You are on page 1of 12

‫صنيف جديد لعلوم التربية‪ ...

‬خالد زروال‪ ،‬الخميسات‪ 1 ،‬يناير ‪2018‬‬


‫‪ ...‬اهداء لرواد صفحتي في العام الجديد‬
‫مقدمة‬
‫إن المتأمل في مختلف التصنيفات التي عرفتها‪ :‬علوم التربية ليستوقفه مدى اختالف تلك التصنيفات وتعددها بتعدد الباحثين في‬
‫هذه العلوم‪ ،‬وباختالف نماذجهم المستلهمة في مجال التصنيف‪ ،‬كما قد نجد نفس الباحث لم يستقر على نفس التصنيف مع توالي‬
‫‪ (Mialaret ,G).‬سنوات البحث‪ ،‬كما هو الشأن مع مياالري‬
‫ومن عوامل هذا االختالف ما يجد مرده إلى الوضع اإلبستمولوجي لهذه العلوم التي الزالت الئحتها لم تحصر بعد‪ ،‬وما زال‬
‫‪.‬النقاش محتدما حول بعضها‪:‬‬
‫غير أن هذا الوضع اإلشكالي لمسألة التصنيف هاته يعتبر‪ ،‬في نظر البعض‪ ،‬إيجابيا لما يوفره من نقاش علمي يخدم العملية‬
‫‪.‬التربوية ويسمح ببناء نماذج نظرية موجهة للفعل التربوي‪ ،‬وللمعنيين‪ :‬بهذا الفعل وعلى رأسهم المفتش التربوي‬
‫‪:‬في هذا اإلطار‪ ،‬واسترشادا بالتراكم العلمي الذي خلفه مختلف الباحثين في هذا المجال‪ ،‬أقترح التصنيف التالي‬
‫‪:‬علوم موجهة ألصحاب القرار في مجال السياسة التربوية ‪1.‬‬
‫‪ :‬ونجد على رأس هذه العلوم‬
‫‪.‬فلسفة التربية‪ :‬التي يمكن االعتماد عليها قصد تحديد غايات وأهداف الفعل التربوي •‬
‫‪.‬تاريخ‪ :‬التربية‪ :‬قصد تحديد السياق التاريخي الذي يشرط الفعل التربوي ويؤثر فيه •‬
‫التربية المقارنة‪ :‬حيث سيمكن‪ :‬هذا العلم صاحب القرار في السياسة التربوية من االطالع على التجارب التربوية الناجحة‪ ،‬قصد •‬
‫‪.‬بناء النموذج التربوي المنشود‬
‫سوسيولوجيا التربية‪ :‬التي تمكن صاحب القرار في المجال التربوي من توجيه الفعل التربوي استنادا إلى الحاجيات اآلنية •‬
‫‪.‬للمجتمع من خالل دراسة موضوعية‬
‫اقتصاديات التربية‪ :‬وعبر هذا العلم يمكن للمقرر في مجال السياسة التربوية أن يربط غايات ومرامي الفعل التربوي بسوق •‬
‫‪.‬الشغل والمعارف والكفايات‪ :‬التي تحتاجها هذه السوق‬
‫إثنولوجيا التربية‪ :‬وهو العلم الذي يفيد في ربط السياسة التربوية بمختلف السياقات السوسيوثقافية للمعنيين بهذه السياسة‪ ،‬سواء •‬
‫‪.‬كانوا أطفاال أم راشدين‬
‫التخطيط التربوي‪ :‬وهو الطريقة العملية التي توجه السياسة التربوية قصد تحضير وتنظيم القرارات المتعلقة بالتربية والعمل •‬
‫‪.‬على تنفيذها‪ ،‬استنادا إلى معطيات باقي العلوم الموجهة األخرى‬
‫‪:‬علوم موجهة لإلدارة التربوية ‪2.‬‬
‫‪:‬وهي العلوم التي يستند اإلداريون إليها في التدبير اإلداري والتربوي للمؤسسات ويدخل في هذا المجال‬
‫علوم اإلدارة التربوية‪ :‬وتعالج مشاكل تنظيم وسير البنيات والعمليات اإلدارية‪ ،‬إضافة إلى مشاكل الفعالية‪ :‬في التسيير والتنسيق •‬
‫‪.‬بين مختلف الوظائف والبنيات واألشخاص‬
‫علم الديموغرافيا التربوية‪ :‬ويهتم بوصف حالة األعداد المقصودة بالفعل التربوي من أطفال‪ ،‬يافعين‪ ،‬راشدين‪ ،..‬من خالل •‬
‫سماتهم المختلفة (السن‪ ،‬الجنس‪ ،‬الفئات المهنية لآلباء‪ ،‬الوسط الحضري والقروي والطبقة االجتماعية‪ )...‬واستثمار ذلك في‬
‫‪.‬تخطيط المشاريع التربوية وتقييمها‪ :‬أو تعديلها‬
‫‪.‬تكنولوجيا اإلعالم‪ :‬كعلم مساعد لإلدارة التربوية في مسك المعلومات واستثمارها‪ :‬بما يفيد الفعل التربوي •‬
‫‪:‬علوم ذات الصلة بالفاعل‪ :‬التربوي الممارس‪3. :‬‬
‫‪:‬وهي العلوم التي يستند إليها المربون في عالقتهم بالفئة المستهدفة بالفعل التربوي ونجد ضمنها‪:‬‬
‫‪.‬الديدكتيك‪ :‬لبناء وصياغة االستراتيجيات التدريسية •‬
‫‪.‬علم القياس والتقويم‪ :‬ومن اهتماماته دراسة أدوات ووسائل القياس‪ :‬المستعملة في التربية‪ ،‬وتحديد شروط صالحيتها‪ :‬وتباثها‪• :‬‬
‫علم النفس االجتماعي التربوي‪ :‬وترتكز اهتماماته على تحديد الشروط العالئقية والسوسيووجدانية داخل الجماعة التربوية •‬
‫وأثرها على سلوكات األفراد وعلى مختلف األنشطة القائمة بينهم من جهة‪ ،‬وبينهم وبين المربي من جهة ثانية‪ ،‬التواصل داخل‬
‫‪...‬الجماعة‪ ،‬أنواع القيادات‪ ،‬معايير السلوك‪ ،‬مظاهر اإلبعاد واإلدماج‬
‫‪:‬علوم ذات الصلة بالفئة المستهدفة من الفعل التربوي ‪4.‬‬
‫‪:‬وهي العلوم التي تفيد في معرفة خصوصيات هذه الفئة‪ :‬أطفال‪ ،‬يافعين‪ ،‬مراهقين أو راشدين‪ ..‬ونجد ضمن هذه العلوم‬
‫سيكولوجيا التربية‪ :‬وتفيد في تعرف المراحل العمرية والخصائص المميزة‪ :‬لكل فئة مثال‪ ،‬وكيفية التعامل‪ :‬معها‪ :،‬وتوجيه •‬
‫‪.‬االختيارات والنماذج البيداغوجية استنادا إلى تلك الخصائص‬
‫‪.‬فيزيولوجيا التربية‪ :‬وتمكن المربي من استحضار الشروط الفيزيولوجية التي تسمح للطفل‪ ،‬مثال‪ ،‬بالتعلم •‬
‫هكذا يتضح أن مجال التربية يتسع لكثير من العلوم الضرورية لكل مهتم بالفعل التربوي‪ ،‬يستلهم منها النماذج النظرية و العملية‪،‬‬
‫التي تمكنه من مقاربة‪ :‬الفعل التربوي مقاربة علمية‪ ،‬ذلك أن "خاصية المرونة والحدس – مهما كانت ضرورية – لم تعد تكفي‬
‫‪".‬وحدها‪ .‬فقد أصبح من الضروري‪ ،‬بالنسبة للمربي االعتماد على معارف بيولوجية وسوسيولوجية وسيكولوجية‬
‫فكيف يمكن‪ :‬للمفتش التربوي االستفادة من مختلف مجاالت علوم التربية‪ ،‬بالشكل الذي يمكنه من استكشاف الفعل التربوي وتحليله‬
‫ثم تفسيره‪ :‬وتقييمه‪ ،‬بغاية التدخل و الفعل فيه قصد اإلسهام في تجويده وتطويره؟‬
‫في عالقة مهام هيئة التفتيش التربوي بمجاالت علوم التربية‬
‫استنادا إلى المذكرة‪ 114 :‬يمكن جرد الكثير من مهام التفتيش التربوي والتي تكمن أساسا في‪ :‬التأطير‪ ،‬المراقبة‪ ،‬التتبع والتقويم‪،‬‬
‫‪.‬التنشيط التربوي وتنسيق الوحدات الدراسية‬
‫‪:‬إنها مهام ال يمكن للمفتش التربوي االضطالع بها‪ ،‬بشكل علمي‪ ،‬دون االعتماد على معطيات علوم التربية‬
‫في التأطير التربوي‪ :‬إن هذه المهمة تقتضي منه اإللمام بفلسفة التربية لما توفره من إمكانات‪ :‬للتأمل والتفكير في قضايا •‬
‫المنظومة التربوية‪ ،‬والوقوف عند غاياتها بشكل يسمح للمفتش التربوي‪ ،‬ومن خالله األساتذة الذين يشرف على تأطيرهم‪ ،‬التموقع‬
‫المناسب إزاء هذه المنظومة وما تروم تحقيقه من مخرجات‪ ،‬األمر الذي يتطلب االنفتاح على علوم موجهة أخرى‪ ،‬من قبيل‪:‬‬
‫‪.‬تاريخ التربية‪ ،‬اقتصاد التربية‬
‫إن مهمة‪ :‬التأطير التربوي تتطلب‪ ،‬وعالوة على جانب التأمل والتفكير‪ ،‬جانبا تطبيقيا يستجيب لحاجيات هيئة التدريس الميدانية‪،‬‬
‫‪.‬وهنا نسجل ضرورة إلمام المفتش التربوي بعلم الديدكتيك‬
‫‪.‬وارتباطا بتأطير هيئة اإلدارة فإن المفتش التربوي مطالب باإللمام بمعطيات علم اإلدارة المدرسية الضروري في هذا المجال‬
‫في المراقبة والتتبع والتقويم‪ :‬اإللمام بعلم التقويم قصد التمكن‪ :‬من بناء أدوات قياس موضوعية في تتبع أعمال‪ :‬األساتذة و •‬
‫‪.‬تقييمها‪:‬‬
‫في التنشيط التربوي‪ :‬إن إنجاز الدروس التجريبية وتنشيط اللقاءات والندوات التربوية يقتضي من المفتش التربوي االطالع •‬
‫و ‪ recherche- action"،‬على مستجدات علوم التربية‪ ،‬وهو ما يؤهله أيضا لمهمة البحث التربوي خاصة "البحث التدخلي‬
‫بالتالي إنتاج وضعيات تربوية مالئمة للمحيط السوسيوثقافي والسوسيواقتصادي للمتعلم‪ ،‬األمر الذي يستدعي من المفتش التربوي‬
‫‪...‬االطالع على معطيات علوم من قبيل‪ :‬سوسيولوجيا التربوية‪ ،‬إثنولوجيا التربية و سيكولوجيا التربية‬
‫وانطالقا من المذكرة ‪ 113‬فإن المهام السابقة الذكر سيضطلع بها المفتش التربوي في إطار مقاربة‪ :‬جديدة لعمل هيئة التفتيش‪،‬‬
‫بشكل عام والتفتيش التربوي بشكل خاص‪ ،‬يكمن جوهرها في مبدأ العمل الجماعي التشاركي القائم على تنسيق العمل بين كافة‬
‫‪.‬مكونات الهيئة وبكل التخصصات والمسالك والمجاالت‬
‫‪:‬وإن انخراط المفتش التربوي في هذا العمل التشاركي ليتطلب منه اإللمام بمجاالت أخرى لعلوم التربية نذكر منها‬
‫مجال التخطيط التربوي‪ :‬الذي يزوده بآليات االشتغال وفق ثقافة المشروع التربوي القائم على التدبير بالنتائج انطالقا من رصد •‬
‫‪.‬حاجيات المنطقة التربوية بكافة مسالكها وتخصصاتها‪:‬‬
‫مجال تكنولوجيا اإلعالم‪ :‬وما يوفره للمفتش التربوي من إمكانات‪ :‬للتواصل مع كافة الفاعلين‪ :‬التربويين‪ ،‬قصد التنسيق أو •‬
‫‪.‬التأطير أو التوجيه‪ ،‬كما يمكنه من تفعيل مشروعه التربوي في كافة مراحله ‪:‬اإلعداد‪ ،‬اإلنجاز‪ ،‬التتبع والتقويم‬
‫مجال السيكوسوسيولوجيا ‪ :‬وتحديدا مجال دينامية الجماعة‪ :‬الذي يؤهل المفتش‪ :‬التربوي للتواصل الفعال‪ :‬مع افراد الجماعات‪• :‬‬
‫‪.‬التي ينشط داخلها‪ ،‬بشكل يتيح تجاوز الصعوبات وبلوغ األهداف المتوخاة‬
‫على سبيل الختم‬
‫إن عالقة المفتش التربوي بمجاالت علوم التربية وطيدة ‪،‬غير أن الوضع اإلبستمولوجي لهذه العلوم وما يرتبط به من تعدد في‬
‫تصنيفاتها ‪ ،‬يجعلها منفتحة على علوم أخرى مستقبال‪ ،‬وال غرو في هذا التحول والتعدد ما دام أن موضوع هذه العلوم هو‬
‫اإلنسان‪ ،‬األمر الذي يقتضي من المفتش‪ :‬التربوي مواكبة مستجداتها‪ ،‬كما ينبغي أن نسجل ان عالقته بهذه العلوم هي في األصل‬
‫عالقة وظيفية ‪ ،‬فهي علوم ال تقصد لذاتها أو ألجل الترف الفكري‪ :‬بل لتكييفها‪ :‬مع الوضعيات التربوية بما يخدم الفعل التربوي‬
‫‪.‬ويسهم في تطويره‬
‫إعداد‪ :‬خالد زروال‬

‫تغيير اإلطار وجدلية أداة – كائن موضوع‬


‫‪:‬مالحظات أولية‬

‫‪ Regine Douady‬أ‌‪ -‬يرتكز هذا العرض باألساس على مقال الباحثة الفرنسية‬

‫‪: Recherche en didactique des mathématiques‬والمنشور بالمجلة المتخصصة‬

‫‪: R. DOUADY -1986 -Volume 7-2 – Recherche en Didactique des‬المرجع‬


‫‪Mathématiques -La Pensée Sauvage.‬‬

‫‪ "dialectique‬ب‌‪-‬الصيغة جذلية‪" ‬األداة‪-‬الكائن أو الموضوع"‪ ‬هي ترجمة شخصية للصيغة الفرنسية‪ ‬‬


‫يعبر عن "الكائن" في بعض السياقات ‪ objet "" ‬وفي رأيي الخاص فإن مصطلح‪outil-objet  ‬‬
‫‪.‬سنقف عندها خالل العرض ويعبر عن "الموضوع" عندما يكون الكائن موضوع دراسة‬
‫حسب المعجم الصادر عن "‪ "objet mathématique ‬أما المصطلح العربي المقابل لمصطلح‬
‫‪.‬وزارة التربية الوطنية(‪ ،)1( )1980‬فهو "الكائن الرياضي"‪ .‬لذا ارتأينا استعمال المرادفين‬

‫‪.‬مصطلحات الرياضيات في التعليم العام"‪ .‬معجم عربي فرنسي‪ .‬مطبعة النجاح‪ .‬الدار البيضاء‪(1)   " ‬‬

‫ابستمولوجيا المعرفة الرياضية‪        I. ‬‬

‫‪:‬يقسم الباحثون في ديداكتيك الرياضيات المعرفة الرياضية إلى اربعة انواع حسب مجاالت االشتغال‬

‫المعرفة العالمة (عند الباحث أو المختص) ‪-‬‬

‫المعرفة الرياضية في المقررات الدراسية ‪-‬‬

‫المعرفة المدرسية التي يقدمها األستاذ ‪-‬‬

‫المعرفة المكتسبة من طرف التلميذ ‪-‬‬

‫عمل الباحث في الرياضيات‪II. ‬‬

‫يواجه الباحث في الرياضيات مجموعة من المشاكل التي لم يسبق ألحد أن وجد لها حلوال‪ .‬فتراه يستثمر لهذا الغرض ‪ ‬‬
‫مجموعة من المعارف الرياضية‪ @،‬بعضها مؤسسي ومشترك بين جماعة الرياضيين (هذا الفضاء مقعر أم ال؟ هذه الدالة‬
‫متصلة أم ال؟) والبعض اآلخر مرتبط باألسئلة المطروحة والطرائق المختارة والممارسات الشخصية‪ .‬ولحل الوضعيات‬
‫الرياضية (الفضاء الطوبولوجي‪ ،‬الدوال )‪ (objets‬المسألة‪،‬يعبئ الباحث أيضا مجموعة من األشياء أو الكائنات‬
‫‪.‬المتصلة‪ ،‬التقعر‪ )...‬والتي لها داللة داخل المجال المدروس‬

‫‪).‬المبرهنة‪ :‬صورة فضاء مقعر بدالة متصلة هي فضاء مقعر( ‪ (outil):‬جملة من هذه األشياء تكون في وضع األداة‬

‫وينسج الباحث أيضا شبكة من العالقات بين مفاهيم تنتمي إلى نفس اإلطار أو إلى إطارات مختلفة (جبري‪ ،‬هندسي‪،‬‬
‫مبياني‪ ،‬تحليلي‪ ،‬عددي‪ .)...‬عملية تغيير اإلطار عادة ما تؤدي بالباحث إلى إنتاج وابتكار مفاهيم وطرق جديدة‪ ،‬تسمى”‬
‫‪.‬تجيب على حاجيات اللحظة )‪“(outils‬أدوات‬

‫وضع األداة ووضع الكائن لدى مفهوم رياضي‪    III.‬‬


‫‪statut d’outil et statut d’objet pour un concept mathématique‬‬

‫يعتبر الرياضيون أنه من الضروري تقييم مدى وأهمية األدوات التي عدلوها أو ابتكروها في سياق عملهم وعرضها على‬
‫)‪ (formulation‬المجتمع الرياضي‪ .‬من أجل ذلك تراهم يبحثون عن أفضل الصياغات الممكنة‬

‫والتي تعزل هذه األدوات عن السياق الخاص للنشأة وتقديمها في صيغة معممة تمكن الحقا من إدخال تعديالت‬
‫‪.‬وتحويالت تؤدي إلى خلق أدوات مفاهيمية جديدة من طرف باحثين جدد وفي مجاالت أخرى‬

‫أ‌‪   -‬وضع الكائن‪ statut d’objet ‬‬

‫يتم اإلعالن إذن عن المعرفة الجديدة وقد نزع عنها كل ما يحيل على سياق النشأة أوعلي شخصية الباحث‪ .‬فعادة ما‬
‫تدمج هذه المعرفة في منظومة معرفية موجودة سابقا بحيث يصبح@ بإمكانها تغيير الهندسة العامة لهذه األخيرة‪ .‬وهكذا‬
‫تصبح المعارف الجديدة في وضعية‪ ‬الكائن‪ .‬وحسب ريجين دوادي‪ ‬فالكائن الرياضي هو موضوع ثقافي له مكانته‬
‫في فترة معينة‪ r‬ومعترف به )‪ (savoir savant‬وموقعه ضمن منظومة المعارف الرياضية العالمة‬
‫‪.‬اجتماعيا‬

‫يعرف الكائن رياضيا باستقالل تام عن مجاالت االستعمال والتوظيف‪ .‬وتمكن وضعية الكائن من رسملة المعرفة وتوسيع‬
‫‪.‬المنظومة المعرفية‪ ،‬كما تمكن أيضا من إعادة استثماره@ في مجاالت جديدة وبعيدة كل البعد عن المجال األصلي‬

‫ومن اجل ضرورات البحث‪ ،‬أي حل المسائل‪ ،‬يبتكر الباحثون في بعض األحيان كائنات رياضية يكون الهدف منها ‪  ‬‬
‫ترتيب األفكار والمعارف أو تعميم النتائج@ أو توحيد المسائل التي تحل عن طريق مفاهيم من نفس المجال كالجبر مثال أو‬
‫‪.‬ألجل ضرورات العرض‬

‫مثال‪ :‬ظهور األعداد العقدية‬

‫وفي حقبة ‪: ax3 + bx2 + cx + d =0  ‬ظهرت في سياق البحث عن حلول للمعادلة من الدرجة الثالثة بمجهول واحد‬
‫‪.‬كان معروفا فيها األعداد الموجبة واألعداد السالبة‪ ،‬إنه القرن السادس عشر‬

‫المشكل الذي طرح آنذاك كان كالتالي‪ :‬كيف نفسر أنه لحل معادلة من الدرجة الثالثة وذات معامالت حقيقية‪ ،‬نحتاج إلى‬
‫حساب جذور مربعة ألعداد سالبة؟ ما هو المعنى الذي ستأخذه هته الجذور والتي ال يمكن أن تكون أعدادا (ألن مربع‬
‫عدد هو عدد موجب)؟‬

‫‪.‬استطاعت هذه األعداد أن تأخذ مشروعيتها من خالل صحة حلول المعادلة التي تمكن من إيجادها‬

‫ووجب انتظار نهاية القرن الثامن عشر ( ويسيل) وبداية القرن التاسع عشر ( كوس وفيما بعد كوشي) لكي يتم البناء ‪ ‬‬
‫) ‪ ( statut d’objet‬الرياضي لهذه األعداد وتنتقل إلى وضعية الكائن الرياضي‬

‫‪ ‬ب‌‪  -‬وضع األداة‪ (statut d’objet) ‬‬

‫يكون مفهوم معين في وضعية أداة عندما تدفعنا الحاجة إلى استعماله لحل المسائل‪ ،‬ويمكن لنفس األداة أن تكون مالئمة‬
‫لحل مسائل مختلفة‪ ،‬كما يمكن ألدوات مختلفة أن تكون مالئمة لحل نفس المسألة‪ .‬وإذا كانت هذه األداة مرتبطة بمفهوم‬
‫إذا ارتبطت باستعمال )‪ (explicite‬وتكون صريحة ‪ implicite)).‬في طور البلورة (العدد العقدي) فإنها تكون ضمنية‬
‫‪.‬واعي وإرادي لكائن رياضي محدد في حل مسألة ما‬

‫‪.‬إن البعد األدواتي هو مكون من مكونات المفهوم الرياضي‬

‫‪:‬مثال‪ ‬‬

‫؟‪ cm2 ‬هل يوجد مربع مساحته‪12  ‬‬

‫‪:‬جواب تلميذ االبتدائي أو اإلعدادي‬

‫إذن توجد لحظة‪  ‬تكون ‪ cm2 ، ‬إلى ‪ cm2 16‬فإن المساحة ستمر ال محالة من ‪cm 9‬إلى ‪cm 4‬عندما يمر الضلع من ‪3‬‬
‫‪ cm2.‬فيها المساحة‪12  ‬‬

‫‪2 - Vous n'avez pas le droit de voir cet objet.‬‬


‫‪.‬العالقة بين أبعاد المربع ومساحته هي أداة معلنة لدى تلميذ االبتدائي واإلعدادي ‪ü ‬‬
‫واتصالها ومبرهنة القيم الوسيطية هي مفاهيم ضرورية لتبرير دفوعات التلميذ‪ .‬هذه المفاهيم الرياضية ‪ x®x2 ‬الدالة ‪ü ‬‬
‫‪ (outils implicites).‬المجهولة من طرف تالمذة االبتدائي واإلعدادي تتدخل كأدوات ضمنية‬

‫)‪. (théorèmes en acte‬يتعلق األمر بمبرهنات موجودة بالفعل ‪ Vergnaud،‬بالنسبة ل‪ü  ‬‬

‫تغيير اإلطار‪IV. ‬‬

‫‪:‬أ‌‪ -‬إذا نظرنا إلى تطور الرياضيات@ عبر التاريخ‪ ،‬نجد إن جزءا كبيرا من عمل الرياضيين يخصص ل‬

‫‪،‬تأويل المسائل التي يبحثون فيها ‪-‬‬

‫‪،‬تغيير@ آرائهم نحوها (مثال بالنسبة للمعادالت التفاضلية‪ ،‬هل نتبنى@ مقاربة تحليلية أو مقاربة جبرية)@ ‪-      ‬‬

‫‪،‬تغيير@ في صياغة هذه المسائل ‪-‬‬

‫نقل هذه المسائل من إطار إلى آخر مع طرح تساؤالت جديدة تنسجم واإلطار الجديد‪( ،‬لم تحصل الجذور المربعة ‪-‬‬
‫ومستوى‪ Argand   ‬لألعداد السالبة على معنى إال بعد االنتقال من اإلطار العددي إلى اإلطار الهندسي‪ :‬مستوى‬
‫)المستوى العقدي( ‪Gauss‬‬

‫‪:‬ب‌‪       -‬تعريف وخصائص‪ ‬‬

‫يتكون إطار ما من مجموعة كائنات رياضية@ وصيغها المتنوعة والتي تنتمي@ كلها إلى فرع واحد من فروع ‪ü  ‬‬
‫الرياضيات وكذلك العالقات التي تجمع بين هذه الكائنات‪ ،‬ومختلف الصور الذهنية التي ترتبط بهذه األخيرة وعالقاتها‪.‬‬
‫‪.‬هذه الصور تلعب دورا أساسيا في توظيف كائنات إطار ما كأدوات‬

‫‪.‬يمكن إلطارين أن يشتمال على نفس الكائنات لكن يختلفا في الصور الذهنية واإلشكاليات التي يولدانها‪ü    ‬‬

‫‪.‬اإلطار دينامي بطبعه ويتطور في الزمن وحسب الفرد لكن ال يمكنه أن يتجاوز سقف المعرفة العالمة ‪ü  ‬‬

‫في بعده الرياضي‪ ،‬يتأسس اإلطار على كائنات رياضية من نفس الفرع ومن مختلف مستويات التعقيد‪ ،‬وبصياغات ‪ü  ‬‬
‫‪.‬وعالقات متنوعة‪ ،‬والتي تقتضي استعمال تشفيرات رمزية متنوعة‬

‫‪:‬مثال‬

‫‪3 - Vous n'avez pas le droit de voir cet objet.‬‬


‫‪     ‬‬

‫العملية التعليمية التعلمية لمادة الرياضيات‪V. ‬‬

‫أ‌‪        -‬المعرفة المدرسية‬

‫يتلقى المدرس على العموم وعلى شكل مقررات دراسية الئحة بالكائنات الرياضية التي عليه أن يدرسها للمتعلمين‬
‫مصحوبة بالتوجيهات التربوية (التعليمات الرسمية)‪ .‬ويكون المسؤول عن تنظيم هذه الكائنات لعرضها وتبليغها إلى‬
‫‪.‬التالميذ‪ ،‬إذن عليه أن يقوم باختيارات وأن يتخذ قرارات في هذا الشأن‬

‫‪.‬هذه األخيرة تخضع لمختلف التصورات التي يحملها هذا المدرس‬


‫ب‌‪     -‬كيف تقدم المعرفة المدرسية؟‬

‫‪:‬السيناريو‪ r‬األول‬

‫يعرض المدرس‪ ،‬في انسجام مع المحتويات المقررة للتالميذ في مستوى معين‪ ،‬مجموعة من الكائنات الرياضية‪ ،‬وهذا ‪ ‬‬
‫‪: ‬يجعله أمام اختيارين‬

‫يتطلب االختياراألول@ من المدرس عرض التعاريف والمبرهنات والخاصيات والبراهين والخوارزميات واألمثلة بمعزل ‪-‬‬
‫عن أي سياق‪ ،‬وما على التلميذ إال ان يستوعب الدرس ويطبقه في حل التمارين والمسائل‪ .‬مما يجعل التلميذ مسؤوال عن‬
‫‪.‬إعطاء معنى للكائنات الرياضية المقدمة إليه لتصبح@ أدوات لالستعمال عند الحاجة‬

‫وأن يركز على )‪ (les prototypes‬االختيارالثاني‪ @:‬على األستاذ أن يقدم لتالمذته العدد الكافي من النماذج ‪-         ‬‬
‫تطوير طرق االستعمال‪ .‬سيكون في هذه الحالة مجبرا على إعطاء األولوية لتدريس الخوارزميات مع تقليص في‬
‫‪.‬مجاالت االستعمال‬

‫لصيقة بالمجاالت المعروضة ويصعب نقلها إلى مجاالت )‪ (savoirs-faire‬يكتسب التالميذ في هذه الحالة معارف‪-‬فعل‬
‫‪.‬أخرى‬

‫‪:‬السيناريو‪ r‬الثاني‬

‫يعيد األستاذ هنا تأسيس سياق مشابه لسياق نشأة الكائن الرياضي‪ :‬يختار@ أو يكيف أو يبني مسألة تستدعي دراستها‬
‫‪.‬استحضار الموضوع الرياضي المستهدف بالتدريس‬

‫‪.‬على التالميذ أن يقوموا بدراسة الوضعية المسألة المقترحة ‪1.‬‬


‫‪.‬الوسائل الرياضية المستعملة ستكون في وضعية األدوات‪ ،‬بعضها ضمني واآلخر صريح أو معلن ‪2.‬‬

‫أ‌‪ -‬االقتراحات‬

‫‪:‬على مستوى التعليم‪1) ‬‬

‫على التعليم أن يدمج ضمن هيكلته التنظيمية فترات تلعب فيها جماعة القسم دور مجتمع مصغر للباحثين وهم يمارسون‬
‫‪.‬نشاطهم‬

‫‪:‬على مستوى الوضعية‪2) ‬‬

‫‪:‬هيكلة تنظيمية جديدة للوضعية التعليمية التعلمية مبنية على ثالثة محاور‬

‫جذلية أداة – كائن‪/‬موضوع ‪-      ‬‬

‫جذلية قديم – جديد ‪-      ‬‬

‫)‪ (jeu de cadres‬لعبة اإلطارات ‪-      ‬‬

‫‪:‬تقتضي هذه العناصر االعتماد عل مسائل تحمل المواصفات التالية‬

‫‪:‬على مستوى المسائل‪3)        ‬‬


‫نص المسألة يحمل معنى بالنسبة للتلميذ؛ ‪-      ‬‬

‫قدرة التلميذ على االنخراط في عملية البحث عن حل؛ ‪-      ‬‬

‫عدم تمكن التلميذ من الحل مباشرة باالعتماد على مكتسباته فقط؛ ‪-      ‬‬

‫ضرورة تمكن التلميذ من أن يقرر هل حله مالئم أم ال من خالل الوضعية؛ ‪-      ‬‬

‫‪،‬المعرفة التي نريد تعليمها هي األكثر@ مالءمة لحل المسألة ‪-      ‬‬

‫‪.‬يمكن صياغة المسألة ضمن إطارين مختلفين على األقل ‪-      ‬‬

‫)‪ (Dialectique outil-objet ‬جذلية أداة – كائن‪/‬موضوع‪4)    r‬‬


‫يقترح األستاذ على تالمذته وضعية مسألة مختارة بعناية‪ ،‬ونعني بجذلية أداة ‪ -‬كائن ‪ /‬موضوع‪  ،‬المسلسل التالي المكون‬
‫‪:‬من ستة مراحل‬

‫المرحلة ‪"1‬القديم"‪ :‬يعبأ التلميذ عدة مفاهيم رياضية كأدوات معلنة لحل المسألة جزئيا على األقل‪ .‬يتبنى التالميذ هذه‪ ü   ‬‬
‫‪.‬المسألة وينخرطون في عملية البحث‬

‫المرحلة ‪" 2‬البحث عن ضمني جديد"‪ :‬تدفع صعوبة الحل التالميذ إلى البحث عن وسائل جديدة مالئمة للحل‪ .‬يمكن ‪ü   ‬‬
‫‪،‬لعملية تغيير@ اإلطار أن تساعد على توظيف أدوات ضمنية‬

‫المرحلة ‪ : 3‬مأسسة جزئية أو محلية‪  :‬تكون بعض العناصر التي استعملها التالميذ في المرحلة األولى قد لعبت ‪ ü   ‬‬
‫دورا حاسما في المرحلة الثانية‪ ،‬سيتبناها التالميذ ويصوغونها بشكل صوري‪ ،‬إما على شكل كائنات أو عل شكل طريقة‪.‬‬
‫يمكن كذلك أن يتعلق األمر بقناعات كانت موضوع نقاش وأدت إلى إنتاج صياغات صورية مبررة‪ .‬يتعلق األمر هنا‬
‫‪".  ‬بأدوات جديدة معلنة" يمكن إعادة استعمالها والتعود عليها‬

‫‪.‬تكون في هذه المرحلة كل أعمال التالميذ واقتراحاتهم محط نقاش جماعي‬

‫)‪ (statut d’objet‬المرحلة ‪ :4‬المأسسة‪-‬وضع الكائن‪ü   ‬‬


‫يعرض األستاذ المعارف الجديدة‪ .‬ينظم ويهيكل التعاريف والمبرهنات والبراهين مع التنبيه@ إلى ما هو أساسي وما هو‬
‫للمفاهيم الجديدة التي استعملت كأدوات لحل )‪ (statut d’objet‬ثانوي‪ .‬ويكون من مسؤوليته إسناد وضع الكائن‬
‫‪.‬المسألة‬

‫المرحلة‪ :5 ‬االستئناس وإعادة االستثمار@‪ü    ‬‬

‫سيكون على التالميذ في هذه المرحلة حل تمارين متنوعة تستدعي استعمال المعرفة الممأسسة‬
‫وبالتالي سيعملون على تنمية وتطوير عاداتهم وخبراتهم‪ .‬كما سيعملون على دمج معارفهم ‪(institutionnalisée)،‬‬
‫‪.‬االجتماعية ومواجهتها بمعارفهم الخاصة‪ ،‬وعلى تنمية تصوراتهم بشكل يسمح لهم بالتعامل مع حقل أوسع من المسائل‬

‫المرحلة ‪ : 6‬تعقيد المهام أو مسائل جديدة‪ü   ‬‬

‫يقترح األستاذ على التالميذ مسألة أكثر تعقيدا تجعل الكائن موضوع الدرس يلعب دور "القديم الصريح" من أجل‬
‫‪.‬الشروع في دورة جديدة لجدلية األداة‪-‬الكائن‬
‫)‪ (jeu de cadres‬لعبة اإلطارات‪5) ‬‬

‫يستعمل هذا التعبير عندما تتم عملية تغيير اإلطار بإيعاز من األستاذ من أجل مساعدة التالميذ على التقدم في مراحل‬
‫البحث وبلورة جملة من األسئلة المناسبة بخصوص المسألة المطروحة‪ .‬ويمكن التمييز بين مراحل ثالث تهم هذا‬
‫‪:‬اإلجراء@‬

‫‪:‬أ‌‪  -‬مرحلة النقل والتأويل‬

‫تكون المسألة المقترحة على التالميذ مصاغة في إطار معين‪ ،‬جبري هندسي‪ ،‬تحليلي‪ ... ،‬وأخذا بعين االعتبار@‬
‫لمعارفهم ‪ ،‬وتجاربهم وعاداتهم‪ ،‬ستقودهم دراسة المسألة المقترحة إلى ترجمة نص المسألة أو جزء منه في إطار آخر‪،‬‬
‫ثم القيام بتأويل عدد من األسئلة‪ .‬سيعملون على إقامة عدد من التقابالت أو الترابطات ما بين اإلطارات (بين الكائنات‬
‫وبين العالقات)‬

‫‪4 - Vous n'avez pas le droit de voir cet objet.‬‬


‫‪:‬ب‌‪-‬مرحلة التقابالت الناقصة‬

‫إن التقابالت التي نسجها التالميذ بين مختلف اإلطارات تظل ناقصة في هذه المرحلة وذلك ألسباب إما رياضية@ محضة‪،‬‬
‫‪.‬أو لعدم كفاية معارفهم‪ ،‬فتصبح الوضعية المقترحة مولدة لحالة الالتوازن المعرفي وتسمح بإعادة هيكلة المعارف‬

‫‪:‬ج‪ -‬تحسين التقابالت وتقدم المعرفة‬

‫إن إقامة تواصل‪/‬حوار مناسب بين اإلطارات سيشكل عامال أساسيا في حصول حالة التوازن‪ ،‬كما أن التفاعل ما بين‬
‫‪.‬هذه اإلطارات يسمح بتقدم وتنمية المعارف المنتمية لكل منها‬

‫ع‪ .‬اللطيف زريوال‬

‫ماقبل الرياضيات الحديثة ‪:1962 -1955‬‬

‫بعد استقالل المغرب والى غاية ‪ 1962‬ك انت مق ررات الرياض يات ال تي تُ َدَّرس في المغ رب هي نفس ها ال تي‬
‫تُ َدَّرس في فرنس ا وك انت تعتم د باألس اس على التحلي ل وعلى الهندس ة بش كلها الكالس يكي‪ .‬من جه ة أخ رى‪،‬‬
‫وفي ال وقت ال ذي لم تَ ْع رف رياض يات التعليم الث انوي أي تغي ير لق رون طويل ة في الع الم بأس ره‪ ،‬فق د ع رفت‬
‫الرياضيات العليا في الجامعات األوربية واألمريكية تطورا كبيرا‪ ،‬الشيء الذي دفع بالكثير من األكاديميين الى‬
‫المن اداة بتقليص اله وة بين رياض يات الجامع ة ورياض يات التعليم الث انوي وق د ع رفت أوروب ا بالخص وص‬
‫موجة من االنتقادات لمقررات الرياضيات بالتعليم الثانوي منذ نهاي ة الق رن التاس ع عش ر‪ ،‬لكنه ا لم تج د آذان ا‬
‫ص اغية إال بع د أن ف وجىء الع الم ب إطالق أول س بوتنيك في أكت وبر ‪ 1957‬من ط رف الس وفيات ‪ ،‬وق د ش كل‬
‫هذا الحدث التاريخي الهام لحظة فارقة في مسار تطور مادة الرياضيات في العالم‪.‬‬

‫تطبيق الرياضيات الحديثة في المغرب ‪:1982 -1962‬‬

‫خلق إطالق أول سبوتنيك في أكتوبر ‪ 1957‬انزعاجا قويا للغرب من ت أخره التكنول وجي واع ترفت الحكوم ة‬
‫األمريكي ة عالني ة بت أخر بل دها في مج ال الرياض يات مقارن ة م ع ال روس‪ .‬الش يء ال ذي جعله ا تتخ ذ ق رارات‬
‫بتنظيم التعليم بشكل يتيح للتالميذ النجباء‪ ،‬التّقدم بسرعة نحو الهدف دون ض ياع لل وقت‪ ،‬حيث ت بين له ا ِب أن‬
‫تدريس رياضيات مبنية على المنطق الصارم‪ ،‬هو االختي ار األمث ل لت دريس المف اهيم الحديث ة وتحقي ق التف وق‬
‫في الرياضيات‪.‬‬

‫ك انت ه ذه الرياض يات ال تي أطل ق عليه ا آن ذاك ”الرياض يات الحديث ة“‪ ،‬وال تي حس مت الظ روف والمص الح‬
‫االس تراتيجية لل دول في تبنيه ا بس رعة قياس ية‪ ،‬ك انت بمثاب ة ث ورة على رياض يات أقلي دس ال تي ك انت هي‬
‫أساس ت دريس ه ذه الم ادة في مختل ف دول الع الم ط وال ‪ 2000‬س نة‪ .‬وق د فعلت نش وة االحس اس باالنتص ار‬
‫على الرياض يات الكالس يكية من ط رف زعم اء تح ديث الرياض يات الفرنس يين " مجموع ة ‪ " Bourbaki‬فَ َعلت‬
‫ِف ْعلَتَها في ع الم الرياض يات الفرنس ي ‪ Dieudonné‬حين ص اح خالل م ؤتمر التع اون االقتص ادي األوروبي (‬
‫‪”. )1959‬ليس قط أقيلي دس‪ ،‬ال مثلث ات بع د اآلن“ « ‪ . » à bas Eucide, plus de triangles‬وهك ذا‬
‫ومن ذ ذل ك ال وقت أص بحت الهندس ة الكالس يكية االقليدي ة‪ ،‬رياض يات متج اوزة وحلت محله ا رياض يات جدي دة‬
‫وهي " الرياضيات الحديثة" ‪.‬‬

‫ويعت بر المغ رب من أوائ ل ال دول ال تي طبقت فيه ا ب رامج الرياض يات الحديث ة الى ج انب الوالي ات المتح دة‬
‫األمريكي ة( البداي ة ‪ 1962‬على ي د ‪ J.P.Nuss‬والتعميم ‪ 1968‬على ي د ‪ ،)Y.Peureux‬قب ل أن تطب ق في‬
‫فرنسا (‪ . )1969‬ويرج ع الس بب في ذل ك أوال للحم اس ال ذي ك ان يطب ع المس ؤولين عن ت دريس الرياض يات‬
‫ب المغرب بحكم أنهم فرنس ين‪ ،‬وه ذا ش يء ج د مهم ألن ه ال يجب أن ننس ى أن ث ورة التغي ير ه ذه ك انت بقي ادة‬
‫علم اء فرنس يين س اهموا من جه ة في تط وير م ادة الرياض يات من ذ الق رن الس ابع عش ر ( – ‪Descartes‬‬
‫‪ ) … Pascl – Fermat‬ومن جه ة أخ رى ق ادوا ث ورة التغي ير والمطالب ة بتط وير ب رامج الرياض يات في‬
‫التعليم الث انوي من ذ أواخ ر الق رن التاس ع عش ر ‪ .‬وهك ذا ف أن تص دير ث ورة التغي ير نح و المغ رب كلن طبيعي ا‬
‫بحكم أن الالع بين في مج ال ت دريس الرياض يات ب المغرب ك انوا من نفس جنس ية ص انعي ه ذه الث ورة ‪ ،‬أم ا‬
‫قضية أن المغرب كان سباقا للدخول في اللعبة قبل فرنسا نفس ها ‪ ،‬فربم ا ك ان الف اعلون في المي دان المغ ربي‬
‫أكثر سرعة وحماسا لتطبيق هذا النظ ام بمبارك ة من المس ؤولين السياس يين المغارب ة المتحمس ين لبن اء دول ة‬
‫حداثية‪ .‬وهناك احتمال ان يكون األمر محكوما ب دافع تج ريب ه ذا النظ ام الجدي د على المغارب ة قب ل المخ اطرة‬
‫بتطبيقه على الفرنسيين لكنه احتمال ضعيف جدا بحكم أن الفرق الزمني لبداية تطبيق هذا النظام بين المغ رب‬
‫وفرنسا هو سنة واحدة فقط‪.‬‬

‫وقد أعطت الرياضيات الحديثة أهمي ة قص وى ألساس ات الرياض يات والمنط ق ونظري ة المجموع ات والبني ات‬
‫الجبرية والتحليل واهتمت بالمحتوي الرياضي والبرهان االستنتاجي المبني على التطبيق الصارم للمنط ق ولم‬
‫تُِعراهتماما كبيرا للجانب البيداغوجي او الديداكتيكي‪.‬‬

‫وقد استفاد المغاربة من هذه الطفرة حيث كان التك وين في مج الي الرياض يات والفيزي اء ص لبا متين ا الش يء‬
‫ال ذي مكن المغ رب من الحص ول على أط ر عالي ة الكف اءة من األس اتذة و المهندس ين ال ذين ك انوا يعوض ون‬
‫ِّر ه ذه‬
‫ص دُ‬‫األطر الفرنسية العاملة بالمغرب شيئا فشيئا‪ ،‬بل أكثر من ذلك فقد أصبح المغرب بعد فترة قص يرة ُي َ‬
‫األطر ‪ ،‬في إطار اإلعارة‪ ،‬الى جميع دول الخليج التي ك انت واعي ة بج ودة المنت وج المغ ربي مقارن ة م ع أط ر‬
‫واردة من دول عربية أخرى‪ .‬من جهة أخرى فقد كانت فرنسا نفسها تفكر في استيراد أساتذة الرياض يات من‬
‫المغ رب نظ را لكف اءتهم‪ ،‬كح ل محتم ل لتغطي ة النقص المه ول في أس اتذة الرياض يات‪ ،‬ال ذي ك انت تع اني من ه‬
‫فرنسا نهاية الثمانينات‪.‬‬

‫ب الرغم من اإليجابي ات ال تي ذكرن ا‪ ،‬ف إن الص رامة ال تي ك انت تتم يز به ا ه ذه الرياض يات منعت الكث ير من‬
‫التالميذ من التعاطي معها حيث كانت بحق " رياضيات النخبة" ‪ ،‬فرغم أن األس باب ال تع ود الى مس ألة تط بيق‬
‫الرياضيات الحديثة وحدها إال أنه ا تع د س ببا مهم ا ‪ ،‬الش يء ال ذي أدى الى ب زوغ انتفاض ات جدي دة تس تنكر "‬
‫حجم الدمار" الذي تركه تطبيق هذا النوع من الرياضيات وظهرت "الثورة المضادة " على شكل أص وات كث يرة‬
‫في العالم تدعو الى تطبيق رياضيات أكثر ديمقراطية تحت عنوان " الرياضيات للجميع"‬

‫كانت هذه الموجات االحتجاجية مرفوقة بتحليالت لمساوىء الرياضيات الحديثة وتحم ل دع وات الى االهتم ام‬
‫بدي داكتيك الرياض يات وطرائ ق الت دريس ح تى يتمكن جمي ع التالمي ذ من أخ ذ نص يبهم من الرياض يات بم ا‬
‫يتناسب مع حاجياتهم وتوجههم وبالطرائق التي تالئمهم‪ .‬بالنسبة لفرنسا مثال كانت األم ور أك ثر تنظيم ا حيث‬
‫ظه رت موج ة مراك ز البحث في ت دريس الرياض يات ‪ IREM‬ال تي أخ ذت على عاتقه ا دراس ة ك ل م ا يتعل ق‬
‫بتطوير تدريس هذه المادة‪.‬‬

‫بداية التراجع عن الرياضيات الحديثة وتعريب الرياضيات ‪:1989 -1982‬‬

‫في إط ار ه ذه الحركي ة الداعي ة الى إع ادة النظ ر في مس ألة ت دريس الرياض يات في الع الم أجم ع س واء من‬
‫ناحي ة الغاي ات أو المحت وى أو طرائ ق الت دريس ارت آى المغ رب أن ي دمج إص الح ال برامج وتع ريب تعليم‬
‫الرياضيات مرة واحدة‪ .‬وإ ذا كان إصالح ال برامج مفهوم ا ألن الع الم كله ا اكتش ف المش اكل المرتبط ة بتط بيق‬
‫الرياضيات الحديثة ومنها عدم قدرة التالميذ على مسايرة دروس الرياضيات المقدمة لهم به ذه الطريق ة‪ ،‬ف إن‬
‫ُد َعات التعريب في المغرب استغلوا الفرص ة واعت بروا أن اللغ ة الفرنس ية هي ك ذلك س بب في ض عف مس توى‬
‫التالميذ في الرياضيات باالضافة الى مبررات واهية أخرى من أج ل تمري ر مخط ط التع ريب‪ .‬وهك ذا وفي س نة‬
‫‪ 1979‬ك ون الس يد وزي ر التربي ة الوطني ة لجن ة مراجع ة مق ررات الرياض يات وتعريبه ا‪.‬وج اءت األه داف‬
‫المتوخاة من هذه المراجعة كالتالي ‪:‬‬

‫تجنب التنظير واإلفراط في التجريد ؛‬

‫إلغاء االنتقائية وتبني شعار الرياضيات للجميع؛‬

‫وضع برنامج خاص لكل شعبة يخدم خصوصياتها؛‬

‫تقديم المفاهيم بالتدرج من مستوى آلخر (مقاربة حلزونية)؛‬

‫إعطاء أهمية خاصة لجميع أنواع البرهان والتحليل والتوليف و النقد؛‬


‫االهتمام بالهندسة المستوية والفضائية الكالسيكية؛‬

‫التخلي النهائي عن الرياضيات الحديثة ‪:2000 -1989‬‬

‫نشير في بادىء األمر الى أن الفترة الفاصلة بين ‪ 1989‬و ‪ 2000‬وبعدها بعدة سنوات ك انت متم يزة ج دا‪،‬‬
‫حيث فتحت أوراش مهم ة ونوعي ة تؤك د ع زم المغ رب على االس تثمار في مج ال التعليم وذل ك بالعم ل على‬
‫تطوير الكفاءات حيث تم فتح مركز لتكوين المفتشين بباب تامسنة بالرباط في أواسط الثمانين ات يلج ه أس اتذة‬
‫التعليم الثانوي بعد مبارة ويستفيدون من تك وين لم دة س نتين تتخلله ا ف ترة ت دريب بفرنس ا لم دة ش هر تقريب ا‬
‫كما استفاد أساتذة آخ رون من تك وين في مج ال الدي داكتيك بكن دا باالض افة الى كلي ة عل وم التربي ة ال تي م دت‬
‫المغرب بأطر كفأة س اهمت في تط وير التعليم‪ .‬ه ذه األوراش كله ا ك انت متكامل ه م ع بعض ها وأعطت دينامي ة‬
‫مهم ة تجلت في نش ر العدي د من الكتب في التربي ة والدي داكتيك وعلم النفس ال تربوي وظه رت العدي د من‬
‫المجالت والمق االت ب ل ح تى الجرائ د اليومي ة أص بحت له ا ص فحات تربوي ة تنش ر فيه ا مق االت تعكس آراء‬
‫وتجارب األساتذة والمفتشين كما كانت تُ ْعقد ندوات كثيرة في عدد من المؤسسات التربوية ‪.‬‬

‫لق د س اهم ه ذا الوض ع في انتش ار ال وعي ال تربوي والدي داكتيكي في أوس اط أس اتذة الرياض يات والمفتش ين‬
‫التربوين مما ساعد على انخراط الجميع في النقاش الدائر حول "الرياضيات الحديث ة" و " الرياض يات للجمي ع"‬
‫وسهل مهمة االنتقال الى رياضيات اكثر ديموقراطية وباقتناع شبه تام من طرف كل الفاعلين التربويين ‪.‬‬

‫عن دما وص ل التع ريب الى نهايت ه بالنس بة للتعليم االبت دائي واالع دادي والث انوي س نة ‪ 1989‬تم إج راء‬
‫تعديالت جديدة على برامج الرياضيات لمسح إلزالة آخر بقايا الرياضيات الحديث ة و لتص بح الرياض يات \أك ثر‬
‫قربا وتمثيال لمطالب التغيير ودمقرطة التدريس ومنها‪:‬‬

‫التخفيف من الكتابة الرمزية في اإلعدادي؛‬

‫إدخال الهندسة الفضائية و اإلحصاء في اإلعدادي؛‬

‫االنطالق من الخاص نحو العام؛‬

‫بناء بعض المعارف انطالقا من وضعية مسألة؛‬

‫التخلي عن المجموعات و التطبيقات والبنيات الجبرية؛‬

‫تبني مقاربة التدريس باألنشطة وحل المسائل‬

‫تطبيق بنود الميثاق الوطني للتربية والتكوين ‪:2008 -2000‬‬

‫خالل هذه الفترة تمت مراجعة المناهج الدراسية انطالقا من منظور الميثاق الوطني للتربية و التكوين وهكذا‬
‫اعتبرت اللجن ة المكلف ة بإع داد ه ذه ال برامج ‪ ،‬أن م ادة الرياض يات م ادة حيوي ة بالنس بة لتك وين عق ل التلمي ذ‬
‫بشكل سليم وتدريبه على ممارسة النهج العلمي حيث تساهم هذه المادة الى ج انب الم واد األخ رى في ت دريب‬
‫التالمي ذ على التفك ير المنطقي والبره ان واالس تدالل بجمي ع أنواع ه وك ذا على أس اليب التحلي ل وال تركيب‬
‫والتأويل و النقد البناء ‪ .‬وهكذا تم العمل على‪:‬‬

‫خلق انسجام أكبر بين برامج الرياضيات بين األسالك التعليمية من االبتدائي الى الجامعي؛‬

‫التمكن أوال من الحساب العددي و المرور التدريجي إلى الحساب الحرفي؛‬

‫التخلي عن المفاهيم النظرية المعقدة ؛‬

‫إعادة االعتبار الى اإلنشاءات الهندسية وخاصيات التحويالت دون تنظير؛‬

‫االهتمام بقراءة التمثيالت المبيانية و الجداول اإلحصائية‪.‬‬

‫تخفيف مقرر العلوم التجريبية وتبسيطه‪.‬‬

You might also like