‬فَ ـ ِإ ْن لَ ـ ْم يَكُونَــا َر ُجلَـ ْ ِ‬
‫الشُّ ـ َه َدا ِء أَ ْن ت َِضـ َّـل إِ ْح َدا ُهـ َـا فَتُ َذكِّـ َر إِ ْح َدا ُهـ َـا الْ ُ ْخـ َرى} [البقــرة‪ ]282 :‬فيــه دليــل عــى استشــهاد‬
‫امرأتــن مــكان رجــل إمنــا هــو إلذكار إحداهــا األخــرى إذا ضلــت‪ ،‬وهــذا إمنــا يكــون فيــا فيــه‬
‫الضــال يف الســعادة وهــو النســيان وعــدم الضبــط‪ .‬وإىل هــذا املعنــى أشــار النبــي صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم حيــث قــال‪« :‬وأمــا نقصــان عقلهــن‪ :‬فشــهادة امرأتــن بشــهادة رجــل» فعلــم بذلــك‬
‫أن عــدل النســاء مبنزلــة عــدل الرجــال‪ ،‬وإمنــا عقلهــا ينقــص عنــه‪ .‬وأمــا مــا كان مــن الشــهادات‬
‫مــا ال يخــاف فيــه الضــال يف العــادة مل تكــن فيــه املــرأة عــى النصــف مــن الرجــل‪ ،‬وتقبــل فيــه‬
‫شــهادتني منفــردات‪ ،‬ألنهــا أشــياء تراهــا يعينهــا أو تلمســها بيدهــا أو تســمعها بأذنهــا مــن غــر‬
‫توقــف عــى العقــل كالــوالدة واالرتضــاع والحيــض والعيــوب تحــت الثيــاب‪ ،‬فــإن مثــل هــذا ال‬
‫ينــى يف العــادة وال تحتــاج معرفتــه إىل إعــال العقــل‪.‬‬
‫* وقــال ابــن قيــم الجوزيــة‪ :‬واملــرأة العــدل كالرجــل يف الصــدق واألمانــة والديانــة إال أنهــا ملــا‬
‫خيــف عليهــا الســهر والنســيان قويــت مبثلهــا‪ ،‬وذلــك قــد يجعلهــا أقــوى مــن الرجــل الواحــد أو‬
‫مثلــه‪.‬‬
‫* والــذي عليــه جمهــور العلــاء أنــه ال تجــوز شــهادتهن يف الحــدود والقصــاص‪ ،‬واتفقــوا عــى‬
‫قبــول شــهادتهن مفــردات فيــا ال يطلــع عليــه الرجــال كالحيــض والــوالدة وعيــوب النســاء‪ .‬وذلــك‬
‫لغلبــة الجانــب العاطفــي ولخطــورة مــا ينبنــي عــى الشــهادة مــن قتــل نفــس أو قطــع عضــو‪ ،‬أمــا‬
‫الديــون واألمــوال فــا خطــر مــن شــهادتهن‪.‬‬
‫* وأمــا نقــص الديــن فح ـ ّدده النبــي صــى اللــه عليــه وســلم بنقــص الصــاة والصــوم يف أيــام‬
‫الحيــض والنفــاس‪ ،‬والــذي أمــر بالصــاة والصــوم هــو ســبحانه الــذي حــرم عــى املــرأة يف أيــام‬
‫حيضهــا ونفاســها ذلــك وكتبــه عــى بنــات آدم‪ ،‬وهــو نقــص محصــور يف ذلــك تعوضــه املــرأة‬
‫بغــر هاتــن الشــعريتني بــأداء شــعائر أخــرى أو بزيــادة النوافــل مــن الصــاة والصــوم يف أيــام‬
‫طهرهــا‪ .‬بــل إن بعــض العلــاء منهــم ابــن حجــر العســقالين يف كتابــه «فتــح البــاري رشح صحيــح‬
‫البخــاري» ر َّجــح احتــال أن املــرأة تثــاب عــى تــرك الصــاة أيــام الحيــض كــا يثــاب املريــض عــى‬

‫‪37‬‬
‫النوافــل التــي كان يفعلهــا يف صحتــه وشُ ــغل باملــرض عنهــا‪.‬‬
‫وأمــا مــا يف املــرأة مــن عــوج وهــو عــدم تثبتهــا يف األمــور‪ ،‬ورسعــة انفعالهــا وغضبهــا وتقلــب رأيهــا‬
‫ومزاجهــا لألســباب الســابق رشحهــا‪ ،‬فإنــه ال مينــع مــن االســتمتاع وهنــاء العيــش وحســن وطيــب‬
‫العــرة‪ ،‬والحديــث صحيــح يف ذلــك حيــث يقــول‪« :‬فــإن اســتمتعت بهــا‪ ،‬اســتمتعت وفيهــا‬
‫عــوج» فهــي قــادرة رغــم طبيعتهــا االنفعاليــة عــى اســتمرار املتــاع بالخلــق الــذي خلقهــا اللــه‬
‫عليــه مــع زوجهــا الــذي يعــرف طبائــع املــرأة فيجاريهــا ويداريهــا ليعيــش بهــا‪ .‬فــإن حــرص عــى‬
‫تغيــر طباعهــا الخلقيــة األنثويــة فلــن يقــدر ألنــه يغالــب الســنن اإللهيــة يف الخلــق وســيقع يف‬
‫كــر املعــوج ال تقوميــه‪ ،‬فعليــه أن يســتمتع معهــا بالحيــاة وال يقــاوم ســنن الحيــاة‪.‬‬
‫* وخالصــة الــرأي‪ :‬أن مــا يعتقــده البعــض عي ًبــا يف املــرأة هــو عــن مــا مييزهــا كأنثــى‪ ،‬إن املــرأة‬
‫مخلــوق رقيــق خلقتهــا مرشبــة بالعواطــف التــي تنـ ّدي الحيــاة شــديدة القيــظ‪ ،‬إنهــا منــذ حملهــا‬
‫لإلنســان وبعــد والدتــه ترضعــه مــن عواطــف املحبــة والرحمــة والشــفقة وتغــذي روحــه بأنبــل ما‬
‫يف الحيــاة مــن مشــاعر‪ ،‬فكــا يصــح بدنــه وينمــو بالغــذاء املــادي‪ ،‬فــإن روحــه ونفســه ال تصــح‪،‬‬
‫وال تنضــج وتكــر نفســه بــدون هــذا الغــذاء الــذي ال متلكــه يف الدنيــا غــر امــرأة هــي أ ُّمــه بــل يف‬
‫طفولــة هــذا اإلنســان وســنني مراهقتــه لــو مل يجــد يف األم وعندهــا مــا يتعلــق بــه ويكتفــي بــه‬
‫لتشــوهت خلقتــه البرشيــة‪ ،‬بــل هــذا الــزوج الــكادح يف الحيــاة الــذي تجــف عواطفــه وتقســو‬
‫جوانحــه وتجــوع غرائــزه‪ ،‬ال يجــد يف العــامل مــن يعطيــه املــودة والرحمــة والســكن حتــى يواجــه‬
‫الحيــاة كرجــل‪ ،‬لــن يجــد ذلــك إال عنــد امــرأة هــي زوجتــه‪ .‬فعواطــف الرجــل وغرائــزه وروحــه‬
‫ونفســه بــل وعقلــه ال غنــى لــه إال يف امــرأة تتــازج كلهــا معــه يف ســنة برشيــة وصــورة رشعيــة‬
‫فتصبــح آيــة مــن آيــات اللــه يف الوجــود‪.‬‬
‫إنهــن القواريــر‪ ،‬إنهــن الرياحــن‪ ،‬إن املــرأة التــي ليــس لهــا نصيــب مــن موفــور العاطفــة وتأججها‪،‬‬
‫ولــو كان لهــا نصيــب مــن العقــل مثــل الرجــل أو زيــادة‪ ،‬ليســت أنثــى يرغــب الرجــال فيهــا‪،‬‬
‫واســألوا كوامــن ودخائــل الرجــال لتعرفــوا أن الرجــل ال يريــد امــرأة بطبــاع الرجــال‪ ،‬يريدهــا‬
‫امــرأة ال غــر‪ ،‬كــا خلقهــا لــه اللــه العليــم الخبــر‪ ،‬يالعبهــا وتالعبــه ويداعبهــا وتداعبــه‪ ،‬وصــدق‬
‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم «ســاعة وســاعة يــا حنظلــة»‪.‬‬
‫***‬
‫‪38‬‬
‫املرأة رحيانة منزهلا وروحه‬

‫* أيتهــا األخــت البــارة الكرميــة‪ ،‬أســعدك اللــه وهــداك‪ ،‬اعلمــي أنــك وبيتــك لزوجــك الكريــم‬
‫الــذي ريض بصحبتــك دون بنــي جنســك أجمعــن‪ ،‬يف دنيــاه وآخرتــه‪ ،‬فكــوين ملكــة لــه يف بيتــك‬
‫أول‪.‬‬
‫تكــوين ملكــة مرتبعــة عــى عــرش قلبــه بعــد اللــه تعــاىل‪ ،‬أنــت وبيتــك لزوجــك ‪ً ...‬‬
‫* عــن عمــر بــن الخطــاب ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬إذا‬
‫را لصاحبــه‪،‬‬ ‫التقــى املســلامن‪ ،‬فســلم أحدهــا عــى صاحبــه‪ ،‬فــإنَّ أحبهــا إىل اللــه أحســنهام بـ ً‬
‫فــإذا تصافحــا نزلــت عليهــا مائــة رحمــة‪ ،‬وللبــادي منهــا تســعون وللمصافــح عــرة»‪ .‬رواه‬
‫البـزار‪ ،‬وعــن شــيبة الحجبــي عــن عمــه ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم‪« :‬ثــاث يصفــن لــك ُو ّد أخيــك‪ :‬تســلم عليــه إذا لقيتــه‪ ،‬وتوســع لــه يف املجلــس‪ ،‬وتدعــوه‬
‫بأحــب أســائه إليــه» رواه الط ـراين يف األوســط‪ .‬وعــن أنــس ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول‬
‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬مــن لقــي أخــاه املســلم مبــا يحــب ليــره بذلــك رسه اللــه عــز‬
‫وجــل يــوم القيامــة» رواه الط ـراين وأبــو الشــيخ‪.‬‬
‫* أيتهــا األخــت الراشــدة‪ ،‬الدقائــق األوىل عنــد اســتقبال زوجــك لهــا تأثــر الســحر ســل ًبا وإيجابًــا‪،‬‬
‫فقــد جــاء يف األثــر أن الشــيطان يأخــذ بعــن الرجــل إذا دخــل منزلــه فــا تقــع إال عــى مــا يكــره‪،‬‬
‫إن العــدو ال يريــد الهــدوء والســعادة يف منــزل للمســلمني وال لبنــي آدم أجمعــن‪ ،‬لذلــك ال بــد أن‬
‫تعلــو االبتســامة وجهــك مبجــرد أن تقابليــه‪:‬‬
‫‪ -‬لقــد جــاء الصاحــب واألنيــس بتعبــه وإرهاقــه وعنائــه لبيــت الســكن واملــودة والرحمــة‪ ،‬إنــه‬
‫عائــد مــن عنــاء‪ ،‬داخــل يف هنــاء‪ ،‬أنــت وحــدك جعلــك اللــه بحنانــك وبشاشــتك عوضً ــا عــن كل‬
‫يشء‪.‬‬
‫‪ -‬قابليــه عنــد البــاب واحــريص أن يقــع نظــره عــى وجهــك الباســم الحبيــب أول مــا يقــع‪ ،‬بــل‬
‫واحــريص أن يــرى اللهفــة عليــه والفــرح بقدومــه‪ ،‬والعيــون تبــدي مــا يف القلــوب‪ ،‬والقلــوب لهــا‬
‫لغــة ال تعــرف الكــذب‪ .‬فصدقــي أيتهــا األخــت أن هــذا الوجــه لــن يُ ْنــى‪ ،‬إنــه طيــف خاطــره‬

‫‪39‬‬
‫كلــا خــرج مــن بيتــك‪ ،‬فيحــرص عــى رسعــة العــودة ليقــف بالبــاب يف انتظــار أن يفتــح ليتبـ ّدى‬
‫وجهــك لــه بإرشاقــه وبشاشــته كقطعــة القمــر‪ ،‬فتغيــب كل مظاهــر العنــاء والتعــب مــن نفســه‪،‬‬
‫وســوف يبتســم لــك‪ ،‬فتــري يف جنبــات النفــس والبيــت إرشاقــة الحيــاة‪.‬‬
‫‪ -‬حــاويل أن تكــون مواعيــد عودتــه محســوبة ومرتقبــة‪ ،‬فتكــوين يف أبْهــى مظاهــرك‪ .‬عــن جابــر‬
‫ريض اللــه عنــه أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬إذا أطــال أحدكــم الغيبــة فــا‬
‫يطرقــن أهلــه ليـ ًـا» ويف روايــة «نهــى أن يطــرق الرجــل أهلــه ليـ ًـا يك متتشــط الشــعثة وتســتحد‬
‫املعينــة» رواه البخــاري ومســلم‪ ،‬والطــروق هــو املجــيء يف الليــل‪ ،‬الشــعثة التــي تلبّــد شــعرها‬
‫واغـ َّر وانتــر‪ ،‬وتســتحد املعينــة أي تزيــل شــعر العانــة‪ ،‬وهــذا الهــدي النبــوي يــدل عــى حــرص‬
‫الديــن عــى أن تبــدو الزوجــة دامئًــا وخاصــة عنــد قــدوم زوجهــا مــن ســفر يف أبهــى وأحســن‬
‫هيئــة لهــا‪ ،‬واألمــر ال يحتــاج منــك إىل طــول اســتعداد‪ ،‬بــل يكفــي أن تصففــي شــعرك برسعــة‪،‬‬
‫وتبــديل ثــوب املهنــة واملطبــخ بثــوب نظيــف‪ ،‬بــل مجــرد إظهــار هــذا الحــرص منــك يكفــي مــع‬
‫االعتــذار اللطيــف قبــل قولــك‪ :‬آســفة يــا حبيبــي أين مل أســتعد الســتقبالك‪.‬‬
‫‪ -‬التجــاوب الرسيــع غــر املفتعــل بالرتحيــب بــه والعمــل عــى إراحتــه‪ ،‬والتفــرغ لــه ولــو لدقائــق‬
‫قليلــة تعرفــن خاللهــا إن كان مهمو ًمــا أو فر ًحــا أو متع ًبــا فتتعاملــن معــه حســب حالتــه النفســية‬
‫هــو ال حالتــك أنــت‪ ،‬وإيــاك أن تكــدري فرحــه أو تجرحــي حزنــه أو تســتهيني باهتاممــه‪.‬‬
‫‪ -‬عــادة يعــود الــزوج جائ ًعــا متله ًفــا بعــد لقائــك للطعــام‪ ،‬ومـرارة الجــوع ملهبــة‪ ،‬لذلــك يكــون‬
‫عصبــي املــزاج‪ ،‬فكــوين معــدة لطعامــه مســتعدة لتقدميــه لــه والجلــوس معــه واملشــاركة يف‬
‫الطعــام‪ ،‬وال تعتــذري بالشــبع أو االنشــغال عنــه‪ ،‬فليــس يف البيــت وال مشــاغله أهــم منــه‪ ،‬وإذا‬
‫تعــذر تقديــم الطعــام ففــي تقديــم يشء مــا يتــاح ويقــدم للضيــف أو فنجــان مــن الشــاي‪،‬‬
‫واملشــاركة فيــه عــوض يريــه اهتاممــك بــه‪.‬‬
‫* االســتقبال الجميــل يــدل عــى رجاحــة العقــل وحســن الخلــق والديــن‪ ،‬فقبيــح بالزوجــة أن‬
‫تســتقبل زوجهــا بوابــل مــن الشــكوى أو العتــاب‪ ،‬فيــا أختــي العزيــزة احتفظــي بشــكواك للوقــت‬
‫املناســب‪ ،‬فلــكل مقــام مقــال‪ ،‬فلألســف أن أكــر الزوجــات متطــر الــزوج بالشــكوى مبجــرد دخولــه‬
‫املنــزل‪ ،‬نعــم الهمــوم ثقيلــة يحتــاج املــرء لتخــف عــن قلبــه أن يشــاركه مخلــص و ّيف‪ ،‬لكــن‬

‫‪40‬‬
‫املطلــوب تحـ ُّـن الوقــت املناســب‪ ،‬وليــس وقــت قــدوم الــزوج دامئًــا وقتًــا مناس ـ ًبا لذلــك‪.‬‬
‫‪ -‬مشــاكل األطفــال‪ ،‬عــدم الطاعــة‪ ،‬عــدم املذاكــرة ‪ ...‬إلــخ‪ ،‬عليــك بتأجيلهــا إىل أن يأخــذ قســطه‬
‫مــن الراحــة ويفــرغ مــن طعامــه واهتامماتــه‪ ،‬ثــم اســتأذنيه يف الحديــث عــن أوالده الحلويــن‬
‫ومشــاكلهم املعتــادة واملكــررة‪ ،‬الطالعــه عــى أحوالهــم وطلــب النصــح منــه وانتظــار توجيهاتــه‬
‫بخصوصهــم‪ ،‬كل ذلــك بعيـ ًدا عنهــم ويف غــر حضورهــم‪ .‬إن األوالد يف حاجــة لقضــاء بعــض الوقــت‬
‫القصــر املتــاح للــزوج يف البيــت‪ ،‬فــا تسـتَ ْعدي دون قصــد منــك األب عليهــم بتكـرار الشــكوى لــه‬
‫منهــم فيــرع إليــه الغضــب عليهــم فــا يعطيهــم مــن حلــو حديثــه وحنانــه ومزاحــه وشــوقه‬
‫لهــم‪ .‬واعلمــي يــا أختــاه أن الوقــت القليــل الــذي يقيــم فيــه الــزوج واألب مــن األوالد نــادر‬
‫وقليــل فــا تكـ ِّدري صفــوه كل يــوم بــرد املشــاكل وإال نــدرت أوقــات الســعادة العائليــة ورمبــا‬
‫اختفــت‪ ،‬واألوالد يترشبــون جــو الحيــاة العائليــة‪ ،‬فتعتــل نفوســهم أو تصــح يف هــذه األجــواء‪،‬‬
‫فرف ًقــا بالــزوج‪ ،‬ورف ًقــا بــأوالدك‪ ،‬ورف ًقــا بنفســك‪ ،‬فالنتيجــة دامئًــا تعــود عليــك‪ ،‬فجــو املنــزل مــن‬
‫حيــث الســعادة والكــدر مثــل نظريــة األواين املســتطرقة‪ ،‬تفيــض القلــوب مبــا فيهــا عــى مــن‬
‫حولهــا حتــى تتســاوى يف األحاســيس واملشــارب‪.‬‬
‫‪ -‬العتــاب يف أوقــات الصفــاء مــن الجفــاء‪ ،‬فقــد تعمــد الزوجــة إىل عتــاب زوجهــا عنــد قدومــه مــن‬
‫خــارج البيــت لتأخــره أو لعــدم إحضــار مطلــوب ‪ ..‬إلــخ وهــذا مــن تعكــر الصفــو‪ ،‬وســوء الفهــم‪،‬‬
‫لقــد أوصــدت هــذه الزوجــة بســلوكها أبــواب القبــول والرضــا عنــد الــزوج‪ ،‬وأصابتــه بخيبــة أمــل‪،‬‬
‫وتغــر امل ـزاج واالســتعداد‪ ،‬وانحــرف الحــال وســاءت النيــات‪ ،‬وانفتــح بــاب الوســواس الخنــاس‪.‬‬
‫كــا قــد تظــن زوجــة حريصــة أن أوقــات الصفــاء مــع الــزوج هــي املناســبة ملعاتبتــه عــى أمــور‬
‫أ َّخرتهــا بحــرص حتــى ذلــك الوقــت املناســب‪ ،‬وهــذا خطــأ شــائع آخــر تقــع فيــه الزوجــات‪ ،‬فعليها‬
‫أن تعلــم أن أوقــات الصفــاء‪ ،‬مــع قلتهــا فرصــة للهنــاء والــرور والبهجــة‪ ،‬وليســت فرصــة للكــدر‬
‫وتعكــر الصفــو وتغيــر النفــوس‪ .‬فــا بالــك مبــن تكــر العتــاب وتكــرره‪ ،‬ومــن ال تــدع وقتًــا يخلــو‬
‫مــن العتــاب واللــوم‪ ،‬فنعــوذ باللــه مــن قلــة التوفيــق‪.‬‬
‫* عــن أنــس بــن مالــك ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬مــات ابــ ٌن أليب طلحــة مــن أم ســليم‪ ،‬فقالــت‬
‫ألهلهــا‪ :‬ال تحدثــوا أبــا طلحــة بابنــه حتــى أكــون أنــا أحدثــه‪ ،‬فجــاء فقربــت إليــه عشــا ًء‪ ،‬فــأكل‬

‫‪41‬‬
‫ورشب ثــم تصنعــت لــه أحســن مــا كانــت تصنــع قبــل ذلــك‪ ،‬فوقــع بهــا‪ ،‬فلــا أن رأت أنــه قــد‬
‫شــبع وأصــاب منهــا قالــت‪ :‬يــا أبــا طلحــة‪ ،‬أرأيــت لــو أن قو ًمــا أعــاروا عاريتهــم أهــل بيــت فطلبــوا‬
‫عاريتهــم‪ ،‬ألهــم أن مينعوهــا؟ قــال‪ :‬ال‪ ،‬فقالــت‪ :‬فاحتســب ابنــك‪ .‬قــال‪ :‬فغضــب ثــم قــال‪ :‬تركتنــي‬
‫حتــى إذا تلطخــت ثــم أخربتنــي بابنــي‪ ،‬فانطلــق حتــى أىت رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫فأخــره مبــا كان‪ ،‬فقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬بــارك اللــه يف ليلتكــا ‪ »...‬الحديــث‪،‬‬
‫وهــو متفــق عليــه‪ ،‬رواه البخــاري ومســلم‪ ،‬فهــذه امــرأة صالحــة تزينــت لزوجهــا وقــد مــات‬
‫ولدهــا حتــى ال يقبــل فيســتقبل بأخبــار غــر ســارة ثــم أراحتــه وأطعمتــه وتقربــت منــه حتــى‬
‫أصــاب منهــا‪ ،‬ثــم تفننــت يف توصيــل الخــر إليــه بأســلوب عاقــل وصــر واســع فــريض اللــه عنهــا‬
‫وعــن أتباعهــا مــن بنــي جنســها الــايت َحر ِْصــن عــى حســن اســتقبال الــزوج‪.‬‬
‫* التَزيّــن للــزوج واجــب عليهــا لــه‪ ،‬وحــق لزوجهــا ولنفســها‪ ،‬بــل ولربهــا فــإن النظافــة رأس‬
‫الزينــة‪ ،‬والنظافــة مــن اإلميــان‪.‬‬
‫‪ -‬أيتهــا األخــت الفاضلــة‪ ،‬احــريص أن تكــوين أنثــى‪ ،‬وعــى الفطــرة التــي فطــر اللــه عليهــا النســاء‬
‫مــن ُحــب الجــال والتجمــل‪ ،‬والتجمــل فــن مــن فنــون املعــارشة الزوجيــة‪ ،‬وأظنــك أيتهــا األخــت‬
‫الفاضلــة أنــك كنــت حريصــة عــى ذلــك منــذ عقــد عليــك زوجــك حتــى ال تقــع عينــه إال عــى‬
‫رح بذلــك وقــد‬ ‫مــا يرضيــه ويزيــده رغبـ ًة وتعل ًقــا بــك‪ ،‬وأنــت تعلمــن أنــه يحــب ذلــك‪ ،‬وقــد يـ ِّ‬
‫يســكت عــن غــر رىض منــه‪ ،‬فهــل تظنــن أنــه مل يعــد لــه عــن تحــب أن تــرى ذلــك منــك؟ وهــل‬
‫بــركك للتزيــن لــه تضمنــن أنــه مل يعــد يرغــب يف أن يــرى امــرأة ذات زينــة؟ وهــل تضمنــن رغــم‬
‫كل يشء جميــل منــك وفيــك أن رغبتــه يف ذلــك ماتــت أو ضعفــت؟ مهــا كان األمــر أنــت واهمــة‪،‬‬
‫اض كل الرضــا‪.‬‬ ‫إن مل تتزينــي لــه‪ ،‬أن قلبــه مل يتغــر وأنــه ر ٍ‬
‫‪ -‬أيتهــا األخــت الفاضلــة‪ ،‬اعلمــي أن شــياطني اإلنســان والجــن تزيــن لزوجــك كســائر النــاس‪،‬‬
‫ات ِمـ َن ال ِّن َســا ِء} اآليــة‪ ،‬وعــن‬
‫ـب الشَّ ـ َه َو ِ‬ ‫فزوجــك رجــل ابتــاه اللــه‪ ،‬يقــول تعــاىل‪ُ { :‬زيِّـ َن لِل َّنـ ِ‬
‫ـاس ُحـ ُّ‬
‫أيب ســعيد الخــدري ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬مــا مــن‬
‫صبــاح إال وملــكان يناديــان‪ :‬ويــل للرجــال مــن النســاء‪ ،‬وويــل للنســاء مــن الرجــال» رواه ابــن‬
‫ماجــة والحاكــم وقــال صحيــح اإلســناد‪ .‬وعــن ابــن مســعود ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول‬

‫‪42‬‬
‫ـأت إىل أهلــه‪ ،‬فــإن معهــا مثــل‬‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬أميــا رجــل رأى امــرأة تعجبــه فليـ ِ‬
‫الــذي معهــا» رواه الدارمــي‪ .‬وعــن جابــر ريض اللــه عنــه أن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم خــرج‬
‫إىل أصحابــه فقــال لهــم‪« :‬إن املــرأة تقبــل يف صــورة شــيطان فمــن وجــد مــن ذلــك فليــأت‬
‫أهلــه فإنــه يضمــر مــا يف نفســه» رواه أبــو داود وهــو عنــد مســلم والرتمــذي بقريــب مــن ذلــك‪.‬‬
‫ومعنــى فإنــه يضمــر مــا يف نفســه أي يضعــف ويقلــل مــا يف نفســه مــن امليــل إىل النســاء والنظــر‬
‫إليهــن‪ .‬لذلــك أيتهــا األخــت الفاضلــة اللــوم كلــه عليــك إن أنــت مل يجــد زوجــك عنــدك مــن‬
‫الزينــة والتجمــل مــا عنــد النســاء الشــياطني يف خــارج بيتــك ومــا أكرثهــن وأحرصهــن عــى جــذب‬
‫أنظــار زوجــك وســائر الرجــال‪ ،‬وإيــاك إيــاك هــداك اللــه أن تتزينــي لغــر الــزوج أو عنــد الخــروج‬
‫مــن املنــزل فتســتجلبني غضــب الجبــار‪ ،‬واســمعي هــذا الحديــث لعــل فيــه زاجــر‪ ،‬عــن ميمونــة‬
‫بنــت ســعيد خادمــة رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم أن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪:‬‬
‫«مثــل الرافلــة يف الزينــة يف غــر أهلهــا كمثــل الظلمــة يــوم القيامــة ال نــور لهــا» رواه الرتمــذي‬
‫ومعنــاه‪ :‬املتربجــة بالزينــة لغــر زوجهــا»‪.‬‬
‫‪ -‬أيتهــا الفاضلــة اســمعي هــذه الوص ّيــة مــن أ ّمنــا أم املؤمنــن عائشــة ريض اللــه عنهــا وهــي‬
‫توجــز القــول النافــع الجامــع لــكل زوجــة «فعــن بكــرة بنــت عقبــة أنهــا دخلــت عــى عائشــة‬
‫ريض اللــه عنهــا فســألتها عــن الحنــاء فقالــت‪ :‬شــجرة طيبــة ومــاء طهــور‪ ،‬وســألتها عــن الحفــاف‬
‫فقالــت‪ :‬إن كان لــك زوج فاســتطعت أن تنزعــي ُمقْلت ْيــك فتصنيعهــا أحســن مــا هــا فافعــي»‬
‫رواه اإلمــام مســلم‪ .‬نعــم إىل هــذا الحــد تخــر زوج النبــي صــى اللــه عليــه وســلم مــا يجــب أن‬
‫تبذلــه الزوجــة مــن التزيــن للــزوج فتخــرج عينيهــا لتصنعهــا أحســن مــا هــا تحبيبًــا للــزوج‬
‫وتطمي ًعــا يف اإلقبــال عليهــا‪.‬‬
‫‪ -‬واســمعي رعــاك اللــه لهــذه القصــة اللطيفــة التــي تحدثنــا عــن منافســة زوجــات النبــي صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم يف التزيــن لــه والخــوف عليــه مــن أن يــرى غريهــن يف صــورة مــن الزينــة أفضــل‬
‫منهــن‪ .‬فعــن رزينــة ريض اللــه عنهــا مــوالة رســول اللــه صــى الله عليــه وســلم «أن ســودة اليامنية‬
‫جــاءت عائشــة تزورهــا وعندهــا حفصــة بنــت عمــر ريض اللــه عنهــا‪ ،‬فجــاءت ســودة يف هيئــة‬
‫ويف حالــة حســنة‪ ،‬عليهــا بُـ ْرد مــن دروع اليمــن وخــار كذلــك‪ ،‬وعليهــا نقطتــان مثــل الفرســتني‬

‫‪43‬‬
‫ـت النســاء‬‫مــن صــر وزعفـران إىل عينهــا‪ ،‬قالــت إحــدى راويــات الحديــث واســمها عليلــة‪ :‬وأدركـ ُ‬
‫يتزيَّـ َّن بــه‪ ،‬فقالــت حفصــة لعائشــة‪ :‬يــا أم املؤمنــن يجــيء رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫وهــذه بيننــا تــرق‪ ،‬فقالــت أم املؤمنــن‪ :‬اتقــي اللــه يــا حفصــة‪ ،‬فقالــت‪ :‬ألفســد ّن عليهــا زينتهــا‪،‬‬
‫قالــت ســودة‪ :‬مــا تقلــن؟ ‪-‬وكان يف أذنهــا ثقــل‪ -‬قالــت لهــا حفصــة‪ :‬يــا ســودة خــرج األعــور‪ -‬أي‬
‫املســيح ال ّدجــال –قالــت‪ :‬نعــم‪ ،‬عليــك بالخيمــة‪ -‬خيمــة لهــم مــن ســعف النخــل يختبئــون فيهــا‬
‫–فذهبــت فاختبــأت فيهــا‪ -‬وفيهــا القــذر ونســيج العنكبــوت‪ ،‬فجــاء رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم وهــا تضحــكان ال تســتطيعان أن تتكلــا مــن الضحــك‪ ،‬فقــال‪ :‬مــا ذا الضحــك؟ ثــاث‬
‫مـرات‪ ،‬فأومأتــا بأيديهــا إىل الخيمــة‪ ،‬فذهــب فــإذا ســودة تُرعــد‪ ،‬فقــال لهــا‪ :‬يــا ســودة مــا لــك؟‬
‫قالــت‪ :‬يــا رســول اللــه خــرج األعــور!! قــال‪ :‬مــا خــرج وليخرجــن‪ ،‬مــا خــرج وليخرجــن‪ .‬فأخرجهــا‬
‫فجعــل ينفــض عنهــا الغبــار ونســيج العنكبــوت» رواه الطـراين وأبــو يعــي‪.‬‬
‫***‬

‫‪44‬‬
‫حق الزوج الصراح يف الرحيق املباح‬

‫* مــن أهــم مقصــود الــزواج الجــاع‪ ،‬وهــو أصــل يف وجــود الحيــاة للكائنــات‪ ،‬وهــو مــن أهــم‬
‫حاجــات النفــس البرشيــة وأقــوى شــهواتها‪ ،‬تجتمــع فيــه إشــباعات العواطــف والغرائــز والــروح‬
‫والبــدن والفكــر والتصــور والــذوق والرغبــة والشــوق واإلحســاس والخيــال‪ ،‬والســمع والبــر‬
‫والشــم واللمــس والــذوق واملشــاعر واألعصــاب وســائر األعضــاء لــكال الزوجــن‪ ،‬ثــم إن اللــه تعــاىل‬
‫يجعلــه ســب ًبا يف تخليــق وتصويــر كائــن بــري آخــر يصــوره يف األرحــام كيــف يشــاء‪ ،‬ذك ـ ًرا أو‬
‫أنثــى يف أحســن تقويــم‪ ،‬نعــم إن الجــاع عمليــة حيويّــة يف غايــة اإلبــداع البــري يســمو فيــه‬
‫النــوع البــري عــن كافــة املخلوقــات‪ ،‬وخاصــة الحيوانيــة‪ ،‬بهــذا الفيــض الغامــر مــن العواطــف‬
‫واملشــاعر النفســية والروحيــة للوصــول إىل أقــى اســتمتاع متكامــل النطــاق الحيــاة واســتمرارها‪،‬‬
‫ولقضــاء االحتيــاج يف انكشــاف نفــي وروحــي وبــدين رصيــح‪ ،‬تغلفــه الفطــرة بســتار مــن الحيــاء‬
‫الفطــري الراقــي‪ ،‬واإلميــان الدينــي الــذي تؤســس عليــه العالقــة الزوجيــة‪ ،‬والعطــاء الربــاين مــن‬
‫املــودة والرحمــة‪ .‬فريتفــع الحــرج اإلنســاين‪ ،‬وتنســاب الحيــاة يف يرسهــا يف متعــة وعبــادة { ُه ـ َّن‬
‫ـاس لَ ُكـ ْم َوأَنْتُـ ْم لِبَـ ٌ‬
‫ـاس لَ ُهـ َّن}‪.‬‬ ‫لِبَـ ٌ‬
‫* اعلمــي حفظــك اللــه أن صــر الرجــل عــى الجــاع أضعــف مــن املــرأة‪ ،‬وداعــي الجــاع عنــده‬
‫دائــم؛ ملــا يجــره عليــه النظــر لشــياطني اإلنــس مــن بنــي جنســك‪ ،‬ولــو كان نظــر الفجــأة‪ ،‬واأليــام‬
‫التــي تطــرأ عليــك يف حيضــك ونفاســك ومرضــك يقلــل مــن الفــرص املتاحــة لــه‪ ،‬وقــد ينشــط‬
‫الرجــل لهــذا األمــر لــكل هــذه الدواعــي وغريهــا وال يســتطيع ذلــك إال معــك حتــى ال يقــع يف‬
‫حــرج رشعــي أو نفــي‪ ،‬وقــد تــأىب عليــه كربيــاء رجولتــه أن يــرح أو يلــح يف الطلــب‪ ،‬لــكل هــذا‬
‫وغــره فــرض الــرع عليــك اإلجابــة ودفــع ســائر األعــذار منــك‪.‬‬
‫‪ -‬عــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬إذا دعــا‬
‫الرجــل امرأتــه إىل فراشــه فلــم تأتــه‪ ،‬فبــات غضبــان عليهــا لعنتهــا املالئكــة حتــى تصبــح» رواه‬
‫البخــاري ومســلم وغريهــا‪ .‬فامتناعــك كبــرة تســتجلب اللعــن مــن املالئكــة‪ ،‬فهــل تدريــن مــا‬

‫‪45‬‬
‫معنــى اللعــن؟ هــو الطــرد مــن رحمــة اللــه تعــاىل والعيــاذ باللــه‪ ،‬فإيــاك أيتهــا الزوجــة الصالحــة‬
‫مــن غضــب الــزوج ثــم غضــب الجبــار ســبحانه الــذي يغضــب ومالئكتــه لغضــب عبــده‪ ،‬وهــذا‬
‫الحديــث نفســه رواه مســلم والنســايئ بلفــظ «إذا باتــت املــرأة هاجــرة ف ـراش زوجهــا لعنتهــا‬
‫املالئكــة حتــى تصبــح» مجــرد هجــر الف ـراش وعــدم االســتعداد توجــب اللعــن‪.‬‬
‫‪ -‬إن األمــر يــزداد ســو ًءا إذا دعــا الرجــل امرأتــه فتــأىب وتتمنــع‪ ،‬ألن املســألة أصبــح فيهــا جــرح‬
‫لكرامــة الرجــل‪ ،‬فعــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪:‬‬
‫«والــذي نفــي بيــده مــا مــن رجــل يدعــو امرأتــه إىل فراشــه فتــأىب عليــه إال كان الــذي يف‬
‫الســاء ســاخطًا عليهــا حتــى يــرىض عنهــا» رواه البخــاري ومســلم‪ .‬نعــم إنــه ســخط اللــه تعــاىل‬
‫وغضبــه لهــا حتــى يــرىض عنهــا زوجهــا!! النبــي صــى اللــه عليــه وســلم وهــو الصــادق املصــدوق‬
‫أكــد حديثــه وخــره بالحلــف باللــه الــذي نفســه بيــده أن أي رجــل‪ ،‬مهــا كان هــذا الرجــل طاملــا‬
‫هــو زوج‪ ،‬يدعــو زوجتــه للوفــاء بحقــه الــذي رشعــه لــه اللــه فتــأىب عليــه إال اســتوجب ســخط‬
‫اللــه تعــاىل ودوام هــذا الســخط إىل أن يــرىض صاحــب هــذا الحــق ويتنــازل عنــه برضــاه‪ ،‬نعــم‬
‫يــا أختــاه يف اللــه إن إبــاءك لهــذا األمــر يف غايــة الجــرم رش ًعــا ألنــه امتنــاع عــن حــق‪ ،‬وهــو جــرح‬
‫للكرامــة‪ ،‬وهــو طعــن يف الرجولــة‪ ،‬وهــو إيــذاء ملســلم‪ ،‬وهــو مظهــر لكربيــاء امــرأة وهــو اتبــاع‬
‫لطريــق الشــيطان يف إبائــه الطاعــة للــه‪ ،‬وهــو تعريــض عالقــة مقدســة للفســاد‪ ،‬وهــو كف ـران‬
‫للعــرة مــع الــزوج‪ ،‬وهــو اع ـراض عــى قوامــة الــزوج‪ ،‬وهــو اســتخفاف مبهــام األمــور‪ ،‬وهــو‬
‫مطــل يف أداء الحــق مــع القــدرة عــى أدائــه‪ ،‬وهــو يف الــرع ظلــم لقــول النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم‪َ « :‬مطْــل الغَنــي ظلــم ‪ »...‬رواه البخــاري ومســلم‪.‬‬
‫‪ -‬أيتهــا األخــت ال َحريصــة والزوجــة الوفيــة‪ ،‬إن حــدوث هــذا اإلبــاء وتكـراره منــك يجعــل الــزوج‬
‫كرجــل طعــن يف رجولتــه‪ ،‬وال يــرح بــه لكربيائــه فينفــخ الشــيطان يف نفســه حتــى يشــتاط غض ًبــا‬
‫عليــك ألتفــه األســباب‪ ،‬ويجعلــه يعــدد عليــك الهفــوات ويضخمهــا وكلهــا أمــور ال تســتدعي هــذا‬
‫الغضــب منــه‪ ،‬ولــن يــرح لــك بالــذات وال لغــرك عــن الســبب الحقيقــي لكربيائــه‪ ،‬وهــذا مــن‬
‫ـر كثــر‬ ‫خفــي األســباب التــي تجعــل العالقــة غــر صحيحــة وال ُم ْرضيــة‪ ،‬ويف نفــس الوقــت تفـ ّ‬
‫مــن املشــاكل الزوجيــة التــي تقــوم عــى أمــور عنــد عرضهــا نجدهــا مــن التفاهــة والبســاطة‪،‬‬

‫‪46‬‬
‫رح بــه‪ .‬فمثـ ًـا يحــدث ن ـزاع بســبب التأخــر يف إحضــار كــوب‬ ‫ولكــن الســبب فيهــا خفــي ال يُـ ّ‬
‫مــن املــاء‪ ،‬ويتبــادل الــزوج والزوجــة النقــاش ويــر الــزوج عــى تخطئــة الزوجــة وتعلــو األصــوات‬
‫رح بــه‪ ،‬الــزوج‬‫وتســتحكم املشــكلة!! لهــذا الســبب وقــع الشــجار؟ ال‪ .‬إنــه ســبب آخــر ال ي ـ ّ‬
‫مغتــاظ مــن داخلــه‪ ،‬ال يتحمــل الطعــن يف رجولتــه‪ ،‬إنــه باللســان الــدارج «ب َيتْلـك ّْك»‪.‬‬
‫‪ -‬أيتهــا الزوجــة العاقلــة‪ ،‬قــد ال تتفطنــن لهــذا األمــر فتمتنعــي عــن فراشــه بلســان الحــال‪ ،‬وقــد‬
‫تقصــدي بــذكاء األنثــى منــع الــزوج مــن قضــاء حقــه بأســلوبك املكــرر‪ ،‬فمثـ ًـا يحــر الــزوج‬
‫فيجــدك نامئــة أو متناومــة‪ ،‬أو يجــدك مبالبــس املطبــخ‪ ،‬أو الشــكوى مــن الصــداع املــازم والــذي‬
‫اســتدعى ش ـ ّد ربــاط الــرأس ‪ ...‬إلــخ‪ .‬والــزوج يف هــذه األمــور يفهــم مبجــرد اإلشــارة ‪ ..‬ويغتــاظ‪.‬‬
‫‪ -‬اســمعي هــذه النصيحــة مــن ناصــح أمــن‪ ،‬مــن ســيدنا رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪،‬‬
‫عــن طَلْــق بــن عــي ريض اللــه عنــه أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬إذا دعــا‬
‫الرجــل زوجتــه لحاجتــه فلتأتــه‪ ،‬وإن كانــت عــى التنــور» رواه الرتمــذي والنســايئ وابــن حبــان‬
‫يف صحيحــه‪ ،‬والتنــور هــو –الفــرن‪ -‬أي تســارع يف طلــب زوجهــا مهــا كانــت يف عمــل صعــب‬
‫وشــاق‪ .‬وعــن زيــد بــن أرقــم ريض اللــه عنــه‪ .‬قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪:‬‬
‫«املــرأة ال تــؤدي حــق اللــه عليهــا حتــى تــؤدي حــق زوجهــا كلــه‪ ،‬ولــو ســألها وهــي عــى ظهــر‬
‫ـب‪ :‬رحــل البعــر يُجلــس عليــه فــوق‬ ‫قتــب مل متنعــه نفســها»‪ .‬رواه الطـراين بإســناد جيــد‪ ،‬وال َقتَـ ْ‬
‫ســنمه‪ .‬وهــو يف غايــة املثــل حيــث لــو ســألها نفســها وهــي فــوق البعــر ســائرة يف الطريــق عليهــا‬
‫أن تتهيــأ لطلبــه‪.‬‬
‫‪ -‬وأخ ـ ًرا احــذري العقوبــة الربانّيــة‪ ،‬فعــن ابــن عبــاس ريض اللــه عنهــا عــن النبــي صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم‪« :‬ثالثــة ال ترتفــع صالتهــم فــوق رؤوســهم شـرًا‪ :‬رجــل أ ّم قو ًمــا وهــم لــه كارهــون‪،‬‬
‫وامــرأة باتــت وزوجهــا عليهــا ســاخط‪ ،‬وأخــوان متصارمــان» رواه ابــن ماجــة‪ ،‬وابــن حبــان يف‬
‫صححيــه‪ ،‬ورواه الرتمــذي بنحــوه عــن أيب أمامــة وحســنه‪ .‬ومعنــى متصارمــان أي متخاصــان‪.‬‬
‫‪ -‬عــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬ال يحــل المــرأة أن‬
‫تصــوم وزوجهــا شــاهد إال بإذنــه‪ ،‬وال تــأذن يف بيتــه إال بإذنــه» رواه البخــاري ومســلم‪ .‬والصــوم‬
‫هنــا هــو صــوم التطــوع غــر الفــرض‪ ،‬وذلــك صيانــة لحقــه يف جــاع زوجتــه‪ ،‬ألنــه قــد يكــون‬

‫‪47‬‬
‫لــه إليهــا حاجــة فيمنعــه عــن ذلــك الصــوم‪ ،‬ورغــم أن لــه أن يفطرهــا فــا يكــون صومهــا مان ًعــا‬
‫لــه‪ ،‬ولكنــه قــد يهــاب ذلــك‪ ،‬فأحــاط الــرع رغبتــه‪ ،‬وصــان شــعوره‪ ،‬بــأن أعطــاه ذلــك الحــق فــا‬
‫رضا‬
‫تض ّيعــه عليــه ولــو بعبــادة‪ .‬أمــا إذا غــاب الــزوج يف مثــل ســفر فــا يكــون شــاه ًدا‪ ،‬أي حــا ً‬
‫تحصــن زوجهــا مــن الشــيطان‪ ،‬وتكــر عنــده‬ ‫فلهــا أن تصــوم التطـ ّوع بغــر إذنــه‪ .‬وهــي بذلــك ّ‬
‫التوقــان‪ ،‬وتدفــع عنــه غوائــل الشــهوة فيغــض بــره ويحفــظ فرجــه‪ ،‬فيبدلهــا اللــه بذلــك كلــه‬
‫خـ ًرا مــن صــوم التطـ ّوع‪.‬‬
‫‪ -‬ونختــم هــذا الفصــل بهــذا املشــهد الغيبــي‪ ،‬وأنــت أيتهــا األخــت مؤمنــة إن شــاء اللــه‪ ،‬فعــن‬
‫معــاذ بــن جبــل ريض اللــه عنــه عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬ال تــؤذي امــرأة زوجهــا‬
‫يف الدنيــا إال قالــت زوجتــه مــن الحــور العــن‪ :‬ال تؤذيــه قاتلــك اللــه‪ ،‬فإمنــا هــو عنــدك دخيــل‪،‬‬
‫يوشــك أن يفارقــك إلينــا» رواه ابــن ماجــة والرتمــذي وقــال‪ :‬حديــث حســن‪ .‬والدخيــل هــو‬
‫الضيــف والنزيــل‪ .‬نعــم إن زوجــك ضيــف‪ ،‬نــزل يف الدنيــا عنــدك يف منزلــك‪ ،‬ضيــف اللــه وعبــده‬
‫فأكرميــه وأكرمــي صحبتــه «ومــن كان يؤمــن باللــه واليــوم اآلخــر فليكــرم ضيفــه» فأيــن أنــت مــن‬
‫عبــد ترقُبـ ُه الحــور العــن يف الجنــة وهــو بــن يديــك ال تق ّدريــن منزلتــه‪ ،‬وأيــن غريتــك عــى زوجك‬
‫والحــور العــن تطلبــه وتنظــر إليــه‪ ،‬فأكرمــي مثــواه عنــدك عــى أن ينفعــك ذلــك وتتخذيــن منــه‬
‫الولــد‪.‬‬
‫***‬

‫‪48‬‬
‫حفظ األسرار دليل ن ْبل األحرار‬

‫* قــال اللــه تعــاىل يف التنزيــل الحكيــم { َوأَ ْوفُــوا بِالْ َع ْهـ ِـد إِ َّن الْ َع ْهـ َد كَا َن َم ْسـئُ ًول} [اإلرساء‪ ]34 :‬وعــن‬
‫أنــس ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬مــا خطــب نبــي اللــه صــى اللــه عليــه وســلم إال قــال‪ :‬ال إميــان ملــن‬
‫ال أمانــة لــه‪ ،‬وال ديــن ملــن ال عهــد لــه» رواه اإلمــام أحمــد‪.‬‬
‫‪ -‬أيتهــا األخــت والزوجــة الصادقــة‪ ،‬إن الــزوج مثلــك بــر‪ ،‬يضعــف عــن حمــل الــر‪ ،‬وهــو‬
‫مــن أثقــل همــوم القلــب‪ ،‬فــا صــر لــه أحيانًــا كثــرة عــن كتــم مكنــون قلبــه‪ ،‬فمــن غــرك يثــق‬
‫فيــه‪ ،‬ومــن غــرك يخلــو بــه منفــر ًدا؟ ومــن غــرك يلتصــق بروحــه وعواطفــه‪ ،‬وبدنــه فيتوحــد‬
‫معــه؟ ومــن غــرك مصلحتــه مصلحتــك‪ ،‬وحفظــه حفظــك ورضره رضرك‪ ،‬ومســتقبله مســتقبلك؟‬
‫فأنــت موضــع األرسار ومعدنــه‪ ،‬يبــث لــك همومــه ومتاعبــه ومواعيــده ومواضيعــه‪ ،‬الصغــر‬
‫منهــا والكبــر‪ ،‬فيــري عــن نفســه يتنفــس الصعــدا‪ ،‬ويرتــاح قلبــه‪ ،‬ويخــف حملــه‪ ،‬ويضــع رسه‪،‬‬
‫فتحمليــه عنــه وتقبليــه أمانــة وعهــ ًدا أال تفشــيه وال تذيعيــه‪ ،‬فأنــت أمينــة عــى كل دقائــق‬
‫حيــاة زوجــك وأرساره‪ ،‬واعلمــي أن القلــوب أوعيــة األرسار‪ ،‬والشــفاة أقفالهــا‪ ،‬واأللســن مفاتيحهــا‪،‬‬
‫فاحفظــي مفاتيــح رسه‪.‬‬
‫‪ -‬البيــت أخــص مــا ميلــك الرجــل‪ ،‬فيــه ســكنه وأمانــه‪ ،‬يضــع فيــه حوائجــه وخصائصــه ومــا ال‬
‫يحــب أن ي ـراه أو يعلمــه النــاس‪ ،‬بــل أقاربــه وأهلــه‪ ،‬وبــا حــرج وال خــوف‪ ،‬إنــه بيتــه وفيــه‬
‫زوجتــه راعيــة البيــت‪ ،‬واإلنســان يحتــاج ويحــب أن يســتأثر بخصوصيــة ال يطلــع عليهــا أحــد‪ ،‬ولــو‬
‫لوقــت وحــن‪ ،‬ألمــور يعلمهــا قــد ال يحــب أيضً ــا أن يخــر عنهــا‪ ،‬فعليــك أيتهــا الزوجــة املخلصــة‬
‫أن تعينــي زوجــك عــى الثقــة فيــك وبــك‪ ،‬فيشــعر باألمانــة‪ ،‬واألمــان مــن أمــس وأعــز مــا يحتاجــه‬
‫البــر‪ ،‬فــإذا مل توفريــه لزوجــك ويف بيتــه فكيــف العيــش؟ إنــه عيــش فاقــد املضمــون والــروح‪،‬‬
‫بســلوكك وأمانتــك وخلقــك الحســن‪ ،‬فبــارك اللــه فيــك وأعانــك عــى حســن معارشتــك‪.‬‬
‫‪ -‬يقــول اللــه عــز وجــل {يَــا أَيُّ َهــا ال َِّذي ـ َن َآ َم ُنــوا لَ ت َْس ـأَلُوا َع ـ ْن أَشْ ـ َيا َء إِ ْن تُ ْب ـ َد لَ ُك ـ ْم ت َُس ـ ْؤكُ ْم}‬
‫[املائــدة‪ ]101 :‬وقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬مــن حســن إســام املــرء تركــه مــا ال‬

‫‪49‬‬
‫يعنيــه» رواه الرتمــذي وغــره‪ .‬فإيــاك أيتهــا الزوجــة العفيفــة أن تتبعــي أرسار زوجــك‪ ،‬أو تحــريص‬
‫عــى معرفتهــا أو تطالبيــه بإخبــارك بهــا‪ ،‬فــا أخــرك بــه يكفيــك حملــه‪ ،‬ومــا ال يحــب وال يريــد‬
‫إخبــارك بــه فــا تطلبيــه‪ ،‬بــل ســاعديه عــى كتــان أرساره‪ ،‬وال تحــاويل فــض رســائله وأوراقــه‬
‫أو تفتيــش مكتبــه وحافظتــه‪ ،‬فأنــت نبيلــة تصاحــب زو ًجــا نبيـ ًـا‪ ،‬تتبــادل معــه الثقــة‪ ،‬ويحــرم‬
‫كالكــا خصوصيــات صاحبــه‪ ،‬فينشــأ األوالد عــى الثقــة واالحـرام‪ ،‬وتعيــش األرسة بــكل أفرادهــا‬
‫يف وئــام تــام‪ ،‬ال تعمــل وال تســلك طــرق اللئــام‪ ،‬فيهنــأ الجميــع وتصفــو القلــوب واألوقــات‪.‬‬
‫‪ -‬أيتهــا املــرأة الكرميــة‪ ،‬اقبــي نصيحــة اللــه ورســوله‪ ،‬وإيــاك أن تفتــي وتعتنــي ‪ ...‬مبــايض الــزوج‪،‬‬
‫ال تصــل أنانيتــك يف حــب التملــك أن تحــريص عــى جعــل مــايض زوجــك ملــكك تطلعــن عليــه‪،‬‬
‫وتحاســبينه عليــه‪ ،‬ونصيحتــي أال تعــريف عنــه شــيئًا مــن ذلــك‪ ،‬وال تخربيــه أنــت بــيء مــن ذلــك‬
‫مهــا كان األمــر والســبب وإال فالنــدم كل النــدم‪ ،‬والســامة ال يعدلهــا يشء‪ ،‬فــا بالــك بســامة‬
‫الصــدر!! وهــذا أكمــل الخلــق خل ًقــا ودي ًنــا ورأيًــا بقــول صــى اللــه عليــه وســلم ألصحابــه‪« :‬ال‬
‫يبلغنــي أحــد مــن أصحــايب عــن أحــد شــي ًئا‪ ،‬فــإين أحــب أن أخــرج إليكــم وأنــا ســليم الصــدر»‬
‫رواه البخــاري وغــره عــن ابــن مســعود ريض اللــه عنــه‪.‬‬
‫* عــن أيب ســعيد الخــدري ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬إن‬
‫مــن أرش النــاس عنــد اللــه منزلــة يــوم القيامــة الرجــل يفــي إىل امرأتــه أو تفــي إليــه ثــم‬
‫ينــر أحدهــا رس صاحبــه» رواه مســلم وأبــو داود وغريهــا‪ .‬وعــن أســاء بنــت يزيــد ريض اللــه‬
‫عنهــا «أنهــا كانــت عنــد رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم والرجــال والنســاء قعــود عنــده‪،‬‬
‫فقــال‪ :‬لعــل رجـ ًـا يقــول مــا فعــل بأهلــه‪ ،‬ولعــل امــرأة تخــر مبــا فعلــت مــع زوجهــا‪ ،‬فــأر َّم‬
‫القــوم‪ ،‬فقلــت أي واللــه يــا رســول اللــه إنهــم ليفعلــون وإنهــن ليفعلــن‪ ،‬قــال‪ :‬ال تفعلــوا فإمنــا‬
‫مثــل ذلــك مثــل شــيطان لقــي شــيطانة فغشــيها والنــاس ينظــرون» رواه أحمــد وغــره ومعنــى‬
‫أرم القــوم أي ســكتوا‪ ،‬وروى البـزار عــن أيب ســعيد عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬أال‬
‫عــى أحدكــم أن يخلــو بأهلــه يغلــق با ًبــا ثــم يرخــي س ـ ًرا ثــم يقــي حاجتــه ثــم إذا خــرج‬
‫حــدث أصحابــه بذلــك‪ ،‬أال عــى إحداكــن أن تغلــق بابهــا وترخــى ســرها فــإذا قضــت حاجتهــا‬
‫حدثــت صواحبهــا‪ ،‬فقالــت امــرأة ســفعاء الخديــن واللــه يــا رســول اللــه إنهــن ليفعلــن وإنهــم‬

‫‪50‬‬
‫ليفعلــون‪ ،‬قــال‪ :‬فــا تفعلــوا فإمنــا مثــل ذلــك مثــل شــيطان لقــي شــيطانة عــى قارعــة الطريــق‬
‫فقــى حاجتــه منهــا ثــم انــرف وتركهــا»‪.‬‬
‫أيتهــا األخــت الزوجــة‪ ،‬إن األرسار الواقعــة بــن الزوجــن بســبب الــوطء ومقدماتــه‪ ،‬ذكرهــا‬
‫والحديــث عنهــا ال يليــق إال بالشــياطني واألرشار‪ ،‬بــل أرش النــاس هــم يــوم العــرض بــن يــدي‬
‫الجبــار‪ ،‬فاللهــم ســرك علينــا يف الدنيــا ويــوم القيامــة ونجنــا مــن الخــزي والعــار‪.‬‬
‫ ‬
‫***‬

‫‪51‬‬
‫الودود الولود جزاؤها من جنس عملها‬

‫* يف حديــث ابــن عمــر ريض اللــه عنهــا قــال‪ :‬ســمعت رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫يقــول‪« :‬كلكــم را ٍع ومســؤول عــن رعيتــه‪ ،‬اإلمــام را ٍع ومســؤول عــن رعيتــه‪ ،‬والرجــل را ٍع يف‬
‫أهلــه ومســؤول عــن رعيتــه واملــرأة راعيــة يف بيــت زوجهــا ومســؤولة عــن رعيتهــا‪ »..‬الحديــث‬
‫رواه البخــاري ومســلم‪ ،‬أنــت حفظــك اللــه راعيــة البيــت‪ ،‬أنــت املســؤولة عــن البيــت فاحفظــي‬
‫أو ضيعــي واللــه رقيــب‪ ،‬أنــت راعيــة البيــت ويســألك اللــه عــن رعيتــك‪ ،‬أنــت يف البيــت صاحبــة‬
‫مســؤوليات مهمــة ‪ ..‬وأمــام العــي الكبــر‪ ،‬أنــت ذات شــأن يف الحيــاة ويف اآلخــرة بحســن رعايتــك‪،‬‬
‫إذ جــزاؤك عنــد اللــه تعــاىل أن تكــوين ملكــة يف جنــات ذات حدائــق وأنهــار وقصــور وخــدم‬
‫وجــواري‪ ،‬طاملــا أنــت هنــا ملكــة يف بيــت زوجــك تقومــن برعايتــه‪ ،‬والجـزاء مــن جنــس العمــل‪.‬‬
‫وأســوتك يف هــذا أم املؤمنــن خديجــة ريض اللــه عنهــا أول مــن آمــن برســول اللــه صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم‪ ،‬وكانــت نعــم الزوجــة‪ ،‬فخفــف اللــه بهــا عــن رســول أول الدعــوة فــا يســمع شــيئًا‬
‫يكرهــه مــن رد عليــه وتكذيــب لــه فيحزنــه ذلــك‪ ،‬إال فــرج اللــه عنــه بهــا‪ ،‬فــإذا خــرج إىل قومــه‬
‫ينذرهــم ويدعوهــم ثــم رجــع إليهــا تثبتــه وتهــون عليــه أمــر النــاس‪ ،‬ريض اللــه عنهــا وأرضاهــا‪،‬‬
‫حتــى نــزل جربيــل عليــه الســام إىل النبــي صــى اللــه عليــه وســلم وهــو يف بيتهــا وأبلــغ النبــي‬
‫أن اللــه يرســل بالســام إىل خديجــة وأخربهــا النبــي صــى اللــه عليــه وســلم بذلــك فقالــت‪ :‬اللــه‬
‫الســام ومنــه الســام‪ .‬كــا طلــب جربيــل مــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم أن يبلغهــا ســامه‬
‫فــردت عليــه‪ ،‬وبرشهــا بجزائهــا عنــد اللــه فقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬أمــرت أن‬
‫أبــر خديجــة ببيــت مــن قصــب‪ ،‬ال صخــب فيــه وال نصــب» رواه البخــاري ومســلم‪ ،‬والقصــب‬
‫هــو اللؤلــؤ املجــوف‪ ،‬والنصــب هــو التعــب‪ .‬فكــا جعلــت بيــت النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫هادئًــا يرتــاح فيــه نفسـيًّا وجســديًّا مــن التعــب‪ ،‬ومل يكــن بيتهــا فيــه صخــب وال ضجيــج بــرت‬
‫بهــذا القــر يف الجنــة‪ .‬فاللــه اللــه أيتهــا الزوجــة الوفيــة يف بيتــك ومملكتــك وحبــك زوجــك فهــو‬
‫جنتــك‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫‪ -‬أيتهــا الزوجــة الــودود‪ ،‬يدخــل عليــك زوجــك مــن خــارج املنــزل مهمو ًمــا متع ًبــا جائ ًعــا‪ ،‬يتلهــف‬
‫عــى البســمة منــك‪ ،‬والكلمــة منــك‪ ،‬والحنــان منــك‪ ،‬وأن تهــوين عليــه أعبــاء الحيــاة ومــا أثقلهــا‬
‫عليــه‪ ..‬بدونــك أنــت‪ ،‬واســمعي وتفكــري يف هــذه القصــة التــي رواهــا البخــاري عــن أيب هريــرة‬
‫ريض اللــه عنــه عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم التــي أوحــى اللــه لــه بهــا قــال‪« :‬بينــا رجــل‬
‫وامــرأة لــه يف الســلف الخــايل ال يقــدران عــى يشء‪ ،‬فجــاء الرجــل مــن ســفره فدخــل عــى‬
‫امرأتــه جائ ًعــا قــد أصابتــه ســغبة شــديدة‪ ،‬فقــال المرأتــه‪ :‬عنــدك يشء‪ .‬قالــت‪ :‬نعــم‪ ،‬أبــر‬
‫أتــاك رزق اللــه‪ .‬فاســتحثها فقــال‪ :‬ويحــك أبتغــي إن كان عنــدك يشء‪ .‬قالــت نعــم هنيهــة نرجــو‬
‫رحمــه اللــه‪ .‬حتــى إذا طــال عليــه املطــال قــال‪ .‬ويحــك قومــي فابتغــي إن كان عنــدك يشء‬
‫فأتنــي بــه فــإين قــد بلغــت الجهــد وجهــدت‪ .‬فقالــت‪ :‬نعــم اآلن ينضــج التنــور فــا تعجــل‪ .‬فــا‬
‫ـت نظــرت‬ ‫أن ســكت عنهــا ســاعة وتحينــت أيضً ــا أن يقــول لهــا قالــت مــن عنــد نفســها‪ :‬لــو قمـ ُ‬
‫إىل تنــوري‪ ،‬فقامــت فوجــدت تنورهــا مــآن مــن جنــوب الغنــم‪ ،‬ورحاهــا تطحــن فقامــت إىل‬
‫الرحــا فنفضتهــا واســتخرجت مــا يف تنورهــا مــن جنــوب الغنــم»‪ .‬قــال أبــو هريــرة‪ :‬والــذي نفــس‬
‫أيب القاســم بيــده عــن قــول محمــد صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬لــو أخــذت مــا يف رحيهــا ومل تنفضــه‬
‫لطحنــت إىل يــوم القيامــة‪.‬‬
‫أيتهــا األخــت والزوجــة الصالحــة تدبــري هــذه القصــة وانظــري‪ ،‬يف معاملــة ومعالجــة هــذه املرأة‬
‫مــن األزمــان البعيــدة الخاليــة وليــس يف بيتهــا أي يشء يــؤكل أو يبــاع أو لــه قيمــة وقــد جــاء‬
‫زوجهــا مــن ســفر وســألها الطعــام وهــو مجهــود متعــب جائــع فلــم تقــدر أن تخيــب رجــاءه‪،‬‬
‫بــل أســمعته شــهي الــكالم وأعطتــه األمــل بقولهــا‪ :‬أبــر أتــاك رزق اللــه‪ ،‬ثــم مــرة ثانيــة‪ :‬هنيهــة‬
‫نرجــو رحمــة اللــه‪ ،‬ثــم قالــت مــن عنــد نفســها وطم ًعــا يف رزق ربهــا‪ :‬اآلن ينضــج التنــور‪ ،‬وهــي‬
‫تعلــم أن التنــور أي الفــرن ليــس فيــه يشء ولكنهــا ال تقــوى عــى كــر خاطــر زوجهــا‪ ،‬فيأتيهــا‬
‫رزق اللــه الــذي رجتــه ووثقــت فيــه كرامــة مــن كرامــات اللــه لعبــده وزوجــه وفيــة حرصــت‬
‫عــى مرضــات زوجهــا رغبــة فيــا عنــد ربهــا‪ .‬وهــذا نبينــا صــى اللــه عليــه وســلم يقــول مــا روتــه‬

‫‪53‬‬
‫ـرض اللــه‬‫عنــه عائشــة ريض اللــه عنهــا‪« :‬مــن أدخــل عــى أهــل بيــت مــن املســلمني رسو ًرا مل يـ َ‬
‫لــه ثوابًــا دون الجنــة» رواه الطـراين‪.‬‬
‫‪ -‬قــد يصيبــك أنــت التعــب واإلرهــاق مــن كــرة العمــل يف البيــت‪ ،‬فتقولــن‪ :‬أنــا التــي تحتــاج مــن‬
‫ي‬
‫زوجهــا املالطفــة والترسيــة عــن النفــس وتهويــن األمــور والهمــوم عــي‪ .‬وهــل كل املســؤولية عـ َّ‬
‫أنــا كزوجــة والــزوج ملــك معــزز مكــرم؟ أقــول لــك أنــت محقــة يف كل ذلــك ولكــن نحــن نعــرض‬
‫عليــك واجباتــك نحــو زوجــك وأهلــك ولســنا يف معــرض مناقشــة الحقــوق والواجبــات املتبادلــة‪،‬‬
‫وأنــا أعــرض عليــك هــذه القصــة مــن حيــاة ســيدة نســاء أهــل الجنــة‪ ،‬فاطمــة بنــت النبــي صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم وريض اللــه عنهــا‪ ،‬وهــي تعيــش مــع زوجهــا عــي بــن أيب طالــب ابــن عــم النبــي‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم وريض اللــه عنــه وهــو مــن املبرشيــن بالجنــة‪ ،‬والــذي يحــي لنــا هــذه‬
‫ي نفســه ريض اللــه عنــه حيــث جلــس إليــه أحــد التابعــن واســمه ابــن أعبــد‬ ‫الحكايــة هــو ع ـ ٌّ‬
‫فقــال لــه عــي‪« :‬أال أحدثــك عنــي وعــن فاطمــة ريض اللــه عنهــا بنــت رســول اللــه صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم وكانــت مــن أحــب أهلــه إليــه‪ ،‬وكانــت عنــدي؟ قلــت‪ :‬بــى‪ .‬قــال‪ :‬إنهــا جـ ّرت بالرحــا‬
‫حتــى أثــرت يف يدهــا‪ ،‬واســتقت بالقربــة حتــى أثــرت يف نحرهــا‪ ،‬وكنســت البيــت حتــى اغــرت‬
‫ثيابهــا‪ ،‬فــأىت النبــي صــى اللــه عليــه وســلم خــدم‪ ،‬فقلــت لهــا‪ :‬لــو أتيــت أبــاك فســألته خاد ًمــا‪،‬‬
‫فأتتــه فوجــدت عنــده حدثــاء فرجعــت‪ ،‬فأتاهــا مــن الغــد فقــال‪ :‬مــا كان حاجتــك؟ فســكتت‪،‬‬
‫فقلــت‪ :‬أنــا أحدثــك يــا رســول اللــه‪ ،‬جــرت بالرحــا حتــى أثــرت يف يدهــا‪ ،‬وحملــت بالقربــة حتــى‬
‫أثــرت يف نحرهــا‪ ،‬فلــا أن جــاء الخــدم أمرتهــا أن تأتيــك فتســتخدمك خاد ًمــا يقيهــا حــر مــا هــي‬
‫فيــه‪ .‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬اتقــي اللــه يــا فاطمــة‪ ،‬وأدي فريضــة ربــك‪،‬‬
‫واعمــي عمــل أهلــك‪ ،‬وإذا أخــذت مضجعــك فســبحي ثالثًــا وثالثــن‪ ،‬واحمــدي ثالثًــا وثالثــن‪،‬‬
‫وكــري أرب ًعــا وثالثــن‪ ،‬فتلــك مائــة‪ ،‬فهــو خــر لــك مــن خــادم‪ .‬قالــت فاطمــة‪ :‬رضيــت عــن اللــه‬
‫وعــن رســول اللــه» رواه البخــاري ومســلم‪ .‬فيــا أيتهــا الزوجــة الحكيمــة‪ :‬هــذه بيــوت أســعد خلــق‬
‫اللــه يف الدنيــا واآلخــرة‪ ،‬هــذه هــي حيــاة الزوجــات الراضيــات بحكــم اللــه وحكــم رســوله‪ ،‬هــذه‬

‫‪54‬‬
‫ي الــويف ريض اللــه عنــه يــرىض عــن زوجــه ريض اللــه عنهــا‬ ‫بســاطة العيــش وصدقــه‪ ،‬هــذا ع ـ ٌّ‬
‫ويحــي بــكل فخــر‪ ،‬كيــف العيــش مــع الرضــا يف بيــت زاده التقــوى‪ ،‬وعونــه ذكــر اللــه تعــاىل‪ ،‬تنزل‬
‫فيــه الســكينة وتغشــاه الرحمــة واملــودة والقناعــة والرضــا‪ ،‬جنــة معجلــة‪ ،‬وهــا ريض اللــه عنهــا‬
‫اآلن يف الجنــة‪ ،‬فهنيئًــا لهــا وملــن اقتــدى بهــا جنــة الدنيــا وجنــة اآلخــرة‪.‬‬
‫***‬

‫‪55‬‬
‫حسن االعتذار جملبة السعادة يف الدار‬

‫* كلــات تــردد يف جنبــات البيــت تحكــم إغالقــه أمــام شــياطني اإلنــس والجــن‪ ،‬وتســتدعي تنــزل‬
‫املالئكــة‪ :‬بــارك اللــه لــك‪ ،‬جـزاك اللــه خـ ًرا‪ ،‬حفظــك اللــه لنــا‪ ،‬آســفة جــدًّ ا يــا حبيبــي‪ ،‬ليــس لنــا‬
‫بعــد اللــه إال أنــت‪ ،‬أمــرك‪ ،‬أنــت تأمــر‪ ،‬طلبــك مجــاب‪ ،‬أبــر‪ ،‬مــن فضلــك‪ ،‬مــا أجمــل منظــرك‬
‫وأحبــه إىل نفــي‪ ،‬ال أجــد الســعادة إىل يف حضــورك وذك ـراك‪ ،‬وكل مــا تشــريه وتحــره يــدل‬
‫عــى ذوق وجــال‪ .‬مثــل هــذه الكواكــب النــرة يف بيــت تشــيع فيــه رنــة الســعادة‪ ،‬ونــور الهداية‪،‬‬
‫وهنــاء العيــش‪ ،‬وبهجــة اللقــاء‪ ،‬وأنــس القلــوب واألرواح‪ .‬أليــس ذلــك ممك ًنــا؟ أليــس ذلــك واج ًبــا؟‬
‫إن كان صعــب التنفيــذ عليــك لعــدم اســتجابة الــزوج‪ ،‬أو لعــدم تقديــره هــذه األمــور منــك‪ ،‬أو‬
‫لعــدم تعــودك عليــه‪ ،‬فاعلمــي أن ذلــك مــن تلبيــس عــدوك إبليــس الــذي ال يحــب لــك الخــر‪،‬‬
‫فأنــت لديــك القــدرة ألنــك مكلفــة بذلــك مــن ربــك الــذي يحبــك ويأمــرك بالخــر‪ ،‬وهــو ســبحانه‬
‫نفســا إال وســعها‪ ،‬حــاويل‪ ،‬ابــديئ مــن عنــدك أنــت‪ ،‬وأؤكــد لــك أن زوجــك مهــا كان‬ ‫ال يكلــف ً‬
‫ســلوكه‪ ،‬ومهــا كانــت عواطفــه‪ ،‬فســوف يتغــر‪ ،‬فالقلــوب بــن إصبعــن مــن أصابــع الرحمــن‬
‫يقلبهــا كيــف يشــاء‪ ،‬بــل ســيتعود أن يبادلــك هــذه الكلــات الطيبــات‪ ،‬بــل وأوالدك ســيفعلون‬
‫معــك ومعــه ومــع النــاس‪.‬‬
‫‪ -‬تــزوج ســيدنا ســلامن الفــاريس امــرأة مــن قبيلــة كنــدة‪ ،‬وهــم ملــوك اليمــن‪ ،‬فدخــل عــى زوجــه‬
‫ـت مجلــس‬ ‫فســلم وجلــس وقــال لزوجتــه‪ :‬هــل أنــت مطيعتــي يف يشء آمــرك بــه؟ قالــت‪ :‬جلسـ َ‬
‫َمـ ْن يُطــاع‪ .‬ريض اللــه عنهــم عرفــوا كيــف يتغلــب عــى متاعــب الحيــاة‪ .‬تقــول لــه أنــت كامللــك‬
‫ليــس لــك إال أن تطــاع‪ .‬مــا أحــى هــذا الــكالم‪ ،‬ومــا أعظــم موقعــه عــى القلــوب والنفــوس‪ ،‬ومــا‬
‫أحــوج بيتــك أن تــردد فيــه هــذا األنــوار والنغــات‪.‬‬
‫‪ -‬عــن أنــس بــن مالــك ريض اللــه عنــه عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬أال أخربكــم‬
‫برجالكــم يف الجنــة؟ قلنــا بــى يــا رســول اللــه‪ .‬قــال‪ :‬النبــي يف الجنــة‪ ،‬والصديــق يف الجنــة‪،‬‬
‫والرجــل يــزور أخــاه يف ناحيــة املــر ال يــزوره إال للــه يف الجنــة‪ ،‬أال أخربكــم بنســائكم يف الجنــة؟‬

‫‪56‬‬
‫قلنــا بــى يــا رســول اللــه‪ .‬قــال‪ :‬ودود‪ ،‬ولــود‪ ،‬إذا غضبــت أو أيسء إليهــا أو غضــب زوجهــا قالــت‪:‬‬
‫هــذه يــدي يف يــدك ال أكتحــل بغمــض حتــى تــرىض» رواه الطـراين‪ .‬ومعنــى ال أكتحــل بغمــض‬
‫أي ال تــرى عينــي النــوم‪.‬‬
‫أيتهــا الزوجــة العاقلــة‪ ،‬جــريب مــرة هــذا الــدواء املــر لعــاج أي مشــكلة إن وقعــت مــع الــزوج‪،‬‬
‫فقــد جربتــه زوجــة أعرفهــا أكرمهــا اللــه مــع زوجهــا وكانــت قــد ســمعته منــي وكنــت تدخلــت‬
‫بينهــا‪ ،‬فذك ـرا يل بعــد وقــت مــى مــن ســاعه‪ ،‬أن الخــاف اســتحكم بينهــا ذات ليلــة حتــى‬
‫ظنــا أن العــاج يف الطــاق‪ ،‬وفجــأة تذكــرت الزوجــة املباركــة حديــث رســول اللــه صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم املذكــور‪ ،‬فقامــت لتوهــا دون أدىن تفكــر وهــي تقــول‪ :‬اللهــم صــي عليــك يــا نبــي‪.‬‬
‫وذهبــت للحجــرة التــي فيهــا زوجهــا وقالــت يــا فــان هــات إيــدك أبوســها أنــا مــش جــاي يل‬
‫نــوم‪ .‬وكانــت املفاجــأة‪ ،‬حيــث قــام دون كالم وأخــذ هــو يقبــل يدهــا ويعتــذر وهــا يبكيــان‬
‫م ًعــا‪ ،‬وذاب الخــاف مــع الدمــوع‪ ،‬وخــرج الشــيطان بغــر رجعــة بكربيائــه لتواضــع هــذه الزوجــة‪،‬‬
‫وحتــى اآلن هــا مــن أســعد وأرىض خلــق اللــه‪ ،‬أدام اللــه عليهــا التوفيــق والســعادة والهنــاء‪ ،‬ومل‬
‫يعــد الشــيطان‪ ،‬ألنــه احــرق غيظًــا لطاعــة هــذه املــرأة لربهــا ولرســوله صــى اللــه عليــه وســلم‪.‬‬
‫أســألك أيتهــا الزوجــة‪ :‬كــم يكلــف مثــل هــذا املوقــف؟ إنهــا الكربيــاء الزائفــة‪ ،‬والعنــاد البغيــض‪،‬‬
‫بعــد هــذا املوقــف‪ ،‬بــل الــدواء الوحيــد للخالفــات الزوجيــة‪ ،‬ننــدم لضيــاع الوقــت يف العنــاد‬
‫والشــقاق والخــاف‪ ،‬فلــم يعــد مــا كان يلقيــه الشــيطان يف النفــس مــن كربيــاء أهبطــه اللــه تعــاىل‬
‫بســببه مــن منزلــه إىل الــدرك األســفل مــن الجحيــم‪ ،‬وهــو –لعنــه اللــه‪ -‬ال يســكت علينــا حتــى‬
‫نكــون تب ًعــا لــه ال للــه رب العاملــن فنعــوذ باللــه العظيــم مــن الشــيطان الرجيــم‪.‬‬
‫ـك الشــيطان حبالــه وشــباكه حتــى ال تفلتــي منــه ومــن طرقــه فيوســوس لــك‬ ‫‪ -‬قــد يلقــي إليـ ِ‬
‫ويقــول‪ :‬أنــت تفعلــن مــا تفعلــن وزوجــك ال يقـ ِّدر لــك ذلــك‪ ،‬بــل ســيتعود عــى هــذا األســلوب‬
‫و(يأخــذ عليــه)‪ ،‬وال يبادلــك نفــس األســلوب ودامئًــا ينتظــر منــك ذلــك‪ ،‬وأقــول لــك يــا أختــاه‪:‬‬
‫هــذا هــو الشــيطان بعينــه وهــذا أســلوبه فاســمعي أمــر ربــك يخــرك بقولــه عــز وجــل‪{ :‬إِنَّ َــا‬
‫َذلِ ُكـ ُم الشَّ ـ ْيطَا ُن يُ َخـ ِّو ُف أَ ْولِ َيــا َء ُه} [آل عمـران‪ ]175 :‬ويقــول عنــه {يَ ِع ُد ُهـ ْم َو ُ َي ِّني ِهـ ْم َو َمــا يَ ِع ُد ُهـ ُم‬

‫‪57‬‬
‫الشَّ ـ ْيطَا ُن إِ َّل ُغ ـ ُرو ًرا} [النســاء‪ ]120 :‬والغــرور الوهــم والخــداع‪ .‬ثــم أيتهــا الزوجــة املؤمنــة‪ ،‬ومــا‬
‫ـول مــن زوجــك –وهــذا مســتبعد‪ -‬وقبــل‬ ‫عليــك لــو فعلــت وأطعــت اللــه ورســوله‪ ،‬ومل تجــدي قبـ ً‬
‫اللــه عملــك؟ فعــن معــاذ بــن جبــل ريض اللــه عنــه عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪:‬‬
‫«ال يحــل المــرأة تؤمــن باللــه أن تــأذن يف بيــت زوجهــا وهــو كاره وال تخــرج وهــو كاره‪ ،‬وال‬
‫تطيــع فيــه أحــدً ا‪ ،‬وال تعــزل فراشــه‪ ،‬وال ترضبــه‪ ،‬فــإن كان هــو أظلــم فلتأتــه حتــى ترضيــه‪ ،‬فــإن‬
‫قبــل منهــا فبهــا ونعمــت‪ ،‬وقبــل اللــه عذرهــا وأفلــج حجتهــا وال إثــم عليهــا‪ ،‬وإن مل يــرض‪ ،‬فقــد‬
‫أبلغــت عنــد اللــه عذرهــا‪ »..‬رواه الحاكــم وهــو صحيــح اإلســناد‪ ،‬ومعنــى أفلــج حجتهــا أي أظهــر‬
‫حجتهــا وق َّواهــا‪.‬‬
‫***‬

‫‪58‬‬
‫إن الغريى ال تبصر أسفل الوادي من أعاله‬

‫‪ -‬الغــرة هــي الحميــة واألنفــة‪ ،‬ومنهــا املحمــود واملذمــوم‪ ،‬قــال اإلمــام ابــن القيــم‪ :‬مــاك الغــرة‬
‫وأعالهــا ثالثــة أنــواع‪ :‬غــرة العبــد لربــه أن تنتهــك محارمــه وتضيــع حــدوده‪ ،‬وغريتــه عــى قلبــه‬
‫أن يســكن إىل غــره وأن يأنــس بســواه‪ ،‬وغريتــه عــى حرمتــه أن يتطلــع عليهــا غــره‪ :‬فالغــرة التــي‬
‫يحبهــا اللــه ورســوله دارت عــى هــذه األنــواع الثالثــة ومــا عداهــا فإمــا خــدع الشــيطان وإمــا‬
‫بلــوى مــن اللــه كغــرة املــرأة عــى زوجهــا أن يتــزوج عليهــا‪ .‬وقــال ابــن الجــوزي‪ :‬قــد يشــكل‬
‫هــذا األمــر عــى مــن ال يعرفــه فيقــول‪ :‬الرجــل إذا رأى املــرأة خيــف عليــه أن يفتــن بهــا فــا‬
‫بــال املــرأة؟ والجــواب أن النســاء شــقائق الرجــال فكــا أن املــرأة تع ِجــب الرجــل فكذلــك الرجــل‬
‫يعجــب املــرأة وتشــتهيه كــا يشــتهيها‪ ،‬ولهــذا تنفــر مــن الشــيخ‪ .‬كــا ينفــر الرجــل مــن العجــوز‪،‬‬
‫ولهــذا ملــا دخــل ابــن أم مكتــوم عــى رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم وعنــده عائشــة وحفصة‬
‫أمرهــا بالقيــام فقالتــا‪ :‬إنــه أعمــى‪ ،‬فقــال صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬أفأنتــا عميــاوان؟ وقــد أمــر‬
‫اللــه الرجــال والنســاء م ًعــا بغــض البــر‪.‬‬
‫أيتهــا املــرأة التقيــة والزوجــة الوفيــة‪ ،‬ترفَّقــي يف غريتــك عــى زوجــك‪ ،‬واالعتــدال يف كل األمــور‬
‫مــن كــال الديــن والعقــل‪ ،‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬يــا عائشــة أرفقــي فــإن‬
‫اللــه إذا أراد بأهــل بيــت خ ـ ًرا أدخــل عليهــم الرفــق» حديــث صحيــح رواه أحمــد بــن حنبــل‬
‫والبـزار‪ .‬فعليــك بتخفيــف غريتــك عــى زوجــك‪ ،‬ألنهــا إن زادت عــن حــد االعتــدال صــارت تهمــة‬
‫لــه‪ ،‬واشــتعلت نــا ًرا يف قلبــك قــد ال تنطفــئ‪ ،‬وأوقــدت نــار الخصومــة بينــك وبــن زوجــك وأوغرت‬
‫صــدره وأطعــت عــدوك وعــدوه‪ .‬فالغــرى تــرى بهواجــس صدرهــا ال بعيــون وجههــا‪ ،‬وترســل‬
‫الــكالم بلســان شــيطانها ال بثبــت عقلهــا فتنقلــب األمــور عــى عقبهــا‪ ،‬ولألســف أنــه ال تخلــو‬
‫امــرأة مــن الخــروج عــن حــد االعتــدال يف الغــرة‪ ،‬روى البيهقــي عــن عائشــة ريض اللــه عنهــا‬
‫ي رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فوضــع عنــه ثوبيــه‪ ،‬ثــم مل يســتتم أن‬ ‫قالــت‪« :‬دخــل عـ َّ‬
‫قــام فلبســهام‪ ،‬فأخذتنــي غــرة شــديدة ظننــت أنــه يــأيت بعــض صويحبــايت‪ ،‬فخرجــت أتبعــه‬

‫‪59‬‬
‫فأدركتــه بالبقيــع يســتغفر للمؤمنــن واملؤمنــات والشــهداء‪ ،‬فقلــت‪ :‬بــأيب وأمــي أنــت يف حاجــة‬
‫ربــك وأنــا يف حاجــة الدنيــا‪ ،‬فانرصفــت فدخلــت حجــريت ويل نفــس عــالٍ ‪ ،‬ولحقنــي رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬مــا هــذا النفــس يــا عائشــة؟ قلــت‪ :‬بــأيب وأمــي أتيتنــي فوضعــت‬
‫عنــك ثوبيــك ثــم مل تســتتم أن قمــت فلبســتهام فأخذتنــي غــرة شــديدة ظننــت أنــك تــأيت بعض‬
‫صويحبــايت حتــى رأيتــك بالبقيــع تصنــع مــا تصنــع‪ ،‬فقــال‪ :‬يــا عائشــة أكنــت تخافــن أن يحيــف‬
‫اللــه عليــك ورســوله؟» كــا أنهــا ريض اللــه عنهــا قصــت علينــا قصــة أخــرى ملــا ســألها رجــل‬
‫مــن بنــي رساة قــال‪ :‬قلــت لعائشــة‪ :‬أخربينــي عــن خلــق رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪،‬‬
‫فقالــت‪ :‬أمــا تقــرأ القــرآن { َوإِنَّـ َـك لَ َعــى ُخلُــقٍ َع ِظيـ ٍـم} قالــت‪ :‬كان رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم مــع أصحابــه فصنعــت لــه طعا ًمــا وصنعــت لــه حفصــة ريض اللــه عنهــا طعا ًمــا‪ ،‬فســبقتني‬
‫حفصــة فقلــت للجاريــة‪ :‬انطلقــي فاكفئــي قصعتهــا‪ ،‬فأهــوت أن تضعهــا بــن يــدي النبــي صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم فكفأتهــا‪ ،‬فانكفــأت القصعــة فانتــر الطعــام‪ ،‬فجمعهــا النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم ومــا فيهــا مــن الطعــام عــى األرض وهــو يقــول‪ :‬غــارت أمكــم غــارت أمكــم‪ ،‬فأكلــوا‪ ،‬ثــم‬
‫ـت بقصعتــي فدفعهــا النبــي صــى اللــه عليــه وســلم إىل حفصــة فقــال‪« :‬خــذوا ظر ًفــا مــكان‬ ‫بعثـ ُ‬
‫ظرفكــم وكلــوا مــا فيهــا» والظــرف هــو اإلنــاء الــذي فيــه الطعــام‪.‬‬
‫‪ -‬أيتهــا الزوجــة الحريصــة عــى صفــاء الحيــاة واقتنــاص أوقــات الســعادة وفرصهــا‪ ،‬قــد تقولــن‪:‬‬
‫هــذه زوجــة النبــي صــى اللــه عليــه وســلم تغــار وهــي َمـ ْن هــي وزوجهــا هــو َمـ ْن هــو صــى‬
‫ر مثلنــا‪،‬‬‫اللــه عليــه وســلم‪ ،‬أقــول لــك‪ :‬وفقــك اللــه وحفظــك فالنبــي صــى اللــه عليــه وســلم بـ ٌ‬
‫وزوجاتــه ريض اللــه عنهــن بــر أيضً ــا‪ ،‬ومــن أجــل ذلــك فهــن قــدوة لــك‪ ،‬وهــذه حــوادث نــادرة‬
‫يف حياتهــن‪ ،‬بــل إن عائشــة ريض اللــه عنهــا كانــت شــابة صغــرة تعامــل معاملــة الصغــرة حتــى‬
‫تفهــم‪ ،‬ولذلــك ملــا كــرت أخــذت تــروي ذلــك عــى ســبيل النصــح‪ ،‬فقــد تــويف صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم وعمــر عائشــة تســع عــرة ســنة‪ ،‬بــل لقــد حــدث منهــا بســبب غريتهــا مــا هــو أشــد مــن‬
‫ذلــك فتقــول‪ :‬خرجــت مــع رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يف حجــة الــوداع فأخــرج معــه‬
‫نســاءه وكان متاعــي فيــه خــف فكنــت عــى جمــل نــا ٍج‪ ،‬أي قــوي رسيــع‪ ،‬وكان متــاع صفيــة‬
‫بنــت حيــي فيــه ثقــل وكانــت عــى جمــل بطــيء فتباطأنــا‪ ،‬فقــال رســول صــى اللــه عليــه وســلم‪:‬‬

‫‪60‬‬
‫«حولــوا متــاع عائشــة عــى جمــل صفيــة‪ ،‬وحولــوا متــاع صفيــة عــى جمــل عائشــة ليمــي‬
‫الركــب» فلــا رأيــت ذلــك قلــت‪ :‬يــا لعبــاد اللــه!! غلبتنــا هــذه اليهوديــة عــى رســول صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم!! فقــال النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬يــا أم عبــد اللــه إن متاعــك كان فيــه خــف‬
‫ومتــاع صفيــة كان فيــه ثقــل فبطــأ بالركــب فحولنــا متاعــك عــى بعريهــا وحولنــا متاعهــا عــى‬
‫بعــرك» قلــت‪ :‬ألســت تزعــم أنــك رســول اللــه؟ قالــت‪ :‬فتبســم رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم فقــال‪« :‬أيف شــك أنــت يــا أم عبــد اللــه؟» قلــت‪ :‬ألســت تزعــم أنــك رســول اللــه؟ فهــا‬
‫ي يلطــم‬ ‫عدلــت؟! فســمعني أبــو بكــر ريض اللــه عنــه وكان فيــه رضب مــن حــدة فأقبــل عــ ّ‬
‫وجهــي‪ ،‬فقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬مهـ ًـا يــا أبــا بكــر» قــال يــا رســول اللــه‬
‫أمــا ســمعت مــا قالــت؟ قــال‪« :‬إن الغــرى ال تبــر أســفل الــوادي مــن أعــاه» رواه أبــو يعــى‬
‫وأبــو الشــيخ ابــن حبــان‪ .‬فتذكــري يــا أيتهــا الزوجــة أن زوجــك ليــس هــو رســول اللــه صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم وال هــو عــى خلقــه‪ ،‬ثــم أنــت لســت أحــب خلــق اللــه إىل قلــب زوجــك كــا كانــت‬
‫عائشــة ريض اللــه عنهــا أحــب النــاس إليــه صــى اللــه عليــه وســلم فاحــذري شــدة الغــرة‪.‬‬
‫‪ -‬احــذري أيتهــا الزوجــة املباركــة أن تشــعيل غــرة زوجــك عليــك بــأن متتدحــي رجـ ًـا أمامــه أو‬
‫تصفــي أجنب ًّيــا يف حضــوره‪ ،‬أو تبــدي إعجابــك برجــل يف ملبســه أو حديثــه أو قوتــه أو حســن رأيــه‬
‫وعقلــه أمــام مســامع زوجــك‪ ،‬وأشــد مــن ذلــك حديثــك عــن زوجــك اآلخــر قبلــه حتــى ولــو كان‬
‫قــد توفــاه اللــه‪ ،‬فالرجــال يكرهــون ذلــك‪ ،‬ويدركــون أنــه طعــن يف رجولتهــم وتنقيــص لهــم‪ ،‬مهــا‬
‫كان الغــرض مــن الحديــث‪ .‬وحتــى لــو كان هــو الــذي يطلــب منــك ذلــك‪ ،‬بــل لــو أقســم لــك أن‬
‫ذلــك ال يغــره فــا تفعــي فإنــه لــن ينــى ذلــك مــدى عمــره كلــه‪ ،‬إن أعــاق الرجــل ومطلبــه‬
‫دامئًــا أال يكــون يف قلبــك ونفســك غــره وال أحــد عنــدك أحســن منــه وال أفضــل منــه‪ ،‬ولعــل ذلــك‬
‫يُلحــظ مــن أن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم أخــر الرجــال مــن أمتــه بنعيــم الجنــة فقــال‪..« :‬‬
‫فتقــول لــه زوجتــه‪ :‬واللــه ال أرى يف الجنــة أحســن منــك وال أحــب إ ّيل منــك‪.»..‬‬
‫أيتهــا الزوجــة العاقلــة‪ ،‬اجعــي مــن غريتــك عــى زوجــك ســب ًبا لتقريبــه إليــك‪ ،‬فــا تجعليــه ينظــر‬
‫إىل أجمــل منــك فتجمــي لــه وتعــريض لــه بحســن الحيــل والتلطــف‪ ،‬وأحبيــه ح ًّبــا عظيـ ًـا فــا‬
‫يســتغني عنــك وال عــن حبــك لــه‪ ،‬وتجمــي لــه حتى ال يحــب النظــر إال إليك‪ ،‬وأســعديه بنشــاطك‬

‫‪61‬‬
‫وظرفــك وبهجتــك حتــى ال يحــب فراقــك‪ ،‬ووفــري لــه الراحــة وســبلها حتــى ال يحتــاج مــن الخلــق‬
‫ســواك‪ ،‬وأســمعيه أطايــب مــا يشــتهي مــن الحديــث عنــه ومــا يحــب الرجــال ســاعه مــن النســاء‬
‫فــا يــدرك غايتــه ويحــس برجولتــه وأهميتــه إال أمامــك أنــت‪ ،‬فيســتغني عــن كل النســاء بــك‪.‬‬
‫أيتهــا الزوجــة الحريصــة‪ ،‬ال تلومــي إال نفســك إذا حــر زوجــك ودخــل البيــت والكــدر يعلــو‬
‫وجهــه فاســتمر كــدره‪ ،‬وال تتهمــي إال نفســك إذا أمعــن زوجــك النظــر إىل غــرك فانــرف فكــره‬
‫عنــك وزهــدك‪ ،‬وال تشــتيك إال نفســك إن أحــب زوجــك البقــاء خــارج بيتــك ولهــى عنــك وســاك‪،‬‬
‫أيــن حرصــك عليــه‪ ،‬وانشــغالك بــه‪ ،‬وانتقــاؤك أطايــب الــكالم لــه‪ ،‬وتهيــؤك لــه وحســن مظهــرك‬
‫أمامــه‪ ،‬وإرشاق وجهــك وعريــض تبســمك؟ لقــد تغــرت فتغــر لــك‪ ،‬وتوجســت تهمــة لــه فتن َّبـ ْه‬
‫لغــرك‪ ،‬أيتهــا الزوجــة الغاليــة‪ ،‬زوجــك مل يطلــب امــرأة يف الدنيــا غــرك‪ ،‬وســعى إليــك وعمــل‬
‫مــن أجلــك‪ ،‬وعــاش لــك ويــود أن يعيــش بــك دون غــرك‪ ،‬فاتقــي اللــه وثــويب إىل رشــدك‪ ،‬وثقــي‬
‫بزوجــك بعــد الثقــة بربــك الــذي يحفــظ مــن حفــظ أمــره وأدى مــا يُطلــب منــه‪ ،‬وألقــى عنــك‬
‫وســاوس عــدوك الــذي يحــرص عــى فســاد قلبــك وتكــدر عيشــك‪ ،‬واســمعي ملــن هــو حريــص‬
‫عليــك رؤوف بــك رحيــم عليــك صــى اللــه عليــه وســلم وهــو يقــول‪« :‬ال ينظــر اللــه تبــارك‬
‫وتعــاىل إىل امــرأة ال تشــكر لزوجهــا وهــي ال تســتغنى عنــه» رواه النســايئ والبـزار والحاكــم وقــال‬
‫صحيــح اإلســناد عــن عبــد اللــه بــن عمــرو ريض اللــه عنهــا‪.‬‬
‫***‬

‫‪62‬‬
‫ال عقل كالتدبري وال عز إال يف القناعة‬

‫* أيتهــا الزوجــة الصالحــة‪ ،‬أي إنســان ال يقنــع بقــدر حاجتــه مــن الدنيــا فــا ســبيل إىل رضــاه‪،‬‬
‫إ َّن طالــب الدنيــا مثــل شــارب مــاء البحــر املالــح‪ ،‬فكلــا ازداد رشبًــا ازداد عطشً ــا وظ ـأً‪ .‬ويف‬
‫الحديــث «لــو كان البــن آدم واديــان مــن ذهــب البتغــى لهــا ثال ًثــا‪ ،‬وال ميــأ جــوف ابــن آدم إال‬
‫الـراب» رواه البخــاري ومســلم‪ ،‬فالقصــد يف الطلــب‪ ،‬وهــو ضــد اإلفـراط‪ ،‬هــو اســتقامة الطريــق‪،‬‬
‫والقصــد يف كل األمــور هــو التوســط واالعتــدال الــذي ال مييــل إىل حــد اإلفـراد والتفريــط‪ .‬وقد روى‬
‫ابــن مســعود ريض اللــه عنــه عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم «مــا عــال مــن اقتصــد» رواه‬
‫اإلمــام أحمــد ومعنــاه مــا افتقــر مــن ال يــرف يف اإلنفــاق وال يقــر‪ ،‬كــا جــاء يف حديــث أيب ذر‬
‫الغفــاري ريض اللــه عنــه عندمــا ســأل عــن صحــف إبراهيــم ومــوىس «‪ ..‬ال عقــل كالتدبــر وال ورع‬
‫كالكــف‪ »..‬الحديــث ومعنــاه ليــس مثــل حســن التــرف يف املتــاح عقــل‪ ،‬فالتدبــر وهــو النظــر‬
‫يف عواقــب األمــور أي أدبارهــا‪ ،‬فيعمــل يف الحــارض عمـ ًـا حسـ ًنا لضــان حســن العاقبــة‪ ،‬ســواء يف‬
‫املــال أو الصحــة أو الوقــت أو املعايــش والنفقــات‪.‬‬
‫‪ -‬أيتهــا الزوجــة الفاضلــة واملــرأة الصالحــة‪ ،‬قــد يكــون رزقــك املــادي ورزقــك زوجــك قليـ ًـا ال‬
‫يكفيــك أو يكفــي بالــكاد‪ ،‬ويحتــاج األمــر إىل االقتصــاد يف املعيشــة والرضــا بقليــل املتــاع‪ ،‬وعــدم‬
‫املطالبــة للــزوج بالتوســع يف النفقــة والنظــر إىل مــا يف أيــدي النــاس‪ .‬قالــت أم الــدرداء ريض اللــه‬
‫عنهــا‪ :‬قلــت أليب الــدرداء‪ :‬مالــك ال تطلــب كــا يطلــب فــان وفــان؟ قــال‪ :‬إين ســمعت رســول‬
‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يقــول‪« :‬إن وراءكــم عقبــة كــؤود ال يجوزهــا املثقلــون» فأنــا أحــب‬
‫أن أتخفــف لتلــك العقبــة‪ .‬رواه الطـراين بإســناد صحيــح والكــؤود الصعبــة‪ ،‬ويف روايــة البـزار «إن‬
‫بــن أيديكــم عقبــة كــؤود ال ينجــو منهــا إال كل مخــف» وعــن أيب ســعيد الخــدري ريض اللــه‬
‫عنــه أن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬إن اللــه ليحمــي عبــده املؤمــن مــن الدنيــا وهــو‬
‫يحبــه كــا تحمــون مريضكــم الطعــام وال ـراب» رواه الحاكــم وقــال صحيــح اإلســناد‪ ،‬ومعنــى‬
‫يحمــي أي مينــع‪ .‬فيــا أيتهــا املــرأة املؤمنــة ال تغتمــي لقلــة ذات اليــد واعمــي بالرضــا والقناعــة‬

‫‪63‬‬
‫واقتصــدي يف املعيشــة وأعينــي زوجــك عــى أعبــاء الحيــاة وال تكلفيــه مــا ال يطيــق‪ ،‬وال تضطريــه‬
‫إىل اكتســاب الحـرام لريضيــك ويــويف بحوائجــك وحوائــج بيتــك‪ ،‬ويف الحديــث «قليــل يكفــي خــر‬
‫مــن كثــر يلهــي» وحاجاتــك الكثــرة التــي ال يســتطيع الــزوج لهــا قضــاء‪ ،‬الصــر عليهــا يــورث‬
‫الغنــى يف اآلخــرة‪ ،‬واســمعي لهــذه البــرى التــي زفهــا لــك الصــادق املصــدوق صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم حيــث قــال‪« :‬هــل تــدرون أول مــن يدخــل الجنــة مــن خلــق اللــه عــز وجــل؟ قالــوا‪ :‬اللــه‬
‫ورســوله أعلــم‪ .‬قــال‪ :‬الفقـراء املهاجــرون الذيــن تســد بهــم الثغــور وتتقــى بهــم املــكاره‪ ،‬وميــوت‬
‫أحدهــم وحاجتهــم يف صــدره ال يســتطيع لهــا قضــاء‪ ،‬فيقــول اللــه عــز وجــل ملــن يشــاء مــن‬
‫مالئكتــه‪ :‬ايتوهــم فحيوهــم‪ ،‬فتقــول املالئكــة‪ :‬ربنــا نحــن ســكان ســائك وخريتــك مــن خلقــك‪،‬‬
‫أفتأمرنــا أن نــأيت هــؤالء فنســلم عليهــم؟ قــال‪ :‬إنهــم كانــوا عبــا ًدا يعبدوننــي ال يرشكــون يب شــي ًئا‪،‬‬
‫وتســد بهــم الثغــور‪ ،‬وتُ َّتقــى بهــم املــكاره‪ ،‬وميــوت أحدهــم وحاجتــه يف صــدره ال يســتطيع لهــا‬
‫قضــاء‪ ،‬قــال‪ :‬فتأتيهــم املالئكــة عنــد ذلــك فيدخلــون عليهــم مــن كل بــاب ســام عليكــم مبــا‬
‫صربتــم فنعــم عقبــى الــدار» رواه أحمــد والبـزار‪ ،‬ورواتهــا ثقــات‪ ،‬عــن عبــد اللــه بــن عمــرو بــن‬
‫العــاص ريض اللــه عنهــا‪.‬‬
‫‪ -‬أيتهــا الزوجــة املؤمنــة‪ ،‬أنــا ال أدعــوك إىل الفقــر ولكنــي أدعــوك إىل حســن العمــل يف الفقــر‪،‬‬
‫وهــو الرضــا والقناعــة مبــا قــدر لــك اللــه‪ ،‬والصــر عــى مشــاكل الحيــاة الشــاقة‪ ،‬وســلوك املؤمنــة‬
‫التقيــة مــع زوجهــا وأهلهــا بعــدم التــرم والشــكوى واملطالبــات لــه‪ ،‬وزوجــك عينــه بصــرة ويــده‬
‫قصــرة‪ ،‬بــل هــو أحــرص النــاس عــى أن يجلــب لــك متــع الحيــاة وييــر لــك ســبل العيــش‬
‫الواســع‪ ،‬ومــن اإلميــان الرضــا بالقضــاء خــره ورشه‪ ،‬حلــوه ومــره‪ ،‬ومــن أســس الســعادة‪ ،‬القناعــة‪،‬‬
‫واغتنــام فــرص الطاعــة‪ ،‬روى اإلمــام أحمــد بإســناد جيــد قــوي عــن ابــن عبــاس ريض اللــه عنهــا‬
‫قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬التقــى مؤمنــان عــى بــاب الجنــة‪ ،‬مؤمــن‬
‫غنــي‪ ،‬ومؤمــن فقــر كانــا يف الدنيــا‪ ،‬فأدخــل الفقــر الجنــة‪ ،‬وحبــس الغنــي مــا شــاء اللــه أن‬
‫يحبــس‪ ،‬ثــم أدخــل الجنــة فلقيــه الفقــر فقــال‪ :‬يــا أخــي مــا حبســك؟ واللــه لقــد حبســت‬
‫محبســا فظي ًعــا كري ًهــا مــا وصلــت‬
‫ً‬ ‫حتــى خفــت عليــك‪ ،‬فيقــول‪ :‬يــا أخــي إين حبســت بعــدك‬
‫إليــك حتــى ســال منــي مــن العــرق مــا لــو ورده ألــف بعــر كلهــا أكلــة حمــض لصــدرت عنــه‬

‫‪64‬‬
‫رواء»‪ .‬ولذلــك يــا أختــي يف اإلســام قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬اللهــم أحينــي‬
‫مســكي ًنا وتوفنــي مســكي ًنا واحــرين يف زمــرة املســاكني‪ ،‬وإن أشــقى األشــقياء مــن اجتمــع عليــه‬
‫فقــر الدنيــا وعــذاب اآلخــرة» رواه ابــن ماجــة والحاكــم وقــال‪ :‬صحيــح اإلســناد عــن أيب ســعيد‬
‫الخــدري ريض اللــه عنــه‪ ،‬ويف صحيــح مســلم والرتمــذي وغريهــا عــن عبــد اللــه بــن عمــرو ريض‬
‫اللــه عنهــا أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬قــد أفلــح مــن أســلم ورزق كفا ًفــا‬
‫وقنعــه اللــه مبــا آتــاه» والكفــاف مــا يكفيــك عــن الســؤال‪ .‬والقناعــة كنــز ال يفنــى‪ ،‬ويف الحديــث‬
‫«عــز مــن قنــع‪ ،‬وذل مــن طمــع» وفــر املفــرون قولــه اللــه تعــاىل‪َ { :‬م ـ ْن َع ِمـ َـل َصالِ ًحــا ِم ـ ْن‬
‫َذكَـ ٍر أَ ْو أُنْثَــى َو ُهـ َو ُم ْؤ ِمـ ٌن فَلَ ُن ْح ِي َي َّنـ ُه َح َيــا ًة طَ ِّي َبـ ًة} [النحــل‪ ]97 :‬أن املـراد بالحيــاة الطيبــة هــي‬
‫القناعــة‪ .‬وقــال ســعد بــن أيب وقــاص ريض اللــه عنــه‪ :‬يــا بنــي إذا طلبــت الغنــى فاطلبــه بالقناعــة‬
‫فإنهــا مــال ال ينفــد‪ ،‬وإيــاك والطمــع فإنــه فقــر حــارض‪ ،‬وعليــك باإليــاس مــا يف أيــدي النــاس‬
‫فإنــك ال تيــأس مــن يشء إال أغنــاك اللــه عنــه‪ .‬فإيــاك أيتهــا املــرأة األبيــة أن تكــون حاجاتــك فيــا‬
‫يتنافــس فيــه املرتفــون مــن فضــول الدنيــا واملعيشــة‪ ،‬فإنــه قطــع أليــام العمــر فيــا ال ينتهــي وال‬
‫ينقطــع ثــم يــؤول إىل ال ـراب‪.‬‬
‫‪ -‬أيتهــا الزوجــة املؤمنــة‪ ،‬لقــد خــر اللــه زوجــات النبــي صــى اللــه عليــه وســلم بــن أن يخــرن‬
‫الدنيــا وزينتهــا‪ ،‬وبــن أن يخــرن اللــه والــدار اآلخــرة‪ ،‬وذلــك حتــى تعلمــي أن األمــر يحتــاج‬
‫لتحديــد االختيــار بينهــا‪ ،‬وألن الدنيــا واآلخــرة رضتــان ال يلتقيــان‪ ،‬فاختــارت زوجاتــه ريض اللــه‬
‫عنهــن اللــه ورســوله والــدار اآلخــرة‪ ،‬واســمعي قــول اللــه عــز وجــل وهــو يعــرض هــذا االختيــار‬
‫ـن أُ َمتِّ ْع ُكـ َّن‬ ‫واالختبــار‪{ .‬يَــا أَيُّ َهــا ال َّن ِبـ ُّ‬
‫ـي قُـ ْـل ِلَ ْز َوا ِجـ َـك إِ ْن كُ ْنـ ُ َّ‬
‫ـن تُـ ِر ْد َن الْ َح َيــا َة ال ُّدنْ َيــا َوزِي َنتَ َهــا فَتَ َعالَـ ْ َ‬
‫ال ِخ ـ َر َة فَ ـ ِإ َّن اللَّ ـ َه أَ َع ـ َّد‬
‫ـن تُ ـ ِر ْد َن اللَّ ـ َه َو َر ُســولَ ُه َوال ـ َّدا َر ْ َ‬ ‫سا ًحــا َج ِميـ ًـا (‪َ )28‬وإِ ْن كُ ْنـ ُ َّ‬ ‫س ْح ُك ـ َّن َ َ‬‫َوأُ َ ِّ‬
‫ات ِم ْن ُكـ َّن أَ ْجـ ًرا َع ِظيـ ًـا} [األحـزاب‪ ]28 :‬أخــرج البخــاري ومســلم عــن عائشــة ريض اللــه‬ ‫لِلْ ُم ْح ِسـ َن ِ‬
‫عنهــا‪ ،‬وأخــرج أحمــد عــن جابــر ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬أقبــل أبــو بكــر ريض اللــه عنــه يســتأذن‬
‫عــى رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم والنــاس ببابــه جلــوس‪ ،‬والنبــي صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫جالــس فلــم يــؤذن لــه‪ ،‬ثــم أقبــل عمــر ريض اللــه عنــه فاســتأذن فلــم يــؤذن‪ ،‬ثــم أذن أليب‬
‫بكــر وعمــر فدخــا والنبــي صــى اللــه عليــه وســلم جالــس وحولــه نســاؤه وهــو صــى اللــه‬

‫‪65‬‬
‫عليــه وســلم ســاكت‪ ،‬فقــال‪ :‬عمــر ألكلمــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم لعلــه يضحــك‪ ،‬فقــال‬
‫عمــر‪ :‬يــا رســول اللــه لــو رأيــت ابنــة زيــد –امــرأة عمــر‪ -‬ســألتني النفقــة آن ًفــا فوجــأت –أي‬
‫رضبــت‪ -‬عنقهــا‪ ،‬فضحــك النبــي صــى اللــه عليــه وســلم حتــى بــدت نواجــذه وقــال‪ :‬هــن حــويل‬
‫يســألنني النفقــة‪ ،‬فقــام أبــو بكــر إىل عائشــة ليرضبهــا‪ ،‬وقــام عمــر إىل حفصــة‪ ،‬كالهــا يقــوالن‪:‬‬
‫تســأالن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم مــا ليــس عنــده!! فنهاهــا رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم‪ ،‬فقلــن‪ :‬واللــه ال نســأل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم بعــد هــذا املجلــس مــا ليــس‬
‫عنــده‪ ،‬قــال‪ :‬وأنــزل اللــه عــز وجــل الخيــار‪ ،‬فبــدأ بعائشــة فقــال‪ :‬إين أذكــر لــك أمـ ًرا مــا أحــب‬
‫أن تعجــي فيــه حتــى تســتأمري أبويــك‪ ،‬قالــت‪ :‬ومــا هــو؟ قــال‪ :‬فتــا عليهــا {يَــا أَيُّ َهــا ال َّن ِبـ ُّ‬
‫ـي ُقـ ْـل‬
‫ـوي؟ بــل أختــار اللــه تعــاىل ورســوله‪ ،‬وأســألك‬ ‫ِلَ ْز َواجِ ــكَ } اآليــة‪ ،‬قالــت عائشــة‪ :‬أفيــك أســتأمر أبـ ّ‬
‫أن ال تذكــر المــرأة مــن نســائك مــا اخــرت‪ ،‬فقــال صــى اللــه عليــه وســلم إن اللــه تعــاىل مل‬
‫ـرت إال أخربتهــا‪،‬‬ ‫را‪ ،‬ال تســألني امــرأة منهــن عــا اخـ ِ‬ ‫يبعثنــي معن ًفــا ولكــن بعثنــي معلـ ًـا ميـ ً‬
‫ثــم خـ َّـر نســاءه كلهــن‪ ،‬فقلــن مثــل مــا قالــت عائشــة» فانظــري هــداين وهــداك اللــه إىل هــذا‬
‫املجتمــع الفاضــل‪ ،‬وهــذه البيــوت الكرميــة‪ ،‬كيــف كان عيشــها البســيط جـ ًّدا‪ ،‬الســهل جـ ًّدا‪ ،‬القليل‬
‫جـ ًّدا‪ ،‬وملجــرد الرغبــة والســؤال للــزوج عن زيــادة النفقــة والتوســعة وتتدخــل الســاء بتوجيهاتها‪،‬‬
‫يقــول ســيد قطــب رحمــه اللــه يف ظــال القــرآن‪ :‬يف حــادث التخيــر نقــف أمــام الرغبــة الطبيعيــة‬
‫يف نفــوس نســاء النبــي صــى اللــه عليــه وســلم يف املتــاع‪ ،‬كــا نقــف أمــام صــورة الحيــاة البيتيــة‬
‫للنبــي صــى اللــه عليــه وســلم ونســائه ريض اللــه عنهــن‪ ،‬وهــن أزواج يراجعــن زوجهــن يف أمــر‬
‫النفقــة فيؤذيــه هــذا‪ ،‬ولكنــه ال يقبــل مــن أيب بكــر عمــر ريض اللــه عنهــا أن يرضبــا عائشــة‬
‫وحفصــة عــى هــذه املراجعــة‪ .‬فاملســألة مســألة مشــاعر وميــول برشيــة‪ ،‬تصفــي وترفــع‪ ،‬ولكنهــا‬
‫ال تخمــد وال تكبــت‪ ،‬ويظــل األمــر كذلــك حتــى يأتيــه أمــر اللــه بتخيــر نســائه‪ ،‬فيخــرن اللــه‬
‫ورســوله والــدار اآلخــرة‪ ،‬اختيــا ًرا ال إك ـراه فيــه وال كبــت وال ضغــط‪ .‬ثــم يقــول‪ :‬وحكمــة اللــه‬
‫واضحــة يف أن يختــار رســله مــن البــر‪ ،‬ال مــن املالئكــة وال مــن أي خلــق آخــر غــر البــر‪،‬‬
‫يك تبقــى الصلــة الحقيقيــة بــن حيــاة الرســل وحيــاة أتباعهــم قامئــة‪ ،‬ويك يحــس أتباعهــم أن‬

‫‪66‬‬
‫قلوبهــم كانــت تعمرهــا عواطــف ومشــاعر مــن جنــس مشــاعر البــر وعواطفهــم‪ ،‬ويطمعــوا‬
‫يف تقليدهــم تقليــد اإلنســان الصغــر لإلنســان الكبــر‪ .‬انتهــى كالمــه رحمــه اللــه‪ .‬وأقــول‪ :‬كانــت‬
‫عــادة الســلف الصالــح ال يــردون موجــو ًدا‪ ،‬وال يتكلفــون مفقــو ًدا‪ ،‬بــل كانــت حالتهــم التســليم‬
‫للعليــم الحكيــم‪ ،‬فــإذا وجــدوا الطيــب مل ميتنعــوا منــه‪ ،‬وإذا حصــل لهــم الخشــن مل يأنفــوا منــه‪،‬‬
‫وكل شــؤونهم كانــت منطبقــة عــى هــذا الشــأن‪ ،‬فينبغــي للعاقــل أن يكــون تــارة هكــذا وتــارة‬
‫هكــذا‪ ،‬وهــذا شــأن العبــد مــع ســيده إن منحــه شــكر‪ ،‬وإن منعــه صــر‪ ،‬واملعتــر مــن اإلنســان‬
‫املعنــى والصفــات‪ ،‬ال املالبــس والــذات‪.‬‬
‫***‬

‫‪67‬‬
‫النشاط والبكور ضمان للراحة والسرور‬

‫* عــن صخــر بــن وداعــة الغامــدي ريض اللــه عنــه أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪:‬‬
‫«اللهــم بــارك ألمتــي يف بكورهــا» رواه أبــو داود والرتمــذي والنســايئ وابــن ماجــة وابــن حبــان يف‬
‫صحيحــه‪ .‬وعــن عائشــة ريض اللــه عنهــا قالــت‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬باكــروا‬
‫الغــدو يف طلــب الــرزق‪ ،‬فــإن الغــدو بركــة ونجــاح» رواه الب ـزار والط ـراين يف األوســط‪ .‬وعــن‬
‫فاطمــة بنــت محمــد صــى اللــه عليــه وســلم وريض اللــه عنهــا قالــت‪« :‬مــر يب رســول اللــه صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم وأنــا مضطجعــة متصبحــة‪ ،‬فحركنــي برجلــه‪ ،‬ثــم قــال‪ :‬يــا بنيــة قومــي اشــهدي‬
‫رزق ربــك‪ ،‬وال تكــوين مــن الغافلــن‪ ،‬فــإن اللــه عــز وجــل يقســم أرزاق النــاس مــا بــن طلــوع‬
‫الفجــر إىل طلــوع الشــمس» رواه البيهقــي‪ .‬وعــن عثــان ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬نــوم الصبحــة مينــع الــرزق» رواه أحمــد والبيهقــي وغريهــا‪.‬‬
‫أيتهــا الزوجــة الصالحــة‪ ،‬اليقظــة يف البكــور‪ ،‬أي يف األوقــات املبكــرة‪ ،‬واالنتبــاه يف الصبح‪ ،‬واســتقبال‬
‫اليــوم مــن أولــه بثغــر باســم‪ ،‬وصــدر منــرح‪ ،‬وعزميــة قويــة‪ ،‬ونفــس فتيــة نديــة وثابــة‪ ،‬فيهــا‬
‫إقبــال الحيــاة وإرشاقهــا وتفاؤلهــا وبركتهــا‪ ،‬وســعة الــرزق والصــدر‪ ،‬واســتثامر الوقــت والعمــر‬
‫واالســتمتاع بــه‪ ،‬والعجــب أن ديــن اإلســام وهــو يحــض عــى ذلــك‪ ،‬بــل يوجــب االســتيقاظ لصــاة‬
‫الفجــر مبكـ ًرا‪ ،‬ورغــم ذلــك اعتــاد املســلمون النــوم يف هــذه األوقــات املباركــة‪ ،‬ومــن ســافر يف بــاد‬
‫غــر املســلمني وخالطهــم يعــرف أنهــم يســتيقظون يف هــذه األوقــات دامئًــا ويبــدؤون نشــاطهم‬
‫مــن بدايــة يومهــم‪.‬‬
‫‪ -‬أيتهــا الزوجــة واملــرأة املخلصــة‪ ،‬اعلمــي أن أحســن وأفضــل مــا تفعلينــه بعــد واجــب ربــك‪ ،‬أن‬
‫ـت نفســك وثيابــك‪ ،‬وبيتــك‪،‬‬ ‫يســتيقظ الــزوج فـراك مبتســمة‪ ،‬مرشقــة الوجــه‪ ،‬نشــيطة‪ ،‬قــد أصل ْحـ ِ‬
‫وجــددت هــواء بيتــك‪ ،‬فيــري يف البيــت روح النشــاط والحيــاة املرشقــة مــع إرشاقــة الشــمس‪ .‬مــا‬
‫أجمــل أن تتفتــح عــن الــزوج فيجــد زوجتــه بوجههــا الوضَّ ــاء تلقــي عليــه كلــات الصبــاح النديــة‪،‬‬
‫فــرى بعينــه‪ ،‬ويســمع بأذنــه‪ ،‬فتــري يف أوصالــه قــوة ونشــوة يواجــه بهــا اليــوم‪ ،‬وكل يــوم‪ .‬مــا‬

‫‪68‬‬
‫أروع أن يجــد الــزوج طعامــه معـ ًّدا نظي ًفــا‪ ،‬وتدعــوه إليــه وتشــاركه فيــه‪ ،‬وتبادلــه‪َ ،‬غـ َزل الصبــاح‬
‫وقبالتــه‪ ،‬مــع أمنيــات يــوم ســعيد‪.‬‬
‫‪ -‬أيتهــا الزوجــة املباركــة‪ ،‬ال تنــي مهــا كانــت الظــروف واملشــاغل‪ ،‬أن يكــون وجهــك الباســم‬
‫آخــر مــا ينظــر إليــه الــزوج وهــو يغــادر البيــت‪ ،‬مــع كلــات رقيقــات عنــد البــاب‪ ،‬ونظ ـرات‬
‫معـرات‪ ،‬وضغطــات باليــد مــع املصافحــة تســتدعيه للعــودة لهنــاء البيــت وأنســه‪ ،‬مــع الدعــوات‬
‫الصالحــات‪ .‬أيتهــا الزوجــة الســعيدة‪ ،‬أتظنــن بعــد ذلــك أن زوجــك يرغــب يف البعــد عنــك وعــن‬
‫بيتــك إال ألداء واجبــات عملــه خــارج البيــت؟ أتظنــن بعــد ذلــك أن زوجــك يقــدر عــى املكــوث‬
‫خــارج البيــت إال ليجلــب لــك أســباب الســعادة ويكــون يف مرضاتــك؟ إن الزوجــة التــي تشــكو‬
‫تغيــب زوجهــا خــارج بيتهــا هــي املقــرة يف حــق نفســها قبــل حــق زوجهــا‪.‬‬
‫‪ -‬أيتهــا الزوجــة الذكيــة‪ ،‬بيتــك ومملكتــك الــذي فيــه تقــي معظــم عمــرك‪ ،‬يحتــاج منــك بــذل‬
‫عنايــة‪ ،‬يف تنظيفــه‪ ،‬وترتيبــه‪ ،‬وتجميلــه‪ ،‬روحــك وشــخصيتك ال بــد أن يكــون لهــا بصــات متيــزك‬
‫عــن غــرك‪ ،‬ومت ّيــز بيتــك لــكل مــن يطالعــه وي ـراه‪ ،‬البيــت البســيط الجميــل النظيــف املرتــب‬
‫البهيــج املــرق‪ ،‬أال يشــر إىل امــرأة بهــذه الصفــات؟ البيــت الهــادئ املريــح يف ألوانــه‪ ،‬وقطــع‬
‫أثاثــه‪ ،‬وترتيــب حجــره‪ ،‬أال ينبــئ عــن طبــاع امــرأة لهــا ذوق جــايل؟ إعــداد الطعــام واملائــدة‬
‫تقدميــه بــروح وث َّابــة كرميــة راضيــة‪ ،‬أال يوحــى بنفــس وخلــق نبيــل؟‬
‫أيتهــا الزوجــة الصالحــة‪ ،‬أنــت روح البيــت وعبــره‪ ،‬ونســمة الحيــاة فيــه‪ ،‬إنــك تصلحــن الحيــاة‬
‫وتجدديــن دماءهــا وأوصالهــا‪ ،‬بتقديــم الطعــام لألبــدان‪ ،‬والــرور للنفــس‪ ،‬وتنشــيط العواطــف‬
‫لدفــع حركــة الحيــاة‪ ،‬واملــودة واملحبــة والحنــان للــروح‪ ،‬أنــت وببيتــك خــر متــاع الدنيــا لعبــد‬
‫صالــح يصحبــك يف جنتــك حتــى بلــوغ جنــة اآلخــرة‪ ،‬احــذري مــن عــدوك وشــيطانك أن يجعلــك‬
‫شــؤم الــدار‪ ،‬فــا يدخــل بيتــك الــزوج إال ويأخــذ نفســه باالضطـرار‪ ،‬فيتحني الفرصــة ليلــوذ بالفرار‪،‬‬
‫واعلمــي أن حقيقــة حســن الخلــق هــي إراحــة الغــر‪ ،‬والخدمــة بغــر اإلراحــة قــر بــا لــب‪،‬‬
‫وميكــن الحصــول عليهــا مــن خــادم‪ ،‬أمــا خدمــة الزوجــة يف بيتهــا فلهــا شــأن آخــر‪ ،‬بــل هــي عبــادة‬
‫تكفــر الذنــوب‪ ،‬روت عائشــة ريض اللــه عنهــا قالــت‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪:‬‬
‫كال مــن عمــل يــده‪ ،‬أمــى مغفــو ًرا لــه» رواه الطـراين‪.‬‬ ‫«مــن أمــى ًّ‬

‫‪69‬‬
‫‪ -‬أيتهــا الزوجــة الحنــون‪ ،‬اهتمــي بإعــداد الطعــام الــذي يحبــه زوجــك قــدر اســتطاعتك وال تهميل‬
‫األصنــاف التــي يفضلهــا بزعــم أن أطفالــك ال يحبونــه‪ ،‬أو أنــك مل تتعــودي طهيــه‪ ،‬أو ال تحبيــه‪ ،‬ولــو‬
‫أنــك أضفــت نيــة طيبــة أثنــاء إعــدادك للطعــام كأن تتقــريب إىل زوجــك بهــذا العمــل طاعــة لربــك‪،‬‬
‫وذكــرت اللــه كث ـ ًرا أثنــاء إعــداده حتــى تتنــزل الربكــة يف الطعــام‪ ،‬وتفكــرت يف زوجــك وإراحتــه‬
‫وإســعاده وضيوفــه ومــن دخــل بيتــك‪ ،‬لــو فعلــت ذلــك لــذاق مــن يتنــاول طعامــك طعــم روحــك‬
‫املؤمنــة املباركــة‪ ،‬وألصبــح للطعــام –شَ ـ ْم َخة ونَ َفــس‪ -‬ولــن تســمعي مــن زوجــك عندمــا يــأكل‬
‫ترحمــه عــى أمــه وعــى أيــام زمــان‪ ،‬ولــن ميضــغ غيظــه وحرستــه عــى املائــدة التــي أنفــق فيهــا‬
‫املــال وهــي خاويــة مــن الربكــة والــروح والرائحــة‪.‬‬
‫***‬

‫‪70‬‬
‫امرأة أفنت عمرها إلسعاد امرأة أخرى‬

‫* أيتهــا الزوجــة الســعدية واملــرأة الصالحــة‪ ،‬أ ّم زوجــك‪ ،‬أنــت مدينــة لهــا دي ًنــا عظيـ ًـا‪ ،‬الوفــاء بــه‬
‫صعــب‪ ،‬فزوجــك الــذي تحبينــه وتقدرينــه وتحرتمينــه وتســعدين بــه وبعرشتــه وتفخرين بــه‪ ،‬ربته‬
‫أمــه‪ ،‬فحملتــه وولدتــه وأرضعتــه وأطعمتــه وســهرت عليــه طويـ ًـا‪ ،‬صغـ ًرا وكبـ ًرا‪ ،‬واعتنــت براحته‬
‫وتعبــت هــي‪ ،‬وأطعمتــه وجاعــت هــي‪ ،‬وأنامتــه وســهرت هــي‪ ،‬وأضحكتــه وبكــت هــي‪ ،‬أذاقتــه‬
‫الحنــان والحــب حتــى امتــأ قلبــه‪ ،‬وحفظــت عليــه عواطفــه‪ ،‬وهذبــت أخالقــه حتــى عانــت‬
‫وكابــدت الكثــر‪ ،‬وأنفقــت عليــه صحتهــا وعمرهــا لرتيحــه وتربيــه‪ ،‬وأرهقــت نفســها خوفًــا ورجــا ًء‬
‫عــى مســتقبله حتــى أهلتــه رجـ ًـا مؤهـ ًـا‪ ،‬وزو ًجــا كرميًــا‪ ،‬هــا هــو نتــاج التعــب والكفــاح بــن‬
‫يديــك أنــت أمانــة أم عنــد زوجــة‪ ،‬بــل أنــت أيتهــا الزوجــة‪ ،‬لقــد كنــت أمــل أم زوجــك وأمانيهــا‬
‫العظــام منــذ نعومــة أظفــار زوجــك‪ ،‬كــم كان يـراود خيالهــا الطمــوح أن تــرى ابنهــا الحبيــب رجـ ًـا‬
‫يتــزوج ويســعد بأعظــم امــرأة‪ ،‬كــم كانــت تســمع ممــن يعارشونهــا الدعــوات بــأن يشــب ويكــر‬
‫ومعــه –عروســة‪ -‬حلــوة طيبــة يســعد بهــا‪ ،‬إنــه أنــت التــي كنــت األمــل والخيــال‪ ،‬حتــى ســعدت‬
‫بزواجــه منــك‪ ،‬واختيــاره لــك‪ ،‬وفرحــه معــك‪ ،‬فكــوين األمــل والفــرح والراحــة واملحبــة لهــا يســعد‬
‫هــو بــك‪ ،‬وكــوين لزوجــك كذلــك تســعد هــي بــك وبــه‪ ،‬واللــه يوفقــك ويصونــك‪.‬‬
‫‪ -‬أيتهــا الزوجــة البــارة واملــرأة املؤمنــة‪ ،‬إن مــن أهــم أســباب الســعادة يف الدنيــا واآلخــرة‪ ،‬أن‬
‫يحــب املســلم للنــاس مــا يحبــه لنفســه‪ ،‬وأن يأتيــه مــا يحــب أن يؤتــوه‪ ،‬والج ـزاء مــن جنــس‬
‫العمــل‪ ،‬واعلمــي أن مــن أعظــم واجباتــك نحــو زوجــك‪ ،‬ومــن أهــم حقوقــه عليــك‪ ،‬أن تعينيــه‬
‫عــى أمــر دينــه‪ ،‬وأداء فرائــض اللــه عليــه وحقــوق النــاس عنــده‪ ،‬وزوجــك مأمــور رش ًعــا بــر‬
‫والديــه وخاصــة أمــه‪ ،‬وهــو فــرض عليــه‪ ،‬وعليــك أن تعينيــه عليــه‪ ،‬بــل تحضيــه عــى أن يأتيــه‪،‬‬
‫وتذكريــه بــه‪ ،‬فعــن عبــد اللــه بــن عمــرو بــن العــاص ريض اللــه عنهــا قــال‪« :‬جــاء رجــل إىل‬
‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬أبايعــك عــى الهجــرة والجهــاد أبتغــي األجــر مــن‬
‫اللــه‪ .‬قــال‪ :‬فهــل مــن والديــك أحــد حــي؟ قــال‪ :‬نعــم بــل كالهــا حــي‪ .‬قــال‪ :‬فتبتغــي األجــر‬

‫‪71‬‬
‫مــن اللــه؟ قــال‪ :‬نعــم قــال‪ :‬فارجــع إىل والديــك فأحســن صحبتهــا» رواه مســلم‪ .‬وعــن معاويــة‬
‫بــن جاهمــة‪ ،‬أن جاهمــة ريض اللــه عنــه جــاء إىل النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪« :‬يــا‬
‫رســول اللــه أردت أن أغــزو‪ ،‬وقــد جئتــك أستشــرك؟ فقــال‪ :‬هــل لــك مــن أم؟ قــال‪ :‬نعــم‪ .‬قــال‪:‬‬
‫فالزمهــا‪ ،‬فــإن الجنــة عنــد رجلهــا» رواه ابــن ماجــة والنســايئ والحاكــم وقــال‪ :‬صحيــح اإلســناد‪.‬‬
‫فهــل هنــاك أيتهــا الزوجــة تكليــف عــى زوجــك نحــو أمــه أحــق مــن ذلــك؟ مــا هــي جهــودك‬
‫ودورك مــع زوجــك حتــى يفــي بهــذا الحــق؟ ثــم احــذري غضــب اللــه عــى زوجــك الــذي يلحقــك‬
‫منــه ويلحــق أبنــاءك إذا هــو كان عاقًّــا لوالديــه‪ ،‬أو مســخطًا لهــا أو أليهــا‪ .‬فعــن أيب هريــرة ريض‬
‫اللــه عنــه عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬رغــم أنفــه‪ ،‬ثــم رغــم أنفــه‪ ،‬ثــم رغــم أنفــه‪.‬‬
‫قيــل‪ :‬مــن يــا رســول اللــه؟ قــال‪ :‬مــن أدرك والديــه عنــد الكــر أو أحدهــا ثــم مل يدخــل الجنــة»‬
‫رواه مســلم ورغــم أنفــه‪ :‬دعــاء بالفقــر واإلهانــة‪ ،‬والرغــام هــو ال ـراب‪.‬‬
‫أيتهــا الزوجــة واملــرأة املؤمنــة‪ ،‬ال تحــري زوجــك وتضعيــه بــن شــقي الرجــا‪ ،‬عندمــا تضطريــه أن‬
‫يرضيــك فيغضــب أمــه ويســخط ربــه‪ ،‬ويصلــك ويــرك ويقطــع أمــه‪ ،‬فعــن أيب هريــرة ريض اللــه‬
‫عنــه قــال‪« :‬جــاء رجــل إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬يــا رســول اللــه مــن أحــق‬
‫النــاس بحســن صحابتــي؟ قــال‪ :‬أمــك‪ .‬قــال‪ :‬ثــم مــن؟ قــال‪ :‬أمــك‪ .‬قــال‪ :‬ثــم مــن؟ قــال‪ :‬أمــك‪.‬‬
‫قــال‪ :‬ثــم مــن؟ قــال‪ :‬أبــوك» رواه البخــاري ومســلم‪ .‬فأيــن أنــت مــن هــذا الرتتيــب عنــده؟ ومــا‬
‫مــدى عونــك لزوجــك إلحســان صحبتــه لوالديــه؟ ثــم زوجــك وأبــو أبنائــك وعشــرك وحبيبــك‪،‬‬
‫هــل تحبــن لــه الخــر؟ بالقطــع إجابتــك بنعــم‪ ،‬فــإن علمــت أن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫قــال‪« :‬ثالثــة ال ينظــر اللــه إليهــم يــوم القيامــة‪ :‬العــاق لوالديــه ومدمــن الخمــر‪ ،‬واملنــان بالعطيــة‪،‬‬
‫وثالثــة ال يدخلــون الجنــة‪ :‬العــاق لوالديــه‪ ،‬والديــوث والرجلــة» رواه النســايئ والب ـزار والحاكــم‬
‫وابــن حبــان وهــو حديــث صحيــح‪ .‬والديــوث هــو الــذي يقــر أهلــه عــى الزنــا مــع علمــه بــه‪،‬‬
‫والرجلــة هــي املتشــبهة بالرجــال‪.‬‬
‫‪ -‬أيتهــا الزوجــة واملــرأة الصالحــة‪ ،‬إنــك توديــن مــن كل قلبــك أن يهبــك اللــه أبنــا ًء صالحــن‬
‫مطيعــن للــه ثــم لــك ولزوجــك‪ ،‬وســبيلك إىل ذلــك‪ ،‬بجانــب حرصــك وتربيتــك‪ ،‬هــو العلــم‬
‫بالســبب الــذي ال يقــدر عليــه إال اللــه الحكيــم العــدل‪ ،‬فعــن ابــن عمــر ريض اللــه عنهــا قــال‪:‬‬

‫‪72‬‬
‫قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬بــروا آباءكــم تربكــم أبناؤكــم‪ ،‬وعفــوا تعــف نســاؤكم»‬
‫رواه الطـراين بإســناد حســن وغــره عــن عائشــة‪ ،‬والحاكــم وصححــه عــن أيب هريــرة‪ .‬فــا أســلم‬
‫أن نــريب أبناءنــا بحســن صلتنــا وبرنــا بآبائنــا‪ ،‬ومــا أصــدق وأنفــع أن يزيــد الــر والخــر يف بيوتنــا‬
‫وأبنائنــا‪ ،‬بصــدق برنــا وصلتنــا لذوينــا وأهلينــا وخاصــة ألبوينــا‪ ،‬فعــودي نفســك وزوجــك‪ ،‬أصلحني‬
‫اللــه وإيــاك‪ ،‬عــى حســن بــره ألهلــه وألبويــه تغنمــي الربكــة يف بيتــك وولــدك وزوجــك وأنــت‬
‫الفائــزة والســعيدة واملحبوبــة مــن الجميــع‪ .‬وثقــي أيتهــا املــرأة الصالحــة يف ميـزان عــدل ربــك‪،‬‬
‫ويف عطائــه وأرزاقــه‪ ،‬التــي يقســمها بأســباب ظاهــرة وباطنــة‪ ،‬واســمعي مــن رســول البرشيــة‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم وهــو يقــول‪« :‬مــن رسه أن ميــد لــه يف عمــره‪ ،‬وي ـزاد يف رزقــه‪ ،‬فليــر‬
‫والديــه‪ ،‬وليصــل رحمــه» رواه أحمــد ومعنــاه ورد يف الصحيــح‪ .‬أفــا تحبــن أيتهــا الحريصــة أن‬
‫يزيــد اللــه يف عمــرك وعمــر زوجــك بالخــر‪ ،‬وأن يزيــد اللــه يف أرزاقــك؟‬
‫* أيتهــا الزوجــة واملــرأة الكرميــة‪ ،‬اقبــي هــذه النصائــح مــن املجربــن واجعليهــا منه ًجــا تســرين‬
‫عليــه يف معاملــة أم وأب الــزوج‪:‬‬
‫‪ -‬أنزليهــا منزلــة أبويــك يف املعاملــة والصلــة‪ ،‬وعليــك أن تناديهــا بلفــظ‪ ،‬مامــا‪ ،‬بابــا‪ ،‬فــإن لذلــك‬
‫أثـ ًرا عجيبًــا يف إالنــة قلبيهــا نحــوك‪ .‬والــرع يطلــب منــك ذلــك‪ ،‬ألن املصاهــرة قرابــة رشعيــة‪.‬‬
‫‪ -‬أشــعري أم زوجــك بأهميــة خاصــة بهــا ال تجدهــا إال منــك‪ ،‬مثــل دوام الســؤال عنهــا ولــو‬
‫تليفون ًّيــا‪ ،‬وتحــري زيارتهــا‪ ،‬وتقديــم بعــض الهدايــا مــن طعــام أو ملبــس ونحــو ذلــك‪ ،‬وخاصــة مــا‬
‫تفضلــه وتحبــه هــي‪ ،‬واحــريص أن تعــريف مــا تفضلــه مــن ابنهــا وهــو زوجــك‪ ،‬فإنــه سيســعد جـ ًّدا‬
‫لحرصــك‪ ،‬وســوف يبادلــك مــع أهلــك هــذا الفعــل الجميــل‪.‬‬
‫‪ -‬ادفعــي زوجــك بالنصائــح والتذكــر أن يــر والديــه وأهلــه‪ ،‬ويــا حبــذا لــو استشــعر أهلــه أنــه زاد‬
‫يف برهــم بعــد ارتباطــه بــك‪ ،‬فــإن ذلــك ســيجعلهم أكــر ح ًّبــا لــك وستكســبني ثقتهــا وودهــا‪.‬‬
‫‪ -‬إذا ســمعت صــوت أم زوجــك‪ .‬فتهلــي وافرحــي‪ ،‬ولــو كان ذلــك مــن خــال املحادثــة التليفونيــة‬
‫فــإن الشــعور ينتقــل‪ ،‬وإذا اســتقبلتيها يف بيتــك فاســتبرشي وأشــعريها بــكل الطــرق أنهــا يف بيتهــا‬
‫وبيــت ابنهــا وابنتهــا‪ ،‬واطلبــي ذلــك وأعلميهــا بــه‪.‬‬
‫‪ -‬إذا دخلــت أنــت عــى أم زوجــك يف بيتهــا‪ ،‬فأشــعريها أنــك لســت غريبــة وال تدعيهــا تتكلــف‬

‫‪73‬‬
‫لــك‪ ،‬وإن كانــت مشــغولة يف أي عمــل فأرسعــي يف أدائــه بــدلً منهــا وأرصي عــى ذلــك‪ ،‬حتــى‬
‫تشــعر نحــوك بشــعور األمومــة والرحمــة بهــا‪.‬‬
‫‪ -‬تحــديث أمامهــا ومــن ورائهــا ويف غيبتهــا عنهــا بــأدب واحــرام وأكــري مــن مدحهــا والثنــاء‬
‫عليهــا‪ ،‬بــل والثنــاء دامئًــا عــى حســن تربيتهــا لزوجــك‪.‬‬
‫‪ -‬أظهــري إعجابــك بحديثهــا ومبنزلهــا وطهيهــا للطعــام وتدبريهــا للمنــزل‪ ،‬واطلبي منهــا أن تعلمك‬
‫ذلــك‪ ،‬حتــى لــو كنــت تجيدينــه‪ ،‬فســوف تفــرح وتفخــر بذلــك‪ ،‬وتشــعر أنهــا تعلــم ابنتهــا وليســت‬
‫زوجــة ابنها‪.‬‬
‫‪ -‬اطلبــي مشــورتها يف أمــورك املهمــة‪ ،‬وأظهــري احـرام رأيهــا وحــاويل تنفيــذه بقــدر مــا ينفعك وال‬
‫يــرك‪ .‬وال تدخليهــا يف خالفاتــك مــع زوجــك‪ ،‬وتحمــي محاباتهــا للــزوج إن علمــت بهــذا الخــاف‬
‫فهــي أم قبــل كل يشء‪.‬‬
‫لــرأي فاكتفــي بابتســامتك‪ ،‬وغــري أســلوب‬ ‫ٍ‬ ‫‪ -‬تجنبــي مجادلتهــا يف األمــور‪ ،‬وإذا مل ترتاحــي‬
‫الحديــث‪ ،‬وال تكــري مــن معاتبتهــا‪ ،‬واقبــي عذرهــا مهــا كان‪ ،‬وخاطبيهــا بأســلوب مهــذب مثــل‬
‫أن تقــويل لهــا دامئًــا –حرضتــك‪.-‬‬
‫‪ -‬ضعيهــا موضــع االح ـرام وخاصــة أمــام اآلخريــن‪ ،‬بــأن تقومــي عنــد رؤيتهــا وال تجلــي حتــى‬
‫تجلــس‪ ،‬وإذا خرجــت معهــا فقدميهــا أمامــك دامئًــا وأفســحي لهــا الطريــق‪ ،‬وأمســي بيدهــا عنــد‬
‫الركــوب والنــزول وأشــعريها خوفــك عليهــا‪ ،‬واحمــي مشــرياتها ومــا تحتــاج لحملــه‪ ،‬وأركبيهــا‬
‫الســيارة قبلــك ودعيهــا تجلــس بجــوار ابنهــا زوجــك يف الســيارة‪.‬‬
‫‪ -‬ال تنــي دعوتهــا وأرستهــا عــى طعــام كل فــرة وقدمــي لهــا مــا تعلمتيــه منهــا واذكــري ذلــك‬
‫لهــا‪ ،‬وليكــن أفضــل مــا تحبــه مــن األطعمــة هــو أســاس املائــدة‪ .‬واذكــري لهــا أن كل ذلــك –مــن‬
‫فضلــة خريهــا‪ -‬ألن ابنهــا زوجــك هــو الــذي ينفــق عــى البيــت‪ .‬وإذا دعتــك أو دعــت زوجــك‬
‫فافرحــي ولبــي الدعــوة مــع شــكرها‪.‬‬
‫‪ -‬تغافــي عــن زالتهــا وأخطائهــا يف بيتــك‪ ،‬وال تســتثقيل وجودهــا وأرصي عــى مكوثهــا واســتضافتها‬
‫يف بيــت ابنهــا أطــول مــا ميكــن‪ ،‬وأظهــري لهــا أن الربكــة –تحــل بحضورهــا‪ -‬يف البيــت‪ ،‬وال تتضايقي‬
‫مــن دخولهــا املطبــخ وحرصهــا عــى معرفــة مــا فيــه‪ ،‬وكشــفها –للحلــل‪ -‬وســؤالها األوالد عــا‬

‫‪74‬‬
‫يحــدث يف البيــت وعــا يحــر إليكــم‪ ،‬فهــذه عــادة معظــم النســاء وطبعهــن‪ ،‬وهــي ال تقصــد‬
‫مضايقتــك والتفتيــش عــن أرسار بيتــك‪.‬‬
‫‪ -‬تــريف مبــا يجعــل أوالدك يحبــون جدتهــم ويفرحــون بهــا‪ ،‬فهــم أوالدهــا مثلــك بــل –أعــز الولــد‬
‫ولــد الولــد‪ -‬وعلميهــم احرتامهــا والســؤال عنهــا وحــب معارشتهــا‪ ،‬فســوف تعينــك عــى حســن‬
‫تربيتهــم فهــي مجربــة‪ ،‬وســوف تحتاجــن لهــا لرتبيــة أوالدك دامئًــا وتركهــم معهــا‪.‬‬
‫‪ -‬حبــذا لــو هيــأت الفرصــة الصطحابهــا يف نزهــة أو رحلــة ســويًّا فتدخلــن عليهــا وعــى زوجــك‬
‫الــرور‪ ،‬وكلــا ســمحت الظــروف باملبيــت عندهــا مــع كل أوالدك‪ ،‬ولــو عــى ف ـرات متباعــدة‪،‬‬
‫فــإن ذلــك يزيــل الفــوارق‪ ،‬ويقــرب بــن النفــوس‪ ،‬وتــزداد الروابــط‪.‬‬
‫‪ -‬وأخـ ًرا إيــاك وذم أم زوجــك أمامــه‪ ،‬أو ذم زوجــك أمامهــا‪ ،‬خاصــة إذا كانــت أرسة زوجــك أدىن‬
‫اجتامع ًّيــا أو ثقاف ًّيــا مــن أرستــك‪ ،‬فــإن ذلــك يجــرح كربيــاءه‪ ،‬ويــورث يف نفســه الضغينــة فتظهــر‬
‫عــى ســلوكه ألتفــه األســباب‪.‬‬
‫***‬

‫‪75‬‬
‫ال خري فيمن ال يُضيِّف‪ ،‬وال يصل الرحم‬

‫* البيــت الكريــم‪ ،‬بيــت فيــه كِـرام‪ ،‬يف الجــود والبشاشــة‪ ،‬وإكـرام األضيــاف‪ ،‬يُــرع الخــر إىل أهله‪،‬‬
‫ويتع ـ ّدى الخــر واإلحســان إىل كل مــن يتصــل بــه ويدخلــه‪ ،‬يرتــاح فيــه أهلــه وكل مــن دخلــه‪،‬‬
‫النفــوس فيــه فيهــا ســاحة‪ ،‬والوجــوه فيهــا إرشاقــه‪ ،‬والقلــوب فيــه صافيــة‪ ،‬واملوائــد فيــه معـ ّدة‬
‫ومهيــأة للضيفــان‪ ،‬ال يخلــو مــن نعــم الرحمــن‪ ،‬وأجمــل مــا فيــه ُحســن اللقــاء وص ْدقــه‪ ،‬املالئكــة‬
‫تتنــاوب فيــه للدعــاء ألهلــه ولتنـ ّزل الــركات والرحــات‪ .‬روى ابــن عبــاس ريض اللــه عنهــا عــن‬
‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬الخــر أرسع إىل البيــت الــذي يــؤكل فيــه مــن الشّ ـفْرة إىل‬
‫ســنام البعــر» رواه ابــن ماجــة وغــره‪ ،‬ومعنــاه أن اللــه تعــاىل يســوق النعــم بكــرة للبيــت الــذي‬
‫فيــه الجــود وإك ـرام الضيــف مثــل رسعــة الســكني يف ســنام الجمــل عنــد قطعــه‪ .‬وروت عائشــة‬
‫ريض اللــه عنهــا قالــت‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬املالئكــة تصــي عــى أحدكــم‬
‫مــا دامــت مائدتــه موضوعــة» رواه األصبهــاين‪ ،‬وقــد مــدح اللــه تعــاىل نب ّيــه إبراهيــم عليــه وعــى‬
‫نبينــا الصــاة والســام فقــال‪َ { :‬ولَ َقـ ْد َجــا َءتْ ُر ُسـلُ َنا إِبْ َرا ِهيـ َم بِالْبُـ ْ َ‬
‫ـرى قَالُــوا َسـ َـا ًما قَـ َ‬
‫ـال َسـ َـا ٌم فَـ َـا‬
‫لَ ِبــثَ أَ ْن َجــا َء ِب ِع ْجــلٍ َح ِنيـ ٍـذ} [هــود‪ ]69 :‬أي بعجــل مشّ ـو ِّي‪.‬‬
‫‪ -‬أيتهــا الزوجــة واملــرأة الحريصــة عــى الخــر‪ ،‬أيقنــي بــأن أهــل زوجــك‪ ،‬وخاصــة والديــه‪ ،‬أحــق‬
‫باإلك ـرام والصلــة قبــل غريهــم‪ .‬فإنهــا يف الحقيقــة بضاعتهــم تــر ّد إليهــم‪ ،‬والولــد ومالــه ألبيــه‪،‬‬
‫واألقربــون أوىل باملعــروف‪ ،‬ثــم إنــك أنــت الــذي يعــود عليــه الخــر بحســاب اإلميــان والج ـزاء‪،‬‬
‫فعــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬ســمعت رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يقــول‪« :‬مــن‬
‫نســأ لــه يف أثــره‪ ،‬فليصــل رحمــه» رواه البخــاري والرتمــذي‬ ‫رسة أن يُ ْبســط لــه يف رزقــه‪ ،‬وأن يُ َ‬
‫ولفظــه‪« :‬تعلّمــوا مــن أنســابكم مــا تصلــون بــه أرحامكــم‪ ،‬فــإن صلــة الرحــم مح ّبــة يف األهــل‬
‫َمـ ْـرا ٌة يف املــال منســأة يف األثــر» وعــن أنــس ريض اللــه عنــه عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫ســمعه يقــول‪« :‬إن الصدقــة‪ ،‬وصلــة الرحــم يزيــد اللــه بهــا يف العمــر‪ ،‬ويدفــع بهــا ميتــة الســوء‬
‫ويدفــع بهــا املكــروه واملحــذور» رواه أبــو يعــي‪ ،‬وعــن ابــن عمــر ريض اللــه عنهــا قــال‪« :‬أىت‬

‫‪76‬‬
‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم رجــل فقــال‪ :‬إين أذنبــت ذن ًبــا عظيـ ًـا فهــل يل مــن توبــة؟ فقــال‪:‬‬
‫هــل لــك مــن أم؟ قــال‪ :‬ال‪ .‬قــال‪ :‬فهــل لــك مــن خالــة؟ قــال‪ :‬نعــم‪ .‬قــال‪ :‬ف ّربهــا» رواه ابــن حبــان‬
‫والحاكــم‪.‬‬
‫‪ -‬عــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬جــاء رجــل إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪:‬‬
‫إين مجهــود‪ ،‬فأرســل إىل بعــض نســائه‪ ،‬فقالــت‪ :‬ال والــذي بعثــك بالحــق مــا عنــدي إال مــاء‪ ،‬ثــم‬
‫أرســل إىل أخــرى فقالــت مثــل ذلــك حتــى قلــن كلهــن مثــل ذلــك‪ :‬ال والــذي بعثــك بالحــق مــا‬
‫عنــدي إال مــاء‪ ،‬فقــال‪ :‬مــن يضيــف هــذا الليلــة رحمــه اللــه؟ فقــام رجــل مــن األنصــار فقــال‪:‬‬
‫أنــا يــا رســول اللــه‪ ،‬فانطلــق بــه إىل رحلــه فقــال المرأتــه‪ :‬هــل عنــدك يشء؟ قالــت‪ :‬ال‪ ،‬إال قــوت‬
‫صبيــاين‪ .‬قــال‪ :‬فعللّيهــم بــيء‪ ،‬فــإذا أرادوا العشــاء فن ّوميهــم‪ ،‬فــإذا دخــل ضيفنــا فأطفئــي‬
‫ـراج‪ ،‬وأريــه أنّــا نــأكل‪ ،‬فقعــدوا وأكل الضيــف‪ ،‬وباتــا طاويــن‪ ،‬فلــا أصبــح غــدا عــى رســول‬ ‫الـ ّ‬
‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬قــد عجــب اللــه مــن صنيعكــا» رواه مســلم وغــره‪ .‬فانظري‬
‫رعــاك اللــه وحفظــك كيــف كان إك ـرام الضيــف حتــى إنــه ملــا مل يجــد رســول اللــه صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم يف بيوتــه كلهــا غــر املــاء قــام بعــرض الضيــف عــى أصحابــه فــإذا بواحــد يقبلــه‪ ،‬وإذا‬
‫ليــس يف بيتــه غــر قــوت العيــال فين ّومهــم بــا طعــام ويتحايــل هــو وزوجتــه حتــى يــأكل الضيــف‬
‫مــا عندهــا وينامــا جائعــن هــا وأوالدهــا ابتغــاء الثــواب وإميانًــا بالحســاب «مــن كان يؤمــن‬
‫باللــه واليــوم اآلخــر فليكــرم ضيفــه‪ ،‬ومــن كان يؤمــن باللــه واليــوم اآلخــر فليصــل رحمــه‪ ،‬ومــن‬
‫كان يؤمــن باللــه واليــوم اآلخــر فليقــل خـ ًرا أو ليصمــت» رواه البخــاري ومســلم‪ .‬وعــن أيب ســعيد‬
‫الخــدري ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬مــن كان يؤمــن باللــه‬
‫واليــوم اآلخــر فليكــرم ضيفــه‪ ،‬قالهــا ثالثًــا‪ .‬قــال رجــل‪ :‬ومــا كرامــة الضيــف يــا رســول اللــه؟ قــال‪:‬‬
‫ثالثــة أيــام‪ ،‬فــا زاد بعــد ذلــك فهــو صدقــة» رواه أحمــد والبـزار وأبــو يعــي‪.‬‬
‫‪ -‬أيتهــا الزوجــة واملــرأة البــا َّرة‪ ،‬الكــرم واإلكـرام خلــق وليــس كــرة مــال‪ ،‬واملثــل يقــول‪( :‬لقينــي‬
‫وال تغ ّدينــي) فكــم مــن بيــوت أغنيــاء ال يحــب النــاس دخولهــا‪ ،‬وكــم مــن بيــوت فقـراء ال يرتــاح‬
‫النــاس إال فيهــا ورؤيــة أهلهــا‪ .‬عــن عقبــة بــن عامــر ريض اللــه عنــه عــن النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم قــال‪« :‬ال خــر فيمــن ال يضيّــف» رواه أحمــد ورجالــه رجــال الصحيــح‪ ،‬ولكــن ليــس معنــى‬

‫‪77‬‬
‫هــذا أن تتكلفــي لضيوفــك إىل حـ ّد اإلرساف‪ ،‬أو أن تحرجــي زوجــك وترهقــي ميزانيتــه يف النفقــة‪.‬‬
‫فعــن عبــد اللــه بــن عمــرة قــال‪ :‬دخــل عــى جابــر ريض اللــه عنــه نفــر مــن أصحــاب النبــي صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم فق ـ ّدم إليهــم خ ْب ـ ًزا وخـ ًّـا‪ ،‬فقــال‪ :‬كلــوا فــإين ســمعت رســول اللــه صــى اللــه‬
‫ـم اإلدام الخـ ّـل‪ .‬إنــه هــاك بالرجــل أن يدخــل إليــه النفــر مــن إخوانــه‪،‬‬ ‫عليــه وســلم يقــول‪« :‬نِ ْعـ َ‬
‫فيحتقــر مــا يف بيتــه أن يقدّ مــه إليهــم‪ ،‬وهــاك بالقــوم أن يحتقــروا مــا ُقــدّ م إليهــم» رواه أحمــد‬
‫والطـراين وأبــو يعــي‪.‬‬
‫‪ -‬ومــن آداب الضيافــة يف بيــت املــرأة املســلمة‪ :‬أن تحـ ّدث ضيوفهــا مبــا متيــل إليــه نفوســهم‪ ،‬وأال‬
‫تنــام يف حضورهــم إال بعــد أن ينامــوا‪ ،‬وال تشــكوا الزمــان وغلـ ّو األســعار بحضورهــم‪ ،‬وأن تظهــر‬
‫البشاشــة لقدومهــم والتــأمل عنــد وداعهــم‪ ،‬وأال تغضــب عــى أحــد بحرضتهــم‪ ،‬وأال تع ّنــف أوالدهــا‬
‫عــى االســتذكار وغــره أمامهــم فتشــعرهم أنهــم ســبب يف ضيــاع الوقــت عليهــم‪ ،‬وأن ال تجعــل‬
‫أح ـ ًدا مــن بيتهــا يعبــث يف أشــيائهم وحقائبهــم‪ ،‬وأن تتعاهــد مــن معهــم مــن أطفالهــم وتهتــم‬
‫بهــم‪ ،‬وتقــدم لهــم لعــب أطفالهــا وتر ِّغــب أطفالهــا باللعــب معهــم‪ ،‬أو تخفــي هــذه اللعــب‬
‫عــن أطفالهــم حتــى ال تتطلــع أطفالهــم ملثلهــا وقــد ال يقــدرون عــى تحصيــل مثلهــا‪ .‬وأن تعـ ّرف‬
‫ضيوفهــا بأوالدهــا‪ ،‬وتســألهم عــن أوالدهــم وتعتنــي بهــم‪ ،‬وإذا ق ّدمــت لهــم الطعــام تعجــل بــه‬
‫وتقــدم الفاكهــة قبــل غريهــا‪ ،‬وال تكــر النظــر إىل وجــوه اآلكلــن‪ ،‬وال تقــوم عــن الطعــام حتــى‬
‫يرفــع الضيــوف أيديهــم منــه‪ ،‬وال تتحــدث عــن يشء تكرهــه نفــوس الحارضيــن أثنــاء الطعــام‪.‬‬
‫وينبغــي أن تخــرج مــع ضيوفــك إىل بــاب املنــزل مــع حســن توديعهــم ودعوتهــم لتكـرار الزيــارة‪،‬‬
‫وشــكرهم عــى قدومهــم عنــدك يف بيتــك‪ ،‬وإذا رأيــت مــن ضيوفــك مــا تكرهــن فــا تواجهيهــم‬
‫بــه وتغافــي عنــه مــا دامــوا يف بيتــك‪ ،‬وإن ظهــر منهــم يشء مخالــف للديــن وأمكنــك بالرفــق‬
‫تعريفهــم بالــرع فهــو أوىل‪ ،‬وإن تأكَّــد لــك أن كالمــك لهــم ال يؤثــر فيهــم فأمســي عــن الــكالم‬
‫معهــم يف هــذا األمــر‪ .‬وإذا كان الضيــوف مــع زوجــك فاحــريص عــى –ترشيفــه‪ -‬بتلبيــة الطلبــات‬
‫برفــق ودون تضجــر منــك‪ ،‬وال رفــع للصــوت حتــى يصــل ملســامعهم‪ ،‬وال اعـراض عــى دخولهــم‬
‫يف مواعيــد ال تناســبك‪ ،‬فــإن كل ذلــك يحرجــه ويجرحــه‪.‬‬
‫***‬

‫‪78‬‬
‫من اإلميان ُحسن معاشرة اجلريان‬

‫* عــن أيب رشيــح ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬واللــه ال يؤمــن‬
‫واللــه ال يؤمــن‪ ،‬واللــه ال يؤمــن‪ .‬قيــل‪ :‬يــا رســول اللــه لقــد خــاب وخــر‪ ،‬مــن هــذا؟ قــال‪ :‬مــن‬
‫رشه» رواه البخــاري‪ .‬ويف الصحيحــن «مــن كان‬ ‫ال يأمــن جــا ُره بوائقــه‪ .‬قالــوا‪ :‬ومــا بوائقــه؟ قــال‪ّ :‬‬
‫يؤمــن باللــه واليــوم اآلخــر فليحســن إىل جــاره» وعــن عبــد اللــه بــن مســعود ريض اللــه عنــه‬
‫قســم بينكــم أخالقكــم كــا‬ ‫قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬إن اللــه عــز وجــل َّ‬
‫قســم بينكــم أرزاقكــم‪ ،‬وإن اللــه عــز وجــل يعطــي الدنيــا مــن ُيحــب ومــن ال يحــب‪ ،‬وال يعطــي‬ ‫ّ‬
‫الديــن إال مــن أحــب‪ ،‬فمــن أعطــاه الديــن فقــد أح ّبــه‪ ،‬والــذي نفــي بيــده ال يســلم عبــد حتــى‬
‫يســلم قلبــه ولســانه‪ ،‬وال يؤمــن حتــى يأمــن جــاره بوائقــه‪ .‬قــال‪ :‬يــا رســول اللــه ومــا بوائقــه؟‬
‫قــال‪ :‬غُشْ ــمه وظلمــه» الحديــث رواه أحمــد وغــره‪.‬‬
‫‪ -‬أيتهــا الزوجــة املســلمة‪ ،‬حفــظ الجــار مــن كــال اإلميــان وســبب لحســن العــرة وراحــة البــال‪،‬‬
‫وص‬ ‫فيجــب عليــك االمتثــال لوصايــا النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬بــل ولرصيــح القــرآن الــذي ّ‬
‫ُشكُــوا ِب ـ ِه شَ ـ ْيئًا َوبِالْ َوالِ َديْــنِ إِ ْح َســانًا َو ِبـ ِـذي الْ ُق ـ ْر َب‬
‫فيــه رب العــزة بقولــه‪َ { :‬وا ْع ُب ـ ُدوا اللَّ ـ َه َولَ ت ْ ِ‬
‫السـبِيلِ َو َمــا‬
‫ـب َوابْــنِ َّ‬ ‫ـب بِالْ َج ْنـ ِ‬‫احـ ِ‬ ‫الص ِ‬‫ـب َو َّ‬ ‫َوالْ َيتَا َمــى َوالْ َم َســاكِ ِني َوالْ َجــا ِر ِذي الْ ُقـ ْر َب َوالْ َجــا ِر الْ ُج ُنـ ِ‬
‫ـب َمـ ْن كَا َن ُم ْختَــالً فَ ُخــو ًرا} [النســاء‪ ]36 :‬فعليــك وفّقــك اللــه أن‬ ‫ـت أَ ْ َيانُ ُكـ ْم إِ َّن اللَّـ َه لَ يُ ِحـ ُّ‬
‫َملَ َكـ ْ‬
‫تحســني إىل جريانــك بإيصــال رضوب اإلحســان إليهــم بحســب الطاقــة كالهديــة والســام وطالقــة‬
‫الوجــه عنــد اللقــاء‪ ،‬وتف ّقــد أحوالهــم‪ ،‬ومعاونتهــم فيــا يحتاجــون إليــه‪ ،‬وقبــل كل يشء بكـ ّـف‬
‫أســباب األذى عنهــم‪ ،‬حسـ ّية كانــت أو معنويــة‪ ،‬فــاإلرضار بــأي جــار مــن الكبائــر‪.‬‬
‫وص جربيــل عليــه‬ ‫‪ -‬لقــد ســألت عائشــة ريض اللــه عنهــا النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬بعــد أن ّ‬
‫الســام بالجــار وصايــا مؤكــدة وكثــرة حتــى ظــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم أنــه أصبــح مثــل‬
‫األرحــام يــرث مثلهــم قالــت‪« :‬قلــت‪ :‬يــا رســول اللــه إن يل جاريــن فــإىل أيّهــا أهــدى؟ قــال‪ :‬إىل‬
‫أقربهــا منــك با ًبــا» رواه البخــاري‪ ،‬أي أشـ ّدهام لــك قربًــا‪ .‬وكانــت عائشــة ريض اللــه عنهــا تقــول‪:‬‬

‫‪79‬‬
‫ح ـ ّد الجــوار أربعــون جــا ًرا مــن كل جانــب وهــو قــول كثــر مــن العلــاء‪ ،‬واألقــرب أ ْوىل ألنــه‬
‫أرسع يف اإلجابــة ملــا يقــع للجــار مــن امللـ ّـات وال ســيام يف أوقــات الليــل والغفلــة‪ ،‬فإنــه هــو‬
‫الــذي يســمع االســتغاثة فيغيــث‪.‬‬
‫‪ -‬أيتهــا الزوجــة واملــرأة املؤمنــة‪ ،‬إن للمســلم عــى املســلم حقوقًــا كثــرة‪ ،‬والجــار املســلم لــه‬
‫ح ّقــان‪ ،‬حــق اإلســام وحــق الجــوار‪ ،‬والجــار القريــب يف النســب لــه ثالثــة حقــوق بزيــادة حــق‬
‫القرابــة‪ ،‬والجــار غــر املســلم لــه حــق الجــوار‪ .‬ومــن الحقــوق‪ ،‬سـ ْـر العــورة‪ ،‬وإقالــة العـ ْـرة وقبــول‬
‫العــذر‪ ،‬ور ّد الغيبــة‪ ،‬وإدامــة النصيحــة‪ ،‬ومراعــاة ال ّذ ّمــة‪ ،‬وإجابــة الدعــوة‪ ،‬وقبــول الهديّــة‪ ،‬والشــكر‬
‫عــى النعمــة‪ ،‬والنــرة وقضــاء حاجاتــه‪ ،‬والشــفاعة ملســألته‪ ،‬ومواالتــه ونرصتــه عــى ظاملــه‪ ،‬وكفــه‬
‫يتجســس عليــه وال يتنصــت عليــه‪ ،‬وإن‬ ‫عــن ظلــم غــره‪ ،‬وأن يحــب لــه مــا يحــب لنفســه‪ ،‬وأال ّ‬
‫اطّلــع منــه عــى ريْبــة وجــب أن يســرها مــع وعظــه وتخويفــه برفــق‪ ،‬وأن يتواضــع لهــم وال‬
‫يفخــر عليهــم وال يختــال‪ ،‬ويعاملــه باللــن‪ ،‬ويغــض طرفــه عنــه‪ ،‬ويوقــر الكبــر منهــم ويرحــم‬
‫الصغــر فيهــم‪ ،‬وحســن املصاحبــة‪ ،‬وســهولة الكلمــة‪ ،‬وإصــاح ذات البــن‪ ،‬وال يقــف مواقــف‬
‫التهــم‪ ،‬ويحلــم عــى مــن جهــل عليــه‪ ،‬ويعفــو عمــن ظلمــه‪ ،‬ويعطــي مــن حرمــه‪ ،‬ويصــل مــن‬
‫قطعــه‪ ،‬ويأمــر باملعــروف وينهــى عــن املنكــر برفــق ولــن وعلــم‪ .‬عــن عمــرو بــن شــعيب عــن‬
‫أبيــه عــن جـ ّده ريض اللــه عنــه عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬مــن أغلــق بابــه دون‬
‫جــاره مخافــة عــى أهلــه ومالــه فليــس ذلــك مبؤمــن‪ ،‬وليــس مبؤمــن مــن مل يأمــن جــاره بوائقــه‪.‬‬
‫أتــدري مــا حــق الجــار؟ إذا اســتعانك أعنتــه‪ ،‬وإذا اســتقرضك أقرضتــه‪ ،‬وإذا افتقــر ُعــدْ ت عليــه‬
‫وإذا مــرض عدتــه‪ ،‬وإذا أصابــه خــر ه ّنأتــه‪ ،‬وإذا أصابتــه مصيبــة ع ّزيتــه‪ ،‬وإذا مــات اتَّبعــت‬
‫جنازتــه‪ ،‬وال تســتطيع عليــه بالب ّنيــان فتحجــب عنــه الريــح إال بإذنــه‪ ،‬وال تــؤذه بقُتــار ريــح ِقدْ رك‬
‫رسا وال يخــرج‬ ‫إال أن تغــرف لــه منهــا‪ ،‬وإن اشــريت فاكهــة فأ ْه ـ ِد لــه‪ ،‬فــإن مل تفعــل فأدخلهــا ًّ‬
‫بهــا ولــدك ليغيــظ بهــا ولــده» رواه الخرائطــي يف مــكارم األخــاق‪ .‬وروى مثلــه الط ـراين عــن‬
‫معاويــة بــن حيــدة ريض اللــه عنــه‪.‬‬
‫أيتهــا الزوجــة واملــرأة املســلمة‪ ،‬أرأيــت أخالقًــا مثــل مــا جــاد بهــا اإلســام؟ أرأيــت حيــاة مــع‬
‫الجـران تتعاملــن أنــت وهــم بهــذه املــكارم فيعيــش النــاس يف هنــاء ووئــام؟ أرأيــت هــل نحــن‬

‫‪80‬‬
‫يف حاجــة إىل األخــذ عــن الغــرب أو الــرق وبــن أيدينــا هــذا الـراث؟ كــم ض ّيعنــا فشــقينا‪ ،‬وكــم‬
‫تركنــا أخالقنــا فتعســنا‪ ،‬فشــمري يــا أختــاه وابــديئ الحيــاة‪ ،‬مــع اللــه ورســوله والنــاس‪.‬‬
‫ربــا يــؤدي بــك الفكــر إىل أن العزلــة والبعــد واالقتصــار عــن‬ ‫‪ -‬أيتهــا الزوجــة واملــرأة الصالحــة‪ّ ،‬‬
‫النــاس والجـران فيــه الهــدوء والبعــد عــن املشــاكل‪ ،‬بــل هــو أحســن يف الديــن‪ ،‬وأقــول لــك‪ ،‬إن‬
‫ـوي‪ ،‬بــل هــو اإلســام بعينــه‪ ،‬ألن‬ ‫معــارشة النــاس وخاصــة الج ـران هــو الالئــق باإلنســان السـ ّ‬
‫املســلم الــذي يخالــط النــاس ويصــر عــى أذاهــم خــر مــن املســلم الــذي ال يخالــط النــاس وال‬
‫ر بالديــن‪ ،‬فعــن‬ ‫يصــر عــى أذاهــم‪ ،‬بــل إن الصــاة والصــوم دون معاملــة النــاس بالحســنى يـ ّ‬
‫أيب هريــرة ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬قــال رجــل‪ :‬يــا رســول اللــه إن فالنــة تكــر مــن صالتهــا وصدقتهــا‬
‫وصيامهــا غــر أنهــا تــؤذي جريانهــا بلســانها‪ .‬قــال‪ :‬هــي يف النــار‪ .‬قــال‪ :‬يــا رســول اللــه‪ ،‬فــإن فالنــة‬
‫يُذكــر مــن قلّــة صيامهــا وصالتهــا وأنهــا تتص ـ ّدق باألثــوار مــن األ ِقــط‪ ،‬وال تــؤذي جريانهــا‪ .‬قــال‪:‬‬
‫هــي يف الجنــة» رواه أحمــد والبـزار وابــن حبــان يف صحيحــه والحاكــم وقــال صحيــح اإلســناد وأبــو‬
‫بكــر بــن أيب شــيبة بإســناد صحيــح واألثــوار جمــع ثــور وهــي قطعــة مــن األقــط وهــو يشء يتخــذ‬
‫مــن مخيــض لــن الغنــم‪.‬‬
‫‪ -‬أيتها الزوجة واملرأة الصالحة‪ ،‬اسمعي هذه النصائح من املجربني نفعك الله بها‪:‬‬
‫* تعــريف عــى جريانــك يف العــارة واحــدة بعــد أخــرى بالبــدء بالســام مــع االبتســام للجــارة عنــد‬
‫رؤيتهــا أو املــرور بهــا‪ ،‬فالســام واالبتســام مفتــاح القلــوب املغلقــة‪.‬‬
‫* التهــادي ولــو بــيء قليــل‪ .‬عــن أيب ذر ريض اللــه عنــه قــال قــال‪ :‬رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم‪« :‬يــا أبــا ذر إذا طبخــت َم َر َقـ ًة فأكــر ماءهــا‪ ،‬وتعاهــد جريانــك» رواه مســلم‪ ،‬وعنــده أيضً ــا‪:‬‬
‫«إن خليــي صــى اللــه عليــه وســلم أوصــاين‪ :‬إذا طبخــت مر ًقــا فأكــر مــاءه‪ ،‬ثــم انظــر أهــل بيــت‬
‫فأص ْبهــم منهــا مبعــروف» واســمعي نفعــك اللــه بــكالم حبيبــه صــى اللــه عليــه‬ ‫مــن جريانــك ِ‬
‫وســلم فعــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬يــا نســاء‬
‫املســلامت‪ ،‬ال تحقــرن جــارة لجارتهــا ولــو ف ْر َســن شــاة» رواه البخــاري ومســلم‪ ،‬والفرســن هــو‬
‫ظلــف ســاق الغنــم وهــو أقــل يشء مــن لحمهــا يــؤكل‪.‬‬
‫* قيــل مــن الحلــوى‪ ،‬أو –حبــة كرم للــه‪ -‬تعطينه ألوالد جارتــك‪ ،‬تجعل األوالد يحبونــك ويطيعونك‪،‬‬

‫‪81‬‬
‫وال يترصفــون مبــا ال تحبينــه مــن ضوضــاء وخالفــه‪ ،‬ويكــون ســب ًبا لتتعامــل معــك الجــارة أم األوالد‬
‫مبثــل معاملتــك ألوالدها‪.‬‬
‫* ق ّدمــي لجارتــك دعــوة لطيفــة للزيــارة يف بيتــك‪ ،‬خاصــة إن كانــت هنــاك مناســبة‪ ،‬وبــا مناســبة‪،‬‬
‫لتعــرف أنــك تخصينهــا بالدعــوة‪ .‬وال مانــع مــن زيــارة بيــت جارتــك يف أوقــات مناســبة لهــا‬
‫بعــد فراعهــا مــن واجبــات بيتهــا‪ ،‬وإال –فاعزمــي عليهــا‪ -‬أن تســاعديها يف العمــل‪ .‬ولكــن تذكــري‬
‫حديــث رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ُ « :‬ز ْر ِغ ًّبــا تَـ ْز َد ْد ُح ًّبــا» رواه الطـراين والبـزار عــن أيب‬
‫هريــرة‪ .‬أي ال تكــري مــن الزيــارة وال تطيليهــا حتــى ال تصبحــي ثقيلــة يف الزيــارة فيكــون ســب ًبا‬
‫للبغضــاء‪.‬‬
‫* ال تطلعــي جارتــك عــى أرسارك‪ ،‬وال تتطلعــي ملعرفــة أرسارهــا‪ ،‬وإن علمــت شــيئًا ال تنرشيــه‪ ،‬وال‬
‫ترمقــي بعينيــك مــا يف بيتهــا‪ ،‬وال تســأليها عــن معيشــتها وأشــباه ذلــك حتــى ال تضطــر للتكلــف‬
‫والكــذب‪ ،‬أو تخــاف الحســد‪.‬‬
‫* شجعي أوالدك عىل اللعب مع أوالدها‪ ،‬إذا أ ِم َن ْت سوء الطباع والخلق‪.‬‬
‫* التعــاون مــع الجــارة يف نظافــة –بســطة الســلم‪ -‬فيــا بينــك وبــن بيــت الجــارة‪ ،‬وعــدم إلقــاء‬
‫القــاذورات عــى الســلم أو يف مدخــل العــارة أو داخــل املصعــد‪ ،‬ويكــون أجمــل وأنفــع أن‬
‫تتعــاوين معهــا عــى زرع يشء أخــر لتجميــل املدخــل أو البيــت‪.‬‬
‫* عــادة الجــارة أن تطلــب بعــض مــا تحتاجــه للمطبــخ‪ :‬شــوية ملــح‪ ،‬مفتــاح األنبوبــة‪ ،‬جلــدة‬
‫للحنف ّيــة‪ ،‬أنبوبــة البوتاجــاز االحتياطــي –فســارعي يف إعطائهــا مــا تحتاجــه‪ ،‬حتــى لــو مل تعتــادي‬
‫أنــت طلــب هــذه األشــياء‪ .‬ويف نفــس الوقــت إيــاك أنــت مــن مطالبتهــا بكــرة لهــذه األشــياء‬
‫وأخذهــا بســيف الحيــاء‪ ،‬ولكــن عنــد الحاجــة والــرورة‪.‬‬
‫* احــذري التحــدث مــع الجــارة بصــوت عــا ٍل‪ ،‬خاصــة مــن النوافــذ‪ ،‬أو أمــام البــاب‪ .‬وكذلــك ال‬
‫ترفعــي مــن صــوت املذيــاع فتــؤذي الج ـران‪.‬‬
‫* عليــك بالصــر عــى األذى واحتاملــه مــن الجـران‪ ،‬وصـ ْون اللســان مــن الــكالم الــذي يغضــب‪،‬‬
‫ومحاولــة االقتصــار عــى إلقــاء الســام والــر ّد عليــه إذا كانــت جــارة ســوء‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫‪ -‬أخـ ًرا أيتهــا الزوجــة واملــرأة الكرميــة‪ ،‬هنــاك نــوع مــن النســاء وصفهــن النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم بأنهــن مــن دواهــي الدهــر القاصمــة للظهــر‪ ،‬فعــن فَضَ الــة بــن عبيــد اللــه ريض اللــه عنــه‬
‫قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬ثالثــة مــن الفواقــر‪ :‬إمــام إن أحســنت مل يشــكر‪،‬‬
‫ـرت‬‫رشا أذاعــه‪ ،‬وامــرأة إن حـ َ ْ‬‫وإن أســأت مل يغفــر‪ ،‬وجــار ســوء إن رأى خ ـ ًرا دفنــه‪ ،‬وإن رأى ًّ‬
‫آذتْــك‪ ،‬وإن ِغ ْبـ َ‬
‫ـت عنهــا خانتــك» رواه الطـراين‪ .‬فنعــوذ باللــه الح َّنــان مــن دواهــي الزمــان‪ ،‬ومــن‬
‫رش النســوان‪ ،‬ومــن معــارشة اللئــام‪ .‬ونســأله ســبحانه صــاح الحــال‪ ،‬وراحــة البــال‪ ،‬والعـ ْون عــى‬
‫التّــز ّود لالرتحــال‪ ،‬بحســن الصفــات والخــال‪.‬‬
‫***‬

‫‪83‬‬
‫نصائح نبوية للحياة الزوجية‬

‫* عــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬رحــم اللــه‬
‫ـت نضــح يف وجههــا املــاء‪ ،‬رحــم اللــه امــرأة‬ ‫رجـ ًـا قــام مــن الليــل‪ ،‬فصـ ّـى وأيقــظ امرأتــه‪ ،‬فــإن أبَـ ْ‬
‫ـت‪ ،‬وأيقظــت زوجهــا‪ ،‬فــإن أىب نضحــت يف وجهــه املــاء» رواه أبــو داود‬ ‫قامــت مــن الليــل فصلَّـ ْ‬
‫بإســناد صحيــح‪.‬‬
‫* عــن أيب هريــرة وعــن أيب ســعيد الخــدري ريض اللــه عنهــا قــاال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم‪« :‬إذا أيقــظ الرجــل أهلــه مــن الليــل فصلّيــا أو صــى ركعتــن جمي ًعــا‪ ،‬كُتبــا يف‬
‫الذاكريــن والذاكــرات» رواه أبــو داود بإســناد صحيــح‪.‬‬
‫* عــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه‪ ،‬أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬يع ْقــد الشــيطان‬
‫عــى قافيــة رأس أحدكــم‪ ،‬إن هــو نــام‪ ،‬ثــاث ُعقــد‪ ،‬يــرب عــى كل عقــدة‪ :‬عليــك ليــل طويــل‬
‫فارقــد‪ ،‬فــإذا اســت ْيقظ فذكــر اللــه تعــاىل انحلّــت عقــدة‪ ،‬فــإن توضــأ انحلّــت عقــدة‪ ،‬فــإن صــى‬
‫انحلــت عقــدة‪ ،‬فأصبــح نشــيطًا طيــب النفــس‪ ،‬وإال أصبــح خبيــث النفــس كســان» رواه البخاري‬
‫ومسلم‪.‬‬
‫* عــن عــي ريض اللــه عنــه‪ ،‬أن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم طَ َرقَ ـ ُه وفاطم ـ َة ليـ ًـا فقــال‪« :‬أال‬
‫تصلّيــان؟» رواه البخــاري ومســلم‪.‬‬
‫* عــن عبــد اللــه بــن ســام ريض اللــه عنــه‪ ،‬أن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬أيهــا النــاس‬
‫أفْشــوا الســام‪ ،‬وأطعمــوا الطعــام‪ ،‬وصلــوا بالليــل والنــاس نيــام‪ ،‬تدخلــوا الجنــة بســام» رواه‬
‫الرتمــذي وهــو حديــث حســن صحيــح‪.‬‬
‫* عــن أ ْوس بــن أوس ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬إن مــن‬
‫ي»‬‫ي مــن الصــاة فيــه‪ ،‬فــإن صالتكــم معروضــة ع ـ ّ‬ ‫أفضــل أيامكــم يــوم الجمعــة‪ ،‬فأكــروا ع ـ ّ‬
‫رواه أبــو داود بإســناد صحيــح‪.‬‬
‫* عــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬يقــول اللــه‬

‫‪84‬‬
‫تعــاىل‪ :‬أنــا عنــد ظــن عبــدي يب‪ ،‬وأنــا معــه إذا ذكــرين‪ ،‬فــإن ذكــرين يف نفســه‪ ،‬ذكرتــه يف نفــي‪،‬‬
‫وإن ذكــرين يف مــأ‪ ،‬ذكرتــه يف مــأ خــر منــه» رواه البخــاري ومســلم‪.‬‬
‫* عــن أيب مــوىس األشــعري ريض اللــه عنــه‪ ،‬عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬مثــل البيــت‬
‫ـي وامل ّيــت» رواه مســلم‪.‬‬‫الــذي ُيذكــر اللــه فيــه‪ ،‬والبيــت الــذي ال ُيذكــر فيــه‪ ،‬مثــل الحـ ّ‬
‫* عــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬كلمتــان‬
‫خفيفتــان عــى اللســان‪ ،‬ثقيلتــان يف امليــزان‪ ،‬حبيبتــان إىل الرحمــن‪ :‬ســبحان اللــه وبحمــده‪،‬‬
‫ســبحان اللــه العظيــم» رواه البخــاري ومســلم‪.‬‬
‫ربنــا آتنــا يف الدنيــا حســنة ويف اآلخــرة حســنة وقنــا عــذاب النــار‪ ،‬ربنــا هــب لنــا مــن أزواجنــا‬
‫وذرياتنــا قـ ّرة أعــن واجعلنــا للمتقــن إما ًمــا‪ ،‬والصــاة والســام عــى الهــادي األمــن‪ ،‬والحمــد للــه‬
‫رب العاملــن‪.‬‬
‫***‬

‫‪85‬‬
‫ميثاق الزوج مع الزوجة‬

‫‪ -1‬الزوجية نظام ربَّاين‪ ،‬وفطري‪ ،‬وواقعي‪ ،‬ومصلحي‪.‬‬


‫‪ -2‬الزواج يلبي احتياجات الفطرة‪ ،‬نفس ًّيا‪ ،‬وعقل ًّيا‪ ،‬وعاطف ًّيا‪ ،‬وغريزيًّا‪ ،‬واجتامع ًّيا‪.‬‬
‫‪ -3‬الســعادة والخــر‪ ،‬هــا األصــل يف الحيــاة الزوجيــة‪ ،‬والشــقاء والــر عــارض‪ ،‬بســبب خــارج عنه‪،‬‬
‫إمــا للجهــل باملقاصــد‪ ،‬وإمــا بتخلــف القيــام مبــا يجــب عــى الطرفــن‪ ،‬وإما لألقــدار املقـ ّدرة‪.‬‬
‫‪ -4‬مــن أهــم مقاصــد الــزواج‪ :‬إعانــة كال الطرفــن لآلخــر عــى القيــام مبهــام الحيــاة‪ ،‬وتوفــر مــا‬
‫أمكــن مــن مطالــب الطــرف اآلخــر‪ ،‬والتعــاون والتَّشــارك يف القيــام بالواجبــات‪ ،‬وبس ـ ّد حاجــات‬
‫الفطــرة لــدى اآلخــر‪ ،‬وبتخفيــف أعبــاء الحيــاة بالتــآزر والتفاهــم‪ ،‬وبتفــادي املصاعــب واملشــاكل‪،‬‬
‫وبتيســر األمــور وتســهيل املصائــب‪ ،‬والتضحيــة بالجهــد واملــال والراحــة‪ .‬فهــي رحلــة حيــاة وســفر‬
‫إىل الجنــة واآلخــرة يختــار كال الطرفــن صاحبــه يف الســفر‪ ،‬وخــر األصحــاب خريهــم لصاحبــه يف‬
‫الســفر‪.‬‬
‫‪ -5‬مــن أخــاق وآداب الســفر مــع الــزوج حتــى تُقطــع رحلــة العمــر يف صفــاء‪ :‬اإليثــار والشــفقة‪،‬‬
‫وإدخــال الــرور‪ ،‬وامل ُالينــة يف املعاملــة‪ ،‬وتحمــل األذى‪ ،‬والتوقــر واالحــرام املتبــادل‪ ،‬وحســن‬
‫الظــن والثقــة‪.‬‬
‫* املظاهر العملية لتحقيق امليثاق مع الزوجة‪:‬‬
‫‪ -1‬أن ينــوي دامئًــا التعامــل مــع الزوجــة لوجــه اللــه تعــاىل‪ ،‬وفــا ًء لعهــده يف عقــد الــزواج عــى‬
‫كتــاب اللــه وســنة رســوله صــى اللــه عليــه وســلم‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يعتــاد ســؤال نفســه‪ :‬لــو كان الرســول القــدوة مــكاين اآلن‪ ،‬مــا كان يفعــل؟ فــإذا اســتحرض‬
‫اإلجابــة اختــار فعلهــا وحــاول تطبيقهــا‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يكون معها دائم البرش‪ ،‬مالزم االبتسام خاصة عند دخوله البيت‪.‬‬
‫‪ -4‬يحرص عىل أال يجرح مشاعرها أو يكرس خاطرها‪ ،‬ويراعي أحوالها‪.‬‬
‫‪ -5‬يحــرم آراءهــا‪ ،‬وال يسـفِّه أقوالهــا ووجهــة نظرهــا‪ ،‬ويريهــا فيــا فيــه مصلحــة أنــه ِ‬
‫آخـ ٌذ بهــا‪،‬‬

‫‪86‬‬
‫ويشــاورها يف شــؤونه اســتجالبًا وتدعيـ ًـا للثقــة بينهــا‪.‬‬
‫‪ -6‬يســتمع لهــا‪ ،‬ويع ِّودهــا أن تعــرض عليــه أمورهــا‪ ،‬وينصــح لهــا‪ ،‬وال يلزمهــا بتنفيــذ آرائــه فيــا‬
‫يخصهــا‪ ،‬مثــل ترصفهــا يف أموالهــا الخاصــة‪ ،‬أو عالقاتهــا الشــخصية بصديقاتهــا إذا كان ذلــك ال‬
‫يؤثــر عــى العالقــة الزوجيــة أو ال ميثــل مخالفــة رشعيــة‪.‬‬
‫‪ -7‬يخصهــا ببعــض أرساره الشــخصية والتــي ال يــره الترصيــح لهــا بهــا‪ ،‬لتأكيــد الثقــة ولــي‬
‫تبادلــه األمــر‪ ،‬وليــزداد التجــاوب النفــي‪ ،‬وال يَــدع للشــيطان مجــالً إلقناعهــا أنــه ال يـزال هنــاك‬
‫صنــدوق مغلــق فيــزداد تلهفهــا وقلقهــا عــى فتحــه‪.‬‬
‫‪ -8‬يتعاهدهــا بالهدايــا يف حــدود اإلمكانــات‪ ،‬ولــو بقطعــة حلــوى‪ ،‬إدامــة أليــام البدايــات الحلــوة‪،‬‬
‫أيــام الخطبــة وعقــد الــزواج وشــهر العســل‪ ،‬وحبــذا لــو تخــر مــا تحبــه وتشــتهيه‪ ،‬مــن فاكهــة أو‬
‫مأكــوالت‪ ،‬مــع خطــاب مطــوي يفاجئهــا بذكــر أيــام الهنــاء والــرور‪ ،‬ليعيــد إليهــا إرشاق الحيــاة‬
‫داخــل البيــت‪.‬‬
‫‪ -9‬يحــرص عــى تذكــر املناســبات الطيبــة التــي تخصهــا أو تخصهــا م ًعــا‪ ،‬وإبــداء الفــرح ومــا‬
‫يناســب ذلــك مــن تعبــر‪.‬‬
‫‪ -10‬يناديهــا مبــا تحبــه مــن األســاء‪ ،‬وخاصــة اســم الــدالل الــذي تحبــه‪ ،‬وال يخجــل أن يذكــر اســم‬
‫الــدالل أمــام أهلــه وأهلها‪.‬‬
‫‪ -11‬يكــر التعبــر لهــا عــن حبــه لهــا بألفــاظ رشــيقة ومختــاره بينــه وبينهــا‪ ،‬وال يحجــب حبــه‬
‫لهــا عــن اآلخريــن‪ ،‬ولنــا يف رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم قــدوة مــع زوجاتــه‪ ،‬وعائشــة‬
‫خاصــة –ريض اللــه عنهــن‪ -‬فقــد كان صــى اللــه عليــه وســلم يعــر عــن حبــه بالقــول والفعــل‬
‫أمــام أصحابــه‪ ،‬فــا خجــل مــن حــب الزوجــة وإبدائــه‪ ،‬فــإن ذلــك مــن ســنن النبــي صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم وهديــه‪.‬‬
‫‪ -12‬يتعاهــد األوقــات‪ ،‬ليجعــل معهــا وقتًــا مالمئًــا للــرور واالختصــاص بهــا‪ ،‬بخــاف أوقــات‬
‫حجــرة النــوم‪ ،‬الســتعادة الذكريــات الجميلــة‪.‬‬
‫‪ -13‬مصاحبتهــا والخــروج معهــا خــارج البيــت للتنــزه‪ ،‬عــى انف ـراد تــارة‪ ،‬وتــارة أخــرى بصحبــة‬

‫‪87‬‬
‫األوالد أو الغــر‪ ،‬وكذلــك لزيــارة أهلهــا أو أهلــه أو أصدقــاء األرسة‪.‬‬
‫خاصا‪ ،‬مهام كانت يف غري حاجة إليه‪.‬‬ ‫‪ -14‬يخصص لها مرصوفًا ًّ‬
‫‪ -15‬يبالــغ يف مدحهــا والثنــاء عــى أعاملهــا يف البيــت‪ ،‬ويشــكر لهــا صنيعهــا يف خدمتــه وخدمــة‬
‫أوالدهــا وضيوفهــا‪.‬‬
‫‪ -16‬يجاملهــا باملــدح والثنــاء عــل مظهرهــا املحبــوب لــه‪ ،‬وجاملهــا يف ثيابهــا واختيارهــا ملالبســها‬
‫الخاصــة‪ ،‬وتجليهــا يف زينتهــا وحرصهــا عــى إدخــال الــرور عليــه‪ ،‬حتــى يســتديم ذلــك منهــا وال‬
‫متلــه لعــدم انتباهــه ملــا تقدمــه لــه وتخصــه بــه‪.‬‬
‫‪ -17‬ينفــذ معهــا وصيــة النبــي صــى اللــه عليه وســلم‪« :‬يــروا وال تعــروا وبــروا وال تنفــروا‪»..‬‬
‫فيبــدي معهــا بعــض التســاهل فيــا ليــس فيــه معصيــة للــه‪ ،‬ويتغافــل عــن بعــض حقوقــه‬
‫ومطالبــه شــفقة ورحمــة بهــا‪ ،‬ويتســامح يف بعــض مــا لــه عليهــا فــا يعاتبهــا أو يكــر مــن عتابــه‬
‫لهــا‪ ،‬خاصــة أمــام أوالده وأمــام الغــر‪.‬‬
‫‪ -18‬يــرح لهــا ويظهــر الشــفقة عليهــا عنــد مرضهــا‪ ،‬أو أثنــاء حملهــا‪ ،‬وأيــام عادتهــا الشــهرية‪ ،‬أو‬
‫لظهــور اإلرهــاق عليهــا‪ ،‬أو عنــد شــكواها لــه‪ ،‬وال يســتهني أو يبــدي تربمــه مــن تكـرار ذلــك منهــا‪،‬‬
‫فهــي يف هــذه األوقــات واألحــوال أحــوج مــا تكــون للشــفقة أو التعبــر بالكلمــة الطيبــة‪ ،‬وليــس‬
‫التغــر ملــا يحــدث‪.‬‬
‫‪ -19‬يكــرم أهلهــا ويتحملُهــم بقــدر الطاقــة‪ ،‬ويبــدي لهــم ولهــا الــرور‪ ،‬ويثنــي عليهــم أمامهــا ويف‬
‫غيبتهــم‪ ،‬ويحضهــا عــى وصلهــم واإلحســان إليهــم‪ ،‬وال يشــعرها بفــارق املســتوى إن كانــوا أقــل‬
‫مــن مســتواه‪ ،‬بــل يبالــغ يف احرتامهــم‪.‬‬
‫‪ -20‬يحــرص عــى مســاعدتها بالقيــام ببعــض مهــام البيــت‪ ،‬أو بــراء بعــض املســتلزمات‪ ،‬أو‬
‫الوقــوف والجلــوس معهــا أثنــاء قيامهــا بذلــك‪ ،‬إلشــعارها بأنهــا ليســت مثــل الخادمــة‪ ،‬وأن هــذا‬
‫العمــل ال مهانــة فيــه‪ ،‬ولــي يتواضــع مــع أهلــه اقــدا ًء بالنبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪.‬‬
‫‪ -21‬يتزيَّــن لهــا ويحــرص عــى إرضائهــا يف مظهــره‪ ،‬ألنهــا تحــب منــه مثــل مــا يحــب هــو منهــا‪،‬‬
‫مــن حيــث النظافــة والتعطــر وغســل األســنان والتنقيــة مــن الروائــح وجــال امللبــس‪.‬‬
‫‪ -22‬يتيح لها التمتع معه يف حجرة النوم ويكرث املداعبة واملالمسة وإبداء الرغبة‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫‪ -23‬الغضــب جمــرة مــن النــار‪ ،‬والغضــب مــن الشــيطان‪ ،‬والشــيطان مــن نــار‪ ،‬واإلنســان عندمــا‬
‫يتمكــن منــه شــيطانه فيغضــب ينقلــب إىل كائــن آخــر يتقمصــه شــيطانه فينطقــه مبــا يريــد‬
‫ويجعلــه يفعــل مــا ميليــه عليــه‪ ،‬فالــذي كنــت تعرفهــا قبــل الغضــب غــر الزوجــة املغضبــة‪،‬‬
‫فاســتنقذ زوجتــك مــن شــيطانها وســيطرته عليهــا‪ ،‬فهــي اآلن وقــت غضبهــا‪ ،‬ضعيفــة منخزلــة‪،‬‬
‫فأشــفق عليهــا فهــي يف خطــر‪ ،‬واغضــب عــى شــيطانها ال عليهــا‪ ،‬ابعــده عنهــا فــا قــوة لهــا عــى‬
‫دفعــه اآلن‪ ،‬أ ِّد واجبــك واســتنقذها بكلــات ولــو كذبــت‪ ،‬عدهــا وم ِّنيهــا وتأســف لهــا فهــذه هــي‬
‫أســلحة دفــع الغضــب‪ ،‬وإيــاك وإيــاك أن يغــرك شــيطانك فتغضــب أو تتكــر مثلــه فــا تنقــذ‬
‫زوجتــك‪ ،‬الرجولــة أن تنقــذ زوجتــك مــن عدوكــا‪ ،‬وعندمــا ترجــع زوجتــك لرشــدها فســوف تقــدر‬
‫لــك هــذه الرجولــة‪ ،‬وعندهــا ســتطيعك أنــت وتتأســف لــك‪ ،‬وســرىض عنــك ربــك‪ ،‬ويبقــى لــك‬
‫صــاح بيتــك‪ ،‬ويشــقى الشــيطان‪.‬‬
‫‪ -24‬إذا رفعــت زوجتــك صوتهــا عليــك فتحمــل ذلــك منهــا‪ ،‬ال تــدري مــا دوافعهــا؟! ثــم بعــد‬
‫الهــدوء علِّ ْمهــا وطالبهــا بحقــك مــن التوقــر‪.‬‬
‫‪ -25‬بــا ِد ْر أنــت مبصالحتهــا بعــد تعكــر الصفــو الزوجــي‪ ،‬فــا تخلــو عالقــة يف الدنيــا مــن التعكــر‬
‫بعــد الصفــاء‪ ،‬تواضــع للــه فليــس بــن الزوجــن كــر وتعاظــم وقــد أفــى بعضهــم إىل بعــض‬
‫وانكشــف بينهــا مــا ال يطلــع عليــه غــر اللــه ســبحانه‪.‬‬
‫‪ -26‬ال تعاقــب كث ـ ًرا‪ ،‬وال تجــادل ولــو كنــت ُمح ًّقــا‪ ،‬وكــن كب ـ ًرا تصغــر مشــاكلك‪ ،‬وكــن رفي ًقــا‬
‫ودو ًدا معلـ ًـا لهــا الديــن والخلــق تــدم ســعادتك‪.‬‬
‫***‬

‫‪89‬‬
‫ة‬ ‫لش ة‬
‫ا ع �ر� الط ي� ب��‬
‫[مع املرأة]‬
‫إرشاق البدايات دليل التوفيق للنهايات‬
‫* روعة االلتقاء تستجلب الصفاء‪.‬‬
‫* قلب محب وجامل معد‪:‬‬
‫كــن لهــا كــا تحــب هــي أن تكــون لهــا‪ ،‬تكــن هــي أفضــل مــا تحــب أن تكــون لــك‪،‬‬
‫افتــح لهــا القلــب لتســكن فيــه‪ ،‬دعهــا ت ـ َر الرتحــاب يف عينيــك ويف امتــداد ذراعيــك‪،‬‬
‫ـهل يف القلــب قبــل الــدار‪ ،‬اجعلهــا يف جنتهــا منــذ الليلــة‬
‫ويف متتمــة شــفتيك‪ ،‬أهـ ًـا وسـ ً‬
‫ال تــرى أجمــل منــك وال أحــب إليهــا منــك‪.‬‬
‫* جراحة بال أمل وال تخدير‪:‬‬
‫أكــرم حياءهــا ورف ًقــا بالقواريــر‪ ،‬وأودع يف خزينــة قلبهــا رصيــد االح ـرام والتقديــر‬
‫للمســتقبل املنشــود‪ ،‬إيــاك مــن وثبــة وهجــوم الجــوع الغريــزي فرتســم يف نفســها‬
‫صــورة االفــراس واالقتنــاص‪ ،‬فكــن مثــل الطبيــب الــذي يجــري الجراحــة أثنــاء‬
‫التخديــر بــا أمل وال تكديــر‪.‬‬
‫* أفراح يف األرض ويف السامء‪:‬‬
‫أنــت اآلن متــر بــك لحظــة هــي متعــة األذهــان وعطــر األيــام‪ ،‬بالدعــاء والركعتــن‬
‫يرتفــع لكــا الذكــر والثنــاء مــع أف ـراح الســاء‪ ،‬وتــزف البــرى للعروســن أن بــورك‬
‫مــن يف الــدار‪.‬‬
‫* ما ال يدرك بالذوق ال يعظم إليه الشوق‪:‬‬
‫ال تــدع طربــات الهــوى ورضاوة الشــهوة واســتعارها تســتخفك فيطيــش العقــل وتفقــد‬
‫الرزانــة «وقدمــوا ألنفســكم» قدمــوا التســمية والــكالم والقبلــة‪ ،‬قالــوا‪ :‬التقديــم‬
‫باملالعبــة واملداعبــة واملالطفــة والتقبيــل يزيــد يف اللــذة‪.‬‬
‫* تج َّم ْل يف موطن الرضورات‪:‬‬
‫مهام تكشفت األبدان فالنفوس دو ًما متحفظة‪ ،‬فحافظ عىل النفس وال يغرنك زوال‬
‫احتشام الجسد‪ ،‬فلباس الزفاف يُتَ َخف َُّف منه ولكن لباس صيانة النفس ال يُخلع‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫روعة االلتقاء تستجلب الصفاء‬

‫* يف عــامل الخلــق األول ُخلقــت حــواء مــن آدم عليهــا الســام‪ ،‬فصــار التوافــق والتعاشــق بــن‬
‫الزوجــن كــا بــن آدم وحــواء فــا تكتمــل نفــس أحدهــا إال مــع اآلخــر‪ ،‬بــل يصــر كل منهــا‬
‫يــذوق املــوت مبفارقــة صاحبــه وتــدب الحيــاة يف كليهــا باالمتـزاج‪ ،‬فســبحان مــن قــال‪َ { :‬و َج َعـ َـل‬
‫ِم ْن َهــا َز ْو َج َهــا لِ َي ْس ـ ُك َن إِلَ ْي َهــا} [األع ـراف‪.]189 :‬‬
‫* إنــه التــزاوج الفطــري قــد بــدأت لحظتــه‪ ،‬منــذ تقابــل الرضــا وتجانــس الوفــاق‪ ،‬مــن مــاء‬
‫الزوجــن‪ ،‬فانعقــد ربــاط مقــدس مغلــظ مؤســس عــى كتــاب اللــه وســنة رســول اللــه صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم فتحــرك يف أحشــاء الزوجــن نبتــة املــودة والرحمــة تخلّــق منهــا علقــة املحبــة‬
‫بالقلــب‪ ،‬ووســعت مشــيمة النفــس هــذه اآليــة التــي نفــخ فيهــا روح الســكينة إيذانًــا مبولــد‬
‫جديــد تفــرح بــه الحيــاة وبــه تســتمر‪ ،‬إنهــا والدة جديــدة وبدايــة جديــدة لحيــاة‪ ،‬ولكــن ملولــود‪،‬‬
‫ال يســتهل برصخــة البــكاء‪ ،‬كالطفــل إيذانًــا ببــدء الحيــاة خــارج الرحــم‪ ،‬بــل برنــة الفــرح إيذانًــا‬
‫بصحبــة األبــد { َو ِم ـ ْن َآيَاتِ ـ ِه أَ ْن َخلَـ َـق لَ ُك ـ ْم ِم ـ ْن أَنْف ُِس ـ ُك ْم أَ ْز َوا ًجــا لِتَ ْس ـ ُك ُنوا إِلَ ْي َهــا َو َج َعـ َـل بَ ْي َن ُك ـ ْم‬
‫ـن‬‫ش ٍء َخلَ ْق َنــا َز ْو َجـ ْ ِ‬‫ـات لِ َق ـ ْو ٍم يَتَ َف َّك ـ ُرونَ} [الــروم‪َ { ،]21 :‬و ِم ـ ْن ك ُِّل َ ْ‬ ‫َم ـ َو َّد ًة َو َر ْح َم ـ ًة إِ َّن ِف َذلِـ َـك َ َليَـ ٍ‬
‫لَ َعلَّ ُك ـ ْم ت َ َذكَّ ـ ُرو َن} [الذاريــات‪.]49:‬‬
‫***‬

‫‪91‬‬
‫قلب حمب ومجال مع ّد‬

‫* الزوجــة التــي بــن يديــك هــي غايــة إعــداد الســنني يف كل عمرهــا مــن والديــن محبــن‪ ،‬أوقفــا‬
‫حياتهــا ومشــاعرهام وآمالهــا ومــا ميلــكان لتــدرج وتشــب هــذه العــروس بينهــا‪ ،‬حتــى أعداهــا‬
‫كزوجــة جميلــة مكتملــة الصفــات البدنيــة والعقليــة والنفســية والعاطفيــة يف تفــانٍ صــادق‪،‬‬
‫ودون أدىن مقابــل‪ ،‬يحدوهــا األمــل الكبــر أن تصبــح زوجــة لــزوج رفيــق شــفيق ودود‪ ،‬يقدمانهــا‬
‫لــه أيضً ــا دون أي مقابــل مــادي‪ ،‬بــل عــادة كل أهــل للعــروس أن يــردوا عــى الــزوج أعظــم ماديًّــا‬
‫مــا قدمــه هــو مه ـ ًرا للعــروس‪ ،‬فعروســك ومــا متلــك ومــا يقــدرون هــم عليــه ســلمت إليــك‬
‫هديــة كاألمانــة‪ ،‬أو أمانــة كالهديــة‪ ،‬ال يطمعــون منــك يف غــر إكـرام مثواهــا وقــد حلــت يف دارك‬
‫وانتقلــت إىل جــوارك بقلبهــا املحــب وجاملهــا املعـ ّد‪.‬‬
‫* لقــد تركــت الزوجــة بيتهــا وأهلهــا وأحبابهــا وجريانهــا وجــاءت إليــك ترغــب يف الصحبــة والجوار‪،‬‬
‫وتبحــث عــن الســكن واالســتقرار‪ ،‬غــر مرغــوب عنهــا مــن أهلهــا وال مســتغ ًنى عنهــا مــن أحبابهــا‪،‬‬
‫ولكنهــا ســنن االجتــاع‪ ،‬وطبائــع االســتمتاع‪ ،‬ولبقــاء األنــواع‪ ،‬لذلــك رشع الــزواج‪ ،‬فحلــت الزوجــة‬
‫يف بيتــك أســرة الســنن يف افتقــار إليــك بتعــزز‪ ،‬وانكســار يف ترفــع‪ ،‬ترفــل يف ثــوب مــن الحيــاء‬
‫يف أبهــى زينــة مــن الصيانــة والعفــاف‪ ،‬تجلــس منــك مجلــس مــن يطــاع‪ ،‬فأنــت فــارس األحــام‪،‬‬
‫فارســا ألحــام يقظتهــا‪ ،‬تســتحرض اآلن معــك الخيــاالت التــي راودتهــا‬ ‫عاشــتك عمـ ًرا قبــل أن تـراك ً‬
‫عروســا يف بيــت زوجهــا‪ ،‬فكــن لهــا الفــارس‬
‫منــذ املهــد وهــي تســمع الدعــوات واألمــاين أن تصبــح ً‬
‫النبيــل‪ ،‬وحقــق الخيــال بواقــع منــك جميــل‪ ،‬وإيــاك أن تخيــب اآلمــال‪ ،‬فتعيــش معــك وفــارس‬
‫أحالمهــا مل تقابلــه‪ ،‬بــل كــن لهــا كــا تحــب هــي أن تكــون لهــا‪ ،‬تكــون هــي أفضــل مــا تحــب أن‬
‫تكــون لــك‪ ،‬افتــح لهــا القلــب لتســكن فيــه‪ ،‬دعهــا تـ َر الرتحــاب يف عينيــك‪ ،‬ويف امتــداد ذراعيــك‪،‬‬
‫ـهل يف القلــب قبــل الــدار‪ ،‬فهــي مــا تركــت دارهــا وحلــت عنــدك‬ ‫ويف متتمــة شــفتيك‪ ،‬أهـ ًـا وسـ ً‬
‫طم ًعــا يف دار‪ ،‬ولكــن طم ًعــا يف ســاكن القلــب‪ ،‬ومحــب الجــوار‪ ،‬اجعلهــا يف جنتهــا منــذ الليلــة‪ ،‬ال‬
‫تــرى أجمــل منــك وال أحــب إليهــا منــك‪.‬‬
‫***‬
‫‪92‬‬
‫جراحة بال أمل وال ختدير‬

‫* لقــد تعــدت املشــاعر والوجدانــات كل مألــوف مــن الحــدود‪ ،‬وتصاعــدت يف أروقــة النفــس‪،‬‬
‫ومــأت كل الحنايــا واألحشــاء عواطــف متولــدة‪ ،‬فتالقــت وامتزجــت وافرتقــت وتعانقــت وافرتقت‬
‫وتشــابكت وتضاربــت‪ ،‬والنفــس متحفــزة مرتقبــة ملجهــول كامل ُـ ْد َرك‪ ،‬متــأ النفــس الرغبــة والرهبــة‬
‫مــع الحيــاء الفطــري والوقــار املتكلَّــف‪ ،‬وتتكتــم أشــواق العمــر وتدافــع اللوعــات واملهــج‪ ،‬وتتحرق‬
‫النــوازع املختزنــة واملحبــة املكتنــزة‪ ،‬وتتكــر العيــون حيــا ًء والنفــس كلهــا عيــون مرشعــة‪ ،‬لقــد‬
‫ـت األصــوات الصاخبــة مــع فــرح األهــل يف الخــارج‪ ،‬وارتفعــت دقــات طبــول القلــب املتوتــر‬ ‫خ َفتَـ ْ‬
‫فر ًحــا‪ ،‬والنفــس تبــث وتســتقبل عــى موجــات أثريهــا أغاريــد األرواح املحبــة مــع أغنيــة املســتقبل‬
‫الرائــع‪ ،‬التــي ت ُدنْــدن بهــا الحيــاة‪ ،‬فاعــزف أيهــا الــزوج الســعيد عــى أوتــار هــذه النفــس املرهفــة‬
‫ألحــان الــوداد وبــث أشــجان الغـرام‪ ،‬فالليلــة محفــل الخلــود‪.‬‬
‫* ولقــد صقلــت النفــس فصفــت مرآتهــا‪ ،‬وســطع عــى وجههــا إرشاق فجــر الحيــاة الجديــدة‪،‬‬
‫فــكل مــا يتصــل بالنفــس هــذه الليلــة يرتســم عــى صفحتهــا‪ ،‬ويثبــت يف املشــاعر والحافظــة‪،‬‬
‫وكل جميــل فيهــا سيســرجع‪ ،‬إنهــا ليلــة مولــد املحبــة املقدســة للنفــس‪ ،‬ترتفــع فيهــا مــا ينبــت‬
‫لحمــة الوفــاق والوصــال‪ ،‬فلحظاتهــا تبقــى وتخلــد مثــل القطعــة األثريــة النــادرة‪ ،‬تــزداد مــع‬
‫األيــام قيمتهــا والحــرص عــى اقتنائهــا‪ ،‬لذلــك أيهــا الــزوج الحريــص فــا ينكــر يف هــذه الليلــة‬
‫ال ينجــر يف باقــي العمــر‪ ،‬ومــا ينجــرح ويُخــدش يف هــذه الحالــة ال يلتئــم خرقــه وجرحــه‪ ،‬ويــا‬
‫أيهــا الــزوج النبيــل أكــرم حياءهــا ورفقًــا بالقواريــر وأودع يف خزينــة قلبهــا رصيــد االحــرام‬
‫والتقديــر للمســتقبل املنشــود‪ ،‬وإيــاك مــن وثبــة وهجــوم الجــوع الغريــزي‪ ،‬فرتتســم يف نفســها‬
‫صــورة االفـراس واالقتنــاص‪ ،‬فكــن مثــل الطبيــب الــذي يأتيــه مــن سـيُبرت عضــوه برغبتــه لعلمــه‬
‫أنــه يجــري الجراحــة أثنــاء التخديــر بــا أمل وال تكديــر‪ ،‬فيعقــب ذلــك الراحــة وللطبيــب األجــر‬
‫والتقديــر‪.‬‬
‫***‬

‫‪93‬‬
‫أفراح يف األرض‪ ..‬ويف السماء‬

‫* ثــوب الزفــاف املرصــع بالجــال واملعــد باملقاييــس ملفاتــن األبــدان‪ ،‬ونصيــف وجههــا املتهلــل‬
‫خلفــه وجــه ســاطع بالبــر تبديــه ســحابة رقيقــة مــن حيــاء وفــرح وجــزالن‪ ،‬ونســيم عليــل‬
‫للنفــس يف نشــوة قــوة الحيــاة تتدافــع مــع ريــاح مســتحرة تحركهــا وتثريهــا كوامــن الرغبــات‬
‫والشــهوات‪ ،‬ولكنــك أيهــا الــزوج أنــت إنســان اجتمعــت فيــك أربعــة أنــواع مــن األوصــاف وهــي‪:‬‬
‫الصفات السبعية والبهيمية والشيطانية‪ ،‬والربانية‪.‬‬
‫وأنــت اآلن متــر بــك لحظــة هــي حافظــة الزمــن التــي ال تنــى‪ ،‬فكــن اإلنســان الــذي يبقــى‬
‫تاريخــه متعــة األذهــان وعطــر األيــام‪ ،‬أيهــا الــزوج اإلنســان قدوتــك الرســول الكريــم وســلفك‬
‫رجــال الدنيــا وصفــوة التاريــخ‪ ،‬ابتســم يف نشــوة الرجــال الفتيــان‪ ،‬وارفــع نصيــف الوجــه واشــكر‬
‫للخالــق وقــل‪ :‬بســم اللــه‪ ،‬وبــكل الرفــق والحنــان اجعــل ناصيتهــا بــن أصابــع يــدك اليمنــى‬
‫واهتــف بقلــب عــارف‪« :‬اللهــم إين أســألك خريهــا وخــر مــا ُجبلــت عليهــا وأعــوذ بــك مــن‬
‫رشهــا ورش مــا جبلــت عليــه» حديــث أخرجــه أبــو داود وابــن ماجــة بســند جيــد‪ ،‬وبذلــك تتــم‬
‫لــك الربكــة فيهــا ويجمــع اللــه بينكــا يف خــر‪ ،‬وإن أطاعــت منــك النفــس ورزقــت التوفيــق‬
‫وكملــت املقاصــد فقو ًمــا وصليــا ركعتــن لريتفــع لكــا الذكــر والثنــاء مــع أفـراح الســاء‪ ،‬فمعكــا‬
‫مالئكــة محبــون‪ ،‬وبتوفيــق اللــه وطاعتــه يفرحــون وبالصالــح مــن العمــل يصعــدون‪ ،‬وعنــد مليــك‬
‫العــرش يثنــون وميتدحــون‪ ،‬فبهــذا العمــل القليــل ويف هــذا الوقــت الجليــل تتفتــح بــركات الســاء‬
‫واألرض‪ ،‬ويســمو اإلنســان يف نفســه وعنــد أهلــه باقتــدار ويندحــر شــيطانه وتتكــر أســلحته‬
‫ويخيــب كيــده وتحــرس املالئكــة النفــس والــدار‪ ،‬ويهتــف الوجــود بالحمــد للــه‪ ،‬وتُــزف البــرى‬
‫للعروســن أن بــورك َمـ ْن يف الــدار { َمـ ْن َع ِمـ َـل َصالِ ًحــا ِمـ ْن َذكَـ ٍر أَ ْو أُنْثَــى َو ُهـ َو ُم ْؤ ِمـ ٌن فَلَ ُن ْح ِي َي َّنـ ُه‬
‫َحيَــا ًة طَيِّبَ ـ ًة َولَ َن ْج ِزيَ َّن ُه ـ ْم أَ ْج َر ُه ـ ْم ِبأَ ْح َســنِ َمــا كَانُــوا يَ ْع َملُــونَ} [النحــل‪.]97 :‬‬
‫***‬

‫‪94‬‬
‫ما ال يدرك بالذوق ال يعظم إليه الشوق‬

‫* أيهــا الــزوج الســعيد‪ :‬ال تــدع طربــات الهــوى ورضاوة الشــهوة واســتعارها تســتخفك فيطيــش‬
‫العقــل وتفقــد الرزانــة‪ ،‬فتصبــح يف خفــة الفراشــة وطيشــها عندمــا تــرى نــور النــار فتهجــم عليهــا‬
‫فيكــون حتفهــا‪.‬‬
‫إمنــا النــار يســتدفأ بهــا وينتفــع بنورهــا وإبــداء الحــرص جهــل ورشه قــال تعــاىل‪{ :‬نِ َســا ُؤكُ ْم َحـ ْرثٌ‬
‫لَ ُكـ ْم فَأْتُــوا َح ْرث َ ُكـ ْم أَ َّن ِشـئْتُ ْم َوقَ ِّد ُمــوا ِلَنْف ُِسـ ُك ْم} [البقــرة‪ ،]223 :‬قالــوا قدمــوا التســمية والــكالم‬
‫والقبلــة ومــا أعظــم القــدوة واملعلــم للبرشيــة صــى اللــه عليــه وســلم وهــو يــرح أســباب املتــاع‬
‫املبــاح والطيــب الحــال‪ ،‬ويجعــل ذلــك دي ًنــا وقربــة‪ .‬روي عــن أنــس بــن مالــك ريض اللــه عنــه أن‬
‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬ال يقعــن أحدكــم عــى امرأتــه كــا تقــع البهيمــة وليكــن‬
‫بينهــا رســول» قيــل‪ :‬ومــا الرســول يــا رســول اللــه؟ قــال‪« :‬القبلــة والــكالم»‪.‬‬
‫وقــال صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬ثــاث مــن العجــز يف الرجــل أن يلقــى مــن يحــب معرفتــه قبــل‬
‫أن يعلــم اســمه ونســبه‪ ،‬والثــاين أن يكرمــه أحــد فــرد عليــه كرامتــه‪ ،‬والثالــث أن يقــارب الرجــل‬
‫زوجتــه فيصيبهــا قبــل أن يحدثهــا ويؤانســها ويقــي حاجتــه منهــا قبــل أن تقــي حاجتهــا‬
‫منــه» رواهــا الديّلمــي يف كتابــه مســند الفــردوس ورواه أبــو يعــي يف مســنده بلفــظ «إذا جامــع‬
‫أحدكــم أهلــه فليصدقهــا فــإذا قــى حاجتــه قبــل أن تقــي حاجتهــا فــا يعجلهــا حتــى تقــي‬
‫حاجتهــا»‪.‬‬
‫قــال أبــو طالــب املــي يف كتابــه قــوت القلــوب‪ :‬وأوفــق مــا يكــون الجــاع بينهــا إذا اتفقــت‬
‫الشــهوتان منهــا م ًعــا‪ ،‬وأكــر مــا يكــون التباغــض بــن الزوجــن الختالفهــا مــن طبــع اإلنـزال‪ ،‬أن‬
‫يكــون طبعــه ســابقًا لطبعهــا أيضً ــا‪.‬‬
‫وقالــوا‪ :‬التقديــم باملالعبــة واملداعبــة واملالطفــة والتقبيــل‪ ،‬يزيــد يف اللــذة‪ ،‬ألن املــرأة املشــتهية‬
‫للجــاع أعــون عــى اللــذة‪ ،‬وقــد مــدح اللــه تعــاىل نســاء الجنــة بذلــك فقــال عــز وجــل‪ُ { :‬ع ُربًــا}‬
‫جمــع ع ـ ُروب‪ ،‬وهــي املــرأة املتعشــقة واملشــتهية للجــاع‪ ،‬يقــال رجــل شــبق وامــرأة عــروب‪،‬‬

‫‪95‬‬
‫فهــذه اللــذة التــي ال تدانيهــا لــذة لــو دامــت تُ َن ِّب ُهــه عــى اللــذات املوعــودة يف الجنــة‪ ،‬وألن مــا ال‬
‫يــدرك بالــذوق ال يعظــم إليــه الشــوق‪.‬‬
‫وجــاع الرجــل أهلــه مــن القربــات والصدقــات‪ ،‬فقــد روى اإلمــام مســلم يف صحيحــه أن النبــي‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬ولــك يف جــاع زوجتــك أجــر»‪ ،‬قالــوا يــا رســول اللــه‪ :‬أيــأيت أحدنــا‬
‫شــهوته ويكــون لــه فيهــا أجــر‪ .‬قــال‪« :‬أرأيتــم لــو وضعهــا يف حـرام أكان عليــه وزر‪ ،‬فكذلــك إذا‬
‫وضعهــا يف حــال كان لــه أجــر»‪.‬‬

‫***‬

‫‪96‬‬
‫جتمل يف مواطن الضرورات‬
‫* مهــا تكشــفت األبــدان فالنفــوس دو ًمــا متحفظــة‪ ،‬فحافــظ عــى النفــس وال يغرنــك زوال‬
‫احتشــام الجســد قــال اللــه تعــاىل‪{ :‬يَــا بَ ِنــي َآ َد َم قَـ ْد أَنْ َزلْ َنــا َعلَ ْي ُكـ ْم لِ َب ًاســا يُـ َوارِي َسـ ْو َآتِ ُك ْم َورِيشً ــا‬
‫ـات اللَّ ـ ِه لَ َعلَّ ُه ـ ْم يَ َّذكَّ ـ ُرونَ} [األع ـراف‪ ]26 :‬فتجمــل يف‬ ‫ـر َذلِـ َـك ِم ـ ْن َآيَـ ِ‬ ‫ـاس التَّ ْق ـ َوى َذلِـ َـك َخـ ْ ٌ‬ ‫َولِبَـ ُ‬
‫مواطــن ترخــص الــرورات‪ ،‬ومتيــز بألطــاف النبــل البــري عنــد نيــل الرغبــات‪ ،‬وال تنــزع عنــك‬
‫لبــاس االحتشــام عنــد اســتقضاء الحاجــات‪ ،‬فقــد ذم اللــه أقوا ًمــا فقــال‪{ :‬يَتَ َمتَّ ُعــو َن َويَأْكُلُــو َن‬
‫كَـ َـا تَـأْك ُُل الْ َنْ َعــا ُم} [محمــد‪ ،]12 :‬ومــا أكمــل الترشيــع اإلســامي يف ربطــه بــن الدنيــا واآلخــرة‬
‫بــن الفــاين والباقــي‪ ،‬بــن عــامل الغيــب وعــامل الشــهادة‪ ،‬إذ يقــول عــز مــن قائــل‪{ :‬يَــا بَ ِنــي َآ َد َم‬
‫لَ يَ ْف ِت َن َّن ُك ـ ُم الشَّ ـ ْيطَا ُن كَـ َـا أَ ْخ ـ َر َج أَبَ َويْ ُك ـ ْم ِم ـ َن الْ َج َّن ـ ِة يَ ْن ـ ِز ُع َع ْن ُهـ َـا لِ َب َاس ـ ُه َم لِ ُ ِييَ ُهـ َـا َس ـ ْو َآتِه َِم‬
‫إِنَّ ـ ُه يَ َراكُ ـ ْم ُه ـ َو َوقَبِيلُ ـ ُه ِم ـ ْن َح ْيــثُ لَ تَ َر ْونَ ُه ـ ْم إِنَّــا َج َعلْ َنــا الشَّ ـ َي ِاط َني أَ ْولِ َيــا َء لِل َِّذي ـ َن لَ يُ ْؤ ِم ُنــونَ}‬
‫[األع ـراف‪ ،]27 :‬فأنــت يف أخــص الخصوصيــات لســت وحــدك‪ ،‬معــك مــن ال ت ـراه وهــو ي ـراك‪،‬‬
‫إنــه عــدو مبــن؛ لذلــك رشع لــك النبــي صــى اللــه عليــه وســلم ذك ـ ًرا يُغيــب عنــك العــدو فــا‬
‫يحــرك‪ ،‬وس ـ ًرا إذ مل تأمــن بــه عــدوك ينظــرك‪ ،‬فعــن عــي بــن أيب طالــب ريض اللــه عنــه عــن‬
‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬ســر مــا بــن الجــن وعــورات بنــي آدم إذا دخــل الكنيــف‬
‫أن يقــول باســم اللــه» رواه الرتمــذي وغــره‪ ،‬وقــال عبــد اللــه بــن عبــاس ريض اللــه عنهــا‪:‬‬
‫«وقدمــوا ألنفســكم» أي قدمــوا ذكــر اللــه عنــد الجــاع كــا قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم‪« :‬لــو أن أحدكــم إذا أىت امرأتــه قــال باســم اللــه اللهــم ج ِّن ْبنــا الشــيطان وجنــب الشــيطان‬
‫مــا رز ْق َتنــا فإنــه إن يقــدر بينهــا ولــد مل يــره الشــيطان أبــدً ا» رواه البخــاري ومســلم‪ ،‬لذلــك‬
‫ومتلبســا‬
‫ً‬ ‫أيهــا الــزوج املســلم‪ :‬تعــرف هتــاف النبــي صــى اللــه عليــه وســلم داع ًيــا ربــه ســبحانه‬
‫بحــال التجمــل يف كل أحوالــه «يــا مــن أظهــر الجميــل وســر القبيــح ومل يؤاخــذ بالجريــرة ومل‬
‫يهتــك الســر» كذلــك ُخلُــق املؤمنــن يظهــرون يف كل األمــور مــا هــو جميــل‪ ،‬ويســرون كل قبيــح‬
‫وال يهتكــون سـ ًرا وخاصــة ســر حيــاء النفــس فإنــه مصــان الدهــر كلــه‪ .‬فلبــاس الزفــاف يُتَ َخ َّفــف‬
‫منــه‪ ،‬لكــن لبــاس صيانــة النفــس ال يخلــع‪.‬‬
‫وعيب أ ْن يُقال لِ َم ْن *** لَ ْم يتَّ ِص ْف مبعاين َو ْص ِف ِه ْم ُ‬
‫رجل‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫الرجال‬ ‫ه ُم‬
‫***‬ ‫ ‬
‫‪97‬‬
‫سفر خبري زاد يف صحبة أصفى األحباب‬ ‫‪2‬‬

‫املفاتيح املرعية للصحبة طوال العشرة الزوجية‪:‬‬


‫* َم ـ ْن تعارشهــا لهــا نفــس مثلــك تــرىض وتســخط وتحــب وتبغــض وتفــرح وتحــزن وتحســن‬
‫وتــيء وتشــعر وتتــأمل وتفكــر وتعقــل فهــي ليســت آلــة للخدمــة والرتفيــه‪ ،‬نعــم ‪ ...‬ولكــن‬
‫مبقابلــة املثــل‪ ،‬بقــدر مــا تســعدها يعــود ذلــك عليــك فبقــدر مــا تــزرع تحصــد‪ ،‬إن خـ ًرا فخــر‪،‬‬
‫وإن تشــقها تشــقى بهــا‪.‬‬
‫* العمــر قصــر وإمنــا أنــت أيــام والدنيــا كــدر فصـ ِّـف أكــدار األيــام‪ ،‬والســف ُر طويــل يحتــاج إىل‬
‫رفيــق أليــف‪ ،‬وأنيــس موثــوق بــه‪.‬‬
‫* العواطــف العظيمــة والنوايــا الحســنة املخفــاة يف داخلــك ال تقنــع الزوجــة ولــو تحققــت منهــا ال‬
‫بــد مــن فعــلٍ جميــل وقــول حســن {قــل هاتــوا برهانكــم إن كنتــم صادقــن} فالعليــم بالبواطــن‬
‫يطلــب عمــل الظواهــر‪.‬‬
‫* أخربهــا بــكل إحســاس نحوهــا جميــل دامئًــا‪ ،‬ودامئًــا تكتــم مشــاعرك غــر املرغــوب فيهــا بقــدر‬
‫مــا تطيــق‪.‬‬
‫* اجعل لك رصي ًدا من االحرتام عندها‪ ،‬حافظ عليه إن مل تنمه األحداث‪.‬‬
‫* مــا كنــت تحــرص عليــه عنــد بدايــة العالقــة بينكــا مــن تأنــق يف امللبــس وتخــر لأللفــاظ‪،‬‬
‫وتجمــل يف إبــداء اإلعجــاب واملديــح‪ ،‬وحــرص يف إبــداء وتوصيــل العواطــف ال ترتكــه أبـ ًدا‪ ،‬وليكــن‬
‫لــك عــادة‪ ،‬وجــه بالبــر صبيــح ولســان بالحــب رصيــح‪.‬‬
‫***‬

‫‪98‬‬
‫كل شيء تراه عليه كسوة القلب‬

‫* لقــد أصبــح يــوم ليــس لــه مثــل يف األيــام‪ ،‬والشــمس أرشقــت كــا كانــت تــرق والنــاس هــم‬
‫النــاس واألشــياء هــي األشــياء‪ ،‬ولكــن النفــس أرشقــت فيهــا شــمس أمــل جديــد‪ ،‬أمــل كلهــا الحياة‪،‬‬
‫كــن جميـ ًـا ت ـ َر الوجــود جميـ ًـا‪ ،‬جــدران املنــزل تــكاد تتهلــل واألثــاث كأنــه يســتحي ويطلــب‬
‫املؤانســة وأصــوات العصافــر اليــوم كاملهنئــة‪ ،‬واهتـزاز الســتائر يعــر عــن الرقــة وتناغــم املشــاعر‪،‬‬
‫وباقــات الزهــور أمــام الحجــرة تتناغــى ألوانهــا وتفصــح عــن روعــة الحيــاة‪ ،‬حتــى جلبــة الشــوارع‬
‫تنتظــم بهتافــات الفــرح‪ ،‬كــا كان مجنــون ليــى صادقًــا حــن رأى ضــوء الشــمس عــى بيــوت ليــى‬
‫أضــوأ مــن غريهــا‪ ،‬وأعظــم منــه مــا يصــح عــن رســولنا صــى اللــه عليــه وســلم أنــه كان يجعــل‬
‫لألشــياء الالزمــة لصحبتــه العظيمــة أســاء يتعامــل بهــا معهــا‪ ،‬لناقتــه‪ ،‬لســيفه ‪ ...‬إلــخ وصــدق‬
‫ش ٍء إِلَّ يُ َسـ ِّب ُح ِب َح ْمـ ِـد ِه َولَ ِكـ ْن لَ تَ ْف َق ُهــو َن ت َْسـبِي َح ُه ْم} [اإلرساء‪.]44 :‬‬
‫اللــه العظيــم‪{ :‬إِ ْن ِمـ ْن َ ْ‬
‫إن الهمــوم إذا انزاحــت عــن القلــب بثقلهــا ســمت النفــس‪ ،‬وصفــت الرؤيــة‪ ،‬فاســتقبلت مرآتهــا‬
‫أرواح األشــياء‪ ،‬وفقهــت لغاتهــا‪ ،‬ومل يجــد العامــة مــن النــاس أصلــح يف تعبريهــم عــن ذلــك كلــه‬
‫مــن قولهــم (صبحيــة مباركــة) وأهــل الســلوك يقولــون‪( :‬تجليــة األمــور عــى تصفيــة الصــدور)‪.‬‬
‫* يف هــذا املنــاخ املســتجد وداخــل هــذا املســكن املعــد‪ ،‬ومــع مــن يصحبــك اليــوم ويف الغــد‪ ،‬يبــدأ‬
‫ســر الحيــاة الزوجيــة نحــو ســعادة الدنيــا ورجــاء الجنــة يف اآلخــرة‪.‬‬
‫* ويف هــذا الجــو البهيــج‪ ،‬وتوثــب الــروح الوئيــد‪ ،‬تنمــو مشــاعر جديــدة وتكتمــل فضائــل ال‬
‫تكتمــل إال فيــه‪ ،‬وترتــوي فيــه الغرائــز مبــا أحــل اللــه‪ ،‬وتطمــن فيــه العواطــف مبطارحــة الحبيــب‪،‬‬
‫ويذهــب عــن النفــس عنــاء وحشــة الغُربــة‪.‬‬
‫رسا‪ ،‬واستســمح زوجتــك عــذ ًرا‪ ،‬فأنــا أهيــئ لهــا‬ ‫* فدعنــي أيهــا الــزوج وأنــت يف نشــوتك أحادثــك ًّ‬
‫القلــب والقالــب‪ ،‬ومــن قبــل ســاررتها يف القســم األول مــن العــرة ويــوم لـ َـك ويــوم ‪ ...‬لـ ِ‬
‫ـك‪.‬‬
‫***‬

‫‪99‬‬
‫امأل قارورتك مبا حتب أن تشرب‬

‫* قــال أبــو طالــب املــي‪ :‬املــرأة تحتــاج إىل فضــل مــداراة‪ ،‬ولطيفــة مــن الحكمــة‪ ،‬وطــرف مــن‬
‫املواســاة وبــاب مــن املالطفــة‪ ،‬واتســاع صــدر للنفقــة‪ ،‬وحســن خلــق ولطــف لفــظ‪ ،‬وهــذا ال‬
‫يحســنه إال عــامل حليــم‪ ،‬وال يقــوم بــه إال عــارف حكيــم‪ ،‬وال يصلــح لذلــك‪ :‬ض ّيــق القلــب‪ ،‬بخيــل‬
‫الكــف‪ ،‬ســيئ الخلــق‪ ،‬غليــظ القلــب‪ ،‬فــظ اللفــظ‪ ،‬ولــو تــزوج هــذا ُع ـذّب وآذى وتــأذى‪ ،‬وأنــا‬
‫أقــول مــع القائــل‪ :‬إذا كانــت املــرأة ســيئة الخلــق فأســوأ منهــا مــن يحوجهــا إىل ســوء الخلــق‪.‬‬
‫* بجميــل املفاوضــة‪ ،‬ولطيــف املــداراة‪ ،‬وصــدق العاطفــة تحتــل الســويداء يف قلــب الزوجــة‪،‬‬
‫ـرق لــك قلبهــا ويصفــو إىل غــر حــدود‪ ،‬فقــط رف ًقــا بالقواريــر‪ ،‬وامــأ‬ ‫املــرأة مخلــوق لطيــف ويـ ّ‬
‫قارورتــك مبــا تحــب أن تــرب‪.‬‬
‫* مــا أعظــم أخــذ العلــاء األمئــة عــن اللــه حيــث قالــوا‪ :‬شـ ّبه اللــه تعــاىل حســن النظــام والعــرة‬
‫مــع الزوجــة بحســن القيــام عــى الوالديــن فقــال فيهــا‪َ { :‬و َص ِ‬
‫احبْ ُهـ َـا ِف ال ُّدنْيَــا َم ْع ُروفًــا} [لقــان‪:‬‬
‫وف} [النســاء‪ ،]19 :‬وقــال يف عظيــم حقهــن‪:‬‬ ‫‪ ]15‬وقــال يف حــق املــرأة‪َ { :‬و َع ِ ُ‬
‫اشو ُهــ َّن بِالْ َم ْعــ ُر ِ‬
‫ـب} [النســاء‪]36 :‬‬ ‫ـب بِالْ َج ْنـ ِ‬‫احـ ِ‬ ‫{ َوأَ َخـ ْذ َن ِم ْن ُكـ ْم ِميثَاقًــا َغلِيظًــا} [النســاء‪ ،]21 :‬وقــال ســبحانه‪َ { :‬و َّ‬
‫الص ِ‬
‫قيــل هــي الزوجــة‪ ،‬وقالــوا‪ :‬كلــا طالــت الصحبــة توكــدت املراعــاة‪ .‬فكــن أيهــا الــزوج املصاحــب‬
‫لهــا زيْ ًنــا يف الرخــاء و َع ْونــا لهــا يف الشــدائد‪ ،‬كــن معهــا كاليديــن تغســل إحداهــا األخــرى‪ ،‬عاملهــا‬
‫باحـرام وتقديــر كــا تعامــل الصديــق الحميــم‪ ،‬تضمــن منهــا املــودة‪ ،‬والتكريــم‪ ،‬إذا دنــت منــك‬
‫هششــت لهــا‪ ،‬ورح ّبــت بهــا وإذا تحدثــت أقبلــت عليهــا وأصغيــت إليهــا‪ ،‬وإذا جلســت أوســعت‬
‫لهــا‪ ،‬يــدم لــك قربهــا وقبولهــا‪ ،‬فــإن القلــوب ُجبلــت عــى حــب مــن أحســن إليهــا‪ ،‬انظــر أيهــا‬
‫الــزوج املســلم صنيــع رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم مــع نفــوس أصحابــه ليعلــم أمتــه‬
‫كيــف يحســنون املعاملــة ويتعلمــون اســتجالب املــودة‪ ،‬فعــن أيب أمامــة الباهــي ريض اللــه عنــه‬
‫قــال‪ :‬لقينــي رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فأخــذ بيــدي ثــم قــال‪« :‬يــا أبــا أمامــة إن مــن‬
‫املؤمنــن مــن يلــن لــه قلبــي» رواه أحمــد يف املســند والطـراين ورواتــه ثقــات‪ ،‬فــا أروع وأنفــع‬

‫‪100‬‬
‫مــن يفقــه ويقتــدي بــه صــى اللــه عليــه وســلم فانظــر كيــف أخــر هــذا الصحــايب الجليــل بحبــه‬
‫لــه وأوصــل لــه الخــر يف هــذا األســلوب البــارع‪ ،‬إذ أخــذ بيــده عندمــا رآه‪ ،‬مبــودة ورغبــة‪ ،‬ألنــه‬
‫صاحــب لــه مؤمــن‪ ،‬ثــم أخــره أن قلبــه يلــن لرؤيتــه‪ ،‬فدامــت صلــوات اللــه عليــك يــا ذا القلــب‬
‫الرحيــم الحريــص عــى مــودة املؤمنــن‪ ،‬قلــب النبــي يلــن ويــرق وينفعــل مبجــرد رؤيــة صاحبــه؟‬
‫ويتواضــع ويخــره بهــذا األمــر يف أرقــى صــور الخطــاب‪ ،‬أخــر أيهــا الــزوج صاحبتــك ودامئًــا بــكل‬
‫مشــاعرك الجميلــة نحوهــا‪ ،‬خــذ بيدهــا بحنــان املحــب وقبــل يدهــا رحمــة ورغبــة ومحبــة‪ ،‬وقــل‬
‫لهــا مــا يف قلبــك‪ ،‬إنهــا يف تلهــف دائــم لتســمع منــك ذلــك‪ ،‬فإنــه غــذاء قلــوب املحبــن‪ ،‬وذلــك‬
‫الســلوك رشع وديــن‪ :‬فعــن أيب كرميــة املقــداد بــن معــد يكــرب ريض اللــه عنــه عــن النبــي صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬إذا أحــب الرجــل أخــاه فليخــره أنــه يحبــه» رواه الرتمــذي وأبــو داود‪،‬‬
‫وقــال الرتمــذي حديــث صحيــح‪ ،‬إنــه اللــه الخالــق العليــم بخلقــه‪ ،‬وهــذا رســوله يخــر عنــه‪،‬‬
‫وإنهــا القلــوب العطــى ملــاء القلــوب‪ ،‬فــإذا رويــت اهتــزت وربــت‪ ،‬وأنبتــت مــن كل العواطــف‬
‫مــا هــو بهيــج‪.‬‬
‫***‬

‫‪101‬‬
‫وا شوقاه للبدايات‬

‫* أتذكــر أيهــا الــزوج الفاضــل كيــف كانــت البدايــات مــع زوجتــك الحبيبــة؟ كيــف ارتــاح لهــا‬
‫القلــب وانــرح لهــا الصــدر ووجــدت معهــا الــرور والفــرح‪ ،‬وأدركتــك الوحشــة بفقدهــا وغيابها‬
‫عنــك وبلــغ بــك التلهــف عــى رؤيتهــا كل مبلــغ؟؟‬
‫أتذكــر أيهــا الــزوج الكريــم كــم كنــت تســرجع بعــد لقائــك بهــا كل قولــك وشــأنك تلــذذًا وتشــب ًعا‬
‫بــكل مــا قدمــت عندهــا مــن أســباب رسورهــا ورضاهــا‪ ،‬بــل خ ـ ْوف أن يكــون بــدر منــك مــا‬
‫يشــينك عندهــا‪.‬‬
‫أمل تكــن تســتعيد كل صــور اللقــاء وتســعد بهــا وتعيشــها بــكل أحاسيســها مــرات‪ ،‬وتبتســم‬
‫وتضحــك مــا أضحــكك ورسك أثنــاء اللقــاء‪ .‬أيهــا الــزوج الكريــم أبــر ثــم أبــر‪ ،‬فهــذا منــك‬
‫رائــع وجميــل‪ ،‬وأنــت صاحــب نفــس مدركــة للجــال ومحبــة للــرور وراغبــة يف الســعادة مــع‬
‫الحبيــب‪ ،‬ولديــك القــدرة عــى إدخــال الــرور عــى مــن شــئت‪ ،‬وعلمــت أن نفســك تفــرح‬
‫للجميــل مــن القــول والعاطفــة‪ ،‬وتأكــد لديــك أنــه كلــا حرصــت عــى إســعاد زوجتــك كانــت‬
‫هــي أحــرص عــى مــا ترغــب أنــت فيــه‪ ،‬لذلــك أيهــا الــزوج الحكيــم أدعــوك تســتفيد مــن رصيــد‬
‫خربتــك‪ ،‬وأبــدع أيهــا الــزوج فيــا حبــاك اللــه بــه مــن قــدرات لطيفــة وحلــوة ومحبوبــة ومطلوبــة‬
‫‪ ...‬يف كل وقــت ‪ ...‬دامئًــا وليــس فقــط يف بدايــات االرتبــاط‪.‬‬
‫ال تجعلها تتنهد يف حرسة وتقول‪ :‬واشوقاه للبدايات‪.‬‬
‫* أيهــا الــزوج الراعــي واملســؤول‪ :‬حلــت يف رعايتــك أمانــة اللــه وأُ ِخــذ عليــك العهــد املغلــظ‪ ،‬وهــي‬
‫ترغــب أن تنشــأ عنــدك عــى خــر مــا تحــب أنــت‪ ،‬فقلبهــا ونفســها صفحــة بيضــاء‪ ،‬فسـطّر فيــه‬
‫منهــاج حياتــك الــذي تحــب أن تحيــا بــه وعليــه‪ ،‬وع ّودهــا واعتــد معهــا عــى االح ـرام املتبــادل‬
‫واملخاطبــة الكرميــة‪ ،‬ومراعــاة الشــعور‪ ،‬وإدخــال الــرور‪ ،‬والتحمــل وقــت ملــل النفــس (ومــا‬
‫أكــره دون أن يُعلــم ســببه)‪ ،‬وحــب النظــام والرتتيــب يف كل يشء والنظافــة‪ ،‬وفهــم الرغبــات‬
‫باإلشــارات وانتقــاء األلفــاظ والعبــارات‪ ،‬والتأنــق مــع البســاطة يف امللبــس واملــأكل‪ ،‬والحــرص عــى‬

‫‪102‬‬
‫تبــادل الهدايــا الرمزيــة كلــا اســتدعى أمــر‪ ،‬وتبــادل التّحايــا وعبــارات الشــكر‪ ،‬وعــدم مفارقــة‬
‫طالقــة الوجــه يف وجــود الحبيــب واإلقبــال عنــد الحديــث وإظهــار االهتــام باآلخــر‪ ،‬وعــدم‬
‫تســفيه الــرأي مهــا كان منطقــه‪ ،‬والثقــة عنــد األخبــار‪ ،‬والتغــايض عنــد حــدوث بعــض الــزالت‪،‬‬
‫والصــر عنــد غضــب اآلخــر‪ ،‬وتــرك مجــال شــخيص ج ـ ًّدا لآلخــر ال يتدخــل فيــه‪ ،‬وعــدم اإللحــاح‬
‫يف الســؤال‪ ،‬وخاصــة يف أمــور املــال والدخــول وغــر ذلــك مــا تحــب أن تعــود عليــه زوجتــك‬
‫وتعتــاده معهــا‪ ،‬وهــذه األمــور ممكنــة مــع الحــب والعاطفــة القويــة الصادقــة بينكــا‪ ،‬فبــادر‬
‫واســتنبت يف حقــل حرثــك مــا تــود أن تجنيــه مــن بســتان عمــرك‪ ،‬وتعاهــد منــاءه تعــش يف وارف‬
‫ظاللــه وتنعــم ب ُن ـ َزه األيــام يف رياضــه‪ ،‬وتقتطــف أزهــاره ومثــاره وتحيــا يف جنــة حوائــك‪ ،‬فاللــه‬
‫اللــه مــا أحــى البدايــات لــو اســتقامت لــك هــذه األمــور مــع حســن النيــات‪ ،‬وال تتأخــر عــن هــذا‬
‫الخــر فيفوتــك العــون واملــدد فقــد قــال صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬ال يـزال الرجــل يتأخــر حتــى‬
‫ـر لَ َعلَّ ُك ـ ْم تُ ْفلِ ُحــونَ} [الحــج‪.]77 :‬‬
‫يؤخــره اللــه» وقــال موالنــا جــل يف عــاه‪َ { :‬وافْ َعلُــوا الْ َخـ ْ َ‬
‫***‬
‫ ‬

‫‪103‬‬
‫املشاعر اآلدمية قبل الشعائر التعبدية‬

‫* قــال ســادتنا العلــاء‪ :‬حــق املــرأة بســبب الزفــاف ســواء كان عنــده امــرأة غريهــا أم ال‪ ،‬أن‬
‫يؤثرهــا بســبع ليــا ٍل‪ ،‬والزوجــة الثيــب بثــاث –الثيــب مــن ســبق لهــا الــزواج‪ -‬وهــذا مــا قالــه‬
‫جمهــور العلــاء أي غالبيتهــم‪ .‬بــل قــال اإلمــام النــووي الشــافعي إن ذلــك مســتحب إذا مل يكــن‬
‫عنــده غريهــا وإال يجــب‪ ،‬وقــال اإلمــام الشــافعي‪ :‬وال أحــب أن يتخلــف عــن صــاة الجامعــة‪.‬‬
‫وال مينعــه ذلــك مــن عيــادة مريــض وال شــهود جنــازة وال إجابــة وليمــة‪ .‬وأفــرط بعــض فقهــاء‬
‫قياســا عــى‬
‫املالكيــة فجعــل مقامــه عندهــا عــذ ًرا يف إســقاط الجمعــة إذا جــاءت يف أثنــاء املــدة ً‬
‫أن املقــام عندهــا واجــب‪ ،‬رواه ابــن القاســم مــن املالكيــة عــن مالــك ألنــه تعــارض عنــده بــن‬
‫واجبــن فق ـ ّدم حــق اآلدمــي‪.‬‬
‫* وقالــوا يف علــة ذلــك‪ :‬إنــه حــق للمــرأة عــى الــزوج ألجــل إيناســها وإزالــة (الوحشــة) عنهــا‬
‫وأقــول‪ :‬مــا أجمــل الــرع الحنيــف يف أخــذ املســائل مبوضوعيــة واعتــدال بــري واهتــام‬
‫باملشــاعر اآلدميــة قبــل الشــعائر التعبديــة‪.‬‬
‫ـدل مــن شــهر عســل الغــرب‪،‬‬ ‫وأقــول أيضً ــا‪ :‬أســبوع عســل ســبق بــه اإلســام فاعتــدل الحكــم بـ ً‬
‫ومــا أجمــل تعبــر العامــة (إن كان حبيبــك عســل مــا تلحســوش كلــه)‪.‬‬
‫***‬

‫‪104‬‬
‫عصا موسى يف احلياة الزوجية‬

‫* إكســر الســعادة عنــد املــرأة هــو ‪ ...‬الكلمــة‪ ،‬وإفســاد طبائــع املــرأة بالكلمة‪ ،‬فالشــأن كل الشــأن‬
‫أيهــا الــزوج املعــارش ملــن اختارتهــا نفســك دون نســاء العاملــن هــو أن تحســن الــكالم معهــا‪،‬‬
‫فيكــون كالمــك غــذا ًء ودوا ًء لهــا‪ ،‬ويكــون لســانك بذلــك هــو –عجلــة القيــادة‪ -‬ملركــب الســعادة‬
‫الزوجيــة الــذي بــه تضمــن التحكــم يف أي اتجــاه ترغــب الوصــول إليــه‪ ،‬وتســلس لــك القيــادة‬
‫كلــا وافــق الثنــاء موضو ًعــا‪ .‬اســمع –زادك اللــه فهـ ًـا‪ -‬لقــول اللــه عــز وجــل‪َ { :‬وقُـ ْـل لِ ِع َبــا ِدي‬
‫ـي أَ ْح َس ـ ُن إِ َّن الشَّ ـ ْيطَا َن يَ ْن ـ َز ُغ بَ ْي َن ُه ـ ْم إِ َّن الشَّ ـ ْيطَا َن كَا َن لِ ْ ِلن َْســانِ َع ـ ُد ًّوا ُمبِي ًنــا}‬ ‫يَقُولُــوا الَّ ِتــي ِهـ َ‬
‫[اإلرساء‪ ،]53 :‬قــال الســادة العلــاء‪ :‬فلــو كانــت خصلــة هــي أصلــح للعبــد‪ ،‬وأجمــع للخــر‪،‬‬
‫وأعظــم لألجــر وأعظــم يف القــدر‪ ،‬وأوىل يف الحــال وأنجــح يف املــآل مــن هــذه الخصلــة لــكان اللــه‬
‫ســبحانه أمــر بهــا عبــاده‪.‬‬
‫أقــول أيهــا الــزوج املتبــع لهــدي الســاء‪ :‬هــي هــي الكلمــة‪ ،‬إن كانــت حســنة محببــة لســامعها‬
‫كانــت مــن اللــه فتصلــح وال تفســد‪ ،‬وإن كانــت الكلمــة غــر مستحســنة وال مرغــوب فيهــا فهــي‬
‫مــن الشــيطان‪ ،‬يفســد بهــا القلــوب ويقطــع بهــا مــا بــن املحبــن عــداوة للــه وللمؤمنــن‪ .‬الكلمــة‬
‫لســائر النــاس كعصــا مــوىس عليــه الســام‪ ،‬هــي ملــن آمــن بهــا تفجــر الحجــر ينابيــع الحيــاة‪ ،‬وملــن‬
‫ال يت ّبعهــا تصــر ح َّيــة عظيمــة تبتلــع حياتهــم‪ .‬فف ّجــر ينابيــع الرضــا والهنــاء والراحــة يف قلــب‬
‫زوجتــك حتــى تــزرع فيــه محبتــك‪ ،‬وتدنــو لــك مثارهــا اليانعــة وتســتظل بــوارف عطفهــا وتلتــذ‬
‫ـن فَـ ِإ ْن لَـ ْم يُ ِص ْب َهــا‬ ‫ـت أُكُلَ َهــا ِض ْع َفـ ْ ِ‬ ‫بألــوان وفنــون جاملهــا {كَ َمثَــلِ َج َّنـ ٍة ِب َربْـ َو ٍة أَ َصابَ َهــا َوا ِبـ ٌـل فَ َآتَـ ْ‬
‫َوا ِبـ ٌـل فَطَـ ٌّـل} [البقــرة‪ ،]265 :‬ومــا أعظــم املثــل املــروب يف كتــاب اللــه للكلمــة التــي هــي أصــل‬
‫ض َب اللَّـ ُه َمثَـ ًـا كَلِ َمـ ًة طَ ِّي َبـ ًة كَشَ ـ َج َر ٍة طَ ِّي َبـ ٍة أَ ْصلُ َهــا ث َا ِبـ ٌ‬
‫ـت َوفَ ْر ُع َهــا‬ ‫كل كالم طيــب {أَلَـ ْم تَـ َر كَ ْيـ َـف َ َ‬
‫السـ َـا ِء (‪ )24‬تُـ ْؤ ِت أُكُلَ َهــا ك َُّل ِحـ ٍن ِبـ ِإذْنِ َربِّ َهــا} [إبراهيــم‪ ،]25 ،24 :‬وعــن أيب هريــرة ريض اللــه‬ ‫ِف َّ‬
‫عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬والــذي نفــي بيــده ال تدخلــوا الجنــة‬
‫حتــى تؤمنــوا وال تؤمنــوا حتــى تحا ُّبــوا‪ ،‬أو ال أ ّدلكــم عــى يشء إذا فعلتمــوه تحاببتــم‪ .‬أفشــوا‬

‫‪105‬‬
‫الســام بينكــم» رواه مســلم‪ ،‬فــأي روعــة يف البيــان مــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم؛ حيــث‬
‫ربــط دخــول الجنــة‪ ،‬التــي هــي غايــة كل العاملــن املؤمنــن وبــن الحــب بــن املؤمنــن‪ ،‬فجعــل‬
‫مفتــاح بــاب الجنــة هــو التحابــب ثــم أوصلهــم إىل املطلــوب لتحقيــق ذلــك كلــه «إفشــاء الســام»‬
‫وال يضيــق عنــد العلــاء مفهــوم إفشــاء الســام يف إلقــاء الســام املــروع‪ ،‬وإن كان يدخــل يف‬
‫الحديــث‪ ،‬ولكنــه إفشــاء كل كالم يُحــدث الوئــام‪ ،‬ويربــط القلــوب يف مــودة وحنــان‪ ،‬ويغــرس يف‬
‫واحــة العيــش للزوجــن رياحــن األمــل للســر نحــو الجنــان‪.‬‬
‫***‬

‫‪106‬‬
‫الكنوز املعطلة‬

‫* يعتمــد كثــر مــن املتحابــن واملتصادقــن واملتزوجــن عــى رصيــد الثقــة فيهــم ويف حبهــم لــدى‬
‫اآلخريــن‪ ،‬ويظــن أحدهــم لصدقــه يف املحبــة لزوجتــه ولســابق معرفتهــا لحبــه لهــا أن ذلــك يكفــي‬
‫الســتدامة حبــه عندهــا وبقــاء علمهــا بذلــك‪ ،‬وذلــك خطــأ فــادح يقــدح يف املحبــة‪ ،‬وغفلــة شــديدة‬
‫لواقــع العالقــات الزوجيــة ورعايتهــا‪.‬‬
‫* إن اللــه تعــاىل مل يخلــق لنــا العواطــف إال لنتبادلهــا ونتعامــل بهــا وينفــع بهــا بعضنــا البعــض‪،‬‬
‫وهــي كســائر مــا خلــق اللــه لنــا فيــه حكمــة ومنفعــة‪ ،‬وبقــدر مــا ينتفــع النــاس بنعمــه يعبدونــه‬
‫ويشــكرونه‪ ،‬وبقــدر مــا ينفــع العبــد الخلــق بهــذه النعــم‪ ،‬بقــدر مــا يكــون مؤديًــا للغايــة التــي‬
‫ُخلــق لهــا وخلقــت لهــا النعــم‪ ،‬ونعمــة ترابــط القلــوب باملحبــة أعظــم نعــم اللــه عــى املؤمنــن‬
‫بعــد إســامهم‪ ،‬قــال اللــه تعــاىل‪َ { :‬وا ْذكُـ ُروا نِ ْع َمـ َة اللَّـ ِه َعلَ ْي ُكـ ْم إِ ْذ كُ ْنتُـ ْم أَ ْعـ َدا ًء فَأَلَّـ َـف بَـ ْ َ‬
‫ـن قُلُو ِب ُكـ ْم‬
‫فَأَ ْص َب ْحتُـ ْم ِب ِن ْع َم ِت ـ ِه إِ ْخ َوانًــا} [آل عم ـران‪ ،]103 :‬ولقــد كان هــدي النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫مــع أصحابــه وأزواجــه مثــالً إلظهــار املــودة والتعبــر عنها بــكل وســائل التعبــر ترصي ًحــا وتعريضً ا‬
‫وإشــارة بالقــول والعمــل والحــال‪ ،‬وقــد مـ ّر بنــا بعــض األمثلــة‪ ،‬وســرى بعضهــا فيضً ــا مــن فيــض‬
‫النبــوة‪.‬‬
‫* أرأيــت أيهــا الــزوج العاقــل لــو أن إنســانًا أعطــاه اللــه نعمــة املــال الكثــر فكنــزه ومل يســتثمره‪،‬‬
‫ومل ينفــق منــه عــى نفســه وال عــى مــن يجــب عليــه النفقــة عليهــم‪ ،‬مــا تقــول فيــه؟ وهــل‬
‫هنــاك بخـ ٌـل وتعطيـ ٌـل للــال مثــل ذلــك؟ إن املــال جعلــه اللــه ليتــداول بــن النــاس ال ليكتنــزوه‪،‬‬
‫وهــل أهــل ذلــك الرجــل الغنــي البخيــل انتفعــوا بغنــاه‪ ،‬رغــم علمهــم أنــه صاحــب كنــوز عظيمــة‬
‫ميلكهــا وال ينفقهــا عليهــم‪ .‬كذلــك كنــوز العواطــف التــي متلكهــا يف قلبــك لزوجتــك‪ ،‬وال يصــل‬
‫منهــا إليهــا مــا يكفيهــا وال يقنعهــا ملــكك وكنزهــا يف قلبــك‪ ،‬بــل ستتشــكك يف وجودهــا عنــدك‪،‬‬
‫أنفــق أيهــا الغنــي عــى أهلــك وال تحرمهــا ِرفْــدك فيــزدد منهــا بعــدك‪ ،‬قــل لهــا مبــلء الفــم‬
‫واغــرف مــا يف القلــب‪ ،‬ال تجعلهــا تشــعر أبـ ًدا أنــك بخيــل القلــب حتــى لــو كنــت ســخي اليــد‪،‬‬

‫‪107‬‬
‫ال تجعلهــا شــديدة العطــش ملــاء القلــوب وتضـ ّن عليهــا برشبــة مــن أعــاق قلبــك‪ ،‬وهــي تــرى‬
‫املــاء وال تصــل إليــه ألنــه يف األعــاق (كمــن هــو شــديد العطــش للــاء وي ـراه يف بــر عميقــة‬
‫ال حيلــة لــه يف الوصــول إىل املــاء)‪ .‬فهــل تنفعــه رؤيــة املــاء وعلمــه بوجــوده؟ وهــل علــم مــن‬
‫يقــف عــى شــاطئ البحــر بوجــود اللؤلــؤ يف أصدافــه يف األعــاق ينفــع دون اســتخراج اللؤلــؤ‬
‫وتداولــه؟ إن قلــب البــدن يدفــع الــدم إىل ســائر أجــزاء الجســم حتــى ال تنقطــع عنــه مــادة‬
‫الحيــاة‪ ،‬وكذلــك قلــب الــروح والنفــس ال بــد أن يدفــع مــادة حيــاة الــروح والنفــس ملــن ال حيــاة‬
‫لقلوبهــم ونفوســهم إال بــه‪.‬‬
‫والكلمــة الطيبــة حيــاة املــرأة القلبيــة والنفســية‪ ،‬فــا تبخــل بكلمــة ال تُ ْنقصــك وال تكلفــك‪ ،‬وفيهــا‬
‫حيــاة قلــب ونفــس‪.‬‬
‫***‬

‫‪108‬‬
‫فيتامينات الصحة النفسية‬

‫* املــرأة مخلــوق لطيــف‪ ،‬عــى الفطــرة غالبًــا‪ ،‬ســهل االنقيــاد كالطفــل ألن نفســها يف بســاطتها‬
‫الفطريــة‪ ،‬وغلبــة عواطفهــا الجبلّيــة تحتــاج ملعاملــة رقيقــة‪ ،‬لطيفــة‪ ،‬بســيطة تتلخــص يف القــدرة‬
‫ــت بالــرورة ذلــك‬ ‫عــى الثنــاء واإلطــراء الــذي يوافــق موض ًعــا‪ ،‬وأنــت أيهــا الــزوج قــد ج َّربْ َ‬
‫والحظتــه عنــد ابتــداء عالقتــك بزوجتــك كــا م ـ ّر ســابقًا‪ ،‬حيــث كنــت تنتقــي كلــات الثنــاء‬
‫واإلطــراء ســواء عليهــا جملــة أو عــى طريقتهــا‪ ،‬أو مظهرهــا‪ ،‬أو حديثهــا‪ ،‬وعلمــت أثــر ذلــك‬
‫عــى عالقتكــا مــن القــوة والتّمتــن ومــن فرحهــا العظيــم بكالمــك‪ ،‬وبرغبتهــا الدامئــة لســاعه‬
‫وإســاعه صديقاتهــا‪.‬‬
‫* اعلــم أيهــا الــزوج أن هــذه فطــرة مالزمــة ألي امــرأة‪ ،‬وزوجتــك بالحتــم منهــن‪ ،‬فــا تحرمهــا‬
‫الثنــاء‪ ،‬واإلط ـراء دامئًــا‪ ،‬ألنــك لــو مل تفعــل س ـتَ ْفتَقده وتحتاجــه بالــرورة الفطريــة‪ ،‬حتــى لــو مل‬
‫تفهــم هــي عــن نفســها ذلــك‪ ،‬وهــي يف هــذه الحالــة –أي إذا فقــدت منــك الثنــاء عليهــا‪ -‬إحــدى‬
‫امرأتــن‪ :‬إمــا أنهــا تصــر‪ ،‬ثــم تصــر ثــم يدركهــا امللــل‪ ،‬ثــم تصــاب باكتئــاب دائــم‪ ،‬وإحســاس بعدم‬
‫الرضــا‪ ،‬رغــم رغــد العيــش إن كان هنــاك رغــد منــه‪ ،‬ورغــم املعاملــة التــي تراهــا أنــت كرميــة‪،‬‬
‫وقــد تتدبّــر هــي يف أمرهــا أو أنــت أو أنتــا م ًعــا‪ ،‬فــا يُعــرف ســبب هــذا امللــل وهــذا االكتئــاب‪.‬‬
‫لقــد أصــاب القلــب نقــص املــادة الف ّعالــة الرضوريــة لحيويتــه‪ ،‬يقــول األطبــاء‪ :‬إن الجســم يلــزم‬
‫لــه الفيتامينــات بأقــدار صغــرة جـ ًّدا‪ ،‬وإذا نقصــت بــدت مظاهــر وأعـراض مرضيــة كثــرة للجســم‬
‫فــإذا ز ّود الجســم بهــذا القــدر الناقــص‪ ،‬رسعــان مــا يعــود لــه الحيويــة والنشــاط والقــوة‪ .‬أمــا يف‬
‫حــال املــرأة الثانيــة التــي ال تجــد الصــر عــى افتقــاد الثنــاء واإلطـراء‪ ،‬فتضطــر املســكينة للتحايــل‬
‫عــى الخــروج بــأي ســبب لتســمع وتُشــبع نفســها مــن ثنــاء الغربــاء‪ ،‬يف الطريــق أو يف العمــل‪ ،‬أو‬
‫يف أي خلطــة (تدخلــت يف مشــكلة زوجيــة مــرة‪ ،‬واحت ـ ّد الخــاف حــول مســألة خــروج الزوجــة‬
‫للعمــل وزوجهــا ال يرغــب يف خروجهــا لعــدم حاجتهــا للــال‪ ،‬وحاجتــه لوجودهــا يف املنــزل‪،‬‬
‫ـت إلرصار الزوجــة عــى الخــروج للعمــل‪ ،‬حتــى مــع التهديــد بالطــاق‪ ،‬فخلـ ْوت بالــزوج‪،‬‬ ‫ودهشـ ُ‬

‫‪109‬‬
‫وكان مــا ســألته عنــه‪ ،‬هــل أنــت معتــاد أن تقــول لهــا إذا ارتــدت فســتانًا إنــه جميــل ورائــع؟‬
‫قــال وهــو ينظــر يل بدهشــة رغــم احرتامــه يل‪ :‬ومــا دخــل ذلــك يف املوضــوع يــا أســتاذ؟ فســألته‬
‫هــل ‪ ...‬هــل ‪ ...‬كل ذلــك يقــول‪ :‬ال‪ ،‬فقلــت لــه مــا أكتــب عنــه اآلن‪ ،‬وطلبــت منــه أن يجــرب‬
‫ذلــك‪ ،‬وال يطلــب مــن زوجتــه اآلن أن تــرك العمــل‪ ،‬فوافقنــي وبعــد مــ ّدة ليســت بالطويلــة‬
‫أخــرين أن زوجتــه تركــت العمــل‪ ،‬وعــى حـ ّد تعبــره قــال‪ :‬وأنــا مــايش عــى الروشــتة)‪.‬‬
‫* أخــي أيهــا الــزوج‪ :‬ملــاذا تُحــوج زوجتــك ألن تشــحذ منــك الثنــاء؟ كأن تقــول لــك‪ :‬عاجبــك‬
‫األكل –هيــه إيــه رأيــك يف الفســتان ده؟؟ صحابــك عجبهــم األكل؟؟ وأمثــال ذلــك مــن األســئلة‬
‫املتكــررة وأنــت يف غفلــة تامــة‪ ،‬وقــد تثنــي بعــد الســؤال‪ ،‬جـزاك اللــه خـ ًرا عــى هــذه الصدقــة‬
‫منــك‪ ،‬ولكــن أتحــب أن متــد يــد طبعهــا لــك كل يــوم لتشــحذ منــك الكلمــة؟؟ مــا أبخــل مثــل‬
‫هــذا الــزوج! ومــا أبلــد حســه وشــعوره ونحــو املتحرقــة واملتعطشــة للكلمــة‪ ،‬احــذر أن تضطرهــا‬
‫للشــحاذة مــن الغربــاء‪ ،‬أبْــقِ عليهــا حياءهــا ودينهــا‪ .‬واحــذر أن ينفــد صربهــا‪ ،‬ومتلّــك‪ ،‬ومتيــل‬
‫إىل غــرك‪ ،‬وهــي ال تــدري‪ ،‬وأنــت اآلخــر ال تجــد لســلوكها تفسـ ًرا‪ ،‬تــدارك مــن اآلن واغــرس لــك‬
‫جنــة يف قلبهــا‪ ،‬وال تبخــل بجميــل الثنــاء العاطــر‪ ،‬فقــد روت أســعد زوجــة يف النســاء‪ ،‬عائشــة زوج‬
‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم عنــه‪ ،‬أن الجنــة دار األســخياء‪ ،‬فاصنــع جنتــك وادخلهــا بســخاء‬
‫الــكالم الطيــب‪ ،‬تطــب لــك معهــا الحيــاة بــا ملــل‪ ،‬واســمع لهــذا التحذيــر اللطيــف مــن الشــاعر‬
‫محمــد إقبــال‪:‬‬
‫ألف ميلٍ زاد بُ ْع ُد املنز ِل‬
‫لحظ ًة يا صاحبي إ ْن تَ ْغفَلِ *** َ‬
‫***‬

‫‪110‬‬
‫ا فل�صل ا ثل�ال�ث‬ ‫‪3‬‬
‫غنائم املباهج تكون عند مراعاة املصاحب‬
‫* مفاتيح القلوب ملعارشة املحبوب‪:‬‬
‫* حسن الخلق مع األهل دين وكسب لطيب العيش يف الدنيا‪.‬‬
‫* املودة جوهرة تحتاج للرعاية الدامئة حتى ال تُفقد‪.‬‬
‫* ليس بحكيم من ال يعارش باملعروف َم ْن ليس من معارشته بد‪.‬‬
‫* حب الزوجة دين ومفخرة ال ُيستخذى منه وال يستخفى‪.‬‬
‫* طاعة الزوجة لك مفتاحها بيدك أنت‪.‬‬
‫* املــرأة يف أعــاق فطرتهــا اســتكانة للرجــل وحاجــة لحاميتــه‪ ،‬فانتفع‬
‫منهــا بذلــك وال تســترث مت ُّردهــا عليــك بتنقيصــك لها‪.‬‬
‫* األهــل أ ْوىل النــاس منــك باملفاكهــة والتحمــل ممــن تتعامــل معهــم‬
‫خــارج البيــت‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫اعرتاض وإعجاب‬

‫* عــن عائشــة ريض اللــه عنهــا قالــت‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪َ « :‬مــن أدخــل عــى‬
‫أهــل بيــت مــن املســلمني رسو ًرا مل َيـ ْر َض اللــه لــه ثوا ًبــا دون الجنــة» رواه الطـراين‪ ،‬وروي عــن‬
‫ابــن عبــاس ريض اللــه عنهــا أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬إن أحــب األعــال‬
‫إىل اللــه تعــاىل بعــد الفرائــض إدخــال الــرور عــى املســلم»‪.‬‬
‫* أخــي املســلم را ِع األهــل والبيــت‪ :‬كــم يكــون جميـ ًـا منــك‪ ،‬أن ترفــع شــعار اإلســام يف إســعاد‬
‫اآلخريــن‪ ،‬وأولهــم أهــل بيتــك‪ ،‬فــريض ربــك قبــل زوجــك‪ ،‬وتضمــن الجنــة‪ ،‬نعــم يــا أخــي‪ :‬إدخــال‬
‫الــرور‪ .‬مــا أجملــه مــن تعبــر‪ ،‬قبــل أن يكــون توجي ًهــا نبويًّــا للمســلمني‪ ،‬إنــه ملجــرد تفكــرك‬
‫يف إدخــال الــرور ســيجلب لــك التوفيــق والعـ ْون ال ّربــاين‪ ،‬إنــه ســيظهر عــى ســلوكك كلــه مــن‬
‫حيــث ال تــدري‪ ،‬وإنــه ســيقنع زوجتــك دون أ ّدلــة إقنــاع برغبتــك الصادقــة يف إســعادها‪ ،‬فيلــن‬
‫لــك القلــب ويهــش لــك الوجــه وتــرف بــك النفــس‪ .‬اســتمع يــا أخــي العزيــز إىل هــذه الحكايــة‬
‫التــي حدثــت يل يف إحــدى زيــارايت ألمريــكا‪ .‬كنــت أتحــدث يف أحــد املراكــز اإلســامية عــن مبــادئ‬
‫العالقــات االجتامعيــة يف الرشيعــة اإلســامية‪ ،‬وذكــرت هــذا الحديــث النبــوي يف مبــدأ التعامــل‬
‫بــن املســلمني‪ ،‬ورضبــت بعــض األمثلــة العمليــة التــي تدخــل الــرور بــن املســلمني‪ ،‬وبعــد انتهاء‬
‫املحــارضة قابلنــي رجــل مــن أصــل عــريب يحمــل الجنســية األمريكيــة ويبــدو أنــه متأثــر بالجــو‬
‫املــادي للحيــاة هنــاك‪ ،‬فســألني وأخــرين عــن حديثــن وردا يف املحــارضة أعجبــاه جــ ًّدا‪ ،‬األول‬
‫يوافــق عليــه متا ًمــا‪ ،‬عــى حــد قولــه –ألنــه يلخــص أهــم أخــاق التعامــل يف مجتمعهــم األمريــي‪-‬‬
‫والحديــث يقــول‪« :‬مــن حســن إســام املــرء تركــه مــا ال يعنيــه» أمــا الحديــث الثــاين الــذي يعجبــه‬
‫وال يوافــق عليــه –حســب تعبــره أيضً ــا‪ -‬هــو حديــث إدخــال الــرور‪ ،‬وملخــص اعرتاضــه وإعجابه‬
‫يف نفــس الوقــت‪ :‬هــل بــن النــاس َمـ ْن ميكنــه فعــل ذلــك؟ فقلــت‪ :‬ومل ال؟‪ ،‬فقــال‪ :‬الطبــع البــري‬
‫وواقــع النــاس هــو‪ :‬إدخــال الــرور عــى النفــس وليــس عــى الغــر‪ ،‬فقلــت لــه مــا ملخصــه‪ :‬لقــد‬
‫توصلــت أنــت إىل املقصــود مــن الحديــث ألن مــن يدخــل الــرور عــى غــره ممــن يعارشهــم‬

‫‪112‬‬
‫إمنــا يســتجلب مودتهــم لــه وحبهــم واحرتامهــم لــه‪ ،‬وكــف أذاهــم عنــه كــا أن املعــارش لــك وهــو‬
‫ســعيد يدخــل عليــك الــرور وبالعكــس‪ ،‬ز ْد عــى ذلــك أنــه يفعــل مــا يُطلــب منــه رش ًعــا فــريض‬
‫ربــه‪ ،‬فيعــود عليــه مــن عطايــا وإنعــام الــرب مــا أخــر عنــه بقولــه ســبحانه‪{ :‬إِنَّــا لَ ن ُِضيـ ُع أَ ْجـ َر‬
‫َمـ ْن أَ ْح َسـ َن َع َمـ ًـا} [الكهــف‪ ،]30 :‬ولقــول النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬الـ ّر ال ي ْبــى» وانتهــى‬
‫حديثــه‪ ،‬وابتســم‪ ،‬واللــه أعلــم بالرسائــر‪.‬‬
‫***‬

‫‪113‬‬
‫مسكني وألف مسكني ‪ ..‬رجل ال امرأة له‬

‫* الفكــر يحتــاج إىل مســامرة‪ ،‬والنفــس تحتــاج إىل محادثــة ومطارحــة‪ ،‬ولــكل وقــت للنفــس حــال‬
‫ولغــة تطلبهــا وتفهمهــا‪ ،‬وخاصــة وقــت املصافــاة‪ ،‬فــإن وجــد الــزوج مــع الزوجــة تفريــح النفــس‪،‬‬
‫وراحــة البــال والقلــب‪ ،‬وســكون العواطــف الج ّياشــة‪ ،‬فذلــك مــن آيــات اللــه ونعمــه‪ ،‬فليحمــد‬
‫اللــه حتــى تربــو تلــك النعمــة‪ ،‬وليســارع يف بــذر الخــر يف قلــب الزوجــة‪ ،‬وعـ ّزز محاســنها عنــدك‪،‬‬
‫وحببهــا يف شــخصك وقربهــا مــن قلبــك‪ ،‬يصفــو لــك و ّدهــا ويســلس لــك قيادهــا‪ ،‬وتعطيــك كل‬
‫رفدهــا‪ ،‬لذلــك أيهــا الــزوج اململــوء أمـ ًـا بالســعادة يف الحيــاة‪ :‬أنصــح لــك مــن كل قلبــي نصيحــة‬
‫غاليــة مــن شــفيق أمــن‪ :‬ال تضــن عــى الزوجــة الحبيبــة مــع املــو ّدة والرحمــة‪ ،‬بعاطفــة االحـرام‬
‫والتقديــر فالقليــل منــه لــه أثــر الســحر‪.‬‬
‫* أخــي وســامعي الــزوج الفاضــل‪ :‬املــرأة مل تُخلــق مــن أجــل الرجــل‪ ،‬كــا أن الرجــل مل يخلــق‬
‫للمــرأة‪ ،‬ولكــن كل منهــا خلــق لعبــادة اللــه‪ ،‬وقــد جعــل اللــه لــكل منهــا حاجــة لآلخــر‪ ،‬لذلــك‬
‫يجــب أن تحــرم املــرأة لنفســها‪ ،‬وتقــدر بقــدر مــا تس ـ ّد بــه حاجــة الرجــل ويقــدر الرجــل يف‬
‫عالقتــه باملــرأة بقــدر مــا يس ـ ّد حاجاتهــا‪.‬‬
‫* ذكــر يف مجلــس ســيدنا معاويــة ريض اللــه عنــه النســاء فذ ّمهـ ّن قــوم‪ ،‬فقــال ريض اللــه عنــه‪ :‬ال‬
‫ـض‪ ،‬وال نــدب امليــت‪ ،‬وال ع ّمــر البيــوت مثلهــن‪ ،‬وال احتاجــت الرجــال إىل‬ ‫تفعلــوا‪ ،‬فــا علَّــل املريـ َ‬
‫مثلهــن‪ .‬وتدبّــر يــا عزيــزي الــزوج قــول النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ُ « :‬ح ّبــب إ ّيل مــن دنياكــم‪:‬‬
‫الطيــب والنســاء‪ ،‬وقــرة عينــي يف الصــاة» عــن أنــس ريض عنــه ورواه النســايئ والحاكــم بإســناد‬
‫جيــد‪ ،‬فانظــر إىل هــذا القلــب الــذي ال تخللّــه إال محبــة اللــه تعــاىل‪ ،‬إذا أحــب شــيئًا ســوى اللــه‬
‫فالطيــب والنســاء والصــاة‪ ،‬وانظــر رعــاك اللــه إىل ربطــه بــن أجمــل مــا يف الدنيــا عنــد رســول‬
‫اللــه‪ ،‬ريــح تطيــب بــه النفــس‪ ،‬وعالقتــه بزوجــه مــن النســاء‪ ،‬ووقــت يقضيــه مــع للــه يف محـراب‬
‫الصــاة‪ .‬أمل يخــر بالحــق صــى اللــه عليــه وســلم إذ يقــول‪« :‬الدنيــا متــاع وخــر متاعهــا املــرأة‬
‫الصالحــة»‪ ،‬فمســكني وألــف مســكني رجــل ال امــرأة لــه‪ ،‬أو لــه امــرأة ال يســتمتع يف دنيــاه بخريها‪،‬‬

‫‪114‬‬
‫يخــرج مــن الدنيــا ومل يحصــل عــى حســن متاعهــا‪ .‬قــال ســيدنا عمــر ريض اللــه عنــه‪ :‬املــرأة‬
‫الصالحــة ليســت مــن الدنيــا ألنهــا تفرغــك لآلخــرة‪ .‬وقــال أبــو ســليامن الــداراين‪ :‬املــرأة الصالحــة‬
‫تفرغــك لآلخــرة ومتتعــك يف الدنيــا‪.‬‬
‫***‬

‫‪115‬‬
‫احلب املتخاذل‬
‫* أخــي الــزوج العاقــل‪ :‬أعــرف بعــض النــاس يــرى أن حبــه لزوجتــه يُنقــص رجولتــه‪ ،‬ويعتمــد يف‬
‫قوامتــه التــي يتــادح بهــا مــع األق ـران أنــه ليــس ضعي ًفــا مــع زوجتــه ويتطــارح معهــا الحــب‬
‫ودواعيــه‪ ،‬ويخفــي أمــر حبــه لهــا –إن كان مح ًّبــا‪ -‬كــا يخفــي عيــوب بدنــه‪ ،‬وقــد يتــازح البعــض‬
‫ويتنــدرون مبــن يحــب زوجتــه‪ ،‬وقــد يغضــب البعــض إن نســب إليــه ذلــك‪ ،‬كــا لــو اتهــم يف‬
‫عرضــه‪ ،‬بــل إذا ُر ِ َئ مــع زوجتــه يف جلســة منفرديــن‪ ،‬أو متامشــيني يف نزهــة‪ ،‬يســارع هــو يف درء‬
‫تهمــة الحــب للزوجــة كــا لــو كان قــد ارتكــب شــيئًا غــر مــروع‪ ،‬بــل أعــرف رجـ ًـا فاضـ ًـا ال‬
‫يســر يف الطريــق بجانــب زوجتــه ويتقدمهــا كأن مجــرد الســر مــع الزوجــة عيــب اجتامعــي‬
‫ينكــر‪.‬‬
‫* أخــي الــزوج‪ ،‬ال أحســبك أحــد هــؤالء‪ ،‬ألنــك بالــرورة قــد علمــت أن ســيد الخلــق أجمعــن‬
‫كان يحــب زوجاتــه‪ ،‬وأ َّن حبــه للصديقــة عائشــة أشــهر مــن أن يخفــى عــى مســلم‪ ،‬فأعظــم‬
‫قصــة حــب عظيــم بــن املســلمني كانــت قصــة حــب النبــي صــى اللــه عليــه وســلم لعائشــة ريض‬
‫اللــه عنهــا‪ ،‬وكان النبــي صــى اللــه عليــه وســلم يــرح بهــذا الحــب لــكل النــاس‪ ،‬وكان أصحابــه‬
‫يتحــرون يــوم عائشــة ليهــدوا لــه هداياهــم‪ ،‬وســأل ســيدنا عمــرو بــن العــاص النبــي صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم قــال‪ :‬قلــت يــا رســول اللــه مــن أحــب النــاس إليــك؟ قــال‪ :‬عائشــة‪ ،‬قــل‪ :‬ثــم مــن‪،‬‬
‫قــال‪ :‬أبوهــا» الحديــث يف الصحيــح‪ .‬فتدبّــر معــي يرحمــك اللــه كيــف يــرح النبــي صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم بهــذا الحــب لزوجتــه‪ ،‬وأنهــا أحــب الخلــق إليــه وقبــل أبيهــا أيب بكــر الصديــق‪،‬‬
‫صفيِّــه وخليلــه مــن الرجــال‪ ،‬كــا رصح صــى اللــه عليــه وســلم باســمها‪ ،‬فيــا للمســلمني امللتزمــن‬
‫نقصــا وعي ًبــا يجــب أال يذكــر‪ ،‬وأن‬
‫بســنة رســولهم!! ملــاذا تعتــرون مجــرد ذكــر اســم الزوجــة ً‬
‫الحــب للزوجــة مــا يخجــل منــه‪ ،‬وكيــف آمنــا بكتــاب اللــه وقــد امــن علينــا بــأن جعــل بيننــا‬
‫وبــن زوجاتنــا مــو ّدة ورحمــة؟ بــل ذلــك مــن آياتــه ملــن لــه عقــل يتفكــر بــه‪.‬‬
‫فأنــا أدعــوك يــا أخــي الــزوج أن تعلــن‪ ،‬بــل تفْخــر أن جعــل اللــه لــك قلبًــا محبًّــا لزوجتــك وأن‬
‫لــك يف رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم أســوة‪ ،‬بــل احــرص أن تكــون زوجتــك أحــب النــاس‬
‫إليــك وبــا خجــل‪.‬‬
‫***‬
‫‪116‬‬
‫سجود احلب ال سجود الرعب‬
‫* يحلــو لبعــض األزواج أن يذكــر لزوجتــه مبناســبة وبغــر مناســبة‪ :‬أن اللــه أوجــب عليهــا طاعتــه‪،‬‬
‫وأن يلزمهــا أن تنفــذ أمــر ربهــا معــه فتطيعــه يف كل أمــر وال تغضبــه‪ ،‬وقــد يكــون هــذا الــزوج‬
‫مــع زوجتــه مــن أكــر النــاس تضيي ًعــا ألوامــر اللــه‪ ،‬عــاوة عــى أنــه ال يكــون مطي ًعــا للــه أصـ ًـا‬
‫أو يف كثــر مــن أمــره‪ ،‬وأخــى أن تصــدق فيــه آيــة اللــه‪ ،‬أو يدخــل يف وصفهــا بنحــو مــن األنحــاء‪،‬‬
‫وهــي قولــه تعــاىل‪َ { :‬وإِ ْن يَ ُكـ ْن لَ ُهـ ُم الْ َحـ ُّـق يَأْتُــوا إِلَيْـ ِه ُم ْذ ِع ِنـ َن (‪ )49‬أَ ِف قُلُو ِب ِهـ ْم َمـ َر ٌض أَ ِم ا ْرت َابُــوا‬
‫أَ ْم يَ َخافُــو َن أَ ْن يَ ِحيـ َـف اللَّـ ُه َعلَ ْي ِهـ ْم َو َر ُســولُ ُه بَـ ْـل أُولَ ِئـ َـك ُهـ َم الظَّالِ ُمــو َن} [النــور‪.]50-49 :‬‬
‫* نعــم أيهــا الــزوج بدايـ ًة أطمئنــك عــى حقــك‪ ،‬فــا أعطــاه اللــه ال ينزعــه أحــد‪ ،‬فقــد قــال رســول‬
‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يف أحاديــث عـ ّدة صحيحــة ذلــك رصاحــة‪ ،‬وهــاك بعضهــا‪ :‬عــن أيب‬
‫ـت آمـ ًرا أحــدً ا أن يســجد‬ ‫هريــرة ريض اللــه عنــه عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬لــو كنـ ُ‬
‫ألحــد ألمــرت املــرأة أن تســجد لزوجهــا» رواه الرتمــذي وقــال حديــث حســن صحيــح‪ ،‬وعــن ابــن‬
‫أيب أ ْوىف ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬ملــا قــدم معــاذ بــن جبــل مــن الشــام ســجد للنبــي صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم فقــال رســول صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬مــا هــذا؟‪ ،‬قــال‪ :‬يــا رســول اللــه قدمــت الشــام‬
‫فوجدتهــم يســجدون لبطارقتهــم وأســاقفتهم فــأردت أن أفعــل ذلــك بــك‪ .‬قــال‪« :‬فــا تفعــل‪،‬‬
‫فــإين لــو أمــرت شــي ًئا أن يســجد لــيء‪ ،‬ألمــرت املــرأة أن تســجد لزوجهــا‪ ،‬والــذي نفــي بيــده‬
‫ال تــؤدي املــرأة حــق ربهــا حتــى تــؤدي حــق زوجهــا» رواه ابــن ماجــة وابــن حبــان يف صحيحــه‬
‫واللفــظ لــه‪ ،‬ولفــظ ابــن ماجــة‪ ،‬فقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬فــا تفعلــوا فــإين لــو‬
‫كنــت آمـ ًرا أحــدً ا أن يســجد لغــر اللــه ألمــرت املــرأة أن تســجد لزوجهــا‪ ،‬والــذي نفــس محمــد‬
‫بيــده‪ ،‬ال تــؤدي املــرأة حــق ربهــا حتــى تــؤدي حــق زوجهــا‪ ،‬ولــو ســألها نفســها وهــي عــى قتــب‬
‫مل متنعــه»‪ ،‬وروى الحاكــم املرفــوع عنــه مــن حديــث معــاذ ولفظــه قــال‪« :‬لــو أمــرت أحــدً ا أن‬
‫يســجد ألحــد ألمــرت املــرأة أن تســجد لزوجهــا مــن عظــم حقــه عليهــا وال تجــد امــرأة حــاوة‬
‫اإلميــان حتــى تــؤدي حــق زوجهــا‪ ،‬ولــو ســألها نفســها وهــي عــى ظهــر قتــب» أي وهــي فــوق‬
‫ظهــر الجمــل أثنــاء الســفر‪ ،‬وجــاء يف قصــة الجمــل الــذي ســجد بــن يــدي رســول اللــه صــى اللــه‬

‫‪117‬‬
‫عليــه وســلم حــن أقبــل عليــه‪ ،‬فأخــذ بناصيتــه وأدخلــه العمــل بعــد أنــكان قــد اســتصعب عــى‬
‫أصحابــه‪ ،‬فقــال أصحابــه‪ :‬يــا رســول اللــه هــذا بهيمــة ال يعقــل يســجد لــك ونحــن نعقــل فنحــن‬
‫أحــق أن نســجد لــك‪ ،‬قــال‪« :‬ال يصلــح لبــر أن يســجد لبــر‪ ،‬ولــو صلــح لبــر أن يســجد لبــر‪،‬‬
‫ألمــرت املــرأة أن تســجد لزوجهــا لعظــم حقــه عليهــا‪ ،‬لــو كان مــن قدمــه إىل مفــرق رأســه‬
‫الصديــد ثــم اســتقبلته فلحســته مــا أدت حقــه» رواه أحمــد بإســناد جيــد‬ ‫قرحــة تنبجــس بالق ْيــح ّ‬
‫را وابــن حبــان يف صحيحــه‪ ،‬ومل يذكــر قولــه‪« :‬لــو كان إىل آخــره»‪.‬‬ ‫والبـزار بنحــوه‪ ،‬والنســايئ مختـ ً‬
‫وعــن ابــن عبــاس ريض اللــه عنهــا أن امــرأة مــن خثعــم أتــت رســول اللــه صــى اللــه عليه وســلم‬
‫فقالــت يــا رســول اللــه‪ :‬أخــرين مــا حــق الــزوج عــى الزوجــة فــإين امــرأة أيّــم فــإن اســتطعت وإال‬
‫أيــا‪ .‬قــال‪« :‬فــإن حــق الــزوج عــى زوجتــه إن ســألها نفســها وهــي عــى ظهــر قتــب‬ ‫جلســت ّ ً‬
‫أن ال متنعــه نفســها‪ ،‬ويف حــق الــزوج عــى الزوجــة أن ال تصــوم تطو ًعــا إال بإذنــه فــإن فعلــت‬
‫جاعــت وعطشــت‪ ،‬وال يقبــل اللــه منهــا‪ ،‬وال تخــرج مــن بيتهــا إال بإذنــه فــإن فعلــت لعنتهــا‬
‫مالئكــة الســاء ومالئكــة الرحمــة ومالئكــة العــذاب حتــى ترجــع‪ ،‬قالــت ال جــرم ال أتــزوج أبــدً ا»‬
‫رواه الطـراين ومل يعلــق عليــه املنــذري يف الرتغيــب‪.‬‬
‫* أخــي الــزوج الحريــص‪ :‬ه ّيــا م ًعــا نتوصــل إىل املقصــود مــن هــذه األحاديــث وأمثالهــا‪ ،‬لي ـزال‬
‫بعــض اللبــس عنــد هــؤالء البعــض‪ ،‬أولً األحاديــث تذكــر (حــق) والحــق للــزوج عــى زوجتــه مــا‬
‫يقتضيــه العقــد الصحيــح النافــذ الــذي ترتتــب عليــه آثــاره‪ ،‬وأول هــذه الحقــوق هــو حــل العــرة‬
‫الزوجيــة واســتمتاع كل مــن الزوجــن باآلخــر‪ ،‬وال يحصــل إال مبشــاركتهام م ًعــا‪ ،‬ألنــه ال ميكــن أن‬
‫ـب‬ ‫ينفــرد بــه أحدهــا‪ .‬وقــد جعــل اللــه املــرأة مرغوبــة ومشــتهاة‪ ،‬قــال تعــاىل‪ُ { :‬زيِّـ َن لِل َّنـ ِ‬
‫ـاس ُحـ ُّ‬
‫ات ِم ـ َن ال ِّن َســا ِء} [آل عم ـران‪ ،]14 :‬ومل يقــل ســبحانه مــا يقابلهــا‪ ،‬لذلــك يطلــب الــزوج‬ ‫الشَّ ـ َه َو ِ‬
‫زوجتــه لهــذا األمــر ترصي ًحــا أو تلمي ًحــا‪ ،‬فيجــب عــى الزوجــة طاعتــه يف ذلــك تحــت كل الظــروف‬
‫وحتــى لــو كانــت يف ســفر وهــي راكبــة فــوق القتــب‪ ،‬أو كانــت أمــام الت ّنــور –أي الفــرن‪ -‬كــا‬
‫جــاء يف بعــض األحاديــث‪ ،‬هــذا هــو الحــق الطبيعــي للــزوج وهــذا هــو الواجــب املقابــل لــه مــن‬
‫الزوجــة‪ ،‬ولذلــك أيضً ــا يحــرم عليهــا أن متنعــه هــذا الحــق بحجــة الصيــام تط ّو ًعــا للــه‪ ،‬أو أن ال‬
‫تحتبــس يف بيتهــا لهــذا الغــرض فتصــوم أو تخــرج بغــر إذن الــزوج فتف ـ ّوت عليــه الحــق‪ ،‬وقــد‬

‫‪118‬‬
‫قــال النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ُّ « :‬يل الواجــد ظلــم» أي مــن كان عليــه ديــن وحــق لآلخــر‬
‫وميلكــه فــا يتعلــل بالتأخــر يف أداء الحــق ألن ذلــك ظلــم ومتاطــل يف أداء الحــق‪.‬‬
‫* أخــي وصديقــي الــزوج املحــرم‪ :‬هــب أن لــك الطاعــة عــى زوجتــك يف كل حــال‪ ،‬وأن لــك عليهــا‬
‫التقديــر والتبجيــل لدرجــة لــو كان البــر يســجد أحدهــم لآلخــر لــكان عــى الزوجــة الســجود‬
‫لــك‪ ،‬إن القاعــدة الفطريــة أن املحــب مطيــع‪ ،‬وأن اإلنســان عبــد اإلحســان‪ ،‬كــا أن اللــه العزيــز‬
‫ســبحانه وتعــاىل خلقنــا وأنعــم علينــا كل النعــم وهــو غنــي ع ّنــا وعــن طاعتنــا لــه‪ ،‬اســتوجب‬
‫الطاعــة والســجود لــه ومــن عصــاه ومل يطعــه قبــل عــذره وتوبتــه‪ ،‬ومــد لــه مــن العمــر ومــن‬
‫النعــم ومل مينعــه فضلــه‪ ،‬ومهــا كفــر بــه وعصــاه رحمــه وقبــل توبتــه‪ ،‬تحبــب إلينــا بســائر النعــم‬
‫وأعـ ّد لنــا دا ًرا بجــواره فيهــا نعيــم األبــد‪ ،‬ودعانــا إليهــا‪ ،‬وهــو قاهــر عزيــز قــادر لــو شــاء لقهرنــا‬
‫عــى طاعتــه‪ ،‬ولكنــه ســبحانه تحبــب إلينــا وأرشــدنا وعذرنــا‪ ،‬فهــل يــا أخــي الحبيــب الــذي‬
‫ـت إليهــا؟ هــل عذرتهــا وقبلــت عذرهــا‪،‬‬ ‫يطلــب مــن زوجتــه الطاعــة لدرجــة الســجود‪ ،‬هــل تحببْـ َ‬
‫هــل مــن خلقــك معهــا اإلنعــام والتكريــم‪ ،‬أخــي الكريــم‪ :‬املحبــة قــرب وتقديــم القربــات‪« :‬وال‬
‫أول تحبــك‪ ،‬أح َّبنــي وأحبــك اللــه‪.‬‬
‫ي ـزال عبــدي يتقــرب إ ّيل بالنوافــل حتــى أحبــه» اجعلهــا ً‬
‫* عزيــزي الــزوج‪ :‬الرســول القــدوة صــى اللــه عليــه وســلم كانــت زوجتــه أحــب الخلــق إليــه‪،‬‬
‫فكيــف ال تطيعــه زوجتــه يف ظــل هــذا الحــب الغامــر؟ إن أردت مــن زوجتــك الطاعــة ألمــر‬
‫ـأس أنــت بــه‪ ،‬مل تأخــذ مــا لــك وال تــؤدي‬ ‫الرســول صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فأطــع الرســول وتـ َّ‬
‫مــا عليــك‪ ،‬كــن عــادلً فالعــدل أســاس نظــام الحيــاة كلهــا واللــه يأمــر بــه‪ ،‬وهــل مــر بــك فيــا‬
‫علمــت أو قــرأت أو ســمعت أن إنســانًا يحــب مــن يتبغــض إليــه‪ ،‬وهــل جــزاء اإلحســان إال‬
‫اإلحســان؟ مفتــاح طاعــة الزوجــة لــك أنــت متلكــه وهــو بيــدك‪ ،‬فافتــح قلبهــا لــك ينفتــح‪ ،‬ولــكل‬
‫يشء مفتــاح وســتجد كنــوز العواطــف وأطايــب مثــار مــا زرعــت أنــت‪ .‬أنصــح لــك بصــدق ال‬
‫تضيــع الوقــت وابــدأ ولــو بكلمــة‪.‬‬
‫* يف أحــد الــدروس بأحــد مســاجد اإلســكندرية أخربتنــي إحــدى الحــارضات ُمســتفتي ًة‪ ،‬قالــت‪:‬‬
‫زوجــي أعيــش معــه منــذ كــذا وكــذا ويل منــه أوالد ويحبنــي وأحبــه‪ ،‬وأثنــت كثـ ًرا عليــه جزاهــا‬
‫اللــه خ ـ ًرا‪ ،‬قالــت‪ :‬ولكنــه منــذ م ـ ّدة بــدأ يقــول لهــا بســبب ولــو بســيط ومعتــاد (‪ ..‬هيــه ‪..‬‬

‫‪119‬‬
‫أغضــب عليــك وتبــات املالئكــة تلعنــك‪ ،‬أو يقــول‪ :‬أنــت عارفــة زعــي يعمــل فيــي إيــه‪ ،‬وغريهــا‬
‫مــن التهديــدات) وســألتني‪ :‬صحيــح لــو منفذتلــوش كل طلبــه تلعنــي املالئكــة؟‪ ،‬وأحيانًــا بيبقــى‬
‫غصــب عنــي!! وطأمنــت هــذه الســيدة الفاضلــة ونصحــت لهــا بعــض النصائــح وال أدري مــا فعــل‬
‫اللــه بهــا‪.‬‬
‫إن بعــض األزواج قــد يظــن أن الــرع قــد أعطــاه مفاتيــح الجنــة والنــار‪ ،‬لــه أن يدخــل زوجتــه‬
‫مــا شــاء منهــا‪ ،‬نعــم قــال النبــي صــى اللــه عليــه وســلم إلحــدى الزوجــات عــن زوجهــا‪« :‬هــو‬
‫ـك ونــارك» ينصحهــا أن تحســن يف أداء حقــوق الــزوج عبــادة لينفعهــا ذلــك يف دخولهــا الجنــة‬ ‫جنتـ ِ‬
‫وأال تقــر يف ذلــك فيرضهــا عنــد املطالبــة بحقــوق العبــاد يــوم املعــاد فتقــر حســناتها ويخــف‬
‫ميزانهــا فتدخــل النــار‪.‬‬
‫وهــذا مــع كل النــاس‪ ،‬ويجــب التنبيــه عليــه مــع الــزوج خاصــة ملــا ســبق مــن األســباب قري ًبــا‪،‬‬
‫وقلــت يف نفــي إن ذلــك مــن عجــز هــذا الــزوج أن يتوصــل إىل حقوقــه بهــذا األســلوب التهديــدي‬
‫الــذي أخــى معــه أن يوصــل الزوجــة لبغــض هــدي النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪.‬‬
‫رس يل بــه أحــد األصدقــاء الظرفــاء‪ ،‬حيــث أخــرين‬ ‫وتذكــرت املقابــل اللطيــف املعنــى جـ ًّدا الــذي أ ّ‬
‫أن زوجتــه تتغافــل وتتنــاوم بــذكاء األنثــى كثـ ًرا فــا متكنــه مــن قضــاء وطــره معهــا‪ ،‬وأن ذلــك أكرث‬
‫مــا يغيظــه منهــا‪ ،‬ثــم إذا تذكــر أن غضبــه ســيجلب ألم ولــده ومــن تبيــت معــه اللعنــة‪ ،‬فيســارع‬
‫ويســامحها خوفًــا عليهــا‪ .‬فقلــت؟ ســبحان اللــه!! للــه يف خلقــه شــؤون‪.‬‬
‫***‬

‫‪120‬‬
‫رمحة القسوة!!‬

‫* تعيــش املــرأة يف رحابــة حنــان والديهــا وأرستهــا حتــى الــزواج‪ ،‬وبعاطفــة صادقــة تــدرك أنهــا‬
‫تنتمــي عضويًّــا واجتامع ًّيــا وعاطف ًّيــا لبيــت أهلهــا ولكــن يصحــب ذلــك منــذ ســن التمييــز‪ ،‬شــعور‬
‫بالشــوق مــع القلــق املنــر لألمــل‪ ،‬بأنهــا ســتنتقل إىل بيــت آخــر وحيــاة أخــرى‪ ،‬اســمها الحيــاة‬
‫الزوجيــة‪.‬‬
‫* أيهــا الــزوج الشــفوق‪ :‬أنــت لهــا الحيــاة األخــرى‪ ،‬فكــن لهــا الجنــة املأمولــة‪ ،‬واصحبهــا يف رغــد‬
‫جنتــك حتــى تصــل معهــا إىل موعــود اللــه الــودود يف جنــة الخلــود‪.‬‬
‫* أخــي الــزوج‪ :‬لقــد تركــت أنــت أيضً ــا صحبــة والديــك وأهلــك‪ ،‬وســيرتكك أوالدك ويســتقلون‬
‫بحياتهــم وال يبقــى معــك صاحــب مــازم ال يفارقــك ســوى الزوجــة‪ ،‬فــإن ســبقك بهــا املــوت –‬
‫ـك عليــك‬‫بعــد عمــر مديــد ســعيد‪ -‬انتظرتــك يف اآلخــرة لصحبــة األبــد‪ ،‬وإن ســبقت أنــت مل يبـ ِ‬
‫مثلُهــا‪ .‬جــاء يف ســرة خــر النــاس يف أصحــاب النبــي صــى اللــه عليــه وســلم أن أهــل املدينــة‬
‫خرجــوا يســتقبلون ويتسـ ّمعون أخبــار غــزوة أحــد‪ ،‬فقالــوا إلحــدى النســاء‪ :‬احتســبي ‪ ...‬وكل ذلــك‬
‫ـت‪ ،‬فقــال رســول‬ ‫تســرجع رىض اللــه عنهــا حتــى قالــوا لهــا يف الرابعــة احتســبي زوجــك‪ ،‬فَ َولْ َولَـ ْ‬
‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم عنــد ذلــك‪« :‬إن زوج املــرأة منهــا لبمــكان»‪.‬‬
‫* أيهــا الفاضــل‪ :‬إنهــا تســتظل بظــل حاميتــك ورعايتــك‪ ،‬وتعتمــد يف معظــم شــؤونها عليــك‪،‬‬
‫وتشــعر دامئًــا بحاجتهــا ملســاندتك وتســتكني لــك اســتكانة الفــرخ بــن جنــاح الرحمــة مــن أمــه‪،‬‬
‫ومــع ذلــك فهــي التــي تح ـ ّول أوقاتــك م ـرات‪ ،‬وتب ـ ّدل همومــك وتســليك‪ ،‬وأنــت لــو كنــت‬
‫ســاذج الســلوك معهــا ســتجد نفســك عنــد اســراحة النفــس معهــا نامئًــا يف حجرهــا وواض ًعــا‬
‫رأســك عــى فخذهــا كــا كنــت تفعــل مــع أمــك الحنــون‪ ،‬وبرغــم اســتكانتها لــك واســتضعافها‬
‫معــك‪ ،‬وانفرادهــا بحاميتــك لهــا مــن اآلخريــن وحبهــا ملظاهــر القــوة والرجولــة فيــك تريــد أن‬
‫تأمــن ق ّوتــك عليهــا‪ ،‬وأال يلحقهــا منــك قســوة القــوة إن مل ترحمهــا‪ ،‬إنهــا تحمــل فطــرة الطفلــة‬

‫‪121‬‬
‫وال تـزال ترغــب يف صحبــة مــن يحميهــا‪ ،‬وتحــب فيــك بـراءة‪ ،‬العيــون الحلــوة والقــوة التــي تهـ ّد‬
‫الجبــال‪.‬‬
‫* انظــر رعــاك اللــه كيــف فهــم العلــاء عــن اللــه يف قولــه تعــاىل‪َ { :‬ولِل ِّر َجــا ِل َعلَ ْي ِهـ َّن َد َر َجـ ٌة َواللَّـ ُه‬
‫َعزِيـ ٌز َح ِكيـ ٌم}‪ ،‬قــال اإلمــام القرطبــي‪ :‬أي منزلــة‪ ،‬وم ْدرجــة الطريــق‪ :‬قارعتــه‪ ،‬واألصــل فيــه الطّــي‪،‬‬
‫يقــال‪َ :‬د َرجــوا‪ ،‬أي طَـ َو ْوا عمرهــم‪ ،‬ومنهــا الدرجــة التــي يُرتقــى عليهــا‪ .‬ويقــال‪ :‬رجــل بـ ّـن ال ّرجلــة‬
‫أي القــوة‪ ،‬وهــو أرجــل الرجلــن أي أقواهــا‪ ،‬وفــرس رجيــل‪ ،‬أي قــوي‪ ،‬ومنــه ال ّر ْجــل لقوتهــا عــى‬
‫املــي‪ ،‬فزيــادة درجــة الرجــل بقوتــه وعقلــه وقدرتــه عــى اإلنفــاق والجهــاد‪.‬‬
‫ـض الرجــال عــى حســن العــرة‪،‬‬ ‫قــال القرطبــي أيضً ــا‪ :‬قــال ابــن عبــاس‪ :‬الدرجــة إشــارة إىل حـ ّ‬
‫والتوســع للنســاء يف املــال والخلُــق‪ ،‬أي إن األفضــل ينبغــي أن يتحامــل عــى نفســه‪ ،‬قــال ابــن‬
‫عطيــة املفــر‪ :‬وهــذا قــول حســن بــارع‪ .‬انتهــى كالم القرطبــي رحمــه اللــه‪ ،‬وقــد قــال الشــاعر‪:‬‬
‫أهني لهم نفيس ليك يكرموها *** ولن تكرم النفس التي ال ت ُها ُن‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫ال ينقص الكامل من كامله *** ما ج ّر من نفعٍ إىل عياله‬
‫ـي‪ ،‬فــإذا التمســوا‬ ‫وقــال ســيدنا عمــر ريض اللــه عنــه‪ :‬ينبغــي للرجــل أن يكــون يف أهلــه مثــل الصبـ ّ‬
‫مــا عنــده ُو ِجـ َد رجـ ًـا‪.‬‬
‫***‬

‫‪122‬‬
‫زي القرع ميد بره‬

‫* أُخــرت أو قــرأت أن لــكل متحــرك مــع آخــر مــن املعــادن يلــزم لهــا ملـ ّـن وملطّــف يكــون‬
‫بينهــا حتــى ال يتــآكال أو ينكـرا مــن أثــر الحـرارة التــي تتولّــد مــن االحتــكاك بينهــا‪ ،‬وهــو مــا‬
‫يطلــق عليــه أهــل الصنعــة (التشــحيم والتزييــت) فخطــر ببــايل أن هــذا األمــر لعلّــه س ـ ّنة مــن‬
‫قوانــن الوجــود كلــه مــع البــر ولكــن بصــور مناســبة‪.‬‬
‫ولعــل ذلــك يالحــظ يف تعديــد أســاليب النصائــح الرشعيــة عــن الرتاحــم والــر والصلــة وحســن‬
‫الخلــق‪ ،‬لتخفيــف قيــظ حـرارة التعامــل بــن النــاس‪ ،‬وتذكــرت بحكــم تداعــي األفــكار أن أحــوج‬
‫مــا يكــون ملراعــاة هــذه الســنة االجتامعيــة عندمــا يكــون التعامــل واالحتــكاك كث ـ ًرا ودامئًــا‪،‬‬
‫مثــل املتزاملــن يف العمــل أو الســفر أو الدراســة والبيــت وأهمهــا وأكرثهــا حاجــة‪ ،‬هــو التعامــل‬
‫واالحتــكاك يف املعــارشة الزوجيــة‪.‬‬
‫* أخــي الــزوج املعــارش املــازم للزوجــة الحبيبــة‪ :‬لعلــك أدركــت مــا أرمــي إليــه‪ ،‬زوجتــك صاحــب‬
‫مــازم ويلــزم صحبتهــا إىل أن يقــي اللــه أمــره‪ ،‬وهــذا يحتــاج بالــرورة منــك أن تتعاهــد العالقــة‬
‫بينكــا بامللطّفــات التســهيلية حتــى ال تتــآكل العالقــة أو تنقطــع بحكــم االحتكاك الدائم‪ ،‬وســوف‬
‫أطلعــك إن شــاء اللــه يف فصــول مقبلــة عــى ثــروات مــن هــذه امللطفــات‪ ،‬ولكــن املقصــود اآلن‬
‫أن تعــرف أهميتهــا والحاجــة إليهــا‪.‬‬
‫* أيهــا الفاضــل‪ :‬أنــت بغــر نصيحــة مــن أحــد تتعامــل بلــن ورفــق ومجاملــة ومســامحة ومفاكهــة‬
‫مــع كل النــاس ‪ ...‬خــارج بيتــك حتــى ولــو كنــت مضط ـ ًّرا لهــذا الســلوك‪ ،‬مــن أجــل أن تسـ ّـر‬
‫أمــورك معهــم‪ ،‬وبالطبــع هــذا يحتــاج منــك إىل طاقــة نفســية كبــرة وإىل صــر يــكاد ينفــد منــك‬
‫يف غالــب األحــوال‪ ،‬وهــذا مــا يجعلــك يــا مســكني تحتــاج مبجــرد وصولــك إىل البيــت إىل راحــة‬
‫نفســية‪ ،‬وإىل تعبئــة روحيــة وعاطفيــة حتــى تســرجع مــا فُقــد منــك خــارج البيــت!!‬
‫* أخــي الــزوج‪ :‬اصدقنــي الحديــث مــا ذنــب الزوجــة التــي يطــول انتظارهــا لــك يف شــوق وأنــت‬

‫‪123‬‬
‫خــارج البيــت‪ ،‬إنهــا هيــأت لــك النفــس قبــل البيــت وأعـ ّدت لــك يف صــر وتعــب كل مــا يريحــك‬
‫ومــا ترغــب فيــه‪ ،‬وإن كان لــك أوالد فهــي يف رعايتهــم وخدمتهــم وتتحمــل كل مــا يصــدر منهــم‬
‫حتــى بلــغ منهــا التعــب البــدين والنفــي مــا تحتــاج منــك إىل ‪ ...‬بســمة وكلمــة وملســة حنــان‪،‬‬
‫فيهــدأ منهــا الوجــدان‪ ،‬وملــاذا أيهــا الــزوج العــادل ال تعطــي لزوجتــك مــا كنــت تحرص عــى بذله‬
‫ملــن تتعامــل معهــم خــارج البيــت؟ مــن أحــق بذلــك؟ ومــن أكــر معــارشة وأحــوج لذلــك؟ أمــر‬
‫عجيــب لبعــض األزواج أن يصــروا ويســامحوا حتــى ملــن أســاء إليهــم خــارج البيــت‪ ،‬وال يتحملــون‬
‫شــيئًا ملــن أحســنت إليهــم مــن زوجاتهــم ويجاملــون ويتالطفــون مــع زمالئهــم‪ ،‬وجلســاتهم خــارج‬
‫البيــت ويتج ّهمــون ويعبثــون ويكــرون ويبخلــون‪ ،‬حتــى بالكلمــة الحلــوة للحبيبــة الحنونــة‬
‫املتفانيــة يف خدمتهــم يف بيوتهــم‪.‬‬
‫وما أصدق املثل العامي عىل وصفهم‪( :‬زي القرع مي ّد ب ّره)‪.‬‬
‫***‬

‫‪124‬‬
‫ف‬
‫ال�صل الرا ب�ع‬ ‫‪4‬‬
‫ب ْذل املجهود يف تأنيس املحبوب‬
‫* نفحات الرتقيق لل ُمجالس والرفيق‪:‬‬
‫* احــرص أن يكــون وجودكــم يف املنــزل مرغو ًبــا فيــه وبــا ثقــل‪ ،‬وأال‬
‫يفتقدونــك لطــول غيابــك عنهــم فتدركهــم الوحشــة وامللــل‪.‬‬
‫* شــارك يف البيــت بقليــل العمــل‪ ،‬إكرا ًمــا وعرفانًــا لعظيــم خدمــة‬
‫الزوجــة لــك‪ ،‬تســتزيد منهــا العمــل‪ ،‬بــا تــرم وال كلــل‪ ،‬ويصــح منهــا‬
‫الجســم والنفــس بــا شــكوى وال علــل‪.‬‬
‫* النفــوس والقلــوب مــا بــن قبــض وبســط وإدبــار وإقبــال‪ ،‬واألحــوال‬
‫مواهــب الــرب‪ ،‬ودوام الحــال مــن املحــال‪ ،‬وللزوجــة مثــل مــا لــك‬
‫مــن قلــب ونفــس ووجــدان‪ ،‬فــار َع حالهــا مــع حالــك يتفــق لــك منهــا‬
‫كل حــال‪.‬‬
‫* احــذر فإنهــن ال يحبــن‪ :‬العبــوس والتكشــر‪ ،‬والعتــب والتوبيــخ‪،‬‬
‫والبخــل‪ ،‬باملــال والــكالم‪ ،‬واالرتيــاب والتجســس‪ ،‬واإلهــال لهــن‬
‫والتنقيــص‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫أبو زرع فما أبو زرع؟‬

‫* عــن عائشــة ريض اللــه عنهــا قالــت‪ :‬جلــس إحــدى عــرة امــرأة مــن اليمــن فتعاهــدن وتعاقــدن‬
‫أال يكتمــن مــن أخبــار أزواجهــن شــيئًا‪ ،‬فــروت الحديــث وفيــه‪ :‬قالــت الحاديــة عرشة‪:‬‬
‫شــحم عضُ ــ َد َّي‪ ،‬وبجحنــي‬
‫ٍ‬ ‫ــي أُ ُذ َّين‪ ،‬ومــأ مــن‬
‫َــاس ِمــ ْن ُح ِ ٍّ‬ ‫زوجــي أبــو زرع‪ ،‬فــا أبــو زرع؟ أن َ‬
‫بشـ ّـق فجعلنــي يف أهــل صهيــل وأطيــط ودائــس‬ ‫فبجحــت إ َّيل نفــي‪ ،‬وجــدين يف أهــل ُغ َنيْ َم ـ ٍة ِ‬
‫و ُم َنــقٍ ‪ ،‬فعنــده أقــول فــا أُقَ ّبــح‪ ،‬وأرقــد فأتص َّبــح‪ ،‬وأرشب فأت َق ّمــح‪.‬‬
‫أ ُّم أيب زرع فــا أم أيب زرع؟ ُعكومهــا َرداح‪ ،‬وبيتهــا فســاح‪ .‬ابــن أيب زرع فــا ابــن أيب زرع؟ مضج ُعـ ُه‬
‫ك ِم َسـ ِّـل شَ ـطْبة‪ ،‬ويشــبعه ذراع الجفرة‪.‬‬
‫بنت أيب زرع فام بنت أيب زرع؟ طوع أبيها وط ْوع أمها‪ ،‬وملء كسائها وغيظ جارتها‪.‬‬
‫جاريــة أيب زرع فــا جاريــة أيب زرع؟ ال تبــثُّ حديثًــا تبثيثًــا‪ ،‬وال تُن ّقــث مريتنــا تنقيثًــا‪ ،‬وال متــأ بيتنــا‬
‫ـت‬ ‫تقشيشً ــا‪ ...‬الحديــث‪ ،‬ويف آخــره قالــت عائشــة‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬كنـ ُ‬
‫لــك كأيب زرع ألم زرع» رواه البخــاري‪ ،‬ومســلم‪ ،‬وغريهــا‪.‬‬
‫ومعنــى بعــض كلــات الحديــث‪ :‬قولهــا أبــو زرع فــا أبــو زرع‪ :‬أي شــأنه العظيــم‪ ،‬ومعنــى‬
‫ي أذ َّين» أي حـ ّرك وأثقــل أذنيهــا مــن أقـراط الذهــب واللؤلــؤ‪« ،‬بج ّحنــي فبجحــت‬ ‫«أنــاس مــن حـ ّ‬
‫إ ّيل نفــي» أي قــدرين وعظمنــي فعظمــت نفــي‪« ،‬وجــدين يف أهــل غنيمــة بشـ ّـق» أي أهــل‬
‫رعــاة غنــم مجهوديــن‪« ،‬صهيــل وأطيــط ودائــس ومنـ ّـق» أي أهــل خيــل وإبــل وطعــام منتقــى‬
‫ومنخــول‪« ،‬أقــول فــا أقبــح» أي أُدلّــل فــا يُــرد لهــا قــول وال يقبــح عليهــا يشء تأتيــه‪« ،‬وأرقــد‬
‫فأتصبــح»‪ :‬أي تنــام يف الصبــح فــا توقــظ‪« ،‬وأرشب فأتقمــح»‪ :‬أي أرشب اللــن وجميــع األرشبــة‬
‫حتــى أرتــوي عــى َمهــل‪« ،‬عكومهــا رداح» حقيبــة متاعهــا كبــرة دليــل الغنــى‪« ،‬وبيتهــا فســاح»‪:‬‬
‫أي واســع‪« ،‬مضج ُعــه كمســل شــطبة»‪ :‬أي ينــام فــا يأخــذ مكانًــا ســوى قــدر غمــد الســيف‪.‬‬
‫«والجفــرة» أُنثــى املعــز ألربعــة أشــهر فهــو خفيــف الوطــأة ظريــف لطيــف‪« .‬ال تبــث حدي ًثــا»‪:‬‬

‫‪126‬‬
‫أي تحفــظ الــر‪« ،‬وال تنقــث»‪ :‬أي تحافــظ عــى الـزاد‪« ،‬تقشيشً ــا»‪ :‬أي مهتمــة بالبيــت وتنظيفــه‬
‫وترتيبــه‪.‬‬
‫* أخــي الــزوج الكريــم‪ :‬مــا أحســن مالطفــة النبــي صــى اللــه عليــه وســلم لزوجتــه عائشــة ريض‬
‫اللــه عنهــا وهــو يقـ ّرر أمامهــا إكرامــه لهــا وحســن معارشتــه معهــا بتواضــع‪« :‬كنــت لــك كأيب زرع‬
‫ألم زرع»‪ .‬ومــا أجمــل أن تكــون أنــت لزوجتــك كأيب زرع ألم زرع‪ ،‬بــل كــا كان النبــي صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم لزوجتــه‪.‬‬
‫وصــدق رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم إذا يقــول‪« :‬مــا أكرمهــن إال كريــم‪ ،‬ومــا أهانهــن إال‬
‫لئيم»‪.‬‬
‫الخســة‪ .‬وعــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى‬ ‫فإهانــة الزوجــة عالمــة ّ‬
‫اللــه عليــه وســلم‪« :‬رأس العقــل بعــد اإلميــان باللــه التــودد إىل النــاس» رواه الب ـزار‪ ،‬فكــن لهــا‬
‫ســا ًّدا للخلــل‪ ،‬وســات ًرا للزلــل‪ ،‬وقابـ ًـا للعلــل‪ ،‬تخدمــك وتصونــك‪ ،‬وإذا نزلــت بــك مؤنــة تعينــك‪،‬‬
‫وإذا مــددت يــدك بخــر قدرتــه لــك‪.‬‬
‫***‬

‫‪127‬‬
‫جرّب وابتسم من فضلك‬

‫* الخــروج والدخــول إىل البيــت أمــر متكــرر ومألــوف‪ ،‬ولكنــه مــع الزوجــة واألهــل غيــاب وافتقاد‪،‬‬
‫وحضــور وائتناس‪.‬‬
‫رسهــا مــن خيــال‪ ،‬ووجهــك‬ ‫ومــع افتقــاد الــزوج وغيابــه عــن البيــت‪ ،‬تســتحرض الزوجــة كل مــا ي ّ‬
‫الطَّلــق الباســم أيهــا الحبيــب هــو أ ّول مــا يرتســم يف فؤادهــا وميــر بخاطرهــا‪ ،‬وأنــت يــا مســكني‬
‫همــوم ومشــاكل العمــل خــارج البيــت متــأ نفســك‪ ،‬وكالل الجســم وتعبــه يرهــق الوجــه ويفقــده‬
‫أول حتــى تســتعيد نشــاطك وحيويتــك‪ ،‬لذلــك تدخــل‬ ‫حيويتــه‪ ،‬أنــت محتــاج إىل الراحــة والهــدوء ً‬
‫بيتــك بهــذا التعــب واإلرهــاق والهــم الــذي صعــد مــن النفــس فَ َعــا الوجــه‪.‬‬
‫باللــه عليــك أيهــا الــزوج الرفيــق‪ ،‬مــا الشــأن مــع الزوجــة املكــدودة مثلك يف عمــل البيــت واحتامل‬
‫األوالد‪ ،‬وقــد هيّــأت لــك النفــس قبــل البيــت والطعــام؟ قــد تقــول وأنــت عــى حــق‪ :‬ومــاذا أفعــل‬
‫معهــا وأنــا عــى الحــال التي ذكــرت؟!‬
‫أقــول يــا أخــي هــ ّون عليــك فاألمــر يســر‪ ،‬ابتســم مــن فضلــك‪ ،‬وفقــط‪ ،‬تكلــف ذلــك حتــى‬
‫تعتــاده عنــد كل دخــول‪ ،‬فوقْــع ابتســامتك عــى نفســها أ ّول مــا تــرى ُمح ّيــاك يزيــل همومهــا‬
‫ويعيــد حيويتهــا ويبهــج نفســها‪ ،‬ويســتخرج منهــا إرشاقــات الــو ّد والرتحــاب‪ ،‬وســتجد نفســك‬
‫لتــوك أيضً ــا غــر مهمــوم وال مجهــود ملــا ينالــك مــن عواطفهــا املتدفقــة واملحبوســة طــوال غيابــك‬
‫خــارج البيــت‪ ،‬إنــه فعــل يشــبه فعــل التيــار الكهربــايئ الــذي إذا اتصــل أضــاء‪ ،‬وال تســتبعد هــذا‬
‫األثــر لالبتســامة‪ ،‬خاصــة عنــد الدخــول عــى األهــل‪ ،‬وجــرب!! أضــاء اللــه بصريتــك‪.‬‬
‫* مــن أغــرب مــا ســمعته يف هــذا الشــأن‪ ،‬مــا ســمعته مــن زميلــة فاضلــة يف العمــل‪ ،‬كانــت قــد‬
‫تزوجــت ثــاث م ـرات‪ ،‬طلقــت وهــي صغــرة مــن األول‪ ،‬ومــات عنهــا الثــاين‪ ،‬وزوجهــا الثالــث‬
‫رجــل صالــح تحبــه وتثنــي عليــه‪ ،‬قالــت‪ :‬عندمــا يــدق جــرس البــاب يف موعــد عــودة زوجــي‪،‬‬
‫وبــدون تفكــر وال ســابق ذكــر‪ ،‬أجــد صــورة زوجــي الثــاين الــذي توفــاه اللــه عنــد عودتــه وهــو‬

‫‪128‬‬
‫يبتســم تســبق إىل فــؤادي وأرسع يف لهفــة ثــم أتذكــر يف الحــال أنــه مل يعــد زوجــي بعــد أن مــات‪.‬‬
‫وبالطبــع كانــت تســألني هــل ذلــك خطــأ منهــا؟ ومــاذا تفعــل؟ ومــن جهتــي نصحتهــا بأهــم‬
‫أمريــن‪:‬‬
‫أول‪ :‬أال تخرب بذلك زوجها تحت أي ظرف‪.‬‬ ‫ً‬
‫والثــاين‪ :‬أن تتلطــف مــع زوجهــا حتــى تع ـ ّوده أن يبتســم كلــا دخــل عليهــا‪ ،‬فأقســمت يل أنهــا‬
‫تحــب زوجهــا جـ ًّدا وأنهــا ال تقصــد مــا يحــدث لهــا‪ ،‬فعذرتهــا وقلــت يف نفــي‪ :‬مــات مــن مــات‬
‫ومل متــت ابتســامته‪ ،‬وعــارش مــن عــارش ومل ترتســم لــه صــورة يف قلــب زوجتــه‪.‬‬
‫وتذكــرت الحبيــب الــ َويف محمــد صــى اللــه عليــه وســلم إذ تقــول عائشــة ريض اللــه عنهــا‪:‬‬
‫«اســتأذنت هالــة بنــت خويلــد أخــت خديجــة عــى رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فعــرف‬
‫اســتئذان خديجــة فارتــاح لذلــك فقــال‪« :‬اللهــم هالــة بنــت خويلــد!!» فكــم كان صــدق قلــب‬
‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم يف وفائــه وحبــه لزوجتــه خديجــة التــي توفّاهــا اللــه حتــى يرتــاع‬
‫كــا جــاء يف لفــظ آخــر ويرتــاح ملجــرد ســاع صــوت أختهــا تســتأذن يف الدخــول عليــه‪ ،‬إنهــا‬
‫ال َّر ْوعــة الرائعــة‪ ،‬والشــوق املريــح‪ ،‬والــدرس املفيــد‪ ،‬والصــدق يف املشــاعر‪.‬‬
‫***‬

‫‪129‬‬
‫ادخلوها بسالم‬

‫* عــن أنــس بــن مالــك ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال يل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬يــا بنــي‬
‫إذا دخلــت عــى أهلــك فسـلّم يكــون بركــة عليــك وعــى أهلــك» رواه الرتمذي‪.‬‬
‫ـي أهلــك‬ ‫الربكــة‪ ،‬مــا أجمــل الربكــة‪ ،‬ومــا أحوجنــا إليهــا يف بيوتنــا‪ ،‬ومفتاحهــا أن تدخــل بســام‪ ،‬وحـ ِّ‬
‫عنــد الدخول‪.‬‬
‫ومــا أعظــم رش ًعــا يرشعــه رب رحيــم ودود حتــى يجعــل يف قرآنــه طريقــة الدخــول للبيــوت عبــادة‬
‫ـر بُيُوتِ ُك ـ ْم َحتَّــى ت َْستَأْنِ ُســوا َوت َُس ـلِّ ُموا‬
‫تقــرأ وتحفــظ‪{ :‬يَــا أَيُّ َهــا ال َِّذي ـ َن َآ َم ُنــوا لَ تَ ْد ُخلُــوا بُيُوتًــا َغـ ْ َ‬
‫ـر لَ ُك ـ ْم لَ َعلَّ ُك ـ ْم تَ َذكَّ ـ ُرونَ} [النــور‪ ،]27 :‬فــا بــن خــر لكــم‪ ،‬وبركــة عليــك‬ ‫َعـ َـى أَ ْهلِ َهــا َذلِ ُك ـ ْم َخـ ْ ٌ‬
‫وعــى أهلــك يجــول ذكــر العبــد وفكــره‪ ،‬ويعلــم حاجتــه لهــذا الســلوك املبــارك‪ ،‬إنــه ليــس فقــط‬
‫بيتــك وأهلــك‪ ،‬بــل بيــوت الغــر ميألهــا الســام بالخــر‪.‬‬
‫فيــا أيهــا الــزوج املســلم هــل يليــق بــزوج أن يدخــل عــى أهلــه متجهـ ًـا صامتًــا؟ «أفشــوا الســام‬
‫را تنــرح الصــدور‪ ،‬وترتــاح النفــوس‪ ،‬وتعمــر البيــوت بالخــر‬ ‫بينكــم» اجعلــوا الســام منتــ ً‬
‫والربكــة‪.‬‬
‫لقــد عشــت مــع أنــاس طيبــن يف أريــاف بالدنــا‪ ،‬كانــوا يدخلــون ويخرجــون دون أن يســلموا عــى‬
‫أهلهــم‪ ،‬ويف الوقــت الــذي يســلم الصغــر قبــل الكبــر واملــرأة قبــل الرجــل عــى مــن يلقونــه‬
‫خــارج بيوتهــم‪ ،‬وكأن تســليم الرجــل عــى زوجتــه مــن قبيــل العيــب الــذي يتحرجــون منــه‪.‬‬
‫فــا أحســبك يــا عزيــزي بحكــم االعتيــاد ال تســلم عــى أهلــك‪ ،‬وإن كنــت ممــن يتحرجــون مــن‬
‫فعــل ذلــك‪ ،‬فابــدأ بســام وابتســام تدخــل قلــب ج ّنتــك‪ ،‬أي زوجتــك بســام واحـرام‪ .‬وقــد جــاء‬
‫يف الخــر «إذا التقــى املســلامن فتصافحــا فتبســم أحدهــا إىل صاحبــه تحاتــت ذنوبهــا كــا‬
‫يتحــات ورق الشــجر» ويف لفــظ آخــر « ُق ّســمت بينهــا مائــة رحمــة‪ ،‬تســعة وتســعون آلنســهام‬
‫را» وعــن أيب أمامــة ريض اللــه عنــه عــن رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬ ‫بصاحبــه وأحســنهام ب ـ ً‬

‫‪130‬‬
‫ـي‪ ،‬وإن مــات دخــل الجنــة‪ :‬رجــل‬ ‫وســلم قــال‪« :‬ثالثــة كلهــم ضامــن عــى اللــه إن عــاش ُرز َِق وكُ ِفـ َ‬
‫دخــل بيتــه بســام فهــو ضامــن عــى اللــه» فذكــر الحديــث ورواه ابــن حبــان يف صحيحــه‪.‬‬
‫* عــن جابــر ريض اللــه عنــه أنــه ســمع النبــي صــى اللــه عليــه وســلم يقــول‪« :‬إذا دخــل الرجــل‬
‫بيتــه فذكــر اللــه عنــد دخولــه‪ ،‬وعنــد طعامــه قــال الشــيطان‪ :‬ال مبيــت لكــم‪ ،‬وال عشــاء‪ ،‬وإذا‬
‫دخــل فلــم يذكــر اللــه عنــد دخولــه قــال الشــيطان‪ :‬أدركتــم املبيــت‪ ،‬وإذا مل يذكــر اللــه عنــد‬
‫طعامــه قــال الشــيطان أدركتــم املبيــت والعشــاء» رواه مســلم‪ ،‬وأبــو داود‪ ،‬والرتمــذي والنســايئ‪،‬‬
‫وابــن ماجــة‪.‬‬
‫رسه أال‬
‫وعــن ســلامن الفــاريس ريض اللــه عنــه عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬مــن ّ‬
‫يجــد الشــيطان عنــده طعا ًمــا وال مقيـ ًـا‪ ،‬وال مبيتًــا فليســلم إذا دخــل وليسـ ِّم عــى طعامــه» رواه‬
‫الط ـراين‪.‬‬
‫* أخــي الــزوج املؤمــن‪ :‬إنــك آمنــت بالغيــب وص ّدقــت رســولك صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فاعلــم‬
‫بيقــن أن معــك عــد ًّوا مبي ًنــا ال يفارقــك‪ ،‬ولــه أعــوان يرصدونــك عنــد دخولــك بيتــك وهــم أشــد‬
‫حرصــا عــى إفســاد بيتــك وإذهــاب املــو ّدة منــه‪ ،‬مــن حرصــك عــى إصــاح أمــرك مــع الزوجــة‪،‬‬ ‫ً‬
‫وإصــاح معاشــك‪.‬‬
‫وقــد قــرأت حديثًــا نبويًّــا ال يحــرين تخريجــه وال أذكــر مظانــه فأســتخرجه‪ ،‬مــا معنــاه‪ :‬إذا دخــل‬
‫الرجــل بيتــه فلــم يذكــر اللــه أخــذ الشــيطان ببــره فــأراه مــا يكــره مــن بيتــه وأهلــه‪.‬‬
‫* أخــي الــزوج‪ :‬اســمح يل أن أقــص عليــك هــذه القصــة لعــل اللــه ينفعنــي وينفعــك بهــا‪ :‬كنــت‬
‫ألقــي بعــض الــدروس يف أحــد املســاجد فذكــرت خــال الــدرس الحديــث األخــر‪ ،‬ويف الــدرس‬
‫الثــاين‪ ،‬وبعــد انتهائــه وأثنــاء خروجــي أعطــاين أحــد الحارضيــن ورقــة وقــال يل‪ :‬اقرأهــا ومــش‬
‫عايــز ر ّد‪ ،‬ويف البيــت قــرأت اآليت‪ :‬أنــه تأخــر خــارج املنــزل يف إحــدى الليــايل وعنــد حضــوره‬
‫أدرك مبجــرد دخولــه البيــت أن زوجتــه نامئــة‪ ،‬وكان قــد تفاهــم معهــا أن تظــل يف انتظــاره‪ ،‬وزاد‬
‫يف غيظــه منهــا أنــه شــاهد البيــت غــر مرتــب وهــو مــا يغيظــه ج ـ ًّدا‪ ،‬ونظــر إىل املائــدة فلــم‬
‫يجــد العشــاء ُمعـ ًّدا‪ ،‬فذهــب ونــام وتركهــا نامئــة وهــو متغيــظ منهــا جـ ًّدا‪ ،‬وظــل متيقظًــا يفكــر‬
‫وتوصــل أخـ ًرا وحــزم أمــره أنــه ال بــد مــن‬‫فيــا يفعلــه مــع هــذه الزوجــة التــي‪ ،‬والتــي‪ ،‬والتــي‪ّ ،‬‬

‫‪131‬‬
‫مفارقتهــا‪ ،‬وعنــد ذلــك ســمع زوجتــه بجانبــه تتكلــم وهــي نامئــة‪ ،‬واســتمر ذلــك لحظــات وفجــأة‬
‫وجــد نفســه يوقظهــا فــا تســتيقظ كعادتهــا‪ ،‬كــا تنبــه أن درجــة حرارتهــا عاليــة جـ ًّدا‪ ،‬زوجتــه‬
‫محمومــة وليــس معهــا إال اللــه‪ ،‬وهــو متأخــر مــع أصحابــه خــارج املنــزل‪ .‬ثــم يقــول يل هــذا‬
‫الــزوج الظريــف يف رســالته‪( :‬قــل لهــم إن الزوجــات غالبــة) فج ـزاه اللــه خ ـ ًرا‪.‬‬
‫* الناس ينقسمون إىل قسمني من حيث الشبه ببعض املخلوقات‪:‬‬
‫القســم األول‪ :‬مــن لديــه ميــول ذُباب ّيــة وطبائــع ُســفلية‪ ،‬كالذبــاب ال يقــع إال عــى القــاذورات وال‬
‫ينشــغل إال بالخساســات‪ ،‬ولذلــك ينتقــل عــن طريقهــم املــرض املــؤدي إىل قتــل الحيــاة‪ ،‬ومنهــم‬
‫مــن ال يلتقــط إال املــروكات والزبــاالت مثــل مــن يطلــق عليهــم‪- :‬الزبالــون‪ -‬فلــو كان أحدهــم يف‬
‫داخــل حديقــة أزهــار‪ ،‬ال تقــع عينــه وال يلتقــط إال الزبــاالت ومــا يلفظــه النــاس مــن أمتعتهــم‪.‬‬
‫القســم الثــاين‪ :‬لديهــم ميــول نحليــة وطبائــع علويّــة‪ ،‬مثــل النحلــة ال تبحــث إال عــن الزهــر‬
‫والــورد‪ ،‬وال تقــع إال عــى أجمــل مــا يف الحدائــق‪ ،‬وصــدق رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫وهــو يصــف املؤمــن بقولــه‪« :‬مثــل املؤمــن كمثــل النحلــة‪ ،‬تقــع فــا تكــر‪ ،‬وتــأكل فــا تفســد‪،‬‬
‫وال تضــع إال طي ًبــا»‪ ،‬إنهــا أخــاق املؤمنــن ورشائــع رب العاملــن‪ ،‬فكــن أيهــا الــزوج الرشــيد مؤم ًنــا‬
‫كالنحلــة يف كل أخــذك وتــركك‪ ،‬فــا تبحــث عــن العيــوب واألخطــاء التــي مــن الزوجــة‪ ،‬أو ال تــرى‬
‫العيــوب وتغفــل املزايــا‪:‬‬

‫عليل؟‬
‫كيف تغدو إذا غدوت ً‬ ‫أيُّهذا الشايك وما بك دا ُ ء‬
‫إكليل‬
‫وترى الش ْوك يف الورود وتعم ى أن ترى فوقها ال َّندى ً‬
‫جميل‬
‫جميل ت َر الوجود ً‬
‫كن ً‬ ‫أيهذا الشايك وما بك دا ٌء ‬

‫***‬

‫‪132‬‬
‫إن اهلل مجيل حيب اجلمال‬

‫وف} أي‬ ‫* قــال اإلمــام القرطبــي عنــد تفســر قولــه تعــاىل‪َ { :‬ولَ ُه ـ َّن ِمثْـ ُـل الَّـ ِـذي َعلَ ْي ِه ـ َّن بِالْ َم ْع ـ ُر ِ‬
‫ولهــن مــن حقــوق الزوجيــة عــى الرجــال مثــل مــا للرجــال عليهــن‪ ،‬قــال ابــن عبــاس ريض اللــه‬
‫عنهــا‪( :‬إين ألتزيــن المــرأيت كــا تتزيــن يل‪ ،‬ومــا أحــب أن أســتنظف –أي آخــذ كل حقــي‪ -‬الــذي‬
‫ي‪ ،‬ألن اللــه تعــاىل قــال‪َ { :‬ولَ ُه ـ َّن ِمثْـ ُـل الَّـ ِـذي َعلَيْ ِه ـ َّن‬ ‫يل عليهــا فتســتوجب حقهــا الــذي لهــا ع ـ ّ‬
‫بِالْ َم ْع ـ ُر ِ‬
‫وف} أي زينــة مــن غــر مأثــم‪.‬‬
‫* قــال القرطبــي‪ :‬أمــا زينــة الرجــال فعــى تفــاوت أحوالهــم‪ ،‬فإنهــم يعملــون ذلــك عــى وفــق‬
‫اللياقــة والوفــاق‪ ،‬فرمبــا كانــت زينــة تليــق يف وقــت وال تليــق يف وقــت‪ ،‬وإمنــا يعمــل الالئــق‬
‫والوفــاق ليكــون عنــد امرأتــه يف زينــة ترسهــا ويعفهــا عــن غــره مــن الرجــال‪ .‬قــال‪ :‬ثــم عليــه أن‬
‫يتوخــى أوقــات حاجتهــا إىل الرجــال فيعفهــا عــن التطلــع إىل غــره‪ .‬انتهــى‪.‬‬
‫* عــن عبــد اللــه بــن مســعود ريض اللــه عنــه عــن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬ال‬
‫يدخــل الجنــة مــن كان يف قلبــه مثقــال ذرة مــن كــر‪ ،‬وال يدخــل النــار مــن كان يف قلبــه مثقــال‬
‫ذرة مــن إميــان»‪ .‬فقــال رجــل‪ :‬يــا رســول اللــه‪ :‬الرجــل يحــب أن يكــون ثوبــه حسـ ًنا ونعلــه حسـ ًنا‪،‬‬
‫فقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬إن اللــه جميــل يحــب الجــال‪ ،‬الكــر مــن بطــر‬
‫الحــق وغمــط النــاس» رواه مســلم‪.‬‬
‫* أخــي الــزوج املهــذب‪ :‬أنــت إنســان بفطرتــك تحــب الجــال‪ ،‬فتذكــر أن زوجتــك لهــا نفــس‬
‫تحــب الجــال مثلــك‪ ،‬بــل النســاء عمو ًمــا ال يشــغلهن ســوى الجــال‪ ،‬وتحــب أن تـراك يف عينهــا‬
‫وعيــون النــاس جميـ ًـا‪ ،‬بــل تحــرص عــى هيئتــك يف امللبــس واملظهــر أمــام النــاس‪ ،‬أمل تـ َر اهتاممهــا‬
‫بــك عنــد الخــروج وحرصهــا عــى نظافــة ومظهــر املالبــس؟ فــإذا كانــت تحــب أن ي ـراك غريهــا‬
‫مــع شــدة غريتهــا عليــك جميـ ًـا مهند ًمــا‪ ،‬فكيــف بحبهــا أن ت ـراك لنفســها؟ ولذلــك قــال ســيدنا‬
‫عمــر‪ :‬تزينــوا لنســائكم فإنهــن يحبــن منكــم مثــل مــا تحبــون منهــن‪ ،‬فــا يبلــغ بــك التخفــف‬

‫‪133‬‬
‫وعــدم التكلــف يف بيتــك أال تتجمــل ملــن تعارشهــا كــا تحــب منهــا ذلــك‪ .‬ولــك يف رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم أســوة فقــد كان جميـ ًـا يف خلقتــه ومــع ذلــك كان يكتحــل ويدهــن شــعره‬
‫ويرجلــه باملشــط ويفرقــه‪.‬‬
‫فعــن ابــن عبــاس ريض اللــه عنهــا قــال‪« :‬كان رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يكتحــل يف‬
‫كل عــن ثالثًــا» رواه الرتمــذي وابــن ماجــة‪ ،‬وجــاء أنــه صــى اللــه عليــه وســلم كان يفعــل ذلــك‬
‫كل ليلــة‪ ،‬وعنــه أيضً ــا «كان يفــرق شــعر رأســه»‪ ،‬وعــن أنــس ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬كان النبــي‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم يدهــن الشــعر ويرجلــه» رواه الرتمــذي وفيــه عنــه «كان يكــر دهــن‬
‫رأســه وترسيــح لحيتــه»‪ ،‬وعــن ابــن عبــاس ريض اللــه عنهــا قــال‪« :‬كان رســول اللــه صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم يســتاك بالليــل م ـرا ًرا» رواه مســلم‪ ،‬وهــو تطهــر الفــم واألســنان بعــود أو فرشــاة‪.‬‬
‫وعن عائشة ريض الله عنها‪« :‬كان ال يفارق مصاله سواكه ومشطه» رواه الطرباين‪.‬‬
‫وعــن جابــر ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬دخــل عــى النبــي صــى اللــه عليــه وســلم رجــل ثائــر الــرأس‪،‬‬
‫أشــعث اللحيــة‪ ،‬فقــال‪ :‬أمــا كان لهــذا دهــن يســكن بــه شــعره» رواه أبــو داود والرتمــذي وابــن‬
‫حبــان‪.‬‬
‫وعــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه عــن النبــي صــى اللــه عليه وســلم‪« :‬مــن كان لــه شــعر فليكرمه»‬
‫وعــن عائشــة ريض اللــه عنهــا عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬إن اللــه يحــب مــن‬
‫عبــده أن يتجمــل إلخوانــه إذا خــرج إليهــم» رواه ابــن عــدي‪.‬‬
‫أال يكفيــك ذلــك أيهــا الــزوج العزيــز‪ ،‬وهــذا ســيدنا النبــي صــى اللــه عليــه وســلم يعلمنــا كيــف‬
‫نحيــا مــع الزوجــات والنــاس‪ ،‬وهــو مــن هــو يف عبادتــه وزهــده وســنه الكبــر‪ ،‬فاحــرص هــداك‬
‫اللــه للخــر حتــى تــرى أثــر ذلــك عــى زوجتــك‪:‬‬

‫ت ُريك عيونًا ناطقات صوامتا فام شئت من خجل وما شئت من سحر‬

‫***‬

‫‪134‬‬
‫شاي يف البلكونة ‪ ..‬وصدق سلمان‬

‫* جــاء عــى لســان ســيدنا عــي بــن أيب طالــب ريض اللــه عنــه وصــف النبــي ومنــه‪ :‬كان إذا أوى‬
‫إىل منزلــه جــزأ نفســه ثالثــة أجـزاء‪ :‬جــزء للــه‪ ،‬وجــزء ألهلــه‪ ،‬وجــزء لنفســه‪ ،‬ثــم جــزأ نفســه بينــه‬
‫وبــن النــاس‪.‬‬
‫وقــال أيضً ــا‪ :‬كان رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم دائــم ال ِبــر‪ ،‬ســهل الخلــق لــن الجانــب‪،‬‬
‫ليــس بف ـ ٍّظ وال غليــظ وال صخــاب وال فاحــش وال عيــاب‪ ،‬وال م ـزاح‪ ،‬يتغافــل عــا يشــتهي‪ ،‬وال‬
‫يخيــب فئــة‪ ،‬قــد تــرك نفســه مــن ثــاث‪ :‬كان ال يــذم أحـ ًدا‪ ،‬وال يعــره‪ ،‬وال يطلــب عورتــه‪ .‬انتهــى‪.‬‬
‫أول‪ ،‬ثــم أهلــه قبــل نفســه‪ ،‬بــل جعــل وقــت نفســه‬ ‫فصــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فقــد جعــل اللــه ً‬
‫بينــه وبــن النــاس‪ .‬وهــذا ســيدنا ســلامن الفــاريس حكيــم النرصانيــة واإلســام ينصــح أخــاه يف اللــه‬
‫ســيدنا أبــا الــدرداء ريض اللــه عنهــا يقــول لــه‪( :‬إن لربــك عليــك ح ًّقــا‪ ،‬وإن لنفســك عليــك ح ًّقــا‪،‬‬
‫ـط كل ذي حــق حقــه‪ ،‬فــأىت النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فذكــر‬ ‫وإن ألهلــك عليــك ح ًّقــا‪ ،‬فأعـ ِ‬
‫ذلــك لــه فقــال النبــي‪« :‬صــدق ســلامن» رواه البخــاري‪.‬‬
‫* أخــي الــزوج العاقــل‪ :‬مــن فضلــك‪ ،‬انتبــه ملــا أقــول دون أن تغضــب منــي‪ ،‬فيعلــم اللــه أين أحبــك‬
‫يف اللــه ومــن أجــل ذلــك أنصــح لــك يف اللــه‪:‬‬
‫املنــزل يــا أخــي ليــس –لوكانــدة‪ -‬للنــوم وتقديــم الوجبات وغســل ويك املالبــس‪ ،‬والحســاب تدفعه‬
‫آخــر الشــهر!! إنــه منزلــك مــع زوجتــك‪ ،‬فيــه مــن يحبــك ويحتاجــك ولــه حــق عليــك‪ ،‬املنــزل ‪...‬‬
‫ســكن لنفســك وســكن لزوجتــك‪ ،‬وليــس مقصــوده محـ ًّـا لإليــواء‪ ،‬بــل ســكن وســكينة لــكل يشء‬
‫فيــك ويف زوجتــك‪ ،‬املنــزل عــامل جميــل وفيــه أغــى وأحــب الذكريــات‪ ،‬املنــزل عــش األفـراح التــي‬
‫تتولــد منكــا م ًعــا وتــدرج فيــه يف ظــل الحنــان والحــب والبهجــة والرعايــة منكــا م ًعــا‪.‬‬
‫أنــا أعــرف يــا أخــي أنــك حريــص عــى توفــر كل يشء لهــم وال تتعــب خــارج املنــزل وتعــود متع ًبــا‬
‫إال مــن أجلهــم‪ ،‬ولكــن أحلــف غــر حانــث‪ ،‬جلســة مــع الزوجــة‪ ،‬وإن كان أوالد‪ ،‬ومــع األوالد‪،‬‬

‫‪135‬‬
‫يشــعرون فيهــا بوجــودك معهــم‪ ،‬ويــرون حبــك بعيونهــم‪ ،‬أهــم مــن كثــر مــا توفــره لهــم‪.‬‬
‫جمعتنــي الظــروف مـ ّرة مــع مهنــدس طيــب بســيط يف منطقــة مــا‪ ،‬ودار حديــث حــول مــا يجــب‬
‫عــى الــزوج نحــو زوجتــه بخــاف النفقــة عليهــا‪ ،‬وأثنــاء الحديــث قاطعنــي وهــو يضحــك إذ تذكــر‬
‫شــيئًا مهـ ًّـا وقــال‪ :‬علشــان كــده م ـرايت دامئًــا تقــول يل‪ :‬نفــي أقعــد معــاك‪ ،‬أقــول لهــا مــا هــو‬
‫أنــا قاعــد آهــو؟! تقــول يل‪ :‬أل‪ ،‬عــاوزه أقعــد معــاك يف البلكونــة نــرب ســويًّا شــاي‪ ،‬تصــدق يــا‬
‫أخــي الــزوج أننــي مبجــرد ســاعي لهــذا الــكالم منــه نزلــت مــن عينــي دمعــة شــفقة عــى هــذه‬
‫املســكينة‪ ،‬يبــدو أنــه أدرك وتأثــر لدرجــة أنــه قــال يل‪ :‬خــاص يــا أســتاذ دي آخــر مـ ّرة وحــارشب‬
‫معاهــا شــاي يف البلكونــة مــن غــر مــا تطلــب‪ ،‬فجـزاه اللــه خـ ًرا فأســأل اللــه لــه التوفيــق‪.‬‬
‫* عــن حنظلــة األســدي ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬لقينــي أبــو بكــر ريض اللــه عنــه فقــال‪ :‬كيــف أنــت‬
‫يــا حنظلــة؟ قلــت‪ :‬نافــق حنظلــة! قــال‪ :‬ســبحان اللــه‪ ،‬مــا تقــول؟! قلــت‪ :‬نكــون عنــد رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم يذكرنــا بالجنــة والنــار كأنَّــا رأي عــن‪ ،‬فــإذا خرجنــا مــن عنــد رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم عاف َْسـ َنا األزواج واألوالد والضَّ ْيعــات‪ ،‬نســينا كثـ ًرا‪ .‬قــال أبــو بكــر ريض اللــه‬
‫عنــه‪ :‬فواللــه إنــا لنلقــى مثــل هــذا‪ ،‬فانطلقــت أنــا وأبــو بكــر حتــى دخلنــا عــى رســول اللــه صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم فقلــت‪ :‬نافــق حنظلــة يــا رســول اللــه!! فقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم‪« :‬ومــا ذاك؟» قلــت‪ :‬يــا رســول اللــه نكــون عنــدك تذكرنــا بالنــار والجنــة كأنّــا رأي عــن‪،‬‬
‫فــإذا خرجنــا مــن عنــدك عافســنا األزواج واألوالد والضيعــات‪ ،‬نســينا كث ـ ًرا‪ .‬فقــال رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬والــذي نفــي بيــده أن لــو أنكــم تدومــون عــى مــا تكونــون عنــدي‬
‫ويف الذكــر لصافحتكــم املالئكــة عــى فرشــكم ويف طرقكــم‪ ،‬ولكــن يــا حنظلــة ســاعة وســاعة»‬
‫ثــاث مـرات رواه مســلم‪ ،‬ومعنــى عافســنا أي عالجنــا والعبنــا‪.‬‬
‫فانظــر رعــاك اللــه إىل هــدي اإلســام‪ ،‬فهــذا نبــي اإلســام صــى اللــه عليــه وســلم يقـ ّر الصديــق‬
‫أبــا بكــر وكاتــب وحيــه وشــهيد اإلســام حنظلــة‪ ،‬عــى مالعبــة ومداعبــة الزوجــة واألوالد‪ ،‬وأن‬
‫ذلــك لــه وقتــه والذكــر والعلــم والعبــادة لهــا وقتهــا‪ .‬وهــذا كان فعــل النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم كــا ســتعلم إن شــاء اللــه‪ ،‬فمالعبــة ومداعبــة الزوجــة فعــل األنبيــاء والشــهداء والصديقني‪.‬‬
‫بــل كان حــرص النبــي صــى اللــه عليــه وســلم عــى متابعــة أصحابــه لذلــك األمــر وتعليمهــم‬
‫املالعبــة واملضاحكــة عظيـ ًـا‪ ،‬فقــد روى البخــاري ومســلم عــن جابــر بــن عبــد اللــه ريض اللــه‬

‫‪136‬‬
‫عنهــا‪« :‬قــال يل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬هــل نكحــت؟ قلــت‪ :‬نعــم‪ .‬قــال‪ :‬أبكـ ًرا أم‬
‫ثي ًبــا؟ قلــت‪ :‬ثيــب‪ .‬قــال‪ :‬فهــا بكـ ًرا تالعبهــا وتالعبــك؟ قلــت‪ :‬يــا رســول اللــه ُقتــل أيب يــوم أحــد‪،‬‬
‫وتــرك تســع بنــات‪ ،‬فكرهــت أن أجمــع إليهــن خرقــاء مثلهــن‪ ،‬ولكــن امــرأة متشــطهن وتقيــم‬
‫عليهــن‪ .‬قــال‪ :‬أصبــت» ويف روايــة «تضاحــكك وتضاحكهــا وتالعبهــا وتالعبــك» بــل إنــه صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم ش ـ ّدد يف ذلــك‪ ،‬قــال أبــو أمامــة ريض اللــه عنــه قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم‪« :‬رش النــاس الض ّيــق عــى أهلــه‪ ،‬قالــوا‪ :‬يــا رســول اللــه وكيــف يكــون ضي ًقــا عــى أهلــه؟‬
‫قــال‪ :‬الرجــل إذا دخــل بيتــه خشــعت امرأتــه وهــرب ولــده وف ـ َّر‪ ،‬فــإذا خــرج ضحكــت امرأتــه‬
‫واســتأنس أهــل بيتــه» رواه الط ـراين‪ ،‬فــا تنــس يــا صاحبــي أنهــن يكرهــن التكشــر‪.‬‬
‫* أخــي الــزوج‪ :‬ال تعجــب لحــريص عــى هــذا األمــر وإيـراد كل هــذه االستشــهادات‪ ،‬فــإن بيوتنــا‬
‫ال تشــيع فيهــا الســعادة بالقــدر الــازم الــذي يوفّــره وييــره ديننــا الحنيــف الــذي جعــل لهــو‬
‫اإلنســان املســلم مــع األهــل مــن الديــن الحــق الــذي يعينــه عــى أمــر الدنيــا واآلخــرة‪.‬‬
‫فقــد روى اإلمــام أحمــد يف مســنده وأصحــاب الســنن‪ ،‬عــن عائشــة ريض اللــه عنهــا قالــت‪:‬‬
‫(ســابقني رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فســبقته‪ ،‬فلبثنــا حتــى إذا أرهقنــي اللحــم ســابقته‬
‫فســبقني‪ ،‬فقــال‪« :‬هــذه بتلــك الســبقة») رواه أحمــد وأبــو داود‪.‬‬
‫وروى أحمــد أيضً ــا أن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬كل يشء يلهــو بــه ابــن آدم فهــو‬
‫باطــل‪ ،‬إال ثالثًــا‪ :‬رميــه عــن قوســه‪ ،‬وتأديبــه فرســه‪ ،‬ومالعبتــه أهلــه‪ ،‬فإنهــن مــن الحــق» وجــاء‬
‫يف الحديــث الطويــل عــن صحــف إبراهيــم ومــوىس عليهــا الســام عــن أيب ذر الغفــاري ريض‬
‫اللــه عنــه عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬وعــى العاقــل مــا مل يكــن مغلوبًــا عــى عقلــه‬
‫أال يكــون ظاع ًنــا إال يف ثــاث‪ :‬تــز ّود ملعــاد‪ ،‬أو مر َّمــة ملعــاش‪ ،‬أو لــذة يف غــر محــرم» رواه ابــن‬
‫حبــان يف صحيحــه‪ ،‬نعــم يــا أخــي فــإن ترويــح النفــس وإيناســها باملجالســة للزوجــة والنظــر‬
‫واملداعبــة‪ ،‬إراحــة للقلــب وتقويــة لــه عــى العبــادة‪ ،‬وتنشــيط للذهــن والبــدن الســتعادة القــوى‬
‫للعمــل الجديــد‪ ،‬فــإن النفــس ملــول‪ ،‬فــإذا ُر ّوحــت باللــذات بعــض األوقــات نشــطت وقويــت‪،‬‬
‫واالســتئناس بالزوجــة يوفــر كل ذلــك‪ ،‬فكــا يحتــاج الجســم إىل النــوم للراحــة‪ ،‬وإىل الطعــام‬
‫للقــوة‪ ،‬فــإن النفــس تحتــاج إىل االســرواح والل ـذّة املرشوعــة مــن لــدن حكيــم عليــم‪.‬‬
‫***‬

‫‪137‬‬
‫عملك القليل يف املنزل كملح الطعام‬

‫* قــال اإلمــام القرطبــي‪ :‬قــال ابــن ُخ َويْــز منــداد‪ :‬اختلــف أصحــاب مالــك‪ ،‬هــل عــى الزوجــة‬
‫خدمــة أو ال؟‬
‫فقــال البعــض‪ :‬ليــس عــى الزوجــة خدمــة‪ ،‬وذلــك أن العقــد يتنــاول االســتمتاع ال الخدمــة‪ ،‬أال ترى‬
‫أنــه ليــس بعقــد إجــارة وال متلــك رقبــة وإمنــا هــو عقــد عــى االســتمتاع‪ ،‬والعقــد بــه االســتمتاع‬
‫دون غــره‪ ،‬فــا تطالــب بأكــر منــه‪ ،‬أال تــرى إىل قولــه تعــاىل‪{ :‬فَـ ِإ ْن أَطَ ْع َن ُكـ ْم فَـ َـا تَبْ ُغــوا َعلَيْ ِهـ َّن‬
‫َسـب ًِيل} [النســاء‪.]34 :‬‬
‫وقــال البعــض اآلخــر‪ :‬عليهــا خدمــة مثلهــا‪ ،‬فــإن كانــت رشيفــة املحــل ليســارة أبــوة أو ترفّــه‬
‫فعليهــا التدبــر للمنــزل وأمــر الخــادم‪ ،‬وإن كانــت متوســطة الحــال فعليهــا أن تفــرش الف ـراش‬
‫ونحــو ذلــك‪ ،‬وإن كانــت دون ذلــك فعليهــا أن تق ـ َّم البيــت وتطبــخ وتغســل‪ .‬قالــوا‪ :‬وقــد جــرى‬
‫ُعــرف املســلمني يف بلدانهــم يف قديــم األمــر وحديثــه مبــا ذكرنــا‪ ،‬أال تــرى أن أزواج النبــي صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم وأصحابــه كانــوا يتكلفــون الطحــن والخبيــز والطبيــخ وفــرش الفـراش وتقريــب‬
‫الطعــام وأشــباه ذلــك‪ ،‬وال نعلــم امــرأة امتنعــت مــن ذلــك‪ ،‬وال يســوغ لهــا االمتنــاع‪ ،‬وكانــوا‬
‫يطالبوهــن بذلــك‪ ،‬فلــوال أنهــا مســتحقة ملــا طالبوهــن‪.‬‬
‫* أخــي الــزوج‪ :‬قــد تقــرأ مثــل هــذا وغــره مــن كالم ســادتنا الفقهــاء‪ ،‬وهــم يبحثــون بحثوهــم‬
‫الفقهيــة املجــردة‪ ،‬خاصــة عنــد رفــع خــاف أمــام القــايض‪ ،‬ونحــن يف حياتنــا املتعــارف عليهــا‪،‬‬
‫ـال أو يحلــل حرا ًمــا‪ ،‬ال يليــق بنــا وضــع الضوابــط الفقهيــة‬ ‫والعــرف مــن الــرع مــا مل يحــرم حـ ً‬
‫حســب فهمنــا‪ ،‬وخاصــة عــى املعــروف مــن حياتنــا‪ .‬أقــول ذلــك ألمريــن‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنه والحمد لله ال مشاكل وال خالف حول وجوب العرشة باملعروف‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن فهم البعض يقرص أحيانًا يف فهم مراد الفقهاء‪.‬‬
‫وخــذ عــى ذلــك مثـ ًـا واقع ًّيــا عجي ًبــا‪ :‬كنــت ســب ًبا يف زواج قريبــة يل لشــخص مت ّديــن ذي خلــق‪،‬‬

‫‪138‬‬
‫وســافر بهــا إىل بلــد عــريب وعــاش معهــا هنــاك يف وئــام وحســن صحبــة‪ ،‬ويف زيــارة لهــا ملــر‬
‫حـرا إىل منــزيل‪ ،‬وســألتني زوجتــه أمامــه عــن حقــوق الزوجــة‪ ،‬فســألتها أنــا وقلــت‪ :‬مــا الســبب‬
‫وقــد مـ ّر عــى زواجكــا ســنوات؟ قالــت‪ :‬زوجــي فــان كان يجالســني ويكــون بينــي وبينــه مــن‬
‫الحديــث وســائر األمــور مــا يكــون بــن الزوجــن‪ ،‬ومنــذ شــهرين فقــط وبــدون أســباب مل يعــد‬
‫يتعامــل معــي كعادتــه األوىل ويقــول يل‪ :‬ليــس لــك عنــدي ســوى الكســوة والنفقــة مــن الطعــام‬
‫فنظــرت إليــه وهــو يســمع حديثهــا وكأين أســتنطقه‪ ،‬فقــال‪ :‬بينــي وبينهــا حديــث النبــي صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم‪« :‬يطعمهــا مــا يطعــم ويكســوها مــا يلبــس» فهــذا كل حقهــا عنــدي‪ ،‬ونظــر‬
‫إليهــا وقــال‪ :‬اســألها هــل أنــا قــرت معهــا يف يشء مــن ذلــك؟ فقلــت لــه‪ :‬وعــى فــرض أن ذلــك‬
‫للزوجــة وليــس للخــادم‪ ،‬مــا الــذي حــدث بينكــا حتــى ســلكت معهــا هــذا الســلوك؟ قــال‪ :‬ال‬
‫يشء ولكــن هــذا رشع اللــه وموجــب عقــد الــزواج‪.‬‬
‫فأثــارين وكــدت أرد عليــه مبــا ال يليــق بــأدب الضيافــة وتصـ ّـرت‪ ،‬وقلــت لــه‪ :‬وهــل مــن حقــك‬
‫مبوجــب عقــد الــزواج أن تخدمــك زوجتــك وتخــدم أوالدك وضيوفــك وتــريب لــك األوالد و‪ ...‬و‪،...‬‬
‫فســكت وقــال يل بلهجــة أهــل البلــد العــريب الــذي يعيــش فيــه‪ :‬أمــال إيــش الحديــث يــا أســتاذ؟‬
‫ـت‬
‫وجــرى كالم طويــل ليــس يف رسده كثــر فائــدة‪ ،‬ولكــن أهــم مــا ذُكــر قــويل لــه‪ :‬لقــد َح َرمـ َ‬
‫نفســك وأهلــك الســعادة وظننــت أن ذلــك رشع اللــه وعبــادة بســبب إســقاط كالم الفقهــاء عــى‬
‫حالتــك بــا فقــه‪ ،‬واألمــر اآلخــر الــذي ذكــر هــو أننــي علمــت منــه أنــه مل يحــدث أي يشء مــن‬
‫زوجتــه يجعلــه يغــر معاملتــه معهــا‪ ،‬وأن الــذي غ ـ ّره هــو ســاعه ألحــد العلــاء يف املســجد‬
‫وهــو يــرح الحديــث‪.‬‬
‫* أيهــا الــزوج الكريــم‪ :‬بعــد هــذا الجــو الفقهــي املجــرد ه ّيــا م ًعــا نســروح يف ظــل املعــارشة‬
‫النبويــة باختصــار شــديد اآلن‪ :‬فعــن الصديقــة بنــت الصديــق زوج أفضــل الخلــق صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم تحــي ســلوكه يف بيتــه تقــول‪« :‬كان يكــون يف مهنــة أهلــه» رواه البخــاري‪« ،‬كان يخصــف‬
‫نعلــه ويخيــط ثوبــه‪ ،‬ويعمــل يف بيتــه كــا يعمــل أحدكــم يف بيتــه» رواه أحمــد يف مســنده‬
‫ورجالــه رجــال الصحيــح‪ .‬وعنهــا‪« :‬أرســل إلينــا آل أيب بكــر بقامئــة شــاة ليـ ًـا‪ ،‬فأمســكت وقطّــع‬
‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم» رواه أحمــد‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫إذًا الزوجــة تعمــل يف البيــت والــزوج يتعــاون‪ ،‬وبــا ترفــع‪ ،‬وبــكل ســهولة ويــر اإلســام تســر‬
‫الحيــاة يف أجمــل وئــام‪ .‬وانظــر إىل عمــوم قولهــا ريض اللــه عنهــا‪( :‬يعمــل يف بيتــه كــا يعمــل‬
‫أحدكــم يف بيتــه)‪ ،‬إق ـرار مــن املســلامت يف حيــاة الصحابــة ومعهــم نبيهــم‪ ،‬وانظــر إىل البســاطة‬
‫والكــاالت يف قولهــا‪ :‬فأمســكت وقطــع رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬وهــو َمــن هــو‪ :‬نبــي‬
‫اللــه‪ ،‬ورئيــس دولــة كل املســلمني‪ ،‬وقائــد الجيــوش اإلســامية ومــا أكرثهــا يف ذلــك الوقــت وقــايض‬
‫وحاكــم املســلمني يف كل خــاف بينهــم‪ ،‬ومــع ذلــك يجــد الوقــت الثمــن يف خدمــة ومهنــة أهــل‬
‫بيتــه‪ ،‬فــا أعظمــه مــن معلــم‪ ،‬ومــا أرفــع مقامــه يف العاملــن صــى اللــه عليــه وســلم‪.‬‬
‫وما أ ْد َو َن وأنقص َم ْن يرتفَّع عن فعلٍ كان رسول الله صىل الله عليه وسلم يفعله‪.‬‬
‫ـس زوجتــك بقليــل‬ ‫وأدعــوك أيهــا الــزوج املســلم أن تبــدأ إن مل تكــن كذلــك‪ ،‬وتشــارك برضــا نفـ ٍ‬
‫مــن العمــل‪ ،‬وأعتقــد أنهــا لــن تدعــك تفعــل‪ ،‬ألنهــا ســتقدرك وتحرتمــك وتســارع هــي يف فعــل‬
‫الــيء‪ ،‬ولكــن وهــي ســعيدة بــك جـ ًّدا‪ ،‬وقــد زال عنهــا كل تعــب‪ ،‬وعلمــت أنــك تقــدر خدمتهــا‬
‫يف البيــت‪ ،‬مجــرد تقديــر منــك‪ ،‬بعمــل قليــل تــدوم لــك الســعادة وتســلس لــك القيــادة‪.‬‬
‫***‬

‫‪140‬‬
‫وعني السخط تبدى املساويا‬

‫* وعــادات النــاس تختلــف مــن بلــد إىل بلــد‪ ،‬ومــن منطقــة إىل أخــرى‪ ،‬ومــن مســتوى معيــي‬
‫إىل آخــر‪ ،‬ومــن زمــان إىل زمــان‪ ،‬بــل ومــن شــخص إىل آخــر‪ ،‬وكثــر مــن البيــوت ت ُعــرف بعــادات‬
‫معينــة‪ ،‬ويكــون ذلــك يف امللبــس واملــأكل والطريقــة التــي يــؤ َّدى بهــا ذلــك‪ ،‬وأنواعهــا وألوانهــا‪،‬‬
‫وغــر ذلــك مــن األمــور إىل مــاال نهايــة‪ ،‬كالفكــر والنــوم والجلــوس والســر‪ ..‬إلــخ‪ .‬وأنــت أيهــا‬
‫الــزوج قــد تختلــف يف قليــل أو كثــر مــع زوجتــك يف عــادة أو أكــر‪ ،‬ومــن العــادات املخالفــة‬
‫لإلنســان مــا تســبب لــه امتعاضً ــا أو حر ًجــا أو ضج ـ ًرا‪ ،‬ومــن العــادات مــا ميكــن التفاهــم حولــه‬
‫والحديــث فيــه‪ ،‬ومنهــا مــا يتحــرج املــرء مــن الحديــث فيــه‪ ،‬ومــن العــادات مــا يســهل تغيريهــا‬
‫ومــا يصعــب تركــه‪.‬‬
‫* أخــي الــزوج الحصيــف‪ :‬زوجتــك صاحبتــك العمــر كلــه‪ ،‬وصاحــب مــازم‪ ،‬وقريــب مشــارك‪ ،‬وال‬
‫منــاص مــن املعــارشة‪ ،‬وقــد تكــون لهــا عــادات ال تعجبــك‪ ،‬وقــد ال يعجبهــا بعــض عاداتــك‪ ،‬فأنصــح‬
‫لك ‪:‬‬
‫أول‪ :‬العــادات التــي ال تــروق لــك يف زوجتــك ال تســكت عليهــا وتســكت يف نفســك‪ ،‬فــإن ذلــك‬ ‫ً‬
‫صح بهــا‬ ‫مــن األمــور التــي تــؤدي وتتســبب يف البغــض واملشــاكل‪ ،‬ولــو ُعولجــت بحكمــة‪ ،‬أو ُ ّ‬
‫لــكان األمــر مختل ًفــا‪.‬‬
‫ثان ًيــا‪ :‬تلطــف يف تعريــف زوجتــك بهــذا األمــر‪ ،‬كأن تحــي لهــا حكايــة تفهــم منهــا ذلــك‪ ،‬أو أن‬
‫تضحــك بحــب وأنــت تحدثهــا عــن عادتهــا التــي قــد ال تعلــم أنهــا تؤذيــك وتطلــب منهــا أن‬
‫تهــدي إليــك مــا ال يعجبهــا مــن عاداتــك‪ ،‬وأن تــرح لهــا أن الترصيــح بذلــك خــر مــن إخفائــه‬
‫ملــا يرتتــب عــى تــرك العــادة مــن زيــادة األلفــة واالستحســان لهــا‪.‬‬
‫وأقــول لــك بدايــة إن أثــر ذلــك يف البدايــة قــد ال يــريض زوجتــك‪ ،‬ولكــن األثــر الجميــل مــن إزالــة‬
‫كل مــا يعكــر صفــو املــودة‪ ،‬ويف طــول الحيــاة الزوجيــة ينــي هــذا األثــر املؤقــت‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫وأراك بحرصــك عــى إســعاد اآلخريــن‪ ،‬وخاصــة زوجتــك‪ ،‬ســتحرص عــى معرفــة مــا تكرهــه‬
‫زوجتــك مــن عاداتــك‪ ،‬لــو انتبهــت ملشــاعرها نحــو ســلوكك‪.‬‬
‫وأحــي لــك واقعــة تتعجــب منهــا العقــول‪ :‬طلّــق أحــد معــاريف زوجتــه‪ ،‬وكان وقْــع هــذا الطــاق‬
‫يف دائــرة معارفــه مســتغربًا جـ ًّدا‪ ،‬ال ألنــه طــاق اعتــاد النــاس أن ال يتقبلونــه‪ ،‬ولكــن للعلــم أنــه‬
‫كان قــد تزوجهــا بعــد قصــة حــب‪ ،‬وحرصــه عــى الــزواج منهــا أغضــب بعــض ذويــه‪ ،‬وكانــت‬
‫الزوجــة جميلــة وهــو بهــا معجــب‪ ،‬ومل يســمع أحــد عــن خــاف بينهــا‪ ،‬كل ذلــك دعــاين يف‬
‫أحــد لقــاءايت معــه أن أســتفرس عــن ســبب طالقــه‪ ،‬وإذا بــه أعجــب وأخفــى ســبب ســمعت بــه‪:‬‬
‫« َع َرقُهــا ال يطــاق»‪.‬‬
‫وتفاهمــت معــه رغــم وقــع املفاجــأة عــى مســامعي‪ ،‬ملــاذا مل تخربهــا بذلــك مــن بدايــة العلــم‬
‫بــه؟ وملــاذا مل تعمــل أنــت بحصافتــك عــى التخلــص منــه بـراء مزيــل للعــرق وإهدائــه إليهــا؟‬
‫مزيــا للعــرق ومل تســتعمله إال مرتــن تقري ًبــا‬
‫ً‬ ‫قــال‪ :‬مل أجــرؤ عــى إخبارهــا‪ ،‬ولكنــي اشــريت‬
‫وغلبتهــا عادتهــا يف إهــال ذلــك ومل تنتبــه إىل اشــمئزازي مــن عرقهــا‪.‬‬
‫وقــال‪ :‬لقــد كان األمــر يف البدايــة محتمـ ًـا يل‪ ،‬ولكنــي أصبحــت متوتـ ًرا جـ ًّدا كلــا اقرتبــت منهــا‬
‫خاصــة أنهــا غزيــرة العــرق‪ .‬ومل أعــد بعــد ذلــك احتملهــا‪ ،‬حتــى يف مالطفتهــا يل‪.‬‬
‫وقــال‪ :‬لقــد أصبحــت أرى كل امــرأة جميلــة وأقــول يف نفــي (زمــان عرقهــا وحــش) وقلــت أنــا يف‬
‫الســخط تبــدي املســاويا‪.‬‬
‫نفــي‪ :‬وعــن ُّ‬
‫***‬

‫‪142‬‬
‫متى تص ّدقك زوجتك؟‬

‫* أيهــا الــزوج العزيــز‪ :‬ه َّيــا ندخــل بأســاعنا إىل بيــوت النبــي صــى اللــه عليــه وســلم لنعلــم‬
‫طريقتــه يف شــأن مــا يــؤكل يف بيتــه‪.‬‬
‫فقــد أورد اإلمــام الغ ـزايل يف إحيــاء علــوم الديــن‪ ،‬قــال‪ :‬كان صــى اللــه عليــه وســلم يــأكل مــا‬
‫حــر وال يــر ّد مــا وجــد‪ ،‬إن وجــد متـ ًرا دون خبــز أكلــه‪ ،‬وإن وجــد خبــز بُـ ّر أو شــعري أكلــه‪ ،‬وإن‬
‫وجــد حلـ ًوا أو عسـ ًـا أكلــه‪ ،‬وإن وجــد لب ًنــا دون خبــز اكتفــى بــه‪ ،‬وإن وجــد بطي ًخــا أو رط ًبــا أكلــه‪.‬‬
‫قــال اإلمــام العراقــي يف تخريــج أحاديــث اإلحيــاء‪ :‬هــذا كلــه معــروف مــن أخالقــه صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم‪ ،‬ثــم أورد األحاديــث ومنهــا‪ :‬عــن جابــر ريض اللــه عنــه أن النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم ســأل أهلــه األُ ْد َم فقالــوا‪ :‬مــا عندنــا إال خــل‪ ،‬فدعــا بــه وقــال‪« :‬نعــم األد ُم الخــل» رواه‬
‫مســلم‪ ،‬وعنــد الرتمــذي قصــة شــبيهة يــوم فتــح مكــة‪ ،‬إذ دخــل عــى أم هانــئ بنــت أيب طالــب‬
‫ي النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪« :‬أعنــدك يشء؟»‬ ‫ريض اللــه عنهــا جائ ًعــا‪ ،‬قالــت‪ :‬دخــل عـ ّ‬
‫ـات نعــم األدم الخــل» كــا ورد عنــه صــى‬ ‫قلــت‪ :‬ال‪ ،‬إال ك ـرات خبــز يابــس وخــل‪ ،‬فقــال‪« :‬هـ ِ‬
‫اللــه عليــه وســلم أنــه مــا عــاب طعا ًمــا قُــدم إليــه قــط‪ ،‬إن اشــتهاه أكلــه‪ ،‬وإن عافتــه نفســه تركــه‪.‬‬
‫فعــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬مــا عــاب رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم طعا ًمــا قــط‬
‫إن اشــتهاه أكلــه‪ ،‬وإن كرهــه تركــه» رواه البخــاري ومســلم‪.‬‬
‫* أخــي الــزوج الفاضــل‪ :‬قــد عشــت دهـ ًرا يف بيــت أهلــك وأحببــت مــا كان يقــدم لــك‪ ،‬وهــا أنــت‬
‫يف بيتــك‪ ،‬وزوجتــك كانــت يف بيــت آخــر لــه نظامــه وطريقتــه يف طهــي الطعــام‪ ،‬قــد يعجبــك‪،‬‬
‫وقــد ال يــروق لــك‪ ،‬فإيّــاك أيهــا العاقــل أن تقــول ولــو ماز ًحــا عندمــا تضــع زوجتــك الطعــام (اللــه‬
‫يرحمــك يــا أ ِّمــي) فــإن هــذه الكلمــة وأمثالهــا تنــزل عــى صــدر زوجتــك كــا لــو ُضبــت بســكني‪،‬‬
‫وقــد يكــون ذلــك وأمثالــه مــا يجعلهــا تضيــق بأمــك الغاليــة‪ ،‬بــل وقــد تتســبب يف كراهيتهــا‬
‫حتــى ولــو كانــت قــد توفاهــا اللــه إىل رحمتــه‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫واسمع مني همسة يف أذنك‪ :‬إذا مل يعجبك أمر من صنع زوجتك فأدم مدحها‪:‬‬
‫أول‪ :‬ألنك ستصدق نفسك مع التكرار‪.‬‬ ‫ً‬
‫فعــا ســتحاول‬ ‫وثان ًيــا‪ :‬هــي مضطــرة لتصديقــك لحاجتــك وفرحهــا للثنــاء مــن جهــة‪ ،‬وألنهــا ً‬
‫تحســينه وتقدميــه كل مــرة بأحســن كيفيــة مــن جهــة أخــرى ليســتديم الثنــاء‪.‬‬
‫وباملناســبة أيهــا الــزوج العاقــل‪ ،‬الدنيــا كلهــا‪ ،‬والنــاس جمي ًعــا يف حاجــة إىل هــذا األســلوب‪ ،‬وليــس‬
‫ذلــك مــن بــاب املـزاح‪.‬‬
‫* ومبناســبة الطعــام ينبغــي لــرب البيــت أال يســتأثر بــيء مــن الطعــام دون أهلــه‪ ،‬فــإن ذلــك‬
‫مــا يوغــر الصــدور‪ ،‬ويســقط مــن يفعــل ذلــك مــن العيــون‪.‬‬
‫* قــال اإلمــام ســفيان الثــوري رحمــه اللــه‪ :‬بلغنــا أن اللــه ومالئكتــه يصلــون عــى أهــل بيــت‬
‫يأكلــون جامعــة‪ .‬انتهــى‪.‬‬
‫وأنــا أذكــر حديــث رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم عــن وحــي بــن حــرب ريض اللــه عنــه‪،‬‬
‫أن أصحــاب رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم قالــوا‪ :‬يــا رســول اللــه‪ ،‬إنــا نــأكل وال نشــبع؟ قــال‪:‬‬
‫«فلعلكــم تفرتقــون؟» قالــوا‪ :‬نعــم‪ .‬قــال‪« :‬اجتمعــوا عــى طعامكــم‪ ،‬واذكــروا اســم اللــه يبــارك‬
‫لكــم فيــه» رواه أبــو داود‪ .‬فاحــرص يــا أخــي عــى نــزول الربكــة إىل بيتــك‪ ،‬وأدخــل الفــرح عــى‬
‫أهلــك‪ ،‬واجتمــع مــع زوجتــك عــى الطعــام ومــع أوالدك‪ ،‬فكــم هــي يف حاجــة لهــذا األمــر جـ ًّدا‪،‬‬
‫وكــم هــي حاجــة أوالدك لذلــك‪ ،‬فــا تحرمهــم‪ ،‬ال حرمــك اللــه مــن ســعادة الداريــن‪.‬‬
‫* أخــي الــزوج‪ :‬هــل جربــت نفســك مــرة‪ ،‬فأخــذت تحمــل مــع زوجتــك وأوالدك آنيــة الطعــام يف‬
‫مــرح وخ ّفــة‪ ،‬مــع مســامرة لطيفــة مــع الزوجــة‪ ،‬وثنــاء عــى طعامهــا ورغبتــك فيــه‪ ،‬وانتظــارك لــه‬
‫طــوال اليــوم‪ ،‬وأنــك تشــم رائحتــه دون روائــح أطعمــة الجـران ومتيــزه وتشــتهي هــذه الرائحــة؟‬
‫لــو فعلــت!! أخــاف فقــط أن ينســكب الطعــام مــن يــد الزوجــة التــي يطــر عقلهــا فر ًحــا عنــد‬
‫ذلــك‪ .‬أؤكــد لــك بــأن زوجتــك لــن تشــي تع ًبــا‪ ،‬بــل لــن تحتــاج إىل أدويــة وعــرض عــى الطبيــب‬
‫إن كانــت تشــكو مرضً ــا‪.‬‬
‫ـدي رحمــة اللــه عليهــا عــى‬ ‫* وأيضً ــا مبناســبة الطعــام‪ ،‬أذكــر أننــي كنــت أعجــب مــن حــرص والـ َّ‬
‫مطالبتنــا أثنــاء الطعــام بــأن منضــغ الطعــام والفــم –مقفــول‪ -‬حتــى ال يُســمع للمضــغ صــوت مــؤ ٍذ‬

‫‪144‬‬
‫لآلخريــن‪ ،‬فــا رأيــك أنــت أيهــا الــزوج يف هــذا األمــر؟‬
‫إن كنــت تفعــل فيحســن األخــذ بهــذه النصيحــة‪ ،‬وإن كنــت تتــأذى مــن فعــل زوجتــك لذلــك‪،‬‬
‫فطب ًعــا عليــك بالتلطــف يف إخبارهــا حتــى ال تؤذيهــا يف شــعورها بحرصــك عــى منعهــا فيــا‬
‫يــؤذي شــعورك‪.‬‬
‫***‬

‫‪145‬‬
‫تريد أن متلكك ‪ ..‬لتسعدك‬

‫* عــن العربــاض بــن ســارية ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬ســمعت رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫يقــول‪« :‬إن الرجــل إذا ســقى امرأتــه مــن املــاء أُجــر» قــال‪ :‬فأتيتهــا فســقيتها وحدثتهــا مبا ســمعت‬
‫مــن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬رواه أحمــد والطـراين يف املعجــم الكبــر والصغــر‪.‬‬
‫فــا أجمــل هــذا التّل ّقــي عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬ومــا أرسعهــم ريض اللــه عنهــم يف‬
‫اغتنــام النصائــح وتنفيذهــا‪ ،‬ومــا أروع ســهولة الحيــاة وانســياب نفوســهم مــع زوجاتهــم‪ ،‬وبــا‬
‫حواجــز يضعهــا البعــض جهـ ًـا باســم الكرامــة والرجولــة والوقــار واالحتشــام‪.‬‬
‫والــذي يفــوق ذلــك روعــة مــا كان يفعلــه النبــي صــى اللــه عليــه وســلم كــا روت الســر‪ ،‬أن‬
‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم كان يتحــرى موضــع رشب عائشــة مــن اإلنــاء ويــرب مــن هــذا‬
‫املوضــع وأمــام النــاس‪ ،‬حتــى يتعلمــوا ويتأدبــوا بأدبــه صــى اللــه عليــه وســلم‪.‬‬
‫فيا الله‪ ،‬ثم يا الله‪ ،‬فهل بعد ذلك جامل وسم ّو يف املعارشة!!‬
‫* عــن عمــرو بــن أميــة ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬مــر عثــان بــن عفــان أو عبــد الرحمــن بــن عــوف‬
‫مبــرط أي كســاء –واســتغاله ‪ ..‬قــال فمــر بــه عــى عمــرو بــن أميــة فاشـراه فكســاه امرأتــه ســخيلة‬
‫بنــت عبيــدة‪ ،‬فمــر بــه عثــان أو عبــد الرحمــن فقــال‪ :‬مــا فعــل املــرط الــذي ابتعــت؟ قــال‬
‫عمــرو‪ :‬تص ّدقــت بــه عــى ســخيلة بنــت عبيــدة فقــال‪ :‬إن كل مــا صنعــت إىل أهلــك صدقــة؟ قــال‬
‫عمــرو‪ :‬ســمعت رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يقــول ذلــك‪ .‬فذكــر مــا قــال عمــرو لرســول‬
‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪« :‬صــدق عمــرو‪ ،‬كل مــا صنعــت إىل أهلــك فهــو صدقــة‬
‫عليهــم» رواه أبــو يعــى والطـراين‪ ،‬ورجالــه ثقــات‪.‬‬
‫وعــن أيب مســعود البــدري ريض اللــه عنــه عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬إذا أنفــق‬
‫الرجــل عــى أهلــه نفقــة يحتســبها فهــي لــه صدقــة» رواه البخــاري ومســلم‪.‬‬
‫وعــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬دينــار أنفقتــه يف‬

‫‪146‬‬
‫ســبيل اللــه‪ ،‬ودينــار أنفقتــه يف رقبــة‪ ،‬ودينــار تصدقــت بــه عــى مســكني‪ ،‬ودينــار أنفقتــه عــى‬
‫أهلــك‪ ،‬أعظمهــا أج ـ ًرا الــذي أنفقتــه عــى أهلــك» رواه مســلم‪.‬‬
‫فــا أعظــم هــذا الديــن‪ ،‬ومــا أرحــم رب هــذا الديــن باملســلمني‪ ،‬إذ جعــل عملهــم مــن أجــل‬
‫النفقــة عــى عيالهــم وذويهــم يف ســبيل اللــه مثــل املجاهديــن‪ ،‬كــا جعــل نفقتهــم عــى مــن‬
‫يحبــون ويضطــرون للنفقــة عليهــم بحكــم الفطــرة صدقــة أعظــم مــن النفقــة يف ســبيل اللــه‪.‬‬
‫ولكــن يــا أخانــا العزيــز ليــس هنــاك عظمــة فــوق مــا أخــر عنــه نبينــا صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫ســعد بــن أيب وقــاص ريض اللــه عنــه‪« :‬وإنــك لــن تنفــق نفقــة تبتغــي بهــا وجــه اللــه إال أجــرت‬
‫بهــا حتــى مــا تجعــل يف يفِّ امرأتــك» رواه البخــاري ومســلم‪.‬‬
‫واســمع مــا قالــه ســادتنا العلــاء يف رشح هــذا الحديــث‪ ،‬قالــوا‪ :‬ظاهــر الحديــث مقصــود‪ ،‬وهــو‬
‫أن يضــع الرجــل الطعــام يف فــم امرأتــه‪ ،‬وقــد ورد ذلــك رصي ًحــا يف روايــة البخــاري «حتــى اللقمــة‬
‫ترفعهــا إىل يفّ امرأتــك» ألن يف ذلــك تطيي ًبــا لنفســها‪ ،‬ومداعبــة للزوجــة وإدخــال الــرور واملــرح‬
‫عليها ‪.‬‬
‫* أخــي الــزوج الحبيــب‪ :‬هــؤالء ســادة البرشيــة وعظامؤهــا وبينهــم أرشف الخلــق‪ ،‬وهــذا منهجهم‬
‫يف املعــارشة الزوجيــة‪ :‬يســقيها بيــده املــاء‪ ،‬ويتحــرى موضــع رشبهــا مــن اإلنــاء ويــرب‪ ،‬ويضــع‬
‫يف فمهــا الطعــام‪ .‬فســبحان اللــه والحمــد للــه أن جعــل ديننــا ســعاد ًة وح ًّبــا ومر ًحــا ومداعب ـ ًة‬
‫ومالطفـ ًة وســخاء مــع األهــل‪ ،‬ثــم أثابنــا عليــه الجنــة والثــواب‪.‬‬
‫* أخــي الــزوج‪ :‬روى ابــن ماجــة عــن أيب ذر الغفــاري ريض اللــه عنــه أن النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم قــال‪« :‬ال عقــل كالتدبــر»‪ ،‬وعــن أيب الــدرداء ريض اللــه عنــه عــن النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم قــال‪« :‬مــن فقــه الرجــل رفقــه يف معيشــته» رواه أحمــد‪ ،‬وروى الطـراين عــن جابــر ريض‬
‫اللــه عنــه قــال‪ :‬ســمعت النبــي صــى اللــه عليــه وســلم يقــول‪« :‬الرفــق يف املعيشــة خــر مــن‬
‫بعــض التجــارة» وقــال اللــه تعــاىل‪{ :‬لِ ُي ْن ِفـ ْـق ذُو َسـ َع ٍة ِمـ ْن َسـ َع ِت ِه َو َمـ ْن قُـ ِـد َر َعلَ ْيـ ِه ِر ْزقُـ ُه فَلْ ُي ْن ِفـ ْـق‬
‫ِمـ َّـا َآتَــا ُه اللَّ ـ ُه لَ يُ َكلِّـ ُـف اللَّ ـ ُه نَف ًْســا إِ َّل َمــا َآتَا َهــا} [الطــاق‪ ]7 :‬فالكــال يف االعتــدال‪ ،‬فتدبــر‬
‫دامئًــا أمــر النفقــة‪ ،‬ومــع الزوجــة بعقــل وال تضطــرك املواقــف أن تكلــف نفســك باختيــارك فــوق‬
‫طاقتهــا‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫ُسفُــوا} [األعــراف‪ ،]31 :‬وقــد يكــون اإلرساف‬ ‫اشبُــوا َولَ ت ْ ِ‬
‫وتذكــر قــول اللــه تعــاىل‪َ { :‬وكُلُــوا َو ْ َ‬
‫بالنســبة لــك أحيانًــا هــو إنفــاق جنيــه‪ ،‬وقــد يكــون آلخــر نفــس املوقــف مائــة جنيــه ليســت‬
‫إرسافًــا‪ ،‬وأنصــح لــك بأمريــن‪:‬‬
‫أولهــا‪ :‬ال تنظــر‪ ،‬وال تجعــل زوجتــك تنظــر إىل غــرك يف قــدر النفقــة أو فيــا يقتنــي يف البيــت‪،‬‬
‫ـكل لــه ظروفــه وعــى قــدر طاقتــه‪ ،‬وحتــى ال تــورط البعــض يف اقتنــاء أشــياء بالديــن فأقنــع‬ ‫فـ ٌّ‬
‫زوجتــك وكــن حاسـ ًـا معهــا يف ذلــك لتعــرف نهايــة قدرتــك‪ ،‬ويف نفــس الوقــت ال تحرمهــا إن‬
‫كنــت قــاد ًرا‪.‬‬
‫األمر الثاين‪ :‬هو أن فتح هذا الباب ليس له غلق وتتأىت منه كثري من املشاكل الزوجية‪.‬‬
‫اجعــل نفقتــك مــع قدرتــك متالزمــن‪ ،‬ألن الكثــر مــن النــاس يجعــل نفقتــه أكــر مــن قدرتــه وهذا‬
‫يكــدر ويعكــر صفــو الحيــاة الزوجيــة وليــس يريــح أو ييــر املعايــش‪ .‬كــا جــاء يف الحديــث‪« :‬وال‬
‫فتــح عبــدٌ بــاب مســألة إال فتــح اللــه عليــه بــاب فقــر» رواه الرتمــذي وهــو صحيــح‪ ،‬أي كلــا‬
‫توســع العبــد يف الطلــب كلــا احتــاج وافتقــر أكــر‪.‬‬
‫ولكــن ال يصــل إىل التقتــر فقــد قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬كفــى باملــرء إمثًــا أن‬
‫يضيــع مــن يقــوت» رواه أبــو داود وغــره وروى مســلم معنــاه‪ .‬وليكــن لســان حالــك مــع األهــل‪:‬‬
‫قل مايل مل أكن لهم رفدً ا‬‫لهم ُج ُّل مايل إن تتابع يل غنى وإن ّ‬
‫* املــرأة ُخلقــت بطبــع حــب التملــك بقــدر أكــر مــن الرجــل‪ ،‬ومــن مظاهــر ذلــك حبهــا يف متلــك‪:‬‬
‫وقــت الــزوج‪ ،‬ورسه‪ ،‬وجيبــه‪ ،‬ونقــوده‪ ،‬وقلبــه‪ ،‬وكل شــعوره وعواطفــه‪ ،‬ولذلــك تــود أن تعــرف‬
‫َمــن التــي كان يحبهــا زوجهــا قبلهــا؟ و َمــن التــي ميكــن أن يتزوجهــا مــن بعدهــا إن ماتــت هــي‬
‫قبلــه؟؟ إنهــا ترغــب أن متلــك الــزوج نفســه حتــى لــي تســعده وتخــاف عليــه!! لذلــك يــا أخــي‬
‫اختلــف ســادتنا العلــاء حــول مســألة‪ :‬هــل يُطلــع الرجــل زوجتــه عــى أموالــه ومــا يف محفظتــه‬
‫أم ال؟ وجمهــور الســلف كان يــويص أن يحتفــظ الــزوج بذلــك دون إطــاع الزوجــة‪ ،‬ولعــل أعـراف‬
‫النــاس يف إطــاع الزوجــة العاقلــة أ ْوفــق لراحتهــا وليزيــد الثقــة عندهــا‪ ،‬خاصــة يف هــذه األزمنــة‬
‫التــي خرجــت املــرأة فيهــا للعمــل وللتكســب مثــل الرجــل‪ ،‬وحتــى يتــم التفاهــم بينهــا يف كيفيــة‬
‫التــرف يف دخــل كل منهــا‪.‬‬
‫***‬
‫‪148‬‬
‫‪ ..‬فكان كعب ال ينساها لطلحة‬

‫* مــاذا تحــب يــا أخــي العزيــز أن تفعلــه معــك زوجتــك إن عــدت إىل بيتــك مهمو ًمــا محزونًــا‬
‫لــيء حــدث لــك وأنــت خــارج البيــت؟ ومــاذا تهــوى مــن ســلوك الزوجــة حيالــك عندمــا تعــود‬
‫فر ًحــا منــرح الصــدر ألمــر أرسك وأفرحــك؟ ومــا هــي رغبتــك إن عــدت إىل البيــت وأنــت يف غايــة‬
‫ـغول مبوضــوع مهــم‬ ‫اإلرهــاق والتعــب؟ ومــاذا تتوقــع أن تراعيــه معــك زوجتــك إن كنــت مشـ ً‬
‫جـ ًّدا ميــأ عليــك أقطــار نفســك؟ وهكــذا يــا أخــي الــزوج ينتــاب كل إنســان أحــوال مــن الفــرح‬
‫والتعــب والشــغل وغــر ذلــك مــن األحــوال‪ ،‬وعــادة اإلنســان أن يعيــش حالــه هــو‪ ،‬دون وضــع‬
‫اعتبــار حالــة اآلخريــن‪ ،‬أو قــد يذهــل عــن ذلــك ملــا هــو فيــه‪ .‬وحتــى ال نصــدم أو نصــدم مــع َمــن‬
‫نعــارشه‪ ،‬وخاصــة الزوجــة‪ ،‬فيجــب مراعــاة حــال اآلخريــن‪ ،‬وليــس حــال النفــس وفقــط‪ ،‬ألن اآلخــر‬
‫لــه نفــس يعرتيهــا مثلــك أحــوال‪ ،‬وقــد ال تكــون أحوالــك متوافقــة مــع حــال اآلخــر‪.‬‬
‫* أخــي الــزوج‪ :‬املــرأة لهــا ظــروف مزاجيــة تعرتيهــا –خــاف الرجــل‪ -‬أحيانًــا بســبب مــا يحــدث‬
‫لهــا مــن تغـرات أثنــاء مـ ّدة الحيــض‪ ،‬وقــد تطــول‪ ،‬وبســبب الحمــل والــوالدة والرضاعــة‪ ،‬وفـرات‬
‫مــا تُســمى بســن اليــأس‪ ،‬وغــر ذلــك مــا يتعلــق بهــا كأنثــى‪ .‬ويُخطــئ مــن ال يتعــرف يف زوجتــه‬
‫تلــك األمــور‪ ،‬وال يراعــي أحوالهــا عنــد ذلــك‪ ،‬ويتعامــل معهــا‪ ،‬بــل ويطالبهــا مبــا كانــت تفعلــه يف‬
‫حالتهــا العاديــة‪ ،‬ناهيــك عــا يلحقهــا مــن األحــوال الســابق ذكرهــا كإنســان‪.‬‬
‫وانظــر يــا أخــي هدانــا اللــه وإيــاك إىل ســلوك النبــي صــى اللــه عليــه وســلم يف بعــض هــذه‬
‫األحــوال‪ ،‬وهــي حــال الحيــض الــذي يعــري الزوجــة ويتكــرر‪ ،‬وقــد تظــن أنهــا غــر مرغوبــة مــن‬
‫زوجهــا‪ ،‬أو أنــه يتحفــظ منهــا ويتجنبهــا تقــذ ًرا‪ ،‬تقــول عائشــة ريض اللــه عنهــا‪( :‬كانــت إحدانــا‬
‫إذا كانــت حائضً ــا فــأراد رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم أن يبارشهــا أمرهــا أن تتَّــزر ثــم‬
‫يبارشهــا‪ ،‬قالــت‪ :‬وأيكــم ميلــك إربــه كــا كان رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم ميلــك إربــه)‪.‬‬
‫رواه البخــاري ومســلم‪ ،‬وامل ـراد باملبــارشة هنــا التقــاء البرشتــن عــى أي وجــه كان‪ ،‬وذلــك دون‬

‫‪149‬‬
‫الــوطء يف الفــرج‪ ،‬وهــو مــا عنتــه الســيدة عائشــة ريض اللــه عنهــا بقولهــا‪( :‬وأيكــم ميلــك إربــه‬
‫كــا كان رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم ميلــك إربــه)‪.‬‬
‫فاملوافقــة يف هــذه األحــوال مــن حســن الصحبــة والعــرة‪ ،‬إذ املخالفــة موحشــة‪ ،‬ولعــل يف حديث‬
‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم الــذي رواه الحاكــم وقــال صحيــح عــى رشط البخــاري‬
‫ومســلم مــا يحمــل هــذا املعنــى حيــث قــال صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬خالقــوا النــاس بأخالقهــم»‬
‫فــإن العــرة واأللفــة تحتــاج للمجاملــة وتطييــب القلــب‪.‬‬
‫* عــن كعــب بــن مالــك‪ ،‬شــاعر رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم وهــو أحــد الثالثــة الذيــن‬
‫تحلّفــوا عــن الغــزو مــع رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فتــاب اللــه عــز وجــل عليــه وأنــزل‬
‫توبتهــم يف القــرآن‪ ،‬قــال‪( :‬وانطلقــت أتأ َّم ـ ُم رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يتلقــاين النــاس‬
‫فو ًجــا فو ًجــا يهنئــوين بالتوبــة ويقولــون يل‪ :‬لتهنــك توبــة اللــه عليــك‪ ،‬حتــى دخلــت املســجد فــإذا‬
‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم جالــس حولــه النــاس‪ ،‬فقــام طلحــة بــن عبيــد اللــه ريض اللــه‬
‫عنــه يُهــرول حتــى صافحنــي وهنــأين‪ ،‬واللــه مــا قــام رجــل مــن املهاجريــن غــره‪ .‬فــكان كعــب ال‬
‫ينســاها لطلحــة) رواه البخــاري ومســلم‪.‬‬
‫فانظــر يــا أخــي مــا راعــاه ريض اللــه عنــه مــن ظــروف وحــال كعــب مــن الفــرح وقيامــه وتعبــره‬
‫عــن فرحــه معــه ولــه‪ ،‬وانظــر لهــذه الحركــة الجميلــة الخفيفــة التــي مل تكلــف طلحــة غــر القيــام‬
‫واملســارعة يف اســتقباله فلــم ينــس كعــب هــذا املوقــف لــه!! إن املواقــف الرشيفــة التــي يُراعــى‬
‫فيهــا الخاطــر ال تُنــى وتخلــد لصدقهــا وألنهــا خرجــت مــن نفــس زكيــة راقيــة‪ .‬حدثنــي أحــد‬
‫املعارشيــن لإلمــام البنــا رحمــه اللــه أنــه كان يف بيــت أحــد إخوانــه فقــدم لــه كوبًــا مــن الشــاي‬
‫فرشبــه‪ ،‬وبعــد خروجــه مــن البيــت ســارعت زوجــة املضيــف إىل الكــوب الــذي رشبــه اإلمــام‬
‫لتــرب بقيتــه تــركًا بــه‪ ،‬وكانــت املفاجــأة!! أنهــا وضعــت يف الشــاي مل ًحــا وليــس ســك ًرا‪ ،‬وحتــى‬
‫ال يشــعر أحــد بالحــرج رشب اإلمــام الشــاي بامللــح‪ .‬وأنــا أقــول‪ :‬لقــد أخفــى اإلمــام هــذا العمــل‬
‫الرشيــف العظيــم فأظهــره اللــه لينفعنــا بــه‪.‬‬
‫***‬

‫‪150‬‬
‫حديث خرافة‬

‫* عــن عائشــة ريض اللــه عنهــا قالــت‪« :‬حــدَّ ث رســول اللــه نســاءه ذات ليلــة حدي ًثــا فقالــت‬
‫امــرأة منهــن‪ :‬يــا رســول اللــه كأن الحديــث حديــث خرافــة‪ .‬قــال‪« :‬أتــدرون مــا خرافــة؟ إن‬
‫خرافــة كان رجـ ًـا مــن أهــل عــذرة أرستــه الجــن يف الجاهليــة فمكــث فيهــم ده ـ ًرا طويـ ًـا ثــم‬
‫ر ُّدوه إىل اإلنــس‪ ،‬فــكان يحــدث النــاس مبــا رأى فيهــم مــن األعاجيــب‪ ،‬فقــال النــاس حديــث‬
‫خرافــة» رواه أحمــد وأبــو يعــى والبـزار‪ .‬وروى الطـراين يف األوســط عــن عائشــة‪« :‬أن رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم ح َّدثهــا بحديــث وهــو معهــا يف لحــاف‪ ،‬فقالــت‪ :‬بــأيب وأمــي يــا رســول‬
‫اللــه‪ ،‬لــوال حدثتنــي بهــذا الحديــث لظننــت أنــه حديــث خرافــة‪ .‬فقــال الرســول صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم‪ :‬ومــا حديــث خرافــة يــا عائشــة؟ قالــت‪ :‬الــيء إذا مل يكــن قيــل خرافــة‪ .‬فقــال رســول‬
‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬إن أصــدق الحديــث حديــث خرافــة كان رجــل مــن بنــي عــذرة‬
‫ســبته الجــن وكان معهــم‪ ،‬فلــا اســرقوا الســمع أخــروه فخــر بــه النــاس فيجدونــه كــا قــال»‪.‬‬
‫* أخــي الــزوج الحبيــب‪ :‬مــا أجمــل تلــك األوقــات التــي يقضيهــا النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫مــع أهلــه يف هــذا الجــو اللطيــف‪ ،‬وتلــك املوضوعــات الشــيقة التــي تســتهوي النســاء‪ ،‬ومــا أعظــم‬
‫هــذا الخلــق الرائــع منــه صــى اللــه عليــه وســلم وهــو يالطــف زوجتــه عائشــة ريض اللــه عنهــا‬
‫ـغل‬
‫وهــا يف لحــاف واحــد‪ ،‬يحاورهــا وتحــاوره‪ ،‬ويوادهــا‪ ،‬وكــم مــن أزواج أقــل رتبــة وفضـ ًـا وشـ ً‬
‫مــن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يحســبون أن مثــل هــذا الحديــث‪ ،‬ومثــل هــذه املســامرة‪،‬‬
‫تضييــع للوقــت وحــط مــن كرامتهــم‪.‬‬
‫* أخــي وصديقــي‪ :‬لعلــك وأنــت تقــي معظــم وقتــك يف أعاملــك وأشــغالك خــارج البيــت‪ ،‬ال‬
‫تلتفــت إىل أن الزوجــة معظــم أيامهــا وأكــر وقتهــا داخــل البيــت‪ ،‬وبحكــم الفطــرة وتقســيم‬
‫الواجبــات يضطــر كل منكــا إىل ذلــك‪ .‬ولكــن هــل تفكــرت أنــك إن أصابــك ملــل وســآمة مــن‬
‫وجــودك خــارج البيــت ميكنــك بســهولة أن ترجــع إىل البيــت؟ أو العكــس ميكنــك الخــروج وقتــا‬

‫‪151‬‬
‫تريــد مــن البيــت بســبب وبغــر ســبب؟ أمل تشــعر رغــم تنقلــك مــن وإىل األماكــن املختلفــة‬
‫تحتــاج أحيانًــا إىل قتــل هــذا امللــل وســآمة التكـرار للــيء الواحــد‪ ،‬وذلــك بالرغبــة يف قطــع ذلــك‬
‫بنزهــة ولــو يف وقــت قليــل ويف مــكان ولــو قريــب مــا تســروح فيــه النفــس؟ زوجتــك يــا أخــي‬
‫ترغــب يف مثلــك!! بــل هــي أشــد حاجــة لذلــك‪ ،‬ملالزمتهــا البيــت‪ ،‬وكــرة مشــاغلها فيــه‪ ،‬ولكــرة‬
‫غيابــك أنــت عنهــا أيضً ــا!!‬
‫فليتَّــقِ اللــه رجــل مؤمــن يحــب ألخيــه مــا يحــب لنفســه‪ ،‬بــل واجــب الــزوج أن يحــرص عــى‬
‫تعاهــد ذلــك األمــر مــع زوجتــه فــا يضــرك يــا أخــي لــو نفّســت عــن زوجتــك وعنــك أيضً ــا‬
‫بنزهــة خــارج البيــت‪ ،‬وبجلســة كنــت تجلــس مثلهــا مــع نفــس زوجتــك أيــام البدايــات معهــا!!‬
‫ـوال؟؟‬‫ملــاذا ال تخــرج معهــا سـ ًرا عــى األقــدام حتــى يف منطقــة ســكنك دون أن يكلفــك ذلــك أمـ ً‬
‫أليــس مــن الجميــل الرائــع أداء زيــارة ألهلهــا أو ألهلــك م ًعــا يف صحبــة ومحادثــة وأنــت ممســك‬
‫بيدهــا أثنــاء ســركام؟‬
‫إن املــرأة تشــعر بشــعور رائــع وجميــل لــو أمســكت يدهــا وال تســتغرب مــن هــذه األمور‪ ،‬واســأل‬
‫إن شــئت النســاء إن كنــت تفكــر بأحاســيس الرجــال‪ .‬وال تقــل لقــد كــرت‪ ،‬أو أن هــذا خلــق‬
‫الشــباب‪ ،‬واســمع قــول امل ّجــرب‪:‬‬
‫إذا شاب قلب املرء شاب رجاؤه وشاب هواه وهو يف ضحوة العمر‬
‫وعــن أنــس بــن مالــك ريض اللــه عنــه خــادم النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬دعــا رجــل‬
‫فــاريس‪ ،‬النبــي صــى اللــه عليــه وســلم عــى طعــام‪ ،‬فقــال النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬أنــا‬
‫وعائشــة؟ فقــال‪ :‬ال‪ .‬فقــال‪ :‬فــا‪ .‬ثــم أجابــه بعــد‪ ،‬فذهــب هــو وعائشــة يتســاوقان‪ ،‬ف َقـ َّرب إليهــا‬
‫إهالــة» رواه اإلمــام مســلم‪ .‬فهــل بعــد هــذا الســلوك النبــوي الرشيــف مــن حرصــه صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم عــى اصطحــاب زوجتــه إىل الطعــام الــذي دعــاه إليــه هــذا الرجــل مــن فــارس‪ ،‬وهذا‬
‫املــرح املذهــل مــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم وهــو يســارع املــي يســابق الســيدة عائشــة‬
‫يف الطريــق‪ ،‬وانظــر إىل هــذا األســلوب يف املعــارشة يف وصــف أنــس ريض اللــه عنــه‪« :‬فقــرب‬
‫إليهــا إهالــة» أي وضــع أمامهــا م ًعــا الطعــام مــن اللحــم الســمني‪ ،‬أي أكل النبــي صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم عنــد املضيــف وأمامــه وقــد يكــون معــه هــو صــى اللــه عليــه وســلم وزوجتــه‪،‬‬

‫‪152‬‬
‫ومل يحرمهــا مــن صحبتــه وجلســته حتــى عنــد األغ ـراب!! فيــا مســلمون‪ :‬مــا أحوجنــا إىل هــدي‬
‫اإلســام ويــره‪ ،‬بــل وعظمتــه‪.‬‬
‫وأذكــر لــك يــا أخــي واقعــة بســيطة حدثــت معــي‪ ،‬ال أنســاها لخطورتهــا‪ :‬دخلــت إىل بيتــي‬
‫يو ًمــا وأنــا مكــدود مجهــد وبــوادر مــرض النقــرس الــذي يعــاودين قــد بــدأت‪ ،‬وجلســت مــع‬
‫زوجتــي وأوالدي لتنــاول الطعــام‪ ،‬ولكنــي الحظــت أن زوجتــي ال تــأكل ومتوقفــة عــن تنــاول‬
‫الطعــام‪ ،‬فدعوتهــا لتناولــه فقالــت يل‪( :‬عــاوزه أروح باكــوس وآجــي) وباكــوس هــي ســوق طعامنــا‬
‫ومشــرواتنا مــن الخضــار والفاكهــة‪ ،‬فقلــت لهــا‪ :‬اآلن؟! فلــم تــرد‪ ،‬ففهمــت أنهــا تريــد الخــروج‬
‫وفقــط‪ ،‬واتفقنــا عــى «فســحة» غ ـ ًدا‪ ،‬وصــارت باكــوس تعنــي تفاهمنــا العائــي‪ ،‬الحــد الحــرج‬
‫للرغبــة يف الخــروج‪.‬‬
‫* أخــي‪ :‬أختــم معــك هــذا الفصــل ببعــض آداب املعــارش‪ ،‬منهــا‪ ،‬أال تتدخــل معهــا يف بعــض مــا‬
‫ـال تشــعر فيــه أن لهــا‬
‫يعنيهــا مثــل شــؤونها يف التزيــن وشــؤون الخدمــة يف البيــت‪ ،‬واتــرك لهــا مجـ ً‬
‫دورهــا وشــخصيتها وحريتهــا‪ ،‬ومنهــا أال تكــر االع ـراض عــى آرائهــا ورغباتهــا وطلباتهــا وحــاول‬
‫أال تكــر بخاطرهــا‪ ،‬وتلطــف معهــا عنــد الــرورة إذا لــزم األمــر يف االع ـراض‪ .‬ومنهــا ســقوط‬
‫التكلــف مــع االحتشــام الالئــق لــدوام الصحبــة‪ ،‬ومنهــا ســامة الصــدر وإزالــة مــا بــه حتــى ال‬
‫يرتاكــم فيــؤذي فجــأة‪ .‬ومنهــا أال تلزمهــا مبــا تكــره طاملــا هنــاك متســع يف األمــر‪ .‬ومنهــا أال تكــر‬
‫مســاءلتها مــن أيــن وإىل أيــن‪ ،‬إال مــا كان يخــرج بهــا عــن حــد العــرف والــرع‪.‬‬
‫ومنهــا أال تكلفهــا مــا يشــق عليهــا‪ .‬ومنهــا أال تشــعرها أنــك مرتفــع عليهــا أو أنهــا دونــك ســواء‬
‫مــن الناحيــة االجتامعيــة والثقافيــة أو التعليميــة ‪ ..‬وغــر ذلــك‪.‬‬
‫وأخـ ًرا قالــوا‪ :‬اجعــل عملــك مل ًحــا وأدبــك دقي ًقــا‪ .‬ويريــدون مــن ذلــك أن اإلكثــار يف األدب مــع‬
‫العمــل القليــل خــر مــن العمــل الكثــر الخــايل مــن األدب‪.‬‬
‫***‬

‫‪153‬‬
‫م‬ ‫خ‬ ‫ل‬ ‫ف‬
‫ال�صل ا �ا س‬ ‫‪5‬‬
‫املوا َّدة جوهرة رقيقة تحتاج لحراسة وهي‬
‫معرضة لآلفات‬
‫* محاذير وموازين تحفظ العرشة بني املتصافني‬
‫نفيســا خاطــر بنفيــس‪ ،‬ومــن رغــب يف رغبــة بــذل لهــا‬ ‫* مــن طلــب ً‬
‫مرغوبًــا‪ .‬فمــن أرفــق مبُعــارشه حتــى ينــال مــن املبــاح‪ ،‬عــوض منــه‬
‫فــوق مــا يرغــب‪ ،‬ومــن رشاه اس ـراح‪.‬‬
‫* املحبــة الدامئــة واأللفــة الالزمــة للعــرة‪ ،‬يفســدها العتــاب‪ ،‬وال‬
‫يفســد الــوداد مثــل العتــاب‪ ،‬فإنــه يُوغــر الصــدور‪ ،‬ويجــد مــا يكــره‬
‫مــن األمــور‪ ،‬وهــو مبعــث الخصــام بــن األحبــاب‪.‬‬
‫* القلــوب تتقلــب كالقــدر إذا اســتج َم َع ْت َغلَيانًــا‪ ،‬والكريــم َمــ ْن‬
‫تغافــل وتحمــل عيــوب النــاس‪ ،‬وأقــال عرثاتهــم وقبــل أعذارهــم ومل‬
‫يبغضهــم‪ ،‬ملعرفتــه أن مــا كان منهــم مــن كيــد الشــيطان الخنــاس‪.‬‬
‫* مــن وفــور عقــل الرجــل علمــه بوفــور عواطــف املــرأة ورقتهــا‪،‬‬
‫فعواطــف املــرأة مثــل الزهــرة الرقيقــة الجميلــة‪ ،‬يشــمها وينظــر إليهــا‬
‫وال تحتمــل الفــرك وإال فســدت عليــه‪.‬‬
‫* عــوج املــرأة خلقــة فيهــا‪ ،‬فقــد ولــدت ومعهــا عذرهــا الفطــري‪ ،‬ومــن‬
‫قصــد أن يقيــم العــوج ش ـ َّوه ال ِخلْ َقــة كمــن قصــد إقامــة عــوج األنــف‬
‫واســتدارة العــن‪ ،‬فعنــد أهــل النظــر يُــرى الجــال يف العــوج‪ ،‬ومــن كــره‬
‫خل ًقــا أحــب آخــر‪.‬‬
‫***‬

‫‪154‬‬
‫حماذير وموازين حتفظ العشرة‬

‫* قــال الســادة العلــاء‪ :‬ليكــن مــن نيــة الــزوج يف الــزواج‪ :‬إقامــة ســنة‪ ،‬وصــاح القلــب‪ ،‬وســامة‬
‫الديــن‪ ،‬وغــض البــر‪ ،‬وتحصــن الفــرج‪ ،‬ويقصــد ذلــك لزوجتــه أيضً ــا‪.‬‬
‫ـض البــر وتحصــن الفــرج هــو املقصــود األول مــن الــزواج‪ ،‬ألن يف الجــاع تروي ًحــا للقلــب‪،‬‬ ‫* وغـ ُّ‬
‫وترسي ًحــا للهــم‪ ،‬وتنقي ًحــا للفــؤاد‪ .‬ولعــل يف إرشــاد النبــي صــى اللــه عليــه وســلم ألحــد شــباب‬
‫الصحابــة يف زواجــه األول‪ ،‬وهــو جابــر بــن عبــد اللــه ريض اللــه عنهــا‪ :‬بــأن يتــزوج بكــ ًرا إذ‬
‫قــال لــه‪« :‬هــا بك ـ ًرا تالعبهــا وتالعبــك» رواه البخــاري ومســلم‪ ،‬لعــل يف ذلــك تلمي ًحــا إىل هــذا‬
‫املقصــود‪ ،‬ومنــه أيضً ــا قولــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬وإذا نظــر إليهــا رستــه» الحديــث‪ ،‬بــل‬
‫اســتحب العلــاء ذلــك كــا قــال اإلمــام النــووي‪ :‬يســتحب نــكاح الشــابة ألنهــا املحصلــة ملقاصــد‬
‫النــكاح‪ ،‬فإنهــا ألــذ اســتمتا ًعا وأطيــب نكهــة وأرغــب يف االســتمتاع‪ ،‬وأحســن عــرة‪ ،‬وأفكــه‬
‫ملمســا‪ ،‬وأقــرب إىل أن يُ َعو ّدهــا زوجهــا األخــاق التــي يرتضيهــا‪.‬‬
‫محادثــة‪ ،‬وأجمــل منظـ ًرا‪ ،‬وألــن ً‬
‫* مــا يــدرك بالــذوق يعظــم إليــه الشــوق‪ ،‬ولعــل إخبــار ونصــح النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫لــأزواج إذا زيــن الشــيطان لهــم الحـرام أن يســارعوا إىل زوجاتهــم لــردوا عليــه كيــده‪ ،‬مــا يشــفي‬
‫النفــس ويقنعهــا بالتـزام هــذه النصيحــة‪.‬‬
‫فعــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه أن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬إن املــرأة تقبــل يف‬
‫ـأت أهلــه‪،‬‬‫صــورة شــيطان‪ ،‬وتدبــر يف صــورة شــيطان‪ ،‬فــإذا رأى أحدكــم مــن امــرأة مــا يعجبــه فليـ ِ‬
‫فــإن ذلــك يــر ّد مــا يف نفســه» رواه مســلم وأبــو داود والرتمــذي‪ ،‬ويؤخــذ مــن هــذا الحديــث‬
‫أن الشــيطان مــن تزيينــه للرجــل أن يريــه يف غــر زوجتــه مــا هــو يف زوجتــه‪ ،‬ومــا هــو ميلكــه‬
‫بالحــال‪ ،‬ولكــن يخيــل إليــه مــن ســحر الشــيطان أنهــا أحســن وأجمــل‪ ،‬فــإذا أىت أهلــه مل تعــد‬
‫كذلــك يف نفســه‪ ،‬إنهــا شــهوة مزينــة بصــورة شــيطانية‪ ،‬يقــول اإلمــام ابــن مفلــح الحنبــي‪ :‬إن‬
‫العــن تــرى غــر املقــدور عليــه عــى أحســن مــا هــو عليــه‪ .‬أي تــرى املمنــوع رش ًعــا أجمــل‬

‫‪155‬‬
‫وأطيــب وأوفــق وأفضــل مــا عندهــا وتقــدر عليــه مــن الحــال الطيــب‪ ،‬كــا أن الحديــث فيــه‬
‫أن إتيــان الزوجــة يطهــر القلــب‪ ،‬ويــر ّد كل إعجــاب بغريهــا إذا تعاهــد أمــر الجــاع كلــا خطــرت‬
‫ببالــه خواطــر الســوء‪.‬‬
‫* قــال ابــن حــزم الظاهــري‪ :‬فُــرض عــى الرجــل أن يجامــع امرأتــه‪ ،‬وأدىن ذلــك مــرة يف كل طهــر‪،‬‬
‫عــاص للــه تعــاىل‪ ،‬وبرهــان ذلــك قولــه تعــاىل‪{ :‬فَــ ِإذَا تَطَ َّهــ ْر َن‬
‫إن قــدر عــى ذلــك‪ ،‬وإال فهــو ٍ‬
‫فَأْت ُو ُه ـ َّن ِم ـ ْن َح ْيــثُ أَ َم َركُ ـ ُم اللَّـ ُه} [البقــرة‪ ،]222 :‬وقــال الشــافعي‪ :‬ال يجــب ذلــك عليــه‪ ،‬وقــال‬
‫أحمــد‪ :‬إن ذلــك مقــدر بأربعــة أشــهر‪ ،‬روي أن عمــر بــن الخطــاب ريض اللــه عنــه كان يطــوف يف‬
‫املدينــة فســمع امــرأة تُنشــد‪:‬‬
‫أال طال هذا الليل واسو َّد جانبُ ه وأ ّرقني أن ال حبيب أالعبه‬
‫فو الله لوال الله ال يشء غري ه ل ُزعزع من هذا الرسير جوانبه‬
‫وإكرام بعيل أن تُنال مراكبه‬ ‫مخافة ريب والحيا ُء يكفُّن ي‬

‫ـت بــه إىل‬


‫فلــا كان الغــد اســتدعى عمــر تلــك املــرأة وقــال لهــا‪ :‬أيــن زوجــك؟ فقالــت‪ :‬بعثـ َ‬
‫الع ـراق!! فاســتدعى عمــر نســا ًء فســألهن‪ :‬كــم مقــدار مــا تصــر عــن زوجهــا؟ فقلــن‪ :‬شــهرين‪،‬‬
‫ويقــل صربهــا يف ثالثــة أشــهر‪ ،‬وينفــد صربهــا يف أربعــة أشــهر‪ ،‬فجعــل عمــر مـ ّدة غيــاب الــزوج‬
‫أربعــة أشــهر‪ ،‬فــإذا مضــت أربعــة أشــهر اســر َّد الغازيــن وو َّجــه بقــوم آخريــن‪.‬‬
‫* قــال العلــاء‪ :‬واملســتحب لــه أال يُخلّيهــا مــن الجــاع لقــول النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪:‬‬
‫ـس النســاء‪ ،‬فمــن رغــب عــن ســنتي فليــس منــي»‬ ‫«ولكنــي أصــوم وأفكــر‪ ،‬وأصــي وأنــام‪ ،‬وأمـ ُّ‬
‫وذلــك اإلخــاء لهــا قــد يكــون ســب ًبا لفســادها أو للعــداوة والشــقاق بينهــا‪ ،‬دون أن يشــعر هــو‬
‫أو يتفطــن لحاجتهــا‪ ،‬وهــي عــادة ال تفصــح عــن رغبتهــا يف ذلــك‪ ،‬ويكمــن يف نفســها مــا يعكــر‬
‫وينكــد عيشــتها دون معرفــة األســباب الظاهــرة‪ .‬عــن عائشــة ريض اللــه عنهــا قالــت‪« :‬كان رســول‬
‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم مــا مــن يــوم إال وهــو يطــوف علينــا جمي ًعــا امــرأة امــرأة‪ ،‬فيدنــو‬
‫ويلمــس مــن غــر مســيس حتــى يفــي إىل التــي هــو يومهــا فيبيــت عندهــا» رواه أحمــد‬

‫‪156‬‬
‫والبيهقــي والحاكــم وصححــه وأبــو داود‪ ،‬ويف البخــاري ومســلم «كان إذا انــرف مــن صــاة‬
‫حريصــا‬
‫ً‬ ‫العــر دخــل عــى نســائه فيدنــو مــن إحداهــن» فصــى اللــه عليــه وســلم‪ .‬كــا كان‬
‫عــى جــر خواطــر النســاء وإزالــة كل أثــر مــن خواطــر الشــيطان مــن نفوســهن‪ ،‬وإشــاعة العدالــة‬
‫كل لواجباتــه‪ ،‬فقضــاء الوقــت يف‬ ‫واملحبــة واملالطفــة باملتــاع الحــال يف البيــوت‪ ،‬حتــى يتفــرغ ٌّ‬
‫املتــع الحــال خــر وأنفــع مــن ضيــاع الوقــت يف املشــاكل واألعطــال‪.‬‬
‫* جــاءت امــرأة إىل أمــر املؤمنــن عمــر بــن الخطــاب ريض اللــه عنــه تقــول‪ :‬إن زوجهــا ص ـ َّوام‬
‫ق ـ ّوام يقــوم الليــل يجــايف جنبــه عــن فراشــه مــن القيــام ويصــوم النهــار فأثنــى عليهــا وأثنــى‬
‫عــى صدقهــا يف اإلخبــار عــن صالحــه وتقــواه‪ ،‬فأعــادت عليــه نعتــه مــرة أخــرى‪ ،‬فأثنــى عليــه‬
‫عمــر‪ ،‬فأعــادت مــرة ثالثــة ثــم مضــت وهــي تقــول‪ :‬أشــكو بثــي إىل اللــه‪ .‬فقــال أحــد جلســائه‪:‬‬
‫ي بهــا‪ ،‬فأتــوا بهــا واســتعادها‬ ‫لقــد شــكت إليــك زوجهــا فلــم تشــكها يــا أمــر املؤمنــن‪ .‬فقــال عـ َّ‬
‫مــا قالــت وعــزم عــى صاحبــه أن يســتدعي زوجهــا وأن يحكــم بينهــا مــا دام هــو الــذي فهــم‬
‫شــكواها‪ ،‬فقــى بــأن يعتــر صاحــب أربــع زوجــات فيكــون لهــا ليلــة كل أربــع‪.‬‬
‫* إذا كانــت لــه زوجــات فــا يجمــع بينهــن يف مســكن واحــد‪ ،‬إال بــرىض كل واحــدة منهــن عــى‬
‫حــدة‪ .‬ألن فعــل ذلــك يســبب الغــرة ويشــعلها‪ ،‬وينغــص العيــش ويفــي إىل الخصومــات‪ ،‬وليــس‬
‫مــن رشط العــدل يف القســمة بــن الزوجــات التســوية يف الــوطء‪ ،‬غــر أن املســتحب أن يســاوي‬
‫بينهــن يف الــوطء ألنــه املقصــود‪ .‬فــإن وطــئ بعضهــن دون بعــض مل يأثــم بذلــك ألن الــوطء‬
‫طري ُقــه الشــهوة‪ ،‬وقــد متيــل الشــهوة إىل بعضهــن دون بعــض‪ ،‬ولهــذا قــال اللــه تعــاىل‪َ { :‬ولَ ـ ْن‬
‫ت َْســتَ ِطي ُعوا أَ ْن تَ ْع ِدلُــوا بَ ْ َ‬
‫ــن ال ِّن َســا ِء َولَــ ْو َح َر ْصتُــ ْم} [النســاء‪ ]129 :‬قيــل يف التفســر‪ :‬يف الحــب‬
‫والجــاع‪ ،‬وقــد روى أصحــاب الســنن عــن عائشــة ريض اللــه عنهــا أن النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم كان يقســم بــن نســائه ويقــول‪« :‬اللهــم هــذا قســمي فيــا أملــك فــا تلمنــي فيــا متلــك‬
‫وال أملــك» أي أنــه صــى اللــه عليــه وســلم كان يحــرص عــى العــدل بــن الزوجــات فيــا كُلــف‬
‫بــه مــن النفقــة واملبيــت‪ ،‬ولكنــه يعتــذر عــن ميــل قلبــه صــى اللــه عليــه وســلم إىل إحداهــن‬
‫أكــر مــن غريهــا‪.‬‬
‫* وقــد يضطــر الرجــل يف بعــض األحــوال إىل تــرك وطء الزوجــة لبعــض ســلوكها معــه أو مــع غــره‪،‬‬

‫‪157‬‬
‫تأدي ًبــا لهــا وإشــعا ًرا لهــا بعــدم رضــاه عــن هــذا الســلوك‪ ،‬كــا فعــل رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم مــع بعــض أزواجــه‪ ،‬فعــن صفيــة بنــت حيــي زوج النبــي صــى اللــه عليــه وســلم «أنــه‬
‫حــج بنســائه حتــى إذا كان ببعــض الطريــق نــزل فســاق بهــن فــأرسع فقــال النبــي صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم‪ :‬كذلــك ســوقك بالقواريــر‪ ،‬يعنــي النســاء‪ ،‬فبينــا هــم يســرون بــرك بصفيــة بنــت‬
‫حيــي جملهــا‪ ،‬وكانــت مــن أحســنهن ظه ـ ًرا –أي ركوبــة‪ -‬فبكــت وجــاء رســول اللــه صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم حتــى أُخــر بذلــك‪ ،‬فجعــل ميســح دموعهــا بيــده وجعلــت تــزداد بــكا ًء وهــو ينهاهــا‪،‬‬
‫فلــا أكــرت زبرهــا –أي زجرهــا‪ -‬وانتهرهــا وأمــر النــاس فنزلــوا ومل يكــن يريــد أن ينــزل‪ ،‬قالــت‪:‬‬
‫فنزلــوا وكان يومــي‪ ،‬فلــا نزلــوا ُضب خبــاء رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم ودخــل فيــه‪،‬‬
‫قالــت فلــم أدر عــى مــا أهجــم مــن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فخشــيت أن يكــون يف‬
‫نفســه يشء‪ ،‬فانطلقــت إىل عائشــة فقلــت لهــا‪ :‬تعلمــن أين مل أكــن ألبيــع يومــي مــن رســول اللــه‬
‫ـت يومــي لــك أن تــريض رســول اللــه صــى اللــه‬ ‫صــى اللــه عليــه وســلم بــيء أب ـ ًدا‪ ،‬وإين وهبـ ُ‬
‫عليــه وســلم ع ّنــي‪ ،‬فقالــت‪ :‬نعــم‪ .‬فأخــذت عائشــة خــا ًرا لهــا قــد ثردتــه بزعفـران فرشــته باملــاء‬
‫ليــذيك ريحــه‪ ،‬ثــم انطلقــت إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فرفعــت طــرف الخبــاء فقــال‪:‬‬
‫مالــك يــا عائشــة إن هــذا ليــس بيومــك!! قالــت ذلــك فضــل اللــه يؤتيــه مــن يشــاء‪ ،‬فقــال مــع‬
‫أهلــه‪ .‬فلــا كان عنــد الــرواح قــال لزينــب بنــت جحــش أفقــري أختــك صفيــة جمـ ًـا‪ ،‬وكانــت‬
‫مــن أكرثهــن ظهـ ًرا‪ ،‬فقالــت‪( :‬أنــا أفقــر –أي أعطــي‪ -‬يهوديتــك؟) فغضــب النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم حــن ســمع ذلــك منهــا فهجرهــا فلــم يكلمهــا حتــى قــدم مكــة وأيــام منــى يف ســفره حتــى‬
‫رجــع إىل املدينــة واملحــرم وصفــر فلــم يأتهــا ومل يقســم لهــا حتــى يئســت منــه‪ ،‬فلــا كان شــهر‬
‫ي النبــي صــى‬ ‫ربيــع األول دخــل عليهــا فــرأت ظلَّـ ُه فقالــت‪ :‬إن هــذا لظــل رجــل ومــا يدخــل عـ َّ‬
‫اللــه عليــه وســلم!! فدخــل النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فلــا دخــل قالــت‪ :‬يــا رســول اللــه‬
‫ي!! قالــت‪ :‬وكانــت لهــا جاريــة وكانــت تخبئهــا مــن رســول‬ ‫مــا أدري مــا أصنــع حــن دخلــت عـ َّ‬
‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فقالــت‪ :‬فالنــة لــك‪ ،‬فمــى رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم إىل‬
‫رسيــر زينــب وكان قــد ُرفــع فوضعــه بيــده ثــم أصــاب أهلــه وريض اللــه عنهــم» رواه أحمــد يف‬
‫مســنده ورجالــه ثقــات‪ .‬وأرجــو أال يفوتــك يــا أخــي الــزوج وأنــت تقــرأ هــذا الحديــث‪ ،‬بعــض‬

‫‪158‬‬
‫ـوي مثــل «فجعــل ميســح دموعهــا بيــده» أو هــذه املداعبــة الرقيقــة «مــا لــك‬ ‫روائــع الســلوك النبـ ّ‬
‫يــا عائشــة إن هــذا ليــس بيومــك!!» ومــا أجمــل هــذا الــرد مــن عائشــة ريض اللــه عنهــا وداللهــا‬
‫ورضاهــا البالــغ «ذلــك فضــل اللــه يؤتيــه مــن يشــاء»‪.‬‬
‫* عــن جابــر ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬بينــا نحــن مــع رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يف‬
‫الســوق إذ امــرأة أخــذت بعنــان دابتــه وهــو عــى حــار فقالــت‪ :‬يــا رســول اللــه إن زوجــي‬
‫ال يقربنــي فف ـ ّرق بينــي وبينــه‪ ،‬وم ـ َّر زوجهــا فدعــاه النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬مــا‬
‫لــك ولهــا؟ جــاءت تشــكو منــك ح ًّقــا‪ ،‬تشــكو منــك أنــك ال تقربهــا‪ .‬قــال‪ :‬يــا رســول اللــه والــذي‬
‫أكرمــك إن عهــدي بهــا بهــذه الليلــة‪ .‬وبكــت املــرأة فقالــت‪ :‬كــذب‪ ،‬فـ ّرق بينــي وبينــه‪ ،‬فإنــه مــن‬
‫أبغــض خلــق اللــه إ ّيل‪ ،‬فتبســم رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم ثــم أخــذ برأســه ورأســها‬
‫فجمــع بينهــا وقــال‪ :‬اللهــم أُدن كل واحــد منهــا مــن صاحبــه‪ .‬قــال جابــر‪ :‬فلبثنــا مــا شــاء اللــه‬
‫أن نلبــث ثــم مـ َّر رســول اللــه بالســوق فــإذا نحــن باملــرأة تحمــل أُ ْدمــا‪ ،‬فلــا رأتــه طرحــت األدم‬
‫وأقبلــت إىل النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فقالــت‪ :‬يــا رســول اللــه والــذي بعثــك بالحــق مــا خلق‬
‫اللــه مــن بــر أحــب إ ّيل منــه إال أنــت» رواه أبــو يعــى وهــو حديــث صحيــح‪.‬‬
‫* قــال اإلمــام النــووي يف قولــه تعــاىل‪{ :‬فَأْتُــوا َح ْرث َ ُكـ ْم أَ َّن ِشـئْتُ ْم} [البقــرة‪ ]223 :‬أي موضــع الــزرع‬
‫مــن املــرأة وهــو قبلهــا الــذي يــزرع فيــه املنــي البتغــاء الولــد‪ .‬قــال‪ :‬وفيــه إباحــة وطئهــا يف قبلهــا‬
‫إن شــاء مــن بــن يديهــا وإن شــاء مــن ورائهــا وإن شــاء مكبوبــة‪ ،‬وأمــا الدبــر فليــس هــو بحــرث‬
‫وال موضــع زرع‪.‬‬
‫* عــن أيب ســعيد الخــدري ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬إن‬
‫مــن أرش النــاس عنــد اللــه منزلــة يــوم القيامــة الرجــل يفــي إىل امــرأة وتفــي إليــه ثــم ينــر‬
‫رسهــا» رواه مســلم‪ ،‬وقــال النــووي يف رشحــه‪ :‬تحريــم إفشــاء الرجــل مــا يجــري بينــه وبــن امرأتــه‬
‫مــن أمــور االســتمتاع ووصــف تفاصيــل مــا يجــري مــن املــرأة فيــه مــن قــول أو فعــل ونحــوه‪،‬‬
‫فأمــا مجــرد ذكــر الجــاع فــإن مل تكــن فيــه فائــدة وال إليــه حاجــة فمكــروه ألنــه خــاف املــروءة‪.‬‬
‫***‬

‫‪159‬‬
‫التغافل حسن اخللق‬

‫* عــن ســهل بــن ســعد ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬إن اللــه‬
‫عــز وجــل كريــم يحــب الكرمــاء ويحــب معــايل األمــور ويكــره سفســافَها» رواه الطـراين‪ ،‬ولذلــك‬
‫قــال اإلمــام أحمــد بــن حنبــل‪ :‬تســعة أعشــاء حســن الخلــق يف التغافــل‪ .‬ومعنــى التغافــل تكلــف‬
‫الغفلــة مــع العلــم واإلدراك ملــا يتغافــل عنــه‪ ،‬تكر ًمــا وترف ًعــا عــن سفســاف األمــور‪ ،‬وقــد كان مــن‬
‫الوصــف الــذي ُمــدح بــه ســيدنا عــي بــن أيب طالــب أنــه كان يف بيتــه كالثعلــب وخارجــه كالليــث‪.‬‬
‫أي أنــه كان كاملتنــاوم املُغْــي عي ًنــا عــن ُمجريــات األحــداث التــي تقــع حولْــه‪ ،‬مــع إدراكــه‬
‫وعلمــه بهــا‪ ،‬إكرا ًمــا ألهلــه‪ ،‬وألّ يوقعهــم يف حــرج‪ ،‬وأال يــرون منــه التتبــع الــذي يرهــق شــعورهم‬
‫ويشــد أحاسيســهم‪ .‬وقــال أنــس بــن مالــك ريض اللــه عنــه‪« :‬كان رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم ال يواجــه أحــدً ا بــيء يكرهــه» رواه أبــو داود والرتمــذي والنســايئ‪.‬‬
‫إنــه التغــايض الكريــم حتــى ال يحــرج املشــاعر أو يكــر الخاطــر‪ ،‬وهــذا بالطبــع يف غــر املعــايص‬
‫ومغاضــب اللــه‪ .‬ومــن األمــور التــي تعــارف عليهــا البعــض رغــم مخالفتهــا لهــذا التوجيــه النبــوي‬
‫قــول البعــض‪« :‬أنــا أقــول لألعــور أنــت أعــور يف عينــه» ويقصــد بذلــك البطولــة والتــادح‪ .‬أو‬
‫يقــول البعــض‪« :‬أنــا مــا اتحملــش أشــوف حاجــة عوجــة واســكت»‪ ،‬وهــذه األقــوال واألفعــال‬
‫نفســها هــي التــي يجــب أال يســكت عليهــا ويصــدق فيهــا قــول القائــل‪ :‬وأ َخـ ُّـف مــن بعــض‬
‫الــدواء ال ـ ّداء‪.‬‬
‫***‬

‫‪160‬‬
‫ُجع الزمان فكان يوم رضاك‬
‫* أوىص عبــد اللــه بــن جعفــر بــن أيب طالــب ريض اللــه عنهــم أحــد بنيــه فقــال‪ :‬إيــاك وكــرة‬
‫ال َعتْــب فإنــه يُ ـ َو ّرث البغضــاء‪.‬‬
‫* فيــا أخــي الــزوج الكريــم‪ :‬خــذ مــن علــاء أهــل بيــت النبــوة هــذه النصيحــة والوصيــة الغاليــة‬
‫ألن العتــاب يضطــر امل ُعاتــب إىل التربيــر والكــذب غال ًبــا للخــروج مــا يعاتــب عليــه‪ ،‬ويفتــح‬
‫بــاب اللجــج والخصومــة‪ ،‬ويجــدد مشــاعر تكــون قــد نُســيت‪ ،‬ف ُيعيــد ذلــك نفــس األســباب التــي‬
‫أفضــت إىل مــا يعاتــب فيــه‪ .‬ومــا أكــر مــا مـ َّر بــكل واحــد منــا مــن مواقــف أ ّدى العتــاب فيهــا‬
‫إىل أمــور أشــنع مــا بــدأ العتــاب فيــه‪ .‬ولعـ ّـل مــا يخطــر يف البــال هــو‪ :‬أننــا نعاتــب حتــى يعــرف‬
‫املخطــئ خطــأه فيتجنبــه فيكــون العتــاب فيــه فائــدة‪ ،‬ولكننــا نُعاتــب لعــدم رضانــا مبــا وقــع يف‬
‫الغالــب‪ ،‬وإذا كنــا نرغــب يف هــذه الفائــدة‪ ،‬فاألفضــل تحــن الوقــت‪ ،‬وطــرح املوضــوع يف شــكل‬
‫غــر العتــاب كحكايــة قصــة أو واقعــة فيهــا نفــس املعنــى والغــرض ويف جــو وأســلوب مــن املــرح‬
‫والصفــاء لتجنــب مــا تكرهــه النفــوس‪.‬‬
‫وأقول لك مع القائل‪:‬‬
‫ُخذ من خليلك ما صفا وذر الذي فيه الكدر‬
‫الغي‬
‫الخليل عىل َ‬ ‫فالعمر أقرص من معاتبة‬
‫وأقول أيضً ا وأذكر مع القائل‪:‬‬
‫وما الحب إال طاعة وتجاوز وإن أكرثوا أوصافه واملعانيا‬
‫بل أدعوك إن ظنت زوجتك أنك تحتمل من عتابها هي لك أن تخربها بقولك‪:‬‬
‫ونسيت كل تعاتب وتشايك‬ ‫ُ‬ ‫و َمح ْوتُ كل لبانة من خاطري‬
‫ال أمس من عمر الزمان وال غد ُجم َع الزمان فكان يوم ِ‬
‫رضاك‬
‫* أخي العزيز‪ :‬إذا كان ال بد من العتاب‪ ،‬فال تعاتب أمام الغري‪ ،‬وخاصة األوالد‪ ،‬فإن العتاب ما كان‬
‫يف خلوة‪ ،‬والتوبيخ ما كان بني الناس‪ .‬وال تطلع أح ًدا عىل عيب زوجتك وما كان منها‪ ،‬فإن ذلك‬
‫ليس من املروءة‪ ،‬وغال ًبا ما يندم عليه من يفعله‪.‬‬
‫***‬
‫‪161‬‬
‫العفو يف اليوم سبعني مرة‬

‫* أخــي الــزوج‪ :‬هــل ســمعت أو علمــت أن إنســانًا ال يخطــئ؟ فالكــال املطلــق للــه تعــاىل وحــده‬
‫والعصمــة لألنبيــاء فقــط‪ .‬وأنــت بالطبــع كغــرك تقــع فيــا يقــع فيــه البــر‪ ،‬ولــكل واحــد مــن‬
‫النــاس عــدو مــن الشــياطني يُســول لــه الخطــأ ويوقعــه فيــه‪ ،‬وهــو ال يفــارق قرينــه ويهجــم يف‬
‫لحظــات ضعــف النفــس‪ .‬ولســت يف حاجــة أن أذكــرك أن مــن تعارشهــا إنســانة مثلــك يجــوز‬
‫عليهــا الخطــأ ويكفــي لــكل واحــد يعــارش أح ـ ًدا أن يعلــم أنــه يُكــن لــه الخــر وال يقصــد يف‬
‫الغالــب اإليــذاء‪ ،‬لذلــك رشع لنــا الديــن الحنيــف املســامحة وقبــول االعتــذار إىل الحــد الــذي‬
‫يعجــب لــه العقــل‪ .‬خــذ عــى ســبيل املثــال هــذا الحديــث عــن ابــن عمــر ريض اللــه عنهــا‬
‫قــال‪« :‬جــاء رجــل إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬يــا رســول اللــه كــم نعفــو‬
‫ـف عنــه كل يــوم ســبعني مــرة» رواه أبــو داود والرتمــذي‪،‬‬ ‫عــن الخــادم؟ فصمــت‪ ،‬ثــم قــال‪ :‬اعـ ُ‬
‫وقــال حديــث حســن صحيــح‪ .‬فهــذا يخــدم بأجــرة ويســتحق العفــو يف اليــوم الواحــد ســبعني‬
‫مــرة‪ ،‬فأطلــب منــك أيهــا الــزوج أن تخــرين كــم مــرة تســتحق الزوجــة منــك العفــو؟؟ وهــل هنــاك‬
‫زوجــة تخطــئ ســبعني مــرة يوميًّــا؟؟‬
‫وعــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬مــا نقصــت صدقــة‬
‫مــن مــال‪ ،‬ومــا زاد اللــه عب ـ ًدا بعف ـ ٍو إال ع ـ ًّزا‪ ،‬ومــا تواضــع أحــد للــه إال رفعــه اللــه عــز وجــل»‬
‫رواه مســلم‪.‬‬
‫مسلم عرثته أقاله الله يوم القيامة» رواه أبو داود والحاكم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وقال‪« :‬من أقال‬
‫وقــال صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬الــذي يخالــط النــاس ويصــر عــى أذاهــم خــر مــن الــذي ال‬
‫يخالــط النــاس وال يصــر عــى أذاهــم» رواه الرتمــذي وابــن ماجــة عــن ابــن عمــر‪.‬‬
‫* أخــي الكريــم‪ :‬قــد يتبــادر إىل ذهــن البعــض أن هــذه السياســة مــع النســاء ال تصلــح وقــد‬
‫تفســدهم‪ ،‬وأنــا ال أمنــع مــن املراجعــات والتفاهــم وقبــول العــذر حتــى يذهــب مــا يف النفــس‪،‬‬

‫‪162‬‬
‫ولكنــي أقــول‪ :‬صــدق اللــه العظيــم وصــدق رســوله الكريــم‪ ،‬فــإن العفــو ديــن ومــن شــيم الكـرام‬
‫والنبــاء‪ ،‬وإن العفــو ال يزيــد صاحبــه إال عـ ًّزا يف الدنيــا واآلخــرة‪ ،‬بــل يزيــد الــزوج ال َع ّفــو احرتا ًمــا‬
‫وتقديـ ًرا عنــد الزوجــة‪.‬‬
‫وســأحيك لــك هــذه القصــة الطريفــة‪ :‬جــاء إ ّيل أحــد الزمــاء يف العمــل وطلــب منــي أن أكتــب‬
‫لــه (حجــاب) وبالســؤال علمــت أنــه عــى خــاف دائــم مــع زوجتــه وقــال‪( :‬أصــل معمــول لنــا‬
‫عمــل) يقصــد الســحر‪ ،‬ومــن خــال الحديــث معــه‪ ،‬وهــو رجــل عامــي‪ ،‬أدركــت أنهــا خالفــات‬
‫تافهــة ولكنــه يقســو عــى زوجتــه ويحاســبها عــى كل صغــرة وكبــرة عــى حــد قولــه‪ ،‬فقلــت‬
‫أول وبعديــن أعمــل‬ ‫لــه‪ :‬شــوف يــا عــم عــي!! أنــا ســأطلب منــك أم ـ ًرا بســيطًا‪ ،‬عليــك تنفيــذه ً‬
‫لــك كل الــذي تطلبــه منــي‪ .‬فقــال‪( :‬قــوي يــا ســيدنا) فقلــت‪( :‬تســامح زوجتــك وتتفاهــم معهــا‬
‫بــكالم حلــو مــن الــي النســاء تح ّبــه وشــوف هــي رايحــة تعمــل معــاك إيــه؟) فقــال بعفويــة‬
‫رسيعــة (رايحــة تركبنــي يــا أســتاذ!!) فقلــت ملــاذا يــا عــم عــي؟ قــال‪( :‬النســوان كــدة‪ ،‬إن وطيــت‬
‫يركبــوك)‪ ،‬وحتــى ال أطيــل يف القصــة‪ ،‬أخـ ًرا اقتنــع عــم عــي –عــى ســبيل التجربــة‪ -‬وبعــد أســبوع‬
‫تقريبًــا دخــل عــي املكتــب وهــو يبتســم ويدعــو يل وقــال‪( :‬متــام اللــه ينـ َّور عليــك) وبعــد شــهر‬
‫مــن مقابلــة أخــرى قــال‪( :‬يــا ســام يــا أســتاذ!! أنــت علمتنــي حاجــة مــا عرفتهــاش وأنــا متجــوز‬
‫بقــايل خمســة وثالثــن ســنة) فأرجــو لــك يــا أخــي الــزوج أن تكــون أســعد حظًّــا مــن عــم عــي‪.‬‬
‫فالعفــو ســبيل لــدوام املحبــة وهــو الــذي يجعــل العــرة قويــة دامئــة ألنــه يذهــب الضغائــن‪،‬‬
‫فعــن ابــن عمــر ريض اللــه عنهــا قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬تعافــوا تســقط‬
‫الضغائــن بينكــم» رواه الب ـزار‪.‬‬
‫* قــد يقــع اإلنســان يف خطــأ نحــو آخــر‪ ،‬إال أنــه رسعــان مــا يثــوب إىل رشــده ويحــرص عــى إزالــة‬
‫مــا وقــع منــه ويلجــأ إىل االعتــذار للشــخص الــذي أخطــأ يف حقــه‪ ،‬وهــذا منــه دليــل عــى صــدق‬
‫املــودة والحــرص عليهــا والرغبــة يف إرضــاء هــذا اآلخــر‪ ،‬وقــد يضطــر إلرضائــه بالكــذب والتنصــل‬
‫ـض عــى قبــول‬ ‫مــا وقــع منــه ولذلــك كان هــدي النبــي صــى اللــه عليــه وســلم يف ذلــك‪ :‬الحـ ُّ‬
‫االعتــذار يف جميــع األحــوال‪ ،‬ســواء كان صادقًــا أو كاذبًــا‪ ،‬مح ًّقــا أو مبطـ ًـا‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫فعــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه قــال قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬ع ّفــوا عــن نســاء‬
‫النــاس تعـ ّـف نســاؤكم‪ ،‬وبــروا آباءكــم تربكــم أبناؤكــم ومــن أتــاه أخــوه متنصـ ًـا فليقبــل منــه ذلــك‬
‫مح ًّقــا كان أو مبطـ ًـا‪ ،‬فــإن مل يفعــل مل يَـرِد عــى الحــوض» رواه الحاكــم وقــال صحيــح اإلســناد‪.‬‬
‫ورواه الط ـراين عــن عائشــة وفيــه‪« :‬ومــن اعتــذر إىل أخيــه املســلم فلــم يقبــل عــذره مل َي ـرِد‬
‫ي الحــوض» ورواه أبــو داود وابــن ماجــة عــن جــودان ريض اللــه عنــه ولفظــه‪« :‬مــن اعتــذر‬ ‫عـ ّ‬
‫إىل أخيــه املســلم فلــم يقبــل منــه كان عليــه مــا عــى صاحــب مكــس» وصاحــب املكــس الــذي‬
‫أخــذ األمــوال بغــر حــق‪.‬‬
‫فهكــذا أيهــا الــزوج الكريــم‪ :‬كــن عفـ ًوا مــع الزوجــة التــي قــد يقــع منهــا مــا يجعلهــا تقبــل عليــك‬
‫وتحــرص عــى مودتــك وتعتــذر إليــك‪ ،‬ونصيحتــي لــك أيهــا الكريــم‪ :‬افتــح لهــا بابًــا لالعتــذار‪ ،‬وال‬
‫تلجئهــا لذلــك إلجــا ًء بتعنتــك معهــا ومخاصمتهــا وغــر ذلــك مــن األســاليب‪ ،‬والعــم أن املــرأة‬
‫بصفــة عامــة‪ ،‬إال مــن رحــم ريب‪ ،‬لديهــا مقــدرة كبــرة عــى العنــاد والصــر عليــه‪ ،‬كــا لديهــا عــزة‬
‫أحيانًــا تأخذهــا إىل خـراب البيــوت‪.‬‬
‫ـؤول ورحيـ ًـا وعفـ ًوا كرميًــا‪ ،‬وســوف تجــد إن شــاء اللــه العــون منــه‪ ،‬بــل ســتجد‬ ‫فكــن راعيًــا ومسـ ً‬
‫هــذه املخلوقــة العنيــدة املتشــددة املتعــززة‪ ،‬مبجــرد قليــل مــن اللــن واملســامحة‪ ،‬قــد عــادت‬
‫ســهلة معتــذرة منكــرة ُمتَطا ِم َنـ َة لــك طائعــة لــكل أمــرك‪ ،‬وصــدق رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم‪« :‬طــوىب ملــن جعلــه اللــه مفتا ًحــا للخــر مغال ًقــا للــر» وأعيــد وأذكــر يــا أخــي الــزوج‬
‫بــأن ال تعاتبهــا عــا تعتــذر عنــه‪ ،‬واقبــل عذرهــا‪ ،‬بــل أنصــح لــك‪ :‬مهــا كان الخطــأ أن تنــى كل‬
‫مــا يتصــل بــه وكأنــه مل يكــن‪ ،‬فقــد تقبــل العــذر مؤقتًــا ثــم تذكــره أو تؤاخــذ بــه يف وقــت آخــر‪،‬‬
‫وبهــذا ال تكــون قــد قبلــت العــذر‪ ،‬بــل أجلــت املؤاخــذة عليــه لوقــت الحــق‪ ،‬وقــد يحتــاج ذلــك‬
‫منــك إىل صــر وحلــم‪ ،‬ولكــن عواقــب ذلــك أفضــل كــا قــال الشــاعر‪:‬‬
‫وال تقطع أ ًخا لك عند ذنب فإن الذنب يغفره الكريم‬
‫كام قد يرقع ال َخلِ ُق القديم‬ ‫ولكن دا ِو َع ْورته ب َرقْع‬
‫وال تجزع لريب الدهر واصرب فإن الصرب يف العقبى سليم‬
‫***‬

‫‪164‬‬
‫دارها تعش بها‬

‫* عــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬ال يفــرك مؤمــن‬
‫مؤمنــة‪ ،‬إن كــره منهــا خل ًقــا ريض منهــا آخــر أو قــال‪ :‬غــره» رواه مســلم ومعنــى ال يفــرك‪ :‬أي‬
‫ال يبغــض‪.‬‬
‫قــال اإلمــام النــووي يف رشح الحديــث‪ :‬هــذا نهــي‪ ،‬أي ينبغــي أال يبغضهــا‪ ،‬ألنــه إن وجــد فيهــا‬
‫خل ًقــا يكرهــه فيهــا خل ًقــا مرض ًّيــا‪ ،‬بــأن تكــون رشســة الخلــق لكنهــا دينــة أو جميلــة أو عفيفــة‬
‫أو رفيقــة بــه أو نحــو ذلــك‪ .‬فيــا أيهــا الــزوج العزيــز‪ :‬مــن ِمــن النــاس تصفــو مشــاربه؟ و َمــن‬
‫مــن النــاس اكتملــت فيــه شــائله؟ وأنــا وأنــت ومعظــم النــاس إن مل يكــن كلهــم‪ ،‬فينــا مــا يحبــه‬
‫اآلخــرون‪ ،‬وفينــا مــا يكرهــون!! وقــال النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬كل ابــن آدم خطــاء‪ ،‬وخــر‬
‫الخطائــن التوابــون» رواه الرتمــذي وابــن ماجــة والحاكــم‪ ،‬فهــي قضيــة كليــة مل يُســت َنث منهــا أحــد‬
‫مــن بنــي آدم‪ .‬فلــم يكــره الــزوج زوجتــه ملــا فيــه هــو مثلــه؟! والنصيحــة املطلوبــة عندمــا نجــد‬
‫مــا يدعونــا‪ ،‬أو يوصلنــا إىل بغــض الزوجــة‪ ،‬أن نتذكــر لهــا الصفــات والفعــال الجميلــة‪ ،‬واألوقــات‬
‫الحلــوة الســعيدة التــي عشــناها‪ ،‬حتــى ندحــر الشــيطان الــذي ال يذكرنــا إال بالســوء ومــا يوصــل‬
‫إىل القطيعــة والبغضــاء‪ ،‬وإال يــا أخــي الــزوج ألوقعنــا الشــيطان يف العمــل الــذي ال يجــب مــن‬
‫النســاء وهــو «كفـران العشــر» أي نســيان كل خــر ســبق مــن الــزوج العشــر‪.‬‬
‫* أيهــا الــزوج العاقــل‪ :‬إن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم نصحنــا كأزواج مبــا يحــب لنــا ومبــا يحــب‬
‫ربنــا منــا ومبــا يصلحنــا ومبــا نغلــب بــه عدونــا الشــيطان‪ .‬ومــن ذلــك مــا وصــف لنــا مــن طبائــع‬
‫خلقــة املــرأة ودخيلتهــا حتــى نكــون أولً عــى بينــة مــن أمرها‪ ،‬وحتــى ال نظلمهــا ونطلــب منها أو‬
‫نتوقــع مــا هــو فــوق قدرتهــا وغــر طبيعتهــا فقــال صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬اســتوصوا بالنســاء‪،‬‬
‫فــإن املــرأة خلقــت مــن ضلــع‪ ،‬وإن أعــوج مــا يف الضلــع أعــاه‪ ،‬فــإن ذهبــت تقيمــه كرستــه‪ ،‬وإن‬
‫تركتــه مل يــزل أعــوج‪ ،‬فاســتوصوا بالنســاء» رواه البخــاري ومســلم‪ .‬أي تواصــوا أيهــا الرجــال يف‬

‫‪165‬‬
‫حــق النســاء بالخــر‪ ،‬وذلــك لضعفهــن واحتياجهــن إىل الصــر عليهــن والرفــق واإلحســان إليهــن‪،‬‬
‫ألنهــا خلقــت مــن ضلــع أعــوج‪ ،‬فهــو تعليــل ملــا قبلــه‪ ،‬ولذلــك أعــاد نفــس الوصيــة يف نهايــة‬
‫كالمــه –فطلــب صــى اللــه عليــه وســلم أن نُخالقهــا بأخالقهــا املعروفــة‪ ،‬ألن عذرهــا ال يفارقهــا‬
‫ألنــه أصــل يف خلقتهــا‪ ،‬فــإن رأيــت منهــا عو ًجــا يف بعــض األوقــات أو يف بعــض الحــاالت‪ ،‬فتجــاوز‬
‫املوقــف وا ْعـ ُـر هــذا العــوج حتــى ال ينكــر فــا يُجــر‪ ،‬ألن كــره طالقهــا‪ ،‬وال مطمــع يف اســتقامة‬
‫العــوج‪ ،‬فإمــا كــره وإمــا مل يــزل أعــوج‪ .‬فالطريقــة املثــى نأخذهــا أيهــا الــزوج العاقــل مــن‬
‫الحريــص علينــا وهــو ســيدنا النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فعــن ســمرة بــن جنــدب ريض اللــه‬
‫عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬إن املــرأة خلقــت مــن ضلــع فــإن أقمتهــا‬
‫كرستهــا‪ ،‬فدارِهــا تعــش بهــا» رواه ابــن حبــان يف صحيحــه‪ .‬نعــم دارهــا تعــش بهــا‪ ،‬وال ســبيل لــك‬
‫غــر هــذا‪ ،‬املــداراة‪ ،‬لفــظ جميــل وســلوك حميــد ووصيــة غاليــة‪ ،‬ومــا أنفــع قــول العامــة يف هــذا‬
‫املوطــن (طَ ّنــش) ومــن نافلــة القــول أن نذكــر أن ذلــك ال يكــون يف معصيــة رشعيــة‪.‬‬
‫* أيهــا الــزوج الحريــص عــى الســعادة‪ :‬ال يعنــي ذلــك كلــه أن الحيــاة مــع النســاء ‪-‬وهــذه‬
‫طبيعتهــن‪ -‬ليســت ســهلة أو ممكنــة بــا متاعــب‪ ،‬فكــا رأيــت مــن أخبــار الســاء عنهــن أن تلــك‬
‫طبيعــة فيهـ َّن جمي ًعــا‪ ،‬ومــع ذلــك فكــم مــن الســعادة وراحــة البــال وطيــب العيــش كان ويكــون‬
‫مــع املــرأة‪ ،‬لــو أُحســن التفاهــم والتع ّقــل معهــن‪ ،‬فــا مينــع هــذا الوصــف لهــن مــن التمتــع‬
‫بهــن ومعهــن كــا رصح بذلــك نفــس الحديــث يف روايــة اإلمــام مســلم «إن املــرأة خلقــت مــن‬
‫ضلــع لــن تســتقيم لــك عــى طريقــه‪ ،‬فــإن اســتمتعت بهــا اســتمتعت بهــا وفيهــا عــوج‪ ،‬وإن‬
‫ذهبــت تقيمهــا كرستهــا‪ ،‬وكرسهــا طالقهــا» فهــي بالفطــرة فيهــا هــذا العــوج الــذي لــن يســتقيم‬
‫لــك حســب الطريقــة التــي تراهــا أنــت‪ ،‬فاســتمتع بهــا مــع هــذا العــوج‪ ،‬واقبــل ذلــك منهــا‪ ،‬فــإن‬
‫طمعــت يف إقامتهــا عــى غــر فطرتهــا كان الطــاق‪ ،‬فــإن طمعــت يف غريهــا واســتبدالها بأخــرى‪،‬‬
‫فســوف تجــد أنهــا أيضً ــا بطبــع املــرأة‪ ،‬وهكــذا فاقبــل األمــر ألنهــا ســنة اللــه تعــاىل التــي ال‬
‫تتحــول وال تتغــر‪.‬‬
‫* ولعــل هــذا العــوج يــا أخــي الــزوج هــو املعنــى يف قــول النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪:‬‬

‫‪166‬‬
‫«إنهــن ناقصــات عقــل وديــن»‪ ،‬وال يــرع إىل فــؤادك أن نقصــان العقــل والديــن يشــبه مــا‬
‫نعلمــه عــن نقصــان العقــل عنــد الرجــل وكذلــك نقصــان الديــن‪ ،‬فقــد جــاء يف تفســر العقــل‬
‫والديــن ونقصانهــا الحديــث‪ ،‬فعــن عبــد اللــه بــن عمــر ريض اللــه عنهــا عــن رســول اللــه صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم أنــه قــال‪« :‬يــا معــر النســاء تصدقــن وأكــرن االســتغفار فــإين رأيتكــن أكــر‬
‫أهــل النــار فقالــت امــرأة َج ْزلـ ٌة‪ :‬ومــا لنــا يــا رســول اللــه أكــر أهــل النــار؟ قــال‪ :‬تكــرن اللعــن‬
‫ـب منكــن‪ .‬قالــت‪ :‬يا رســول‬ ‫وتكفــرن العشــر‪ ،‬ومــا رأيــت مــن ناقصــات عقــل وديــن أغلــب لــذي لـ ٍّ‬
‫ومــا نقصــان العقــل والديــن؟ قــال‪ :‬أمــا نقصــان العقــل فشــهادة امرأتــن تعــدل شــهادة رجــل‬
‫فهــذا نقصــان العقــل‪ ،‬ومتكــث الليــايل مــا تصــي‪ ،‬وتفطــر يف رمضــان‪ ،‬فهــذا نقصــان الديــن» رواه‬
‫البخــاري ومســلم‪ ،‬وهــذه روايــة مســلم‪.‬‬
‫وذكــر اإلمــام النــووي يف رشح الحديــث أن الطاعــات تُســمى إميانًــا ودي ًنــا‪ ،‬وأن تــرك الطاعــات‬
‫قــد يكــون عــى وجــه هــو مكلــف بــه كــرك الحائــض الصــاة والصــوم‪ ،‬وهــل تثــاب عــى هــذا‬
‫الــرك زمــن الحيــض‪ ،‬كــا يثــاب املريــض ويكتــب لــه يف مرضــه مــا كان يفعلــه يف صحتــه؟ ففيــه‬
‫بحــوث للفقهــاء‪.‬‬
‫وقــال اإلمــام املــازري‪ :‬قولــه صــى اللــه عليــه وســلم أمــا نقصــان العقــل فشــهادة امرأتــن تعــدل‬
‫شــهادة رجــل‪ ،‬تنبيــه منــه صــى اللــه عليــه وســلم عــى مــا وراءه‪ ،‬وهــو مــا نبــه اللــه تعــاىل يف‬
‫كتابــه بقولــه تعــاىل‪{ :‬أَ ْن ت َِضـ َّـل إِ ْح َدا ُهـ َـا فَتُ َذكِّـ َر إِ ْح َدا ُهـ َـا الْ ُ ْخـ َرى} أي أنهــن قليــات الضبــط يف‬
‫أداء الشــهادة‪.‬‬
‫ـس ال َّذكَ ـ ُر ك َْالُنْثَــى}‪{ ،‬أَ َل‬
‫* ولقــد خلــق اللــه تعــاىل املــرأة وخلــق الرجــل وبحكمــة بالغــة { َولَ ْيـ َ‬
‫يَ ْعلَـ ُم َمـ ْن َخلَـ َـق َو ُهـ َو الل َِّطيـ ُـف الْ َخ ِبـ ُر} فالرجــل مؤهــل بخلقتــه للــدور الــذي ُخلــق لــه‪ ،‬وكذلــك‬
‫املــرأة‪ ،‬فالقــوة والصــر عــى املعانــاة لكســب العيــش ومحاربــة الرجــال‪ ،‬ال يقــوى عليــه إال الرجال‪،‬‬
‫والحنــان ووفُــور العاطفــة والصــر عــى مهــام األوالد واألزواج ورعايتهــم بالخدمــة والتنشــئة ال‬
‫يؤديــه إال النســاء واالســتثناء يف كل ذلــك وارد للحاجــة والــرورة لذلــك كان وفــور العاطفــة‬
‫والشــفقة والرحمــة ميــزة املــرأة وحليــة طبعهــا وبــه تُ ــدح وال تــذم‪ ،‬وذلــك عندهــا هــو ســبب‬

‫‪167‬‬
‫قلــة الضبــط يف الشــهادة الــذي هــو نقــص عقلهــا‪ ،‬وال دخــل لهــذا يف قــوة ذكائهــا وإدراكهــا‬
‫وعلمهــا وفهمهــا‪.‬‬
‫بــل قــد تكــون بعــض النســاء أعقــل مــن بعــض الرجــال‪ ،‬وقــد تكــون األنثــى أكــرم عنــد اللــه‬
‫لتقواهــا مــن الذكــر‪ ،‬فاختــاف الطبائــع لحكمــة بالغــة وهــو الكــال يف ال َخلــق‪.‬‬
‫وبهذه املناسبة أذكر أن أحد الزمالء ذكر يل واقعة تستحق الذكر‪:‬‬
‫قــال‪ :‬جلســت يو ًمــا مــع ابنــي الرضيــع وحتــى تحــر زوجتــي مــن مهمــة اضطرتهــا للخــروج‬
‫وتــرك طفلهــا يف رعايتــي‪ ،‬قــال‪ :‬وكنــت يف البدايــة ســعي ًدا مبــرح الطفــل ومالعبتــه‪ ،‬ولكــن رسعــان‬
‫مــا تغــر الوضــع عندمــا بــدأ الطفــل يبــي ثــم يــرخ ثــم يشــتد رصاخــه‪ ،‬فأخــرج إىل البلكونــة‪،‬‬
‫ـتعجل حضــور الزوجــة‪ ،‬ثــم أرجــع للطفــل وأضــع يــدي فــإذا البلــل مــن بولــه وبـرازه‪،‬‬
‫وأنظــر مسـ ً‬
‫وحاولــت أن –أغــر‪ -‬لــه املالبــس‪ ،‬وبعــد جهــد اســتطعت ذلــك‪ ،‬إال أنــه مل ينقطــع بــكاؤه‪ ،‬وطالــت‬
‫الدقائــق التــي تأخــرت فيهــا الزوجــة‪ ،‬وفوجئــت بعــد قليــل بإعــادة الطفــل –عملتــه‪ -‬ويشــعر‬
‫بالبلــل‪ ،‬وأشــعر أنــا باإلحبــاط الشــديد حتــى كــدت أن أبــي‪ ،‬وحــرت الزوجــة وتشــهدت‪ ،‬ويف‬
‫لحظــات ســكت الطفــل وكأن معهــا الســحر‪.‬‬
‫وقلــت أنــا يف نفــي‪ :‬مــن أجــل ذلــك تبــي املوظفــات عندمــا يصعــب عليهــن املوقــف يف الرشكــة‬
‫التــي أعمــل فيهــا‪ ،‬كــا كاد صاحبــي هــذا يبــي عندمــا ُوضــع يف مــكان املــرأة‪ .‬إن املــرأة بفطرتهــا‬
‫فيهــا مميـزات اإلدارة والتنفيــذ يف مملكتهــا وشــؤون بيتهــا‪ ،‬وقيمتهــا ودورهــا يف تكميــل وتجميــل‬
‫الحيــاة‪ ،‬بإعطــاء األوالد زاد الجســم والنفــس مــا تســتمر بــه الحيــاة‪ ،‬وبسـ ّدها الخلــل والنقــص يف‬
‫وجــدان وعواطــف الرجــل الــذي يعــود لبيتــه ليســروح ويســتعيد رباطــة جأشــه وهــدوء نفســه‬
‫مــن أ ّمــه أو زوجــه أو أختــه التــي حباهــن اللــه هــذه الوفــرة مــن العواطــف والحنــان والرحمــة‬
‫التــي قــد تقلــل مــن قدرتهــا عــى الضبــط وإتقــان الشــهادة عنــد أدائهــا وهــو مــا أطلــق عليــه‬
‫«نقصــان عقلهــا» وأذكــر حديثًــا دار بينــي وبــن إحــدى الفضليــات من النســاء حــول شــهادة املرأة‬
‫وملــاذا هــي عــى النصــف مــن شــهادة الرجــل‪ .‬وكنــت أعلــم حبهــا الشــديد للتحــي بالذهــب‪،‬‬
‫فقلــت لهــا‪ :‬لــو أن ســارقًا رسق منــك الذهــب الــذي متلكينــه هــل تبلغــن عنــه؟ قالــت‪ :‬طب ًعــا‪.‬‬
‫فقلــت لهــا‪ :‬وتشــهدين عليــه بذلــك؟ قالــت‪ :‬نعــم‪ ،‬وهــل يف ذلــك شــك!! فقلــت لهــا‪ :‬إذن بنــا ًء‬

‫‪168‬‬
‫عــى ذلــك ســوف تقطــع يــده!! فقالــت بارتيــاع‪( :‬أل‪ ،‬ح ـرام) فقلــت لهــا‪ :‬صــدق اللــه ورســوله‪،‬‬
‫لذلــك كان الرجــال أهـ ًـا للقضــاء والحكــم واإلمــارة دون النســاء‪ ،‬وال ينقــص ذلــك مــن قدر النســاء‬
‫وال مــن دورهــن يف الحيــاة‪ ،‬وقــال عــي بــن أيب طالــب ريض اللــه عنــه‪ :‬قيمــة كل امــرئ مــا يحســن‬
‫مــن عمــل‪ .‬وأختــم بحديــث لرســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم قــال فيــه‪« :‬أنــا الشــاهد عــى‬
‫اللــه أن ال َي ْعــر عاقــل إال رفعــه اللــه حتــى يجعــل مصــره الجنــة» رواه الطـراين‪ ،‬إســناده حســن‪.‬‬
‫***‬

‫‪169‬‬
‫ف‬
‫ال�صل ال سادس‬ ‫‪6‬‬
‫الصرب عىل بلوى الغرية وعند حاالت الغضب‬
‫سي سفن السعادة بغري تو ّقف وال عطب‬‫يُ ّ‬
‫* الغــرة فطــرة ومبدؤهــا فكــرة مثــل جرثومــة املــرض‪ ،‬وجراثيــم الغــرة‪:‬‬
‫الشــك وســوء الظــن‪ ،‬ونقــص الثقــة‪ ،‬وفتــور العالقــة‪ ،‬واالنشــغال عــن‬
‫الــزوج‪ ،‬وكــرة اإلعجــاب باآلخريــن‪ ،‬والتغيــب الكثــر عــن البيــت‪.‬‬
‫* الغــرة تلتهــم العواطــف وتحرقهــا‪ ،‬وتذهــب بالنــوم والراحــة‪ ،‬والعقــل‪،‬‬
‫وتع ـ ّرض لقالــة الســوء يف غــر حــاالت الريبــة‪ ،‬وتفســد مــا بــن املحبــن‪،‬‬
‫والظــن أكــذب الحديــث‪.‬‬
‫* الرعايــة للــزوج بألطــف الســلوك ومجامــات القلــوب وتعاهــد النفــوس‬
‫ومراعــاة الخاطــر‪ ،‬تــزرع الثقــة وتُنقــي القلــوب مــن الدّ خــن والدَّ غــل‬
‫ومتنــع عالئــق الظــن باملحبــوب‪.‬‬
‫* الغضــب جــذوة مــن نــار الشــيطان تُنضــج الحقــد والحســد واالنتقــام‪،‬‬
‫وال يطفئــه مثــل الســكوت أو لطيــف الــكالم‪ ،‬ويزيــد اشــتعاله الجــدل‬
‫وال َّتــاوم ولجــج الخصــام‪.‬‬
‫* الغضــب تتعــدّ ى نــاره إىل القلــوب‪ ،‬وتنتــر أرضاره فتنهــدم البيــوت‪،‬‬
‫ومحــارصة النــار وإطفاؤهــا واجــب يــدرك بالعقــول‪ .‬وصــر ســاعة مينــع‬
‫كــدر الســنني‪.‬‬
‫* بعــد الغضــب يُــرك العتــب عليــه والحســاب‪ ،‬فإعــادة الــكالم عنــه تعيــد‬
‫أســبابه بأكــر مــا كان‪ ،‬وتثمــر العنــاد وتســتمر بــه األنــكاد‪.‬‬
‫ ‬

‫‪170‬‬
‫ال تكثر الغرية على أهلك فرتمى بالسوء من‬
‫أجلك‬
‫* أوىص عبــد اللــه بــن جعفــر أحــد بنيــه فقــال‪ :‬إيــاك والغــرة فإنهــا مفتــاح الطــاق‪ .‬نعــم‬
‫فالقصــد القصــد تبلغــوا‪ ،‬فاالعتــدال يف كل أمــر مرغــوب ومحمــود عواقبــه‪ ،‬واالسرتســال مــع الغــرة‬
‫يــؤدي إىل مــا ال تحمــد عقبــاه‪ ،‬وكــا قــال الشــاعر‪:‬‬
‫أذن الفتى يف قلبه حي ًنا وحي ًنا يف نُ َهاه‬
‫فلــو أصغــى اإلنســان لهواجــس النفــس ونزغــات الشــيطان وألقياتــه ألصبــح عيشــه مـ ًّرا وتنغصــت‬
‫عليــه حياتــه‪ .‬ومــع هــذا ال ينبغــي أن نُهمــل مبــادئ األمــور املوصلــة إىل الوقــو ِع يف أي خطــأ‪،‬‬
‫ونتســامح يف بعــض املواقــف والترصفــات حتــى يُ ْرمــى األبعــد بوصــف ال َّديــوث الــذي ال يبــايل مبــن‬
‫يدخــل عــى أهلــه‪ .‬فالحــذر واجــب مــن كال الطرفــن‪ ،‬فــا نبالــغ يف الغــرة والتتبــع حتــى نفســد‬
‫حالنــا وحــال مــن نعــارشه‪ ،‬وال نتســاهل فيــا يُخالــف الــرع والعــرف املرعــي‪.‬‬
‫* روى جابــر بــن عتيــك ريض اللــه عنــه عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬إن مــن الغــرة‬
‫مــا يحبــه اللــه تعــاىل ومنهــا مــا يبغضــه اللــه تعــاىل‪ ،‬فأمــا الغــرة التــي يحبهــا اللــه فالغــرة يف‬
‫ال ّريبــة‪ ،‬والغــرة التــي يبغضهــا اللــه فالغــرة يف غــر ريبــة» فاالعتــدال يف الغــرة هــو أن ال يتغافــل‬
‫عــن مبــادئ األمــور التــي تُخــى غوائلهــا‪ ،‬وال يبالــغ يف إســاءة الظــن والتعنــت وتجســس البواطن‪.‬‬
‫فالغــرة ال بــد منهــا‪ ،‬ولكــن منهــا املحمــود ومنهــا املذمــوم الــذي يبغضــه اللــه تعــاىل‪ ،‬والحديــث‬
‫يدلنــا عــى أن الغــرة املحمــودة والتــي يحبهــا اللــه مــن عبــاده هــي عندمــا تكــون هنــاك أســباب‬
‫مريبــة تدعونــا ألخــذ موقــف‪ ،‬وأمــا أن نغــار مــن غــر أســباب مريبــة وظاهــرة بنفســها‪ ،‬فهــذا مــن‬
‫أُلْقيــات الشــيطان يف النفــس ليفســد عــى املؤمنــن حياتهــم‪ ،‬ألن الغــرة إذا متكنــت مــن النفــس‬
‫نغصــت كل عيــش وكــدرت صفــو الوقــت والنفــس‪ ،‬وهــذه هــي صــورة الــذي يغــار‪:‬‬
‫ويسري يف األرض األ َغ ّن فال ترى عيناه غري الشوك يف أرجائه‬
‫إ ْن نام مل ترقد هواجس روحه وإذا استفاق رأيتَه كالتَّائه‬
‫كالنار يلتهم العواطف عقل ُه فيميتها وميوت يف صحرائه‬

‫‪171‬‬
‫والغــرة املعتدلــة تحبهــا الزوجــة منــك ألنهــا دليــل عندهــا عــى اهتاممــك بهــا ومزيــد حبــك‬
‫لهــا وعنــوان الرجولــة التــي تق ّدرهــا املــرأة‪ ،‬أمــا إن زادت عــن الحــد املطلــوب‪ ،‬وكانــت بــا ســبب‬
‫مريــب فــإن املــرأة تتوتــر حياتهــا ويزيــد قلقهــا وخوفهــا منــك ومــن عواقــب الغــرة‪ ،‬بــل قــد‬
‫ت ُرمــى بالســوء بســبب املبالغــة يف الغــرة‪ ،‬فعــن عــي بــن أيب طالــب ريض اللــه عنــه قــال‪( :‬ال تكــر‬
‫الغــر عــى أهلــك فَرتمــى بالســوء مــن أجلــك) فصيانــة كل مــا يُخــدش الــرف أن َيتهــن الكرامــة‬
‫ويعـ ّرض الســمعة لقالــة الســوء مــن الغــرة التــي يحبهــا اللــه‪.‬‬
‫أمــا زيــادة التتبــع والبحــث عـ َّـا كُ ِتــم عنــك فهــو مــن التجســس املنهــي عنــه‪ ،‬بــل هــو تنطــع وقــد‬
‫قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬هلــك املتنطعــون» رواه مســلم‪ ،‬كــا قــال معاويــة‬
‫ريض اللــه عنــه قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬إنــك إن اتبعــت عــورات النــاس‬
‫أفســدت أو كــدت تفســدهم» رواه أبــو داود بإســناد صحيــح‪ .‬وعــن ثوبــان ريض اللــه عنــه عــن‬
‫ُعيوهــم وال تطلبــوا عوراتهــم فإنــه‬
‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬ال تــؤذوا عبــاد اللــه وال ت ّ‬
‫َمــن تطلَّــب عــورة املســلم طلــب اللــه عورتــه حتــى يفضحــه يف بيتــه» رواه أحمــد ورجالــه رجــال‬
‫الصحيــح‪.‬‬
‫* أيهــا الــزوج الحريــص‪ :‬دعنــا ننظــر ســويًّا يف األســباب التــي تــؤدي إىل الغــرة‪ ،‬وأعتقــد أن نقــص‬
‫الثقــة أو انعدامهــا‪ ،‬ســواء يف اإلنســان أو يف الطــرف اآلخــر هــو العامــل القــوي يف إشــعال الغــرة‬
‫وانبعاثهــا يف النفــس‪ ،‬وتخلّــف هــذه الثقــة بــن الطرفــن تــؤدي هــي األخــرى إىل العامــل املؤثــر‬
‫يف الغــرة وهــو إســاءة الظــن‪ ،‬وهنــاك عوامــل هامشــية أو غــر مبــارشة مثــل إبــداء اإلعجــاب‬
‫باآلخريــن‪ ،‬أو فتــور العالقــة الفجائيــة دون أســباب معروفــة‪ ،‬أو التغيــب عــن املنــزل عــى غــر‬
‫املعتــاد‪ ،‬أو االرتبــاط بعالقــات عمــل أو غــره يوجــد فيــه الجنــس اآلخــر‪ ،‬أو وجــود مظاهــر ارتبــاط‬
‫يف بعــض املواقــف يرتبــط تفســرها بوجــود الجنــس اآلخــر‪ ،‬وغــر ذلــك مــن األســباب التــي لــو‬
‫أُهملــت رغــم هامشــيتها لتضخمــت وأشــعلت الغــرة‪.‬‬
‫***‬

‫‪172‬‬
‫إذا ظننت فال تتحقق‬

‫* أخــي الــزوج الحصيــف‪ :‬إن الثقــة التــي انعقــدت بينكــا كانــت نتيجــة الحــب الصــادق الــذي‬
‫أقنــع كل منكــا بحــب اآلخــر لــه‪ ،‬وهــذه املحبــة لهــا مظاهرهــا ومثارهــا وعالمــات صدقهــا‪ ،‬فــإذا‬
‫اختفــت أو نقصــت هــذه املظاهــر وتلــك العالقــات تخلخلــت عقــد ُة الثقــة‪ ،‬وقــد تنحــل وتُفْقــد‬
‫كل الثقــة‪ ،‬وبالتــايل تبــدأ هواجــس الغــرة تحتــل الفـراغ يف النفــس مبجــرد انســاب الثقــة‪ .‬لذلــك‬
‫يحتــاج الرجــل الحريــص أن يهيــئ األســباب املقنعــة للزوجــة بحبــه لهــا الدائــم والصــادق‪ ،‬ومــن‬
‫ناحيــة أخــرى ال يســلك الســلوك الــذي يُســاء الظــن فيــه مــن قبــل الزوجــة‪ .‬وهــذا فيــا يؤكــد‬
‫ثقــة الزوجــة فيــه هــو‪ ،‬أمــا مــا يؤكــد ثقــة الــزوج يف زوجتــه‪ ،‬فــأول ذلــك عــدم إســاءة الظــن‬
‫أول بــأول‪ ،‬مبصارحــة الزوجــة بأســباب ظنونــه إذا كانــت واقعيــة‬ ‫فيهــا وقطــع وســواس الشــيطان ً‬
‫وليســت مجــرد خواطــر نفســية‪ ،‬وعــدم تأويــل ترصفاتهــا دامئًــا عــى النحــو الــذي يؤكــد ســوء‬
‫الظــن‪ ،‬وأال يضخــم بعــض األمــور التــي تقــع عفويًّــا حتــى لــو كانــت دليـ ًـا عــى ظنــه‪ ،‬ألن كل‬
‫إنســان تقــع منــه الهفــوات ثــم يعــود ملعدنــه واســتقامته‪ ،‬وقــد وصــف اللــه تعــاىل املتقــن بهفــوة‬
‫الشــيطان لهــم ثــم يســارعون للتقــوى فقــال عــز ِمـ ْن قائــل‪{ :‬إِ َّن ال َِّذيـ َن ات َّ َقـ ْوا إِذَا َم َّسـ ُه ْم طَائِـ ٌـف‬
‫ــرونَ} [األعــراف‪ ]201 :‬وقــال صــى اللــه عليــه وســلم‪:‬‬ ‫ِمــ َن الشَّ ــ ْيطَانِ تَ َذكَّــ ُروا فَــ ِإذَا ُهــ ْم ُم ْب ِ ُ‬
‫«إياكــم والظــن فــإن الظــن أكــذب الحديــث» رواه البخــاري ومســلم مــن حديــث أيب هريرة ريض‬
‫اللــه عنــه‪ .‬فيجــب أن يضــع اإلنســان األمــر عــى أحســنه حتــى يجيئــه مــا يغلبــه عليــه‪ ،‬وخاصــة‬
‫مــع َمـ ْن يحــب ويعــارش‪ ،‬فكــم مــن دواهــي وقعــت بــن زوجــن ومل يكــن مــا انبنــت عليــه لــه‬
‫أصــل ولكــن أوقعهــا ســوء الظــن أو حمــل الحــوادث غــر مــا تحتمــل‪ .‬واملبــدأ اإلســامي الســابق‬
‫الــذي جعــل الظــن أكــذب الحديــث‪ .‬وكــا قــال تعــاىل‪{ :‬يَــا أَيُّ َهــا ال َِّذي ـ َن َآ َم ُنــوا ا ْجتَ ِن ُبــوا كَ ِث ـ ًرا‬
‫ـض الظَّـ ِّن إِث ْـ ٌم} [الحجـرات‪ ]12 :‬ولذلــك نصــح النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‬ ‫ِمـ َن الظَّـ ِّن إِ َّن بَ ْعـ َ‬
‫اآلمــة إذا أوقــع الشــيطان أحدهــم يف الظــن أال يحققــه ويتتبــع ميادينــه‪ ،‬ويقطــع األمــر برتكــه‪،‬‬

‫‪173‬‬
‫فعــن حارثــة بــن النعــان ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬ثـ ٌ‬
‫ـاث‬
‫الزمــات أمتــي‪ :‬الطــرة والحســد وســوء الظــن»‪ .‬فقــال رجــل‪ :‬مــا يذهبهــن يــا رســول اللــه؟ ممــن‬
‫ـض»‬‫هــن فيــه؟ قــال‪« :‬إذا حســدت فاســتغفر اللــه‪ ،‬وإذا ظننــت فــا تتحقــق‪ ،‬وإذا تطــرت فامـ ِ‬
‫رواه الطــراين‪ ،‬وخاصــة إذا بلغــك عنهــا شــيئًا فــا تتغــر مــن ناحيتهــا حتــى يجيئــك اليقــن‪،‬‬
‫فــأ َّول حــق لهــا عليــك أال تحكــم عليهــا إال ببينــة‪ ،‬وقــد قــال عمــر بــن عبــد العزيــز لقاضيــه‪:‬‬
‫ـض لــه‪ ،‬فرمبــا جــاءك خصمــه وعينــاه عــى يــده‪.‬‬ ‫مــن جــاءك وإحــدى عينيــه عــى يــده فــا تقـ ِ‬

‫***‬

‫‪174‬‬
‫‪ ..‬وال شخص أغري من اهلل‬

‫* عــن جابــر ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬نهــى رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم أن تتطلــب عـرات‬
‫النســاء» رواه الط ـراين يف األوســط‪ ،‬وعنــه ريض اللــه قــال‪« :‬نهــى رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم أن يطــرق الرجــل أهلــه ليـ ًـا يخ ِّونهــم أو يطلــب عرثاتهــم» رواه مســلم‪ ،‬وهو عنــد البخاري‬
‫را عــى عــدم الطــروق ليـ ًـا‪ .‬ومعنــى يطــرق أي يقــدم عــى أهلــه ليـ ًـا‪ ،‬وكان مــن هــدي‬ ‫مقت ـ ً‬
‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم إذا قــدم بأصحابــه مــن ســفر أن ينــزل بهــم عــى مقربــة مــن‬
‫املدينــة ويرســل مــن يخــر بقدومهــم‪ ،‬وبــن ســب ًبا آخــر خــاف مــا ذكــر هنــا‪ ،‬وهــو أن متتشــط‬
‫الشــعثة وتســتحد املعينــة‪ ،‬أي تصلــح النســاء مــن شــؤونهن اســتعدا ًدا الســتقبال أزواجهــن بعــد‬
‫غيــاب‪ .‬وقــد روى عبــد اللــه بــن عمــر ريض اللــه عنهــا «أن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم كان‬
‫يف غــز ٍو فقــال قبــل دخولهــم املدينــة‪ :‬ال تطرقــوا أهلكــم ليـ ًـا‪ ،‬قــال‪ :‬فخالفــه رجــان فســعيا إىل‬
‫منزلهــا‪ ،‬فــرأى كل واحــد يف بيتــه مــا يكــره» رواه أحمــد بســند جيــد‪ .‬ومــا أجمــل توجيــه النبــي‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم يف قولــه‪« :‬يــد اللــه عــى الرشيكــن مــا مل يتخاونــا‪ ،‬فــإذا تخاونــا رفــع‬
‫يــده عنهــا» رواه أبــو داود والحاكــم وهــو صحيــح اإلســناد‪.‬‬
‫* أخــي الــزوج العاقــل‪ :‬لقــد جاءتــك زوجتــك بخاتــم الفطــرة ودليــل العفــة‪ ،‬بك ـ ًرا بخامتهــا‪ ،‬ومل‬
‫تكــن قبــل أن تتزوجهــا عليهــا رقيــب بعــد اللــه إال ضمريهــا وطهرهــا وحســن خلقهــا‪ ،‬وكانــت‬
‫بغــر زوج وهــي يف شــبابها وقوتهــا‪ ،‬فمنــا الــذي يجعــل الوســواس والغــرة تتطــرق إىل مثلهــا‬
‫وقــد أعففتهــا وأحببتهــا وأخلصــت لهــا؟ إن املــرأة إذا أحبــت أخلصــت‪ ،‬وإذا أخلصــت وفــت‬
‫ملــن تحــب‪ .‬ولذلــك تكتفــي بحكــم فطرتهــا وبــرع اللــه تعــاىل بــزوج واحــد‪ ،‬ومــن أجــل ذلــك‬
‫أول‪،‬‬
‫أقــول ملــن تــزداد غريتــه أو يتشــكك يف زوجتــه‪ :‬اتهــم نفســك وإخالصــك وثقتــك يف نفســك ً‬
‫فقــد كان عمــر ريض اللــه عنــه يقــول‪ :‬إين أرى أثــر ذنبــي يف خلــق زوجتــي وخادمــي‪ .‬وقــال ابــن‬
‫املبــارك‪ :‬مــن أعطــى أســباب الفتنــة مــن نفســه أولً ‪ ،‬مل ينــج منهــا وإن جاهــد‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫* عــن املغــرة بــن شــعبة ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال ســعد بــن عبــادة‪ :‬لــو رأيــت رجـ ًـا مــع امــرأيت‬
‫لرضبتــه بالســيف غــر مصفــح عنــه‪ .‬فبلــغ ذلــك رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪:‬‬
‫«أتعجبــون مــن غــرة ســعد؟ فــو اللــه ألنــا أ ْغـ َـر منــه واللــه أغــر منــي‪ ،‬مــن أجــل غــرة اللــه‬
‫ح ـ َّرم الفواحــش مــا ظهــر منهــا ومــا بطــن‪ ،‬وال شــخص أغــر مــن اللــه‪ ،‬وال شــخص أحــب إليــه‬
‫العــذر مــن اللــه‪ ،‬مــن أجــل ذلــك بعــث املرســلني مبرشيــن ومنذريــن‪ ،‬وال شــخص أحــب إليــه‬
‫املدحــة مــن اللــه‪ ،‬مــن أجــل ذلــك وعــد اللــه الجنــة» رواه مســلم‪ ،‬قــال النــووي‪ :‬العــذر هنــا‬
‫مبعنــى اإلعــذار واإلنــذار قبــل أخذهــم بالعقوبــة ولهــذا بعــث املرســلني‪.‬‬
‫وأقــول‪ :‬الغــرة هنــا هــي التــي يحبهــا اللــه تعــاىل إذا كانــت هنــاك ريبــة‪ ،‬وليســت الغــرة يف‬
‫غــر ريبــة والتــي يبغضهــا اللــه‪ ،‬فعــن عــي بــن أيب طالــب ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬كــر عــى ماريــة‬
‫القبطيــة يف قبطــي ابــن عــم لهــا كان يزورهــا ويختلــف إليهــا‪ ،‬فقــال يل رســول اللــه صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم‪ :‬خــذ هــذا الســيف فانطلــق فــإن وجدتــه عندهــا فاقتلــه‪ .‬قــال‪ :‬قلــت يــا رســول اللــه‬
‫أكــون يف أمــرك إذا أرســلتني كالســكة املحــاة ال يثنينــي يشء حتــى أمــي ملــا أمرتنــي بــه؟ أم‬
‫الشــاهد يــرى مــا ال يــرى الغائــب؟ قــال‪ :‬بــل الشــاهد يــرى مــا ال يــرى الغائــب‪ .‬فأقبلــت متوشـ ًحا‬
‫الســيف فوجدتــه عندهــا فاخرتطــت الســيف‪ ،‬فلــا رآين أقبلــت نحــوه عــرف أين أريــد فــأىت نخلــة‬
‫فرقــي ثــم رمــى بنفســه عــى قفــاه ثــم شــغر برجلــه –أي رفعهــا‪ -‬فــإذا هــو أجــب أمســح مــا لــه‬
‫قليــل وال كثــر‪ ،‬فغمــدت الســيف ثــم أتيــت رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فأخربتــه‪ ،‬فقــال‪:‬‬
‫«الحمــد للــه الــذي يــرف عنــا أهــل البيــت» رواه البـزار وأخرجــه الضيــاء يف أحاديثــه املختــارة‬
‫عــى الصحيــح‪.‬‬
‫***‬

‫‪176‬‬
‫إطاللة على بيت النيب صلى اهلل عليه وسلم‬

‫* أن يحــب الرجــل زوجتــه ويعلمهــا بذلــك‪ ،‬ال يكفــي ألن تكتمــل الثقــة عندهــا‪ ،‬ولكــن ال بــد‬
‫مــن إبــداء الرغبــة الدامئــة فيهــا وأنهــا مرغوبــة يف كل الظــروف‪ ،‬خاصــة أوقــات حيضاتهــا املتكــررة‬
‫والتــي تعرتيهــا فيهــا أحــوال نفســية وضعــف جســدي‪ ،‬وهــذا مــا نبــه عليــه النبــي صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم بهديــه العمــي مــع زوجاتــه ريض اللــه عنهــن‪ ،‬فعــن عائشــة ريض اللــه عنهــا قالــت‪:‬‬
‫«كنــت أرشب وأنــا حائــض ثــم أناولــه النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فيضــع فــاه عــى موضــع يفَّ‬
‫فيــرب» رواه مســلم‪ ،‬وعنهــا ريض اللــه عنهــا أنهــا قالــت‪« :‬كان رســول صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫يتكــئ يف حجــري وأنــا حائــض فيقــرأ القــرآن» رواه مســلم‪ ،‬وعنهــا أيضً ــا ريض اللــه عنهــا قالــت‪:‬‬
‫«كان النبــي إذا اعتكــف يُــدين إ ّيل رأســه فأرجلــه‪ ،‬وكان ال يدخــل البيــت إال لحاجــة اإلنســان» رواه‬
‫مســلم‪ ،‬وترجيــل الشــعر ترسيحــه‪.‬‬
‫* أخــي الــزوج‪ :‬هــل تظــن أن رجـ ًـا يفعــل مثــل هــذا مــع زوجتــه يداخلهــا شــك يف حبــه لهــا‬
‫ورغبتــه فيهــا؟ وهــل يبقــى لشــيطانها مجــال إلشــعال الغــرة عندهــا عىل زوجهــا؟ فــإذا وثقت من‬
‫حــب زوجهــا لهــا أخلصــت لــه واكتفــت بحظهــا منــه‪ ،‬وبالتــايل وثــق زوجهــا فيهــا ومل يعد شــيطانه‬
‫هــو اآلخــر يداخلــه بشــك أو غــرة‪ :‬وأحــب أن ألفــت النظــر إىل أن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫كان يفعــل ذلــك وسـ ُّنه حــوايل الســتني مــن عمــره الرشيــف‪ ،‬وأن صيغــة الروايــة عــن عائشــة ريض‬
‫اللــه عنهــا تشــر إىل أن ذلــك كان ســلوكًا معتــا ًدا وليســت واقعــة حدثــت ومل تتكــرر‪ ،‬فــا أجمــل‬
‫وأهنــأ العيــش بــن زوجــن يحــرص كل منهــا عــى إظهــار حبّــه لآلخــر يف أمنــاط ســلوكية راقيــة‬
‫ومعــرة بصــدق عــن املــودة والرحمــة والرغبــة واملجاملــة املمزوجــة بالوقــار العاطفــي‪ ،‬ويــا ســعد‬
‫وهنــاك مــن يقتــدي بالصادقــن الصالحــن ‪ ..‬يف حبهــم وســلوكهم مــع أهلهــم‪.‬‬
‫***‬

‫‪177‬‬
‫جده ج ّد وهزله ج ّد‬
‫الزواج بأخرى ‪ُّ ..‬‬

‫* أيهــا الــزوج الــويف‪ :‬مــن نُبْــل املعاملــة‪ ،‬الحــرص عــى مشــاعر مــن تعــارشه‪ ،‬فــا تحرجــه أو‬
‫تؤذيــه بكلمــة أو تــرف ال يليــق أو يخــدش األحاســيس‪ ،‬ومــن أهــم هــذه األمــور بالنســبة ألي‬
‫امــرأة‪ ،‬وخاصــة الزوجــة‪ ،‬ذكــر محاســن امــرأة أخــرى‪ ،‬حتــى ولــو كانــت أم الــزوج أو كانــت التــي‬
‫متــدح ميتــة‪ ،‬قالــت عائشــة ريض اللــه عنهــا‪« :‬كان رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم إذا ذكــر‬
‫خديجــة أثنــى فأحســن الثنــاء‪ ،‬قالــت‪ :‬فغــرت يو ًمــا فقلــت‪ :‬مــا أكــر مــا تذكــر حمـراء الشّ ــدْ َق ْي‬
‫قــد أبدلــك اللــه خ ـرًا منهــا‪ .‬قــال مــا أبدلنــي اللــه خ ـرًا منهــا‪ ،‬قــد آمنــت يب إ ْذ كفــر النــاس‪،‬‬
‫وصدَّ قتنــي إِ ْذ كذبنــي النــاس‪ ،‬وواســتني مبالهــا إذ حرمنــي النــاس‪ ،‬ورزقنــي اللــه أوالدهــا وحرمني‬
‫أوالد النــاس» رواه أحمــد وإســناده حســن‪ .‬ومعنــى حم ـراء الشــدقني أي عجــوز‪.‬‬
‫* أيهــا الــزوج العاقــل‪ :‬إيــاك ثــم إيــاك‪ ،‬بــل أرجــوك‪ ،‬ال تذكــر أمــام زوجتــك موضــوع الــزواج‬
‫بأخــرى ولــو كنــت ماز ًحــا‪ ،‬فهــذه املســألة أصبحــت عقــدة عنــد نســاء هــذا العــر‪ ،‬فزوجتــك‬
‫ال تنــى لــك أب ـ ًدا أنــك ترغــب يف الــزواج مــن غريهــا‪ ،‬ومزاحــك يف هــذا املوضــوع ج ـ ُّده ج ـ ّد‬
‫وهزلــه جــد عندهــا‪ ،‬وســوف تفــر كل موقــف وحركــة ونظــرة عــى أنــك مل تعــد تكتفــي بهــا‪،‬‬
‫وأنــك ســوف تتــزوج ال محالــة‪ .‬وإذا ذكــر أمامــك أحــد أنــه تــزوج بأخــرى فــا ت ُظهــر موافقتــك‬
‫أو تأييــدك لــه‪ .‬وإذا ســألتك زوجتــك عمــن ســوف تتزوجهــا إن ماتــت هــي‪ ،‬وغال ًبــا كل زوجــة‬
‫تحــرص عــى هــذا الســؤال‪ ،‬فــا تخربهــا أنــك ســتفعل ذلــك‪ ،‬والحــذر كل الحــذر أن تســمي‬
‫لهــا امــرأة يف هــذا الشــأن‪ .‬كــا أنصحــك أال تتحــدث أمــام زوجتــك عــن موضوعــات أو مشــاكل‬
‫لزميــات لــك يف العمــل حتــى لــو كانــت هــي الســائلة عــن ذلــك‪ ،‬فســؤالها لــك عــن ذلــك لــه‬
‫معنــى خــاص عندهــا لتتوصــل لقصدهــا‪.‬‬
‫واعلــم أن زوجتــك تكــون شــديدة املالحظــة لــك وبــذكاء فطــري عنــد وجــود امــرأة أخــرى معــك‬
‫أو حتــى أثنــاء الســر معهــا يف الطريــق‪ ،‬بــل عنــد مشــاهدة الصــور يف املجــات أو مشــاهدة‬
‫التليفزيــون‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫* مــن املســائل التــي يتفــق عليهــا الجميــع أن املــرأة تخــاف كــر الســن‪ ،‬وال تحــب أن يقــال لهــا‬
‫إنهــا عجــوز أو فقــدت شــبابها‪ ،‬بــل تحــرص أن تبــدو أصغــر مــن عمرهــا الحقيقــي دامئًــا‪ ،‬والــزوج‬
‫العاقــل يعطــي هــذا اإلحســاس لزوجتــه لرييحهــا مــن عنــاء مقاومــة الزمــن‪ ،‬أو ليخفــف مــن‬
‫َغلْــواء غريتهــا عليــه‪ .‬ومــن نــادر مــا يُحــى يف ذلــك مــا رواه ســيدنا أنــس بــن مالــك خــادم النبــي‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم مــع أمــه أم ســليم ريض اللــه عنهــا وهــي مــن العاقــات مــن النســاء‬
‫الصحابيــات‪ ،‬وكان رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يكرمهــا ويقيــل يف بيتهــا‪ .‬يقــول أنــس‬
‫ريض اللــه عنــه‪ :‬دخلــت دار أيب طلحــة –زوج أم ســليم‪ -‬وهــو مغلــق البــاب عــى أم ســليم وهــو‬
‫يرضبهــا‪ ،‬وهــي أم أنــس بــن مالــك‪ ،‬يقــول‪ :‬فناديــت مــن وراء البــاب‪ :‬مــا تريــد إىل هــذه العجــوز‬
‫ترضبهــا؟ فنادتنــي مــن وراء البــاب فقالــت يل‪ :‬تقــول العجــوز!! َع َّجـ َز اللــه ُركَبَــك‪ .‬رواه الطـراين‪.‬‬
‫***‬

‫‪179‬‬
‫ال تغضب ‪ ..‬ولك اجلنة‬

‫* يقــول اإلمــام الغ ـزايل يف اإلحيــاء‪ :‬قــوة الغضــب محلهــا القلــب‪ ،‬ومعناهــا غليــان دم القلــب‬
‫بطلــب االنتقــام‪ .‬وإمنــا تتوجــه هــذه القــوة عنــد ثورانهــا إىل دفــع املؤذيــات قبــل وقوعهــا وإىل‬
‫التَّشـفّي واالنتقــام بعــد وقوعهــا‪ .‬فاالنتقــام قُــوت هــذه القــوة وشــهوتها وفيــه لذاتهــا وال تســكن‬
‫إال بــه‪ ،‬ومهــا اشــتدت نــار الغضــب وقــوي اضطرامهــا أعمــت صاحبهــا وأصمتــه عــن كل موعظة‪،‬‬
‫فــإذا ُوعــظ مل يســمع بــل زاد غضبــه‪ .‬ومــن آثــار الغضــب يف الظاهــر‪ ،‬تغــر اللــون‪ ،‬وشــدة الرعــدة‬
‫يف األطـراف‪ ،‬وخــروج األفعــال عــن الرتتيــب والنظــام‪ ،‬واضطـراب الحركــة والــكالم‪ ،‬وحتــى يظهــر‬
‫الزبــد عــى األشــداق وتحمــر األحــداق‪ ،‬وتســتحيل الخلقــة‪ ،‬وقُ ْبــح الباطــن يف هــذه الحــال أقبــح‬
‫مــن قبــح الظاهــر‪ .‬وأثــره يف الــكالم الشــتم‪ ،‬ويف األعضــاء الــرب والكــر‪ ،‬ويف القلــب الحقــد‬
‫والحســد وإضــار الســوء‪.‬‬
‫* عــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه «أن رجـ ًـا قــال للنبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬أوصنــي قــال‪:‬‬
‫ال تغضــب فــردد مـرا ًرا قــال‪ :‬ال تغضــب» رواه البخــاري‪ .‬وعــن رجــل مــن أصحــاب النبــي صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬قــال رجــل‪ :‬يــا رســول اللــه أوصنــي قــال‪ :‬ال تغضــب‪ .‬قــال‪ :‬ففكــرت‬
‫حــن قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم مــا قــال‪ ،‬فــإذا الغضــب يجمــع الــر كلــه» رواه‬
‫أحمــد‪ .‬وعــن ابــن عمــر ريض اللــه عنهــا «أنــه ســأل النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬مــا يباعــدين‬
‫مــن غضــب اللــه عــز وجــل؟ قــال‪ :‬ال تغضــب» رواه أحمــد وابــن حبــان يف صحيحــه‪ .‬وعــن أيب‬
‫الــدرداء ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬قــال رجــل لرســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم دلنــي عــى عمــل‬
‫يُدخلنــي الجنــة‪ ،‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬ال تغضــب ولــك الجنــة» رواه الطـراين‬
‫بإســنادين أحدهــا صحيــح‪.‬‬
‫* هكــذا يــا أخــي الــزوج‪ :‬الغضــب نــار يغــي منــه دم القلــب ال تُحمــد عواقبــه‪ ،‬لذلــك فهــو يجمع‬
‫خصــال الــر كلهــا‪ ،‬فمــن ملــك نفســه عنــد الغضــب نجــا مــن الــر ومــن غضــب اللــه عــز وجل‪،‬‬
‫ومــا أكــر حــرص هــذا الصحــايب وهــو يُــر عــى اســتخراج الوصيــة النافعــة مــن علــم النبــي صــى‬

‫‪180‬‬
‫اللــه عليــه وســلم فــا يجــد إال النصيحــة املتكــررة‪ :‬ال تغضــب‪ .‬فهــا أخــذت بتلــك النصيحــة‬
‫لتغنــم خــري الدينــا واآلخــرة‪ .‬فتبعــد عــن غضــب الجبــار‪ ،‬وتنعــم مــع أهلــك يف هــذه الــدار‪.‬‬
‫* أخــي الــزوج‪ :‬مــن متــام الخلقــة أن مــن اسـتُغضب يغضــب‪ ،‬ولكــن كظــم الغيــظ والعفــو هــو‬
‫كــال الخلــق الــذي ندبنــا إليــه وفطرتنــا تطاوعنــا عليــه إن اســتعنا باللــه ونفذنــا رشعــه‪ .‬والنــاس‬
‫متفاوتــون يف القــدرة عــى ذلــك‪ ،‬فاألخــاق أرزاق ومواهــب وقســمة بــن بنــي آدم‪ ،‬فعــن أيب‬
‫ســعيد الخــدري ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬أال إن بنــي آدم‬
‫خلقــوا عــى طبقــات‪ ،‬أال وإن منهــم بطــيء الغضــب رسيــع الفــيء‪ ،‬ومنهــم رسيــع الغضــب‬
‫بطــيء الفــيء‪ ،‬أال وإن الغضــب جمــرة يف قلــب ابــن آدم أمــا رأيتــم حمــرة عينيــه وانتفــاخ‬
‫أوداجــه؟ فمــن أحــس بــيء مــن ذلــك فليلصــق بــاألرض» رواه الرتمــذي وقــال‪ :‬حديــث حســن‪.‬‬
‫والــذي قســم بيننــا أخالقنــا كــا قســم بيننــا أرزاقنــا هــو ســبحانه وتعــاىل‪ ،‬الــذي أمرنــا بتزكيــة‬
‫النفــس بالحلــم وكظــم الغيــظ‪ ،‬بــل بالعفــو عمــن ظلمنــا‪ ،‬قــال عــز مــن قائــل‪{ :‬ال َِّذيـ َن يُ ْن ِف ُقــو َن‬
‫ـب الْ ُم ْح ِسـ ِن َني} [آل عمـران‪:‬‬ ‫ـرا ِء َوالْك َِاظ ِمـ َن الْ َغ ْيـ َظ َوالْ َعا ِفـ َن َعــنِ ال َّنـ ِ‬
‫ـاس َواللَّـ ُه يُ ِحـ ُّ‬ ‫ـرا ِء َوالـ َّ َّ‬
‫ِف الـ َّ َّ‬
‫‪ ]134‬فســمى مــن يفعــل ذلــك محسـ ًنا وأخــر أنــه يحبــه لذلــك‪ .‬وأعظــم البيــان لذلــك مــا ذكــره‬
‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم مــن عالمــات الرجولــة والقــوة والفتــوة‪ ،‬فعــن أيب هريــرة ريض‬
‫اللــه عنــه أن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬ليــس الشــديد بالرصعــة إمنــا الشــديد الــذي‬
‫ميلــك نفســه عنــد الغضــب» رواه البخــاري ومســلم‪ ،‬ورواه ابــن حبــان يف صحيحــه بلفــظ «ليــس‬
‫والصعــة بضــم الصــاد وفتــح الـراء‬ ‫الشــديد مــن غلــب النــاس‪ ،‬إمنــا الشــديد مــن غلــب نفســه» ُّ َ‬
‫رصعــة بضــم ال ـراء فهــو الضعيــف الــذي يرصعــه النــاس‬ ‫هــو الــذي يــرع كث ـ ًرا بقوتــه‪ ،‬وأمــا ال ُ‬
‫كلهــم‪.‬‬
‫* أخــي الــزوج العاقــل‪ :‬الشــيطان عــدو مبــن أوقــف كل قــواه عــى هلكــة اإلنســان‪ ،‬وهــو مســلط‬
‫عــى كل بنــي آدم‪ ،‬وهــذا معلــوم بالــرورة‪ ،‬ولكــن الغفلــة عــن عداوتــه والجهــل بطــرق كيــده‬
‫وشــباك صيــده يــر املســلم العاقــل الــذي بــن لــه الــرع طــرق النجــاة مــن الشــيطان وإبطــال‬
‫كيــده ودفــع رضره‪ ،‬وأوســع أبــواب الشــيطان للنفــس هــو الغضــب‪ ،‬فطاملــا اإلنســان مل يغضــب‬

‫‪181‬‬
‫تظــل أبــواب النفــس مغلقــة أمــام الشــيطان‪ ،‬وكلــا غضــب اإلنســان ســهل للشــيطان الســيطرة‬
‫عــى اإلنســان وأصبــح مؤديًــا ومنف ـذًا لــكل مــا يطلبــه ويأمــر بــه الشــيطان‪ ،‬فعــن ســليامن بــن‬
‫رصد ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬اســتب رجــان عنــد النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فجعــل أحدهــا‬
‫يغضــب ويحمــر وجهــه وتنتفــخ أوداجــه‪ ،‬فنظــر النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬إين ألعلــم‬
‫كلمــة لــو قالهــا لذهــب عنــه ذا‪ ،‬أعــوذ باللــه مــن الشــيطان الرجيــم‪ .‬فقــام إىل الرجــل رجــل‬
‫ممــن ســمع النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬هــل تــدري مــا قــال رســول اللــه صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم آن ًفــا؟ قــال‪ :‬ال‪ .‬قــال‪ :‬إين ألعلــم كلمــة لــو قالهــا لذهــب عنــه ذا‪ ،‬أعــوذ باللــه مــن‬
‫الشــيطان الرجيــم‪ .‬فقــال لــه الرجــل‪ :‬أمجنونًــا تـراين؟» رواه البخــاري ومســلم‪.‬‬
‫نعــم يــا أخــي‪ ،‬إن هــذا الشــيطان وقــد متكــن مــن القلــب بعــد الغضــب ال يدفعــه إال العــون مــن‬
‫اللــه القــوي‪ ،‬ولكــن الــذي يصعــب األمــر أن الغاضــب وقــت غضبــه يظــن أنــه يتــرف ترصفًــا‬
‫ـول وأنــه يســيطر عــى نفســه‪ ،‬وهــذا مــن غامــض كيــد الشــيطان لــه‪ ،‬فلذلــك قلــا يقبــل‬ ‫معقـ ً‬
‫النصــح وقــت الغضــب‪ ،‬فقــد روى معــاذ بــن جبــل ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬اســتب رجــان عنــد‬
‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فغضــب أحدهــا غض ًبــا شــديدً ا حتــى خيــل يل أن أنفــه يتمــزع‬
‫مــن شــدة غضبــه فقــال النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬إين ألعلــم كلمــة لــو قالهــا لذهــب عنــه‬
‫مــا يجــد مــن الغضــب فقــال‪ :‬مــا هــي يــا رســول اللــه؟ قــال‪ :‬تقــول‪ :‬اللهــم إين أعــوذ بــك مــن‬
‫الشــيطان الرجيــم‪ .‬قــال‪ :‬فجعــل معــاذ يأمــره فــأىب وضحــك وجعــل يــزداد غض ًبــا» رواه أبــو داود‬
‫والرتمــذي والنســايئ‪.‬‬
‫* أن يكــون الغضــب مــن الشــيطان‪ ،‬وأنــه جمــرة مــن نــار‪ ،‬وكان الشــيطان يجــري مــن ابــن آدم‬
‫كــا يجــري فيــه دمــه‪ ،‬كــا جــاء يف الحديــث‪ ،‬فهــذه أمــور غيبيــة نصــدق بهــا مبقتــى اإلميــان‬
‫بالغيــب‪ ،‬وال ســبيل للعقــل يف هــذا إال العلــم واالتبــاع‪ ،‬فإمــا أال نغضــب ونجاهــد النفــس‪ ،‬وإمــا‬
‫إذا غضبنــا نتبــع منــا جــاء بــه الــرع‪ ،‬ومــا جــاء بــه الــرع يف ذلــك‪ ،‬بجانــب االســتعاذة باللــه‬
‫مــن الشــيطان الرجيــم‪ ،‬أن يتوضــأ مــن أصابــه غضــب أو أن يلصــق نفســه بــاألرض كــا مــر‬
‫قري ًبــا يف الحديــث‪ ،‬أو يجلــس إن كان قامئًــا‪ ،‬وإال فليضطجــع‪ .‬فعــن أيب ذر الغفــاري ريض اللــه‬

‫‪182‬‬
‫عنــه أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬إذا غضــب أحدكــم وهــو قائــم فليجلــس فــإن‬
‫ذهــب عنــه الغضــب‪ ،‬وإال فليضطجــع» رواه أبــو داود وابــن حبــان يف صحيحــه‪ .‬وعــن أيب وائــل‬
‫قــال‪« :‬دخلنــا عــى عــروة بــن محمــد الســعدي فكلمــه رجــل فأغضبــه فقــام فتوضــأ‪ ،‬فقــال‪:‬‬
‫حدثنــي أيب عــن جــدي عطيــة ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪:‬‬
‫إن الغضــب مــن الشــيطان وإن الشــيطان خلــق مــن النــار وإمنــا تطفــأ النــار باملــاء‪ ،‬فــإذا غضــب‬
‫أحدكــم فليتوضــأ» رواه أبــو داود‪ .‬وعــن ابــن عبــاس ريض اللــه عنهــا عــن النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم قــال‪« :‬علمــوا ويــروا وال تعــروا وإذا غضــب أحدكــم فليســكت وإذا غضــب أحدكــم‬
‫فليســكت» رواه أحمــد والط ـراين‪ .‬وأمــا هــذه القصــة الطريفــة التــي وقعــت لســيدنا أيب بكــر‬
‫الصديــق فهــي تبــن لنــا كيــف يتــم العــون مــن اللــه عنــد الغضــب‪ ،‬فعــن أيب هريــرة ريض اللــه‬
‫عنــه «أن رجـ ًـا شــتم أبــا بكــر والنبــي صــى اللــه عليــه وســلم جالــس‪ ،‬فجعــل النبــي يعجبــه‬
‫ويتبســم‪ ،‬فلــا أكــر رد عليــه بعــض قولــه‪ ،‬فغضــب النبــي صــى اللــه عليــه وســلم وقــام‪ ،‬فلحقــه‬
‫أبــو بكــر‪ ،‬فقــال‪ :‬يــا رســول اللــه‪ :‬كان يشــتمني وأنــت جالــس فلــا رددت عليــه بعــض قولــه‬
‫غضبــت وقمــت؟ قــال‪ :‬إنــه كان معــك ملــك يــرد عنــك فلــا رددت عليــه بعــض قولــه وقــع‬
‫الشــيطان فلــم أكــن ألقعــد مــع الشــيطان» رواه أحمــد والطـراين وأبــو داود ورجــال أحمــد رجــال‬
‫الصحيــح‪.‬‬
‫***‬

‫‪183‬‬
‫معظم النار من مستصغر الشرر‬

‫* أيهــا الــزوج العزيــز‪ :‬إذا غضبــت زوجتــك فقــد متلكهــا شــيطانها وأصبحــت طائعــة لــه‪ ،‬فــاذا‬
‫أنــت فاعــل؟ هــل تكــون عونًــا للشــيطان عليهــا؟ وقــد تقــول‪ :‬وهــل يعقــل أن أعــن عــدوي‬
‫وعدوهــا عليهــا؟ بالتأكيــد أنــت ال تقصــد‪ ،‬ولكــن الواقــع أننــا نفعــل ذلــك بغفلــة منــا‪ ،‬إذ نغضــب‬
‫عندمــا نســمع الزوجــة الغاضبــة‪ ،‬وقــد وقعــت يف شــباك شــيطانها وهــي تتكلــم مبــا ال تحــب‬
‫أو تفعــل مــا يغضبنــا‪ ،‬وهكــذا فنكــون قــد أعنــا الشــيطان عــى الزوجــة وأعنــا شــيطاننا علينــا‪،‬‬
‫والنتيجــة أن كال الشــيطانني يفــرح ويرقــص عــى النــار املشــتعلة يف النفســن‪ ،‬بــل يف البيــت كلــه‪،‬‬
‫وقــد تــأيت عليــه فتخربــه‪ .‬وعــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫قــال‪« :‬ال تكــن عونًــا للشــيطان عــى أخيــك» رواه البخــاري‪ .‬وأصــور تلــك الحقيقــة يف اآليت‪ :‬إذا‬
‫غضبــت الزوجــة فاشــتعلت فيهــا النــار‪ ،‬كــا ذكــر النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬إن الغضــب‬
‫جمــرة مــن نــار»‪ ،‬فالواجــب عليــك بحكــم عقلــك ومســؤولياتك أن تطفــئ هــذه النــار‪ ،‬ال تزيدهــا‪،‬‬
‫متا ًمــا كــا لــو رأيــت نــا ًرا متســك يف مالبــس زوجتــك أو بدنهــا فهــل تتباطــأ يف العمــل عــى إطفــاء‬
‫النــار وإنقــاذ الزوجــة؟ وهــل يقبــل منــك أن تلقــي عليهــا مــواد تزيــد مــن اشــتعال النــار فيهــا؟‬
‫إنــك يــا أخــي إذا مل تســارع يف إخــاد نــار غضبهــا فأنــت مقــر‪ ،‬فــا بالــك لــو فعلــت مــا يزيــد‬
‫مــن نــار غضبهــا؟!‪ .‬ولذلــك قــال أبــو الــدرداء ريض اللــه عنــه لزوجتــه‪ :‬إذا رأيْ ِتنــي غضبــت فرضِّ نــي‪،‬‬
‫وإذا رأيتــك غضبــى رضَّ ْيتُــك‪ .‬فــا أنفــع هــذه الوصيــة لــو كانــت بــن كل زوجــن‪.‬‬
‫* واعلــم يــا أخــي أن النــار تــأكل بعضهــا بعضً ــا ثــم تنطفــئ‪ ،‬إال إذا ُمـدَّتْ بطعامهــا مــن الوقــود‬
‫فتســتمر وتــزداد‪ ،‬وكذلــك متا ًمــا نــار الغضــب‪ ،‬فتطفــأ باملــاء‪ ،‬واملــاء الــذي يطفــئ الغضــب ونــاره‬
‫هــو أن تســريض املغضــب حتــى يهــدأ ويــرىض‪ ،‬ومــاء االســرضاء هــو الكلمــة املقبولــة واملطلوبــة‬
‫لهــذا املوقــف ولــو كذبًــا‪ .‬والحــذر كل الحــذر مــن الكلمــة املثــرة وغــر املقبولــة وقــت الغضــب‪،‬‬
‫فاملــاء ســائل مطفــئ للنــار‪ ،‬والبنزيــن ســائل مشــعل للنــار‪ ،‬إن ســنن األمــور تتطلــب ذلــك‪ ،‬كــا‬
‫يفعــل صاحــب الســيارة عندمــا يســخن موتورهــا‪ ،‬فعليــه أن يوقــف دورانــه ثــم يلطــف حرارتــه‬

‫‪184‬‬
‫باملــاء‪ ،‬فــإذا عــادت حـرارة املوتــور ملعدلهــا الطبيعــي أداره وحركــه وســار بســيارته‪ ،‬إن مل يفعــل‬
‫ذلــك احــرق املوتــور وتعطــل هــو عــن الســر وخــر ســيارته‪ .‬واملــرأة يــا أخــي العزيــز ملــا‬
‫جبلــت عليــه مــن وفــور العاطفــة وتوقــد حساســيتها رسيعــة االســتهواء للغضــب‪ ،‬ولكنهــا لنفــس‬
‫الســبب رسيعــة االســرضاء عــادة‪ ،‬ولذلــك قــال عنهــا النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬اطلعــت‬
‫يف النــار فــإذا أكــر أهلهــا النســاء‪ ،‬يكفــرن العشــر لــو أحســنت إىل إحداه ـ َّن الدهــر ثــم رأت‬
‫منــك شــيئًا قالــت‪ :‬مــا رأيــت منــك خـ ًرا قــط» رواه البخــاري عــن ابــن عبــاس ريض اللــه عنهــا‪.‬‬
‫فهكــذا الكفـران منهــا للــزوج ال يكــون إال عنــد الغضــب منــه –رأت منــك شــيئًا‪ -‬وهــذا أيهــا الــزوج‬
‫هــو طبــع النســاء وليســت زوجتــك فقــط‪ ،‬بــل هــذا منهــا مــع العشــر املحســن مــدى الدهــر‪،‬‬
‫ولكنــه الغضــب يعمــي وينــي‪ ،‬وهــذا الخــر النبــوي يدعــوك فيــه إىل الصــر عليهــن فــإن الصــر‬
‫ال يســتغني عنــه حريــص‪ ،‬و َم ـ ْن عــرف فضــل الحيــاة الزوجيــة الصافيــة صــر للزوجــة وحلــم‬
‫واحتمــل لهــا لينــال الــود والرحمــة وكل مــا يؤملــه منهــا‪ ،‬فَ ُه ـ ْن لزوجتــك وال تطــع الشــيطان يف‬
‫أمرهــا‪ ،‬واســتعن باللــه فهــو الــذي يقــول‪َ { :‬وأَ ْصلَ ْح َنــا لَـ ُه َز ْو َج ـ ُه} وكان نبيًّــا‪.‬‬
‫وقــد قيــل‪ :‬مــن مل يظلــم نفســه للنــاس ويتظــامل لهــم ويتغافــل عنهــم مل يســلم منهــم‪ ،‬والزوجــة‬
‫أوىل بذلــك‪ ،‬وقــد قالــوا ونصحــوا‪ :‬مــن حقهــا أن تتجــاوز لهــا عــن ثــاث‪ :‬ظلــم الغضــب‪ ،‬وظلــم‬
‫الهفــوة‪ ،‬وظلــم الدالــة‪ .‬ومــن النصائــح التــي ســمعتها وحفظتهــا عــن الغضــب أيضً ــا‪ ،‬أن النــار يف‬
‫مبدئهــا تكــون ضعيفــة يطفؤهــا قــدر قليــل مــن املــاء‪ ،‬وقــد يطفؤهــا مجــرد النفــخ بالفــم بقليــل‬
‫ـتعال‪ ،‬ومعظــم النــار مــن مســتصغر‬ ‫الهــواء‪ ،‬ولكنهــا إذا تركــت قويــت ويزيدهــا النفــخ نفســه اشـ ً‬
‫الــرر‪ .‬فبالكلمــة الصغــرة التــي تخرجهــا بســهولة مــن فمــك تســتطيع يف بدايــات الغضــب أن‬
‫ـال رائ ًعــا‬
‫ـتعال‪ .‬وقــد رضب يل أحدهــم مثـ ً‬ ‫تطفــئ نــاره‪ ،‬وقــد تكــون الكلمــة بعــد ذلــك تزيــده اشـ ً‬
‫عــن غضــب الزوجــة بالــذات فقــال‪ :‬يعمــد أحــد النــاس عندمــا ينقطــع التيــار الكهربــايئ باملنــزل‬
‫إىل تغيــر جميــع اللمبــات الكهربيــة‪ ،‬بــل وتغيــر التوصيــات وال يعــود الضــوء الكهربــاء للمنــزل‪،‬‬
‫ألنــه يجهــل العلــم بذلــك‪ ،‬واألمــر يف غايــة اليــر‪ ،‬املطلــوب تغيــر مــا يســمى –شــعرة الفيــوز‪-‬‬
‫يف دقيقــة واحــدة وبــا كلفــة يعــود التيــار الكهربــايئ ملج ـراه‪ .‬وكذلــك يفعــل مــن عنــده علــم‬

‫‪185‬‬
‫ـهل حلـ ًوا يعيدهــا لخلقهــا‬ ‫بغضــب النســاء‪ ،‬يســريض الزوجــة املغضبــة بــكل مــا يرضيهــا كال ًمــا سـ ً‬
‫الطبيعــي وال يكلفــه عنــاء الغضــب والخصــام ومــا هــو أكــر مــن الخصــام‪ ،‬وبذلــك يحــل النــور‬
‫ـدل مــن الظــام‪ ،‬ويعــود الوئــام‪ ،‬وكــا يقــول املثــل العامــي (يــا دار مــا دخلــك رش) ويكــون‬ ‫بـ ً‬
‫جميـ ًـا منــك أن تتفــق معهــا كــا فعــل الصحــايب الجليــل أبــو الــدرداء ريض اللــه عنــه وتخربهــا‬
‫بقــول الشــاعر‪:‬‬
‫خذي العفو مني تستدميي مو َّديت وال تنطقي يف َس ْوريت حني أغضب‬
‫فإنك ال تدرين كيف املغَّيب‬ ‫وال تنقريني نقرك ال ُّد َّف م َّرة‬
‫وال تكرثي الشكوى فتذهب بالقوى ويأباك قلبي والقلوب تقلب‬
‫فإين رأيت الحب يف القلب واألذى إذا اجتمعا مل يلبث الحب يذهب‬
‫* الجــدال واملراجعــة تــورث النفــرة والكراهــة واإليحــاش بــن املتحابــن‪ ،‬ومعظــم الغضــب ال‬
‫يــأيت إال مــن مجادلــة ومراجعــة‪ ،‬والصــر عــى ذلــك أيــر مــن عواقــب الغضــب‪ .‬عــن ابــن‬
‫عبــاس ريض اللــه عنهــا قــال‪ :‬قــال عمــر بــن الخطــاب ريض اللــه عنــه‪( :‬كنــا معــر قريــش قو ًمــا‬
‫تغلــب النســاء‪ ،‬فلــا قدمنــا املدينــة وجدنــا قو ًمــا تغلبهــم نســاؤهم‪ ،‬فطفــق نســاؤنا يتعلمــن‬
‫مــن نســائهم‪ .‬قــال‪ :‬وكان منــزيل يف بنــي يزيــد بالعــوايل‪ ،‬فَتَغضّ بــت يو ًمــا عــي امــرأيت فــإذا هــي‬
‫تراجعنــي فأنكــرت أن تراجعنــي‪ ،‬فقالــت‪ :‬مــا تنكــر أن أراجعــك‪ ،‬فواللــه إن أزواج النبــي صــى‬
‫ـت فدخلــت عــى حفصــة‬ ‫اللــه عليــه وســلم لرياجعنــه وتهجــره إحداهــن اليــوم إىل الليــل‪ .‬فانطلقـ ُ‬
‫فقلــت لهــا‪ :‬أتراجعــن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم؟ فقالــت‪ :‬نعــم‪ .‬فقلــت‪ :‬أتهجــره‬
‫إحداكــن اليــوم إىل الليــل؟ قالــت‪ :‬نعــم‪ .‬قلــت‪ :‬قــد خــاب مــن فعــل ذلــك منكــن وخــر‪ ،‬أفتأمــن‬
‫إحداكــن أن يغضــب اللــه عليهــا لغضــب رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فــإذا هــي قــد‬
‫هلكــت؟ ال تراجعــي رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم وال تســأليه شــيئًا وســليني مــا بــدا لــك‪،‬‬
‫وال يغرنــك أن كانــت جارتــك هــي أوســم وأحــب إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم منــك –‬
‫يريــد عائشــة‪ )-‬رواه البخــاري ومســلم‪ ،‬فــأي صــر وأي حلــم كان مــن رســول اللــه صــى اللــه عليه‬
‫وســلم وأصحابــه‪ ،‬وخاصــة عمــر ريض اللــه عنــه املعــروف عنــه الشــدة‪ ،‬بــل هنــاك مــا هــو أشــد‬
‫مــن املراجعــة والهجــرة‪ ،‬فقــد روت عائشــة ريض اللــه عنهــا (أنهــا غضبــت مــرة عنــد رســول اللــه‬

‫‪186‬‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم فقالــت لــه‪ :‬وأنــت الــذي تَ ْز َعــم أنــك نبــي؟! فتبســم رســول اللــه صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم ومل يقــل شــيئًا) أخرجــه أبــو يعــي يف مســنده وأبــو الشــيخ يف كتــاب األمثــال‪.‬‬
‫كــا روت ريض اللــه عنهــا أنــه جــرى بينهــا وبــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم كالم حتــى أدخــا‬
‫بينهــا أبــا بكــر ريض اللــه عنــه حكـ ًـا‪ ،‬فقــال لهــا النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬تكلمــن أو‬
‫أتكلــم؟» فقالــت‪ :‬بــل تكلــم أنــت وال تقــل إال ح ًّقــا‪ ،‬فلطمهــا أبــو بكــر حتــى دمــي فوههــا وقــال‪:‬‬
‫يــا عــدوة نفســها‪ ،‬أويقــول غــر الحــق؟ فاســتجارت برســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم وقعــدت‬
‫خلــف ظهــره‪ ،‬فقــال لــه النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬مل ن ْد ُعــك لهــذا وال أردنــا منــك هــذا»‬
‫رواه الطـراين يف األوســط والخطيــب البغــدادي يف التاريــخ‪ .‬وكان عمــر ريض اللــه عنــه‪ ،‬رغــم شــدة‬
‫غريتــه يصــر عــى زوجتــه عاتكــة بنــت زيــد ريض اللــه عنهــا‪ ،‬فــكان إذا خــرج إىل الصــاة تبعتــه‪،‬‬
‫فــكان يكــره خروجهــا ويكــره منعهــا‪ ،‬وكان يحــدث أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪:‬‬
‫«إذا اســتأذنكم نســاؤكم إىل الصــاة فــا متنعوهــن» رواه أحمــد يف مســنده‪.‬‬
‫* أخــي الــزوج‪ :‬مــن األخطــاء الشــائعة أن يحاســب املغضــب عــا قالــه حالــة غضبــه‪ ،‬ونحــن قــد‬
‫عرفنــا أن اإلنســان يف حالــة الغضــب يكــون شــيطانه هــو املتحكــم فيــه وهــو الــذي ميــده مبــا‬
‫يقــول‪ .‬فالواقــع أن الــذي يجــب أن نحاســبه هــو عدونــا الشــيطان وليــس املغضــب‪ ،‬وكل مــا ميكــن‬
‫ذكــره هــو التنبيــه أال يضعــف مــرة أخــرى لشــيطانه ويحــذر منــه‪ ،‬والشــائع أننــا نعيــد الــر‬
‫الــذي ألقــاه بيننــا الشــيطان وقــت الغضــب فيكــون ذلــك ســب ًبا يف إعــادة الغضــب وج ـ ّوه مــرة‬
‫أخــرى‪ ،‬وذلــك قصــد العــدو‪.‬‬
‫* أخــي الــزوج‪ :‬الــذي كان يَ ْرغــي ويَ ْزبــد يف حالــة الغضــب ليســت زوجتــك وإن جــرى عــى‬
‫لســانها‪ ،‬إمنــا هــو الشــيطان العــدو فــا تقــع يف حبائلــه مــرة أخــرى مبحاســبة الزوجــة عــى مــا‬
‫يكــون وقــت الغضــب‪ ،‬فاملؤمــن ال يلــدغ مــن جحــر مرتــن‪ .‬فأحكــم ســفينتك فــإن بحــر الشــيطان‬
‫عميــق‪.‬‬
‫***‬

‫‪187‬‬
‫ف‬
‫ال�صل ال سا ب�ع‬ ‫‪7‬‬
‫باقة من ألوان األزهار تتزين بها أركان الدار‬

‫* الغــرة فطــرة ومبدؤهــا فكــرة مثــل جرثومــة املــرض‪ ،‬وجراثيــم الغــرة‪:‬‬


‫الشــك وســوء الظــن‪ ،‬ونقــص الثقــة‪ ،‬وفتــور العالقــة‪ ،‬واالنشــغال عــن‬
‫الــزوج‪ ،‬وكــرة اإلعجــاب باآلخريــن‪ ،‬والتغيــب الكثــر عــن البيــت‪.‬‬
‫* الغــرة تلتهــم العواطــف وتحرقهــا‪ ،‬وتذهــب بالنــوم والراحــة‪ ،‬والعقــل‪،‬‬
‫وتع ـ ّرض لقالــة الســوء يف غــر حــاالت الريبــة‪ ،‬وتفســد مــا بــن املحبــن‪،‬‬
‫والظــن أكــذب الحديــث‪.‬‬
‫* الرعايــة للــزوج بألطــف الســلوك ومجامــات القلــوب وتعاهــد النفــوس‬
‫ومراعــاة الخاطــر‪ ،‬تــزرع الثقــة وتُنقــي القلــوب مــن الدّ خــن والدَّ غــل‬
‫ومتنــع عالئــق الظــن باملحبــوب‪.‬‬
‫* الغضــب جــذوة مــن نــار الشــيطان تُنضــج الحقــد والحســد واالنتقــام‪،‬‬
‫وال يطفئــه مثــل الســكوت أو لطيــف الــكالم‪ ،‬ويزيــد اشــتعاله الجــدل‬
‫وال َّتــاوم ولجــج الخصــام‪.‬‬
‫* الغضــب تتعــدّ ى نــاره إىل القلــوب‪ ،‬وتنتــر أرضاره فتنهــدم البيــوت‪،‬‬
‫ومحــارصة النــار وإطفاؤهــا واجــب يــدرك بالعقــول‪ .‬وصــر ســاعة مينــع‬
‫كــدر الســنني‪.‬‬
‫* بعــد الغضــب يُــرك العتــب عليــه والحســاب‪ ،‬فإعــادة الــكالم عنــه تعيــد‬
‫أســبابه بأكــر مــا كان‪ ،‬وتثمــر العنــاد وتســتمر بــه األنــكاد‪.‬‬
‫ ‬

‫‪188‬‬
‫السعادة مطلوبة وممكنة‬

‫* الحيــاة الطيبــة ممكنــة يف ظــل فهــم صحيــح وقصــد ســليم بــن الزوجــن الصاحبــن بالجنــب‪،‬‬
‫والشــعار الــذي يجــب أن يرفــرف عــى البيــت املســلم هــو‪ :‬الســعادة مطلوبــة وممكنــة‪ ،‬بــيء‬
‫مــن التعقــل والصــر والحــرص واملــداراة‪ .‬إن الحيــاة يف مجملهــا قصــرة‪ ،‬ولكنهــا مثــرة ومشــوقة‬
‫مبواقفهــا ومفاجآتهــا املتتاليــة‪ .‬والنــاس أقدارهــا يف املواقــف‪ ،‬واإلنســان قَـ ْد ُره وقَـ َدره مبــا أحســن‬
‫يف مواقــف حياتــه‪ ،‬وغال ًبــا نحــن ال نصنــع تلــك املواقــف‪ ،‬إمنــا العــرة يف النجاحــات أو يف الفشــل‬
‫يف معالجــة املواقــف‪ .‬وهنــاك بيــوت َسـ ِع َد فيهــا أهلهــا‪ ،‬وأخــرى شَ ــقي فيهــا النــاس‪.‬‬
‫وكــم مــن حيــاة ســعيدة وناجحــة وموفقــة‪ ،‬وكــم مــن أعــار انقضــت يف شــقاء و َع َنــت برغــم أن‬
‫أصحابهــا ذوو عقــول ولكنهــا تناطحــت وتنافــرت‪ ،‬وكــم مــن بســطاء فق ـراء مــن أســباب العلــم‬
‫واملــال والجــاه ولكنهــم ُوفقــوا يف حياتهــم الزوجيــة مبــا يقســم لهــم مــن حــظ التوفيــق وســهولة‬
‫املعاملــة واملعــارشة‪.‬‬
‫ـول يبــدو أنهــا تتخــذه مبــدأً لحياتهــا‬
‫ولقــد ســمعت مــن زوجــة ســعيدة يف حياتهــا –فيــا أعلــم‪ -‬قـ ً‬
‫كبيهــا تكــر صغّريهــا تصغــر) وملــا اســتوضحت‬ ‫قالــت‪( :‬وصيــة أمــي يل منــذ تزوجــت هــي‪َّ :‬‬
‫منهــا املعنــى فهمــت أنهــا تقصــد املشــاكل واملواقــف التــي متــر بالزوجــن‪ ،‬أي أن كل مشــكلة إن‬
‫أخذتهــا عــى أنهــا كبــرة ومهمــة تصبــح كبــرة‪ ،‬وإن نظــرت إليهــا عــى أنهــا صغــرة وال تســتحق‬
‫االهتــام البالــغ صغــرت وانقضــت برسعــة‪.‬‬
‫* نعــم أيهــا الــزوج الســعيد‪ :‬أنــت الــذي تُحــد ّد وزن األمــور‪ ،‬بنظرتــك وتقييمــك واهتاممــك‪،‬‬
‫ـر عــى نفســك األمــور وعــى غــرك ييــر اللــه لــك وعليــك‪ ،‬وقــد نصــح األمــن صــى اللــه‬ ‫فيـ ِّ‬
‫عليــه وســلم يف ذلــك بقولــه‪« :‬يــروا وال تعــروا‪ ،‬وبــروا وال تنفــروا» حديــث صحيــح‪.‬‬
‫***‬

‫‪189‬‬
‫السعادة مطلوبة وممكنة‬

‫* املســلم يف نفســه ويف بيتــه ويف كل أمــوره جميــل مهــذب محبــوب‪ ،‬خفيــف الظــل ليــس بثقيــل‬
‫عــى أحــد‪ ،‬يف كالمــه‪ ،‬ويف طعامــه‪ ،‬ويف ملبســه ويف مدخلــه ومخرجــه‪ ،‬ويف حركتــه وســكونه‪ ،‬مــع‬
‫نفســه ومــع أهلــه‪ ،‬مــع جــاره و ُز َّواره‪ .‬ومــا أجمــل املطالــب التــي حضَّ نــا عليهــا قُــدوة الخلــق‬
‫الك ـرام محمــد صــى اللــه عليــه وســلم يف مثــل قولــه‪« :‬أحســنوا لباســكم‪ ،‬وأصلحــوا رحالكــم‪،‬‬
‫حتــى تكونــوا كأنكــم شــامة بــن النــاس» ويف قولــه‪« :‬إنكــم ال تســعون النــاس بأموالكــم‪ ،‬ولكــن‬
‫ليســعهم منكــم بســط الوجــه وحســن الخلــق» وفيــا رواه صــى اللــه عليــه وســلم عــن رب‬
‫العــزة «ح َّقــت محبتــي للمتحا ِّبــن يفَّ واملتباذلــن يفَّ واملتصافــن يفَّ» وقــال ابــن عبــاس ريض اللــه‬
‫عنهــا‪( :‬مــن أفضــل الحســنات إكـرام الجلســاء)‪ ،‬بيــت املســلم متميــز عــن غــره؛ بشــيوع املحبــة‬
‫والفرحــة والكــرم واالســتقرار‪ ،‬مــن يدخلــه يداخلــه الــرور ويُقابــل عــى الســعة والرتحــاب‪ ،‬يجــد‬
‫فيــه مطلبــه أو يُــر َّد بكريــم اللقــاء وجميــل الــكالم‪ ،‬وقــد قــال الشــاعر‪:‬‬
‫للقلب عىل القلب دليل حني يلقاه‬
‫ذلــك أن هــدي النبــي صــى اللــه عليــه وســلم هــو ســمت أهــل البيــت‪« :‬مــن كان يؤمــن باللــه‬
‫واليــوم اآلخــر فليحســن إىل جــاره‪ ،‬ومــن كان يؤمــن باللــه واليــوم اآلخــر فليكــرم ضيفــه‪ ،‬ومــن كان‬
‫يؤمــن باللــه واليــوم اآلخــر فليقــل خـ ًرا أو ليصمــت» رواه البخــاري ومســلم‪.‬‬
‫* جـران البيــت املســلم يصلهــم مــن أنــواره وخــره وحســن جــواره‪ ،‬وكلنــا يحفــظ حديــث رســول‬
‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬مــا زال جربيــل يوصينــي بالجــار حتــى ظننــت أنــه ســيورثه»‬
‫وهــذا أيهــا الــزوج العزيــز يف الجــار مــن النــاس الــذي بينــك وبينــه جــدار وأحجــار‪ ،‬فكيــف بالجــار‬
‫املصاحــب لــك يف نفــس الــدار‪ ،‬فرعايــة جــواره وإكـرام قربــه أحــق وأوىل‪ .‬وقــد قــال رســول اللــه‬
‫ـلم‪ ،‬وأحســن مصاحبــة مــن‬ ‫صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬أحســن مجــاورة َم ـ ْن جــاورك تكــن مسـ ً‬
‫صاحبــك تكــن مؤم ًنــا» رواه الرتمــذي وابــن ماجــة‪ .‬ومــا أصــدق قــول الشــاعر عــن جـران املســلم‪:‬‬
‫إين ألحسد جاركم لجواركم طوىب ملن أمىس لدارك جارا‬
‫يا ليت جارك باعني من داره ش ًربا فأعطيه بش ٍرب دارا‬

‫‪190‬‬
‫* أخــي الــزوج‪ :‬أقــرب مــن يــرع لنجدتــك إن ناديتــه هــو جــارك‪ ،‬فصلــه وتعــرف عليــه وشــاركه‬
‫يف أفراحــه وأتراحــه وال تهمــل مــن ذلــك شــيئًا‪ .‬تحبــب إىل أوالده وأعطهــم بعــض الهدايــا الصغــرة‬
‫ـال ويقــدرون لــك كل ذلــك‪.‬‬
‫اللطيفــة فســوف يصبحــون رجـ ً‬
‫خصيصــا لذلــك حتــى‬
‫ً‬ ‫تنــس يف كل املناســبات واألعيــاد أن تهنئهــم وتــدق البــاب عليهــم‬‫وال َ‬
‫يعتــادوا منــك ذلــك ويذكــروك بــه‪ ،‬وإن كنــت صاحــب مهنــة أو يف وظيفــة وتســتطيع أن تفيدهــم‬
‫فاحــرص عــى ذلــك ودون أن يطلبــوا هــم منــك هــذه الفائــدة‪ .‬ويكــون جميـ ًـا منــك أن تدعوهــم‬
‫إىل منزلــك يف املناســبات الخاصــة‪ ،‬أو عــى طعــام‪ ،‬أو عــى يشء مــن الحلــوى‪ ،‬وتظهــر االهتــام‬
‫بهــم‪ ،‬وأنــت بذلــك متعبــد للــه يف إكرامهــم‪ ،‬وســوف تجــد آثــار ذلــك كلــه يف تعاملهــم معــك ومــع‬
‫زوجتــك ومــع أوالدك‪ ،‬يف حياتــك وبعــد مامتــك‪ ،‬يف حضــورك ويف غيابــك‪ ،‬وأقــل ذلــك وأنفعــه لــك‪،‬‬
‫أن تُحفــظ مــن أذاهــم وتأمــن جانبهــم‪.‬‬
‫***‬

‫‪191‬‬
‫اسكيب َّ‬
‫أم ُسنبلة‬

‫* مــن أكــر األســباب الســتجالب املحبــة والصداقــة تبــادل الهدايــا‪ .‬وكان النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم يقبــل الهديــة ويهــدي‪ ،‬روى أنــس بــن مالــك ريض اللــه عنــه‪( :‬أن أبــا طلحــة بعــث بــورك‬
‫أرنــب أو فخذهــا إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فقبلــه) رواه البخــاري ومســلم‪ ،‬فــا‬
‫ـب‪ ،‬ومــا أعظــم تواضع‬ ‫أعظمهــا بركــة تلــك القطعــة الصغــرة مــن أرنــب إذا كانــت هديــة مــن محـ ّ‬
‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم وهــو ذو القــدر العظيــم عنــد املســلمني إذ يتقبــل مثــل هــذا مــن‬
‫أحدهــم‪ .‬فالعــرة يــا أخــي الــزوج ليســت يف قيمــة الهديــة املاديــة‪ ،‬إمنا القــدر العظيــم فيمن أحب‬
‫فأهــدى مــا ميلــك ملــن يحــب‪ .‬ولذلــك ملــا ســألت أم حكيــم بنــت وداع الخزاعيــة ريض اللــه عنهــا‬
‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فقالــت‪« :‬يــا رســول اللــه تكــره رد اللطــف؟ قــال‪ :‬مــا أقبحــه؛ لــو‬
‫أُهــدي إىل كُـراع لقبلــت‪ ،‬ولــو ُدعيــت إىل ذراع ألجبــت» رواه الطـراين‪ :‬وقالــت عائشــة ريض اللــه‬
‫عنهــا‪« :‬أهــدت أم ســنبلة لرســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم لب ًنــا فلــم تجــده‪ ،‬فقلــت لهــا‪ :‬إن‬
‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم قــد نهانــا أن نــأكل مــن طعــام األعـراب‪ .‬فدخــل رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم وأبــو بكــر معــه فقــال‪ :‬مــا هــذا معــك يــا أم ســنبلة؟ قالــت‪ :‬لــن أهديتــه‬
‫لــك يــا رســول اللــه‪ .‬قــال‪ :‬اســكبي أم ســنبلة‪ ،‬فســكبت‪ ،‬فقــال‪ :‬نــاويل أبــا بكــر ففعلــت‪ .‬فقــال‪:‬‬
‫اســكبي أم ســنبلة‪ .‬فســكبت‪ .‬فقــال نــاويل عائشــة‪ .‬فناولتهــا فرشبــت‪ .‬فقــال‪ :‬اســكبي أم ســنبلة‪.‬‬
‫فســكبت فناولتــه رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فــرب‪ .‬قالــت عائشــة‪ :‬ورســول اللــه صىل‬
‫اللــه عليــه وســلم يــرب مــن لــن أســلم وأبردهــا عــى الكبــد‪ ،‬فقلــت‪ :‬يــا رســول اللــه قــد كنــت‬
‫حدَّ ثــت أنــك نهيــت عــن طعــام األعـراب‪ .‬فقــال‪ :‬يا عائشــة هــم ليســوا بأعراب هــم أهــل باديتنا‬
‫ونحــن حارضتهــم وإذا ُد ُعــوا أجابــوا فليســوا بأع ـراب» رواه أحمــد وأبــو يعــى والب ـزار ورجــال‬
‫أحمــد رجــال الصحيــح‪ .‬وســبب النهــي عــن طعــام األعـراب مــا رواه ابــن عبــاس ريض اللــه عنهــا‪،‬‬
‫أن أعراب ًّيــا وهــب لرســول اللــه هبـ ًة فأثابــه عليهــا‪ ،‬فقــال لــه النبــي‪ :‬أرضيــت؟ قــال‪ :‬نعــم‪ .‬فقــال‬
‫يش‪ ،‬أَ ْو أَن َْصــار ٍِّي‪،‬‬ ‫ـت أَنْ َل أَتَ َهـ َّ‬
‫ـب ِه َبـ ًة إِلَّ ِمـ ْن ُقـ َر ٍّ‬ ‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬لَ َقــدْ َه َم ْمـ ُ‬

‫‪192‬‬
‫ـي» رواه أحمــد والبـزار والطـراين‪ .‬ومــن لطائــف معــارشة النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‬ ‫أَ ْو ثَ َق ِفـ ٍّ‬
‫ألصحابــه مــا رواه ابــن عمــر ريض اللــه عنهــا «أن رجـ ًـا كان يلقــب حــا ًرا وكان يهــدي لرســول‬
‫الســمن‪ ،‬والعكــة مــن العســل‪ ،‬يشــريها‪،‬‬ ‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم العكــة –وعــاء جلــد‪ -‬مــن َّ‬
‫فــإذا جــاء صاحبهــا يتقاضــاه الثمــن جــاء بــه إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فيقــول‪:‬‬
‫ـط هــذا مثــن متاعــه‪ .‬فــا يزيــد رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم عــى‬ ‫يــا رســول اللــه أعـ ِ‬
‫أن يبتســم ويأمــر بــه فيعطــى»‪ .‬رواه أبــو يعــي ورجالــه رجــال الصحيــح‪ .‬وعــن أنــس ريض اللــه‬
‫عنــه قــال‪( :‬كان املســلمون يتهــادون عــى عهــد رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم صلــة بينهــم‪،‬‬
‫فقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬لــو قــد أســلم النــاس لتهــادوا مــن غــر فاقــه») رواه‬
‫الطـراين‪ ،‬وعــن عائشــة ريض اللــه عنهــا‪« :‬أن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قال‪ :‬تهــادوا وتــزدادوا‬
‫ح ًّبــا» رواه الطـراين‪ .‬وعنهــا قالــت‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬يــا نســاء املؤمنــن‬
‫تهــادوا ولــو بفرســن شــاة –أي ظلــف‪ -‬فإنــه يُثبــت املــودة ويُذهــب الضغائــن» رواه الط ـراين‪.‬‬

‫***‬

‫‪193‬‬
‫مرحبًا بأم هانئ‬

‫* البســاطة وعــدم التكلــف وخاصــة ملــن اعتــاد زيارتــك وصحبتــك‪ ،‬دليــل عــى صــدق الصداقــة‬
‫واالرتيــاح للضيــف‪ ،‬وإك ـرام الضيــف ال يعنــي التكلــف لــه مبــا ال يحتمــل‪ .‬فعــن عبــد اللــه بــن‬
‫عبيــد قــال‪ :‬دخلــت عــى جابــر ريض اللــه عنــه يف نفــر مــن أصحــاب النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم فقــدم إليهــم خبـ ًزا و َخـ ًّـا فقــال‪ :‬كلــوا فــإين ســمعت رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫يقــول‪« :‬نعــم اإلدام الخــل‪ ،‬إنــه هــاك بالرجــل أن يدخــل عليــه النفــر مــن إخوانــه فيحتقــر مــا يف‬
‫بيتــه أن يقدمــه إليهــم‪ ،‬وهــاك بالقــوم أن يحتقــروا مــا قــدم إليهــم» رواه أحمــد والطـراين وأبــو‬
‫يعــى‪ .‬وكان ســيدنا ســلامن ريض اللــه عنــه ظري ًفــا يحــب املِلــح‪ ،‬يقــول شــقيق بــن ســلمة‪( :‬دخلت‬
‫أنــا وصاحــب يل عــى ســلامن الفــاريس‪ ،‬فقــال ســلامن‪ :‬لــوال أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫نهــى عــن التكلــف لتكلفــت لكــم‪ ،‬ثــم جــاء بخبــز و ِملــح‪ ،‬فقــال صاحبــي‪ :‬لــو كان يف ملحنــا‬
‫عنقــر؟ فبعــث ســلامن مبطهرتــه فرهنهــا ثــم جــاء بعنقــر‪ .‬فلــا أكلنــا قــال صاحبــي‪ :‬الحمــد للــه‬
‫الــذي ق َّنعنــا مبــا رزقنــا‪ .‬فقــال ســلامن‪ :‬لــو قنعــت مبــا رزقــك مل تكــن مطهــريت مرهونــة!!) رواه‬
‫الط ـراين ورجالــه رجــال الصحيــح‪ ،‬ويف روايــة‪« :‬نهانــا رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم أن‬
‫نتكلــف للضيــف مــا ليــس عندنــا»‪.‬‬
‫* أخــي الــزوج‪ :‬هــل فكــرت أن تدعــو زوجتــك عــى الغــداء أو العشــاء؟ ال تعجــب مــن ســؤايل‬
‫الــريء فهــو ليــس غري ًبــا‪ ،‬إمنــا فقــط أنــت مل تتعــود ذلــك‪ ،‬ولــو فعلــت لــكان رائ ًعــا وبار ًعــا‪ ،‬ولــو‬
‫بــدون تكلــف كبــر‪ ،‬وأقــول لــك‪ :‬جــرب وســوف تدعــو يل بالخــر‪.‬‬
‫* دخلــت الســيدة أم هانــئ بنــت عــم النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فســلمت عــى النبــي صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم فقــال لهــا‪« :‬مرح ًبــا بــأم هانــئ» رواه مســلم‪ .‬ودخلــت عجــوز عــى النبــي‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم فأكرمهــا فقيــل لــه يف ذلــك فقــال‪« :‬إنهــا كانــت تأتينــا أيــام خديجــة‪،‬‬
‫وإن حســن العهــد مــن اإلميــان» رواه الحاكــم عــن عائشــة ريض اللــه عنهــا وصححــه‪ .‬وعــن أنــس‬
‫ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬أىت النبــي صــى اللــه عليــه وســلم ســائل فأمــر لــه بتمــرة فلــم يأخذهــا‬

‫‪194‬‬
‫وأوحــش بهــا‪ .‬قــال‪ :‬وجــاء آخــر فأمــر لــه بتمــرة قــال‪ :‬ســبحان اللــه!! متــرة مــن رســول اللــه صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم!! قــال‪ :‬فقــال النبــي صــى اللــه عليــه وســلم لجاريــة‪ :‬اذهبــي إىل أم ســلمة‬
‫وأعطيــه األربعــن درهـ ًـا التــي عندهــا» رواه أحمــد ورجالــه رجــال الصحيــح‪.‬‬
‫* أخــي الــزوج‪ :‬هــذه صــورة صاحــب البيــت املســلم مــع مــن يدخلــون عليــه‪ ،‬الرتحاب والبشاشــة‬
‫واإلكـرام والكــرم‪ ،‬فليكــن يــا أخــي يف بيتــك متســع لألهــل والزائريــن‪ ،‬وليتســع صــدرك وينطلــق‬
‫وجهــك عنــد اســتقبالهم‪ ،‬فقــد ريض العامــة مــن النــاس بحســن اللقــاء وطيــب االســتقبال بأكــر‬
‫مــن إكرامهــم بصنــع الطعــام فقالــوا‪( :‬لقينــي وال تغدينــي)‪.‬‬
‫***‬

‫‪195‬‬
‫من أسدى لك ً‬
‫معروفا فكافئه‬

‫* أقــارب الزوجــة ووالداهــا هــم أقــرب النــاس لزوجتــك‪ ،‬ويجــب أن يكونــوا كذلــك عنــدك بعــد‬
‫أهلــك‪ ،‬والزوجــة شــديدة الحساســية يف األمــور التــي تتصــل بأهلهــا‪ ،‬ويف نفــس الوقــت شــديدة‬
‫التأثــر والعرفــان ألي جميــل يُصنــع معهــم‪ ،‬فاحــرص عــى إكرامهــم يف بيتــك وأشــعرهم أن البيــت‬
‫بيتهــم أو عــى األقــل بيــت ابنتهــم التــي هــي زوجتــك حتــى ال يشــعروا بشــعور الغربــاء يف‬
‫بيــت ابنتهــم‪ ،‬ويجــب عليــك أن تجالســهم وترحــب بهــم وال ترتكهــم مــع الزوجــة وكأن زيارتهــم‬
‫ال تعنيهــم أو كأنــك ال تهتــم بوجودهــم‪ ،‬ويكــون جميـ ًـا أن تتكلــف لهــم قليـ ًـا بإحضــار بعــض‬
‫خصيصــا لهــم حتــى لــو كان ذلــك عــى غــر رغبــة الزوجــة‪ ،‬إذ إن‬
‫ً‬ ‫الفواكــه واملرطبــات ونحــو ذلــك‬
‫الزوجــة يف مثــل هــذه الحــاالت تخــى عــى الــزوج ومــا يتكلفــه ألهلهــا ألســباب خفيــة‪ ،‬مثــل أن‬
‫يســأم الــزوج أهلهــا ملــا يتكلفــه معهــم‪ ،‬أو خشــية أن ينفــق مثــل ذلــك أو أكــر عــى أهلــه وقــد‬
‫تكــره هــي ذلــك ألمــور ال تــرح بهــا‪ .‬كــا يجــب أن يراعــي الــزوج عــدم ذكــر أهــل الزوجــة مبــا‬
‫تكــره‪ ،‬بــل يذكرهــم بالخــر أمامهــم ومــن ورائهــم فــإن ذلــك يُفرحهــا جـ ًّدا حتــى ولــو كان بينــه‬
‫وبينهــم خالفــات‪ .‬ومــن واجــب الــزوج أيضً ــا أن يعــن الزوجــة عــى بــر والديهــا وصلــة رحمهــا‪،‬‬
‫ســواء بزيارتهــم‪ ،‬واألفضــل أن يصحبهــا يف مثــل هــذه الزيــارات‪ ،‬وأن يحــرص عــى حمــل بعــض‬
‫الفواكــه والهدايــا كلــا أمكــن‪ .‬ومــن أســباب توطيــد الصلــة والعالقــة بأهــل الزوجــة وخاصــة‬
‫والدتهــا‪ .‬أن ميتــدح الزوجــة أمامهــم‪ ،‬كــا ميتــدح مــا يقــدم لــه مــن طعــام ويخربهــم أنــه يحــب‬
‫هــذه الصناعــة لهــذا الطعــام الــذي تعلمتــه زوجتــه مــن أمهــا ويشــكرها عــى ذلــك وأنهــا كانــت‬
‫الســبب يف ســعادته وتربيــة زوجتــه عــى كل مــا كان يتمنــاه يف الزوجــة‪.‬‬
‫* أخــي الــزوج‪ :‬ال تســأم هــذه الكلــات أن تقولهــا وأن تكــر مــن تكرارهــا عــى مســامع أهــل‬
‫زوجتــك‪ ،‬فــإن ذلــك ال يكلفــك شــيئًا ولــه أثــر بالــغ عــى حياتــك الزوجيــة‪ .‬ويف الدعــوة للمناســبات‬
‫الطيبــة يف بيتــك احــرص أن يكــون أهــل زوجتــك قبــل دعــوة أهلــك‪.‬‬
‫* عالقــة زوجتــك بأهلــك تقــوى وتضعــف بقــدر قــوة عالقتــك بأهلهــا وضعفهــا عمو ًمــا‪ ،‬ولكــن‬

‫‪196‬‬
‫إذا احتــاج أهلــك لبعــض املــال منــك أو ظنــت الزوجــة أنــك تعطيهــم فــإن ذلــك يســبب كث ـ ًرا‬
‫مــن الخالفــات معهــم ومعــك‪ ،‬وقــد تحــرص هــي عــى قطــع العالقــة معهــم –إن أمكــن‪ -‬لتقطــع‬
‫عنهــم هــذا املــدد‪ ،‬وذلــك أن شــعور املــرأة ورغبتهــا يف التملــك لــكل مــا يتصــل بزوجهــا كــا مــر‬
‫بنــا ســابقًا‪ ،‬يجعلهــا قلقــة ومتوتــرة لهــذا األمــر‪ .‬وعــاج ذلــك بالصــر واملصارحــة واإلقنــاع‪ ،‬ألن‬
‫إهــال ذلــك بدعــوى خطــأ الزوجــة يف هــذا األمــر يجعلهــا تخفــي املوضــوع وتفتعــل أســبابًا‬
‫أخــرى للخــاف مــع األهــل‪ ،‬فــإذا مل تعالــج هــذه األســباب ال تتوصــل إىل تحســن العالقــة ويعــود‬
‫الخــاف لوجــود أســبابه الخفيــة‪ ،‬وعمو ًمــا إرضــاء األهــل عــى حســاب إغضــاب الزوجــة ليــس‬
‫حـ ًّـا‪ ،‬وال عكــس ذلــك بإرضــاء الزوجــة وإغضــاب األهــل‪.‬‬
‫مــن املفيــد جـ ًّدا أن تظــل الخالفــات الزوجيــة –إن وجــدت‪ -‬محــدودة فيــا بينــك وبــن الزوجــة‪،‬‬
‫وال تلجــأ إىل أهلهــا أو أهلــك دامئًــا‪ .‬ومــن املفيــد أن تثــق زوجتــك يف أن الخالفــات ال يعلــم بهــا‬
‫أهلــك أو غريهــم‪ .‬والزوجــة تحــب أال يتدخــل أحــد بينهــا وبــن زوجهــا‪ ،‬إال إذا كانــت هنــاك‬
‫صديقــة عاقلــة وأمينــة للزوجــة فإنهــا تفيــد يف توســيطها عنــد وقــوع بعــض املشــاكل‪ ،‬وعــادة‬
‫تقبــل الزوجــة عــرض األمــر عليهــا‪.‬‬
‫* أوالدك الصغــار قلوبهــم وذاكرتهــم شــديدة التأثــر بالخالفــات مــع أمهــم‪ ،‬فيجــب عليــك أن‬
‫تتجنــب الحديــث يف هــذه املســائل أمامهــم أو عــى مســمع منهــم‪ .‬واعلــم أن األطفــال يدركــون‬
‫ذلــك جي ـ ًدا رغــم صغــر ســنهم‪ ،‬فــا تغفــل عــن ذلــك‪ ،‬خاصــة أطفــال هــذا الجيــل العجيــب‪،‬‬
‫فــإن لهــم قــدرة عــى فهــم مشــاعر الضيــق مــن وجــوه وعيــوب وطريقــة حديــث الوالديــن‬
‫م ًعــا‪ ،‬ويظهــر أثــر كل ذلــك فر ًحــا وضي ًقــا وغض ًبــا عــى ســلوكهم وصحتهــم ونومهــم ولعبهــم‬
‫ومذاكرتهــم‪.‬‬
‫* قــال ابــن املبــارك إلخوانــه –وهــم يف الجهــاد يف ســبيل اللــه‪ :-‬تعلمــون عمـ ًـا أفضــل مــا نحــن‬
‫فيــه؟ قالــوا‪ :‬مــا نعلــم‪ .‬ذاك جهــاد يف ســبيل اللــه وقتــال ألعدائــه‪ ،‬أي يشء أفضــل منــه؟ قــال‪:‬‬
‫لكنــي أعلــم‪ .‬قالــوا‪ :‬مــا هــو؟ قــال‪ :‬رجــل متعفــف ذو عيــال‪ ،‬قــام مــن الليــل فنظــر إىل صبيانــه‬
‫نيا ًمــا منكشــفني فســرهم وغطاهــم بثوبــه‪ ،‬فعملــه هــذا أفضــل مــن جهادنــا يف ســبيل اللــه عــز‬
‫وجــل‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫* وقــال أبــو طالــب املــي‪ :‬يُقــال إن أول َمــن يتعلــق بالرجــل يــوم القيامــة زوجتــه وولــده‪،‬‬
‫فيو ِقفونــه بــن يــدي اللــه عــز وجــل ويقولــون‪ :‬يــا ربنــا ُخـ ْذ لنــا حقنــا مــن هــذا فإنــه مــا علمنــا‬
‫مــا نجهــل‪ ،‬وكان يطعمنــا الح ـرام ونحــن ال نعلــم‪ .‬قــال‪ :‬فيقتــص لهــم منــه‪.‬‬
‫* الكلــات الجميلــة املحببــة للزوجــة ال بــد أن تُ ْعتــاد أمــام أوالدك ومــن يخالطونكــم حتــى‬
‫يعتادوهــا ويتعلموهــا‪ ،‬وال تخجــل أن تقولهــا أمامهــم وإن مل تكــن جربــت ذلــك فابــدأ وال تتأخــر‪،‬‬
‫فهــذا غــذاء ودواء وحافــظ مــن تدخــل الشــياطني‪ .‬احفــظ بعــض األشــعار اللطيفــة وأســمعها‬
‫ـت عنهــا وضمنهــا مــا تحتفــظ بــه وتذكــرك بــه‪،‬‬ ‫لزوجتــك‪ ،‬اكتــب لهــا الرســائل إن ســافرت أو تغ َّي ْبـ َ‬
‫قــل لهــا‪:‬‬
‫يا جنة الحب ودنيا امل ُنى ما ِخلْتني ألفاك يف مقلتني‬
‫قل لها‪:‬‬
‫قد يهون العمر إال ساعة وتهون األرض إال موضْ ًعا‬
‫متل القول لها‪ ،‬تصبح حياتك وحياتها بال ملل‪.‬‬ ‫قل لها‪ ،‬وقل لها وال ّ‬
‫* كان آخــر مــا أوىص بــه رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم ثــاث‪ ،‬كان يتكلــم بهــن حتــى‬
‫تلجلــج لســانه وخفــي كالمــه‪« :‬اللــه اللــه يف النســاء فإنهــن عــوان عندكــم ‪ ..‬الحديــث» رواه‬
‫النســايئ وابــن ماجــة‪ .‬وآخــر دعوانــا أن الحمــد للــه رب العاملــن‪.‬‬
‫***‬

‫‪198‬‬
‫ميثاق الزوجة مع الزوج‬

‫* أال يكون هناك من هو أحب إليك منه بعد الله ورسوله‪.‬‬


‫* أن يكــون شــعار الحيــاة عنــدك الوصــول إىل تقــوى اللــه وإدخــال الــرور عــى زوجــك ومــن‬
‫تخالطــن‪.‬‬
‫* أن يكــون كل عملــك وفــا ًء للــه الــذي عاهدتيــه بعقــد الــزواج عــى كتــاب اللــه وســنة رســوله‬
‫حتــى ولــو قــر الــزوج يف الوفــاء بحقوقــه فــكل امــرئ مبــا كســب رهــن‪.‬‬
‫* إذا كان املســلم لــه حقــوق والجــار لــه حقــوق والقريــب لــه حقــوق والصاحــب والصديــق‬
‫لهــا حقــوق والــزوج لــه حقــوق‪ ،‬فزوجــك لــه عليــك حقــوق‪ :‬املســلم‪ ،‬والجــار الجنــب‪ ،‬والقريــب‬
‫والصاحــب والصديــق‪ ،‬كــا لــه حقوقــه كــزوج‪ ،‬فــا تنــى مــا لــه عليــك مــن كل هــذه الحقــوق‬
‫والوفــاء لــه بهــا بصــدق ومحبــة‪.‬‬
‫وبنا ًء عىل هذه املبادئ‪:‬‬
‫‪ -1‬اســتقبيل زوجــك‪ ،‬مهــا كانــت ظروفــك‪ ،‬باالستبشــار والرتحــاب مــع إظهــار التلهــف عليــه‬
‫وحبــذا لــو كانــت منــك قبلــة رسيعــة‪.‬‬
‫‪ -2‬لــو كان مظهــرك غــر حســن النشــغالك بواجبــات البيــت اعتــذري لــه بحيــاء‪ ،‬وســارعي يف‬
‫إبــداء كل مظاهــر الجــال منــك‪.‬‬
‫‪ -3‬أكــري مــن كلــات يحبهــا الرجــال‪ ،‬مبناســبة وبغــر مناســبة‪ ،‬مثــل أنــت حبيبــي ونــور عينــي‪،‬‬
‫وحشــتني يــا حبيبــي‪ ،‬دخلتــك بتمــا البيــت بركــة‪ ،‬ومــن غــرك البيــت يبقــى بــارد وماليهــوش‬
‫روح‪ ،‬ربنــا مــا يحرمنــا مــن دخلتــك وال رؤيتــك يــا حبيبــي‪ ،‬مــا تبقــاش تغيــب أحســن بأقلــق‬
‫عليــك قــوي‪ ،‬شــبيك لبيــك أنــا زوجتــك بــن أيديــك أأمــرين يــا حبيبــي‪.‬‬
‫‪ -4‬ال تخجــي مــن ذكــر كلــات اإلطــراء والحــب أمــام أوالدك وأنــت تتعاملــن مــع زوجــك‬
‫وأمامهــم‪ ،‬فهــذا تعليــم وتربيــة لهــم وذلــك منــك لزوجــك –أبيهــم‪ -‬يرسهــم ويألفونــه منكــا‪.‬‬
‫‪ -5‬عـ ّودي أوالدك عــى رؤيتــك يف أبهــى زينــة عنــد حضــور الــزوج أو عنــد موعــد مجيئــه‪ ،‬طاملــا‬

‫‪199‬‬
‫حرصــت عــى ســر العــورة عنهــم وهــي مــن الــرة إىل الركبــة‪ ،‬ولكــن ال تلجئــي إلظهــار مــا فــوق‬
‫ذلــك مراعــاة للعــادة والصيانــة وظــروف األوالد واملراهقــن‪.‬‬
‫‪ -6‬إذا سمعت زوجك ينادي عليك فقويل دامئًا حارض يا حبيبي وسارعي يف تلبية النداء‪.‬‬
‫‪ -7‬لــو كان زوجــك قــد اعتــاد عــى أمــر مثــل رشب كــوب مــن الشــاي أو القهــوة يف أوقــات أو‬
‫أحــوال معينــة‪ ،‬فعليــك بتقديــم ذلــك لــه قبــل أن يطلبــه‪ ،‬فــإن ذلــك يســعده ويفرحــه ويجــد فيــه‬
‫بغيتــه مــن الخضــوع لــه والحــرض عــى خدمتــه ودليــل محبتــه‪.‬‬
‫‪ -8‬اطــردي وســاوس شــيطانك اللعــن والعــدو املبــن التــي يكــر أن يوقعهــا يف قلبــك‪ ،‬مــن أن‬
‫ـذول مقهــو ًرا‪ .‬ولــو ‪ ...‬ده حقــه‬
‫زوجــك ســوف (ياخــد عــى كــده) وقــويل يف نفســك‪ :‬لريحــل مخـ ً‬
‫وواجــب عــي وريب يــرىض عنــي لذلــك‪.‬‬
‫‪ -9‬حــديث زوجــك بــأرسارك الخاصــة وأشــعريه بثقتــك فيــه ولــي يــرى شــفافية نفســك يف التعامــل‬
‫معــه فهــو نعــم األب لــك‪ ،‬واألخ املخلــص والصديــق الــويف‪ ،‬والــزوج الشــفيق‪.‬‬
‫‪ -10‬ال ترهقيــه يف متابعتــك لــه فيــا يخــص املــال والنقــود‪ ،‬أشــعريه بحريتــه يف إنفــاق مالــه‪،‬‬
‫فلســت الــرب الــذي يســأله مــن أيــن اكتســبه وفيــا أنفقــه؟ (تغافــي عــن عمــد إذا أنفــق عــى‬
‫نفســه أو عــى أهلــه ورحمــه أو إذا أســاء يف إنفاقــه‪ ،‬فــإن ذلــك مــن أوســع أبــواب الشــيطان التــي‬
‫يدخــل منهــا لخـراب البيــوت وإيجــاد املشــاكل‪ ،‬ودفــع الــرر أوىل مــن جلــب املنافــع‪.‬‬
‫‪ -11‬احــريص عــى أن تكــون حجــرة نومــك مــع زوجــك هــي فــردوس حياتــه يتعشــقها ويتلهــف‬
‫عــى حضــوره فيهــا‪ ،‬ملــا تعــوده مــن فنــون املعاملــة والســلوك األنثــوي منــك‪ ،‬أســمعيه بــا خجــل‪،‬‬
‫وأريــه بــا ملــل‪ ،‬واســتجيبي بــا علــل وتطاوعــي بــا كلــل اصدقــي اللــه فيــه ليصــدق اللــه معــك‪،‬‬
‫وأعطيــه ليخلــص لــك‪.‬‬
‫‪ -12‬احفظيه بغيب يحفظه الله لك بغيب‪ ،‬فالجزاء من جنس العمل‪.‬‬
‫‪ -13‬أبــدي الــرور واالن ـراح لزوجــك‪ ،‬وحبــذا الضحــك معــه ومــع األوالد‪ ،‬فالشــيطان يعتــزل‬
‫تلــك املجالــس ويحــر إذا كان النكــد‪ ،‬والرجــال تقبــل عــى مجالــس األنــس واالن ـراح وتفــر‬
‫مــن مجالــس النكــد فعـ ِّودي زوجــك عــى حــب البيــت ومجالســه حتــى ال يحــب مجالــس أخــرى‪.‬‬
‫‪ -14‬ال تســأمي انتظــار زوجــك إذا تعــوق حضــوره‪ ،‬وال تظهــري قلقــك مــن االنتظــار وأظهــري‬

‫‪200‬‬
‫قلقــك عليــه وقــويل‪ :‬الحمــد للــه عــى ســامتك‪ .‬ومــا دمــت أنــت بخــر كل القلــق راح‪.‬‬
‫‪ -15‬احــريص عــى األكل معــه وإن كنــت متخمــة‪ ،‬وأريــه حــب املشــاركة يف طعامــه ولــذاذة األكل‬
‫يف حضــوره‪.‬‬
‫‪ -16‬إذا كان زوجــك مهمو ًمــا فــا تكــري معــه الــكالم‪ ،‬وأكــري النظــر إليــه يف صمــت وشــفقة‪،‬‬
‫واجلــي بجانبــه مــع االلتصــاق الشــديد ووضــع اليــد عــى كتفــه وقــويل لــه مــع التبســم‪ :‬مــا لــك‬
‫يــا حبيبــي؟‬
‫‪ -17‬ال تفاتحيــه يف موضوعــات األوالد ومشــاكل الج ـران أو العمــل أو األهــل عنــد اســتقباله أو‬
‫أثنــاء الطعــام أو أثنــاء الجلســة العائليــة املرحــة أو يف حجــرة النــوم قبــل قضــاء وطــره‪ .‬ولكــن يف‬
‫األوقــات التــي يــروق لــه معرفــة هــذه األمــور‪ ،‬وإيــاك واإلكثــار مــن عــرض املشــاكل‪ ،‬وليــس كل‬
‫يــوم تطالبينــه بتبنــي آرائــك ولكــن للعلــم واالســتفادة واملشــورة‪.‬‬
‫‪ -18‬احــريص مــن ورائــه وأمــام اللــه تعــاىل أن تكرمــي أهلــه وخاصــة والديــه وال تذكريهــم بســوء‬
‫أمامــه‪ .‬وأعينيــه عــى حســن معارشتهــم وإكرامهــم وبرهــم‪ ،‬وأشــعريهم يف بيتــك أنــك وبيتــك‬
‫لهــم‪ ،‬وأن يترصفــوا كأنــه بيتهــم وتحمــي أذاهــم ومــا تســمعني منهــم مــا ال يــرك‪ ،‬فهــذه عــادة‬
‫معظــم النــاس حتــى يأنســوا لــك ويحســنوا معاملتــك‪.‬‬
‫‪ -19‬صارحيــه يف كل مــا تطلبــن أو تــودي أن يكــون عليــه يف نظــرك‪ ،‬ســواء يف مظهــره أو ميولــه‬
‫نحــوك أو كيفيــة متتعــك معــه وبــه‪ ،‬صارحيــه بأنــك تحبــن منــه أن ميدحــك يف ســلوكك معــه‬
‫وأنــه يحبــك وأن يــرح لــك بذلــك‪ ،‬صارحيــه حتــى يصارحــك هــو اآلخــر حتــى ال يلقــي عدوكــا‬
‫الشــيطان بوساوســه املشــؤومة‪ ،‬صارحيــه فليــس عــى وجــه األرض مــن تكشَّ ـف ِْت لــه غــره‪ ،‬وإيــاك‬
‫وشــيطانك يقــول لــك‪ :‬كرامتــك‪ ،‬عيــب تقــويل‪ ،‬فليــس بــن الزوجــن عيــب أو زعــم كرامــة‪.‬‬
‫‪ -20‬تعــودي التنــازل عــن بعــض الرغبــات واملطالــب لديــه‪ ،‬واريض بحالــه الخلقــي والســلويك‬
‫واالجتامعــي فهــو قســمك يف الدنيــا وزوجــك يف الجنــة‪ ،‬فليــس كل مــا تطلبــن أو تطمعــن أو‬
‫تحلمــن يتحقــق لــك يف دنيــاك‪ ،‬عــا قليــل يكــون الرحيــل وتحصلــن عــى كل األمــاين {لَ ُهـ ْم َمــا‬
‫يَشَ ــا ُءو َن ِفي َهــا َولَ َديْ َنــا َمزِي ـ ٌد} [ق‪.]35:‬‬
‫‪ -21‬بكــري يف اليقظــة مــن نومــك حتــى يســتيقظ زوجــك فـراك يف خدمتــه وقضــاء مطالبــه مــن‬

‫‪201‬‬
‫تجهيــز املالبــس والحــذاء ومــن ترتيــب حقيبتــه إن ريض بذلــك ومــن تحضــر اإلفطــار والشــاي‬
‫والجلــوس معــه للمشــاركة‪.‬‬
‫‪ -22‬ليكــن وجهــك الصبــوح املــرق املــودع هــو آخــر منظــر يعلــق بذاكرتــه عنــد خروجــه مــن‬
‫بــاب املنــزل‪ ،‬فيصاحبــه طــوال غيبتــه عنــك‪ ،‬وليكــن وجهــك املــرق الوضَّ ــاء أول خاطــر يقلبــه‬
‫وهــو واقــف خلــف البــاب ينتظــر رؤيــاه عنــد القــدوم لبيتــه الســعيد‪ ،‬وليبـ َـق الحــب مظلــة‬
‫بينكــا‪.‬‬
‫***‬

‫‪202‬‬
‫ة‬ ‫لش ة‬
‫ا ع �ر� الط ي� ب��‬ ‫‪1‬‬
‫[مع األوالد وتربيتهم]‬
‫* الولد هتاف البقاء الكامن يف الفطرة‪.‬‬
‫عبد الدنيا بحذافريها الحتاج إىل الولد‪.‬‬
‫* لو ملك ٌ‬
‫* األوالد هبة الله ال ميلك أن يهبهم إال املالك‪.‬‬
‫* كل ما أمكن فرعون مرص وعزيز مرص أن اصطنع كل منهام‬
‫ولدا‪.‬‬
‫لنفسه ً‬
‫* وحشة يف النفس البرشية ال يقتلعها إال األنس بالولد‪.‬‬
‫* األوالد مثرات الفؤاد ورياحني الدنيا‪.‬‬
‫* هتاف السائرين إىل الغرفات يف الجنة طلب قرة العني‪.‬‬
‫* الولد مبخلة مجبنة محزنة‪.‬‬
‫* الدعوة ملنع الخلف فطرة ممسوخة‪.‬‬
‫* األوالد وكرثتهم أو الحرمان منهم‪ ،‬ليس ً‬
‫دليل عىل الكرامة أو‬
‫املهانة عند الله تعاىل‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫الولد هتاف البقاء الكامن يف الفطرة‬

‫يقــول اللــه عــز وجــل‪{ :‬كهيعــص (‪ِ )1‬ذكْ ـ ُر َر ْح َم ـ ِة َربِّـ َـك َع ْب ـ َد ُه َزكَ ِريَّــا (‪ )2‬إِ ْذ نَــا َدى َربَّ ـ ُه نِ ـ َدا ًء‬
‫ـال َر ِّب إِنِّ َو َهـ َن الْ َعظْـ ُم ِم ِّنــي َواشْ ـتَ َع َل الـ َّرأْ ُس شَ ـ ْي ًبا َولَـ ْم أَكُـ ْن ِب ُد َعائِ َك َر ِّب شَ ـ ِق ًّيا (‪)4‬‬ ‫َخ ِف ًّيــا (‪ )3‬قَـ َ‬
‫ـب ِل ِمـ ْن لَ ُدنْـ َـك َولِ ًّيــا (‪ )5‬يَ ِرث ُ ِنــي َويَـرِثُ‬ ‫ـت ا ْمـ َرأَ ِت َعا ِقـ ًرا فَ َهـ ْ‬
‫ال ِمـ ْن َو َر ِائ َوكَانَـ ِ‬ ‫َوإِنِّ ِخ ْفـ ُ‬
‫ـت الْ َمـ َو ِ َ‬
‫ـوب َوا ْج َعلْ ـ ُه َر ِّب َر ِضيًّــا (‪ )6‬يَــا َزكَ ِريَّــا إِنَّــا نُبَــرِّ ُ َك ِب ُغـ َـا ٍم ْاس ـ ُم ُه يَ ْحيَــى لَ ـ ْم نَ ْج َعـ ْـل‬‫ِم ـ ْن َآ ِل يَ ْع ُقـ َ‬
‫لَ ـ ُه ِم ـ ْن قَ ْبـ ُـل َس ـ ِم ًّيا} [مريــم‪ .]7-1 :‬هكــذا أفصــح زكريــا عليــه الســام عــن الرغبــة املكنونــة يف‬
‫البقــاء والذكــر بعــد املــوت عندمــا شــعر بالكــر والضعــف‪ ،‬فهتــف هتــاف نبــي صــادق ذي فطــرة‬
‫ســليمة إنــه يحتــاج إىل الولــد‪ .‬وبرغــم شــيخوخته وضعفــه‪ ،‬وبرغــم أن زوجتــه عاقــر‪ ،‬وأنــه بذلــك‬
‫يفقــد أســباب الولــد‪ ،‬إال أنــه يطلــب مــن قديــر و َّهــاب يعطــي مــن لدنْــه بــا أســباب‪ .‬فجاءتــه‬
‫البــرى أ َّن ربّــه قــد اســتجاب‪.‬‬

‫***‬

‫لو َملَك عبدٌ الدنيا حبذافريها الحتاج إىل الولد‬


‫إن فرعــون مــر‪ ،‬وعزيــز مــر‪ ،‬ملَــك كل منهــا أرض مــر ومــا عليهــا وحرمهــا اللــه عــز وجــل‬
‫الولــد‪ ،‬فــا الســلطان الــذي يأمــر فيطــاع ويطلــب فيلبَّــى لــه طلبــه‪ ،‬وال املــال الــذي يس ـ ّخر بــه‬
‫صاحبــه كل يشء لحســابه والــذي بــه يقــي اإلنســان كل رغباتــه‪ ،‬نعــم‪ ،‬فــا الســلطان وال املــال‬
‫مبســتطيعني أن يقضيــا حاجــة العبــد إىل الولــد‪ .‬إن األوالد هبــة اللــه ســبحانه‪ ،‬ال ميلــك أن يهبهــم‬
‫ات َو ْالَ ْر ِض يَ ْخلُـ ُـق َمــا يَشَ ــا ُء‬ ‫إال املالــك الـرازق القــادر‪ ،‬يقــول اللــه عــز وجــل‪{ :‬لِلَّـ ِه ُملْـ ُـك َّ‬
‫السـ َـا َو ِ‬
‫ـب لِ َمـ ْن يَشَ ــا ُء ال ُّذكُــو َر (‪ )49‬أَ ْو يُ َز ِّو ُج ُهـ ْم ُذكْ َرانًــا َوإِنَاثًــا َويَ ْج َعـ ُـل َمـ ْن‬
‫ـب لِ َمـ ْن يَشَ ــا ُء إِنَاثًــا َويَ َهـ ُ‬
‫يَ َهـ ُ‬
‫يــا إِنَّــ ُه َعلِيــ ٌم ق َِديــ ٌر} [الشــورى‪ .]50-49 :‬وكل مــا أمكــن الفرعــون لتحقيــق هــذه‬ ‫يَشَ ــا ُء َع ِق ً‬

‫‪204‬‬
‫ـت ا ْم ـ َرأَ ُة‬‫الحاجــة أن اصطنــع لــه ول ـ ًدا‪ ،‬وكــذا فعــل عزيــز مــر‪ ،‬يقــول اللــه عــز وجــل‪َ { :‬وقَالَـ ِ‬
‫ـى أَ ْن يَ ْن َف َع َنــا أَ ْو نَتَّ ِخـ َذ ُه َولَـ ًدا َو ُه ْم َل يَشْ ـ ُع ُرونَ} [القصص‪:‬‬ ‫ِف ْر َعـ ْو َن قُـ َّر ُة َعـ ْ ٍ‬
‫ـن ِل َولَـ َـك َل ت َ ْقتُلُــو ُه َعـ َ‬
‫ـى أَ ْن‬ ‫ـر ِل ْم َرأَتِ ـ ِه أَكْ ِر ِمــي َمثْ ـ َوا ُه َعـ َ‬ ‫ـال الَّـ ِـذي اشْ ـ َ َ‬
‫ـرا ُه ِم ـ ْن ِمـ ْ َ‬ ‫‪ .]9‬ويقــول اللــه عــز وجــل‪َ { :‬وقَـ َ‬
‫يَ ْن َف َع َنــا أَ ْو نَتَّ ِخـ َذ ُه َولَـ ًدا} [يوســف‪ ]21 :‬لكــن هيهــات بــن أن يهــب ملــك امللــوك الولــد‪ ،‬وبــن أن‬
‫يصطنــع ملــك لنفســه ولـ ًدا مل يهبــه لــه اللــه ووهبــه ملــن ليــس مبلــك مــن أفـراد مملكتــه‪ .‬وصــدق‬
‫اللــه العظيــم إذ يخــر عــن تلــك الحقيقــة يف قولــه تعــاىل‪َ { :‬و َمــا َج َعـ َـل أَ ْد ِعيَا َءكُـ ْم أَبْ َنا َءكُـ ْم َذلِ ُكـ ْم‬
‫قَ ْولُ ُك ـ ْم ِبأَفْ َوا ِه ُك ـ ْم} [األح ـزاب‪ .]4 :‬ولعــل مــن مدلــوالت قــول اللــه عــز وجــل‪{ :‬الْـ َـا ُل َوالْ َب ُنــو َن‬
‫زِي َنـ ُة الْ َح َيــا ِة ال ُّدنْ َيــا} [الكهــف‪ ]46 :‬أن عــز الدنيــا باملــال والولــد‪ ،‬فــا ميلــك صاحــب املــال مبالــه‬
‫القــدرة عــى اإلتيــان بالولــد‪ ،‬فهــو يســخر املــال لــكل حاجاتــه فيمكنــه الحصــول عليهــا إال الولــد‪،‬‬
‫لذلــك أضيــف الولــد للــال‪ ،‬كــا أن صاحــب املــال ال تكتمــل لــه ســعادته الدنيويــة بــدون الولــد‪.‬‬

‫***‬
‫ٌ‬
‫وحشة يف النفس البشرية ال يقتلعها إال األنس بالولد‬
‫اإلنســان بطبيعتــه يحتــاج إىل األنيــس‪ ،‬يحتــاج للــزوج والصاحــب والرفيــق والجليــس وغريهــم‪،‬‬
‫ولكــن كل هــؤالء ال يُشـبِعون حاجتــه لألنــس بالولــد‪ .‬فهــؤالء يعيش معهــم ويختارهــم ويخالطونه‬
‫لوجــود رابــط يربطــه بهــم مــن توافــق يف الصفــات أو األرواح فيجــد شــبيهه فيأنــس لــه وبــه‪،‬‬
‫وهــذه خاصيــة يف البــر والحيوانــات والطيــور وغريهــا مــن األحيــاء‪ .‬ولكــن اإلنســان يحتــاج إىل‬
‫منــوذج مــن نفســه‪ ،‬يــرى كل نفســه فيــه‪ ،‬يك ّمــل بــه وفيــه ذاتــه وآمالــه وغاياتــه‪ ،‬فــإذا تف ـ َّرد‬
‫دون الولــد استوحشــت نفســه نــوع وحشــة ال يذهبهــا كل مــن حولــه مــن البــر‪ ،‬ومــن أجــل‬
‫ذلــك كان النــداء الخالــد الــذي جعلــه اللــه تعــاىل يف كتابــه { َو َزكَ ِريَّــا إِ ْذ نَــا َدى َربَّـ ُه َر ِّب لَ ت َـ َذ ْر ِن‬
‫ـر الْ َوا ِرثِـ َن (‪ )89‬ف َْاسـتَ َجبْ َنا لَـ ُه َو َو َهبْ َنــا لَـ ُه يَ ْحيَــى َوأَ ْصلَ ْح َنــا لَـ ُه َز ْو َجـ ُه إِنَّ ُهـ ْم كَانُــوا‬
‫ـت َخـ ْ ُ‬‫فَـ ْر ًدا َوأَنْـ َ‬
‫ات َويَ ْد ُعونَ َنــا َر َغ ًبــا َو َر َه ًبــا َوكَانُــوا لَ َنــا َخ ِاش ـ ِع َني} [األنبيــاء‪ .]90-89 :‬فزكريــا‬ ‫ـر ِ‬‫يُ َســا ِر ُعو َن ِف الْ َخـ ْ َ‬

‫‪205‬‬
‫عليــه الســام ليــس تفــر ّده عــدم وجــود الغــر معــه‪ ،‬فلــه عليــه الســام زوجــة‪ ،‬بــل هــو نبــي‬
‫لــه قــوم يدعوهــم ويعيــش بينهــم‪ .‬فســبحان الفــرد الصمــد الــذي مل يلــد ومل يولــد ومل يكــن لــه‬
‫كفـ ًوا أحــد { َوقُــلِ الْ َح ْمـ ُد لِلَّـ ِه الَّـ ِـذي لَـ ْم يَتَّ ِخـ ْذ َولَـ ًدا َولَـ ْم يَ ُكـ ْن لَـ ُه َ ِ‬
‫شيـ ٌـك ِف الْ ُملْـ ِ‬
‫ـك َولَـ ْم يَ ُكـ ْن‬
‫لَـ ُه َو ِ ٌّل ِمـ َن الـذ ُِّّل َوكَـرِّ ْ ُه ت َ ْك ِبـ ًرا} [اإلرساء‪ ]111 :‬وصــى اللــه وســلم عــى نبينــا محمــد الــذي كان‬
‫يقــول‪« :‬فاطمــة بضعــة منــي‪ ،‬يؤذينــي مــا أذاهــا» رواه البخــاري ومســلم وعنــد الرتمــذي زيــادة‬
‫«وينصبنــي مــا أنصبهــا»‪.‬‬
‫***‬

‫األوالد مثرات الفؤاد ورياحني الدنيا‬


‫إن حــب الصديــق والفــرح بــه ومصاحبتــه مــن ســعادة الدنيــا للعبــد‪ ،‬وكذلــك حــب الزوجــة‬
‫والوالديــن‪ ،‬ولكــن حــب الولــد والعيــش معــه هــو رحيــق الســعادة ومعدنهــا وبــه بهجــة الحيــاة‪،‬‬
‫ولنســمع إىل الصــادق املصــدوق صــى اللــه عليــه وســلم يعـ ّـر عــن ذلــك يف قولــه الــذي رواه‬
‫عنــه عبــد اللــه بــن عمــر ريض اللــه عنهــا إذ قــال‪ :‬ســمعت النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫يقــول‪« :‬هــا ريحانتــاي مــن الدنيــا»؛ أي‪ :‬الحســن والحســن‪ .‬رواه البخــاري والرتمــذي‪ .‬والريحــان‬
‫أي‬
‫والريحانــة‪ :‬الــرزق والراحــة‪ ،‬قــال ابــن األثــر‪« .‬ســئل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ُّ :‬‬
‫ابنــي‪،‬‬
‫أهــل بيتــك أحــب إليــك؟ فقــال‪ :‬الحســن والحســن‪ ،‬وكان يقــول لفاطمــة‪ :‬ادعــي يل َّ‬
‫فيش ـ ّمهام ويض ّمهــا إليــه» رواه الرتمــذي‪« .‬كان رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يخطبنــا‬
‫فجــاء الحســن والحســن عليهــا الســام وعليهــا قميصــان أحم ـران ميشــيان ويع ـران‪ ،‬فنــزل‬
‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم مــن املنــر‪ ،‬فحملهــا ووضعهــا بــن يديــه‪ ،‬ثــم قــال‪« :‬صــدق‬
‫ـم َوأَ ْو َل ُدكُـ ْ‬
‫ـم ِف ْت َن ـ ٌة} نظــرت إىل هذيــن الصبيــن ميشــيان ويع ـران فلــم أصــر‬ ‫اللــه {إِنَّ َــا أَ ْم َوالُكُـ ْ‬
‫حتــى قطعــت حديثــي ورفعتهــا» رواه الرتمــذي وأبــو داود والنســايئ‪.‬‬
‫أي قلــب كبــر معمــور بحــب اللــه‪ ،‬ويف موقــف جليــل فــوق املنــر يدعــو إىل اللــه‪ ،‬فيدفعــه‬
‫الحــب والشــفقة للولــد إىل قطــع حديثــه وحمــل الولــد؟! إنهــا الفطــرة يف صدقهــا ونصاعتهــا‪ ،‬بــل‬

‫‪206‬‬
‫قــل‪ :‬إنهــا الفتنــة بالولــد‪ .‬بــل قــل‪ :‬إنهــا الرحمــة مــع أحــب مــا يف الدنيــا‪ .‬وقــل أيضً ــا‪ :‬إنــه قلــب‬
‫املؤمــن الــذي يَتَعبّــد للــه مببــاح كــا يعبــد اللــه يف مســجده‪ ،‬وقــل كذلــك‪ :‬إنــه قلــب مؤمــن ال‬
‫يغفــل عــن واجــب الدنيــا وهــو يــؤ ّدي واجبــات اآلخــرة‪ ،‬وقــل أخ ـ ًرا‪ :‬إنهــا القــدوة تعلّــم عــى‬
‫مــأ أن القلــب املعمــور بحــب اللــه تعــاىل يتّســع لرحمــة خلــق اللــه‪َ { :‬و َمــا أَ ْر َس ـلْ َن َاك إِ َّل َر ْح َم ـ ًة‬
‫لِلْ َعالَ ِمـ َن} [األنبيــاء‪ .]107 :‬عــن أيب بكــرة ريض اللــه عنــه‪« :‬أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫كان يصــي فــإذا ســجد وثــب الحســن عليــه الســام عــى ظهــره وعــى عنقــه‪ ،‬فرفــع رســول اللــه‬
‫ـرع‪ ،‬يفعــل ذلــك غــر م ـ ّرة‪ ،‬قالــوا‪ :‬يــا رســول اللــه‬ ‫صــى اللــه عليــه وســلم رفْ ًعــا رقي ًقــا لئــا يُـ ْ‬
‫رأينــاك صنعــت بالحســن شــيئًا مــا رأينــاك صنعتــه بأحــد؟ قــال‪« :‬إنــه ريحانتــي يف الدنيــا‪ ،‬وإن‬
‫ابنــي هــذا ســيدٌ ‪ ،‬وعــى اللــه أن يصلــح بــه بــن فئتــن» رواه أحمــد والبـزار والطـراين‪ .‬ورجــال‬
‫أحمــد رجــال الصحيــح‪.‬‬
‫إن هــذا املشــهد الرفيــع الشــأن مــن ســرة النبــي صــى اللــه عليــه وســلم ال يحتــاج إىل رشح‪،‬‬
‫بــل ال تكفيــه الــروح‪ ،‬فبهــذا التأكيــد الرصيــح‪« :‬إنــه ريحانتــي يف الدنيــا» فصــى اللــه عليــك‬
‫يــا صاحــب أبهــج قلــب وأســعده م ّمــن جــاء إىل الحيــاة ليعلّــم الخلــق كيــف يحيــون يف الدنيــا‬
‫يف ســعادة بأســباب فيهــا وهبهــم إياهــا اللــه‪ .‬عــن ســعد بــن أيب وقــاص ريض اللــه عنــه قــال‪:‬‬
‫«دخلــت عــى رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم والحســن والحســن يلعبــان عــى بطنــه‪،‬‬
‫فقلــت‪ :‬يــا رســول اللــه أتحبهــا؟ فقــال‪ :‬ومــا يل ال أحبهــا وهــا ريحانتــاي» رواه البـزار ورجالــه‬
‫رجــال الصحيــح‪ .‬بــأيب أنــت وأمــي يــا رســول اللــه‪ ،‬ولــداك يلعبــان عــى بطنــك الرشيــف؟ وأنــت‬
‫مــن أنــت!! ولكنــك الرحمــة املتســامية يف تواضعهــا‪ ،‬والرجولــة املتناهيــة يف رقتهــا‪ ،‬والبســاطة‬
‫املتألقــة يف حســن تعاملهــا‪ ،‬والقــدوة التــي تحــار العقــول يف إدراك مقاصدهــا‪ ،‬واألب ـ ّوة الحانيــة‬
‫يف أروع مباهجهــا‪ .‬وهــذا يــا رســول اللــه مــا تدركــه عقولنــا يف ظــل قولــك عــن األوالد‪« :‬إن لــكل‬
‫شــجرة مثــرة‪ ،‬ومثــرة القلــب الولــد‪ ،‬إن اللــه ال يرحــم مــن ال يرحــم ولــده‪ ،‬والــذي نفــي بيــده‬
‫ال يدخــل الجنــة إال رحيــم»‪ ،‬قلنــا‪ :‬يــا رســول اللــه كلنــا يرحــم‪ ،‬قــال‪« :‬ليــس رحمتــه أن يرحــم‬
‫أحدكــم صاحبــه‪ ،‬إمنــا الرحمــة أن يرحــم النــاس» رواه البـزار‪ .‬نعــم إنهــا رحمــة يف القلــب تســع‬
‫كل النــاس‪ ،‬وليســت رحمتــه لخاصتــه فقــط‪ ،‬وال مينــع ذلــك مــن أن يخــص الولــد الــذي هــو‬

‫‪207‬‬
‫مثــرة القلــب برحمــة تــزرع فيــه الرحمــة وتنمــو بهــا املحبــة بينهــا‪ ،‬وتســتمتع النفــس البرشيــة‬
‫يف ظــال ورونــق أغصانهــا وقطــف مثارهــا الدانيــة‪ .‬إن موكــب أهــل الغرفــات يف الجنــة يهتــف‬
‫ـب لَ َنــا‬‫الســائرون فيــه طــوال ســرهم ليســتحثوا الســر بنشــيد الســعادة { َوال َِّذيـ َن يَقُولُــو َن َربَّ َنــا َهـ ْ‬
‫ـن َوا ْج َعلْ َنــا لِلْ ُمتَّ ِق ـ َن إِ َما ًمــا} [الفرقــان‪ .]74 :‬ويتجــاوب يف أرجــاء‬ ‫ِم ـ ْن أَ ْز َوا ِج َنــا َو ُذ ِّريَّاتِ َنــا قُ ـ َّر َة أَ ْعـ ُ ٍ‬
‫الوجــود معهــم زجــل حملــة العــرش‪{ :‬ال َِّذي ـ َن يَ ْح ِملُــو َن الْ َع ـ ْر َش َو َم ـ ْن َح ْولَ ـ ُه يُ َس ـ ِّب ُحو َن ِب َح ْمـ ِـد‬
‫ش ٍء َر ْح َمــ ًة َو ِعل ً‬
‫ْــا فَا ْغ ِفــ ْر‬ ‫َربِّهِــ ْم َويُ ْؤ ِم ُنــو َن بِــ ِه َويَ ْســتَ ْغ ِف ُرو َن لِل َِّذيــ َن َآ َم ُنــوا َربَّ َنــا َو ِســ ْع َت ك َُّل َ ْ‬
‫ــات َعــ ْدنٍ الَّ ِتــي‬ ‫يــم (‪َ )7‬ربَّ َنــا َوأَ ْد ِخلْ ُهــ ْم َج َّن ِ‬ ‫َاب الْ َج ِح ِ‬ ‫لِل َِّذيــ َن تَابُــوا َواتَّ َب ُعــوا َســبِيل ََك َو ِقهِــ ْم َعــذ َ‬
‫ـت الْ َعزِيـ ُز الْ َح ِكيـ ُم} [غافــر‪]8-7 :‬‬ ‫ـح ِمـ ْن َآبَائِ ِهـ ْم َوأَ ْز َوا ِج ِهـ ْم َو ُذ ِّريَّاتِ ِهـ ْم إِنَّـ َـك أَنْـ َ‬ ‫َو َع ْدتَ ُهـ ْم َو َمـ ْن َصلَـ َ‬
‫يقــول النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬إن اللــه عــز وجــل لريفــع ذريــة املؤمــن إليــه يف درجتــه‬
‫ـم ِبإِميَــانٍ‬ ‫وإن كانــوا دونــه يف العمــل لتقــر بهــم عينــه‪ ،‬ثــم قــرأ { َوالَّ ِذيـ َن آَ َم ُنــوا َواتَّ َب َع ْت ُهـ ْ‬
‫ـم ُذ ِّريَّ ُت ُهـ ْ‬
‫ـب َر ِهـ ٌن} قــال‪ :‬ومــا‬ ‫ش ٍء ك ُُّل ا ْمـرِئٍ بِ َــا ك ََسـ َ‬ ‫ـم ِمـ ْن َ ْ‬ ‫ـم ِمـ ْن َع َملِ ِهـ ْ‬ ‫ـم َو َمــا أَلَ ْت َنا ُهـ ْ‬ ‫أَلْ َح ْق َنــا ِب ِهـ ْ‬
‫ـم ُذ ِّريَّ َت ُهـ ْ‬
‫نقصنــا اآلبــاء مبــا أعطينــا البنــن» رواه البـزار والطـراين‪ .‬إن الســعادة ال تكتمــل إال بنــزع الخــوف‬
‫مــن فقدهــا‪ ،‬فــا أســعد اآلبــاء بــاألوالد ومــا أســعد األوالد بآبائهــم‪.‬‬

‫***‬
‫جمبنة ٌ‬
‫حمزنة‬ ‫ٌ‬ ‫الولد ٌ‬
‫مبخلة‬
‫لــو أن عبـ ًدا ملــك أســباب الدنيــا مــن مــال وســلطان وغريهــا ومل يهبــه اللــه الولــد مــا اســتطاع أن‬
‫يكــون لــه ولــد‪ ،‬فقــد جعــل اللــه التوالــد بــن النــاس مــن شــؤونه ســبحانه التــي يختــص بــه مــن‬
‫ـب لِ َم ـ ْن يَشَ ــا ُء ال ُّذكُــو َر (‪ )49‬أَ ْو يُ َز ِّو ُج ُه ـ ْم‬
‫ـب لِ َم ـ ْن يَشَ ــا ُء إِنَاثًــا َويَ َهـ ُ‬
‫شــاء ومينعــه مــن يشــاء‪{ ،‬يَ َهـ ُ‬
‫ُذكْ َرانًــا َوإِنَاثًــا َويَ ْج َعـ ُـل َم ـ ْن يَشَ ــا ُء َع ِقيـ ًـا إِنَّـ ُه َعلِي ـ ٌم ق َِدي ـ ٌر} [الشــورى‪ .]50 ،49 :‬فــاألوالد عطــاء‬
‫مــن اللــه تعــاىل عــى ســبيل الهبــة‪ ،‬ولذلــك تجــد القــرآن وهــو يخــر عــن هــذا الشــأن‪ ،‬ســواء يف‬
‫ـب‬‫حالــة طلــب الخلفــة أو إعطائهــا ألحــد تــأيت دامئًــا بلفــظ الهبــة مثــل‪{ :‬الْ َح ْمـ ُد لِلَّـ ِه الَّـ ِـذي َو َهـ َ‬

‫‪208‬‬
‫ـر إِ ْسـ َـا ِع َيل َوإِ ْسـ َح َاق} [إبراهيــم‪{ ]39 :‬ف َْاسـتَ َج ْب َنا لَـ ُه َو َو َه ْب َنــا لَـ ُه يَ ْح َيــى} [األنبيــاء‪:‬‬ ‫ِل َعـ َـى الْ ِكـ َ ِ‬
‫ـك غ َُل ًمــا َزكِيًّــا}‬
‫ـب لَـ ِ‬‫ـك ِلَ َهـ َ‬ ‫ـال إِنَّ َــا أَنَــا َر ُسـ ُ‬
‫ـول َربِّـ ِ‬ ‫‪َ { ]90‬و َو َهبْ َنــا لِ ـ َدا ُوو َد ُس ـلَيْ َم َن} [ص‪{ ]30 :‬قَـ َ‬
‫ـب ِل ِمـ ْن لَ ُدنْـ َـك‬‫ـب ِل ِمـ ْن لَ ُدنْـ َـك ُذ ِّريَّـ ًة طَ ِّي َبـ ًة } [آل عمـران‪{ ]38 :‬فَ َهـ ْ‬ ‫[مريــم‪{ ]19 :‬قَـ َ‬
‫ـال َر ِّب َهـ ْ‬
‫َولِ ًّيــا} [مريــم‪ .]5 :‬فــاألوالد إذن عطــاء كريــم يختــص اللــه بــه مــن شــاء مــن عبــاده ولــو كــان‬
‫فقـ ًرا مركــزه بــن النــاس حقــر‪ ،‬ومينعــه اللــه عمــن يشــاء مــن خلقــه ولــو كان غن ًّيــا عظيـ ًـا‪ ،‬فمــن‬
‫أعطــاه اللــه الولــد فقــد وهبــه هبـ ًة قيمتهــا تفــوق املــال والســلطان وكل قيمتــه ماديــة‪ ،‬وعليــه‬
‫شــكر الو َّهــاب ســبحانه‪ ،‬ويقــول بلســانه وحالــه‪ :‬الحمــد للــه الــذي وهــب يل الولــد‪ ،‬ويعلــم أنهــا‬
‫نعمــة عزيــزة يجــب أن يرعاهــا ويوجههــا إىل طاعــة املنعــم‪ ،‬ومــن أجــل ذلــك أيضً ــا كانــت األوالد‬
‫مجبنــة ومبخلــة‪ ،‬ألن املــرء يجــن عــن القتــل ليبقــى ألوالده‪ ،‬ويبخــل مبــا عنــده ليبقيــه ألوالده‪،‬‬
‫فلــو مل يكــن عنــده األوالد مــا خــي عــى نفســه القتــل وال أمســك املــال فلــم ينفقــه‪ ،‬وهــذا ال‬
‫يعنــي أن صاحــب األوالد ال يقاتــل ويقتــل يف ســبيل اللــه‪ ،‬أو ال ينفــق‪ ،‬ولكنهــا غريــزة وفطــرة‬
‫تدعــو إىل ذلــك يجاهــد املؤمــن نفســه يف ســبيل ربِّــه‪ .‬عــن خولــة بنــت حكيــم ريض اللــه عنهــا‬
‫قالــت‪« :‬خــرج رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم ذات يــوم وهــو محتضــن أحــد ابنــي ابنتــه‬
‫وهــو يقــول‪ :‬إنكــم لتبخّلــون وتج ّبنــون وتج ّهلــون‪ ،‬وإنكــم ملــن ريحــان اللــه» رواه الرتمــذي‪،‬‬
‫«جــاء الحســن والحســن يســعيان إىل النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فضمهــا إليــه‪ .‬وقــال‪ :‬إن‬
‫الولــد مبخلــة مجبنــة» رواه ابــن ماجــة‪« ،‬الولــد مثــرة القلــب‪ ،‬وإنــه مجبنــة مبخلــة محزنــة» رواه‬
‫أبــو يعــى والبـزار‪« .‬إنهــم ملجبنــة محزنــة‪ ،‬إنهــم ملجبنــة محزنــة» رواه أحمــد «أخــذ النبــي صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم حسـ ًنا فقبلّــه ثــم أقبــل عليهــم فقــال‪ :‬إن الولــد مبخلــة مجهلــة مجبنــة» رواه‬
‫الب ـزار ورجــال ســنده ثقــات‪ .‬ولكــن مــن أعجــب العجــب أن ال يرغــب بعــض النــاس يف خلفــة‬
‫األوالد‪ ،‬وكأنهــم بذلــك يــر ّدون عــى اللــه تعــاىل هبتــه‪ ،‬وأنهــم مســتغنون عنهــا؟!! إنهــم بذلــك قــد‬
‫الن َْســا َن ِف أَ ْح َســنِ تَ ْقوِيـ ٍـم (‪ )4‬ث ُـ َّم َر َد ْدنَــا ُه أَ ْسـف ََل َســا ِفلِ َني (‪)5‬‬
‫انتكســوا يف فطرهــم {لَ َقـ ْد َخلَ ْق َنــا ْ ِ‬
‫إِ َّل ال َِّذيـ َن َآ َم ُنــوا} [التــن‪ ،]6-4 :‬والغريــب مــن أمــر هــؤالء أنهــم يـ ّررون مــا يصــدر عــن فطرهــم‬
‫املمســوخة بــأن دعوتهــم ملنــع الخلفــة مــن خــوف الــرزق‪ ،‬وهــم ال يشــعرون أنهــم بقولهــم ذلــك‬
‫قــد افــروا عــى اللــه يف أمــر آخــر وهــو أن األرزاق بيدهــم ال بيــد الــرزاق ذي القــوة املتــن‪،‬‬

‫‪209‬‬
‫إن الــرزق شــأن مــن شــؤون اللــه فهــو ق ّيــوم الســاوات واألرض ومــا فيهــن { َو َمــا ِم ـ ْن َدابَّ ـ ٍة ِف‬
‫الْ َ ْر ِض إِ َّل َعـ َـى اللَّـ ِه ِر ْزقُ َهــا} [هــود‪َ { ]6 :‬وكَأَيِّـ ْن ِمـ ْن َدابَّـ ٍة لَ تَ ْح ِمـ ُـل ِر ْزقَ َهــا اللَّـ ُه يَ ْر ُزقُ َهــا َوإِيَّاكُـ ْم}‬
‫[العنكبــوت‪{ ]60 :‬فَابْتَ ُغــوا ِع ْنـ َد اللَّـ ِه الـ ِّرز َْق َوا ْع ُبـ ُدو ُه َواشْ ـ ُك ُروا لَـ ُه} [العنكبــوت‪َ { ]17 :‬ولَ تَ ْقتُلُــوا‬
‫أَ ْولَ َدكُـ ْم ِمـ ْن إِ ْمـ َـاقٍ نَ ْحـ ُن نَ ْر ُزقُ ُكـ ْم َوإِيَّا ُهـ ْم} [األنعــام‪َ { ]151 :‬و َل ت َ ْقتُلُــوا أَ ْو َل َدكُـ ْم َخشْ ـيَ َة إِ ْمـ َـاقٍ‬
‫نَ ْح ـ ُن نَ ْر ُزقُ ُه ـ ْم َوإِيَّاكُ ـ ْم} [اإلرساء‪َ { ]31 :‬و َج َعـ َـل لَ ُك ـ ْم ِم ـ ْن أَ ْز َوا ِج ُك ـ ْم بَ ِن ـ َن َو َح َف ـ َد ًة َو َر َزقَ ُك ـ ْم ِم ـ َن‬
‫ـات} [النحــل‪{ ]72 :‬اللَّ ـ ُه الَّـ ِـذي َخلَ َق ُك ـ ْم ث ُـ َّم َر َزقَ ُك ـ ْم} [الــروم‪ .]40 :‬إن األمــر يتعلــق أصـ ًـا‬ ‫الطَّ ِّي َبـ ِ‬
‫باإلميــان باللــه‪ ،‬فإمــا أنهــم ضعــاف اإلميــان أو فاقــدون لــه‪ ،‬فلــو قــوي اإلميــان ألمثــر التقــوى وعنــد‬
‫ذلــك يســمعون بقلوبهــم قــول اللــه تعــاىل‪َ { :‬و َمـ ْن يَتَّــقِ اللَّـ َه يَ ْج َعـ ْـل لَـ ُه َم ْخ َر ًجــا (‪َ )2‬ويَ ْر ُزقْـ ُه ِمـ ْن‬
‫ـش ال َِّذيـ َن لَـ ْو تَ َركُــوا ِمـ ْن َخلْ ِف ِهـ ْم ُذ ِّريَّـ ًة ِض َعافًــا َخافُــوا‬ ‫ـب} [الطــاق‪َ { ]3 ،2 :‬ولْ َي ْخـ َ‬ ‫َح ْيــثُ لَ يَ ْحتَ ِسـ ُ‬
‫َعلَ ْي ِهـ ْم فَلْ َيتَّ ُقــوا اللَّـ َه} [النســاء‪ ]9 :‬نســأل اللــه اليقــن والعافيــة‪ .‬إن شــياطني الجــن واإلنــس الذيــن‬
‫دعــوا لهــذا األمــر وجــدوا مــن بعــض الحكومــات التــي فشــلت يف تنميــة مــوارد الشــعوب تربيـ ًرا‬
‫ـدل مــن أن‬ ‫لعجزهــم فألقــوا املســؤولية عــى شــعوبهم الفقــرة ألنهــم يكــرون بالخلــف الكثــر‪ .‬فبـ ً‬
‫يزيــدوا املــوارد املتاحــة وينموهــا‪ ،‬طلبــوا مــن الشــعوب أن يقللّــوا مــن عددهــم‪ ،‬ولكــن الفقـراء‬
‫والحمــد للــه يحبــون األوالد ويتربكــون بهــم ويعتقــدون أنهــم مــن أســباب ســعة الــرزق‪.‬‬
‫* مــن لطائــف مــا نصــح بــه العلــاء مــن مل يرزقــوا األوالد أن يكــون لهــم ورد دائــم مــن‬
‫االســتغفار‪ ،‬وأن يقبلــوا عــى اللــه تعــاىل بالطاعــات والخـرات‪ ،‬فيكــون ذلــك مــن األســباب التــي‬
‫يجعلهــا اللــه تعــاىل ســب ًبا يف اســتحقاق الرحمــة فريزقهــم اللــه الولــد‪ .‬وقــد اســتنبطوا ذلــك مــن‬
‫السـ َـا َء َعلَ ْي ُكـ ْم ِمـ ْد َرا ًرا‬
‫ـت ْاسـتَ ْغ ِف ُروا َربَّ ُكـ ْم إِنَّـ ُه كَا َن َغ َّفــا ًرا (‪ )10‬يُ ْر ِســلِ َّ‬ ‫مثــل قولــه تعــاىل‪{ :‬فَ ُقلْـ ُ‬
‫ـات َويَ ْج َعـ ْـل لَ ُكـ ْم أَنْ َهــا ًرا} [نــوح‪ .]12-10 :‬وقولــه‬ ‫(‪َ )11‬و ُ ْي ِد ْدكُـ ْم ِبأَ ْمـ َوا ٍل َوبَ ِنـ َن َويَ ْج َعـ ْـل لَ ُكـ ْم َج َّنـ ٍ‬
‫ات‬ ‫ـر ِ‬ ‫تعــاىل‪{ :‬ف َْاسـتَ َجبْ َنا لَـ ُه َو َو َهبْ َنــا لَـ ُه يَ ْحيَــى َوأَ ْصلَ ْح َنــا لَـ ُه َز ْو َجـ ُه إِنَّ ُهـ ْم كَانُــوا يُ َســا ِر ُعو َن ِف الْ َخـ ْ َ‬
‫وح َنــا‬‫ـت فَ ْر َج َهــا فَ َن َف ْخ َنــا ِفي َهــا ِمـ ْن ُر ِ‬ ‫َويَ ْد ُعونَ َنــا َر َغ ًبــا َو َر َه ًبــا َوكَانُــوا لَ َنــا َخ ِاشـ ِع َني (‪َ )90‬والَّ ِتــي أَ ْح َص َنـ ْ‬
‫َو َج َعلْ َنا َهــا َوابْ َن َهــا َآيَـ ًة لِلْ َعالَ ِم ـ َن} [األنبيــاء‪.]91 ،90 :‬‬
‫* ليــس عطــاء األوالد دليـ ًـا عــى الكرامــة عنــد اللــه تعــاىل‪ ،‬فقــد يعطــي اللــه ســبحانه األوالد‬
‫ملــن يعصونــه ويحــرم مــن يطيعونــه مــن األوالد‪ ،‬وعــى العكــس مــن ذلــك‪ ،‬يقــول اللــه تعــاىل‪:‬‬

‫‪210‬‬
‫ات بَــل لَ يَشْ ـ ُع ُرونَ}‬ ‫{أَيَ ْح َس ـ ُبو َن أَنَّ َــا نُ ِ ُّد ُه ـ ْم ِب ـ ِه ِم ـ ْن َمــا ٍل َوبَ ِن ـ َن (‪ )55‬ن َُســا ِر ُع لَ ُه ـ ْم ِف الْ َخـ ْ َ‬
‫ـر ِ‬
‫[املؤمنــون‪ ]56 ،55 :‬فقــد يكــون العطــاء لالســتدراج أو لالبتــاء‪ .‬عــن عقبــة بــن عامــر ريض اللــه‬
‫عنــه عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬إذا رأيــت اللــه عــز وجــل يعطــي العبــد يف الدنيــا‬
‫ـب‪ ،‬فإمنــا هــو اســتدراج‪ ،‬ثــم تــا رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم { َفلَـ َّـا‬ ‫عــى معاصيــه مــا يحـ ّ‬
‫ـم بَ ْغ َتـ ًة‬ ‫ش ٍء َح َّتــى إِ َذا َف ِر ُحــوا بِ َــا أُوتُــوا أَ َخ ْذنَا ُهـ ْ‬ ‫اب ك ُِّل َ ْ‬ ‫ـم أَبْـ َو َ‬ ‫ن َُســوا َمــا ُذكِّـ ُروا ِبـ ِه َف َت ْح َنــا َعلَ ْي ِهـ ْ‬
‫ـم ُم ْبلِ ُســونَ }» رواه أحمــد والطـراين‪ .‬وقــد قــال اللــه تعــاىل يف معــرض الزهــادة يف الدنيــا‬ ‫َفـإِ َذا ُهـ ْ‬
‫ـر ِع ْنـ َد‬‫الصالِ َحــاتُ َخـ ْ ٌ‬ ‫والحــض عــى عمــل اآلخــرة‪{ :‬الْـ َـا ُل َوالْ َب ُنــو َن زِي َنـ ُة الْ َح َيــا ِة ال ُّدنْ َيــا َوالْ َبا ِق َيــاتُ َّ‬
‫ـر أَ َمـ ًـا} [الكهــف‪ .]46 :‬بــل قــد تكــون األوالد عنــد الكفــار والفجــار مــن أكــر‬ ‫َربِّـ َـك ث َ َوابًــا َو َخـ ْ ٌ‬
‫أســباب الشــقاء لهــم‪ ،‬يقــول اللــه عــز وجــل‪{ :‬فَـ َـا تُ ْع ِج ْبـ َـك أَ ْم َوالُ ُهـ ْم َولَ أَ ْو َل ُد ُهـ ْم إِنَّ َــا يُرِيـ ُد اللَّـ ُه‬
‫لِ ُي َع ِّذبَ ُهـ ْم ِب َهــا ِف الْ َح َيــا ِة ال ُّدنْ َيــا َوتَ ْز َهـ َـق أَنْف ُُسـ ُه ْم َو ُهـ ْم كَا ِفـ ُرونَ} [التوبــة‪.]55 :‬‬
‫***‬

‫‪211‬‬
‫ة‬ ‫لش ة‬
‫ا ع �ر� الط ي� ب��‬ ‫‪2‬‬
‫[مع األوالد وتربيتهم]‬
‫* الرحم شجنة من الرحمن‪ ،‬واألنثى مختصة بفضل من الله‪.‬‬
‫* األرض والسامء‪ ،‬وعامل البرش وعامل املالئكة‪ ،‬والروح واملادة‪ ،‬يف‬
‫أحفال مالئكية داخل القرار املكني‪.‬‬
‫* الحامل ليست وحدها‪ ،‬يحل يف أحشائها مخلوق يحيا‬
‫بحياتها‪.‬‬
‫* ما ينبغي لألم الحامل أثناء الحمل عمله‪ ،‬أو تركه‪.‬‬
‫* التأوهات السعيدة للحادث الفريد‪ ،‬ولحظات قلق الولد‪.‬‬
‫* ما يجب اتخاذه من تدابري لألم الوالدة وللمولود الجديد‪.‬‬
‫* ريح الولد من ريح الجنة‪ ،‬وضم الوليد وشمه‪.‬‬
‫* تحنيك املولود واختيار اسمه الجميل الذي يدعى به يوم‬
‫القيامة‪.‬‬
‫* املؤنسات الغاليات معهن الربكة‪ ،‬والق ِّيم عليه َّن ُمعان‪ ،‬وع ّز‬
‫الولد الذي مل يكن‪.‬‬
‫* كل غالم رهينة بعقيقته‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫الرحم ُش ْجنَ ٌة من الرمحن‬

‫* أيتهــا األنثــى‪ :‬لقــد اختصــك اللــه تعــاىل بــأن جعلــك صاحبــة الرحــم الــذي تبــدأ فيــه حيــاة‬
‫كل البــر‪ ،‬فــإن كانــت حــواء خلقــت مــن ضلــع آدم عليهــا الســام‪ ،‬فليــس رجــل أو امــرأة يف‬
‫الوجــود إال وخلــق يف رحــم أنثــى‪ ،‬ففــي رحمــك يخلــق اإلنســان‪ ،‬ويف محضنــك يــرىب وينمــو‬
‫كل النــاس‪ ،‬فأنــت األم‪ ،‬وأنــت الزوجــة‪ ،‬وأنــت االبنــة‪ ،‬وأنــت األخــت‪ ،‬وأنــت كل حبيبــة‪ ،‬وأنــت‬
‫كل قرابــة رحيمــة‪ ،‬أنــت الــرورة واألنيــس لــكل إنســان‪ ،‬فأنــت الحــب والحنــان‪ ،‬وبــك صــاح‬
‫املجتمعــات والعم ـران‪ ،‬أنــت أيتهــا األنثــى يشء عظيــم لــو تعلمــن‪ ،‬فات ّقــي اللــه وكــوين صالحــة‬
‫لتكرمــي عنــد اللــه تعــاىل‪{ :‬إِ َّن أَكْ َر َم ُك ـ ْم ِع ْن ـ َد اللَّ ـ ِه أَتْقَاكُ ـ ْم} [الحج ـرات‪.]13 :‬‬
‫َّــذي يُ َص ِّو ُركُــ ْم ِف الْ َ ْر َح ِ‬
‫ــام‬ ‫* إن رحــم املــرأة ملــن أعظــم معجــزات الخالــق يف الخلــق‪ُ { :‬هــ َو ال ِ‬
‫ـاس اتَّ ُقــوا َربَّ ُكـ ُم الَّـ ِـذي‬ ‫كَ ْيـ َـف يَشَ ــا ُء َل إِلَـ َه إِ َّل ُهـ َو الْ َعزِيـ ُز الْ َح ِكيـ ُم} [آل عمـران‪{ .]6 :‬يَــا أَيُّ َهــا ال َّنـ ُ‬
‫ـس َو ِ‬
‫اح ـ َد ٍة َو َخلَـ َـق ِم ْن َهــا َز ْو َج َهــا َوبَــثَّ ِم ْن ُهـ َـا ِر َجــالً كَ ِث ـ ًرا َونِ َســا ًء َوات َّ ُقــوا اللَّ ـ َه‬ ‫َخلَ َق ُك ـ ْم ِم ـ ْن نَ ْفـ ٍ‬
‫الَّـ ِـذي ت ََســا َءلُو َن ِب ـ ِه َوالْ َ ْر َحــا َم إِ َّن اللَّ ـ َه كَا َن َعلَ ْي ُك ـ ْم َر ِقي ًبــا} [النســاء‪.]1 :‬‬
‫إن الرحــم واألرحــام قــد جعلهــا اللــه ســببًا للتواصــل البــري عــى امتــداد الزمــان وانتشــار‬
‫العمـران‪ ،‬والرحــم هنــا هــو املعنــى املطابــق واملرتشِّ ــح مــن رحــم األنثــى الــذي يبــثّ منــه الخلــق‪.‬‬
‫عــن عائشــة ريض اللــه عنهــا عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬الرحــم معلقــة بالعــرش تقــول‪:‬‬
‫مــن وصلنــي وصلــه اللــه‪ ،‬ومــن قطعنــي قطعــه اللــه» رواه البخــاري ومســلم‪ ،‬إذًا هــو معنــى‬
‫الوصــل والقطيعــة بــن الخلــق الذيــن خلقــوا يف الرحــم‪ ،‬فعــن عبــد الرحمــن بــن عــوف ريض‬
‫اللــه عنــه قــال‪ :‬ســمعت النبــي صــى اللــه عليــه وســلم يقــول‪« :‬قــال اللــه تعــاىل‪ :‬أنــا اللــه وأنــا‬
‫ْت لهــا اســا مــن أســمى‪ ،‬فمــن وصلهــا وصلتــه ومــن قطعهــا‬ ‫الرحمــن خلقــت الرحــم وشَ ـ َقق ُ‬
‫قطعتــه» رواه أبــو داود والرتمــذي وابــن حبــان يف صحيحــه‪ ،‬وقــال الرتمــذي‪ :‬حديــث حســن‬
‫صحيــح‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫وعــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬ســمعت رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يقــول‪« :‬إن‬
‫الرحــم شُ ـ ْج َنة مــن الرحمــن» رواه أحمــد بإســناد جيــد قــوي وابــن حبــان يف صحيحــه‪ ،‬وعــن‬
‫ســعيد بــن زيــد ريض اللــه عنــه عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم أنــه قــال‪« :‬إن مــن أربــا‬
‫الربــا االســتطالة يف عــرض املســلم بغــر حــق‪ ،‬وإن هــذه الرحــم شُ ـ ْجنة مــن الرحمــن عــز وجــل‪،‬‬
‫فمــن قطعهــا حــرم اللــه عليــه الجنــة» رواه أحمــد والبـزار ورواة أحمــد ثقــات‪ .‬قــال أبــو عبيــد‬
‫إمــام اللغــة‪ :‬شُ ـ ْج َنة مــن الرحمــن يعنــي قرابــة مشــتبكة كاشــتباك العــروق‪ ،‬وفيهــا لغتــان‪ِ ،‬شــجنة‬
‫بكــر الشــن‪ ،‬وبضمهــا وإســكان الجيــم‪.‬‬
‫***‬
‫أحفال املالئكة يف القرار املكني‬
‫* قــى اللــه تبــارك وتعــاىل أن ال يتــم خلــق بــر يف الرحــم إال بعــد أن يتــم اتصــال بــن الذكــر‬
‫واألنثــى‪ ،‬وبــن األرض والســاء‪ ،‬وبــن عــامل املالئكــة وعــامل البــر‪ ،‬وبــن عــامل الــروح وعــامل املــادة‪،‬‬
‫يف رعايــة إلهيــة عظمــى تتخـ ّـر مــن األرحــام مــا شــاءت لتصـ ّور القــدرة اإللهيــة فيــه مــا شــاءت‬
‫مــن خلــق اللــه رب العاملــن‪ ،‬إن خلــق آدم عليــه الســام مــن غــر اتصــال بــري بقــول اللــه‪ :‬كــن‪،‬‬
‫فــكان بقدرتــه‪ ،‬ثــم خلــق حــواء عليهــا الســام مــن آدم بــا اتصــال بــرى أيضً ــا‪ ،‬ولكــن بالقــدرة‪،‬‬
‫ثــم قــى اللــه بسـ ّنة خالــدة أن ال يخلــق بــر إال باتصــال آدمــي بــن زوجــن‪ ،‬ذكــر وأنثــى‪ ،‬ومل‬
‫ت َْس ـتَ ْ ِث اإلرادة اإللهيــة ســوى خلــق عيــى عليــه الســام مــن أ ِّمــه مريــم البتــول عليهــا الســام‪،‬‬
‫أمــا العــرس املالئــي واالتصــال بــن عــامل املالئكــة وعــامل البــر‪ ،‬وبــن عــامل الــروح وعــامل املــادة‬
‫فليــس فيــه أي اســتثناء مــن ذلــك‪ ،‬وحتــى عيــى عليــه الســام فقــد اتصــل عــامل املالئكــة مبريــم‬
‫ـرا َس ـ ِويًّا (‪)17‬‬‫الطاهــرة عليهــا الســام‪ ،‬يقــول عــز وجــل‪{ :‬فَأَ ْر َس ـلْ َنا إِلَ ْي َهــا ُرو َح َنــا فَتَ َمثَّـ َـل لَ َهــا بَـ َ ً‬
‫ـك غ َُل ًمــا‬ ‫ـك ِلَ َهـ َ‬
‫ـب لَـ ِ‬ ‫ـول َربِّـ ِ‬‫ـال إِنَّ َــا أَنَــا َر ُسـ ُ‬
‫ـت تَ ِق ًّيــا (‪ )18‬قَـ َ‬ ‫ـت إِنِّ أَ ُعــو ُذ بِال َّر ْح َمــنِ ِم ْنـ َـك إِ ْن كُ ْنـ َ‬
‫قَالَـ ْ‬
‫َزكِيًّــا} [مريــم‪ ،]19-17 :‬وأمــا ســائر البــر قفــد أخــر النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فيــا رواه‬
‫عنــه أنــس بــن مالــك ريض اللــه عنــه قــال‪َ « :‬وكَّل اللــه بالرحــم ملـكًا‪ ،‬فيقــول‪ :‬أي رب نطفــة؟ أي‬
‫ـقي أم‬ ‫رب مضغــة؟ فــإذا أراد أن يقــي خلقهــا قــال‪ :‬يــا رب أذكــر أم أنثــى؟ أشـ ٌّ‬ ‫رب علقــة؟ أي ِّ‬ ‫ِّ‬

‫‪214‬‬
‫ســعيد؟ فــا الــرزق؟ فــا األجــل؟ فيكتــب ذلــك يف بطــن أمــه» رواه البخــاري ومســلم‪.‬‬
‫‪ -‬فيــا أيتهــا األنثــى الطاهــرة‪ ،‬يــا أيتهــا األم الكرميــة‪ :‬رحمــك محـ ٌّـل لهــذا التكريــم‪ ،‬ولهــذا العنايــة‬
‫اإللهيــة‪ ،‬وهــذا الحفــل املالئــي‪ ،‬وهــذا اإلبــداع الخلْقــي‪ ،‬يف رحمــك يهــب اللــه تبــارك وتعــاىل مــا‬
‫شــاء مــن ذريــة آدم ملــن شــاء مــن خلقــه‪ ،‬رحمــك بــاب الحيــاة ومفتاحهــا‪ ،‬وعليــه مــدار بقائهــا‪،‬‬
‫فاتّقــي الخالــق واشــكريه واعبديــه ل ُيعيــدك َوبَنيــك إىل جنــة الخلــود‪.‬‬
‫‪ -‬أيتهــا املــرأة الطاهــرة‪ ،‬والزوجــة الصالحــة‪ :‬أنــت اآلن تحملــن يف أحشــائك كائ ًنــا آخــر غــرك‪،‬‬
‫أنــت لســت مثــل اآلخريــن‪ ،‬تحيــن ويحيــى بحياتــك مخلــوق بــن جنبيــك ال يفارقــك لحظــة‬
‫ـت ِم ـ َن الْ َحـ ِّ‬
‫ـي َوت َـ ْرز ُُق َم ـ ْن‬ ‫ـي ِم ـ َن الْ َم ِّيـ ِ‬
‫ـت َوتُ ْخ ـر ُِج الْ َم ِّيـ َ‬ ‫واحــدة‪ ،‬فســبحان القائــل {تُ ْخ ـر ُِج الْ َحـ َّ‬
‫ـاب} [آل عم ـران‪ ،]27 :‬إن األمــر بالنســبة لــك معانــاة مــع الشــعور بســعادة‬ ‫ـر ِح َسـ ٍ‬
‫تَشَ ــا ُء ِب َغـ ْ ِ‬
‫فريــدة‪ ،‬ولكــن األمــر يف طياتــه مســؤولية وحمــل لألمانــة‪ ،‬فجســمك وصحتــك مل يعــودا يخصانــك‬
‫وحــدك‪ ،‬ولذلــك أيتهــا األم الحامــل أقــدم لــك هــذه التعليــات واإلرشــادات الخاصــة بالحمــل‬
‫والــوالدة كــا ذكرهــا املختصــون بهــذا الفــرع مــن فــروع العلــم‪:‬‬
‫‪ -‬االهتــام بصحــة األم الحامــل أثنــاء فــرة الحمــل يف غايــة األهميــة حتــى تتجنــب العديــد مــن‬
‫مشــاكل الحمــل والــوالدة‪ ،‬باإلضافــة إىل أن ذلــك يحافــظ عــى صحــة وحيويــة الجنــن طــوال‬
‫شــهور الحمــل وأثنــاء عمليــة الــوالدة‪ ،‬مــا يرتتــب عليــه ســامته بعــد الــوالدة وخــال ســنوات‬
‫عمــره‪ .‬ويجــب أن تعلــم األم الحامــل الحريصــة أ َّن كثــ ًرا مــن األمــراض الجســانية والعقليــة‬
‫والنفســية والتشــ ّوهات التــي تصيــب املولــود وتســتمر معــه بعــد والدتــه تنتــج مــن إهــال‬
‫صحــة األم أثنــاء الحمــل‪.‬‬
‫‪ -‬معرفــة بــدء الحمــل وحفظــه هــام ملتابعــة الحمــل ومعرفــة موعــد الــوالدة‪ ،‬ويبــدأ حســاب‬
‫مــدة الحمــل مــن أول أيــام الحيــض األخــرى –أي تحتســب أيــام الــدورة الشــهرية األخــرة ضمــن‬
‫مــدة الحمــل‪ -‬ومــدة الحمــل ‪ 280‬يو ًمــا‪ ،‬أو أربعــون أســبو ًعا‪ ،‬أو تســعة شــهور ميالديــة وســبعة‬
‫أيــام‪ ،‬أو عــرة شــهور قمريــة‪.‬‬
‫‪ -‬االهتــام بالراحــة وأخــذ قســط وافــر مــن النــوم يف الشــهور األوىل للحمــل‪ ،‬وعــدم اإلقــدام عــى‬
‫أعــال شــاقة‪ ،‬أو الســفر الطويــل‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫‪ -‬يفضل االستحامم يوم ًّيا باملاء الدافئ‪ ،‬ويكون برش املاء وليس بطريق الجلوس يف «البانيو»‪.‬‬
‫‪ -‬تنظيــف منطقــة الــرج واملهبــل باملــاء والصابــون‪ ،‬ويكــون الغســيل مــن الخلــف إىل األمــام‪ ،‬أي‬
‫يبــدأ غســل الــرج ويتجــه إىل ناحيــة املهبــل وليــس العكــس‪.‬‬
‫‪ -‬ال حــرج مــن الجــاع طــوال فــرة الحمــل طاملــا كان الحمــل طبيعيًّــا‪ ،‬ويفضــل تركــه يف األســابيع‬
‫األخــرة مــن الحمــل‪.‬‬
‫‪ -‬يجــب أن تكــون مالبــس الحمــل واســعة فضفاضــة‪ ،‬ســواء الداخليــة أو الخارجيــة وينصــح بعــدم‬
‫ـب عــا ٍل‪.‬‬
‫لبــس حــذاء لــه كعـ ٌ‬
‫‪ -‬االهتــام بصحــة أســنان الحامــل ونظافتهــا يف غايــة األهميــة‪ ،‬فيجــب غســل الفــم واألســنان‬
‫بعنايــة بعــد كل طعــام‪ ،‬واملســارعة بالعــاج عنــد حــدوث أي التهــاب باللّثَ ـ َة أو األســنان‪ ،‬إذ إن‬
‫إهــال العــاج قــد يــؤدي إىل حــدوث ُح َّمــى ال ّنفــاس بعــد الــوالدة‪.‬‬
‫‪ -‬ينبغــي تج ّنــب اإلمســاك أثنــاء فــرة الحمــل‪ ،‬ويســاعد عــى ذلــك زيــادة تنــاول املرشوبــات‪،‬‬
‫وتنــاول الخ ـراوات الطازجــة‪.‬‬
‫* تحذير هام‪:‬‬
‫ينصــح بعــدم أخــذ أي صنــف مــن األدويــة‪ ،‬أثنــاء فــرة الحمــل‪ ،‬إال بعــد استشــارة أهــل التخصــص‬
‫مــن فــرع النســاء والــوالدة‪ ،‬حتــى ولــو كان الــدواء عال ًجــا قــرره طبيــب يف فــرع طبــي آخــر‪،‬‬
‫حيــث إن أمراضً ــا عديــدة تصيــب الجنــن يف رحــم الحامــل بســبب تناولهــا بعــض األدويــة دون‬
‫استشــارة متخصصــة‪ ،‬مــن ذلــك‪ ،‬تأخــر من ـ ّو الجنــن‪ ،‬وضعــف بنيتــه الجســانية‪ ،‬حــدوث آالم‬
‫وأورام يف الرقبــة والكليــة للمولــود‪ ،‬ضعــف األســنان عنــد ظهورهــا عنــد املولــود‪ ،‬انشــقاق ســقف‬
‫الحلــق‪ ،‬ومــن ذلــك مــوت الجنــن يف مراحــل تكونــه وحــدوث اإلجهــاض‪ ،‬حــدوث أورام رسطانيــة‬
‫وتش ـ ّوهات للمولــود يف القلــب والرئــة والعينــن والســاقني ‪ ...‬إلــخ‪.‬‬
‫‪ -‬ينصــح بأخــذ الحامــل عــن طريــق مختــص َم ْصــل ضــد التيتانــوس بعــد الشــهر الرابــع مــن‬
‫الحمــل‪.‬‬
‫‪ -‬ينصــح مبتابعــة األم الحامــل والجنــن متابعــة ط ّبيــة بتوقيــع الكشــف مــرة كل شــهر ابتــداء‬

‫‪216‬‬
‫مــن الشــهر األول حتــى الشــهر الســابع‪ ،‬ثــم الكشــف مرتــن خــال الشــهر الســابع ومرتــن خــال‬
‫الشــهر الثامــن‪ ،‬والكشــف أســبوع ًّيا خــال الشــهر التاســع‪ ،‬وخاصــة يف حالــة الحمــل ألول مــرة أو‬
‫إذا كان هنــاك مــا يدعــو لذلــك‪.‬‬
‫‪ -‬مــن أعـراض الحمــل‪ :‬انقطــاع الحيــض‪ ،‬وامليــل إىل التّقيّــؤ‪ ،‬والكســل والخمــول‪ ،‬والرغبة الشــديدة‬
‫يف النــوم وكرثتــه‪ ،‬والهبــوط العــام مــع الشــعور بال ّدوخــة‪ ،‬وضعــف الشــهية للطعــام‪ ،‬وذلــك كلــه‬
‫يف الشــهور األوىل للحمــل‪.‬‬
‫‪ -‬وينصح برسعة العالج واالتصال بالطبيب أو الطبيبة يف الحاالت اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬القــيء الشــديد واملتكــرر أثنــاء الفــرة األوىل للحمــل والــذي يــؤدي إىل الهبــوط الحــاد ونقــص‬
‫الــوزن بشــكل ملحــوظ؛ ألن األمــر يحتــاج للعــاج‪.‬‬
‫‪ -2‬نزول أي كمية من الدم من املهبل يف أي فرتة من فرتات الحمل‪.‬‬
‫‪ -3‬املغص الشديد والحاد الذي يصحبه آالم يف الظهر خالل أية فرتة من الحمل‪.‬‬
‫‪ -4‬الصداع الشديد الدائم‪.‬‬
‫‪ -5‬تورم القدمني‪.‬‬
‫‪ -6‬الزيادة الكبرية يف الوزن التي تفوق املع ّدل العادي‪.‬‬
‫‪ -7‬الكــر الرسيــع يف حجــم البطــن خاصــة يف الثلــث الثــاين مــن فــرة الحمــل (مــن ‪24 -16‬‬
‫أســبو ًعا) ألن أيًّــا مــن هــذه الحــاالت تــدل عــى حــدوث أمــر غــر طبيعــي عنــد األم الحامــل أو‬
‫للجنــن وقــد يــؤدي ذلــك إىل حالــة اإلجهــاض‪.‬‬
‫‪ -‬يجــب إخبــار الطبيــب أو الطبيبــة واستشــارتها إذا كانــت األم الحامــل لهــا تاريــخ مــريض ســابق‬
‫عــى الحمــل مثــل اإلجهــاض الســابق أو املتكــرر‪ ،‬أو إذا كان هنــاك ارتفــاع يف ضغــط الــدم‪ ،‬أو‬
‫مــرض الســكر‪ ،‬أو حــدوث تس ـ ّمم ســابق بســبب حمــل‪ ،‬أو مــوت الجنــن داخــل الرحــم‪ ،‬أو أن‬
‫والد ًة كانــت يف الشــهر الســابع ملــر ٍة ســابقة‪.‬‬
‫‪ -‬يف بدايــة الحمــل تكــون شــهية األم الحامــل ضعيفــة‪ ،‬وميكــن التغلّــب عــى ذلــك بتنــاول أصنــاف‬
‫مــن الطعــام خفيفــة مثــل البســكويت مــع الشــاي يف الصبــاح عقــب االســتيقاظ‪ ،‬ثــم تنــاول‬

‫‪217‬‬
‫وجبــات قليلــة يف أوقــات متكــررة متقاربــة‪ ،‬أو عنــد الشــعور بالرغبــة يف الطعــام‪ ،‬مــع رشب نصــف‬
‫كيلــو لــن طــازج يوميًّــا كلــا أمكــن‪.‬‬
‫‪ -‬ظاهــرة «ال َو َحــم» ظاهــرة نفســية‪ ،‬وال تــدل عــى احتيــاج طبيعــي للنــوع املشــتهى مــن الطعــام‪،‬‬
‫وعــدم تنــاول أي يشء مــن ذلــك ال أثــر لــه عنــد الحامــل وال عنــد الجنــن‪ ،‬وكل مــا يحكيــه العــوا ّم‬
‫مــن النســاء عــن آثــار ذلــك ال ثبــوت لــه علم ًّيــا وال واقع ًّيــا‪ ،‬وقــد يكــون وراء هــذا ال َو َحــم كَ َوا ِمــن‬
‫نفســية لــدى األم الحامــل‪ ،‬مثــل رغبتهــا يف أن يُهتــم بهــا وتــرى (معزتهــا) عنــد األهــل والــزوج‪،‬‬
‫وقــد ال يقصــد البعــض رصاحـ ًة مثــل ذلــك األمــر‪ ،‬ولكــن االرتبــاط النفــي للســاع عــن هــذا األمر‬
‫منــذ الصغــر يجــد االســتجابة التلقائيــة النفســية عنــد حــدوث الحمــل‪.‬‬
‫‪ -‬يجــب أن يعتنــى بتغذيــة األم الحامــل وتناولهــا الكميــات الالزمــة مــن األطعمــة الربوتينيــة‬
‫والخـراوات الطازجــة والفواكــه الطازجــة‪ .‬والكميــات املطلوبــة بحســب وزن جســم األم الحامــل‪،‬‬
‫فــإذا كان وزنهــا ‪ 70‬ســبعني كيلــو جـرام فإنهــا تحتــاج مــا قيمتــه ‪ 140‬جرا ًمــا مــن الربوتــن يوم ًّيــا‪،‬‬
‫أي لــكل كيلــو جـرام يف الــوزن جرامــان مــن الربوتــن‪ .‬ويبقــى اللــن يف غايــة األهميــة لــأم الحامل‪،‬‬
‫عليهــا إذا مل تكــن تستســيغه أن تضيفــه إىل أي يشء ترشبــه‪ ،‬ألن قلــة اللــن يف الوجبــات يــؤدي‬
‫إىل هشاشــة عظامهــا‪ ،‬األمــر الــذي يســبب لهــا اآلالم يف ظهرهــا وســاقيها وقــد يــؤدي إىل تسـ ّوس‬
‫األســنان وســقوطها‪.‬‬
‫‪ -‬الزيــادة يف وزن األم الحامــل أمــر طبيعــي‪ ،‬ولكــن ينبغــي أال تزيــد طــوال مــدة الحمــل عــن‬
‫‪ 13‬ثالثــة عــر كيلــو جرا ًمــا بالتدريــج‪ ،‬بحيــث يكــون معـ ّدل الزيــادة خــال الصنــف األول ملـ ّدة‬
‫الحمــل حــوايل ‪( 200‬مائتــي) ج ـرام يف األســبوع‪ ،‬ويكــون مع ـ ّدل الزيــادة خــال النصــف الثــاين‬
‫لفــرة الحمــل حــوايل ‪( 500‬خمســائة) جـرام يف األســبوع‪ .‬وال بــد مــن متابعــة الــوزن بدقــة أثنــاء‬
‫الحمــل حتــى ال تكــون هنــاك زيــادة مفرطــة لخطــورة ذلــك عــى األم الحامــل وعــى عمليــة‬
‫الــوالدة‪ ،‬وزيــادة معــدل الــوزن بالخطــورة التــي تكــون لنقصــه أثنــاء فــرة الحمــل‪ .‬ويســاعد عــى‬
‫زيــادة الــوزن تنــاول كميــات مــن الســمن أو الزبــد أو الســكريات أو النشــويّات‪.‬‬
‫‪ -‬مــع زيــادة الــوزن ويف الثلــث األخــر مــن فــرة الحمــل تشــعر األم الحامــل ببعــض اآلالم يف‬
‫أســفل البطــن وأســفل الظهــر‪ ،‬وكذلــك بالســاقني‪ .‬أمــا اإلحســاس بحركــة الجنــن فيبــدأ عنــد البكــر‬

‫‪218‬‬
‫حــوايل األســبوع ‪ 20-18‬مــن بدايــة الحمــل‪ ،‬والتــي تكــرر الــوالدة والحمــل ففــي خــال األســابيع‬
‫‪ 18-16‬مــن بدايــة الحمــل‪.‬‬
‫‪ -‬يجــب عمــل تحليــل كامــل للــدم لالطمئنــان عــى نســبة الهيموجلوبــن‪ ،‬ومعرفــة فصيلــة الــدم‪،‬‬
‫وللتأكــد مــن خلـ ّو األم الحامــل مــن أمـراض الــدم الوراثيــة مثــل الزهــري‪ ،‬وألمـ ٍر هــام جـ ًّدا وهــو‬
‫االطمئنــان عــى املعامــل ‪ ،R.H‬ألن هنــاك نســبة مــن النســاء يوجــد عندهــا هــذا املعامــل والــذي‬
‫يتســبب يف مــوت الجنــن بعــد أول والدة‪ ،‬ويف حالــة وجــوده لــدى األم الحامــل يلــزم أخذهــا‬
‫للحقنــة الالزمــة لذلــك خــال مــدة ‪ 48‬ســاعة مــن الــوالدة‪.‬‬
‫‪ -‬مــن خــال الشــهر األخــر مــن الحمــل ينصــح بغســل حلمتــي الثَّـ ْدي باملــاء والصابــون يوم ًّيــا‪،‬‬
‫مــع تكـرار شــد الحلمــة باإلبهــام والســبابة أثنــاء اليــوم‪ ،‬وذلــك لضــان عــدم اختفائهــا يف طيــات‬
‫الثــدي عنــد الــوالدة‪ ،‬مــا يعــوق عمليــة الرضاعــة بعــد الــوالدة‪.‬‬

‫***‬
‫التأوهات السعيدة للحادث الفريد‬
‫* أيهــا األب الســعيد الــذي وهبــه اللــه تعــاىل الزوجــة التــي تلــد لــك الولــد‪ :‬كــن رحيـ ًـا بزوجتــك‬
‫الحامــل التــي ترتقّــب موعــد الــوالدة بقلــق وخــوف وش ـ ْوق‪ ،‬فهــي تحتــاج منــك إىل املســاندة‪،‬‬
‫والعنايــة الزائــدة‪ ،‬والصــر‪ ،‬وتذكــر أنهــا ســتلد إن شــاء اللــه تعــاىل مــن يحمــل اســمك أنــت دون‬
‫اســمها‪ ،‬وأجرهــا هــي عــى اللــه‪ ،‬فرف ًقــا أيهــا األب الوالــد بزوجتــك‪ ،‬خاصــة يف األشــهر األخــرة مــن‬
‫ـرت –دون‬ ‫الحمــل‪ ،‬ألنهــا ُم ْجهــدة‪ ،‬فهـ ِّون عليهــا‪ ،‬وال تكــن ســب ًبا يف زيــادة قلقهــا‪ ،‬حتــى ولــو قـ ّ‬
‫قصــد طب ًعــا‪ -‬يف خدمتــك أو موانســتك‪ ،‬فــا تعاتبهــا وال تطالبهــا بــكل مــا تحــب مــن واجباتهــا‬
‫نحــوك‪ ،‬أو نحــو البيــت‪.‬‬
‫* أمــا أنــت أيهــا األم الحامــل‪ :‬فــا تــرد ّدي يف القيــام باألعــال املنزليــة والواجبــات الزوجيــة مــا‬
‫أمكنــك‪ ،‬فــإن كــرة الحركــة واملــي يفيــد عمليــة الــوالدة ويسـ ّهلها‪ ،‬وال تتخـ ّويف مــن الــوالدة فإنــك‬
‫مؤهلــة بالفطــرة لهــا‪ ،‬وتذكــري أن املاليــن مــن أمثالــك يلــدن كل يــوم‪ ،‬وتيقّنــي أيضً ــا أن زوجــك‬

‫‪219‬‬
‫يحبــك ج ـ ًّدا ويخــاف عليــك حتــى وإن مل يــرح بذلــك كعــادة الرجــل‪ .‬وتذكــري دامئًــا أن اللــه‬
‫معــك دامئًــا‪ ،‬وأن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم يبــرِّ ك بالبرشيــات العظيمــة‪ ،‬فقــد روى الطـراين‬
‫بســنده «أن ســامة حاضنــة إبراهيــم ابــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قالــت‪ :‬يــا رســول اللــه‪،‬‬
‫دس ْس ـ َنك لهــذا؟ قالــت‪ :‬أجــل‪،‬‬ ‫تبــر الرجــال بــكل خــر وال تبــر النســاء؟ قــال‪ :‬أَ ُص َو ْي ِح َباتِــك َ‬
‫اض‪،‬‬‫ُه ـ َّن أَ َم ْرنَنــي‪ ،‬قــال‪ :‬أفــا تــرىض إحداكــن أنهــا إذا كانــت حامـ ًـا مــن زوجهــا وهــو عنهــا ر ٍ‬
‫أن لهــا مثــل أجــر الصائــم القائــم يف ســبيل اللــه؟ فــإذا أصابهــا الطلْــق مل يعلــم أهــل الســاء‬
‫وأهــل األرض مــا أُخفــي لهــا مــن قــرة أعــن‪ ،‬فــإذا وضعــت مل يخــرج منهــا جرعــة مــن لبنهــا‪ ،‬ومل‬
‫ـص مصــة إال كان لهــا بــكل جرعــة‪ ،‬وبــكل مصــة حســنة‪ ،‬فــإن أســهرها ليلـ ًة كان لهــا مثــل أجــر‬ ‫ُيَـ َّ‬
‫ســبعني رقبــة تعتقه ـ ّن يف ســبيل اللــه» رواه الط ـراين ورواتــه كلهــم ثقــات‪ ،‬كــا روى الط ـراين‬
‫أيضً ــا عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم «املــرأة يف حملهــا إىل وضعهــا إىل قضائهــا‪ ،‬كاملرابــط‬
‫يف ســبيل اللــه» فــأي خــر أنــت عليــه أيتهــا الحامــل للخــر؟ َغ ِن َيم ـ ٌة تغنمهــا كل امــرأة تؤمــن‬
‫باللــه العظيــم‪ ،‬طــوال الليــل والنهــار‪ ،‬وهــي نامئــة ومســتيقظة منــذ أن قـ ّدر اللــه تعــاىل الحيــاة يف‬
‫النطفــة التــي اســتقرت يف رحمهــا‪ ،‬وحتــى يســتغني عنهــا طفلهــا‪ ،‬إنهــا األرزاق واملواهــب الربانيــة‬
‫الكرميــة للنســاء الوالــدات الضعيفــات املؤمنــات املرضيــات للــه ثــم ألزواجهــن‪.‬‬
‫* يــوم الوضــع والــوالدة لــه مق ّدمــات وعالمــات‪ ،‬فيعــرف اقـراب موعــد الــوالدة عندمــا يحــدث‬
‫للحامــل آالم أســفل البطــن وأســفل الظهــر‪ ،‬وبانتظــام مــع االزديــاد املســتمر والتتابــع كلــا تقــدم‬
‫الوقــت‪ ،‬ثــم يتــم نــزول –العالمــة‪ -‬وهــي عبــارة عــن كتلــة مخاطيــة صغــرة مدممــة –أي يعلــق‬
‫بهــا نقــط مــن الــدم‪ -‬ويعنــي ذلــك أن عنــق الرحــم قــد فُتــح اســتعدا ًدا لنــزول الجنــن‪ ،‬نعــم إن‬
‫الجنــن الــذي تكـ ّون ومنــا و ُح ِفــظ يف الرحــم الــذي كان لــه قـرار مكــن‪ ،‬قــد أذن الــذي َصـ ّوره يف‬
‫أحســن تقويــم ســبحانه وتعــاىل أن يخــرج إىل الحيــاة مــن بــاب عنــق الرحــم‪ ،‬وقــد تــم فتحــه‬
‫ليخــرج املولــود عــى هيئــة الســاجدين‪ ،‬وجهــه نحــو األرض وجســمه عــى هيئــة الســاجد‪ ،‬وأول‬
‫ـتهالل‪ ،‬وهــو صــوت يخرجــه بقــوة عــى شــكل صيحة أو‬ ‫حــدث وفعــل يف حيــاة املولــود يُ َسـ ّمى اسـ ً‬
‫عطســة‪ ،‬وكأنــه يســبح بلغتــه أن ال إلــه إال اللــه‪ ،‬وهــذا االســتهالل هــو أمــارة حيــاة املولــود‪ ،‬يقــول‬
‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬ال يــرث الصبــي حتــى يســتهل صار ًخــا‪ ،‬واســتهالله أن يصيــح أو‬

‫‪220‬‬
‫يبــي أو يعطــس» رواه الطـراين‪.‬‬
‫‪ -‬تســتغرق الــوالدة بالنســبة للبكــر‪ ،‬مــن بــدء أع ـراض الــوالدة حــوايل ‪ 24-16‬ســاعة‪ ،‬وبالنســبة‬
‫ملــن تكــررت والدتهــا مــن ‪ 10-6‬ســاعات‪.‬‬
‫‪ -‬ينصــح أن تغتســل األم الحامــل باملــاء الدافــئ عنــد بدايــة الشــعور بــآالم الــوالدة‪ ،‬مــع تنظيــف‬
‫منطقــة الــرج واملهبــل مبط ّهــر موضعــي مثــل (البيتاديــن)‪.‬‬
‫‪ -‬مــع اللحظــة األوىل الســتقبال املولــود‪ ،‬يتــم تنظيفــه‪ ،‬ويــرع يف تقدميــه لــأم الوالــدة لتضعــه‬
‫يف حضنهــا وتلقمــه الثــدي‪ ،‬ويفضــل أال نطعمــه شــيئًا آخــر حتــى لــو كانــت األم الوالــدة منهكــة‪،‬‬
‫ولــو ملــدة ســاعتني‪.‬‬
‫‪ -‬ينصــح بــأن تــرب األم الوالــدة بعــد الــوالدة بعــض املرشوبــات الدافئــة‪ ،‬ليســاعدها عــى‬
‫النشــاط والحيويــة‪ ،‬ومــن أجــل إدرار اللــن للرضيــع‪.‬‬
‫‪ -‬ينبغــي أن تكــون مالبــس األم الوالــدة‪ ،‬واملولــود‪ ،‬واســعة فضفاضــة‪ ،‬وأن يدهــن جســم املولــود‪،‬‬
‫بعــد تنظيفــه بزيــت اللــوز‪ ،‬وأن يقطــر يف عينيــه قطــرة (فينيكــول)‪.‬‬
‫‪ -‬تبــدأ األم الوالــدة يف عمــل تدريبــات رياضيــة‪ ،‬بعــد الــوالدة بأربــع وعرشيــن ســاعة‪ ،‬وخاصــة‬
‫تدريبــات تقويــة عضــات البطــن خوفًــا مــن َّ‬
‫التهــل‪.‬‬
‫* مــن األمــور الرشعيــة التــي يجــب أن نحافــظ عليهــا‪ ،‬ملــا فيهــا مــن فوائــد‪ :‬التأذيــن وقــت والدة‬
‫املولــود بصــوت منخفــض يف أذن املولــود‪ ،‬قــال أبــو رافــع مــوىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم‪« :‬رأيــت رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم أ ّذن يف أذن الحســن بــن عــي‪ ،‬حــن ولدتْــه‬
‫فاطمــة ريض اللــه عنهــا» رواه الرتمــذي وأبــو داود‪ ،‬وزاد رزيــن يف كتابــه «وقــرأ يف أذنــه ســورة‬
‫رس التأذيــن –واللــه أعلــم‪ -‬أن‬ ‫اإلخــاص‪َ ،‬و َح ّنكــه بتمــرة َو َسـ َّـاه»‪ ..‬قــال ابــن قيــم الجوزيــة‪ :‬و ُّ‬
‫يكــون أول مــا يقــرع ســمع اإلنســان كلامتــه املتضمنــة للكربيــاء والعظمــة للــرب‪ ،‬والشــهادة التــي‬
‫أول مــا يدخــل بهــا اإلســام‪ ،‬فــكان ذلــك كالتلقــن لــه شــعار اإلســام عنــد دخولــه إىل الدنيــا‪ ،‬كــا‬
‫يل ّقــن كلمــة التوحيــد عنــد خروجــه منهــا‪ ،‬وغــر مســتنكر وصــول أثــر التأذيــن إىل قلبــه وتأثــره‬
‫بــه وإن مل يشــعر‪ ،‬مــع مــا يف ذلــك مــن فائــدة أخــرى‪ ،‬وهــي هــروب الشــيطان مــن كلــات‬
‫التأذيــن‪ ،‬وهــو الــذي كان يرصــده حتــى يولــد فيقارنــه للمحنــة التــي ق ّدرهــا اللــه وشــاءها‪،‬‬

‫‪221‬‬
‫فيســمع شــيطانه مــا يصفعــه ويغيظــه أول أوقــات تعلقــه بــه‪ ،‬وفيــه معنــى آخــر‪ ،‬وهــو أن تكــون‬
‫دعوتــه إىل اللــه وإىل دينــه اإلســام وإىل عبادتــه‪ ،‬ســابقة عــى دعــوة الشــيطان‪ ،‬كــا كانــت فطــرة‬
‫اللــه التــي فطــر النــاس عليهــا ســابقة عــى تغيــر الشــيطان لهــا ونقلــه عنهــا‪ ،‬ولغــر ذلــك مــن‬
‫الحكــم‪.‬‬
‫أقــول‪ :‬إن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فعــل ذلــك مـرا ًرا‪ ،‬بــل أمــر بذلــك‪ ،‬فعنــد أيب داود وكــا‬
‫رواه الطـراين «أن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم أ َّذن يف أذن الحســن والحســن حــن ُولــدا وأمــر‬
‫به»‪.‬‬
‫***‬
‫ريح الولد من ريح اجلنة‬
‫* لقــد أصبحــت األم الحامــل والــدة‪ ،‬وأصبــح الــزوج أبًــا ملولــود‪ ،‬ولقــد ترتــب عــى هــذا الحــادث‬
‫الســعيد مســؤوليات وحقــوق وواجبــات‪ ،‬ولقــد انقطــع الشـ ْوق والرتقّــب للمولــود برؤيتــه‪ ،‬ولقــد‬
‫وس ـلِ َم املولــود و ُعوفيــت‬ ‫وجــب شــكر الواهــب عــى هبتــه وعظيــم عطائــه‪ ،‬ولقــد َم ـ َّن اللــه َ‬
‫الوالــدة‪ ،‬فبــن يــدي الوالديــن اآلن يشء قريــب العهــد بالرحمــن واملــأ األعــى‪ ،‬فقــد روى الطـراين‬
‫يف املعجــم الصغــر ويف املعجــم األوســط عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬ريــح الولــد‬
‫ـر الشــوق الفطــري لبنــي آدم للجنــة وملوطــن األرواح حيــث‬ ‫مــن ريــح الجنــة» ولعــل ذلــك يفـ ّ‬
‫يق ـ ّرب اإلنســان املولــود والطفــل إىل أنفــه فيش ـ ّمه‪ ،‬وقــد كان يفعــل ذلــك رســول اللــه صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم «أخــذ رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم ابنــه إبراهيــم فق ّبلــه وش ـ ّمه»‬
‫رواه البخــاري ومســلم وكان يقــول صــى اللــه عليــه وســلم لفاطمــة ريض اللــه عنهــا «ادعــي يل‬
‫ابنــي‪ ،‬فيش ـ ّمهام ويضمهــا إليــه» رواه الرتمــذي‪ .‬ولقــد بلــغ حــب ســيدنا يعقــوب البنــه ســيدنا‬
‫يوســف أن َو َعــت حافظتــه ريــح يوســف‪ ،‬قــال اللــه عــز وجــل‪{ :‬ا ْذ َه ُبــوا ِب َق ِميـ ِـي َهـذَا فَأَلْ ُقــو ُه‬
‫ـال أَبُو ُه ـ ْم إِنِّ‬ ‫ـون ِبأَ ْهلِ ُك ـ ْم أَ ْج َم ِع ـ َن (‪َ )93‬ولَـ َّـا ف ََصلَـ ِ‬
‫ـت الْ ِع ـ ُر قَـ َ‬ ‫َعـ َـى َو ْج ـ ِه أَ ِب يَ ـأْ ِت بَ ِص ـ ًرا َوأْتُـ ِ‬
‫ـي الفــرح باملولــود‪ ،‬شــكر‬ ‫وسـ َـف لَـ ْو َل أَ ْن ت ُ َف ِّنـ ُدونِ } [يوســف‪ .]94 ،93 :‬فيجــب أال يُ ْنـ ِ‬ ‫ـح يُ ُ‬ ‫لَ َ ِجـ ُد رِيـ َ‬
‫اللــه وحمــده عــى املولــود وعــى ســامة الوالــدة‪ ،‬فقــد علمنــا صاحــب امللّــة الحنيفيــة ســيدنا‬

‫‪222‬‬
‫إبراهيــم عليــه وعــى نبينــا الصــاة والســام أن نفعــل ذلــك‪ ،‬حيــث يقــول اللــه عــز وجــل عــى‬
‫ـر إِ ْسـ َـا ِع َيل َوإِ ْس ـ َح َاق إِ َّن رَبِّ ل ََس ـ ِمي ُع ال ُّد َعــا ِء}‬ ‫لســانه‪{ :‬الْ َح ْم ـ ُد لِلَّ ـ ِه الَّـ ِـذي َو َهـ َ‬
‫ـب ِل َعـ َـى الْ ِكـ َ ِ‬
‫[إبراهيــم‪.]39 :‬‬
‫* مــن األفعــال املســنونة يف رشيعتنــا تحنيــك املولــود‪ ،‬وهــو عبــارة عــن مضــغ متــرة جيـ ًدا بحيــث‬
‫تختلــط بلعــاب الــذي يقــوم بهــذا األمــر‪ ،‬ثــم أخــذ يشء مــن ذلــك اللّعــاب عــى باطــن اإلصبــع‬
‫السـبّابة وميســح بــه حنــك الطفــل املولــود مــع الدعــاء لــه‪ .‬عــن عائشــة ريض اللــه عنهــا قالــت‪:‬‬ ‫ّ‬
‫«خرجــت أســاء بنــت أيب بكــر‪ ،‬حيــث هاجــرت وهــي ُح ْبــى بعبــد اللــه بــن الزبــر‪ ،‬فقدمــت‬
‫ُقبــاء فنفســت بعبــد اللــه بقبــاء‪ ،‬ثــم خرجــت حــن ن ِف َســت إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم ليح ّنكــه‪ ،‬فأخــذه رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فوضعــه يف حجــره‪ ،‬قالــت عائشــة‪:‬‬
‫فمكثنــا ســاعة نلتمســها –يعنــي التمــرة‪ -‬قبــل أن نجدهــا‪ ،‬فمضغهــا يف فيــه‪ ،‬فــأ َّول يشء دخــل‬
‫بطنــه لريــق رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬قالــت أســاء‪ :‬ثــم مســحه وصــى عليــه‬
‫وسـ ّـاه عبــد اللــه» رواه البخــاري ومســلم‪ ،‬ونَ ِف َســت‪ ،‬أي ولــدت فهــي نُف ََســاء‪ .‬وصــى عليــه‪ :‬أي‬
‫دعــا لــه‪ .‬وعــن عــي بــن أيب طالــب ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬ملّــا ُولــد الحســن ســميته حربًــا‪ ،‬وكنــت‬
‫أحــب أن أكتنــى بــأيب حــرب‪ ،‬فجــاء النبــي صــى اللــه علهــي وســلم فح ّنكــه فقــال‪ :‬مــا ســميتم‬
‫ابنــي؟ فقلنــا‪ :‬حربًــا‪ ،‬فقــال‪ :‬هــو الحســن‪ ،‬ثــم ُولــد الحســن فســميته حربًــا‪ ،‬فــأىت النبــي صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم فح ّنكــه فقــال‪ :‬مــا ســميتم ابنــي؟ فقلنــا حربًــا‪ ،‬فقــال‪ :‬هــو الحســن» رواه البـزار‬
‫والط ـراين وأحمــد ورجالهــم رجــال الصحيــح‪.‬‬
‫* ويُختــار للمولــود اســم جميــل ينــادى بــه يف الدنيــا وأمــام الخلــق يــوم القيامــة‪ ،‬وقــد رأينــا يف‬
‫الحديثــن الســابقني أن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم ســمى عبــد اللــه بــن الزبــر‪ ،‬والحســن‬
‫والحســن ابنــي عــي وفاطمــة ريض اللــه عنهــم‪ .‬وقــال صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬إن مــن حــق‬
‫الولــد عــى الوالــد أن ُي ْحســن اســمه‪ ،‬وأن يحســن أدبــه» رواه الب ـزار‪ .‬بــل إن الحــس الجــايل‬
‫عنــد املســلم وتفاؤلــه الدائــم ليجعــل شــعوره مرهفًــا نحــو كل اســم ألي يشء‪ ،‬فقــد جــاء يف‬
‫الحديــث «أن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم َمـ َّر بــأرض يُقــال لهــا‪َ :‬غــدْ رة فسـ ّـاها خــرة» رواه‬
‫أبــو يعــى والطـراين ورجــال ســند أيب يعــى رجــال الصحيــح‪ .‬وعــن عبــد الرحمــن بــن ســرة ريض‬

‫‪223‬‬
‫اللــه عنــه قــال‪« :‬أتيــت النبــي صــى اللــه عليــه وســلم مــع أيب وأنــا غــام‪ ،‬فقــال لــه النبــي صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم‪ :‬مــا اســم ابنــك هــذا؟ قــال‪ :‬اســمه عزيــز‪ ،‬فقــال لــه النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم‪ :‬ولكــن سـ ِّمه عبــد الرحمــن فــإن أحــب األســاء إىل اللــه‪ :‬عبــد اللــه وعبــد الرحمــن» رواه‬
‫الطـراين وإســناد رجالــه رجــال الصحيــح‪ .‬وعــن ســهل بــن ســعد ريض اللــه عنــه «أن رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم أىت باملنــذر بــن أيب أســيد حــن ولــد‪ ،‬فوضعــه عــى فخــذه‪ ،‬وأبــو أســيد‬
‫جالــس‪ ،‬فلهــى رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم بــيء كان بــن يديــه‪ ،‬فأمــر أبــو أســيد بابنــه‬
‫فاحتمــل مــن عــى فخــذ النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فقلبــوه‪ ،‬فاســتفاق رســول اللــه صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬مــا اســمه؟ قــال‪ :‬فــان‪ ،‬قــال‪ :‬ال‪ ،‬ولكــن اســمه املنــذر‪ ،‬فسـ ّـاه يومئــذ‬
‫املنــذر» رواه البخــاري ومســلم‪ .‬ثــم لنســمع هــذا الخــر الهــام والتوجيــه الكريــم مــن رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم حيــث قــال‪« :‬إنكــم تُدْ َعــون يــوم القيامــة بأســائكم وأســاء آبائكــم‪،‬‬
‫فأحســنوا أســاءكم» رواه أبــو داود‪.‬‬
‫* ويســتحب أن يك ّنــى الوالــد والوالــدة باســم أكــر األوالد‪ ،‬فعــن رشيــح بــن هانــئ ريض اللــه عنــه‬
‫عــن أبيــه ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬ملــا َوفَــد أيب رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم إىل املدينــة مــع‬
‫قومــه‪ ،‬ســمعهم يك ّنونــه بــأيب الحكــم‪ ،‬فدعــاه رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬إن اللــه‬
‫هــو الحكــم وإليــه الحكــم‪ ،‬فلــم تك ّنــى أبــا الحكــم؟ فقــال‪ :‬إن قومــي إذا اختلفــوا يف يشء أتــوين‬
‫فحكمــت بينهــم فــريض كال الطرفــن بحكمــي‪ ،‬فقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬مــا‬
‫أحســن هــذا‪ ،‬فــا لــك مــن الولــد؟ قــال‪ :‬يل رشيــح‪ ،‬ومســلم‪ ،‬وعبــد اللــه‪ ،‬قــال‪ :‬فمــن أكربهــم؟‬
‫قــال‪ :‬قلــت‪ :‬رشيــح‪ ،‬قــال‪ :‬فأنــت أبــو رشيــح» رواه النســايئ وأبــو داود‪ .‬فالســنة تدعــو الختيــار‬
‫االســم الحســن‪ ،‬بــل وتغيــر االســم غــر الحســن إىل األحســن‪ ،‬وأن مــن املســتحب أن يكــون للوالــد‬
‫كنيــة‪ ،‬وأن يكنــى باســم أكــر األوالد‪ ،‬وحتــى ال يكــون اختيــار التكنيــة بغــر اســم االبــن األكــر يشء‬
‫يف نفــس باقــي األوالد‪.‬‬
‫‪ -‬عــن عائشــة ريض اللــه عنهــا قالــت‪« :‬قلــت‪ :‬يــا رســول اللــه كل َص َواحبــي لهــن كُ ّنــى‪ ،‬قــال‪:‬‬
‫فاكتنــي بابنــك عبــد اللــه بــن الزبــر‪ ،‬فكانــت تك َّنــى‪ :‬أم عبــد اللــه» رواه أبــو داود‪ ،‬وعبــد اللــه‬
‫ابــن الزبــر هــو ابــن أســاء بنــت أيب بكــر أخــت عائشــة ريض اللــه عنهــم‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫ضعيفة خرجت من ضعيفة ‪ ..‬القيِّم عليها ُمعان إىل يوم القيامة‬
‫* مــن األمــور التــي يرتقّبهــا ويتشـ ّوق ملعرفتهــا األب الوالــد‪ ،‬وكذلــك األم الحامــل ومــن يهمــه أمــر‬
‫الحمــل‪ ،‬هــو معرفــة مــا إذا كان املولــود ذك ـ ًرا أم أنثــى؟ وهــذا أمــر شــائع عنــد معظــم النــاس‬
‫وإن كانــت رغباتهــم ألي مــن النوعــن تختلــف‪ ،‬وســبحان اللــه الــذي اختــص بالعلــم والخلــق‬
‫للذكــر واألنثــى‪ ،‬ولــو تص ّورنــا أن هــذا األمــر مــروك لرغبــات البــر‪ ،‬وأنهــم هــم الذيــن يحـ ّددون‬
‫نــوع الولــد الــذي يرغبــون فيــه لتوقفــت الحيــاة البرشيــة‪ ،‬أو قــل ألصبــح األمــر معضلــة فــوق‬
‫التصـ ّور‪ ،‬فاللــه عــز وجــل هــو الــذي يصـ ّور يف األرحــام مــا يشــاء‪ ،‬وهــو ســبحانه الــذي يعلــم مــا‬
‫يف األرحــام علـ ًـا محيطًــا بتدبــر الوجــود كلــه‪ ،‬فربغــم أحــداث الحيــاة مــن مــوت وميــاد تظــل‬
‫النســبة التــي تنتظــم بهــا الحيــاة محافظًــا عليهــا‪ ،‬وذكــرين ذلــك بــدرس للشــيخ املطيعــي رحمــه‬
‫اللــه قــال فيــه‪ :‬إن مــن عجائــب القــدرة أن نجــد ذكــر الفـراخ الروميــة كثــر ونجــد إناثــه قليلــة‪،‬‬
‫ألن النــاس تعـ ّودوا أكــر الذكــور‪ ،‬ويف نفــس الوقــت نجــد إنــاث الفـراخ البلــدي كثــرة والديــوك‬
‫قليلــة ألن النــاس تعـ ّودوا أكل إناثهــا أكــر مــن الديــوك‪.‬‬
‫ـك‪ ،‬ذكـ ًرا أو أنثــى‪ ،‬واشــكري‬ ‫* وأنــت أيتهــا األم الحامــل‪ ،‬أو األم الوالــدة‪ :‬عليــك بقبــول هبــة اللــه لـ ِ‬
‫اللــه تعــاىل‪ ،‬واعلمــي أن الخــر فيــا قـ ّدره اللــه‪ ،‬وليــس الخــر فيــا ترغبــن فيــا يخالــف تقديــره‬
‫الحكيــم‪ ،‬وقــد قــال تعــاىل يف محكــم التنزيــل { َآبَا ُؤكُ ـ ْم َوأَبْ َنا ُؤكُ ـ ْم لَ تَ ـ ْد ُرو َن أَيُّ ُه ـ ْم أَقْ ـ َر ُب لَ ُك ـ ْم‬
‫نَ ْف ًعــا} [النســاء‪ ]11 :‬فالولــد ِع ـ ّز مل يكــن والبنــت بركــة لألهــل‪ .‬يقــول النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫ـزف الربكــة ز ًفــا‪ ،‬يقــول‪ :‬ضعيفــة‬ ‫وســلم‪« :‬إذا ُولــدت الجاريــة بعــث اللــه عــز وجــل إليهــا ملـكًا يـ ّ‬
‫خرجــت مــن ضعيفــة‪ ،‬ال َق ّيــم عليهــا ُمعــان إىل يــوم القيامــة» رواه الطـراين‪ ،‬هكــذا تكــون البنــت‬
‫ألهلهــا بركــة يزفهــا إليهــم ملــك مــن الســاء‪ ،‬وأن هــذا أمــر دائــم إىل يــوم القيامــة‪ ،‬بــل يحـذّر‬
‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم مــن كراهــة البنــات ويدعــو لحبهــم والفــرح بهــن‪ ،‬وكان صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم يحــب بناتــه ح ًّبــا عظيـ ًـا ويقــول‪« :‬ال تكرهــوا البنــات‪ ،‬فإنهــن املؤنســات الغاليــات»‬
‫رواه أحمــد والط ـراين وإســناده حســن‪ .‬نَ َعــم إنهــن املؤنســات يف الدنيــا بعــد اإلميــان‪ ،‬وال أنــس‬
‫ـن عــن بيــت أصبــح قريبًــا مــن القــر‪.‬‬ ‫يف الدنيــا كاألنــس باملــرأة‪ ،‬ونَ َعــم‪ ،‬إنهــن الغاليــات لــو غـ ْ َ‬
‫وقــال صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬مــن كانــت لــه أنثــى‪ ،‬فلــم يئدهــا ومل يهنهــا ومل يؤثــر عليهــا‬

‫‪225‬‬
‫ولــده‪ ،‬يعنــي الذكــور عليهــا‪ ،‬أدخلــه اللــه الجنــة» رواه أبــو داود‪ ،‬فالبنــت ســبب لدخــول الجنــة‬
‫فكيــف ال يفــرح لهــا؟ وقــال أيضً ــا صــى اللــه عليــه وســلم‪َ « :‬مــن كان لــه ثــاث بنــات يؤدبهــن‪،‬‬
‫ويرحمهــن‪ ،‬ويكفلهــن‪ ،‬وجبــت لــه الجنــة‪ ،‬قيــل‪ :‬يــا رســول اللــه فــإن كانتــا اثنتــن؟ قــال‪ :‬وإن‬
‫كانتــا اثنتــن‪ ،‬قــال‪ :‬فــرأى بعــض القــوم أن لــو قــال واحــدة لقــال واحــدة» رواه أحمــد والب ـزار‬
‫والط ـراين وزاد «ويزوجهــن» وإســناد أحمــد جيــد‪ .‬وقــال أيضً ــا صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬مــن‬
‫كانــت لــه ابنــة فأدبهــا وأحســن أدبهــا وعلمهــا وأحســن تعليمهــا وأوســع عليهــا مــن نعــم اللــه‬
‫التــي أوســع عليــه‪ ،‬كانــت لــه منعــة وسـ ًرا مــن النــار» رواه الطـراين‪ ،‬فهــل هنــاك مطمــع فــوق‬
‫النجــاة مــن النــار ثــم دخــول الجنــة؟ إن البنــات وخلفتهــا قــد جمعــت غايــة العبــادة يف الدنيــا‬
‫للعبــد املوفّــق بســببهن‪ .‬حتــى ولــو كــن أخــوات ولســن أوالد فالقيــام عليهـ ّن يعطــي العبــد نفــس‬
‫األجــر والجـزاء‪ ،‬يقــول النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪َ « :‬مـ ْن كانــت لــه أختــان فأحســن إليهــا يف‬
‫صحبتهــا دخلــت بهــا الجنــة» رواه ابــن ماجــة وأحمــد‪ .‬ويقــول أيضً ــا صــى اللــه عليــه وســلم‪:‬‬
‫«مــن أنفــق عــى ابنتــن أو أختــن أو ذي قرابــة‪ ،‬يحتســب النفقــة عليهــا حتــى يغنيهــا مــن‬
‫فضــل اللــه‪ ،‬أو يكفيهــا‪ ،‬كانتــا سـ ًرا لــه مــن النــار» رواه أحمــد والطـراين‪.‬‬
‫‪ -‬وأمــا مــن وهبــه اللــه تعــاىل الولــد‪ ،‬فــا أعظــم وص ًفــا لهــذا العطــاء مــن رســول اللــه صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم وهــو يقــول‪« :‬مــا ُولــد يف أهــل بيــت غــام إال أصبــح فيهــم عـ ٌّز مل يكــن» رواه‬
‫الطـراين ورجالــه ثقــات‪ ،‬وقولــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬إذا نظــر الوالــد إىل ولــده فـرَّه كان‬
‫للوالــد عتــق نســمة‪ ،‬قيــل‪ :‬يــا رســول اللــه وإن نظــر ثالمثائــة وســتني نظــرة؟ قــال‪ :‬الله أكــر» رواه‬
‫الطـراين يف الكبــر وإســناده حســن‪ ،‬أي اللــه أكــر يف عطائــه للعبــد مــا تتو ّهمــون وتســتعظمون‪،‬‬
‫فاللــه أكــر وللــه الحمــد يف الدنيــا واآلخــرة‪ ،‬واجعــل اللهــم اإلســام منتهــى رضائنــا وأوزعنــا شــكر‬
‫نعمــك‪.‬‬
‫***‬

‫‪226‬‬
‫كل غالم رهينة بعقيقته‬
‫* العقيقــة اســم الذبيحــة التــي تذبــح للــه باســم املولــود عنــد الــوالدة يــوم الســابع‪ ،‬ويســتحب‬
‫أن يجتمــع األهــل واملعــارف عــى هــذا الطعــام لزيــادة األلفــة‪ ،‬والتَّيامــن والبــرى باملولــود‬
‫والدعــوة لــه‪ ،‬وفعــل ذلــك مــن ســنن الهــدى التــي رشعهــا اإلســام‪ ،‬فيجــب املحافظــة عــى فعلهــا‬
‫ـر مــن الطعــام إذا مل يقــدر عــى ذبــح الذبائــح‪ ،‬ويفضــل الذبــح عنــد املقــدرة فيــا بعــد‪،‬‬ ‫مبــا تيـ ّ‬
‫كــا أن الســنة أن يتصــدق بقــدر وزن شــعر املولــود ذه ًبــا أو فضــة‪ ،‬وهــو يف الحقيقــة قــدر ضئيــل‬
‫نــزر لضآلــة شــعر املولــود‪ ،‬وكذلــك مــن الســنة إزالــة شــعر املولــود ودهــن رأســه بــأي نــوع مــن‬
‫الطيــب‪ ،‬وكل هــذه األفعــال ثابتــة رش ًعــا والحكمــة فيهــا قــد تــدرك وقــد ال تــدرك بالعقــل‪ ،‬والخــر‬
‫كلــه يف اتبــاع هــدي النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ .‬روت عائشــة ريض اللــه عنهــا قالــت‪« :‬عـ َّـق‬
‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم عــن الحســن والحســن‪ ،‬شــاتني‪ ،‬شــاتني‪ ،‬يــوم الســابع‪ ،‬وأمــر‬
‫أن ُيــاط عــن رأســه األذى‪ ،‬وقــال‪ :‬اذبحــوا عــى اســمه وقولــوا‪ :‬بســم اللــه‪ ،‬اللــه أكــر‪ ،‬منــك ولــك‪،‬‬
‫هــذه عقيقــة فــان‪ ،‬قــال‪ :‬وكانــوا يف الجاهليــة تؤخــذ قطنــة فتجعــل يف دم العقيقــة ثــم توضــع‬
‫عــى رأســه‪ ،‬فأمــر رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم أن يجعــل موضــع الــدم خلو ًقــا» رواه‬
‫أبــو يعــى والب ـزار ورجالــه رجــال الصحيــح‪ .‬والخلــوق‪ :‬نــوع مــن الطيــب والذبــح للولــد شــاتان‬
‫عنــد القــدرة‪ ،‬فــا يكلــف اللــه بغــر املســتطاع‪ ،‬ولذلــك فقــد جــاءت بعــض األحاديــث مطلقــة‬
‫وغــر مقيــدة بقــدر عــدد املذبــوح‪ ،‬وجــاءت أحاديــث أخــرى أن للولــد شــاة واحــدة‪ ،‬فعــن عــي‬
‫بــن أيب طالــب ريض اللــه عنــه‪« :‬أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم عـ َّـق عــن الحســن بشــاة‪،‬‬
‫وقــال‪ :‬يــا فاطمــة احلقــي رأســه‪ ،‬وتصدقــي بزنــة شــعره فضــة‪ ،‬قــال‪ :‬فوزنّــاه‪ ،‬فــكان وزنــه درهـ ًـا‬
‫أو بعــض درهــم» رواه الرتمــذي‪ .‬ويف الحديــث الــذي رواه البخــاري وأبــو داود والرتمــذي والنســايئ‬
‫عنــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬مــع الغــام عقيقتــه‪ ،‬فأهريقــوا عنــه د ًمــا‪ ،‬وأميطــوا عنــه األذى»‪.‬‬
‫‪ -‬ولعــل بعــض الحكمــة يف فعــل هــذه العقيقــة‪ ،‬قــد يفهــم مــن حديــث رســول اللــه صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم فيــا رواه أبــو داود والرتمــذي والنســايئ وهــو حديــث صيــح قــال رســول اللــه صــى‬

‫‪227‬‬
‫اللــه عليــه وســلم‪« :‬كل غــام رهينــة بعقيقتــه‪ ،‬تذبــح عنــه يوم الســابع‪ ،‬ويحلق رأســه‪ ،‬ويسـ ّمى»‬
‫قــال اإلمــام الخطــايب‪ :‬قــال اإلمــام أحمــد بــن حنبــل يف معنــى رهينــة‪ :‬هــذا يف الشــفاعة‪ ،‬يريــد أنــه‬
‫إذا مل يعــق عنــه فــات طفـ ًـا‪ ،‬مل يشــفع يف والديــه‪.‬‬
‫‪ -‬ال مينــع مــن تســمية املولــود يف أي وقــت‪ ،‬كــا ال مينــع فعــل العقيقــة يف غــر يــوم الســابع ولكــن‬
‫األكمــل فعــل ذلــك‪ ،‬وقالــوا‪ :‬يســتحب ملــن فاتــه يــوم الســابع أن يفعلهــا بعــد ســبعة أيــام أخــرى‪،‬‬
‫ثــم ســبعة أخرى‪.‬‬
‫***‬

‫‪228‬‬
‫ة‬ ‫لش ة‬
‫ا ع �ر� الط ي� ب��‬ ‫‪3‬‬
‫[مع األوالد وتربيتهم]‬
‫* املخلــوق البــري يحتــاج إىل أطــول فــرة مــن الرعايــة واالعتــاد عــى‬
‫غــره‪.‬‬
‫* األم املرضعــة هــي أحنــا إنســان عــى املولــود بدليــل الكتــاب والســنة‬
‫وواقــع النــاس‪.‬‬
‫* الحضانة لألم‪ ،‬ولبنها له حكم رشعي يف التحريم‪.‬‬
‫* اللذة واألمل هام املحرك األول لسلوك اإلنسان‪.‬‬
‫* نوم الرضيع وجوعه ورصاخه لها أسباب‪.‬‬
‫يعب بها‪ ،‬ورصاخه قد يكون من شدّ ة ذكائه‪.‬‬ ‫* الرضيع له لغة ّ‬
‫* الذاتية املفرطة عند الطفل فطرة تقوى وتضعف‪ ،‬وأمرها يُ َتدارك‪.‬‬
‫* مــاذا يعنــي ميــاد طفــل يف أرسة لديهــا أطفــال؟ وهــل يغــر الصغــار‬
‫والكبــار؟‬
‫* متــى يكتســب الطفــل الثقــة يف نفســه ويف اآلخريــن؟ وأثــر العالقــات‬
‫االجتامعيــة داخــل أرسة‪.‬‬
‫* الخطأ والصواب عند الصغري‪ ،‬وشعوره بالذنب وتأثره بالعقوبة‪.‬‬
‫* الوالد املتسامح‪ ،‬واملتشدّ د‪ ،‬وقواعد السلوك عند الطفل الصغري‪.‬‬
‫* التدليل الزائد‪ ،‬وخاصة للطفل األول وآثار ذلك‪.‬‬
‫* مشــاكل التحكــم يف اإلخــراج والفطــام والخــروج منهــا بــا صدمــات‬
‫وآالم‪.‬‬
‫* اللعب لذة واستمتاع باملولود‪ ،‬ومن املولود‪.‬‬
‫* مالحظات عامة عىل مرحلة الرضاعة‪.‬‬

‫‪229‬‬
‫خري النساء‪ ،‬أحناه على طفل يف‬
‫صغره وأرعاه على زوج يف ذات يده‬
‫ـتقل‬
‫املخلــوق البــري هــو املخلــوق الــذي يحتــاج إىل أطــول م ـ ّدة زمنيــة مــن الرعايــة‪ ،‬وال يسـ ّ‬
‫بنفســه إال بعــد جهــد ورعايــة طويلــة تقــدم لــه مــن اآلخريــن‪ .‬واملولــود بذلــك يكــون أمانــة اللــه‬
‫تعــاىل عنــد والديــه‪ُ ،‬وضــع بــن أيديهــا ضعي ًفــا ال يــدرك‪ ،‬وال يقــدر عــى يشء‪ ،‬عليهــا رعايتــه‬
‫ومســاعدته حتــى يســتغني عنهــا ويســتقل بنفســه بعــد ســنوات‪ ،‬وأجرهــا يقــع عــى اللــه تعاىل‬
‫الــذي أَ ْودع يف قلبيهــا‪ ،‬محبــة املولــود‪ ،‬والشــفقة عليــه‪ ،‬والحنــان الدائــم نحــوه‪ ،‬والتضحيــة مــن‬
‫أجلــه‪ ،‬والرغبــة يف راحتــه وقضــاء متطلباتــه‪َ ،‬و َح َبــا األم الوالــدة خاصــة بال ّنصيــب األوفــر مــن ذلــك‬
‫كلــه‪ ،‬حتــى جعــل جنــة األوالد تحــت أقدامهــا‪ .‬ويف التاريــخ املتكــرر كل يــوم منــاذج مــن العطــاء‬
‫الربّــاين لألمهــات مــع أوالدهــن مــا يســتحق التخليــد‪ ،‬وبقــدر هــذا العطــاء الفطــري يف غريــزة‬
‫األم تكــون الخرييــة بــن النســاء‪ ،‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬نســاء قريــش خــر‬
‫نســاء ركــن اإلبــل‪ ،‬أحنــاه عــى طفــل يف صغــره‪ ،‬وأرعــاه عــى زوج يف ذات يــده» رواه البخــاري‬
‫ومســلم‪ ،‬ومعنــى أحنــاه‪ ،‬أعطفــه وأشــفقه‪ ،‬وأرعــاه عــى زوج‪ ،‬مــن املراعــاة والحفــظ والرفــق‬
‫وتخفيــف ال ُكلَــف‪ .‬ومــن ألطــف وأظــرف الحكايــات يف ذلــك‪ ،‬مــا روتــه أم قيــس بنــت محصــن‬
‫أخــت عكاشــة بــن محصــن ريض اللــه عنهــا قالــت‪« :‬تُـ ُوفّ ابنــي‪ ،‬فجزعــت عليــه‪ ،‬فقلــت للــذي‬
‫يغســله‪ :‬ال تغســل ابنــي باملــاء البــارد فتقتلــه‪ ،‬فانطلــق عكاشــة بــن محصــن إىل رســول اللــه‬ ‫ّ‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم فأخــره بقولهــا‪ ،‬فتبســم‪ ،‬ثــم قــال‪ :‬مــا قالــت طــال عمرهــا!! فــا تُ ْعلــم‬
‫امــرأة َع ِمـ ْ‬
‫ـرت مــا عمــرت» رواه النســايئ‪.‬‬
‫وقــد روى البخــاري ومســلم قصــة غريبــة يف هــذا الشــأن حكاهــا لنــا النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم قــال‪« :‬كانــت امرأتــان معهــا ابناهــا جــاء الذئــب فذهــب بابــن إحداهــا‪ ،‬فقالــت‬
‫هــذه لصاحبتهــا‪ :‬إمنــا ذهــب بابنــك‪ ،‬وقالــت األخــرى‪ :‬إمنــا ذهــب بابنــك‪ ،‬فتحاكــا إىل داود‪،‬‬
‫فقــى بــه للكــرى‪ ،‬فخرجتــا عــى ســليامن بــن داود فأخربتــاه‪ ،‬فقــال‪ :‬ائتــوين بالســكني أَشُ ـقّه‬
‫بينهــا‪ ،‬فقالــت الصغــرى‪ :‬ال تفعــل رحمــك اللــه هــو ابنهــا‪ ،‬فقــى بــه للصغــرى» وقــد قيــل إن‬

‫‪230‬‬
‫تلــك القصــة هــي التــي عناهــا القــرآن يف قولــه تعــاىل {فَ َف َّه ْم َنا َهــا ُس ـلَيْ َمنَ} وكلــا كان املولــود‬
‫صغ ـ ًرا ضعي ًفــا كان الحن ـ ّو والشــفقة مــن األم أعظــم‪ ،‬روى النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪:‬‬
‫ـت‪ :‬يــا جربيــل مــا هــذه الرائحــة؟‬ ‫«ملــا كانــت ليلــة أرسى يب‪ ،‬أتيــت عــى رائحــة طيبــة‪ ،‬فقلـ ُ‬
‫قــال‪ :‬هــذه رائحــة ماشــطة فرعــون وأوالدهــا‪ ،‬قلــت‪ :‬ومــا شــأنها؟ قــال‪ :‬بينــا هــي متشــط‬
‫ابنــة فرعــون ذات يــوم‪ ،‬إ ْذ ســقط املــدْ رى مــن يدهــا –املشــط‪ -‬فقالــت‪ :‬بســم اللــه‪ ،‬فقالــت‬
‫لهــا ابنــة فرعــون‪ :‬أيب؟ قالــت‪ :‬ال‪ ،‬ولكــن ريب ورب أبيــك اللــه‪ ،‬قالــت‪ :‬أخــره بــذا؟ قالــت‪ :‬نعــم‪،‬‬
‫فأخربتــه‪ ،‬فدعاهــا‪ ،‬فقــال‪ :‬يــا فالنــة‪َ ،‬وأَنّ لــك ر ًبــا غــري؟ قالــت‪ :‬نعــم‪ ،‬ريب وربــك اللــه‪ ،‬فأمــر‬
‫ب ُن ْقــرة –أي إنــاء‪ -‬مــن نحــاس فأُ ْحميــت ثــم أمــر أن تُلْقــى هــي وأوالدهــا فيهــا‪ ،‬قالــت لــه‪ :‬إن‬
‫يل إليــك حاجــة؟ قــال‪ :‬ومــا حاجتــك؟ قالــت‪ :‬أحــب أن تجمــع عظامــي وعظــام أوالدي يف ثــوب‬
‫واحــد فتدفننــا جمي ًعــا‪ ،‬قــال‪ :‬ذلــك علينــا مــن الحــق‪ ،‬قــال‪ :‬فأمــر بأوالدهــا فألقــوا بــن أيديهــا‬
‫واحــدً ا واحــدً ا‪ ،‬إىل أن انتهــى ذلــك إىل صبــي لهــا ُم ْرضَ ــع‪ ،‬كأنهــا تقاعســت مــن أجلــه‪ ،‬قــال‪ :‬يــا‬
‫أُ ّمــه اقتحمــي فــإن عــذاب الدنيــا أهــون مــن عــذاب اآلخــرة‪ ،‬فاقتحمــت» رواه أحمــد والب ـزار‬
‫والطـراين‪ ،‬فهــذه األم الوالــدة قــد ثبتــت لقــوة إميانهــا لتهديــد فرعــون‪ ،‬بــل وهــي تــرى أبناءهــا‬
‫واحـ ًدا واحـ ًدا يُلْقــى يف العــذاب الشــديد ليمــوت‪ ،‬ولكنهــا تــر ّددت وكادت ترتاجــع عندمــا أُمــرت‬
‫بإلقــاء ابنهــا الرضيــع‪ ،‬لــوال أن أنطقــه اللــه تعــاىل وهــو يف املهــد كرامـ ًة لجهادهــا‪ .‬وهــذا الحنــان‬
‫الوافــر عنــد األم الوالــدة ال ميتنــع معــه أن يكــون األب الوالــد رحيـ ًـا شــفوقًا عــى األوالد‪ ،‬فهــذا‬
‫قــدوة البــر صــى اللــه عليــه وســلم يُخــر عنــه مــن عايشــه عــن قُــرب وهــو خادمــه أنــس بــن‬
‫مالــك ريض اللــه عنــه حيــث يقــول‪« :‬مــا رأيــت أحــدً ا كان أرحــم بالعيــال مــن رســول اللــه صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم‪ ،‬كان إبراهيــم مســرض ًعا يف عــوايل املدينــة‪ ،‬وكان ينطلــق ونحــن معــه‪ ،‬فيدخــل‬
‫البيــت‪ ،‬وإنــه ل ُيدَ َّخــن‪ ،‬وكان ظــره َق ْي ًنــا‪ ،‬فيأخــذه ويق ّبلــه» رواه مســلم‪ِ ،‬‬
‫والظــر هــو الــذي ترضــع‬
‫زوجــه غــر ابنــه‪ ،‬والقــن‪ ،‬الح ـ ّداد الــذي يحمــي الحديــد ويصنعــه‪ ،‬ولذلــك كان بيتــه مملــو ًءا‬
‫بالدخــان‪.‬‬
‫‪ -‬واألم الوالــدة‪ ،‬التــي حملــت كر ًهــا ووضعــت كر ًهــا‪ ،‬هــي التــي ُجعلــت الحضانــة لهــا‪ ،‬فهــي‬

‫‪231‬‬
‫ـن كَا ِملَـ ْ ِ‬
‫ـن‬ ‫التــي تُرضــع املولــود وتحتضنــه‪ ،‬يقــول اللــه تعــاىل‪َ { :‬والْ َوالِـدَاتُ يُ ْر ِض ْعـ َن أَ ْو َل َد ُهـ َّن َح ْولَـ ْ ِ‬
‫وف} [البقــرة‪،]233 :‬‬ ‫لِ َم ـ ْن أَ َرا َد أَ ْن يُ ِت ـ َّم ال َّرضَ ا َع ـ َة َو َعـ َـى الْ َم ْولُــو ِد لَ ـ ُه ِر ْزقُ ُه ـ َّن َوكِ ْس ـ َوتُ ُه َّن بِالْ َم ْع ـ ُر ِ‬
‫فالرضاعــة لــأم‪ ،‬والنفقــة عــى األب الوالــد‪ ،‬وعــى الرغــم مــن أن حضانــة املولــود‪ ،‬رعايــة وعنايــة‬
‫وبــذل وتضحيــة‪ ،‬إال أن حــق حضانــة املولــود يكــون لــأم الوالــدة قبــل غريهــا ملصلحــة املولــود‬
‫نفســه قبــل مصلحتهــا يف أن يكــون مولودهــا بــن يديهــا ويف حضنهــا‪ ،‬عــى الرغــم مــن ذلــك‬
‫فإننــا نجــد التّنافــس عــى حضانــة املولــود‪ ،‬والتّنــازع بــن الوالديــن املختلفــن عــى حــق هــذه‬
‫الحضانــة‪ ،‬عنايــة بهــذا الضعيــف املحتــاج حتــى ال يُ ْهمــل عنــد التنــازع والفرقــة‪ ،‬فســبحان مــن‬
‫أودع الحنــان القلــوب‪ ،‬و َج َبــل الفطــر عــى قضــاء الحاجــات للخلــق ولــو بالتنــازع وال ِع َنــاد‪ .‬عــن‬
‫عمــرو بــن العــاص ريض اللــه عنــه «أن امــرأة أتــت رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فقالــت‪:‬‬
‫إين ابنــي هــذا كان بطنــي لــه ِو َعــاء‪ ،‬وثَدْ يــي لــه ِس ـقَاء‪ ،‬وحجــري لــه ِح ـ َواء‪ ،‬وإن أبــاه طلَّقنــي‬
‫وأراد أن ينتزعــه منــي‪ ،‬فقــال لهــا رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬أنــت أحــق بــه مــا مل‬
‫تنكحــي» رواه أبــو داود‪ ،‬فانظــر رعــاك اللــه كيــف بســطت تلــك الصحابيــة رضــوان اللــه عليهــا‬
‫حجتهــا ببســاطة الفطــرة‪ ،‬بطنــي لــه ِو َعــاء‪ ،‬وثديــي لــه ِس ـقَاء‪ ،‬وحجــري لــه ِح ـ َواء‪ .‬ومــا أع َدلَـ َـك‬
‫يف حكمــك يــا رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم؛ إن األم الوالــدة أحــق بحضانــة املولــود مــا مل‬
‫تنشــغل بالــزواج مــن غــر والــده‪ ،‬ألن األمــور عنــد ذلــك تتغـ ّـر بالنســبة للمولــود‪ .‬وخـ ّرج اإلمــام‬
‫مالــك يف املوطّــأ قــال‪« :‬كانــت عنــد عمــر بــن الخطــاب امــرأة مــن األنصــار‪ ،‬فولــدت لــه عاصــم‬
‫بــن عمــر‪ ،‬ثــم إنــه فارقهــا‪ ،‬فجــاء عمــر قبــاء فوجــد ابنــه عاصـ ًـا يلعــب بفنــاء املســجد‪ ،‬فأخــذ‬
‫بعضــده فوضعــه بــن يديــه عــى الدّ ابــة‪ ،‬فأدركتــه جــدّ ة الغــام فنازعتــه إ َّيــاه‪ ،‬حتــى أَتَ َيــا أبــا‬
‫بكــر الصديــق‪ ،‬فقــال عمــر‪ :‬ابنــي‪ ،‬وقالــت املــرأة‪ :‬ابنــي‪ ،‬فقــال أبــو بكــر الصديــق‪ :‬خـ ِّـل بينهــا‬
‫وبينــه‪ ،‬قــال‪ :‬فــا راجعــه عمــر الــكالم» املوطــأ‪.‬‬
‫‪ -‬لــن األم الوالــدة لــه حكــم رشعــي خــاص‪ ،‬يجعــل مــن رشبــه اب ًنــا لهــا‪ ،‬وإن مل تكــن قــد ولدتــه‪،‬‬
‫فتصــر بذلــك أ ًّمــا لــه ويصــر هــو اب ًنــا لهــا‪ ،‬وقــد سـ ّـاها القــرآن أ ًّمــا يف قولــه تعــاىل يف معــرض‬
‫بيــان امل ّحرمــات مــن النســاء { َوأُ َّم َهاتُ ُكـ ُم الـ َّـا ِت أَ ْرضَ ْع َن ُكـ ْم َوأَ َخ َواتُ ُكـ ْم ِمـ َن ال َّرضَ ا َعـ ِة} [النســاء‪]23 :‬‬
‫فــإذا أرضعــت املــرأة طفـ ًـا حرمــت عليــه ألنهــا أ ّمــه‪ ،‬وبنتهــا ألنهــا أختــه‪ ،‬وأختهــا ألنهــا خالتــه‪،‬‬

‫‪232‬‬
‫وأمهــا ألنهــا ج ّدتــه‪ ،‬وبنــت زوجهــا ألنهــا أختــه‪ ،‬وأخــت زوجهــا ألنهــا عمتّــه‪ ،‬وأم زوجهــا ألنهــا‬
‫ج ّدتــه‪ ،‬وبنــات بنيهــا وبناتهــا ألنهــن بنــات إخوتــه وأخواتــه‪.‬‬
‫‪ -‬والتحريــم بال ّرضــاع إمنــا يحصــل إذا كانــت الرضاعــة للطفــل خــال حولــن مــن والدتــه لقــول‬
‫ـن لِ َمـ ْن أَ َرا َد أَ ْن يُ ِتـ َّم ال َّرضَ ا َعـ َة} [البقــرة‪:‬‬ ‫اللــه تعــاىل‪َ { :‬والْ َوالِـدَاتُ يُ ْر ِض ْعـ َن أَ ْولَ َد ُهـ َّن َح ْولَـ ْ ِ‬
‫ـن كَا ِملَـ ْ ِ‬
‫‪ ]233‬فــإن كان خار ًجــا عــن الحولــن مل يحــرم‪ ،‬ألنــه كــا قــال القرطبــي‪ :‬وليــس بعــد التّــام‬
‫والكــال يشء‪ ،‬وهــو قــول الشــافعي‪ ،‬واعتــر أبــو حنيفــة ســتة أشــهر بعــد الحولــن‪ ،‬وشــهر ونحــوه‬
‫عنــد مالــك‪ .‬ورشط الشــافعي خمــس رضعــات مشــبعات‪ ،‬واشــرط أحمــد وداود وإســحاق ثــاث‬
‫رضعــات وقــال مالــك‪ :‬الرضعــة الواحــدة تحــرم‪.‬‬
‫‪ -‬األصــل أن يرضــع الطفــل لــن أ ّمــه مــن صدرهــا‪ ،‬ألن مزايــا ذلــك كبــرة للطفــل ولــأم أيضً ــا‪،‬‬
‫عــاوة عــى أنــه غــذاء ص ّحــي كامــل ومناســب خــال مراحــل الرضاعــة‪ ،‬وفيــه قــوة للوقايــة‬
‫مــن األم ـراض املختلفــة التــي يصــاب بهــا الطفــل خــال تلــك الفــرة‪ ،‬فهــو غــذاء ودواء‪ ،‬مــادي‬
‫ومعنــوي‪ ،‬لجســم املولــود ولنفســه‪ .‬فالطفــل ينمــو انفعال ًّيــا ووجدان ًّيــا واجتامع ًّيــا بشــكل طبيعــي‬
‫بالرضاعــة‪ ،‬حيــث يظهــر تعلّــق مبــارش للطفــل بــاألم‪ ،‬مــع ازديــاد الرابطــة بهــا‪ ،‬وال يلقــي الرضيــع‬
‫ذلــك عنــد االســرضاع مــن غــر صــدر األم‪ .‬لذلــك يُ ْنصــح يف حالــة مــا إذا اضطــرت األم إىل الرتضيــع‬
‫الصناعــي‪ ،‬أن تق ـ ِّرب الرضيــع مــن جســدها وصدرهــا بقــدر مــا تســتطيع لتشــبعه مــن حاجاتــه‬
‫غــر محتويــات اللــن‪ .‬وقالــوا يف فائــدة الرضاعــة لــأم‪ :‬إن ذلــك يســاعد عــى رسعــة انكــاش‬
‫الرحــم وعودتــه إىل حجمــه الطبيعــي بعــد الــوالدة‪ ،‬باإلضافــة إىل عــودة نســب جســمها وخاصــة‬
‫الصــدر والبطــن إىل حالتهــا الطبيعيــة قبــل الحمــل‪ ،‬كــا تقلــل مــن احتــاالت إصابــة األم‬
‫بأم ـراض الثــدي والرحــم التــي شــاعت يف الســنوات األخــرة بشــيوع الرضاعــة الصناعيــة‪ .‬ويلــزم‬
‫أن تكــون تغذيــة األم تغذيــة جيــدة‪ ،‬وأن متتنــع عــن العقاقــر التــي قــد تؤثــر يف لبنهــا‪ ،‬وينصــح‬
‫بتناولهــا البلــح الرطــب‪ ،‬فقــد جــاء يف الحديــث الرشيــف عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪:‬‬
‫«أطعمــوا نســاءكم الوالــد الرطــب‪ ،‬فــإن مل يكــن رط ًبــا فالتمــر‪ ،‬وليــس مــن شــجرة أكــرم عــى‬
‫اللــه مــن شــجرة نزلــت تحتهــا مريــم بنــت عمـران» رواه أبــو يعــى‪ .‬وقــد وجــد أن الطفــل مييــل‬
‫إىل التغذيــة الهادئــة واملنظمــة والكافيــة‪ ،‬وكلــا كانــت األم املرضعــة عــى درجــة كافيــة مــن‬

‫‪233‬‬
‫ال ّرضــا والســعادة واالســرخاء‪ ،‬ولديهــا رغبــة يف القيــام بهــذا الواجــب عــن رضــا كلــا كانــت نتائــج‬
‫الرضاعــة مثمــرة‪.‬‬
‫***‬
‫ّ‬
‫اللذة واألمل احملرك األول لإلنسان‬
‫مرحلــة الرضاعــة منــذ الــوالدة وحتــى عــام ونصــف أو عامــن تتســم باالعتــاد الكامــل عــى‬
‫الكبــار‪ ،‬والــذي يحــرك املولــود ويتفاعــل بــه‪ ،‬هــو اللّــذ ُة واألمل‪ ،‬وهــو ميـ ّر خــال األســبوعني األولــن‬
‫ـص والبلع‪ ،‬وعمليــة إخراج‬ ‫بعمليــات تك ُّيــف مــع درجــات الحـرارة‪ ،‬وعمليــة التنفس‪ ،‬وعمليــات املـ ّ‬
‫ال ـراز والبــول‪ ،‬لذلــك يتناقــص وزن الطفــل خــال هذيــن األســبوعني‪ ،‬ثــم تبــدأ بعدهــا زيــادة‬
‫وزنــه‪ .‬والــوزن العــادي للمولــود مــا بــن (‪ 3‬إىل ½‪ )3‬ثالثــة كيلــو جرامــات إىل ثالثــة ونصــف‪،‬‬
‫ويكــون طولــه حــوايل عرشيــن بوصــة‪ ،‬وعــادة تكــون الذكــور أطــول وأثقــل قليـ ًـا مــن اإلنــاث‪،‬‬
‫والــرأس يبلــغ وحــده ربــع طــول الجســم‪ ،‬والذقــن والرقبــة يكونــان قصرييــن جـ ًّدا‪ ،‬ويكــون البطــن‬
‫منتف ًخــا وكبـ ًرا‪ .‬ووظائــف اإلخـراج تبــدأ بعــد ســاعات مــن امليــاد‪.‬‬
‫‪ -‬ينــام املولــود حــوايل ‪ %80‬مــن الوقــت‪ ،‬ويقــل نومــه بالتدريــج ليصــل إىل ‪ %50‬يف نهايــة الســنة‬
‫األوىل مــن عمــره‪ .‬والــذي يوقــظ الطفــل املولــود مؤثـرات داخليــة‪ ،‬مثــل الجــوع واألمل‪ ،‬وال يوقظــه‬
‫وال يؤثــر فيــه مؤثــر خارجــي إال القــوى جـ ًّدا مثــل الضوضاء الشــديدة أو درجــة الحرارة الشــديدة‪،‬‬
‫ويعــر عــن حاجتــه بالــراخ‪ ،‬أمــا الرصخــة األوىل يف‬ ‫ّ‬ ‫ومطالــب الجــوع لديــه غــر منتظمــة‪،‬‬
‫حياتــه عقيــب امليــاد‪ ،‬فكانــت لتوســيع الرئتــن بحيــث تســمحان بالتن ّفــس وتزويــد الــدم بكميــة‬
‫األكســجني‪ ،‬بعــد اســتقالله عــن جســم األم الــذي كان يــزوده بأســباب حياتــه‪ ،‬ثــم رصخاتــه بعــد‬
‫ذلــك مرتبطــة بالجــوع واألمل‪ ،‬وعــدم الراحــة والتعــب‪ ،‬وعــادة يصحــب الـراخ حــركات للجســم‬
‫لزيــادة جلــب االنتبــاه‪ ،‬وأكــر أجـزاء الجســم حركــة هــا الســاقان‪ ،‬وأقلهــا الــرأس‪ ،‬وحركاتــه غــر‬
‫متــآزرة‪ ،‬ويبــدأ عــادة يف يومــه الخامــس البــكاء بدمــوع‪ .‬ويف الشــهر الثالــث تــزداد عضــات العــن‬
‫حساســا‬
‫ً‬ ‫تــآز ًرا‪ ،‬وعندئــذ يصبــح الطفــل قــاد ًرا عــى الرؤيــة لألشــياء ومتييزهــا‪ .‬والرضيــع يكــون‬
‫للغايــة لجميــع املثــرات الجلديــة فيشــعر بالحــرارة والــرودة واألمل‪ ،‬ويف نهايــة الشــهر الثــاين‬

‫‪234‬‬
‫يســتجيب لألصــوات مــن جميــع األنــواع وخاصــة للصــوت البــري‪.‬‬
‫‪ -‬تتميــز مرحلــة الرضاعــة بالنمــو الجســمي الرسيــع‪ ،‬وال يشــبهها يف املعــ ّدل الرسيــع للنمــو‪،‬‬
‫غــر مرحلــة املراهقــة‪ .‬والشــهور الســتة األوىل يكــون معــدل النمــو أرسع‪ ،‬ثــم يبــدأ يف البــطء‪،‬‬
‫وتكــون الزيــادة يف الــوزن أكــر مــن الزيــادة يف الطــول خــال الســنة األوىل‪ ،‬ويحــدث العكــس‬
‫خــال الســنة الثانيــة‪ ،‬وبالتدريــج يظهــر الــرأس بشــكل أقــل ضخامــة مــا كانــت عليــه عنــد‬
‫الــوالدة‪ ،‬وعــادة يظهــر ســن ســفلية أماميــة يف خــال الشــهر الرابــع‪ ،‬وعندمــا يبلــغ عامــه األول‬
‫يكــون لديــه ســت أســنان‪ ،‬وتتفـ ّوق البنــات قليـ ًـا يف منــو العظــام واألســنان عــن البنــن‪ ،‬وبالطبــع‬
‫يظهــر عــى الطفــل حالــة عــدم الراحــة عنــد بــدء ظهــور األســنان‪ ،‬وخــال فــرة الرضاعــة ينمــو‬
‫ـي باالســتناد إىل األشــياء‪ ،‬ويف‬
‫ـف‪ ،‬ومـ ٍ‬ ‫الســلوك الحــريك عنــد الطفــل‪ ،‬مــن جلــوس‪َ ،‬و َح ْب ـوٍ‪ ،‬وزحـ ٍ‬
‫منتصــف الســنة الثانيــة ميكــن للطفــل أن ميــي بــدون مســاعدة‪ ،‬واملولــود يجلــس وحــده غال ًبــا‬
‫بعــد حــوايل ســتة أشــهر‪ ،‬وقبيــل هــذه الســن ميكنــه أن ينقلــب عــى بطنــه مســتخد ًما ذراعيــه‬
‫كســنادتني‪ ،‬وميكنــه أن يــوازن رأســه ويســتخدم ســاقيه‪ ،‬وحــن يكــون مســتلقيًا عــى ظهــره يحــاول‬
‫أن يجــذب نفســه إىل أعــى مســتخد ًما يديــه وذراعيــه‪ ،‬وهــذه األنشــطة متثــل املتطلبــات الســابقة‬
‫للجلــوس‪.‬‬
‫‪ -‬مالحظــة عــن التّســنني‪ :‬يظهــر عنــد الرضيــع مــا يســمى باألســنان اللّبنيــة‪ ،‬وعددهــا عرشون سـ ًنا‪،‬‬
‫وهــي تســتمر مــع الطفــل حتــى ســن املدرســة وبعدهــا‪ ،‬ثــم تتســاقط وتنبــت لــه األســنان الثابتة‪،‬‬
‫ويصاحــب ظهــور األســنان اللبنيــة اضطرابــات تعــري الطفــل‪ ،‬وبالطبــع يضطــرب لذلــك الوالــدان‬
‫أيضً ــا‪ ،‬فالطفــل يعــاين مــن بعــض آالم اللّثَــة والفــم والضعــف الص ّحــي العــام‪ ،‬وأحيانًــا لضعفــه قــد‬
‫يصــاب املــرض‪ ،‬ولكنهــا عمو ًمــا أعـراض مؤقتــة‪ ،‬وهــي تنتــج عــن متـ ّزق بعــض األوعيــة الدمويــة‪،‬‬
‫وإحــال بعــض األنســجة محــل بعضهــا اآلخــر‪ ،‬وشــهية الطفــل خــال م ـ ّدة التســنني تضعــف‪،‬‬
‫ويصــاب بالضيــق والتوتّــر‪ ،‬وترتفــع درجــة الح ـرارة‪ ،‬وقــد يصحــب ذلــك القــيء واإلســهال وآالم‬
‫األذن‪ ،‬وبعــض النوبــات التشــنج ّية‪ .‬وتختلــف األطفــال يف مواعيــد ظهــور تلــك األســنان‪ ،‬فأحيانًــا‬
‫يولــد الطفــل ويف فمــه ســن لبنيــة واحــدة‪ ،‬والبعــض ال تظهــر لهــم تلــك األســنان إال عنــد ســن ‪15‬‬
‫خمســة عــر شــه ًرا‪ ،‬واملعتــاد أن تبــدأ هــذه األســنان يف الظهــور بعــد ســتة أشــهر‪.‬‬

‫‪235‬‬
‫من املناغاة حتى الفصاحة بالكالم‬
‫* لغــة الرضيــع هــي الـراخ واملناغــاة واإلميــاءات‪ ،‬والـراخ األكــر شــيو ًعا‪ ،‬واملناغــاة أكــر أهميــة‬
‫ألن منهــا تنمــو لغــة الــكالم عنــد اإلنســان‪ ،‬ف ـراخ املولــود يتم ّيــز بعــد أســابيع بحيــث ميكــن‬
‫الفهــم مــن نغمــة الرصخــة وح ّدتهــا‪ ،‬مــع الحــركات الجســمية املصاحبــة‪ ،‬نــوع التعبــر والحاجــة‬
‫لــدى الطفــل‪ ،‬ف ـراخ األمل يعـ ّـر عنــه بعل ـ ّو ال ـراخ املرتعــش‪ ،‬ويصاحبــه مــا يشــبه األنــن مــن‬
‫ـص‪.‬‬
‫التأوهــات‪ ،‬ورصخــات الجــوع تكــون عاليــة تقطعهــا حــركات املـ ّ‬
‫‪ -‬الجــوع والحــر هــا املســببان ملعظــم الـراخ يف األســابيع األوىل مــن حيــاة الرضيــع‪ ،‬ومــع النمــو‬
‫يضــاف لهــا أمل ســوء الهضــم‪ .‬وابتــدا ًء مــن الشــهر الثالــث يكــون ال ـراخ الطريقــة املؤكــدة‬
‫للحصــول عــى انتبــاه اآلخريــن‪ ،‬ويف الشــهر الرابــع يــرخ الطفــل لعــدم االســتمرار يف مالعبته‪ ،‬ويف‬
‫الشــهر الخامــس يزيــد الرضيــع مــن الـراخ إذا دخلــت عليــه األم ومل تعــره انتباههــا‪ .‬ولذلــك قــد‬
‫يكــون الـراخ املعـ ّـر عــن االحتياجــات دليـ ًـا عــى ارتفــاع ذكاء الطفــل‪ .‬وعمو ًمــا الرضيــع الــذي‬
‫تتوفّــر لــه احتياجاتــه بطريقــة منتظمــة‪ ،‬يكــون أقــل رصا ًخــا مــن الذيــن تتوفــر لهــم احتياجاتهــم‬
‫ولكــن بتقطــع وغــر انتظــام‪ ،‬ولذلــك يفضــل تحديــد مواعيــد الوجبــات‪ ،‬ومراعــاة تغيــر املالبــس‪،‬‬
‫وتعاهــد التهويــة‪ ،‬وإشــعار الرضيــع بالقــرب الدائــم‪.‬‬
‫‪ -‬يهــدف الرضيــع إىل االتصــال‪ ،‬أو التعبــر‪ ،‬فيبــدأ بعــد من ـ ّو الجهــاز الصــويت يف املناغــاة مبقطــع‬
‫واحــد متكــرر‪ ،‬ثــم مبقطعــن وأكــر كيفــا اتّفــق‪ ،‬ثــم تتزايــد بالتدريــج‪ ،‬وتبــدأ يف الشــهر الثــاين‬
‫أو الثالــث وتصــل إىل غايتهــا يف الشــهر الثامــن‪ ،‬ثــم تختفــي ويبــدأ الــكالم العــادي‪ .‬وباملامرســة‬
‫والتدريــب يربــط الطفــل بــن عــدد مــن الحــروف مثــل‪ :‬داد – داد‪ ،‬مــا – مــا‪ ،‬نــا – نــا‪ ،‬وتكــون‬
‫أول كلمــة صحيحــة يف النطــق يف نهايــة الســنة األوىل تقري ًبــا‪ ،‬ومــن العجيــب أن أطفــال البــر‬
‫جمي ًعــا عــى اختــاف لغاتهــم‪ ،‬تبــدأ عــى أفواههــم أو مــا تبــدأ كلمــة –مامــا‪ -‬بابــا‪ -‬بنفــس‬
‫الصــوت والحــرف‪.‬‬
‫‪ -‬يف األســبوع الســادس مــن عمــر الرضيــع تبــدأ أول ابتســامة اجتامعيــة حقيقيــة‪ ،‬ويســتخدم‬
‫الطفــل لغــة اإلميــاءات‪ ،‬مثــل‪ ،‬م ـ ّد اليديــن واالبتســام‪ ،‬ليعـ ّـر عــن رغبــة يف أن يُحمــل‪ ،‬ويف هــذا‬
‫العمــر يــدرك الطفــل مــن تعبـرات الوجــوه‪ ،‬ونغمــة الصــوت ملحدثــه‪ ،‬واإلشــارة لــه‪ ،‬مــا يقصــده‬

‫‪236‬‬
‫املتعامــل معــه‪ .‬والطفــل ممكــن أن يفهــم الــرور والخــوف والغضــب منــذ الشــهر الثالــث‪،‬‬
‫خاصــة إذا كانــت معـ ّززة باإلميــاءات مــن الكبــار‪ .‬وخــال الشــهرين الثــاين والثالــث ميكــن للطفــل‬
‫أن مي ّيــز بــن األشــخاص فيــدرك الذيــن يشــبعون حاجاتــه‪ ،‬فيبــي حــن يرتكــه َمــن ح ْولــه‪ ،‬ويُظْهــر‬
‫تعلقــه بــاألم بإصــدار أصــوات وابتســامات لهــا دون اآلخريــن‪ ،‬ويــرخ حــن يحملــه غريهــا‪،‬‬
‫فســبحان الحنــان املنــان‪ُ ،‬مــودع العواطــف يف ال ِج َنــان‪ ،‬إن هــذه االبتســامة الصغــرة مــن الرضيــع‬
‫كل مــا عانتــه‬ ‫لــأم الوالــدة‪ ،‬تغمرهــا بالفــرح والســعادة والغنــى‪ ،‬حتــى إن ذلــك ليع ّوضهــا عــن ّ‬
‫مــن متاعــب الحمــل والــوالدة‪ ،‬ويج ّندهــا تجنيـ ًدا لراحــة املولــود‪ ،‬ويشـ ّوقها لإلنجــاب بعدمــا يكــر‬
‫الطفــل‪ ،‬وهــي تســتعيد يف نشــوة غامــرة‪ ،‬وجــه وصــورة املولــود وابتســامته‪.‬‬
‫‪ -‬يف ســن الســنتني يســتطيع الطفــل املتوســط أن يفهــم ويســتجيب اســتجابة صحيحــة لبعــض‬
‫التعليــات التــي ألفهــا ممــن حولــه‪ ،‬وتبــدأ املفــردات اللغويّــة عنــد الطفــل باألســاء التــي ترتبــط‬
‫باألشــخاص واألشــياء يف بيئتــه‪ ،‬وكذلــك األفعــال التــي تــدل عــى نشــاط اعتــاده‪ ،‬ويف نهاية الســنتني‬
‫يكتســب بعــض الكلــات الدالــة عــى النعــت والظــرف‪ ،‬وينــدر اســتخدام الجمــل الخربيــة‬
‫والضامئــر يف هــذه املرحلــة‪ .‬وأول كلمــة صحيحــة يف النطــق تكــون تقريبًــا يف نهايــة الســنة األوىل‪،‬‬
‫وقــد يتأخــر الطفــل الســوي عــدة شــهور بعــد ذلــك عــن نطــق الكلمــة الصحيحــة‪ ،‬وقــد يبــدأ‬
‫البعــض قبــل ذلــك بقليــل‪ ،‬ثــم تنمــو اللغــة يف الســنة الثانيــة‪ ،‬ويالحــظ أن مــا يفهمــه الطفــل مــن‬
‫الكلــات يف هــذه الفــرة يكــون أكــر مــا ينطــق بــه بالفعــل‪ ،‬ألن الفهــم ينمــو مبكـ ًرا وبرسعــة‬
‫أكــر مــن إنتــاج الكلــات بخمــس مـرات غالبًــا‪ ،‬ويكــون معـ ّدل فهــم األلفــاظ خــال العــام الثــاين‬
‫مبع ـ ّدل أكــر مــن عرشيــن كلمــة جديــدة خــال كل شــهر‪ ،‬وأمــا مــا ميكنــه نطقــه مــن كلــات‬
‫جديــدة فــا يتعـ ّدى تســع كلــات شــهريًّا‪ ،‬وقــد يفهــم طفــل ال ينطــق إال بكلــات قليلــة أكــر‬
‫مــن طفــل ينطــق بكلــات أكــر منــه‪ .‬ومحصــول طفــل يبلــغ مــا بــن مثانيــة عــر شــه ًرا ومــا بــن‬
‫عامــن حــوايل خمســن كلمــة‪ .‬والطريقــة الصحيحــة يف تدريــب الطفــل عــى الــكالم أن يُشــار لــه‬
‫عــى الــيء وينطقــون باســمه‪ ،‬ويطلبــون مــن الطفــل تكـرار مــا يســمع‪ .‬وتبلــغ يف العــادة ثــروة‬
‫طفــل عمــره أربــع ســنوات أكــر مــن ألفــي كلمــة‪ ،‬ومــع نهايــة العــام الخامــس قــد يصــل العــدد‬
‫ألكــر مــن ثالثــة آالف كلمــة‪.‬‬

‫‪237‬‬
‫‪ -‬طفــل هــذه املرحلــة يســلك بحيــث يظــن أن اآلخريــن يدركــون مــا يدركه هــو‪ ،‬وبنفــس الطريقة‬
‫التــي يــدرك بهــا هــو عاملــه الخــاص‪ ،‬بــرف النظــر عــن واقــع األمــر‪ ،‬فمثـ ًـا يغ ِّمــض الطفــل‬
‫عينيــه ويقــول ملــن حولــه إنــك ال تـراين‪ ،‬فطاملــا هــو ال يــرى مــن حولــه يفــرض بالــرورة أن مــن‬
‫حولــه ال يـراه‪ ،‬ولذلــك يجــب عــى الوالديــن تقديــر مــا يفهمــه الطفــل عنــد التعامــل معــه‪ ،‬ال مــا‬
‫يفهامنــه هــا‪ .‬كــا أن الطفــل يف هــذه املرحلــة تتمركــز األمــور كلهــا حــول نفســه ومــا يتبعهــا‪،‬‬
‫فالعالقــة عنــده مــن جانــب واحــد هــي نفســه فقــط‪ ،‬فهــو مثـ ًـا يــرى أن لــه الحــق يف كل يشء‪،‬‬
‫وأن يأخــذ مــن اآلخريــن أي يشء يرغــب فيــه‪ ،‬ويغضــب وال يفهــم ملــاذا عليــه أن يعطــي اآلخريــن‪،‬‬
‫وهــو أيضً ــا يــدرك أن لــه أ ًخــا هــو فــان‪ ،‬ولكنــه ال يــدرك أن فالنًــا هــذا لــه أخ‪ .‬وهــذه الذاتيــة‬
‫املفرطــة فطــرة برشيــة يتفــاوت األف ـراد يف قدرهــا وكيفهــا فقــط‪ ،‬قــال اللــه تعــاىل‪َ { :‬وأُ ْحـ ِ َ‬
‫ـر ِت‬
‫ـح} [النســاء‪ ،]128 :‬وبالتدريــج والتدريــب ولحاجــة املعايشــة مــع الخلــق يتخلَّــص‬ ‫الْ َنْ ُفـ ُ‬
‫ـس الشُّ ـ َّ‬
‫ـح نَف ِْسـ ِه‬ ‫الفــرد مــن كثــر مــن هــذه الخصلــة الخلقيــة الرذيلــة‪ ،‬يقــول اللــه تعــاىل‪َ { :‬و َمـ ْن يُـ َ‬
‫ـوق شُ ـ َّ‬
‫فَأُولَ ِئـ َـك ُه ـ ُم الْ ُم ْفلِ ُحــونَ} [الحــر‪ ،]9 :‬فواجبنــا مــع أنفســنا أولً لــرى الطفــل فينــا ويقتــدي‬
‫بنــا‪ ،‬ثــم واجبنــا مــع الطفــل أال ننزعــج ملــا عليــه مــن حــب الــذات‪ ،‬ثــم تعويــده شــيئًا فشــيئًا أن‬
‫لآلخريــن مثــل مــا لــه هــو‪.‬‬
‫***‬
‫الغرية من املولود‬
‫ميــاد طفــل جديــد يف أرسة لديهــا أطفــال آخــرون‪ ،‬يحتــاج إىل اهتــام وتهيئــة قبــل حلــول‬
‫الطفــل الجديــد‪ ،‬فيجــب عــى الوالديــن تهيئــة نفــوس األطفــال قبــل ذلــك وأثنــاء الحمــل نحــو‬
‫محبــة الطفــل‪ ،‬وإبــداء العاطفــة نحــوه‪ ،‬وعليهــا عــدم إبــداء االهتــام البالــغ باملولــود الجديــد‬
‫أمامهــم‪ ،‬وأال يكــروا الحديــث عنــه دونهــم‪ ،‬وألَّ ينشــغلوا بــه ويهملــوا باقــي األوالد‪ ،‬فــإن ذلــك‬
‫يثــر حفيظتهــم ضــد املولــود‪ ،‬ويثــر انفعاالتهــم‪ ،‬وقــد يدفــع ذلــك بعــض األوالد إليــذاء الرضيــع‬
‫ومعاندتــه‪ ،‬بــل قــد يحــدث عنــد األب الوالــد نفســه نــوع مــن الضيــق مــن االهتــام البالــغ مــن‬
‫األم الوالــدة للمولــود عنــد إهاملهــا لــه كــزوج‪ ،‬والــذي يُنصــح بــه يف هــذا األمــر‪ ،‬أن نعـ ّود باقــي‬

‫‪238‬‬
‫يخصهــم مثــل مــا يخــص األم‪ ،‬وليــس هــو لــأم فقــط‪ ،‬وعــادة مــا‬ ‫األوالد اللعــب مــع املولــود وأنــه ّ‬
‫تنجــح البنــت يف ذلــك وتســتجيب أكــر مــن البنــن‪ ،‬واملطلــوب إظهــار االهتــام بــاألوالد اآلخريــن‬
‫وإشــعارهم أنهــم ال يزالــون موضــع حــب ورعايــة‪ ،‬وطلــب تقديــم العــون للمولــود عــن طريــق‬
‫إخوتــه وليــس األبويــن فقــط‪ ،‬وعمو ًمــا ال بــد أن يالحــظ دامئًــا أن التفضيــل ألحــد األبنــاء يؤثــر يف‬
‫ـص القــرآن علينــا ســورة بأكملهــا‬ ‫ســلوك باقــي األبنــاء وشــعورهم نحــو املفضــل دونهــم‪ ،‬وقــد قـ ّ‬
‫حــول هــذا املوضــوع هــي ســورة ســيدنا يوســف عليــه وعــى نبينــا الصــاة والســام‪.‬‬
‫‪ -‬تتأثــر شــخصية الطفــل كثـ ًرا بالعالقــة بينــه وبــن والديــه وخاصــة األم‪ ،‬وهــذه املرحلــة تتحـ ّدد‬
‫فيهــا األســس التــي تقــوم عليهــا شــخصية الطفــل فيــا بعــد‪ .‬ففــي الشــهر التاســع ميكــن للمولــود‬
‫محــاكاة اآلخريــن يف إمياءاتهــم‪ ،‬ويف نهايــة الســنة األوىل ميكنــه أن يســتجيب للتحذيــر والنهــي‪ ،‬ويف‬
‫منتصــف العــام الثــاين يبــدأ يف معانــدة الكبــار‪ ،‬ومقاومــة مطالبهــم بالصمــت واالنســحاب‪ ،‬أمــا‬
‫يف نهايــة الســنة الثانيــة‪ ،‬فيمكنــه أن يتعــاون مــع الكبــار يف أداء بعــض األعــال‪ .‬وتؤثــر طبيعــة‬
‫العالقــات بــن الطفــل والشــخص القائــم بــدور األمومــة خــال الســنة األوىل يف تحديــد مســتوى‬
‫الثقــة أو عــدم الثقــة عنــد الطفــل فيــا بعــد‪ ،‬فعــدم تلبيــة حاجــات الطفــل مــن عالقــات الحــب‬
‫واالنتبــاه واملالطفــة والتغذيــة‪ ،‬وبشــكل متكــرر‪ ،‬يــؤدي إىل الشــعور بعــدم الثقــة عنــده باآلخريــن‪،‬‬
‫وإن كان هــذا األمــر ميكــن تداركــه بالعــاج إذا تعــرض الطفــل بعــد ذلــك ملعاملــة أفضــل‪.‬‬
‫‪ -‬تلعــب العالقــات االجتامعيــة داخــل األرسة دو ًرا ها ًمــا يف تشــكيل ســلوك الطفــل‪ ،‬إذ إن ســلوك‬
‫رشا ومنتظـ ًـا خــال تلــك الفــرة‬ ‫ـال مبــا ً‬
‫الوالديــن واإلخــوة واألقــارب الذيــن يتّصلــون بــه اتصـ ً‬
‫الهامــة‪ ،‬يحــدد اتجاهاتــه نحــو النــاس واألشــياء والحيــاة عمو ًمــا‪ .‬فالطفــل الــذي يُحــرم مــن‬
‫ـخصا ســاك ًنا ال يســتجيب البتســامات اآلخريــن‪،‬‬ ‫الحنــان والحــب تتأثــر شــخصيته لذلــك‪ ،‬ويصبــح شـ ً‬
‫وتظهــر عليــه مظاهــر التعاســة وكأنــه يبحــث عــن اهتاممــات اآلخريــن‪ ،‬فالطفــل يف حاجــة إىل‬
‫مــن يتو ّجــه إليــه مبشــاعر التعلــق والحنــان‪ ،‬ولــو مــن شــخص واحــد‪ ،‬لذلــك يجــب أن تتن ّبــه األم‬
‫التــي تضطــر إىل وضــع مولودهــا الصغــر يف دار الحضانــة‪ ،‬وهــي عــادة ال يته ّيــأ فيهــا مطالــب‬
‫الرضيــع الحقيقيــة مــن الحنــان والحــب‪ ،‬أن تقــدم األم عنــد عودتــه للمنــزل لــه أكــر قــدر مــن‬
‫الحنــان واالنتبــاه لت ّعوضــه عــن الفقــد لذلــك يف –مخــازن األطفــال‪ -‬التــي تس ـ ّمى دور حضانــة‪.‬‬

‫‪239‬‬
‫ودور األب مهــم يف ذلــك عندمــا ميــارس مــع الرضيــع أمناطًــا مــن األنشــطة الحركيــة العنيفــة‬
‫التــي ال تقــدر عليهــا األم لضعفهــا وخوفهــا عــى الرضيــع‪ ،‬مثــل رفــع الرضيــع إىل أعــى يف الهــواء‪،‬‬
‫وحملــه عــى العاتــق والســر بــه‪ ،‬وهــذا مــا كان يفعلــه النبــي الكريــم صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫مــع الحســن والحســن‪ ،‬فعــن عمــر بــن الخطــاب ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬رأيــت الحســن والحســن‬
‫عــى عاتقــي النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فقلــت‪ :‬نعــم الفــرس تحتكــا‪ ،‬فقــال النبــي صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم‪ :‬ونعــم الفارســان» رواه أبــو يعــى والبـزار ورجــال أبــو يعــى رجــال الصحيــح‪.‬‬
‫وعــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬خــرج علينــا رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم ومعــه‬
‫الحســن والحســن عليهــا الســام‪ ،‬هــذا عــى عاتقــه‪ ،‬وهــذا عــى عاتقــه‪ ،‬يلثــم هــذا مـ ّرة‪ ،‬وهــذا‬
‫م ـ ّرة‪ ،‬حتــى انتهــى إلينــا‪ ،‬فقــال رجــل‪ :‬يــا رســول اللــه إنــك لتح ّبهــا؟ قــال‪َ :‬م ـ ْن أحبهــا فقــد‬
‫أحبنــي‪ ،‬ومــن أبغضهــا فقــد أبغضنــي» رواه ابــن ماجــة وأحمــد والبـزار ورجــال أحمــد ثقــات‪.‬‬
‫‪ -‬ســلوك الطفــل خــال مرحلــة الرضاعــة ليــس لــه معايــر أخالقيــة بعــد‪ ،‬ومبــرور الوقــت يتعلــم‬
‫مــن الوالديــن ومــن رفاقــه قواعــد الســلوك الجامعــي ومســايرتها‪ ،‬فالطفــل ال يشــعر بالذنــب عــى‬
‫الخطــأ‪ ،‬ألنــه يعــوزه املعايــر املحــد ّدة للخطــأ والصــواب‪ ،‬والتعامــل معــه يكــون بإفهامــه بقــدر مــا‬
‫ميكنــه مــا يعــود عليــه باللــذة‪ ،‬ألن اللّــذة واألمل هــا املحــركات لســلوكه‪ ،‬وبأســلوب حــازم رقيــق‪،‬‬
‫واســتخدام املحفـزات املاديــة‪ ،‬مــع التوضيــح الدائــم لــه يف كل موقــف‪ ،‬ميكنــه أن يســاير الوالديــن‬
‫يف طلباتهــا‪ ،‬ولكــن يجــب أن يكــون موقفنــا معــه واح ـ ًدا حتــى ال يقــع يف خلــط وســوء متييــز‪،‬‬
‫وقــد يجـ ّرب الطفـ ُـل الصغـ ُر الكبــار بــأن يفعــل الخطــأ ليعــرف مــا يســلكونه معــه‪.‬‬
‫‪ -‬ويجــب أن نعــزل األطفــال ســلوكيًّا عــن مشــاعرنا وانفعاالتنــا‪ ،‬خاصــة عنــد الغضــب والتوتــر‪،‬‬
‫فــا يجــدون منــا غــر املألــوف لهــم يف الحــاالت العاديــة‪ ،‬ألنهــم ال يســتوعبون الفــرق‪ ،‬وحتــى ال‬
‫نظلمهــم ونعاقبهــم عــى أمــر مل نكــن نعاقبهــم عليــه يف غــر حالــة الغضــب‪ ،‬ألن عقوبــة الطفــل‬
‫يجــب أن يســبقها دامئًــا توضيــح لــه وتفهيــم وتعليــم للخطــأ‪ ،‬ألن املعاقبــة لــه ليســت ملجازاتــه‬
‫عــن الخطــأ‪ ،‬ولكــن لتعليمــه الخطــأ‪ ،‬والفــرق كبــر فــإذا ُعوقــب الصغــر وقــت الغضــب وبــدون‬
‫تفهيــم‪ ،‬يكــون ذلــك مصــدر إزعــاج لــه ال يفهمــه وال يســتفاد منــه‪.‬‬
‫ـكال مــن العقــاب البــدين‪ ،‬إال يف حــاالت التع ّمــد‬
‫‪ -‬يجــب أال يتضمــن العقــاب يف تلــك املرحلــة أشـ ً‬

‫‪240‬‬
‫املتكــرر للخطــأ‪ ،‬ويف أضيــق الحــدود‪ ،‬وأخــف األشــكال‪ ،‬وإثابــة الطفــل عــى الســلوك الصحيــح‪،‬‬
‫بإظهــار التّقبّــل لــه‪ ،‬والعاطفــة نحــوه‪ ،‬أكــر فعاليــة مــن معاقبتــه عــى الســلوك الخاطــئ‪ ،‬وحتــى‬
‫يتعـ ّود الســلوك الصحيــح وخاصــة خــال الســنة الثانيــة مــن عمــره‪ ،‬حيــث يــزداد رفضً ــا ملطالــب‬
‫الوالديــن‪ ،‬وحيــث يبــدأ يف التمييــز بــن الخطــأ والصــواب‪.‬‬
‫‪ -‬طفــل مرحلــة الرضاعــة ال يفهــم املبــادئ املجــردة والخطــأ والصــواب‪ ،‬إال مــن خــال مواقــف‬
‫خاصــة‪ ،‬ومــا يوقــع الطفــل يف حــرة‪ ،‬أن يُطلــب منــه فعــل يشء يف حــا ٍل‪ ،‬ويطلــب منــه تركــه يف‬
‫حــا ٍل أخــرى‪ ،‬أو يطلــب منــه شــخص فعــل يشء أو تركــه‪ ،‬ويطلــب آخــر غــر ذلــك وعكســه‪ ،‬فــا‬
‫ـرا أن‬
‫يــدرك كيــف يكــون نفــس الســلوك صوابًــا أحيانًــا‪ ،‬وخطــأ أحيانًــا أخــرى‪ ،‬ومــا يزيــده تحـ ّ ً‬
‫يــرى الكبــار حولــه‪ ،‬وخاصــة الوالديــن‪ ،‬يفعلــون أمــو ًرا وينهونــه عنهــا‪ ،‬فيتعلــم مــن ذلــك فعــل‬
‫تلــك األمــور‪ ،‬ولكــن بعي ـ ًدا عــن األنظــار‪ ،‬وهــذا خلــق خطــر‪ ،‬إذا انطبــع عليــه‪ ،‬وأحيانًــا يطلــب‬
‫الطفــل أن يفعــل األمــور املنهــي عنهــا مــن والــده املتســامح معــه أكــر مــن غــره‪ ،‬ويف الغالــب‬
‫فــإن الطفــل يفعــل مثــل تلــك األمــور ويربرهــا بأســاليبه الســاذجة‪.‬‬
‫‪ -‬قــد يلجــأ بعــض األطفــال عنــد تجاهــل الكبــار لهــم وانشــغالهم عنهم‪ ،‬إىل فعــل األمــور املمنوعة‪،‬‬
‫والخــروج عــى القواعــد ملج ـ ّرد لفــت األنظــار واالنتبــاه لــه‪ ،‬حتــى مــع علمــه مبــا ســيلحقه مــن‬
‫جـزاء‪ ،‬ألنــه يفضــل االنتبــاه لــه عــى مجــرد العقوبــة املؤقتــة‪ .‬وقــد يكــون هــذا الخــرق للقواعــد‬
‫الســلوكية لتغطيــة شــعور آخــر لــدى الطفــل مثــل فشــله يف أداء يشء‪ ،‬أو الختبــار ســلطة الكبــار‬
‫يف مــدى املســموح لــه دون التعــرض للعقــاب‪ ،‬وأشــهر املظاهــر الســلوكية يف ذلــك‪ ،‬هــو التب ـ ّول‬
‫الــا إرادي واألفعــال االســتعراضية‪ ،‬والتّخريــب‪ ،‬ونوبــات الغضــب العصبيّــة‪ ،‬وجــذب االنتبــاه بــأي‬
‫طريقــة‪ ،‬والذكــور مييلــون إىل أفعــال تخريبيــة‪ ،‬بينــا متيــل البنــات إىل ســلوك العنــاد‪ .‬والطفــل‬
‫يف مرحلــة الحضانــة يشــعر أنــه يســتطيع القيــام بكثــر مــن األعــال التــي ال يســمح لــه القيــام‬
‫بهــا ويثــور عــى القيــود التــي يفرضهــا عليــه الوالــدان‪ ،‬ثــم يغضــب مـ ّرة أخــرى عنــد عجــزه عــن‬
‫القيــام مبــا يعتقــد أنــه قــادر عــى أدائــه بســهولة ونجــاح‪.‬‬
‫‪ -‬التدليــل الزائــد للطفــل‪ ،‬وخاصــة الطفــل األول‪ ،‬يــؤدي بالطفــل إىل أن يتكــ ّون عنــده ميــل‬
‫لالعتــاد عــى الغــر‪ ،‬وأن طلباتــه أوامــر يجــب أن يســتجيب لهــا الجميــع‪ ،‬لذلــك يجــب عــى األم‬

‫‪241‬‬
‫خاصــة‪ ،‬تشــجيع الطفــل عــى القيــام ببعــض متطلباتــه‪ ،‬وتشــجعه عــى االســتقالل قــدر اإلمــكان‬
‫مــن ناحيــة‪ ،‬ومــن ناحيــة أخــرى أن متنــع عنــه بعــض طلباتــه‪ ،‬ولــو مــع القــدرة‪ ،‬حتــى يتعـ ّود أن‬
‫كل مــا يرغــب فيــه قــد ال يحصــل عليــه‪ ،‬وأذكــر أننــي الحظــت مــرة عنــد زياريت ألحــد األثريــاء‪ ،‬أن‬
‫ابنــه الصغــر يطلــب منــه أشــيا ًء كثــرة‪ ،‬رغــم مــا بــن يديــه مــن خـرات اللــه ونعمــه‪ ،‬والحظــت‬
‫أن أبــاه يلبــي لــه كل طلــب‪ ،‬وأن الطفــل يتــادى يف طلباتــه‪ ،‬فقلــت لهــذا األب الــري‪ :‬إن هــذا‬
‫الســلوك مــع ابنــك قــد يــره‪ ،‬ألنــه ســيكرب عــى التعـ ّود عــى الطلــب باســتمرار‪ ،‬وأن طلباتــه ال‬
‫بــد أن تلبــى‪ ،‬وقــد يوافــق ظروفًــا ال تلبــي لــه رغباتــه فيغضــب ويشــقى لذلــك‪ ،‬واقتنــع األب بعــد‬
‫مناقشــة‪ ،‬حــاول أن يــرر ســلوكه بــأن ابنــه صغــر وأن لديــه املــال الكثــر فرييــد أن يســعد ابنــه‪،‬‬
‫وقلــت لــه‪ :‬مــن الحــرص عــى ســعادة ابنــك أن متنــع عنــه بعــض األشــياء رغــم غنــاك‪ ،‬وأن يتعلــم‬
‫أن الرغبــات ال تلبــى كلهــا يف هــذه الدنيــا‪ ،‬وحتــى يســتطيع أن يعيــش مــع أشــخاص بعــد ذلــك‬
‫ال يلبــون لــه كل طلباتــه‪.‬‬
‫***‬
‫دعوا ابين ال تفزِّعو ُه حتى يقضي بوله‬
‫* يجــب أن يتســامح الوالــدان مــع الطفــل عنــد تدريبــه عــى التح ّكــم يف إخ ـراج البــول وال ـراز‬
‫إلشــاعة الثقــة يف الطفــل‪ ،‬وليتفــادى أزمــة شــك قــد تصيبــه بســبب ذلــك فيــا بعــد املرحلــة‪.‬‬
‫ويجــب أال يتــم تدريــب الطفــل عــى عمليــة اإلخ ـراج قبــل بلوغــه فــرة عمريــة مــن ‪24-18‬‬
‫شــه ًرا‪ ،‬ألن النمــو الجســمي ال يتــم فيــه القــدرة عــى التحكــم اإلرادي إال بعــد هــذه الفــرة‪ ،‬وقبــل‬
‫ذلــك يكــون الواجــب عــى الوالديــن وليــس عــى الطفــل‪ ،‬بــأن يلزمــا نفســيهام باملواعيــد واألفعــال‬
‫املتعلقــة بذلــك‪.‬‬
‫واملشــكلة يف حقيقتهــا هــي وجــود القلــق عنــد الوالديــن‪ ،‬وخوفهــم الزائــد‪ ،‬خاصــة اعتبارهــا أن‬
‫تحكــم الطفــل يف املثانــة واألمعــاء مــؤرش عــى النضــج والصحــة‪.‬‬
‫‪ -‬نظافــة الطفــل واملــكان بعــد عمليــة اإلخـراج تظل مســؤولية اآلخرين وليســت مســئولية الطفل‪،‬‬
‫وال يــام عليهــا‪ ،‬لعــدم اســتطاعته‪ ،‬أو تفهمــه ذلــك خــال تلــك الفــرة ويســتحب للوالديــن تعويــد‬

‫‪242‬‬
‫الطفــل فقــط عــى املــي إىل الحــام وخلــع املالبــس والجلــوس عــى –القرصيــة‪ -‬وتحبيبــه يف‬
‫ذلــك وتشــجيعه‪ ،‬بــدون انتهــار لــه‪ ،‬أو تأفــف منــه‪ ،‬أو تو ّعــد‪ ،‬أو إيــذاء لــه‪ .‬وميكــن للوالديــن أن‬
‫يســتعينا ببعــض التنبيهــات غــر اللفظيــة لتنبيــه الطفــل عنــد توقّــع حــدوث اإلخ ـراج‪ ،‬وكذلــك‬
‫عليهــا مالحظــة مــا يظهــره الطفــل عندمــا يكون عــى وشــك التبـ ّول‪ ،‬أو التـ ّرز‪ ،‬وحينئذ يتــداركان‬
‫األمــر بالذهــاب بــه إىل الحــام ومســاعدته‪ ،‬وبذلــك يبــدأ يف تدريــب الطفــل عــى االســتقالل‬
‫بعمليــة اإلخـراج‪ ،‬ويجــب أن يتــذرع الوالــدان بالصــر‪ ،‬وال يتعجــا تدريــب الطفــل خــال هــذه‬
‫املرحلــة وهــذه امله ّمــة الحرجــة‪ ،‬وأفضــل ســن لتدريــب الطفــل عــى عمليــة اإلخـراج بعــد بلوغــه‬
‫ســنتني مــن عمــره‪ ،‬والحــرص الشــديد مــن الوالديــن والتحكــم الزائــد يغــرس يف الطفــل شــعو ًرا‬
‫بالشــك يف إمكانياتــه‪ ،‬وقــد يصيبــه ذلــك بالخجــل مــن جســمه وحاجاتــه‪ ،‬فالتســامح وتوثيــق‬
‫الثقــة مــع تعليــم االســتقاللية يف ـ ّوت عــى الطفــل الصغــر املشــاكل‪ .‬عــن أنــس ريض اللــه عنــه‬
‫ـت عنــد النبــي صــى اللــه عليــه وســلم وعــى صــدره أو بطنــه الحســن أو الحســن‬ ‫قــال‪« :‬كنـ ُ‬
‫ـت إليــه‪ ،‬فقــال‪ :‬دعــوا ابنــي ال تف َّزعــوه حتــى‬
‫عليهــا الســام‪ ،‬فبــال‪ ،‬فرأيــت بولــه أســاريع‪ ،‬فقمـ ُ‬
‫يقــي بولــه‪ ،‬ثــم أتبعــه املــاء‪ ،‬ثــم قــام فدخــل بيــت متــر الصدقــة ومعــه الغــام‪ ،‬فأخــذ متــرة‬
‫فجعلهــا يف فيــه‪ ،‬فاســتخرجها النبــي صــى اللــه عليــه وســلم وقــال‪ :‬إن الصدقــة ال تحــل لنــا»‬
‫رواه أحمــد والط ـراين ورجالــه ثقــات‪ .‬فهــذا نبــي الرحمــة‪ ،‬النبــي األمــي العــريب معلــم الخلــق‬
‫أجمعــن إىل يــوم الديــن يُجلــس الرضيــع عــى بطنــه الرشيــف‪ ،‬فيتبـ ّول الصغــر عليــه‪ ،‬وكأن شــيئًا‬
‫ال يحــدث والبــول ينســاب عــى جســده الكريــم‪ ،‬بــل مينــع اآلخريــن‪ ،‬ويعلمهــم‪ ،‬أن ال يف ّزعــوا‬
‫الصغــر حتــى يقــي بولــه‪ ،‬واملســألة ببســاطة‪ ،‬مــع تواضعــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬ال تعــدو أن‬
‫تكــون نجاســة فتـزال باملــاء‪ ،‬وأعظــم مــن ذلــك أنــه صــى اللــه عليــه وســلم أخــذ نفــس الصغــر‬
‫الــذي تب ـ ّول عليــه وخــرج بــه حتــى دخــل بيــت صدقــة املســلمني‪ ،‬وأخــذ يعلــم الحســن وهــو‬
‫مــن آل بيــت النبــي صــى اللــه عليــه وســلم أن الصدقــة ال تحــل لهــم‪ .‬كــا روت أم قيــس بنــت‬
‫محصــن ريض اللــه عنهــا أنهــا «أتــت بابــن لهــا صغــر مل يــأكل إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم‪ ،‬فأجلســه رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يف حجــره‪ ،‬فبــال عــى ثوبــه‪ ،‬فدعــا مبــاء‬
‫َف َنضَ َحــه ومل يغســله» رواه البخــاري ومســلم‪ ،‬كــا روت لبابــة بنــت الحــارث ريض اللــه عنهــا‬

‫‪243‬‬
‫قالــت «كان الحســن بــن عــي يف حجــر النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فبــال عــى ثوبــه‪ ،‬فقلــت‪:‬‬
‫يــا رســول البــس ثوبًــا وأعطنــي إزارك حتــى أغســله‪ ،‬قــال‪ :‬إمنــا يُغْســل مــن بــول األنثــى ويُنضــح‬
‫مــن بــول الذكــر» رواه أبــو داود‪ .‬فصــى اللــه وســلم عــى نبــي الهــدى والرحمــة‪ ،‬وريض اللــه عــن‬
‫أصحابــه الكـرام‪ ،‬ويــا ليتنــا نفقــه ديننــا‪ ،‬ديــن الســاحة والعلــم‪.‬‬
‫***‬
‫فطام برمحة وبدون آالم‬
‫* الفصــل‪ ،‬أو الفطــام‪ ،‬عــن الرضاعــة‪ ،‬يجــب التــد ّرج فيــه‪ ،‬وأن يتــم بــدون معاقبــة للصغــر‪ ،‬أو‬
‫تشـ ّدد معــه وقهــر‪ ،‬حتــى ال يتحـ ّول الفطــام إىل صدمــة نفســية‪ ،‬وأفضــل طريقــة لفطــام الرضيــع‬
‫دون تعريضــه ملشــكالت حــا ّدة‪ ،‬أن تقــوم األم بإنقــاص كميــة الطعــام الــذي يتناولــه الطفــل عــن‬
‫طريــق الرضاعــة‪ ،‬طاملــا يســتطيع الطفــل الحصــول عــى طعامــه مــن مصــادر أخــرى‪ .‬واملطلــوب‬
‫الرفــق والتســامح وليــس الحســم والقسـ َوة عنــد تدريــب الرضيــع عــى الفطــام‪ ،‬ويجــب أن يكــون‬
‫ذلــك طب ًقــا لربنامــج واضــح ال يــرك للتقديــر العاطفــي وانعــكاس املواقــف‪ ،‬ويجــب أن نعمــل‬
‫عــى عــدم توتــر الطفــل بصفــة عامــة‪ ،‬وأن يحــدث تفاعــل دائــم مــن األم للطفــل حتــى ال يفهــم‬
‫انقطاعــه عــن األم نفســها‪ ،‬وليــس عــن ثديهــا‪ ،‬فينفعــل ويتوتــر‪.‬‬
‫‪ -‬مــن عالمــات االســتعداد للفطــام عنــد الطفــل‪ ،‬أن يشــعر بالجــوع عــى الرغــم مــن أنــه يتغـذّى‬
‫برضاعــة ج ّيــدة كل ثــاث أو أربــع ســاعات‪ ،‬فيتــم حينئــذ تعويضــه‪ ،‬وتحويلــه إىل رشب الســوائل‬
‫مــن الكــوب‪ .‬وهنــاك كثــر مــن األطفــال يفطمــون أنفســهم بالتدريــج‪ ،‬وخاصــة عندمــا يالحظــون‬
‫إخوتهــم الكبــار يف طريقــة أكلهــم‪ ،‬فيحاولــون تقليدهــم يف ذلــك‪ ،‬ويجــب عــى الوالديــن‬
‫تشــجيعهم عــى ذلــك‪.‬‬
‫‪ -‬إذا كانــت هنــاك دوا ٍع توجــب وقــف الرضاعــة الطبيعيــة ألســباب هامــة‪ ،‬فاألفضــل أن يتحـ ّول‬
‫ـص‪ ،‬إذ‬ ‫الرضيــع إىل الرضاعــة الصناعيــة‪ ،‬باســتخدام الزجاجــة‪ ،‬حتــى يتوافــر لــه إشــباع حاجــة املـ ِّ‬
‫ـص األصابــع بعــد انتهــاء فــرة الفطــام‪ ،‬ويصبــح الزمــة‬ ‫يــؤدي الحرمــان مــن الرضاعــة إىل عــادة مـ ِّ‬
‫عصبيــة يظهرهــا الطفــل عندمــا يكــر يف مواقــف القلــق والتوتــر‪ .‬وإذا أرادت األم أن تحــ ِّول‬

‫‪244‬‬
‫الرضيــع مــن الــرب يف الزجاجــة إىل الــرب مــن الكــوب وغــره‪ ،‬فتبــدأ مبــلء الزجاجــة باملــاء‬
‫دون املــواد الغذائيــة التــي يرغبهــا الطفــل‪ ،‬كاللــن والعصائــر‪ ،‬وذلــك لــي يتوقــف عــن اســتخدام‬
‫الزجاجــة مــن تلقــاء نفســه‪ ،‬ويتنــاول األطعمــة مــن غــر الزجاجــة‪.‬‬
‫***‬
‫لذة اللعب مع الصغار‬
‫* عندمــا يصــل الرضيــع إىل ســن ثالثــة أشــهر‪ ،‬ميكنــه اســتخدام لعــب األطفــال بعــد أن تكــون قــد‬
‫منــت قدرتــه عــى التح ّكــم يف يديــه‪ ،‬ويســتمتع الرضيــع بتقلبــه عــى الظهــر والجنبــن وال ّرفْــس‬
‫والوصــول إىل أصابــع القــدم‪ ،‬ويف الشــهر الثامــن يصبــح اللعــب أقــل عشــوائية‪ ،‬ومــع تعلّــم املــي‬
‫يندمــج يف اللعــب بنشــاط‪ .‬ويف ســن (‪ )18‬مثانيــة عــر شــه ًرا يحــايك الكبــار يف لعبهــم ولهوهــم‪،‬‬
‫ويلعــب منفــر ًدا‪ ،‬ويف حالــة وجــود أطفــال آخريــن يقــوم بــدور املشــاهد‪ ،‬ويبــدأ يف اللعــب معهــم‬
‫خــال النصــف الثــاين مــن الســنة الثانيــة‪ ،‬ولكنــة ينتــزع اللعــب منهــم لعــدم تعلمــه الطابــع‬
‫االجتامعــي بعــد‪.‬‬
‫‪ -‬بســبب نقــص التــآزر العضــي يكــون الطفــل ُمخ ّربًــا لألشــياء التــي تصــل إىل يديــه‪ ،‬وهــو ال‬
‫يقصــد تحطيمهــا‪ ،‬وال يــدرك ذلــك‪ ،‬ومهمــة الوالديــن إبعــاده عــن تلــك األشــياء املمكــن تحطيمهــا‪،‬‬
‫وإبدالــه أشــيا ًء ال تتحطــم حتــى ال نحرمــه مــن لـذّة اللعــب باألشــياء‪ ،‬وبالطبــع ال يعاقــب الطفــل‬
‫عــى ســلوكه لعــدم جــدواه معــه‪ ،‬ويكــون ذلــك ظلـ ًـا لــه‪.‬‬
‫‪ -‬وتوجــد بعــض الفــروق عنــد األطفــال يف طريقــة اللعــب‪ ،‬حيــث إن األطفــال األذكيــاء يفضلــون‬
‫اللعــب االبتــكاري ويظهــرون مــن صغرهــم خصائــص مــن اإلبــداع‪ ،‬وكذلــك تظهــر فــروق اللعــب‬
‫تب ًعــا للجنــس‪ ،‬ســواء يف أدوات اللعــب أو يف طــرق اســتخدامها‪ .‬والطفــل يف مرحلــة الرضاعــة لــه‬
‫جاذبيــة للكبــار نحــوه فغال ًبــا مــا يتولــون اللعــب معــه‪ ،‬ويســتمتعون معــه بذلــك‪.‬‬
‫* مالحظات عامة للمرحلة‪:‬‬
‫أول لعجــزه الكامــل‪ ،‬وثان ًيــا لتعرضــه‬
‫‪ -1‬يحتــاج طفــل هــذه املرحلــة إىل الرعايــة واإلرشاف التــام‪ً ،‬‬
‫لكثــر مــن الحــوادث‪ ،‬وخاصــة مــا يتصــل بالبلع لألشــياء املختلفــة التي تصــل إىل يديــه‪ ،‬كاملبيدات‪،‬‬

‫‪245‬‬
‫واألدويــة‪ ،‬واملســامري واألزرار‪ ،‬وكل مــا يلقــى دون عنايــة يف مجــال حركــة الطفــل‪ ،‬فالطفــل ال‬
‫ـول إىل اللــذة يف خــال تلــك املرحلــة‪.‬‬ ‫يعــرف إال البلــع وصـ ً‬
‫‪ -2‬ينشــأ عــن التوتــر بــن الوالديــن‪ ،‬وســوء العالقــة بينهــا‪ ،‬والتشــاجر املتكــرر‪ ،‬فقــدان الطفــل‬
‫شــهية الطعــام‪ ،‬والتهــاب القولــون‪ ،‬والتب ـ ّول الــا إرادي‪ ،‬وأم ـراض الحساســية‪.‬‬
‫‪ -3‬إظهــار مشــاعر الغضــب نحــو الطفــل‪ ،‬وإظهــار مشــاعر الذنــب واللــوم الدائــم أو العنيــف‬
‫يــؤدي إىل توتــر الطفــل ويزيــد مــن حـ ّدة مرضــه وإطالــة مدتــه‪ ،‬والعكــس تؤثــر العواطــف نحــو‬
‫الطفــل وإبــداء االهتــام واالنتبــاه والقــرب منــه إىل نتائــج طيبــة يف مشــاعر الطفــل وصحتــه‬
‫وتغذيتــه‪.‬‬
‫‪ -4‬ميكــن لطفــل الحضانــة يف نهايــة العــام الثــاين اســتخدام أقــام الرصــاص‪ ،‬وأقــام التلويــن ورســم‬
‫بعــض الصــور وتلوينها‪.‬‬
‫‪ -5‬يف نهايــة العــام الثــاين يطالــب الطفــل عــادة باتبــاع عــادات ســلوكية معينــة وتغيــر أســاليبه‬
‫الســابقة يف الســلوك‪ ،‬ولذلــك يبــدأ رصاع بــن الطفــل ووالديــه يف الظهــور‪ ،‬ويغضــب الطفــل مــن‬
‫كل َمــن ح ْولــه عندمــا يعجــز عــن القيــام مبــا يطالــب بــه‪.‬‬
‫‪ -6‬العــام األول حاســم يف منــو الشــعور بالثقــة يف اآلخريــن‪ ،‬فالرضيــع الــذي ال يتل ّقــى قــد ًرا كاف ًيــا‬
‫مــن الحنــان والحــب قــد يفشــل يف تكويــن عالقــات اجتامعيــة يف مراحــل عمــره‪ ،‬خاصــة إن‬
‫اســتمر معــه هــذا العجــز يف الحنــان‪.‬‬
‫‪ -7‬يحســن تســجيل مالحظــات عــن الطفــل يف ســجل خــاص بــه‪ ،‬وتســجيل العــوارض التــي تصيبه‪،‬‬
‫ألن تك ـرار ظواهــر وأفعــال‪ ،‬قــد تعنــي اكتشــاف قــدرة خاصــة‪ ،‬أو مــرض عنــد الطفــل‪ ،‬ويجــب‬
‫تســجيل املالحظــات كــا هــي ال تســجيل تفســرنا عــن الحــدث‪.‬‬
‫‪ -8‬ينبغي تسجيل الطفل بأحد مراكز التطعيم ملتابعة تطعيمه‪ ،‬أو لدى طبيب خاص‪.‬‬
‫***‬

‫‪246‬‬
‫ة‬ ‫لش ة‬
‫ا ع �ر� الط ي� ب��‬ ‫‪4‬‬
‫[مع األوالد وتربيتهم]‬
‫مــا بــن اســتمتاع ولهــو الطفــل الغريــر ومــا بــن‬
‫مســؤولية وحــرص الوالديــن الكبــر تزكــو نفــس الطفــل‬
‫الصغــر‬
‫* مقدمة عن تنشئة الطفل الصغري‪.‬‬
‫* دور األبوين يف التأثري عىل فطرة الطفل وتح ّولها‪.‬‬
‫* الطفولــة هــي مرحلــة التكويــن للخصائــص والســلوك التــي تؤثــر عــى‬
‫املراحــل الالحقــة‪.‬‬
‫* الخربة واملعايري التي تتحكّم يف توجيه الطفل خالل طور الطفولة‪.‬‬
‫* عىل ماذا يرتىب الصغار؟‬
‫* لن يكون الطفل نسخة مام يف الخيال‪.‬‬
‫* طاقات الطفل‪ ،‬وكيف تستنفد‪.‬‬
‫* الشأن الخطري لألب يف التنشئة‪.‬‬
‫* ما هي الوسائل والطرق التي يتبعها األب مع الطفل الصغري‪.‬‬

‫‪247‬‬
‫بني يدي التنشئة للطفل‬

‫كــا تحتــاج أي نبتــة لــي تنمــو إىل تغذيــة مناســبة‪ ،‬ومنــاخ طيــب نظيــف مــن العــوارض الضــارة‪،‬‬
‫وإىل مــن يقــوم بالرعايــة عليهــا‪ ،‬حتــى تطيــب وتثمــر وتكــون نافعــة‪ ،‬فكذلــك الطفــل يف تنشــئته‬
‫يحتــاج إىل مــن يقــوم عليــه بالرعايــة‪ ،‬وإىل تعاهــده بالتغذيــة الطيبــة‪ ،‬وإىل توفــر الجــو املالئــم‬
‫مــن التعامــل والعواطــف والعنايــة‪ .‬يقــول اللــه تبــارك وتعــاىل عــن تنشــئة الســيدة الطاهــرة‬
‫مريــم عليهــا الســام‪{ :‬فَتَ َق َّبلَ َهــا َربُّ َهــا ِب َق ُبــو ٍل َح َســنٍ َوأَنْ َبتَ َهــا نَ َباتًــا َح َسـ ًنا َوكَ َّفلَ َهــا َزكَ ِريَّــا كُلَّـ َـا َد َخـ َـل‬
‫اب َو َجـ َد ِع ْن َد َهــا ِر ْزقًــا} [آل عمـران‪ ،]37 :‬فإنباتهــا الحســن‪ ،‬وكفالــة ورعايــة‬ ‫َعلَيْ َهــا َزكَ ِريَّــا الْ ِم ْحـ َر َ‬
‫الصالــح زكريــا عليــه وعــى نبينــا الصــاة والســام‪ ،‬وج ـ ّو الطهــر‪ ،‬ج ـ ّو املح ـراب‪ ،‬والــرزق الــذي‬
‫هــو مــن عنــد اللــه‪.‬‬
‫* أيتهــا األم الحنــون‪ ،‬أيهــا األب الكريــم‪ :‬بــن أيديكــا اآلن طفــل عــى فطــرة اللــه التــي فطــره‬
‫عليهــا‪ ،‬يقــول الصــادق املصــدوق صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬مــا مــن مولــود إال يولــد عــى الفطرة‪،‬‬
‫ينصانــه‪ ،‬أو مي ِّجســانه‪ ،‬كــا تنتــج البهيمــة بهيمــة جمعــاء‪ ،‬هــل تحســون‬ ‫فأبــواه يه ِّودانــه‪ ،‬أو ِّ‬
‫ـاس َعلَ ْي َهــا َل‬‫فيهــا مــن جدعــاء‪ ،‬ثــم يقــول أبــو هريــرة‪ :‬اقــرؤوا‪ِ { :‬فطْ ـ َر َة اللَّ ـ ِه الَّ ِتــي َفطَ ـ َر ال َّنـ َ‬
‫ـق اللَّ ـ ِه َذلِــكَ الدِّ ي ـ ُن القيــم}»‪ .‬رواه البخــاري ومســلم‪ ،‬ويف روايــة ملســلم‪« :‬حتــى‬ ‫تَ ْب ِديـ َـل لِ َخلْـ ِ‬
‫تكونــوا أنتــم تجدعونهــا»‪ .‬قالــوا‪ :‬يــا رســول اللــه أفرأيــت لــو مــات قبــل ذلــك؟ قــال‪« :‬اللــه أعلــم‬
‫مبــا كانــوا عاملــن»‪ .‬قــال العلــاء‪ :‬إن كل مولــود مــن البــر إمنــا يولــد يف مبــدأ الخلقــة وأصــل‬
‫الجبلّــة‪ ،‬عــى الفطــرة الســليمة والطبــع املهيــأ لقبــول الديــن الحــق‪ ،‬فلــو تُــرك عليهــا الســتمر‬
‫عــى لزومهــا‪ ،‬ومل يفارقهــا إىل غريهــا‪ ،‬ألن هــذا الديــن الحــق ُح ْسـ ُن ُه موجــود يف النفــوس‪ ،‬وبــره‬
‫يف القلــوب‪ ،‬وإنّ ــا يعــدل عنــه َمــن يعــدل إىل غــره آلفــة مــن آفــات الــر والتقليــد‪ ،‬فلــو َس ـلِم‬
‫املولــود مــن تلــك اآلفــات مل يعتقــد غــره‪ ،‬واملعنــى‪ :‬أن املولــود يولــد عــى نــوع مــن الجبلّــة‪،‬‬
‫وهــي الفطــرة‪ ،‬وكونــه مته ِّيئًــا لقبــول الحقيقــة طب ًعــا وط ْو ًعــا‪ ،‬ولــو خلّتْــه شــياطني اإلنــس والجــن‬
‫ـر إال إيَّاهــا‪ ،‬ورضب صــى اللــه عليــه وســلم املثــل بــأن البهيمــة تولــد ســليمة‬ ‫ومــا يختــار مل يَخـ َ ْ‬

‫‪248‬‬
‫األط ـراف مــن القطــع‪ ،‬ولــوال النــاس وتعرضهــم إليهــا لبقيــت كــا ولــدت ســليمة بــا قطــع‪.‬‬
‫* مفهــوم الفطــرة يرتبــط بالوراثــة‪ ،‬ومفهــوم الخــرة يرتبــط بالبيئــة‪ ،‬واملقصــود بهــا‪ :‬مجمــوع‬
‫االســتثارات التــي يتلقّاهــا الفــرد أثنــاء حياتــه‪ ،‬والوراثــة تســهم مبقــدار كبــر يف الفــروق الفرديــة‪،‬‬
‫ـج خــاف الخــرة فهــي عمليــات‬ ‫خاصــة يف النشــاط العقــي‪ ،‬وهــذه الخصائــص يحــدث لهــا نَضْ ـ ٌ‬
‫تعليميــة وتدريبيــة‪ ،‬ولهــا أهميــة بالغــة يف إحــداث تغيــر الســلوك واألداء‪ ،‬حيــث إن الســات‬
‫النفســية الكامنــة –االســتعدادات‪ -‬ال تصــل إىل أقــى طاقاتهــا الوظيفيــة إال بالتعلــم‪ .‬والفــروق‬
‫الفرديــة يف مختلــف أمنــاط الســلوك يتفاعــل فيهــا عامــل الوراثــة وعامــل التعليــم‪ ،‬ولكــن هنــاك‬
‫حــدود ال ميكــن للوراثــة أو التعليــم أن يتقــدم بعدهــا مهــا توفّــرت أفضــل الطــرق وأقــوى‬
‫الدوافــع‪ ،‬لذلــك ال يلــزم أن يكــون أف ـراد األرسة مــن األبويــن عــى نفــس االســتعدادات يف ظــل‬
‫الظــروف الواحــدة‪.‬‬
‫* الطفولــة هــي املرحلــة التكوينيــة لكثــر مــن الخصائــص الجســمية والنفســية‪ ،‬فاالتجاهــات‬
‫والعــادات وأمنــاط الســلوك تتك ـ َّون معظمهــا وإىل ح ـ ٍّد كبــر خــال الســنوات املبكــرة يف حيــاة‬
‫اإلنســان وهــو طفــل‪ ،‬ورغــم هــذا فليــس األمــر جامـ ًدا ثابتًــا‪ ،‬فــكل يشء مــن ذلــك عرضــة للتغيــر‬
‫خــال فـرات العمــر‪ ،‬وخـرات الطفــل يف مرحلــة تؤثــر يف املراحــل الالحقــة‪ ،‬وهنــاك فـرات يكــون‬
‫فيهــا االســتعداد لتعلــم أنــواع معينــة مــن األعــال والســلوك‪.‬‬
‫* اإلنســان ومنـ ّوه ومــا يتّصــل بــه والتعامــل معــه‪ ،‬يحتــاج إىل خــرة فريــدة‪ ،‬وال يصلــح لــه معيــار‬
‫واحــد‪ ،‬أو يناســبه التّعميــم يف الحكــم‪ ،‬بســبب تع ّقــد ســلوك اإلنســان‪ ،‬وتع ّقــد البيئــة التــي يعيــش‬
‫فيهــا‪ ،‬وتعقــد التفاعــل بينهــا‪ ،‬ويجــب أن نحــذر مــن تحويلنــا املعايــر التــي نحكــم بهــا إىل قيــود‬
‫تح ـ ّد مــن ســلوكنا‪ ،‬أو مــن ســلوك اآلخريــن‪ ،‬وأن نلزمهــم بتلــك املعايــر‪ ،‬ويكــون هدفنــا هــو‬
‫الســعي نحــو التحكــم يف التغي ـرات التــي تطــرأ عــى الطفــل حتــى ميكــن ضبطهــا وتوجيههــا‬
‫والتنبــؤ بهــا‪ ،‬وهــذا يحتــاج إىل فهــم واضــح وتعليــل دقيــق للظواهــر اإلنســانية خــال أطــوار‬
‫الطفــل حتــى ميكــن رعايتــه‪ ،‬فمثـ ًـا الطفــل مــن والدتــه حتــى ســن املدرســة يف مرحلــة إدر ٍ‬
‫اك ملــا‬
‫حولــه‪ ،‬أمــا طفــل املدرســة وحتــى ســن ‪ 12‬ســنة فهــو يف مرحلــة الخيــال‪ ،‬وأمــا مرحلــة التع ّقــل‬

‫‪249‬‬
‫واالســتدالل فتكــون مــا بــن ‪ 18-12‬ســنة‪ ،‬ثــم مرحلــة الطمــوح فتكــون مــا بــن ‪ 24-18‬ســنة‪،‬‬
‫كــا أن تغــر الســلوك لــدى اإلنســان عمو ًمــا‪ ،‬فيحتــاج إىل توجيــه صحيــح‪ ،‬ومســاعدة عــى ذلــك‬
‫التغيــر‪ ،‬وأن توجــد دافعيــة شــديدة لــدى الفــرد نحــو هــذا التعديــل‪ ،‬كــا يجــب أن نراعــي‬
‫خصائــص كل مرحلــة ســنية يف حيــاة الطفــل‪ ،‬ومــا الــذي نتوقعــه منــه يف كل مرحلــة‪ ،‬ومــا الــذي‬
‫يجــب أن نقدمــه لــه يف كل مرحلــة حتــى نج ّنبــه القلــق والخــوف‪ ،‬ومــا هــي درجــة تف ـ ّرده يف‬
‫شــخصيته‪ ،‬فالتغيــر يف الســلوك يرتبــط بالعمــر الزمنــي للطفــل‪ ،‬فاملهــارة يف الــكالم ال تكــون‬
‫قبــل ثــاث ســنوات مثـ ًـا‪ ،‬والرضيــع نعلمــه التحكــم يف اإلخـراج وكيفيــة النطــق وطريقــة ارتــداء‬
‫املالبــس وتنــاول الطعــام بعــد ذلــك‪ ،‬وأمــا املراهــق فيتعلــم العــادات االجتامعيــة‪ ،‬والراشــد يتعلــم‬
‫كييــف يتحمــل املســؤولية ويــؤدي األعــال‪ .‬واملطلــوب أن نوفّــر املنــاخ الــذي يجعــل الطفــل‬
‫لديــه رغبــة واســتجابة للعمليــة الرتبويــة بــأن يشــعر باالرتيــاح لهــا يف كل مــا نطالبــه بــه‪ ،‬أو مــا‬
‫ـول وانتبا ًهــا وانفعــالً للتوجيهــات والتكليفــات‪ ،‬حتــى يكتســب‬ ‫يقــوم بــه‪ ،‬وهــذا يجعلــه أكــر قبـ ً‬
‫أمناطًــا ســلوكية جديــدة‪ ،‬أو عنــد تعديــل بعضهــا‪ ،‬أو إزالــة الســلوك غــر املرغــوب فيــه عنــده‪.‬‬
‫***‬
‫على ماذا يرتبَّى ِّ‬
‫الصغار؟‬
‫* تذكــر وأنــت تتعامــل وتــريب طفلــك أن الطفــل ال يعــرف إال االســتمتاع واللهــو والبهجــة‪ ،‬وال‬
‫يعــرف املســؤوليات‪ ،‬وال يح ّملــه الــرع والعقــل ذلــك‪ ،‬فحــاول أن تســتمع معــه وأنــت مســؤول‬
‫عنــه‪ ،‬واجعــل ذلــك قربــة تتقــرب بهــا إىل اللــه تعــاىل‪ ،‬واحــذر أن يكــون غرضــك تنشــئة ابنــك‬
‫ل ـراه النــاس أو ليتحدثــوا عنــه وعنــك‪ ،‬أو ترغــب وتعمــل عــى أن تخلِّقــه أو تعلّمــه كــا يريــد‬
‫النــاس‪ ،‬ولكــن اجعلــه للــه أمانــة عنــدك تــؤ ّدي معــه مــا يحبــه اللــه ومــا يكلفــك بــه نحــوه‪.‬‬
‫‪ -‬لتكــن همتــك مــع طفلــك‪ ،‬أن يكــون ناج ًحــا يف الدنيــا‪ ،‬مفل ًحــا يف اآلخــرة‪ ،‬ســعي ًدا يف الداريــن‪،‬‬
‫ناف ًعــا لنفســه ولغــره‪ ،‬قويًّــا يف جســمه ودينــه‪ ،‬محبًّــا للخــر داعيًــا لــه‪ ،‬يعيــش مــع النــاس يف‬
‫مــو ّدة وتعــاون‪ ،‬فكذلــك كانــت همــة الصالحــن القــدوة للنــاس أجمعــن‪ ،‬يُذْكــر أن ســيدتنا هنــد‬
‫بنــت عتبــة زوجــة ســيدنا أيب ســفيان ريض اللــه عنهــا كانــت تحمــل ســيدنا معاويــة ريض اللــه‬

‫‪250‬‬
‫يتوســمون‪ ،‬فقــال لهــا‪ :‬أرى هــذا الطفــل أنــه سيســود‬ ‫عنــه وهــو صغــر‪ ،‬فــرآه أحــد العــرب الذيــن َّ‬
‫قومــه‪ ،‬فقالــت بعــزم مــن ت ِّوهــا‪ :‬ثكلتــه أمــه إن مل يســد إال قومــه‪ .‬إنهــا عزمــت أن تنشِّ ــئه عــى‬
‫ســيادته الدنيــا وليــس قومــه فقــط‪ ،‬وقــد كان‪ ،‬وهــذه إحــدى الفُضْ ليــات ريض اللــه عنهــن تحمــل‬
‫صغريهــا وتذهــب بــه إىل النبــي صــى اللــه عليــه وســلم ليبايعــه عــى الجهــاد يف ســبيل اللــه‪،‬‬
‫فعــن عبــد اللــه بــن هشــام ريض اللــه عنــه‪ ،‬وكان قــد أدرك النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪:‬‬
‫ـت بــه أ ّمــه زينــب بنــت ُح َم ْيــد ريض اللــه عنهــا إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬ ‫«ذهبـ ْ‬
‫فقالــت‪ :‬يــا رســول اللــه بايعــه‪ ،‬فقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬هــو صغــر‪ ،‬ومســح‬
‫رأســه» البخــاري وأبــو داود‪ ،‬وزاد البخــاري‪« :‬ودعــا لــه‪ ،‬وكان يض ِّحــي بالشــاة الواحــدة عــن‬
‫جميــع أهلهــا» فكــم كانــت األمهــات حريصــات عــى التضحيــة بأبنائهــن يف ســبيل اللــه‪ ،‬وكــم‬
‫ـن الرجــال‪ .‬وهــذا صحــا ّيب أصابــه القلــق عــى ابنــه ألنــه ال يقــوم الليــل وينــام‪ ،‬روى‬ ‫كــن يُ َنشِّ ـ ْ َ‬
‫اإلمــام أحمــد يف مســنده «أن رجـ ًـا جــاء إىل النبــي صــى اللــه عليــه وســلم بابــن لــه‪ ،‬فقــال‪:‬‬
‫يــا رســول اللــه إن ابنــي يقــرأ القــرآن بالنهــار ويبيــت بالليــل؟ فقــال رســول اللــه صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم‪ :‬مــا تنقــم أن ابنــك يصبــح ذاكـ ًرا ويبيــت ســاملًا» إن شــكوى الصحــايب وقلقــه عــى‬
‫ابنــه أنــه ال يقــوم الليــل؟!! وهــذه امــرأة أخــرى مــات عنهــا زوجهــا وتــرك لهــا طفـ ًـا صغ ـ ًرا‪،‬‬
‫فهاجــرت بــه يف ســبيل اللــه وحرصــت عــى أن يصبــح ابنهــا رجـ ًـا مجاه ـ ًدا‪ ،‬فقــد روى ســمرة‬
‫بــن جنــدب ريض اللــه عنــه‪« :‬أن أم ســمرة مــات عنهــا زوجهــا‪ ،‬وكانــت امــرأة جميلــة‪ ،‬فقدمــت‬
‫املدينــة فخطبــت فجعلــت تقــول‪ :‬ال أتــزوج رجـ ًـا إال رجـ ًـا تك ّفــل لهــا بنفقــة ابنهــا ســمرة حتــى‬
‫يبلــغ‪ ،‬فتزوجهــا رجــل مــن األنصــار‪ ،‬وكان النبــي صــى اللــه عليــه وســلم يعــرض غلــان األنصــار‬
‫يف كل عــام‪ ،‬فمــن بلــغ منهــم بعثــه‪ ،‬فعرضهــم ذات عــام‪ ،‬فم ـ ّر بــه غــام فبعثــه يف البعــث‪،‬‬
‫وعــرض عليــه ســمرة مــن بعــده فــر ّده‪ ،‬فقــال ســمرة‪ :‬يــا رســول اللــه أجــزت غال ًمــا ورددتنــي‪،‬‬
‫ولــو صارعنــي لرصعتــه‪ ،‬قــال‪ :‬فدونــك فصارعــه‪ ،‬فصارع ُتــه فرص ْع ُتــه‪ ،‬فأجــازين يف البعــث»‪ .‬رواه‬
‫الطـراين ورجالــه ثقــات‪ .‬وهــذه أســاء بنــت أيب بكــر ريض اللــه عنهــا تقــول‪« :‬جــاء عبــد اللــه‬
‫بــن الزبــر‪ ،‬وهــو ابــن ســبع ســنني‪ ،‬أو مثــان‪ ،‬ليبايــع رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬وأمــره‬
‫بذلــك الزبــر‪ ،‬ف َت َب َّســم رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم حــن رآه مقبـ ًـا ثــم بايعــه» رواه‬

‫‪251‬‬
‫البخــاري ومســلم‪ .‬ويف هــذه الحكايــة الطريفــة التــي رواهــا أبــو داود والطـراين مــا يطلعنــا عــى‬
‫مــا كان يتحملــه الصغــار مــن مســؤوليات ع َّودهــم عليهــا اآلبــاء واألمهــات رضــوان اللــه عليهــم‪:‬‬
‫«أن وفــدً ا إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم م ـ ُّروا بــأم زبيــب‪ ،‬فأخــذوا زربيتهــا‪ ،‬فركــب‬
‫ـب إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬يــا رســول اللــه أخــذ القــوم زربيــة أ ِّمــي‪،‬‬ ‫زبيـ ُ‬
‫فقــال النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ُ :‬ر ُّدوا عليــه زربيــة أ ِّمــه‪ ،‬فأخــذ مــن الــذي أخــذ زربيــة أ ّمــه‬
‫صا ًعــا مــن شــعري وســيفه ومنطقــه‪ ،‬ثــم رفــع النبــي صــى اللــه عليــه وســلم يــده فمســح بهــا‬
‫رأس زبيــب‪ ،‬ثــم قــال‪ :‬بــارك اللــه فيــك يــا غــام وبــارك ألمــك فيــك» والزربيــة مفــرش يشــبه‬
‫اب َمبْثُوث َـ ٌة} [الغاشــية‪ ]16 :‬أي مبســوطة‪ ،‬فانظــر إىل شــجاعة‬ ‫الس ـ ّجاد‪ ،‬ومنــه قولــه تعــاىل‪َ { :‬و َز َر ِ ُّ‬
‫الغــام ومواجهتــه للقــوم بــا خــوف واســتنقاذه مفــرش أمــه‪ ،‬مــا أعجــب النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم بــه ودعــا لــه بالربكــة‪.‬‬
‫ـال عهــد أصحــاب رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم لريشــدنا إىل املنهــج‬ ‫إن مــا كان عليــه أطفـ ُ‬
‫الجــاد املعتــدل الــذي جعــل منهــم ســادة وقــادة الدنيــا إىل كل خــر‪ ،‬انظــر إىل طفــل يذهــب مــن‬
‫ـؤال عجي ًبــا ال يســأله إال صاحــب‬‫تلقــاء نفســه إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم ليســأله سـ ً‬
‫نفــس عظيمــة‪ ،‬فعــن مصعــب األســلمي ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬انطلــق غــام م ّنــا فــأىت النبــي‬
‫ـؤال! قــال‪ :‬مــا هــو؟ قــال‪ :‬أســألك أن تجعلنــي م ّمــن‬ ‫صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬إين ســائلك سـ ً‬
‫تشــفع لــه يــوم القيامــة‪ ،‬قــال‪ :‬مــن دلّــك عــى هــذا؟ قــال‪ :‬مــا أمــرين بــه أحــد إال نفــي‪ ،‬قــال‪:‬‬
‫فإنــك م ّمــن أشــفع لــه يــوم القيامــة»‪ .‬رواه الط ـراين ورجالــه رجــال الصحيــح‪ .‬فباللــه عليــك‪،‬‬
‫كيــف كانــت األمهــات‪ ،‬وكيــف كان اآلبــاء ينشــئون أوالدهــم؟ إنــه اتبــاع منهــج اإلســام الــذي‬
‫حملــوه فيــا بعــد وفتحــوا بــه قلــوب العبــاد والبــاد‪ ،‬فنــروا الخــر والعــدل واإلميــان‪.‬‬
‫أمــا مســك ختــام هــذه األمثلــة العظيمــة‪ ،‬فهــي قصــة غــام امتحــن فيــه رســول اللــه صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم الرجولــة وقــوة اإلميــان والطاعــة ومحبــة رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم «أن‬
‫طلحــة بــن ال ـراء ملّــا لقــي النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪ :‬يــا رســول اللــه ُمــرين بأمــرك‬
‫وال أعــي لــك أم ـ ًرا‪ ،‬قــال‪ :‬فعجــب لذلــك النبــي صــى اللــه عليــه وســلم وهــو غــام‪ ،‬فقــال‬
‫لــه عنــد ذلــك‪ :‬اذهــب فاقتــل أبــاك‪ ،‬قــال‪ :‬فذهــب ُم َول ًيــا يفعــل‪ ،‬فدعــاه فقــال‪ :‬أقبــل فــإين مل‬

‫‪252‬‬
‫أبعــث بقطيعــة الرحــم‪ ،‬فمــرض طلحــة بعــد ذلــك‪ ،‬فأتــاه النبــي صــى اللــه عليــه وســلم يعــود‬
‫يف الشــتاء يف بــر ٍد وغيــم‪ ،‬فلــا انــرف قــال ألهلــه‪ :‬إين ال أرى طلحــة إال حــدث فيــه املــوت‪،‬‬
‫فآذنــوين بــه حتــى أشــهده وأصــي عليــه وع ِّجلــوا‪ .‬فلــم يبلــغ النبــي صــى اللــه عليــه وســلم بنــي‬
‫ســامل بــن عــوف حتــى تــوفّ ‪ ،‬و َجـ َّن عليــه الليــل‪ ،‬فــكان مـ ّـا قــال طلحــة‪ :‬ادفنــوين وألحقــوين بريب‬
‫عــز وجــل وال تدعــوا رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فــإين أخــاف عليــه يهــود‪ .‬وأُخــر النبــي‬
‫ـف النــاس معــه فقــال‪:‬‬‫صــى اللــه عليــه وســلم حــن أصبــح‪ ،‬فجــاء حتــى وقــف عــى قــره وصـ َّ‬
‫اللهــم الــق طلحــة تضحــك إليــه ويضحــك إليــك» رواه الط ـراين وإســناده حســن‪.‬‬
‫***‬
‫الطفل ال يكون نسخة ملا يف اخليال‬
‫* عــن عــي بــن أيب طالــب ريض اللــه عنــه قــال‪َ « :‬علِّمــوا أوالدكــم عــى غــر شــاكلتكم‪ ،‬فإنهــم‬
‫مخلوقــون لزمــانٍ غــر زمانكــم»‪ .‬إن هــذا القــول عــى وجازتــه فيــه فقــه وعلــم كثــر‪ ،‬ذلــك أن‬
‫الوالديــن اللذيــن يرب ّيــان الصغــر‪ ،‬قــد تربّيــا يف زمــن مــى كان فيــه مــن الوســائل مــا يكــون‬
‫الكثــر منهــا قــد تغـ ّـر‪ ،‬ومــن العــادات واألع ـراف التــي ال تصلــح لزمــان الصغــار‪ ،‬نعــم هنــاك‬
‫ثوابــت ال تتغـ ّـر كالقيــم واملبــادئ والحــال والحـرام يف رشع اللــه تعــاىل‪ ،‬ولكــن يبقــى أن يــدرك‬
‫الكبــار أن َعامل ُهــم غــر َعــامل األطفــال‪ ،‬ونفســيته وخياالتهــم بالقطــع تخالــف مــا عليــه الكبــار‪،‬‬
‫فــا أجمــل أن يكــون الوالــدان مــع الطفــل كالطِّفلــن‪ ،‬ف ُيســعداه ويســعدا بــه‪ ،‬وأال يقصــدا مــع‬
‫رسهــا‪ ،‬أو مــا يرغبــان فيــه‪ ،‬ولكــن مــا يجــب فعلــه معــه‪ ،‬ومــا يحتاجــه منهــا هــو‬ ‫الطفــل مــا ي ّ‬
‫كطفــل‪ ،‬فالطفــل ال يعــرف إال اللهــو واملــرح واللــذة بــا تقديــر عنــده أليــة مســؤولية‪ ،‬والكبــر‬
‫عليــه أن يســتمتع معــه وبــه‪ ،‬مــع تحمــل كامــل املســؤولية‪.‬‬
‫‪ -‬مــن الواجــب نحــو الطفــل املالطفــة واملســامحة‪ ،‬مــع الحــب والحنــان‪ ،‬وإذا اقتــى األمــر حسـ ًـا‬
‫يف أمــر معــه فليكــن برفــق ولــن وعطــف‪ ،‬إن الطفــل ليــس شــيئًا متلكــه فتفعــل فيــه ومعــه مــا‬
‫تشــاء‪ ،‬إنــه مخلــوق رقيــق أُ ْســند إليــك رعايتــه وتربيتــه‪ ،‬إنــه أمانــة عنــدك َستُ ْســأل عنــه «كلكــم‬
‫راعٍ ومســؤول عــن رعيتــه» وعــن عائشــة ريض اللــه عنهــا قالــت‪« :‬أعطــاين رســول اللــه صــى اللــه‬

‫‪253‬‬
‫عليــه وســلم ناقـ ًة ســوداء كأنهــا فحمــة ضعيفــة مل تخطــم‪ ،‬فمســحها ثــم دعــا يل عليهــا بالربكــة‬
‫ثــم قــال‪ :‬يــا عائشــة أَ ِّديب وارفقــي» رواه الب ـزار ورجالــه رجــال الصحيــح‪ ،‬فــإذا كانــت وصايــة‬
‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم هــذه مــع البهيــم‪ ،‬فــا بــال مــا يجــب فعلــه مــع الطفــل‬
‫الصغــر؟‬
‫‪ -‬الطفــل لديــه طاقــات كبــرة‪ ،‬وال بــد أن يســتنفدها‪ ،‬فنحــرص عــى أن ال تبــدد يف غــر مــا ينمــي‬
‫مهاراتــه وســلوكه وقدراتــه‪ ،‬ويزيــد مــن نشــاطه‪ ،‬ولكــن الحاميــة والرعايــة التســلطية الزائــدة‪ ،‬ترض‬
‫الصغــر أكــر مــا تنفعــه‪ ،‬فاملنــع والرفــض الدائــم‪ ،‬والقســوة والرصامــة لــي يتحمــل مســؤوليات‬
‫أكــر مــن طاقتــه‪ ،‬والتحديــد الدائــم لــكل فعــل‪ ،‬كاألكل والنــوم واللّبــس‪ ،‬ال يتناســب مــع حاجــة‬
‫الطفــل لحريــة الحركــة والنشــاط حتــى تنمــو قدراتــه ومهاراتــه يف منــاخ صحيــح‪ ،‬واملطلــوب‬
‫معــه أن نعطيــه قــد ًرا مــن حريــة املامرســة والتجربــة واملشــاركة‪ ،‬مــع التشــجيع والتقديــر‪ ،‬فهــي‬
‫ـكل‬
‫حريــة للطفــل مــع توجيــه ورقابــة‪ ،‬ومســاعدة لــه مــع تحميلــه قــد ًرا مــن املســؤولية ولــو شـ ً‬
‫إلقناعــه بذاتــه‪ ،‬وهــو عطــاء بــا تدليــل حتــى يتعـ ّود الصالبــة للمواقــف الصعبــة‪ ،‬وهــي عقوبــة‬
‫رمزيــة للتعليــم‪ ،‬مــع اإلثابــة والرفــق والعطــف الكريــم‪ .‬وبالعمــوم طفلــك لــن يكــون نســخة ملــا‬
‫يف الخيــال واملثاليــة‪ ،‬إنــه مجمــوع قــدرات وإمكانــات ذاتيــة تنمــو يف الجــو الــذي ن َوفِّــره لــه‪،‬‬
‫مــع التعاهــد والتوجيــه الواعــي الحنــون {أَفَ َرأَيْتُ ـ ْم َمــا تَ ْح ُرثُــو َن (‪ )63‬أَأَنْتُ ـ ْم تَ ْز َر ُعونَ ـ ُه أَ ْم نَ ْح ـ ُن‬
‫ال َّزا ِر ُعــونَ} [الواقعــة‪ ]64 ،63 :‬والبيئــة مــن حــول الطفــل تؤثّــر فيــه‪ ،‬وأعظمهــا تأث ـ ًرا مــا عليــه‬
‫الوالــدان مــن معاملــة وخلــق وقــدوة‪.‬‬
‫***‬
‫األب له شأن خطري يف تنشئة الطفل الصغري‬
‫التعــاون والتنســيق والتفاهــم بــن الوالديــن يف تربيــة ورعايــة الطفــل‪ ،‬أســاس أصيــل لنجــاح‬
‫الرتبيــة للطفــل‪ ،‬ولبقــاء األرسة متآلفــة متشــاركة قويــة ال تؤثــر فيهــا العــوارض والطــوارئ التــي‬
‫مت ـ ّر يف حيــاة البيــوت واآلبــاء واألمهــات واألزواج‪ ،‬فكــا أن الطفــل يحتــاج لعطــف وحنــان األم‬
‫ورعايتهــا وقربهــا منــه‪ ،‬فإنــه يتأثــر بقــدر عظيــم بوالــده وســلوكه معــه واهتاممــه بــه‪ ،‬والطفــل‬

‫‪254‬‬
‫ينظــر للوالــد عــى أنــه يعــرف كل يشء ويقــدر عــى كل يشء ومســؤول عــن كل يشء‪ ،‬وإن كان‬
‫يف نفــس الوقــت يطلــب مــن أمــه كل مــا يطلــب ويرغــب فيــه‪ ،‬ويشــبع معظــم احتياجاتــه مــن‬
‫خــال أ ِّمــه‪ ،‬وعــادة توجيهــات الوالــد تؤخــذ مــن الطفــل باهتــام أكــر مــن االهتــام الــذي‬
‫يعطــى لتوجيهــات األم؛ ألن الطفــل يــدرك بفطرتــه مــن صــوت األم وتعبرياتهــا نفحــة الحنــ ّو‬
‫والتَّدليــل‪ ،‬وأنــه رسعــان مــا تعــود األم لحالتهــا الطبيعيــة مــع الطفــل‪ ،‬وتنــى هــي مــع الطفــل‬
‫مــا صــدر منــه ومنهــا‪ ،‬فصــورة األم املرتســمة يف فــؤاد الطفــل دامئًــا‪ ،‬صــورة الحنــان والعطــف‬
‫واملســامحة‪ ،‬أمــا صــورة الوالــد األب عنــد الطفــل‪ ،‬وبرغــم الحــب املتبــادل‪ ،‬فهــي صــورة الصالبــة‬
‫والحــزم ورفــق القســوة‪ ،‬أو قســوة الرفــق‪ ،‬واملؤاخــذة والتعزيــر‪ ،‬فــإذا مــا اســتُثْ ِمر حنــان األم‬
‫وحــزم األب‪ ،‬اعتــدل العطــاء الرتبــوي عنــد الطفــل‪ ،‬ومتيَّــز لــه الصــواب والخطــأ‪ ،‬مــن بــن دوافــع‬
‫الرغبــة والرهبــة‪ ،‬ونشــأ لديــه الضمــر‪ ،‬واتضحــت لــه املبــادئ‪.‬‬
‫‪ -‬يقــي الطفــل يف هــذه املرحلــة‪ ،‬وقبــل خروجــه للمدرســة‪ ،‬معظــم الوقــت يف البيــت‪ ،‬وخاصــة‬
‫مــع األم‪ ،‬وغال ًبــا مــا يقــي األب الوالــد معظــم وقتــه خــارج البيــت مــا يجعــل تأثــر الطفــل‬
‫بــاألب الوالــد قليـ ًـا نســبيًّا‪ ،‬وهــذا األمــر يو ِجــب عــى األب الوالــد مضاعفــة اهتاممــه وتعاملــه‬
‫مــع الطفــل حتــى يع ِّوضــه حقَّــه‪ ،‬ويســاعد عــى ذلــك مصاحبــة الطفــل لــأب الوالــد عنــد‬
‫خروجــه لقضــاء بعــض الواجبــات خــارج البيــت‪ .‬كــا أنــه مــن ناحيــة أخــرى قــد يعــرض لــأم‬
‫مــا يشــغلها‪ ،‬أو مينعهــا مــن القيــام بواجباتهــا نحــو الطفــل‪ ،‬مثــل مرضهــا‪ ،‬أو انشــغالها يف أعــال‬
‫رضوريــة تعـ ِّوق الواجــب مــع الطفــل‪ ،‬ويف مثــل هــذه الحــاالت يحســن لــأب الوالــد أن ينشــغل‬
‫هــو مــع الطفــل‪ ،‬أو يصطحبــه معــه خــارج البيــت كلــا أمكــن ذلــك‪َ .‬ر َوتْ الســيدة فاطمــة بنــت‬
‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم وريض اللــه عنهــا‪« :‬أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫أتاهــا يو ًمــا فقــال‪ :‬أيــن أبنــايئ؟ يعنــي حس ـ ًنا وحســي ًنا‪ ،‬قالــت‪ :‬أصبحنــا وليــس يف بيتنــا يشء‬
‫ي‪ :‬أذهــب بهــا‪ ،‬فــإين أتخ ـ َّوف أن يبكيــا عليــك‪ ،‬وليــس عنــدك يشء‪،‬‬ ‫يذوقــه ذائــق‪ ،‬فقــال ع ـ ٌّ‬
‫فذهــب إىل فــان اليهــودي‪ .‬فتو َّجــه إليــه النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فوجدهــا يلعبــان يف‬
‫رس ّيــة‪ ،‬بــن أيديهــا فضــل مــن متــر‪ ،‬فقــال‪ :‬يــا عــي أال تقلــب ابنــي قبــل أن يشــتدّ الحــر؟ قــال‬
‫عــي‪ :‬أصبحنــا وليــس يف بيتنــا يشء فلــو جلســت يــا رســول اللــه حتــى أجمــع لفاطمــة متـرات؟‬

‫‪255‬‬
‫صتــه‪،‬‬ ‫فجلــس النبــي صــى اللــه عليــه وســلم حتــى اجتمــع لفاطمــة يشء مــن متــر‪ ،‬فجعلــه يف ُ َّ‬
‫ي اآلخــر حتــى أقلبهــا» رواه‬ ‫ثــم أقبــل‪ ،‬فحمــل النبــي صــى اللــه عليــه وســلم أحدهــا وع ـ ٌّ‬
‫الط ـراين وإســناده حســن‪ ،‬ومعنــى يقلــب‪ ،‬أي يرجــع ويعــود‪ ،‬وكان عــي ريض اللــه عنــه يأخــذ‬
‫ي األب الوالــد‬ ‫متــرة مــن اليهــودي مقابــل كل دلــو ينزعــه مــن البــر يــروي الحديقــة‪ .‬فهــذا ع ـ ٌّ‬
‫ريض اللــه عنــه‪ ،‬وهــذا النبــي صــى اللــه عليــه وســلم الجــد الوالــد‪ ،‬برغــم أعبائهــا ومســؤولياتهام‬
‫يف سياســة أمــور املجتمــع كلــه‪ ،‬يقومــان برعايــة الطفلــن الصغرييــن ريض اللــه عنهــا‪ ،‬بــل يقــول‬
‫عــي ريض اللــه عنــه لزوجــه وأم الطفلــن الصغرييــن ريض اللــه عنهــا‪« :‬أذهــب بهــا فــإين أتخـ ّوف‬
‫أن يبكيــا عليــك وليــس عنــدك يشء» إنــه التعــاون والتشــارك يف املســؤولية‪ ،‬والحنــان األبــوي‪،‬‬
‫الصعــاب وشــظف املعيشــة‪ ،‬ومــا أعظــم رحمتــك يــا رســول‬ ‫والزوجــي م ًعــا‪ ،‬والرجولــة يف مواجهــة ِّ‬
‫اللــه وشــفقتك وحبــك الكبــر يف قولــك‪« :‬يــا عــي‪ :‬أال تقلــب ابنــي قبــل أن يشــتدّ الحــر؟» ومــا‬
‫أعظــم تواضعــك الــذي يطامــن الســحاب‪ ،‬وأنــت مــن أنــت «فحمــل النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫ي اآلخــر حتــى أقلبهــا» هكــذا أمــام اليهــودي‪ ،‬ومــن حديقتــه حتــى بيــت‬ ‫وســلم أحدهــا وعـ ٌّ‬
‫عــي‪ ،‬وأمــام كل مــن قابلــه يف املدينــة!! فصــى اللــه عليــك وســلم وبــارك يــا خــر قــدوة يف األبـ َّو ِة‪،‬‬
‫تحــى بــه البــر القــدوات‪ ،‬ثــم أي حــرص وتعاهــد ورعايــة‪ ،‬حيــث يذهــب إىل‬ ‫ويف كل يشء َّ‬
‫البيــت فيســأل باهتــام‪« ،‬أيــن أبنــايئ؟» وال يكتفــي صــى اللــه عليــه وســلم بالســؤال والجــواب‪،‬‬
‫إنــه يذهــب بنفســه الرشيفــة إىل حيــث علــم أيــن األبنــاء‪ ،‬فــرى بعينــه ويطمــن قلبــه «فوجدهام‬
‫سيَّــة بــن أيديهــا فضــل مــن متــر» قــد شــبعا مــن جــوع وبقــي فضــل مــن متــر‪ ،‬وهــا‬ ‫يلعبــان يف َ ِ‬
‫هــا يلعبــان يف مجــرى املــاء‪ ،‬ومل يبــق إال أن يعمــل عــى إعادتهــا للبيــت‪.‬‬
‫‪ -‬كــم هــو رائــع وجميــل عنــد الطفــل الــذي ينتظــر أبــاه عنــد عودتــه للبيــت حتــى يشــاركه‬
‫يف لهــوه وطعامــه‪ ،‬أو يســمع منــه حكاي ـ ًة لطيفــة فيهــا معنــى لطيــف ينطبــع يف فــؤاد الطفــل‬
‫طــوال عمــره‪ ،‬إن رحابــة النفــس الصغــرة عنــد الطفــل لتتســع مــن خــال أبيــه ومــا يســمعه‬
‫منــه‪ ،‬وحتــى ال تتقولــب نفســه عــى ضيــق جــدران البيــت الــذي يقــي فيــه معظــم هــذه‬
‫الفــرة التــي تنطبــع فيهــا النفــس بأهــم مــا يصاحبــه يف عمــره عــن الحيــاة‪ ،‬وقــد يخطــر بالبــال‬
‫أن وســائل اإلعــام وغريهــا ميكــن أن تــؤ ّدي للطفــل هــذا الــدور وهــذه املهمــة‪ ،‬ولكنــي أقــول‪:‬‬

‫‪256‬‬
‫الطفــل عــادة ال يأخــذ منهــا إال الغــثَّ والتَّافــه‪ ،‬ومــا يأخــذه مــن النافــع ال يفهمــه‪ ،‬وإذا فهمــه ال‬
‫يأخــذه مبأخــذ االهتــام مثــل مــا يســمعه مــن أبيــه‪ ،‬فالواجــب عــى األب الوالــد أال يغفــل عــن‬
‫هــذا األمــر مهــا كــرت شــواغله‪ ،‬روى اإلمــام مســلم يف صحيحــه «أعتــم رجــل عنــد النبــي صــى‬
‫الصبيــة قــد نامــوا‪ ،‬فأتــاه أهلــه بطعامــه‪ ،‬فحلــف‬ ‫اللــه عليــه وســلم‪ ،‬ثــم رجــع إىل أهلــه‪ ،‬فوجــد ِّ‬
‫ال يــأكل مــن أجــل صبيتــه‪ ،‬ثــم بــدا لــه فــأكل‪ ،‬فــأىت رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فذكــر‬
‫ذلــك لــه‪ ،‬فقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬مــن حلــف عــى ميــن فــرأى غريهــا خـ ًرا‬
‫منهــا‪ ،‬فليأْتِهــا وليك ِّفــر عــن ميينــه» فهــذا أحــد الصحابــة الذيــن يجالســون النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم حتــى عتمــة الليــل‪ ،‬ويقومــون عــى شــؤون األمــة يف أشـ ِّد أوقاتهــا خطــورة‪ ،‬ال مينعــه ذلــك‬
‫كلــه مــن تعاهــد أطفالــه عنــد عودتــه للبيــت فيــأكل معهــم ويجالســهم كــا يجالــس أمثالــه‬
‫هــو خــارج البيــت‪ ،‬ويف اليــوم والليلــة التــي تأ ّخــر فيهــا عنهــم حتــى نامــوا‪ ،‬فَفَاتَـ ُه وفاتهــم تلــك‬
‫الجلســة املعتــادة‪ ،‬وحــزن ريض اللــه عنــه فحلــف ال يــأكل‪ ،‬كأنــه يعاقــب نفســه عــى إهاملــه‬
‫ذلــك الواجــب اليومــي‪ ،‬إنهــم كانــوا يجالســون النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فيتعلمــون منــه‬
‫ويأخــذون عنــه‪ ،‬فــا أحوجنــا إىل األخــذ عنهــم حتــى تــرق بيوتنــا بالخــر كــا أرشقــت بيوتهــم‪،‬‬
‫وحتــى ينشــأ أوالدنــا كــا نشــأ أوالدهــم‪ .‬عــن ســعد بــن أيب وقــاص ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬دخلــت‬
‫عــى رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم والحســن والحســن يلعبــان عــى بطنــه‪ ،‬فقلــت‪ :‬يــا‬
‫رســول أتح ّبهــا؟ فقــال‪ :‬ومــا يل ال أحبهــا وهــا ريحانتــاي» رواه البـزار ورجالــه رجــال الصحيــح‪،‬‬
‫وعــن عمــر بــن الخطــاب ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬رأيــت الحســن والحســن عــى عاتقــي النبــي‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم فقلــت‪ :‬نعــم الفــرس تحتكــا‪ ،‬فقــال النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪:‬‬
‫ـأي أُبُـ َّو ٍة يف ِح ْر ِصــه‬
‫ونعــم الفارســان» رواه أبــو يعــى والبـزار ورجــال أبــو يعــى رجــال الصحيــح‪ .‬فـ ُّ‬
‫عــى لهــو الصغــار ومداعبتهــم ومالعبتهــم حتــى ولــو احتــاج األمــر أن يلعــب الصغــار عــى بطنــه‬
‫فرســا يعلونــه صــى اللــه عليــه‬ ‫الرشيــف‪ ،‬وبــل ولــو احتــاج األمــر أن ميكــن الصغــار مــن اتخــاذه ً‬
‫وســلم‪ ،‬فيــا ليــت اآلبــاء والكبــار يهتــدون بهديــه ويســلكون منهجــه‪ ،‬حتــى يعــود بيننــا مثــل‬
‫الحســن والحســن ُخلُ ًقــا ومســلكًا‪ ،‬ال مجــرد اســم وحكايــة‪ .‬ومل يكــن ذلــك الــذي يفعلــه رســول‬
‫ـص بــه النبــي صــى اللــه عليــه‬ ‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم خافيًــا عــى أصحابــه‪ ،‬أو ســلوكًا يختـ ّ‬

‫‪257‬‬
‫وســلم دون أصحابــه‪ ،‬بــل كان دأب الصحابــة كلهــم‪ ،‬ونعلــم ونذكــر كثـ ًرا قــول حنظلــة ريض اللــه‬
‫عنــه عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬ســاعة وســاعة يــا حنظلــة» فالســاعة التــي لإلميــان ال‬
‫متنــع املؤمــن مــن ســاعة مالعبــة الصبيــان‪ ،‬يقــول حنظلــة ريض اللــه عنــه‪« :‬ك ّنــا عنــد رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم فذكــر النــار‪ ،‬ثــم جئــت إىل البيــت‪ ،‬فضاحكــت الصبيــان والعبــت املــرأة‪،‬‬
‫فخرجــت‪ ،‬فلقيــت أبــا بكــر‪ ،‬فذكــرت ذلــك لــه‪ ،‬فقــال‪ :‬وأنــا قــد فعلــت مثــل مــا تذكــر» الحديــث‪،‬‬
‫وهــذه روايــة اإلمــام مســلم والرتمــذي‪ ،‬فالبيــوت إذًا فيهــا املضاحكــة واملالعبــة لألهــل والصبيــان‪،‬‬
‫وهــي بيــوت أهــل اإلميــان‪ ،‬فــا بــن بيــوت النبــي صــى اللــه عليــه وســلم وبيــت الصديــق وبيــت‬
‫حنظلــة الشــهيد‪ ،‬تســمع بــكاء الخشــوع يف الصــاة‪ ،‬كــا تســمع ضحــكات اللهــو املبــاح يف أبهــج‬
‫ر‪ ،‬ألنهــم ســمعوا النبــي صــى اللــه‬ ‫وأســعد حيــاة‪ ،‬ومل يعــد بيــت إال وفيــه الخــر وخــرج منــه الـ ّ‬
‫عليــه وســلم يحذرهــم وينهاهــم عــن أســباب الــر يف البيــوت حيــث قــال‪« :‬رش النــاس‪ ،‬الض ِّيــق‬
‫عــى أهلــه‪ ،‬قالــوا‪ :‬يــا رســول اللــه وكيــف يكــون ض ِّي ًقــا عــى أهلــه؟ قــال‪ :‬الرجــل إذا دخــل بيتــه‬
‫خشــعت امرأتــه وهــرب ولــده وف ـ َّر‪ ،‬فــإذا خــرج ضحكــت امرأتــه واســتأنس أهــل بيتــه» رواه‬
‫الطـراين‪ ،‬فــأي بشــاعة تلحــق برجــل يكــون خروجــه وغيابــه عــن بيتــه أفضــل وأحــب وآنــس عنــد‬
‫أهــل بيتــه مــن حضــوره‪ ،‬فنعــوذ باللــه العظيــم مــن الخــذالن‪.‬‬
‫‪ -‬إن مســؤولية األب الوالــد نحــو الطفــل لتزيــد وتشــتد إذا انتــاب الطفـ َـل أي مكــروه أو مرض‪ ،‬ألن‬
‫األم الوالــدة يف هــذه الظــروف عــادة مــا ترتبــك ويشــتد قلقهــا وتوت ّرهــا وجزعهــا عــى الطفــل‪ ،‬مام‬
‫قــد يُفقدهــا القــدرة عــى التــرف املناســب نحــو الطفــل‪ ،‬فوجــود األب بجانبهــا وقيامــه بواجبــه‬
‫نحــو الطفــل‪ ،‬يجعلهــا تســتعيد متالكهــا لنفســها فتقــوم بواجباتهــا املعتــادة‪ ،‬كــا أن وجــود األب‬
‫مــع الطفــل وتلطُّفــه معــه يجعــل حالتــه مســتق ّرة ويســاعده عــى التحمــل‪ ،‬ويزيــد مــن فــرص‬
‫الشــفاء واالطمئنــان عنــد الطفــل‪ .‬عــن ال ـراء بــن عــازب ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬دخلــت مــع أيب‬
‫بكــر عــى أهلــه‪ ،‬فــإذا عائشــة ابنتــه مضطجعــة قــد أصابتهــا الحمــى‪ ،‬فرأيــت أباهــا يق ِّبــل خدَّ هــا‬
‫ويقــول‪ :‬كيــف أنــت يــا بُ َن َّيــة» رواه البخــاري ومســلم‪ .‬وعــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه قــال‪:‬‬
‫«خرجنــا مــع رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬حتــى إذا كنــا ببعــض الطريــق ســمع رســول‬
‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم الحســن والحســن يبكيــان وهــا مــع أمهــا‪ ،‬فــأرسع الســر حتــى‬

‫‪258‬‬
‫ـي؟ فقالــت‪ :‬العطــش‪ ،‬قــال‪ :‬فأخلــف رســول اللــه صــى اللــه‬ ‫أتاهــا‪ ،‬فســمعته يقــول‪ :‬مــا شــأن ابنـ ّ‬
‫عليــه وســلم إىل شَ ـ َّنة يبتغــي فيهــا مــا ًء‪ ،‬وكان املــاء يومئــذ أَ ْغـ َدا ًرا والنــاس يريــدون‪ ،‬فنــادى‪ :‬هــل‬
‫أحــد منكــم معــه مــاء؟ فلــم يبـ َـق أحــد إال أخلــف إىل شـ ّنته يبتغــي فيهــا املــاء‪ ،‬فلــم يجــد أحــد‬
‫منهــم قطــرة‪ ،‬فقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬ناولينــي أحدهــا‪ ،‬فناولتــه إيــاه مــن‬
‫تحــت الخــدر فرأيــت بيــاض ذراعيهــا حــن ناولتــه‪ ،‬فأخــذه فض ّمــه إىل صــدره وهــو يضغــو‪ ،‬مــا‬
‫ميصــه حتــى هــدأ أو ســكن فلــم أســمع لــه بــكاء‪ ،‬واآلخــر يبــي‬ ‫يســكت‪ ،‬فأدلــع لســانه فجعــل ُّ‬
‫كــا هــو ال يســكت‪ ،‬ثــم قــال‪ :‬ناولينــي اآلخــر‪ ،‬فناولتــه إيــاه‪ ،‬ففعــل بــه كذلــك فســكتا فلــم‬
‫أســمع لهــا صوتًــا» رواه الطـراين ورجالــه ثقــات‪ .‬فهــذه نازلــة عجيبــة نزلــت بفاطمــة ريض اللــه‬
‫عنهــا أثنــاء ســفر يف ســبيل اللــه‪ ،‬إمــا ألداء نســك حــج أو عمــرة‪ ،‬وإمــا يف ســر إىل العــد ّو للقتــال‬
‫والجهــاد يف صحبــة الــزوج‪ ،‬وقــد كان النســاء يخرجــن مــع املقاتلــن وال يشــركن يف القتــال‪ ،‬واشــتد‬
‫العطــش بطفليهــا ريض اللــه عنهــا فأخــذا يبكيــان‪ ،‬ويســمع بكاءهــا األب الوالــد ويفــزع إليهــا‬
‫لنجدتهــا‪ ،‬ويضطــر صــى اللــه عليــه وســلم أن ينــادي بنفســه يطلــب املــاء مــن أصحابــه‪ ،‬ولكــن‬
‫رف األب الحكيــم صــى‬ ‫ليــس يف كل الشِّ ــنان –قــرب املــاء‪ -‬قطــرة واحــدة مــن مــاء‪ ،‬وهنــا يت ـ ّ‬
‫اللــه عليــه وســلم مبــا يناســب املوقــف‪ ،‬فيأخــذ الطفــل ويض ّمــه إليــه ويخــرج لــه لســانه املبــارك‬
‫ميصــه الطفــل فريطِّــب َحلْ َقــه مــن ريقــه املبــارك صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬حتــى ينقطــع‬ ‫حتــى ُّ‬
‫البــكاء‪ ،‬وتهــدأ األم القلقــة ريض اللــه عنهــا‪ ،‬حيــث مل يكــن لهــا حيلــة معهــا يف ذلــك‪ ،‬فربغــم‬
‫الســفر ومشــاقِّه‪ ،‬وقيــادة الركــب العظيــم ومســؤولياته‪ ،‬مل يغــب عــن األب الوالــد صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم تعاهــده لولــده والقيــام بواجبــه معــه‪ ،‬وال يغيــب عــن إدراكنــا‪ ،‬مــا كانــوا عليــه مــن‬
‫حــرص عــى مصاحبــة أوالدهــم لهــم يف األســفار لــي يكتســبوا الصالبــة والتح ّمــل وبركــة الصحبــة‬
‫يف أســفار العبــادة والجهــاد‪.‬‬
‫‪ -‬خــروج األب الوالــد بالطفــل معــه خــارج البيــت واصطحابــه إىل املســجد ُسـ َّنة مباركــة‪ ،‬وأســلوب‬
‫ـوي أصيــل لتنشــئة الطفــل عــى حــب املســاجد والصــاة‪ ،‬والتع ـ ّود عليهــا‪ ،‬وفيــه مخالطــة‬ ‫تربـ ّ‬
‫الطفــل ألهــل الخــر وحضــور دعواتهــم‪ ،‬عــاوة عــى املؤانســة للطفــل وفرحــة بالخــروج مــن‬
‫البيــت واالنطــاق خارجــه يف ظــل الحاميــة والرعايــة مــن األب الوالــد‪ ،‬روى األمئــة‪ ،‬النســايئ‬

‫‪259‬‬
‫وأحمــد والحاكــم بالســند الصحيــح‪« :‬خــرج علينــا رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يف إحــدى‬
‫صــايت العشــاء وهــو حامــل حسـ ًنا –أو حســينا‪ -‬فتقــدم النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فوضعــه‪،‬‬
‫ثــم كـ ّـر للصــاة فصـ ّـى‪ ،‬فســجد بــن ظه ـراين صــاة ســجدة أطالهــا‪ ،‬قــال‪ :‬فرفعــت رأيس فــإذا‬
‫الصبــي عــى ظهــر رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم وهــو ســاجد‪ ،‬فرجعــت إىل ســجودي‪ ،‬فلــا‬
‫قــى رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم الصــاة‪ ،‬قــال النــاس‪ :‬يــا رســول اللــه إنــك ســجدت بــن‬
‫ظهـراين صالتــك ســجدة أطلتهــا حتــى ظن ّنــا أنــه قــد حــدث أمــر‪ ،‬أو أنــه يوحــى إليــك‪ ،‬قــال‪ :‬كل‬
‫ذلــك مل يكــن‪ ،‬ولكــن ابنــي ارتحلنــي فكرهــت أن أعجلــه حتــى يقــي حاجتــه» وظهـراين الصــاة‪،‬‬
‫أي وســطها وفيــا بينهــا‪ .‬وعــن أيب بكــرة ريض اللــه عنــه «أن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم كان‬
‫يصــي فــإذا ســجد وثــب الحســن عليــه الســام عــى ظهــره وعــى عنقــه‪ ،‬فرفــع رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم رف ًعــا رقي ًقــا لئــا يــرع‪ ،‬يفعــل ذلــك غــر م ـ ّرة»‪ .‬رواه أحمــد والب ـزار‬
‫والط ـراين ورجــال أحمــد رجــال الصحيــح‪ .‬وهكــذا كان فعــل أصحــاب النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم وريض اللــه عنهــم‪ ،‬حيــث كانــوا يصحبــون أطفالهــم معهــم خــارج املنــزل وخاصــة إىل‬
‫املســجد ومجالــس العلــم وأدلَّــة ذلــك كثــرة‪ ،‬وأكتفــي بواقعتــن لطيفتــن «كان النبــي صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم إذا جلــس يجلــس إليــه نفــر مــن أصحابــه‪ ،‬فيهــم رجــل لــه ابــن صغــر يأتيــه مــن‬
‫خلــف ظهــره فيقعــده بــن يديــه‪ ،‬فهلــك‪ ،‬فامتنــع الرجــل أن يحــر الحلقــة‪ ،‬لذكــر ابنــه‪ ،‬ففقــده‬
‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬مــا يل ال أرى فالنًــا؟ قالــوا‪ :‬يــا رســول اللــه بُ َن َّيــهُ الــذي‬
‫رأي َتــه هلــك‪ ،‬فلقيــه النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فســأله عــن بُ َن ِّيــه؟ فأخــره أنــه هلــك‪ ،‬فعـ َّزا ُه‬
‫عليــه‪ ،‬ثــم قــال‪ :‬يــا فــان ُّأيــا كان أحــب إليــك‪ ،‬أن تتمتــع بــه عمــرك‪ ،‬أو ال تــأيت إىل بــاب مــن‬
‫أبــواب الجنــة إال وجدتَــه قــد ســبقك إليــه يفتحــه لــك؟ قــال‪ :‬يــا نبــي اللــه‪ ،‬بــل يســبقني إىل‬
‫بــاب الجنــة يفتحهــا يل‪ ،‬لهــو أحــب إ ّيل‪ ،‬قــال‪ :‬فذلــك لــك» رواه النســايئ وإســناده صحيــح‪ .‬وأمــا‬
‫الواقعــة الثانيــة‪ ،‬فعــن أيب ر ْمثَـ َة ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬انطلقــت مــع أيب نحــو النبــي صــى اللــه‬
‫ورب‬‫عليــه وســلم‪ ،‬ثــم إن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم قــال أليب‪ :‬ابنــك هــذا؟ قــال‪ :‬ابنــي ِّ‬
‫الكعبــة‪ ،‬قــال‪ :‬ح ًّقــا؟ قــال‪ :‬أشــهد بــه‪ ،‬قــال‪ :‬فتبســم النبــي صــى اللــه عليــه وســلم ضاحـكًا مــن‬
‫حلــف أيب‪ ،‬ومــن ثبــت شــبهي يف أيب‪ ،‬ثــم قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬أمــا إنــه ال‬

‫‪260‬‬
‫يجنــي عليــك‪ ،‬وال تجنــي عليــه‪ ،‬وقــرأ رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم وال تــزر وازر ٌة وزر‬
‫أخــرى» رواه أبــو داود والنســايئ‪.‬‬
‫‪ -‬مــن األفعــال الطيبــة التــي يقــوم بهــا األب مــع الطفــل‪ ،‬اصطحابــه عنــد زيــارة األقــارب وذوي‬
‫األرحــام‪ ،‬حــت يتع ـ ّود الطفــل مثــل هــذه الصلــة لألرحــام‪ ،‬حتــى يعــرف أهلــه وأقاربــه‪ ،‬وقــد‬
‫ـند رجالــه ثقــات عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬تعلمــوا مــن أنســابكم‬ ‫روى الط ـراين بسـ ٍ‬
‫مــا تصلــون بــه أرحامكــم‪ ،‬فــإن صلــة الرحــم محبــة لألهــل‪ ،‬مـراة للــال‪ ،‬ومنســأة لألجــل» فهــذا‬
‫التـزاور بالنســبة للطفــل يُحبِّــب إليــه األقــارب خاصــة‪ ،‬كــا يحبــب إليــه مخالطــة النــاس بصفــة‬
‫ويوســع عنــده دائــرة حركتــه واطالعــه‪ ،‬بحيــث ال يــرىب يف هــذه املرحلــة يف معظــم الوقــت‬ ‫عامــة‪ِّ ،‬‬
‫يف حــدود البيــت ومــا حولــه‪ ،‬بــل يكــون مــن املفيــد عنــد مالءمــة الظــروف أن يبيــت الطفــل‬
‫ليلـ ًة عنــد إحــدى ذوي رحمــه‪ ،‬مثــل خالتــه أو عمتــه‪ ،‬حتــى يرتســخ يف نفســه أن البيــوت قريبــة‬
‫الصلــة ببعضهــا‪ ،‬وأن الحيــاة أرحــب مــن خصوصيــة البيــت‪ .‬روى ابــن عبــاس ريض اللــه عنهــا‬
‫ـت عنــد خالتــي ميمونــة‪ ،‬فجــاء النبــي صــى اللــه عليــه وســلم بعــد مــا أمــى‪ ،‬فقــال‪:‬‬ ‫قــال‪« :‬بـ ُّ‬
‫أصـىَّ الغــام؟ قالــوا‪ :‬نعــم‪ .‬فاضطجــع ‪ »...‬وذكــر الحديــث‪ ،‬رواه البخــاري وأبــو داود‪ ،‬وال يخفــى‬
‫مســؤولية رب البيــت عنــد متابعــة الطفــل يف التع ـ ّود واملواظبــة عــى الصــاة‪ ،‬حتــى ولــو كان‬
‫الطفــل ضي ًفــا‪.‬‬
‫‪ -‬ومــن جميــل مــا يعــ ِّود األب ابنــه عليــه‪ ،‬املشــاركة لــه يف اللعــب‪ ،‬والتباســط معــه‪ ،‬حتــى‬
‫يســتطيع األب أن يو ِّجــه الطفــل إىل الصــواب مــن خــال لعبــه معــه‪ ،‬وحتــى يزيــل مــن نفــس‬
‫الطفــل كل الحواجــز التــي يتو َّهمهــا الطفــل نحــو أبيــه ومــا ي ـراه فيــه مــن ســلطة تس ـلُّطية‪،‬‬
‫روى اإلمــام أحمــد بســند حســن‪« :‬كان النبــي صــى اللــه عليــه وســلم يصــف عبــد اللــه وعبيــد‬
‫ـرا أبنــاء العبــاس‪ ،‬ثــم يقــول‪ :‬مــن ســبق إيل فلــه كــذا وكــذا‪ ،‬قــال‪ :‬فيســبقون إليــه‪،‬‬ ‫اللــه وكُ َثـ ِّ ً‬
‫فيقعــون عــى ظهــره وصــدره‪ ،‬فيقبلهــم ويلتزمهــم» إنــه اللعــب الهــادف املبــارك‪ ،‬إنهــا مســابقة‬
‫بــن أطفــال صغــار‪ ،‬ولهــا جوائزهــا التــي يشــتهيها الطفــل الصغــر‪ ،‬يف جــو مــن الحنــان والتقبيــل‬
‫واألحضــان عميقــة التأثــر يف حينهــا‪ .‬وتدبّــر‪ ،‬هــداين وإيــاك اللــه‪ ،‬إىل أي حـ ٍّد كان تواضــع رســول‬
‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم وتطامنــه للصغــار الذيــن يرمتــون عــى ظهــره وصــدره الرشيفــن‪،‬‬

‫‪261‬‬
‫إنــه جــال الحــال املناســب لألطفــال‪ ،‬وصــدق العطــاء الكريــم‪ ،‬وعمــق عاطفــة األبــوة‪ ،‬وإق ـرار‬
‫منهــج الرتبيــة اإلســامية للصغــار‪ ،‬وإعطــاء القــدوة للكبــار‪.‬‬
‫‪ -‬ومــن مســؤوليات األب الوالــد‪ ،‬بجانــب األم الوالــدة‪ ،‬تعويــد وتذكــر األطفــال العبــادات‪ ،‬وخاصــة‬
‫الصــاة‪ ،‬والتنبيــه لهــم وحضهــم عــى ذلــك‪ ،‬كأن يطلــب مــن الطفــل االســتعداد بالوضــوء للصــاة‬
‫عنــد قــرب حلــول موعدهــا‪ ،‬ومســاعدته يف ذلــك يف الوضــوء ثــم يف جعلــه مــع األم أو األب‬
‫أو األخــوة أو هــم جمي ًعــا‪ ،‬يف الصــف للصــاة‪ ،‬ويحســن كل حــن اصطحابــه مــع األب أو األخ‬
‫األكــر إىل املســجد‪ ،‬وقــد كان الصحابــة رضــوان اللــه عليهــم يحرصــون عــى ذلــك حتــى أصبــح‬
‫لهــم ســلوكًا معتــا ًدا‪ ،‬ومــن أعجــب هــذا الســلوك مــا كان عليــه ســيدنا أبــو قُرصافــة ريض اللــه‬
‫عنــه فقــد «أرست الــروم اب ًنــا أليب قرصافــة ريض اللــه عنــه‪ ،‬فــكان أبــو قرصافــة إذا حــر وقــت‬
‫كل صــاة صعــد ســور عســقالن ونــادى‪ :‬يــا فــان‪ ،‬الصــاة‪ ،‬فيســمعه وهــو يف بلــد الــروم» رواه‬
‫ـرص مــن اآلبــاء عــى صــاة األوالد وتعليمهــم‪ ،‬وإىل أي حــد‬ ‫الط ـراين‪ ،‬ورجالــه ثقــات‪ .‬فــأي حـ ٍ‬
‫تكــون املســؤولية نحــو الصغــار؟‬
‫‪ -‬وال مانــع مــن مصاحبــة األب لطفلــه يف الذهــاب إىل أحــد الصالحــن ليدعــو لــه ويبــارك عليــه‪،‬‬
‫لعــل اللــه أن ينفعــه بهــذه الزيــارة‪ ،‬والحلــول والخــوض يف رحــاب الرحــات التــي تتن ـ ّزل عــى‬
‫عبــاد اللــه الصالحــن فتغمرهــم ومــن يحــر معهــم كــا جــاءت بــه األحاديــث الصحــاح‪،‬‬
‫وتحفّهــم املالئكــة‪ ،‬وخاصــة العلــاء العاملــن منهــم‪ ،‬فعــن جمــرة بنــت عبــد اللــه الريبوعــي ريض‬
‫اللــه عنهــا قالــت‪« :‬ذهــب يب أيب إىل النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬بعــد مــا َو َر َد ْت عــى أيب‬
‫اإلبــل‪ ،‬فقــال‪ :‬يــا رســول اللــه‪ ،‬ادع اللــه لبنتــي بالربكــة‪ ،‬قالــت‪ :‬فأجلســني النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم يف حجــره ووضــع يــده عــى رأيس ودعــا يل بالربكــة» رواه الطـراين‪ ،‬وهــذا ترشيــع وإقـرار‬
‫يرســخ يف ذهــن نفــس‬ ‫منــه صــى اللــه عليــه وســلم لهــذا العمــل‪ ،‬وهــذا الســلوك مــن األب الوالــد ِّ‬
‫الطفــل الصغــر توقــر العلــاء والصالحــن‪ ،‬وحبِّهــم واعتيــاد مجالســهم ومجالســتهم‪.‬‬
‫‪ -‬مــن املقــ ّرر رش ًعــا وعرفًــا أن األب الوالــد يجــب عليــه نفقــة الصغــر حتــى يســتغني عنهــا‪،‬‬
‫متسـكًا بواجبــه‪ ،‬وأن يســعى عــى‬ ‫ولكــن معرفــة األب مبــا لــه عنــد اللــه مــن أجــر ومثوبــة‪ ،‬يزيــده ّ‬
‫أوالده وهــو يعلــم أن ذلــك عبــادة يتقــرب بهــا إىل اللــه‪ ،‬كــا تتقــرب األم الوالــدة بخدمــة الــزوج‬

‫‪262‬‬
‫والطفــل ورعايــة كليهــا بــأداء واجبهــا نحوهــا‪ .‬ومــن أدلــة ذلــك‪ ،‬وهــي كثــرة‪ ،‬قــول النبــي‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬أفضــل دينــار ينفقــه الرجــل‪ ،‬دينــار ينفقــه عــى عيالــه‪ ،‬ودينــار ينفقــه‬
‫الرجــل عــى دا ّبتــه يف ســبيل اللــه‪ ،‬ودينــار ينفقــه عــى أصحابــه يف ســبيل اللــه» رواه مســلم‬
‫والرتمــذي‪ .‬قــال أبــو قالبــة‪ :‬بــدأ بالعيــال‪ ،‬ثــم قــال أبــو قالبــة‪ :‬وأي رجــل أعظــم أجـ ًرا مــن رجــل‬
‫ينفــق عــى عيــال صغــار يعفّهــم اللــه‪ ،‬أو ينفعهــم اللــه بــه ويغنيهــم؟» رواه مســلم والرتمــذي‪،‬‬
‫والع ّفــة‪ :‬كـ ُّـف النفــس عـ ّـا ال يحـ ّـل‪ ،‬أي يجعلهــم ذوي عفــاف وتقــى ال يَتَ َب َّذلُــون‪.‬‬
‫‪ -‬مـ َّر بنــا يف الفصــل الخــاص بالحمــل أن األم الحامــل أثنــاء حملهــا ورضاعتهــا وســهرها يف رعايــة‬
‫الطفــل لهــا بحكــم الــرع أجــر القائــم الصائــم يف ســبيل اللــه‪ ،‬أمــا األب الوالــد فقــد أعطــاه اللــه‬
‫أجــر املعاهــد يف ســبيل اللــه عــن ســعيه عــى أطفالــه‪ ،‬فقــد روى كعــب بــن ُع ْجــرة ريض اللــه‬
‫ي النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فــرأى أصحــاب النبــي صــى اللــه عليــه‬ ‫عنــه قــال‪َ « :‬م ـ َّر ع ـ َّ‬
‫وســلم يفَّ َجلَــد ًة ونشــاطًا‪ ،‬فقالــوا‪ :‬يــا رســول اللــه‪ ،‬لــو كان هــذا يف ســبيل اللــه؟ فقــال رســول‬
‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬إن كان خــرج يســعى عــى ولــده صغــا ًرا فهــو يف ســبيل اللــه‪ ،‬وإن‬
‫كان خــرج يســعى عــى أبويــن شــيخني كبرييــن فهــو يف ســبيل اللــه‪ ،‬وإن كان خــرج يســعى‬
‫عــى نفســه يعفُّهــا فهــو يف ســبيل اللــه‪ ،‬وإن كان خــرج يســعى ريــا ًء ومفاخــرة فهــو يف ســبيل‬
‫الشــيطان» رواه الط ـراين يف معاجمــه الثالثــة ورجــال الكبــر رجــال الصحيــح‪ .‬فيجــب أن يَتَ َن َّبــه‬
‫الوالــدان لحكــم رشع اللــه يف تربيــة األطفــال مــن أنهــا عبــادة وقُــرىب يتق ّربــون بهــا إىل اللــه تعاىل‪،‬‬
‫فيحســنون هــذه العبــادة‪ ،‬فيخلصــون النيــة والقصــد للــه يف رعايتهــم والقيــام باملســؤولية نحوهم‪،‬‬
‫وال يتـ َّرم أحــد الوالديــن مــن كــرة املشــاغل واملتاعــب التــي تحتاجهــا تربيــة الصغــار‪ ،‬فبعــد قليــل‬
‫يجنــي الوالــدان مثــرة ذلــك أوال ًدا مهذبــن طييبــن يســعدون معهــم يف الدنيــا‪ ،‬ثــم النعيــم املقيــم‬
‫عنــد رب العاملــن‪.‬‬
‫‪ُ -‬مدبِّــر األمــر الكريــم ســبحانه وتعــاىل‪ ،‬هــو الــرزاق ومســبب أســباب الــرزق‪ ،‬ومــن حكمتــه‬
‫وتدبــره وابتالئــه للخلــق‪ ،‬أن يحــرم الصغــر مــن يرعــاه وينفــق عليــه‪ ،‬وهــو مــن يســمى باليتيــم‪،‬‬
‫ورش ًعــا اليتيــم مــن فقــد أبــاه صغـ ًرا حتــى يبلــغ ال ُحلُــم‪ .‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪:‬‬
‫«ال ُي ْتــم بعــد ُحلــم‪ ،‬وال ُي ْتــم عــى جاريـ ٍة إذا هــي حاضــت» رواه الطـراين ورجالــه ثقــات وروى‬

‫‪263‬‬
‫ـض الــرع عــى كفالــة اليتيــم ورعايتــه لعجــزه‬ ‫البـزار الجــز َء األول‪ .‬والجاريــة‪ :‬الصغــرة؛ لذلــك حـ َّ‬
‫وقلــة حيلتــه‪ ،‬حتــى يتح َّمــل النفقــة عليــه ورعايتــه مــن مل يلــده‪ ،‬ولــه الثــواب الجزيــل‪ ،‬وذلــك‬
‫معلــوم مــن الديــن لــكل مســلم‪ ،‬ومــن أكــرم وألطــف مــا يعطــاه كافــل اليتيــم ومح ّبــه والحــاين‬
‫عليــه‪ ،‬مــا أخرجــه اإلمــام أحمــد بســند رجالــه رجــال الصحيــح «أنَّ رجـ ًـا شــكا إىل رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم قســوة قلبــه‪ ،‬فقــال‪ :‬امســح رأس يتيــم‪ ،‬وأطعــم مســكي ًنا» فصاحــب‬
‫القلــب القــايس‪ ،‬أعاذنــا اللــه مــن قســوة القلــب‪ ،‬إذا عطــف عــى اليتيــم فأظهــر لــه الحنــان األبوي‬
‫ورق بعــد قســوة‪ ،‬وقــد روى الطــراين أيضً ــا‪« :‬أىت‬ ‫فمســح عــى رأســه وق َّربــه منــه‪ ،‬لَ َن قل ُبــه َّ‬
‫ـي صــى اللــه عليــه وســلم رجـ ٌـل يشــكو قســوة قلبــه‪ ،‬قــال‪ :‬أتحــب أن يلــن قلبــك وتــدرك‬ ‫النبـ َّ‬
‫حاجتــك؟ ارحــم اليتيــم‪ ،‬وامســح رأســه‪ ،‬وأطعمــه مــن طعامــك‪ ،‬يلــن قلبــك‪ ،‬وتــدرك حاجتــك»‪.‬‬
‫ومــن عجائــب اإلميــان التــي يؤمــن بهــا كل مــن آمــن برســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪،‬‬
‫قولــه‪« :‬مــا قعــد يتيــم مــع قــوم عــى قصعتهــم‪ ،‬فيقــرب قصعتهــم شــيطان» رواه الطـراين وهــو‬
‫حديــث ســنده حســن‪ ،‬بــل إن ســعة الــرزق والتوفيــق يف كســبه‪ ،‬مــن أســبابه تربيــة الصغــر‪ ،‬فقــد‬
‫رب‬ ‫روى الطـراين «أن رجـ ًـا شــكا إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم ُســو َء الحرفــة‪ ،‬فقــال‪ِّ :‬‬
‫صغ ـ ًرا‪ ،‬فســأله‪ ،‬فقــال‪ :‬جاريــة أو غال ًمــا»‪ .‬وأقــول ملــن يســعى عــى صغــر مــن األوالد‪ ،‬أو عــى‬
‫كبــر مــن اآلبــاء‪ ،‬أو عــى محتــاج‪ :‬ال تَ ْ ُنـ ْن بســعيك عــى أحــد‪ ،‬فلعــل اللــه تعــاىل يرزقــك ويوســع‬
‫عليــك الــرزق مــن أجلهــم‪ ،‬فأنــت تغنــم‪ ،‬وتنعــم مــن أرزاقهــم التــي يســوقها اللــه تعــاىل عــى‬
‫يديــك‪ .‬واســمع لقــول اللــه تعــاىل‪{ :‬إِ َّن َربَّـ َـك يَ ْب ُسـ ُط الـ ِّرز َْق لِ َمـ ْن يَشَ ــا ُء َويَ ْقـ ِـد ُر إِنَّـ ُه كَا َن ِب ِع َبــا ِد ِه‬
‫َخ ِبـ ًرا بَ ِصـ ًرا (‪َ )30‬ولَ تَ ْقتُلُــوا أَ ْو َل َدكُـ ْم َخشْ ـيَ َة إِ ْمـ َـاقٍ نَ ْحـ ُن نَ ْر ُزقُ ُهـ ْم َوإِيَّاكُـ ْم إِ َّن قَتْلَ ُهـ ْم كَا َن ِخطْئًــا‬
‫كَ ِبـ ًرا} [اإلرساء‪ .]31 ،30 :‬فخاطــب اللــه تبــارك وتعــاىل اآلبــاء الذيــن يكتســبون الــرزق بقولــه عــز‬
‫وجــل‪{ :‬نَ ْح ـ ُن نَ ْر ُزقُ ُه ـ ْم َوإِيَّاكُ ـ ْم} فبــدأ يــرزق األوالد الذيــن ال يتكســبون قبــل رزق اآلبــاء الذيــن‬
‫يتكســبون‪ .‬وملــا عــرف جيــل الصحابــة رضــوان اللــه عليهــم هــذه املعــاين‪ ،‬بلــغ بهــم أمــر الرعايــة‬
‫لليتيــم مبل ًغــا بــأن تنازعــوا عليــه‪ .‬روى أبــو داود قــال‪« :‬خــرج زيــد بــن حارثــة إىل مكــة‪ ،‬فقــدم‬
‫بابنــة حمــزة‪ ،‬فقــال جعفــر‪ :‬أنــا آخذهــا‪ ،‬أنــا أحـ ّـق بهــا‪ ،‬هــي ابنــة عمــي وعنــدي خالتهــا وإمنــا‬
‫الخالــة أم‪ ،‬وقــال عــي‪ :‬أنــا أحـ ّـق بهــا‪ ،‬هــي ابنــة عمــي وعنــدي ابنــة رســول اللــه صــى اللــه‬

‫‪264‬‬
‫عليــه وســلم فهــي أحـ ُّـق بهــا‪ ،‬وقــال زيــد‪ :‬أنــا أحــق بهــا‪ ،‬هــي ابنــة أخــي‪ ،‬وإمنــا خرجــت لهــا‬
‫وســافرت وقدمــت بهــا‪ ،‬فقــى بهــا رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم لجعفــر‪ ،‬وقــال‪ :‬الخالــة‬
‫أم»‪.‬‬
‫وأخ ـ ًرا أيهــا األب الوالــد أقــول لــك عــن طفلــك الصغــر‪ :‬إنــه يحتــاج إىل والديــن‪ ،‬أحدهــا أب‪،‬‬
‫نقصــا يف الرتبيــة‪ ،‬يؤث ِّــر يف تكويــن‬
‫واآلخــر أم‪ ،‬فــإ ْن تعاهــده أح ُدهــا دون اآلخــر‪ ،‬كان ذلــك ً‬
‫شــخصية الطفــل فيــا بعــد‪ ،‬ويظــل واجبــك نحــو الصغــر حتــى يكــر‪ ،‬وقــد يســتغني عــن النفقــة‬
‫منــك‪ ،‬ولكنــه أبـ ًدا يف حاجــة إىل عطفــك وحنانــك وتعاهــدك لــه‪ ،‬حتــى ولــو اســتقل ببيــت غــر‬
‫بيتــك‪ ،‬وخاصــة اإلنــاث مــن األوالد‪ ،‬وهــذا مــا ح ّدثتنــا ســرة النبــي صــى اللــه عليــه وســلم مــع‬
‫ابنتــه فاطمــة وأخواتهــا ريض اللــه عنهــن «كان رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم إذا ســافر‪،‬‬
‫كان آخــر عهــده بإنســان مــن أهلــه فاطمــة‪ ،‬وإذا قــدم مــن ســفره كان أول مــن يدخــل عليــه‬
‫فاطمــة» رواه أبــو داود‪« ،‬كان رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم إذا قــدم مــن ســفر َق َّبــل ابنتــه‬
‫فاطمــة» رواه الط ـراين ورجالــه ثقــات‪.‬‬
‫***‬

‫‪265‬‬
‫ة‬ ‫لش ة‬
‫ا ع �ر� الط ي� ب��‬ ‫‪5‬‬
‫[مع األوالد وتربيتهم]‬
‫أساليب الثواب والعقاب مع الطفل‬
‫* الفطرة ال يصلحها إال رشيعة الجزاء بالثواب والعقاب‪.‬‬
‫* الطفل خامة برشية قابلة للتشكيل‪.‬‬
‫رضة بالطفل؟‬
‫* هل أساليب العقوبة م ّ‬
‫* فوائد ومزايا أساليب العقوبة‪ ..‬ومتى تكون نافعة؟‬
‫* مشاكل مرحلة الطفولة املتعلقة بالعقوبة‪.‬‬
‫* تطبيقــات وقواعــد مأثــورة ألســاليب العقــاب مــن مأثــور الهــدْ ي‬
‫النبــوي‪.‬‬
‫ ‬

‫‪266‬‬
‫ابن آدم َّ‬
‫خطاء‪ ،‬ولكن!‬ ‫كل ُ‬

‫* مــن ثوابــت الرســاالت الســاوية عــى مــدار التاريــخ البــري‪ ،‬اإلنــذار والتَّبشــر‪ ،‬والرتغيــب‬
‫والرتهيــب‪ ،‬والثــواب والعقــاب‪ ،‬ألن الج ـزاء عــى األعــال بالســعادة والشــقاوة‪ ،‬والجنــة والنــار‪،‬‬
‫غايــة العبــادة للــه عــز وجــل‪ .‬والفطــرة التــي فطــر اللــه الخلــق عليهــا مهيــأة لهــذا األمــر‪ ،‬وال‬
‫يصلحهــا ســوى رشيعــة الج ـزاء والثــواب والعقــاب‪ .‬والنفــس مجبولــة عــى فعــل الخــر والــر‪،‬‬
‫وتســتجيب لألمــر والنهــي‪ ،‬وترغــب يف النافــع وتســتجلبه‪ ،‬وتكــره الضــار وتدفعــه‪ ،‬كــا أنهــا‬
‫تزكــوا بفعــل الخــر‪ ،‬وتنتكــس بفعــل الــر‪ .‬ونفــرق الخالئــق بقــدر مــا يعملــون مــن خــر ورش‪،‬‬
‫ـس َو َمــا َسـ َّوا َها (‪ )7‬فَأَلْ َه َم َهــا فُ ُجو َر َهــا َوتَ ْق َوا َهــا (‪ )8‬قَـ ْد أَفْلَـ َ‬
‫ـح َمـ ْن َزكَّا َهــا‬ ‫يقــول اللــه تعــاىل { َونَ ْفـ ٍ‬
‫ـاب َمـ ْن َد َّســا َها} [الشــمس‪ .]10-7 :‬وقــد ب َّينــت الرســاالت الســاوية للنــاس‪ ،‬الخــر‬ ‫(‪َ )9‬وقَـ ْد َخـ َ‬
‫والصــواب والخطــأ‪ ،‬والج ـزاء حس ـ ُنه وس ـيِّئُه‪ ،‬ومازالــت موازيــن العــدل‬ ‫والــر‪ ،‬وال َّنافــع والضَّ ــار‪َّ ،‬‬
‫اإللهــي تجــازي الخلــق عــى أفعالهــم مــن خــر ورش‪ ،‬عــى أســاس تلــك املوازيــن املبينــة يف‬
‫الرشائــع الســاوية‪ ،‬يف الدنيــا‪ ،‬ثــم يف اآلخــرة‪.‬‬
‫ـول رعايتــه يف ســنوات طفولتــه‬ ‫* والطفــل خامــة برشيــة قابلــة للتَّشــكيل بالفطــرة‪ ،‬والــذي يتـ َّ‬
‫هــو الــذي يكـ ِّون خصائــص وصفــات شــخصيته‪ ،‬كــا أخــر رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫ينصانــه‪ ،‬أو مي ِّجســانه» رواه‬ ‫فقــال‪« :‬مــا مــن مولــود إال يولــد عــى الفطــرة‪ ،‬فأبــواه يه ِّودانــه‪ ،‬أو ِّ‬
‫البخــاري ومســلم‪ ،‬فالوالــدان يكســبان الطفــل‪ ،‬إمــا عقائــد وأخــاق وســلوك وأفعــال اليهــود‪ ،‬أو‬
‫النصــارى‪ ،‬أو املجــوس‪ ،‬أو بالطبــع‪ ،‬املســلمني‪ ،‬باألســاليب واملناهــج التــي يتَّبعونهــا معــه وتؤثــر‬
‫فيــه‪ ،‬والطفــل يف ســنواته األوىل شــديد التَّأثّــر مبــن حولــه‪ ،‬ومــن أنجــح األســاليب املؤثــرة‪ ،‬أســلوب‬
‫الثــواب والعقــاب للطفــل‪.‬‬
‫آجــا‪ ،‬والعقــاب عكســه‬ ‫عاجــا أو ً‬ ‫ً‬ ‫والثــواب‪ ،‬وهــو يالئــم الجســم والنفــس‪ ،‬ماديًّــا‪ ،‬ومعنويًّــا‪،‬‬
‫بإيقــاع مــا يالئــم الجســم والنفــس‪ ،‬ماديًّــا‪ ،‬ومعنويًّــا‪ ،‬عاجـ ًـا‪ ،‬أو آجـ ًـا‪ ،‬بغــرض تحفيــز الطفــل‬
‫عــى النشــاط املطلــوب منــه فعلــه‪ ،‬أو تركــه‪ ،‬أو تغيــره‪ ،‬أو تعديلــه‪ ،‬طب ًقــا ملــا َد َّل عليــه الــرع‪،‬‬

‫‪267‬‬
‫أو دفــع رض ًرا‪ ،‬أو اســتجلب نف ًعــا‪.‬‬
‫والطفــل لديــه القــدرة عــى فعــل الصــواب‪ ،‬وفعــل الخطــأ‪ ،‬ولكنــه قــد ال يعــرف الفــرق بينهــا‪،‬‬
‫لذلــك يكــون أســلوب الثــواب والعقــاب مــع الطفــل‪ ،‬غايتــه تعليمــه الصــواب والخطــأ‪ ،‬وأن ميتنــع‬
‫عــن تكـرار الخطــأ‪ ،‬فهــو للطفــل للتَّعلــم والزجــر‪ ،‬ولكنــه للكبــار للزجــر والتنكيــل‪.‬‬
‫***‬
‫هل أسلوب العقوبة مضرّ؟‬
‫َض بالطفل أكرث مام تفيد؛ ألسباب منها‪:‬‬ ‫* قد رأى البعض أن أساليب العقوبة ت ُ ُّ‬
‫‪ -1‬العقوبــة يصاحبهــا القلــق والخــوف‪ ،‬خاصــة عندمــا يبالَــغ فيهــا‪ ،‬ويصبــح الطفــل دامئًــا غــر‬
‫ســعيد‪.‬‬
‫‪ -2‬قــد يــؤدي العقــاب إىل –كبــت‪ -‬الســلوك املعاقَــب عليــه‪ ،‬ويجــد لــه مســا ًرا آخــر‪ ،‬ولكــن بعيـ ًدا‬
‫عــن أعــن املعا ِقــب‪.‬‬
‫‪ -3‬الج ـزاء بالثــواب يفيــد مفهو ًمــا لــدى الطفــل يقــول‪ :‬ك ـ ِّرر مــا فعلتــه‪ ،‬وهــذا يفهمــه الطفــل‪،‬‬
‫ولكــن الج ـزاء بالعقــاب يفهــم منــه الطفــل‪ :‬ال تفعــل هــذا الــذي فعلتــه‪ ،‬ولكنــه ال يح ـ ِّدد لــه‬
‫مــاذا يفعــل‪.‬‬
‫‪ -4‬عنــد انتهــاء الحالــة االنفعاليــة املرتبطــة بالعقــاب‪ ،‬يعــود الطفــل بنفــس القــوة إىل األمــر الــذي‬
‫ُعوقــب مــن أجلــه‪ ،‬إذ الدافــع ال يـزال عنــده‪.‬‬
‫‪ -5‬قد يؤدي العقاب إىل كراهية مصدر العقاب‪ ،‬وكراهية األمر الذي تسبّب يف عقابه‪.‬‬
‫‪ -6‬قــد يــؤ ِّدي العقــاب إىل تثبيــت الســلوك عنــد الطفــل يف بعــض الحــاالت مثــل مشــكلة التَّبـ ُّول‬
‫الــا إرادي‪ ،‬كــا ســيأيت إن شــاء اللــه‪.‬‬
‫‪ -7‬قــد يكــون العقــاب نتيجــة انفعــال الوالديــن فيشــعر الطفــل بظلمــه‪ ،‬وخاصــة أن األطفــال‬
‫لديهــم حساســية ضــد الظلــم‪.‬‬
‫‪ -8‬قــد يــؤدي الحرمــان املتكــرر مــن يشء‪ ،‬عقوبـ ًة للطفــل‪ ،‬إىل ســلوكه طــرق االحتيــال والرسقــة‪،‬‬
‫مــع التَّخ ِّفــي يف الســلوك‪.‬‬
‫‪ -9‬قــد يــؤدي اإلحســاس بالظلــم مــن العقوبــة لــدى الطفــل إىل أن يلجــأ إىل تحطيــم يشء هــام‬

‫‪268‬‬
‫مــن اآلنيــة أو إفســاد األدوات يف غيبــة األنظــار‪.‬‬
‫‪ -10‬قــد يــؤذي الطفــل نفســه‪ ،‬أو ميتنــع عــن تنــاول الطعــام املرغــوب فيــه‪ ،‬كعقوبــة لــأم الحنــون‬
‫التــي يعــرف الطفــل أن هــذا الســلوك يغيظهــا‪ ،‬أو يــرك درســه ومذاكرتــه عنــا ًدا لهــا‪.‬‬
‫‪ -11‬املبالغــة يف العقوبــة‪ ،‬قــد تُعـ ِّوق الطفــل‪ ،‬وال تنطلــق معهــا قدراتــه‪ ،‬وقــد يحــدث للطفــل –‬
‫صدمــة‪ -‬توقــف الطموحــات لديــه‪ ،‬أو تجعلــه دامئًــا ســلب ًّيا نحــو هــذا األمــر الــذي عوقــب عليــه‪.‬‬
‫والصحيــح مــن هــذا األمــر‪ ،‬أن هــذه االعرتاضــات عــى أســاليب الجــزاء بالعقوبــة‪ ،‬ليســت‬
‫للصغــار‪ ،‬ولكنهــا اعرتاضــات عــى‬ ‫مو َّجهــة إىل نظــام العقوبــة يف إطــار منهــج التعليــم والرتبيــة ِّ‬
‫كيفيــة تطبيــق العقوبــة‪ .‬والقائلــون بأهميــة العقوبــة وفوائدهــا‪ ،‬هــم الذيــن يحــذرون مــن‬
‫هــذه األخطــاء يف تطبيــق هــذه األســاليب الجزائيــة‪ .‬فالج ـزاء بالثــواب والعقــاب وســيلة حســنة‬
‫إن أحســن اســتخدامها فتحقــق املســتهدف منهــا‪ ،‬وهــي وســيلة غــر ُم ْجديــة يف تحقيــق تلــك‬
‫األهــداف إن أُيسء اســتخدامها‪.‬‬
‫***‬
‫مزايا أساليب العقوبة‬
‫‪ -1‬إذا اســتخدمت يف حــدود الرفــق واملعقــول واالعتــدال‪ ،‬بجانــب أســاليب الثــواب‪ ،‬فإنهــا تســاعد‬
‫عــى رسعــة تكويــن –الضمــر‪ -‬لــدى الطفــل‪.‬‬
‫‪ -2‬يح ـ ِّدد أســلوب الج ـزاء‪ ،‬س ـلْب ًّيا وإيجاب ًّيــا‪ ،‬أي عقابًــا وثوابًــا‪ ،‬دائــرة املســموح والـ َّـا مســموح‬
‫أخالقيًّــا‪ ،‬واجتامعيًّــا‪ ،‬ودينيًّــا‪ ،‬ويق ِّعــد املعايــر لــكل ذلــك‪.‬‬
‫‪ -3‬أســلوب الج ـزاء ين ِّبــه عــى املرغــوب فيــه‪ ،‬والبعــد عــن املــرذول اجتامع ًّيــا‪ ،‬ويعلّــم الطفــل‬
‫االنتبــاه‪.‬‬
‫‪ -4‬يــؤدي إىل التوقــف عــن الســلوك غــر املرغــوب فيــه‪ ،‬قبــل أن يعتــاده الطفــل وهــو ال يــدري‬
‫رضره‪ ،‬ويعــن عــى ذلــك بقــدر كبــر‪ ،‬تشــجيع الطفــل يف الحــال وفــو ًرا‪ ،‬كلــا اســتجاب لألمــر‬
‫وإثابتــه عــى ذلــك‪.‬‬
‫‪ -5‬يكــون العقــاب مصح ًحــا لألخطــاء‪ ،‬ومبــدأ يف التعليــم‪ ،‬إذا قارنــه رشح وتفهيــم للخطــأ والــرر‪،‬‬
‫والنفــع الــذي يفوتــه مــن وقوعــه‪.‬‬

‫‪269‬‬
‫‪ -6‬ال بــد مــن تفهيــم الطفــل‪ ،‬ملــاذا يعاقــب‪ ،‬وقبــل إنــزال العقوبــة‪ ،‬حتــى يتعلــم ويفهــم أن‬
‫العقــاب لــه معنــى يرتبــط باألمــر غــر املرغــوب فيــه‪ ،‬وهــذا أمــر رضوري‪ ،‬ويف غايــة األهميــة‪،‬‬
‫ألن املقصــود األول لعقوبــة الطفــل تعليمــه وتعويــده الصــواب واملرغــوب فيــه‪ ،‬وهــذا التفهيــم‬
‫والتعليــم يهملــه معظــم اآلبــاء واألمهــات واملعلمــون‪ ،‬وإذا قامــوا بعــد توقيــع العقوبــة‪ ،‬أو يف‬
‫وقــت الحــق‪ ،‬فإنــه ال يجــدي وال يؤثــر كث ـ ًرا‪ ،‬ومــن أهــم مزايــا التفهيــم قبــل إن ـزال العقوبــة‪،‬‬
‫أن الــذي يوقِّــع العقوبــة‪ ،‬ال يوقعهــا وهــو منفعــل‪ ،‬ويكــون غضبــه‪ ،‬إن كان غاضبًــا قــد زال بعــد‬
‫قيامــه بــدور التفهيــم والتعليــم‪ ،‬وكذلــك يكــون اســتقبال الطفــل للعقوبــة مفهو ًمــا ومؤثـ ًرا‪ ،‬ويزيد‬
‫مــن هــذا التأثــر أن يُ َذكَّــر بســابقة معاقبتــه وتحذيــره مــن نفــس مــا أخطــأ فيــه حتــى ال يشــعر‬
‫بظلــم يف العقوبــة‪.‬‬
‫‪ -7‬يحســن مــع الــرح والتفهيــم‪ ،‬ال ِّرفــق والحســم يف توقيــع العقوبــة حتــى ال يشــعر بالتناقــض‪،‬‬
‫وتتميــز لديــه األمــور‪ ،‬كــا يجــب أن يــدرك الطفــل العالقــة بــن الخطــأ والعقوبــة عليــه‪ ،‬حتــى‬
‫يكــون للعقــاب أثــره‪.‬‬
‫‪ -8‬ال يلــزم توقيــع العقوبــة عــن كل خطــأ يقــع مــن الطفــل‪ ،‬ويكتفــي بالتفهيــم لــه والتحذيــر‬
‫ـتقبل‪ ،‬وأمــا الخطــأ املتكــرر‪ ،‬والخطــأ الفاحــش املت ّعمــد‪ ،‬فيتــم توقيــع‬
‫مــن العــودة الرتكابــه مسـ ً‬
‫العقوبــة بســببه بعــد التفهيــم بحســم ورفــق‪.‬‬
‫‪ -9‬توقيع العقوبة يؤدي إىل إضعاف الدافع العدواين لدى الطفل عىل املدى البعيد‪.‬‬
‫‪ -10‬ال داعــي لتوقيــع العقوبــة إذا فقــد الحــدث أهميتــه ألي ســبب‪ ،‬أو مــى عليــه مــا يجعــل‬
‫الطفــل ال يــدرك العالقــة بــن العقوبــة والحــدث‪ ،‬وميكــن إذا تكــرر الحــدث منــه فيــا بعــد‪ ،‬أن‬
‫نذكــر عنــد التفهيــم ســابق ارتكابــه لــه‪.‬‬
‫‪ -11‬يجــب عــدم معاقبــة الطفــل عــى خطــأ آخــر عنــد توقيــع العقوبــة عليــه لغــر هــذا الخطــأ؛‬
‫ألن ذلــك يف الحقيقــة مبالغــة يف العقوبــة عــن الخطــأ الحــادث‪ ،‬وهــذا ضــا ٌّر للطفــل كــا ســبق‬
‫بيانــه‪ .‬كأن نعاقبــه بشـ َّدة‪ ،‬ألنــه حطــم أدوات أخيــه‪ ،‬وألنــه ســبق لــه أن شــتم ابــن الجـران‪.‬‬
‫فمثــا ال نرتكــه يفعــل‬
‫ً‬ ‫‪ -12‬أن نعــ ِّوده ونعلمــه ونعاقبــه عــى الخطــأ نفســه يف كل األحــوال‪،‬‬
‫الخطــأ يف حضــور الض ّيــوف‪ ،‬أو عنــد الزيــارة لآلخريــن‪ ،‬أو أثنــاء الســر يف الطريــق‪ ،‬وغــر ذلــك‬

‫‪270‬‬
‫مــن األحــوال‪ ،‬وال نعاقبــه عــى هــذا الخطــأ إال إذا وقــع منــه يف البيــت‪ ،‬أو عندمــا يخلــو الحــال‬
‫مــن اآلخريــن‪ ،‬ألن الطفــل يــدرك ذلــك ويتعمــد فعــل املمنــوع يف تلــك الحــاالت‪ .‬فــكل النــاس‬
‫يعرفــون األطفــال ويدركــون ملــاذا يعاقــب الطفــل‪ ،‬فــا حــرج يف توقيــع العقوبــة املناســبة أمامهــم‬
‫وبحضورهــم بعــد تفهيــم الطفــل‪ ،‬بــل قــد يكــون توقيــع العقوبــة بحضورهــم أفضــل لهــم‪ ،‬إذا‬
‫رض بهــم أو بأوالدهــم‪ ،‬وحتــى ال تــرك الزيــارة مــع األطفــال أثـ ًرا ســيئًا يف‬
‫كان خطــأ الطفــل قــد أ ّ‬
‫نفــوس اآلخريــن‪ ،‬أو يعتربونهــا زيــارة غــر مريحــة‪.‬‬
‫***‬
‫وحتى تكون أساليب اجلزاء مثمرة‬
‫* مجــازاة الطفــل بالثــواب أســلوب الزم لتوجيــه الطفــل إىل مــا هــو صــواب‪ ،‬ومــا هــو مرغــوب يف‬
‫فعلــه‪ ،‬أو مرغــوب يف تركــه‪ ،‬أو مطلــوب تعويــده عــى الســلوك املطلــوب‪.‬‬
‫‪ -‬ومــن أهــم مــا يثمــره أســلوب املجــازاة والثــواب‪ ،‬مــا يولِّــده يف الطفــل مــن حــاالت انفعاليــة‬
‫ســارة‪ ،‬تريــح الطفــل وتجعلــه يف حالــة مــن الرضــا واللــذة والــرور‪ ،‬مــا يــؤدي إىل تقويــة‬
‫املحــددات الدافعــة التــي تعمــل عــى تنشــيط الســلوك لــدى الطفــل‪ ،‬وتوجيهــه عــى املــدى‬
‫الطويــل‪.‬‬
‫‪ -‬ومــن آثــار التشــجيع واملجــازاة بالثــواب‪ ،‬أن ذلــك يولِّــد الوعــي بالنجــاح يف العمــل الــذي أُثيــب‬
‫عليــه‪ ،‬مــا يشــبع بعــض دوافعــه التــي تــؤدي إىل تنشــيط جهــود التعلــم الالحقــة التــي يقــوم‬
‫بهــا‪ ،‬وذلــك يــؤدي بــدوره إىل زيــادة الثقــة لــدى الطفــل بنفســه‪ ،‬كــا يــؤدي غالبًــا إىل تشــجيعه‬
‫عــى املغامــرة واإلبــداع‪ ،‬وتزيــده قناعــة يف املثابــرة عــى عمليــة التعليــم وجــدواه‪ ،‬ملــا يعــود عليــه‬
‫مــن نفــع يف الواقــع‪.‬‬
‫ـكل ماديًّــا دامئًــا‪ ،‬أو كان مبال ًغــا فيــه‪ ،‬قــد يكــون لــدى الطفــل‬
‫‪ -‬ويالحــظ أن الثــواب إذا اتخــذ شـ ً‬
‫اتجا ًهــا نفسـيًّا يقنعــه مبالحظــة املقابــل املــادي يف التعامــل دامئًــا‪ ،‬حتــى إنــه ليتســاءل عنــد كل‬
‫عمــل‪ :‬مــاذا ســيعود عــي مــن هــذا العمــل؟ فيصبــح كل نشــاط عنــده مرتبطًــا بالقيــم املاديــة‪.‬‬
‫‪ -‬يُ ْحـذَر مــع األطفــال‪ ،‬أن نثيــب أحدهــم‪ ،‬وال نثيــب اآلخــر‪ ،‬اعتــا ًدا عــى ثقتنــا يف الطفــل الــذي‬

‫‪271‬‬
‫تركنــاه‪ ،‬إذ قــد يســبب ذلــك إحباطًــا لديــه‪ ،‬أو إحساســه بالفشــل‪ ،‬أو إحساســه بخيبــة األمــل يف‬
‫إرضــاء والديــه الذيــن مل يشــجعوه‪ ،‬وقــد يرتتــب عــى تكـرار ذلــك‪ ،‬الشــعور بكراهيــة أخيــه الــذي‬
‫يثــاب دونــه‪ ،‬والتنافــر معــه دامئًــا‪ ،‬وبــا ســبب ظاهــر‪.‬‬
‫‪ -‬املجــازاة بالعقــاب وحــده‪ ،‬دون املجــازاة بالثــواب‪ ،‬أو بعكــس ذلــك‪ ،‬ال تكــون ذات فعاليــة‬
‫صحيحــة‪ ،‬وال بــد مــن األســلوبني م ًعــا‪ ،‬فــا نعاقبــه عنــد الخطــأ والفشــل‪ ،‬ونهملــه عنــد فعــل‬
‫الصــواب والنجــاح‪ ،‬بــل مــن املفيــد أن نذكــر الطفــل عنــد فشــله‪ ،‬أو خطئــه‪ ،‬مــا كان منــه مــن‬
‫نجاحــات ونحــن نرشــده ونف ّهمــه قبــل توقيــع العقوبــة‪ ،‬لــي يعلــم أننــا نقـ ِّدر إيجابياتــه‪ ،‬وأنــه‬
‫كان يُ ْرجــى منــه خــاف مــا وقــع منــه‪.‬‬
‫‪ -‬ال نعاقــب الطفــل عــى أمــور قليلــة األهميــة‪ ،‬ملج ـ ّرد أننــا يف حالــة انفعــال شــديد وغضــب‪،‬‬
‫لتفريــغ شــحنة الغضــب يف الطفــل‪ ،‬عــى األمــور التــي مل نكــن نعاقبــه عليهــا‪ ،‬لــو مل نكــن يف حالــة‬
‫الغضــب‪ ،‬فغالبًــا مــا تعاقــب األمهــات أطفالهــا بــا أســباب ملجــرد انفعالهــا الشــديد‪ ،‬وقــد ترضبــه‪،‬‬
‫أو تــرخ فيــه‪ ،‬وهــي منهمكــة يف الحديــث مــع َمــن تح ِّدثــه‪ ،‬ألن الطفــل قاطعهــا بطلــب يشء‬
‫منهــا‪.‬‬
‫مــن املفيــد إلنجــاح أســلوب الثــواب والعقــاب مــع الطفــل‪ ،‬مالحظــة بعــض‬
‫األمــور؛ منهــا‪:‬‬
‫‪ -1‬أال يعاقــب األب ويحســم املواقــف مــع الطفــل‪ ،‬وتتســامح األم يف مثــل هــذه املواقــف مــع‬
‫الطفــل نفســه‪ ،‬إال إذا كان مــن بــاب تقســيم األدوار‪ ،‬أو يف حالــة بعينهــا ومــن األوفــق أن يتبــادل‬
‫الوالــدان األدوار مــع الطفــل‪ ،‬حتــى ال يتكـ َّون لديــه شــعور بعــدم الرضــا عــن أحــد الوالديــن‪ ،‬ألنــه‬
‫هــو الــذي يو ِقــع العقوبــة دامئًــا‪.‬‬
‫‪ -2‬قــد يكــون الطفــل يف مرحلــة ســنية مل يكتمــل عنــده الجهــاز العصبــي‪ ،‬مــا يجعلــه يف حالــة‬
‫يتعــر يف مشــيته‪ ،‬أو يصطــدم بــيء‬ ‫ّ‬ ‫عــدم تــآزر أعضــاء الجســم‪ ،‬فتتحطــم منــه األشــياء‪ ،‬أو‬
‫فيحطمــه‪ ،‬كل ذلــك دون قصــد منــه‪ ،‬وقــد يتكــرر منــه ذلــك حتــى يبلــغ درجــة تــآزر األعضــاء‪ ،‬فال‬
‫ـلوك مل يقصــده‪ ،‬ويجــب أن نشــجعه ونعــذره ونتســامح‬ ‫يصــح معاقبــة مثــل هــذا الطفــل عــى سـ ٍ‬
‫معــه يف هــذه الحــاالت‪ ،‬ويحســن تفهيــم الطفــل بقــدر االســتطاعة‪.‬‬
‫‪ -3‬يجــب عــى الوالديــن أال يفعــا األمــر الــذي ينهيــان الطفــل عنــه‪ ،‬ومعاقبــة الطفــل عــى أمــر‬

‫‪272‬‬
‫يفعلــه املعا ِقــب نفســه‪ ،‬يشــعره بالظلــم‪ ،‬ويفقــده الثقــة فيــه‪ ،‬ويوقعــه يف حــرة وبلبلــة‪ .‬ورغــم‬
‫بداهــة هــذا األمــر عنــد الوالديــن‪ ،‬إال أنهــا غال ًبــا مــا يســلكون هــذا الســلوك يف غفلــة عــن أن‬
‫الطفــل يــدرك ذلــك منهــا‪ ،‬أو العتيادهــا هــذا الســلوك‪ ،‬وأشــهر األمثلــة عــى ذلــك‪ ،‬أن يقــف‬
‫أحــد ببــاب البيــت يســأل عــن وجــود أحــد الوالديــن‪ ،‬فيقــول لــه أحدهــا‪ :‬إنــه غــر موجــود‬
‫بالبيــت‪ ،‬ويكــون بداخــل البيــت‪ ،‬أو إنــه نائــم‪ ،‬وهــو غــر نائــم‪ ،‬ونفــس املوقــف إذا ُس ـ ِئل عنــه‬
‫تليفون ًّيــا‪ ،‬وكل ذلــك أمــام ســمع وبــر الطفــل‪ ،‬ويتكــرر ذلــك منهــا‪ ،‬حتــى صــار يــرب بــه املثل‬
‫عــى ســبيل الفكاهــة‪ ،‬حيــث يذهــب الطفــل إىل الســائل ويقــول لــه‪« :‬بابــا بيقــول لــك هــو مــش‬
‫هنــا»‪.‬‬
‫‪ -4‬ألَّ يُكــر مــن تهديــد الطفــل‪ ،‬دون إيقــاع العقوبــة‪ ،‬حتــى ال يســتهني الطفــل بامل ُعا ِقــب أو‬
‫بالعقوبــة‪ ،‬أو باألمــر املمنــوع الــذي يهــ َّدد مــن أجلــه‪ ،‬وال يبــايل بعــد ذلــك بــيء‪.‬‬
‫‪ -5‬أال يكــر مــن توبيــخ الطفــل‪ ،‬وخاصــة أمــام قرنائــه مــن األطفــال‪ ،‬أو أمــام الغربــاء‪ ،‬وحتــى‬
‫ال يتعــود‪ ،‬فــا يبــايل بالتوبيــخ ألنــه فقــد قيمتــه لكرثتــه واعتيــاده لــه‪ ،‬ويكــون التوبيــخ ناف ًعــا‬
‫ـس الطفــل بأملــه‪ ،‬وعندمــا ال يكــون كار ًهــا ملصــدر التوبيــخ‪ .‬كــا يكــون مؤث ـ ًرا كلــا كان‬ ‫إذا أحـ َّ‬
‫املصــدر محرت ًمــا ولــه تقديــر يف نفــس الطفــل‪ ،‬أو كان مــن الشــخص الــذي اعتــاد أن ميدحــه‬
‫ويثيبــه عنــد الصــواب والنجــاح الــذي يحقِّقــه‪.‬‬
‫‪ -6‬يجــب تعويــد الطفــل االعتــذار للوالديــن كلــا أخطــأ‪ ،‬وال نُجــره عــى االعتــذار حتــى ال يشــعر‬
‫باملذلّــة‪ ،‬ويف كل الحــاالت يــرك الطفــل حتــى يراجــع نفســه‪ ،‬أو حتــى يهــدأ‪ ،‬ثــم يتعامــل معــه‬
‫أحــد الوالديــن‪ ،‬أو األخ األكــر‪ ،‬بحيــث يطلــب منــه أن يعتــذر‪ ،‬ويشــجعه عــى ذلــك‪.‬‬
‫‪ -7‬يجــب أال مننــع الطفــل مــن البــكاء عنــد توقيــع العقوبــة‪ ،‬أو بعدهــا‪ ،‬وال نــرك عقوبــة الطفــل‬
‫خوفًــا مــن بكائــه‪ ،‬حتــى ال يجــد الطفــل الوســيلة ملنــع توقيــع العقوبــة عليــه رغــم خطئــه‪.‬‬
‫‪ -8‬يجــب أال نهــدد الطفــل بأمــور وهميــة‪ ،‬أو صارخــة‪ ،‬ف َيكْمــن الخــوف والرعــب يف نفســه مــن‬
‫أشــياء ليــس لهــا حقيقــة يف الواقــع‪ ،‬مثــل أن نخ ِّوفــه –بالغولــة‪ -‬أو بالرجــل املســلوخة‪ ،‬أو بالحــرق‬
‫بالنــار‪ ،‬أو بالحبــس يف مــكان مظلــم ويــرك فيــه وحــده‪.‬‬
‫‪ -9‬يحســن تنويــع أســاليب الثــواب والعقــاب‪ ،‬فــا نعاقــب الطفــل بطريقــة واحــدة دامئًــا‪ ،‬وال‬
‫نثيبــه بــيء واحــد يف كل األحــوال‪ .‬وكذلــك ال نعاقــب كل طفــل بنفــس األســلوب الــذي نعاقــب‬

‫‪273‬‬
‫بــه اآلخــر‪ ،‬وكذلــك يف اإلثابــة لهــم‪ ،‬فــكل حالــة لهــا مــا يناســبها مــن األســاليب‪ ،‬وكل طفــل‬
‫يختلــف يف اســتجابته ألســلوب العقوبــة واإلثابــة عــن اآلخريــن‪.‬‬
‫‪ -10‬يجــب مراعــاة أحــوال الطفــل عنــد نهيــه وأمــره‪ ،‬فمثـ ًـا ال يطلــب منــه أثنــاء اللعــب عــدم‬
‫الصيــاح والحركــة‪ ،‬ألن غــره يطلــب الهــدوء يف هــذا الوقــت‪ ،‬أو يطلــب مــن الطفــل أن ينــام‬ ‫ِّ‬
‫يف وقــت يرغــب غــره يف النــوم‪ ،‬أو يطلــب منــه الهــدوء التــام وعــدم الــكالم ألن الكبــار اآلن‬
‫يتكلمــون‪ ،‬ولكــن يف ّهــم بــأن يقلّــل مــن صياحــه ويخ ّفــض مــن صوتــه‪ ،‬ويقلــل مــن حركتــه‪ ،‬أو‬
‫يبتعــد عــن الذيــن يتحدثــون حتــى ال يش ـ ِّوش عليهــم‪ .‬وهكــذا ‪...‬‬
‫‪ -11‬املــدح والــذم‪ ،‬أســلوبان ناجحــان مــن أســاليب الثــواب والعقــاب‪ ،‬إذا أُحســن اســتخدامهام‬
‫مــع الطفــل‪.‬‬
‫أول بــأول عــى أفعالــه الناجحــة‪ ،‬ليكــون داف ًعــا عــى تحســن‬ ‫‪ -12‬يجــب أن نقــدر الطفــل ونثيبــه ً‬
‫ســلوكه‪ ،‬كــا يجــب أن نوقفــه عــى تحســن ســلوكه املــرذول الســابق منــه‪ ،‬وأن أخطــاءه قــد قلَّــت‬
‫أو انعدمــت يف هــذا الجانــب‪ .‬ألن عــدم فعــل ذلــك معــه يوقعــه يف حــرة مــن أمــره‪ ،‬ويقلّــل مــن‬
‫الدافعيــة عنــده عــى التقـ ّدم‪.‬‬
‫‪ -13‬يجــب أال نكــر مــن تخويفــه بالفشــل مــن إنجــاز املهــات‪ ،‬ويكتفــى بالتلميحــات‪ ،‬مــع‬
‫التشــجيع لــه عــى النجــاح‪.‬‬

‫‪ -14‬يجــب أن يــؤدي الثــواب إىل االرتيــاح عنــد الطفــل‪ ،‬وأن يــؤدي العقــاب إىل عــدم االرتيــاح‪،‬‬
‫فنــوع الطعــام قــد ال يعــد مكافــأة للطفــل وهــو شــبعان‪ ،‬وإخبــاره برتكــه يلعــب‪ ،‬أو يتفــرج عــى‬
‫برنامــج تليفزيــوين‪ ،‬أثنــاء غيــاب والدتــه عنــه يف زيــارة خــارج البيــت وهــو يرغــب يف مصاحبتهــا‬
‫يف هــذه الزيــارة‪ ،‬ال يحــدث لــه االرتيــاح وال يعــد ذلــك إثابــة لــه‪ ،‬بــل يفهمــه عــى أنــه تلهيــة لــه‬
‫عــن الصحبــة املرغوبــة منــه‪ .‬كــا أن تحـ ِّدي الطفــل أثنــاء معاقبتــه‪ ،‬قــد تجعلــه يتجلَّــد ويظهــر‬
‫قــوة تح ّمــل للعقــاب حــن يتل ّقــاه‪ ،‬فيكــون أثــر العقوبــة لديــه الفخــر‪ ،‬ويع ـ ّده مصــدر رسور‬
‫ترتــاح نفســه إليــه‪ ،‬مــا يفـ ِّوت الغــرض مــن توقيــع العقوبــة‪ ،‬ومــن املالحــظ أن مجــازاة الطفــل‬
‫بالثــواب أو بالعقــاب‪ ،‬ال تحــدث النتائــج املرجـ ّوة إذا زادت عــن حــد االعتــدال‪ ،‬ســواء يف قدرهــا‪،‬‬

‫‪274‬‬
‫أو كيفيتهــا‪ ،‬أو كرثتهــا‪ ،‬فكلــا زِيـ َد فيهــا فقــدت قوتهــا‪ ،‬أو أحدثــت آثــا ًرا عكســية‪ ،‬أو آثــا ًرا جانبيــة‬
‫أخــرى ضــارة‪ .‬واالرتيــاح بالثــواب عنــد الطفــل‪ ،‬وهــو أن يشــعر بتقديــم مــن حولــه‪ ،‬أو االعـراف‬
‫لــه‪ ،‬مبــا وصــل إليــه الطفــل مــن إنجــاز‪ ،‬أو شــعوره بإق ـرار مــن حولــه بالســلوك املُــريض الــذي‬
‫ســلكه‪.‬‬
‫‪ -15‬ميكــن بالخــرة مــع الطفــل‪ ،‬معرفــة أفضــل حافــز يرغــب فيــه ويرتــاح لــه‪ ،‬أو معرفــة مــا‬
‫يخــاف مــن وقوعــه لــه كعقوبــة‪ ،‬وذلــك للعمــل عــى تغيــر نشــاط عنــد الطفــل مرغــوب يف تركه‪،‬‬
‫أو مرغــوب يف إنجــازه‪ ،‬ويتغـ ّـر األثــر‪ ،‬أو يضعــف‪ ،‬تب ًعــا لوقــوع املح ِّفــز‪ ،‬أو العقــاب قبــل أو بعــد‬
‫أداء النشــاط مــن الطفــل‪ ،‬فمثـ ًـا‪ :‬ال يــرك الطفــل يشــاهد مبــاراة يف الكــرة‪ ،‬عــى أن يســتذكر‬
‫دروســه بعدهــا‪ ،‬فاألفضــل أن يســتذكر دروســه ليســمح لــه باملشــاهدة‪ ،‬ولكــن يجــب الوفــاء‬
‫ـوي يف التعامــل مــع‬ ‫لــه بالوعــد‪ ،‬وأن يكــون مطمئ ًّنــا بذلــك‪ .‬وإال فُقــدت الثقــة‪ ،‬وهــي أمــر حيـ ّ‬
‫الطفــل‪ .‬ومــن الخطــأ جـ ًّدا أن نعــد الطفــل بحافــز‪ ،‬ثــم نحرمــه منــه لخطــأ آخــر وقــع منــه قبــل‬
‫أو بعــد الوعــد‪ .‬فلــكل حــدث حافــزه أو عقوبتــه‪ ،‬بــا تداخــل لرتســيخ الثقــة عنــد الطفــل مــن‬
‫املقاصــة بــن الوقائــع‪.‬‬
‫َّ‬ ‫جهــة‪ ،‬وحتــى ال نوقعــه يف حــرة لعــدم متييــزه الكامــل ملســألة‬
‫‪ -16‬يجــب أن يف ّهــم الطفــل مــا هــو مرفــوض يف بعــض األحــوال‪ ،‬ومقبــول يف أحــوال أخــرى‪،‬‬
‫حتــى مي ّيــز بــن املواقــف‪ ،‬فمثـ ًـا‪ :‬يســمح للطفــل بالصيــاح وتلويــث مالبســه أثنــاء اللعــب عــى‬
‫الشــاطئ‪ ،‬وال يســمح لــه بتلويثهــا عــى مائــدة الطعــام‪ ،‬كــا يجــب لتحقيــق التمييــز يف املواقــف‬
‫أال تبتســم األم أثنــاء معاقبتهــا للطفــل‪ ،‬وإال أصبــح األمــر غامضً ــا عنــده‪.‬‬
‫***‬
‫بعض مشاكل الطفل املتعلقة بالعقوبة‬
‫* هنــاك بعــض العــادات غــر املرغــوب فيهــا‪ ،‬والتــي تعتــر مــن مشــاكل مرحلــة الطفولــة املبكــرة‪،‬‬
‫تعالــج أحيانًــا بأســلوب العقــاب خط ـأً‪ ،‬فيحســن أخذهــا يف االعتبــار‪ ،‬مثــل‪ :‬التَّب ـ ُّول الــا إرادي‪،‬‬
‫ـص األصابــع‪ ،‬وقضــم األظافــر‪ ،‬والكــذب‪ ،‬والتأخــر الــدرايس‪ ،‬والرسقــة‪.‬‬ ‫ومـ ّ‬
‫‪ -‬فالتَّبـ ُّول الــا إرادي‪ :‬يُ ْبحــث عــن األســباب التــي تُ ْح ِدثــه عنــد الطفــل‪ ،‬إمــا طب ًّيــا‪ ،‬وإمــا معنويًّــا‪،‬‬

‫‪275‬‬
‫إذ يحــدث مــن أســباب مختلفــة؛ منهــا‪ :‬ســوء معاملــة الطفــل‪ ،‬أو التفرقــة يف املعاملــة بينــه وبــن‬
‫إخوتــه‪ ،‬وقــد يكــون اســتقبال األم ملولــود جديــد ســب ًبا يف أن يتب ـ ّول الطفــل الســابق كوســيلة‬
‫لجــذب انتبــاه األم لــه عنــد إهاملــه النشــغالها عنــه باملولــود الجديــد‪ ،‬وقــد يكــون مــن األســباب‪،‬‬
‫ســوء الجــو العائــي بــن الوالديــن‪ ،‬وقــد يكــون الســبب القســوة التــي يعامــل بهــا الطفــل‪ ،‬أو مــن‬
‫نقــص الحنــان والحــب الالحــق بــه‪ ،‬أو مــن الشــعور بالخــوف الــذي عــادة مــا يتســبب عــن ســاع‬
‫الطفــل لحكايــات مرعبــة أو مشــاهدته لهــا يف أجهــزة اإلعــام‪.‬‬
‫‪ -‬عــادة مــص األصابــع‪ :‬قــد يرجــع ســببها إىل نقــص يف تغذيــة الطفــل أثنــاء الرضاعــة‪ ،‬أو حرمانــه‬
‫ـص أصابعــه إلشــباع حاجــة املــص عنــده‪ ،‬فيعتــاد ذلــك‪،‬‬ ‫مــن مــص الثــدي‪ ،‬فيلجــأ الرضيــع إىل مـ ّ‬
‫وقــد يرجــع الســبب إىل نقــص اإلشــباع الوجــداين عنــد الطفــل‪ ،‬أو نقــص االســتمتاع واللّــذة‪،‬‬
‫فيعـ ِّوض ذلــك مبــص األصابــع‪ .‬ويف كل الحــاالت يجــب أال يســتخدم مــع الطفــل أي أســلوب عنيــف‬
‫متلبســا مبــص أصبعــه‪،‬‬
‫ـص األصابــع‪ ،‬وينفــع معــه التفهيــم والتذكــر كلــا ُريئ ً‬ ‫إلرغامــه عــى تــرك مـ ّ‬
‫بــدون زجــر لــه‪ ،‬ولكــن باالبتســام امل ُ ْف ِهــم واملعــر‪ ،‬أو بذكــر كلمــة ال تحرجــه أمــام اآلخريــن تكــون‬
‫كاالصطــاح معــه‪ ،‬حتــى يص ّحــح مــن حالــه دون انتبــاه اآلخريــن‪ ،‬كــا ينفــع يف ذلــك أن نشــغل‬
‫اليديــن بأمــور تســتمر وقتًــا طويـ ًـا عنــد الطفــل حتــى يغفــل عــن هــذه العــادة‪.‬‬
‫‪ -‬عــادة قضــم األظافــر‪ :‬هــذه العــادة ال متــارس إال يف حالــة عــدم انتبــاه‪ ،‬فيكــون الطفــل يف حالــة –‬
‫س َحــان‪ -‬وهــي تــدل عــى حالــة مــن القلــق عنــد الطفــل‪ ،‬أو أنــه يف حالــة تطلــع ألمــو ٍر يحتاجهــا‪،‬‬ ‫ََ‬
‫أو يف حالــة اســتبطان للنفــس لعــدم تحقيــق الرغبــات‪ ،‬ومعالجــة الحالــة يتطلــب التقــرب مــن‬
‫الطفــل مبزيــد مــن االهتــام والحــب لــه‪ ،‬وتأكيــد الثقــة لديــه‪ ،‬وتفهيمــه اســتهجان هــذه العــادة‪،‬‬
‫وخاصــة عندمــا يكــر دون أن يقلــع عنهــا‪ ،‬حتــى يقتنــع وينتبــه لذلــك‪.‬‬
‫‪ -‬التَّأ ُّخــر الــدرايس‪ :‬مــن أســبابه‪ ،‬عــدم مالءمــة الدراســة للطفــل‪ ،‬أو عــدم توافــر أجــواء مناســبة‬
‫للمذاكــرة‪ ،‬أو وجــود خالفــات عائليــة مســتمرة‪ ،‬تجعــل الطفــل يف حالــة توتّــر وقلــق‪ ،‬أو بغــض‬
‫الطفــل ملدرســته‪ ،‬أو أحــد املدرســن‪ ،‬أو لإليــذاء الــذي يقــع عليــه يف املدرســة‪ ،‬وقــد يكــون ســبب‬
‫التأخــر الــدرايس عنــد الطفــل لشــعوره بالحرمــان ورغبتــه يف االنتقــام‪ ،‬فيتقاعــس عــن الدراســة‬
‫فيتأخــر‪.‬‬

‫‪276‬‬
‫‪ -‬الكــذب عنــد الطفــل‪ :‬قــد يكــون وســيل ًة م ـ َّررة لديــه‪ ،‬لحصولــه عــى مطالبــه‪ ،‬دون أن يــدرك‬
‫خطورتــه وســوءه‪ ،‬وقــد يكــون ســببه أن الوالديــن يعتمــدان الكــذب يف ترصفاتهــا‪ ،‬فيكذبــان‪ ،‬إمــا‬
‫عــى الطفــل نفســه‪ ،‬أو عــى غــره‪ ،‬فتتــرب نفســه الكــذب ويقبلــه‪ ،‬وقــد يكــون ســببه الخــوف‬
‫مــن مكــرو ٍه أو عقوبــة تلحقــه‪ ،‬وخاصــة إذا كان يعامــل بقســوة عنــد إق ـراره بالخطــأ‪ ،‬فيضطــر‬
‫للكــذب ويســتدعيه يف كل املواقــف‪ ،‬وقــد يكــون التقريــع لــه‪ ،‬والتشــهري بــه أمــام الغــر‪ ،‬داف ًعــا‬
‫لــه عــى الكــذب ليتفــادى مــا قــد يحــدث لــه‪ ،‬فيتأصــل عنــده الكــذب واإلرصار عليــه‪ ،‬ويتعلــم‬
‫التزييــف واإلخفــاء لألمــور‪ .‬وعمو ًمــا القــدوة يف هــذا األمــر ذات أهميــة قصــوى‪ ،‬للتعويــد عــى‬
‫الصــدق‪ ،‬وكذلــك فــإن إثبــات الطفــل عــى صدقــه‪ ،‬وإق ـراره بالخطــأ‪ ،‬أنفــع مــن عقوبتــه‪ ،‬ألن‬
‫العقوبــة بعــد اع ـراف الطفــل بالخطــأ‪ ،‬تلجئــه للكــذب بعــد ذلــك‪ ،‬ومتنعــه مــن الصــدق‪.‬‬
‫‪ -‬وظاهــرة الرسقــة عنــد الطفــل‪ ،‬وراءهــا غال ًبــا‪ ،‬الحرمــان‪ ،‬فيلجــأ للتحايــل والرسقــة‪ ،‬وكذلــك حــب‬
‫التملُّــك عنــد الطفــل فطــرة‪ ،‬تدفعــه لالســتيالء عــى كل مــا يصــل إىل يديــه‪ ،‬وقــد ال يــدرك الفــرق‬
‫بــن مــا يتملكــه هــو ومــا يتملكــه اآلخــرون‪ ،‬وقــد يكــون الدافــع للرسقــة عنــد الطفــل شــعوره‬
‫بال ُّدون َّيــة بــن أقرانــه‪ ،‬فيحــاول الظهــور مبظهــر الغنــى‪ ،‬فيــرق ليقــدم لهــم هدايــا‪ ،‬أو ينفــق‬
‫عليهــم ببــذخ‪ ،‬وقــد يكــون الدافــع للرسقــة عنــد الطفــل‪ ،‬االنتقــام بأخــذ يشء لــه قيمــة عنــد‬
‫األهــل‪ ،‬أو عنــد األقـران‪ ،‬وقــد يكــون الدافــع هــو الغــرة مــن الغــر‪ ،‬فيأخــذ منــه مــا يغيظــه بــه‪.‬‬
‫والعــاج يف هــذه الحــاالت يكــون بالتّفاهــم مــع الطفــل بعي ـ ًدا عــن اآلخريــن حتــى ال نحرجــه‬
‫ر عــى موقفــه وال يقـ ّر بخطئــه‪ ،‬ألن مــن العــاج لــه‪ ،‬التوصــل إىل أن يعــرف بخطئــه‬ ‫أمامهــم فيـ ّ‬
‫يف الرسقــة‪ ،‬ويف هــذه الحالــة‪ ،‬ميكــن التغــايض عــن الــيء املــروق إذا مل يوافــق عــى اســرداده‬
‫منــه‪ ،‬وتعويــض صاحبــه مبثلــه‪ .‬ومــن الخطــأ‪ ،‬القيــام بتفتيــش حقائبــه أو أدراجــه‪ ،‬أو دوالب‬
‫محتوياتــه مــن ورائــه ويف غيبتــه ويعلــم بذلــك التفتيــش‪ ،‬حتــى ال تنهــدم الثقــة عنــده‪ ،‬كــا‬
‫يجــب أال نبالــغ يف اســتجالء األمــر منــه‪ ،‬حتــى ال نخيفــه فيظــن أن األمــر خطــر فيزيــده ذلــك‬
‫تكتُّـ ًـا وتخف ًيــا للرسقــة‪ ،‬كــا يجــب أن نف ـ ِّرق بــن طفــل تقــع منــه حادثــة رسقــة عــى النــدرة‪،‬‬
‫وبــن مــن تصبــح الرسقــة مألوفــة يف ســلوكه‪ ،‬فاألخــر يكــون يف الغالــب متعمـ ًدا الرسقــة‪ ،‬فهــذا‬
‫يعاقــب بعــد التعليــم والتفهيــم‪ ،‬لتع ّمــده الرسقــة‪ ،‬ولتكرارهــا منــه‪.‬‬

‫‪277‬‬
‫تطبيقات وقواعد مأثورة من اهلدي النَّبَوي‬
‫* يقــول النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬التــأين مــن اللــه‪ ،‬والعجلــة مــن الشــيطان‪ ،‬ومــا أحــد‬
‫أكــر معاذيــر مــن اللــه‪ ،‬ومــا مــن يشء أحــب إىل اللــه مــن الحمــد» رواه أبــو يعــى ورجالــه‬
‫ورجــال الصحيــح‪ .‬ويف الحديــث إخبــار مــن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم عــن اللــه تعــاىل‬
‫وصفاتــه‪ ،‬وهــي نصيحــة غاليــة ألمتــه بنــاء عــى ذلــك‪ ،‬ألن اللــه الــذي خلــق العبــاد ورزقهــم‬
‫وهداهــم وتحبــب إليهــم بنعمــه‪ ،‬يعصونــه‪ ،‬ويتبغَّضــون إليــه‪ ،‬ويطيعــون عــد َّوه‪ ،‬فــا يعجــل‬
‫عليهــم بالعقــوب‪ ،‬ويفتــح لهــم بــاب التوبــة واالعتــذار‪ ،‬إذا مــا تــاب أحدهــم فاعتــذر عــن ُج ْر ِمــه‬
‫قَ ِبــل منــه‪ ،‬أمــا األحــب إىل اللــه تعــاىل‪ ،‬فهــو الــذي ينعــم اللــه تعــاىل عليــه بالنعمــة فــا يعصيــه‪،‬‬
‫بــل يحمــده عليهــا‪ ،‬فاللــه يحــب الحمــد ســبحانه‪ ،‬فاللــه تعــاىل يحــب مــن عبــاده أن يتخلَّقــوا‬
‫باألخــاق الحميــدة‪ ،‬فــا يغضبــون وينزلــون العقوبــة بــا تــأ ٍّن وتعقُّــل وتريُّــث؛ ألن العجلــة‬
‫حينئــذ تكــون مــن الشــيطان العــدو الحاســد لهــم عــى طاعتهــم للــه واألخــذ عــن رســوله صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم‪ ،‬وهــي دعــوة غاليــة إىل التح ُّكــم يف النفــس عنــد وقــوع خطــأ مــن أحـ ٍـد‪ ،‬وخاصة‬
‫الصغــار‪ ،‬والنظــر أولً فيــا يجــب قبــل الحكــم بعجلــة عــى املخطــئ وتوقيــع العقوبــة عليــه‪ ،‬بــل‬
‫نســمع أولً ونتح َّقــق مــن دوافــع الخطــأ ومــا أحــاط بــه مــن مالبســات‪ ،‬ثــم نتق ّبــل العــذر‪ ،‬ونفتــح‬
‫لــه بابًــا حتــى يفــيء إليــه املخطــئ‪ ،‬ولذلــك نصــح أمــر املؤمنــن عمــر بــن عبــد العزيــز أحــد‬
‫ـض وأنــت غضبــان‪ ،‬وال تقــض بــن اثنــن حتــى تســمع منهــا‪ ،‬حتــى ولــو‬ ‫ُع ّملــه فقــال لــه‪ :‬ال تقـ ِ‬
‫جــاءك أحدهــا وع ْي ُنــه عــى يــده‪ ،‬فرمبــا جــاءك اآلخــر وعينــاه عــى يديــه‪ .‬فكثـ ًرا مــا تعاقــب األم‬
‫الطفــل ملجــرد إرساع اآلخــر بالشــكوى منــه‪ ،‬فيتعلــم الطفــل فعــل الخطــأ‪ ،‬ثــم يســارع بالشــكوى‬
‫وإلصاقــه باآلخريــن‪ ،‬وغالبًــا مــا يكــون ذلــك مــع أبنــاء الج ـران‪ ،‬أو رفــاق الطفــل‪ ،‬فتتبنــى األم‬
‫شــكوى طفلهــا وتدافــع عنهــا دامئًــا بحــق أو بغــر حــق ملجــرد الســاع مــن طفلهــا‪ ،‬وقــد يحــدث‬
‫عكــس ذلــك إذا أرسعــت الجــارة أو ابنهــا بالشــكوى‪ ،‬مــا يشــعر الطفــل بالظلــم‪ ،‬والتعـ ُّود عــى‬
‫الكــذب واملســارعة بالشــكوى بغــر حــق خوفًــا مــن مســارعة الطــرف اآلخــر‪ ،‬وكراهيــة املعا ِقــب‬
‫وعــدم احـرام رأيــه يف أمــور أخــرى‪.‬‬

‫‪278‬‬
‫* ويقــول النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬إنَّ مــن حــق الولــد عــى الوالــد أن يُحســن اســمه‪ ،‬وأن‬
‫يحســن أدبــه» رواه الب ـزار والبيهقــي‪ ،‬والعجيــب أن يرتبــط معنــى األدب عنــد البعــض بــرب‬
‫الولــد ومعاقبتــه‪ ،‬فــكأن التأديــب هــو الــرب وإنـزال العقوبــة‪ ،‬إن التأديــب بالتّعلــم واملســامحة‬
‫وتقديــم القــدوة للولــد‪ ،‬وهــذا هــو حقــه‪ ،‬فــا يعقــل أن يكــون حقــه عنــد الوالــد هــو الــرب‪،‬‬
‫وقــد َم ـ َّر بنــا قــول النبــي صــى اللــه عليــه وســلم لعائشــة ريض اللــه عنهــا‪ ،‬وقــد أعطاهــا ناقــة‬
‫صغــرة‪« :‬أ ِّديب وارفقــي» فالبهيمــة الصغــرة التــي مل تتعــود الحمــل والســر براكبهــا وطاعتــه‪،‬‬
‫تحتــاج إىل ترويــض برفــق‪ ،‬وليــس رضبهــا‪ ،‬والطفــل الصغــر الوديــع أحــوج إىل الرفــق بــه مــن‬
‫البهيمــة العنــود‪.‬‬
‫* يقــول النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬ال ترفــع العصــا عــى أهلــك‪ ،‬وأخفهــم يف اللــه عــز‬
‫وجــل» رواه الط ـراين يف املعجــم الصغــر‪ ،‬واألوســط‪ ،‬وإســناده جيــد‪ .‬ويف هــذا الحديــث أصــل‬
‫عظيــم للرتبيــة‪ ،‬إن الدافــع لالســتقامة عــى الصــواب والخــر‪ ،‬ليــس يف العصــا والعقوبــة البدنيــة‪،‬‬
‫إن الدافــع مــن الداخــل‪ ،‬مــن ضمــر مكنــون يعاقــب عــى الهاجــس الــذي ال يُــرى‪ ،‬وإنهــا الدعــوة‬
‫والتنبيــه عــى أن أســلوب العقوبــة ال يكــون ماديًّــا فحســب‪ ،‬بــل املعنــوي أجــدى وأنفــع وأشــمل‬
‫ـأت مــن موقــف أو اثنــن‪ ،‬إنــه أســلوب متواصــل مــن‬ ‫وأدوم‪ .‬إن الخــوف مــن اللــه تعــاىل ال يتـ َّ‬
‫يتأصــل عنــده يف النفــس وينطبــع يف القلــب‪،‬‬ ‫التفهيــم والتعليــم والتذكــر للطفــل الصغــر‪ ،‬حتــى َّ‬
‫الخــوف مــن الرقيــب الــذي يســمع ويــرى كل يشء ويحاســب عليــه‪ ،‬إنــه ســبحانه الــذي يــرى يف‬
‫الخلــوة حــن ال يــرى غــره‪ ،‬وأنــه ســبحانه الــذي يعلــم مــا توســوس بــه النفــس حــن يختلــج فيهــا‬
‫الرغبــة يف املمنــوع والحـرام‪ ،‬وهــو ســبحانه الــذي يعلــم إن كان مــا وقــع متعمـ ًدا أو بــدون قصــد‪،‬‬
‫وأنــه ســبحانه سيحاســب عــى ذلــك كلــه مهــا َص ُغــر أو كــر‪ ،‬يف الدنيــا ويف اآلخــرة وأمــا العصــا‪،‬‬
‫فيتحايــل عليهــا األذكيــاء واألشــقياء‪ ،‬ويقــع معظمهــا عــى البســطاء واألبريــاء؛ لذلــك يجــب عــى‬
‫الوالديــن واملعلمــن أن يربُّــوا الصغــار بالتعليــم والتفهيــم والتذكــر باللــه ســبحانه‪ ،‬حتــى ينمــو‬
‫رش ومكــروه‪ ،‬والحكايــات واألمثلــة‬ ‫الــوازع الخلقــي –الضمــر‪ -‬الــذي يحجزهــم عــن كل مــا هــو ٌّ‬
‫كثــرة‪ ،‬والتــي ميكــن رضبهــا للطفــل عنــد القيــام بتفهيمــه الخطــأ الــذي ارتكبــه‪ ،‬فالتذكــر عنــد‬
‫ذلــك نافــع‪ ،‬فهــو كالــرب عــى الحديــد وهــو ســاخن‪ ،‬ألن الطفــل صغــر ينطبــع يف نفســه مــا‬

‫‪279‬‬
‫يتلقــاه دون مجادلــة ومغالبــة‪ ،‬وألن مناســبة الخطــأ واملحاســبة عليــه تجعلــه متن ِّب ًهــا ومتذكـ ًرا مــا‬
‫يقــع لــه‪ .‬يقــول النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬مثــل الــذي يتعلــم العلــم يف صغــره كالنقــش‬
‫عــى الحجــر‪ ،‬ومثــل الــذي يتعلــم العلــم يف كــره كالــذي يكتــب عــى املــاء» رواه الط ـراين يف‬
‫معجمــه الكبــر‪ ،‬واألغلــب أن يكــون املقصــود مــن العلــم يف هــذا الحديــث‪ ،‬العلــم باللــه‪ ،‬والعلــم‬
‫باملبــادئ والقيــم التــي يكــر عليهــا الصغــر‪ ،‬وقــد منــت عنــده وثبتــت‪ ،‬أمــا تعلــم هــذه األمــور‬
‫بعــد الرتبيــة عــى غريهــا‪ ،‬وقــد كــر الصغــر‪ ،‬فقلَّــا تنفعــه‪ ،‬وأمــا تعليــم األمــور التــي هــي مجــرد‬
‫معلومــات تــدرك‪ ،‬فقــد يدركهــا الكبــر أكــر مــن الصغــر‪ ،‬وهــذا ال مينــع مــن وجــود الحافظــة‬
‫خاليــة ومســتعدة عنــد الصغــر‪ ،‬فيتناســب معــه تحفيظــه املعلومــات يف الصغــر‪ ،‬حتــى ال ينشــغل‬
‫هــو‪ ،‬أو تقــل قــواه عنــد الكــر‪.‬‬
‫ـي صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬يــا‬ ‫* روى الطـراين بســنده «أن رجـ ًـا يقــال لــه‪ُ :‬جـ َر ّي أىت النبـ َّ‬
‫ـم أعاقبهــم؟ قــال‪ :‬تعفــو‪ ،‬ثــم قــال الثانيــة حتــى قالهــا ثالثًــا‪،‬‬ ‫رســول اللــه‪ ،‬إن أهــي يعصــوين‪َ ،‬ف ِبـ َ‬
‫ـق ال َو ْجــه» فهــذا الصحــايب ريض اللــه عنــه يســأل‬ ‫ـت فعاقــب بقــدر الذنــب‪ ،‬واتَّـ ِ‬ ‫فقــال‪ :‬إنْ عا َق ْبـ َ‬
‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم عــن عقوبــة أهلــه املســؤول عــن تأديبهــم وتربيتهــم‪ ،‬فريشــده‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم إىل أســلوب الرفــق بالعفــو واملســامحة مـرات‪ ،‬فإنهــا إن كانــت الزوجــة‪،‬‬
‫فإنهــا امــرأة مشــغولة بالخدمــة والبيــت‪ ،‬فــا يكــون الخطــأ منهــا عــن قصــد وفطنــة‪ ،‬وإن كان‬
‫ول ـ ًدا صغ ـ ًرا‪ ،‬فإنــه يحتــاج إىل العطــف والتعليــم لقلــة إدراكــه للخطــأ‪ ،‬وإن كان خاد ًمــا‪ ،‬فكــرة‬
‫معاناتــه لألمــور تجعلــه يقــع يف الخطــأ‪ ،‬فح ُّقــه العــون لــه‪ ،‬واملســامحة معــه بالعفــو عنــه‪ ،‬وكل‬
‫ذلــك ال مينــع مــن توقيــع العقوبــة‪ ،‬إذا ناســب توقيعهــا‪ ،‬وبالــروط الالزمــة لهــا‪ ،‬مــن تثبــت‬
‫الخطــأ‪ ،‬أو تعمــده‪ ،‬أو تكــراره‪ ،‬وبالرفــق وعــدم اإليــام املوجــع للبــدن أو للنفــس‪ ،‬مــع اتقــاء‬
‫املواضــع غــر الالئــق إلحــاق العقوبــة بهــا لرشفهــا كالوجــه‪ ،‬ألن يف ذلــك مهانــة‪ ،‬وليســت املهانــة‬
‫مــن أغ ـراض العقوبــة‪.‬‬
‫* يقــول النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬أعينــوا أوالدكــم عــى الــر‪ ،‬مــن شــاء اســتخرج العقــوق‬
‫مــن ولــده» رواه الطـراين‪ .‬إن اللــوم يكــون للوالديــن‪ ،‬ويقــع عليهــا إثــم عقــوق األوالد لهــم‪.‬‬
‫ألن الوالديــن يطبعــون األوالد بطابعهــا‪ ،‬فالطفــل الصغــر خامــة برشيــة قابلــة ومســتعدة لــكل‬

‫‪280‬‬
‫طبــع تطبــع عليــه بالفطــرة «وإمنــا أبــواه يهودانــه أو ينرصانــه ‪ »...‬الحديــث‪ ،‬وقــد ســبق ذكــره‬
‫ومراميــه يف فصــل ســابق‪ ،‬ولذلــك يقــول النــاس عــن الشــخص الســيئ األخــاق «قليــل األدب‪ ،‬أبوه‬
‫مــا ربَّاهــوش» فيلومــون األب عــى فعــل االبــن‪ ،‬وهــم مح ّقــون يف ذلــك إىل حـ ٍّد كبــر‪ ،‬والعقــوق‬
‫مــن الكبائــر العظمــى يف الديــن‪ ،‬وســيأيت الحديــث عــن ذلــك إن شــاء اللــه يف فصــل الحــق‪ ،‬ولكــن‬
‫التنبيــه هنــا عــن ســبب ذلــك العقــوق عنــد الولــد‪ ،‬إن القســوة يف تربيــة الطفــل‪ ،‬تُولِّــد عنــده‬
‫الرغبــة يف االنتقــام‪ ،‬ولكــن عنــد عجــز الوالديــن للكــر‪ ،‬أو للحاجــة‪ ،‬فتخــرج هــذه الرغبــة إىل‬
‫الوجــود وتتحقــق‪ ،‬والــذي أخرجهــا يف الحقيقــة مــن الولــد يف هــذا الوقــت‪ ،‬والــده الــذي أنشــأ‬
‫هــذه الرغبــة فيــه وأودعهــا الولــد أحشــاءه‪ ،‬حتــى جــاء املنــاخ والظــروف املالئــم لتخــرج‪ ،‬كالبــذرة‬
‫املودعــة أحشــاء الرتبــة‪ ،‬فتنبــت يف موســمها املالئــم ووقتهــا املناســب‪ .‬وقــد ســبق ذكــر حديــث‬
‫عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم يحســن إعادتــه هنــا للحاجــة‪ ،‬قــال رســول اللــه صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم‪« :‬رش النــاس الضيــق عــى أهلــه‪ ،‬قالــوا‪ :‬يــا رســول اللــه‪ ،‬وكيــف يكــون ضي ًقــا عــى‬
‫أهلــه؟ قــال‪ :‬الرجــل إذا دخــل بيتــه خشــعت امرأتــه وهــرب ولــده وف ـ َّر‪ ،‬فــإذا خــرج ضحكــت‬
‫امرأتــه واســتأنس أهــل بيتــه» رواه الط ـراين‪ ،‬أينتظــر هــذا األب القــايس‪ ،‬الــذي وصفــه النبــي‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم بأنــه رش النــاس‪ ،‬ومــن يهــرب ولــده منــه يف بيتــه‪ ،‬أن يحــر إليــه هــذا‬
‫الولــد‪ ،‬بعــد أن يســتقل ببيــت لــه‪ ،‬إىل والــده يف البيــت الــذي كان يهــرب منــه فيــه؟ وهــل الــذي‬
‫يحــرم أوالده بقســوة‪ ،‬وهــو ينفــق عــى ملذاتــه ولهــوه دون أوالده‪ ،‬أن يعطيــه األوالد عنــد حاجتــه‬
‫وكــره؟ إنــه الجـزاء مــن جنــس العمــل‪ ،‬وكــا تديــن تــدان‪ ،‬والـ ُّر ال يبــى والذنــب ال ينــى حتــى‬
‫مــع البــر يف الدنيــا‪ ،‬وبــن األوالد واآلبــاء‪.‬‬
‫وهــل معنــى هــذا أال نــرب األوالد‪ ،‬وأال نعاقبهــم؟ بالحتــم ليــس هــذا هــو املقصــود‪ ،‬فالــرب‬
‫نافــع للطفــل‪ ،‬ولكــن برشوطــه ويف وقتــه كــا م ـ َّر بنــا‪ ،‬وال داعــي إلعــادة ذلــك لظهــوره‪ ،‬ولكــن‬
‫يلــزم أن نــدرك أن الــرب للطفــل‪ ،‬ليــس لــكل طفــل‪ ،‬وال يف كل حــال‪ ،‬وال عــن كل خطــأ يقــع‬
‫منــه‪ ،‬ولكــن بعــد التعليــم والتفهيــم للطفــل‪ ،‬مــع الصــر والرفــق واملســامحة‪ ،‬وأهــم مــا يراعــى يف‬
‫ذلــك املرحلــة العمريــة التــي يكــون عليهــا الطفــل‪ ،‬وقــد ن ّبــه عــى ذلــك خــر الخلــق وأرحمهــم‬
‫وأحرصهــم عــى الحــق فقــال‪« :‬علمــوا الصبــي الصــاة لســبع‪ ،‬وارضبــوه عليهــا ابــن عــر» رواه‬

‫‪281‬‬
‫الرتمــذي‪ ،‬فبــدأ صــى اللــه عليــه وســلم بالتعليــم للصغــر‪ ،‬وطويـ ًـا بــا رضب ملــدة ثــاث ســنوات‪،‬‬
‫ثــم تســتخدم بعــد ذلــك كلــه وســيلة العقــاب بالــرب برشوطــه‪ ،‬حيــث مل تجــد الوســائل األخــرى‬
‫مــع الطبــع العنيــد‪ ،‬ويف الحديــث الــذي رواه اإلمــام أبــو داود عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪:‬‬
‫«مــروا الصبــي بالصــاة إذا بلــغ ســبع ســنني‪ ،‬فــإذا بلــغ عــر ســنني فارضبــوه عليهــا» نجــد فيــه‬
‫الحــرص عــى مــا يناســب كل مرحلــة عمريــة ميــر بهــا الطفــل‪ ،‬ففــي صغــره يؤمــر مبــا يناســبه‬
‫مــن كيفيــات األمــر‪ ،‬وهــو يف هــذه املرحلــة يســمع ويطيــع للوالديــن بــا تــر ُّدد وال عائــق عنــده‬
‫لالســتجابة‪ ،‬أمــا عندمــا يــرك حتــى يبلــغ عــر ســنني بــا تعليــم لــه للصــاة‪ ،‬فيكــون قــد اعتــاد‬
‫إهاملهــا‪ ،‬وينظــر إىل األمــر بهــا بعنــاد‪ ،‬ويكــون قــد اســتهوته األق ـران وفنــون اللعــب‪ ،‬وال يفهــم‬
‫مــن الحديــث أن الــرب ال يكــون إال مــن أجــل تــرك الصــاة فحســب‪ ،‬بــل للتنبيــه عــى اســتخدام‬
‫أســلوب العقــاب يف مثــل هــذه الحالــة‪ ،‬وألن قــر أســلوب الــرب عــى تــرك الصــاة دون‬
‫غريهــا مــن أمــور العبــادات واألخــاق واملبــادئ‪ ،‬يجعــل الطفــل الصغــر‪ ،‬كار ًهــا للصــاة حتــى ولــو‬
‫أ َّداهــا‪ ،‬واألســوأ مــن كل ذلــك‪ ،‬أن يكــون اآلمــر بالصــاة‪ ،‬أو الــذي يــرب الطفــل عليهــا‪ ،‬تــاركًا‬
‫لهــا ومهمـ ًـا لشــأنها وهــو القــدوة‪ ،‬ومثلــه كالرجــل الــذي ينهــى ابنــه عــن تدخــن الســجائر وهــو‬
‫مد ّخــن لهــا‪.‬‬
‫ـر ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬بعثتنــي أمــي إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬ ‫* عــن عبــد اللــه بــن بُـ ْ‬
‫وســلم بقطــف مــن عنــب‪ ،‬فأكل ُتــه‪ ،‬فقالــت أمــي لرســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬هــل‬
‫أتــاك عبــد اللــه بقطــف؟ قــال‪ :‬ال‪ ،‬فجعــل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم إذا رآين قــال‪:‬‬
‫ُغــدَ ٌر ُغــدَ ٌر» رواه الطـراين‪ ،‬فــا زاد رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم عــى التنبيــه للصبــي يف‬
‫شــكل عتــاب رقيــق‪ ،‬هــو أشــبه باملالعبــة منــه مــن املعاتبــة‪ ،‬وتكـرار ذلــك مــن رســول اللــه صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم عــى ســبيل التذكــر والتفهيــم حتــى يــدرك الصغــر أنــه ارتكــب خطــأ‪ ،‬فيتن َّبــه‪،‬‬
‫ويرجــع‪ ،‬وألن األمــر يتعلــق باألمانــة‪ ،‬وهــي أمــر مبهــم عنــد الصغــر‪ ،‬ال يدركــه إال بهــذا التكـرار‪،‬‬
‫ولكــن بــا إهانــة لنفــس الصغــر‪ .‬وال يفــوت التنبيــه مــن خــال هــذه الحكايــة‪ ،‬عــى تعويــد‬
‫الطفــل حمــل الهدايــا‪ ،‬وتعويــده الكــرم عمل ًّيــا وتدريبــه عــى بعــض األعــال ذات األهميــة‪،‬‬
‫وتفهــم الصغــر معنــى التَّكافــل عمل ًّيــا‪ ،‬وتواصــل البيــوت‪ ،‬ويف الحديــث منتهــى تواضــع النبــي‬

‫‪282‬‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم بقبــول الهديــة مــن امــرأة‪ ،‬يحملهــا إليــه صبــي‪ ،‬وتباســطه صــى اللــه‬
‫ـي وتعليمــه‪.‬‬
‫عليــه وســلم مــع صبـ ٍّ‬
‫* عــن رافــع بــن عمــرو الغفــاري ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬كنــت غال ًمــا أرمــي نخــل األنصــار‪،‬‬
‫فــأىت يب رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فقــال يل‪ :‬مل ترمــي النخــل؟ قلــت‪ :‬آلكل‪ ،‬فقــال‪:‬‬
‫ـرم النخــل‪ ،‬وك ُْل مــا ســقط يف أســفلها‪ ،‬ثــم مســح رأيس وقــال‪ :‬اللهــم أشــبع بطنــه» رواه‬ ‫ال تـ ِ‬
‫أبــو داود والرتمــذي وابــن ماجــة‪ .‬فهــذا الغــام الجائــع ريض اللــه عنــه ِم َّمــن صحــب النبــي يف‬
‫أوقــات الشَّ ـ َّدة والفقــر‪ ،‬قــد لجــأ إىل حدائــق املدينــة التــي ميلكهــا األنصــار‪ ،‬وأخــذ يقــذف النخــل‬
‫بالحجــارة حتــى يســقط منهــا مــا يأكلــه‪ ،‬وهــو خطــأ ونــوع مــن أخــذ مــال الغــر بــدون رضــاه‪،‬‬
‫ولذلــك أُ ِ َت بــه رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم ليفصــل يف أمــره‪ ،‬فأخــذ رســول اللــه صــى اللــه‬
‫رصفــه الخطــأ‪ ،‬وعلــل الطفــل ســلوكه تعليـ ًـا‬ ‫عليــه وســلم يســأله ويســتوضح منــه عــن الســبب يف ت ّ‬
‫منطق ًّيــا لطفــل صغــر جائــع فقــال‪ :‬آلكل‪ .‬فالقضيــة ليــس فيهــا العمــد يف التعـ ّدي‪ ،‬وال الحصــول‬
‫عــى مــا يتمـ َّول بــه‪ ،‬وهنــا يعلــم الحكيــم صــى اللــه عليــه وســلم الطفــل‪ ،‬وطفولــة األمــة الناشــئة‬
‫كلهــا‪ ،‬كيــف يســلكون ويحكمــون‪« ،‬ال تــرم النخــل‪ ،‬وكل مــا ســقط يف أســفلها» الحــل الرفيــق‬
‫بالطفــل الجائــع‪ ،‬وبصاحــب النخــل املالــك‪ ،‬هــذا يــأكل ويسـ ّد جوعــه‪ ،‬وهــذا يُ ْح َفــظ عليــه مالــه‪،‬‬
‫ألن الســاقط مــن النخــل عــادة يــرك ويفســد إذا مل يلتقــط القــط‪ ،‬أمــا أن ميســح النبــي صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم عــى رأس الطفــل الجائــع املخطــئ‪ ،‬والدعــاء لــه‪ ،‬فهــذا غايــة الشــفقة والرحمــة‬
‫والحســن يف القضــاء‪.‬‬
‫ش ْحبيــل ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬قدمــت مــع عمومتــي املدينــة‪ ،‬فدخلــت حائطًــا‬ ‫* عــن عبــاد بــن ُ َ‬
‫ـت يف ثــويب‪ ،‬فجــاء صاحبــه فرضبنــي وأخــذ‬ ‫ـت‪ ،‬وحملـ ُ‬ ‫ـنبل‪ ،‬فأكلـ ُ‬‫مــن حيطــان املدينــة‪ ،‬ففركــت سـ ً‬
‫ثــويب‪ ،‬فــأىت يب رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فذكــر ذلــك لــه‪ ،‬فقــال لــه‪ :‬مــا علَّمــت إ ْذ‬
‫ي ثــويب‪ ،‬وأعطــاين نصــف وســق مــن‬ ‫كان جاهـ ًـا‪ ،‬وال أطعمــت إذ كان جائ ًعــا‪ ،‬فأمــره فــر َّد ع ـ ّ‬
‫طعــام» رواه أبــو داود والنســايئ وابــن ماجــة‪ ،‬إننــا يف هــذه القصــة أمــام حالــة فريــدة‪ ،‬حيــث‬
‫كان املهاجــرون يحــرون إىل املدينــة‪ ،‬وكانــت ســنوات جــوع وفقــر‪ ،‬وقلــة يف الطعــام مــع توافــر‬
‫األعــداد وتزايدهــا إىل املدينــة‪ ،‬وهــذا الطفــل الصغــر املهاجــر مــع عمومتــه ريض اللــه عنهــم‬

‫‪283‬‬
‫جمي ًعــا‪ ،‬هجــم عليــه الجــوع فدخــل بســتانًا مــن بســاتني املدينــة بــه ســنابل القمــح والشــعري‪،‬‬
‫فأخــذ ســنابل منهــا وفركهــا واســتخرج منهــا مــا أكل‪ ،‬ولعلــه جــاء مــن البــدو والصح ـراء‪ ،‬فظــن‬
‫رصة مــن الســنابل‪ ،‬وجــاء صاحــب البســتان وأخــذ‬ ‫أن ذلــك مبــاح ملــن جمعــه‪ ،‬فجمــع يف ثوبــه ّ‬
‫متلبســا بالرسقــة‪ ،‬فثوبــه مــرور عــى الســنابل التــي رسقهــا‪ ،‬وهنــا ال يســأل النبــي صــى‬ ‫ً‬ ‫الصغــر‬
‫اللــه عليــه وســلم الصغــر‪ ،‬فــإن األمــر أش ـ ّد وأكــر مــن رسقــة طفــل جائــع لبعــض الســنابل‪،‬‬
‫إنهــا ال ّنازلــة التــي وجــب عــى الجميــع تح ُّملهــا حتــى يفـ ّرج اللــه كــرب الجميــع‪ ،‬وإنــه التكافــل‬
‫والتنــارص يف املجتمــع الجديــد مــن األنصــار واملهاجريــن‪ ،‬وإنهــا الظــروف الطَّارئــة عــى مجتمــع‬
‫املدينــة‪ ،‬واســتثناء يف األحــكام املرعيــة‪ ،‬خاصــة مــع الضعفــاء مثــل هــذا الصغــر القــادم إىل املدينة‬
‫بإســامه‪ ،‬التــارك ألهلــه ووطنــه‪ ،‬يريــد أن يتعلــم اإلســام مــن الكبــار الذيــن ســبقوه إليــه‪ ،‬وخاصــة‬
‫أهــل البيعــة مــن األنصــار‪ ،‬فاألمــر يجــب أن يتّضــح لألنصــاري صاحــب البســتان‪ ،‬ولغــره مــن‬
‫املســلمني‪ ،‬وإنــه التذكــر بواجــب التعليــم والكفالــة‪ .‬فالخطــاب هــذه املـ ّرة توجــه لصاحــب املــال‬
‫املــروق‪« :‬مــا علَّمــت إذ كان جاهـ ًـا‪ ،‬وال أطعمــت إذ كان جائ ًعــا» ومــع ذلــك‪ ،‬فهــو أمــر ليــس‬
‫عــى ســبيل اإلل ـزام‪ ،‬ألنــه فضــل وإيثــار‪ ،‬ولذلــك ر َّد الثــوب للطفــل والســنابل ملالكهــا‪ ،‬ويبقــى‬
‫الفضــل والعظمــة لحكيــم البرشيــة صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬حيــث أعطــى الصغــر نصــف ِح ْمــلٍ‬
‫مــن الطعــام‪ ،‬ليس ـ ّد خللــه هــو وأعاممــه ومــن معــه ممــن قــدم إىل املدينــة معــه‪ .‬ويف هــذه‬
‫القصــة تظهــر لنــا عظمــة الرســول صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬خاصــة يف مســألة تعليــم الطفــل‬
‫الــذي ارتكــب الخطــأ‪ ،‬وليــس معاقبتــه‪ ،‬كــا يســتفاد منــه‪ ،‬أن العقوبــة ليســت يف كل حــال‪ ،‬وأن‬
‫الظــروف املالبســة للخطــأ ال بــد أن تؤخــذ يف االعتبــار‪.‬‬
‫* كث ـ ًرا مــا تعاقــب األم ولدهــا بالدعــاء عليــه‪ ،‬خاصــة يف حالــة انفعاالتهــا‪ ،‬أو يف حالــة عجزهــا‬
‫عــن معاقبتــه بأســاليب أخــرى‪ ،‬وهــي تعتــاد ذلــك‪ ،‬وتظــن يف نفســها‪ ،‬أن دعاءهــا لــن يســتجيب‬
‫اللــه لهــا فيــه‪ ،‬ألن املدع ـ َّو عليــه ابنهــا واللــه يعلــم أنهــا تحبــه وأنهــا ال تقصــد وقــوع املدعــو‬
‫بــه البنهــا‪ ،‬وإذا اعــرض عليهــا أحــد تقــول لــه‪« :‬ر ِّبنــا رب قلــوب» وهــو ال تعلــم أن رب القلــوب‬
‫ومقلِّبهــا‪ ،‬أخربنــا رســوله صــى اللــه عليــه وســلم بقولــه‪« :‬ال تدعــوا عــى أنفســكم‪ ،‬وال تدعــوا‬
‫عــى أوالدكــم‪ ،‬وال تدعــوا عــى خدمكــم‪ ،‬وال تدعــوا عــى أموالكــم‪ ،‬ال توافقــوا مــن اللــه عــز‬

‫‪284‬‬
‫وجــل ســاعة نَ ْيــلٍ فيهــا عطــاء‪ ،‬فيســتجيب لكــم» رواه مســلم وأبــو داود وابــن حبــان‪ .‬فلِلَّــه‬
‫شــؤون يف خلقــه ال يعلمهــا إال هــو ســبحانه وتعــاىل‪ ،‬ولــه ســبحانه مــع خلقــه ســاعات ينــال فيهــا‬
‫ـب أُجِيـ ُ‬
‫ـب َد ْعـ َو َة الـ َّدا ِع إِذَا َد َعــانِ } [البقــرة‪:‬‬ ‫كل ســائل مســألته‪ ،‬وقــال ســبحانه وتعــاىل‪{ :‬فَـ ِإنِّ قَرِيـ ٌ‬
‫‪ .]186‬فــاألم أو األب الحريــص عــى ابنــه يدعــو لــه اللــه الســميع املجيــب‪ ،‬وال يدعــو عليــه بحــال‪،‬‬
‫ألن الدعــاء عــى الولــد مــن الحمــق املنــايف للعقــل والكيــس‪ ،‬وقــد رضب النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫ر مــا‬ ‫وســلم مثـ ًـا عجيبًــا ملثــل هــذه الحــال فقــال‪« :‬مثــل الــذي يســمع الحكمــة فيحــدِّ ث ب ـ ِّ‬
‫يســمع‪ ،‬مثــل رجــل أىت راع ًيــا فقــال‪ :‬يــا راعــي‪ ،‬أجــزرين شــاة مــن غنمــك‪ ،‬فقــال‪ :‬اذهــب فخــذ‬
‫بــأ ُذن خريهــا شــاة‪ ،‬فذهــب‪ ،‬فأخــذ ب ـأُ ُذن كلــب الغنــم» رواه أبــو يعــى‪ ،‬ومعنــى أجــزرين‪ ،‬أي‬
‫أعطنــي شــاة أذبحهــا وآكلهــا‪ .‬وهــو مثــل لغايــة الحمــق‪ ،‬حيــث إن صاحــب الغنــم قــال لــه‪ :‬خــذ‬
‫بنفســك لنفســك أحســن شــاة يف الغنــم‪ ،‬فــرك كل الغنــم وأخــذ الكلــب‪ ،‬وللــه املثــل األعــى‪ ،‬فقــد‬
‫أبــاح للوالديــن أن يطلبــا لولدهــا مــا شــاءا مــن فضــل اللــه‪ ،‬فــإذا أحدهــا يطلــب منــه ســبحانه‬
‫وتعــاىل لولــده‪ ،‬الويــل والهــاك والشــقاء‪ .‬ومــن جميــل مــا أذكــر‪ ،‬أننــي زرت صدي ًقــا يل منــذ أكــر‬
‫مــن عرشيــن ســنة‪ ،‬وكان ولــده الصغــر يتحــرك بنشــاط كبــر ويحــدث وضــاء تشــوش علينــا‬
‫الجلســة‪ ،‬فــكان ال يزيــد كلّــا أراد أن يزجــره أن يقــول بصــوت كالـراخ‪« :‬يــا بنــي اســكت اللــه‬
‫يهديــك» فالحظــت ذلــك وســألته‪ ،‬فقــال يل‪« :‬عــاوزين أدعــو عليــه فتزيــد شــقاوته فأتعــب أكــر»‬
‫ـت منــه حكمــة غاليــة‬‫فتعلمـ ُ‬
‫***‬

‫‪285‬‬
‫ة‬ ‫لش ة‬
‫ا ع �ر� الط ي� ب��‬ ‫‪6‬‬
‫[مع األوالد وتربيتهم]‬
‫قضايا ومسائل ترتبط بطفل ما قبل املدرسة‬
‫* مخالطة الطفل الصغري للكبار‪ ،‬منهج للرتبية أصيل‪.‬‬
‫* االهتامم مبشاعر الطفل الصغري يف املناسبات واألحفال‪.‬‬
‫* الخري عادة وتكتسب خصاله بال َّتعويد عليه‪.‬‬
‫* التسامح يف كشف العورات من الصغار‪ ،‬وأمامهم‪ ،‬أمر مرذول‪.‬‬
‫* اللعب يف هذه املرحلة له أهمية غري االستمتاع‪.‬‬
‫* اللهو فطرة وحاجة للطفل الصغري‪.‬‬
‫* مالحظات مهمة باملرحلة‪.‬‬
‫ ‬

‫‪286‬‬
‫خمالطة الصغري منهج يف الرتبية أصيل‬

‫* عــن أيب ُح َميــد الســاعدي ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬ســمعت رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫يقــول‪« :‬أبْ ـ ِد املــو َّد َة مل ـ ْن وا َد ْد َت‪ ،‬فإنهــا هــي أثبــت» رواه الط ـراين‪ .‬إنهــا قاعــدة عامــة يضعهــا‬
‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم يف املعاملــة مــع الغــر‪ ،‬وخاصــة مــع مــن نعارشهــم‪ ،‬وعــى األخــص‬
‫األطفــال الصغــار‪ ،‬لحاجتهــم للحنــان والعطــف‪ ،‬ولعــدم إدراكهــم هــذا املعنــى إال من خالل ســلوك‬
‫ظاهــر وعمــي‪ .‬فيجــب عــى الوالديــن‪ ،‬والكبــار عمو ًمــا‪ ،‬عنــد معاملــة األطفــال ومعارشتهــم‪،‬‬
‫اســتخدام أســاليب عمليــة ومعـ ّـرة عــن املــو ّدة واملحبــة لهــم‪ ،‬مثــل حمــل الصغــار‪ ،‬وتقبيلهــم‪،‬‬
‫ومالعبتهــم‪ ،‬ومداعبتهــم‪ ،‬وإعطائهــم بعــض الحلــوى أو الفاكهــة‪ ،‬أو األشــياء التــي يفضلونهــا‪،‬‬
‫ومصاحبتهــم خــارج املنــزل للتّنــزه والتّفــرج‪ ،‬وزيــارات املعــارف واألقــارب‪ ،‬واالهتــام بأمورهــم‬
‫والــر ّد عــى كل أســئلتهم‪ ،‬والنــوم بجانبهــم والســاح لهــم بالجلــوس مــع ضيــوف البيــت‪ ،‬ومــدح‬
‫ســلوكهم الصحيــح‪ ،‬أو املتم ّيــز‪ ،‬وتقديــر أعاملهــم بالجوائــز والحلــوى‪ ،‬وعــدم زجرهــم ومنعهــم‬
‫مــن اللعــب والحركــة‪ ،‬وأمثــال ذلــك مــن األســباب التــي ت َوطِّــد العالقــة مــع الطفــل‪ ،‬وتقنعــه‬
‫بالحــب واالهتــام‪ ،‬وتشــبع حاجاتــه‪.‬‬
‫* عــن جابــر بــن ســمرة ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬صليــت مــع رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫صــاة األوىل ثــم خــرج إىل أهلــه‪ ،‬وخرجــت معــه‪ ،‬فاســتقبله ِولْــدان‪ ،‬فجعــل ميســح خــدَّ ي‬
‫أحدهــم واحــدً ا واحــدً ا» رواه مســلم‪ ،‬فــأي صــورة مــن الحنــان املع ـرِّ ‪ ،‬واألب ـ ّوة والشــفقة‪ ،‬تلــك‬
‫التــي يبديهــا رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم وهــو يلقــى بعــض األطفــال يف طريقــه‪ ،‬فيمســح‬
‫بحنــان ومــودة عــى كل خــدي األطفــال واح ـ ًدا واح ـ ًد‪ ،‬ألنــه الحنــان الغامــر الــذي يشــمل كل‬
‫طفــل‪ ،‬وأيــن هــذا الســلوك مــن ســلوك الــذي يزجــر كل طفــل يلقــاه معرتضً ــا طريقــه؟ أو عــى‬
‫األقــل مــن ال يحدثهــم وال يلقــي إليهــم بالســام؟ وقريــب مــن ذلــك مــا رواه أنــس بــن مالــك ريض‬
‫ي رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم وأنــا ألعــب مــع الغلــان‪ ،‬فســلم‬ ‫اللــه عنــه قــال‪« :‬أىت عـ َّ‬
‫علينــا‪ ،‬وبعثنــي إىل حاجتــه» رواه مســلم‪ .‬فانظــر إىل هــذا الســلوك املاهــر يف الرتبيــة للصغــار‪،‬‬

‫‪287‬‬
‫«فســلم علينــا‪ ،‬وبعثنــي إىل حاجتــه» فالســام عــى الصغــار وهــم يلعبــون‪ ،‬وقبــل أن يطلــب‬
‫مــن أحدهــم تــرك اللعــب ليقــي حاجــة‪ ،‬فيــه احـرام وتقديــر للصغــار‪ ،‬وإقـرار للعبهــم‪ ،‬ولــوال‬
‫الحاجــة مــا قطــع عليهــم لهوهــم ولعبهــم‪.‬‬
‫روى البخــاري ومســلم «أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم أُ ِ َت بـراب‪ ،‬فــرب منــه‪ ،‬وعــن‬
‫ميينــه غــام أصغــر القــوم‪ ،‬ومــن يســاره األشــياخ‪ ،‬فقــال للغــام‪ :‬أتــأذن يل أن أُعطــي هــؤالء؟‬
‫فقــال الغــام‪ :‬واللــه يــا رســول اللــه ال أُوثــر بنصيبــي منــك أحــدً ا‪َ ،‬ف َتلَّــهُ رســول اللــه يف يــده»‬
‫والغــام هــو الفضــل بــن العبــاس ريض اللــه عنهــا‪ .‬إنــه أمــر يفــوق كل تقديــر‪ ،‬وتعجــز عنــه‬
‫أســاليب التعبــر كلهــا‪ ،‬وال ترقــى إليــه مناهــج الرتبيــة التــي يحاولهــا غــر النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم مــن ال ِبــر‪ ،‬طفــل صغــر يجلــس يف مجلــس األشــياخ وبينهــم النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم الــذي يعلِّــم ويســوس ويقــود األمــة! ويســتأذنه النبــي صــى اللــه عليــه وســلم يف رشبــة!‬
‫ويجلــس عــن ميــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬وهــي كرامــة للكبــار قبــل الصغــار! وال ينــى‬
‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم حـ َّـق الطفــل الصغــر يف الــرب بــد ًءا مــن ميــن الشــارب! إن هــذا‬
‫الســلوك وغــره مــن أســاليب الرتبيــة اإلســامية‪ ،‬وهــي التــي أوصلــت هــؤالء الغلــان إىل مــدارج‬
‫العظمــة وهــم ال يزالــون صغــا ًرا‪ ،‬فهــذا الفضــل بــن العبــاس ريض اللــه عنهــا‪ ،‬وهــو غــام َد َر َج‬
‫بــن األشــياخ‪ ،‬يعــرف كيــف املنطــق يف مثــل هــذا املوقــف العظيــم‪« ،‬واللــه يــا رســول اللــه ال أُوثــر‬
‫بنصيبــي منــك أح ـ ًدا» عطــاء وحــق مــن يــد رســول اللــه‪ ،‬يدعــه ذو مســكة مــن عقــل‪ ،‬ولذلــك‬
‫وضــع الرســول صــى اللــه عليــه وســلم اإلنــاء وفيــه الـراب عنــد ذلــك يــده‪.‬‬
‫* املنهــج اإلســامي الربّــاين ال مينــع األطفــال والصغــار مــن مخالطــة الكبــار‪ ،‬ومجالســتهم يف كل‬
‫مجالســهم‪ ،‬ومســاجدهم‪ ،‬وتجمعاتهــم‪ ،‬وأســفارهم‪ ،‬وأحفالهــم‪ ،‬وأنديتهــم‪ ،‬وذلــك حتــى يأخــذوا‬
‫عــن الكبــار عمـ ًـا‪ ،‬وباملواقــف‪ ،‬فَيَتَ َّشبــون الســلوك ويحفظــون القواعــد واملبــادئ‪ ،‬ويشــاركون‬
‫يف األعــال ويتد ّربــون عــى املســؤوليات‪ .‬أمــا حرمــان األطفــال والصغــار مــن هــذه املخالطــة‬
‫واملشــاركة‪ ،‬فهــو حرمــان مــن القــدوة والتجربــة مــن جانــب‪ ،‬وعــزل للصغــار عــن االتصــال‬
‫بالكبــار‪ ،‬مــن جانــب آخــر‪ ،‬وهــو منهــج ســلبي يف الرتبيــة وغــر عمــي‪ ،‬ويــدع الصغــار بعضهــم‬
‫لبعــض فــا يتعلمــون إال السفاســف مــن األمــور‪ ،‬ويســتهويهم الشــياطني فيتعلمــون الــرور‪،‬‬

‫‪288‬‬
‫ـدل مــن مخالطــة الكبــار فينشــغلون بالخــر ويتعلمــون معــايل األمــور‪ .‬فعــن عبــد اللــه بــن أيب‬ ‫بـ ً‬
‫حبيبــة «‪ ...‬وقيــل لــه‪ :‬مــا تذكــر مــن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم؟ قــال‪ :‬جاءنــا رســول‬
‫ـت عــن‬ ‫ـت وأنــا غــام ح ـ َدثٌ حتــى جلسـ ُ‬ ‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يف مســجدنا بقبــاء‪ ،‬فجئـ ُ‬
‫ميينــه‪ ،‬وجلــس أبــو بكــر عــن يســاره‪ ،‬قــال‪ :‬ثــم دعــا ب ـراب فــرب وناولنــي عــن ميينــه» رواه‬
‫أحمــد والطـراين ورجــال أحمــد ثقــات‪ .‬وعــن أم خالــد بنــت خالــد بــن ســعيد بــن العــاص قالــت‪:‬‬
‫ي قميــص أصفــر‪ ،‬فقــال رســول اللــه‬ ‫«أتيــت رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم مــع أيب‪ ،‬وع ـ َّ‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم‪َ :‬س ـ َنه‪َ ،‬س ـ َنه‪ ،‬قــال ال ـراوي‪ :‬وهــي بالحبشــية‪ :‬حســنة‪ ،‬حســنة‪ ،‬قالــت‪:‬‬
‫فذهبــت ألعــب بخاتــم النبـ َّوة‪ ،‬فَ َزبَـ َرين أيب‪ ،‬فقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪َ :‬د ْعهــا‪ ،‬ثــم‬
‫قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬أبــي وأخلقــي‪ ،‬ثــم أبــي وأخلقــي‪ ،‬ثــم أبــي وأخلقــي»‬
‫رواه البخــاري‪ ،‬وكان خالــد بــن ســعيد قــد هاجــر إىل الحبشــة هــو وأهلــه‪ ،‬فهــذه صبيــة صغــرة‬
‫تحــر مجلــس رســول اللــه‪ ،‬فاألمــر ال يخــص الصبيــان فقــط‪ ،‬ثــم ال تهــاب يف املجلــس مــن‬
‫اللعــب‪ ،‬بــل تذهــب فتلعــب بخاتــم النب ـ ّوة املبــارك الرشيــف‪ ،‬فيمنعهــا بزج ـ ٍر أبوهــا‪ ،‬فيقــول‬
‫لــه النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪[ :‬دعهــا] بــل يتوجــه إليهــا صــى اللــه عليــه وســلم باملداعبــة‬
‫واملباســطة ليذهــب عــن الصغــرة الحــرج‪ ،‬ثــم يدعــو لهــا ثالثًــا بطــول العمــر والعافيــة‪ ،‬فتلبــس‬
‫الجديــد م ـرات وم ـرات بعــد أن يخلــق الثــوب الجديــد‪ .‬وخاتــم النب ـ ّوة الرشيــف‪ ،‬عبــارة عــن‬
‫بضعــة مــن اللحــم بــارزة متيــل إىل الحمــرة وعليهــا شــعرات‪ ،‬يف أعــى الظهــر قريــب مــن الرقبــة‬
‫املباركــة‪ .‬والس ـ ّنة املباركــة‪ ،‬والســرة الرشيفــة‪ ،‬وتاريــخ املســلمني‪ ،‬مليئــة باألمثلــة عــى حضــور‬
‫الصغــار‪ ،‬بنــن وبنــات‪ ،‬كل املجالــس واألماكــن مخالطــن للكبــار‪ ،‬وليــس هنــاك أعــى مــن مجلــس‬
‫النب ـ ّوة الرشيفــة يف املســجد‪ ،‬ويف كل املواطــن‪ ،‬والتــي خالــط فيهــا الصغــار الكبــار‪ ،‬حتــى كــر‬
‫الصغــار عــى مــا كان عليــه الكبــار‪ ،‬مــن خلــق وســلوك ديــن‪.‬‬
‫***‬

‫‪289‬‬
‫مشاعر الصغار يف األفراح واألتراح‬
‫روى اإلمــام مســلم يف صحيحــه «أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم كان يــؤىت بــأ َّول الثمــر‪،‬‬
‫فيقــول‪ :‬اللهــم بــارك لنــا يف مدينتنــا‪ ،‬ويف مثارنــا‪ ،‬ويف ُمدَّ نــا وصا ِعنــا‪ ،‬بركــة مــع بركــة‪ ،‬ثــم يعطيــه‬
‫أصغــر مــن يحــره مــن الولــدان»‪ ،‬وروى الطـراين «أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم كان‬
‫إذا أىت بباكــورة الثمــرة أعطاهــا أصغــر مــن يحــره مــن ال ِولْــدان» ورجالــه رجــال الصحيــح‪ .‬كــا‬
‫روى يف الصغــر والكبــر مــن معاجمــه بســند رجالــه رجــال الصحيــح «كان رســول اللــه صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم إذا أُيت بالباكــورة مــن الثــار َق َّبلهــا‪ ،‬ووضعهــا عــى عينيــه ثــم قــال‪ :‬اللهــم كــا‬
‫أطعمتنــا أ َّولــه فأطعمنــا آخــره‪ ،‬ثــم يأمــر بــه للمولــود مــن أهلــه» ويحســن الجمــع بــن هــذه‬
‫األلفــاظ الــواردة يف هــذه األحاديــث‪ ،‬واملتدبِّــر يف هــذه الســنة يجــد أن هنــاك شــب ًها بــن باكــورة‬
‫الثمــر‪ ،‬وبــن باكــورة عمــر الصغــار‪ ،‬ف ُهـ َـا يف أول مراحــل النضــج‪ ،‬وكالهــا قريــب عهـ ٍـد بعمليــة‬
‫تلقيــح وتوليــد‪ ،‬وآيــة مــن آيــات اللــه تعــاىل يف تــوايل النــوع واســتمراره وفيهــا اتصــال النعمــة‬
‫وعــدم انقطاعهــا مــن مســديها‪ ،‬وأن مــن شــكرها ذكــر املنعــم‪ ،‬وطلــب الربكــة فيــا أنعــم بــه‪ ،‬وأن‬
‫مــن كــال الشــكر تقديــم النعمــة لألحــوج واألضعــف‪ ،‬فــإن الطفــل الــذي يحــر ويــرى باكــورة‬
‫الثمــرة‪ ،‬يرغــب فيهــا ويتطلّــع إليهــا‪ ،‬وتــرع إليهــا نفســه‪ ،‬فيكــون حرمــان الصغــر يف هــذه‬
‫الحــال نو ًعــا مــن القســوة واألثــرة‪ ،‬وأعــرف بعــض األمهــات الــايت يؤثــرن األزواج يف مثــل هــذه‬
‫الحالــة‪ ،‬وتحــرم الصغــار‪ ،‬وهــم يتطلّعــون للــيء‪ ،‬ظ ًنــا منهــن أن ذلــك كرامــة للــزوج وللكبــر‪،‬‬
‫وتوقــر لهــم‪ .‬ولعــل هــذا التطلّــع مــن الطفــل للــيء‪ ،‬وراء نهــي النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫وهــو يبـ ِّـن حقــوق الجــار‪ ،‬أن يخــرج األطفــال بالفاكهــة فرياهــا يف أيديهــم أبنــا ُء الجــار فريغبــون‬
‫فيهــا‪ ،‬وال يُ ْعطَــون منهــا‪ ،‬حيــث قــال صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬وإذا اشــريت فاكهــة فأ ْهـ ِـد لــه‪،‬‬
‫رسا‪ ،‬وال يخــرج بهــا ولــدك ليغيــظ بهــا ولــده‪ ،‬وال تــؤذه بقتــار قــدرك إال‬ ‫فــإن مل تفعــل فأدخلهــا ًّ‬
‫أن تغــرف لــه منهــا» رواه الخرائطــي يف مــكارم األخــاق‪ ،‬وابــن عــدي يف الكامــل‪ .‬ولنفــس األمــر‪،‬‬
‫يراعــى عنــد تنــاول الطعــام أن نعطــي مــن حــر مــن األطفــال مــا نتناولــه مــن الطعــام‪ ،‬فعــن‬
‫الســائب بــن يزيــد ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬دخلــت عــى النبــي صــى اللــه عليــه وســلم أنــا وغلمــة‬
‫معــي‪ ،‬فوجدنــاه يــأكل مت ـ ًرا يف قنــاع‪ ،‬ومعــه نــاس مــن أصحابــه‪ ،‬فقبــض لنــا مــن ذلــك قبضـ ًة‪،‬‬

‫‪290‬‬
‫قبضـ ًة‪ ،‬ومســح عــى رؤوســنا» رواه الطـراين‪ ،‬فلــم ينــس صــى اللــه عليــه وســلم هــؤالء الصغــار‬
‫الذيــن دخلــوا وشــاهدوا الطعــام يــؤكل منــه‪ ،‬أن يطعمهــم مــن ذلــك الطعــام ويكرمهــم كــا‬
‫يكــرم مــن يشــاركونه الطعــام‪ .‬إن ذلــك تقديــر للصغــار‪ ،‬ومراعــاة لنفوســهم‪ ،‬وجــر لخواطرهــم‪.‬‬
‫* إن االهتــام بالطفــل الصغــر‪ ،‬واالنتبــاه إىل مــا يؤثّــر يف نفسـ َّيته‪ ،‬ومعاملتــه معاملـ ًة كرميــة فيهــا‬
‫التقديــر واالحـرام لــذات الصغــر‪ ،‬أمــر هــام يف الرتبيــة اإلســامية‪ ،‬ألنــه يف املعتــاد عنــد الكثرييــن‬
‫مــن األمهــات واملعلمــن‪ ،‬إغفــال شــأن الطفــل لصغــره‪ ،‬وأنــه ال يــدرك األمــور‪ ،‬ويف الحقيقــة‬
‫وواقــع األمــر‪ ،‬أن الطفــل الصغــر شــديد الحساســية‪ ،‬ومرهــف الشــعور‪ ،‬لكثــر مــن األمــور التــي‬
‫يغفــل عنهــا‪ ،‬ويهملهــا الكبــار‪ ،‬وقــد ال يســتطيع الطفــل التعبــر عــن إدراكــه وشــعوره‪ ،‬ولكــن‬
‫ذلــك ال ينفــي وجــود اإلدراك والشــعور‪ .‬عــن عــي بــن أيب طالــب ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬دخــل‬
‫علينــا رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬وأنــا والحســن والحســن نيــام يف لحــاف‪ ،‬فاستســقى‬
‫ـب يف القــدح‪ ،‬فجــاء بــه‪ ،‬فوثــب‬ ‫الحســن‪ ،‬فقــام رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم إىل إنــاء‪ ،‬فصـ َّ‬
‫الحســن فن َّحــا ُه النبــي صــى اللــه عليــه وســلم بيــده‪ ،‬فقالــت فاطمــة‪ :‬كأنــه أحبهــا إليــك يــا‬
‫رســول اللــه؟ قــال‪ :‬إنــه استســقى قبلــه» رواه أحمــد والبـزار والطـراين‪ .‬فهــذه خدمــة مــن كبــر‬
‫عظيــم لطفــل صغــر‪ ،‬ومراعــاة لخاطــر الــذي طلــب الـراب قبــل اآلخــر‪ ،‬فيقــدم ويهتــم وبهــذا‬
‫العــدل واملســاواة بحســم‪ ،‬بــرف النظــر عــن كونهــم صغــا ًرا وال يدركــون تلــك األمــور‪ ،‬أو يهيــأ‬
‫لنــا ذلــك منهــم‪ .‬وال يخفــى عظيــم تواضــع النبــي صــى اللــه عليه وســلم وشــفقته‪ ،‬ومســارعته إىل‬
‫الخدمــة والنجــدة‪ ،‬وتباســطه صــى اللــه عليــه وســلم مــع أهلــه وأوالده رضــوان اللــه عليهــم‪ .‬وعن‬
‫عبــد اللــه بــن عبــاس ريض اللــه عنهــا قــال‪« :‬إن أبــاه بعثــه إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫جالســا مــع أصحابــه يف املســجد‪ ،‬فلــم أســتطع أن أكلمــه‪ ،‬فلــا‬ ‫وســلم يف حاجــة‪ ،‬قــال‪ :‬فوجدتــه ً‬
‫صــى املغــرب قــام يركــع حتــى انــرف َمـ ْن بقــي يف املســجد‪ ،‬ثــم انــرف إىل منزلــه‪ ،‬وتبعتــه‪،‬‬
‫ـي قــال‪ :‬مــن هــذا؟ قلــت‪ :‬ابــن عبــاس‪ ،‬قــال‪ :‬ابــن عــم رســول اللــه؟ قلــت‪ :‬ابــن‬ ‫فلــا ســمع ِحـ ِّ‬
‫عــم رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬قــال‪ :‬مرح ًبــا بابــن عــم رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫ـت ليلتهــا مــن رســول‬ ‫وســلم‪ ،‬قــال‪ :‬مــا تريــد أن تبيــت عنــد خالتــك الليلــة‪ ،‬قــد أمســيت؟ فوافقـ ُ‬
‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فأتتهــا فعشــتني» رواه الط ـراين‪ .‬وهــذا الحديــث فيــه مــا يعجــز‬

‫‪291‬‬
‫التعبــر عــن اإلفصــاح عــا فيــه مــن عظمــة رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فهــذا التقديــر‬
‫منــه صــى اللــه عليــه وســلم لهــذا الغــام الصغــر‪ ،‬والرتحيــب بــه‪ ،‬واالهتــام بشــأنه‪ ،‬وإكرامــه‬
‫ودعوتــه للمبيــت معــه يف بيــت خالتــه ميمونــة بنــت الحــارث ريض اللــه عنهــا‪ ،‬يف كل ذلــك‬
‫وغــره‪ ،‬مــا يعجــز الكثــر مــن الكرمــاء عــن فعلــه مــع الكبــار‪ ،‬فكيــف يكــون فعلــه مــع الصغــار؟‬
‫* مــن املســائل التــي يجــب أن يعتنــى بهــا مــع األطفــال‪ ،‬اصطحابهــم عنــد اســتقبال القــادم مــن‬
‫الســفر‪ ،‬ألن الطفــل يكــون أكــر تله ًفــا عــى الغائــب‪ ،‬ويفــرح بقدومــه‪ ،‬ويتع ّجــل رؤيتــه‪ ،‬كــا‬ ‫َّ‬
‫أن الغائــب يكــون أكــر شــوقًا لرؤيــة الصغــار‪ ،‬واالطمئنــان عليهــم‪ ،‬ولــكل هــذه األمــور وغريهــا‪،‬‬
‫كانــت الســنة الرشيفــة موضِّ حــة لهــذا املســلك الواجــب مــع الصغــار‪« ،‬كان رســول اللــه صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم إذا قَـ ِـدم مــن ســفر تُلُ ِّقـ َ‬
‫ـي بصبيــان أهــل بيتــه‪ ،‬قــال عبــد اللــه بــن جعفــر‪ ،‬وأنــه‬
‫فســبق يب إليــه‪ ،‬فحملنــي بــن يديــه‪ ،‬ثــم جــيء بأحــد ابنــي فاطمــة‪ ،‬فأردفــه‬ ‫قــدم مــن ســفر‪ُ ،‬‬
‫خلفــه‪ ،‬قــال‪ :‬فأُ ْد ِخلنــا املدينــة ثالثــة عــى دابــة» رواه مســلم‪ .‬وعــن ســلمة بــن األكــوع ريض‬
‫اللــه عنــه قــال‪« :‬لقــد قُ ـدْتُ برســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم والحســن والحســن بغلتــه‬
‫الشــهباء‪ ،‬حتــى أدخلتهــم حجــرة النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬هــذا قُ َّدامــه وهــذا خلفــه»‬
‫رواه مســلم والرتمــذي‪ .‬إنهــا املشــاركة لألطفــال يف مراســم االســتقبال واالحتفــال بقــدوم املســافر‪،‬‬
‫وعــدم تجنيبهــم هــذه األحفــال واألفـراح والرتحيــب بالقــادم‪ ،‬ومثلــه قــد فعلتــه أطفــال األنصــار‬
‫عنــد اســتقبال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم باملدينــة يف الهجــرة‪ ،‬ويف كل عــود حميــد‬
‫للغ ـزاة يف ســبيل اللــه تعــاىل‪ ،‬كــا فعلــوا يف غــزوة تبــوك وغريهــا‪ .‬وهــذا الســلوك ينمــى عنــد‬
‫الطفــل الصغــر الشــعور بالقضايــا العامــة‪ ،‬ويعمــق لديــه الرغبــة يف أن يفعــل أمثــال هــؤالء‬
‫القادمــن‪ ،‬الذيــن ير ّحــب بهــم ويحتفــي بهــم عندمــا يكــر‪ ،‬ســواء كان ذلــك الســفر للجهــاد‪ ،‬أو‬
‫للحــج‪ ،‬أو للتجــارة‪ ،‬أو غــر ذلــك‪ ،‬كــا يؤكــد هــذا الســلوك ثقــة الطفــل الصغــر يف نفســه‪ ،‬حيــث‬
‫إن لــه دو ًرا مــع الكبــار‪ ،‬وأنــه مل يُه َمــل ويُغفــل عنــه يف األحــداث الجاريــة‪ .‬بــل هــذه الغفلــة عــن‬
‫األطفــال الصغــار‪ ،‬تكــون أشـ ّد عليهــم يف حالــة النــوازل التــي تقــع يف محيطهــم‪ ،‬ف ُيرتكــون يف هــذه‬
‫الحــاالت‪ ،‬وهــم أحــوج للعنايــة واملواســاة مــن غريهــم مــن الكبــار‪ ،‬وقــد ن َّبــه النبــي صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم إىل هــذا األمــر‪ ،‬فــروت أســاء بنــت عميــس‪ ،‬زوج جعفــر بــن أيب طالــب ريض اللــه‬

‫‪292‬‬
‫ي رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪،‬‬ ‫عنهــا قالــت‪« :‬ملــا أصيــب جعفــر وأصحابــه‪ ،‬دخــل عـ َّ‬
‫ـي ودهنتهــم ونظفتهــم‪ ،‬فقــال رســول‬ ‫وقــد دبغــت أربعــن ميتــة‪ ،‬وعجنــت عجنــي‪ ،‬وغســلت بنـ َّ‬
‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬ائتنــي ببنــي جعفــر‪ ،‬قالــت‪ :‬فأتيتــه بهــم‪ ،‬فشـ َّمهم وذرفــت عينــاه‪،‬‬
‫فقلــت‪ :‬يــا رســول اللــه بــأيب أنــت وأمــي مــا يبكيــك؟ أبلغــك عــن جعفــر وأصحابــه يشء؟ قــال‪:‬‬
‫نعــم‪ ،‬أُصيبــوا هــذا اليــوم‪ ،‬قالــت‪ :‬فقمــت أصيــح‪ ،‬واجتمــع إ َّيل النســاء‪ ،‬وخــرج رســول اللــه صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم إىل أهلــه فقــال‪ :‬ال تغفلــوا آل جعفــر مــن أن تصنعــوا لهــم طعا ًمــا‪ ،‬فإنهــم‬
‫قــد شُ ــغلوا بأمــر صاحبهــم» رواه ابــن ماجــة وأحمــد‪ ،‬فهــذا رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫أ ّول مــا يبــدأ بــه مواســاة األطفــال الصغــار عنــد مــوت األب‪ ،‬والحــرص عــى إعــداد الطعــام لهــم‬
‫حتــى ال يجتمــع لهــم الحــزن والجــوع‪ .‬فيجــب عنــد املصائــب واألحــداث‪ ،‬املبالغــة يف االهتــام‬
‫باألطفــال والصغــار‪ ،‬مبواســاتهم والتخفيــف عنهــم‪ ،‬وتلهيتهــم عــن الشــعور بالصدمــة‪ ،‬حتــى ال‬
‫متــر املصيبــة وقــد تركــت جر ًحــا عمي ًقــا يف نفــس الطفــل الصغــر ال يندمــل‪ ،‬وحتــى ال يحمــل عــى‬
‫الكبــار‪ ،‬وعــى املجتمــع‪ ،‬الجتــاع املصيبــة واإلهــال لــه‪ ،‬وهــو صاحــب القلــب الرقيــق والشــعور‬
‫املرهــف والضعــف وقلــة الحيلــة‪ .‬وال يفوتنــي أن أشــر إىل مــا يف هــذا الحديــث الرشيــف مــن‬
‫أمــور؛ منهــا مــا كانــت عليــه األمهــات الصالحــات مــن عنايــة بالصغــار وتنظيفهــم واإلصــاح مــن‬
‫هيئتهــم رغــم األعــال الكثــرة التــي كـ ّن يقمــن بهــا يف خدمــة البيــت‪.‬‬
‫***‬
‫ِّ‬
‫عودوهم اخلري فإن اخلري عادة‬
‫روى الطـراين بســنده عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬حافظــوا عــى أبنائكــم يف الصالة‪،‬‬
‫وع ِّودوهــم الخــر فــإن الخــر عــادة» ومعنــى ع ِّودوهــم‪ ،‬أي علموهــم بتكـرار عمــل الخــر‪ ،‬حتــى‬
‫يألفــوا فعلــه ويصبــح فعــل الخــر عندهــم عــادة لهــم‪ ،‬وهــذا التعويــد يصلــح يف الــر كــا يصلــح‬
‫يف الخــر‪ ،‬وال بـ ّد مــن االعتيــاد عــى الخصــال‪ ،‬وبقــدر تعويــد الطفــل عــى خصــال الخــر‪ ،‬بقــدر‬
‫مــا يكتســب مــن خلــق‪ ،‬ومهــارات‪ ،‬وعــادات‪ ،‬واألســلوب النافــع يف ذلــك‪ ،‬مــا كان بــأداء الفعــل‬
‫عمـ ًـا‪ ،‬ال تكـرار الحديــث عنــه‪ ،‬حتــى يُتقــن‪ ،‬ويســهل عــى النفــس فعلــه‪ ،‬والجمــع بــن األســلوب‬

‫‪293‬‬
‫النظــري والعمــي‪ ،‬مــع تغليــب األخــر‪ ،‬أصــوب وأجــدى‪ ،‬فمثـ ًـا لــو أردنــا إكســاب الطفــل عــادة‬
‫التهــادي والكــرم‪ ،‬وهــو طفــل ال يتملــك شــيئًا غال ًبــا‪ ،‬فإننــا نجعلــه هــو الــذي يقــوم بحمــل‬
‫الهدايــا وتوصيلهــا إىل املهــدى إليهــم‪ ،‬حتــى يألفــوا التهــادي ويســهل عليهــم عندمــا يكــرون‬
‫ويتملكــون أن يهــدوا إىل غريهــم‪ ،‬وكذلــك نجعــل التهــادي بــن أف ـراد البيــت الــذي يعيــش فيــه‬
‫الطفــل الصغــر‪ ،‬أم ـ ًرا ُمق ـ َّر ًرا ومك ـ َّر ًرا‪ ،‬عنــد تنــا ُول الطعــام عــى املائــدة‪ ،‬أو توزيــع الحلــوى أو‬
‫الفاكهــة‪ ،‬بــأن يعطــي أحــد الوالديــن لآلخــر‪ ،‬وألوالده مــن نصيبــه شــيئًا‪ ،‬ويتبــادل أف ـراد األرسة‬
‫عــى مائــدة الطعــام بعــض املفضــل مــن أنصبتهــم يف الطعــام أو غــره‪ ،‬وهكــذا يعطــي الوالــدان‬
‫يخصهــا مــن األدوات لــأوالد يف غــر مناســبة‪ ،‬حتــى يصبــح العطــاء واإلعطــاء مألوفًــا‬ ‫بعــض مــا ّ‬
‫للصغــار يف البيــت فيعتــادون فعلــه‪ ،‬ويقتــدون بالكبــار يف عــادات الخــر‪ .‬عــن عبــد اللــه بــن بُــر‬
‫ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬كانــت أمــي تبعثنــي بالهديــة إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫فيقبلهــا» رواه أحمــد‪ .‬وعــن أيب بكــر ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬نــزل رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫ـزل‪ ،‬فبعثــت لــه امــرأة مــع ابــن لهــا بشــاة‪ ،‬فحلــب‪ ،‬ثــم قــال‪ :‬انطلــق بــه إىل أ ِّمــك‪،‬‬ ‫وســلم منـ ً‬
‫فرشبــت حتــى رويــت‪ ،‬ثــم جــاء بشــاة أخــرى‪ ،‬فحلــب‪ ،‬ثــم قــال‪ :‬انطلــق بــه إىل أمــك‪ ،‬فرشبــت‬
‫حتــى رويــت‪ ،‬ثــم جــاء بشــاة أخــرى‪ ،‬فحلــب‪ ،‬ثــم رشب» رواه أبــو يعــى‪ ،‬وكان مــن عــادة العــرب‬
‫أن تحلــب الرجــال‪ ،‬ويعيبــون أن تحلــب املــرأة‪ .‬بــل بلــغ مــن كــرم رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم لضيفــه أن أطعمــه طعــام الصغــار مـرا ًرا‪ ،‬حتــى اعتــادوا اإليثــار‪ ،‬فعــن أيب نــرة الغفــاري‬
‫ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬أتيــت النبــي صــى اللــه عليــه وســلم ملــا هاجــرت‪ ،‬وذلــك قبيــل أن أســلم‪،‬‬
‫فحلــب يل شُ ـ َويهة كان يحلبهــا ألهلــه‪ ،‬فرشبتهــا‪ ،‬فلــا أصبحــت أســلمت‪ ،‬وقــال عيــال رســول‬
‫ـت الليلــة كــا ِب ْتنــا البارحــة جيا ًعــا‪ ،‬فحلــب يل رســول اللــه‬ ‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬نَبيـ ُ‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم شــا ًة‪ ،‬فرشبتهــا ورويــت‪ ،‬فقــال يل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪:‬‬
‫ـبعت وال رويــت قبــل اليــوم‪ ،‬فقــال رســول‬ ‫أرويــت؟ قلــت‪ :‬يــا رســول اللــه قــد رويــت‪ ،‬مــا شـ ُ‬
‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬إن الكافــر يــأكل يف ســبعة أمعــاء‪ ،‬وإن املؤمــن يــأكل يف معــاء‬
‫واحــد» رواه أحمــد ورجالــه رجــال الصحيــح‪ .‬فقــد بــات العيــال جيا ًعــا حــن قُـ ِّدم عليهــم يف رشب‬
‫اللــن الــذي كان طعامهــم‪ ،‬وخشــوا أن يبيتــوا الليلــة األخــرى جيا ًعــا‪ ،‬لعلمهــم مبــا تعـ َّودوا عليــه‬
‫مــن إيثــار الضيــف واملحتــاج عليهــم‪.‬‬

‫‪294‬‬
‫التَّ ُّ‬
‫ست يف العورات مع الصغري‬
‫* مــن األخطــاء الشــائعة بــن عامــة املســلمني‪ ،‬التســامح يف كشــف العــورات أمــام األطفــال‪ ،‬أو‬
‫التســامح يف كشــفها فيــا بينهــم‪ ،‬باعتبارهــم صغــا ًرا ال يدركــون تلــك املســألة‪ ،‬فــا يتحفَّظــون‬
‫منهــم‪ ،‬وال يشـ ِّددون يف التنبيــه‪ ،‬واملطالبــة بالتَّسـ ُّـر‪ ،‬ســواء عنــد تغيــر املالبــس‪ ،‬أو عنــد االغتســال‪،‬‬
‫وغــر ذلــك مــن األحــوال‪ ،‬بــل قــد تغتســل األم مــع ابنهــا أو بنتهــا يف آن واحــد ومــكان واحــد‪،‬‬
‫تغســلها وتغــر لهــا مالبســها وهــي صغــرة‬ ‫بزعــم أن الصغــر‪ ،‬أو الصغــرة بنتهــا‪ ،‬وأنهــا كانــت ِّ‬
‫تعجــز عــن االســتقالل بذلــك بنفســها‪ ،‬ويدفعهــا لذلــك أيضً ــا‪ ،‬أن الولــد والبنــت يظــل كل منهــا‬
‫يف عــن األم صغ ـ ًرا مهــا كـ ُـر‪ .‬عــن زينــب بنــت أيب ســلمة ريض اللــه عنهــا قالــت‪« :‬دخلــت‬
‫عــى رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم وهــو يغتســل‪ ،‬فأخــذ حفنــة مــن مــاء فــرب بهــا‬
‫وجهــي وقــال‪ :‬وراءك أي لــكاع» رواه الط ـراين وإســناده حســن‪ .‬وزينــب هــذه بنــت أم ســلمة‬
‫زوج النبــي صــى اللــه عليــه وســلم وريض اللــه عنهــا كانــت تــرىب يف حجــر النبــي صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم وكانــت صغــرة‪ .‬وعــن عبــد اللــه بــن عامــر بــن ربيعة عــن أبيــه قــال‪« :‬أىت علينــا‪ ،‬أي‬
‫أبوهــم‪ ،‬ونحــن نغتســل‪ ،‬يصــب بعضنــا عــى بعــض‪ ،‬فقــال‪ :‬أتغتســلون وال تســترتون؟ واللــه إين‬
‫ألخــى أن تكونــوا خلــف الــر‪ ،‬يعنــي الخلــف الــذي يكــون فيهــم الــر» رواه الطـراين ورجالــه‬
‫موثقــون والخلــف يقــال يف الــر‪ ،‬والخلــف يقــال يف الخــر‪ .‬فيجــب تعويــد الطفــل الصغــر عــى‬
‫ـب عــى الحيــاء والتح ّفــظ للعــورات‪ ،‬وكذلــك يجــب أال نتســامح فنبــدي‬ ‫التسـ ُّـر الدائــم حتــى يشـ َّ‬
‫مــن عوراتنــا أمامهــم‪ ،‬وعلينــا تشــجيع الصغــار عــى االســتقالل بأنفســهم عنــد االغتســال وتغيــر‬
‫مالبســهم‪ ،‬وســوف يــأيت إن شــاء اللــه الحديــث عــن العــورات وآدابهــا يف فصــل عبــادات الطفــل‪.‬‬
‫***‬
‫متى يستمتع الكبار بلعب الصغري؟ ومتى يضيقون منه؟‬
‫* يغلــب عــى أنشــطة الطفــل الصغــر‪ ،‬اللعــب واللهــو واملــرح‪ ،‬ومعظــم طاقاتــه يب ِّددهــا يف هــذه‬
‫األشــكال مــن النشــاط‪ ،‬وكل ذلــك نافــع لــه جســميًّا‪ ،‬وعصبيًّــا‪ ،‬ونفس ـيًّا‪ ،‬وتعليميًّــا‪ ،‬ومــن هــذه‬
‫األنشــطة مــا فيــه صعوبــة ومشــقة ورضر‪ ،‬وال فائــدة منــه‪ .‬وميكــن اســتثامر اللعــب عنــد الطفــل‬
‫يف تدريبــه‪ ،‬وتعليمــه‪ ،‬بأشــكال وأســاليب مــن اللعــب التــي يفهمهــا ويحبهــا الطفــل ويســعد بهــا‪،‬‬
‫‪295‬‬
‫وميكــن إقنــاع الطفــل بأنــه هــو الــذي اكتشــف املعلومــة‪ ،‬وأنــه هــو الــذي أخــر عنهــا بتهيئــة‬
‫املعنــى الــذي ميكنــه إدراكــه مــن خــال قصــة تــؤ ّدى حرك ًّيــا‪ ،‬أو لعبــة ويطلــب منــه معرفــة‬
‫الخطــأ والصــواب‪ ،‬أو امل ـراد مــن اللعبــة‪ ،‬أو القصــة‪ ،‬ثــم نثيبــه عــى ذلــك باملــدح والتشــجيع‪،‬‬
‫كــا ميكــن للطفــل التدريــب‪ ،‬والتَّعلُّــم مــن خــال تشــكيله لألشــكال الصلصاليــة‪ ،‬وتقطيــع الــورق‬
‫والتكويــن والتشــكيل للمربعــات وغريهــا‪ ،‬والتلويــن لألشــكال امل َع ـ َّدة‪.‬‬
‫‪ -‬قــد يكــون مــن املفيــد‪ ،‬إعطــاء الطفــل قــد ًرا مــن الوقــت‪ ،‬ولــو نصــف ســاعة‪ ،‬يتعامــل خاللهــا‬
‫بحريــة‪ ،‬وبــدون تدخــل أو توجيــه خاللهــا‪ ،‬مــع أي يشء مــن لعبــه‪ ،‬أو محتويــات حجرتــه الخاصــة‬
‫باللعــب‪ ،‬أو حقيبــة لعبــه‪ ،‬وال نزجــره وال نلومــه عــى يشء يحدثــه‪ ،‬لــي يكتشــف بنفســه‪،‬‬
‫وبالتجربــة‪ ،‬الخطــأ والخســارة‪ ،‬ثــم يوجــه ويضبــط ســلوكه بنــاء عــى إطالعــه عــى نتائــج تجربتــه‪،‬‬
‫وأشـ ّد مــا يفــرح الطفــل‪ ،‬تركــه يفعــل مــا يشــاء‪ ،‬واللعــب مــع أحــد والديــه‪.‬‬
‫‪ -‬يف ســن أربــع ســنوات يظهــر لــدى الطفــل لعــب الفريــق‪ ،‬حيــث يصبــح واع ًيــا بوجــود اآلخريــن‪،‬‬
‫فيســعى لجــذب االنتبــاه عــن طريــق االســتعراض معهــم‪ .‬وهــو يبــدأ باللعــب بجــوار األطفــال‬
‫اآلخريــن‪ ،‬وليــس معهــم‪ ،‬ثــم يف مرحلــة تاليــة بعــد ذلــك يلعــب مــع األطفــال بأنشــطة مشــابهة‪،‬‬
‫ثــم يلعــب بعــد ذلــك متعا ِونًــا معهــم يف لعــب واحــد‪ ،‬بحيــث يصبــح عضـ ًوا يف فريــق‪ .‬ويغلــب‬
‫عــى الطفــل يف البدايــة دور املتف ـ ِّرج عــى اآلخريــن أثنــاء لعبهــم‪ ،‬ثــم التح ـ ّدث معهــم قبــل‬
‫مشــاركتهم‪.‬‬
‫‪ -‬يبــدأ الوالــدان بالشــعور بالضيــق مــن الطفــل لكــرة انفعاليتــه وتوتــره‪ ،‬حيــث دخــل اللعــب‬
‫ضمــن فريــق حيــز تفكــره ونشــاطاته‪ ،‬فعــادة مــا مينــع عــن الخــروج للعــب معهــم أو مينــع عــن‬
‫اللعــب مــع أشــخاص بأعيانهــم‪ ،‬أو مينــع يف أوقــات يرغــب يف اللعــب أثناءهــا‪ ،‬وذلــك خــاف مــا‬
‫كان للطفــل يف املرحلــة الســابقة مــن جاذبيــة للكبــار نحــوه‪ .‬فبعدمــا كانــوا يســتمتعون باللعــب‬
‫مــع األطفــال ويدفعونهــم إىل اللعــب‪ ،‬قــد أصبحــوا يضيقــون بلعــب الطفــل وكــرة نشــاطه‪.‬‬
‫***‬

‫‪296‬‬
‫علموا أوالدكم الكمبيوتر وركوب الطائرات‬
‫* قــد َمـ َّر بنــا يف فصــل ســابق‪ ،‬حديــث ســعد بــن أيب وقــاص قــال‪« :‬دخلــت عــى رســول اللــه صىل‬
‫اللــه عليــه وســلم والحســن والحســن يلعبــان عــى بطنــه‪ ،‬فقلــت‪ :‬يــا رســول اللــه‪ ،‬أتح ّبهــا؟‬
‫فقــال‪ :‬ومــا يل ال أحبهــا وهــا ريحانتــاي» رواه البـزار ورجالــه رجــال الصحيــح‪ ،‬وكذلــك الحديث‬
‫الــذي رواه عمــر بــن الخطــاب ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬رأيــت الحســن والحســن عــى عاتقــي النبي‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم فقلــت‪ :‬نعــم الفــرس تحتكــا‪ ،‬فقــال النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪:‬‬
‫ونعــم الفارســان» رواه أبــو يعــى ورجالــه رجــال الصحيــح‪ .‬فاللعــب للصغــار‪ ،‬واملالعبــة معهــم‬
‫مــن الكبــار‪ ،‬بــل مــن أعظــم العظــاء‪ ،‬وبهــذا التَّطامــن‪ ،‬والتَّن ـ ُّزل‪ ،‬والتباســط‪ ،‬إىل الح ـ ّد الــذي‬
‫يعتــي عنــده الصغــا ُر الظَّه ـ َر الرشيــف ويتَّخذونــه مركبًــا‪ .‬كذلــك كان يشــارك النبــي صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم األطفــال الصغــار يف لعبهــم ليوجههــم خــال اللعــب إىل املعــاين واكتســاب املهــارات‬
‫املهــات عنــد الكــر‪ .‬روى أحمــد بســنده ورجالــه ثقــات‪« :‬كان رســول اللــه‬ ‫َّ‬ ‫والتدريــب عــى‬
‫ـف عبــد اللــه‪ ،‬وعبيــد اللــه‪ ،‬و ُك َثـ ِّـرًا مــن بنــي العبــاس‪ ،‬ثــم يقــول‪:‬‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم يصـ ُّ‬
‫مــن ســبق إ َّيل فلــه كــذا وكــذا‪ ،‬قــال‪ :‬فيســتبقون إليــه‪ ،‬فيقعــون عــى ظهــره وصــدره فيق ِّبلهــم‬
‫ويلتزمهــم»‪ .‬وروى ســمرة بــن جنــدب ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬كان النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫يُ ْعــرض غلــان األنصــار يف كل عــام‪ ،‬فمــن بلــغ منهــم بعثــه‪ ،‬فعرضهــم ذات عــام‪ ،‬فمـ َّر بــه غــام‬
‫فبعثــه يف البعــث‪ ،‬و ُعــرض عليــه ســمرة مــن بعــده فــر ّده‪ ،‬فقــال ســمرة‪ :‬يــا رســول اللــه‪ ،‬أجــزت‬
‫غال ًمــا ورددتنــي ولــو صارعنــي لرصع ُتــه؟ قــال‪ :‬فدونــك فصارعــه‪ ،‬فصارعتــه فرصعتــه‪ ،‬فأجــازين يف‬
‫البعــث» رواه الطـراين ورجالــه ثقــات‪ .‬فهــذه حلبــة للمصارعــة بــن الغلــان يقيمهــا لهــم النبــي‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم أمــام النظَّــار مــن كبــار الصحابــة‪ ،‬وقــد اشــتهر الحديــث عــن النبــي صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم‪« :‬علمــوا أوالدكــم الســباحة والرمايــة وركــوب الخيــل» إنهــا أنــواع مــن الرياضــة‬
‫محبَّبــة إىل الصغــار‪ ،‬ونافعــة لهــم وللمجتمــع عندمــا يصــرون رجــالً كبــا ًرا‪ ،‬وكأين بداعيــة العــر‬
‫يقــول‪ :‬علمــوا أوالدكــم الكمبيوتــر واإلنرتنــت وركــوب الطائــرات‪ .‬روى الطــراين بســند رجالــه‬
‫رجــال الصحيــح (كان أنــس ريض اللــه عنــه يجلــس ويُطْــرح لــه ِف ـراش ويجلــس عليــه‪ ،‬ويرمــي‬
‫ولــده بــن يديــه‪ ،‬فخــرج علينــا يو ًمــا ونحــن نرمــي‪ ،‬فقــال‪ :‬يــا بنــي بئــس مــا ترمــون‪ ،‬ثــم أخــذ‬
‫أنســا ريض اللــه عنــه كان قــد تــد ّرب عــى الرمايــة حتــى‬ ‫القــوس فرمــى‪ ،‬فــا أخطــأ القرطــاس» إن ً‬

‫‪297‬‬
‫أتقنهــا‪ ،‬وهــا هــو يــدرب الصغــار مــن ولــده ويشــاركهم‪.‬‬
‫‪َ « -‬مــ َّر رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم عــى صبيــان وهــم يلعبــون بالــراب‪ ،‬فنهاهــم‬
‫بعــض أصحــاب النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬دعهــم‪ ،‬فــإن الـراب ربيــع الصبيــان» رواه‬
‫ـرر‪ ،‬ولكنــه شــهية يتفــق‬ ‫الطـراين‪ ،‬فقــد يكــون لعــب األطفــال بالـراب ويف األتربــة فيــه بعــض الـ َّ َ‬
‫عليهــا كل الصغــار‪ ،‬فرتكهــم يقضــون نهمتهــم يف اللعــب بال ـراب أحيانًــا‪ ،‬فيــه لــون مــن اإلشــباع‬
‫الطفــويل‪ ،‬وفيــه تنفيــذ فكــرة تــرك األطفــال أحيانًــا يفعلــون كل املبــاح مــن اللعــب الــذي ال‬
‫يغلــب رضره بعــض مــا فيــه مــن الفوائــد‪ .‬وميكــن إتاحــة هــذه الفــرص لألطفــال باصطحابهــم إىل‬
‫الشــواطئ وتركهــم يعبثــون بالرمــال ويشـكِّلون منهــا بيوتًــا وأهرامــات وأحصنــة وغــر ذلــك مــن‬
‫األشــكال‪ ،‬وإذا مل يتيــر الشــاطئ فيحســن توفــر قــدر مــن الرمــال يف مــكان مــا بالبيــت لهــذا‬
‫الغــرض‪.‬‬
‫‪ -‬كان الكبــار ال يتض َّجــرون مــن لعــب الصغــار‪ ،‬بــل ميازحونهــم ويقرونهــم عــى اللعــب‪ ،‬وخاصــة‬
‫مــن عظــاء املربــن يف التاريــخ والذيــن كانــوا ال يعرفــون إال الجــ َّد‪ ،‬وال يأتــون وال يقــ ّرون إال‬
‫املعــايل مــن األمــور‪ ،‬وهــذا منهــم دليــل عــى أن اللعــب لألطفــال مــن الج ـ ِّد والــروري لهــم‬
‫«كان ابــن ألم ســليم يقــال لــه‪ :‬أبــو عمــر‪ ،‬كان النبــي صــى اللــه عليــه وســلم ميازحــه إذا دخــل‬
‫عــى أم ســليم فدخــل يو ًمــا فوجــده حزي ًنــا‪ ،‬فقــال‪ :‬مــا أليب ُعمــر حزي ًنــا؟ قالــوا‪ :‬يــا رســول‬
‫َــر؟» رواه‬‫َــر ُه الــذي كان يلعــب بــه‪ ،‬فجعــل يقــول‪ :‬أبــا عمــر‪ ،‬مــا فعــل ال ُّنغ ْ‬ ‫اللــه‪ ،‬مــات نُغ ْ ُ‬
‫البخــاري ومســلم‪ ،‬وال ُّن َغــر نــوع مــن العصافــر‪ ،‬إن ســلوك الضيــف مــع األطفــال الصغــار يجــب‬
‫أن يتســم باملالطفــة واملداعبــة‪ ،‬وإبــداء الرضــا عنــه وعــن لعبــه ونشــاطه‪ ،‬حتــى يحــب الصغــر‬
‫ـب عــى حــب ذلــك‪ ،‬وحتــى ال يحــرج أهــل البيــت مــن تض ّجــره‬ ‫قــدوم الضيــوف عــى البيــت ويشـ ّ‬
‫مــن األوالد ونشــاطهم‪ ،‬وال يظهــر تأفُّفــه مــا يحدثــه الصغــر يف لعبــه‪ .‬وهــذا خليفــة رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم أبــو بكــر ريض اللــه عنــه «صــى أبــو بكــر العــر‪ ،‬ثــم خــرج ميــي ومعــه‬
‫عــي‪ ،‬فــرأى الحســن يلعــب مــع الصبيــان‪ ،‬فحملــه عــى عاتقــه وقــال‪ :‬بــأيب‪ ،‬شــبيه بالنبــي صــى‬
‫ي يضحــك» رواه البخــاري‪ ،‬إن أطفــال املســلمني األُ َول‬ ‫اللــه عليــه وســلم‪ ،‬وليــس شــبي ًها بعــي‪ ،‬وعـ ّ‬
‫مل يُ ْز َجــروا مــن أجــل لعبهــم يف خــارج بيوتهــم‪ ،‬فهــذا وقــت مــرور خليفــة رســول اللــه صــى اللــه‬

‫‪298‬‬
‫عليــه وســلم ومعــه صحبــه‪ ،‬والصبيــان عــى حالهــم مــن اللعــب أمامــه‪ ،‬بــل يتقــدم ريض اللــه‬
‫عنــه إىل أحدهــم ويحملــه عــى عاتقــه‪ ،‬ويثنــي عليــه أمــام أبيــه‪ ،‬فــا يزيــد عــى أن يضحــك رضً ــا‬
‫بفعلــه وقولــه‪.‬‬
‫***‬
‫هلو الفطرة والتسامح فيه‬
‫‪ -‬اللهــو النظيــف يالئــم الفطــرة‪ ،‬والطفــل الصغــر يعيــش مرحلــة انطــاق القــوى يف الحركــة‬
‫واللعــب واللهــو‪ ،‬وهــو ال يشــبع مــن يشء مــن ذلــك‪ ،‬وإن شــبع مــن الغــذاء‪ ،‬وواجبنــا توفــر‬
‫الظــروف والوســائل واملناســبات إلشــباع متطلبــات املرحلــة مــن اللعــب واللهــو‪ ،‬مــع املراقبــة‬
‫غــر املقيــدة للطفــل‪ ،‬مــع التوجيــه الرتبــوي يف وقتــه ومناســبته‪« .‬رأى رســول اللــه صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم النســاء والصبيــان مقبلــن مــن ُعـ ْرس‪ ،‬فقــام النبــي صــى اللــه عليــه وســلم ُممثـ ًـا‬
‫وقــال‪ :‬اللهــم أنتــم مــن أحــب النــاس إ ّيل‪ ،‬قالهــا ثــاث م ـرات» رواه البخــاري ومســلم‪ .‬فهــؤالء‬
‫نســاء وأطفــال مقبلــون مــن حفــل ُعـ ْرس باملدينــة‪ ،‬كانــوا يلهــون وميرحــون ويفرحــون ويشــاركون‬
‫العروســن وأهليهــم‪ ،‬يحبهــم رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬بــل هــم مــن أحــب النــاس‬
‫إليــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬إنهــم ليســوا أوالده‪ ،‬وال نســاءه‪ ،‬إنهــم صبيــان املســلمني ونســاؤهم‬
‫فلــاذا ال نخــر أطفالنــا ونســاءنا بحــب النبــي صــى اللــه عليــه وســلم لهــن ولهــم‪ ،‬وإقـراره لهــن‬
‫ولهــم بحضــور أحفــال اللهــو الجميــل الــريء الــذي كانــوا ال يعرفــون غــره؟ تقــول عائشــة ريض‬
‫جالســا‪ ،‬فســمعنا لغطًــا وصــوت صبيــان‪،‬‬ ‫اللــه عنهــا‪« :‬كان رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم ً‬
‫فقــام النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فــإذا حبشـ ّية تزفــن والصبيــان حولهــا‪ ،‬فقــال‪ :‬يــا عائشــة‬
‫تعــايل فانظــري‪ ،‬فجئــت‪ ،‬فوضعــت لحيــي عــى منكــب رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪،‬‬
‫فجعلــت أنظــر إليهــا مــا بــن املنكــب إىل رأســه‪ ،‬فقــال يل‪ :‬أمــا شــبعت؟ أمــا شــبعت؟ قالــت‪:‬‬
‫ـض النــاس عنهــا‪ ،‬قالــت‪:‬‬ ‫ـت أقــول‪ :‬ال‪ ،‬ألنظــر منزلتــي عنــده‪ ،‬إذ طلــع عمــر‪ ،‬قالــت‪ :‬فارفـ َّ‬
‫فجعلـ ُ‬
‫فقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬إين ألنظــر إىل شــياطني الجــن واإلنــس قــد ف ـ ُّروا‬
‫مــن عمــر‪ ،‬قالــت‪ :‬فرجعــت» رواه الرتمــذي وقــال‪ :‬حديــث حســن صحيــح‪ .‬وال َّزفَ ـ ُن‪ :‬ال َّرقــص‪،‬‬

‫‪299‬‬
‫وارفضُّ ــوا‪ :‬تفرقــوا‪ ،‬والحديــث فيــه مــن األحــكام واللطائــف الكثــر‪ ،‬ويكفــي اإلشــارة إىل إق ـرار‬
‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم لهــذا اللهــو الــذي ترقــص فيــه حبشــية يف الشــارع ويتجمــع‬
‫عليهــا الصبيــان‪ ،‬بــل يدعــو النبــي صــى اللــه عليــه وســلم زوجــه الصغــر عائشــة للمشــاركة‬
‫بالتفــرج عــى هــذا اللهــو الــريء‪ ،‬بــل يعينهــا عــى ذلــك‪ ،‬وكان النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــد‬
‫تــزوج عائشــة ريض اللــه عنهــا وهــي صب َّيــة تبلــغ تســع ســنوات‪ ،‬ولذلــك تحــي لنــا ريض اللــه عنها‬
‫ي رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم وعنــدي جاريتــان تغ ِّنيــان بغنــاء بُعاث‪،‬‬ ‫قالــت‪« :‬دخلــت عـ َّ‬
‫فاضطجــع عــى الفـراش‪ ،‬وحـ َّول وجهــه‪ ،‬ودخــل أبــو بكــر فانتهــرين وقــال‪ :‬مزمــارة الشــيطان عنــد‬
‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم؟ فأقبــل عليــه رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪َ :‬د ْعهــا‪،‬‬
‫ـألت‬
‫فلــا غفــل غمزتهــا‪ ،‬فخرجتــا‪ ،‬وكان يــوم عيــد يلعــب الســودان بالـ َّدرق والحـراب‪ ،‬فإمــا سـ ُ‬
‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬وإمــا قــال‪ :‬تشــتهي تنظريــن؟ قلــت‪ :‬نعــم‪ ،‬فأقامنــي وراءه‪،‬‬
‫خــ ِّدي عــى خــ ِّده‪ ،‬وهــو يقــول‪ :‬دونكــم بنــي أَ ْر ِفــدة حتــى إذا مللــت قــال‪ :‬حســبك؟ قلــت‪:‬‬
‫نعــم‪ ،‬قــال‪ :‬فاذهبــي‪ ،‬وأنــا جاريــة‪ ،‬فاقــدروا قــدر الجاريــة ال َع ِربَــة الحديثــة الســن» رواه البخــاري‬
‫ومســلم‪ ،‬وبنــو أرفــدة‪ :‬أهــل الحبشــة‪ ،‬وال َعرِبــة‪ :‬طيبــة النفــس الحريصــة عــى اللهــو‪ .‬وبعــد ذلــك‬
‫ال تعليــق أكــر مــن أن أنبِّــه عــى قــول ونصيحــة عائشــة ريض اللــه عنهــا‪ :‬كنــت جاريــة‪ ،‬أي طفلــة‬
‫صغــرة‪ ،‬فاقــدروا قــدر الجاريــة‪ ،‬أي راعــوا يف ســلوككم هــذه األعــار وحاجتهــا إىل اللعــب واللهــو‪.‬‬
‫***‬
‫مالحظات على طفل ما قبل املدرسة‬
‫* إذا بالــغ الوالــدان يف كَـ ِّـف الطفــل عــن املبــادأة‪ ،‬فــإن ذلــك يــؤدي إىل أن يصبــح الطفــل فيــا‬
‫بعــد محــدود األفــق‪ ،‬ممتلئًــا مبشــاعر الذنــب‪ ،‬وعــى العكــس إذا مل يســتخدم مــع الطفــل النواهي‬
‫إال نــاد ًرا‪ ،‬فــإن الطفــل ال ينمــو لديــه ضمــر مكتمــل‪ ،‬ذلــك أن الطفــل يف خــال هــذه املرحلــة‬
‫تتســع مداركــه ويصبــح لــه خيــال وطموحــات يحــب الحصــول عليهــا‪ ،‬فيــارس بحــب االســتطالع‬
‫واالكتشــاف أمــو ًرا كثــرة‪ ،‬وعنــد ذلــك يتعـ ّرض الوالــدان مــع الطفــل الختياريــن‪ ،‬إما املنع بأســلوب‬
‫النهــي واألمــر الحاســم والدائــم‪ ،‬وإمــا التغــايض والتغافــل عــا يحــدث من الطفــل‪ ،‬وكال األســلوبني‬

‫‪300‬‬
‫ضــار بالطفــل‪ ،‬والواجــب اســتخدام النواهــي يف الحــدود املعقولــة‪ ،‬التــي تحقــق طموحاتــه وتعينه‬
‫عــى اخـراق املســموح يف الحــدود التــي ال يتحتَّــم فيهــا الــرر‪ ،‬ومــن هــذه التجــارب يتســع أفــق‬
‫الطفــل‪ ،‬وينجــو مــن التعــرض للشــعور بالذنــب املصاحــب‪.‬‬
‫* يف ســن الرابعــة يبــدأ الطفــل يف التخلــص مــن الشــكل املرت ِّهــل للرضيــع‪ ،‬ويصبــح طفـ ًـا صغـ ًرا‪،‬‬
‫ويصــل يف عامــه الســادس إىل تناســق أجـزاء الجســم مثــل الشــخص الكبــر‪ ،‬ويــزداد نضــج جهــازه‬
‫العظمــي والعضــي‪ ،‬كــا تكتمــل األســنان اللبنيــة فيــا بــن العامــن الثــاين والثالــث‪ ،‬وتظــل هــذه‬
‫األســنان حتــى ســن السادســة أو الســابعة عندمــا تســتبدل بهــا األســنان الدامئــة‪ ،‬وال يكتمــل منــو‬
‫الجهــاز البــري إال مــع البلــوغ‪ ،‬حيــث يتــم الرتكيــز البــري الواضــح‪ ،‬ولذلــك قــد يحســن لبعــض‬
‫األطفــال أن يســتخدموا خــال هــذه الفــرة النظــارات الطبيــة‪.‬‬
‫‪ -‬التعلــم يف هــذه املرحلــة أكــر ســهولة عنــد الطفــل لنمــو الجهــاز العصبــي والعقــي عنــده‪،‬‬
‫ولكــن يجــب أن يطلــب مــن الطفــل فعــل األشــياء والواجبــات التــي يقــدر عليهــا ص ِّح ًّيــا وعقل ًّيــا‪،‬‬
‫بــرف النظــر عــن مطامــح وتطلعــات الوالديــن؛ ألن ذلــك يحــدد املفهــوم الــذي يك ِّونــه الطفــل‬
‫عــن ذاتــه‪ ،‬فــإذا كانــت تلــك الواجبــات أعــى مــن مســتوى الطفــل‪ ،‬وتكــرر فشــله يف أدائهــا‪ ،‬فــإن‬
‫ذلــك يــؤدي لإلحبــاط والقلــق عنــد الطفــل‪ ،‬ويتعلــم الطفــل يف هــذه األحــوال تربيــر الفشــل‪ ،‬كــا‬
‫يشــعره ذلــك الفشــل بالدونِّيــة والنقــص وعــدم الكفــاءة‪ ،‬ولذلــك ال يجــب الحــرص مــن الوالديــن‬
‫عــى أن يســبق الطفــل فصـ ًـا دراسـ ًّيا قبــل سـ ّنه املالمئــة‪ ،‬كــا أن التدريــب الســابق عــى ال ّنضــج‪،‬‬
‫بقصــد التفـ ّوق واكتســاب املهــارات الخاصــة‪ ،‬يعتــر مضيعــة للوقــت والجهــد؛ ألن الطفــل الــذي‬
‫يصــل إىل املرحلــة العمريــة املناســبة لنضجــه يتقــن الســلوك يف مــدة وجيــزة‪ ،‬ويســتوي يف الكفايــة‬
‫والجــودة مــع الــذي ســبقه بالتدريــب فــرة أطــول منــه‪ ،‬فالطفــل األكــر يحصــل عــى نتائــج‬
‫أفضــل مــن الصغــر مــع توافــر نفــس املقــدار مــن التدريــب‪ ،‬فكلــا كان الطفــل أكــر نض ًجــا‪،‬‬
‫كان أكــر كفايــة يف التعلُّــم‪ .‬وقــد يحــدث للطفــل الــذي يتلقــى التعليــم والتدريــب قبــل ال ُّنضــج‬
‫آثــار ضــارة يف الســلوك إذا صاحبــه اإلحبــاط‪ ،‬أو قــد يفقــد حامســه للتعليــم عنــد بلوغــه النضــج‬
‫املناســب‪ ،‬فمثـ ًـا لــو تــم تدريــب الطفــل عــى ركــوب الدراجــة قبــل النضــج الــازم‪ ،‬فــإن مــا‬
‫يتعـ ّرض لــه الطفــل مــن إحبــاط أثنــاء التدريــب املب ِّكــر‪ ،‬قــد يــؤدي إىل القضــاء عــى ميــل الطفــل‬

‫‪301‬‬
‫لركــوب الدراجــات بعــد ذلــك‪ ،‬بــل هنــاك أمنــاط ســلوكية ال ميكــن للتدريــب وحــده إكســابها‬
‫للطفــل‪ ،‬إذ ال بــد لهــا مــن النضــج مثــل‪ :‬الحبــو‪ ،‬املــي‪ ،‬القبــض عــى األشــياء‪.‬‬
‫* يبــدأ التحـ ّول عنــد الطفــل باعتبــاره كائ ًنــا اجتامعيًّــا‪ ،‬لزيــادة وعيــه باألشــخاص واألشــياء فيتســع‬
‫عاملــه‪ ،‬ويــزداد اندماجــه يف بعــض األنشــطة‪ ،‬وهــذا بــدوره يقلِّــل مــن تعلــق الطفــل بالوالديــن‬
‫تدريج ًّيــا‪ ،‬حيــث يحــل محلهــا عالقــات جديــدة مــع بعــض األطفــال خــارج البيــت‪ ،‬وقــد يكــون‬
‫قــد تهيــأ لهــذه العالقــات مــن تعاملــه مــع إخوتــه بالبيــت‪ ،‬ويحــدث ذلــك عــادة اعتبــا ًرا مــن‬
‫العــام الثالــث‪ ،‬وهــي ســن حرجــة يف تطبيــع الطفــل وتكيُّفــه االجتامعــي وحتــى ســن السادســة‪.‬‬
‫‪ -‬يف خــال تلــك املرحلــة وعنــد نهايتهــا يف ســن السادســة‪ ،‬يظهــر ســلوك القيــادة عنــد الطفــل‪،‬‬
‫والســيطرة‪ ،‬أو التَّبع َّيــة واالعتــاد‪ ،‬واملســايرة‪ ،‬وتكــون معــامل الطفــل وشــخصيته قــد تح ـ ّددت‪،‬‬
‫فمنهــا مــا يتســم بصفــات قياديــة‪ ،‬ومنهــا مــا يتصــف بالتبعيــة‪ ،‬ومنهــا الشــخصية املســتقلة‪،‬‬
‫واآلخــر تابــع لغــره‪ ،‬والبعــض انبســاطي‪ ،‬واآلخــر انطــوايئ‪ ،‬وهكــذا‪ .‬وإذا كان النظــام املتَّبــع مــع‬
‫الطفــل هــو النظــام التَّســلطي العقــايب‪ ،‬فإنــه يــؤدي إىل تنميــة الشــعور الدائــم لــدى الطفــل‬
‫بالتمـ ّرد والعــدوان‪ ،‬أو االنســحاب واالنطــواء‪ ،‬ومعاملــة األم لهــا آثارهــا املتميــزة يف ذلــك‪ ،‬وتلعــب‬
‫دو ًرا ها ًمــا يف منــو خصائــص الشــخصية‪.‬‬
‫* يتــم اكتــال منــو املهــارات اليدويــة‪ ،‬وأهمهــا يف اإلطعــام‪ ،‬وارتــداء املالبــس‪ ،‬ومتشــيط الشــعر‪،‬‬
‫واالســتحامم‪ ،‬وتوجــد فــروق بــن الجنســن يف نــوع املهــارات الحركيــة التــي يتعلمهــا أطفــال هــذه‬
‫املرحلــة‪ ،‬ويف ســن السادســة ميكــن للولــد اســتخدام أدوات التجــارة‪ ،‬وميكــن للبنــت اســتخدام‬
‫أدوات الخياطــة‪ ،‬كــا ميكــن اســتخدام املقــص وتشــكيل األشــكال الصلصاليــة‪ ،‬ويف ســن الخامســة‬
‫والسادســة ميكــن رســم الحــروف األبجديــة‪ ،‬وعــى الرغــم مــن البــطء يف الكتابــة‪ .‬ويســتطيع‬
‫الطفــل أن يجــري بســهولة ويتمكــن مــن الوقــوف وصعــود الــدرج دون مســاعدة‪ ،‬ويســتطيع‬
‫القفــز‪ ،‬ويف ســن الخامســة يكــون قــد اكتســب القــدرة عــى االتـزان‪ ،‬وعمو ًمــا يلعــب التكـرار دو ًرا‬
‫ها ًمــا يف اكتســاب املهــارات الحركيــة‪.‬‬
‫‪ -‬يف هــذه املرحلــة يتد َّعــم تفضيــل إحــدى اليديــن يف االســتخدام‪ ،‬وبالتــايل يجــب تشــجيع الطفــل‬
‫عــى اســتخدام اليــد اليمنــى‪ ،‬ألن العــر –وهــو ســيطرة اليــد اليــرى‪ -‬غــر مرغــوب فيــه رش ًعــا‬
‫واجتامع ًّيــا وتعليم ًّيــا‪.‬‬

‫‪302‬‬
‫‪ -‬تتشــكَّل عــادات الطعــام‪ ،‬وتفضيــل بعــض األطعمــة يف هــذه الفــرة‪ ،‬ويالحــظ عــى الطفــل‬
‫نقــص شــهيته للطعــام‪ ،‬وتقــل رغبتــه فيــه‪ ،‬ويف نفــس الوقــت يرغــب الوالــدان يف أن يبالــغ الطفــل‬
‫يف التغذيــة‪ ،‬وأســلوب الضغــط عــى الطفــل ليتنــاول الطعــام ليــس باألســلوب الناجــح‪ ،‬واألفضــل‬
‫البحــث عــن ألــوان مــن الطعــام يفضلهــا الطفــل‪ ،‬وهــذا مــا اســتخدمته أم رومــان زوجــة أيب‬
‫بكــر الصديــق‪ ،‬وأم عائشــة ريض اللــه عنهــم‪ ،‬تقــول عائشــة‪( :‬أرادت أمــي أن تس ـ ِّم ِّني لدخــول‬
‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فلــم أقبــل عليهــا بــي ٍء مــا تريــد‪ ،‬حتــى أطعمتنــي ال ِقتّــاء‬
‫بال ُّرطَــب‪ ،‬فســمنت عليــه كأحســن الســمن) رواه أبــوداود وابــن ماجــة‪.‬‬
‫* مــن األمــور التــي يُ ْغ َفــل عنهــا مــع األطفــال الصغــار‪ ،‬أن الوالديــن‪ ،‬والكبــار عمو ًمــا يتحدثــون‬
‫يف حضــور الصغــار وكأنهــم ال يدركــون املعــاين وال األمــور املتحــدث فيهــا‪ ،‬والحقيقــة أن األطفــال‬
‫الصغــار يفهمــون ويدركــون الكثــر مــا يتحــدث فيــه الكبــار أمامهــم‪ ،‬ولكنهــم ال يقــدرون عــى‬
‫التعبــر عــن بعضهــا‪ ،‬أو يخشــون الحديــث عنهــا خوفًــا مــن أن يعاقبهــم الكبــار‪ .‬ومــن األمثلــة‬
‫عــى ذلــك‪ :‬أن األم تتحــدث عــن أشــخاص معروفــن للطفــل‪ ،‬ويف حضــوره‪ ،‬مــع معارفهــا‪ ،‬أو‬
‫جارتهــا‪ ،‬فــإذا كان الحديــث عــن هــذه األشــخاص مبــا يُكــره‪ ،‬وكان هــذا الشــخص قري ًبــا لــأرسة‪،‬‬
‫فــإن الطفــل ال يحــب هــذا الشــخص ويكرهــه‪ ،‬ويظــل يكــره هــذا الشــخص لغــر ســبب ظاهــر‬
‫للوالديــن‪ ،‬وقــد يكــون الحديــث عــن أحــد الوالديــن والشــكوى منــه وتعديــد أخطائــه وزالتــه‪،‬‬
‫فيتســبب ذلــك يف التقليــل مــن اح ـرام الطفــل لهــذا الوالــد‪ ،‬ويحمــل لــه يف نفســه شــيئًا مــن‬
‫الكــره‪ ،‬ويبــدأ يف التعاطــف مــع الوالــد الشــايك الــذي يقــع عليــه الــرر بنــاء عــى مــا ســمع‪ ،‬وقــد‬
‫تعــود العالقــة الحســنة مــع الوالديــن‪ ،‬وتبقــى اآلثــار الســيئة يف نفــس الطفــل الصغــر‪.‬‬
‫* مــن الواجــب عــى الوالديــن اإلجابــة عــن كل أســئلة الطفــل الصغــر‪ ،‬مهــا كانــت أهميتهــا يف‬
‫نظــر الوالديــن‪ ،‬ومهــا كانــت تفاهمتهــا‪ ،‬أو خطورتهــا‪ ،‬ومهــا كانــت الشــواغل‪ ،‬وميكــن طلــب‬
‫تأجيــل اإلجابــة‪ ،‬ولكــن ال تهمــل بحــال‪ ،‬ألن لذلــك خطورتــه عــى الطفــل‪ ،‬وســوف نتنــاول هــذا‬
‫األمــر إن شــاء اللــه‪ ،‬عنــد الحديــث عــن عقيــدة الطفــل يف فصــل العبــادات‪.‬‬
‫***‬

‫‪303‬‬
‫ة‬ ‫لش ة‬
‫ا ع �ر� الط ي� ب��‬ ‫‪7‬‬
‫[مع األوالد وتربيتهم]‬
‫طفل املدرسة واتساع مداركه وتعدد أنشطته‬
‫* التهيئــة للطفــل قبــل يــوم دخــول املــدارس‪ ،‬وواجــب متابعته يف املدرســة‬
‫طوال الدراســة‪.‬‬
‫* مالحظات مهمة عن مرحلة املدرسة االبتدائية عند الطفل‪.‬‬
‫* أثر جامعة األقران االجتامعي عند الطفل‪.‬‬
‫* من الحرص ما يقتل املواهب‪.‬‬
‫* مشاكل املرحلة عند الطفل‪ ،‬وحاالته االنفعالية‪.‬‬
‫* حب البطولة والتمثل بها يف حياة الطفل‪.‬‬
‫* التعلم والتدريب والتحصيل‪ ،‬وأثر القدوة العملية يف التعليم‪.‬‬
‫* كيفية التعامل مع الطفل النجيب والطفل املبتكر‪.‬‬

‫‪304‬‬
‫تهيئة الطفل لدخول املدرسة ومتابعته طوال الدر اسة‬

‫* الطفــل يف مرحلــة املدرســة ينتقــل مــن عــامل البيــت إىل عــامل املدرســة‪ ،‬مــن املحدود إىل الفســيح‪،‬‬
‫مــن ســلطة الوالديــن إىل ســلطة املعلمــن‪ ،‬مــن اللعــب واللهــو إىل واجبــات ومســؤوليات الدراســة‬
‫والتَّعلــم‪ ،‬مــن آفــاق الحكايــات والخيــال إىل آفــاق املعلومــات والتجربــة‪ ،‬مــن التعامــل واملخالطــة‬
‫لــأرسة ومــن يتبعهــا إىل ال ّرفــاق واملجموعــات‪ ،‬مــن بيئــة يغمرهــا التعاطــف والتعــاون إىل بيئــة‬
‫يغلــب عليهــا التنافــس والتنافــر‪ .‬إنهــا تح ِّديــات مفاجئــة تبهــر الطفــل وتشـ ّده إىل اســتجامع قــواه‬
‫لخــوض غــار الجديــد الواســع برتقــب وقلــق‪ ،‬إن األمــر يتطلــب منــه أســاليب متوافقــة ملســايرة‬
‫املجتمــع الجديــد‪.‬‬
‫‪ -‬إن الوالديــن مــع فرحهــم ببلــوغ الطفــل ســن الدراســة‪ ،‬ودخولــه للمدرســة‪ ،‬ومــع إعدادهــم‬
‫لــه املالبــس الالزمــة واملناســبة‪ ،‬والحقائــب واألدوات‪ ،‬وســبل املواصــات إىل املدرســة‪ ،‬عــادة مــا‬
‫ينســون أو ال يتفطَّنــون إىل رضورة إعــداد الطفــل ذاتــه وتهيئتــه لهــذه النقلــة الضخمــة يف حيــاة‬
‫الطفــل‪ ،‬وأثرهــا عــى نفســيته ومســتقبله‪ ،‬وحتــى لــو كان ســبق للطفــل الذهــاب إىل دور الحضانة‬
‫رضي ًعــا‪ ،‬أو قــد أُ ْدخــل إحــدى روضــات األطفــال قبــل املدرســة‪ ،‬فــإن املدرســة ومــا يصاحبهــا مــن‬
‫أجــواء ورهبــة‪ ،‬أمــر يحتــاج مــع ذلــك إىل إعــداد الطفــل وتهيئتــه لدخــول املدرســة‪.‬‬
‫‪ -‬إن االعتيــاد واالرتيــاد للمدرســة قبــل أول يــوم للدراســة بالنســبة إىل الطفــل يجعــل املدرســة‬
‫شــيئًا مألوفًــا إليــه عنــد الدخــول فتذهــب مــن نفســه رهبــة املــكان الجديــد‪ ،‬وتعطيــه مســبقًا‬
‫صــور ًة لهــذا الحــدث املنتظــر والــذي يشــغل الوالديــن‪ ،‬وبالتــايل يشــغل بــال الطفــل‪ ،‬وهــو دخــول‬
‫املدرســة‪ ،‬إن عــى الوالديــن اصطحــاب الطفــل معهــا‪ ،‬أو مــع أحدهــا‪ ،‬عندمــا يقدمــون أوراقــه‬
‫يف املدرســة‪ ،‬إن دخــول الطفــل املدرســة‪ ،‬وألول مــرة مــع أحــد والديــه‪ ،‬يزيــل مــن نفســه رهبــة‬
‫املــكان وغرابتــه‪ ،‬بــل إن الحديــث‪ ،‬يف حضــور الطفــل ومشــاهدته‪ ،‬مــع املدرســن والقامئــن عــى‬
‫إحساســا أن هــؤالء املدرســن الذيــن يحلَّــون محــل الوالديــن يف‬ ‫ً‬ ‫تســلم األوراق‪ ،‬يعطــي للطفــل‬
‫املدرســة‪ ،‬لهــم صلــة بالوالديــن وســابق معرفــة‪ ،‬مــا ال يَعــد معــه اعتبارهــم غربــاء يته َّيــب منهــم‪،‬‬

‫‪305‬‬
‫بــل لــو متكــن أحــد الوالديــن مــن دخــول نفــس الفصــل الــذي ســيجلس فيــه الطفــل بعـ ُد‪ ،‬عنــد‬
‫تقديــم األوراق‪ ،‬ومــع الطفــل وإطالعــه ومــع الــرح لــه‪ ،‬لــكان ذلــك رائ ًعــا وجميـ ًـا بالنســبة‬
‫خصيصــا لهــذا الغــرض‪ ،‬لتغـ ّـر‬
‫ً‬ ‫للطفــل‪ ،‬بــل لــو تكــرر ذلــك مــع الطفــل والقيــام بزيــارة املدرســة‬
‫األمــر بالنســبة إىل الطفــل واشــتاق ليــوم الدخــول للدراســة‪.‬‬
‫‪ -‬مــن األخطــاء التــي يقــع فيهــا الوالــدان‪ ،‬أو أوليــاء أمــر الطفــل‪ ،‬عــدم الذهــاب إىل املدرســة أثنــاء‬
‫فــرة الدراســة‪ ،‬وبعــد دخــول الطفــل‪ ،‬بــل إن بعــض الوالديــن قــد ال يكــون قــد دخــل املدرســة‬
‫التــي قــى فيهــا ابنــه عـ ّدة ســنوات‪ ،‬وهــذا االنقطــاع عــن املدرســة والقامئــن عليهــا خطــأ شــديد‬
‫الــرر عــى الطفــل؛ ألن املدرســة امتــداد للمجــال الــذي يــرىب فيــه الطفــل‪ ،‬فــا تخــرج املدرســة‬
‫عــن نطــاق مســؤولية الوالديــن عــن الطفــل‪ ،‬إن شــعور الطفــل باتصــال الوالديــن باملدرســة‬
‫والقامئــن عليهــا‪ ،‬يجعلــه يــدرك أنــه مل ينقطــع عــن أرستــه ووالديــه‪ ،‬وأنــه يتحــرك تحــت الرعايــة‬
‫والرقابــة الدامئــة‪ ،‬وهــذا الشــعور يعطيــه الثقــة يف نفســه ويف املــكان و َم ـ ْن فيــه مــن ناحيــة‪،‬‬
‫ويش ـ ِّجعه عــى االســتقامة واالجتهــاد مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬ولوائــح ونظــم املــدارس تعــن أوليــاء‬
‫األمــور عــى التواجــد يف املدرســة‪ ،‬بــل املشــاركة يف بعــض األنشــطة‪ ،‬وإبــداء اآلراء واالقرتاحــات‪،‬‬
‫وإهــال هــذا االش ـراك يشــعر الطفــل بالدونيــة أمــام األق ـران‪ ،‬ويفــرح ويفخــر الطفــل بوجــود‬
‫أحــد الوالديــن باملدرســة‪ ،‬خاصــة لــو تحــدث مــع الناظــر أو املســؤولني‪ ،‬وال يكفــي مجــرد الحضــور‬
‫يف املدرســة‪ ،‬ولكــن يلــزم متابعــة أخبــار الطفــل ونشــاطاته‪ ،‬مــع املدرســن واألخصــايئ االجتامعــي‬
‫والطبيــب املــدريس‪ ،‬للوقــوف عــى مالحظاتهــم عــن الطفــل‪ ،‬ومــدى تقدمــه أو تأخــره الــدرايس‬
‫ومــا يطــرأ عليــه مــن أع ـراض عاطفيــة‪ ،‬أو نفســية‪ ،‬أو مرضيــة‪ ،‬وأن يظــل هــذا االتصــال طــوال‬
‫مــدة الدراســة‪ ،‬واعتبــاره واج ًبــا دامئًــا للوالديــن‪ ،‬وليــس يف بدايــة دخــول املدرســة وفقــط‪.‬‬
‫***‬
‫مالحظات هامة عن طفل املدرسة‬
‫‪ -1‬ال يحتــاج الطفــل عــادة إىل املســاعدة يف أمــور األكل واللبــس واالســتحامم‪ ،‬ابتــداء مــن ســن‬
‫السادســة‪ ،‬ولكــن بعــض األمهــات ال يقتنعــن بذلــك‪ ،‬ويســتمررن يف تقديــم نفــس املســاعدة‬

‫‪306‬‬
‫للطفــل‪ ،‬وهــذا يؤثــر يف اســتقاللية الطفــل بنفســه‪ ،‬ويع ـ ِّوده االعتــاد عــى الغــر‪ ،‬وكثــر مــن‬
‫األطفــال يضيقــون بهــذا التــرف‪ ،‬وال يرغبــون فيــه‪ ،‬وقــد يكــون الدافــع لــأم هــو املســاعدة‬
‫وتقديــم الخدمــة والقيــام بواجباتهــا بعاطفــة صادقــة‪ ،‬ولكــن ال بــد أن نفـ ِّرق بــن مــا هــو عاطفــي‬
‫مــن الترصفــات‪ ،‬ومــا هــو مطلــوب عقليًّــا وواقعيًّــا‪ ،‬فالطفــل يكــر يف الحقيقــة والواقــع‪ ،‬ويظــل يف‬
‫نظــر والدتــه صغ ـ ًرا دامئًــا‪.‬‬
‫‪ -2‬يتعلــم طفــل هــذه املرحلــة املهــارات االجتامعيــة‪ ،‬ومنهــا مــا يتصــل باألعــال املنزليــة‪ ،‬مثــل‬
‫تنظيــف األطبــاق‪ ،‬وكنــس الحج ـرات‪ ،‬وترتيــب الرسيــر‪ ،‬واملســاعدة يف املطبــخ‪ ،‬وتلــك األعــال‬
‫تعطــي الطفــل قــد ًرا كب ـ ًرا مــن الســعادة‪ ،‬كــا تعطيــه شــعو ًرا بأهميــة ذاتــه‪ ،‬وال يراهــا عبئًــا‬
‫رر منهــا‪ ،‬بــل يفــرح بهــا ويحــرص عليهــا‪ .‬ولألســف أن بعــض األمهــات تفـ ِّوت‬ ‫وواج ًبــا عليــه فيتـ ّ‬
‫هــذه الفرصــة املواتيــة لتعليمــه وتدريبــه حتــى يكــر الطفــل فينشــغل عــن ذلــك‪ ،‬ويرفــض القيــام‬
‫بهــذه األعــال ويراهــا عبئًــا يتخلّــص منــه‪ ،‬وقــد يدفــع بعــض األمهــات إىل عــدم الســاح للطفــل‬
‫بالقيــام بهــذه األعــال‪ ،‬أو ال يطلبــون منــه أصـ ًـا القيــام بهــا‪ ،‬إمــا للشــفقة عليــه‪ ،‬أو العتقادهــا أن‬
‫ذلــك واجــب الكبــار فقــط‪ ،‬أو للخــوف عــى األشــياء مــن الكــر أو اإلفســاد‪.‬‬
‫‪ -3‬ينتقــل الطفــل ببــطء مــن كائــن متمركــز حــول ذاتــه‪ ،‬أنــاين‪ ،‬يف رصاع مــع اآلخريــن مــن أجــل‬
‫نفســه‪ ،‬إىل كائــن اجتامعــي متعــاون ومتوافــق مــع جامعــة األقـران‪ ،‬فهــو يف املرحلتــن الســابقتني‪،‬‬
‫كانــت عالقاتــه مــع اآلخريــن‪ ،‬طلــب االنتبــاه لــه‪ ،‬والحــب والرعايــة والحاميــة مــن الوالديــن‪ ،‬وكان‬
‫مــع األطفــال اآلخريــن يعتــر كل مــا عنــدم هــو لــه‪ ،‬أو يجــب أن يكــون لــه‪ ،‬واملشــاركة عنــده هي‬
‫مســاومة عــى أشــياء‪ ،‬ولكنــه عندمــا يبلــغ ســن الســادة‪ ،‬يكــون أكــر اهتام ًمــا بحقــوق اآلخريــن‬
‫ومشــاعرهم‪ ،‬ولكنــه مل يصــل بعــد إىل منزلــة املعطــى‪ ،‬فقــد يتوقــف عــن االســتيالء واألخــذ‪ ،‬ولكــن‬
‫ال يـزال العطــاء منــه صعبًــا عليــه‪.‬‬
‫‪ -4‬املهــارات الحركيــة تلعــب دو ًرا ها ًمــا يف هــذه املرحلة‪ ،‬بــل تؤثر يف نجاحه املــدريس واالجتامعي‪،‬‬
‫ويف لعبــه مــع األقـران‪ ،‬وغــر ذلــك مــن متطلبــات املرحلــة‪ ،‬والطفــل الــذي يضعــف عنــده النمــو‬
‫الحــريك عــادة ينســحب مــن الجامعــة‪ ،‬وتتكــون عنــده اتجاهــات ســلبية نحو نفســه‪ ،‬ونحــو الحياة‬
‫االجتامعيــة‪ .‬فكــرة الحركــة‪ ،‬وشـ ّدة النشــاط عنــد الطفــل مطلــوب لذلــك كلــه‪ ،‬وذلــك أمــارة عــى‬

‫‪307‬‬
‫النمــو الطبيعــي بــا مشــاكل‪ ،‬وهــو أيضً ــا عالمــة عــى التَّوافــق االجتامعــي‪ ،‬ودليــل عــى رضــا‬
‫النفــس والصحــة النفســية عنــد الطفــل‪ .‬وكثــر مــن األمهــات يشــتيكن مــن الطفــل الســوي الــذي‬
‫يكــون هــذا شــأنه‪ ،‬ويطلقــون عليــه لفظًــا غــر مناســب‪ ،‬فيقولــون –طفــل شــقي‪ -‬واألفضــل أن‬
‫يقولــوا طفــل نشــيط‪ ،‬أو زائــد النشــاط‪ ،‬بــل إن بعــض األمهــات مينعــن الطفــل مــن الحركــة‬
‫واللعــب والنشــاط‪ ،‬تأدي ًبــا وتربيــة لــه‪ ،‬يف ظنهــن‪ ،‬بــل يخطــن فيطلقــن عــى الطفــل الســلبي‬
‫االنطــوايئ –ولــد مــؤ َّدب‪ -‬وهـ ّن ال يعلمــن أنــه طفــل غــر ســوي مــن جهــة األدب والرتبيــة‪.‬‬
‫‪ -‬وتتفــوق البنــات عــى البنــن يف املهــارات التــي تشــتمل عــى العضــات الدقيقــة‪ ،‬مثــل‪ :‬الرســم‪،‬‬
‫والخياطــة‪ ،‬والنســيج والرتيكــو‪ ،‬ويتفـ ّوق البنــون يف املهــارات التــي تشــتمل عىل العضــات الغليظة‬
‫مثــل‪ :‬لعــب الكــرة‪ ،‬والجــري‪ ،‬وقفــز الحواجــز‪ .‬ومعظــم الحــوادث تقــع لطفــل هــذه املرحلــة‬
‫خــارج املنــزل‪ ،‬عكــس املرحلــة الســابقة‪ ،‬وخاصــة للذيــن يتَّســمون باالندفاعيــة‪ ،‬أو بالقلــق‪.‬‬
‫‪ -‬مــن الهوايــات التــي تــروق للطفــل يف هــذه املرحلــة‪ ،‬جمــع األشــياء‪ ،‬فيمكــن توجيهــه وتعويــده‬
‫اال ِّدخــار‪ ،‬وحفــظ األشــياء النافعــة وتنظيمهــا وترتيبهــا حتــى يتعـ َّود النظــام والرتتيــب فيــا بعــد‬
‫يف حياتــه‪ ،‬كــا ميكــن توجيهــه إىل هوايــة جمــع طوابــع الربيــد وتصنيفهــا‪ ،‬وغــر ذلــك كجمــع‬
‫صــور الحيوانــات‪ ،‬والفراشــات‪ ،‬واألســاك‪ ،‬والزهــور‪ ،‬وخرائــط البــاد واألنهــار‪ .‬وعــى العمــوم فــإن‬
‫الطفــل يف ســن املدرســة‪ ،‬تتن ـ ّوع ميولــه‪ ،‬وألعابــه‪ ،‬ويــزداد فهمــه ورغبتــه يف مخالطــة النــاس‪،‬‬
‫ومعرفــة األشــياء التــي مل يكــن لــه اهتــام بهــا قبــل‪ ،‬وال تعنيــه‪.‬‬
‫‪ -5‬تصــل أســئلة الطفــل إىل قمتّهــا خــال هذه الفــرة‪ ،‬وخاصــة يف الصفّني الثــاين والثالــث االبتدايئ‪،‬‬
‫ومعظــم هــذه األســئلة مــن نــوع‪ :‬ملــاذا؟ واملطلــوب مــن الوالديــن خاصــة‪ ،‬ومــن املعلمــن إجابــة‬
‫الطفــل عــى مــا يســأل عنــه الطفــل‪ ،‬ورشح مــا يغمــض عليــه مــن األمــور؛ ألن االمتنــاع عــن‬
‫اإلجابــة‪ ،‬ال يُنهــي التســاؤل مــن نفــس الطفــل‪ ،‬بــل يزيــده إرصا ًرا عــى معرفــة هــذا األمــر‪ ،‬وقــد‬
‫يُـ ْريض نفســه يف هــذه الحالــة بإجابــة خاطئــة مــن عنــد نفســه‪ ،‬وتظــل كفكــرة راســخة يف النفــس‪،‬‬
‫تشـ ِّوش عليــه الحقائــق واملبــادئ التــي يســلك يف ســلوكه عــى مقتضاهــا‪ ،‬فــإذا كان هــذا الغمــوض‬
‫الــذي أراد أن يســتوضحه يف أمــور الديــن واألخــاق‪ ،‬فــإن عــدم إجابــة الطفــل عــى أســئلته‪ ،‬يكــون‬
‫لهــا آثــار ضــارة فيــا بعــد‪.‬‬

‫‪308‬‬
‫‪ -‬قــد تكــون أســئلة الطفــل مــن البســاطة‪ ،‬أو التفاهــة بالنســبة للوالديــن بحيــث ال يأبهــون‬
‫لهــا‪ ،‬ولكنهــا قــد تكــون غال ًبــا عنــد الطفــل هامــة وشــاغلة لذهنــه‪ .‬فلذلــك يجــب اإلجابــة عنهــا‬
‫واإلنصــات لهــا‪ ،‬لتشــجيعه عــى التســاؤل‪ ،‬وهــو أداة هامــة للعلــم والتعلــم‪ ،‬كــا أن احــرام‬
‫أســئلته باالســتامع واإلجابــة يعطيــه ثقــة يف نفســه‪ ،‬كــا يعـ ِّوده عــى احـرام الســاع لآلخريــن‪.‬‬
‫ومــن ناحيــة أخــرى قــد تكــون أســئلة الطفــل يف غايــة مــن األهميــة‪ ،‬أو الخطــورة‪ ،‬ويف هــذه‬
‫الحالــة يجــب أن يجــاب عــن كل هــذه األســئلة‪ ،‬حتــى ولــو مل يكــن يــدرك الطفــل أهميتهــا أو‬
‫خطورتهــا‪ ،‬وحتــى ال يتوقــف عندهــا ويتفطَّــن لهــا بطريقتــه يف هــذه الســن غــر املناســبة‪ ،‬ألن‬
‫إهــال اإلجابــة ال يجعــل الطفــل يهملهــا عنــد نفســه حتــى ولــو طلبنــا منــه أن يهملهــا‪ ،‬وينطبــق‬
‫هــذا األمــر عــى األســئلة التــي نص ِّنفهــا تحــت بنــد –العيــب‪ -‬فكلهــا يجــب اإلجابــة عنهــا‪ ،‬وميكــن‬
‫توضيــح مــا فيهــا مــن –العيــب‪ -‬إن كان لذلــك مقتــى‪ ،‬وبأســلوب يفهمــه الطفــل‪ .‬وســوف‬
‫نتنــاول املســألة باألمثلــة إن شــاء اللــه يف فصــل عبــادات الطفــل‪.‬‬
‫‪ -‬مــا يطــرأ عــى الطفــل يف هــذه املرحلــة‪ ،‬أنــه يســتطيع التفكــر باســتخدام املعلومــات التــي‬
‫رشا‪ ،‬كــا يســتطيع أن يتصــور ذهن ًّيــا سلســلة أحــداث عــن املــايض‪ ،‬والحــارض‪،‬‬ ‫يدركهــا إدراكًا مبــا ً‬
‫واملســتقبل‪ ،‬وهــذا ميكننــا يف التعامــل معــه أن نذكــره بأخطائــه الســلوكية املاضيــة‪ ،‬ويفهــم عندئــذ‬
‫الربــط بــن العقــاب يف املــايض عــى مثــل هــذا الخطــأ‪ ،‬ويربــط بــن العقوبــة والخطــأ لــو وقعــت‬
‫ـتقبل‪ ،‬فيمكــن تنبيهــه حتــى يتج َّنبهــا‪.‬‬
‫منــه مسـ ً‬
‫‪ -‬والطفــل يف هــذه املرحلــة يــدرك معنــى املــوت‪ ،‬ولكــن بــا اهتــام كبــر مبــا يحــدث بعــده‪ ،‬وقد‬
‫ال يشــغله منــه ســوى الخــوف مــن اختفــاء األشــخاص الذيــن يحبهــم مــن حياتــه‪ .‬كــا أنــه يــدرك‬
‫ذاتــه مــن خــال املعلمــن واألقـران‪ ،‬بجانــب رؤيتهــا مــن خــال الوالديــن‪ ،‬بعــد أن مل يكــن يراهــا‬
‫إال مــن خــال الوالديــن فقــط‪ .‬كــا يــدرك بوعــي الفــروق الجنســية‪ ،‬واألدوار الجنســية‪ ،‬ولذلــك‬
‫جــاء يف الحديــث الرشيــف «ف ِّرقــوا بــن مضاجــع الغلــان والجــواري‪ ،‬واإلخــوة واألخــوات‪ ،‬لســبع‬
‫ســنني» رواه البـزار‪.‬‬
‫ـج‪ ،‬وألنــه ال يــدرك ســوى ِسـ َمة أو اثنتني‬
‫‪ -‬ميــارس طفــل هــذه املرحلــة الفكاهــة‪ ،‬ولكــن بأســلوب فـ ِّ‬
‫مــن صفــات األشــياء واألشــخاص‪ ،‬وليــس إدراكًا كلِّ ًّيــا‪ ،‬مــا يجعــل حكمــه عــى األمــور ً‬
‫ناقصــا‪،‬‬

‫‪309‬‬
‫وكثـ ًرا مــا يكــون مضحـكًا‪ .‬ويف هــذه املرحلــة يــدرك أن أل ِّمــه أدوا ًرا أخــرى خــاف دور أمومتــه‪.‬‬
‫‪ -‬يغلــب عــى الطفــل انتقــاد اآلخريــن والســخرية منهــم‪ ،‬ويلجــأ يف ذلــك إىل صــور الشــكوى‬
‫للكبــار وتقديــم االقرتاحــات‪ ،‬ومــع األقــران تأخــذ شــكل املضايقــات والســباب والســخرية‪.‬‬
‫‪ -‬يحظــى الطفــل أثنــاء مرضــه باالهتــام‪ ،‬ويعفــى مــن القيــام بواجبــات املدرســة واألنشــطة‬
‫املعتــادة‪ ،‬ويتح ـ ّرر مــن القيــود‪ ،‬لذلــك فإنــه يلجــأ إىل املــرض أو التــارض كحيلــة هروبيــة حــن‬
‫تنشــأ ظــروف ال يرغــب فيهــا‪ ،‬أو يطلــب منــه عمــل ال يحبــه‪.‬‬
‫ـول اجتامع ًّيــا‪ ،‬ويكتشــف أن الــكالم وإتقانــه‬‫ـراخ ليــس مقبـ ً‬ ‫‪ -6‬يتعلــم طفــل هــذه املرحلــة أن الـ ُّ‬
‫أداة هامــة للتقبــل االجتامعــي‪ ،‬فهــو يحــاول تحســينه بجانــب مــا أضافتــه قراءتــه مــن املحصــول‬
‫اللغــوي‪ .‬ويقـ ّدر عــدد الكلــات التــي يعرفهــا طفــل ينهــي الصــف األول االبتــدايئ‪ ،‬مــا بــن عرشين‬
‫إىل أربعــة وعرشيــن ألــف كلمــة‪ ،‬وهــي حصيلــة تقــرب مــن ســتة يف املائــة مــن كلــات معجــم‬
‫عــادي‪ ،‬ويبلــغ محصــول طفــل يف الصــف الســادس إىل حــوايل خمســن ألــف كلمــة‪ .‬ويالحــظ‬
‫تفـ ّوق البنــات يف املحصــول اللغــوي‪ ،‬ويف القــدرة عــى التعبــر عــن املعــاين‪ ،‬والطفــل يفهــم معــاين‬
‫كثــرة وال يســتطيع أن يســتخدم لهــا ألفاظًــا مــن عنــده‪ .‬وعمو ًمــا تحــدث طفــرة يف محصــول‬
‫الطفــل اللغــوي يف ســنوات مــا قبــل املدرســة‪ ،‬وخاللهــا‪.‬‬
‫‪ -‬ابتــداء مــن ســن العــارشة تقري ًبــا وحتــى ســن املراهقــة والبلــوغ‪ ،‬تظهــر يف حيــاة الطفــل مــا‬
‫يســمى باللغــة الرسيــة‪ ،‬وهــي تتألــف مــن رمــوز ورســوم يصطلــح عليهــا بــن مجموعــة مــن‬
‫األطفــال‪ ،‬وقــد تكــون بالحــركات واإلشــارات‪ ،‬واإلميــاءات‪ ،‬والبنــات أكــر اســتخدا ًما لهــذه اللغــة‪،‬‬
‫ويقــي األطفــال أوقاتًــا طويلــة يف تأليفهــا‪ ،‬وتكــون هــي لغــة االتصــاالت بــن املقربــن واألصدقــاء‬
‫حــن يرغبــون يف التعبــر عــن أفــكار وأمــور يخفونهــا عــن الكبــار‪.‬‬
‫‪ -‬أحــب مــا يتحــدث فيــه طفــل هــذه املرحلــة‪ ،‬حــول خرباتهــم الخاصــة‪ ،‬وحيــاة األرسة واملنــزل‪،‬‬
‫وعــن األلعــاب الرياضيــة واللُّ َعــب الخاصــة بــه‪ ،‬وعــن الجنــس واألعضــاء التناســلية‪ ،‬وعــن‬
‫الحــوادث‪ ،‬ويحلــو لألطفــال التحــدث بعي ـ ًدا عــن أنظــار وأســاع الكبــار‪.‬‬
‫‪ -‬الطفــل لديــه ميــل للتحــدث بصــوت مرتفــع‪ ،‬وخاصــة الذكــور؛ العتقادهــم أن التحــدث بصــوت‬
‫خفيــض –أنوثــة‪ -‬وليونــة‪.‬‬

‫‪310‬‬
‫‪ -‬التَّ ْهتَ َهــة‪ ،‬واللَّ ْجلَ َجــة‪ ،‬وغــر ذلــك مــن عيــوب الــكالم‪ ،‬ميكــن بالتدريــب القضــاء عليهــا‪ ،‬وإذا مل‬
‫نتعاهــد الطفــل املصــاب بهــا بالعنايــة والتدريــب‪ ،‬تظــل عي ًبــا يصعــب عالجــه فيــا بعــد‪ ،‬ومــر ّد‬
‫هــذه العيــوب اللســانية عنــد الطفــل إىل التوتــر العصبــي يف املراحــل األوىل للــكالم‪ ،‬وتــزداد عنــد‬
‫دخــول املدرســة‪ ،‬بســبب االرتبــاك‪ ،‬وخاصــة عندمــا يضحــك عليــه زمــاؤه‪.‬‬
‫***‬
‫مجاعة األطفال وأثرها االجتماعي‬
‫* طُــوال فــرة املدرســة االبتدائيــة‪ ،‬تتزايــد الرغبــة عنــد الطفــل يف االنتــاء لجامعــة مــن األطفــال‪،‬‬
‫ويكــون لديــه حــرص ورغبــة يف الحصــول عــى تقبُّــل هــذه الجامعــة لــه‪ ،‬يســتوي يف ذلــك‬
‫البنــون والبنــات‪ .‬ويف املدرســة‪ ،‬ومــع األق ـران جمي ًعــا‪ ،‬وخاصــة جامعــة األطفــال‪ ،‬يتط ّبــع الطفــل‬
‫باالجتامعيــة‪ ،‬لحاجــة اللعــب معهــم والدراســة والنشــاط املــدريس عمو ًمــا‪ .‬ويتقـ ّدم الطفــل خــال‬
‫هــذا الوســط اجتامع ًّيــا بالخــروج مــن ذات ّيتــه ومحدوديَّتــه يف املراحــل الســابقة‪ ،‬ويبــدأ يف صحبــة‬
‫طفــل آخــر ويتســامح معــه فيــا مل يكــن يتســامح فيــه قبــل ذلــك‪ ،‬رغبــة يف اســتبقاء صحبتــه‬
‫وتقبلــه لــه‪ ،‬ثــم يبــدأ مــع اآلخريــن يف تــرك املعارضــة والعنــاد مــع أقرانــه‪ ،‬وإن كان عنــاده يظهــر‬
‫يف شــكل جديــد بديــل يكــون مــع الكبــار‪ ،‬ألنــه أصبــح يتمـ ّرد عــى الســلطة‪ ،‬ولتأكيــد ذاتــه التــي‬
‫رأت أن لهــا دو ًرا يف الوجــود‪.‬‬
‫‪ -‬يبــدأ الطفــل يف قضــاء وقــت أكــر خــارج البيــت‪ ،‬وحيــث يقضيــه مــع جامعــة األطفــال الجديدة‪،‬‬
‫وهــذه الجامعــات الصغــرة‪ ،‬محــدودة النشــاط يف اللعــب فقــط وبعــض اللهــو الــريء‪ ،‬وأخطــاء‬
‫أفرادهــا غــر مقصــودة‪ ،‬ومــن الصعــب فــرض طفــل عــى هــذه املجموعــة‪ ،‬أو اختيــار مجموعــة‬
‫لينخــرط فيهــا طفــل‪ ،‬ألن هــذه املجموعــات هــي التــي تختــار نفســها‪ ،‬وقــد تســتمر عالقــة هــذه‬
‫املجموعــة لعـ ّدة ســنوات‪.‬‬
‫‪ -‬جامعــات الذكــور تكــون أكــر عــد ًدا نســب ًّيا مــن جامعــات اإلنــاث‪ ،‬وتنشــغل جامعــة الذكــور‬
‫بلعــب الكــرة واأللعــاب العنيفــة‪ .‬بينــا تكتفــي جامعــة اإلنــاث مبامرســة بعــض األلعــاب الخفيفة‪،‬‬
‫أو مجـ ّرد الجلــوس م ًعــا‪ ،‬والتحـ ّدث بعضهــن إىل بعــض‪ ،‬وعــادة مــا يكــون ذلــك يف بيــت إحداهــن‪،‬‬

‫‪311‬‬
‫إذا ُســمح لهــن بذلــك‪ ،‬واملطلــوب مــن الوالديــن الســاح لهــن بالجلــوس يف البيــت إلشــباع الحاجة‬
‫عندهــن تحــت األنظــار‪ ،‬أمــا الذكــور فيتّخــذون لهــم مكانًــا محـ َّد ًدا بعيـ ًدا عــن رقابــة الوالديــن‪.‬‬
‫‪ -‬تكــون الرفقــة املفضلــة هــي لنفــس الجنــس‪ ،‬وقــد يحــدث عــداء للجنــس اآلخــر قُ َبيــل فــرة‬
‫البلــوغ‪ ،‬ولكــن الذكــور أكــر موضوعيــة يف نظرتهــم مــن اإلنــاث‪ ،‬حيــث يغلــب عــى اإلنــاث‬
‫الطابــع االنفعــايل نحــو الذكــور‪ ،‬لشــعورهن بالضيــق نتيجــة ملقــدار الحريــة األكــر املســموح بــه‬
‫عــادة للذكــور دون اإلنــاث‪ ،‬وإلحســاس البنــت بأنهــا أكــر نض ًجــا مــن الولــد‪ ،‬ألن بلوغهــا يســبقه‪،‬‬
‫وعــادة مــا يختــار الطفــل رفي ًقــا وصدي ًقــا يجــده مشــاب ًها لــه مــن بــن زمالئــه يف املدرســة‪ ،‬أو مــن‬
‫والســمة التــي يفضلهــا املعظــم يف هــذا الرفيــق‪ ،‬هــي ســمة املــرح‪ ،‬والتعــاون‪ ،‬والكــرم‪،‬‬ ‫جريانــه‪ِّ ،‬‬
‫ومــن ال يكــذب‪ ،‬ومــا يســمونه بالــروح الرياضيــة‪ ،‬وهــي التســامح‪.‬‬
‫‪ -‬أثــر هــذه الجامعــات الصغــرة كبــر يف طفــل هــذه املرحلــة‪ ،‬ألنــه يســاير املعايــر التــي تح ِّددهــا‬
‫تلــك املجموعــات‪ ،‬وحتــى يبقــى لــه القبــول فيهــا‪ ،‬وعــادة مــا تَتَشَ ــابه أفـراد املجموعــة يف اآلراء‬
‫وأمنــاط الســلوك واملظهــر‪ ،‬فــإذا تعارضــت معايــر البيــت والوالديــن مع معايــر جامعتــه‪ ،‬فالغالب‬
‫هــو مســايرة معايــر جامعتــه لحرصــه عليهــا‪.‬‬
‫‪ -‬مــن اآلثــار الصالحــة الندمــاج الطفــل يف مثــل هــذه املجموعــات‪ ،‬أنــه يتعلــم التنافــس والتعــاون‬
‫مــع اآلخريــن‪ ،‬ويتحمــل املســؤوليات التــي تكلفــه بــه مجموعتــه‪ ،‬كــا أنــه يتعلــم مشــاركة‬
‫اآلخريــن مشــاعرهم‪ ،‬ويتق ّبــل حــاالت الفشــل‪ ،‬أو النجــاح معهــم‪ ،‬وهــذه اآلثــار لهــا أهميــة كبــرة‬
‫يف مســتقبل حيــاة الطفــل‪ ،‬ولذلــك يجــب أن نتغافــل‪ ،‬ونتغــاىض عــن توتّــر العالقــة مــع الوالديــن‬
‫والطفــل أحيانًــا‪ ،‬بســبب تلــك املجموعــات‪ ،‬واألفضــل إرخــاء العنــان للطفــل ليســاير مجموعتــه‬
‫بالقــدر الــذي يشــبع حاجتــه‪ ،‬بــا متــا ٍد يف تركــه معهــم طويـ ًـا‪ ،‬أو تركــه بــا توجيــه ورقابــة‪ ،‬ومــن‬
‫َو َرا َء َو َرا َء‪.‬‬
‫‪ -‬يصــل التح ُّيــز لجامعــة الطفــل إىل أقــى ح ـ ّده يف ســن الحاديــة عــرة‪ ،‬ويتعامــل أف ـراد كل‬
‫مجموعــة مــع أفـراد املجموعــات األخــرى بقســوة وعــداء‪ ،‬عــى أنهــم ليســوا أصدقــاء‪ ،‬ألن مفهــوم‬
‫الصداقــة عندهــم هــو ألفـراد جامعتــه فقــط‪ ،‬ومــا عداهــم يحكــم عليهــم بالعــداء‪ ،‬فــا يســمحون‬
‫لغريهــم مبعرفــة أرسارهــم‪ ،‬وال يســمحون باالنضــام إليهــم‪ ،‬ومــع هــذا فكثـ ًرا مــا يتخاصــم أفـراد‬

‫‪312‬‬
‫الجامعــة‪ ،‬ثــم يعــودون برسعــة لصداقتهــم‪ ،‬ويكــون هــذا الخصــام ألتفــه األســباب‪.‬‬
‫‪ -‬يظهــر يف كل مجموعــة أطفــال (قائــد) منهــم ذو خصائــص طيبــة يعجــب بهــا األطفــال الذيــن‬
‫واملــرح والثقــة‬
‫َ‬ ‫يقــدرون البطــل‪ ،‬ومــن يحظــى بهــذا االحــرام بينهــم يتميــز عــاد ًة بالــذكاء‪،‬‬
‫بالنفــس‪ ،‬والقــدرة عــى النشــاط البــدين‪ ،‬واالتِّـزان االنفعــايل‪ ،‬واالهتــام باآلخريــن‪ ،‬ولذلــك عــادة‬
‫مــا يتجاهــل الفريـ ُـق الطفــل الهــادئ املنطــوي مهــا كانــت صفاتــه املمتــازة‪.‬‬
‫***‬
‫من احلرص ما يقتل املواهب‬
‫* اللعــب يف هــذه املرحلــة‪ ،‬بجانــب دوره الســابق يف املرحلــة الســابقة‪ ،‬يــؤدي دو ًرا ها ًمــا‪ ،‬ألنــه‬
‫املتن َّفــس املــروع للطاقــة الهائلــة والزائــدة عنــد طفــل املدرســة‪ ،‬وهــو وســيلة للتعبــر عــن‬
‫االنفعــاالت العميقــة عنــد الطفــل‪ ،‬واللعــب يف نفــس الوقــت هــو الوســيلة املقبولــة لالســتمتاع‬
‫والــرور والســعادة‪ .‬ومــن خــال اللعــب تنمــو مهــارات الطفــل‪ ،‬ومنهــا مهــارة التفكــر‪ ،‬وميثــل‬
‫اللعــب خــرة الطفــل يف ُس ـلّم النمــو االجتامعــي‪ ،‬وحينــا يصــل ســن الطفــل العــارشة‪ ،‬تصــر‬
‫ألعابــه مــن النــوع التنافــي‪ ،‬ويقصــد التفــوق وليــس مجــرد املتعــة والــرور‪.‬‬
‫‪ -‬الضحــك والقهقهــة والجــري والقفــز واالرمتــاء عــى األرض‪ ،‬كلهــا تعبـرات الفعاليــة‪ ،‬وتــدل عــى‬
‫رسور الطفــل‪ ،‬وأنــه ســعيد ومتوافــق‪ .‬أمــا إذا انقلــب م ـزاج الطفــل الذكــر فيلجــأ إىل تقطيــب‬
‫الجبــن والعبــوس وتقليــل الحركــة‪ ،‬وأمــا البنــت فتلجــأ يف هــذه الحالــة إىل البــكاء‪ .‬ويكــر عنــد‬
‫الطفــل الــذيك شــديد التَّفـ ُّوق‪ ،‬االنفعــاالت غــر الســارة عــادة أكــر مــن غــره‪ ،‬ولعــل تقييد نشــاطه‬
‫يف اللعــب‪ ،‬مــن الوالديــن‪ ،‬بســبب حضــه عــى التحصيــل العلمــي بقــدر أكــر‪ ،‬ألنهــم يتوقعــون‬
‫منــه التَّفـ ّوق‪ ،‬هــو مــا يكــون وراء هــذه االنفعــاالت‪ ،‬وهــذا يســبب بجانــب ذلــك للطفــل القلــق‪،‬‬
‫وقــد يعــاين مــن اإلحبــاط‪ .‬والنصــح للوالديــن يف مثــل هــذه الحالــة‪ ،‬أن يرتكــوا للطفــل الــذيك‬
‫املتف ـ ِّوق‪ ،‬الوقــت املناســب ليــارس اللعــب‪ ،‬وخاصــة مــع أقرانــه‪ ،‬ويكفــي تف ُّوقــه‪ ،‬فــا يعاقــب‬
‫بالحرمــان مــن اللعــب الــكايف لذكائــه وتقدمــه الــدرايس‪ ،‬بــل مثــل هــذا الطفــل يكفيــه التوجيــه‬
‫حتــى تنمــو خصائصــه ومواهبــه بطريقــة عاديــة‪ ،‬فــإن مــن الحــرص مــا يقتــل املواهــب‪.‬‬

‫‪313‬‬
‫انفعاالت ومشاكل طفل املدرسة‬
‫* لــكل مرحلــة يف حيــاة الطفــل انفعــاالت تتم َّيــز بهــا‪ ،‬وأغلــب مــا تتم ّيــز بــه مرحلــة املدرســة‪،‬‬
‫الغضــب‪ ،‬والخــوف‪ ،‬والغــرة‪ ،‬وحــب االســتطالع‪ .‬ويجــب عــى الوالديــن واملعلمــن مراعــاة هــذه‬
‫االنفعــاالت عنــد الطفــل‪ ،‬عنــد حديثهــم مــع الطفــل‪ ،‬أو عنــد حكايــة الحكايــات واألحــداث‪،‬‬
‫وعنــد التعامــل بصفــة عامــة‪ ،‬حتــى متــر هــذه االنفعــاالت‪ ،‬وهــذه املرحلــة بــدون تخليــف آثــار‬
‫ضــارة تبقــى مــع الطفــل عندمــا يبلــغ املراحــل التاليــة‪.‬‬
‫‪ -‬فالخــوف قــد يكــون مصــدره الحديــث عــن الظــام والعفاريــت‪ ،‬أو مشــاهدة وســاع األفــام‬
‫املرعبــة‪ ،‬وقــد يكــون وراءه خــوف فقــد أحــد الوالديــن باملــوت ومــا يرتبــط بــه مــن غيابهــا‬
‫عنــه غيابًــا مبهـ ًـا ومفاجئًــا‪ ،‬نتيجــة لســاعه الحكايــات عــن مــوت أشــخاص تركــوا أبنــا ًء صغــا ًرا‪،‬‬
‫وقــد يكــون الطفــل يعــرف أشــخاصهم‪ ،‬فيتوقــع دامئًــا حــدوث ذلــك لــه مبــوت والديــه‪ ،‬وأنهــم‬
‫ســيرتكونه مثــل هــؤالء األطفــال‪ .‬وكذلــك يخــاف الطفــل مــن الفشــل يف املدرســة‪ ،‬أو أيــة مهــام‬
‫حريصــا‪ ،‬ويحــاول أن يظهــر‬ ‫ً‬ ‫مــن املهــام الجديــدة يف حياتــه املدرســية‪ ،‬خاصــة أن الطفــل يكــون‬
‫أمــام أقرانــه‪ ،‬بأنــه ال يخــاف مــن يشء ويتكتَّــم أي خــوف عنــده حتــى ال يعــرف عندهــم أنــه –‬
‫خ ـ َّواف‪.‬‬
‫‪ -‬وأمــا قلــق الطفــل فمصــدره عنــده مــن املشــكالت املدرســية‪ ،‬واملشــكالت املرتبطــة بتوافقــه‬
‫االجتامعــي‪ .‬فاالختبــارات املدرســية‪ ،‬والخــوف مــن التخلّــف الــدرايس‪ ،‬والتأخــر عــن مواعيــد‬
‫املدرســة‪ ،‬وبصفــة عامــة‪ ،‬كل مــا لــه أهميــة عنــد الوالديــن‪ ،‬أو عنــد جامعــة الطفــل يكــون‬
‫َم ْدعــاة للقلــق والتوتــر‪ ،‬وتزيــد حـ َّدة القلــق عنــد البنــات عنهــا عنــد الذكــور‪ ،‬فواجــب الوالديــن‬
‫أن يعتدلــوا فيــا يتوقعونــه مــن الطفــل الصغــر‪ ،‬مــن نجاحــات وتقــدم‪ ،‬وأال يرهقــوه بالحديــث‬
‫عــن الخــوف مــن الفشــل يف الدراســة‪ ،‬أو عــن التف ـ ّوق الواجــب أن يحــرزه الطفــل وألَّ يفقــدوا‬
‫هــم أعصابهــم أثنــاء فــرة االختبــارات‪ ،‬فينعكــس ذلــك كلــه عــى شــعور وأعصــاب طفــل صغــر‬
‫مرهــف الشــعور‪ ،‬ضعيــف األعصــاب‪ ،‬قليــل الحيلــة أمــام املشــاكل‪.‬‬
‫‪ -‬يغضــب الطفــل ألتفــه األســباب‪ ،‬وأحيانًــا بــا ســبب مفهــوم‪ ،‬وأكــر مــا يغضبــه يف هــذه املرحلــة‪،‬‬
‫كل مــا يقــف أمــام رغبتــه يف االســتقالل بنفســه يف كل أمــوره‪ ،‬فيغضــب عندمــا تتعــرض هــذه‬

‫‪314‬‬
‫الرغبــة لإلحبــاط‪ ،‬كــا يغضبــه النقــد ألي شــأن أو عمــل يقــوم بــه‪ ،‬كــا يغضــب عندما يقــارن بينه‬
‫وبــن باقــي األطفــال‪ ،‬إذا رأى هــذه املقارنــة ليســت لصالحــه‪ ،‬ويغضــب أليــة مقاطعــة لــه أثنــاء‬
‫اندماجــه يف عمــل ونشــاط‪ ،‬كــا يغضبــه اتهامــه بالكــذب‪ ،‬أو حــن يعاقــب عــى أم ـ ٍر هــو منــه‬
‫بــريء‪ .‬وواجــب الوالديــن مراعــاة تلــك األحــوال عنــد الطفــل‪ ،‬ألن األم عــادة تتعامــل مــع الطفــل‬
‫بالنظــر إىل جهــة واحــدة فقــط‪ ،‬هــي مــا ت ـراه وتطلبــه‪ ،‬وتنــى أن الطفــل ليــس أداة اســتقبال‬
‫لرغباتهــا ومــا تطلبــه منــه فقــط‪ ،‬بــل هــو إنســان صغــر فقــط‪ ،‬إال أن لــه نفــس مــا لهــا مــن‬
‫يتأســس فيهــا عنــد الطفــل‪ ،‬الكثــر‬ ‫مشــاعر ورغبــات وانفعــاالت‪ ،‬بــل وهــذه املرحلــة هــي التــي َّ‬
‫مــن القواعــد الســلوكية والقيــم واآلداب االجتامعيــة‪ ،‬ويتــدرب خاللهــا عــى اكتســاب املهــارات‬
‫مــن خــال مــا يؤ ِّديــه ويعتــاده مــن عمــل‪ .‬واســتقالل الطفــل بكثــر مــن املهــام‪ ،‬واإليجابيــة‬
‫واملبــادأة‪ ،‬وعــدم االعتــاد عــى اآلخريــن‪ ،‬فهــذا وقتــه الواجــب معاونــة الطفــل بتكليفــه باألعــال‬
‫التــي ميكــن أن يؤديهــا‪ ،‬ويجــب تشــجيعه عــى القيــام بهــا‪ ،‬والتقليــل مــن شــأن الفشــل الــذي قــد‬
‫يصــاب بــه‪ ،‬ويجــب أن نقــدم لــه التقديــر الــازم لــكل مــا يقــوم بــه‪.‬‬
‫‪ -‬الغــرة شــأن فطــري يف النفــس‪ ،‬وتُحمــد وتُــذم يف غــر حــاالت االعتــدال‪ ،‬ولكنهــا عنــد الطفــل‬
‫تدفــع إىل املنافســة املحمــودة‪ ،‬وزيادتهــا تدفــع إىل التنافــر والتشــاجر‪ ،‬والطفــل ينقــل مــا كان‬
‫عليــه مــن الغــرة إلخوتــه يف البيــت‪ ،‬إىل زمالئــه بالفصــل‪ ،‬أو جامعتــه يف اللعــب‪ ،‬ويقــع تحاســد‬
‫األطفــال عــى األكــر تف ُّوقًــا بينهــم‪ ،‬واألكــر شــعبية مــن بــن األقـران‪ ،‬لذلــك ال يفضــل اإلكثــار مــن‬
‫الحديــث واملقارنــة بــن الطفــل وبــن أحــد مــن إخوتــه‪ ،‬أو زمالئــه؛ ألن ذلــك يدفعــه إىل عــدم‬
‫ـدل مــن أن يدفعــه ملنافســته‪ ،‬ويقولــون‪ :‬إن االعتــدال محمــود ولــو يف كراهــة‬ ‫تقبلّــه وكراهتــه‪ ،‬بـ ً‬
‫الحســود‪.‬‬
‫‪ -‬مــن التغـ ّـرات التــي تحــدث للطفــل يف هــذه املرحلــة‪ ،‬أن تقديــره لنفســه يصبــح كبـ ًرا‪ ،‬حتــى‬
‫أنــه ال يحــب أن يعاملــه الكبــار باعتبــاره طفـ ًـا‪ ،‬فــا يحــب أن يحتضنــه أحــد‪ ،‬أو يق ِّبلــه أحــد‪ ،‬ولــو‬
‫كان أحــد الوالديــن‪ ،‬وخاصــة يف وجــود آخريــن‪ ،‬كــا مل يعــد يرتــاح أن ينــادى عليــه باســم الدلــع‬
‫الــذي كان يحبــه يف املرحلــة الســابقة‪ ،‬ويحــب أن ينــادى عليــه مبــا ينــادى بــه الكبــار‪.‬‬
‫‪ -‬ينتــاب الطفــل مــن وقــت آلخــر نوبــات عنيفــة انفعاليــة‪ ،‬يكــون معظمهــا مــن عــدم تقديــره‬

‫‪315‬‬
‫واالهتــام بــه‪ ،‬أو مــن الصعوبــات التــي تواجهــه‪ ،‬ومــع هــذا فالغالــب عليــه انفعــال الفــرح‬
‫والــرور‪ ،‬ويهتــم بالفكاهــة والتالعــب باأللفــاظ‪.‬‬
‫ـخصا يحبــه ويقــي معــه معظــم الوقــت‪ ،‬وغالبًــا مــا يكــون غــر والديــه‪،‬‬ ‫‪ -‬يختــار الطفــل شـ ً‬
‫ويختــاره مــن بــن إخوتــه‪ ،‬أو أحــد أقاربــه‪ ،‬أو مــن رفقائــه‪ ،‬ويكــون مــن صفــات هــذا الشــخص‪،‬‬
‫تلبيــه طلباتــه ومســاعدته‪ ،‬وأمــا الوالــدان فريغــب يف عنادهــا واالســتقالل عنهــا‪.‬‬
‫***‬
‫حب البطولة يف حياة الطفل‬
‫* طفــل املدرســة يحــرص ويســعى إىل االتصــاف بالصفــات الشــخصية التــي تقبلهــا جامعتــه مــن‬
‫أقرانــه يف اللعــب‪ ،‬وعــى أمــل أن يتقبلــوه دامئًــا بينهــم‪ ،‬ويف نهايــة املرحلــة يبــدأ يف اختيــار‬
‫شــخصية يتمثلهــا يف كل مواقفــه‪ ،‬وهــذه الشــخصية قــد تكــون تاريخيــة‪ ،‬أو ممــن يســمع عنهــا‪،‬‬
‫فيعتربهــا املثــل يف حياتــه‪ ،‬وعــادة مــا تكــون مــن مشــاهري التاريــخ‪ ،‬أو مشــاهري نجــوم الفــن أو‬
‫الرياضــة‪ ،‬أو القــادة السياســيني‪ ،‬وهــو مــا يطلــق عليــه –حــب البطولــة‪ -‬ويجــب عــى الوالديــن‬
‫واملعلمــن اســتثامر هــذا التَّ َو ُّجــه عنــد الطفــل وتحبيبه إىل الشــخصيات الوطنيــة والدينيــة والقادة‬
‫التاريخيــن واألبطــال الفاتحــن‪ ،‬حتــى يتخــذ منهــم املثــال املختــار لــه مــن بينهــم‪ ،‬فيتمثلــه يف‬
‫حياتــه‪.‬‬
‫‪ -‬يحــرص الطفــل عــى الحصــول عــى تقديــر مــن حولــه‪ ،‬بإنتــاج يشء مــا‪ ،‬يــروق يف نظــر الكبــار‪،‬‬
‫حرصــا عــى املثابــرة يف األعــال حتــى تكتمــل‪،‬‬‫وهــذا يعطيــه شــيئًا مــن الرضــا النفــي‪ ،‬ويزيــده ً‬
‫أو إتقــان مهاراتــه حتــى يحصــل عــى اإلعجــاب مــن اآلخريــن‪ .‬ولكنــه يف نفــس الوقــت يشــعر‬
‫مبـرارة الفشــل إذا مل يحــرز النجــاح يف هــذا اإلنجــاز‪ ،‬وقــد يشــعر بنقــص كفاءتــه إذا تكــرر ذلــك‬
‫الفشــل‪ ،‬وللخــروج مــن ذلــك‪ ،‬وحتــى نشــبع عنــده حاجتــه إىل التقديــر‪ ،‬فيدفعــه ذلــك إىل التفــوق‬
‫واكتســاب املهــارات‪ ،‬يحســن أن نتيــح للطفــل أعــالً ومها ًمــا نعــرف مســبقًا قدرتــه عــى إنجازهــا‪،‬‬
‫ثــم نشــجعه حتــى يؤديهــا‪ ،‬ثــم نثيبــه عليهــا‪ ،‬إمــا باملــدح أو بتقديــم الجائــزة لــه عــن عملــه‪،‬‬
‫فيشــعر بالنجــاح ويحــب أن يكــون ناج ًحــا دامئًــا‪ ،‬ويراعــى اختيــار األعــال واملهــام التــي تكــون‬

‫‪316‬‬
‫مح ّببــة لديــه‪ ،‬كــا يجــب أن نحــذر الحكــم بالتفاهــة عــى إنجازاتــه‪ ،‬أو بعــدم أهميتهــا‪ ،‬بــل يلــزم‬
‫إبــداء االهتــام لــه وبــكل مــا يقدمــه لنــا أو يعملــه‪ ،‬وأن نثنــي عــى أعاملــه‪ ،‬حتــى يشــعر بأنــه‬
‫قــام بعمــل ممتــاز‪ ،‬أو أنــه أ ّدى مهمــة كبــرة‪ ،‬ألن مفهومــه عــن نفســه يتك ـ َّون مــن تقدي ـرات‬
‫اآلخريــن‪ ،‬وخاصــة الوالديــن واملعلمــن‪ ،‬ومــن جانــب آخــر‪ ،‬ألن الطفــل يــرى يف كل مــا يقدمــه‬
‫ويؤديــه إنجــازًا عظيـ ًـا يســتحق التقديــر واالنتبــاه‪ ،‬فيصــدم مــن الحكــم عليــه بعكــس ذلــك‪.‬‬
‫***‬

‫مرحلة اإلدراك والتحصيل‬


‫يتأســس عنــد‬‫* أنســب وأنجــح فــرة للتعليــم والتدريــب‪ ،‬هــي فــرة التعليــم االبتــدايئ‪ ،‬وفيهــا َّ‬
‫الطفــل معظــم قواعــد الســلوك واملفاهيــم واملبــادئ والعــادات‪ ،‬وخاللهــا تنمــو عقليته وشــخصيته‬
‫ويتســع إدراكــه‪ ،‬وهــي املرحلــة التــي تبنــى عليهــا املراحــل الالحقــة‪ ،‬فالعنايــة بتعليــم الطفــل‬
‫وتدريبــه وتوفــر كل مــا يالئــم تحقيــق هــذا الهــدف‪ ،‬يجــب أن يعمــل لــه الولــدان‪ ،‬وأن يكــون‬
‫عونًــا لــه عــى النجــاح الــازم‪ ،‬وتحقيــق أفضــل اســتيعاب علمــي‪ ،‬نظريًّــا وعمل ًّيــا‪ ،‬طب ًقــا لقــدرات‬
‫الطفــل‪ ،‬مــن غــر إجهــاد لــه وإرهــاق ُمضــنٍ ‪ ،‬وال تســاهل يفـ ِّوت عــى الطفــل إحـراز التحصيــل‬
‫والنجــاح الــذي يتناســب مــع قدراتــه‪ .‬روى الط ـراين يف املعجــم الكبــر عــن النبــي صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم قــال‪« :‬مثــل الــذي يتعلــم العلــم يف صغــره‪ ،‬كال َّنقــش عــى الحجــر‪ ،‬ومثــل الــذي‬
‫ـض عــى تحصيــل العلــم يف مرحلــة‬ ‫يتعلــم العلــم يف كــره‪ ،‬كالــذي يكتــب عــى املــاء»‪ ،‬فهــذا تحضيـ ٌ‬
‫الطفولــة‪ ،‬حيــث الشــواغل منتفيــة‪ ،‬والحــواس منتبهــة ومســتعدة‪ ،‬والذهــن خــا ٍل وال تزاحــم فيــه‪،‬‬
‫والقلــب رقيــق يتأثــر‪ ،‬والذاكــرة يف قوتهــا مل يصبهــا الــكالل وال امللــل‪.‬‬
‫* وعمل ًّيــا كان األ ّولــون املعلِّمــون للبرشيــة جمعــاء‪ ،‬تحــر األطفــال الصغــار مجالســهم العلميــة‬
‫بجانــب الكبــار‪ ،‬حيــث كان كل الكبــار معلمــن للصغــار‪ ،‬روى َسـ ُمرة بــن جنــدب ريض اللــه عنــه‬
‫ـت أحفــظ عنــه‪،‬‬ ‫قــال‪« :‬لقــد كنــت عــى عهــد رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم غال ًمــا‪ ،‬فكنـ ُ‬
‫ـال هــم َأس ـ ُّن منــي» رواه البخــاري ومســلم‪ .‬وعــن‬ ‫فــا مينعنــي مــن القــول إال أن هــا هنــا رجـ ً‬

‫‪317‬‬
‫ثابــت البنــاين رحمــه اللــه قــال‪ :‬كنــت عنــد أنــس ريض اللــه عنــه‪ ،‬وعنــده بنــت لــه‪ ،‬فقــال أنــس‪:‬‬
‫«جــاءت امــرأة إىل النبــي صــى اللــه عليــه وســلم تعــرض عليــه نفســها‪ ،‬فقالــت‪ :‬يــا رســول اللــه‪،‬‬
‫ألــك يب حاجــة؟ فقالــت بنــت أنــس‪ :‬مــا أقَـ َّـل حياءهــا‪ ،‬واســوأتاه‪ ،‬واســوأتاه‪ ،‬فقــال أنــس‪ :‬هــي‬
‫خــر منــك‪ ،‬رغبــت يف النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فعرضــت نفســها عليــه» رواه البخــاري‬
‫والنســايئ‪ ،‬وأنــس بــن مالــك ريض اللــه عنــه كان لــه مجلــس علــم يشــهده طــاب العلــم منهــم‬
‫ثابــت الـراوي ريض اللــه عنــه‪ ،‬وهــا هــي ابنــة أنــس تحــر املجلــس وتناقــش فيــه مســائل العلــم‪.‬‬
‫***‬
‫التعليم بالعمل والقدوة‬
‫* التعليــم باإللقــاء والتحديــث‪ ،‬وكذلــك باملطالعــة والق ـراءة‪ ،‬يفيــد يف تحصيــل املعلومــة‪ ،‬ولكــن‬
‫ذلــك وحــده ال يفيــد كثـ ًرا إذا مل يصاحــب الــرح والتفهيــم‪ ،‬وبوســائل اإليضــاح وعــرض النمــوذج‬
‫العمــي التَّطبيقــي‪ ،‬وكذلــك ال بــد مــن رؤيــة القــدوة عمل ًّيــا يف حيــاة الطفــل حتــى تتأكــد عنــده‬
‫املعلومــة‪ ،‬واملعنــى‪ ،‬ويصــر لديــه القناعــة بهــا‪ ،‬وبأهميتهــا‪ ،‬فــإذا تعــارض املعنــى النظــري الــذي‬
‫حصلــه الطفــل‪ ،‬مــع التطبيــق العمــي الــذي ي ـراه حولــه‪ ،‬وخاصــة مــن األشــخاص املهمــن يف‬ ‫َّ‬
‫حياتــه‪ ،‬كالوالديــن‪ ،‬واملعلمــن‪ ،‬فإنــه يســلك ســلوك القــدوة العمليــة‪ ،‬ويُ َن ِّحــي املعلومــة النظريــة‬
‫املخالفــة للســلوك‪ ،‬ويف ذلــك مــن األرضار مــا ال يخفــى‪ ،‬وأشـ ّدها رض ًرا أن يعتــاد أن يســلك ويعمــل‬
‫غــر مــا يعتقــد ويعــرف‪ ،‬وأال يثــق بنفــع العلــم واملعلمــن‪.‬‬
‫‪ -‬روى أبــو داود «أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم َم ـ َّر بغــام يســلخ شــا ًة ومــا يحســن‪،‬‬
‫تنــح حتــى أريــك‪ ،‬فأدخــل يــده بــن الجلــد‬ ‫فقــال لــه رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪َّ :‬‬
‫واللحــم‪ ،‬فدخــس بهــا حتــى دخلــت إىل اإلبــط‪ ،‬ثــم مــى فصــى للنــاس‪ ،‬ومل يتوضــأ» والدخــس‪:‬‬
‫الــدس‪ .‬وهــذا منــوذج عمــي للتعليــم وإرشــاد الصغــر‪ ،‬والتدريــب العمــي يف أداء األعــال‪ ،‬ونقــل‬
‫الخــرة عمليًّــا للصغــر‪ ،‬مــع املعاونــة والتواضــع مــن غــر زج ـ ٍر وتوبيــخ‪.‬‬
‫ي‪ ،‬بوضــوء‪ ،‬فق َّربْ ُتــه لــه‪ ،‬فبــدأ‬ ‫‪ -‬عــن الحســن بــن عــي ريض اللــه عنهــا قــال‪« :‬دعــاين أيب‪ ،‬ع ـ ٌّ‬
‫فغســل ك َّف ْيــه ثالثًــا‪ ،‬قبــل أن يدخلهــا يف الوضــوء‪ ،‬ثــم مضمــض ثالثًــا‪ ،‬واستنشــق ثالثًــا‪ ،‬ثــم غســل‬

‫‪318‬‬
‫وجهــه ثــاث مـرات‪ ،‬ثــم غســل يــده اليمنــى إىل املرفــق ثالثًــا‪ ،‬ثــم اليــرى كذلــك‪ ،‬ثــم مســح‬
‫برأســه مســح ًة واحــد ًة‪ ،‬ثــم غســل رجلــه اليمنــى إىل الكعبــن ثالثًــا‪ ،‬ثــم اليــرى كذلــك‪ ،‬ثــم قــام‬
‫قامئًــا‪ ،‬فقــال‪ :‬ناولنــي‪ ،‬فناولتــه اإلنــاء الــذي فيــه فضــل وضوئــه‪ ،‬ثــم رشب مــن فضــل وضوئــه‬
‫قامئًــا‪ ،‬فعجبــت‪ ،‬فلــا رآين‪ ،‬قــال‪ :‬ال تعجــب‪ ،‬فــإين رأيــت أبــاك النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫يصنــع مثــل مــا رأيتنــي صنعــت‪ ،‬فأحببــت أن أريكــم كيــف كان طهــور النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم» رواه النســايئ وأبــو داود والرتمــذي‪ .‬فهــذا منــوذج للتعليــم العمــي‪ ،‬مــع الــرح والتوضيــح‬
‫والـ َّر ّد عــى التســاؤل‪ ،‬مــع إرشاك الصغــر يف األداء‪.‬‬
‫‪ -‬عــن عمــر بــن أيب ســلمة ريض اللــه عنهــا‪ ،‬وكان يف حجــر رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪،‬‬
‫قــال‪« :‬كنــت غال ًمــا يف حجــر رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬وكانــت يــدي تطيــش يف‬
‫ـم اللــه‪ ،‬وكل بيمينــك‪ ،‬وكل مــا يليــك‪ ،‬فــا زالــت‬ ‫الصحفــة‪ ،‬فقــال يل رســول اللــه‪ :‬يــا غــام‪ ،‬سـ ِّ‬
‫تلــك طعمتــي بعــد» رواه البخــاري ومســلم‪ ،‬تلــك طعمتــي بعــد‪ ،‬أي طريقتــي يف تنــاول الطعــام‪.‬‬
‫وهــذا منــوذج عــى تصحيــح الخطــأ يف األداء والفعــل‪ ،‬أثنــاء أداء العمــل عمل ًّيــا‪ ،‬وجعــل الصغــر‬
‫يص ـ ِّوب خطــأه بنفســه‪ ،‬ويعرفــه‪ ،‬لذلــك كان لــه األثــر يف نفســه‪ ،‬فانتفــع بــه طــوال حياتــه‪.‬‬
‫‪ -‬عــن عمــر بــن أبــان ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬أراين أنــس بــن مالــك ريض اللــه عنــه الوضــوء‪ ،‬أخــذ‬
‫ـب عــى يــده اليمنــى فغســلها ثالثًــا‪ ،‬ثــم أدار الركــوة‬ ‫ركــوة –إنــاء‪ -‬فأدارهــا عــن يســاره‪ ،‬ف ََصـ َّ‬
‫عــى يــده اليمنــى فغســلها ثالثًــا‪ ،‬فمســح برأســه ثالثًــا‪ ،‬وأخــذ مــا ًء جديــدً ا لصام ِخ ـ ِه –أذنــه‪-‬‬
‫فمســح صامخــه‪ ،‬فقلــت‪ :‬قــد مســحت أذنيــك؟ فقــال‪ :‬يــا غــام إنهــا مــن الــرأس‪ ،‬ليــس هــا‬
‫مــن الوجــه‪ ،‬ثــم قــال‪ :‬يــا غــام‪ ،‬هــل رأيــت؟ وهــل فهمــت؟ قــال‪ :‬هكــذا رأيــت رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم يتوضــأ» رواه الط ـراين‪.‬‬
‫‪ -‬وهــذا منــوذج للتعليــم والتوثيــق للمعلومــة‪ ،‬والتَّح ُّقــق مــن مشــاهدة الصغــر لــأداء والــرح‪،‬‬
‫والتأكــد مــن الفهــم واالســتيعاب ملــا ُعـرِض‪ ،‬مــع اإلجابــة عــن الغامــض ومــا يســأل عنــه‪.‬‬
‫ـت مــع معقــل بــن يســار ريض اللــه عنــه يف بعــض الطرقات‪،‬‬ ‫‪ -‬عــن األخــر بــن معاويــة قــال‪« :‬كنـ ُ‬
‫فمررنــا بــأذى‪ ،‬فأماطــه عــن الطريــق‪ ،‬فرأيــت مثلــه‪ ،‬فأخذتــه فنحيتــه‪ ،‬فأخــذ بيــده فقــال‪ :‬يــا ابــن‬
‫أخــي‪ :‬مــا حملــك عــى مــا صنعــت؟ قلــت‪ :‬يــا عــم رأيتــك صنعــت شــيئًا فصنعــت مثلــه‪ ،‬فقــال‪:‬‬

‫‪319‬‬
‫ســمعت رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يقــول‪ :‬مــن أمــاط أذى مــن طريــق املســلمني‪ ،‬كُتــب‬
‫لــه حســنة‪ ،‬ومــن تقبَّلــت منــه حســنة‪ ،‬دخــل الجنــة» رواه الطـراين بإســناد حســن‪ .‬وهــو منــوذج‬
‫للتعليــم بالقــدوة مــع التوثُّــق مــن فهــم الصغــر ملــا يقتــدى فيــه‪ ،‬ثــم تعليمــه بعــد القــدوة‬
‫العمليــة‪ ،‬العلــم النظــري الــذي أ َّدى إىل التطبيــق‪ ،‬ويف هــذا النمــوذج‪ ،‬رسعــة التَّلقــي بالقــدوة‬
‫واســتيعاب العمــل كل ًّيــا بســهولة وتلقائيــة‪ ،‬الســتعداد الصغــر لذلــك وتأثــره بالقــدوة‪ ،‬وفيــه مــا‬
‫كان عليــه املعلمــون مــن صحبــة الصغــر ومخالطتــه حتــى يأخــذ العلــم والعمــل م ًعــا‪.‬‬
‫‪ -‬عــن يزيــد بــن ال ـراء قــال‪« :‬قــال أيب‪ :‬اجتمعــوا‪ ،‬فألريكــم كيــف كان رســول اللــه صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم يتوضــأ‪ ،‬وكيــف كان يصــي‪ ،‬فــإين ال أدري مــا قــدر صحبتــي إياكــم‪ .‬قــال‪ :‬فجمــع‬
‫بنيــه‪ ،‬وأهلــه‪ ،‬ودعــا بوضــوء‪ ،‬فمضمــض واســتنرث وغســل وجهــه ثالثًــا وغســل يــده اليمنــى ثالثًــا‬
‫وغســل هــذه ثالثًــا‪ ،‬يعنــي اليــرى‪ ،‬ثــم قــال‪ :‬هكــذا مــا آلــوت أن أريكــم كيــف كان رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم يتوضــأ‪ ،‬ثــم دخــل بيتــه فصــى صــاة ال نــدري مــا هــي‪ ،‬ثــم خــرج‪ ،‬فأمــر‬
‫ـمعت منــه آيــات مــن يــس‪ ،‬ثــم صــى‬ ‫بالصــاة‪ ،‬فأقيمــت‪ ،‬فصــى بنــا الظهــر‪ ،‬فأحســب أين سـ ُ‬
‫العــر‪ ،‬ثــم صــى املغــرب‪ ،‬ثــم صــى العشــاء‪ ،‬فقــال‪ :‬مــا آلــوت أن أريكــم كيــف كان رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم يتوضــأ‪ ،‬وكيــف كان يصــي» رواه أحمــد ورجالــه ثقــات‪ .‬وهــذا منــوذج‬
‫لليــوم الكامــل‪ ،‬وكأنــه معســكر كشــفي لــكل األرسة للتدريــب واملشــاركة والتعليــم بواســطة معلــم‬
‫صاحــب خــرة وعلــم‪ .‬وفيــه الحــرص عــى تعليــم األهــل الخــر عمل ًّيــا‪ ،‬والعيــش معهــم يو ًمــا‬
‫كامـ ًـا‪.‬‬
‫‪ -‬مــن األمــور التــي يتســاهل فيهــا الوالــدان‪ ،‬أو املعلمــون‪ ،‬الوعــود التــي يقطعونهــا عــى أنفســهم‬
‫للطفــل‪ ،‬وتعتمــد األم أحيانًــا عــى أن الطفــل ينــى مــا ُو ِعــد بــه‪ ،‬ويتلهــى بــيء آخــر‪ ،‬أو لتفاهــة‬
‫وحقــارة الــيء املوعــود لــه عندهــا‪ ،‬والطفــل قــد يتل َّهــى ويغفــل عــن الوعــد‪ ،‬ولكــن تكـرار هــذا‬
‫األمــر عنــده ومعــه‪ ،‬يجعلــه ال يثــق يف أي وعــد بعــد ذلــك‪ ،‬كــا يعـ ِّوده هــو اآلخــر‪ ،‬اتبــاع نفــس‬
‫الســلوك يف معاملتــه لآلخريــن‪ ،‬وكيــف يطلــب مــن طفــل أال يكــذب‪ ،‬أو أن يكــون أمي ًنــا صادقًــا‬
‫يف وعــده‪ ،‬ووالــداه ال يصدقــان معــه؟ ومــن مســاوئ هــذا الســلوك مــع الطفــل‪ ،‬مــا أطلــق عليــه‬

‫‪320‬‬
‫–طفــل إن شــاء اللــه‪ -‬وحكايتــه هــي أن أمــه كانــت تقــول لــه عندمــا تعــده بــيء‪ :‬إن شــاء اللــه‪،‬‬
‫ويتكــرر ذلــك منهــا مــع كل وعــد‪ ،‬وغالبًــا ال تفــي بهــذه الوعــود لــه‪ ،‬فأصبــح الطفــل ال يحــب‬
‫ســاع هــذه الكلمــة‪ ،‬ويقــول ألمــه عندمــا تعــده‪- :‬مــا تقوليــش إن شــاء اللــه‪ -‬ولــو علمــت هــذه‬
‫األم‪ ،‬وغريهــا‪ ،‬منهــج اإلســام يف تربيــة القيــم عنــد األطفــال‪ ،‬وعلمــت مســؤوليتها يف ذلــك‪ ،‬لغــرت‬
‫بالقطــع هــذا الســلوك‪ ،‬فقــد روى عبــد اللــه بــن عامــر ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬دعتنــي أمــي يو ًمــا‪،‬‬
‫ـال أعطــك‪ .‬فقــال لهــا رســول‬ ‫ورســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم قاعــد يف بيتنــا‪ ،‬فقالــت‪ :‬هــا تعـ َ‬
‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬مــا أردت أن تعطيــه؟ قالــت‪ :‬أردت أن أعطيــه مت ـ ًرا‪ ،‬فقــال رســول‬
‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬أمــا إنــك لــو مل تعطيــه شــيئًا كتبــت عليــك كذبــة» رواه أبــو داود‬
‫وأحمــد وابــن أيب الدنيــا‪ .‬فهــذا الســلوك املعتــاد‪ ،‬واملتكــرر يف حيــاة األمهــات‪ ،‬أمــر ليــس بالهـ ِّـن‪ ،‬ال‬
‫عنــد اللــه‪ ،‬وال عنــد الطفــل‪ ،‬فاإلســام يعتــره كذبًــا يكتــب عــى صاحبــه‪ ،‬واإلســام ورســول اإلســام‬
‫ينهــى عــن تربيــة الطفــل عــى هــذا الكــذب يف الوعــد‪ ،‬حتــى ولــو كان الوعــد بتمــرة‪ ،‬ال بــد مــن‬
‫الوفــاء‪ ،‬وال محيــص عــن الصــدق‪ ،‬إن األمــر ال يتعلــق بتمــرة‪ ،‬تعطــى أو متنــع‪ ،‬إن األمــر يتعلــق‬
‫باملبــدأ الــذي يــرىب عليــه الطفــل‪ ،‬وباملنهــج الــذي يســلكه املربُّــون‪.‬‬
‫***‬

‫معاملة الطفل النجيب واملبتكر‬


‫* الوالــدان واملعلمــون‪ ،‬يرغبــون يف أن يكــون الطفــل كائ ًنــا ُم ْسـتَ ْقب ًِل لــكل مــا يَطلبــون‪ ،‬وال يراعون‬
‫أو يدركــون أنــه كائــن إيجــايب نشــط وفعــال‪ ،‬وهــذا األمــر قــد يــؤ ِّدي إىل خنــق ملكــة االبتــكار عند‬
‫الطفــل‪ .‬وعــاد ًة فــإن الطفــل الــذي لديــه إمكانيــات ابتكاريــة‪ ،‬ينشــغل باألنشــطة التــي يهواهــا‪،‬‬
‫فيكــون ذلــك موضــع اعـراض الوالديــن واملعلمــن‪ ،‬ألن هــذه األنشــطة ليســت يف منهــج دراســته‬
‫املدرســية‪ ،‬ويطلقــون عــى مــا يقــوم بــه الطفــل –تضييــع الوقــت‪ -‬وهــذا أيضً ــا مــا يخنــق ويقتــل‬
‫ملكــة االبتــكار عنــد مثــل هــذا الطفــل‪ ،‬كذلــك اإلفـراط يف نقــد مــا يقــوم بــه‪ ،‬أو ينجــزه الطفــل‪،‬‬
‫خــال أنشــطته التــي يهواهــا‪ ،‬والرقابــة الصارمــة‪ ،‬والتعليــات الحــادة للطفــل‪ ،‬يــؤ ِّدي كل ذلــك‬

‫‪321‬‬
‫إىل هــذا الخنــق لالبتــكار عنــد الطفــل‪ .‬وواجــب الوالديــن واملعلمــن‪ ،‬أن يق ـ ِّدروا هــذا الطفــل‬
‫وأمثالــه‪ ،‬وال ينظــرون إىل أنشــطتهم نظــر ًة دونيــة‪ ،‬أو اعتبارهــا عبثًــا‪ ،‬بــل الواجــب مدحهــم عليهــا‪،‬‬
‫وإثابتهــم عــى إنجازاتهــم‪ ،‬كل ذلــك مــا دام الطفــل كان يــؤ ِّدي واجباتــه املدرســية وال يفـ ِّرط فيهــا‪.‬‬
‫‪ -‬قــد يكــون الطفــل ليــس حــاد الــذكاء‪ ،‬ولكنــه غال ًبــا فــوق املتوســط‪ ،‬ويكــون لديــه رصيــد مــن‬
‫املعلومــات عــن نشــاطه االبتــكاري أكــر مــن غــره‪ ،‬ويالحــظ عليــه أنــه يثــر أســئلة جديــدة غــر‬
‫معتــادة‪ ،‬ويقــدم احتــاالت غــر مألوفــة ألمــور قدميــة‪ ،‬ويــرى بعــض األشــياء املألوفــة مــن خــال‬
‫منظــور جديــد‪ ،‬وإنتاجــه يكــون لــه طابــع متم ّيــز ينفــرد هــو بــه‪ ،‬وتكــون تعبرياتــه عــن ذلــك‬
‫بالرســم وبالــكالم‪ ،‬وبالتوهــم والتخيــل لألمــور‪ ،‬وقــد تكــون ابتكاراتــه يف اللعــب وطريقتــه‪ ،‬وعــادة‬
‫بحــب األمــور املع َّقــدة‪ ،‬وال مييــل إىل البســيطة منهــا‪ ،‬ألن األعــال العاديــة ال متثــل للطفــل يف‬
‫هــذه الحالــة‪ ،‬تحديًــا فكريًّــا‪.‬‬
‫‪ -‬الطفــل االبتــكاري تنقــص عنــده املســايرة االجتامعيــة‪ ،‬مــع أنــه ميلــك رو ًحــا مرحــة ومتســامحة‪،‬‬
‫ويكــر مــن الدعابــة‪ ،‬وعــادة مــا يقبــل عــى املخاطــر أكــر مــن غــره‪ ،‬ويكــون تف ّوقــه الذهنــي‬
‫ســب ًبا يف امليــل إىل العزلــة واالبتعــاد عــن األقـران‪ ،‬وقــد يــؤدي إىل تكاســله وعــدم القيــام ببعــض‬
‫األعــال املطلوبــة منــه‪ ،‬لعــدم قناعتــه بهــا فكريًّــا‪ ،‬وواجــب الوالديــن واملعلمــن‪ ،‬التفاهــم معــه‬
‫ـض مــن شــأنه‪ .‬ومــن الحكايــات‬ ‫باإلقنــاع واملناقشــة‪ ،‬واح ـرام رأيــه ومناقشــة أفــكاره وعــدم الغـ ّ‬
‫النافعــة يف هــذا الشــأن‪ :‬أن أحــد املســؤولني يف إحــدى إدارات املــدن الكــرى‪ ،‬كان قــد تأ ّخــر عــن‬
‫بيتــه يــوم حفــل أقامــه األهــل‪ ،‬وبعــد انتظــار لــه‪ ،‬وعندمــا حــر متأخ ـ ًرا ســأله ابنــه الصغــر‬
‫عــن ســبب تأ ُّخــره‪ ،‬فأخــره والــده أن الســبب هــو املشــكلة التــي كانــت تناقــش يف االجتــاع‪،‬‬
‫حيــث إن األطنــان الكثــرة مــن فــوارغ –األيــس كريــم‪ -‬التــي يحبهــا أهــل املدينــة ال يجــدون لهــا‬
‫ترصي ًفــا‪ ،‬وعــى الفــور قــال لــه الطفــل الصغــر‪ :‬وليــه يــا بابــا مــش بتاكلهــا النــاس –وكان هــذا‬
‫الســؤال ســب ًبا يف حــل هــذه املشــكلة‪ ،‬حيــث بــدأ يفكــر هــذا املســؤول يف طريقــة يــأكل بهــا‬
‫النــاس هــذه الفــوارغ‪ ،‬فص ِّنعــت الفــوارغ مــن البســكويت‪ ،‬وأكلهــا النــاس‪.‬‬
‫‪ -‬قــد يكــون التف ـ ّوق الــدرايس مصــد ًرا للمتاعــب مــن األق ـران‪ ،‬ألن املعلمــن يظهــرون إعجابهــم‬

‫‪322‬‬
‫الشــديد للطفــل املتفــوق‪ ،‬فيصبــح لذلــك موضــع الحســد والغــرة مــن األق ـران‪ .‬واملعلمــون يف‬
‫هــذه الحالــة‪ ،‬يجــب عليهــم تشــجيع الطفــل بصــورة ال تثــر حافظــة اآلخريــن‪ ،‬ومــن ناحيــة‬
‫أخــرى‪ ،‬يجــب عليهــم تفهيــم الطفــل املتف ـ ِّوق لألمــر حتــى يتقبــل ترصفاتهــم وال يأخــذ موق ًفــا‬
‫مضــا ًدا لألق ـران‪.‬‬
‫‪ -‬قــد يكــون شــديد الــذكاء ليــس مبتكـ ًرا وال مبد ًعــا‪ ،‬ولكنــه يت ّفــوق يف التحصيــل العلمــي ويتقــدم‬
‫عــى األقــران يف ذلــك‪ ،‬مــا يجعــل اآلبــاء واملعلمــن يفضلونــه عــى الطفــل املبتكــر‪ ،‬والــذي‬
‫ال يحــرر تف ّوقًــا دراس ـ ًّيا‪ ،‬وهــذا مــا يســبب اإلحبــاط للطفــل املبتكــر والــذي يهمــل املعلمــون‬
‫واآلبــاء تف ّوقــه االبتــكاري‪.‬‬
‫‪ -‬روى الب ـ َّزار بســند رجالــه رجــال الصحيــح قــال‪« :‬كان غــام باملدينــة يكنــى أبــا مصعــب‪ ،‬فــأىت‬
‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم وبــن يديــه ســنبل‪ ،‬ففــرك ســنبلة‪ ،‬ثــم نفخهــا‪ ،‬ثــم دفعهــا إليــه‪،‬‬
‫فأكلهــا‪ ،‬وكانــت األنصــار تعــر مــن يــأكل فريكــة الســنبل‪ ،‬فلــا دفعهــا النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫ـت‬‫وســلم إليــه مل ير ّدهــا عليــه‪ ،‬قــال أبــو مصعــب‪ :‬ثــم قمــت مــن عنــده غــر بعيــد‪ ،‬ثــم رجعـ ُ‬
‫إليــه فقلــت‪ :‬يــا رســول اللــه‪ ،‬ادع اللــه يل أن يجعلنــي معــك يف الجنــة‪ ،‬قــال‪ :‬مــن علمــك هــذا؟‬
‫قلــت‪ :‬ال أحــد‪ ،‬قــال‪ :‬أفعــل‪ ،‬فلــا وليــت دعــاين قــال‪ :‬أع ِّنــي عــى نفســك بكــرة الســجود‪ .‬فأتيــت‬
‫أمــي‪ ،‬فســألتني‪ ،‬فقلــت‪ :‬كنــت عنــد النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فــأىت بســنبل‪ ،‬ففــرك منــه‬
‫ســنبلة بيديــه املباركتــن‪ ،‬ثــم نفخــه بريقــه املبــارك‪ ،‬ثــم دفعهــا إ َّيل فكرهــت أن أر ّده‪ ،‬فقالــت‪:‬‬
‫أحســنت‪ ،‬ثــم أتيتــه فدعــا يل» فهــذا منــوذج لطفــل عقلــه فــوق ســنه‪ ،‬فعاملــه النبــي صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم معاملــة تليــق بقــدر عقلــه وإدراكــه‪ ،‬وأوصــاه بوصايــا عظيمــة اهتام ًمــا بــه‪ ،‬ووعــده‬
‫بتحقيــق طلبــه‪ ،‬وهــذه أمــه وقــد أدركــت مــن قبــل نباهتــه وفطانتــه‪ ،‬تســأله وتناقشــه وتوجهــه‬
‫وتص ـ ِّوب ســلوكه‪ ،‬فيــا ليــت أمهــات أطفالنــا وآباءهــم‪ ،‬يتعاهــدون األبنــاء الصغــار مبثــل هــذا‬
‫الســلوك الــذي فعلتــه تلــك الصحابيــة ريض اللــه عنهــا مــع طفلهــا بعــد حضــوره مــن مجلــس‬
‫العلــم‪ ،‬فيكــون جميـ ًـا أن يســأل الوالــدان ابنهــا الصغــر‪ ،‬كل يــوم عــا كان يف يــوم مدرســته‪،‬‬
‫فتواصــل محــل العلــم والتعلــم مــع البيــت‪ ،‬وتشــارك املعلمــن مــع الوالديــن يف عمليــة التعليــم‬

‫‪323‬‬
‫والرتبيــة‪ ،‬واجــب الجميــع‪ .‬ومبثــل هــذا ينبــغ النجبــاء مــن األطفــال‪.‬‬
‫وقريــب مــن هــذه القصــة مــا رواه مصعــب األســلمي ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬انطلــق غــام منــا‬
‫ـؤال؟ قــال‪ :‬مــا هــو؟ قــال‪ :‬أســألك أن‬ ‫فــأىت النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬إين ســائلك سـ ً‬
‫تجعلنــي ممــن تشــفع لــه يــوم القيامــة‪ ،‬قــال‪ :‬مــن دلــك عــى هــذا؟ قــال‪ :‬مــا أمــرين بــه أحــد‬
‫إال نفــي‪ ،‬قــال‪ :‬فإنــك ممــن أشــفع لــه يــوم القيامــة» رواه الط ـراين ورجالــه رجــال الصحيــح‪.‬‬
‫وال يخفــى مــن القصتــن مــا كان عليــه أطفــال تلــك الحقبــة مــن تاريــخ املســلمني‪ ،‬ومــا كانــت‬
‫اهتاممــات أطفالهــم‪ ،‬وكيــف كان يعاملهــم الكبــار‪.‬‬
‫روى الطـراين قــال‪« :‬جــاء غــام إىل النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬إين أريــد هــذه الناحيــة‬
‫للحــج‪ .‬قــال‪ :‬فمــى معــه النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فرفــع رأســه إليــه فقــال‪ :‬يــا غــام‪:‬‬
‫زودك اللــه التقــوى‪ ،‬ووجهــك يف الخــر‪ ،‬وكفــاك الهــم‪ .‬فلــا رجــع سـلّم عــى النبــي صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم‪ ،‬فرفــع رأســه إليــه فقــال‪ :‬قبــل اللــه حجــك‪ ،‬وكفــر ذنبــك‪ ،‬وأخلــف نفقتــك»‪ ،‬فهــذا‬
‫منــوذج رائــع ملعاملــة الصغــر النابــغ واالهتــام لــه فالنبــي صــى اللــه عليــه وســلم ميــي معــه‬
‫فيودعــه ويوصيــه ويدعــو لــه‪ ،‬والطفــل النجيــب يرجــع مــن حجــه إىل النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم‪ ،‬مثــل الجنــدي الــذي أدى املهمــة فريجــع إىل قائــده ليخــره عــن الخــر‪ ،‬والنبــي صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم يرفــع لــه الــرأس ويدعــو لــه ويبــارك جهــده وعملــه‪.‬‬
‫***‬

‫‪324‬‬
‫ة‬ ‫لش ة‬
‫ا ع �ر� الط ي� ب��‬ ‫‪8‬‬
‫[مع األوالد وتربيتهم]‬
‫الطفل والعبادات ومسؤولية الوالدين واملعلمني‬
‫* مسؤولية الوالدين الدينية نحو الطفل‪.‬‬
‫* ختان الطفل والطفلة‪.‬‬
‫* الطهارة من بول الطفل‪.‬‬
‫* كيف يصبح الطفل متدي ًنا‪ ،‬الطريقة العملية لذلك‪.‬‬
‫* عقيدة اإلميان عند الطفل‪.‬‬
‫* الطفل والصالة‪.‬‬
‫* الطفل والصيام‪.‬‬
‫* الطفل والحج‪.‬‬
‫* الطفل والدفاع عن وطنه ودينه‪.‬‬
‫* بعض األحكام التي تتعلق بالصغري‪.‬‬
‫* الطفل وبر الوالدين‪ ،‬وعقوق الطفل لوالديه‪.‬‬
‫* الطفل وصلة الرحم‪.‬‬
‫* الطفل وال ُّرقى‪.‬‬
‫* الطفل واملوت‪ ،‬وثواب من مات له ولده‪.‬‬
‫* بعض اآلداب مع الطفل‪.‬‬

‫‪325‬‬
‫مسؤولية الوالدين الدينية حنو الطفل‬

‫* مســؤولية الوالديــن واملربــن‪ ،‬عــن تعليــم الطفــل أمــور الديــن وتدريبــه وتعويــده عــى‬
‫العبــادات‪ ،‬واجــب رشعــي‪ ،‬ورضورة تربويــة‪ ،‬وهــي مســؤولية كاملــة عليهــم‪ .‬ليــس عــى الصغــر‪،‬‬
‫مــا دام صغــ ًرا‪ ،‬أيــة مســؤولية يف هــذا الشــأن‪ .‬قــال اللــه تعــاىل‪{ :‬يَــا أَيُّ َهــا ال َِّذيــ َن َآ َم ُنــوا قُــوا‬
‫اصطَـ ِ ْ‬
‫ـر َعلَيْ َهــا}‬ ‫ِالصـ َـا ِة َو ْ‬‫أَنْف َُس ـ ُك ْم َوأَ ْهلِي ُك ـ ْم نَــا ًرا} [التحريــم‪ .]6 :‬وقــال تعــاىل‪َ { :‬وأْ ُم ـ ْر أَ ْهلَـ َـك ب َّ‬
‫[طــه‪ .]132 :‬ويقــول الرســول صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬كلكــم راعٍ‪ ،‬وكلكــم مســؤول عــن رعيتــه‪،‬‬
‫اإلمــام راع ومســؤول عــن رعيتــه‪ ،‬والرجــل راع يف أهلــه ومســؤول عــن رعيتــه‪ ،‬واملــرأة راعيــة يف‬
‫بيــت زوجهــا ومســؤولة عــن رعيتهــا» رواه البخــاري ومســلم‪ .‬وهــي كســائر الواجبــات الرشعيــة‬
‫مــن أ َّداهــا يثــاب عليهــا‪ ،‬ومــن تركهــا عوقــب عليهــا‪ .‬وعــن أنــس ريض اللــه عنــه عــن النبــي صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬املولــود حتــى يبلــغ ال ِح ْنــث‪ ،‬مــا عمــل مــن حســنة كُتبــت لوالديــه‪ ،‬ومــا‬
‫عمــل مــن ســيئة مل تكتــب عليــه وال عــى والديــه‪ ،‬فــإذا بلــغ الحنــث جــرى عليــه القلــم» رواه‬
‫أحمــد وأبــو يعــى‪ .‬والحنــث هــو اإلثــم‪ .‬وبلــوغ الحنــث‪ :‬أي حتــى يبلــغ ســن البلــوغ الرشعــي‪،‬‬
‫وجــرى عليــه القلــم‪ ،‬أي كتــب عليــه عملــه مــن اإلثــم‪ .‬والســيئة التــي ال تكتــب عــى والديــه‪،‬‬
‫هــي التــي مل يرشــده إليهــا ويحــذره منهــا‪ ،‬وفعلهــا مــن عنــد نفســه‪ .‬وعــن عــي بــن أيب طالــب‬
‫ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ُ « :‬رفــع القلــم عــن ثالثــة‪ :‬عــن‬
‫النائــم حتــى يســتيقظ‪ ،‬وعــن الصبــي حتــى يحتلــم‪ ،‬وعــن املجنــون حتــى يفيــق» رواه الرتمــذي‬
‫والنســايئ وأبــو داود‪ .‬وقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬مــا مــن مولــود إال يولــد عــى‬
‫ينصانــه‪ ،‬أو مي ِّجســانه» رواه البخــاري ومســلم‪.‬‬ ‫الفطــرة‪ ،‬فأبــواه يه ِّودانــه‪ ،‬أو ِّ‬
‫‪ -‬عــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬إن اللــه عــز‬
‫وجــل لريفــع الدرجــة للعبــد الصالــح يف الجنــة‪ ،‬فيقــول‪ :‬يــا رب َّأن يل هــذه؟ فيقــول‪ :‬باســتغفار‬
‫ولــدك لــك» رواه أحمــد والبـزار والطـراين يف معجمــه األوســط ورجالهــم رجــال الصحيــح‪ .‬فهنيئًــا‬
‫ملثــل هــذا الوالــد أو الوالــدة‪ ،‬بهــذا االبــن الــذي ربَّيــاه عــى الديــن والــر‪ .‬وعن أيب ســعيد ال ُخـ ْدر ِِّي‬

‫‪326‬‬
‫ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬يتبــع الرجــل يــوم القيامــة مــن‬
‫الحســنات أمثــال الجبــال فيقــول‪ّ :‬أن هــذا؟ فيقــال‪ :‬باســتغفار ولــدك لــك» رواه الطـراين ورجالــه‬
‫ثقــات‪ .‬وقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬أربعــة تجــري عليهــم أجورهــم بعــد املــوت‪:‬‬
‫رجــل مــات مرابطًــا يف ســبيل اللــه‪ ،‬ورجــل علــم علـ ًـا فأجـ ُر ُه يجــري عليــه مــا ُعمــل بــه‪ ،‬ورجــل‬
‫أجــرى صدقــة فأجرهــا لــه مــا َجـ َرت‪ ،‬ورجــل تــرك ولــدً ا صال ًحــا يدعــو لــه» رواه أحمــد والطـراين‬
‫والبزار‪.‬‬
‫وعــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬مــن دعــا إىل هــدى‬
‫كان لــه مــن األجــر مثــل أجــور مــن تبعــه ال ينقــص ذلــك مــن أجورهــم شــي ًئا‪ ،‬ومــن دعــا إىل‬
‫ضاللــة كان عليــه مــن اإلثــم مثــل آثــام مــن تبعــه ال ينقــص مــن آثامهــم شــي ًئا» رواه مســلم‬
‫وأبــو داود والرتمــذي وابــن ماجــة‪ .‬وقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬إن اللــه عــز‬
‫وجــل لريفــع ذريــة املؤمــن إليــه يف درجتــه‪ ،‬وإن كانــوا دونــه يف العمــل‪ ،‬لتق ـ َّر بهــم عينــه‪ ،‬ثــم‬
‫ـم‬ ‫ـم َو َمــا أَلَ ْت َنا ُهـ ْ‬
‫ـم ِمـ ْن َع َملِ ِهـ ْ‬ ‫ـم ِبإِميَــانٍ أَلْ َح ْق َنــا ِب ِهـ ْ‬
‫ـم ُذ ِّريَّ َت ُهـ ْ‬ ‫قــرأ { َوالَّ ِذيـ َن آَ َم ُنــوا َواتَّ َب َع ْت ُهـ ْ‬
‫ـم ُذ ِّريَّ ُت ُهـ ْ‬
‫ـب َر ِهـ ٌن} قــال‪ :‬ومــا نقصنــا اآلبــاء مبــا أعطينــا البنــن» رواه البـزار‬ ‫ش ٍء ك ُُّل ا ْمـرِئٍ بِ َــا ك ََسـ َ‬ ‫ِمـ ْن َ ْ‬
‫والط ـراين‪.‬‬
‫‪ -‬عــن عبــد اللــه بــن مســعود ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬ســمعت رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫يقــول‪« :‬إنــه يكــون للوالديــن عــى ولدهــا ديــن‪ ،‬فــإذا كان يــوم القيامــة‪ ،‬يتعلّقــان بــه‪ ،‬فيقــول‪:‬‬
‫أنــا ولدكــا؟! فيــو َّدان‪ ،‬أو يتمنيــان‪ ،‬لــو كان أكــر مــن ذلــك» رواه الط ـراين‪ .‬وعــن عمــرو بــن‬
‫األحــوص ريض اللــه عنــه «أن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال يف خطبــة الــوداع‪ :‬أال ال يجنــي‬
‫جــانٍ إال عــى نفســه‪ ،‬وال يجنــي والــد عــى ولــده‪ ،‬وال يجنــي ولــد عــى ولــده» رواه الرتمــذي‬
‫ـاس اتَّ ُقــوا َربَّ ُك ـ ْم َوا ْخشَ ـ ْوا‬ ‫وقــال‪ :‬حديــث حســن صحيــح‪ .‬ويقــول اللــه عــز وجــل‪{ :‬يَــا أَيُّ َهــا ال َّنـ ُ‬
‫يَ ْو ًمــا َل يَ ْجـزِي َوالِـ ٌد َعـ ْن َولَـ ِـد ِه َولَ َم ْولُــو ٌد ُهـ َو َجــا ٍز َعـ ْن َوالِـ ِـد ِه شَ ـ ْيئًا} [لقــان‪ .]33 :‬ولقــد اشــت َّد‬
‫األمــر عــى الصحــايب أيب قرصافــة ريض اللــه عنــه عندمــا أرست الــروم اب ًنــا لــه «فــكان أبــو قرصافــة‬

‫‪327‬‬
‫إذا حــر وقــت كل صــاة‪ ،‬صعــد ســور عســقالن ونــادى‪ :‬يــا فــان‪ ،‬الصــاة‪ ،‬فيســمعه وهــو يف بلــد‬
‫الــروم» رواه الطـراين ورجالــه ثقــات‪ .‬وعســقالن‪ :‬مدينــة بالشــام‪.‬‬
‫‪ -‬وقــد تكــون معصيــة الطفــل اقتــداء بالكبــار وتقليدهــم‪ ،‬وأن يشـبُّوا عــى التعــود عــى رؤيتــه‬
‫العصيــة والتهويــن مــن شــأنها‪ ،‬أو لعــدم نهــي الصغــر عــن إتيانهــا‪ ،‬أو تركهــا متــارس يف البيــت‬
‫دون التعريــف بهــا وإنكارهــا‪ .‬روى أبــو داود عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم بســنده «مــن‬
‫ســقي الخمـ َر صغـ ًرا‪ ،‬ال يعــرف حاللــه مــن حرامــه‪ ،‬كان ح ًّقــا عــى اللــه أن يســقي ســاقيه مــن‬
‫طينــة الخبــال» وطينــة الخبــال‪ :‬عصــارة قــيء أهــل النــار‪.‬‬
‫***‬
‫ختان الطفل والطفلة واجب أم سنة؟‬
‫* مــن مســؤوليات الوالديــن نحــو الطفــل بعــد والدتــه‪ ،‬اختيــار اســم حســن لــه‪ ،‬واألذان يف أذنيــه‪،‬‬
‫وحلــق شــعره ودهنــه بالطيــب‪ ،‬وذبــح عقيقتــه يــوم ســابعه‪ ،‬وتحنيكــه بتمــرة مختلطــة بريــق‬
‫أحــد الصالحــن‪ ،‬وســبق كل ذلــك بدالئلــه يف الفصــل الثالــث‪ .‬ويبقــى الحديــث عــن ختــان الطفل‪.‬‬
‫قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬الفطــرة خمــس‪ ،‬أو خمــس مــن الفطــرة‪ :‬الختــان‪،‬‬
‫واالســتحداد‪ ،‬وتقليــم األظافــر‪ ،‬ونتــف اإلبــط‪ ،‬وقــص الشــارب» رواه البخــاري ومســلم‪.‬‬
‫ـووي يف رشح صحيــح مســلم‪ :‬الختــان واجــب عنــد الشــافعي وكثــر مــن العلــاء‪،‬‬ ‫‪ -‬قــال اإلمــام النـ ُّ‬
‫وسـ ّنة عنــد مالــك وأكــر العلــاء‪ .‬وهــو عنــد الشــافعي واجــب عــى الرجــال والنســاء جمي ًعــا‪ .‬ثــم‬
‫إن الواجــب يف الرجــال أن يقطــع جميــع الجلــدة التــي تغطــي الحشــفة حتــى تنكشــف جميــع‬
‫الخشــفة‪ ،‬ويف املــرأة يجــب قطــع أدىن جــزء مــن الجلــدة التــي يف أعــى الفــرج ‪ ...‬انتهــى كالم‬
‫النــووي‪.‬‬
‫وروى أبــو داود عــن أم عطيــة ريض اللــه عنهــا «أن امــرأة كانــت تخــن النســاء يف املدينــة‪ ،‬فقــال‬
‫لهــا رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬ال تنهــي‪ ،‬فــإن ذلــك أحظــى للمــرأة وأحــب للبعــل»‬
‫والنهــك‪ :‬املبالغــة يف القطــع‪ .‬ومــن الســنة إطعــام الطعــام عنــد ختــان الطفــل‪ ،‬ويســمى‪ :‬اإلعــذار‪.‬‬
‫فاإلســام يحــض عــى إطعــام الطعــام يف املناســبات‪ ،‬كالوليمــة للعــرس‪ ،‬والعقيقــة للمولــود‪،‬‬
‫واإلمــاك لعقــد الــزواج‪ ،‬والخـ ْرس ليــوم الــوالدة‪ ،‬والنقيعــة لقــدوم املســافر‪ ،‬والوكــرة لبنــاء لبيــت‪،‬‬
‫والحذيقــة عنــد ختــم القــرآن أو االنتهــاء مــن مرحلــة تعليــم‪ ،‬والوضيمــة عنــد املصيبــة‪.‬‬
‫‪328‬‬
‫الطهارة من بول الطفل‪ ،‬ومس فرجه‬
‫* بــول الطفــل الصغــر نجــس‪ ،‬ذكـ ًرا كان أو أنثــى‪ ،‬ولكــن هنــاك خــاف يف كيفيــة طهــارة الــيء‬
‫الــذي بــال عليــه الطفــل الذكــر‪ .‬فالجمهــور مــن العلــاء عــى أن بــول الذكــر الــذي مل يــأكل‬
‫الطعــام بع ـ ُد عــى جهــة التغذيــة‪ ،‬وال ي ـزال يرضــع‪ ،‬أنــه يكفــي فيــه نضــح املــكان الــذي لحقــه‬
‫البــول باملــاء‪ ،‬وال يجــب غســله‪ ،‬والنضــح هــو غمــر املــكان الــذي لحقــه البــول باملــاء فقــط‪ ،‬وال‬
‫يحتــاج لعــره‪ ،‬والفــرق بــن النضــح والغســل‪ ،‬أن املــاء يوضــع عــى البــول وال يعــر‪ ،‬والغســل‬
‫يعــر فيــه املــاء‪ ،‬فالنضــح يوضــع عليــه املــاء بحيــث ال يتقاطــر منــه املــاء‪ .‬ومالــك وأبــو حنيفــة‬
‫ال يفرقــان بــن بــول الذكــر واألنثــى‪ ،‬ويجــب عندهــا الغســل للجميــع‪ ،‬وال يأخــذان بالتخفيــف‬
‫الــوارد يف الذكــر‪ .‬عــن أم قيــس بنــت محصــن ريض اللــه عنهــا أنهــا «أتــت بابــن لهــا صغــر‪ ،‬مل‬
‫يــأكل الطعــام إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فأجلســه رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم يف حجــره‪ ،‬فبــال عــى ثوبــه‪ ،‬فدعــا مبــاء‪ ،‬فنضحــه ومل يغســله» رواه البخــاري ومســلم‪،‬‬
‫وعــن لبابــة بنــت الحــارث ريض اللــه عنهــا قالــت‪« :‬كان الحســن بــن عــي يف حجــر النبــي صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فبــال عــى ثوبــه‪ ،‬فقلــت‪ :‬يــا رســول اللــه‪ ،‬البــس ثوبًــا وأعطنــي إزارك حتــى‬
‫أغســله‪ ،‬قــال‪ :‬إمنــا يغســل مــن بــول األنثــى‪ ،‬وينضــح مــن بــول الذكــر» رواه أبــو داود‪.‬‬
‫‪ -‬مــا تتســاهل فيــه كثــر مــن النســاء‪ ،‬عنــد غســل األطفــال‪ ،‬أو مســاعدتهم يف االغتســال‪ ،‬مــس‬
‫فــرج الطفــل أو الطفلــة‪ ،‬مــن القبــل‪ ،‬أو الدبــر‪ ،‬ثــم تقــوم إىل الصــاة دون وضــوء‪ ،‬ومــس فــرج‬
‫اآلدمــي مــن نواقــض الوضــوء‪ ،‬إذا كان املــس بباطــن الكــف‪ ،‬أمــا بغــر باطــن الكــف فــا ينقــض‪،‬‬
‫وعنــد اإلمــام أحمــد تنتقــض الطهــارة باملــس بباطــن الكــف وظاهــره‪ ،‬إلطــاق املــس يف األحاديث‪.‬‬
‫مثــل حديــث بُــرة بنــت صفــوان ريض اللــه عنهــا قالــت‪« :‬ســمعت رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫ـس ذكــره فليتوضــأ» رواه مالــك والشــافعي والرتمــذي وصححــه‪ ،‬وابــن حبــان‬ ‫وســلم يقــول‪ :‬مــن مـ َّ‬
‫وصححــه‪ ،‬وغريهــم‪ ،‬وعنــد اإلمــام أيب حنيفــة‪ ،‬ال ينتقــض الوضــوء مبــس الفــرج‪ ،‬وللخــروج مــن هذا‬
‫الحــرج ميكــن لألمهــات وضــع حائــل مــن قــاش عنــد مبــارشة تغيــر مالبــس الرضيــع أو غســله‬
‫ويف حالــة وضوئهــا‪ ،‬ألن مــس فــرج الصغــر واملولــود كالكبــر ســواء يف هــذا الحكــم‪.‬‬
‫‪ -‬وكذلــك مــا يتســاهل فيــه بعــض النــاس‪ :‬النظــر إىل العــورة‪ ،‬وخاصــة عــورة األطفــال‪ ،‬وهــي‬

‫‪329‬‬
‫عــورات يجــب التحفــظ بشــأنها كســائر العــورات إال للحاجــة‪ ،‬كاملســاعدة مــع التحفــظ الواجــب‪،‬‬
‫أو التطبيــب وغــره‪ .‬ويحــرم يف ذلــك النظــر إىل عــورة الرجــل مــن الرجــل أو مــن املــرأة‪ ،‬ســوى‬
‫الزوجــن‪ ،‬وكذلــك عــورة املــرأة محرمــة عــى املــرأة‪ ،‬وحتــى بــن األم واالبنــة واألخــت وغريه ـ ّن‪.‬‬
‫وعــورة الرجــل مــع الرجــل مــا بــن الــرة والركبــة‪ ،‬وكذلــك املــرأة مــع املــرأة‪ ،‬ال يحــل النظــر‬
‫مــا بــن الــرة والركبــة‪ ،‬مــا مل تكــن هنــاك حاجــة تســتدعي النظــر‪ .‬ولذلــك يجــب عــى األمهــات‬
‫تعويــد الطفــل االغتســال منفــر ًدا متــى أمكنــه ذلــك‪ ،‬ولفــت نظــره دامئًــا بحفــظ عورتــه مــن‬
‫االنكشــاف أمــام الغــر‪ .‬وعــن أيب ســعيد الخــدري ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬إن رســول اللــه صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم قــال‪ :‬ال ينظــر الرجــل إىل عــورة الرجــل‪ ،‬وال املــرأة إىل عــورة املــرأة‪ ،‬وال يفــي‬
‫الرجــل إىل الرجــل يف ثــوب واحــد‪ ،‬وال تفــي املــرأة إىل املــرأة يف الثــوب الواحــد» رواه مســلم‪.‬‬
‫قــال النــووي يف رشح مســلم‪ :‬وهــذا التحريــم يف النظــر إىل العــورة ال خــاف فيــه وهــو ح ـرام‬
‫باإلجــاع‪ .‬وعــن زينــب بنــت أيب ســلمة‪ ،‬وكانــت ريض اللــه عنهــا تــرىب يف حجــر النبــي صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم قالــت‪« :‬دخلــت عــى رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم وهــو يغتســل‪ ،‬فأخــذ‬
‫حفنــة مــن مــاء فــرب بهــا وجهــي وقــال‪ :‬وراءك أي لُ ـكَاع» رواه الط ـراين وإســناده حســن‪،‬‬
‫وفيــه منــع الصغــار مــن رؤيــة عــورة الكبــار‪ ،‬وعــن عبــد اللــه بــن عامــر بــن ربيعــة عــن أبيــه‬
‫ـب بعضنــا عــى بعــض‪ ،‬فقــال‪ :‬أتغتســلون وال‬ ‫قــال‪« :‬أىت علينــا ‪-‬أي أبوهــم‪ -‬ونحــن نغتســل يصـ ّ‬
‫تســترتون؟ واللــه إين ألخــى أن تكونــوا خلــف الــر‪ ،‬يعنــي الخلــف الــذي يكــون فيهــم الــر»‬
‫رواه الط ـراين ورجالــه موثقــون‪.‬‬
‫***‬
‫كيف يصبح الطفل متدينًا بالدين احلنيف؟‬
‫* إن الطفــل الــذي ينشــأ يف بيــت مــن بيــوت املســلمني‪ ،‬فتتفتــح أذنــاه وعينــاه مــن صغــره عــى‬
‫أبويــن وأهــل يعظمــون أمــر دينهــم‪ ،‬فيحافظــون عــى الصلــوات يف أوقاتهــا‪ ،‬ويســتعدون للصــاة‬
‫بالوضــوء لهــا‪ ،‬ويف البيــت يُ َعظَّــم كتــاب اللــه‪ ،‬ويســمع ويقــرأ كل يــوم‪ ،‬ويف كل األعــال التــي‬
‫تــؤدى يف البيــت تحــرم فيهــا آداب اإلســام وتعاليمــه‪ ،‬ويحافــظ فيــه عــى ســنة النبــي صــى اللــه‬

‫‪330‬‬
‫عليــه وســلم‪ ،‬فعنــد تنــاول الطعــام يذكــر اســم اللــه‪ ،‬وعنــد انتهــاء الطعــام يحمــد عليــه اللــه‪،‬‬
‫وعنــد دخــول البيــت‪ ،‬أو الخــروج منــه يســمع فيــه الســام وتحيــة اإلســام‪ ،‬وعنــد االســتيقاظ مــن‬
‫النــوم‪ ،‬أو عنــد النــوم يســمع فيــه األدعيــة املأثــورة يف ذلــك عــن رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم‪ ،‬وعنــد العطــاس يُش ـ َّمت فيــه العاطــس بعــد أن يحمــد اللــه فيدعــو ملــن شــمته‪ ،‬وعنــد‬
‫املــرض يُســرقى باألدعيــة مــع ذكــر اللــه عنــد تنــاول األدويــة‪ ،‬وعندمــا يحلــف أحــد فيحلــف‬
‫باللــه العظيــم‪ ،‬وكلــا رأى أحــد شــيئًا أعجبــه قــال مــا شــاء اللــه‪ ،‬وكلــا ذكــرت نعمــة يحمــد‬
‫عليهــا اللــه تعــاىل ويشــكر‪ ،‬وعندمــا يضيــق أمــر بالبيــت أو تعــرض مشــكلة يلجــأ إىل اللــه تعــاىل‬
‫ويتــرع أهــل البيــت إليــه‪ ،‬وكلــا جــاءت أشــهر العبــادات كرمضــان وأشــهر الحــج اهتــم لهــا‬
‫وبهــا أهــل البيــت وحرصــوا فيهــا عــى العبــادة وذكرهــا‪ ،‬وكلــا جــاءت أيــام الصــوم صــام َمـ ْن يف‬
‫البيــت‪ ،‬وكلــا أخطــأ أحــد اســتغفر اللــه وعظَّــم مــن أمــر الذنــب‪ ،‬وكلــا دخــل ضيــف أُكــرم يف‬
‫البيــت‪ ،‬وكل يــوم جمعــة اهتــم أهــل البيــت بأمــر الصــاة وســننها وآدابهــا‪ ،‬وكلــا ذُكــرت النــار‬
‫اســتعيذ منهــا‪ ،‬وكلــا ذُكــرت الجنــة اشــتاق أهــل البيــت لهــا وطلبوهــا مــن ربهــم‪ ،‬وكلــا ذكــر‬
‫املــوت واآلخــرة‪ ،‬عظــم أهــل البيــت مــن قربــه والعمــل للنجــاة بعــده‪ ،‬وكلــا وقــع مــن أحــد‬
‫ظلـ ٌم خــاف مــن عاقبتــه‪ ،‬وهكــذا بالليــل والنهــار‪ ،‬واألســابيع واألشــهر والســنون‪ ،‬يســمع الطفــل‬
‫ويــرى ويتعلــم ويحــايك حتــى يعظــم عنــده أمــر ديــن اللــه‪ ،‬ويصبــح قلبــه وقــد أُرشب حــب اللــه‪،‬‬
‫والجنــة‪ ،‬وحــب الخــر واملؤمنــن والعمــل الصالــح‪.‬‬
‫‪ -‬واألســلوب العمــي يف ذلــك هــو بالقــدوة أولً يف كل أمور الديــن‪ ،‬يراها الطفــل فيحبها ويحب أن‬
‫يعمــل مثلهــا‪ ،‬ثــم بالحديــث الدائــم‪ ،‬وباألســلوب واأللفــاظ التــي تناســب عقــل الطفــل‪ ،‬عــن اللــه‬
‫واملالئكــة واليــوم اآلخــر‪ ،‬والجنــة والنــار‪ ،‬وعــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم وجهــاده ودعوتــه‬
‫وخلقــه وســننه وســرته‪ ،‬وعــن أصحابــه وتاريخهــم ومــا قامــوا بــه مــن الفتوحــات اإلســامية‬
‫والعــدل بــن النــاس‪ ،‬وشــيوع الخــر والربكــة يف البــاد‪ ،‬واألمــن للعبــاد‪ ،‬وعــن العلــم واإلســام‬
‫وأنــه يقــوم عــى العلــم واألخــذ باألســباب‪ ،‬وحديثهــم عــن صلــة األرحــام وحقــوق املســلم عــى‬
‫املســلم‪ ،‬وحــق الوالديــن واألقــارب والجـران وعمــوم املســلمني‪ .‬ورشح مــا يقرؤونــه مــن كتــب يف‬
‫ذلــك‪ ،‬والــر ّد عــى أســئلة األطفــال كلهــا عــن هــذه األمــور‪.‬‬

‫‪331‬‬
‫‪ -‬ومــن األســاليب العمليــة أيضً ــا‪ ،‬تذكــر األطفــال باللــه عنــد كل حــدث‪ ،‬وبــأن اللــه يــرى ويســمع‪،‬‬
‫فــإذا كــذب الطفــل مثـ ًـا نقــول لــه‪ :‬اللــه يعلــم الــذي يكــذب وال يحبــه‪ ،‬وأن اللــه يحــب الــذي‬
‫ال يكــذب‪ ،‬ويحــب الصادقــن‪ ،‬ويعطيهــم يف الدنيــا الصحــة واملــال والــرور‪ ،‬ويف اآلخــرة يدخلهــم‬
‫الجنــة‪ ،‬وأن الــذي يكــذب عــى والديــه‪ ،‬وعــى النــاس يعاقبــه اللــه وال يحبــه‪ ،‬وأن اللــه ميكــن أن‬
‫يظهــر الكــذب ولــو بعــد حــن‪ ،‬ولكــن يالحــظ أن الطفــل مي ـ ّر مبرحلــة يتوهــم الــيء فيذكــره‬
‫وال يظــن أنــه يكــذب وعــى الوالديــن املســامحة يف هــذا األمــر‪ .‬كــا نذكــره باللــه عندمــا يأخــذ‬
‫تخصــه أو تخــص غــره‪ ،‬فنقــول لــه‪ :‬إن اللــه تعــاىل جعــل‬ ‫الطفــل شــيئًا خفيــة مــن األشــياء التــي ال ّ‬
‫مالئكــة يحبــون الخــر واألمانــة معنــا دامئًــا ولكننــا ال نراهــم‪ ،‬وأنهــم يكتبــون كل يشء نفعلــه‪ ،‬فإذا‬
‫كنــا يف مــكان ليــس فيــه أحــد مــن النــاس فاملالئكــة موجــودة فيــه‪ ،‬ومعنــا دامئًــا‪ ،‬كــا أن اللــه‬
‫تعــاىل يرانــا يف هــذا املــكان ويف كل مــكان بجانــب املالئكــة الذيــن يشــهدون علينــا يــوم الحســاب‪،‬‬
‫فالطفــل الطيــب املســلم يخــاف اللــه ويتذكــر أن الشــهود مــن املالئكــة يرونــه ويعلمــون كل مــا‬
‫يعملــه‪ ،‬فــإذا أعــاد اإلنســان مــا أخــذه مــن غــره‪ ،‬فــإن اللــه تعــاىل يحبــه ألنــه مؤمــن باللــه بأنــه‬
‫ـدل مــن الــيء الــذي‬ ‫يـراه‪ ،‬وأن مالئكتــه تـراه‪ ،‬وأنــه يؤمــن بيــوم الحســاب‪ ،‬وأن اللــه يع ِّوضــه بـ ً‬
‫أعــاده لصاحبــه‪ ،‬شــيئًا مثلــه‪ ،‬أو أحســن منــه‪ .‬روى الط ـراين بســند جيــد عــن النبــي صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم‪« :‬ال ترفــع العصــا عــى أهلــك‪ ،‬وأخفهــم يف اللــه عــز وجــل» إن الخــوف مــن اللــه‬
‫عاصــم عظيــم مينــع الذنــوب والخطــأ‪ ،‬يف الــر والعلــن‪ ،‬يف الليــل والنهــار‪ ،‬يف الخلْــوة والجلــوة‪.‬‬
‫‪ -‬ومــن األســاليب العمليــة مــع الطفــل‪ ،‬أن نحفّظــه ونذكــره بــاألذكار املأثــورة دامئًــا‪ ،‬عنــد النــوم‬
‫واالســتيقاظ‪ ،‬ولبــس املالبــس‪ ،‬ودخــول الحاممــات والخــروج منهــا‪ ،‬وعنــد العطــاس‪ ،‬وعنــد دخــول‬
‫البيــت وعنــد الخــروج منــه إىل الشــارع‪ ،‬وعنــد تنــاول الطعــام‪ ،‬ويف كل مــرة‪ ،‬وبصــوت مســموع‪،‬‬
‫حتــى يعتــاد عــى ذلــك كلــه ويحفظــه عــن ظهــر قلــب ويؤديــه بتلقائيــة ويــر‪.‬‬
‫‪ -‬ومــن األســاليب العمليــة‪ ،‬أن نطلــب مــن الطفــل محاكاتنــا يف الوضــوء ويف الصــاة‪ ،‬ونوقفــه‬
‫معنــا أثنــاء القيــام بــأداء الصــاة‪ ،‬مــع املســامحة حتــى ال نشــق عليــه فيكــره هــذا العمــل‪ ،‬ولكــن‬
‫يكفــي أن ينتبــه لهــذا األمــر حتــى يكــر فيؤمــر بالصــاة‪ .‬ويف أيــام الصيــام نطلــب منــه اإلمســاك‬

‫‪332‬‬
‫ولــو بعــض الوقــت نهــا ًرا عــن الطعــام والـراب‪ ،‬ونتجاهــل ترصفاتــه إن خالفــت مــا اتفقنــا معــه‬
‫عليــه يف ذلــك حتــى ال يتحايــل عــى ذلــك‪.‬‬
‫‪ -‬ومــن األســاليب العمليــة اصطحــاب الطفــل إىل املســاجد‪ ،‬وأماكــن العلــم الدينــي‪ ،‬وكذلــك عنــد‬
‫زيــارة األهــل وصلــة األرحــام‪ ،‬مــع اإلرشــاد والتعليــم برفــق ومــودة حتــى يحــب هــذه الصحبــة‬
‫ويرغــب فيهــا‪.‬‬
‫‪ -‬ومــن األســاليب العمليــة أيضً ــا أن نكلــف الطفــل بحمــل الهدايــا إىل الجــران‪ ،‬وأن نكلفهــم‬
‫بحمــل مــا نعطيــه للســائل واملســكني‪ ،‬مــع الــرح وتحبيــب هــذا العمــل وذكــر مــا وعــد اللــه‬
‫بــه مــن يقــوم بــه‪.‬‬
‫‪ -‬ومــن األســاليب العمليــة‪ ،‬أن نطلــب مــن الطفــل أن يــؤذن للصــاة‪ ،‬ويقيــم ويصــي مــع‬
‫الوالديــن‪ ،‬أو مــع إخوتــه الكبــار‪ ،‬أو مــع والدتــه‪ ،‬وأن نكلفــه بــأن يــؤذن لصــاة الفجــر‪ ،‬وبعــد أن‬
‫نوقظــه لذلــك‪.‬‬
‫‪ -‬ومــن األســاليب العمليــة أن يجتمــع أهــل البيــت يف وقــت لســاع يشء مــن القــرآن يقــرؤه‬
‫الطفــل إن كان حافظًــا‪ ،‬أو مــن املصحــف الرشيــف‪ ،‬وكذلــك لســاع حديــث مــن أحاديــث رســول‬
‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم وأن يقــوم أحــد الكبــار بــرح معانيــه‪ ،‬أو يقــرأ أحــد أفـراد األرسة‬
‫شــيئًا مــن ســرة النبــي صــى اللــه عليــه وســلم ويرشحهــا لهــم‪.‬‬
‫‪ -‬ومــن األســاليب العمليــة أيضً ــا أن تجتمــع األرسة يف املناســبات الدينيــة ويقــوم الوالــد‪ ،‬أو‬
‫الوالــدة بــرح لهــذه املناســبة‪ ،‬فــإذا كانــت شــهر رمضــان فيعلمهــم أحــكام الصــوم‪ ،‬وإن كانــت‬
‫أشــهر الحــج يعلمهــم أحكامــه‪.‬‬
‫***‬
‫عقيدة اإلميان عند الطفل‬
‫وبجانــب مــا ســبق مــن بيــان البيئــة اإلميانيــة التــي يعيــش فيهــا الطفــل بــن أرستــه‪ ،‬فإنــه ميكــن‬
‫أن يفاتــح ويعــرض عليــه مســائل اإلميــان باللــه‪ ،‬ومبالئكتــه‪ ،‬وبرســله‪ ،‬وباليــوم اآلخــر‪ ،‬وبالقــدر‪،‬‬

‫‪333‬‬
‫ولكــن يف أي عمــر مــن مراحــل الطفولــة ميكــن تعليــم الطفــل هــذه األمــور؟ لقــد ب ِّينــت الســنة‬
‫الرشيفــة أن الطفــل الصغــر الــذي مل يبلــغ الحلــم بعــد‪ ،‬ميكنــه أن يســتوعب هــذه املســائل‬
‫ويعتقدهــا‪ ،‬فقــد كان عبــد اللــه بــن عبــاس ريض اللــه عنهــا صب ًّيــا يف التاســعة مــن عمــره‪ ،‬عندمــا‬
‫علَّمــه النبــي أهــم هــذه املســائل املتعلقــة بعقيــدة اإلميــان‪ ،‬كــا جــاء يف الحديــث الصحيــح‪ ،‬فعن‬
‫ابــن عبــاس ريض اللــه عنهــا قــال‪« :‬كنــت خلــف النبــي صــى اللــه عليــه وســلم يو ًمــا‪ ،‬فقــال‪ :‬يــا‬
‫غــام‪ ،‬إين أعلمــك كلــات‪ :‬احفــظ اللــه يحفظــك‪ ،‬احفــظ اللــه تجــده تجاهــك‪ ،‬إذا ســألت فاســأل‬
‫اللــه‪ ،‬وإذا اســتعنت فاســتعن باللــه‪ ،‬واعلــم أن األمــة لــو اجتمعــت عــى أن ينفعــوك بــيء‪ ،‬مل‬
‫ينفعــوك إال بــيء قــد كتبــه اللــه لــك‪ ،‬وإن اجتمعــوا عــى أن يــروك بــيء‪ ،‬مل يــروك؛ إال‬
‫بــيء قــد كتبــه اللــه عليــك ُرفعــت األقــام‪ ،‬وج َّفــت الصحــف» رواه الرتمــذي وقــال‪ :‬حديــث‬
‫حســن صحيــح‪ ،‬ورواه أحمــد وغــره‪ ،‬ويف روايــة غــر الرتمــذي «احفــظ اللــه تجــده أمامــك‪ ،‬تعـ َّرف‬
‫عــى اللــه يف الرخــاء‪ ،‬يعرفــك يف الشــدة‪ ،‬واعلــم أن مــا أخطــأك مل يكــن ليصيبــك‪ ،‬ومــا أصابــك‬
‫را»‬‫مل يكــن ليخطئــك‪ ،‬واعلــم أن النــر مــع الصــر‪ ،‬وأن الفــرج مــع الكــرب‪ ،‬وأن مــع العــر يـ ً‬
‫فهــذه املســائل التــي علمهــا النبــي صــى اللــه عليــه وســلم لهــذا الغــام الصغــر الــذي كان يركــب‬
‫ـلم لــرب العاملــن‪،‬‬ ‫ـلم مستسـ ً‬ ‫خلفــه‪ ،‬هــي أمهــات قضايــا اإلميــان‪ ،‬والتــي تجعــل صاحبهــا مسـ ً‬
‫ـوكل عليــه يف كل أمــره‪.‬‬‫مطي ًعــا محسـ ًنا يف عبادتــه‪ ،‬مســتيق ًنا بقــدره‪ ،‬مفتقـ ًرا إىل اللــه‪ ،‬ومتـ ً‬
‫ولقــد اســتوعبها الطفــل ووعاهــا وأداهــا وعلمهــا لألمــة كلهــا مــن بعــده ريض اللــه عنــه‪ ،‬وإن كان‬
‫هــذا الطفــل العــريب القــريش قــد أدرك هــذا األســلوب الفخــم البليــغ‪ ،‬فإننــا ميكننــا تعليــم هــذه‬
‫األمــور‪ ،‬وأمثالهــا‪ ،‬ألطفالنــا باللغــة واألســلوب واأللفــاظ التــي يســتوعبون بهــا املعــاين‪ ،‬وحبَّــذا لــو‬
‫قدمناهــا للطفــل يف شــكل حكايــات وقصــص حتــى يحفظهــا‪ ،‬فــإن الطفــل تربــط املعــاين عنــده‬
‫مــن خــال الحكايــة‪ ،‬أكــر مــن الــكالم املعتــاد‪.‬‬
‫‪ -‬ولقــد كانــت البيــوت تعلــم األوالد الصغــار مســائل اإلميــان فيدركونهــا‪ ،‬ويشــبون عليهــا‪ ،‬نلحــظ‬
‫ذلــك مــن خــال مــا رواه مصعــب األســلمي ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬انطلــق غــام منــا فــأىت النبــي‬
‫ـؤال! قــال‪ :‬ومــا هــو؟‪ ،‬قــال‪ :‬أســألك أن تجعلنــي‬ ‫صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬إين ســائلك سـ ً‬
‫م َّمــن تشــفع لــه يــوم القيامــة‪ ،‬قــال‪ :‬مــن دلَّــك عــى هــذا؟ قــال‪ :‬مــا أمــرين بــه أحــد إال نفــي‪،‬‬

‫‪334‬‬
‫قــال‪ :‬فإنــك ممــن أشــفع لــه يــوم القيامــة» رواه الط ـراين ورجالــه رجــال الصحيــح‪ .‬فاإلميــان‬
‫بشــفاعة النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬واإلميــان بالحســاب‪ ،‬واإلميــان بيــوم القيامــة‪ ،‬واإلميــان‬
‫بالجنــة والنــار‪ ،‬كانــت إذًا مشــا ًعا العلــم بهــا بــن األطفــال الصغــار‪ ،‬حتــى اهتــم لهــا هــذا الغــام‬
‫الصغــر فســألها النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬وقــد ذكــر الصغــر‪ :‬أن أحـ ًدا مل يطلــب منــه ذلــك‬
‫الســؤال‪ ،‬بــل ذلــك مــن عنــد نفســه العاملــة بهــذا األمــر الجليــل‪.‬‬
‫‪ -‬روى الب ـزار بســند رجالــه رجــال الصحيــح «أن غال ًمــا باملدينــة يكنــى أبــا مصعــب‪ ،‬أىت النبــي‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬قــال أبــو مصعــب‪ :‬قلــت‪ :‬يــا رســول اللــه‪ ،‬ادع اللــه يل أن يجعلنــي‬
‫ـت دعــاين‪ ،‬وقــال‪:‬‬ ‫معــك يف الجنــة‪ ،‬قــال‪ :‬مــن علمــك هــذا؟ قلــت‪ :‬ال أحــد‪ ،‬قــال‪ :‬أفعــل‪ ،‬فلــا ولَّ ْيـ ُ‬
‫أعنــي عــى نفســك بكــرة الســجود» إن ســؤال النبــي صــى اللــه عليــه وســلم الغــام فقــال‪ :‬مــن‬
‫علَّمــك هــذا؟ يــدل عــى صغــر الطفــل‪ ،‬وأن هــذا األمــر الهــام‪ ،‬قــد قــام أحــد بتعليمــه للطفــل‬
‫حتــى ســأله النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬وكان ر ّد الغــام بقولــه‪ :‬ال أحــد‪ ،‬يــدل كذلــك عــى‬
‫أن العلــم بهــذه املســائل كان مســتفيضً ا بــن أفـراد املجتمــع‪ ،‬صغــره‪ ،‬وكبــره‪ .‬إن الحديــث عــن‬
‫الجنــة يجــب أن يكــر يف كل مناســبة أمــام الطفــل حتــى يشــب‪ ،‬وقــد تعلــق فــؤاده بهــذا الوعــد‬
‫الكريــم‪ ،‬مــن رب العاملــن‪ ،‬وهــذا يكــون لــه أبلــغ األثــر يف ســلوك الطفــل يف كل مراحــل عمــره‪،‬‬
‫إذ يهـ ِّون عليــه مصاعــب الدنيــا‪ ،‬ويح ِّفــزه عــى االجتهــاد يف الخــر والطاعــة‪ ،‬ويز ِّهــده يف شــهوات‬
‫النفــس والدنيــا‪ ،‬ويربــط دنيــاه بآخرتــه‪ .‬لذلــك طلــب النبــي صــى اللــه عليــه وســلم مــن الغــام‪:‬‬
‫«أع ِّنــي عــى نفســك ‪ ..‬بكــرة الســجود»‪.‬‬
‫‪ -‬لقــد كان الوالــدان يؤديــان واجبهــا نحــو تعليــم األوالد أمــور دينهــم‪ ،‬بــل يكتبــون وصاياهــم‬
‫بعــد موتهــم بتعليــم األوالد‪ ،‬خوفًــا مــن لقــاء اللــه قبــل أدائهــم هــذا الواجــب‪ .‬عــن أنــس بــن‬
‫مالــك ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬كانــوا يكتبــون يف صــدور وصاياهــم‪ :‬هــذا مــا أوىص بــه فــان بــن‬
‫فــان‪ :‬أن يشــهد أن ال إلــه إال اللــه‪ ،‬وأن محمــدً ا رســول اللــه‪ ،‬وأن الجنــة حــق‪ ،‬وأن النــار حــق‪،‬‬
‫وأن الســاعة حــق وآتيــة ال ريــب فيهــا‪ ،‬وأن اللــه يبعــث مــن يف القبــور‪ ،‬وأويص َمـ ْن بَعــدي مبــا‬
‫ـي إن اللــه اصطفــى لكــم الديــن‪ ،‬فــا متوتـ َّن إال وأنتــم مســلمون»‬ ‫أوىص بــه إبراهيــم بنيــه‪ :‬يــا بنـ َّ‬
‫إنــه اإلميــان‪ ،‬والــورع‪ ،‬والخــوف‪ ،‬والحــب لألهــل‪ ،‬والـراءة مــن التبعــات‪.‬‬

‫‪335‬‬
‫‪ -‬عــن أنــس بــن مالــك ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬قــدم رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم املدينــة‬
‫وأنــا ابــن مثــاين ســنني‪ ،‬فأخــذت أمــي بيــدي‪ ،‬فانطلقــت يب إىل رســول اللــه صــى اللــه عليه وســلم‬
‫فقالــت‪ :‬يــا رســول اللــه‪ ،‬إنــه مل يبـ َـق رجــل وال امــرأة مــن األنصــار إال قــد أتحفتــك بتحفــة‪ ،‬وإين‬
‫ال أقــدر عــى مــا أتحفــك بــه إال ابنــي هــذا‪ ،‬فخــذه فليخدمــك مــا بــدا لــك‪ .‬فخدمــت النبــي‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم عــر ســنني‪ ،‬فــا رضبنــي رضبــة‪ ،‬وال ســبني سـ َّبة‪ ،‬وال انْ َت َهــرين‪ ،‬وال عبــس‬
‫رسي تكــن مؤم ًنــا‪ ،‬فكانــت أمــي‬ ‫يف وجهــي‪ ،‬وكان أول مــا أوصــاين بــه أن قــال‪ :‬يــا بنــي اكتــم ِّ‬
‫وأزواج النبــي صــى اللــه عليــه وســلم يســألنني عــن رس رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فــا‬
‫أخربهــن بــه‪ ،‬وال أخــر بــر رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم أحــدً ا أبــدً ا‪ ،‬وقــال‪ :‬يا بنــي عليك‬
‫بإســباغ الوضــوء يح ّبــك حافظــاك‪ ،‬ويـزاد يف عمــرك‪ ،‬وإيــاك وااللتفــات يف الصــاة‪ ،‬فــإن االلتفــات‬
‫يف الصــاة هلكــة‪ ،‬ويــا بنــي إذا خرجــت مــن بيتــك فــا تقعــن عينــاك عــى أحــد مــن أهــل القبلة‬
‫إال سـلَّمت عليــه‪ ،‬فإنــك ترجــع مغفــو ًرا لــك‪ ،‬ويــا بنــي إذا دخلــت منزلــك فســلم عــى نفســك‬
‫وعــى أهــل بيتــك» رواه أبــو يعــى والطـراين‪ .‬فهــذا طفــل يف الثامنــة مــن عمــره يوصيــه ويعلمــه‬
‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم العقيــدة‪ ،‬والفريضــة‪ ،‬واألخــاق‪ ،‬واآلداب‪ ،‬فالحديــث عــن محبــة‬
‫امللكــن الحافظــن‪ ،‬مــن أمــور العقيــدة واإلميــان باملالئكــة كغيــب يجــب اإلميــان بــه‪ ،‬وحفــظ‬
‫الــر واألمانــة مــن كرائــم األخــاق‪ ،‬وإســباغ الوضــوء‪ ،‬وعــدم االلتفــات يف الصــاة مــن الخشــوع‬
‫واإلحســان يف أداء الفريضــة‪ ،‬والســام عــى أهــل القبلــة مــن الســنن واآلداب‪ .‬ويف الحديــث‪:‬‬
‫االهتــام بتعليــم األطفــال‪ ،‬ولــو كانــوا خد ًمــا وتابعــن‪ ،‬كل أمــور الديــن‪.‬‬
‫***‬
‫الطفل والصالة‬
‫* رأس األمــر وعمــوده الصــاة‪ ،‬والصــاة لهــا شــأن أي شــأن يف حيــاة املســلم وآخرتــه‪ ،‬وال يتصــور‬
‫بيــت فيــه مســلمون‪ ،‬وال تقــام فيــه الصــاة‪ ،‬فــإن كان‪ ،‬فقــد تُـ ُو ِّدع منهــم‪ ،‬لذلــك فغال ًبــا مــا يتعلــم‬
‫الطفــل الصــاة باملشــاهدة واملحــاكاة للكبــار يف البيــت‪ ،‬ولكــن هــذا ال يكفــي يف شــأن هــذه‬
‫الفريضــة التــي هــي مــن أول أركان الديــن‪ .‬فــا بــد مــن تعليــم الطفــل وتدريبــه عمليًّــا عــى‬

‫‪336‬‬
‫الصــاة‪ ،‬ومتابعتــه ومســاءلته عنهــا‪ ،‬وإظهــار االهتــام بشــأنها دامئًــا باملحافظــة عليهــا‪ ،‬ومطالبــة‬
‫الطفــل بذلــك‪.‬‬
‫‪ -‬ولكــن منــذ متــى يطلــب مــن الطفــل الصغــر الصــاة؟ اإلجابــة تب ِّينهــا لنــا إحــدى الصحابيــات‬
‫رضــوان اللــه عليهــن‪ ،‬قــال هشــام بــن ســعد‪« :‬دخلنــا عــى معــاذ بــن عبــد اللــه بــن حبيــب‬
‫الجهنــي فقــال المرأتــه‪ :‬متــى يصــي الصبــي؟ فقــال‪ :‬نعــم‪ ،‬كان رجــل م َّنــا يذكــر عــن رســول‬
‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬أنــه ســئل عــن ذلــك؟ فقــال‪ :‬إذا عــرف ميينــه مــن شــاله‪ ،‬فمــروه‬
‫بالصــاة» أخرجــه أبــو داود بإســناد حســن‪ .‬وروى الطـراين بســنده عــن النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم‪« :‬إذا عــرف الغــام ميينــه مــن شــاله‪ ،‬فمــروه بالصــاة» وعــن معبــد الجهنــي قــال‪ :‬قــال‬
‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬مــروا الصبــي بالصــاة إذا بلــغ ســبع ســنني»‪ .‬رواه أبــو‬
‫داود‪ .‬وعــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬علِّمــوا الصبــي الصــاة لســبع ســنني‪ ،‬وارضبــوه‬
‫عليهــا ابــن عــر ســنني» رواه أبــو داود والرتمــذي وقــال‪ :‬حديــث حســن وروى الب ـزار بســنده‬
‫عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم «علمــوا أوالدكــم الصــاة إذا بلغــوا ســب ًعا وارضبوهــم عليهــا‬
‫را‪ ،‬و َف ِّرقــوا بينهــم يف املضاجــع» ويف روايــة لــه أخــرى «فرقــوا بــن مضاجــع الغلــان‬
‫إذا بلغــوا عـ ً‬
‫والجــواري‪ ،‬واألخــوة واألخــوات لســبع ســنني‪ ،‬وارضبــوا أبناءكــم عــى الصــاة إذا بلغــوا ســب ًعا»‬
‫وروى الط ـراين بســنده عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬حافظــوا عــى أبنائكــم يف الصــاة‪،‬‬
‫وع ِّودوهــم الخــر‪ ،‬فــإن الخــر عــادة» وعــن أيب الحــوراء قــال‪ :‬قلــت للحســن بــن عــي‪ :‬مــا‬
‫حفظــت مــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم؟ قــال‪ :‬الصلــوات الخمــس» رواه أحمــد والطـراين‪.‬‬
‫ويالحــظ مــن ذلــك أن بلــوغ الطفــل ســبع ســنني يعنــي مطالبتــه وأمــره بالصــاة عــى وجــه‬
‫الجديَّــة واالهتــام واملحافظــة‪ ،‬وال يعنــي ذلــك تــرك الطفــل حتــى يبلــغ هــذه الســن دون تعليمه‬
‫وتدريبــه عــى الصــاة‪ ،‬ألنــه بالطبــع يعــرف ميينــه مــن شــاله قبــل هــذا العمــر‪ .‬واملالحظــة‬
‫الثانيــة‪ :‬أن رضب الطفــل للتأديــب والتعظيــم مــن شــأن الصــاة يف نفــس الطفــل الــذي يعاملــه‬
‫الولــدان بهــذا الج ـ ِّد وبهــذه الرصامــة يف شــأنها‪ ،‬وبالطبــع ليــس رضبًــا مؤذيًــا ومرب ًحــا‪ ،‬ولكنــه‬
‫ـت عنــد خالتــي‬ ‫للتذكــر والتهويــل لشــأن الصــاة‪ .‬عــن ابــن عبــاس ريض اللــه عنهــا قــال‪ِ « :‬بـ ُّ‬
‫ميمونــة‪ ،‬فجــاء رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم بعدمــا أمــى‪ ،‬فقــال‪ :‬أصـ َّـى الغــام؟ قالــوا‪:‬‬

‫‪337‬‬
‫نعــم‪ ،‬فاضطجــع» رواه البخــاري وأبــو داود‪ .‬وفيــه مــدى الحــرص عــى متابعــة ومالحظــة الطفــل‬
‫يف أداء الصــاة‪ ،‬ولــو كان ضي ًفــا عــى البيــت يف ليلــة واحــدة‪.‬‬
‫‪ -‬تعليــم الطفــل الوضــوء والصــاة بطريقــة عمليــة‪ ،‬وألكــر مــن مــرة حتــى يتقنهــا‪ ،‬واجــب عــى‬
‫الوالديــن والكبــار‪ .‬وذلــك بــأن يحــر الطفــل ويريــه الوضــوء وفرائضــه وس ـ َن َن ُه‪ ،‬وكيــف يتوضــأ‬
‫املســلم للصــاة‪ ،‬وكذلــك نجعــل الطفــل يقــوم بالتوضــؤ عمل ًّيــا أمــام الكبــر‪ ،‬عـ ّدة مـرات‪ ،‬وعــى‬
‫فـرات حتــى يُتقــن الوضــوء‪ ،‬ثــم يُفعــل ذلــك معــه يف أداء الصــاة‪ .‬عــن الحســن بــن عــي ريض‬
‫ي‪ ،‬بوضــوء‪ ،‬فقربتُــه لــه‪ ،‬فبــدأ فغســل ك َّف ْيــه ثــاث م ـرات قبــل‬ ‫اللــه عنهــا قــال‪ :‬دعــاين أيب‪ ،‬ع ـ ُّ‬
‫أن يدخلهــا يف الوضــوء‪ ،‬ثــم مضمــض ثالثًــا‪ ،‬واستنشــق ثالثًــا‪ ،‬ثــم غســل وجهــه ثــاث مـرات‪ ،‬ثــم‬
‫غســل يــده اليمنــى إىل املرفــق ثالثًــا‪ ،‬ثــم اليــرى كذلــك‪ ،‬ثــم مســح برأســه مســح ًة واحــدة‪ ،‬ثــم‬
‫غســل رجلــه اليمنــى إىل الكعبــن ثالثًــا‪ ،‬ثــم اليــرى كذلــك‪ ،‬ثــم قــام قامئًــا‪ ،‬فقــال‪ :‬ناولنــي‪ ،‬فناولته‬
‫ـت‪ ،‬فلــا رآين‪ ،‬قــال‪:‬‬ ‫اإلنــاء الــذي فيــه فضــل وضوئــه‪ ،‬ثــم رشب مــن فضــل وضوئــه قامئًــا‪ ،‬فعجبـ ُ‬
‫ـت‪،‬‬‫ال تعجــب‪ ،‬فــإين رأيــت أبــاك النبــي صــى اللــه عليــه وســلم يصنــع مثــل مــا رأيتنــي صنعـ ُ‬
‫ـت أن أريكــم كيــف كان طهــور النبــي صــى اللــه عليــه وســلم» رواه النســايئ وأبــو داود‬ ‫فأحببـ ُ‬
‫والرتمــذي‪ .‬وعــن عمــر بــن أبــان قــال‪« :‬أراين أنــس بــن مالــك ريض اللــه عنــه الوضــوء‪ ،‬أخــذ ركــوة‬
‫ـب عــى يــده اليمنــى فغســلها ثالثًــا‪ ،‬ثــم أدار الركــوة عــى‬ ‫–إنــاء‪ -‬فأدارهــا عــن يســاره‪ ،‬وصـ َّ‬
‫يــده اليمنــى فغســلها ثالثًــا‪ ،‬فمســح برأســه ثالثًــا‪ ،‬وأخــذ مــا ًء جديــدً ا لصامخــه –أذنــه‪ -‬فمســح‬
‫صامخــه‪ ،‬فقلــت‪ :‬قــد مســحت أذنيــك؟ فقــال‪ :‬يــا غــام‪ ،‬إنهــا مــن الــرأس‪ ،‬وليــس هــا مــن‬
‫الوجــه‪ ،‬ثــم قــال‪ :‬يــا غــام‪ ،‬هــل رأيــت؟ وهــل فهمــت؟ قــال‪ :‬هكــذا رأيــت رســول اللــه صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم يتوضــأ» رواه الط ـراين‪.‬‬
‫‪ -‬حضــور الطفــل الصغــر الصلــوات يف املســاجد‪ ،‬أو يف البيــت‪ ،‬واملخالطــة مــع املصلــن‪ ،‬فيــه‬
‫تأليــف الطفــل وتعويــده غشــيان املســاجد‪ ،‬واإلقبــال عــى الصــاة تشــب ًها بالكبــار‪ ،‬وتعـ ّو ًدا عــى‬
‫أدائهــا يف املســاجد‪ ،‬وقــد كانــت عــادة الصالحــن مــن عبــاد اللــه‪ ،‬وأولهــم أصحــاب رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم حمــل الصغــار‪ ،‬أو اصطحابهــم إىل املســاجد‪ ،‬دون زجــر أو اعـراض عــى‬

‫‪338‬‬
‫وجــود الصغــار يف املســجد وقــت أداء فرائــض الصــاة‪ ،‬بــل كان النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫يراعــي مصلحــة الصغــر ويقــدم أمــره عــى التطويــل يف الصــاة‪ ،‬فيخ ِّفــف مــن الصــاة‪ ،‬شــفق ًة‬
‫عــى األم‪ ،‬ورحمــة بالصغــر إذا بــى أثنــاء تأديــة األم للصــاة خلــف رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم‪ .‬يقــول رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬إين ألقــوم يف الصــاة أريــد أن أطـ ِّول فيهــا‪،‬‬
‫فأســمع بــكاء الصبــي فأتج ـ َّوز يف صــايت كراهيــة أن أشـ َّـق عــى أمــه» رواه البخــاري وأبــو داود‬
‫والنســايئ‪ .‬فــإذا كان هــذا التســاهل والتســامح والرفــق‪ ،‬واعتبــار الحــال يف فــرض الصــاة جامعــة‬
‫مــع رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فكيــف يضيــق البعــض‪ ،‬أو مينــع مــن وجــود األطفــال يف‬
‫املســجد؟ إن وجودهــم مقصــود‪ ،‬ومطلــوب‪.‬‬
‫‪ -‬واألم ال تــرك وليدهــا‪ ،‬وال رضيعهــا‪ ،‬إن احتــاج إىل أن تحملــه وهــي يف الصــاة‪ ،‬وحمــل الصغــر‪،‬‬
‫ووضعــه أثنــاء الصــاة ال يفســدها‪« .‬كان رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يصــي‪ ،‬وأمامــة‬
‫بنــت أيب العــاص عــى عاتقــه‪ ،‬فــإذا ركــع وضعهــا‪ ،‬وإذا قــام حملهــا» رواه الطـراين‪ .‬وكانــت نســاء‬
‫الصحابــة يحملــن صغارهــن أثنــاء الصــاة يف املســجد خلــف رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫ويقــول‪« :‬إين ألســمع صــوت الصبــي وأنــا يف الصــاة‪ ،‬فأخ ّفــف مخافــة أن ت ْفــن أ ُّمــه» رواه البـزار‪،‬‬
‫وأصلــه يف الصحيــح‪« .‬خــرج علينــا رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يف إحــدى صــايت العشــاء‬
‫وهــو حامــل حسـ ًنا –أو حســي ًنا‪ -‬فتقــدّ م النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فوضعــه‪ ،‬ثــم كـ َّـر للصــاة‬
‫فصــى‪ ،‬فســجد بــن ظهـراين الصــاة ســجد ًة أطالهــا‪ ،‬قــال‪ :‬فرفعــت رأيس‪ ،‬فــإذا الصبــي عــى ظهــر‬
‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم وهــو ســاجد‪ ،‬فرجعــت إىل ســجودي‪ ،‬فلــا قــى رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم الصــاة‪ ،‬قــال النــاس‪ :‬يــا رســول اللــه‪ ،‬إنــك ســجدت بــن ظهـراين صالتــك‬
‫كل مل يكــن‪ ،‬ولكــن‬ ‫ســجدة أطلتهــا حتــى ظننــا أنــه قــد حــدث أمــر‪ ،‬أو أنــه يوحــى إليــك‪ ،‬قــال‪ٌّ :‬‬
‫ابنــي ارتحلنــي‪ ،‬فكرهــت أن أعجلــه حتــى يقــي حاجتــه» رواه النســايئ وأحمــد والحاكــم‪ ،‬وهــو‬
‫حديــث صحيــح‪ ،‬وبــن ظهـراين صــاة‪ :‬أي وســطها وفيــا بينهــا‪ .‬ويف هــذا الحديــث‪ :‬مراعــاة حاجــة‬
‫الطفــل ولعبــه وعبثــه وتقديــم ذلــك عــى مــواالة أركان الصــاة وانتظامهــا‪ ،‬دون تفزيــع أو تعكــر‬
‫للطفــل‪ ،‬شــفق ًة ورحمــة ومحب ـ ًة لألطفــال‪ ،‬وتألي ًفــا لقلوبهــم ونفوســهم نحــو الصــاة واملســجد‪،‬‬
‫وأي قلــب كان قلــب رســول اللــه‪ ،‬وهــو بــن يــدي رب العـ ّزة والرحمــة‪ ،‬يعتــي ظهــره الرشيــف‬

‫‪339‬‬
‫طفــل فيدعــه حتــى يشــبع لع ًبــا ويقــول‪« :‬فكرهــت أن أعجلــه حتــى يقــي حاجتــه» فصــى اللــه‬
‫عليــك وســلم وبــارك يــا إمــام ومعلــم الخلــق يف كل يشء جميــل‪ ،‬وبالكــال الــذي يليــق بعظمتــك‪.‬‬
‫وعــن أيب بكــرة ريض اللــه عنــه «أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم كان يصــي‪ ،‬فــإذا ســجد‪،‬‬
‫وثــب الحســن عليــه الســام عــى ظهــره وعــى عنقــه‪ ،‬فرفــع رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫رف ًعــا رقي ًقــا لئــا يــرع‪ ،‬يفعــل ذلــك غــر م ـ ّرة» رواه أحمــد والب ـزار والط ـراين‪ ،‬ورجــال أحمــد‬
‫رجــال الصحيــح‪.‬‬
‫ـال أو نســا ًء‪ ،‬مــا‬ ‫‪ -‬يجــوز رش ًعــا أن يــؤ َّم الطفــل املم ِّيــز قبــل البلــوغ‪ ،‬يــؤ ّم غــره مــن الكبــار‪ ،‬رجـ ً‬
‫دام يحســن الصــاة والقـراءة‪ ،‬عــن عمــرو بــن ســلمة ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬إن قومــي نظــروا فلــم‬
‫يكــن أحــد أكــر قرآنًــا منــي‪ ،‬ملــا كنــت أتلقــى الركبــان‪ ،‬فقدمــوين بــن أيديهــم وأنــا ابــن ســت أو‬
‫ـي‪،‬‬ ‫ي بــردة‪ ،‬كنــت إذا ســجدت تقلَّصــت عنــي‪ ،‬فقالــت امــرأة مــن الحـ ّ‬ ‫ســبع ســنني‪ ،‬وكانــت ع ـ َّ‬
‫ـت بــيء فرحــي بذلــك‬ ‫قميصــا‪ ،‬فــا فرحـ ُ‬ ‫أال تغطــوا ع َّنــا اســت قارئكــم؟ فاشــروا‪ ،‬فقطعــوا يل ً‬
‫القميــص» رواه البخــاري وأبــو داود والنســايئ‪.‬‬
‫‪ -‬تجــوز صــاة الطفــل عــى الجنــازة‪ ،‬كســائر الصلــوات‪ ،‬عــن ســمرة بــن جنــدب ريض اللــه عنــه‬
‫قــال‪« :‬لقــد كنــت عــى عهــد رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم غال ًمــا‪ ،‬فكنــت أحفــظ عنــه‪،‬‬
‫ـت خلــف رســول اللــه‬ ‫ـال هــم أسـ ُّن منــي‪ ،‬وقــد صليـ ُ‬ ‫فــا مينعنــي مــن القــول إال أن هــا هنــا رجـ ً‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم عــى امــرأة ماتــت يف نفســاها‪ ،‬فقــام عليهــا رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســطها» رواه البخــاري ومســلم‪.‬‬ ‫وســلم ْ‬
‫‪ -‬الصــاة خــر عــون للوالديــن يف تربيــة األوالد وتعويدهــم الخــر‪ ،‬وخصــال الخــر‪ ،‬وقــد قــال‬
‫ــا ِة} [البقــرة‪ ]45 :‬وعــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه‬ ‫اللــه عــز وجــل‪َ { :‬و ْاســتَ ِعي ُنوا ب َّ‬
‫ِالص ْ ِ‬
‫ــر َو َّ‬
‫الص َ‬
‫قــال‪« :‬جــاء رجــل إىل النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬إن فالنًــا يصــي بالليــل‪ ،‬فــإذا أصبــح‬
‫رسق؟ فقــال‪ :‬ســينهاه مــا تقــول» رواه أحمــد ورجالــه رجــال الصحيــح‪ .‬إنهــا حكمــة غاليــة جـ ًّدا‬
‫يلــزم للنــاس فهمهــا واالنتفــاع بهــا «ســينهاه مــا تقــول» يصــي ويــرق‪ ،‬فــا مينعــه وينهــاه عــن‬
‫الصـ َـا َة تَ ْن َهــى َعــنِ الْ َف ْحشَ ــا ِء َوالْ ُم ْن َكـرِ}‬
‫الرسقــة ســوى الصــاة‪ ،‬وصــدق اللــه العظيــم إ ْذ يقــول‪{ :‬إِ َّن َّ‬

‫‪340‬‬
‫[العنكبــوت‪ ]45 :‬فلــو حــرص الوالــدان واملربُّــون عــى أن يحافــظ الطفــل عــى الصــاة‪ ،‬الســتقام‬
‫لهــم أمــر الطفــل وأمرهــم‪ ،‬فمــن يخربنــا عــن الحــق‪ ،‬ومــا يصلــح مثــل اللــه ورســوله { َولَ يُ َنبِّئُـ َـك‬
‫ِمثْـ ُـل َخ ِبـرٍ} [فاطــر‪ ،]14 :‬فالصــاة نــور وبركــة‪ ،‬يســتنري بهــا قلــب الصغــر‪ ،‬ويــرق بهــا ضمــره‪،‬‬
‫ويــدرج ويكــر وهــو يســر يف طريــق النــور والعرفــان‪.‬‬
‫***‬
‫الطفل والزكاة‬
‫* الــزكاة نوعــان‪ :‬أحدهــا مــا يتعلــق بالبــدن‪ ،‬والثــاين يتعلــق باملــال‪ .‬فأمــا مــا يتعلــق بالبــدن‬
‫فهــو زكاة الفطــر‪ ،‬وتســمى زكاة الفطــرة‪ ،‬أي الخلقــة‪ ،‬وهــي تجــب عــى الطفــل الصغــر ولــو كان‬
‫مولــو ًدا قبــل صــاة عيــد الفطــر‪ ،‬ومســؤولية إخراجهــا عــى مــن تلزمــه نفقــة الطفــل‪ .‬عــن ابــن‬
‫عمــر ريض اللــه عنهــا قــال‪« :‬فــرض رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم زكاة الفطــر مــن رمضــان‬
‫عــى النــاس صا ًعــا مــن متــر‪ ،‬أو صا ًعــا مــن شــعري‪ ،‬عــى كل حــر‪ ،‬أو عبــد‪ ،‬ذكــر‪ ،‬أو أنثــى مــن‬
‫ـال تخــرج منــه زكاة الفطــرة‪ ،‬ويجــوز‬ ‫املســلمني» رواه البخــاري ومســلم‪ .‬ولــو كان الصغــر ميلــك مـ ً‬
‫أن يخرجهــا وليُّــه مــن مالــه هــو‪.‬‬
‫‪ -‬وأمــا الــزكاة التــي تتعلــق باملــال‪ ،‬فهــي عــن املــال الــذي بلــغ النصــاب وحــال عليــه حــول‬
‫كامــل –أي ســنة هجريــة‪ -‬وكان الصغــر ميلكــه ملكيــة تا َّمــة‪ .‬ويخرجهــا مــن مــال الصغــر ول ُّيــه‪،‬‬
‫أو وص ُّيــه‪ ،‬أو القيــم عــى أموالــه‪ .‬والصغــر الــذي ليــس لــه مــال‪ ،‬وال ينفــق عليــه أحــد‪ ،‬يســتحق‬
‫النفقــة عليــه مــن ســهم الفقـراء واملســاكني‪ ،‬ويكــون مــن أهــل الــزكاة‪ .‬وإذا كان الصغــر يتيـ ًـا‪،‬‬
‫ولــه مــال‪ ،‬فيحــق ملــن يقــوم عــى أموالــه وعليــه‪ ،‬أن ينفــق عــى نفســه مــن مــال هــذا اليتيــم‬
‫باملعــروف‪ .‬روى أبــو داود والنســايئ «أن رجـ ًـا أىت رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬إين‬
‫فقــر ليــس يل يشء‪ ،‬ويل يتيــم‪ ،‬فقــال‪ :‬كل مــن مــال يتيمــك‪ ،‬غــر مــرف‪ ،‬وال مبــادر‪ ،‬وال متأثِّــل»‬
‫واملبــادر‪ :‬املســارع يف الــيء‪ ،‬واملتأثــل‪ :‬املتمـ ِّول‪ .‬واليتيــم مــن مــات أبــوه ومل يبلــغ ســن االحتــام‪.‬‬
‫وقــد قــال النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬ال يتــم بعــد احتــام» رواه أبــو داود والطـراين وهــو‬
‫حديــث حســن‪.‬‬

‫‪341‬‬
‫* أمــوال اليتيــم يجــب أن تســتثمر حتــى ال تأكلهــا الــزكاة‪ ،‬إذ يجــب إخ ـراج الــزكاة عنهــا مــا‬
‫دامــت تبلــغ النصــاب كل عــام‪ .‬روى اإلمــام مالــك يف املوطــأ «أن عائشــة ريض اللــه عنهــا كانــت‬
‫تعطــي أمــوال اليتامــى مــن يتجــر فيهــا» وروى عنهــا يف املوطــأ أيضً ــا «كانــت عائشــة تلينــي أنــا‬
‫وأ ًخــا يل يتيمــن يف حجرهــا‪ ،‬فكانــت تخــرج مــن أموالنــا الــزكاة»‪.‬‬
‫‪ -‬روى أبــو داود والرتمــذي والنســايئ عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم «ال يحــل لرجــل أن‬
‫يعطــي عط َّيــة‪ ،‬أو يهــب هبــة‪ ،‬ثــم يرجــع فيهــا‪ ،‬إال الوالــد فيــا يعطــي ولــده‪ ،‬ومثــل الــذي‬
‫يرجــع يف عطيتــه‪ ،‬أو هبتــه‪ ،‬كالكلــب يــأكل‪ ،‬فــإذا شــبع قــاء‪ ،‬ثــم عــاد يف قيئــه» ومعنــى عــاد يف‬
‫قيئــه‪ :‬أي عــاد فــأكل مــا قــاءه‪.‬‬
‫الطفــل لــه أن يتحــى بالذهــب والفضــة‪ ،‬وإذا بلــغ مــا يتحــى بــه مــن الذهــب‪ ،‬أو مــن الفضــة مــا‬
‫قيمتــه النصــاب‪ ،‬فالصحيــح أال زكاة يف يشء مــن الحــي‪ ،‬وال تحتســب يف نصــاب زكاة مالــه إن كان‬
‫لــه مــال غــر مــا يتحــى بــه‪ ،‬روی مالــك يف املوطــأ بإســناد صحيــح‪ ،‬عــن ابــن عمــر وعائشــة ريض‬
‫اللــه عنهــم «كانــت عائشــة ريض اللــه عنهــا تحــي بنــات أخيهــا أيتا ًمــا يف حجرهــا‪ ،‬فــا تخــرج‬
‫منهــا الــزكاة» وعــدم إخـراج الــزكاة مــن الحــي هــو األظهــر يف مذهــب الشــافعي‪.‬‬
‫يســتحب أن يعــود الطفــل عــى الصدقــة‪ ،‬وأن نكلفــه بحمــل الصدقــة وتقدميهــا للمســکني‪ ،‬كــا‬
‫يســتحب أن نعلمــه االدخــار مــن مرصوفــه‪ ،‬وأن يضــع منــه يف حصالتــه ثــم يخــرج مــن حصيلتهــا‬
‫شــيئًا للمســاكني‪.‬‬
‫***‬
‫الطفل والصيام‬
‫صيــام الطفــل الصغــر يقــاس عــى صالتــه؛ ألنــه مل يـ ِ‬
‫ـأت نــص رصيــح بالســن التــي يُأمــر عندهــا‬
‫الصغــر بالصيــام‪ ،‬وألنــه متعلــق بالطاقــة والقــدرة‪ ،‬واملطلــوب مــن الوالديــن تعويــد الطفــل عــى‬
‫الصيــام وتحبيبــه إليــه‪ ،‬بالحديــث عــن فضلــه‪ ،‬وأن مــن تــرك الطعــام والـراب وصــام فــإن اللــه‬
‫يطعمــه ويســقيه مــن طعــام ورشاب الجنــة‪ ،‬وأن اللــه تعــاىل يحــب األوالد الذيــن يصومــون وهــم‬

‫‪342‬‬
‫صغــار‪ ،‬ويذكــرون الطفــل أن غــره مــن األطفــال يصومــون‪ ،‬وأنهــم بذلــك مثــل الرجــال‪ .‬وميكــن‬
‫التغافــل مــع الطفــل الصغــر الــذي يصــوم إذا رشب أو أكل‪ ،‬ونقــول لــه‪ :‬أنــت نســيت فأكلــت‪،‬‬
‫ومــن أكل ناسـ ًيا يتــم الصــوم وال حــرج عليــه ‪ ،‬وميكــن االتفــاق معــه عــى أن يصــوم حتــى الظهــر‪،‬‬
‫ثــم بعــد ذلــك حتــى العــر‪ ،‬ويف بعــض األيــام حتــى املغــرب‪ ،‬حتــى يألــف الصيــام ويتــدرب‬
‫عليــه‪ ،‬كــا ميكــن إشــغاله وتلهيتــه باللعــب وغــر ذلــك عــن الطعــام وال ـراب‪ ،‬وميكــن وعــده‬
‫بجائــزة أو بــيء‪ ،‬يحبــه إذا صــام بعــض األيــام كامـ ًـا‪.‬‬
‫‪ -‬عــن الربيــع بنــت معــوذ ريض اللــه عنهــا قالــت‪« :‬أرســل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫غــداة عاشــوراء إىل قــرى األنصــار التــي حــول املدينــة ‪ :‬مــن كان أصبــح صامئًــا فليتــم صومــه‪،‬‬
‫ومــن كان مفط ـ ًرا فليتــم بقيــة يومــه ‪ ،‬فكنــا بعــد ذلــك نصومــه ‪ ،‬ون َُص ِّومــه صبياننــا الصغــار‪،‬‬
‫ونذهــب إىل املســجد‪ ،‬فنجعــل لهــم اللعبــة مــن العهــن‪ ،‬فــإذا بکــی أحدهــم أعطينــاه إيــاه‪،‬‬
‫حتــى يكــون اإلفطــار»‪ ،‬ويف روايــة «ونصنــع لهــم اللعبــة مــن العهــن ‪ ،‬فنذهــب بــه معنــا‪ ،‬فــإذا‬
‫ســألونا الطعــام أعطيناهــم اللعبــة‪ ،‬نلهيهــم بهــا حتــى يتمــوا صومهــم» رواه البخــاري ومســلم‪.‬‬
‫وال ِع ْهــن‪ :‬الصــوف املصبــوغ‪ .‬فكانــت األمهــات يســتع ّن بعــد اللــه عــى تصويــم الصغــار‪ ،‬باالجتــاع‬
‫يف املســجد بعيـ ًدا عــن متنــاول الطعــام والـراب‪ ،‬واالعتيــاد عليــه يف البيــوت‪ ،‬كــا أن يف اجتــاع‬
‫األوالد ولعبهــم ســويًّا أثـ ًرا يف اللهــو عــن الطعــام والـراب‪ ،‬وإذا طلــب الطفــل الصغــر الطعــام‪،‬‬
‫ق َّدمــت لــه أ ُّمــه لعبــة يحبهــا ويتلهــى بهــا حتــى يتــم صومــه‪.‬‬
‫‪ -‬مبناســبة الصــوم‪ ،‬يحســن تهيئــة الذهــن عنــد الطفــل قبــل إقبــال شــهر الصيــام ومــا اعتــاده‬
‫النــاس مــن تزيــن البيــوت والشــوارع‪ ،‬وإضــاءة األنــوار بالفوانيــس‪ ،‬كل ذلــك مــن العــادات‬
‫املرتبطــة بشــهر رمضــان‪ ،‬ويكــون لهــا أثــر طيــب يف نفــس الطفــل الصغــر‪ ،‬تجعلــه يفــرح بقــدوم‬
‫شــهر الصيــام‪ ،‬وليــس يف ذلــك يشء مــن البــدع الدينيــة‪ ،‬ألنهــا تفعــل عــادة‪ ،‬وليــس عــى ســيبل‬
‫العبــادة‪ ،‬والعــادات إذا مل تتعــارض مــع الديــن فــا حــرج فيهــا‪ ،‬واألفضــل دامئًــا أن نهيئــه بالذهــاب‬
‫إىل املســاجد‪ ،‬وتحبيبــه يف القيــام واالعتــكاف وق ـراءة القــرآن خاصــة يف شــهر رمضــان‪.‬‬

‫‪343‬‬
‫الطفل واحلج‬
‫* مذهــب جامهــر العلــاء أن حــج الصبــي منعقــد صحيــح يثــاب عليــه‪ ،‬وإن كان ال يجزئــه عــن‬
‫حجــة اإلســام‪ ،‬بــل يقــع تط ّو ًعــا‪ ،‬وقــال أبــو حنيفــة‪ :‬ال يصــح‪ ،‬وإمنــا يفعلونــه متري ًنــا لهــم مثــل‬
‫الصــاة‪ .‬قــال العلــاء‪ :‬إن كان ُم َم ِّيـ ًزا أذن لــه ول ّيــه فأحــرم‪ ،‬فــإن كان غــر مم ِّيــز‪ ،‬نــوى وليــه لــه‪،‬‬
‫ويــؤدي مــع وليــه ســائر املناســك‪ .‬وعــن عبــد اللــه بــن عبــاس ريض اللــه عنهــا «أن النبــي صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم لقــي رك ًبــا بال َّر ْوحــاء فقــال‪ :‬مــن القــوم؟ قالــوا‪ :‬املســلمون‪ ،‬فقالــوا‪ :‬مــن أنــت؟‬
‫قــال‪ :‬رســول اللــه‪ ،‬فرفعــت إليــه امــرأة صب ًّيــا فقالــت‪ :‬ألهــذا حــج؟ قــال‪ :‬نعــم‪ ،‬ولــك أجــر» رواه‬
‫مســلم وأبــو داود والنســايئ والطـراين‪ .‬وروى الطـراين يف الكبــر واألوســط بســنده قــال‪« :‬جــاءت‬
‫امــرأة إىل النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فقالــت‪ :‬يــا رســول اللــه‪ ،‬أحــج بابنــي وهــو مرضــع‪،‬‬
‫أو صغــر؟ قــال‪ :‬نعــم»‪ ،‬وكيفــا تــم حــج الطفــل الصغــر‪ ،‬فهــو صحيــح‪ ،‬ســواء كان مــن مــال‬
‫الصغــر‪ ،‬أو مــن مــال غــره‪ ،‬ولهــذه العبــادة‪ ،‬والشــعائر املتعلقــة بهــا‪ ،‬واألماكــن التــي تــؤدى فيهــا‬
‫املناســك‪ ،‬أثــر‪ ،‬أي أثــر عــى الصغــر‪ ،‬ولهــا مــن الربكــة يف حياتــه مــا يســتحق أن يصــر الوالــدان‬
‫عــى اصطحــاب الصغــر معهــا‪ ،‬أو أحدهــا إذا ُوفِّــق ألداء هــذه الفريضــة العظيمــة‪ ،‬ويكفــي‬
‫للطفــل أن يشــاهد مكــة واملدينــة‪ ،‬والكعبــة‪ ،‬ومســجد اللــه الح ـرام‪ ،‬ومســجد النبــي صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم‪ ،‬ويــرب مــن زمــزم‪ ،‬ويــرى الصفــا واملــروة ومقــام إبراهيــم والحجــر األســود ويصــي‬
‫يف املســجد الحــرام الــذي يُكتــب ملــن صــى فيــه أجــر الصــاة مائــة ألــف مــرة فيــا ســواه‪،‬‬
‫ويكتــب لــه أجــر الصــاة يف مســجد النبــي صــى اللــه عليــه وســلم بألــف صــاة‪ ،‬فــإذا رشح لــه‬
‫الوالــدان مــا تــم يف هــذه األماكــن مــن ســرة ســيدنا رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬وســرة‬
‫ســيدنا إبراهيــم وســيدنا إســاعيل وســيدتنا هاجــر عليهــم الصــاة والســام‪ ،‬وســرة الصحابــة‬
‫رضــوان اللــه عليهــم‪ ،‬فــإن ذلــك ال ينســاه الطفــل ويتعلــق قلبــه بحــب اإلســام وفرائضــه‪.‬‬
‫‪ -‬اتفــق األمئــة عــى أن الطفــل إذا حــج قبــل أن يبلــغ الحلــم‪ ،‬فيجــب عليــه حجــة أخــرى هــي‬
‫فريضــة اإلســام‪ ،‬وتكتــب حجتــه وهــو صغــر تط ُّو ًعــا لــه يثــاب عليهــا‪ ،‬ويثــاب مــن أعانــه عليهــا‪.‬‬
‫«أيــا صبــي حــج ثــم بلــغ الحنــث‪ ،‬عليــه حجــة» رواه‬ ‫قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ُّ :‬‬
‫الطـراين ورجالــه رجــال الصحيــح‪.‬‬

‫‪344‬‬
‫‪ -‬روى الط ـراين بســنده «جــاء غــام إىل النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬إين أريــد هــذه‬
‫الناحيــة للحــج‪ ،‬قــال‪ :‬فمــى معــه رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فرفــع رأســه إليــه فقــال‪:‬‬
‫ـم‪ ،‬فلــا رجع‪ ،‬ســلم عــى النبي صىل‬ ‫يــا غــام‪َ ،‬ز َّودك اللــه ال َّت ْقــوى‪َ ،‬و َو َّجهــك يف الخــر‪ ،‬وكفــاك الهـ َّ‬
‫اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فرفــع رأســه إليــه فقــال‪ :‬يــا غــام‪ ،‬قبــل اللــه ح َّجــك‪ ،‬وك َّفــر ذنبــك وأخلــف‬
‫نفقتــك» وبالطبــع فهــذا الغــام الصغــر ال بــد أن يكــون حجــه مــع قافلــة مــن الحجــاج وصحبــة‬
‫مأمونــة‪ .‬ويف هــذا جــواز حــج الصغــر‪ ،‬وتوديعــه‪ ،‬والرتحيــب بعودتــه‪ ،‬والدعــاء لــه باملأثــور‪.‬‬
‫‪ -‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬جهــاد الكبــر والصغــر والضعيــف واملــرأة‪ :‬الحــج‬
‫والعمــرة» رواه أحمــد ورجالــه رجــال الصحيــح‪ .‬فالحــج والعمــرة جهــاد َمـ ْن ال يقــدر عــى الجهــاد‬
‫ممــن ذكرهــم رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪.‬‬
‫***‬
‫متى يدافع الصغري عن وطنه وعن دينه؟‬
‫ومتى جياهد الصغري يف سبيل اهلل؟‬
‫* لعــل هــذا التســاؤل يثــر دهشــة البعــض‪ ،‬إذ ســيقول‪ :‬مــا للصغــر والجهــاد؟ وأقــول‪ :‬الجهــاد‬
‫فريضــة ال بــد أن يقــوم بهــا القــادر عليــه‪ ،‬وال بــد للطفــل أن يكــر ويجاهــد يف ســبيل اللــه‪ ،‬فــا‬
‫يبقــى إذًا إال هــذا التســاؤل‪ :‬متــى يجاهــد الصغــر يف ســبيل اللــه؟ عــن عبــد اللــه بــن الزبــر‬
‫وعبــد اللــه بــن جعفــر ريض اللــه عنهــم‪« :‬أنهــا بايعــا رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪،‬‬
‫تبســم وبســط يــده‬ ‫وهــا ابنــا ســبع ســنني‪ ،‬فلمنــا رآهــا رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم َّ‬
‫فبايعهــا» رواه الطـراين يف األوســط والكبــر ورجالــه رجــال الصحيــح غــر واحــد مختلــف فيــه‪.‬‬
‫إن الســؤال أصبــح‪ :‬متــى علــم هــذان الصغ ـران بأمــور البيعــة والجهــاد؟ إنــه ال بــد وقــد ســبق‬
‫هــذه الســن تعليــم وحــض عــى الجهــاد يف ســبيل اللــه مــن الوالديــن‪ ،‬وهــذا هــو الغــرض مــن‬
‫الســؤال األول‪ ،‬إن الوالديــن عليهــا أن ينشِّ ــئا الصغــر منــذ أن يــدرك‪ ،‬أن اللــه فــرض جهــاد أعــداء‬
‫اللــه‪ .‬وأن هــذا الجهــاد رشف وعــزة وبطولــة وشــهادة وجنــة عرضهــا الســاوات واألرض‪ .‬إن‬

‫‪345‬‬
‫بنــاء الرجولــة وحــب البطولــة يشء تقــوم بــه األم مــع ابنهــا‪ ،‬فرتضعــه هــذه املعــاين حتــى تكــر‬
‫نفســه عليهــا‪ ،‬كــا تطعمــه الغــذاء ليكــر جســمه‪ ،‬وهكــذا كانــت أمهــات األبطــال املدافعــن عــن‬
‫األوطــان والفاتحــن يفعلــن ويحرصــن عــى هــذه املعــاين‪ ،‬روى أبــو داود بإســناد صحيــح قــال‪:‬‬
‫«عــن عبــد اللــه بــن هشــام ريض اللــه عنــه –وكان قــد أدرك النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪-‬‬
‫وذهبــت بــه أ ُّمــه‪ ،‬زينــب بنــت ُح َم ْيــد ريض اللــه عنهــا إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫فقالــت‪ :‬يــا رســول اللــه‪ ،‬بايعــه‪ ،‬فقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬هــو صغــر‪ ،‬ومســح‬
‫رأســه» انظــر هــذا الحــرص مــن تلــك األم عــى أن يبايــع اب ُنهــا النبــي صــى اللــه عليــه وســلم عــى‬
‫الجهــاد! رواه البخــاري أيضً ــا وفيــه زيــادة‪« ،‬ودعــا لــه‪ ،‬وكان يضحــي بالشــاة الواحــدة عــن جميــع‬
‫أهلــه» فكيــف ال يصبــح مثــل هــذا الطفــل وأمثالــه والــذي تربيــه بهــذه األم وأمثالهــا رضــوان‬
‫ـال يقيمــون رشع اللــه يف األرض ويدافعــون عنــه‪ ،‬وعــن الوطــن‪ ،‬ويحاربــون‬ ‫اللــه عليهــن‪ ،‬أبطـ ً‬
‫أعــداء اللــه يف األرض؟ وهــذا غــام صغــر يذهــب بنفســه إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫ويطلــب منــه املبايعــة‪ ،‬فيشــفق عليــه رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم لصغــره‪ ،‬ويؤجلــه‪،‬‬
‫فعــن الهرمــاس بــن زيــاد ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬مــددت يــدي إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم‪ ،‬وأنــا غــام؛ ليبايعنــي‪ ،‬فلــم يبايعنــي» رواه النســايئ وإســناده حســن‪ .‬وهــذا بطــل اإلســام‬
‫الزبــر بــن العــوام ريض اللــه عنــه يأمــر ابنــه الصغــر الــذي يبلــغ الســابعة أن يذهــب ويبايــع‬
‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬عــن أســاء بنــت أيب بكــر‪ ،‬زوج الزبــر ريض اللــه عنهــم‬
‫قالــت‪« :‬جــاء عبــد اللــه بــن الزبــر وهــو ابــن ســبع ســنني –أو مثــان‪ -‬ليبايــع رســول اللــه صــى‬
‫فتبســم رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم حــن رآه‬ ‫اللــه عليــه وســلم‪ ،‬وأمــره بذلــك الزبــر‪َّ ،‬‬
‫مقبـ ًـا‪ ،‬ثــم بايعــه» رواه البخــاري ومســلم‪.‬‬
‫‪ -‬وهــذه املبايعــات عــى الجهــاد ال تعنــي دفــع هــؤالء الصغــار لقتــال األعــداء‪ ،‬ولكنهــا تحميــل‬
‫املســؤولية للطفــل عــى الجهــاد يف ســبيل اللــه متــى أطــاق يف مســتقبل عمــره‪ ،‬فعــن الـراء بــن‬
‫ـت أنــا وابــن عمــر يــوم بــدر عــى النبــي صــى اللــه عليــه‬ ‫عــازب ريض اللــه عنــه قــال‪ُ « :‬عرضـ ُ‬
‫ـتص َغ َرنا‪ ،‬وشــهدنا أحــدً ا» رواه الط ـراين ورجالــه رجــال الصحيــح‪ .‬فقــد شــهد ال ـراء‬ ‫وســلم فاسـ ْ‬
‫وعبــد اللــه بــن عمــر ريض اللــه عنهــم غــزوة أحــد مقاتلــن للكفــار‪ ،‬بعــد أقــل مــن ســنتني مــن‬
‫ر ِّدهــا عــن القتــال يف غــزوة بــدر‪.‬‬
‫‪346‬‬
‫‪ -‬مل يكــن جهــاد الصغــار متعل ًقــا بواحــد أو اثنــن مــن الغلــان‪ ،‬بــل كل الصغــار كانــوا متطلعــن‬
‫لهــذا الــرف العظيــم‪ ،‬مطالبــن بــه كحـ ٍّـق لهــم‪ ،‬متدربــن ومتأهلــن لهــذا العمــل الشــاق والبــذل‬
‫الكبــر يف ســبيل اللــه‪ ،‬حتــى إنــه كان يقــام لهــذا األمــر ســنويًّا اســتعراض للبطولــة والقــوة لــكل‬
‫الصبيــان لينــال منهــم القــادر عليــه‪ .‬روى ســمرة بــن جنــدب ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬كان النبــي‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم يعــرض غلــان األنصــار يف كل عــام‪ ،‬فمــن بلــغ منهــم بعثــه‪ ،‬فعرضهــم‬
‫ذات عــام‪ ،‬فمــ ّر بــه غــام فبعثــه يف البعــث‪ ،‬وعــرض عليــه ســمرة مــن بعــده فــر ّده‪ ،‬فقــال‬
‫ســمرة‪ :‬يــا رســول اللــه‪ ،‬أجــزت غال ًمــا َو َر َد ْدتَنــي‪ ،‬ولــو صارعنــي لرصعتــه؟ قــال‪ :‬فدونــك فصارعــه‪،‬‬
‫فصارع ُتــه فرصعتــه‪ ،‬فأجــازين يف البعــث» رواه الط ـراين ورجالــه كلهــم ثقــات‪ .‬إنهــا مهرجانــات‬
‫رياضيــة هادفــة للصغــار وفــرق الشــباب‪ ،‬وكانــت هــذه رياضاتهــم وهــذا هــو لعبهــم‪.‬‬
‫‪ -‬عــن ابــن عبــاس ريض اللــه عنهــا قــال‪« :‬كان قدومنــا عــى رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫لخمــس مــن الهجــرة‪ ،‬خرجنــا متوصلــن مــع قريــش عــام األح ـزاب‪ ،‬وأنــا مــع أخــي الفضــل‬
‫ومعنــا غالمنــا أبــو رافــع‪ ،‬حتــى انتهينــا إىل ال َع ـ ْرج‪ ،‬فضـ َّـل لنــا يف الطريــق ركوبــة‪ ،‬وأخذنــا يف‬
‫ذلــك الطريــق عــى الجثجاثــة‪ ،‬حتــى خرجنــا عــى بنــي عمــرو بــن عــوف‪ ،‬حتــى دخلنــا املدينــة‪،‬‬
‫فوجدنــا رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يف الخنــدق‪ ،‬وأنــا يومئــذ ابــن مثــاين ســنني‪ ،‬وأخــي‬
‫ابــن ثــاث عــرة ســنة» رواه الطـراين‪ .‬وهــي هجــرة ابــن عبــاس ريض اللــه عنهــا وهــو يف ســن‬
‫مثــاين ســنني‪ ،‬وهــي هجــرة شــاقة يف أوقــات عصيبــة تح َّملهــا الطفــل الصغــر يف ســبيل اللــه تعــاىل‪.‬‬
‫والعــرج والجثجاثــة موضعــان بــن مكــة واملدينــة‪ ،‬وبنــو عمــرو بــن عــوف‪ ،‬قبائــل مــن األنصــار‬
‫كانــت تســكن جنــوب املدينــة مبنطقــة قبــاء‪.‬‬
‫‪ -‬كان لعــب األطفــال الصغــار تدري ًبــا عســكريًّا‪ ،‬واســتعدا ًدا للجهــاد‪ ،‬وكان الوالــد مــن الصحابــة‬
‫يؤهــل أوالده ويشــاركهم ويعلمهــم‪ ،‬فعــل ذلــك ســيدنا أنــس بــن مالــك ريض اللــه عنــه مــع أوالده‬
‫كــا رواه الط ـراين يف الحديــث الصحيــح قــال‪« :‬كان أنــس ريض اللــه عنــه يجلــس‪ ،‬ويُطْــرح لــه‬
‫فـراش ويجلــس عليــه‪ ،‬ويرمــي ولــده بــن يديــه‪ ،‬فخــرج علينــا يو ًمــا ونحــن نرمــي فقــال‪ :‬يــا بنــي‬
‫بئــس مــا ترمــون‪ ،‬ثــم أخــذ القــوس فرمــى‪ ،‬فــا أخطــأ القرطــاس» مــن ذلــك نعــرف أيــن أبناؤنــا‬
‫مــن أبنائهــم‪.‬‬

‫‪347‬‬
‫وعــن ابــن عمــر ريض اللــه عنهــا قــال‪« :‬أجــرى رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم مــا ضَ ُمــر من‬
‫الخيــل‪ :‬مــن الخفيــاء إىل ثن َّيــة الــوداع‪ ،‬وأجــرى مــا مل تضمــر‪ :‬مــن الثنيــة إىل مســجد بنــي زريــق‪.‬‬
‫قــال ابــن عمــر‪ :‬وكنــت فيمــن أجــري‪ ،‬فط َّفــف يب الفــرس املســجد» رواه البخــاري ومســلم‪ ،‬قــال‬
‫ســفيان‪ :‬مــن الخفيــاء إىل الثنيــة خمســة أميــال‪ ،‬ومــن الثنيــة إىل مســجد بنــي زريــق ميــل أو‬
‫نحــوه‪ .‬ومعنــى أجــرى‪ :‬أي ســابق بــن الفرســان عــى الخيــل‪ ،‬وطفــف يب الفــرس‪ :‬أي وثــب يف‬
‫محــازاة املســجد بارتفاعــه‪ .‬وهــذا يــدل عــى اعتــاد املســابقات الرياضيــة‪ ،‬والتــي كانــت تكســب‬
‫املهــارات يف ركــوب الخيــل بأنواعهــا‪ ،‬وترتيــب الفرســان والخيــل عــى قــدر مســتوياتهم‪ .‬وروى‬
‫البخــاري بســنده «خــرج رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم عــى نفــر مــن أســلم ينتضلــون‬
‫بالســيوف‪ ،‬فقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬ارمــوا بنــي إســاعيل‪ ،‬فــإن أباكــم كان‬
‫رام ًيــا‪ ،‬ارمــوا وأنــا مــع بنــي فــان‪ ،‬قــال‪ :‬فأمســك أحــد الفريقــن بأيديهــم‪ ،‬فقــال رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬مــا لكــم ال ترمــون؟ فقالــوا‪ :‬كيــف نرمــي وأنــت معهــم؟ فقــال النبــي‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬ارمــوا وأنــا معكــم كلكــم» واالنتضــال‪ :‬ال َّر ْمــي بالســهام‪ .‬فهــذا تقســيم‬
‫للفــرق الرياضيــة يشــهده رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬ويشــجع أحــد الفــرق إلشــعال‬
‫التنافــس الحميــد‪ ،‬ثــم لجاللتــه يتوقــف الفريــق اآلخــر أدبًــا أن ينافســوا فرقــة فيهــا رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم ألن ال َّرمــي هــو قــوة الجيــوش يف تلــك األزمــان‪.‬‬
‫‪ -‬ولذلــك كلــه يذهــب عنــا العجــب مــا صنعــه فتيــان مــن األنصــار رضــوان اللــه عليهــم‪ ،‬حــن‬
‫قتــا أبــا جهــل عليــه لعنــة اللــه يف غــزوة بــدر‪« .‬قــال عبــد الرحمــن بــن عــوف‪ :‬إين لفــي الصــف‬
‫ـت‪ ،‬فــإذا عــن ميينــي وعــن يســاري فتيــان حديثا السـ ّن‪ ،‬فــكأين مل آمــن مبكانهام‪،‬‬ ‫يــوم بــدر إذ التفـ ُّ‬
‫رسا مــن صاحبــه‪ :‬يــا عــم‪ ،‬أرين أبــا جهــل‪ ،‬فقلــت‪ :‬يــا ابــن أخــي‪ ،‬فــا تصنــع‬ ‫إذ قــال يل أحدهــا ًّ‬
‫ـب رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬قــال‪ :‬والــذي نفــي بيــده‬ ‫بــه؟ قــال‪ :‬أخــرت أنــه يسـ ُّ‬
‫ـت لذلــك‪ .‬قــال‪ :‬وغمــزين‬ ‫لــن رأيتــه ال يفــارق ســوادي ســواده حتــى ميــوت األعجــل م َّنــا‪ ،‬فتع َّجبـ ُ‬
‫اآلخــر‪ ،‬فقــال يل مثلهــا‪ ،‬فلــم أنشــب أن نظــرت إىل أيب جهــل يجــول يف النــاس‪ ،‬فقلــت‪ :‬أال تريــان؟‬
‫هــذا صاحبكــا الــذي تســأالين عنــه‪ ،‬قــال‪ :‬فابتــدراه بســيفيهام فرضبــاه حتــى قتــاه‪ ،‬ثــم انرصفــا‬
‫إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فقــال‪ :‬أيكــا قتلــه؟ فقــال كل واحــد منهــا‪ :‬أنــا قتلتــه‪،‬‬

‫‪348‬‬
‫قــال‪ :‬هــل مســح ُتام ســيفكام؟ فقــاال‪ :‬ال‪ ،‬فنظــر رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم إىل الســيفني‪،‬‬
‫فقــال‪ :‬كالكــا قتلــه» رواه البخــاري‪ .‬والفتيــان هــا‪ :‬معــاذ بــن عمــرو بــن الجمــوح ومعـ ِّوذ بــن‬
‫عفـراء ريض اللــه عنهــا‪.‬‬
‫***‬
‫بعض األحكام اليت تتعلق بالصغري‬
‫املولــود إذا ُولــد ح ًّيــا يــرث مــا كان ُم ْسـتَ ْبقًى لــه مــن وارثــه الــذي مــات أثنــاء حملــه‪ ،‬ولــو مــات‬
‫بعــد لحظــة مــن والدتــه‪ ،‬ولذلــك يــورث مــن بعــده‪ .‬روى أبــو داود «أن النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫ـتهل‪ ،‬ثــم مــات‪ ،‬ورث وو َّرث‪ ،‬وإذا مل يســتهل فــا يــرث وال يــورث»‬ ‫وســلم قــى أن املولــود إذا اسـ َّ‬
‫ومعنــى اســتهل‪ :‬أي رصخ عنــد الــوالدة‪ ،‬وهــي العالمــة عــى حياتــه‪ .‬وقــال صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم‪« :‬ال يــرث الصبــي حتــى يســتهل صار ًخــا‪ ،‬واســتهالله أن يصيــح أو يبــي أو يعطــس» رواه‬
‫الط ـراين‪.‬‬
‫* اليتيــم مــن مــات والــده وهــو صغــر قبــل البلــوغ‪ ،‬فــإذا بلــغ ال يعــد يتيـ ًـا‪ .‬قــال رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬ال يتــم بعــد ُحلْــم‪ ،‬وال يتــم عــى جاريــة إذا هــي حاضــت» رواه‬
‫الط ـراين والب ـزار ورجــال الط ـراين ثقــات‪ .‬والجاريــة‪ :‬البنــت‪ ،‬والحيــض عالمــة بلوغهــا‪ .‬واملعنــى‬
‫التكســب‪ ،‬بجانــب‬
‫امل ـراد يف اليتــم‪ ،‬هــو فقــد العائــل الــذي ينفــق عــى الصغــر العاجــز عــن ُّ‬
‫رعايتــه وال ُح ُنـ ِّو عليــه‪ ،‬لذلــك جــاءت األحاديــث التــي تحــض عــى النفقــة والشــفقة عــى اليتيــم؛‬
‫منهــا‪َ « :‬مـ ْن ضــم يتيـ ًـا بــن أبويــن مســلمني إىل طعامــه ورشابــه حتــى يســتغني عنــه‪ ،‬وجبــت‬
‫لــه الجنــة ال َب َّتــة» رواه أحمــد والط ـراين‪.‬‬
‫* «كان عبــد اللــه بــن الزبــر يقــي بشــهادة الصبيــان‪ ،‬فيــا بينهــم مــن الجــراح» أخرجــه‬
‫املوطــأ‪ .‬وجــاء أيضً ــا‪ ،‬أنــه كان يجيزهــا إذا جــيء بهــم يف حــال نــزول النازلــة‪ ،‬أي قبــل أن يســمعوا‬
‫أو يحفظــوا مــن الكبــار‪ .‬وكان عبــد اللــه بــن الزبــر أم ـ ًرا للمؤمنــن‪ ،‬وهــذا القضــاء فيــا بــن‬
‫الصغــار يف الجــروح فقــط‪ ،‬وأمــام القــايض‪ ،‬وإال فبشــهادة الصغــار يســتأنس بهــا القــايض فقــط‪،‬‬
‫ويــا ليــت بعــض األمهــات يعرفــن ذلــك؛ ألن الكثـرات يغضــن ويخاصمــن اآلخريــن مبجــرد ســاع‬
‫شــكوى أوالدهــم مــن أقرانهــم وجريانهــم‪ ،‬دون التث ُّبــت مــن هــذه الشــكوى‪ ،‬أو قبــل أن تســمع‬
‫اآلخريــن‪.‬‬
‫‪349‬‬
‫* قــد يحــب أحــد الوالديــن أحــد أوالدهــا أكــر مــن اآلخريــن‪ ،‬لســبب‪ ،‬أو غــر ســبب‪ ،‬فالقلــوب‬
‫واملحبــة مــن األرزاق املقســومة بــن العبــاد‪ ،‬ولكــن ال يؤثــر ذلــك يف اآلخريــن‪ ،‬بــأن يظهــر هــذه‬
‫يخصــه ببعــض العطــاء دون غــره؛ إذ املســاواة بــن‬ ‫املحبــة يف ســلوكه مــع املحبــوب منهــم‪ ،‬أو َّ‬
‫األوالد مطلوبــة وحتــى ال تحــدث املفاضلــة بينهــم آثــا ًرا ســيئة‪ ،‬إمــا يف كراهــة األوالد لبعضهــم‬
‫بعضً ــا وإشــعال الغــرة بينهــم‪ ،‬وإمــا يف كراهــة الوالــد‪ ،‬أو عــدم االرتيــاح لــه‪ ،‬لهــذا الســلوك الــذي‬
‫ال تحبــه النفــوس‪ ،‬وخاصــة نفــس الصغــر الحساســة لهــذه األمــور‪ .‬عــن النعــان بــن بشــر ريض‬
‫اللــه عنهــا قــال‪« :‬تصــدق عــي أيب ببعــض مالــه‪ ،‬فقالــت أمــي عمــرة بنــت رواصــة‪ :‬ال أرىض‬
‫حتــى تُشــهد رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فانطلــق أيب إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم‪ ،‬ليشــهده عــى صدقتــي‪ ،‬فقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬يــا بشــر‪ ،‬ألــك ولــدٌ‬
‫رك أن يكونــوا‬ ‫ـت لــه مثــل هــذا؟ قــال‪ :‬ال‪ ،‬قــال‪ :‬أيـ ُّ‬ ‫ســوى هــذا؟ قــال‪ :‬نعــم‪ ،‬قــال‪ :‬أكلُّهــم وهبـ َ‬
‫إليــك يف ال ـ ِّر ســواء؟ قــال‪ :‬بــى‪ ،‬قــال‪ :‬فــا إ ًذا» رواه البخــاري ومســلم‪ ،‬ويف روايــة أيب داود «إن‬
‫لهــم عليــك مــن الحــق أن تعــدل بينهــم‪ ،‬كــا أن لــك عليهــم مــن الحــق أن يـرُّوك» وقــد جــاء‬
‫«سـ ُّووا بــن أوالدكــم يف العطيــة‪ ،‬فلــو‬ ‫يف حديــث أخرجــه ابــن حجــر الهيثمــي يف مجمــع الزوائــد‪َ :‬‬
‫ـت النســاء» وذلــك لقلــة حيلتهــن يف الكســب‪.‬‬ ‫كنــت مفضـ ًـا أحــدً ا‪ ،‬لفضَّ لـ ُ‬
‫‪ -‬واملســاواة ليســت يف العطيــة فقــط‪ ،‬بــل معظــم التفضيــل عــادة يكــون يف املعاملــة واملجاملــة‬
‫واملســامحة‪ ،‬والتَّقريــب واإلبعــاد‪ ،‬والبشاشــة وال ُعبــوس‪ ،‬عــن أنــس ريض اللــه عنــه «أنَّ رجـ ًـا كان‬
‫عنــد النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فجــاء ابــن لــه‪ ،‬فق ّبلــه وأجلســه عــى فخــذه‪ ،‬وجاءتــه بنــت‬
‫يت بينهــا» رواه‬ ‫لــه‪ ،‬فأجلســها بــن يديــه‪ ،‬فقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬أال َس ـ َّو َ‬
‫البـزار‪ .‬ولعلــه ينفــع أن نذكّــر بحديــث رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬أعينــوا أوالدكــم عىل‬
‫الــر‪َ ،‬مــن شــاء اســتخرج العقــوق مــن ولــده» رواه الطـراين‪ .‬وانظــر حفظــك اللــه مــن الزلــل إىل‬
‫مســاواة رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬عــن أســامة بــن زيــد ريض اللــه عنهــا قــال‪« :‬كان‬
‫النبــي صــى اللــه عليــه وســلم يأخــذين فيقعــدين عــى فخــذه‪ ،‬ويقعــد الحســن عــى فخــذه‬
‫األخــرى‪ ،‬ثــم يضمهــا‪ ،‬ثــم يقــول‪ :‬اللهــم إين أرحمهــا فارحمهــا» رواه البخــاري‪ .‬ومعلــوم أن‬
‫الحســن ابــن بنتــه وأســامة ابــن مــواله‪ ،‬ولكنهــا يرتبيــان يف محضــن واحــد‪ .‬وأخـ ًرا أذكــر بحديــث‬

‫‪350‬‬
‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم الجامــع لــكل هــذه املعــاين «رحــم اللــه والــدً ا أعــان ولــده‬
‫عــى بـ ِّره» رواه الشــيخ ابــن حبــان‪.‬‬
‫* يُح َّيــا الطفــل بتحيــة اإلســام‪ ،‬الســام عليكــم ورحمــة اللــه وبركاتــه‪ ،‬مثــل الكبــار‪ ،‬ويجــب تعويد‬
‫الطفــل ذكــره وتعليمــه لــه‪ .‬عــن أنــس ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال يل رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم‪« :‬يــا بنــي‪ ،‬إذا دخلــت عــى أهلــك فسـلِّم‪ ،‬يكــن ســامك بركــة عليــك وعــى أهــل بيتــك»‬
‫رواه الرتمــذي‪ .‬ويجــب أن نعلمــه أن الصغــر هــو الــذي يبــدأ بالســام عــى الكبــر‪ ،‬وأن الشــخص‬
‫الــذي يركــب شــيئًا هــو الــذي يس ـلِّم عــى املــايش‪ ،‬وأن العــدد القليــل مــن النــاس هــو الــذي‬
‫يســلم عــى العــدد الكثــر‪ ،‬وأن الشــخص املــايش هــو الــذي يســلم عــى القاعــد‪ .‬روى أبــو هريــرة‬
‫عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬يســلم الراكــب عــى املــايش‪ ،‬واملــايش عــى القاعــد‪،‬‬
‫والقليــل عــى الكثــر‪ ،‬والصغــر عــى الكبــر» رواه البخــاري ومســلم‪.‬‬
‫ي رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم وأنــا ألعــب مــع‬ ‫‪ -‬عــن أنــس ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬أىت عـ ّ‬
‫الصبيــان‪ ،‬فسـلّم علينــا» رواه مســلم‪ .‬وعنــه ريض اللــه عنــه «أنــه مـ َّر عــى صبيــان فسـلّم عليهــم‪،‬‬
‫وقــال‪ :‬كان رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يفعلــه» رواه البخــاري ومســلم‪.‬‬
‫* نهــى اإلســام عــن أن يحلــق بعــض شــعر الصغــر ويــرك البعــض‪ ،‬وهــو مــا يســمى لغـ ًة‪ :‬ال َقـ َزع‪،‬‬
‫فقــد جــاء يف الحديــث الصحيــح «أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم نهــى عــن القــزع»‬
‫وزاد يف روايــة «قيــل‪ :‬ومــا القــزع؟ فأشــار لنــا عبيــد اللــه بــن عمــر‪ ،‬قــال‪ :‬إذا ُحلــق للصبــي تــرك‬
‫هــا هنــا وهــا هنــا‪ ،‬وأشــار عبيــد اللــه إىل ناصيتــه وجانبــي رأســه‪ ،‬قيــل لعبيــد اللــه‪ :‬والجاريــة؟‬
‫قــال‪ :‬ال أدري» ويف روايــة «قــال عبيــد اللــه‪ :‬قلــت لنافــع‪ :‬ومــا القــزع؟ قــال‪ :‬يحلــق بعــض رأس‬
‫الصبــي ويــرك البعــض» رواه البخــاري ومســلم‪ .‬وعــن ابــن عمــر ريض اللــه عنهــا قــال‪« :‬رأى‬
‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم صب ًّيــا قــد ُحلــق بعــض شــعر رأســه وتُــرك بعضــه‪ ،‬فنهاهــم‬
‫عــن ذلــك‪ ،‬وقــال‪ :‬احلقــوه كلــه‪ ،‬أو اتركــوه كلــه» رواه أبــو داود وهــو عــى رشط الصحيحــن‪.‬‬
‫والجاريــة‪ :‬البنــت الصغــرة‪.‬‬
‫* ين َّبــه الطفــل الصغــر كلــا عطــس‪ ،‬أن يقــول‪ :‬الحمــد للــه ونقــول لــه‪ :‬يرحمــك اللــه‪ ،‬ونعلمــه‬
‫أن يــرد عــى مــن ش ـ َّمتَ ُه بقولــه‪ :‬يهديكــم اللــه ويصلــح بالكــم‪ ،‬ونظــل معــه حتــى يتعلــم هــذا‬

‫‪351‬‬
‫الخلــق اإلســامي ويحفظــه‪ ،‬ونطلــب منــه أن يشـ ِّمت مــن عطــس ويدعــو لــه إذا حمــد اللــه‪ .‬عــن‬
‫أيب بُـ ْر َدة بــن نيــار ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬دخلــت عــى أيب مــوىس األشــعري وهــو يف بيــت بنــت‬
‫ـت فشـ َّم َتها‪ ،‬فرجعــت إىل أمــي‪ ،‬فأخربتهــا‪،‬‬ ‫ـت‪ ،‬فلــم يشــمتني‪ ،‬وعطَ َسـ ْ‬ ‫الفضــل بــن عبــاس‪ ،‬فعطسـ ُ‬
‫فلــا جاءهــا قالــت‪ :‬عطــس عنــدك ابنــي فلــم تش ـ ِّمته‪ ،‬وعطســت فشــم َّتها؟ فقــال‪ :‬إن ابنــك‬
‫عطــس فلــم يحمــد اللــه فلــم أشــمته‪ ،‬وعطســت فحمــدت اللــه فشــمتها‪ ،‬ســمعت رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم يقــول‪ :‬إذا عطــس أحدكــم فحمــد اللــه‪ ،‬فش ـ ِّم ُتوه‪ ،‬فــإن مل يحمــد اللــه‬
‫فــا تشــمتوه» رواه مســلم‪ .‬التشــميت‪ :‬أن تقــول ملــن عطــس‪ :‬يرحمــك اللــه‪.‬‬
‫* يجــوز أن يلبــس الطفــل الخاتــم والعقــد‪ ،‬مــن فضــة‪ ،‬أو مــن ذهــب‪ ،‬ولـ ًدا كان الطفــل‪ ،‬أو بنتًــا‪،‬‬
‫فــإذا بلــغ ال يجــوز لــه لبــس الذهــب والتحـ ِّـي بــه‪ ،‬ويجــوز لــه كســائر الرجــال التحـ ِّـي بالفضــة‪.‬‬
‫عــن عائشــة ريض اللــه عنهــا قالــت‪« :‬قدمــت عــى رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم حلي ـ ٌة‬
‫ـص حبــي‪ ،‬قالــت‪ :‬فأخــذه النبــي صــى اللــه‬ ‫أهداهــا النجــايش‪ ،‬فيهــا خاتــم مــن ذهــب‪ ،‬فيــه فـ ٌّ‬
‫عليــه وســلم بعــو ٍد معرضً ــا عنــه‪ ،‬أو ببعــض أصابعــه‪ ،‬ثــم دعــا أمامــة بنــت أيب العــاص مــن‬
‫بنتــه زينــب فقــال‪ :‬تحـ ِّـي بهــذه يــا بنيــة» رواه أبــو داود‪ .‬وروى الرتمــذي بســنده «كان الحســن‬
‫والحســن يتخ َّتــان يف يســارهام» وروى الط ـراين بســنده قــال‪« :‬أىت بعــض بنــي جعفــر بــن أيب‬
‫طالــب إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬بــأيب أنــت وأمــي يــا رســول اللــه‪ ،‬أرســل‬
‫ـال‪ ،‬فقــال‪ :‬انطلــق‬ ‫معــي مــن يشــري يل نعـ ًـا وخامتًــا‪ ،‬فدعــا النبــي صــى اللــه عليــه وســلم بـ ً‬
‫فصــه مــن‬ ‫إىل الســوق‪ ،‬فاشـرِ لــه نعـ ًـا واســتجدَّ ها‪ ،‬وال تكــن ســوداء‪ ،‬واشــر لــه خامتًــا‪ ،‬وليكــن ُّ‬
‫عقيــق» وروى الطـراين أيضً ــا «مــن تخ َّتــم بالعقيــق مل يــزل يــرى خـ ًرا»‪.‬‬
‫ـت مــع النبــي صــى اللــه عليــه وســلم يف طائفــة‬ ‫‪ -‬عــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬خرجـ ُ‬
‫مــن النهــار‪ ،‬ال يكلمنــي‪ ،‬وال أكلمــه‪ ،‬حتــى جــاء ســوق بنــي قينقــاع‪ ،‬ثــم انــرف‪ ،‬حتــى أىت مخدع‬
‫ـم لُكَــع؟ ‪-‬يعنــي حسـ ًنا‪ -‬فظن َّنــا أنــه إمنــا تحبســه أمــه ألن تغســله‪ ،‬أو تلبســه‬ ‫فاطمــة‪ ،‬فقــال‪ :‬أثـ َّ‬
‫ســخا ًبا‪ ،‬فلــم يلبــث أن جــاء يســعى‪ ،‬حتــى اعتنــق كل واحــد منهــا صاحبــه‪ ،‬فقــال رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬اللهــم إين أح ُّبــه وأحــب مــن يح ُّبــه» رواه البخــاري ومســلم‪ ،‬ولكــع‪ :‬يريد‬
‫الصغــر‪ ،‬والســخاب‪ :‬القــادة‪ ،‬خيــط ينضــم فيــه خــرز ويلبســه الصبيــان والجــواري‪ ،‬أي البنــات‪.‬‬

‫‪352‬‬
‫* مــن األحــكام القرآنيــة الــواردة يف البيــوت‪ ،‬حكــم االســتئذان‪ ،‬داخــل البيــت مــن املقيمــن فيــه‪،‬‬
‫بعضهــم عــى بعــض يف خلوتهــم أو يف الحجــرة الخاصــة‪ ،‬أو الحجــرة املغلقــة عــى مــن فيهــا‪،‬‬
‫وهــو حكــم مريــح ج ـ ًّدا للجميــع حتــى يعيــش أف ـراد األرسة داخــل البيــت الواحــد‪ ،‬مطمئنــن‬
‫ومرتاحــن‪ ،‬دون الخــوف مــن انكشــاف عــورة يتحــرج اإلنســان مــن كشــفها ألقــرب مــن يعيــش‬
‫معهــم مــن أهلــه‪ .‬إن هــذا الحكــم الرشعــي‪ ،‬والتوجيــه الربَّــاين‪ ،‬يؤصــل يف النفــوس‪ ،‬احــرام‬
‫املشــاعر‪ ،‬وعــدم خــدش الحيــاء‪ ،‬وعــدم اإلقــاق يف أوقــات الراحــة‪ ،‬أو يف األوقــات املعتــاد إشــباع‬
‫الحاجــات الغريزيــة‪ ،‬والتــي ال يحــب أحــد أن يقطــع عليــه اآلخــرون اســتمتاعهم‪ .‬يقــول اللــه‬
‫عــز وجــل‪{ :‬يَــا أَيُّ َهــا ال َِّذيـ َن َآ َم ُنــوا لِ َي ْسـتَأْ ِذنْ ُك ُم ال َِّذيـ َن َملَ َكـ ْ‬
‫ـت أَ ْ َيانُ ُكـ ْم َوال َِّذيـ َن لَـ ْم يَ ْبلُ ُغــوا الْ ُحلُـ َم‬
‫ات ِمـ ْن قَ ْبــلِ َصـ َـا ِة الْ َف ْجـ ِر َو ِحـ َن تَضَ ُعــو َن ثِ َيابَ ُكـ ْم ِمـ َن الظَّ ِهـ َر ِة َو ِمـ ْن بَ ْعـ ِـد َصـ َـا ِة‬ ‫ِم ْن ُكـ ْم �ثَـ َـاثَ َمـ َّر ٍ‬
‫ـاح بَ ْع َد ُهـ َّن طَ َّوافُــو َن َعلَ ْي ُكـ ْم بَ ْعضُ ُكـ ْم‬ ‫ـس َعلَ ْي ُكـ ْم َو َل َعلَ ْي ِهـ ْم ُج َنـ ٌ‬ ‫ات لَ ُكـ ْم لَ ْيـ َ‬ ‫الْ ِعشَ ــا ِء �ثَـ َـاثُ َعـ ْو َر ٍ‬
‫ـات َواللَّـ ُه َعلِيـ ٌم َح ِكيـ ٌم} [النــور‪ ،]58 :‬فالخــدم واألطفــال‬ ‫اليَـ ِ‬ ‫ـن اللَّـ ُه لَ ُكـ ُم ْ َ‬‫ـض كَ َذلِـ َـك يُبَـ ِّ ُ‬ ‫َعـ َـى بَ ْعـ ٍ‬
‫غــر البالغــن ال بــد أن يســتأذنوا عــى الوالديــن‪ ،‬أو اآلخريــن قبــل أن يقتحمــوا عليهــم أماكــن‬
‫نومهــم أو تواجدهــم يف تلــك األوقــات التــي يتخـ َّـى فيهــا اإلنســان عــادة عــن االحتشــام أمــام‬
‫اآلخريــن‪ ،‬حتــى ولــو أوالده وأف ـراد أرستــه‪ ،‬فــا يتقيــد يف ملبســه أو مجلســه أو أوضاعــه كلهــا‪،‬‬
‫ويتحــرر مــن قيــود االحتشــاد أوقــات الراحــة واالســتمتاع‪ .‬وهــذا الحكــم يف بــاب األوىل يجــب‬
‫عــى البالغــن مــن أف ـراد األرسة‪ ،‬وهــذا الحكــم يخــص أوالد الوالديــن‪ ،‬ثــم يعــم الجميــع مــن‬
‫حيــث االســتئذان‪ ،‬ويراعــى أن النــص عــى تلــك األوقــات املعتــادة‪ ،‬ال يخــرج باقــي األوقــات إذا‬
‫اعتــاد أهــل البيــت خالفهــا‪ ،‬ألن الغايــة مــن االســتئذان وحكمتــه تتوفّــر يف تلــك األوقــات األخــرى‪.‬‬
‫‪ -‬مــن الجميــل أن يســلك الكبــار مــع الطفــل الصغــر هــذا املســلك امله ـذَّب‪ ،‬بــأن يســتأذنوا يف‬
‫الدخــول عــى الطفــل‪ ،‬حتــى يتفطَّــن ويتن ّبــه لهــذا األمــر‪ ،‬بجانــب مطالبــة الصغــر بــأن يســتأذن‬
‫هــو عنــد الدخــول عــى أحــد يف حجرتــه‪ ،‬وخاصــة أال يفتــح بابًــا مغل ًقــا لحجــرة أو مــكان فيــه‬
‫أف ـراد مــن األرسة‪ ،‬إال بعــد أن يســتأذن –بــدق البــاب مثـ ًـا‪ -‬وبعــد أن يأذنــوا لــه يف الدخــول‪.‬‬
‫وأنــه إذا طالبــوه باالنتظــار قليـ ًـا فعليــه االنتظــار حتــى يأذنــوا لــه‪ .‬ويفعــل ذلــك مــع الصغــر‬
‫مــن ِص َغــره ومنــذ أن يــدرك معنــى االســتئذان حتــى يكــر وهــو يســلك هــذا الســلوك بتلقائيــة‬
‫واعتيــاد‪.‬‬

‫‪353‬‬
‫يتنصــت ألحاديــث الكبــار‪ ،‬إال إذا طلبــوا منــه‬
‫‪ -‬يســتحب إذا أصبــح الطفــل مميِّـ ًزا أن ينبَّــه عــى أال َّ‬
‫االســتامع‪ ،‬حتــى ال يعتــاد هــذا الســلوك ويتَّصــف بــه‪ ،‬وكذلــك ين ّبــه عــى أنــه إذا ســمع حديثًــا‬
‫رسا مــن األرسار‪ ،‬أو أخــره بــه أحــد‪،‬‬ ‫بــن اثنــن أو أكــر أال ينقلــه ويحكيــه لآلخريــن‪ ،‬وإذا عــرف ًّ‬
‫فــا يفشــيه‪ .‬عــن أنــس بــن مالــك ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬أىت عــي رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم وأنــا ألعــب مــع الغلــان‪ ،‬فســلم علينــا وبعثنــي إىل حاجتــه‪ ،‬فأبطــأت عــى أ ِّمــي‪ ،‬فلــا‬
‫جئــت قالــت‪ :‬مــا حبســك؟ قلــت‪ :‬بعثنــي رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يف حاجتــه‪ ،‬قالــت‪:‬‬
‫ر رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم أحــدً ا‪،‬‬ ‫رس‪ ،‬قالــت‪ :‬ال تحدِّ ثــن بـ ِّ‬‫مــا حاجتــه؟ قلــت‪ :‬إنهــا ٌّ‬
‫ـت أحــدً ا لحدَّ ثتــك يــا ثابــت» رواه مســلم‪ ،‬وثابــت هــو ثابــت البنــاين‬ ‫قــال أنــس‪ :‬واللــه لــو حدَّ ثـ ُ‬
‫تلميــذ أنــس ريض اللــه عنهــا‪ .‬وعنــه ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬كان أول مــا أوصــاين بــه رســول اللــه‬
‫رسي تكــن مؤم ًنــا‪ ،‬فكانــت أ ِّمــي وأزواج النبــي‬ ‫صــى اللــه عليــه وســلم أن قــال‪ :‬يــا بنــي اكتــم ِّ‬
‫رس رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فــا أخربهــن بــه‪،‬‬ ‫صــى اللــه عليــه وســلم يســألنني عــن ِّ‬
‫وال أخــر بــر رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم أحــدً ا أبــدً ا» رواه أبــو يعــى والطـراين‪ ،‬وكانــت‬
‫ســن أنــس عنــد ذلــك مثــاين ســنني‪.‬‬
‫***‬
‫الصغرية واحلجاب‬
‫* الطفلــة الصغــرة‪ ،‬يجــب عــى الوالديــن تحبيــب الحجــاب إليهــا‪ ،‬حتــى ترغــب يف تغطيــة‬
‫شــعرها وبدنهــا تشــب ًها بوالدتهــا وبالنســاء‪ ،‬والصغــرة إن كانــت ال تأثــم مــن كشــف شــعرها‬
‫أو بعــض بدنهــا قبــل ســن التكليــف‪ ،‬وهــو البلــوغ‪ ،‬ولكنهــا تؤجــر عــى الحجــاب مثــل باقــي‬
‫العبــادات التــي تؤديهــا‪ ،‬كــا ســبق بيانــه‪ ،‬وكذلــك الوالــدان يؤجـران عــى تعليمهــا وترغيبهــا يف‬
‫ـرا معهــا يف ذلــك حتــى تبلــغ‪.‬‬ ‫ذلــك ويف فعلــه إن فعلتــه‪ ،‬ويأمثــان وال تأثــم الصغــرة‪ ،‬إن هــا قـ َّ‬
‫ويحســن أال نرتكهــا حتــى تكتشــف مفاتنهــا وتحــب أن تظهرهــا مثــل الكبـرات‪ ،‬فالصغــرة يف ســن‬
‫قبــل املراهقــة‪ ،‬تحــب النظــر كثـ ًرا يف املــرآة وتعجــب بجســدها وشــعرها‪ ،‬فــإذا كانــت قــد تع َّودت‬
‫الحجــاب‪ ،‬فــا خطــر مــن ذلــك عليهــا‪ ،‬وألن الضَّ غــط عليهــا يف هــذه الســن‪ ،‬إن مل تكــن لبســت‬

‫‪354‬‬
‫الحجــاب قبلــه‪ ،‬يجعلهــا تبغضــه وال ترتــاح إليــه‪ ،‬وقــد تتخــى عــن لبســه إن أمكنهــا ذلــك فيــا‬
‫بعــد‪.‬‬
‫‪ -‬مــن األســاليب العمليــة النافعــة‪ ،‬أن نشــري للصغــرة املالبــس وغطــاء الــرأس مــن األلــوان‬
‫الجميلــة التــي تحبهــا الصغــرة‪ ،‬ونــرك لهــا اختيــار مــا تشــاء مــن ذلــك‪ ،‬كــا نجعــل الهدايــا يف‬
‫املناســبات‪ ،‬والتــي تق ـ ّدم لهــا‪ ،‬مــن هــذه املالبــس‪.‬‬
‫‪ -‬صــاة الصغــرة ت ُع ِّودهــا عــى هــذه املالبــس‪ ،‬ألنهــا تلبســها عنــد الصــاة فتصبــح مألوفــة لهــا‪،‬‬
‫ومرتبطــة بالديــن الــذي تحبــه‪.‬‬
‫‪ -‬تنبيههــا إىل رؤيــة بعــض املشــهورات‪ ،‬والجميــات‪ ،‬وهــن يرتديــن املالبــس الخاصــة بالحجــاب‬
‫يشــجعها عــى ارتدائهــا وحــب التشــبه بهــن‪ ،‬وكذلــك رؤيتهــا الصغ ـرات مــن أقرانهــا‪ ،‬والثنــاء‬
‫عليهــن أمامهــا‪ ،‬وبطريقــة كأنهــا غــر مقصــودة‪ ،‬تزيدهــا رغبــة يف الحجــاب‪.‬‬
‫***‬
‫الطفل وبرُّ الوالدين‬
‫* أن يــر الطفــل الصغــر والديــه عندمــا يكــر‪ ،‬ال يكــون ذلــك إال مــن غــرس الــر يف نفــس الصغــر‬
‫مــن قبــل الوالديــن ومــن تعليمــه وتعويــده منــذ ِص َغــره عــى بــر الوالديــن‪ ،‬وســوف يــأيت إن شــاء‬
‫اللــه يف فصــل اكتســاب الخصــال‪ ،‬املنهــج العمــي الكتســاب هــذا الخلــق‪ .‬روى الشــيخ ابــن حبــان‬
‫عــن ابــن عمــر ريض اللــه عنهــا عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬رحــم اللــه والــدً ا أعــان‬
‫ـوت‬
‫ولــده عــى ب ـ ِّره» وجــاء رجــل إىل ابــن املبــارك‪ ،‬فشــكا إليــه بعــض ولــده‪ ،‬فقــال‪ :‬هــل دعـ َ‬
‫ـت أفســدته»‪ .‬وروى الط ـراين بســنده عــن النبــي صــى اللــه عليــه‬ ‫عليــه؟ قــال‪ :‬نعــم‪ ،‬قــال‪ :‬أنـ َ‬
‫وســلم‪« :‬أعينــوا أوالدكــم عــى الــر‪ ..‬مــن شــاء اســتخرج العقــوق مــن ولــده»‪ .‬وعــن ابــن عمــر‬
‫ريض اللــه عنهــا قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬سـ ّـاهم اللــه األبـرار‪ ،‬ألنهــم‬
‫بـ ُّروا اآلبــاء‪ ،‬واألمهــات‪ ،‬واألبنــاء‪ ،‬كــا أن لوالديــك عليــك ح ًّقــا‪ ،‬كذلــك لولــدك» رواه الطـراين‪.‬‬
‫وعــن عبــد اللــه بــن مســعود ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬ســألت رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪:‬‬
‫أي العمــل أحــب إىل اللــه؟ قــال‪ :‬الصــاة عــى وقتهــا‪ ،‬قلــت‪ :‬ثــم أي؟ قــال‪ :‬بــر الوالديــن‪ ،‬قلــت‪:‬‬

‫‪355‬‬
‫ثــم أي؟ قــال‪ :‬الجهــاد يف ســبيل اللــه» رواه البخــاري ومســلم‪ ،‬وعــن معــاذ بــن أنــس ريض اللــه‬
‫عنــه أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬مــن بـ َّر والديــه طــوىب لــه‪ ،‬زاد اللــه عمــره»‬
‫رواه أبــو يعــى والطـراين والحاكــم وقــال‪ :‬صحيــح اإلســناد‪ ،‬وقــال صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬رضــا‬
‫اللــه يف رضــا الوالــد‪ ،‬وســخط اللــه يف ســخط الوالــد» رواه الرتمــذي وابــن حبــان والحاكــم والطرباين‬
‫والب ـزار‪ .‬فهــذه األحاديــث وغريهــا كثــر‪ ،‬يجــب عــى الوالديــن واملربــن مــن املعلمــن‪ ،‬ذكرهــا‬
‫للطفــل الصغــر ورشحهــا لــه‪ ،‬ومطالبتــه بالســلوك عــى هديهــا‪ ،‬وتحذيــره مــن عقوقهــا‪ .‬وكذلــك‬
‫يجــب عليهــم رشح آيــات القــرآن التــي تخــص وتوجــب بــر الوالديــن والرتهيــب مــن عقوقهــا‪.‬‬
‫ـول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم رجـ ٌـل ومعــه شــيخ‪ ،‬فقــال لــه‪ :‬يــا فــان‪ ،‬مــن هــذا‬ ‫‪« -‬أىت رسـ َ‬
‫ـش أمامــه‪ ،‬وال تجلــس قبلــه‪ ،‬وال تدعــه باســمه‪ ،‬وال تستســب لــه»‬ ‫معــك؟ قــال‪ :‬أيب‪ ،‬قــال‪ :‬فــا متـ ِ‬
‫رواه الطـراين‪ ،‬وهــذا تعليــم مــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم لالبــن‪ ،‬لتوقــره‪ ،‬والوفــاء بحقــه‬
‫مــن االحـرام‪ ،‬وواجبنــا تعليــم مثــل هــذه األمــور ألطفالنــا حتــى يوفــوا الوالــد حقــه مــن التقديــر‬
‫والتبجيــل‪.‬‬
‫ـش بــن يــدي أبيــك‪،‬‬ ‫‪ -‬وعــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬ال متـ ِ‬
‫ولكــن امــش خلفــه أو إىل جانبــه‪ ،‬وال تــدع أحــدً ا يحــول بينــك وبينــه‪ ،‬وال تــأكل عر ًقــا قــد نظــر‬
‫أبــوك إليــه‪ ،‬لعلَّــه قــد اشــتهاه» رواه الط ـراين‪ .‬والعــرق‪ :‬عظــم عليــه لحــم‪ .‬كــا روى الطــرين‬
‫بســنده عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم «مــا بَـ َّر أبــاه مــن سـ َّد َد إليــه الطــرف بالغضــب» أي‬
‫نظــر إليــه غاض ًبــا منــه‪.‬‬
‫‪ -‬عــن أنــس ريض اللــه عنــه «أن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال ذات يــوم لغــام مــن‬
‫األنصــار‪ :‬ناولنــي نَ ْعــى»‪ ،‬فقــال الغــام‪ :‬يــا نبــي اللــه‪ ،‬بــأيب أنــت وأمــي اتركنــي حتــى أجعلهــا يف‬
‫ـارض عنــه»‬
‫رجلــك‪ ،‬فقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬اللهــم إن عبــدك هــذا يرتضَّ ــاك فـ َ‬
‫رواه الط ـراين‪ .‬وهــذا الفعــل مــن الغــام يكــون رائ ًعــا إن فعلــه الطفــل الصغــر مــع والديــه‪.‬‬

‫‪356‬‬
‫الطفل وعقوق الوالدين‬
‫* العقــوق لغـ ًة‪ :‬مــن العــق وهــو الشَّ ــق والقطــع‪ ،‬ويقــال‪ :‬عــق والــده؛ إذا عصــاه وخــرج عليــه‪،‬‬
‫كأنــه يقطــع مــا بينــه وبــن الوالديــن مــن الحقــوق‪ ،‬وهــو ضــد الــر‪ .‬عــن أنــس ريض اللــه عنــه‬
‫قــال‪ُ « :‬ذكــر عنــد رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم الكبائــر‪ ،‬فقــال‪ :‬الــرك باللــه‪ ،‬وعقــوق‬
‫الوالديــن» رواه البخــاري ومســلم‪ .‬وقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬إن مــن أكــر‬
‫الكبائــر أن يلعــن الرجــل والديــه‪ ،‬قيــل‪ :‬يــا رســول اللــه‪ ،‬وكيــف يلعــن الرجــل والديــه؟ قــال‪:‬‬
‫يســب أبــا الرجــل‪ ،‬فيســب أبــاه‪ ،‬ويســب أمــه‪ ،‬فيســب أمــه» رواه البخــاري ومســلم‪ .‬فلــو صـ َدق‬
‫الوالــدان بيقــن أن ولدهــا يرتكــب كبــرة مــن الكبائــر‪ ،‬إذا شــتم أحـ ًدا فشــتمه اآلخــر‪ ،‬لحرص كل‬
‫منهــا رحمـ ًة وشــفقة عــى االبــن أال يســب أحـ ًدا‪ ،‬أو يجعــل أحـ ًدا يســب أبــاه بســبب ســلوكه‪.‬‬
‫‪ -‬يجــب عــى الوالديــن واملعلمــن تلقــن الصغــر‪ ،‬ومنــذ طفولتــه‪ ،‬أن للوالديــن حقوقًــا عليــه‪،‬‬
‫وأن عليــه أن يفــي لهــا يف كــره ومســتقبله معهــا‪ ،‬وبــكل مــا لهــا عليــه مــن الحقــوق‪ ،‬ومنهــا‬
‫النفقــة إن احتــاج لهــا وهــو ميلكهــا‪ ،‬خاصــة وقــد جعلهــا اللــه ســب ًبا يف تعليمــه وتغذيتــه حتــى‬
‫كــر وأصبــح قــاد ًرا عــى الكســب‪ ،‬لذلــك روى البـزار والطـراين «جــاء رجــل يســتعدي عــى والده‪،‬‬
‫فقــال‪ :‬إنــه يأخــذ مــايل‪ ،‬فقــال لــه رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬أنــت ومالــك ألبيــك» ويف‬
‫روايــة «أنــت ومالــك مــن كســب أبيــك» كــا روى الطـراين بســند رجالــه رجــال الصحيــح‪ ،‬وابــن‬
‫ـال وإن‬ ‫ـال وعيـ ً‬
‫ماجــة «أن رجـ ًـا أىت النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬يــا رســول اللــه إن يل مـ ً‬
‫أيب يريــد أن يأخــذ مــن مــايل إىل مالــه؟ فقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬أنــت ومالــك‬
‫ألبيــك»‪ .‬فهــذه األحاديــث وأمثالهــا يجــب أن تألفهــا آذان الصغــار‪ ،‬ويجــب أن تتــرب معانيهــا‬
‫قلوبهــم‪ ،‬حتــى يدركــوا مــدى حقــوق الوالديــن‪ ،‬وأن عــدم الوفــاء بهــذه الحقــوق مــن الكبائــر‪.‬‬
‫‪ -‬وأختــم هــذا الحكــم الهــام بهــذه الواقعــة املؤثــرة‪« :‬جــاء رجــل إىل النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم فقــال‪ :‬يــا رســول اللــه‪ ،‬إن أيب أخــذ مــايل‪ .‬فقــال صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬اذهــب فأتنــي‬
‫بأبيــك‪ ،‬فنــزل جربيــل عــى النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬إن اللــه عــز وجــل يقرئــك‬
‫الســام ويقــول لــك‪ :‬إذا جــاءك الشــيخ‪ ،‬فســله عــن يشء قالــه يف نفســه مــا ســمعته أذنــاه‪ ،‬فلــا‬

‫‪357‬‬
‫جــاء الشــيخ قــال لــه النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬مــا بــال ابنــك يشــكوك؟ أتريــد أن تأخــذ‬
‫عمتــه‪ ،‬أو خاالتــه‪ ،‬أو عــى نفــي؟‬ ‫مالــه؟ فقــال‪ :‬ســله يــا رســول اللــه هــل أنفقتــه إال عــى إحــدى َّ‬
‫فقــال النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬إيــه‪ ،‬دعنــا مــن هــذا‪ ،‬أخــري عــن يشء قلتــه يف نفســك مــا‬
‫ـت‬‫ســمعته أذنــاك؟ فقــال الشــيخ‪ :‬واللــه يــا رســول اللــه مــا يـزال اللــه يزيدنــا بــك يقي ًنــا‪ ،‬لقــد قلـ ُ‬
‫شــيئًا يف نفــي مــا ســمعته أذنــاي‪ ،‬فقــال‪ :‬قــل وأنــا أســمع‪ ،‬قــال‪ :‬قلــت‪:‬‬
‫نُغ َُّل مبا أجني عليك وتَ ْن َه ُل‬ ‫غذوتُك مولو ًدا و ِم ْنتُك ياف ًعا‬
‫أمتلمل‬
‫ُ‬ ‫بالسقم مل أب ِْت لسقمك إال ساه ًرا‬ ‫إذا ليلة ضافتك ِّ‬
‫املطروق دونك بالذي طُ ِرق َْت به دوين فعيني ُ‬
‫تهمل‬ ‫ُ‬ ‫كأين أنا‬
‫تخاف ال َّردى نفيس عليك وإنها لتعلم أن املوت وقت مؤ َّج ُل‬
‫كنت فيك أؤ ِّمل‬ ‫فلام بلغت الس َّن والغاية التي إليها مدى ما ٌ‬
‫املتفضل‬
‫ُ‬ ‫جعلت جزايئ غلظ ًة وفظاظ ًة كأنك أنت املنع ُم‬ ‫َ‬
‫فعلت كام الجار املجاور يفعل‬ ‫َ‬ ‫فليتك إذا مل ترع حق أُبُ َّويت‬
‫موكل‬
‫بر ٍّد عىل أهل الصواب ُ‬ ‫تراه مع ًّدا للخالف كأنه‬
‫حينئـ ٍـذ أخــذ النبــي صــى اللــه عليــه وســلم بتالبيــب ابنــه فقــال‪ :‬أنــت ومالــك ألبيــك» رواه‬
‫الطــراين يف الكبــر والصغــر واألوســط‪ ،‬وروى ابــن ماجــة طرفًــا منــه‪.‬‬
‫***‬
‫الطفل وصلة الرحم‬
‫* مــا ع َّمــت بــه البلــوى بــن املســلمني‪ ،‬ضعــف صلــة الرحــم‪ ،‬أو قطعهــا‪ ،‬والتدابــر والتباغــض‬
‫بــن األقــارب‪ ،‬لذلــك‪ ،‬وحتــى نعيــد الخــر بــن النــاس‪ ،‬ويتقــوى املجتمــع املســلم‪ ،‬ويتآلــف األقــارب‬
‫ويتواصلــوا‪ ،‬ال بــد أن نبــدأ مــن تعليــم الطفــل هــذا الخــر‪ ،‬وهــذا الخلــق األصيــل يف بنــاء املجتمع‪،‬‬
‫رسه‬
‫وترابــط األرس‪ .‬عــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪َ « :‬مـ ْن َّ‬
‫أن يبســط لــه يف رزقــه‪ ،‬وأن ينســأ لــه يف أثــره‪ ،‬فليصــل رحمــه» رواه البخــاري والرتمــذي ولفظــه‬
‫«تعلَّمــوا مــن أنســابكم مــا تصلــون بــه أرحامكــم فــإن صلــة الرحــم محبــة يف األهــل‪ ،‬مـراة يف‬
‫املــال‪ ،‬منســأة يف األثــر» ومنســأة يف األثــر‪ ،‬أي زيــادة وبركــة يف العمــر‪ .‬إنهــا دعــوة كرميــة مــن‬
‫‪358‬‬
‫رســول الرحمــة صــى اللــه عليــه وســلم أن نحــرص عــى أن نتعلّــم ونحفــظ‪ ،‬كل أقاربنــا وأبنــاء‬
‫أرحامنــا‪ ،‬فــا ننســاهم أو نهملهــم‪ ،‬ويجــب أن نعلــم الطفــل الصغــر ونعرفــه كل أقاربــه مــن‬
‫ناحيــة والــده‪ ،‬ومــن ناحيــة والدتــه أصــولً ‪ ،‬وفرو ًعــا‪ ،‬وحــوايش‪ ،‬أي آبــاء‪ ،‬وأبنــاء‪ ،‬وإخــوة وأخــوات‬
‫وأعــام وعــات‪ ،‬وخــاالت وأخــوال‪ ،‬وأبناءهــم وأقاربهــم‪ ،‬فــكل هــؤالء‪ ،‬يســعد الصغــر مبعرفتهــم‪،‬‬
‫ويعتــز بهــم وبصلتــه وقرابتــه لهــم‪ ،‬فقـراء كانــوا‪ ،‬أو أغنيــاء‪ ،‬كانــوا هــم واصلــن للرحــم معنــا‪ ،‬أو‬
‫قاطعــن لهــا‪ .‬إين لألســف شــاهدت أبنــاء عمومــة يقيمــون يف مدينــة واحــدة‪ ،‬ال يعــرف بعضهــم‬
‫بعضً ــا‪ ،‬و َم ـ ْن يتعــارف مــن األقــارب يف زماننــا هــذا‪ ،‬قــد يكتفــي بالســؤال أو الزيــارة النــادرة‪،‬‬
‫وكأنــه غريــب يــزور غربــاء‪ .‬إننــا نحتــاج إىل بــث حـرارة املــو ّدة والقــرىب يف األجيــال الصغــرة حتــى‬
‫تعيــد هــذه األجيــال صلــة الرحــم‪ ،‬كأصــل مــن أصــول قــوة املجتمــع‪ ،‬وســعادة األُرس‪.‬‬
‫‪ -‬مــن األســاليب العمليــة لتعويــد الطفــل صلــة الرحــم‪ ،‬أن يســمع الخــر دامئًــا عــن أقاربــه‪ ،‬وال‬
‫نذكــر أمامــه مــا يبغِّضهــم لــه‪ ،‬ونحــدث الطفــل عــن اآلبــاء واألجــداد واألعــام واألخــوال وعــن‬
‫أبنائهــم‪ ،‬وأيــن يقيمــون‪ ،‬وعــن أحوالهــم ومآثرهــم‪.‬‬
‫‪ -‬ومــن األســاليب العمليــة ذات األثــر الطيــب يف نفــس الطفــل‪ ،‬اســتضافة األقــارب يف البيــت‪،‬‬
‫ودعوتهــم للمشــاركة يف املناســبات‪ ،‬حتــى يخالطهــم الطفــل‪ ،‬ويتبــع نفــس األســلوب عنــد كِـ َـره‪،‬‬
‫ويف الجانــب املقابــل نصطحــب الطفــل معنــا عنــد زيــارة األقــارب‪ ،‬وتلبيــة دعوتهــم‪ ،‬وحضــور‬
‫املناســبات معهــم‪ ،‬وتهنئتهــم يف األعيــاد واملناســبات‪ ،‬ومــن أفضــل الوســائل‪ ،‬إرســال الهدايــا‬
‫واألطعمــة لهــم مــع الطفــل الصغــر‪.‬‬
‫‪ -‬يعلِّــم الوالــدان الطفــل أن قطيعــة الرحــم ضــارة لــه يف الدنيــا واآلخرة‪ ،‬وأنــه كام أن للصلــة فوائد‬
‫عظيمــة يف الدنيــا واآلخــرة‪ ،‬فــإن للقطيعــة مســاوئ كبــرة تلحقــه يف الدنيــا واآلخــرة‪ ،‬قــال رســول‬
‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬مــا مــن ذنــب أجــدر أن يع ِّجــل اللــه لصاحبــه العقوبــة يف الدنيــا‪،‬‬
‫مــع مــا يدّ خــر لــه يف اآلخــرة‪ ،‬مــن البغــي‪ ،‬وقطيعــة الرحــم» رواه ابــن ماجــة والرتمــذي وقــال‪:‬‬
‫حديــث حســن صحيــح‪ ،‬ورواه الحاكــم وقــال‪ :‬صحيــح‪ .‬ورواه الطـراين وابــن حبــان وزاد فيــه «وإن‬
‫أعجــل الــر ثوابًــا‪ ،‬لصلــة الرحــم‪ ،‬حتــى إن أهــل البيــت ليكونــون فجــرة‪ ،‬فتنمــو أموالهــم‪ ،‬ويكــر‬
‫عددهــم‪ ،‬إذا تواصلــوا» وزاد ابــن حبــان يف روايــة «ومــا مــن أهــل بيــت يتواصلــون فيحتاجــون»‪.‬‬

‫‪359‬‬
‫‪ -‬ال بــأس مــن تــرك الطفــل بعــض الوقــت‪ ،‬يو ًمــا‪ ،‬أو ليلــة‪ ،‬عنــد األقــارب ليعتــاد مخالطتهــم‬
‫ومعارشتهــم وتقــوى الروابــط معهــم‪ ،‬وخاصــة إذا كان لهــم أطفــال يف مثــل س ـ ِّنه أو قري ًبــا مــن‬
‫ســنه‪ .‬عــن ابــن عبــاس ريض اللــه عنهــا «أن أبــاه بعثــه إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫جالســا مــع أصحابــه يف املســجد‪ ،‬فلــم أســتطع أن أكلمــه‪ ،‬فلــا صــى‬ ‫يف حاجــة‪ ،‬قــال‪ :‬فوجدتــه ً‬
‫املغــرب‪ ،‬قــام يركــع حتــى انــرف مــن بقــي يف املســجد‪ ،‬ثــم انــرف إىل منزلــه‪ ،‬وتبع ُتــه‪ ،‬فلــا‬
‫ـي قــال‪ :‬مــن هــذا؟ قلــت‪ :‬ابــن عبــاس‪ ،‬قــال‪ :‬ابــن عــم رســول اللــه؟ قلــت‪ :‬ابــن عــم‬ ‫ســمع حـ ِّ‬
‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬قــال‪ :‬مرحبــا بابــن عــم رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪،‬‬
‫ـت ليلتهــا مــن رســول اللــه‬ ‫قــال‪ :‬مــا تريــد أن تبيــت عنــد خالتــك الليلــة‪ ،‬قــد أمســيت؟ فواف ْقـ ُ‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فأتيتهــا‪ ،‬فعشَّ ـ ْتني» رواه الط ـراين‪ .‬وهكــذا علمهــم رســول اللــه صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم كيــف يتواصلــون‪ ،‬قــولً ‪ ،‬وعمـ ًـا‪ ،‬وبهــذه الــروح التــي تفــوق العظمــة‪ ،‬مــن‬
‫والتحيــب‪ ،‬حتــى للطفــل الصغــر‪ .‬ولذلــك قــال أنــس ريض اللــه عنــه‪« :‬مــا رأيــت أحــدً ا‬ ‫املــو َّدة َّ‬
‫كان أرحــم بالعيــال مــن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم» رواه مســلم‪.‬‬
‫***‬
‫الطفل والرُّ ْقيَة‬
‫* مــن اإلميــان بالغيــب‪ ،‬أن نؤمــن بالجــن واملالئكــة‪ ،‬وأن اللــه تعــاىل بحكمتــه‪ ،‬جعــل مــن الجــن‬
‫شــياطني وأعــدا ًء لإلنســان‪ ،‬وجعــل املالئكــة أعوانًــا وأوليــاء للمؤمنــن‪ ،‬ومــن اإلميــان أيضً ــا‪ ،‬أن اللــه‬
‫تعــاىل جعــل الخــر والــر‪ ،‬وجعــل للخــر أســبابًا وجعــل للــر والــر أســبابًا‪ ،‬ظاهــرة حســية‬
‫تــدرك بالحــواس وفيهــا مدخــل للعقــل والعلــم والخــرة‪ ،‬وجعــل أســبابًا أيضً ــا غــر ظاهــرة‪ ،‬وال‬
‫تــدرك بالحــواس‪ ،‬وهــي تؤثــر فينــا‪ ،‬وجعــل اللــه تعــاىل لدفــع هــذه األســباب غــر الظاهــرة‪،‬‬
‫أســبابًا معنويــة وإميانيــة غيبيــة‪ ،‬أمرنــا باإلميــان بهــا واتِّباعهــا واألخــذ بهــا رش ًعــا‪ ،‬وإن مل نــدرك‬
‫الحكمــة فيهــا عقـ ًـا‪ .‬مــن ذلــك األم ـراض واملصائــب‪ ،‬التــي تصيــب اإلنســان يف بدنــه‪ ،‬أو نفســه‪،‬‬
‫أو أهلــه‪ ،‬أو مالــه‪ ،‬فــرع اإلســام الــذي يأمرنــا بالتــداوي وجــاء يف الحديــث «مــا أنــزل اللــه مــن‬
‫داء‪ ،‬إال أنــزل معــه دواء‪ ،‬فيــا أيهــا النــاس تــداووا»‪ ،‬هــذا الــرع الحكيــم أمرنــا أيضً ــا بالتــداوي‬
‫بال ُّرقَــى الرشعيــة‪ ،‬وقايــة قبــل املــرض‪ ،‬واستشــفاء بعــد وقوعــه‪.‬‬

‫‪360‬‬
‫قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬إذا رأى أحدكــم مــن نفســه‪ ،‬أو مالــه‪ ،‬أو أخيــه‪ ،‬مــا‬
‫العــن حــق» رواه ابــن ماجــة وأحمــد الطــراين ورجــال أحمــد‬ ‫يعجبــه‪ ،‬فليــدْ ُع بالربكــة‪ ،‬فــإن ْ‬
‫والط ـراين رجــال الصحيــح‪ .‬وروى الب ـزار بســنده عنــه صــى اللــه عليــه وســلم «مــن رأى شــي ًئا‬
‫ره»‪ .‬وعــن أســاء بنــت ُع َم ْيــس ريض اللــه‬ ‫فأعجبــه قــال‪ :‬مــا شــاء اللــه ال قــوة إال باللــه‪ ،‬مل يـ ّ‬
‫عنهــا قالــت‪« :‬يــا رســول اللــه‪ ،‬إن ولــد جعفــر تــرع إليهــم العــن‪ ،‬أفأســرقي لهــم؟ قــال‪ :‬نعــم‪،‬‬
‫فإنــه لــو كان يشء ســابق القــدر‪ ،‬لســبق ْته العــن» رواه الرتمــذي وقــال‪ :‬حديــث حســن صحيــح‪،‬‬
‫ورواه أحمــد وابــن ماجــة‪.‬‬
‫* شــياطني الجــن لهــم إملــا ٌم بالبــر‪ ،‬وتسـلُّطُهم عــى ضعفــاء اإلميــان‪ ،‬والصغــار‪ ،‬أشَ ـ ُّد مــن غريهم‪،‬‬
‫ويقــول اللــه تعــاىل‪{ :‬إِنَّـ ُه يَ َراكُـ ْم ُهـ َو َوقَبِيلُـ ُه ِمـ ْن َح ْيــثُ لَ تَ َر ْونَ ُهـ ْم إِنَّــا َج َعلْ َنــا الشَّ ـ َي ِاط َني أَ ْولِ َيــا َء‬
‫لِل َِّذيـ َن َل يُ ْؤ ِم ُنــونَ} [األعـراف‪ ،]27 :‬وقــد أنــزل اللــه تبــارك وتعــاىل علينــا ســورتني‪ ،‬هــا املع ِّوذتــان‪،‬‬
‫مســهم ونفثهــم‬ ‫وشعــت لنــا ال ُّرقــى للتَّ َوقِّــي منهــم‪ ،‬ولرفــع مــا أصابنــا مــن ِّ‬ ‫لدفــع كيــد الشــياطني‪ِ ُ ،‬‬
‫ونفخهــم‪ .‬يقــول النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬إذا كان ُج ْنــح الليــل‪ ،‬فكُ ُّفــوا صبيانكــم‪ ،‬فــإن‬
‫الشــياطني تنتــر حينئـ ٍذ‪ ،‬فــإذا ذهــب ســاعة مــن ال ِعشَ ــاء‪ ،‬فخلُّوهــم» ورواه البخــاري ومســلم‪،‬‬
‫وروايــة أيب داود «فــإن للجــن انتشــا ًرا وخطفــة» وروايــة الط ـراين ورجالــه ثقــات «إذا غربــت‬
‫الشــمس‪ ،‬فكفــوا صبيانكــم فإنهــا ســاعة تنتــر فيهــا الشــياطني»‪.‬‬
‫‪ -‬قــال ســهيل بــن أيب صالــح «أرســلني أيب إيل بنــي حارثــة‪ ،‬ومعــي غــام لنــا‪ ،‬فنــاداه منــا ٍد مــن‬
‫ـرت ذلــك‬ ‫حائــط باســمه‪ ،‬قــال‪ :‬وأرشف الــذي معــي عــى الحائــط‪ ،‬فلــم يَ ـ َر شــي ًئا‪ ،‬قــال‪ :‬فذكـ ُ‬
‫ـعرت أنــك تلقــى هــذا مل أُ ْرســلك‪ ،‬ولكــن إذا ســمعت صوتًــا فنــا ِد بالصــاة‪ ،‬فــإين‬ ‫أليب‪ ،‬قــال‪ :‬لــو شـ ُ‬
‫ـمعت أبــا هريــرة يحــدِّ ث عــن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم أنــه قــال‪ :‬إن الشــيطان‬ ‫سـ ُ‬
‫إذا نــو ِد َي بالصــاة‪َ ،‬ولَّ ولــه ُح َصــاص» رواه مســلم‪ .‬واملنــاداة بالصــاة‪ :‬أي األذان‪ .‬والحصــاص‪:‬‬
‫ـراط مــع ش ـ َّدة العــدو‪ .‬ولعــل هــذا األذان نــدرك منــه‪ ،‬س ـ ّنة األذان يف أذن املولــود‪.‬‬ ‫الـ ِ‬
‫‪ -‬عــن أم ســلمة ريض اللــه عنهــا زوج النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قالــت‪« :‬إن رســول اللــه صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم قــال لجاريــة يف بيتهــا رأى يف وجههــا ســفعة –يعنــي ُص ْفــرة‪ -‬فقــال‪ :‬بهــا نظــرة‪،‬‬
‫اســرقوا لهــا» رواه البخــاري ومســلم‪ .‬والجاريــة‪ :‬البنــت الصغــرة‪ ،‬والنظــرة‪ :‬إذا أصابتــه العــن مــن‬
‫الجــن أو اإلنــس‪ ،‬قالــه ابــن األثــر‪.‬‬

‫‪361‬‬
‫ي رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬ ‫‪ -‬عــن الشِّ ــفاء بنــت عبــد اللــه ريض اللــه عنهــا قالــت‪« :‬دخــل عـ ّ‬
‫وســلم وأنــا عنــد حفصــة‪ ،‬فقــال‪ :‬أال تعلِّمــن هــذه رقيــة ال َّنملــة‪ ،‬كــا علَّمتهــا الكتابــة؟» رواه أبــو‬
‫داود‪ .‬والنملــة‪ :‬قــروح تخــرج عــى الجلــد‪ .‬وال يخفــى مــا يف الحديــث مــن كــون زوجــات رســول‬
‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم وريض اللــه عنهــن‪ ،‬كــن مــدارس تعليميــة حتــى لتعليــم الكتابــة‪.‬‬
‫وعــن أم ســلمة ريض اللــه عنهــا قالــت‪« :‬دخــل علينــا رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم وعندنــا‬
‫ـي يشــتيك‪ ،‬فقــال‪ :‬مــا لــه؟ فقلنــا‪ :‬إمنــا بــه العــن‪ ،‬فقــال‪ :‬أال تســرقون لــه مــن العــن» رواه‬ ‫صبـ ّ‬
‫الطـراين ورجالــه رجــال الصحيــح‪ .‬اشــتىك‪ :‬أي مــرض‪.‬‬
‫***‬
‫بعض الرُّ َقى املأثورة‬
‫‪ -‬عــن ابــن عبــاس ريض اللــه عنهــا‪ ،‬أن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم كان يعلمهــم رقــى الح َّمــى‬
‫واألو َجــاع كلهــا «بســم اللــه الكبــر‪ ،‬أعــوذ باللــه العظيــم‪ ،‬مــن كل ِع ـ ْرقٍ نَ َّعــار‪ ،‬ومــن رش ح ـ ِّر‬
‫النــار» رواه الرتمــذي‪ ،‬ونَ َعـ َر العــرق بالــدم‪ :‬إذا ارتفــع‪.‬‬
‫‪« -‬كان رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم إذا اشــتىك اإلنســان الــيء منــه‪ ،‬أو كانــت بــه قرحــة‬
‫أو جــرح‪ ،‬قــال بإصبعــه هكــذا –أي وضــع س ـ َّبابته عــى األرض ثــم رفعهــا‪ -‬وقــال‪ :‬بســم اللــه‪،‬‬
‫تربــة أرضنــا‪ ،‬بريقــة بعضنــا‪ ،‬يشــفى بــه ســقيمنا بــإذن ربنــا» رواه البخــاري ومســلم‪ .‬ولفــظ أيب‬
‫داود «كان النبــي صــى اللــه عليــه وســلم يقــول لإلنســان إذا اشــتىك –يقــول بريقــة‪ ،‬ثــم قــال‬
‫بــه يف الـراب ‪ ...‬وذكــر الحديــث» ومعنــاه‪ :‬أن يت ُفــل –أي ينفــخ‪ -‬يف يديــه‪ ،‬بعــد القـراءة‪ ،‬يضــع‬
‫أصبعــه يف الـراب‪ ،‬ثــم ميســح املريــض بــه‪.‬‬
‫‪« -‬أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬كان إذا أىت مريضً ــا‪ ،‬أو أُ ِ َت بــه إليــه‪ ،‬قــال‪ :‬أذهــب‬
‫ـقم» البخــاري‬ ‫البــاس رب النــاس‪ ،‬اشــف أنــت الشــايف‪ ،‬ال شــفاء إال شــفاؤك‪ ،‬شــفا ًء ال يغــادر سـ ً‬
‫ومســلم‪ ،‬وفيهــا «أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم كان يعـ ِّوذ بعــض أهلــه‪ ،‬ميســح بيــده‬
‫اليمنــى ويقــول‪ ... :‬الحديــث»‪.‬‬
‫‪ -‬عــن عائشــة ريض اللــه عنهــا «أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬كان إذا اشــتىك يقــرأ عــى‬
‫ـت أقــرأ عليــه‪ ،‬وأمســح عليــه بيمينــه رجــاء‬ ‫نفســه باملعـ ِّوذات‪ ،‬وينفــث‪ ،‬فلــا اشــتدَّ وجعــه كنـ ُ‬

‫‪362‬‬
‫بركتهــا» البخــاري ومســلم‪ ،‬ومعلــوم أن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم جــاءه يف مرضــه أعظــم‬
‫أطبَّــاء العــرب ووضعــوا لــه الــدواء وكان يرشبــه يف مرضــه الــذي توفَّــاه اللــه فيــه‪.‬‬
‫ـتكيت؟‬
‫‪« -‬أن جربيــل عليــه الســام أىت النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬يــا محمــد‪ ،‬اشـ َ‬
‫قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬نعــم‪ ،‬فقــال جربيــل‪ :‬باســم اللــه أرقيــك‪ ،‬مــن كل داء‬
‫يؤذيــك‪ ،‬ومــن رش كل نفــس وعــن‪ ،‬باســم اللــه أرقيــك‪ ،‬واللــه يشــفيك» رواه مســلم والرتمــذي‪.‬‬
‫‪« -‬أتــاين رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬ويب وجــع قــد كاد يهلكنــي‪ ،‬فقــال رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬امســح بيمينــك ســبع مـرات‪ ،‬وقــل أعــوذ بعــزة اللــه وقدرتــه مــن رش‬
‫مــا أجــد وأحــاذر» رواه مســلم والرتمــذي وأبــو داود‪.‬‬
‫رب العــرش‬ ‫‪َ « -‬مـ ْن عــاد مريضً ــا مل يحــر أجلــه‪ ،‬فقــال عنــده ســبع مـرات‪ :‬أســأل اللــه العظيــم َّ‬
‫العظيــم أن يشــفيك‪ ،‬إال عافــاه اللــه عــز وجــل مــن ذلــك املــرض» رواه أبــو داود الرتمــذي‬
‫وحســنه‪.‬‬
‫َّ‬
‫جلوســا مــع رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم إذ م ـ َّر بــه الحســن والحســن وهــا‬ ‫‪« -‬ك َّنــا ً‬
‫ـي أعوذهــا مبــا ع ـ َّوذ بــه إبراهيــم ابنيــه إســاعيل وإســحاق‪ ،‬قــال‪:‬‬ ‫صبيــان‪ ،‬فقــال‪ :‬هاتــوا ابنـ َّ‬
‫أعيذكــا بكلــات اللــه ال َّتا َّمــة‪ ،‬مــن كل عــن ال َّمــة‪ ،‬ومــن كل شــيطان وهامــة» رواه الط ـراين‪،‬‬
‫ويف روايــة «كان يعـ ِّوذ الحســن والحســن‪ ،‬أعيذكــا بكلــات اللــه التامــة‪ ،‬مــن رش مــا خلــق وذرأ‬
‫وبــرأ»‪.‬‬
‫‪« -‬إذا وجــد أحدكــم أملًــا فليضــع يــده تحــت أملــه‪ ،‬ثــم ليقــل ســبع م ـرات‪ :‬أعــوذ بعــزة اللــه‬
‫وقدرتــه عــى كل يشء‪ ،‬مــن رش مــا أجــد» رواه أحمــد والط ـراين‪.‬‬
‫الصمــد الــذي مل يولــد ومل يلــد ومل يكــن لــه‬ ‫‪« -‬بســم اللــه الرحمــن الرحيــم‪ ،‬أعيــذك باللــه األحــد َّ‬
‫كفـ ًوا أحــد‪ ،‬مــن رش مــا تجــد» أبــو يعــى ورجالــه رجــال الصحيــح‪.‬‬
‫‪« -‬هــذه الكلــات دواء مــن كل داء‪ :‬أعــوذ بكلــات اللــه التا َّمــة‪ ،‬وأســائه كلهــا عا َّمــة‪ ،‬مــن رش‬
‫الســا َّمة والهامــة‪ ،‬ومــن رش العــن الال َّمــة‪ ،‬ومــن رش حاســد إذا حســد‪ ،‬ومــن رش أيب قَـ ْـرة ومــا ولــد»‬
‫أبــو يعــى والبـزار والطـراين‪ ،‬وأبــو قــرة كنيــة إبليــس عليــه اللعنــة‪.‬‬

‫‪363‬‬
‫‪ -‬عــن ابــن مســعود ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬كان رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يكــره عــر‬
‫خــال ‪ ...‬وذكــر الحديــث وفيــه ال ُّر َقــى بغــر املعـ ِّوذات‪ ،‬وعقــد التامئــم» رواه أبــو داود والنســايئ‪.‬‬
‫والتامئــم‪ :‬التعاويــذ والحــروز‪ .‬وعقدهــا‪ :‬تعليقهــا عــى اإلنســان‪.‬‬
‫***‬
‫الطفل حياته غبطة وسرور ‪ ..‬وقبضه من أهله أجر كثري‬
‫* عــن معــاذ بــن جبــل ريض اللــه عنــه «أنــه مــات ابــن لــه‪ ،‬فكتــب إليــه رســول اللــه صــى‬
‫اللــه عليــه وســلم يع ِّزيــه بابنــه‪ ،‬فكتــب إليــه‪ :‬بســم اللــه الرحمــن الرحيــم‪ ،‬مــن محمــد رســول‬
‫اللــه إىل معــاذ بــن جبــل‪ ،‬ســام عليــك‪ ،‬فــإين أحمــد إليــك اللــه الــذي ال إلــه إال هــو‪ ،‬أمــا بعــد‪:‬‬
‫فأعظــم اللــه لــك األجــر‪ ،‬وألهمــك الصــر‪ ،‬ورزقنــا وإيــاك الشــكر‪ ،‬فــإن أنفســنا وأموالنــا وأهلنــا‬
‫مــن مواهــب اللــه الهســة‪ ،‬وعواريــه املســتودعة‪ ،‬م َّتعــك اللــه بــه يف غبطــة ورسور‪ ،‬وقبضــه‬
‫منــك بأجــر كثــر‪ ،‬الصــاة والرحمــة والهــدى إن احتســبته‪ ،‬فاصــر وال يحبــط جزعــك أجــرك‬
‫فتنــدم‪ ،‬واعلــم أن الجــزع ال يــر ّد مي ًتــا‪ ،‬وال يدفــع حزنًــا‪ ،‬ومــا هــو نــازل فــكان قــد‪ ،‬والســام»‬
‫رواه الط ـراين‪.‬‬
‫‪« -‬أخــذ رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم ابنــه إبراهيــم‪ ،‬فق َّبلــه وشـ َّمه‪ ،‬ثــم دخلنــا عليــه بعــد‬
‫ذلــك‪ ،‬وإبراهيــم يجــود بنفســه‪ ،‬فجعلــت عينــا رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم تذرفــان‪،‬‬
‫فقــال ابــن عــوف‪ :‬وأنــت يــا رســول اللــه؟ فقــال‪ :‬يــا ابــن عــوف‪ ،‬إنهــا رحمــة‪ ،‬ثــم أتبعهــا بأخــرى‬
‫فقــال‪ :‬إن العــن تدمــع‪ ،‬والقلــب يخشــع‪ ،‬وال نقــول إال مــا يُـ ْريض ربنــا‪ ،‬وإنــا بفراقــك يــا إبراهيــم‬
‫محزونــون» رواه البخــاري ومســلم‪ .‬فالنبــي صــى اللــه عليــه وســلم مــات لــه أبنــاء وبنــات وأحفاد‬
‫وأزواج وأعــام وعــات‪ ،‬وماتــت أمــه ومــات مــن قبــل أبــوه‪ .‬فهــو صــى اللــه عليــه وســلم قــدوة‬
‫الخلــق يف كل األمــور واألحــوال‪.‬‬
‫ـت لرســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم –أي بنتــه زينــب‪ -‬أخذهــا رســول‬ ‫‪« -‬ملــا ُحـ ِـرت بنـ ٌ‬
‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم وض ّمهــا إىل صــدره‪ ،‬ثــم وضــع يــده عليهــا‪ ،‬فقضــت وهــي بــن‬
‫يــدي رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فبكــت أم أميــن‪ ،‬فقــال لهــا رســول اللــه صــى اللــه‬

‫‪364‬‬
‫عليــه وســلم‪ :‬يــا أم أميــن أتبكــن ورســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم عنــدك؟ فقالــت‪ :‬مــا يل‬
‫ال أبــي ورســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يبــي‪ ،‬فقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪:‬‬
‫ـت أبــي‪ ،‬ولكنهــا رحمــة‪ ،‬ثــم قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬املؤمــن بخــر‬ ‫إين لسـ ُ‬
‫عــى كل حــال‪ ،‬تنــزع نفســه مــن بــن جنييــه وهــو يحمــد اللــه عــز وجــل» رواه النســايئ وهــو‬
‫حديــث حســن‪.‬‬
‫‪« -‬كان النبــي صــى اللــه عليــه وســلم إذا جلــس‪ ،‬يجلــس إليــه نفــر مــن أصحابــه‪ ،‬فيهــم رجــل‬
‫لــه ابــن صغــر يأتيــه مــن خلــف ظهــره‪ ،‬فيقعــده بــن يديــه‪ ،‬فهلــك‪ ،‬فامتنــع الرجــل أن يحــر‬
‫الحلقــة‪ ،‬لذكــر ابنــه‪ ،‬ففقــده النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬مــا يل ال أرى فالنًــا؟ قالــوا‪ :‬يــا‬
‫رســول اللــه‪ُ ،‬ب َن ّيــهُ الــذي رأي َتــه هلــك‪ ،‬فلقيــه النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فســأله عــن بنيــه؟‬
‫ـب إليــك‪ :‬أن تتم ّتــع بــه عمــرك‪،‬‬ ‫فأخــره أنــه هلــك‪ ،‬فعـ َّزاه عليــه‪ ،‬ثــم قــال‪ :‬يــا فــان‪ُّ ،‬أيــا كان أحـ ُّ‬
‫أو أن تــأيت إىل بــاب مــن أبــواب الجنــة إال وجدتَــه قــد ســبقك إليــه يفتحــه لــك؟ قــال‪ :‬يــا نبــي‬
‫اللــه‪ ،‬بــل يســبقني إىل بــاب الجنــة فيفتحهــا يل لهــو أحــب إ ّيل‪ ،‬قــال‪ :‬فــذاك لــك» رواه النســايئ‬
‫وإســناده صحيــح‪.‬‬
‫‪« -‬مــن كان لــه فرطــان مــن أمتــي دخــل الجنــة بهــا‪ ،‬قــال عائشــة‪ :‬فمــن كان لــه َف ـ َرط مــن‬
‫أمتــك؟ قــال‪ :‬ومــن كان لــه فــرط يــا موفَّقــة‪ ،‬قالــت‪ :‬فمــن مل يكــن لــه فــرط مــن أمتــك؟ قــال‪:‬‬
‫أنــا فــرط أمتــي‪ ،‬مل يصابــوا مبثــي» رواه الرتمــذي وإســناده حســن‪ ،‬والفــرط‪ :‬الســابق املقـ َّدم‪ ،‬وهــو‬
‫هنــا‪ :‬مــن مــات إلنســان ولــد صغــر فهــو فــرط لــه‪ .‬وإن ســؤال عائشــة توفيــق مــن اللــه لهــا‪ ،‬إذ‬
‫نــزل جربيــل فأخــر بهــذا األجــر والثــواب ملــن مــات لــه ابــن واحــد‪.‬‬
‫حســان قــال‪ :‬قلــت أليب هريــرة‪« :‬إنــه قــد مــات يل ابنــان‪ ،‬أفــا أنــت محــدِّ يث عــن‬ ‫‪ -‬عــن أيب َّ‬
‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم بحديــث يط ِّيــب أنفســنا عــن موتانــا؟ قــال‪ :‬نعــم‪ ،‬صغارهــم‬
‫ـص الجنــة‪ ،‬يتل َّقــى أحدهــم أبــاه –أو قــال أبويــه‪ -‬فيأخــذ بثوبــه –أو قــال بيــده‪ -‬كــا‬ ‫َد َعاميـ ُ‬
‫آخــذ بصنفــة ثوبــك هــذا‪ ،‬فــا ينتهــي حتــى يدخلــه اللــه وأبــاه الجنــة» رواه مســلم‪ .‬الدعاميــص‪:‬‬
‫دواب املــاء تــرب للســواء‪ ،‬شـ َّبه الطفــل بهــا لصغــره ورسعــة‬ ‫جمــع ُد ْعمــوص‪ ،‬وهــي ُد َويْبــة مــن ِّ‬
‫حركتــه‪.‬‬

‫‪365‬‬
‫‪« -‬قــال النســاء للنبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬غلبنــا عليــك الرجــال‪ ،‬فاجعل لنــا يو ًما يف نفســك‪،‬‬
‫فوعدهــن يو ًمــا لقيهــن فيــه‪ ،‬فوعظهــن وأمرهــن‪ ،‬فــكان مـ ّـا قــال لهــن‪ :‬مــا منكــن امــرأة تقــدِّ م‬
‫ثالثــة مــن ولدهــا‪ ،‬إال كان لهــا حجا ًبــا مــن النــار‪ ،‬فقالــت امــرأة‪ :‬واثنــن؟ فقــال‪ :‬واثنــن» رواه‬
‫البخــاري ومســلم‪ .‬ويف روايــة «مل يبلغــوا الحنــث» أي صغــا ًرا مل يكتــب عليهــم الذنــوب‪.‬‬
‫ـت ثالثــة‪ ،‬فقــال‪ :‬دفنــت‬ ‫ـي لهــا‪ ،‬فقالــت‪ :‬يــا نبــي اللــه‪ ،‬ادع اللــه يل فلقــد دف ْنـ ُ‬‫‪« -‬أتــت امــرأة بصبـ ّ‬
‫ثالثــة؟! قالــت‪ :‬نعــم‪ ،‬قــال‪ :‬لقــد احتظــرت بحظــار شــديد مــن النــار» رواه مســلم‪ .‬احتظــرت‪:‬‬
‫امتنعــت‪.‬‬
‫ـت اثنــن؟‬ ‫حص ًنــا حصي ًنــا‪ ،‬قــال أبــو ذر‪ :‬قدّ مـ ُ‬‫‪« -‬مــن قــدّ م ثالثــة مل يبلغــوا الحنــث‪ ،‬كانــوا لــه ْ‬
‫ـت واحــدً ا؟ قــال‪ :‬وواحــدً ا‪ ،‬ولكــن إمنــا ذلــك‬ ‫قــال‪ :‬واثنــن‪ ،‬فقــال أُ َ ُّب بــن كعــب سـ ِّيد القـراء‪ :‬قدمـ ُ‬
‫عنــد الصدمــة األوىل» رواه الرتمــذي‪ .‬أي الجـزاء عــى الصــر عنــد ابتــداء وقــوع املــوت‪.‬‬
‫‪« -‬مــا مــن النــاس مســلم ميــوت لــه ثالثــة مــن الولــد‪ ،‬مل يبلغــوا الحنــث‪ ،‬إال أدخلــه اللــه الجنــة‬
‫بفضــل رحمتــه» رواه البخــاري والنســايئ‪ .‬وروى النســايئ أيضً ــا «مــن احتســب ثالثــة مــن صلبــه‬
‫دخــل الجنــة‪ ،‬فقالــت امــرأة‪ :‬أو اثنــان؟ فقــال‪ :‬أو اثنــان‪ ،‬فقالــت املــرأة‪ :‬يــا ليتنــي قلــت‪ :‬واحدً ا»‪.‬‬
‫‪ -‬عــن بُريــدة ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬كنــت عنــد النبــي فبلغــه أن امــرأة مــن األنصــار مــات ابــن‬
‫لهــا فجزعــت عليــه‪ ،‬فقــام النبــي صــى اللــه عليــه وســلم ومعــه أصحابــه‪ ،‬فلــا بلــغ بــاب املــرأة‬
‫قيــل للمــرأة‪ :‬إن نبــي اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يريــد أن يدخــل يع ِّزيهــا‪ ،‬فدخــل رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬أمــا إنــه بلغنــي أنــك جزعــت عــى ابنــك؟ قالــت‪ :‬يــا نبــي اللــه‪،‬‬
‫ـوب ال يعيــش يل ولــد؟ فقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬إمنــا‬ ‫مــا يل ال أجــزع وأنــا َر ُقـ ٌ‬
‫الرقــوب الــذي يعيــش ولدهــا‪ ،‬إنــه ال ميــوت المــرأة مســلمة‪ ،‬أو امــرئ مســلم‪ ،‬نســمة‪ ،‬قــال‪ :‬أو‬
‫ثالثــة مــن ولــده يحتســبهم‪ ،‬إال وجبــت لــه الجنــة‪ ،‬فقــال عمــر وهــو عــن ميــن النبــي صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم‪ :‬بــأيب وأمــي‪ ،‬واثنــن؟ قــال نبــي اللــه صــى اللــه عليــه وســلم واثنــن» رواه البـزار‬
‫ورجالــه رجــال الصحيــح‪.‬‬
‫‪« -‬مــن ُولــد لــه ثالثــة أوالد يف اإلســام‪ ،‬فامتــوا قبــل أن يبلغــوا الحنــث‪ ،‬أدخلــه اللــه الجنــة‬
‫برحمتــه إياهــم» رواه أحمــد والطــراين ورجالــه ثقــات‪.‬‬

‫‪366‬‬
‫‪« -‬مــا مــن مســلمني ميــوت بينهــا ثالثــة مــن الولــد‪ ،‬مل يبلغــوا الحنــث‪ ،‬إال جــيء بهــم يــوم‬
‫القيامــة حتــى يوقفــوا عــى بــاب الجنــة‪ ،‬فيقــال لهــم‪ :‬ادخلــوا الجنــة‪ ،‬فيقولــون‪ :‬حتــى يدخــل‬
‫آباؤنــا‪ ،‬فيقــال لهــم‪ :‬ادخلــوا الجنــة أنتــم وآباؤكــم» الط ـراين ورجالــه رجــال الصحيــح‪.‬‬
‫حتى السقط يغفر لوالديه‬
‫* عــن معــاذ بــن جبــل ريض اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬مــا مــن‬
‫مســلمني يتــوىف لهــا ثالثــة مــن الولــد‪ ،‬إال أدخلهــا اللــه الجنــة بفضــل رحمتــه إياهــا‪ ،‬فقالــوا‪:‬‬
‫يــا رســول اللــه‪ ،‬أو اثنــان؟ فقــال‪ :‬أو اثنــان‪ ،‬قالــوا‪ :‬أو واحــد؟ قــال‪ :‬أو واحــد‪ ،‬ثــم قــال‪ :‬والــذي‬
‫نفــي بيــده إن الســقط ليجـ ُّر أ َّمـ ُه بــرره إىل الجنــة‪ ،‬إذا احتســبته» رواه أحمــد والطـراين‪ ،‬وروى‬
‫ابــن ماجــة منــه‪ :‬إن الســقط إىل آخــره‪.‬‬
‫كهل‪ ،‬أم ميوت صغري أحب للمؤمن؟‬ ‫يعيش حتى يصبح ً‬
‫ـوف‪ ،‬فوجــد عليــه‬ ‫‪« -‬أن رجـ ًـا كان يــأيت النبــي صــى اللــه عليــه وســلم مــع ابنــه‪ ،‬ثــم إن ابنــه تـ ّ‬
‫أبــوه قري ًبــا مــن ســتة أيــام ال يــأيت النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فقــال رســول اللــه صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم‪ :‬ال أرى فالنًــا؟ قالــوا‪ :‬يــا رســول اللــه‪ ،‬إن ابنــه تــويف فوجــد عليــه‪ ،‬فقــال لــه رســول‬
‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬يــا فــان‪ ،‬أتحــب أن ابنــك عنــدك كأنشــط الصبيــان نشــاطًا؟‬
‫أتحــب أن ابنــك عنــدك أجــرأ الغلــان جـراءة؟ أتحــب أن ابنــك عنــدك كهـ ًـا كأفضــل الكهــول؟‬
‫أو يقــال لــك‪ :‬ادخــل الجنــة ثــواب مــا أُخــذ منــك؟» رواه أحمــد‪ ،‬ويف روايــة عنــده أيضً ــا «أال‬
‫تحــب أن ال تــأيت بابًــا مــن أبــواب الجنــة إال وجدتــه ينتظــرك؟ فقــال رجـ ٌـل‪ :‬يــا رســول اللــه‪ :‬ألــه‬
‫خاصــة أم لكلنــا؟ قــال‪ :‬بــل لكلكــم» ورواه النســايئ ورجــال أحمــد رجــال الصحيــح‪.‬‬
‫من مل ميت له ولد قد يتحرس يوم القيامة‬
‫‪ -‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬مــا تعــدُّ ون الرقــوب فيكــم؟ قلنــا‪ :‬الــذي ال ولــد‬
‫لــه فقــال‪ :‬ليــس ذلــك بالرقــوب‪ ،‬ولكنــه الرجــل الــذي مل يقــدِّ م مــن ولــده شــي ًئا» رواه مســلم‪.‬‬
‫الرقــوب‪ :‬مــن ال يعيــش لــه ولــد‪ ،‬فنقلــه النبــي صــى اللــه عليــه وســلم إىل مــن مل ميــت يف حياتــه‬
‫ولــد‪ ،‬مثــل حديــث الكتــف إذ ســأل صــى اللــه عليــه وســلم عائشــة ريض اللــه عنهــا‪ :‬هــل بقــي‬
‫مــن الشــاة؟ قالــت‪ :‬مل يبــق إال كتفهــا‪ ،‬قــال‪ :‬بــل مل يَ ْفـ َن إال كتفهــا‪.‬‬
‫صل عليه‬ ‫الصغري يُغ َّسل ويُ َّ‬
‫‪367‬‬
‫‪« -‬ملــا مــات إبراهيــم ابــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬صــى عليــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫يف املقاعــد» رواه أبــو داود‪ .‬واملقاعــد‪ :‬اســم مــكان‪.‬‬
‫‪« -‬الراكــب ميــي خلــف الجنــازة‪ ،‬واملــايش كيــف يشــاء منهــا‪ ،‬والطفــل يصــى عليــه» رواه‬
‫الرتمــذي والنســايئ وأبــو داود‪.‬‬
‫‪« -‬يقــرأ عــى الطفــل فاتحــة الكتــاب‪ ،‬ويقــول‪ :‬اللهــم اجعلــه َس ـلَفًا وفَ َرطًــا وذخ ـ ًرا وأج ـ ًرا» رواه‬
‫البخــاري عــن عــي بــن أيب طالــب ريض اللــه عنــه‪.‬‬
‫السقط يصىل عليه‬
‫* روى أبــو داود عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬الســقط يصــى عليــه‪ ،‬ويُدْ عــى لوالديــه‬
‫باملغفــرة والرحمــة» وأخرجــه أحمــد وإســناد أبــو داود صحيــح‪.‬‬
‫كيف يصىل عىل الصغري مع غريه‬
‫* «حــرت جنــازة صبــي وامــرأة‪ ،‬فقــدِّ م الصبــي مــا يــي القــوم‪ ،‬ووضعــت املــرأة وراءه‪ ،‬فصـ ِّـي‬
‫عليهــا‪ ،‬ويف القــوم أبــو ســعيد الخــدري وابــن عبــاس وأبــو قتــادة وأبــو هريــرة‪ ،‬فســألتهم عــن‬
‫ذلــك؟ فقالــوا‪ :‬السـ َّنة» رواه أبــو داود والنســايئ‪.‬‬
‫‪« -‬أن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم صــى عــى ابنــه إبراهيــم‪ ،‬فكــر عليــه أرب ًعــا» رواه أبــو‬
‫يعــى‪.‬‬
‫‪« -‬أن أبــا طلحــة ريض اللــه عنــه دعــا رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم إىل عمــر بــن أيب‬
‫طلحــة حــن تــويف‪ ،‬فأتاهــم رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فصــى عليــه يف منزلــه‪ ،‬فتقــدم‬
‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬وكان أبــو طلحــة وراءه‪ ،‬وأم ســليم وراء أيب طلحــة‪ ،‬ومل يكــن‬
‫معهــم غريهــم» رواه الطـراين ورجالــه رجــال الصحيــح‪.‬‬
‫الحزن والبكاء عىل الطفل ال مينع من األجر‬
‫ـرت مــوت إبراهيــم ابــن‬ ‫* عــن ســرين أخــت ماريــة القبطيــة ريض اللــه عنهــا قالــت‪« :‬حـ ُ‬
‫ـت وأختــي صــاح النســاء‪ ،‬وال ينهانــا‪ ،‬فلــا‬ ‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬وكنــت كلــا صحـ ُ‬
‫مــات نهانــا عــن الصيــاح‪ ،‬وحملــه إىل شــفري القــر والعبــاس إىل جنبــه‪ ،‬ونــزل يف القــر الفضــل بــن‬
‫العبــاس وأســامة بــن زيــد‪ ،‬وأنــا أبــي‪ ،‬فــا نهــاين» رواه الطـراين‪.‬‬
‫ما يقول من مات له ولد‬

‫‪368‬‬
‫ـت ابنــي ســنانًا‪ ،‬وأبــو طلحــة الخــوالين جالــس عــى شــفري‬ ‫* عــن أيب ســنان الحنفــي قــال‪« :‬دفنـ ُ‬
‫ـرك؟ قلــت‪ :‬بــى‪ ،‬قــال‪ :‬حدثنــي أبــو مــوىس األشــعري قــال‪ :‬قــال‬ ‫ـت قــال‪ :‬أال أبـ ِّ‬
‫القــر‪ ،‬فلــا فرغـ ُ‬
‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬إذا مــات ولــد العبــد‪ ،‬قــال اللــه تعــاىل ملالئكتــه‪ :‬قبضتــم‬
‫ولــد عبــدي؟ فيقولــون‪ :‬نعــم‪ ،‬فيقــول‪ :‬قبضتــم مثــرة فــؤاده؟ فيقولــون‪ :‬نعــم‪ ،‬فيقــول‪ :‬مــاذا‬
‫قــال عبــدي؟ فيقولــون‪ :‬حمــدك واســرجع‪ ،‬فيقــول‪ :‬ابنــوا لعبــدي بي ًتــا يف الجنــة‪ ،‬وسـ ُّموه بيــت‬
‫الحمــد» رواه الرتمــذي وأحمــد‪ .‬وحمــدك واســرجع‪ :‬أي قــال‪ :‬الحمــد للــه عــى كل حــال‪ ،‬إنــا للــه‬
‫وإنــا إليــه راجعــون‪ .‬فــا أعظــم اإلميــان‪ ،‬طفــل ميــوت عــى األرض‪ ،‬وحــوار ربــاين مالئــي مــن‬
‫أجلــه مــن املــأ األعــى‪.‬‬
‫***‬
‫بعض اآلداب مع الطفل‬
‫* إذا كانــت هنــاك أنصبــة يـراد توزيعهــا‪ ،‬أو طعــام‪ ،‬أو رشاب‪ ،‬وغــر ذلــك‪ ،‬فالســنة أن نبــدأ مبــن‬
‫عــى ميــن مــن يقــوم بالتوزيــع‪ ،‬حتــى ولــو كان مــن عــى اليمــن طفـ ًـا‪ ،‬أو نســتأذنه يف حقــه‬
‫أن نعطــي األكــر منــه قبلــه ويــرىض بذلــك‪ .‬روى البخــاري ومســلم «أن رســول اللــه صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم أُ ِ َت بـراب فــرب منــه‪ ،‬وعــن ميينــه غــام أصغــر القــوم‪ ،‬وعــن يســاره‪ ،‬األشــياخ‪،‬‬
‫فقــال للغــام‪ :‬أتــأذن يل أن أعطــي هــؤالء؟ فقــال الغــام‪ :‬واللــه يــا رســول اللــه‪ ،‬ال أُوثــر بنصيبــي‬
‫منــك أحــدً ا‪َ ،‬ف َتلَّــهُ رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يف يديــه» أي وضعــه يف يــده‪ .‬ومــع هــذا‬
‫إذا كان الســاقي أو املــوزع مــن غــر الجالســن يف املجلــس فعليــه أن يبــدأ بالكبــر‪« .‬كان رســول‬
‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم إذا ســقى‪ ،‬قــال‪ :‬ابــدؤوا بالكـراء‪ ،‬أو قــال‪ :‬باألكابــر» رواه أبــو يعــى‬
‫والطـراين ورجــال أيب يعــى رجــال الصحيــح‪.‬‬
‫‪ -‬عــن عبــد اللــه بــن أيب حبيبــة ريض اللــه عنــه‪ ،‬وقيــل لــه‪ :‬مــا تذكــر مــن رســول اللــه صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم‪ :‬قــال‪« :‬جاءنــا رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يف مســجدنا بقبــاء‪ ،‬فجئــت وأنــا‬
‫ـت عــن ميينــه‪ ،‬وجلــس أبــو بكــر عــن يســاره‪ ،‬قــال‪ :‬ثــم دعــا بـراب‪،‬‬ ‫غــام حــدث حتــى جلسـ ُ‬
‫فــرب‪ ،‬وناولنــي عــن ميينــه» رواه الطـراين وأحمــد ورجالــه ثقــات‪.‬‬

‫‪369‬‬
‫السـ ْـر مــع مــن هــو أكــر منــه‪ ،‬أن يتن َّحــى عــن اليمــن ملــن هــو أكــر منــه‪.‬‬
‫* وأدب الصغــر يف َّ‬
‫عــن عبــد اللــه بــن عمــر ريض اللــه عنهــا قــال‪« :‬خــرج رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫ـرت لــه‪ ،‬وكان عــن ميينــه‬
‫إىل املربــد‪ ،‬فخرجــت معــه فكنــت عــن ميينــه‪ ،‬فأقبــل أبــو بكــر‪ ،‬فتأ َّخـ ُ‬
‫وكنــت عــن يســاره‪ ،‬ثــم أقبــل عمــر فتن َّحيــت لــه‪ ،‬وكان عــن يســاره‪ ،‬فــأىت رســول اللــه صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم املربــد» رواه أحمــد‪ .‬املربــد‪ :‬املــكان الــذي يوضــع فيــه التمــر حتــى يجـ َّـف‪.‬‬
‫أول من يأكل باكورة الثمر طفل‬
‫* يراعــى عنــد ظهــور فاكهــة مــن الفواكــه‪ ،‬أو مثــرة مــن الثــار‪ ،‬يف أول موســمها‪ ،‬إذا حــرت‪ ،‬أن‬
‫يعطيهــا ألصغــر الحارضيــن مــن األطفــال‪ .‬روى مســلم «أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫كان يــؤىت بــأول الثمــر‪ ،‬فيقــول‪ :‬اللهــم بــارك لنــا يف مدينتنــا‪ ،‬ويف مثارنــا‪ ،‬ويف ُمدِّ نــا‪ ،‬ويف صاعنــا‪،‬‬
‫بركــة مــع بركــة‪ ،‬ثــم يعطيــه أصغــر مــن يحــر مــن ال ِولْــدان» وروى الطـراين يف الكبــر والصغــر‬
‫ورجــال الصغــر رجــال الصحيــح «كان رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم إذا أُ َت بالباكــورة‬
‫مــن الثــار َق َّبلهــا‪ ،‬ووضعهــا عــى عينيــه‪ ،‬ثــم قــال‪ :‬اللهــم كــا أطعمتنــا أ َّولــه فأطعمنــا آخــره‪،‬‬
‫ثــم يأمــر بــه للمولــود مــن أهلــه» ويف روايــة «كان إذا أُيت بباكــورة الثمــرة أعطاهــا أصغــر مــن‬
‫يحــره مــن الوِلــدان»‪.‬‬
‫النهي عن الدعاء عىل الولد‬
‫* مــا تع ـ ُّم بــه البلــوى‪ ،‬أن كث ـ ًرا مــن األمهــات‪ ،‬ينفعلــن فيدعــن عــى أوالدهــن‪ ،‬وقــد تقــول‬
‫إحداهــن‪ :‬هــذا الدعــاء ليــس مــن قلبــي‪ ،‬ولكــن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم نهــى عــن‬
‫ذلــك فقــال‪« :‬ال تدعــوا عــى أنفســكم‪ ،‬وال تدعــوا عــى أوالدكــم‪ ،‬وال تدعــوا عــى أموالكــم‪ ،‬ال‬
‫توافقــوا مــن اللــه ســاع ًة يســأل فيهــا عطــاء فيســتجيب لكــم» رواه مســلم‪.‬‬
‫بركة حضور الطفل دعاء ختم القرآن‬
‫* مــن أوقــات اســتجابة الدعــاء‪ ،‬عقــب ختــم قـراءة القــرآن الكريــم‪ ،‬لذلــك يســتحب جمــع األهــل‬
‫واألوالد عنــد هــذا الدعــاء لتع ّمهــم بركتــه‪ ،‬فعــن ثابــت البنــاين «أن أنــس بــن مالــك ريض اللــه‬
‫عنــه‪ ،‬كان إذا ختــم القــرآن‪ ،‬جمــع أهلــه وولــده‪ ،‬فدعــا لهــم» رواه الطـراين ورواتــه ثقــات‪.‬‬

‫‪370‬‬
‫يكره التفريق بني الصغري ووالده يف املجلس‬
‫* مــا يراعيــه الــرع‪ ،‬الحــرص عــى مشــاعر األبـ ّوة والبنـ ّوة‪ ،‬حتــى يف الصغــر مــن الســلوك‪ ،‬ألن‬
‫الطفــل يأمــن بجانــب أبيــه‪ ،‬واألب يشــفق عــى االبــن يف بعــده عنــه‪ ،‬لذلــك روى الطـراين بســنده‬
‫عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬ال يجلــس الرجــل بــن الرجــل وابنــه يف املجلــس» وهــذا‬
‫التوجيــه يســتهدى بــه يف أمنــاط الســلوك واملواقــف املشــابهة‪ ،‬كاملتابعــة يف ركــوب املواصــات‪ ،‬أو‬
‫عنــد اســتضافة الوالــد وابنــه‪ ،‬فــا نفــرق يف الجلســة بينهــا‪ ،‬وهكــذا‪.‬‬
‫يستحب البشاشة مع األطفال‬
‫* الطفــل عــى فطرتــه‪ ،‬ال يحمــل هـ ًّـا‪ ،‬وال يحــب الهـ َّم‪ ،‬ويحــب املــرح والــرور‪ ،‬ويكــره العبــوس‬
‫ـي»‬
‫وال ّنكــد‪ .‬روى البـزار بســنده «كان النبــي صــى اللــه عليــه وســلم مــن أفكــه النــاس مــع صبـ ّ‬
‫تبسـ ًـا مــن رســول اللــه صــى‬
‫وروى الرتمــذي عــن عبــد اللــه بــن الحــارث «مــا رأيــت أحــدً ا أكــر ُّ‬
‫اللــه عليــه وســلم»‪.‬‬
‫تطلُّع الطفل إىل ا لطَّريف من األشياء‬
‫الطفــل يحــب العطــاء‪ ،‬ويحــب مــن يعطيــه‪ ،‬ويحــب مــن يهتــم بــه ويقــدره‪ ،‬والطفــل يرتبــط‬
‫بذهنــه‪ ،‬أن القــادم إىل البيــت ســيحرض لــه شــيئًا معــه‪ ،‬ويتطلــع إليــه‪ ،‬ولــو كان ضي ًفــا‪ ،‬ويهــش‬
‫ملجــرد حضــور مــن تعــ َّود منــه أن يعطيــه شــيئًا‪ ،‬وأي يشء‪ ،‬ولــو كان قطعــة مــن الحلــوى‪ ،‬أو‬
‫البســكويت‪ ،‬أو قلـ ًـا‪ ،‬أو مســطرة‪ ،‬أو كراســة‪ ،‬املهــم أنــه ينتظــر شــيئًا ويتطلــع لــه‪ .‬فاملستحســن‬
‫مــن الكبــار‪ ،‬وخاصــة الضيــوف لبيــت فيــه أطفــال‪ ،‬أن يحملــوا لهــم شــيئًا معهــم‪ ،‬وهــي عــادة‬
‫طيبــة يجــب الحــرص عليهــا وإشــاعتها‪ ،‬وهــذا يحســن مــع الكبــر‪ ،‬فــا بــال الطفــل الصغــر‪ ،‬وقــد‬
‫قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬تهــادوا تحابــوا» رواه البيهقــي‪ .‬وقــال صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم‪« :‬أكرمــوا أوالدكــم وأحســنوا أدبهــم» رواه ابــن ماجــة‪.‬‬
‫‪ -‬روى الخرائطــي وابــن عــدي بســندهام عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬مــن حمــل طُرفــة‬
‫مــن الســوق إىل عيالــه‪ ،‬فكأمنــا حمــل إليهــم صدقــة حتــى يضعهــا فيهــم»‪ .‬إن ذلــك األدب يف‬
‫التعامــل مــع األوالد‪ ،‬لــه مــن اآلثــار الطيبــة يف نفــوس الصغــار‪ ،‬مــا ال يعلمــه إال خالــق الخلــق‪،‬‬
‫العليــم مبــا يف النفــوس ومــا يصلحهــا‪.‬‬

‫‪371‬‬
‫الحرص عىل تحفيظ الطفل شي ًئا من القرآن‬
‫* بركــة القــرآن يف نفــس الطفــل وقلبــه وعقلــه وذاكرتــه‪ ،‬ال تحتــاج إىل أدلــة تســاق لظهورهــا‪،‬‬
‫بجانــب الثــواب يف اآلخــرة‪ ،‬للطفــل وللوالديــن واملعلمــن‪ .‬يقــول النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪:‬‬
‫«مــن قــرأ القــرآن‪ ،‬فاســتظهره‪ ،‬فأحــل حاللــه‪ ،‬وحــرم حرامــه‪ ،‬أدخلــه اللــه بــه الجنــة‪ ،‬وشـفَّعه يف‬
‫عــرة مــن أهــل بيتــه‪ ،‬كلهــم قــد وجبــت لهــم النــار» الرتمــذي‪ .‬واســتظهره أي حفظــه عــن ظهــر‬
‫قلــب‪ .‬وروى أبــو داود عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬مــن قــرأ القــرآن وعمــل بــه أُلبــس‬
‫والــداه تا ًجــا يــوم القيامــة‪ ،‬ضــوؤه أحســن مــن ضــوء الشــمس يف بيــوت الدنيــا لــو كانــت فيكــم‪،‬‬
‫فــا ظنكــم بالــذي عمــل بهــذا؟»‬
‫***‬

‫‪372‬‬
‫ة‬ ‫لش ة‬
‫ا ع �ر� الط ي� ب��‬ ‫‪9‬‬
‫[مع األوالد وتربيتهم]‬
‫كيف يكتسب الطفل الصفات؟‬
‫* قلب الصغري قابل لكل ما نقش فيه‪.‬‬
‫* التدرج‪ ،‬وتعاطي األفعال طريق االكتساب‪.‬‬
‫* الطفــل وخلــق النظافــة والرتتيــب‪ :‬يف بدنــه‪ ،‬يف مالبســه‪ ،‬يف فراشــه‬
‫وحجرتــه‪ ،‬يف مكتبــه وحقيبــة مدرســته‪ ،‬يف الشــارع واملدرســة‪ ،‬الوقــت‬
‫والرتتيــب‪.‬‬
‫* كيــف يكتســب الطفــل القــدرة عــى التحصيــل املــدريس والتفــوق؟‬
‫مجتمــع املدرســة‪ ،‬آثــار دخــول املدرســة قبــل الســن املناســبة‪ ،‬املطلــوب‬
‫للطفــل مــن الوالديــن‪ ،‬كيــف يكتســب الطفــل القــدرة عــى االســتذكار‬
‫وأداء الواجبــات املدرســية؟ كيــف ينظــم وقــت الطفــل؟ الطريقــة‬
‫الصحيحــة يف التحصيــل والتفــوق‪ ،‬الطريقــة العلميــة الســتذكار درس أو‬
‫موضــوع‪ ،‬كيــف نتعامــل مــع الطفــل ضعيــف الــذكاء‪.‬‬
‫* الطفل وبر الوالدين‪ ،‬الخطوات العملية‪.‬‬
‫* الطفل واكتساب املعايش‪ .‬كيف يتكسب الطفل منذ نشأته؟‬

‫‪373‬‬
‫قلب الصغري قابل لكل ما نقش فيه‬

‫‪ -‬يقــول اإلمــام الغـزايل يف اإلحيــاء‪ :‬اعلــم أن طريــق تهذيــب الصبيــان مــن أهــم األمــور وأوكدهــا‪،‬‬
‫والصبيــان أمانــة عنــد الوالديــن‪ ،‬وقلبــه جوهــرة طاهــرة نفيســة ســاذجة خاليــة مــن كل نقــش‬
‫وصــورة‪ ،‬وهــو قابــل لــكل مــا نقــش‪ ،‬ومائــل إىل كل مــا ُيــال بــه إليــه‪ ،‬فــإن ُعـ ِّود الخــر‪ ،‬و ُعلِّ َمــه‬
‫وكل معلِّــم لــه ومــؤ ِّدب‪ ،‬وإن‬ ‫نشــأ عليــه‪ ،‬وســعد يف الدنيــا واآلخــرة‪ ،‬وشــاركه يف ثوابــه والــداه‪ُّ ،‬‬
‫ُع ـ ِّود الــر‪ ،‬وأهمــل إهــال البهائــم شــقي وهلــك‪ ،‬وكان الــوزر يف رقبــة الق ِّيــم عليــه والــوايل‬
‫لــه‪ ،‬ومهــا كان األب يصونــه عــن نــار الدنيــا‪ ،‬فبــأن يصونــه عــن نــار اآلخــرة أوىل‪ ،‬وصيانتــه بــأن‬
‫يؤ ِّدبــه‪ ،‬ويهذبــه‪ ،‬ويعلمــه محاســن األخــاق‪ ،‬ويحفظــه مــن قرنــاء الســوء‪ ،‬وال يعـ ِّوده التنعــم‪ ،‬وال‬
‫يحبــب إليــه الزينــة والرفاهيــة‪ ،‬فيضيــع عمــره يف طلبهــا إذا كــر‪ ،‬فيهلــك هــاك األبــد‪ ،‬وينبغــي‬
‫أن يراقبــه مــن أول أمــره‪ ،‬وأول ظهــور مخايــل العقــل عليــه‪ ،‬ظهــور الحيــاء لديــه‪ ،‬فإنــه إذا كان‬
‫يحتشــم ويســتحي ويــرك بعــض األفعــال‪ ،‬فليــس ذلــك إال إلرشاق نــور العقــل عليــه‪ ،‬وهــذه‬
‫بشــارة تــدل عــى اعتــدال األخــاق وصفــاء القلــب‪ ،‬وهــو مبــرِّ بكــال العقــل عنــد البلــوغ‪،‬‬
‫فالصبــي املســتحي ال ينبغــي أن يُه َمــل‪ ،‬بــل يســتعان عــى تأديبــه بحيائــه ومتييــزه‪.‬‬
‫‪ -‬يقــول الغـزايل أيضً ــا‪ :‬ولــن ترســخ األخــاق الدينيــة يف النفس مــا مل تتعـ َّود النفس جميــع العادات‬
‫الحســنة‪ ،‬ومــا مل تــرك جميــع األفعــال الســيئة‪ ،‬ومــا مل تواظــب عليــه مواظبــة مــن يشــتاق إىل‬
‫األفعــال الجميلــة ويتن ّعــم بهــا‪ ،‬ويكــره األفعــال القبيحــة ويتــأمل بهــا‪ ،‬واألخــاق الجميلــة تكــون‬
‫باعتيــاد األفعــال الجميلــة‪ ،‬ومبشــاهدة أربــاب األفعــال الجميلــة ومصاحبتهــم‪ ،‬وهــم قرنــاء الخــر‬
‫وإخــوان الصــاح‪ ،‬إذ الطبــع يــرق مــن الطبــع‪ ،‬والــر والخــر ســواء يف ذلــك‪ .‬واألصــل يف تأديــب‬
‫ـدل صحيــح الفطــرة‪ ،‬وإمنــا باالعتيــاد‬ ‫الصبيــان الحفــظ مــن قرنــاء الســوء‪ .‬وكل مولــود يولــد معتـ ً‬
‫والرتبيــة تته ـذَّب أخالقــه‪ .‬وكلــا ظهــر مــن الصبــي خلــق جميــل وفعــل محمــود‪ ،‬فينبغــي أن‬
‫يُكــرم عليــه‪ ،‬ويجــازى عليــه مبــا يفــرح بــه‪ ،‬وميــدح بــن أظهــر النــاس‪ ،‬فــإن خالــف ذلــك م ـ َّرة‪،‬‬
‫رسا‪ ،‬وال يكــر عليــه العتــاب يف كل حــن‪ ،‬فــإن‬ ‫فينبغــي أن يتغافــل عنــه‪ ،‬فــإن عــاد ثان ًيــا فيعاتــب ًّ‬

‫‪374‬‬
‫ذلــك يهـ ِّون عليــه املالمــة‪ ،‬ويســقط وقــع الــكالم مــن قلبــه‪ ،‬ويحســن أن يظــل لــأب عنــده هيبــة‬
‫مــن أن يوبِّخــه‪ ،‬واألم تخ ِّوفــه بــاألب‪.‬‬
‫***‬
‫التدرج وتعاطي األفعال طريق االكتساب‬
‫* الصغــر رسيــع القبــول للعــاج جـ ًّدا‪ ،‬لعــدم املعارضــة عنــده مــن كــر وعنــاد ورياســة‪ ،‬فيمكــن‬
‫ترســيخ الخلــق فيــه بســهولة‪ ،‬عكــس الكبــر إذ يصعــب معــه التغيــر‪ ،‬وإن كان ممك ًنــا‪ ،‬حيــث‬
‫أول‪ ،‬ومــا اعتــاده‪ ،‬ثــم‬
‫يتضاعــف عنــده الجهــد واملجاهــدة‪ ،‬إذ عليــه أن يقتلــع مــا رســخ يف نفســه ً‬
‫غــرس صفــة الصــاح واعتيادهــا‪ .‬والصفــات الحميــدة متعاونــة وبعضهــا مرتبــط ببعــض‪ ،‬والصفات‬
‫الخبيثــة يســتدعي بعضهــا بعضً ــا‪ ،‬ويجــر بعضهــا إىل بعــض‪ ،‬ويبــدأ باكتســاب الصفــة الحميــدة‬
‫األهــم‪ ،‬فــإن املشــاغل كثــرة والوقــت ال يتســع إلتقــان الجميــع‪ ،‬فالحــزم أن يــرف الطاقــة يف‬
‫ـر لــه‪ ،‬حتــى يســتكمل مــا‬ ‫الصفــات‪ ،‬ثــم يأخــذ مــن كل صفــة أحســنها إن تيـ َّ‬ ‫اكتســاب أهــم ِّ‬
‫يقــدر عليــه فيــا بعــد‪.‬‬
‫‪ -‬وينبغــي أن يتقــن الطفــل والصغــر الطريــق الحميــدة املرضيــة‪ ،‬والصفــات الحســنة‪ ،‬حتى يشــب‬
‫ره بعــد ذلــك أن يعــرف الطــرق األخــرى‪ ،‬ألنــه‬ ‫عــى األنــس بهــا وحبهــا والرغبــة فيهــا‪ ،‬فــا ي ـ ّ‬
‫بتكوينــه أصبــح نافـ ًرا منهــا‪ ،‬مصــدو ًدا عنهــا‪.‬‬
‫‪ -‬التَّــد ُّرج يف الرتبيــة والتدريــب واإلرشــاد الزم حتــى يكتســب الطفــل الصفــة‪ ،‬أو املهارة‪ ،‬أو لرتســيخ‬
‫االعتقــاد والخلــق‪ .‬فالصفــات الخلقيــة واملبــادئ واالعتقاديــة‪ ،‬مثــل املهــارات العضويــة‪ ،‬تحتــاج إىل‬
‫التــدرج يف اكتســابها‪ ،‬وتكـرار فعلهــا‪ ،‬حتــى تُكتســب وتتقــن‪ ،‬وتــؤدى بســهولة ويــر‪ ،‬وبــا جهــد‬
‫أو صعوبــة‪ ،‬مثــل مــن يتعلــم مهنــة قيــادة الســيارات‪ ،‬أو تعلــم لعبــة رياضيــة‪ ،‬فإنــه يتعلمهــا‬
‫شــيئًا فشــيئًا‪ ،‬وبتك ـرار فعلهــا‪ ،‬تصبــح ســهلة عــى مــن يتعلمهــا بعــد أن كانــت صعبــة وشــاقة‪،‬‬
‫بــل بكــرة التك ـرار ميهــر فيهــا ويؤديهــا بإتقــان وكفــاءة‪ ،‬مــع اليــر يف أدائهــا‪ ،‬وبأقــل الجهــد‪.‬‬
‫فاكتســاب األخــاق رياضــة ومجاهــدة‪ ،‬بــأن يحمــل النفــس عــى األعــال التــي يقتضيهــا الخلــق‬

‫‪375‬‬
‫يحصــل خلــق الجــود والكــرم‪ ،‬فطريقــه أن يتكلَّــف تعاطــي فعــل الجـ َّواد‪،‬‬ ‫املطلــوب‪ ،‬فمــن أراد أن ِّ‬
‫وهــو البــذل لآلخريــن‪ ،‬وخاصــة باملــال‪ ،‬فــا يـزال يطالــب نفســه بالبــذل‪ ،‬فيواظــب عــى العطــاء‬
‫ويتكلّفــه رغــم مشـقَّته عــى النفــس‪ ،‬فيجاهدهــا‪ ،‬حتــى تألــف نفســه فعــل البــذل‪ ،‬ويتيــر عليها‬
‫فعلــه‪ ،‬ومــع التكـرار والوقــت‪ ،‬تعتــاد النفــس البــذل فيصــر طب ًعــا لهــا‪ ،‬ويصــر بذلــك جـ َّوا ًدا‪.‬‬
‫‪ -‬العلــم بتهذيــب األخــاق‪ ،‬خــاف مبــارشة التهذيــب‪ ،‬فالعلــم والتحصيــل دافــع قــوي للفضيلــة‬
‫والرغبــة يف اكتســاب الخلــق‪ ،‬ولكــن ال تُكتســب الصفــة والخلــق مبجــرد تحصيــل العلــم بهــا‪ ،‬إذ ال‬
‫بــد مــن مبــارشة األفعــال املكســبة للصفــة وللخلــق‪ ،‬مثــل ذلــك مثــل اإلميــان‪ ،‬ال بــد مــن العمــل‬
‫مبقتضــاه‪ ،‬ومــن األمثلــة املجربــة يف ذلــك‪ ،‬مــا حــكاه ســهل بــن عبــد اللــه التســري‪ ،‬وهــي حكايــة‬
‫مفيــدة‪ ،‬ألن التجربــة ت ُطلــع عــى دقائــق مــن العلــم يســتغرب ســاعها‪ ،‬مــع أنــه يعظــم نفعهــا‪،‬‬
‫ـت وأنــا ابــن ثــاث ســنني أقــوم بالليــل فأنظــر إىل صــاة خــايل محمــد‬ ‫يقــول ســهل رحمــه اللــه‪ :‬كنـ ُ‬
‫بــن ســوار‪ ،‬فقــال يل يو ًمــا‪ :‬أال تذكــر اللــه الــذي خلقــك؟ فقلــت‪ :‬كيــف أذكــره؟ قــال‪ :‬قُـ ْـل بقلبــك‬
‫عنــد تقلبــك يف ثيابــك ثــاث مـرات مــن غــر تحـ ِّرك بــه لســانك‪ :‬اللــه معــي‪ ،‬اللــه ناظـ ٌر إ ّيل‪ ،‬اللــه‬
‫شــاهدي‪ .‬فقلــت ذلــك ليــايل‪ ،‬ثــم أعلمتُــه‪ ،‬فقــال‪ :‬قــل يف كل ليلــة ســبع مـرات‪ ،‬فقلــت ذلــك‪ ،‬ثــم‬
‫أعلمتــه‪ ،‬فقــال‪ :‬قــل ذلــك كل ليلــة إحــدى عــرة مــرة‪ ،‬فقلتــه‪ ،‬فوقــع يف قلبــي حالوتــه‪ ،‬فلــا‬
‫كان بعــد ســنة‪ ،‬قــال يل خــايل‪ :‬احفــظ مــا علمتــك ودم عليــه إىل أن تدخــل القــر‪ ،‬فإنــه ينفعــك‬
‫رسي‪ ،‬ثــم قــال يل خــايل‬ ‫يف الدنيــا واآلخــرة‪ ،‬فلــم أزل عــى ذلــك ســنني‪ ،‬فوجــدتُ لذلــك حــاوة يف ِّ‬
‫يو ًمــا‪ :‬يــا ســهل‪ ،‬مــن كان اللــه معــه وناظـ ًرا إليــه وشــاهده‪ ،‬أيعصيــه؟ إيــاك واملعصيــة‪.‬‬
‫‪ -‬يقــول اإلمــام الغـزايل‪ :‬ينبغــي أن مينــع الطفــل مــن كل مــا يفعــل يف خفيــة‪ ،‬فإنــه ال يخفيــه إال‬
‫وهــو يعتقــد أنــه قبيــح‪ ،‬فــإن تُــرك تعـ َّود فعــل القبيــح‪.‬‬
‫‪ -‬ويقــول الغ ـزايل أيضً ــا لتوضيــح اإلرشــاد ودرجــات االعتقــاد‪ ،‬علـ ًـا وعمـ ًـا‪ :‬يبــدأ مــع الصبــي‬
‫يف تقديــم العقائــد ليحفظهــا حفظًــا‪ ،‬ثــم ال ي ـزال ينكشــف لــه معناهــا يف كــره شــيئًا فشــيئًا‪،‬‬
‫فابتــداؤه بالحفــظ‪ ،‬ثــم الفهــم‪ ،‬ثــم االعتقــاد واإليقــان‪ .‬ويحصــل ذلــك للصبــي بغــر برهــان‪ ،‬فمــن‬
‫فضــل اللــه ســبحانه عــى قلــب اإلنســان‪ ،‬أن رشحــه يف أول أمــره لإلميــان مــن غــر حاجــة إىل‬
‫حجــة وبرهــان‪ ،‬وســبيله أن يشــتغل بتــاوة القــرآن‪ ،‬وتعلــم التفســر‪ ،‬وقـراءة الحديــث ومعانيــه‪،‬‬

‫‪376‬‬
‫ويشــتغل بوظائــف العبــادات‪ ،‬فــا ي ـزال اعتقــاده يــزداد رســو ًخا مبــا يقــرع ســمعه مــن أدلَّــة‬
‫القــرآن وحججــه‪ ،‬ومبــا يــرد عليــه مــن فوائــد وشــواهد األحاديــث‪ ،‬ومبــا يســطع يف قلبــه يف أنــوار‬
‫العبــادات‪ ،‬ومبــا يــري إليــه مــن مشــاهدة الصالحــن ومجالســتهم‪ ،‬فيكــون أول التلقــن كإلقــاء‬
‫كالس ـقْي والرتبيــة لــه حتــى ينمــو ذلــك البــذر‪ ،‬ويقــوى ويرتفــع‬
‫البــذر‪ ،‬وتكــون هــذه األعــال َّ‬
‫شــجرة طيبــة أصلهــا ثابــت وفرعهــا يف الســاء‪.‬‬
‫***‬
‫الطفل وخلق النظافة والرتتيب‬
‫* يقــول النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬إن اللــه ط ِّيــب يحــب الطيــب‪ ،‬نظيــف يحــب النظافــة‪،‬‬
‫كريــم يحــب الكــرم‪ ،‬جــواد يحــب الجــود‪ ،‬فنظِّفــوا أفنيتكــم‪ ،‬وال تشـ َّبهوا باليهــود» رواه الرتمــذي‪.‬‬
‫فالنظافــة خلــق ربَّــاين‪ ،‬واللــه ســبحانه يحــب النظافــة‪ ،‬ويحــب النظيــف‪ ،‬والنظافــة مطلوبــة يف كل‬
‫يشء‪ ،‬يف أبداننــا وبواطننــا‪ ،‬ويف ملبســنا ويف مطعمنــا‪ ،‬ويف بيوتنــا وأفنيتنــا‪ ،‬يف شــوارعنا‪ ،‬وحدائقنــا‬
‫وأماكــن أعاملنــا‪ ،‬يف مدارســنا وأماكــن لعبنــا‪ ،‬وهكــذا‪ .‬روى الطـراين عــن النبــي صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم‪« :‬ط ِّهــروا أفنيتكــم‪ ،‬فــإن اليهــود ال تط ِّهــر أفن َي َتهــا» فأمــة اإلســام ال بــد أن تتف ـ َّوق عــى‬
‫ـص بالنظافــة‪ ،‬وتُعــرف بالنظافــة‪ .‬روى ابــن حبــان يف الضعفــاء‬ ‫ســائر األمــم‪ ،‬ومــن ذلــك أن تختـ ّ‬
‫عــن عائشــة ريض اللــه عنهــا عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬تنظَّفــوا فــإن اإلســام نظيــف»‬
‫وروى الطــراين يف األوســط بســنده عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬النظافــة تدعــو إىل‬
‫اإلميــان»‪.‬‬
‫‪ -‬رشع اإلســام اجتنــاب النجاســات الحســية واملعنويــة‪ ،‬الحســية كالبــول والــراز‪ ،‬واملعنويــة‬
‫ــس} وجــاء يف الحديــث عــن دعــاء دخــول الخــاء –أي دورات‬ ‫كالــرك {إِنَّ َــا الْ ُم ْ ِ‬
‫شكُــو َن نَ َج ٌ‬
‫امليــاه‪« -‬أعــوذ باللــه مــن ال ُخ ُبــث والخبائــث» أي ذكــور الشــياطني وإناثهــا‪ .‬فالشــياطني خبيثــة‬
‫وتحــب مواطــن الخبائــث‪ ،‬واملرشكــون أنجــاس يف نفوســهم املرشكــة‪ ،‬ويعتــادون مخالطــة‬
‫النجاســات‪ ،‬بعكــس املؤمــن الطاهــر‪ ،‬يف باطنــه ويف ظاهــره‪ ،‬والعبــادات قامئــة عــى النظافــة‬
‫الحســية واملعنويــة‪ ،‬فدخــول اإلنســان مــن البدايــة يف اإلســام مــن الكفــر‪ ،‬يجــب فيــه الغســل‬

‫‪377‬‬
‫للبــدن‪ ،‬ثــم التوبــة مــن الــرك بالتلفــظ بالشــهادتني‪ ،‬والصــاة يجــب لهــا الطهــارة مــن الحــدث‬
‫األصغــر‪ ،‬ومــن الحــدث األكــر‪ ،‬وهــي طهــرة مــن الذنــوب‪ ،‬والــزكاة طهــرة للــال بنــص الحديــث‪،‬‬
‫ومعناهــا اللغــوي‪ :‬النــاء والــزكاة أي الطهــرة‪ ،‬والصــوم طهــرة للنفــس والبــدن‪ ،‬فالصــوم ُج َّنــة‪،‬‬
‫أي وقايــة مــن الذنــوب واآلثــام‪ ،‬وهــي الخبائــث املهلكــة‪ ،‬والحــج يلزمــه التطهــر ظاهـ ًرا‪ ،‬وباط ًنــا‪،‬‬
‫وحتــى النفقــة إذا كانــت حرا ًمــا فــا يقبــل منــه‪ ،‬وهكــذا العبــد دائــم التَّط ُّهــر الحــي واملعنــوي‪،‬‬
‫بطهــارة النفــس عــن رذائــل األخــاق ومذمــوم الصفــات‪ .‬وهــم يف ذلــك –أي العبــاد‪ -‬يف تش ـ ّبه‬
‫دائــم بخلـ ُـق املالئكــة املقدســن املطهريــن‪ ،‬واملالئكــة تحــب الطهــارة‪ ،‬واللــه {يُ ِحـ ُّ‬
‫ـب التَّ َّوا ِب ـ َن‬
‫ـب الْ ُمتَطَ ِّهرِيـ َن} [البقــرة‪ ]222 :‬والعمــل عــى اجتنــاب الشــهوة والغضــب والحقــد والحســد‬ ‫َويُ ِحـ ُّ‬
‫والكــر والعجــب والبخــل وأمثــال ذلــك‪ ،‬هــو تزكيــة النفــس حتــى ميكــن بعــد تخليتهــا مــن‬
‫هــذه الخبائــث‪ ،‬تحليتهــا بصفــات الحلــم واملــو ّدة والتواضــع والكــرم وأمثــال ذلــك مــن محاســن‬
‫األخــاق‪ .‬فالنظافــة إذًا نظــام الديــن و ِمالكــه‪.‬‬
‫* وواجــب الوالديــن العمــل عــى تنظيــف الطفــل وتعليمــه وتدريبــه وتحبيبــه للنظافــة‪ ،‬وأن‬
‫يكــون نظي ًفــا‪ ،‬وقــد كان الرعيــل األول مــن املســلمني يحرصــون عــى تنظيــف أوالدهــم‪ ،‬عــن‬
‫أســاء بنــت ُعم ْيــس ريض اللــه عنهــا وهــي زوجــة جعفــر بــن أيب طالــب ريض اللــه عنــه قالــت‪:‬‬
‫ـت‬‫ي رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬وقــد دب ْغـ ُ‬ ‫«ملــا أصيــب جعفــر وأصحابــه‪ ،‬دخــل ع ـ ّ‬
‫ـي‪ ،‬ود َّهنتهــم‪ ،‬ونظفتهــم ‪ ...‬الحديــث» رواه ابــن‬ ‫أربعــن ميتــة‪ ،‬وعجنــت عجنــي‪ ،‬وغســلت بنـ َّ‬
‫ماجــة وأحمــد‪ .‬فلــم مينعهــا عــن تنظيــف وتطييــب أوالدهــا‪ ،‬أنهــا قامــت بدبــغ أربعــن فــروة‬
‫ألربعــن ذبيحــة‪ ،‬ومــن أنهــا عجنــت العجــن‪ .‬وهــذه فاطمــة بنــت رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم وريض اللــه عنهــا تهتــم بنظافــة وملبــس الحســن ريض اللــه عنــه‪ ،‬يقــول أبــو هريــرة ريض‬
‫اللــه عنــه‪« :‬خرجــت مــع النبــي صــى اللــه عليــه وســلم يف طائفــة مــن النهــار‪ ،‬ال يكلمنــي وال‬
‫أكلمــه‪ .‬حتــى جــاء ســوق بنــي قي ُنقــاع‪ ،‬ثــم انــرف حتــى أىت مخــدع فاطمــة‪ ،‬فقــال‪ :‬أثــم لكــع؟‬
‫‪-‬يعنــي حسـ ًنا‪ -‬فظَ َّننــا أنــه إمنــا تحبســه أ ُّمــه ألن تغســله‪ ،‬أو تلبســه ســخابًا‪ ،‬فلــم يلبــث أن جــاء‬
‫يســعى حتــى اعتنــق كل واحــد منهــا صاحبــه» رواه البخــاري ومســلم‪.‬‬
‫وأمــا تعليــم الطفــل النظافــة فيبــدأ منــذ مي ّيــز الطفــل بــن مــا هــو نظيــف‪ ،‬ومــا هــو قــذر وغــر‬
‫نظيــف‪.‬‬
‫‪378‬‬
‫بالنسبة لبدنه‪:‬‬
‫‪ -1‬يتوضأ‪ ،‬أو يغسل يديه ووجهه ورجليه قبل أن ينام كل ليلة‪.‬‬
‫‪ -2‬يتوضأ‪ ،‬أو يغسل يديه ووجهه ورجليه بعد استيقاظه كل يوم‪.‬‬
‫‪ -3‬يغسل يديه قبل وبعد كل تناول للطعام‪.‬‬
‫‪ -4‬يغسل يديه كلام تل َّوثت‪.‬‬
‫‪ -5‬يغتسل بعد كل لعب طويل‪ ،‬أصابه العرق بسببه‪.‬‬
‫‪ -6‬يغتسل عىل فرتات متقاربة صيفًا‪ ،‬وبانتظام شتا ًء كل ثالثة أيام‪.‬‬
‫‪ -7‬يقلِّــم أظافــر يديــه ورجليــه كلــا اقتــى األمــر‪ ،‬بحيــث يتعهدهــا مــرة كل أســبوع‪ ،‬ويحســن‬
‫أن يكــون ذلــك قبــل الغســل للجمعــة‪.‬‬
‫‪ -8‬يغسل شعر رأسه مرة كل يوم‪ ،‬ويحافظ عىل نظافته وترسيحه‪ ،‬وخاصة البنت‪.‬‬
‫‪ -9‬يتع َّود تنظيف أسنانه بعد كل طعام‪ ،‬وقبل النوم‪ ،‬ويخصص له فرشاة أسنان‪.‬‬
‫‪ -10‬يحتفــظ معــه بقــدر مــن مناديــل ورق الوجــه‪ ،‬لتجفيــف العــرق‪ ،‬وللتَّن ُّخــم فيهــا‪ ،‬أو البصــاق‪،‬‬
‫ويضــع املســتعمل يف ســلة املهمــات‪.‬‬
‫‪ -11‬يجفّف األذنني بالقطن بعد كل اغتسال‪.‬‬
‫‪ -12‬يخصص للطفل فوطة يجفِّف بها وجهه وبدنه‪ ،‬تعلق يف الحامم‪ ،‬وال يستخدم غريها‪.‬‬
‫بالنسبة ملالبسه‪:‬‬
‫مخصــص لهــا‪ ،‬وبحيــث ال تختلــط بغريهــا‪ ،‬ويُراعــى تهويتهــا ونفضهــا قبــل‬ ‫‪ -1‬ت ُرتَّــب يف مــكان ّ‬
‫ارتدائهــا‪.‬‬
‫‪ -2‬توضع املالبس التي استعملت ويراد غسلها يف مكان خارج الحجرة يخصص لها‪.‬‬
‫‪ -3‬تعلّــق املالبــس التــي تســتعمل عــى عالقــات مخصصــة للطفــل تكــون يف متنــاول يديــه‪،‬‬
‫ويحــذّر بشــ َّدة مــن وضعهــا غــر معلقــة يف األماكــن املعــ ّدة لهــا‪.‬‬
‫‪ -4‬يفضــل أن يكــون للطفــل مالبــس خاصــة للنــوم‪ ،‬خــاف املالبــس التــي ميــارس فيهــا نشــاطاته‬
‫أثنــاء يقظتــه‪.‬‬
‫‪ -5‬يفضــل لبــس جــورب جديــد أو مغســول كل يــوم‪ ،‬ويوضــع املســتعمل يف الحــال مبجــرد خلعــه‬

‫‪379‬‬
‫يف املــكان املخصــص للغســيل‪.‬‬
‫‪ -6‬يحافــظ عــى نظافــة الحــذاء‪ ،‬مــن داخلــه‪ ،‬ومــن خارجــه‪ ،‬مــع دهنــه بالدهــان املناســب‪ ،‬وأن‬
‫يخصــص لــكل طفــل مــكان لألحذيــة بالقــرب مــن بــاب البيــت‪ ،‬بحيــث يضعــه مبجــرد خلعــه‪،‬‬
‫وقبــل أن يدخــل بــه حجـرات البيــت‪ ،‬ويفضــل أن يكــون لــه يف نفــس املــكان –شبشــب‪ -‬يلبســه‬
‫داخــل البيــت‪ ،‬ويفضــل أن يع ـ َّود أال يلبــس حــذاء‪ ،‬أو شبشــب إخوتــه‪.‬‬
‫‪ -7‬يفضــل أن يتــدرب الطفــل عــى يكِّ مالبســه بنفســه‪ ،‬وأن يتــم ذلــك لــكل املالبــس التــي تكــوى‬
‫مبجــرد غســلها‪ ،‬ثــم وضعهــا يف أماكنهــا‪ ،‬وال يعـ َّود عــى ك ِّيهــا عنــد ارتدائهــا‪.‬‬
‫‪ -8‬يجــب أال يتع ـ َّود تلويــث مالبســه‪ ،‬أو ارتــداء املالبــس امللوثــة‪ ،‬ويتــم زجــره عــى ذلــك بعــد‬
‫التعليــم والتفهيــم املناســب‪.‬‬
‫‪ -9‬يلقَّــن الطفــل أن نظافــة املالبــس مظهــر إســامي‪ ،‬وخلــق جميــل‪ ،‬وأن املالبــس النظيفــة‬
‫والبســيطة‪ ،‬أفضــل قيمــة مــن املالبــس الثمينــة‪ ،‬وأن العنايــة بالنظافــة أهــم مــن العنايــة باألغــى‬
‫مث ًنــا يف املالبــس‪.‬‬
‫بالنسبة لفراشه وحجرته‪:‬‬
‫‪ -1‬عــدم اســتخدام الف ـراش إال للنــوم والراحــة‪ ،‬واملحافظــة عليــه نظي ًفــا مرتبًــا‪ ،‬بوضــع الغطــاء‪،‬‬
‫والفــرش‪ ،‬واملخــدات‪ ،‬كل يف موضعــه‪ ،‬وترتيبــه بعــد االســتيقاظ مــن النــوم وقبــل دخــول الحــام‬
‫للتعـ ُّود عــى ذلــك‪.‬‬
‫‪ -2‬يتــم نفــض الفـراش عنــد النــوم والتأكــد مــن خلـ ّو الفـراش واألغطيــة مــن أي يشء قــد يكــون‬
‫علــق بهــا‪.‬‬
‫‪ -3‬يتــم تعويــد الطفــل أن يقــوم بتهويــة فراشــه بنفســه‪ ،‬إن أمكنــه ذلــك‪ ،‬ويتعــ َّود أن يغــر‬
‫املــاءات واألغطيــة بنفســه‪ ،‬وأن يضــع املســتعمل‪ ،‬وامل ـراد غســله يف املــكان املخصــص لذلــك‪.‬‬
‫‪ -4‬ال يضــع عــى الفــراش أي يشء مــن أدواتــه‪ ،‬أو لعبــه‪ ،‬وال يلقــي عليــه أيــة مهمــات‪ ،‬أو‬
‫قصاصــات الــورق وغــره‪.‬‬
‫‪ -5‬يفضــل أال ينــام الطفــل إال يف فراشــه‪ ،‬وال ينــام يف فـراش غــره‪ ،‬إال للحاجــة‪ ،‬وإذا نــام يف فـراش‬
‫غــره‪ ،‬فــا يرتكــه إال نظي ًفــا ومرتَّ ًبــا مثلــا يفعــل يف فراشــه‪.‬‬

‫‪380‬‬
‫‪ -6‬يحافــظ عــى تهويــة مــكان النــوم‪ ،‬وتجميــل الحجــرة مبــا يناســب عمــر الطفــل‪ ،‬وتنظيفهــا‬
‫يوميًّــا‪ ،‬وأن يشــارك الطفــل يف ذلــك‪ ،‬حتــى ولــو كان البيــت فيــه َمــن يخــدم ويقــوم بذلــك‪ ،‬وحتــى‬
‫يعتــاد الطفــل النظافــة والرتتيــب عمل ًّيــا يف حياتــه بعــد ذلــك‪.‬‬
‫‪ -7‬يفضــل أن تكــون حجــرة نــوم الطفــل مضــاءة دامئًــا‪ ،‬وحتــى أثنــاء نومــه‪ ،‬وال يعـ َّود عــى الظالم‪.‬‬
‫وأن يقــوم الطفــل بنفســه بإطفــاء اللمبــات الكبــرة قبــل نومــه‪ ،‬مــع بقــاء ملبــة صغــرة مضــاءة‪.‬‬
‫كــا يفضــل أن يوضــع بالقــرب منــه –كشــاف‪ ،‬أو بطاريــة‪ -‬الســتخدامها عنــد انقطــاع الكهربــاء‪.‬‬
‫‪ -8‬يفضــل أن يكــون لــكل طفــل غطــاء مســتقل‪ ،‬بحيــث ال يشــرك مــع إخوتــه يف الغطــاء الواحــد‪،‬‬
‫وخاصــة أختــه‪ ،‬ويلــزم ذلــك إذا بلــغ أيهــا ســبع ســنني‪.‬‬
‫بالنسبة ملكتبة وحقيبة مدرسته‪:‬‬
‫‪ -1‬ميسح املكتب ويرتب ما عليه قبل الجلوس عليه‪.‬‬
‫كل يف موضعــه‪ ،‬ويحافــظ عــى أن‬ ‫‪ -2‬توضــع عليــه‪ ،‬ويف أدراجــه‪ ،‬األدوات والكتــب‪ ،‬والكراســات‪ٌّ ،‬‬
‫توضــع هــذه األشــياء يف موضــع معــن‪ ،‬ال يتغـ َّـر‪ ،‬حتــى ال يبحــث عنهــا يف كل املواضــع فيضيــع‬
‫الوقــت والرتتيــب‪ ،‬ويخصــص مــكان للحقيبــة املدرســية‪ ،‬أو تعلــق خاليــة مــن األدوات والكتــب‪.‬‬
‫‪ -3‬ال يوضــع يف حقيبــة الطفــل املدرســية إال املطلــوب اســتعامله يف كل يــوم مــدريس‪ ،‬وحســب‬
‫جــدول الحصــص املدرســية‪ ،‬ويشـ ّدد يف ذلــك‪ ،‬حتــى ال يحمــل يوم ًّيــا كل مــا ميــأ الحقيبــة ويعــود‬
‫بهــا دون اســتعامل‪ ،‬وللمحافظــة عليهــا‪ ،‬ولســهولة اســتخراج املطلــوب منهــا‪ .‬ويتــم يوم ًّيــا‪ ،‬وقبــل‬
‫النــوم‪ ،‬وضــع املطلــوب اســتعامله يف اليــوم املــدريس التــايل‪.‬‬
‫‪ -4‬يشــ ّدد عــى الطفــل‪ ،‬بــأن ال ميــ ِّزق شــيئًا مــن الكتــب‪ ،‬أو الكراســات‪ ،‬حتــى يُ ْنتهــى منهــا‪،‬‬
‫فتُجنــب يف مــكان مخصــص لتــرف فيهــا‪ ،‬وحبــذا لــو أعــرت‪ ،‬أو أهديــت لطفــل آخــر يحتــاج‬
‫إليــه‪.‬‬
‫‪ -5‬يش ـ ّدد عــى الطفــل‪ ،‬بــأن ال يكتــب بخطــه عــى صفحــات الكتــب‪ ،‬أو يل ِّوثهــا‪ ،‬إال أن يكتــب‬
‫منســقة وبخــط جميــل‪.‬‬ ‫رش ًحــا‪ ،‬أو مالحظــة علميــة مناســبة‪ ،‬فيكتبهــا َّ‬
‫‪ -6‬توضــع ســلة مهمــات قريبــة مــن الطفــل‪ ،‬يضــع فيهــا مــا يتخلــف مــن قصاصــات الــورق أو‬
‫النفايــات املختلفــة‪ ،‬أولً بــأول‪ ،‬ويحــذر مــن إلقــاء يشء مــن ذلــك‪ ،‬عــى املكتــب أو عــى أرض‬

‫‪381‬‬
‫الحجــرة‪ .‬ويفضــل أن يوضــع عــى املكتــب علبــة مناديــل ورق لالســتعامل‪.‬‬
‫‪ -7‬يفضــل أن تتــم مراجعــة محتويــات الحقيبــة املدرســية‪ ،‬مــع الطفــل ومبوافقتــه‪ ،‬عنــد عودتــه‬
‫مــن املدرســة‪ ،‬وعنــد إعدادهــا لليــوم املــدريس التــايل‪ ،‬حتــى يطمــن الوالــدان عــى ســلوك الطفــل‪،‬‬
‫بعــدم إحضــار يشء ال يخصــه مــن املدرســة‪ ،‬ولالطمئنــان عــى وضــع كل املطلــوب لليــوم الــدرايس‪،‬‬
‫ويجــب متابعــة ومراجعــة كتبــه وكراســاته‪ ،‬وأدواتــه لالطمئنــان عــى الدراســة‪ ،‬ومــن أجل اإلرشــاد‬
‫وتوجيــه الطفــل‪ ،‬وإذا احتــاج األمــر لتفتيــش الحقيبــة‪ ،‬أو األدراج مــن ورائــه‪ ،‬فيفضــل أال يعلــم‬
‫الطفــل بهــذا التفتيــش‪ ،‬وقــد ســبق بيــان ذلــك يف الفصــول الســابقة‪.‬‬
‫‪ -8‬يراعــى إضــاءة مــكان مذاكــرة الطفــل إضــاءة جيــدة‪ ،‬وتوفــر كــريس مريــح مناســب لعمــره‪،‬‬
‫وتهويــة الحجــرة أثنــاء املذاكــرة‪ ،‬ويحســن تزيــن الحجــرة واملكتــب مبــا يحبــه الطفــل حتــى يرتــاح‬
‫للمــكان وال ميـ ّـل الجلــوس للمذاكــرة‪.‬‬
‫‪ -9‬األفضــل للطفــل تعليــق أشــيائه عــى الحائــط‪ ،‬يف حقائــب قــاش وغــره‪ ،‬ليســهل عليــه‬
‫اســتخدامها وحفظهــا‪ .‬وتكــون بألــوان جميلــة ومفرحــة‪ ،‬وميكــن صناعتهــا عــى أشــكال الحيوانــات‬
‫والطيــور‪ ،‬وحتــى تتســع الحجــرة لــه‪ ،‬ولغــره‪.‬‬
‫بالنسبة للشارع واملدرسة‪:‬‬
‫‪ -1‬يخصــص يف حقيبــة املدرســة كيــس بالســتيك فــارغ‪ ،‬يضــع الطفــل فيــه كافّــة املخلَّفــات‪،‬‬
‫ويفرغهــا‪ ،‬أو يلقيــه مبــا فيــه‪ ،‬عنــد عودتــه مــن املدرســة‪ ،‬ويحــذر مــن إلقــاء يشء يف الشــارع‪.‬‬
‫‪ -2‬يحافــظ عــى مــكان جلوســه بالفصــل يف املدرســة‪ ،‬نظي ًفــا‪ ،‬ويطالــب مبســح املــكان بفوطــة‬
‫توضــع باملــكان‪ ،‬أو مبنديــل مــن الــورق‪ ،‬قبــل الجلــوس عليــه يف بدايــة اليــوم املــدريس‪.‬‬
‫‪ -3‬مينــع مــن إلقــاء يشء يف الفصــل‪ ،‬أو دورة امليــاه‪ ،‬أو يف حــوش املدرســة‪ ،‬وإذا كانــت هنــاك ســلة‬
‫للمهمــات فيمكنــه إلقــاء األشــياء فيها‪.‬‬
‫‪ -4‬يعـ َّود‪ ،‬ويطالــب‪ ،‬ويشــجع‪ ،‬عــى التقــاط مــا يلقــى يف هــذه األماكــن‪ ،‬وحتــى ال يــؤذي زمــاءه‪،‬‬
‫أو معلميــه‪ ،‬ويضعهــا يف ســلة املهمــات‪.‬‬
‫‪ -5‬يحــذر مــن قطــع يشء مــن املزروعــات واألزهــار‪ ،‬يف املدرســة‪ ،‬أو يف الطريــق‪ ،‬ويعـ َّود املحافظــة‬
‫عليهــا‪ ،‬فــإن أصحــاب الحضــارات املاديــة يعتــرون تــرف الطفــل يف هــذه الحالــة دليــل مســتوى‬
‫الحضارة‪.‬‬
‫‪382‬‬
‫‪ -6‬يشــارك الطفــل يف أنشــطة املدرســة‪ ،‬للنظافــة‪ ،‬والتجميــل‪ ،‬والزراعــة‪ ،‬وغــر ذلــك‪ ،‬حتــى يتعلــم‬
‫ذلــك‪ ،‬ويحافــظ عــى مــا بُـ ِـذل مــن جهــد فيهــا‪ ،‬باملحافظــة عليهــا‪.‬‬
‫‪ -7‬مينــع الطفــل مــن الكتابــة والعبــث عــى الحوائــط‪ ،‬يف البيــت‪ ،‬أو الشــارع‪ ،‬أو الفصــل‪ ،‬أو‬
‫املدرســة‪ ،‬وإذا أحــب الطفــل يف مرحلــة قبيــل املدرســة‪ ،‬أو خــال فــرة الدراســة‪ ،‬أن يعبــث بالقلــم‬
‫–يشــخبط‪ -‬يفضــل تخصيــص كراســة تخصــص لذلــك‪ ،‬ويــرك الطفــل ميــارس فيهــا هوايتــه‪ ،‬وقــد‬
‫يــؤ ّدي ذلــك إىل اكتشــاف قــدرة فنيــة لديــه‪.‬‬
‫بالنسبة للوقت والرتتيب‪:‬‬
‫* ال شــك أن هنــاك عالقــة بــن الوقــت والرتتيــب‪ ،‬فرتتيــب الشــؤون‪ ،‬واألشــياء‪ ،‬ال يكــون إال‬
‫يف وقــت‪ ،‬والوقــت بالــرورة محــدود بالســاعات‪ ،‬واأليــام‪ ،‬واألســابيع‪ ،‬والشــهور‪ ،‬والســنني‪ .‬فــإذا‬
‫ضيعــت الســاعات ضــاع اليــوم‪ ،‬وإذا ضــاع اليــوم ضــاع األســبوع‪ ،‬وهكــذا يضيــع العمــر بــا كثــر‬
‫فائــدة‪.‬‬
‫‪ -1‬يحســن أن نعـ ِّود الطفــل عــى ترتيــب يشء لــكل وقــت‪ ،‬حتــى الراحــة ترتــب‪ ،‬فأوقــات للراحــة‪،‬‬
‫وأوقــات للنــوم‪ ،‬وأوقــات للعــب‪ ،‬وأوقــات للطعــام‪ ،‬وأوقــات للمذاكــرة‪ ،‬وأوقــات للعبــادات‪،‬‬
‫وأوقــات للبيــت‪ ،‬وأوقــات لخــارج البيــت‪ ،‬وأوقــات للزيــارة‪ ،‬وأوقــات للمدرســة‪ ،‬وأوقــات للفســحة‬
‫والتفـ ّرج‪ ،‬وأوقــات للهوايــات والتدريــب عــى املهــارات‪ ،‬وهكــذا بحيــث ال يخلــو وقــت مــن شــغل‬
‫مقصــود‪ ،‬فــا يــرك شــيئًا للفـراغ‪.‬‬
‫‪ -2‬يوضع ذلك كله يف جداول‪ ،‬وتتابع مع الطفل حتى يعتاد تنظيم وقته‪ ،‬واالستفادة منه‪.‬‬
‫‪ -3‬أعظــم مــا نعلمــه الطفــل‪ ،‬املحافظــة عــى املواعيــد‪ ،‬وضبطهــا‪ ،‬وعــدم طغيــان عمــل عــى‬
‫وقــت عمــل آخــر‪.‬‬
‫* كيف يكتسب الطفل القدرة عىل التحصيل املدريس والتفّوق؟‬
‫ـروا» رواه‬ ‫يقــول النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬وهــو معلــم البرشيــة‪َ « :‬علِّمــوا‪ ،‬ويـرَّ وا‪ ،‬وال تعـ ِّ‬
‫أحمــد‪ ،‬ويقــول صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬إمنــا العلــم بالتعلــم‪ ،‬وإمنــا الحلــم بالتحلُّــم‪ ،‬ومــن يتحـ َّر‬
‫الخــر يُ ْعطَــه‪ ،‬و َمـ ْن يتــق الــر يوقــه» رواه الطـراين‪.‬‬

‫‪383‬‬
‫الطفل وجمتمع املدرسة اجلديد‬
‫* يبــدأ الطفــل مرحلــة هامــة ورئيســية يف حياتــه‪ ،‬عنــد أول خطــوة لــه إىل املدرســة االبتدائيــة‪،‬‬
‫ويعتــر الصــف األول االبتــدايئ أخطــر وأهــم مــا يؤثــر يف مســتقبل الطفــل الــدرايس‪ .‬فــإذا تقبــل‬
‫الطفــل مجتمــع املدرســة‪ ،‬وأمكــن أن يكــون متف ِّوقًــا يف الصــف الــدرايس األول‪ ،‬فغال ًبــا مــا يصاحبــه‬
‫التفـ ُّوق يف بقيــة مراحــل التعليــم‪ ،‬مــا مل يطــرأ لــه مــن العــوارض مــا مينــع هــذا التفـ ُّوق‪.‬‬
‫‪ -‬واآلبــاء واألمهــات واملعلمــون‪ ،‬يحملــون عــبء هــذا التقبّــل وهــذا التفـ ّوق مــن الصغــر‪ ،‬بتوفــر‬
‫الطأمنينــة وتجنــب القلــق عنــد الصغــر‪ ،‬وخاصــة بعــدم إظهــار االهتــام الزائــد‪ ،‬والــذي يشــعر‬
‫الصغــر بالرهبــة‪ ،‬وأنــه منتقــل إىل أمــر ال قبــل لــه بــه‪ ،‬ومدفــوع بــه إىل مــا يشــق عليــه‪ ،‬ويف نفــس‬
‫الوقــت عليهــم أن يعملــوا عــى إيجــاد الثقــة يف نفــس الصغــر‪ ،‬بتهويــن األمــر عليــه‪ ،‬وتيســر‬
‫مهمتــه‪ ،‬وتهيئــة الجــو املحبــب إىل نفســه يف البيــت واملدرســة‪ ،‬وعــى املعلمــن أن يدركــوا أن‬
‫املدرســة بالنســبة للصغــر‪ ،‬عــامل جديــد‪ ،‬حيــث يخالــط ألول مــرة مجتم ًعــا خــارج مجتمــع أرستــه‪.‬‬
‫* آثار دخول املدرسة قبل بلوغ السن‬
‫* لهفــة الوالديــن عــى أن يلتحــق الصغــر باملدرســة مبكـ ًرا‪ ،‬وقبــل أن يبلــغ عامــه الســادس‪ ،‬كثـ ًرا‬
‫مــا تكــون مــن عوامــل اإلرهــاق امل ُضعــف لذهــن الصغــر‪ ،‬ولقلــة تحصيلــه‪ ،‬حيــث مل يكــن قــد‬
‫اكتمــل نضجــه الجســمي والعقــي بالقــدر املالئــم للمرحلــة التعليميــة‪ ،‬فيبــدأ املرحلــة ضعي ًفــا‬
‫عــن مســتوى أقرانــه بالصــف الــدرايس‪ ،‬مــا يكــون لــه األثــر عليــه‪ ،‬ســواء يف تك ُّيفــه مــع األقـران‪،‬‬
‫أو يف إحـراز التفـ ُّوق يف الصفــوف الدراســية التاليــة‪ .‬وتحديــد ســن القبــول يف املرحلــة االبتدائيــة‬
‫بالعــام الســادس‪ ،‬لــه مــا يــرره علميًّــا وواقعيًّــا‪.‬‬
‫* املطلوب من الوالدين لطفل املدرسة‬
‫* الطفــل الصغــر يقــي معظــم وقتــه بالبيــت‪ ،‬وهــو محضنــه الطبيعــي‪ ،‬ويخــرج للمدرســة ثــم‬
‫يعــود للبيــت‪ ،‬فعــى الوالديــن تهيئتــه وإعــداده قبــل الخــروج إىل املدرســة‪ ،‬ثــم إحســان اســتقباله‬
‫عنــد الحضــور مــن املدرســة‪ ،‬وتشــجيعه عنــد الخــروج وإزالــة قلقــه‪ ،‬وتهدئتــه والعمــل عــى‬
‫راحتــه عنــد عودتــه حتــى يســتعيد نشــاطه وطاقتــه النفســية‪.‬‬
‫‪ -‬بخصــوص االســتذكار‪ ،‬والتَّعويــد عليــه‪ ،‬عــى الوالديــن يف البيــت ثالثــة أمــور‪ :‬تهيئــة الجــو املالئــم‬

‫‪384‬‬
‫لالســتذكار‪ ،‬وإعانــة الطفــل بالــرح والتوجيــه‪ ،‬متابعــة الطفــل يف دراســته‪ ،‬متابعــة مســتمرة‪ ،‬مــع‬
‫الطفــل‪ ،‬ومــع املدرســة‪.‬‬
‫‪ -1‬بحســب إمكانيــات األرسة‪ ،‬يخصــص مــكان مناســب‪ ،‬ومكتــب صغــر‪ ،‬وكــريس‪ ،‬ومكتبــة‪ ،‬أو‬
‫أدراج‪ ،‬مــع توفــر ســبل الراحــة الكافيــة‪ ،‬والهــدوء الــازم وقــت االســتذكار‪ ،‬وتوفــر الطأمنينــة‬
‫بإحســاس الطفــل بقــرب أف ـراد أرستــه منــه‪ ،‬وعــدم عزلــه كل ًّيــا عنهــم‪ ،‬وعــدم إشــغاله‪ ،‬بالنــداء‬
‫عليــه‪ ،‬أو بتكليفــه بــأداء بعــض األعــال أثنــاء اســتذكاره‪.‬‬
‫‪ -2‬يف بدايــة العــام الــدرايس عــى املعلمــن أال يثقلــوا عــى التلميــذ الصغــر‪ ،‬والجديــد عــى‬
‫الدراســة‪ ،‬بالواجبــات الدراســية‪ ،‬وعــى الوالديــن يف البيــت أن يقدمــا العــون املناســب للصغــر‪،‬‬
‫بالــرح والتوجيــه‪ ،‬واملعاونــة عــى الفهــم‪ ،‬والتدريــب والتشــجيع عــى الجلــوس لالســتذكار‪ ،‬مــع‬
‫تحذيــر الوالديــن مــن أن يقــوم أحدهــا بعمــل الواجــب نيابــة عــن الصغــر‪ ،‬حتــى ال يتع ـ ّود‬
‫عــى االعتــاد يف ذلــك عــى غــره‪ ،‬وليتعلــم هــو بنفســه‪ ،‬ويكتســب الثقــة يف النفــس‪ ،‬وال ُّدربــة‬
‫عــى عمــل الواجبــات‪ ،‬وقــد يكــون الدافــع للوالديــن‪ ،‬هــو إرضــاء املعلــم يف املدرســة عــن الطفــل‪،‬‬
‫والــرور منــه لحســن وجــودة كراســته‪ ،‬وهــذا يف الحقيقــة هــدف ثانــوي إذا قُــورن بــاألرضار‬
‫الشــديدة عــى الطفــل مــن ج ـ ّراء ذلــك‪ .‬ويكفــي أن يتدخــل أحــد الوالديــن باملســاعدة القليلــة‬
‫عنــد االحتيــاج للتدخــل الفعــي‪ .‬كــا يجــب تحذيــر الوالديــن أيضً ــا مــن مداومــة الجلــوس بجانب‬
‫الطفــل أثنــاء قيامــه باالســتذكار‪ ،‬وإال تعـ َّود أال يســتذكر إال بحبــس أحــد الوالديــن بجانبــه‪ ،‬حتــى‬
‫عندمــا يكــر‪ ،‬وليــس ذلــك بالطبــع يف مقــدور أحــد منهــا‪ ،‬وتخليــص الطفــل مــن هــذه العــادة‬
‫إذا تع َّودهــا يكــون صع ًبــا‪ ،‬عمل ًّيــا ونفس ـ ًّيا‪ .‬واالعتــدال يف ذلــك‪ ،‬أن نطمــن عــى بــدء الطفــل يف‬
‫االســتذكار‪ ،‬ثــم نتغ َّيــب عنــه بقصــد‪ ،‬ثــم نُعــاود االطمئنــان عليــه‪ ،‬وهكــذا عــى فـرات مناســبة‪،‬‬
‫ليتعــود عــى االســتقالل بنفســه‪ ،‬واالعتــاد عــى جهــده‪ ،‬واالســتغناء عــن وجــود اآلخريــن‪ ،‬حيــث‬
‫ســيقوم بحــل االختبــارات يف املدرســة بعيـ ًدا عــن أحــد الوالديــن‪ .‬ويجــب أن يالحــظ أن الطفــل‬
‫قــد ال يتعـ ّود بــذل الجهــد الــذي يف مقــدوره‪ ،‬اعتــا ًدا عــى بــذل الجهــد مــن أحــد الوالديــن نيابــة‬
‫عنــه يف حــل الواجــب‪.‬‬

‫‪385‬‬
‫وهــذه املالحظــة نفســها قــد يَتَســبب عنهــا وجــود مــدرس خصــويص للطفــل‪ .‬ويف هــذا خطــر‬
‫إضعــاف قــدرة الطفــل‪ ،‬وتحريــك الدافعيــة عنــده‪ .‬فيجــب عــدم املســاعدة إال عنــد التأكــد مــن‬
‫عــدم قدرتــه بــدون مســاعدة‪ ،‬ويف الحــدود التــي ال يســتطيعها وحــده‪ ،‬ثــم تشــجيعه عــى اإلنجــاز‬
‫املســتقل‪ ،‬وتحفيــزه‪ ،‬وإظهــار الــرور بــه‪ ،‬واملديــح لــه‪ ،‬حتــى يصبــح االســتذكار مصــد ًرا لــروره‬
‫وســعادته‪.‬‬
‫أول بــأول‪ ،‬والرجــوع إىل مــدرس‬ ‫‪ -3‬يجــب عــى الوالديــن متابعــة حالــة الطفــل مــع املدرســة‪ً ،‬‬
‫الفصــل‪ ،‬أو املدرســة‪ ،‬للوقــوف عــى مالحظاتــه عــى الطفــل‪ ،‬مــن الناحيــة االجتامعيــة ومــدى‬
‫توافقــه ومســايرته مجتمــع املدرســة‪ ،‬وللوقــوف عــى مســتواه العلمــي‪ ،‬ومــا يراعــي مــع الطفــل‬
‫ـر يف أداء االختبــارات‬ ‫بالبيــت‪ ،‬فقــد يكــون الطفــل ماهـ ًرا يف أداء واجباتــه يف البيــت‪ ،‬إال أنــه يقـ ِّ‬
‫يف املدرســة‪ ،‬فيمكــن التوصــل إىل معرفــة الســبب‪ ،‬مثــل أنــه تحــدث لــه رهبــة داخــل الفصــل‪،‬‬
‫رع الطفــل يف اإلجابــة قبــل الرتكيــز عــى فهــم الســؤال‪ ،‬فبالتعــاون بــن الوالديــن‬ ‫أو نتيجــة لتـ ّ‬
‫واملعلــم ميكــن عــاج حالتــه‪ ،‬بتنبيــه الطفــل مــن املعلــم عنــد اإلجابــة‪ ،‬وبقيــام الطفــل بحــل‬
‫منــاذج االختبــارات يف البيــت بإرشــاد الطفــل لطريقــة الحــل الســليمة‪.‬‬
‫* قــد يجيــب الطفــل عــن األســئلة يف البيــت أمــام أحــد والديــه بطريقــة رسيعــة وســهلة تــدل‬
‫عــى تف ّوقــه‪ ،‬ويف نفــس الوقــت يحصــل يف املدرســة عــى درجــات ضعيفــة عنــد اختبــاره بواســطة‬
‫املعلــم يف الفصــل‪ ،‬وغالبًــا مــا يكــون وراء ذلــك‪ ،‬اختــاف الطريقــة يف رشح املوضــوع مــن الوالدين‪،‬‬
‫ومــن املعلــم يف املدرســة‪ ،‬فغال ًبــا مــا يكــون الوالــدان قــد تعلــا يف صغرهــا بنــاء عــى طريقــة‬
‫قــد تغــرت عــا يتعلــم بهــا طفلهــا‪ ،‬مــا يجعلهــا يرشحــان للطفــل بطريقــة يفهمهــا ويحــل‬
‫بنــاء عليهــا أمامهــا حـ ًّـا رسي ًعــا صحي ًحــا‪ ،‬ثــم يــؤدي االختبــار بنــاء عــى الطريقــة التــي تعلمهــا‬
‫يف البيــت‪ ،‬فتخالــف النتائــج والطــرق املتبعــة يف املدرســة‪ ،‬وبالطبــع التصحيــح يجــب أن يراعــي‬
‫طــرق التدريــس باملدرســة‪ ،‬وليــس البيــت‪ .‬واملثــال عــى ذلــك‪ ،‬أن أم أحــد التالميــذ ذهبــت إىل‬
‫مدرســته لتشــتيك مــن انخفــاض درجــات ابنهــا‪ ،‬عــى الرغــم مــن قيامــه بالحــل الصحيــح دامئًــا يف‬
‫البيــت‪ ،‬ومبراجعتهــا ُوجــد أنهــا تلجــأ إىل الطريقــة التقليديــة يف رشح مــادة الحســاب يف الطــرح‬

‫‪386‬‬
‫مثـ ًـا بــأن تســأله‪ .9-16 :‬فيجيــب الطفــل أمامهــا‪ ،7 = :‬وهــذه هــي الطريقــة التــي تعلمتهــا األم‪،‬‬
‫يف حــن أن الطريقــة املتبعــة مــن املعلــم يف املدرســة طب ًقــا للطريقــة الحديثــة يقــول للطفــل‪:‬‬
‫إذا ذهبــت إىل محــل بقالــة لتشــري شــيئًا مثنــه ‪ 9‬قــروش‪ ،‬ويف جيبــك ‪ 16‬قرشً ــا‪ ،‬فهــل تخــرج لــه‬
‫كل مــا معــك وهــو ‪ 16‬قرشً ــا‪ ،‬أم تعطيــه العــرة قــروش فــرد لــك قرشً ــا؟ فالنتيجــة أنــك تضيــف‬
‫القــرش إىل الســتة قــروش لتصبــح ســبعة‪ .‬فالطريقــة القدميــة التــي تــرح بهــا للطفــل ويجيــب‬
‫بنــاء عليهــا تتكــون مــن خطــوة واحــدة‪ ،‬يف حــن أن طريقــة املدرســة تتكــون مــن خطوتــن‪ .‬لذلــك‬
‫يفضــل أن يحصــل الوالــدان عــى كتــاب دليــل املعلــم للصــف الــذي ميــر بــه الطفــل لتعلــم طــرق‬
‫التدريــس املتَّبعــة مــع الطفــل يف املدرســة‪.‬‬
‫***‬
‫كيف حنبّب القراءة إىل الطفل؟‬
‫* تعلــق الطفــل بالقـراءة ينبــع مــن تعلقــه بالكتــاب‪ ،‬فاملدخــل هــو أن نحبــب إليــه الكتــاب‪ ،‬وأن‬
‫يتعـ ّود عــى قضــاء بعــض الوقــت مــع كتــاب يحبــه‪ ،‬مثــل توفــر بعــض الكتــب التــي ال تحتــوي‬
‫إال عــى الصــور التــي يحبهــا للحيوانــات والطيــور وغريهــا‪ ،‬فيقــوم بتصفُّحــه وتلويــن الصــور يف‬
‫الكتــاب‪ ،‬ومتليكــه للكتــاب حتــى يحــرص عليــه ويطلبــه‪ ،‬ومصاحبــة الطفــل ألحــد الوالديــن لـراء‬
‫هــذا الكتــاب واختيــاره بنفســه مــن املكتبــة‪ ،‬وعنــد دخولــه املدرســة يفضــل تكويــن مكتبــة‬
‫صغــرة للطفــل‪ ،‬تحتــوي عــى الكتــب املصــورة‪ ،‬وبعــض القصــص املصــورة‪ ،‬وبعــض املجــاالت التــي‬
‫تصــدر لألطفــال‪ ،‬وتشــجيع الطفــل عــى قراءتهــا ومناقشــته فيهــا‪ ،‬واستحســان مــا يقولــه مــن‬
‫حكايــات نقلهــا مــن الكتــب‪ ،‬حتــى يحــرص عــى القـراءة وحتــى يُ ْسـتَمع لــه‪.‬‬
‫‪ -‬يفضــل تعويــد الطفــل الجلــوس عــى املكتــب منــذ صغــره‪ ،‬وخاصــة بعــد دخولــه املدرســة‪،‬‬
‫ألن ذلــك مــن أســباب التف ـ ّوق يف الدراســة‪ ،‬وألن ذلــك يســاعده عــى الرتكيــز‪ ،‬وتقديــر الوقــت‬
‫طالــب أســتاذًا مرب ًيــا يف‬
‫ٌ‬ ‫املناســب لالســتذكار‪ ،‬وإمــكان حســاب الوقــت وتنظيمــه وقــد ســأل‬
‫الجامعــة عــن كيفيــة تحقيــق حلمــه بــأن يصبــح أســتاذًا لــأدب املقــارن يف الجامعــة‪ ،‬فيحفــظ‬

‫‪387‬‬
‫عــدة لغــات أجنبيــة ويتقنهــا؟ فأجابــه األســتاذ بعــد تفكــر‪ ،‬فقــال لــه‪ :‬هــل تســتطيع أن تجلــس‬
‫عــى مكتبــك ســت ســاعات يوميًّــا؟ إن اســتطعت ذلــك‪ ،‬تحقــق لــك مــا تريــد‪.‬‬
‫***‬
‫كيف ينتظم الصغري يف االستذكار؟‬
‫* قــد يــرك الطفــل يف بدايــة أمــره‪ ،‬الختيــار الوقــت الــذي يــؤدي فيــه واجبــه املــدريس‪ ،‬إلشــعاره‬
‫بأنــه يــؤ ّدي شــيئًا ليــس مفروضً ــا عليــه‪ ،‬وبــرط أن يؤديــه يوم ًّيــا‪ ،‬وقبــل أن ينــام ليـ ًـا‪ .‬ولكن شــيئًا‬
‫فشــيئًا‪ ،‬نعـ ِّوده عــى نظــام محـ ّدد‪ ،‬مــع مراعــاة رغباتــه وأخذهــا يف االعتبــار‪ ،‬طاملــا يــؤدي النظــام‬
‫املتوصــل إليــه إىل تحقيــق الغــرض بــأداء واجباتــه املطلوبــة‪ .‬أمــا قراءاتــه الخاصــة‪ ،‬وهواياتــه‪،‬‬ ‫ّ‬
‫فاألفضــل تــرك تنظيــم وقتهــا للطفــل نفســه‪ ،‬مــع حســن التوجيــه لــه‪.‬‬
‫‪ -‬والغالــب أن يحــر الطفــل مــن املدرســة مره ًقــا وجائ ًعــا‪ ،‬فيحســن أن يتنــاول طعامــه‪ ،‬ثــم‬
‫يســريح‪ ،‬أو يلعــب‪ .‬ثــم يبــدأ يف الوقــت املحــدد لالســتذكار م ـ ّدة كاملــة‪ ،‬يتخللهــا وقــت قصــر‬
‫للراحــة‪ ،‬ميكــن أن يتنــاول خاللــه مرشوبًــا منشـطًا‪ .‬ويشـ ّدد عــى االعتيــاد يف قضــاء الوقــت الكامل‬
‫الواجــب لالســتذكار‪ ،‬وحتــى ينتهــي مــن املطلــوب منــه‪ ،‬ألن تنظيــم الوقــت‪ ،‬وأداء الواجبــات‬
‫بانتظــام هــا مفتاحــا النجــاح والتَّف ـ ُّوق الــدرايس‪ ،‬وهــا أم ـران يتحققــان باالعتيــاد‪ ،‬واالعتيــاد‬
‫يــأيت باملواظبــة والتك ـرار‪ .‬ونح ِّفــز الطفــل ونشــجعه ونحقــق لــه ُو ُعــو َد ُه كلــا التــزم وانتظــم يف‬
‫أداء واجباتــه يف األوقــات املح ـ ّددة‪ ،‬ويكــون ذلــك بعــد تنفيــذ مــا عليــه ومــا هــو مــن ناحيتــه‪،‬‬
‫ثــم نحقــق لــه مــا هــو مــن ناحيــة الوالديــن‪ ،‬وليــس العكــس‪ ،‬فمثـ ًـا إذا طلــب أن يلعــب ثــم‬
‫يســتذكر‪ ،‬نطلــب منــه أن يســتذكر أولً ثــم يلعــب‪ .‬وبهــذا يعتــاد أداء واجباتــه‪ ،‬ويتعلــم النظــام‬
‫وينظــم أوقاتــه‪.‬‬
‫* يتفــق خـراء التعليــم واملربــون‪ ،‬عــى أن تنظيــم الوقــت‪ ،‬وأداء الواجبــات بانتظــام يوم ًّيــا‪ ،‬ومنــذ‬
‫أول العــام الــدرايس‪ ،‬وطــوال الدراســة‪ ،‬هــا أســاس التفـ ّوق الــدرايس‪ ،‬حيــث إنــه ُوجــد أن األكرثين‬
‫مــن املتف ِّوقــن‪ ،‬ليســوا أذىك مــن غريهــم‪ ،‬كــا أنهــم ليســوا مرتفعــي درجــة الــذكاء‪ ،‬إال أنــه يغلــب‬

‫‪388‬‬
‫عليهــم النظــام واالســتمرار يف أداء واجباتهــم يوم ًّيــا‪ ،‬فإنهــم ينظمــون أوقاتهــم ويقومــون بشــغلها‬
‫بكفــاءة واعتياد‪.‬‬
‫‪ -‬تنظيــم جــدول االســتذكار‪ ،‬يبــدأ مــن أول العــام الــدرايس‪ ،‬ومــن الصــف األول االبتــدايئ ألهميتــه‪،‬‬
‫فالطفــل يتهــاون يف الدراســة أول العــام‪ ،‬ويســتطيل املــدة ويؤجــل االســتذكار‪ ،‬فيضيــع الوقــت‬
‫بــا اســتفادة‪ ،‬وال يتمكــن مــن تــدارك املطلــوب منــه‪ ،‬وقــد تســتهوي إحــدى املــواد الطفــل‬
‫لســهولتها‪ ،‬أو لحبــه لهــا‪ ،‬أو لتف ِّوقــه فيهــا حتــى يحافــظ عــى هــذا التف ـ ّوق‪ ،‬فيــرك اســتذكار‬
‫املــواد األخــرى‪ ،‬أو يؤجــل ذلــك حتــى يتفــارط أمــره‪ ،‬وال يجــد يف آخــر العــام الوقــت الســتذكارها‪،‬‬
‫أو ألن املــدرس الخصــويص للــادة أرهقــه بالواجبــات ليضمــن نجاحــه يف مادتــه عــى حســاب‬
‫وقــت املــواد األخــرى‪ .‬لذلــك كلــه‪ ،‬يجــب االلت ـزام بجــدول‪ ،‬يح ـ ِّدد املــواد كلهــا‪ ،‬وتوزيعهــا عــى‬
‫األيــام واألوقــات‪ ،‬وتحديــد الوقــت املطلــوب لالســتذكار عمو ًمــا كل يــوم‪ ،‬ولــكل مــادة مــن املــواد‬
‫املطلــوب اســتذكارها‪ ،‬ويح ـ ّدد وقــت الراحــة خــال فــرة االســتذكار‪.‬‬
‫‪ -‬يتضمــن الجــدول األمــور التاليــة‪ :‬مراجعــة الــدروس التــي أعطيــت للطفــل خــال اليــوم الــدرايس‬
‫يف املدرســة والتــي تــم رشحهــا‪ ،‬ويجيــب عــى األســئلة املتعلقــة بهــا‪ ،‬وهــذه املراجعــة هــي التــي‬
‫تركــز يف ذاكرتــه مــا اســتفاده مــن الــرح‪ ،‬مــع ربــط موضوعــات املــادة يف ذهنــه‪ .‬األمــر الثــاين‪:‬‬
‫مراجعــة عامــة أول ّيــة للــدروس واملــواد التــي ســتعطى لــه يف املدرســة يف اليــوم التــايل‪ ،‬وحتــى‬
‫يتعــرف عــى النقــاط التــي يحتــاج إىل فهمهــا عنــد رشح املــدرس لهــا‪ ،‬فيتفتَّــح ذهنــه جيـ ًدا عنــد‬
‫الــرح‪ ،‬أو يســأل املــدرس عـ ّـا غمــض عليــه ومل يقــم املــدرس برشحــه‪ .‬األمــر الثالــث‪ :‬يراجــع‬
‫بعــض املــواد لــكل مــا متــت دراســته لهــا منــذ أول العــام‪ ،‬األمــر الرابــع‪ :‬تحديــد أوقــات الــدروس‬
‫الخصوصيــة‪ ،‬وأوقــات أداء واجباتهــا بحيــث ال تطغــى عــى أوقــات املــواد األخــرى‪ .‬وميكــن تعديــل‬
‫هــذا الجــدول خــال العــام الــدرايس ملواجهــة الصعــاب يف إحــدى املــواد‪ ،‬أو لحــدوث عــوارض‬
‫تســتغرق بعــض الوقــت غــر املتوقــع عنــد وضــع الجــدول مثــل املــرض أو الســفر أو غــر ذلــك‬
‫مــن العــوارض‪.‬‬
‫‪ -‬يُعطــى الطفــل راحــة تامــة مــن االســتذكار عقــب دروس الخميــس باملدرســة وإىل مــا بعــد ظهــر‬
‫الجمعــة‪ ،‬وي ـزاول خاللهــا األنشــطة التــي يرغــب فيهــا‪ ،‬حتــى يعــود بنشــاط ورغبــة لالســتذكار‪.‬‬

‫‪389‬‬
‫وينصــح الرتبويــون بــأال ينــام الطفــل وهــو ُمجهــد ذهن ًّيــا‪ ،‬ولذلــك يرتــب الجــدول بحيــث ينهــي‬
‫فــرة اســتذكاره مبــادة ســهلة الفهــم‪ ،‬ومح ّببــة للطفــل‪ ،‬وأن يكــون هنــاك مــا يشــغل ذهــن الطفــل‬
‫قبــل نومــه بغــر أمــور االســتذكار‪ ،‬وبــأن يقــي بعــض الوقــت مــا بــن االنتهــاء مــن االســتذكار‬
‫ومــا بــن النــوم‪.‬‬
‫الطريقة الصحيحة الستذكار موضوع‬
‫* املذاكــرة النشــطة‪ ،‬أو التحصيــل الفعــال لــدرس أو موضــوع‪ ،‬يجــب أن يتَّبــع فيــه الخطــوات‬
‫التاليــة‪:‬‬
‫‪ -1‬فكــرة عامــة عــن املوضــوع تؤخــذ مــن خــال تقســيامته عــن الطريقــة األوليــة‪ .‬وهــو مــا‬
‫باملســح للموضــوع أو للــدرس‪.‬‬
‫يســمى ْ‬
‫‪ -2‬يعيــد الق ـراءة لنفــس املوضــوع فقــرة فقــرة‪ ،‬ثــم يســأل نفســه بــن الحــن واآلخــر حــول مــا‬
‫يقــرؤه يف نهايــة كل نقطــة هامــة يف املوضــوع‪ ،‬ويحســن أن يكتــب الســؤال عــى ورقــة منفصلــة‪.‬‬
‫وهــو مــا يســمى بالتســاؤل عــن النقــاط الهامــة التــي يتضمنهــا املوضــوع‪ .‬ومــن خــال اإلجابــة‬
‫عــى هــذه األســئلة تــدون النقــاط الهامــة‪ ،‬إمــا يف هامــش الكتــاب‪ ،‬أو يف كراســة تحضــر خاصــة‪،‬‬
‫ويعيــد قـراءة املوضــوع بعنايــة‪ ،‬ويراجــع يف ذهنــه مــا كتبــه مــن نقــاط‪.‬‬
‫‪ -3‬يعيــد عــى نفســه‪ ،‬دون النظــر يف الكتــاب –أي تســميع‪ -‬تقســيامت املوضــوع ونقاطــه الهامــة‪،‬‬
‫للتأكــد مــن قدرتــه عــى اســرجاع املوضــوع مــن الذاكــرة‪ ،‬وهــذا التســميع يظهــر تطابــق مــا‬
‫حصلــه‪ ،‬أو وجــود فجــوات يف املوضــوع تحتــاج إىل إعــادة قـراءة وفهــم‪ .‬ويحســن أن يكــون هــذا‬ ‫َّ‬
‫التســميع بصــوت عــا ٍل‪ ،‬أو تدويــن هــذه النقــاط يف ورقــة مــن غــر نظــر يف الكتــاب‪ ،‬ثــم يعــاود‬
‫النظــر يف الكتــاب ليتحقــق مــن تطابــق املعلومــات‪ .‬وجديــر بالذكــر‪ ،‬أن القـراءة بصــوت مرتفــع‬
‫ال تســتحب إال يف الحفــظ‪ ،‬وعنــد التســميع‪ ،‬ويف القـراءة كلهــا يجــب التعـ ّود عــى القـراءة بــدون‬
‫صــوت‪ ،‬وهــو مــا يســمى بالقـراءة الصافيــة‪.‬‬
‫‪ -4‬يقــوم مبراجعــة نهائيــة للموضــوع‪ ،‬مــع توصيــل وربــط األجـزاء املرتبطــة بالفصــل‪ ،‬ســواء فيــا‬
‫ســبق منــه‪ ،‬ومــا يلحــق مــن املوضــوع‪ .‬ثــم يقــوم بتك ـرار ق ـراءة وتســميع النقــاط الهامــة‪ ،‬ألن‬
‫التك ـرار يثبِّــت املعلومــات يف الحافظــة طويلــة األجــل‪ ،‬فيمكــن االحتفــاظ بهــا لحــن اســتدعائها‬

‫‪390‬‬
‫ملــدد طويلــة‪ ،‬أمــا الفهــم والحفــظ الرسيــع بــدون تكـرار‪ ،‬فيجعــل العقــل يحتفــظ باملعلومــة يف‬
‫الذاكــرة قصــرة األجــل‪ ،‬فتُ ْنــى بعــد مــدة قصــرة‪ ،‬وهــذا الفــارق ال يتفطــن إليــه الكثــر‪ ،‬حيــث‬
‫يكتفــي مبجــرد الفهــم والحفــظ للمعلومــة وقــت االســتذكار‪ ،‬فيعتمــد عــى هــذا الحفــظ‪ ،‬الــذي‬
‫رسعــان مــا يتــاىش مــن الذاكــرة القصــرة األجــل‪ ،‬حيــث يحــل غريهــا مــن املعلومــات فيهــا‪.‬‬
‫‪ -5‬يحســن عنــد اســتذكار الــدرس التــايل‪ ،‬إعــادة اســرجاع تقســيامت الــدرس الســابق ونقاطــه‬
‫الهامــة‪ ،‬للربــط بــن أج ـزاء املوضــوع يف الفصــل الواحــد‪.‬‬
‫* حالة التأخر الدرايس‬
‫* الطفــل الــذي بــذل الجهــد الــدرايس الواجــب عليــه‪ ،‬قــد ال يحقــق طموحــات الوالديــن الراغبــن‬
‫يف التفـ ّوق‪ ،‬وقــد يرجــع ذلــك ألســباب؛ منهــا‪ :‬ضعــف قدراتــه يف التحصيــل‪ ،‬أو عــدم توافقــه مــع‬
‫املــواد التــي يدرســها برغــم قدراتــه العاليــة‪ ،‬والتــي ميكــن أن تحقــق التفــوق يف مــواد أخــرى‪ ،‬أو‬
‫ـاذل‬
‫غــر ذلــك مــن األســباب‪ ،‬والواجــب عــى الوالديــن‪ ،‬مــا دام الطفــل مؤديًــا للواجبــات‪ ،‬وبـ ً‬
‫الجهــد الــكايف‪ ،‬أال يقســوان عــى الطفــل‪ ،‬أو يكـران مــن لومــه ومقارنتــه بغــره‪ ،‬حتــى ال يصــاب‬
‫باإلحبــاط فتتفاقــم حالتــه‪ ،‬أو يضطــر إىل الغــش يف االختبــارات‪ ،‬أو يصــاب بالقلــق والتوتــر‬
‫العصبــي والنفــي‪ ،‬فعليهــا أن يبحثــا عــن ســبب تأخــره الــدرايس والتغلّــب عليــه‪ ،‬أو تحويــل‬
‫مســاره التعليمــي إىل مــا يناســبه‪ ،‬أو يرغــب فيــه‪.‬‬
‫***‬
‫الطفل وبرُّ الوالدين‬
‫قــد يحفــظ الطفــل اآليــات القرآنيــة‪ ،‬واألحاديــث النبويــة التــي توجــب بــر الوالديــن‪ ،‬ولكنــه قد ال‬
‫يكــون بــا ًّرا بوالديــه‪ ،‬إمــا ألن الوالديــن مل يكونــا باريــن بوالديهــا‪ ،‬فيكــون عقــوق األبنــاء عقوبــة‬
‫ربانيــة يف الدنيــا لوالديهــا‪ ،‬وإمــا ألن الطفــل ال يعــرف كيــف‪ ،‬ومبــاذا يصبــح بــا ًّرا بوالديــه‪ ،‬وإمــا‬
‫لعــوارض أخــرى‪ ،‬مثــل قلــة تديُّنــه‪ ،‬أو لســوء الصحبــة التــي تصحبــه مــن قرنــاء الســوء‪ .‬والســبيل‬
‫إىل جعــل الطفــل بــا ًّرا بوالديــه‪ ،‬أن يتــوب والــداه مــن ذنــب عقــوق والديهــا‪ ،‬وأن يرباهــا حتــى‬
‫بعــد موتهــا كــا جــاءت بذلــك األحاديــث‪ ،‬وأن يعمــل الوالــدان عــى إقنــاع ولدهــا باالبتعــاد‬
‫عــن قرنــاء الســوء وصحبتهــم‪ ،‬والعمــل عــى انخراطــه يف جــو التديّــن واملتدينــن‪.‬‬

‫‪391‬‬
‫وأمــا كيــف نعلِّمــهُ عمل ًّيــا أن يكــون بــا ًّرا بالوالديــن‪ ،‬وأن يصبــح ذلــك خل ًقــا لــه فذلــك يكــون‬
‫باتبــاع مثــل هــذه الخطــوات‪:‬‬
‫‪ -1‬أال يح ّقــر أحــد الوالديــن مــن شــأن اآلخــر أمــام الطفــل‪ ،‬فيقــل شــأنه يف نفســه ويعتــاد عــدم‬
‫ـض مــن شــأن الوالــد اآلخــر‪ ،‬دون أن يزجــره عــى ذلــك‪.‬‬ ‫احرتامــه‪ ،‬وأال يــدع أحـ ٌد منهــا الطفــل يغـ ُّ‬
‫‪ -2‬أن يع ـ َّود الطفــل أن يذكــر والديــه عنــد الخطــاب بألفــاظ االح ـرام مثــل أن يخاطبــه بقولــه‪:‬‬
‫حرضتــك‪.‬‬
‫‪ -3‬أال يُ ِحـ َّد النظــر لوالديــه‪ ،‬وخاصــة عنــد الغضــب‪ ،‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬مــا‬
‫بـ َّر أبــاه مــن سـ َّدد إليــه الطــرف بالغضــب» رواه الطرباين‪.‬‬
‫‪ -4‬ال ميــي الطفــل أمــام أحــد والديــه‪ ،‬ولكــن ميــي بجانبــه أو خلفــه‪ ،‬عــن أيب هريــرة –ريض اللــه‬
‫ـش بــن يــدي أبيــك‪ ،‬ولكــن امــش خلفــه أو إىل‬ ‫عنــه‪ -‬عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬ال متـ ِ‬
‫جانبــه» رواه الطـراين‪.‬‬
‫‪ -5‬إذا رأى أحد الوالدين يحمل شيئًا‪ ،‬يسارع يف حمله عنه‪ ،‬إذا كان حمله يف مقدرته‪.‬‬
‫‪ -6‬إذا خاطــب أحــد الوالديــن يخفــض صوتــه‪ ،‬وإذا تحــدث إليــه أحدهــا ال يقاطعــه ويســتمع‬
‫إليــه حتــى ينهــي كالمــه معــه‪.‬‬
‫‪ -7‬إذا دخــل عليــه أحــد والديــه الحجــرة‪ ،‬أو البيــت‪ ،‬وكان راق ـ ًدا‪ ،‬فيقــوم ويجلــس احرتا ًمــا لــه‪،‬‬
‫جالســا وأبــوه واقــف‪.‬‬
‫جالســا وخاطبــه فيقــوم يحدثــه وهــو قائــم‪ ،‬وال يحدثــه ً‬ ‫وإذا كان ً‬
‫‪ -8‬إذا دخــل عــى أحــد والديــه البيــت‪ ،‬أو الحجــرة‪ ،‬فيلقــي عليــه الســام‪ ،‬وإذا ألقــى عليــه‬
‫أحدهــا الســام فــرد عليــه وينظــر إليــه مرح ًبــا‪.‬‬
‫‪ -9‬إذا عطــس أحدهــا فيشــمته وهــو ينظــر إليــه ويقــول‪ :‬يرحمــك اللــه يــا أمــي‪ ،‬أو يرحمــك‬
‫اللــه يــا أيب‪.‬‬
‫‪ -10‬إذا احتــج إىل النــداء عــى أحــد والديــه‪ ،‬فــا يرفــع صوتــه أكــر مــا يســمعه‪ ،‬وال ينــاد عليــه‬
‫مــن بُعــد إال للحاجــة‪ ،‬وعليــه الذهــاب إليــه واالق ـراب منــه‪ ،‬إال إذا تعــذر عليــه‪ ،‬أو شــق عليــه‬
‫ذلــك‪.‬‬
‫‪ -11‬إذا أكل مــع أحــد والديــه‪ ،‬ال يبــدأ الطعــام قبلــه‪ ،‬وينتظــره حتــى يبــدأ هــو‪ ،‬إال إذا أذن لــه‬
‫يف ذلــك‪.‬‬
‫‪392‬‬
‫‪ -12‬إذا كان يجلــس مــع أحــد والديــه‪ ،‬وأراد تــرك املجلــس للنــوم‪ ،‬أو لــيء آخــر‪ ،‬فعليــه أن‬
‫يســتأذنه‪.‬‬
‫‪ -13‬إذا أراد أن ينــام مــن آخــر اليــوم‪ ،‬فعليــه أن يح َّيــي والديــه مبثــل قولــه‪ :‬أتــركك يف رعايــة اللــه‬
‫يــا والــدي‪ ،‬أو أتــركك يف رعايــة اللــه يــا أمــي‪.‬‬
‫‪ -14‬إذا اســتيقظ صبا ًحــا فعليــه أن يح ِّيــي والديــه مبثــل قولــه‪ :‬أصبحــت بخــر يــا أمــي‪ ،‬أو أصبحت‬
‫بخــر يــا والدي‪.‬‬
‫‪ -15‬إذا خــرج أحــد والديــه مــن البيــت ملهمــة‪ ،‬أو للعمــل‪ ،‬فيقــول لــه‪ :‬يف حفــظ اللــه يــا أيب‪ ،‬أو‬
‫يف حفــظ اللــه يــا أمــي‪ ،‬أو يقــول‪ :‬أعــادك اللــه لنــا ســامل ًا غامنًــا‪.‬‬
‫‪ -16‬إذا حــر أحــد والديــه مــن ســفر‪ ،‬أو بعــد غيبــة‪ ،‬فيصافحــه‪ ،‬ويق ِّبــل يديــه‪ ،‬ويلتزمــه‪ ،‬ويقــول‬
‫لــه‪ :‬الحمــد للــه عــى ســامتك يــا أيب‪ ،‬الحمــد للــه عــى ســامتك يــا أمــي‪ ،‬ويقــول‪ :‬حللــت أهـ ًـا‬
‫ـهل يــا أيب‪ ،‬ويقــول‪ :‬لقــد وحشــتنا كثـ ًرا‪ ،‬واشــتقنا لــك كثـ ًرا‪ ،‬ال حرمنــا اللــه منــك ومــن‬ ‫ونزلــت سـ ً‬
‫وجــودك معنــا‪.‬‬
‫‪ -17‬إذا أراد أحــد والديــه ارتــداء مالبســه‪ ،‬أو حذائــه‪ ،‬يحــره لــه‪ ،‬ويقــف بــه يحملــه لــه حتــى‬
‫يرتديــه‪ ،‬أو إذا أراد أن يخلــع مالبســه‪ ،‬فيقــف ويأخــذ مــا قــام بخلعــه ويعلقــه أو يضعــه يف‬
‫مكانــه‪ ،‬ويكــون جميـ ًـا أن يعتــاد يف بعــض املـرات‪ ،‬أن يجعــل الحــذاء يف رجليــه‪ ،‬أو يخلعهــا مــن‬
‫رجليــه‪ ،‬ويف كل األحــوال يســارع يف تنــاول الحــذاء ويضعــه يف مكانــه‪ ،‬أو يســارع يف إحضــاره لــه‬
‫عندمــا يهــم بلبســه‪ .‬عــن أنــس –ريض اللــه عنــه‪ -‬قــال‪« :‬إن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم قــال‬
‫ذات يــوم لغــام مــن األنصــار‪ :‬ناولنــي ن ْعــي‪ ،‬فقــال الغــام‪ :‬يــا نبــي اللــه‪ ،‬بــأيب أنــت وأمــي اتركنــي‬
‫حتــى أجعلهــا أنــا يف رجلــك‪ ،‬فقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬اللهــم إن عبــدك هــذا‬
‫يرتضَّ ــاك فــارض عنــه» رواه الطـراين‪ ،‬فــإن فعــل ذلــك مــع الوالديــن ففيــه رضــا اللــه‪.‬‬
‫‪ -18‬إذا نــادى أحــد الوالديــن عليــه‪ ،‬فيــرع يف إجابتــه بقولــه‪ :‬حــارض‪ ،‬أو نعــم‪ ،‬ثــم يلبــي طلبــه‬
‫برضــا نفــس‪ ،‬وإذا كان مشــغولً بــيء يكــره تركــه‪ ،‬فيســتأذنه يف االنتهــاء منــه‪ ،‬فــإن أذن لــه‪،‬‬
‫فيحــرص عــى رسعــة إنهائــه ثــم يلبــي طلــب الوالــد‪ ،‬فــإن مل يــأذن لــه فــا يتــرر مــن الطلــب‪،‬‬
‫ويقــول يف نفســه‪ :‬والــدي أعلــم باألصلــح واألوىل منــي‪.‬‬

‫‪393‬‬
‫‪ -19‬إذا حــر ضيــوف للبيــت‪ ،‬فيقلــل مــن حركتــه ويخفــض مــن صوته‪ ،‬ويحــرم ضيــوف الوالدين‬
‫ويحبهــم‪ ،‬ويلعــب مــع أطفالهــم وال مينعهــم مــن اللعــب بلعبــه‪ ،‬وال يغضبهم‪.‬‬
‫‪ -20‬يدعو لهام‪ ،‬وخاصة يف الصالة‪ ،‬ويفعل هو الخري من أجل أن يرىض عنهام الله تعاىل‪.‬‬
‫‪ -21‬إذا مــات أحــد والديــه‪ ،‬فيدعــو لــه‪ ،‬ويتصـ ّدق ويهــب ثــواب الصدقــة لــه ويفعــل مــا اســتطاع‬
‫مــن الخــر ويهــب ثوابــه لــه‪ ،‬ويصــل ُو َّد مــن كان يحبهــم والــده‪ ،‬ويســتمر يف صلتــه بــه‪.‬‬
‫‪ -22‬ال يســب أحـ ًدا‪ ،‬حتــى ال يتسـ َّبب يف ســب أحــد والديــه‪ ،‬ألن ذلــك مــن أكــر الكبائــر‪ ،‬ويجــب‬
‫التشــديد عــى الطفــل يف هــذا األمــر‪.‬‬
‫رسا‪ ،‬أو ســمعه‪ ،‬فــا ينقلــه إىل أحــد‪ ،‬ويشـ َّدد عليــه يف هــذا األمــر‪،‬‬ ‫‪ -23‬إذا علــم مــن أحــد والديــه ًّ‬
‫رسا ســمعه مــن أحــد‪ ،‬وإذا كان الطفــل مييــز مــا ميكــن‬ ‫كــا يش ـ ّدد عليــه يف أال ينقــل كال ًمــا أو ًّ‬
‫وقــوع الــرر منــه مــن غــره مــن الحديــث العــادي‪ ،‬فــا ينقــل إال مــا كان فيــه منــع الــرر‪ ،‬وإذا‬
‫ســمع عليهــا كال ًمــا يكرهــه فــر ّده وال يخربهــا حتــى ال تتغــر نفســاهام‪.‬‬
‫‪ -24‬ال يدخــل عــى أحــد والديــه إال بعــد اســتئذان‪ ،‬فــإذا كان أحدهــا نامئًــا فــا يقلقــه بحركــة أو‬
‫صــوت‪ ،‬وال يوقظــه إال لحاجــة مهمــة‪.‬‬
‫‪ -25‬يســاعد والدتــه يف األعــال‪ ،‬وال يتأفــف مــن طلباتهــا منــه‪ ،‬وال يأخــذ شــيئًا مــن األطعمــة أو‬
‫غريهــا إال بــإذن‪.‬‬
‫‪ -26‬إذا كلّفــه أحــد الوالديــن بعمــل‪ ،‬أو الخــروج لقضــاء حاجــة‪ ،‬فــا يتأفــف وال يشــتيك مــن كــرة‬
‫التكليفــات‪ ،‬بــل يظهــر الرضــا والرغبــة يف طاعتهــا قربـ ًة إىل اللــه تعــاىل‪.‬‬
‫‪ -27‬يظهــر التــو ُّدد للوالديــن‪ ،‬وحــب التقـ ّرب منهــا‪ ،‬ويحــاول إدخــال الــرور عليهــا بــكل مــا‬
‫يحبانــه منــه‪ ،‬مــن طاعــة لهــا‪ ،‬وحســن خلــق معهــا‪ ،‬والعمــل عــى التفــوق املــدريس إلرضائهــا‪،‬‬
‫ويشــكرهام دامئًــا عــى مــا قامــا‪ ،‬ويقومــان بــه نحــوه ونحــو إخوتــه وأخواتــه‪.‬‬
‫‪ -28‬ال يكــر مــن الطلبــات منهــا‪ ،‬ويكتفــي مبــا يحرضانــه أو يعطيانــه إيــاه‪ ،‬ويكــر مــن شــكرهام‬
‫عــى ذلــك مثــل أن يقــول‪ :‬جزاكــا اللــه خـ ًرا وزادكــا مــن فضلــه‪.‬‬
‫‪ -29‬إذا مــرض أحدهــا‪ ،‬يالزمــه مــا اســتطاع‪ ،‬ويقــوم بخدمتــه‪ ،‬ويحــرص عــى راحتــه‪ ،‬ويتابــع‬
‫عالجــه‪ ،‬ويكــر مــن الدعــاء لــه بالشــفاء‪.‬‬

‫‪394‬‬
‫‪ -30‬يفضــل أن يكــون حافظًــا لآليــات القرآنيــة واألحاديــث الرشيفــة التــي توجــب بــر الوالديــن‪،‬‬
‫وتر ِّهــب مــن عقوقهــا‪.‬‬
‫***‬
‫الطفل والتكسب للمعايش‬
‫ــت بــه البلــوى يف عرصنــا‪ ،‬تفــي البطالــة‪ ،‬والفــراغ‪ ،‬وهــو مــا ســاعد عــى فســاد‬ ‫* مــا ع َّم ْ‬
‫األخــاق‪ ،‬وضيــاع القــوى‪ ،‬وضعــف اإلنتــاج والدخــل القومــي العــام‪ .‬إذ املاليــن مــن أقويــاء‬
‫الشــباب‪ ،‬ال يعمــل‪ ،‬أو يعمــل يف وظائــف بــا إنتــاج‪ ،‬وهــو مــا يس ـ ّمى بالبطالــة املق ّنعــة‪ .‬وقــد‬
‫ذكــرت بعــض التقاريــر‪ :‬أن متوســط ســاعات العمــل الفعليــة للموظفــن بالحكومــة واملؤسســات‬
‫العامــة ورشكات القطــاع العــام ال يزيــد عــى خمــس وثالثــن دقيقــة يف يــوم العمــل‪ .‬ومــن مــآيس‬
‫العــر أيضً ــا أن أكــر مــن ثلــث متوســط عمــر اإلنســان يقضيــه يف التعليــم والتدريــب‪ ،‬قبــل أن‬
‫ـال إنتاجيــة ماديــة لس ـ ّد احتياجــات اإلنســان‪ ،‬فيظــل طــوال هــذه الفــرة عالــة عــى‬ ‫يــؤدي أعـ ً‬
‫اآلخريــن رغــم محدوديــة دخــل الكثرييــن منهــم‪.‬‬
‫‪ -‬يجــب أن يُ َنشَّ ــأ الصغــر أثنــاء تعليمــه وتدريبــه‪ ،‬عــى اكتســاب بعــض الدخــل والتدريــب عــى‬
‫ذلــك‪ ،‬خاصــة خــال فـرات اإلجــازات املدرســية والجامعيــة‪ .‬وهنــاك بالفعــل بعــض البــاد املرصية‬
‫يقــوم فيهــا الصغــار بالكســب أثنــاء الدراســة‪ ،‬أو أثنــاء اإلجــازات‪ ،‬مثــل مدينــة دميــاط‪ ،‬ومدينــة‬
‫إدكــو‪ ،‬فالرجــال‪ ،‬والنســاء‪ ،‬والصغــار‪ ،‬يعملــون يف الحقــول‪ ،‬ويف الــورش املنزليــة التــي متتلــئ بهــا‬
‫املدينــة‪ ،‬فيحصــل الصغــار عــى أجــور ينفقونهــا عــى أنفســهم أو ي َّدخرونهــا‪ ،‬وأصبــح ذلــك خل ًقــا‬
‫وعــادة‪.‬‬
‫‪ -‬وحتــى ال يظــل الصغــر عالـ ًة عــى اآلخريــن أكــر مــن ثلــث عمــره‪ ،‬وهــو يف قــوة وفتـ َّوة‪ ،‬وحتــى‬
‫ال يعتــاد انتظــار الوظيفــة ســنوات بعــد ذلــك‪ ،‬أو يكتفــي بالقليــل الــذي تــد ّره الوظيفــة والــذي ال‬
‫الصغــر بعــدم جــدوى‬ ‫يكفــي متطلبــات االســتقالل ببيــت أو أرسة‪ ،‬ال بــد مــن االقتنــاع عمل ًّيــا منــذ ِّ‬
‫الوظيفــة إال يف حالــة االضط ـرار‪ ،‬أو لس ـ ّد احتيــاج وظيفــي نافــع وحقيقــي يعــود عليــه منــه مــا‬
‫يكفيــه‪ ،‬بجانــب أن يتــدرب عــى الكســب يف الصغــر يف مثــل هــذه األعــال املقرتحــة‪:‬‬

‫‪395‬‬
‫‪ -1‬أن يتــد ّرب عــى العمــل يف البيــت‪ ،‬يف األعــال العاديــة ومســاعدة والديــه فيهــا‪ ،‬بجانــب‬
‫التدريــب والقيــام ببعــض األعــال التــي يحتــاج إليهــا يف البيــت وتكــون ذات مهــارة ميكــن‬
‫اكتســابها مثــل‪ :‬أعــال الســباكة‪ ،‬وبعــض األعــال الكهربيــة‪ ،‬أو بعــض أعــال النجــارة‪ ،‬أو دهــان‬
‫األبــواب والشــبابيك والحوائــط‪ ،‬وأعــال َكِّ املالبــس‪ ،‬وإصــاح بعــض األدوات املنزليــة كالبوتاجــاز‪،‬‬
‫أو الدراجــة‪.‬‬
‫‪ -2‬يجــب تعويــد الصغــر‪ ،‬ومنــذ صغــره‪ ،‬عــى أن األعــال التــي يقــوم بهــا رشف لــه‪ ،‬وأنهــا ال‬
‫تغــض مــن شــأنه‪ ،‬وأن قيمــة اإلنســان بقــدر مــا ينتجــه ويقدمــه للمجتمــع‪ ،‬وأن ُخلُـ َّو اليــد مــن‬
‫عمــل يعــد بطالــة مكروهــة رش ًعــا‪ ،‬واجتامعيًّــا‪ ،‬حيــث جــاء يف الحديــث «مــن أمــى كالًّ مــن‬
‫عمــل يديــه‪ ،‬أمــى مغفــو ًرا لــه» رواه الط ـراين‪ ،‬ثــم نعيــب أمامــه مــن يتســكع يف الشــوارع‬
‫بــا عمــل‪ ،‬يف الوقــت الــذي يقــوم باإلنفــاق عليــه أهلــه ملــدد طويلــة‪ .‬ويجــب أن يعلــم أن مــن‬
‫تعلــم وأنفــق عليــه أهلــه ال يبقــى عاطـ ًـا ويف إمكانــه القيــام بعمــل‪ ،‬إذ إن بعــض املتعلمــن‪،‬‬
‫أو أكرثهــم يف قــرى مــر‪ ،‬يســتنكفون العمــل يف الحقــول‪ ،‬ويف بعــض األعــال بحجــة أنهــم‬
‫متعلمــون ويحملــون مؤهـ ًـا دراس ـ ًّيا‪ ،‬وكأنهــا رخصــة البطالــة والرتفّــع عــن األعــال‪ ،‬وليســت‬
‫شــهادة بقدرتهــم عــى مامرســة األعــال‪.‬‬
‫‪ -3‬يجــب أن يلتحــق الصغــر أثنــاء العطــات مــن املــدارس بأحــد األعــال يف املحــال والــورش‬
‫الخاصــة واملصانــع‪ ،‬أو مشــاركة والــده يف أعاملــه الخاصــة‪ ،‬زراعيــة‪ ،‬أو تجاريــة‪ ،‬أو مهنيــة‪ ،‬وميكــن‬
‫تشــجيع الصغــر بإعطائــه مقابـ ًـا مال ًّيــا حتــى يحــب هــذا العمــل ويســتمر فيــه برغبــة‪ ،‬وتتــم‬
‫متابعــة الصغــر يف كل العطــات بإلحاقــه بتلــك األعــال حتــى تــزداد خربتــه فيــه‪ ،‬ويفكّــر‪،‬‬
‫ـتقبل‪ ،‬حيــث ال يجــد بعــد ذلــك غضاضــة يف‬ ‫ويرغــب يف القيــام مبثلــه عنــد اختيــار عملــه مسـ ً‬
‫القيــام بهــذا العمــل وأشــباهه مــن األعــال بعــد حصولــه عــى مؤهلــه الــدرايس‪ ،‬وإن كان مــن‬
‫األفضــل أن يكــون مؤهلــه الــدرايس يف مجــال العمــل الــذي تــدرب عليــه منــذ صغــره‪ .‬بــل لعلــه‬
‫يختــار دراســته لتكــون يف خدمــة مــا اختــاره مــن عمــل‪.‬‬
‫‪ -4‬يلــزم تعويــد الصغــر عــى ادخــار بعــض املــال‪ ،‬ســواء مــن مرصوفــه الشــخيص أو مــن مقابــل‬
‫مــا يقــوم بــه مــن عمــل‪ ،‬وتــرك يف بعــض املشــاركات يف املشــاريع التــي يقــوم بهــا الكبــار مــن‬

‫‪396‬‬
‫أهلــه‪ ،‬ويفضــل تشــجيع الصغــر عــى ذلــك بــأن تتفــق معــه عــى إضافــة مثــل مــا ي ّدخره لحســابه‬
‫الخــاص كمكافــأة عــى قبــول مبــدأ االدخــار‪ ،‬وإذا مل توجــد بعــض املرشوعــات التــي توضــع فيهــا‬
‫هــذه امل ّدخ ـرات الصغــرة‪ ،‬فيحســن وضعهــا يف أحــد املصــارف اإلســامية‪ ،‬وحتــى تكــون بعيــدة‬
‫عــن متنــاول يــد الصغــر‪ ،‬فــا يقــوم بإنفاقهــا عنــد كل حاجــة‪ ،‬وحتــى يزيــد هــذا املبلــغ املســتثمر‬
‫يف املــرف‪ ،‬ولــي يتعلــم الصغــر فوائــد االســتثامر بجانــب فوائــد االدخــار‪ ،‬ويتنبــه منــذ الصغــر‬
‫لقيمــة املــال ونفعــه يف األعــال‪ ،‬فتتكــون للصغــر بذلــك عقليــة تجاريــة واســتثامرية‪.‬‬
‫‪ -5‬تقــوم بتعويــد الصغــر عــى القيــام ببعــض األعــال التجاريــة املحــدودة‪ ،‬كأن يشــري بعــض‬
‫األدوات املنزليــة‪ ،‬أو املعلَّبــات واملأكــوالت‪ ،‬أو بعــض املالبــس‪ ،‬ثــم يقــوم الصغــر ببيعهــا مبــارشة‬
‫لبعــض األقــارب والجــران واملعــارف‪ ،‬أو املــرور بهــا عــى بعــض املحــات‪ ،‬فيتعــود أســاليب‬
‫التجــارة‪ ،‬وطــرق ال ـراء والبيــع‪ ،‬ومصــادر تلــك األشــياء وأســواقها‪ ،‬وكيفيــة حفظهــا يف الفصــول‬
‫املختلفــة‪ ،‬ومواســم الــرواج يف البيــع‪ ،‬وعــادات االســتهالك‪.‬‬
‫‪ -6‬يجــب التشــديد عــى الطفــل وتعليمــه خلــق األمانــة‪ ،‬والصــدق‪ ،‬والحــال‪ ،‬والخــوف مــن‬
‫الكســب الحـرام والغــش يف املعاملــة‪ ،‬ويحفــظ هــذه األمــور واأل ّدلــة الرشعيــة لهــا مثــل حديــث‬
‫«ويـ ٌـل للصانــع مــن غــد وبعــد غــد» رواه الديلمــي يف الفــردوس فيفــي باملواعيــد‪ ،‬ولتعويــده‬
‫الصــدق واألمانــة وعــدم الغــش نذكــر لــه حديــث «ال يحــل ألحــد يبيــع بي ًعــا‪ ،‬إال بـ َّـن مــا فيــه‪ ،‬وال‬
‫يحــل ملــن يعلــم ذلــك إال بينــه» رواه الحاكــم وقــال‪ :‬صحيــح اإلســناد‪ ،‬ورواه البيهقــي‪ ،‬ونذكــر لــه‬
‫مــا يجعلــه يتحــرى الحــال مثــل «إن اللــه يحــب عبــده تع ًبــا يف طلــب الحــال» رواه الديلمــي‬
‫يف الفــردوس‪ ،‬ونعلمــه النصيحــة يف املعامــات مبثــل حديــث «خــر الكســب‪ ،‬كســب العامــل إذا‬
‫نصــح» رواه أحمــد‪ .‬وحتــى نح ِّبــب إليــه العمــل ومامرســته نذكــر لــه قــول النبــي صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم‪« :‬قيــل‪ :‬يــا رســول اللــه‪ ،‬أي الكســب أطيــب؟ قــال‪ :‬عمــل الرجــل بيــده‪ ،‬وكل عمــل‬
‫مــرور» رواه أحمــد والبـزار والحاكــم وقــال‪ :‬صحيــح اإلســناد‪ ،‬ولرتغيبــه يف أعــال التجــارة نذكــر‬
‫التكســب‬
‫لــه «تســعة أعشــار الــرزق يف التجــارة» رواه الحــريب ورواتــه ثقــات‪ ،‬ولتعويــده عــى ُّ‬
‫وبغــض البطالــة نذكِّــره بقــول رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬ألن يأخــذ أحدكــم حبلــه‪،‬‬
‫فيحتطــب عــى ظهــره‪ ،‬خــر مــن أن يــأيت رجـ ًـا أعطــاه اللــه مــن فضلــه‪ ،‬فيســأله‪ ،‬أعطــاه‪ ،‬أو‬

‫‪397‬‬
‫منعــه» رواه البخــاري ومســلم‪ .‬ومثــل حديــث «إن اللــه يحــب املؤمــن املحــرف» رواه الطـراين‪.‬‬
‫‪ -7‬نك ـ ِّره إىل الصغــر الف ـراغ والتعطُّــل‪ ،‬ألن املباركــن مــن خلــق اللــه هــم النافعــون لغريهــم‪،‬‬
‫واملســتغنون بعملهــم عــن غريهــم‪ .‬قــال ابــن مســعود ريض اللــه عنــه‪ :‬إين ألكــره أن أرى الرجــل‬
‫فار ًغــا‪ ،‬ال يف أمــر دنيــاه‪ ،‬وال يف أمــر آخرتــه‪ .‬وقــال عمــر بــن الخطــاب ريض اللــه عنــه‪ :‬مــا مــن‬
‫موضــع يأتينــي فيــه املــوت‪ ،‬أحــب إ ّيل مــن موطــن أتس ـ َّوق فيــه ألهــي‪ ،‬أبيــع وأشــري‪ .‬وقــال‬
‫أبــو قالبــة ريض اللــه عنــه‪ :‬ألن أراك تطلــب معاشــك‪ ،‬أحــب إ َّيل مــن أن أراك يف زاويــة املســجد‪.‬‬
‫تصـ َّـف قدميــك‪ ،‬وغــرك يقــوت‬ ‫وقــال أبــو ســليامن الـ َّدراين رحمــه اللــه‪ :‬ليــس العبــادة عندنــا أن ُ‬
‫لــك‪ ،‬ولكــن ابــدأ برغيفيــك فاحرزهــا‪ ،‬ثــم تع َّبــد‪ .‬وقــال لقــان الحكيــم البنــه‪ :‬يــا بنــي‪ ،‬اســتغنِ‬
‫بالكســب الحــال عــن الفقــر‪ ،‬فإنــه مــا افتقــر أحــد قــط‪ ،‬إال أصابــه ثــاث خصــال‪ :‬رقَّــة يف دينــه‪،‬‬
‫وضعــف يف عقلــه‪ ،‬وذهــاب مروءتــه‪ ،‬وأعظــم مــن هــذه الخصــال الثــاث‪ :‬اســتخفاف النــاس بــه‪.‬‬
‫ـال‪ ،‬أو تعلــم مهنــة‪ ،‬وندعــو لــه بالصــاح والفــاح‪،‬‬ ‫‪ -8‬منــدح الصغــر كلــا أ ّدى عمـ ًـا‪ ،‬أو اكتســب مـ ً‬
‫ونشــجعه‪ ،‬ونــرك لــه كل مــا اكتســبه مهــا ك ّنــا يف حاجــة إليــه‪ ،‬ونشــجعه عــى االدخار واالســتثامر‬
‫ألي مبلــغ مهــا كان صغـ ًرا‪ ،‬وإذا فشــل يف أي عمــل‪ ،‬أو خــر مــالً ‪ ،‬فــا نلومــه حتــى ال يصــاب‬
‫باإلحبــاط‪ ،‬بــل نذكــر لــه‪ ،‬أن شــأن مــن يتاجــر أو ميــارس األعــال أن يصــاب مبثــل ذلــك‪ ،‬وأن‬
‫الكثــر مــن الكبــار يحــدث لهــم مثــل ذلــك كث ـ ًرا‪ ،‬وأن اللــه تعــاىل يختــره فــإذا صــر واســتمر‬
‫ـوكل عــى اللــه تعــاىل فســوف يع ِّوضــه كثـ ًرا‪.‬‬
‫متـ ً‬
‫‪ -9‬يعـ َّود الصغــر‪ ،‬ومنــذ صغــره عــى التبكــر يف القيــام مــن نومــه صبا ًحــا‪ ،‬وأن األفضــل أال ينــام‬
‫بعــد صــاة الفجــر‪ ،‬ويلــزم لذلــك أن يكــون الوالــدان ال يخالفــان مــا يقوالنــه للصغــر‪ ،‬فتكــون‬
‫«الص ْبحــة متنــع الــرزق» رواه أحمــد‬ ‫هــذه عادتهــا‪ .‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ُّ :‬‬
‫والصبحــة‪ :‬النــوم بعــد صــاة الصبــح‪ .‬ودعــا رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم ملــن ال ينــام بعــد‬
‫صــاة الصبــح فقــال‪« :‬اللهــم بــارك ألمتــي يف بكورهــا» رواه أحمــد والطـراين وأبــو يعــى والبـزار‪.‬‬
‫‪ -10‬قــال اإلمــام الغـزايل‪ :‬طلــب علــم االكتســاب‪ ،‬فريضــة عــى كل مســلم ومســلمة‪ ،‬ليتم ّيــز لــه‬
‫املبــاح عــن املحظــور‪ ،‬وروي عــن عمــر بــن الخطــاب ريض اللــه عنــه‪ ،‬أنــه كان يطــوف الســوق‬
‫ويقــول‪ :‬ال يبيــع يف ســوقنا إال مــن يفقــه‪ ،‬وإال أكل الربــا‪ ،‬شــاء أم أىب‪ .‬قــال الغ ـزايل‪ :‬فيتعلــم‪:‬‬

‫‪398‬‬
‫يكــف نفســه عــن الطمــع عــن النــاس‪،‬‬ ‫أ‪ -‬حســن النيّــة يف الكســب‪ ،‬فينــوي االســتعفاف‪ ،‬وأن َّ‬
‫واالســتعانة عــى ســامة الديــن‪ ،‬وكفالــة نفســه ومــن يعــول‪.‬‬
‫ب‪ -‬ينــوي أن يقــوم بفــرض مــن فــروض الكفايــات‪ ،‬ألن انتظــام أمــر الــكل بتعــاون الــكل‪ ،‬وتك ّفــل‬
‫كل فريــق بعمــل‪.‬‬
‫ج‪ -‬أال مينعــه ســوق الدنيــا عــن ســوق اآلخــرة وعــن أســواق املســاجد‪ ،‬وأن يذكــر اللــه خــال‬
‫أعاملــه‪.‬‬
‫د‪ -‬أن يحرص عىل الحالل ويتحرى الحرام فيرتكه ويبتعد عنه‪ ،‬وأن يراقب الله يف كل أمره‪.‬‬
‫هـــ‪ -‬أن يُظهــر عيــب صنعتــه‪ ،‬أو بضاعتــه ولــو كانــت خف َّيــة‪ ،‬وإال كان ظاملًــا غاشًّ ــا‪ ،‬فربــح اآلخــرة‬
‫ترتســخ يف ذهــن وقلــب‬ ‫خــر مــن ربــح الدنيــا‪ ،‬مــع أن رزقهــا مضمــون‪ .‬فهــذه املعــاين يجــب أن َّ‬
‫الصغــر‪.‬‬
‫***‬

‫‪399‬‬
‫ة‬ ‫لش ة‬ ‫‪10‬‬
‫ا ع �ر� الط ي� ب��‬
‫[مع األوالد وتربيتهم]‬
‫أساليب معيبة يف تربية الطفل تؤثر يف شخصيته‬
‫* املشكالت التي تفرزها مرحلة الطفولة‪.‬‬
‫* أسلوب ال َّت َسلُّط‪.‬‬
‫* أسلوب الحامية الزائدة‪.‬‬
‫* أسلوب التفرقة يف املعاملة‪.‬‬
‫* أسلوب اإلهامل‪.‬‬
‫* أسلوب التدليل‪.‬‬
‫* أسلوب القسوة‪.‬‬

‫‪400‬‬
‫بعض املشاكل اليت تفرزها مرحلة الطفولة‬

‫* ينتــج عــادة مــن اتبــاع أســلوب خطــأ يف تربيــة الطفــل بعــض املشــاكل التــي تصاحــب أعراضُ هــا‬
‫الطفــل يف ســائر حياتــه؛ إذ تؤثــر يف شــخصية الطفــل واكتســابه لبعــض الصفــات غــر املرغــوب‬
‫فيهــا‪ .‬وأشــهر هــذه األســاليب الرتبويــة الخاطئــة‪ :‬التســلط‪ ،‬والحامية الزائــدة‪ ،‬واإلهامل‪ ،‬والقســوة‪،‬‬
‫والتفرقــة يف املعاملــة‪ ،‬والتدليــل‪.‬‬
‫***‬
‫أسلوب التسلُّط‬
‫* واملقصــود منــه أن الطفــل يُعا َمــل مــن والديــه برصامــة‪ ،‬وقســوة‪ ،‬بــأن ُينــع الطفــل مــن تحقيــق‬
‫رغباتــه‪ ،‬ويقابــل بالرفــض الدائــم لطلباتــه‪ ،‬واملنــع الدائــم مــن تنفيــذ رغباتــه‪ ،‬واتخــاذ أســلوب‬
‫اللــوم والعقــاب معــه يف كل شــؤونه‪ ،‬مــع تحديــد طريقــة ألكل الطفــل‪ ،‬ونومــه‪ ،‬ومذاكرتــه‪ ،‬وتعيني‬
‫مــن يصادقهــم ويلعــب معهــم‪ ،‬ونوعيــات املالبــس التــي يرتديهــا الطفــل‪ ،‬دون مراعــاة لرغبــات‬
‫الطفــل‪ ،‬أو اعتبــار أي راي لــه‪ ،‬أو إشــعاره أنــه يتــرف يف أمــوره الشــخصية‪ ،‬وباإلجــال‪ :‬يكــون‬
‫الوالــدان هــا كل الســلطة يف إدارة أمــور الطفــل‪ ،‬وبزعــم أن ذلــك يعـ ِّوده عــى الجديــة والنظــام‬
‫والطاعــة‪ ،‬ولذلــك يح ِّملــون الطفــل باملهــام التــي تفــوق طاقاتــه‪ ،‬ويطلبــون ذلــك باألمــر والنهــي‬
‫وليــس بأســلوب اإلقنــاع والرفــق‪.‬‬
‫‪ -‬يرتتــب عــى أســلوب التســلط‪ ،‬أن يصبــح الطفــل ضعيــف الشــخصية‪ ،‬ســلب ًّيا‪ ،‬دائــم الخــوف‪،‬‬
‫مــر ِّد ًدا‪ ،‬غــر واثــق مــن نفســه‪.‬‬
‫‪ -‬واألســلوب املطلــوب اتباعــه ســبق بيانــه يف الفصــول الســابقة‪ ،‬ونذكِّــر‪ ،‬بأنــه يجــب الرفــق يف‬
‫معاملــة الطفــل‪ ،‬والتســامح‪ ،‬وتقبــل ســلوك الطفــل مــع تشــجيعه‪ ،‬وأن نعــوده املناقشــة وإبــداء‬
‫الــرأي‪ ،‬وننمــي فيــه الثقــة بالنفــس‪ ،‬مــع روح مــن الصداقــة الوالديــة معــه‪ ،‬ومــع مســاعدته عــى‬
‫اإلنجــاز‪ ،‬وتقديــره واالهتــام بأعاملــه‪ ،‬وال نكلفــه مــا ال يطيــق مــن الواجبــات‪.‬‬

‫‪401‬‬
‫أسلوب احلماية الزائدة‬
‫* عــادة مــا يتــم مــع االبــن الوحيــد‪ ،‬أو البنــت الوحيــدة يف األرسة‪ ،‬أو الــذي جــاء بعــد تأ ّخــر يف‬
‫اإلنجــاب‪ ،‬أو الطفــل األول يف األرسة‪ ،‬فيظهــر عــى الوالديــن القلــق عــى ســامته‪ ،‬والخــوف عليــه‬
‫مــن املــرض‪ ،‬فيتــم متابعــة الطفــل‪ ،‬واإلرشاف عــى جميــع ترصفاتــه‪ ،‬ومراقبــة ســلوكه تجــاه أي‬
‫موضــوع يواجــه‪ ،‬مــع الحــرص الشــديد‪ ،‬والتدخــل يف شــؤون الطفــل إىل درجــة القيــام بهــا نيابــة‬
‫عنــه‪ ،‬فــا يتــاح للطفــل اتخــاذ الق ـرار بنفســه‪ ،‬وينــم ســلوك الوالديــن دامئًــا معــه عــن الخــوف‬
‫الشــديد عليــه‪ ،‬وحاميتــه حامي ـ ًة زائــدة‪.‬‬
‫‪ -‬هــذا الســلوك مــن الوالديــن يــؤدي إىل إضعــاف شــخصية الطفــل‪ ،‬ويصبــح دائــم االعتــاد عــى‬
‫اآلخريــن وغــر مســتقل بــرأي‪ ،‬كــا يتصــف بعــدم الرتكيــز‪ ،‬وعــدم النضــج‪ ،‬وانخفــاض مســتوى‬
‫الطمــوح‪ ،‬وينســحب يف أكــر املواقــف‪ ،‬كــا يتصــف أيضً ــا بفقــدان التحكــم االنفعــايل‪ ،‬وبرفــض‬
‫تحمــل املســؤولية‪ ،‬وتســهل اســتثارته‪ ،‬ويضعــف عنــد اتخــاذ الق ـرار‪.‬‬
‫‪ -‬وبالطبــع يجــب تجنــب هــذه العيــوب يف الســلوك معــه‪ ،‬مــع تبنــي تنميــة قــدرات الطفــل‪،‬‬
‫وتشــجيعه عــى االســتقالل‪ ،‬وأن ندعــه يتعلــم مــن أخطائــه‪ ،‬وأن يحــل هــو بعــض املشــكالت مــع‬
‫توجيهــه يف ذلــك فقــط‪ ،‬وأن نرتكــه يخــوض املواقــف بنفســه‪ ،‬مــع املراقبــة واملســاعدة عنــد عجزه‪.‬‬
‫***‬
‫أسلوب التفرقة يف املعاملة‬
‫* يكــون ذلــك بــن األوالد‪ ،‬بســبب األنوثــة والذكــورة‪ ،‬أو بســبب الســن‪ ،‬أو بســبب الرتتيــب‬
‫امليــادي لــأوالد‪ ،‬أو ألي ســبب آخــر‪ ،‬يدعــو الوالديــن‪ ،‬أو أحدهــا لتمييــز أحــد األوالد عــى‬
‫اآلخريــن‪ ،‬وعــدم املســاواة بينهــم يف املعاملــة والعطــاء‪.‬‬
‫‪ -‬تُنتــج هــذه التفرقــة يف املعاملــة‪ ،‬شــخصيات لديهــا قــدر كبــر مــن الحقــد‪ ،‬ومتتلــئ نفســها‬
‫بالغــرة‪ ،‬واألنانيــة املفرطــة بــن األخــوة‪ ،‬والــذي متيــز مــن بينهــم‪ ،‬يرغــب دامئًــا يف أن يحظــى‬
‫باالهتــام والتقديــر مــن كل النــاس‪ ،‬وعــادة مــا يطلــب أن يتميــز ببعــض املمي ـزات دون غــره‪،‬‬
‫ـخصا ال يكــرث باآلخريــن‪ ،‬وال يراعــي املشــاعر يف تعاملــه مــع اآلخريــن‪.‬‬‫ويصبــح شـ ً‬

‫‪402‬‬
‫‪ -‬ولتفــادي هــذه املشــاكل‪ ،‬عــى الوالديــن أن يتعاملــوا مــع كل األوالد بالعــدل والحــب واملســاواة‬
‫بينهــم‪ ،‬وعــدم متييــز أو تفضيــل واحــد دون اآلخريــن‪ ،‬وال مينــع ذلــك أن يكــون أحدهــم أحــب‬
‫إىل والديــه‪ ،‬أو أحدهــا‪ ،‬أكــر مــن اآلخريــن‪ ،‬ألن املســاواة يف الحــب تخــرج عــن قــدرة اإلنســان‪،‬‬
‫ولكــن يجــب عــى الوالديــن‪ ،‬أو أحدهــا‪ ،‬أال يظهــر يف ســلوكه مــع املحبــوب‪ ،‬مــا يثــر أخوتــه‪ ،‬ألن‬
‫ذلــك يرتتــب عليــه محاولــة اآلخريــن إيــذاء املحبــوب مــن بينهــم‪ ،‬ويف قصــة يوســف النبــي عليــه‬
‫الصــاة والســام مــع أبيــه يعقــوب عليــه الصــاة والســام ومــا نتــج عنــه مــن إيــذاء األب واألخ‬
‫م ًعــا مــن األخــوة مــا فيــه معتــر لــكل والــد لــه أوالد‪.‬‬
‫***‬
‫أسلوب اإلهمال‬
‫* قــد يهمــل الوالــدان رعايــة الطفــل‪ ،‬لالنشــغال عنــه خــارج البيــت‪ ،‬أو لعــدم االكـراث بشــؤون‬
‫الطفــل‪ ،‬والالمبــاالة برتبيتــه‪ ،‬أو الحــرص عليــه‪ ،‬وصــور ذلــك‪ :‬أن يــرك الطفــل بــا إشــباع لحاجاتــه‪،‬‬
‫مــن الحنــان والعطــف والرعايــة‪ ،‬أو بــا إشــباع لحاجاتــه مــن النظافــة والخدمــة‪ ،‬أو عــدم االهتامم‬
‫بحاجتــه مــن املطعــم أو امللبــس‪ ،‬وقــد يكــون اإلهــال بعــدم املحاســبة للطفــل عــى ســلوكه‬
‫ـدل‬
‫الخاطــئ‪ ،‬أو بعــدم تشــجيعه وتحفيــزه ماديًّــا ومعنويًّــا كلــا أنجــز عمـ ًـا‪ ،‬أو بالســخرية منــه بـ ً‬
‫مــن الثنــاء عليــه‪.‬‬
‫‪ -‬يخلــق هــذا اإلهــال وينمــي يف الطفــل نــوازع ودوافــع العــدوان‪ ،‬والرغبــة يف االنتقــام‪ ،‬ومشــاعر‬
‫الكراهيــة نحــو اآلخريــن‪ ،‬ويفــرط يف شــعوره بالذنــب‪ ،‬مــع زيــادة حساســيته تجاه ســلوك اآلخرين‬
‫معــه‪ ،‬ويكــون دائــم القلــق واالنطــواء‪ ،‬وال يبــايل مبجريــات األمــور مــن حولــه‪ ،‬وال يشــعر باالنتــاء‬
‫ألرستــه‪ ،‬وعمو ًمــا يصبــح عديــم الرضا‪ ،‬متســخطًا لــكل يشء‪.‬‬
‫‪ -‬فواجــب الوالديــن دامئًــا‪ ،‬االهتــام بالطفــل ورعايتــه‪ ،‬وإظهــار الحــب والعطــف والحنــو نحــوه‪،‬‬
‫والقيــام بقضــاء احتياجاتــه املاديــة واملعنويــة بــا تقصــر‪ ،‬والتغلــب عــى املشــاغل التــي تعــوق‬
‫القيــام بهــذه الواجبــات‪ ،‬واعتبــار هــذا الواجــب مقد ًمــا عــى غــره مــن الواجبــات األخــرى؛ إذا‬
‫ـر أحــد الوالديــن نحــو الطفــل‪ ،‬عنــا ًدا لآلخــر؛ ألنــه ال يــؤدي واجبــه معه‪،‬‬‫تعارضــت معــه‪ .‬وأال يقـ ِّ‬

‫‪403‬‬
‫فــا يؤاخــذ الطفــل بجريــرة أحــد الوالديــن‪ .‬ويجــب عــى األم التــي تضطــر للخــروج مــن البيــت‬
‫بســبب العمــل‪ ،‬أن تضاعــف مــن مشــاعر العطــف والحنــان نحــو الطفــل خــال األوقــات التــي‬
‫تصحبــه فيهــا‪ ،‬يف البيــت‪ ،‬أو خارجــه‪ .‬كــا يجــب عــى الوالــد األب أن يعطــي مــن الوقــت الــكايف‬
‫كل يــوم للطفــل‪ ،‬مــن املالطفــة واملالعبــة واملتابعــة لــه‪ ،‬ألن الطفــل يحتــاج إىل أن يكــون لــه أب‪،‬‬
‫كــا يحتــاج أن تكــون لــه أم‪ ،‬وال غنــى للطفــل عنهــا م ًعــا‪ ،‬لــي ينشــأ ســويًّا يف شــخصيته‪.‬‬
‫***‬
‫أسلوب التَّدليل‬
‫التاخــي والتّهــاون يف معاملــة الطفــل‪ ،‬بحيــث يتــم إشــباع حاجــات‬ ‫* يتمثــل هــذا التدليــل‪ ،‬يف َّ‬
‫الطفــل يف الوقــت الــذي يريــده هــو‪ ،‬وبالكيفيــة التــي يرغــب فيهــا‪ ،‬واملســارعة يف قضــاء كل مــا‬
‫يطلبــه‪ ،‬مهــا كان غــر مقبــول‪ ،‬وأن يصبــح َم ـ ْن حولــه يف طاعتــه ورهــن إشــارته‪ ،‬فــا يُرفــض‬
‫لــه طلــب مهــا كان‪ .‬كــا يكــون التدليــل بعــدم توجيهــه إىل تح ّمــل املســؤوليات واألعبــاء التــي‬
‫تتناســب مــع املرحلــة العمريــة التــي ميــر بهــا الطفــل‪.‬‬
‫‪ -‬يرتتــب عــى التدليــل‪ ،‬تأخــر النضــج االنفعــايل واالجتامعــي عنــد الطفــل‪ ،‬وال يســتطيع التحــري‬
‫عــن أم ـ ٍر بســهولة‪ ،‬وال يســتطيع الشــعور باملســؤولية‪ ،‬وال يق ِّدرهــا‪ ،‬وال يقــاوم مشــكالت الحيــاة‪،‬‬
‫وال يســتطيع مجابهــة حــاالت اإلحبــاط‪ ،‬فهــو دامئًــا عرضــة لالضطرابــات النفســية عندمــا تقــف يف‬
‫ســبيله عقبــة أو مشــكلة‪ ،‬ويغلــب عليــه االعتــاد عــى الغــر‪ ،‬مــع ضعــف االعتــاد عــى النفــس‪.‬‬
‫ويلجــأ إىل أســلوب تجنــب املشــاكل‪ ،‬أو املخاطــر‪ ،‬أو تأجيــل الحلــول وإهاملهــا‪.‬‬
‫‪ -‬واجــب الوالديــن االعتــدال مــع الطفــل يف تلبيــة مطالبــه‪ ،‬فــا يكــون الحرمــان‪ ،‬أو اإلهــال‪ ،‬وال‬
‫يصــل إىل حــد التدليــل لــه‪ .‬ومــن األســاليب النافعــة‪ ،‬أن مينــع الطفــل عــن تنفيــذ بعــض رغباتــه‪،‬‬
‫رغــم إمــكان تلبيتهــا‪ ،‬لتعويــده عــى أن الرغبــات يف الحيــاة ال تل َّبــى كلهــا‪ ،‬وحتــى يتحمــل بعــض‬
‫الحرمــان‪ ،‬ليتعـ َّود الجلــد والتحمــل والصــر‪ ،‬ألنــه ال بــد يف حياتــه‪ ،‬مهــا كان مركــزه االجتامعــي‪،‬‬
‫أن مينــع مــن تلبيــة كل رغباتــه‪ ،‬أو أن يطــاع لــه كل أمــر وطلــب‪ .‬فــإذا مل ينشــأ عــى عــدم التدليل‪،‬‬
‫فإنــه ســيالقي مــن املتاعــب واملشــاكل يف حياتــه الكثــر‪ ،‬فــاألم التــي تســارع دامئًــا بتنفيــذ رغبــات‬

‫‪404‬‬
‫الطفــل‪ ،‬عمـ ًـا عــى إســعاده‪ ،‬وأدا ًء لواجبهــا‪ ،‬قــد تســبب لــه بذلــك‪ ،‬شــقا ًء ومتاعــب يف حياتــه‬
‫تفــوق الســعادة التــي توهمــت إدخالهــا عليــه‪ .‬فــإذا أرادت أن تعطيــه دامئًــا مــا ينفعــه‪ ،‬وال‬
‫ره‪ ،‬فعليهــا أن تعطيهــا مــن الحــب والحنــان والعواطــف‪ ،‬ألن كرثتهــا ال تــر وليــس فهيــا‬ ‫يـ ّ‬
‫إفـراط أو تدليــل‪.‬‬
‫***‬
‫أسلوب القسوة‬
‫* يتمثــل هــذا األســلوب يف شــتى أنــواع العقــاب البــدين‪ ،‬باعتــاده أســلوبًا أساس ـ ًّيا يف الرتبيــة‪،‬‬
‫كالــرب بشــدة كلــا ارتكــب أي خطــأ‪ ،‬أو التعنيــف والقســوة بالــرب والحرمــان عنــد الرســوب‬
‫يف الدراســة‪ ،‬أو إذا مل يذعــن لألوامــر مــن الوالديــن‪ ،‬وأش ـ ّد القســوة مــا كان فيــه إيــام النفــس‪،‬‬
‫كالتحقــر للطفــل‪ ،‬أو ألعاملــه‪ ،‬والتقليــل مــن شــأنه‪ ،‬أو بإظهــار الكراهيــة لــه‪ ،‬أو تو ُّعــده وتخويفــه‬
‫بأمــور مخيفــة مثــل الحــرق والحبــس يف الظــام‪ ،‬أو تأنيبــه املســتمر وإشــعاره بالنقــص وبالذنــب‪.‬‬
‫‪ -‬يرتتــب عــى القســوة يف الرتبيــة‪ ،‬أن يتكــون عنــد الطفــل ضمــر شــديد الحساســية‪ ،‬يجعلــه‬
‫يحاســب نفســه‪ ،‬أو غــره‪ ،‬عــى كل صغــرة‪ ،‬أو كبــرة بتشـ ّدد وانفعــال‪ ،‬كــا يرتتــب عليــه الخــوف‬
‫مــن املحاســبة‪ ،‬مــا يجعلــه ميتنــع أصـ ًـا عــن القيــام بــأي نشــاط خوفًا مــن العقوبــة‪ ،‬وال يســتطيع‬
‫املطالبــة بحقوقــه‪ ،‬كــا يخــى إشــباع حاجاتــه خوفًــا مــن العواقــب املرتتبــة عــى ذلــك‪ ،‬وتكــون‬
‫شــخصيته قلقــة‪ ،‬مــر ّددة‪ ،‬يشــعر بالعجــز يف مواجهــة املواقــف‪.‬‬
‫‪ -‬يجــب عــى الوالديــن نبــذ القســوة بــكل أســاليبها مــع الطفــل‪ ،‬وإشــعاره بالطأمنينــة‪ ،‬والتعامــل‬
‫معــه بالتســامح‪ ،‬خاصــة إذا مل يتعمــد الخطــأ‪ ،‬أو يكــرر عــن قصــد بعــض الخطــأ‪ ،‬وإذا عوقــب‪ ،‬ال‬
‫يكــون بالــرب امل ـ ّرح‪ ،‬وال بــدوام التأنيــب لــه‪ ،‬ويكــون بالقــدر الــذي يشــعره بالحــزم يف أخــذ‬
‫األمــور‪ .‬ويجــب أن يكافــأ عــى أعاملــه ويشــجع عليهــا‪ ،‬وير َّغــب يف القيــام باملســؤوليات بتحفيــزه‬
‫ومدحــه والثنــاء عليــه كلــا أنجــز عمـ ًـا‪ .‬ويجــب أن يجــد تقبـ ًـا وتســام ًحا يف حــاالت اإلخفــاق يف‬
‫بعــض الواجبــات‪ ،‬ومطالبتــه ببــذل الجهــد الــذي يعــوض تأخــره يف األداء الناجــح لألعــال‪.‬‬

‫‪405‬‬
‫‪ -‬قــد يكــون أحــد الوالديــن قاس ـ ًيا يف تربيتــه للطفــل‪ ،‬ويكــون اآلخــر متســام ًحا معــه‪ ،‬أو مينــع‬
‫أحدهــا الطفــل عــن ســلوك معــن‪ ،‬بينــا يتســامح معــه اآلخــر يف نفــس الســلوك‪ ،‬وهذا األســلوب‬
‫املــزدوج مــن الوالديــن‪ ،‬يخلــق عنــد الطفــل ازدواجيــة يف تقييــم األمــور‪ ،‬ويصبــح الطفــل متذبذبًــا‬
‫يف ســلوكه‪ ،‬ويصبــح دائــم القلــق لعجــزه عــن إرضــاء كال الوالديــن‪ ،‬أو معرفــة الســلوك الــذي‬
‫يتبعــه‪ ،‬وبذلــك يصبــح صاحــب شــخصية متقلبــة‪ ،‬بســبب عــدم اتفــاق الوالديــن عــى طريقــة‬
‫واحــدة يف تربيــة طفلهــا‪.‬‬
‫***‬

‫‪406‬‬
‫ة‬ ‫لش ة‬ ‫‪11‬‬
‫ا ع �ر� الط ي� ب��‬
‫[مع األوالد وتربيتهم]‬
‫مرحلة املراهقة ومشكالتها‬
‫* مرحلة املراهقة‪ ،‬قنطرة عبور إىل مرحلة الرجولة‪.‬‬
‫* مرحلة املراهقة تحتاج إىل متهيد وإعداد‪.‬‬
‫* التغريات والتأثريات التي مي ّر بها املراهق‪.‬‬
‫* السلوك الصحيح مع املراهق‪ :‬برنامج عميل‪.‬‬

‫‪407‬‬
‫مرحلة املراهقة ‪ ..‬قنطرة العبور إىل مرحلة الرجولة‬

‫* مرحلــة املراهقــة‪ ،‬تشــمل الفــرة العمريــة مــن بدايــة املتغـ ِّـرات الجســمية املرتبطــة بالبلــوغ‬
‫الجنــي‪ ،‬وتبلــغ ح َّدتهــا يف حــوايل الخامســة عــرة‪ ،‬ثــم تنتهــي يف ســن الثامنــة عــرة تقري ًبــا مــع‬
‫بلــوغ ســن الســعي والشــباب والرشــد‪.‬‬
‫‪ -‬حـ ّدد الــرع بالبلــوغ‪ ،‬الحـ ّد الفاصــل بــن مرحلتــن يف حيــاة اإلنســان‪ ،‬األوىل مرحلــة مــا قبــل‬
‫البلــوغ‪ ،‬حيــث يعفــى مــن تح ّمــل املســؤولية الكاملــة عــن أفعالــه‪ ،‬مــن حيــث املؤاخــذة والعقاب‬
‫الدينــي‪ ،‬واملرحلــة الثانيــة تبــدأ مبجــرد البلــوغ‪ ،‬فيتحمــل املســؤولية كاملة عــن كل أفعالــه فيجازى‬
‫عليهــا بالثــواب والعقــاب‪ .‬يقــول النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ُ « :‬رفــع القلــم عــن ثالثــة‪ :‬عــن‬
‫النائــم حتــى يســتيقظ‪ ،‬وعــن الصبــي حتــى يحتلــم‪ ،‬وعــن املجنــون حتــى يعقــل» رواه الرتمــذي‬
‫والنســايئ وأبــو داود‪ .‬وكذلــك ُجعــل الفاصــل يف األحــكام فيــا يتصــل بحــدود العــورات‪ ،‬ح ـ ّد‬
‫ـال ِم ْن ُكـ ُم الْ ُحلُـ َم فَلْ َي ْسـتَأْ ِذنُوا كَـ َـا ْاسـتَأْ َذ َن ال َِّذيـ َن ِمـ ْن‬
‫البلــوغ‪ ،‬يقــول اللــه تعــاىل‪َ { :‬وإِذَا بَلَـ َغ الْ َطْ َفـ ُ‬
‫قَبْلِ ِه ـ ْم} [النــور‪ ،]59 :‬يقــول أنــس بــن مالــك‪ ،‬خــادم رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬ملــا‬
‫كانــت صبيحــة احتلمــت‪ ،‬دخلــت عــى النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فأخربتــه‪ ،‬فقــال‪ :‬ال تدخــل‬
‫ي يــوم أشــدّ منــه» رواه الطـراين‪ .‬فحجبــت النســاء عــن أنــس ريض اللــه‬ ‫عــى النســاء‪ ،‬فــا أىت عـ َّ‬
‫عنــه مبجــرد احتالمــه‪ ،‬وهــو عالمــة البلــوغ‪ ،‬والش ـ ّد ُة التــي عاناهــا أنــس ريض اللــه عنــه أنــه مل‬
‫يعــد يخالــط بيــوت النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬ف ُحــرم مــن الخدمــة لهــن وحســن معارشتهــن‬
‫رضــوان اللــه عليهــن‪ .‬وروى الط ـراين بســنده «ملــا قُبــض رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫كانــت فاطمــة تكشــف رأســها إذا دخــل الغــام‪ ،‬فــإذا دخــل الرجــل غطَّتــه» وكانــوا يدخلــون‬
‫يصلــون عــى النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪.‬‬
‫‪ -‬يعتــر بلــوغ الحلــم‪ ،‬أو البلــوغ الجنــي حدثًــا ها ًمــا يف حيــاة الفــرد‪ ،‬حيــث يتغــر إىل كائــن‬
‫جنــي ذي خصائــص جديــدة‪ ،‬وفــرة البلــوغ متداخلــة مــع فــرة الطفولــة‪ ،‬مــن حيــث التحـ ّوالت‬
‫التــي تحــدث للفــرد‪ .‬والطفــل ال يعتــر نفســه يف فــرة املراهقــة طفـ ًـا‪ ،‬ملــا طــرأ عليــه مــن تغـ ُّـرات‬

‫‪408‬‬
‫أصبــح يشــارك فيهــا الكبــار‪ .‬ولكــن يالحــظ عــى الوالديــن واملعلمــن‪ ،‬أن نظرتهــم إليــه ال تتغـ َّـر‪،‬‬
‫حيــث ينظــرون إليــه باعتبــاره طفـ ًـا‪ ،‬وهــذا األمــر يجعلــه يســلك ســلوكًا غــر مرغــوب فيــه‪.‬‬
‫‪ -‬الفــرة التــي يكتمــل فيهــا النضــج الجنــي‪ ،‬هــي الفــرة التــي يطلــق عليهــا املراهقــة‪ ،‬وهــي فرتة‬
‫تختلــف مــن شــخص إىل آخــر‪ ،‬وعــادة تصــل البنــت إىل ســن البلــوغ مــن الثانيــة عــرة‪ ،‬والذكــور‬
‫مــن الرابعــة عــرة‪ ،‬أو بعــد ذلــك‪ ،‬ويحتــاج املراهــق إىل فــرة قدرهــا ثــاث ســنني حتــى يكتمــل‬
‫لديــه النضــوج الجنــي‪ .‬وهــذه الفــرة هــي أرسع الف ـرات يف النمــو الجســمي ومــا يطــرأ فيــه‬
‫مــن تغ ـرات‪ ،‬فتشــمل حجــم الجســم‪ ،‬والنســب بــن أعضائــه‪ ،‬والنمــو يف الخصائــص الجنســية‪،‬‬
‫حتــى يصــل الجســم يف نهايــة املرحلــة إىل الجســم الــذي يســتمر عليــه طــوال حياتــه‪ ،‬والتغــر يف‬
‫الطــول يســبق التغــر يف الــوزن‪ ،‬وأكــر نســبة يف الطــول تحــدث قبيــل البلــوغ مبــارشة‪.‬‬
‫‪ -‬يصاحــب النمــو الجســمي الرسيــع‪ ،‬والتغــرات يف هــذه الفــرة‪ ،‬أعــراض غــر مالمئــة‪ ،‬مثــل‪:‬‬
‫التعــب‪ ،‬والكســل‪ ،‬واضطرابــات يف الجهــاز الهضمــي‪ ،‬وفقــر الــدم وهــو مــا يزيــد مــن الشــعور‬
‫بالتعــب والكســل‪ ،‬كــا يعــاين املراهــق عــى فــرات مــن آالم الصــداع وآالم الظهــر والهــزال‪،‬‬
‫ويكــون ذلــك عنــد البنــات أكــر شــيو ًعا‪ ،‬وخاصــة أوقــات الحيــض‪ .‬والواجــب عــى الوالديــن‬
‫مراعــاة هــذه التغـرات واألعـراض‪ ،‬فيتســامحون مــع املراهــق إذا عجــز عــن أداء بعــض الواجبــات‬
‫أو رغــب يف النــوم بقــدر أكــر مــن املألــوف منــه‪ ،‬فــإن ذلــك ال يكــون كسـ ًـا إراديًّــا منــه‪ ،‬وإمنــا‬
‫هــو نتيجــة للنمــو الرسيــع يف الجســم مــا يفــوق الطاقــة‪ ،‬فــا يقــدر املراهــق عــى دفــع التعــب‬
‫والكســل رغــم رغبتــه الصادقــة يف ذلــك‪ ،‬حيــث يبــدو عليــه التعــب واإلرهــاق بشــكل واضــح‬
‫إذا أ ّدى أقــل مــا ميكــن مــن األعــال‪ ،‬ســواء يف املنــزل أو يف املدرســة‪ .‬والخطــأ الــذي يقــع فيــه‬
‫الوالــدان واملعلمــون والكبــار‪ ،‬أنهــم يظنــون أن املراهــق مــا دام قــد كــر جســمه عــى النحــو‬
‫الــذي يشــاهدونه‪ ،‬فإنــه ميكنــه القيــام مبســؤوليات وأعــال أكــر‪ ،‬وأنــه يتحمــل جهـ ًدا أكــر عــن‬
‫ذي قبــل‪ ،‬وهــذا يــؤ ِّدي إىل زيــادة عصبيــة املراهــق وزيــادة توتــره وانفعالــه لعــدم قدرتــه عــى‬
‫القيــام بهــذه املســؤوليات بنجــاح‪ .‬فعــى الوالديــن واملراهــق م ًعــا االهتــام بالتــوازن الغــذايئ‪،‬‬
‫وتنظيــم النــوم‪ ،‬واالهتــام العــام بالصحــة‪ ،‬حتــى يجتــاز الفــرة مــن الناحيــة الصحيــة والنفســية‬

‫‪409‬‬
‫بســامة‪ .‬وكلــا كان اآلخــرون مــن حــول املراهــق أكــر تفهـ ًـا ألحــوال املراهــق‪ ،‬وأكــر تعاط ًفــا‬
‫معــه‪ ،‬فعومــل عــى قــدر قدراتــه‪ ،‬فــإن التوافــق واالســتقرار يحدثــان لــه‪ .‬ويف نفــس الوقــت يجــب‬
‫النظــر إليــه باعتبــاره رجـ ًـا وليــس طفـ ًـا‪ ،‬عــى الرغــم مــن أنــه ال يطالــب مبســؤوليات كبــرة‪،‬‬
‫لضعــف قدراتــه ومصاحبــة الكســل والتعــب طــوال املرحلــة‪ ،‬وحتــى ال يتســبب يف إعاقــة نضجــه‬
‫النفــي‪.‬‬
‫***‬
‫مرحلة املراهقة حتتاج إىل متهيد وإعداد‬
‫* مرحلــة املراهقــة‪ ،‬مرحلــة تغيـرات رسيعة‪ ،‬مادية يف البــدن وأجهزته‪ ،‬ويف النفــس وكل املعنويات‬
‫لــدى املراهــق‪ ،‬حيــث تتغــر احتياجاتــه وســلوكياته ومعتقداتــه وتصوراتــه عــن كل يشء‪ .‬فواجــب‬
‫عــى الوالديــن‪ ،‬واملعلمــن‪ ،‬أن يهيئــوا للمراهــق الظــروف املالمئــة للمرحلــة‪ ،‬وأن يحيطــوه علـ ًـا‬
‫بــكل مــا ســيطرأ عليــه حتــى يأنــس بهــا‪ ،‬وعليهــم بالرفــق معــه‪ ،‬والتســامح والعطــف والحــب لــه‪،‬‬
‫وزيــادة االرتبــاط بــه وتوثيــق العالقــة معــه‪ ،‬وبــث روح الثقــة لديــه‪ .‬وعمو ًمــا يلــزم للمراهــق أن‬
‫يتوافــر لــه‪ :‬املعلومــات الكافيــة‪ ،‬والعطــف‪ ،‬والثقــة‪.‬‬
‫‪ -‬تهيئــة البنــت قبــل حــدوث الحيــض لهــا أمــر هــام جـ ًّدا‪ ،‬حيــث إنهــا ستشــعر بالســعادة واملــرح‬
‫لكونهــا ســتصبح أنثــى كبــرة‪ ،‬بعكــس مــا إذا فوجئــت بالــدم ينــزف منهــا دون ســابق علــم لهــا‬
‫مبوضــوع الحيــض‪ ،‬فإنــه يصيبهــا القلــق والتوتــر والحيــاء‪ ،‬خاصــة أن الــدم يرتبــط بالجراحــات‬
‫والقــذارات يف األذهــان‪ .‬فيجــب أن تعــرف البنــت أن ذلــك أمــر طبيعــي وليــس مرضً ــا‪ ،‬أو كــدم‬
‫ســائر الجراحــات‪ ،‬وأنــه مثــل البــول يتخلــص منــه الجســم‪ .‬فــإذا حــدث لهــا ذلــك‪ ،‬فيخ ّفــف عــن‬
‫نفســيتها‪ ،‬بــأن هــذا الــدم منهــا ال يــؤذي غريهــا‪ ،‬وأن اآلخريــن ال يســتقذرونها‪ ،‬وأال نبــدي لهــا أي‬
‫انزعــاج أو قلــق‪ ،‬فنتعامــل معهــا بتلقائيــة فــا تظهــر أي اكـراث‪ ،‬حتــى ال ت َ ْن َزعــج هــي بانزعاجنــا‪.‬‬
‫عــن أُم َّيــة بنــت أيب الصلــت ريض اللــه عنهــا عــن امــرأة مــن األنصــار قالــت‪« :‬أردفنــي رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم عــى حقيبــة َر ْحلــه‪ ،‬قالــت‪ :‬فواللــه لنــزل رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬
‫وســلم إىل الصبــح‪ ،‬فأنــاخ‪ ،‬ونزلــت عــن حقيبــة رحلــه‪ ،‬فــإذا بهــا دم م ِّنــي‪ ،‬وكانــت أول حيضــة‬
‫ـت إىل الناقــة واســتحييت‪ ،‬فلــا رأى رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬ ‫حضتهــا‪ ،‬قالــت‪َ :‬ف َت َق َّبضْ ـ ُ‬

‫‪410‬‬
‫ــت؟ قلــت‪ :‬نعــم‪ ،‬قــال‪ :‬فأصلحــي مــن نفســك‪،‬‬ ‫مــا يب‪ ،‬ورأى الــدم‪ ،‬قــال‪ :‬مالــك؟ لعلــك نُ ِف ْس ِ‬
‫ثــم خــذي إنــاء مــن مــاء فاطرحــي فيــه ِمل ًحــا‪ ،‬ثــم اغســي مــا أصــاب الحقيبــة مــن الــدم‪ ،‬ثــم‬
‫عــودي ملركبــك‪ ،‬قالــت‪ :‬فلــا فتــح رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم خيــر‪َ ،‬رضَ ــخ لنــا مــن‬
‫الفــيء‪ ،‬قلــت‪ :‬وكانــت ال تطهــر مــن حيضــة إال جعلــت يف طهرهــا مل ًحــا‪ ،‬وأوصــت بــه أن يجعــل‬
‫يف غســلها حــن ماتــت» رواه أبــو داود‪ .‬ورضــخ لنــا‪ :‬أي أعطانــا مــن غــر أن يــرب لنــا بســهم‪.‬‬
‫ونفســت‪ :‬أي حضــت‪ .‬فــرى مــن الحديــث‪ ،‬كيــف تعامــل الرســول صــى اللــه عليــه وســلم كاألب‬
‫الرفيــق‪ .‬فعلمهــا‪ ،‬وتعامــل معهــا دون أن يبــدي لهــا اســتقذا ًرا أو انزعا ًجــا‪ ،‬بــل دعاهــا للعــودة إىل‬
‫الركــوب معــه صــى اللــه عليــه وســلم مــرة أخــرى‪ ،‬بعــد إزالــة أثــر الــدم مــن موضعــه‪.‬‬
‫‪ -‬إذا حاضــت الصغــرة قبــل ســن الحاديــة عــرة‪ ،‬أو تأخــرت حيضتهــا بعــد ســن الرابعــة عــرة‪،‬‬
‫فيحســن العــرض عــى أخصــايئ‪ ،‬أو أخصائيــة أمـراض نســاء‪ ،‬وكذلــك يحســن العــرض عليــه إذا زاد‬
‫الــدم عــى ثالثــة –فــوط‪ -‬يف اليــوم‪ ،‬أو زادت دورة الحيــض عندهــا عــى ســبعة أيــام يف الحيضــة‬
‫الواحــدة‪ ،‬أمــا إذا كانــت الحيضــة عندهــا متقلبــة بــن الزيــادة والنقصــان يف كميــة الــدم‪ ،‬أو عــدم‬
‫انتظامهــا‪ ،‬فــإن هــذا أمــر عــادي ال إزعــاج فيــه‪.‬‬
‫‪ -‬قبــل حــدوث الحيــض عنــد الصغــرة بيــوم‪ ،‬أو ســاعات‪ ،‬تحــدث بعــض اآلالم أســفل البطــن‪،‬‬
‫وآالم يف الثــدي‪ ،‬وكل ذلــك يخفِّفــه تنــاول قرصــن مــن االســرين‪ ،‬وتحتــاج إىل راحــة قليلــة‪ ،‬وال‬
‫مينعهــا ذلــك مــن مامرســة كل أنشــطتها‪ ،‬وينصــح بعــدم تنــاول املرشوبــات الدافئــة‪ ،‬وأال تســتحم‬
‫يف البحــر‪ ،‬أو يف –البانيــو‪ -‬ويفضــل االســتحامم تحــت –الــدش‪ -‬ويصاحــب الحيــض عــادة اضطـراب‬
‫يســتمر ملــدة عامــن‪.‬‬
‫‪ -‬تــرك الحائــض الصــاة‪ ،‬والصــوم‪ ،‬والطــواف حــول الكعبــة‪ ،‬ومــس املصحــف الرشيــف‪ ،‬أثنــاء فــرة‬
‫الحيــض‪ ،‬ولهــا أن تذكــر اللــه تعــاىل‪ ،‬ومتــارس كل مــا ســوى ذلــك مــن عبــادات وأنشــطة‪.‬‬
‫‪ -‬ميكــن لــأم‪ ،‬أو لــأب‪ ،‬أن يعلــم املراهــق‪ ،‬أو املراهقــة‪ ،‬مــا يتعلــق بهــذه الفــرة‪ ،‬بطــرق مختلفــة‪،‬‬
‫مثــل‪ :‬أن يرتــب مــع قريــن‪ ،‬أو صاحبــة للمراهــق أو املراهقــة وأن تســأله عــن هــذه األمــور‪ ،‬أو‬
‫تحــي حكايــة عــن صغــرة بلغــت هــذه املرحلــة ومــا أصابهــا مــن حيــض‪ ،‬ومــا قامــت بالتــرف‬
‫حيالــه‪ .‬فتســمع البنــت وتتعلــم دون أن يحــدث لهــا حــرج‪ ،‬كــا ميكــن أن تصحــب األ ُّم البنــت يف‬

‫‪411‬‬
‫أحــد الــدروس الدينيــة‪ ،‬ويجيــب مقــدم الــدرس عــن األســئلة املقدمــة والتــي تتعلــق باملوضــوع‪.‬‬
‫أو يتفــق مــع إحــدى الســيدات التــي ترتــاح لهــا البنــت‪ ،‬فتحدثهــا عــن هــذه األمــور‪ .‬وكذلــك‬
‫ميكــن إتاحــة بعــض الكتــب لــي تُقــرأ عــن املوضــوع‪ .‬وحتــى ال يلجــأ املراهــق إىل مصــدر غــر‬
‫موثــوق فيــه‪ ،‬كالخــدم أو قرنــاء الســوء‪ ،‬أو األفــام‪ ،‬مــا يقــوده إىل الوقــوع يف بعــض املشــكالت‬
‫الجنســية‪ ،‬ومنهــا مــام يطلــق عليــه‪ ،‬العــادة الرسيِّــة‪.‬‬
‫***‬
‫التغريات والتأثريات اليت ميرّ بها املراهق أثناء املرحلة‬
‫‪ -1‬يبــدو عــى املراهــق التعــب بشــكل واضــح‪ ،‬ويــؤ ّدي أقــل مــا ميكــن مــن أعــال يف البيــت أو يف‬
‫املدرســة‪ ،‬ونذكــر أن هــذا الكســل نتيجــة للنمــو الرسيــع يف الجســم‪ ،‬والــذي يفــوق طاقــة املراهق‪،‬‬
‫فهــو كســل ليــس إراديًّــا‪ ،‬وال يقــدر املراهــق عــى دفعــه رغــم رغبتــه يف ذلــك‪ ،‬وعليــه‪ ،‬فــا يجــب‬
‫أن يــام املراهــق عــى كســله وتعبــه‪ ،‬بــل يشــجع عــى القيــام مبــا يقــدر عليــه‪ ،‬ويتســامح معــه‬
‫ويرفــق بــه‪ ،‬حتــى ال نزيــد مــن توتــره وقلقــه‪.‬‬
‫‪ -2‬لعــدم التك ُّيــف الحــادث يف نســب منــو الجســم‪ ،‬يختــل املــي لديــه‪ ،‬ويفقــد رشــاقته املعتــادة‪،‬‬
‫وتتناقــص عنــده القــدرة الحركيــة‪ ،‬ويختــل التــآزر والتــوازن بــن أعضــاء الجســم‪ ،‬ثــم يعود الجســم‬
‫لحالتــه املعتــادة حيــث يتكيــف عــى األوضــاع تدريج ًّيــا‪.‬‬
‫‪ -3‬يصاحــب الفــرة زيــادة الوعــي بالجســم وأعضائــه‪ ،‬وخاصــة األعضــاء التناســلية‪ ،‬ويقــارن بــن‬
‫شــكل الجســم مــع اآلخريــن‪ ،‬ويشــغل معظــم الوقــت يف التفكــر يف مســائل الجنــس بســبب منــو‬
‫األعضــاء التناســلية خــال فــرة البلــوغ‪ ،‬ويقــرأ يف الكتــب عــن أيــة معلومــات تتصــل باملوضــوع‪.‬‬
‫لذلــك يشــعر بالحيــاء وتــزداد شــدته خــال تلــك الفــرة‪ ،‬حتــى إنــه ليغضــب إذا اقتحــم عليــه‬
‫أحــد خلوتــه‪ ،‬أو حجرتــه‪ ،‬وهــو مســتغرق يف أحــام يقظتــه‪ ،‬كــا إنــه يحــرص عــى تغيــر مالبســه‬
‫ِب ُب ْعــد‪ ،‬ويتحـ ّرج عنــد دخولــه الحــام‪ ،‬أو عنــد االغتســال‪ ،‬ويرتبــك عنــد ذلــك بــا مــرر‪ ،‬وتطــول‬
‫أوقــات النظــر يف املــرآة‪ ،‬وخاصــة البنــت‪ ،‬لتأمــل الجســم والشــكل عمو ًمــا‪ ،‬كــا يصبــح املظهــر‬
‫مهـ ًـا عنــد املراهــق‪ ،‬وخاصــة عنــد حضــور زائريــن‪ ،‬أو حضــور حفــل عــام‪ .‬ويجــب عــى الوالديــن‬
‫التغافــل عــن مثــل هــذه الســلوكيات‪ ،‬وعــدم معاقبتــه عليهــا‪.‬‬

‫‪412‬‬
‫‪ -4‬يحــدث مــع البلــوغ‪ ،‬وبرسعــة‪ ،‬أن يفقــد املراهــق ميلــه لرفــاق اللعــب فينســحب ويقــي‬
‫معظــم وقتــه منفــر ًدا بداخــل حجرتــه‪ ،‬وعــادة مــا يحــدث نزاعــات مــع أصدقائــه‪ ،‬كــا يتوقــف‬
‫عــن أنشــطته داخــل بيتــه وأفـراد أرستــه‪ .‬واملراهــق الــذي ال يتوافــق اجتامع ًّيــا خــال تلــك الفــرة‬
‫مــع بعــض األصدقــاء‪ ،‬يقــي وقتــه خــارج البيــت يف التس ـكُّع يف الشــوارع‪ ،‬وإذا اجتمــع منهــم‬
‫البعــض تحــدث منهــم بعــض املشــاغبات‪.‬‬
‫‪ -5‬يتميــز املراهــق بالتأمــل والتفكــر يف املشــكالت اإلنســانية‪ ،‬واملشــكالت العامــة التــي تتصــل‬
‫بالبرشيــة عمو ًمــا‪ ،‬وكذلــك املشــكالت األخالقيــة‪ ،‬ويضــع مــن نفســه الحلــول التــي يتوصــل إليهــا‬
‫بعــد التأمــل والتحليــل‪ ،‬كــا أنــه أصبــح يــدرك الفــرق بــن املمكــن والواقــع‪ .‬وال يتقبــل املراهــق‬
‫املفاهيــم الخلقيــة دون مناقشــة‪ ،‬وهــو مســتعد ملناقشــة كل يشء‪ ،‬ويكتشــف املراهــق يف خــال‬
‫املرحلــة التناقضــات بــن مــا يجــب أن يكــون‪ ،‬وبــن مــا عليــه الواقــع‪ ،‬ويهتــم بالتناقــض بــن أقــوال‬
‫الوالديــن وبــن أفعالهــا‪ ،‬وكذلــك املعلمــن‪ ،‬وعــادة ال يرحــب الوالــدان بانتقاداتــه ويضيقــان‬
‫مبناقشــته‪ ،‬وذلــك يزيــد مــن عنــاده‪ .‬ومييــل املراهــق إىل التفكــر املجــرد يف مســائل الديــن‪،‬‬
‫والسياســة‪ ،‬والحريــة‪ ،‬وطبيعــة الصداقــة والعالقــات اإلنســانية‪ .‬وواجــب الوالديــن واملعلمــن‪ ،‬أن‬
‫تتّســع صدورهــم ملناقشــات املراهــق وال يضيقــون بهــا مهــا كانــت غريبــة‪ ،‬وال يســفهون آراءه‬
‫ومفاهيمــه‪ ،‬حتــى ال يــزداد عنــا ًدا‪ ،‬وعــادة الصــر عــى مناقشــته ينتهــي بإقناعــه‪.‬‬
‫‪ -6‬يأخــذ املراهــق موقفًــا مــن األرسة‪ ،‬واألصدقــاء‪ ،‬واملجتمــع عمو ًمــا‪ ،‬يتَّســم بالعنــاد والرفــض‬
‫ر عــى رفــض رغبــات اآلخريــن ومخالفتهــم‪ ،‬بــل ويعمــل عــى إفســاد رسور اآلخريــن ويعمل‬ ‫ويـ ّ‬
‫عــى تعكــر مزاجهــم‪ ،‬ورغــم ذلــك يــزداد حزنًــا وهـ ًّـا‪ ،‬ويصاحبــه الهــم والحــزن طــوال املرحلــة‪.‬‬
‫وتشــتد غريتــه مــن إخوتــه يف البيــت‪ ،‬ويالحقهــم باالنتقــادات‪ ،‬والتشــاجر معهــم دون أســباب‬
‫مقنعــة‪ ،‬ملجــرد العنــاد‪ ،‬ويكــر مــن جــدال الوالديــن وغريهــا بقصــد إثــارة املتاعــب‪ ،‬ويســبب‬
‫ذلــك املعــارك مــع الرفقــاء خــارج البيــت‪.‬‬
‫‪ -7‬يظهــر عــى املراهــق الــا مبــاالة والرفــض لألنشــطة التــي كان يســتمتع بهــا مــن ِق َبــل مــا‬
‫أقرانــه‪ ،‬ويصــاب بامللــل الدائــم‪ ،‬ويعتــر تلــك األنشــطة صبيانيــة تصلــح للصغــار وليــس ملثلــه‪.‬‬
‫ونتيج ـ ًة لهــذا امللــل ينتقــل مــن نشــاط إىل آخــر‪ ،‬وال يشــعر بالرضــا عــن يشء منهــا‪ ،‬ويصاحبــه‬
‫لذلــك مشــاعر القلــق والتوتــر‪ ،‬أمــا الولــد فينــزع إىل العنــف البــدين‪.‬‬

‫‪413‬‬
‫‪ -8‬يحــرص املراهــق ج ـ ًّدا عــى أن يســتقل يف كل شــؤونه‪ ،‬ويرغــب يف ذلــك بح ـ ّدة ابتــداء مــن‬
‫ســن الثالثــة عــرة‪ ،‬وهــذا يحــدو بــه إىل ال ـراع مــع الوالديــن‪ ،‬وخاصــة األم التصالهــا الشــديد‬
‫بــه داخــل البيــت منــذ طفولتــه‪ ،‬وحيــث كان الوالــدان يشــكالن ســلوكه الخلقــي مــن خــال‬
‫أســاليب الثــواب والعقــاب‪ ،‬أمــا املراهــق فقــد أصبــح يعتــر هــذه األمــور مســؤولية شــخصية‬
‫ال يقبــل تدخــل أحــد فيهــا‪ ،‬وال يقبــل أن يعامــل معاملــة األطفــال‪ ،‬ويتفاقــم األمــر مــع األم إذا‬
‫كنــت متشـ ِّددة‪ ،‬وغــر متفهمــة للتغـرات التــي تحــدث للمراهــق‪ ،‬ويعتــر املراهــق الخــروج عــى‬
‫ســلطة الوالديــن دليـ ًـا عــى رجولتــه‪ ،‬فهــو لذلــك يقــاوم كل ســلطة للوالديــن‪ ،‬أو املعلمــن‪ ،‬أو أي‬
‫نظــام ال يوافــق عليــه‪ ،‬وكلــا فشــل يف مقاومــة يشء مــن ذلــك ازداد عنــا ًدا ورصا ًعــا‪ ،‬فــإذا عومــل‬
‫بشـ ّدة انســحب مــن املوقــف‪ ،‬دون أن يرتاجــع عــن عنــاده‪ ،‬وتصــدر عنــه لذلــك أفعــال مزعجــة‬
‫لآلخريــن إذا مل يتغلــب عــى املوقــف‪.‬‬
‫‪ -9‬يكــون املراهــق شــديد الحساســية نحــو اآلخريــن‪ ،‬ويفــر معظــم مــا يصــدر عنهــم عــى‬
‫أنــه مو ّجــه إليــه وبقصــد اإلســاءة لــه‪ ،‬وأشــد هــذه الحساســية تكــون مــع أفـراد أرستــه وخاصــة‬
‫األخــوات واألخــوة‪ ،‬وإذا قــام أحــد بالتعليــق عــى موقفــه تــزداد حساســيته‪ ،‬ويشــعر أن هــذا‬
‫النقــد لــه‪ ،‬ســببه أنهــم يكرهونــه ومل يعــد أحــد يحبــه مثلــا كان يحبــه مــن قبــل‪ ،‬ويعتــر الجميــع‬
‫ضـ ّده‪ ،‬وتــزداد مخاوفــه املتو ّهمــة‪ ،‬ويشــعر بالقلــق فيــا يتعلــق بكفاءتــه االجتامعيــة‪ ،‬فيتحــول‬
‫إىل حالــة كآبــة‪ ،‬ويفقــد تذوقــه للفاكهــة التــي كان يحبهــا يف املرحلــة الســابقة‪.‬‬
‫‪ -10‬لــكل مــا ســبق يســود لــدى املراهــق الشــعور بنقصــان كفاءتــه الشــخصية‪ ،‬وعــدم قدرتــه‬
‫عــى التوافــق االجتامعــي‪ ،‬فتقــل ثقتــه بنفســه‪ ،‬ويختفــي الزهــو الســابق عنــده‪ ،‬فيحــاول أن‬
‫يخفــي شــعوره بالنقــص يف أمنــاط العنــاد والرفــض لألعــال واملهــام‪ ،‬والدافــع وراء هــذا الرفــض يف‬
‫الحقيقــة هــو خــوف املراهــق مــن اإلخفــاق يف هــذه املهــام‪ .‬ثــم يغطــي هــذا اإلحســاس بالتفاخــر‬
‫والتباهــي بقدراتــه الخارقــة لبعــض األعــال‪ ،‬فــإذا مــا طلــب منــه القيــام بهــا انســحب مبــرر غــر‬
‫مقبــول‪ ،‬وقــد يتحـ ّرج البعــض أمــام األقـران فيضطــر الرتــكاب بعــض األعــال ال ّدالــة عــى كفاءتــه‬
‫الخارقــة وقدراتــه العظيمــة مــا يجعلــه يرتكــب أعــالً مج ّرمــة قانونًــا‪.‬‬
‫‪ -‬املراهقــون يعتــرون االســتذكار والتفـ ّوق الــدرايس مــن األمــور املعيبــة لــدى الشــخص‪ ،‬والبعــض‬

‫‪414‬‬
‫يخفــي قيامــه بهــا حتــى ال يتنـ ّدر بــه القرنــاء ويطلقــون عليــه لقــب –مــوس‪ -‬وهــو رمــز للمج ِّد يف‬
‫الدراســة‪ ،‬وقــد يــرك بعــض املراهقــن الدراســة حتــى ال يتف ّوقــوا فتعيــب عليهــم جامعتهــم ذلــك‪،‬‬
‫واملراهقــون يعتــرون عــدم االهتــام بالدراســة نو ًعــا مــن البطولــة ألنــه –ال يه ُّمــه يشء‪ -‬وكذلــك‬
‫يحــرص املراهــق أال يظهــر مبظهــر الطيــب املــؤدب أمــام القرنــاء حتــى ال يعتــر عندهــم طفـ ًـا‬
‫مؤدبًــا‪ ،‬بــل يــأيت ببعــض األفعــال املشــينة ليثبــت لهــم أنــه –ولــد مخربــش‪ -‬عــى حــد تعبرياتهــم‪،‬‬
‫وذلــك دليــل التفـ ّوق والقبــول لديهــم‪ ،‬ويشــار بالبطولــة بينهــم ملــن يســتطيع أن يخالــف رغبــات‬
‫األهــل فيبقــى خــارج البيــت ألطــول وقــت متأخــر مــن الليــل‪ ،‬وهــذا األمــر يســبب التوتــر والقلــق‬
‫للمراهــق الــذي يحــب إرضــاء الوالديــن بالعــودة إىل البيــت مبكـ ًرا‪ ،‬وجامعــة األقـران التــي ينتقيها‬
‫املراهــق يكــون لهــا أشــد األثــر يف ســلوكياته وقيمــه‪ ،‬بــل تفــوق تأث ـرات البيــت‪ ،‬وال يحــدث‬
‫عكــس ذلــك إال يف الحالــة التــي تكــون األرسة متفهمــة لحالــة املراهــق ومتوافقــة معــه ولديهــا‬
‫القــدرة عــى مســايرته‪ ،‬وإال حــرص املراهــق عــى قضــاء الوقــت األكــر مــع قرنائــه خــارج البيــت‪.‬‬
‫‪ -11‬أفضــل األوقــات التــي مت ـ ّر باملراهــق‪ ،‬هــي التــي يقضيهــا يف –أحــام اليقظــة‪ -‬والتــي عــادة‬
‫مــا تــدور موضوعاتهــا عــن –بطــل‪ -‬مظلــوم‪ ،‬مغبــون الحــق‪ ،‬يقــف الجميــع ضـ ّده‪ ،‬وبالطبــع هــو‬
‫ذاتــه البطــل‪ ،‬وذلــك ملــا يتخيلــه مــن ســوء الفهــم لــه‪ ،‬وســوء املعاملــة معــه مــن جميــع َمــن‬
‫حولــه‪ .‬وتكــون هــذه األحــام هــي املتن َّفــس لهمومــه‪ ،‬حيــث ينتــر البطــل دامئًــا يف النهايــة‪،‬‬
‫وهــذه األحــام تزيــده ابتعــا ًدا عــن الواقــع فيــزداد تكيُّفــه االجتامعــي ســو ًءا‪ .‬وقــد ينشــأ عــن‬
‫هــذه الفــرة‪ ،‬وعــدم التك ّيــف‪ ،‬أن ينتهــي املراهــق إىل االتصــاف باالنســحابية‪ ،‬أو العدوانيــة‪ ،‬أو‬
‫االنحـراف‪ ،‬وهــذا يحــدث للعــدد القليــل النــادر‪ ،‬إذ إن الغالبيــة تتوافــق يف نهايــة املرحلــة‪ ،‬وخاصة‬
‫إذا تفهــم الوالــدان أحــوال هــذه املرحلــة‪.‬‬
‫‪ -12‬مــن املألــوف خــال املرحلــة أن يظهــر العــداء للجنــس اآلخــر‪ ،‬وترفــض اإلنــاث الذكــور‬
‫بشــدة‪ ،‬ويظهــر ذلــك بالنقــد لهــم دامئًــا‪ ،‬وبالتعليقــات الالذعــة‪ ،‬وإظهــار هــذا العــداء هــو ســمة‬
‫املرحلــة بــن الذكــور واإلنــاث‪ ،‬وعــى الرغــم مــن هــذا الـراع بــن الجنســن‪ ،‬إال أن امليــل نحــو‬
‫الجنــس اآلخــر ينمــو‪ ،‬ويــزداد االهتــام مبحاولــة اختيــار شــخصية مناســبة مــن الجنــس اآلخــر‬
‫تحظــى باالهتــام البالــغ مــن املراهــق‪ ،‬حيــث يقــي الوقــت يف تنميــق الكلــات التــي تقــال لــه‪،‬‬

‫‪415‬‬
‫أو بالتفكــر فيــه‪ ،‬أو كتابــة أدبيــات وأشــعار عنــه‪ ،‬كــا يحــرص عــى االهتــام مبظهــره مــن أجــل‬
‫الجنــس اآلخــر‪ ،‬وتــزداد رغبتــه وحبــه لتملــك املالبــس واألدوات‪ ،‬ولذلــك تحتــل النقــود يف هــذه‬
‫املرحلــة املكانــة الهامــة عنــد املراهــق‪ ،‬ويكــر الحديــث عنهــا وعــن القــدر الواجــب توفــره لــه‬
‫لينفقــه بحريــة‪ ،‬ويحــاول لذلــك كســب بعــض النقــود ملواجهــة حبــه للنفقــات وتقديــم الهدايــا‪،‬‬
‫ويكــون ذلــك أقــوى عنــد الذكــور منــه عنــد اإلنــاث‪.‬‬
‫‪ -13‬مييــل املراهــق إىل املحــاكاة للكبــار يف أفعالهــم‪ ،‬ويحــاول تق ّمــص شــخصية مشــهورة تكــون‬
‫محبوبــة لــه‪ ،‬أو مرموقــة يف املجتمــع‪ ،‬وقــد يرتتــب عــى هــذه املحــاكاة للكبــار اكتســاب عــادات‬
‫ضــارة‪ ،‬وأشــهر ذلــك محــاكاة املدخنــن‪ ،‬حيــث يظــن أن ذلــك دليــل عــى الرجولــة‪.‬‬
‫‪ -14‬مييــل املراهــق إىل التقاليــع الغريبــة‪ ،‬بســبب رغبتــه يف الخــروج عــى العــادات والتقاليــد‬
‫املألوفــة‪ ،‬فريتــدي األزيــاء بطريقــة غــر مألوفــة‪ ،‬أو ألنــواع منهــا غــر معتــادة‪ ،‬كــا يقــوم بتصفيف‬
‫شــعره بطريقــة مخالفــة للمعتــاد‪.‬‬
‫‪ -15‬رفــض املراهــق للواقــع‪ ،‬يجعلــه يضــع لنفســه‪ ،‬ولآلخريــن‪ ،‬معايــر أخالقيــة عاليــة وســامية‪،‬‬
‫يصعــب عليــه هــو أن يصــل إليهــا‪ ،‬إال أنــه يصبــح متشـ ِّوقًا إىل الوصــول للكــال واملثــل العليــا‪ ،‬وقد‬
‫يجعلــه ذلــك أخـ ًرا أكــر تق ُّبـ ًـا للــوم عــن ذي قبــل‪ ،‬لشــعوره بالذنــب حــن يعجــز عــن تحقيــق‬
‫تلــك املعايــر‪ .‬كــا يزيــد طمــوح املراهــق آخــر األمــر إىل مســتقبله الشــخيص‪ ،‬ومســتقبله الــدرايس‬
‫والوظيفــي‪ ،‬فيجــد وينشــط يف الدراســة‪ ،‬خاصــة إذا أحــب معلميــه‪ ،‬أو تف ـ ّوق يف بعــض املــواد‬
‫ـال للعبــه‪ ،‬ومييــل املراهــق‬‫الدراســية‪ ،‬حيــث يجــد يف ذلــك الرتويــح‪ ،‬كــا يجــد يف املدرســة مجـ ً‬
‫بإخــاص نحــو مــن يشــعر أنهــم يف حاجــة إىل الرعايــة‪ ،‬وهــذا مــا يدفعــه إىل املشــاركة يف األنشــطة‬
‫االجتامعيــة باملدرســة‪ ،‬أو بالبيئــة‪ ،‬وتظهــر لديــه رغبــة يف إصــاح األرسة واألصدقــاء‪ ،‬حيــث تبــدأ‬
‫أزمــة املرحلــة يف االنف ـراج تدريج ًّيــا‪ ،‬فيعــود املراهــق لحالتــه الطبيعيــة بعــد النضــج االنفعــايل‬
‫والســلويك والعقــي يف نهايــة املرحلــة‪ .‬وتتميــز مرحلــة املراهقــة عمو ًمــا بأنهــا فــرة يقظــة دينيــة‪.‬‬
‫إال أنــه يجــب عــى الوالديــن واملعلمــن أن يجيبــوا عــى كل أســئلة املراهــق‪ ،‬وال ينزعجــوا مــن‬
‫مناقشــته املســائل الدينيــة‪ ،‬ووضعهــا موضــع الفحــص والنقــد‪ ،‬فإنــه رسعــان مــا يتقبــل مــن الذيــن‬
‫يحرتمــون مناقشــته‪ ،‬أمــا مــن يسـفِّه مناقشــته‪ ،‬أو يتهمــه يف معتقداتــه‪ ،‬فــإن املراهــق يقابــل ذلــك‬

‫‪416‬‬
‫بالعنــاد والرفــض‪ ،‬وقــد يخفــي يف نفســه إنــكار تلــك املعتقــدات ويعتقــد عــدم جدواهــا‪ ،‬وينهــج‬
‫فيهــا منهــج الشــك‪ ،‬بــل الواجــب إطالعــه عــى املثــل العليــا يف العقيــدة والترشيعــات الدينيــة‪،‬‬
‫حيــث تتالقــى مــع رغبتــه يف تحقيــق املعايــر الســامية لألخــاق والقيــم واملبــادئ التــي يتعشــقها‬
‫يف تلــك املرحلــة‪ .‬والتديــن هــام ورضوري‪ ،‬ألنــه الســبيل إىل التوافــق الشــخيص واالجتامعــي‪ ،‬إذ‬
‫يتحقــق بــه الشــعور بالســعادة واألمــن‪ ،‬ويعطيــه القيــم املطلقــة املعتمــدة‪ ،‬حيــث ال يحــدث عنــد‬
‫املراهــق اضط ـراب يف العالقــات االجتامعيــة‪ ،‬كــا أن الديــن يفــر لــه الغوامــض واملعضــات‪،‬‬
‫ويحــل لــه كثـ ًرا مــن املشــاكل التــي ال يجــد لهــا حـ ًّـا بعيـ ًدا عــن التديــن‪.‬‬
‫***‬
‫السلوك الصحيح مع املراهق‬
‫* كان املراهــق يف مرحلــة الطفولــة الســابقة‪ ،‬يف حاجــة إىل األمــن وإشــباع الحاجــات عــن طريــق‬
‫اآلخريــن‪ ،‬وهــو يف مرحلــة املراهقــة يرغــب يف تحقيــق كل يشء بنفســه‪ ،‬حتــى االنتــاء والحــب‪،‬‬
‫والفهــم واملعرفــة‪ .‬إنــه يريــد أن يحقــق شــخصيته وتف ـ ُّرده‪ ،‬إال أن ذلــك كلــه مــن وجهــة نظــره‬
‫هــو‪ ،‬حيــث يفكــر مــن خــال انفعــال وجــداين فــا يــرى املوضــوع مــن حيــث الواقــع‪ ،‬ويظــن أن‬
‫اآلخريــن هــم الــذي ال يفهمونــه‪ ،‬شــأنه يف ذلــك شــأن املريــض مبـرارة الفــم عندمــا يتــذ ّوق املــاء‬
‫فيجــده ُمـ ًّرا ويخــر بذلــك‪ ،‬فــإذا رشب مــن املــاء غــر املريــض ال يجــد لــه املـرارة التــي يخــر عنهــا‬
‫املريــض وهــو غــر كاذب فيــا أخــر عنــه‪ ،‬والواجــب أن نقنــع املريــض بــأن امل ـرارة ليســت يف‬
‫املــاء‪ ،‬ولكنهــا يف جهــاز تذ ُّوقــه هــو ملرضــه العــارض‪ ،‬وأن واقــع املــاء غــر مـ ٍّر كــا يتذ َّوقــه هــو‪،‬‬
‫والدليــل عــى ذلــك أن كل غــر مريــض ال يجــد لهــذا املــاء م ـرارة‪ ،‬وأنــه ليــس مــن املعقــول أن‬
‫يصــدق املريــض ويكــذب كل األص َّحــاء‪ .‬بهــذا املنطــق يجــب أن يتفاهــم الوالــدان مــع املراهــق‬
‫يف كل األمــور‪ ،‬ودون انفعــال معــه‪ ،‬مهــا تكــرر اعرتاضــه‪ ،‬أو انفعالــه‪ ،‬ألننــا إذا انفعلنــا واشــتد‬
‫انفعالنــا عنــد أي مناقشــة‪ ،‬فغال ًبــا مــا نــرى األمــور مــن خــال انفعاالتنــا‪ ،‬فنشــبه يف ذلــك املراهــق‪.‬‬
‫‪ -1‬يحســن أن نــرك للمراهــق‪ ،‬بعــد املناقشــة‪ ،‬أن يأخــذ هــو الق ـرار يف املوضــوع والــذي يكــون‬
‫مقتن ًعــا بــه‪ ،‬أو يرغــب يف اتخــاذه‪ ،‬حتــى ولــو كان مــا اتخــذه املراهــق غــر مــا نرغــب فيــه‪ ،‬ألن‬
‫ذلــك أقــل رض ًرا مــن فــرض القـرار عليــه‪.‬‬
‫‪417‬‬
‫‪ -2‬نتيــح ملشــاعره التَّح ـ ُّرر –أي التنفيــس‪ -‬حتــى يتخلــص مــن التوتــر واالنفعــال‪ ،‬وحتــى يــدرك‬
‫الحلــول معنــا بــدون تح ّيــز انفعــايل‪ ،‬فيصبــح أقــدر عــى فهــم املشــكلة ومــا يناســبه مــن حلــول‪،‬‬
‫ومــن مظاهــر االنفعــاالت التــي يجــب التســامح معــه فيهــا‪ :‬كــرة الصيــاح‪ ،‬وبعــض األعــال‬
‫العنيفــة مثــل غلــق البــاب بعنــف‪ ،‬أو التل ُّفــظ بألفــاظ غــر مألوفــة منــه‪.‬‬
‫‪ -3‬يجــب تقديــر مشــاعر املراهــق‪ ،‬وتوفــر مظاهــر االعــراف بشــخصيته‪ ،‬مبدحــه عــى اآلراء‬
‫الصائبــة‪ ،‬وتحســن بعــض ســلوكياته‪ ،‬واإلصغــاء إليــه باهتــام عندمــا يتحــدث‪ ،‬ومناقشــة مــا‬
‫يعرضــه مــن آراء مهــا كانــت تافهــة‪ ،‬أو غريبــة‪ ،‬وذلــك يشــجعه عــى احـرام مشــاعر اآلخريــن‪.‬‬
‫‪ -4‬االنتبــاه إىل النزعــات العدوانيــة عنــد املراهــق‪ ،‬أو غــر املرغــوب فيهــا‪ ،‬فنطرحهــا للمناقشــة‬
‫معــه‪ ،‬حتــى نتوصــل إىل عالجهــا قبــل وقوعهــا‪ ،‬أو إقناعــه بالعــدول عنهــا‪ ،‬أو يكتفــي مبجــرد‬
‫مناقشــتها ويفضــل أن يكــون ذلــك بطريقــة غــر مبــارشة يف أثنــاء املناقشــة‪ ،‬وبــدون إبــداء النقــد‬
‫لهــذه النزعــات‪.‬‬
‫‪ -5‬نتيــح للمراهــق بعــض املصــادر‪ ،‬للوقــوف عــى خطــر بعــض العــادات والســلوكيات الجانحــة‬
‫التــي تحــدث أثنــاء مرحلــة املراهقــة مثــل‪ :‬التدخــن‪ ،‬والــرب‪ ،‬وجنــوح األحــداث‪ ،‬وميكــن أن‬
‫نطلــب مــن املراهــق قـراءة كتــاب‪ ،‬أو بحــث يتنــاول أيًّــا مــن هــذه املوضوعــات‪ ،‬ونســتمع إليــه‬
‫وهــو يعــرض علينــا مــا قــرأه يف الكتــاب ونناقشــه‪ ،‬فيحــاول هــو إقناعنــا بوجهــة النظــر الصحيحــة‬
‫مــن خــال الكتــاب‪ .‬وبالتــايل يتأكــد عنــده االقتنــاع مبــا يعتــره وجهــة نظــره هــو التــي دافــع‬
‫عنهــا‪ .‬كــا ميكــن مناقشــة صديــق للمراهــق أمامــه وبحضــوره وهــو يســتمع‪ ،‬فنقــدم للمراهــق‬
‫بطريــق غــر مبــارش مــا نــو ّد تقدميــه إليــه‪ ،‬بــا خجــل‪ ،‬إذا كان املوضــوع يحتمــل الخجــل منــه مــع‬
‫االبــن‪ ،‬وخاصــة البنــت املراهقــة‪ ،‬مــن بــاب –واســمعي يــا جــارة‪ -‬ويفضــل أن نجــاري ونســاير َمـ ْن‬
‫نناقشــه يف البدايــة‪ ،‬وننتهــي بعــرض مــا نـراه مــن وجهــة نظرنــا صحي ًحــا‪ ،‬دون أن نفرضــه عليــه‪.‬‬
‫‪ -6‬يجــب أن يقــي الوالــدان مــع املراهــق وقتًــا يوم ًّيــا‪ ،‬بالقــدر الــذي يشــعره بالــدفء العاطفــي‪،‬‬
‫والتواصــل‪ ،‬واالهتــام بــه‪ ،‬وحتــى يــدرك املراهــق أنــه يقـ َّدر ويُحــرم ممــن حولــه‪ ،‬واملطلــوب أن‬
‫يكــون قضــاء هــذا الوقــت معــه بتلقائيــة وعاطفــة‪ ،‬بحيــث يشــعر املراهــق بالص َّداقــة الوالديــة‬
‫لــه‪ ،‬وهــذا يف الحقيقــة يســاعد الوالديــن عــى اكتشــاف املشــاعر واألفــكار عنــد املراهــق‪ ،‬فيم ّكــن‬
‫مــن تداركهــا بطــرق غــر مبــارشة‪ ،‬وبحســن التوجيــه‪.‬‬
‫‪418‬‬
‫‪ -7‬يفضــل الســر مــع املراهــق خــارج البيــت للنزهــة والتفــرج‪ ،‬أو ل ـراء بعــض االحتياجــات‪،‬‬
‫وخاصــة احتياجــات املراهــق‪ ،‬وهــذا يزيــد مــن تأكيــد الثقــة يف الوالديــن والثقــة يف نفــس املراهق‪،‬‬
‫كــا أن ذلــك ميــأ غــروره‪ ،‬فيحــرص عليــه‪.‬‬
‫‪ -8‬يجــب شــغل ف ـراغ املراهــق بأنشــطة يحبهــا‪ ،‬الســتنفاد الطاقــات االنفعاليــة الزائــدة عنــده‪،‬‬
‫مثــل توفــر مجــاالت لبعــض األعــال االســتثامرية‪ ،‬والتــي تــد ّر عائ ـ ًدا رسي ًعــا للمراهــق‪ ،‬حيــث‬
‫يرغــب يف املــال وإنفاقــه يف هــذه املرحلــة‪ ،‬وحتــى يتخلــص مــن الســآمة والرتابــة وامللــل الــذي‬
‫يــازم املرحلــة‪.‬‬
‫‪ -9‬يفضــل تحديــد –دور‪ -‬للمراهــق يف البيــت‪ ،‬مثــل أن يضــع ميزانيــة مصاريــف البيــت الشــهرية‪،‬‬
‫ووضــع قوائــم املشــريات‪ ،‬وهــذا بجانــب إشــعاره أنــه هــو الــذي ينفــق املــال‪ ،‬وهو يحــب اإلنفاق‬
‫يف هــذه املرحلــة‪ ،‬فــإن ذلــك ميــأ الفـراغ يف حياتــه‪ ،‬ويحقــق لــه ذاتيتــه‪ ،‬وأنــه مل يعــد يُنظــر إليــه‬
‫باعتبــاره طفـ ًـا‪ ،‬ويشــعر أنــه رشيــك يف البيــت وليــس غري ًبــا مضطهـ ًدا‪ ،‬ويقــف عــى محدوديــة‬
‫دخــل األرسة‪ ،‬فــا يتغــاىل يف طلباتــه الشــخصية‪.‬‬
‫‪ -1‬يُطلــب مــن املراهــق أن يتــوىل توجيــه ومتابعــة أحــد أخوتــه الصغــار‪ ،‬ومســاعدته يف أداء‬
‫واجباتــه املدرســية‪ ،‬ومعاملتــه باعتبــاره األخ األصغــر لــه‪ ،‬والرفــق بــه‪ ،‬حتــى يشــغل بذلــك بعــض‬
‫وقتــه‪ ،‬وحتــى تســتنفد منــه الغــرة ألخوتــه‪ ،‬وحتــى يتفطَّــن إىل مــا يعانيــه الوالــدان مــن الصــر‬
‫يف توجيــه األوالد فيعذرهــم‪ ،‬وال يخفــى أن ذلــك كلــه يحــدث تحــت متابعــة ورقابــة غــر مبــارشة‬
‫للمراهــق‪ ،‬وللصغــر م ًعــا‪ ،‬حتــى ميكــن معالجــة املواقــف‪.‬‬
‫‪ -11‬يجــب إظهــار مشــاعر العطــف والحــب للمراهــق‪ ،‬فيجــب عــى الوالديــن البشاشــة لــه عنــد‬
‫رؤيتــه‪ ،‬وســؤالهام عــن أحوالــه‪ ،‬وإخبــاره بحبهــا لــه‪ ،‬وثقتهــا فيــه‪ ،‬وال مانــع مــن إيثــاره ببعــض‬
‫األشــياء مــن األطعمــة‪ ،‬أو املالبــس‪ ،‬أو األدوات‪ ،‬مــع تطييــب خواطــر اآلخريــن مــن األوالد‪ ،‬وأن‬
‫نظهــر العطــف عليــه عنــد مرضــه‪ ،‬ونســأل عنــه إذا غــاب قليـ ًـا عنــا‪ ،‬ونقــول لــه –وحشــتني‪-‬‬
‫ونظهــر لــه الوقــوف بجانبــه يف املواقــف الصعبــة عليــه‪ ،‬ونقلــق عليــه إذا تغيــب عــن البيــت‪،‬‬
‫ونهتــم بــه يف وجــوده بالبيــت‪ ،‬ونظهــر لــه االستحســان مبقرتحاتــه‪ ،‬ونشــكره عــى مــا يقدمــه‬
‫مــن أعــال أو آراء‪ ،‬ونشــاركه يف مزاحــه وبعــض ألعابــه‪ ،‬وعــى العمــوم‪ ،‬ال يُـ ْـرك املراهــق ينفــرد‬

‫‪419‬‬
‫بنفســه كثـ ًرا‪ ،‬فنؤنــس وحشــته‪ ،‬ونقــي لــه حاجتــه‪ ،‬ونغمــره بالعطــف والشــفقة‪ ،‬ونؤكــد ثقتــه‬
‫بنفســه‪ ،‬وتجمــع الوســائل كلهــا لتــؤدي ثالثــة أمــور هامــة‪ :‬االهتــام‪ ،‬والحنــان‪ ،‬والثقــة‪ ،‬ثــم اللــه‬
‫خــر حافــظ‪ ،‬وهــو املســتعان‪ ،‬وال حــول وال قــوة إال باللــه‪.‬‬
‫‪ -‬روى الطـراين يف األوســط بســنده عــن رســول اللــه صــى الله عليه وســلم قال‪« :‬الولد سـ ِّيد ســبع‬
‫وإل فارضب‬ ‫ســنني‪ ،‬وعبــد ســبع ســنني‪ ،‬ووزير ســبع ســنني‪ ،‬فإن رضيــت مكاتفته إلحــدى وعرشيــن‪َّ ،‬‬
‫عــى جنبــه‪ ،‬فقــد اعتــذرت إىل اللــه عــز وجــل»‪ ،‬فالحديــث حــول املراحــل الثــاث التــي ميــر بهــا‬
‫الولــد‪ ،‬مرحلــة الطفولــة‪ ،‬ومرحلــة املدرســة‪ ،‬ومرحلــة املراهقــة‪ ،‬ثــم االســتقالل التــام عــن الوالدين‪،‬‬
‫ففــي املرحلــة األوىل يعتــر الطفــل ســي ًدا حيث يعمــل الوالدان عــى خدمته وقضــاء مطالبه‪ ،‬ثم يف‬
‫املرحلــة الثانيــة يكلــف الولــد بالواجبــات واملهــام‪ ،‬وعليه الطاعة يف ذلــك‪ ،‬أما املرحلــة الثانية‪ ،‬وهي‬
‫مرحلــة املراهقــة‪ ،‬فيطلــب مــن الوالديــن اعتبــاره وزيـ ًرا يتحمــل املســؤوليات ويشــاور يف األمــور‪،‬‬
‫وال يعامــل باألمــر والنهــي مثــل املرحلــة الســابقة‪ ،‬ولكنــه يســتقل بالــرأي واملشــورة واملســؤولية‪،‬‬
‫ثــم األمــر يــرك لــكال الطرفــن‪ ،‬إن شــاءا املكاتفــة واملنــارصة‪ ،‬وإن شــاءا املفارقــة واالســتقالل‬
‫الكامــل‪ .‬ويف هــذا إلفــات إىل مــا يجــب أن نتعامــل بــه مــع املراهــق‪ ،‬والحمــد للــه رب العاملــن‪.‬‬
‫***‬

‫‪420‬‬
‫ميثاق الوالدين مع األوالد‬

‫‪ -1‬األوالد هبة الله‪ ،‬وبهجة الحياة‪ ،‬وفخر الناس‪ ،‬وأمانة الخالق عند الخلق‪.‬‬
‫‪ -2‬األوالد مثــرة جســد الزوجــن‪ ،‬وجــاع خصائــص نفســن‪ ،‬وامتــداد عمــر الوالديــن‪ ،‬و ُملْتقــى‬
‫آمــال برشيــن‪ ،‬وبهــم عم ـران الحياتــن‪.‬‬
‫‪ -3‬األوالد مبخلــة‪ ،‬مجبنــة‪ ،‬محزنــة للوالديــن‪ ،‬واألوالد هــم بهجــة البيــوت ومصــدر حرارتهــا‪،‬‬
‫تنبعــث حيــاة البيــت مبرحهــا وأصواتهــا‪ ،‬وتتل ـ َّون الحيــاة مبراحــل أعامرهــا ومطالبهــا‪ ،‬وتنشــغل‬
‫القلــوب والعقــول باهتامماتهــا‪ ،‬وتقتــر آمــال الوالديــن فتتو َّحــد يف تحقيــق آمالهــا‪.‬‬
‫‪ -4‬صــام أمــنٍ وبقــا ٍء للبيــوت عنــد النــزاع خوفًــا عليهــم‪ ،‬ومفتــاح الوفــاق واالفــراق عنــد‬
‫االختــاف مــن أجلهــم‪ ،‬ومصــدر الســعادة أو الشــقاوة لنبوغهــم أو فشــلهم‪.‬‬
‫‪ -5‬األوالد كالهــواء واملــاء لصحــة حــال ووجــدان الوالديــن‪ ،‬إذا مرضــوا شــعر الوالــدان بــاألمل‪ ،‬وإذا‬
‫حزنــوا و َجـ َم الوالــدان بحزنهــم‪ ،‬وإذا ابتســموا عــا اإلرشاق وجوههــم‪ ،‬وإذا وفقــوا ورضــوا ارتــاح‬
‫الوالــدان وانرشحــت صدورهــم‪.‬‬
‫مظاهر التوفيق يف معاملة األوالد‬
‫‪ -1‬إظهار الشفقة واملحبة والرحمة والعطف الدائم معهم‪.‬‬
‫‪ -2‬االبتسام والفرح عند رؤيتهم أو الحديث معهم‪ ،‬وإظهار االمتنان بأنهم أوالده‪.‬‬
‫‪ -3‬إدامة عالقة الصحبة واملودة‪ ،‬وتأكيد الثقة فيهم وعندهم‪.‬‬
‫‪ -4‬تعويدهم من نفسه الصدق يف الحديث والوعد واملواعيد والوفاء بذلك لهم‪.‬‬
‫‪ -5‬ال يأيت معهم بخلق سيئ يحب أن يجتنبوه‪ ،‬مثل الكذب أو الجنب أو البخل‪..‬‬
‫‪ -6‬يحــرم ذواتهــم وشــخصياتهم وينميِّهــا عندهــم‪ ،‬عنــد املناقشــات‪ ،‬وعنــد االختيــارات‪ ،‬فــا يفرض‬
‫عليهــم رأيــه واختيــاره‪ ،‬وعليــه إرشــادهم والحصــول عــى احرتامهــم لرأيــه واختيــاره‪ ،‬ويأخــذ‬
‫آرائهــم يف بعــض أمــوره ليعتــادوا املشــاورة‪ ،‬ويصقلــوا باملحــاورة‪.‬‬
‫‪ -7‬عليــه أن يراعــي الفــروق الشــخصية عنــد األوالد‪ ،‬فــكل فــرد لــه خصائــص ومميـزات شــخصية‪،‬‬
‫وليــس الذكــر كاألنثــى‪ ،‬فيتعامــل مــع كل ولــد كأنــه كائــن مســتقل‪ ،‬بــل عليــه أن يالحــظ‬

‫‪421‬‬
‫مراحــل عمــر كل ولــد‪ ،‬فالصغــر يحــب اللعــب والحلــوى‪ ،‬ومــن يكــر يحــب االحـرام واالهتــام‬
‫واالختصــاص بالنجــوى‪ ،‬ومنهــم مــن يحتــاج للــال ومــن يحتــاج للعطــف‪ ،‬ومــن يحتــاج للثنــاء‬
‫واملــدح‪ ،‬أشــعر كل واحــد أنــك ال تهتــم إال بــه‪ ،‬وأنــك تعطيــه مــا يطلبــه‪ ،‬وأنــت يف الحقيقــة ال‬
‫تعطيــه إال مــا ينفعــه‪.‬‬
‫‪ -8‬احــرص عــى إكرامهــم بتحقيــق رغباتهــم يف حــدود اإلمكانيــات املاديــة‪ ،‬وإقناعهــم يف حالــة‬
‫عــدم اإلمكانيــة‪ ،‬مــع الحــرص عــى عــدم التَّدليــل وتنفيــذ كل مــا يطلبــون حتــى مــع املقــدرة عــى‬
‫ذلــك‪ ،‬تربيــة لهــم وضامنًــا ملســتقبل حياتهــم‪ ،‬وإال فســوف يعتــادون مــن كل َمــن يعــارشون بعــد‬
‫ذلــك االســتجابة لــكل رغباتهــم حســبانًا أن ذلــك حــق لهــم‪.‬‬
‫‪ -9‬يجــب اح ـرام خصوصياتهــم‪ ،‬ومــن مالبــس أو مكتــب أو حجــرة أو مســتلزمات شــخصية‪ ،‬أو‬
‫أوراق وأدراج وحقائــب‪ ،‬فــا تتعـ ّدى عــى يشء مــن ذلــك يف حرضتهــم أو يف غيبتهــم بزعــم أنهــم‬
‫أوالدك‪ ،‬أو أنهــم مــا زالــوا صغــا ًرا أو أنــك الــذي اشــريته لهــم‪ ،‬لقــد أصبــح ملـكًا لهــم وتخصهــم‬
‫وفيهــا أرسارهــم‪ ،‬فقــط اجتهــد أن يثقــوا فيــك ويطلعــوك عــى خصوصياتهــم وأرسارهــم إن شــئت‬
‫إرشــادهم وتوجيههــم‪.‬‬
‫‪ -10‬الرتغيــب والرتهيــب مــع األوالد للتوجيــه وللتعليــم وليــس للعقــاب‪ ،‬وأســاليب املعاقبــة‬
‫ران وال ينفعــان‪،‬‬ ‫واإلثابــة املعنويــة أدى وأهــم وأبلــغ أثــ ًرا يف الرتبيــة‪ ،‬والقســوة والتهــاون يــ َّ‬
‫والرفــق والتفاهــم والتعليــم أســلوب رشعــي وربــاين ومضمــون العواقــب‪.‬‬
‫‪ -11‬دع لــكل مــن األوالد الشــعور بامتــاك حياتــه الخاصــة‪ ،‬مــن الوقــت الــذي يخلــو مــن‬
‫متابعتــك‪ ،‬وجــزء مــن املــال يتح ـ ّرر مــن مســاءلتك‪ ،‬وكيفيــة مــن الهيئــة يف ملبســه أو مظهــره‬
‫بعي ـ ًدا عــن مناغصتــك‪ ،‬ورغبــة طفوليــة أو صبيانيــة أو شــبابية يحققهــا بعي ـ ًدا عــن معارضتــك‪،‬‬
‫وتغافــل أحيانًــا عــن بعــض الهفــوات ومطالــب‬
‫ْ‬ ‫اجتهــد يف اإلرشــاد بــا إمــال مــن وراء وراء‪،‬‬
‫الســامة‪ ،‬فاملناعــة ال تكتســب إال بحقــن الجراثيــم‪.‬‬
‫‪ -12‬اختيــار األصحــاب واألصدقــاء لــأوالد أمــر ممتنــع عــن التحقيــق‪ ،‬الصحبــة والصداقــة ت ُفــرض‬
‫بأقــدار يصعــب تفاديهــا‪ ،‬حــاول أن ترشــد وتوجــه‪ ،‬واعمــل عــى إيجــاد مواقــف فيهــا مــن أقـران‬
‫أوالدك مــا تحــب أن يكــون لهــم صاح ًبــا‪ ،‬عنــد الزيــارات واملناســبات والرحــات واختيــار أماكــن‬
‫الدراســات والرياضــات‪ ،‬حتــى تلتقــي اإلرادات بتلقائيــة مقصــودة منــك دون فــرض أو مجــرد‬
‫‪422‬‬
‫عــرض الصداقــات‪ .‬ويف كل الحــاالت عليــك أن تتعــ ّرف عــى أصدقائهــم‪ .‬وتدعوهــم إىل املنــزل‬
‫وتكرمهــم وتجالســهم حتــى تتم ّكــن مــن توجيــه أوالدك مــن خــال أصدقائهــم‪ ،‬ولــي يتســنى لــك‬
‫الوقــوف عــى ترصفاتهــم‪.‬‬
‫‪ -13‬أال مت ِّيــز ولـ ًدا عــن ولــد‪ ،‬وال تظهــر التفضيــل ملــن تحــب‪ ،‬وال تعاقــب أحـ ًدا وتــرك اآلخــر‪ ،‬وال‬
‫تعطــي مطلوبًــا لواحــد وتــدع غــره‪ ،‬وال تعتــد مصاحبــة ولــد دون اآلخريــن‪.‬‬
‫‪ -14‬ال تجعــل متابعتــك ألمورهــم يحرجهــم ويرهقهــم وتلطَّــف يف ذلــك ونـ ِّوع أســلوبك يف ذلــك‪،‬‬
‫وع ِّودهــم القيــام بأعاملهــم عــن طريــق اإلقنــاع والقــدوة‪ ،‬وال تقــم بأعاملهــم نيابــة عنهــم مثــل‬
‫حـ ِّـل واجباتهــم املدرســية‪ ،‬وال يكــن اتصالــك بــأوالدك عــن طريــق األوامــر والتعليــات‪ ،‬بــل عــن‬
‫طريــق التفاهــم والتعاطــف واالهتــام‪.‬‬
‫‪ -15‬رضورة اصطحابهــم خــارج البيــت يف رحــات من َّوعــة‪ ،‬ولــو لــراء االحتياجــات‪ ،‬فــاألوالد‬
‫يفخــرون بذلــك‪ ،‬ويتطلَّعــون لغريهــم مــع آبائهــم فيشــعرون بالحرمــان‪ ،‬وإذا خــرج معهــم يــدع‬
‫رف يف اختيــار مــا يشــاؤون مــن لعــب وغــره‪ ،‬فقــط عليــك التوجيــه‪ ،‬وح َّبــذا‬ ‫لهــم حريــة الت ـ ّ‬
‫ـر لهــم مــا يختــارون يف حــدود اإلمكانيــة‪ ،‬واصــر‬ ‫املشــاركة معهــم إن رغبــوا يف ذلــك‪ ،‬أكرمهــم واشـ َ ِ‬
‫عليهــم يف انطالقهــم ولعبهــم وال تتـ َّرم مــن ذلــك فتنقلــب الرحلــة إىل مضايقــات وحــزن‪ ،‬احــرص‬
‫أن تبلــغ الرحلــة غايتهــا بــا تنغيــص وخالفــات‪ ،‬تح ّمــل حتــى يعــود الجميــع شــاكرين للــه ثــم‬
‫لــك ولــأم‪.‬‬
‫خصــص بعــض الوقــت مهــا قـ َّـل للعــب مــع األوالد بكيفيــات مناســبة ألعامرهــم‪ ،‬احملهــم‬ ‫‪ّ -16‬‬
‫عــى ظهــرك واصغــر مــع الصغــار‪ ،‬وقبِّــل هــذا‪ ،‬وضـ َّم هــذا إىل صــدرك‪ ،‬وأربــت عــى كتــف هــذا‪،‬‬
‫وم ـ ِّرر يــدك بحنــان عــى شــعر هــذا‪ ،‬مهــا كــر ســنهم‪ ،‬فقــد كان يفعــل كل ذلــك رســول اللــه‬
‫صــى اللــه عليــه وســلم وهــو القــدوة الصالحــة‪.‬‬
‫‪ -17‬وظِّـ ْـف بعــض الوقــت‪ ،‬ولــو أســبوع ًّيا‪ ،‬لالســتامع إىل آرائهــم وطلباتهــم وشــكاواهم‪ ،‬وال تسـفَّه‬
‫آراءهــم‪ ،‬واهتــم مبوضوعاتهــم الظريفــة وشــاركهم كأحدهــم‪ ،‬ويكفــي االســتامع إليهــم بإجــادة‬
‫وجديــة لبنــاء الثقــة والتــآزر األُ َسي‪.‬‬
‫‪ -18‬ع ِّرفهــم باألقــارب مــن ناحيــة الوالديــن‪ ،‬واعتــد صحبتهــم عنــد زيــارات األقــارب‪ ،‬وخاصــة يف‬
‫األعيــاد واملناســبات‪ ،‬ألن ذلــك ديــن وإثـراء لعالقــات الحيــاة الط ِّيبــة‪.‬‬
‫‪423‬‬
‫رشبــوا منكــا الديــن عمـ ًـا‬ ‫‪ -19‬اجعــل تعليمهــم للديــن بطريــق املامرســة والقــدوة‪ ،‬حتــى يت َّ‬
‫واقتــدا ًء وتلقائيــة دون ضغــط وإلـزام طاملــا كانــوا صغــا ًرا‪ ،‬أكســب األوالد التديــن وحــب الديــن‬
‫وحــب املتدينــن‪ ،‬فــإذا كــروا عــى ذلــك ســيؤدون كل مــا تحــب منهــم‪ ،‬بــدلً مــن الضغــط عليهــم‬
‫واإلكثــار مــن األوامــر باســم الديــن‪ ،‬واإللـزام بأعــال الكبــار وترصفاتهــم‪ ،‬فــإذا كــروا كرهــوا أوامــر‬
‫الديــن وتركــوا مــا أجــروا عليــه وهــم صغــار‪ ،‬فالصغــار يتســاهل معهــم ويتغافــل عنهــم يف كثــر‬
‫ـال يلعبــون ويلهــون‪ ،‬فقــط‬ ‫مــن تلــك األمــور‪ ،‬دع األوالد ذكــو ًرا أو إناثًّــا يقضــون فــرة الطفولــة أطفـ ً‬
‫ح ِّببهــم يف الديــن واملتديِّنــن‪ ،‬ع ِّودهــم بالحــب والرفــق والقــدوة‪.‬‬
‫‪ -20‬ج ِّنــب األوالد مشــاكلك مــع األم‪ ،‬واحرتم مشــاعرهم مع كالكــا فال تُق ِْح ْمهــم يف خصوصياتكام‪،‬‬
‫وال مانــع مــن االســتامع إىل أحدهــم فيــا يريــد أن يخربكــا به من شــؤونكام أو املشــورة لكام‪.‬‬
‫‪ -21‬األوالد يكــرون يف أعامرهــم وعقولهــم‪ ،‬وعــادة يظــل الوالــدان يتعاملــون معهــم باعتبارهــم‬
‫صغــا ًرا‪ ،‬تذكــر أنهــم كــروا ولهــم شــخصياتهم‪ ،‬فخ ِّفــف مــن ســلطانك الوالــدي عليهــم‪ ،‬انســحب‬
‫مــن بعــض حياتهــم خوفًــا أن تحــرج وتُبْعــد!! وعاملهــم كأصدقــاء‪.‬‬
‫‪ -22‬تذكــر أنهــم هدايــا وأمانــات عنــدك فستســأل عنهــم يــوم الحســاب‪ ،‬اشــكر اللــه دامئًــا فهــم‬
‫نعـ ٌم تحتــاج للشــكر ال لشــكوى‪ ،‬اصــر معهــم وعليهــم فســوف تنعــم معهــم يف الجنــة‪.‬‬
‫***‬
‫ ‬

‫‪424‬‬
‫ميثاق األوالد مع الوالدين‬

‫ـى َربُّـ َـك أَ َّل‬ ‫‪ -1‬قــرن اللــه عــز وجــل حــق الوالديــن مــع حقــه يف العبــادة فقــال عــز وجــل‪َ { :‬وقَـ َ‬
‫تَ ْع ُبـ ُدوا إِ َّل إِيَّــا ُه َوبِالْ َوالِ َديْــنِ إِ ْح َســانًا} [اإلرساء‪ ]23 :‬فــأوىص الخالــق املعبــود بالوالديــن‪ ،‬ومل يــأت‬
‫يف القــرآن وصيــة بــاألوالد‪ ،‬ألن فطــرة الوالديــن غالبــة يف امليــل لــأوالد‪ ،‬بــل إيثارهــم عــى النفــس‪.‬‬
‫‪ -2‬وصــف اللــه يحيــى عليــه الســام فقــال عــز وجــل‪َ { :‬وبَـ ًّرا ِب َوالِ َديْـ ِه} ويف وصــف عيــى عليــه‬
‫الســام بقولــه عــز وجــل‪َ { :‬وبَـ ًّرا ِب َوالِـ َد ِت} ف ُعلــم أن أحســن أنــواع الــر يكــون مــع الوالديــن‪.‬‬
‫‪ -3‬اإلنســان مــن بــن املخلوقــات يحتــاج إىل العــون ســنوات طويلــة لعجــزه يف الصغــر‪ ،‬ويف‬
‫الكــر‪ ،‬أمــا يف الصغــر فريعــاه الوالــدان صغـ ًرا شــفقة ورحمــة‪ ،‬وأمــا يف الكــر فــاألوالد ينشــغلون‬
‫بأوالدهــم وينشــغلون عــن والديهــم‪ ،‬فجــاء الــرع وطالــب األوالد بــر الوالديــن قــال اللــه عــز‬
‫ـر أَ َح ُد ُهـ َـا أَ ْو كِ َل ُهـ َـا فَـ َـا تَ ُقـ ْـل لَ ُهـ َـا أُ ٍّف َولَ تَ ْن َه ْر ُهـ َـا َوقُـ ْـل لَ ُهـ َـا‬
‫وجــل‪{ :‬إِ َّمــا يَ ْبلُ َغـ َّن ِع ْنـ َد َك الْ ِكـ َ َ‬
‫قَ ـ ْولً كَ ِر ًميــا} [اإلرساء‪ ]23 :‬إنــه الوفــا ُء وس ـ ّنة االبتــاء‪.‬‬
‫* املظاهر العملية لرب الوالدين‬
‫‪ -1‬التعبــر عــن االح ـرام بــدوام تقبيــل اليديــن عنــد املصافحــة‪ ،‬وبالبــدء بإلقــاء الســام عنــد‬
‫املقابلــة واملفارقــة‪ ،‬وبالحــرص عــى تحيتهــا قبــل النــوم وعنــد اســتيقاظهام‪.‬‬
‫‪ -2‬ال تحــد النظــر إليهــا‪ ،‬واخفــض صوتــك أثنــاء التحــادث معهــا‪ ،‬وبالــغ يف اح ـرام آرائهــا‬
‫ـت‪،‬‬‫وتلطَّــف يف عــرض مــا يخالفهــا‪ ،‬وترفَّــق يف توصيــل مــا تريــد تعليمهــا‪ ،‬وال تقــل‪ :‬أنــت وأنـ ِ‬
‫بــل قــل‪ :‬حرضتــك‪ .‬وإذا طلبــت منهــا شــيئًا فقــل‪ :‬مــن فضــل حرضتــك‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا هــم أحدهــا يف ارتــداء مالبســه‪ ،‬فســارع يف إحضارهــا والوقــوف أمامــه وأنــت تحملهــا‪،‬‬
‫وســاعده يف ارتدائهــا مــا أمكــن‪ ،‬واحــرص عــى إحضــار الحــذاء بعــد تنظيفــه ووضعــه يف متنــاول‬
‫يدهــا‪ ،‬وافعــل مثــل ذلــك عنــد إرادتهــا خلــع املالبــس‪ ،‬بحملهــا واملســاعدة يف خلعهــا ووضعهــا‬
‫عنهــم يف املــكان املخصــص لذلــك‪.‬‬
‫‪ -4‬ال تحدثهــا وأنــت راقــد‪ ،‬وإذا تحــدث أحدهــا معــك وأنــت جالــس فقــم حتــى ينتهــي‬
‫الحديــث أو يجلــس هــو‪ ،‬وال تَتَقدمهــا أثنــاء الســر معهــا إال لحاجــة أو توطئــة لســرهام‪،‬‬

‫‪425‬‬
‫واحــرص عــى حمــل مــا يُحمــل عنهــا‪ ،‬وأبْـ ِـد الفخــر والفــرح بالســر معهــا وأمــام مــن تعرفــه‪.‬‬
‫‪ -5‬را ِع مظاهــر الفــرح أو الحــزن أو الغضــب عــى أي منهــا وجاملهــا مبشــاعرك ومــا يناســب‬
‫مــن ترصفــات‪ ،‬وال تظهــر امتعاضــك أو عبوســك لهــا بحــال‪ ،‬وكــن قري ًبــا حنونًــا معهــا عنــد‬
‫مرضهــا‪.‬‬
‫‪ -6‬ال تكــن مصــدر إزعــاج‪ ،‬أو إثقــال‪ ،‬أو إشــكال‪ ،‬أليهــا‪ ،‬وأعــن نفســك بنفســك مــا اســتطعت‬
‫للتخفيــف عنهــا‪ ،‬يف أعــال البيــت وترتيبــه وتنظيفــه‪ ،‬ويف قضــاء مطالبــك‪ ،‬وأ ِّد واجباتــك‬
‫الشــخصية واملدرســية وغريهــا بكفــاءة إلدخــال الــرور عليهــا‪.‬‬
‫‪ -7‬إن رأى أحدهــا أنــك أخطــأت فاعتــذر يف الحــال وإن مل تكــن مخطئًــا‪ ،‬وعــا ِو ْد املوضــوع يف‬
‫مناســبة أخــرى بلطــف ورفــق ودون إرغــام عــى قبــول موقفــك‪ ،‬وال تحـو ِْج أيهــا لالعتــذار لــك‬
‫وإن كان الحــق معــك‪.‬‬
‫‪ -8‬احــرص عــى أن تكــون متعاونًــا يف البيــت معهــا ومــع إخوتــك وأخواتــك‪ ،‬ودا ِو ْد عــى صلــة‬
‫أهــل والديــك واحرتامهــم‪ ،‬واحـرام ضيــوف البيــت والعمــل عــى راحتهــم وخدمتهــم‪ ،‬وكــن أمي ًنــا‬
‫رسا اطَّلعــت عليــه ألحــد‪.‬‬
‫ـش ًّ‬‫كر ًميــا مــع جـران البيــت‪ ،‬وال ت ُ ْفـ ِ‬
‫‪ -9‬أســمع والديــك كث ـ ًرا كلــات الشــكر والثنــاء وعرفــان الجميــل‪ ،‬وادع لهــا يف غيبتهــا ويف‬
‫صلواتــك ودا ِو ْم عــى ذلــك بعــد موتهــا‪ ،‬اعتــذر لهــا عــن تقصــرك يف أداء حقهــا عليــك وال‬
‫تظــن أنــك أوفيــت حــق أيهــا عليــك‪ ،‬وإن ظننــت أن أحدهــا قــر معــك فســارع باملســامحة‬
‫واســتغفر لذنبــك ولهــا‪.‬‬
‫ر معرفتهــا بــه‪ ،‬وأش ـ ِع ْرهام بثقتــك‬ ‫‪ -10‬اســتأذنهام يف كل شــؤونك مــا اســتطعت‪ ،‬وفيــا ال ي ـ ُّ‬
‫الكاملــة‪ ،‬واجعلهــا أول مــن تشــاور وأنــك ال تســتغني عــن رأيهــا‪ ،‬ون ِّفــذ آراءهــا إذا كانــت‬
‫فيهــا املصلحــة‪ ،‬وتلطَّــف معهــا عنــد املخالفــة‪.‬‬
‫‪ -11‬تــأ َّدب يف طلباتــك منهــا‪ ،‬وال تكــر مــن الطلبــات وقلــل مــن احتياجاتــك حتــى ال ترهقهــا‪،‬‬
‫وشــاركهام يف األعــال التــي تخ ِّفــف عنهــا‪ ،‬وســاعدهام يف كل مــا ميكنــك عملــه مــا يلزمهــا‪،‬‬
‫وكــن طــوع أمرهــا يف كل مــا يطلبــان منــك عملــه مــا اســتطعت بــدون إبــداء التـ َّـرم والتَّسـ ُّخط‬
‫والشــكوى‪.‬‬

‫‪426‬‬
‫‪ -12‬كلــا كـرا‪ ،‬أو كــر أحدهــا‪ ،‬أو مــرض أحدهــا‪ ،‬فكــن أقــرب إنســان‪ ،‬وأشــفق قلــب‪ ،‬وأكــر‬
‫مســاعد لهــا‪ ،‬كــا كانــا لــك عندمــا كنــت صغـ ًرا أو مريضً ــا‪ ،‬فالجـزاء مــن جنــس العمــل‪ ،‬واعلــم‬
‫أن أبــواب الجنــة حينئـ ٍـذ قــد تفتَّحــت لــك‪ ،‬وأن الســاء وكل مــن فيهــا يراقبــك‪ ،‬فأحســن كــا‬
‫ـان َص ِغ ـ ًرا} [اإلرساء‪.]24 :‬‬
‫أحســن اللــه إليــك وقــل‪َ { :‬ر ِّب ا ْر َح ْم ُهـ َـا كَـ َـا َربَّ َيـ ِ‬
‫***‬

‫‪427‬‬
‫الفهرس‬
‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬
‫�‬ ‫م‬ ‫ة‬ ‫لش ة‬ ‫أ ً‬
‫ج‬ ‫ل‬ ‫ط�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ع‬
‫�ولا‪ :‬ا ر ال ي ب�� ع ا ر ل‬
‫‪9‬‬ ‫عرشة األرواح تسبق عرشة األبدان‪:‬‬
‫رحلة األرواح سبقت حدوث األجساد‪ ،‬لزوم االختيار قبل‬
‫االصطفاء‪ ،‬فاظفر بذات الدين ترتب يداك‪.‬‬
‫ُ ش ت ل خ ة ض � لم ة‬
‫�رع� ا � بط�� ل مان ا بح��‬
‫نظر الخاطب ليتم التواصل واملعارشة الطيبة‪ ،‬إباحة النظر‬
‫‪10‬‬ ‫وتكراره‬
‫خ ة‬ ‫ف‬ ‫أ‬
‫�حكام و��قه ا ل� بط��‬
‫أحكام النظر إىل املخطوبة‪ ،‬ذكر مساوئ الخاطب ورشوط‬
‫‪12‬‬ ‫ذلك‪ ،‬فقه الخلوة أو املخالطة أو املجالسة بني الخاطبني‬
‫ة‬ ‫ة‬ ‫ن‬
‫و ج�عل ب� ي��كم مود� ورحم�‬
‫معنى املودة والرحمة وآراء العلامء [اإلمام السدي‪ ،‬اإلمام األلويس‪ ،‬اإلمام ابن‬
‫‪13‬‬ ‫كثري‪ ،‬اإلمام البغوي‪ ،‬اإلمام سيد قطب‪ ،‬اإلمام الطيبي]‬
‫ن ئ� هم ت‬
‫�صا ح و سا�‬
‫إياك من اإلغراق يف الخيال عن الزوج والزواج‪ ،‬يكفي أن تغلب املزايا‬
‫السيئات‪ ،‬يكفي القبول جملة واحدة‪ ،‬آداب عدم القبول من أي من الطرفني‪،‬‬
‫إن حاز ألحدهام القبول فعليه باالستخارة فهي عبادة‪ ،‬استخارة زينب بنت‬
‫‪15‬‬ ‫جحش يف زواجها من النبي صىل الله عليه وسلم‬

‫‪428‬‬
‫سك‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫�‬ ‫ق�� �ز ف ف‬
‫ب ل ال �ا� و�إ عداد ي�� ا ن‬
‫ب‬
‫قصة زواج النبي صىل الله عليه وسلم بعائشة ريض الله عنها‪ ،‬مساكن‬
‫النبي صىل الله عليه وسلم‪ ،‬قصة زواج عيل بن أيب طالب بفاطمة ريض‬
‫الله عنها‪ ،‬بيت عيل بن أيب طالب‪ ،‬أم املؤمنني حفصة تروي صفة بيت‬
‫‪17‬‬ ‫النبي صىل الله عليه وسلم‪ ،‬كيف نسعد كام سعدوا؟‬
‫ة‬ ‫ق ة ف� ن ة‬ ‫ح‬ ‫ة‬ ‫ة لص ة‬ ‫ة ة ف‬
‫�‬ ‫ن‬
‫س‬ ‫صح� ال� ي�� ي� ب� ي‬
‫دا�� ا بح�� علام� ن العا� ب�� ي� � يها�� الرحل�‬
‫ليكن شعارنا يف الحياة‪ :‬إدخال الرسور عىل الغري‪ ،‬الحياة الزوجية‬
‫‪21‬‬ ‫السعيدة تثمر الربكة‪ ،‬فلنحرص عىل أيام السعادة‪ ،‬وال نكدر صفوها‬
‫لل‬
‫أ‬ ‫ش‬ ‫ع‬‫لل‬ ‫أ ق�ل ت ق‬ ‫ة لعش ة� ت ف‬
‫مص�ر‬
‫ي‬ ‫ه�‬
‫ب‬ ‫ت�‬
‫�‬ ‫و‬ ‫ر‬‫�‬‫ي‬ ‫�‬ ‫�‬
‫ب‬ ‫ر�‬ ‫�‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ت�‬
‫�‬ ‫و‬ ‫�‬‫�‬ ‫دا�� ا �ر �ك ي‬
‫ب� ي‬
‫هن لباس لكم وأنتم لباس لهن‪ ،‬جنتك زوجك وبيتك‪ ،‬كوين له أمة‬
‫يكن لك عبدً ا‪ ،‬احذري وساوس عدوك الشيطان‪ ،‬كوين كالنحلة يف‬
‫‪23‬‬ ‫عشك الجميل الجديد‬
‫ئ‬
‫ل‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫�‬ ‫ت‬
‫هم سا� و ن�صا ح ن ا ج �ر ب ي ن الصا ي ن‬
‫�‬ ‫ح‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫م‬
‫نصيحة عمر بن الخطاب‪ :‬النساء ثالث –نصيحة عيل بن أيب طالب‪ :‬خري‬
‫نسائكم‪ -‬نصيحة عائشة ريض الله عنها عن أصل النساء –نصيحة الحسن‬
‫البرصي – نصيحة أعرايب – قال حكيم – نصيحة لقصة ابن عبدربه‬
‫األندليس – نصيحة أم كتبتها ليلة زفافها – نصيحة أعرايب ذي تجربة‬
‫‪25‬‬ ‫ق ئ‬
‫وعلم بالنساء – صفات املرأة السوء‬
‫�‬ ‫�‬ ‫�ز‬ ‫�‬‫ي‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫سل‬ ‫�‬ ‫م‬ ‫ق أ‬
‫ووصا�اه لل و ج ي ن‬
‫ي‬ ‫ن‬ ‫د‬‫ل‬ ‫ا‬ ‫ق‬ ‫ا‬‫ح�‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ه‬‫عل�‬
‫ي‬ ‫الله‬ ‫صلى‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ال�‬ ‫الصاد‬
‫أنت تعيني زوجك عىل إميانه – أنت بعد تقوى الله – أنت بك‬
‫سعادة الدنيا واآلخرة – أنت خري متاع لزوجك – أنت يستكمل‬
‫بك زوجك دينه – ملاذا يحرص شيطان الجن واإلنس عىل إفساد‬
‫‪27‬‬ ‫السعادة الزوجية والحياة األبدية؟‬

‫‪429‬‬
‫الفهرس‬
‫م� ل ت‬
‫ن�ز‬ ‫ل‬ ‫لم أ ة ه ه ت ن� ق�� للم أ ة‬ ‫قل� ة‬ ‫ة‬
‫الطاع� للر ج�ل وا وام� على ا ر�� ل ي� ي ص ر�� وحط �ها؟‬
‫�‬
‫مقدمات للموضوع وتوطئة له – الرجل واملرأة مخلوقان لعبادة الله وحده –‬
‫تكاليف الرشع للرجل واملرأة راعت العدل والرحمة – الكرم عند الله بالتقوى‬
‫للزوج والزوجة – االختالف بني الرجل واملرأة يف تكاليف وواجبات كل منهام –‬
‫املساواة بني االثنني فيام خُلقا من أجله العبادة والطاعة والجزاء يف الدنيا واآلخرة)‬
‫‪30‬‬ ‫– طاعة ويل أمر املرأة والزوج‬
‫ت ف ش ع م أ ظع� ت ف‬
‫�كل ي�� �ر ي� ن � م ال�كال ي��‬
‫الطاعة لله وحده – وافدة النساء إىل رسول الله صىل الله عليه وسلم‬
‫‪33‬‬ ‫ومطلب نساء املسلمني اليوم (نعم يا أختي‪ :‬الله الله ثم الزوج)‬
‫ق‬ ‫ف‬ ‫ل أة أق‬
‫�‬‫ي‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫�‬ ‫�‬
‫ج‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫هل ا مر�� � ل ن ا ر ل ي� ا ل وا د ن؟‬
‫ع�‬ ‫�‬
‫معنى العقل ونقصانه عند النساء – معنى نقصان الدين عند النساء – خالصة‬
‫‪36‬‬ ‫الرأي يف ذلك‬
‫الم أر� ة� ر ي� نحا�ة� ن�ز‬
‫م� لها وروحه‬
‫أول – كيف تستقبلني زوجك؟ التزين للزوج واجب عليها‬‫أنت وبيتك لزوجك ً‬
‫‪39‬‬ ‫له وحق لزوجها ولنفسها بل ولربها‬
‫ف‬ ‫ّ‬
‫حق ا �زل و�ج الصراح ي� الر ق ا بم�اح‬
‫ل‬ ‫ح�‬
‫ي‬ ‫�‬
‫من أهم مقصود الزواج الجامع – حق الزوج فيه وعدم متنع الزوجة عن‬
‫الفراش – األسباب الحقيقية وراء الخالفات الزوجية – زوجك ضيف الله‬
‫‪45‬‬ ‫يف منزلك فأكرمي صحبته‬

‫‪430‬‬
‫الفهرس‬
‫أ‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫ح �ظ� ال�سرار د يل�ل � ب�ل ال�حرار‬
‫أنت أمينة عىل كل دقائق حياة زوجك وأرساره – أعينيه عىل الثقة فيك وبك‬
‫ليتوفر األمان – كوين نبيلة وال تحريص عىل معرفة أرساره – ال تفتيش يف مايض‬
‫‪49‬‬ ‫زوجك – إياك وإفشاء األرسار الواقعة بسبب الوطء ومقدماته‬
‫ن‬ ‫�ؤ‬
‫الودود الولود ‪� ..‬ج�ز ا ها من ج س ملها‬
‫ع‬ ‫�‬ ‫�‬
‫أنت راعية البيت‪ ،‬كوين كخديجة ريض الله عنها‪ ،‬قصة امرأة أتتها‬
‫كرامة الله لحرصها عىل مرضاة زوجها؛ قصة عيل وفاطمة ريض الله‬
‫‪52‬‬ ‫ة ف‬
‫عنهام‬
‫�‬ ‫ة‬ ‫ح سن الا ت�ذ‬
‫ع� ار جم� بل�� ال سعاد� ي� الدار‬
‫كلامت طيبة تستجلب الرحامت‪ ،‬كلامت اإلميان من امرأة سلامن‪ ،‬تواضع‬
‫‪56‬‬ ‫الزوجة مجلبة السعادة والهناء‬
‫أ‬ ‫ت أ ف‬
‫واد� من �علاه‬
‫ي‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬‫س�‬ ‫�إ ن ا �غل ي�رى لا � ب�صر �‬
‫معنى الغرية ومنها املذموم واملحمود‪ ،‬ترفقي يف غريتك عىل زوجك‪ ،‬غرية‬
‫زوجات النبي صىل الله عليه وسلم‪ ،‬احذري شدة الغرية‪ ،‬الطرق املنرية يف‬
‫‪59‬‬ ‫� قن ة‬ ‫ف‬ ‫القضاء عىل الغرية‬
‫ق‬
‫ال��اع�‬ ‫لا ع�ل كا تل�د ب� ي�ر ولا �ز‬
‫ع �إ لا ي�‬
‫النظر يف عواقب األمور‪ ،‬االقتصاد يف املعيشة والرضا بقليل املتاع‪ ،‬أعيني‬
‫زوجك عىل أعباء الحياة‪ ،‬أنا ال أدعوك إىل الفقر‪ ،‬ماذا اختارت زوجات‬
‫‪63‬‬ ‫النبي صىل الله عليه وسلم؟‬

‫‪431‬‬
‫الفهرس‬
‫ة‬ ‫ض‬ ‫ال� ش‬
‫ن�اط وا بل�كور مان راح� وا رور‬
‫س‬ ‫ل‬ ‫لل‬ ‫�‬
‫االستيقاظ مبك ًرا سنة نبوية‪ ،‬ماذا تفعلني عند خروج الزوج إىل العمل؟ أنت روح‬
‫‪68‬‬ ‫البيت وعبريه‪ ،‬كيف تتنزل الربكة مع الطعام؟‬
‫أ ة أ �خ‬ ‫ام أر� ة� أ� ف ن�� ت� ع‬
‫ل�سعاد امر�� � رى‬
‫إ‬ ‫رها‬‫م‬
‫كوين األمل والفرح والراحة واملحبة ألم زوجك‪ ،‬أعيني زوجك عىل‬
‫‪71‬‬ ‫طاعة والديه‪ ،‬نصائح من املجربني يف معاملة أم وأب الزوج‬
‫ف‬
‫ف‬ ‫ّ‬ ‫�‬ ‫خ‬
‫� ي�� ولا ي�صل الرحم‬‫لا � ي�ر ي �من لا ي �ض‬
‫البيت الكريم بيت فيه كرام‪ ،‬أهل زوجك أحق باإلكرام‪ ،‬آداب الضيافة يف بيت‬
‫‪76‬‬ ‫املرأة املسلمة‬
‫ل‬ ‫ش ة‬
‫ال�ي�مان‪ :‬ح سن معا�ر ا ي ران‬
‫�‬ ‫�‬ ‫ج‬ ‫�‬ ‫ن إ‬
‫م‬
‫حفظ الجار من كامل اإلميان‪ ،‬حدّ الجوار أربعون جا ًرا‪ ،‬الجار املسلم‬
‫السوي اإلنساين‪ ،‬نصائح عملية من‬ ‫له حقان‪ ،‬معارشة الجريان هي األمر ّ‬
‫‪79‬‬ ‫املجربني‬
‫ئ‬
‫‪84‬‬
‫ة‬
‫و� ي��‬ ‫ن صا�ح ن� ب�و�ة� للح� ةا� ا �ز‬
‫ل‬
‫ج‬ ‫ية ي‬ ‫�‬
‫ة م لم أ ة‬ ‫ش‬
‫ث� نا� يً�ا‪ :‬الع �ر�‬
‫�‬ ‫ر�‬ ‫ا‬ ‫ع‬ ‫�‬‫�‬ ‫ب‬ ‫ط�‬‫ي‬ ‫ل‬ ‫ا‬
‫ت‬ ‫ش� ل� ت يل� تل� ف� ي� لل ن‬ ‫أ‬ ‫ف‬
‫دا�ا� د ل ا و ق � يها�ا�‬ ‫ال�صل ال�ول‪� :‬إ راق ا ب ي‬
‫‪91‬‬ ‫روعة االلتقاء تستجلب الصفاء‬
‫‪93‬‬ ‫قلب محب وجامل معد‬
‫كن لها كام تحب هي أن تكون لها‪ ،‬تكن هي أفضل مام تحب أن تكون لك‪،‬‬
‫افتح لها القلب لتسكن فيه‪ ،‬دعها تر الرتحاب يف عينيك ويف امتداد ذراعيك‪،‬‬
‫أهل ً‬
‫وسهل يف القلب قبل الدار‪ ،‬اجعلها يف جنتها منذ‬ ‫ويف متتمة شفتيك‪ً ،‬‬
‫الليلة ال ترى أجمل منك وال أحب إليها منك‬
‫‪432‬‬
‫الفهرس‬
‫ت� خ‬ ‫ل‬ ‫أ‬ ‫ة‬
‫�‬
‫�ج راح� ب�لا � م ولا د ي ر‬
‫�‬
‫أكرم حياءها ورفقًا بالقوارير‪ ،‬وأودع يف خزينة قلبها رصيد االحرتام والتقدير‬
‫للمستقبل املنشود‪ ،‬إياك من وثبة هجوم الجوع الغريزي فرتتسم يف نفسها‬
‫صورة االفرتاس واالقتناص‪ ،‬فكن مثل الطبيب الذي يجري الجراحة أثناء‬
‫‪94‬‬ ‫التخدير بال أمل وال تكدير‬
‫أ ض ف‬ ‫ف‬
‫ل‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫أف‬
‫س‬
‫��راح ي� ال�ر� و ي� ا ماء‬
‫أنت اآلن متر بك لحظة هي متعة األذهان وعطر األيام‪ ،‬بالدعاء‬
‫والركعتني يرتفع لكام الذكر والثناء مع أفراح السامء‪ ،‬وتزف البرشى‬
‫‪95‬‬ ‫الدار‬
‫للعروسني أن بورك من يف ظ‬
‫ش‬
‫ما لا ي�درك ب�ا �ذل وق لا ي�ع�م �إ يل�ه ال �وق‬
‫ال تدع طربات الهوى ورضاوة الشهوة واستعارها تستخفك فيطيش العقل‬
‫وتفقد الرزانة { َو َقدِّ ُموا ِلَنْف ُِسك ُْم} قدموا التسمية والكالم والقبلة‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫‪97‬‬ ‫التقديم باملالعبة واملداعبة واملالطفة والتقبيل يزيد يف اللذة‬
‫ت‬ ‫ت� ف‬
‫ج �مل � ي� موطن ا �ض‬
‫ل رورا�‪:‬‬
‫مهام تكشف األبدان فالنفوس دو ًما متحفظة‪ ،‬فحافظ عىل النفس وال‬
‫يغرنك زوال احتشام الجسد‪ ،‬فلباس الزفاف يُتخفف منه ولكن لباس‬
‫‪98‬‬ ‫أ ف‬ ‫ف‬
‫س ب� خ �ز � ص ة‬ ‫ف‬
‫النفس ال يُخلع‬
‫صيانة ن‬
‫ا�»‬
‫أ‬
‫ال�‬ ‫ى‬‫�‬‫ص‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ح�‬ ‫�‬ ‫اد‬ ‫ر‬‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ا فل�صل ث‬
‫ال�ا�‬
‫ح� ب‬
‫ب‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫«‬ ‫‪:‬‬ ‫�‬
‫ي‬
‫ك س ة� ق‬
‫�‬ ‫ك ش� ء ت‬
‫عل�ه و ال� بل�‬ ‫ل ي� راه ي‬
‫من تعارشها لها نفس مثلك‪ ،‬ترىض وتسخط‪ ،‬وتحب وتبغض‪ ،‬وتفرح‬
‫وتحزن‪ ،‬وتحسن وتيسء‪ ،‬وتشعر وتتأمل‪ ،‬وتفكر وتعقل‪ ،‬فهي ليست آلة‬
‫‪99‬‬ ‫للخدمة والرتفيه ‪ ..‬نعم ولكن مبقابلة املثل‬

‫‪433‬‬
‫الفهرس‬
‫�‬ ‫ت ب� � أ ت�ش‬ ‫أ ق‬
‫ر�‬
‫ب‬ ‫ن‬ ‫�‬ ‫تح�‬
‫ب‬ ‫ما‬ ‫ك‬‫ارور�‬‫�‬ ‫امل�‬
‫بقدر ما تسعدها يعود ذلك عليك‪ ،‬فبقدر ما تزرع تحسد إن خ ًريا فخري‪ ،‬وإن‬
‫‪100‬‬ ‫تشقها تشقى بها‬
‫ش� ق لل� ت‬
‫دا�ا�‬
‫وا و�اه ب ي‬
‫العواطف العظيمة والنوايا الحسنة املخفاة يف داخلك ال تقنع الزوجة‪،‬‬
‫ولو تحققت منها ال بد من فعلٍ جميل وقول حسن‪ُ { :‬ق ْل َهاتُوا‬
‫‪102‬‬ ‫بُ ْر َهانَك ُْم إِنْ كُ ْن ُت ْم َصا ِد ِق َني} فالعليم بالبواطن يطلب عمل الظواهر‬
‫آ ة ق�� ش ئ ت ة‬ ‫ش‬
‫الم �اعر ال� ي‬
‫دم�� ب ل ال �عا�ر ال� بع� يد��‬
‫أخربها بكل إحساس نحوها جميل دامئًا‪ ،‬وتكتمل مشاعرك غري املرغوب فيها‬
‫‪104‬‬ ‫بقدر ما تطبق‬
‫ة نف ة‬ ‫ف� ت� ن ت‬
‫‪105‬‬ ‫ام��ا� الصح� ال�� يس��‬
‫ي� ي‬
‫* اجعل لك رصيدً ا من االحرتام عندها وحافظ عليه إن مل تنمه األحداث‬
‫* مــا كنــت تحــرص عليــه عنــد بدايــة العالقــة بينكــا مــن تأنــق يف امللبــس‬
‫ومتيــز لأللفــاظ وتجمــل يف إبــداء اإلعجــاب واملديــح وحــرص يف إبــداء وتوصيــل‬
‫العواطــف‪ ،‬ال ترتكــه أبــدً ا وليكــن لــك عــادة‪ ،‬وجــه بالبــر صبيــح‪ ،‬ولســانٌ‬

‫فل ص ث ث �غ ن � ل ه ت�ك ن ن م ة‬‫بالحــب رصيــح ئ‬


‫‪111‬‬ ‫مصاح�»‬
‫ب‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫راعا�‬ ‫ا � ل ضال�ال�‪� « :‬ا م ا بم�ا �ج و ع�د‬
‫ت‬
‫‪112‬‬ ‫* اع�را� و�إ جع� ب‬
‫ا�‬
‫حسن الخلق مع األهل دين وكسب طيب للعيش يف الدنيا‬
‫م أة‬ ‫�‬ ‫�‬‫سك‬ ‫م‬ ‫م سك� أ ف‬
‫‪114‬‬ ‫ي ن و�ل� ي ن ر ج ل لا ا ر�� له‬
‫املودة جوهرة تحتاج للرعاية الدامئة حتى ال تفقد‬
‫‪116‬‬ ‫ل لم ت� خ �ذ‬
‫ح� ا �ا ل‬ ‫ا ب‬
‫ليس بحكيم من ال يعارش باملعروف من ليس من معارشته بد‪ ،‬وحب الزوجة‬
‫دين ومفخرة ال يُستخذى منه وال يُستخفى‬
‫‪434‬‬
‫الفهرس‬
‫ق ة‬
‫‪121‬‬ ‫رح ةم� ال� سو�‬
‫طاعة الزوجة لك مفتاحها بيدك أنت‬
‫* املرأة يف أعامق فطرتها استكانة للرجل وحاجة لحاميتها فاستفد منها بذلك وال‬
‫تسترث متردها عليك بتنقيصك لها‬
‫ق‬
‫‪123‬‬ ‫�ز ي� ال�رع ي�مد ب ّ�ره‬
‫األهل أوىل الناس منك باملفاكهة والتحمل ممن تتعامل معه خارج‬
‫البيت‬
‫م‬‫ف أن ل‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ف‬
‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�ذ‬
‫‪126‬‬ ‫ل�صل الرا ب� قع‪ « :‬ب� ُل ا ج�هود ي ف� �ت� ي س ا بح� ب‬
‫و�»‬ ‫ف‬ ‫ن‬
‫ا‬
‫ت ت‬
‫(��حا� تال�ر� ي�ق لل جم�ال س والر� ي�ق)‬
‫ف‬ ‫ب��‬
‫‪128‬‬ ‫� لك‬ ‫�ج ّر ب� وا سم من �ض‬
‫احرص أن يكون وجودك يف املنزل مرغوبًا فيه وبال ثقل‪ ،‬وأال يفتقدونك‬
‫لطول غيابك عنهم فتدركهم الوحشة وامللل‬
‫خ‬
‫‪130‬‬ ‫ل‬
‫اد وها ب� سلام‬ ‫�‬
‫‪135‬‬ ‫َ‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ش ف� بل�لك ن ة َ‬
‫� يا� ي� ا و�� وصد سلمان‬
‫النفوس والقلوب ما بني قبض وبسط وإدبار وإقبال‪ ،‬واألحوال مواهب‬
‫الرب‪ ،‬ودوام الحال من املحال‪ ،‬وللزوجة مثل حالك من قلب ونفس‬
‫ووجدان‪ ،‬فا ْرع حالها مع حالك يتفق لك منها كل حال‬
‫م� ك‬
‫ن�ز‬ ‫ق ف‬
‫‪138‬‬ ‫مل‬ ‫ل‬ ‫�‬
‫عملك ال� يل�ل ي� ا ل ح ال عام‬
‫ط‬
‫شارك يف البيت بقليل العمل‪ ،‬إكرا ًما وعرفانًا لعظيم خدمة الزوجة لك‪،‬‬
‫تستزد منها العمل‪ ،‬بال تربّم وال كلل‪ ،‬ويصح لك منها الجسم والنفس بال‬
‫شكوى وال علل‬

‫‪435‬‬
‫الفهرس‬
‫خ ُت‬
‫‪141‬‬ ‫وع ي�ن ال س�ط � ب�دى الم ي‬
‫ساو�‬
‫احذر فإنهن ال يُحبنب العبوس والتكشري‪ ،‬والعتب والتوبيخ‪ ،‬والبخل باملال والكالم‪،‬‬
‫ت واالرتياب والتجسس‪ ،‬واإلهامل لهن والتنقيص‬
‫م� ت ق‬
‫د�ك �ز ج ت‬
‫‪143‬‬ ‫و��ك‬ ‫ى �ص‬
‫ق‬
‫لم ّ � � � ق ة � ت ل ة‬ ‫ة‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫خ‬ ‫ف‬
‫تح�ا�ج حراس�»‬ ‫ال�صل ا ل�ام س‪« :‬ا ود ج وهر ر� ي���‬
‫ف‬ ‫ش ة‬ ‫ت‬ ‫�ذ‬
‫‪154‬‬ ‫(محا ي�ر وموا�ز ي�ن � فح �ظ� الع �ر� ب� ي�ن ال تم�صا� ي�ن)‬
‫نفيسا خاطر بنفيس‪ ،‬ومن رغب يف رغبة بذل لها مرغو ًبا‪ ،‬فمن أرفق‬
‫من طلب ً‬
‫رشه اسرتاح‬‫مبعارش حتى ينال من املباح‪ُ ،‬ع ّوض منه فوق ما يرغب‪ ،‬ومن ّ‬
‫لخ‬ ‫ت�غ ف‬
‫‪161‬‬ ‫ل‬ ‫�‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫�‬
‫ال� ا ل ن ا ق‬
‫املحبة الدامئة واأللفة الالزمة للعرشة يفسدها العتاب‪ ،‬وال يفسد الوداد مثل‬
‫العتاب‪ ،‬فإنه ُيوغر الصدور‪ ،‬ويجدد ما يكره من األمور‪ ،‬وهو مبعث الخصام‬
‫بني األحباب‬
‫ة ت ض‬ ‫ف ف‬
‫ع‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ع‬‫س�‬
‫ب‬ ‫ل�‬ ‫�‬
‫الع�و ي� ا ي وم‬
‫‪162‬‬ ‫ي ن مر * اع�را� و�إ ج � ب‬
‫ا�‬
‫القلوب تتقلب كال ِقدْ ر إذا استجمعت غليانًا‪ ،‬والكريم من تغافل وتحمل‬
‫عيوب الناس‪ ،‬وأقال عرثاتهم وقبل أعذارهم ومل يبغضهم ملعرفة أن ما كان‬
‫منهم ْمن كيد الشيطان الخناس‬
‫‪165‬‬ ‫ت�ِعش‬
‫دارها � ب�ها‬
‫ِ‬
‫* من وفور عقل الرجل علمه بوفور عواطف املرأة ورقتها‪ ،‬فعواطف املرأة‬
‫مثل الزهرة الرقيقة الجميلة‪ ،‬يشمها وينظر إليها وال تحتمل الفرك وإال‬
‫فسدت عليه‬
‫* ِع َوج املرأة ِخلقة فيها‪ ،‬فقد ُولدت ومعها عذرها الفطري‪ ،‬ومن قصد أن‬
‫يقيم ال ِعوج ش َّوه ال ِخلقة كمن قصد إقامة عوج األنف أو استدارة العني‪،‬‬
‫ف ِعند أهل النظر يُرى الجامل يف العوج‪ ،‬ومن كره ُخلُقا َّ‬
‫أحب آخر‬
‫‪436‬‬
‫الفهرس‬
‫ت �غ�ض‬ ‫ا فل�صل ال سادس‪« :‬ال بص�ر على ب�لوى ا �غل ي� ةر� و ن‬
‫ع�د حالا� ال ب�‬
‫ة� �غ� ت� ق ف‬ ‫ف‬
‫‪170‬‬ ‫»‬ ‫ط�‬
‫ب‬ ‫ع‬ ‫ولا‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫و‬ ‫ر‬‫�‬‫ي‬ ‫ب‬ ‫عاد‬‫س‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬‫س�‬ ‫ي� يّس�ر‬
‫أ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ف� ت‬ ‫أ‬ ‫ة‬ ‫ت ث‬
‫‪173‬‬ ‫م‬ ‫س‬
‫لا �ك�ر ا �غل ي�ر� على �هلك ر ى ب�ا وء ن � ج�لك‬
‫�‬
‫الغرية فطرة ومبدؤها فكرة مثل جرثومة املرض‪ ،‬وجراثيم الغرية‪ :‬الشك‬
‫وسوء الظن‪ ،‬ونقص الثقة‪ ،‬وفتور العالقة‪ ،‬واالنشغال عن الزوج‪ ،‬وكرثة‬
‫باآلخرين‪ ،‬والتغيب الكثري عن البيت‬
‫اإلعجاب ت‬
‫� ت� ق‬ ‫ف‬ ‫�ذ �ظ‬
‫‪173‬‬ ‫�إ ا ن ن�� ت� �لا ق‬
‫ح�‬
‫الغرية تلتهم العواطف وتحرقها‪ ،‬وتذهب بالنوم والراحة والعقل‪ ،‬وتعرض لقالة‬
‫السوء يف غري حاالت الريبة‪ ،‬وتفسد ما بني املحبني‪ ،‬والظن أكذب الحديث‬
‫ش خ‬
‫� أ �غ‬
‫‪175‬‬ ‫م‬
‫ولا �ص � ي�ر ن الله‬
‫الرعاية للزوجة بألطاف السلوك‪ ،‬ومجامالت القلوب‪ ،‬وتعاهد النفوس‪،‬‬
‫ومراعاة الخاطر‪ ،‬تزرع الثقة‪ ،‬وتُ َنقي القلوب من الدَّ خن والدَّ غل‪ ،‬ومتنع‬
‫عالئق الظن باملحبوب‬
‫�‬ ‫ل�‬ ‫ت ن‬ ‫ة‬
‫‪177‬‬ ‫سل‬
‫عل�ه و م‬
‫ي‬ ‫الله‬ ‫صلى‬ ‫�‬‫ي‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫�‬ ‫�‬‫ي‬ ‫�‬‫ب‬ ‫على‬ ‫طلال�‬ ‫�إ‬
‫�خ‬
‫ا �زل وا�ج �� رى � ُّده �د و ْ�ز‬ ‫أ‬
‫‪178‬‬ ‫ه له ج� ّد‬ ‫جَ ج‬ ‫ب‬
‫ل ّن ة‬ ‫ت�غ�ض‬
‫‪180‬‬ ‫لا � ب� ولك ا ج ���‬
‫الغضب جذوة من نار تنضج الحقد والحسد واالنتقام‪ ،‬وال يطفئه مثل‬
‫‪1‬‬
‫والخصام‬ ‫السكوت أو لطيف الكالم‪ ،‬ويزيد اشتغاله الجدل وال ّتالوم واللجج‬
‫* بعد الغضب يُرتك العتب عليه والحساب‪ ،‬فإعادة الكالم عنه تعيد أسبابه‬
‫بأكرب مام كان‪ ،‬وتثمر العناد وتستمر به األنكاد‬
‫ظ‬
‫مع� ن م ت غص� ل�ش‬
‫‪184‬‬ ‫م ال�ار ن م س� ر ا رر‬

‫‪437‬‬
‫الفهرس‬
‫أ‬ ‫ت�ز‬ ‫ت‬ ‫�ز‬ ‫أ‬ ‫قة أ‬ ‫ف‬
‫�‬‫ي‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ل‬
‫«�ا�� من � وان ال� هار ن ب�ها �ركان الدار»‬ ‫ال�صل ال سا ب�ع‪ :‬ب‬
‫‪188‬‬ ‫ة� طل ة م ن ة‬
‫ال سعاد م ب‬
‫و�� و مك��‬
‫الحياة الطيبة ممكنة يف ظل فهم صحيح وقصد سليم بني الزوجني والشّ عار‪:‬‬
‫(السعادة مطلوبة وممكنة) بيشء من التعقل والصرب والحرص واملداراة‪ ،‬فيرس‬
‫عىل نفسك األمور‪ ،‬وعىل غريك‪ .‬ييرس الله لك وعليك‪.‬‬
‫سك� أ ن ة‬
‫‪192‬‬ ‫س� ب�ل�‬ ‫ا ب ي� �م‬
‫بيت املسلم متميز عن غريه بشيوع املحبة والفرحة والكرم واالستقرار‪ ،‬من‬
‫يدخله يداخله الرسور‪ ،‬و ُيقَا َبل عىل السعة والرتحاب‪ ،‬يجد فيه مطلبه‪ ،‬أو‬
‫ُيرد بكريم اللقاء وجميل الكالم‬
‫ن‬ ‫أ‬
‫‪194‬‬ ‫رح�ا ب�ـ�م ها��ئ‬
‫م بً‬
‫أقرب من يرسع لنجدتك إن ناديته هو جارك‪ِ ،‬‬
‫فصله وتعرف عليه‪ ،‬وشاركه‬
‫يف أفراحه وأتراحه‪ ،‬وال تهمل من ذلك شي ًئا‬
‫‪196‬‬ ‫م ًف ف ف‬ ‫أ‬
‫من �سدى لك رو�ا �كا��ئه‬
‫ع‬
‫* هل فكرت أن تدعو زوجتك عىل الغذاء أو العشاء؟ لو فعلت لكان رائ ًعا‬
‫وبار ًعا‪ ،‬ولو بدون تكلف كبري‪ ،‬جروب وسوف تدعو يل بالخري‬
‫* ال تسأم من دعوة أهل زوجتك‪ ،‬ومدحهم والثناء عليهم‪ ،‬وتوطيد الصلة‬
‫بهم‪ ،‬خاصة الوالدة‪ ،‬فإن ذلك ال يكلف شي ًئا وله أثر بالغ عىل حياتك‬
‫الزوجية‬
‫* ال تظهر خالفاتك مع زوجتك ألهلكام أو ألوالدك‪ ،‬بل أظهر أمامهم‬
‫الكلامت الجميلة املحببة للزوجة‪ ،‬وال تخجل أن تقولها أمامهم‪ ،‬تصبح‬
‫حياتك وحياتها بال ملل‬

‫‪438‬‬
‫الفهرس‬
‫أ‬ ‫ت�ز‬ ‫ت‬ ‫�ز‬ ‫أ‬ ‫قة أ‬ ‫ف‬
‫�‬‫ي‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ل‬ ‫ال�صل ال سا ب�ع‪ :‬ب‬
‫«�ا�� من � وان ال� هار ن ب�ها �ركان الدار»‬
‫أ‬ ‫ف‬
‫‪202‬‬ ‫ال�صل ال�ول‬
‫‪204‬‬ ‫الولد هتاف البقاء الكامن يف الفطرة‬
‫‪204‬‬ ‫لو ملك عبد الدنيا بحذافريها الحتاج إىل الولد‬
‫‪205‬‬ ‫وحشة يف النفس البرشية ال يقتلعها إال األنس بالولد‬
‫‪206‬‬ ‫األوالد مثرات الفؤاد ورياحني الدنيا‬
‫‪208‬‬ ‫الولد مبخلة مجبنة محزنة‬
‫�‬‫ث ن‬ ‫ف‬
‫‪212‬‬ ‫ال�صل ال�ا ي�‬
‫‪213‬‬ ‫الرحم شجنة من الرحمن‬
‫‪214‬‬ ‫أحفال املالئكة يف القرار املكني‬
‫‪215‬‬ ‫التأوهات السعيدة للحادث الفريد‬
‫‪219‬‬ ‫ريح الولد من ريح الجنة‬
‫‪225‬‬ ‫ضعيفة خرجت من ضعيفة‪ ،‬القيم عليها معان إىل يوم القيامة‬
‫‪227‬‬ ‫كل غالم رهينة بعقيقته‬
‫‪229‬‬ ‫ال�‬ ‫ا فل�صل ث‬
‫ال� ث‬
‫‪230‬‬ ‫خري الناس‪ :‬أحناه عىل طفل يف صغره وأرعاه عىل زوج يف ذات يده‬
‫‪234‬‬ ‫اللذة واألمل املحرك األول لإلنسان‬
‫‪236‬‬ ‫من املناغاة حتى الفصاحة بالكالم‬
‫‪238‬‬ ‫الغرية من املولود‬
‫‪242‬‬ ‫دعوا ابني ال تفزعوه حتى يقيض بوله‬
‫‪244‬‬ ‫فطام برحمة وبدون آالم‬
‫‪245‬‬ ‫لذة اللعب مع الصغار‬
‫مالحظات عامة للمرحلة‬
‫‪439‬‬
‫الفهرس‬
‫ف‬
‫‪247‬‬ ‫ال�صل الرا ب�ع‬
‫‪248‬‬ ‫بني يدي التنشئة للطفل‬
‫‪250‬‬ ‫عىل ماذا يرتىب الصغار؟‬
‫‪253‬‬ ‫الطفل ال يكون نسخة ملا يف الخيال‬
‫‪254‬‬ ‫ف‬
‫األب له شأن خطري يف تنشئة الطفل الصغري‬
‫لخ م أ‬
‫ط�‬ ‫م‬ ‫ق‬ ‫ث‬
‫ل�‬ ‫ف‬
‫‪266‬‬ ‫ا� ع ال ل‬ ‫ل‬
‫وا� وا ع� ب‬
‫ب‬ ‫ال�صل ا �ا س‪ � :‬ي‬
‫سال� ب� ا‬
‫‪267‬‬ ‫كل ابن آدم خطاء‪ ،‬ولكن‬
‫‪268‬‬ ‫هل أسلوب العقوبة مرض؟‬
‫‪269‬‬ ‫مزايا أساليب العقوبة‬
‫‪271‬‬ ‫وحتى تكون أساليب الجزاء مثمرة‬
‫‪272‬‬ ‫إلنجاح أسلوب الثواب والعقاب مع الطفل بعض األمور‬
‫‪275‬‬ ‫بعض مشاكل الطفل املتعلقة بالعقوبة‬
‫‪277‬‬ ‫تطبيقات وقواعد مأثورة من الهدي النبوي‬
‫ة‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫ئ ت‬ ‫ق�ض‬ ‫ف‬
‫‪286‬‬ ‫م‬‫ل‬
‫ال�صل ال سادس‪ � :‬يا�ا وم سا�ل �ر ت� ب�ط ب� ل ما ل ا درس�‬
‫�‬‫ب‬ ‫�‬ ‫ط�‬
‫‪287‬‬ ‫مخالطة الصغري للكبري منهج يف الرتبية أصيل‬
‫‪290‬‬ ‫مشاعر الصغار يف األفراح واألتراح‬
‫‪293‬‬ ‫ع ِّودوهم الخري فإن الخري عادة‬
‫‪295‬‬ ‫التسرت يف العورات مع الصغري‬
‫‪295‬‬ ‫متى يستمتع الكبار بلعب الصغري‪ ،‬ومتى يضيقون منه؟‬
‫‪297‬‬ ‫علموا أوالدكم الكومبيوتر وركوب الطائرات‬
‫‪299‬‬ ‫لهو الفطرة والتسامح فيه‬
‫‪300‬‬ ‫مالحظات عىل طفل ما قبل املدرسة‬

‫‪440‬‬
‫الفهرس‬
‫أ‬ ‫ة‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫درس� وا ت� ساع مداركه و ت�عدد � ن�ش �ط�ته ‪304‬‬ ‫ال�صل ال سا ب�ع‪ :‬ط�ل الم‬
‫تهيئة الطفل لدخول املدرسة ومتابعته يف املدرسة طوال الدراسة ‪305‬‬
‫‪306‬‬ ‫مالحظات هامة عن طفل املدرسة‬
‫‪311‬‬ ‫جامعة األطفال وأثرها االجتامعي‬
‫‪313‬‬ ‫من الحرص ما يقتل املواهب‬
‫‪314‬‬ ‫انفعاالت ومشاكل طفل املدرسة‬
‫‪316‬‬ ‫حب البطولة يف حياة الطفل‬
‫‪317‬‬ ‫مرحلة اإلدراك والتحصيل‬
‫‪318‬‬ ‫التعليم بالعمل والقدوة‬
‫‪321‬‬ ‫معاملة الطفل النجيب واملبتكر‬
‫ة‬ ‫�ؤ‬ ‫فل�ص ث م ال فط� ل ت‬
‫ادا� وم س و يل�� الوالد ي�ن والمعلم ي�ن ‪325‬‬ ‫ا ل ال�ا ن‪ :‬ل وا بع�‬
‫‪326‬‬ ‫مسؤولية الوالدين الدينية نحو الطفل‬
‫‪328‬‬ ‫ختان الطفل والطفلة واجب أم سنة‬
‫‪329‬‬ ‫الطهارة من بول الطفل‪ ،‬ومس فرجه‬
‫‪330‬‬ ‫كيف يصبح الطفل متدي ًنا بالدين الحنيف؟‬
‫‪333‬‬ ‫عقيدة اإلميان عند الطفل‬
‫‪336‬‬ ‫الطفل والصالة‬
‫‪341‬‬ ‫الطفل والزكاة‬
‫‪342‬‬ ‫الطفل والصيام‬
‫‪344‬‬ ‫الطفل والحج‬
‫متى يدافع الصغري عن وطنه وعن دينه؟ ومتى يجاهد الصغري يف سبيل‬
‫‪345‬‬ ‫الله؟‬
‫‪349‬‬ ‫بعض األحكام التي تتعلق بالصغري‬
‫‪441‬‬
‫الفهرس‬
‫‪354‬‬ ‫الصغري والحجاب‬
‫‪355‬‬ ‫الطفل وبر الوالدين‬
‫‪357‬‬ ‫الطفل وعقوق الوالدين‬
‫‪358‬‬ ‫الطفل وصلة الرحم‬
‫‪360‬‬ ‫الطفل والرقية‬
‫‪362‬‬ ‫بعض الرقى املأثورة‬
‫‪364‬‬ ‫الطفل حياته غبطة ورسور‪ ،‬وقبضه من أهله أجر كثري‬
‫‪369‬‬ ‫حتى السقط يغفر لوالديه‬
‫‪370‬‬ ‫كهل‪ ،‬أم ميوت صغ ًريا أحب للمؤمن؟‬ ‫يعيش حتى يصبح ً‬
‫‪370‬‬ ‫من مل ميت له ولد قد يتحرس يوم القيامة‬
‫‪370‬‬ ‫الصغري يُغ ََّسل ويصىل عليه‬
‫‪370‬‬ ‫السقط يصىل عليه‬
‫‪370‬‬ ‫كيف يصىل عىل الصغري مع غريه‬
‫‪370‬‬ ‫الحزن والبكاء عىل الطفل ال مينع من األجر‬
‫‪370‬‬ ‫ما يقول من مات له ولد‬
‫‪370‬‬ ‫بعض اآلداب مع الطفل‬
‫‪370‬‬ ‫أول من يأكل باكورة الثمر طفل‬
‫‪370‬‬ ‫النهي عن الدعاء عىل الولد‬
‫‪370‬‬ ‫بركة حضور الطفل دعاء ختم القرآن‬
‫‪371‬‬ ‫يكره التفريق بني الصغري ووالده يف املجلس‬
‫‪371‬‬ ‫يستحب البشاشة مع األطفال‬
‫‪371‬‬ ‫تطلع الطفل إىل الطريف من األشياء‬
‫الحرص عىل تحفيظ الطفل شي ًئا من القرآن‬
‫‪372‬‬

‫‪442‬‬
‫الفهرس‬
‫ف ت‬ ‫ف‬ ‫ف ت‬ ‫ا فل�صل ت‬
‫‪373‬‬ ‫ط�‬
‫س� ال ل الص�ا�؟‬
‫ب‬ ‫ك�‬‫�‬‫ي‬ ‫�‬‫�‬‫ي‬ ‫ك‬ ‫ع‪:‬‬‫س‬ ‫ا‬‫ال�‬
‫‪374‬‬ ‫قلب الصغري قابل لكل ما نقش فيه‬
‫‪375‬‬ ‫التدرج وتعاطي األفعال طريق االكتساب‬
‫‪377‬‬ ‫الطفل وخلق النظافة والرتتيب‬
‫‪379‬‬ ‫بالنسبة لبدنه‬
‫‪379‬‬ ‫بالنسبة ملالبسه‬
‫‪380‬‬ ‫بالنسبة لفراشه وحجرته‬
‫‪381‬‬ ‫بالنسبة ملكتبه وحقيبة مدرسته‬
‫‪381‬‬ ‫بالنسبة للشارع واملدرسة‬
‫‪382‬‬ ‫بالنسبة للوقت والرتتيب‬
‫‪383‬‬ ‫كيف يكتسب الطفل القدرة عىل التحصيل املدريس والتفوق؟‬
‫‪384‬‬ ‫الطفل ومجتمع املدرسة الجديد‬
‫‪384‬‬ ‫آثار دخول املدرسة قبل بلوغ السن‬
‫‪384‬‬ ‫املطلوب من الوالدين لطفل املدرسة‬
‫‪387‬‬ ‫كيف نحبب القراءة إىل الطفل؟‬
‫‪388‬‬ ‫كيف ينتظم الصغري يف االستذكار؟‬
‫‪390‬‬ ‫الطريقة الصحيحة الستذكار موضوع‬
‫‪391‬‬ ‫حالة التأخر الدرايس‬
‫‪391‬‬ ‫الطفل وبر الوالدين‬
‫‪395‬‬ ‫الطفل والتكسب للمعايش‬
‫ف ت‬ ‫ف‬ ‫ف ت‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫‪400‬‬ ‫ط�‬
‫س� ال ل الص�ا�؟‬
‫ب‬ ‫ك�‬‫�‬‫ي‬ ‫�‬‫�‬‫ي‬ ‫ك‬ ‫ع‪:‬‬‫س‬ ‫ا‬‫ال�‬ ‫ل‬‫ص‬‫�‬‫ل‬ ‫ا‬
‫‪401‬‬ ‫بعض املشاكل التي تفرزها مرحلة الطفولة‬
‫‪401‬‬ ‫أسلوب التسلط‬

‫‪443‬‬
‫الفهرس‬
‫‪402‬‬ ‫أسلوب الحامية الزائدة‬
‫‪402‬‬ ‫أسلوب التفرقة يف املعاملة‬
‫‪403‬‬ ‫أسلوب اإلهامل‬
‫‪304‬‬ ‫أسلوب التدليل‬
‫‪405‬‬ ‫أسلوب القسوة‬
‫ت‬ ‫قة‬ ‫ة‬ ‫ش‬ ‫ف‬
‫‪407‬‬ ‫حاد� ع �ر‪ :‬مرحل� المراه�� وم ش�كلا�ها‬
‫ال�صل ا ل ي‬
‫‪408‬‬ ‫مرحلة املراهقة قنطرة العبور إىل مرحلة الرجولة‬
‫‪410‬‬ ‫مرحلة املراهقة تحتاج إىل متهيد وإعداد‬
‫‪412‬‬ ‫التغريات والتأثريات التي مير بها املراهق أثناء املرحلة‬
‫‪417‬‬ ‫السلوك الصحيح مع املراهق‬
‫‪428‬‬ ‫الفهرس‬

‫‪444‬‬
445

You might also like