Professional Documents
Culture Documents
طارق زياد
طارق زياد
ويعني الجاحظ بالبيان الداللة على المعنى ،وبالتبيين اإليضاح ،وقد عرف الكتاب خير تعريف
بقوله الوارد في مطلع الجزء الثالث" :هذا أبقاك هللا الجزء الثالث من القول في البيان والتبيين،
وما شابه ذلك من غرر األحاديث ،وشاكله من عيون الخطب ،ومن الفقر المستحسنة ،والنتف
المستخرجة ،والمقطعات المتخيرة ،وبعض ما يجوز في ذلك من أشعار المذاكرة والجوابات
المنتخبة".
ُ عتبر كتاب البيان والتبيين ثاني أهم ُك ُتب الجاحظ ،بعد كتابه الحيوان .يتضمن الكتاب
مختارات من األعمال األدبية ،بما في ذلك الخطب والقصائد والتعليقات والرسائل .ويتطرق
الكتاب للبالغة والخطابة في خطابات بعض من الفصحاء المعروفين في العالم اإلسالمي .وقد
ساعد هذا الكتاب في إرساء األسس العلمية األولى للبالغة العربية وفلسفة اللغة.
مقتطفات من الكتاب
• الخروج مما بُني عليه أول الكالم إِسهاب.
• وأجرأ من رأيت بظهر عيب على عيب الرجال ذوو العيوب .
• ح ِّدث الناس ما حرجوك بأبصارهم وأذنوا لك بأسماعهم ،فإن رأيت منهم فترة فأمسك.
• كان السلف يخافون من فتنة القول أكثر مما يخافون من فتنة السكوت.
• قيل لعبد الملك بن مروان :عجل لك الشيب فقال :وكيف ال يعجل !! وأنا أعرض عقلي على
الناس في كل جمعة مرة أو مرتين.
• قال الحسن :لسان العاقل وراء قلبه فإذا أراد الكالم تفكر ،فإن كان له قال ،وإن كان عليه
سكت.
• خطب أحدهم ..ثم قال أحد السامعين هذا خطيب العرب لو كان في خطبته شيء من القران.
• قيل لبعض العلماء :أي األمور أمتع ؟ قال :مجالسة الحكماء ،ومذاكرة العلماء.
• قال عمر :من خير صناعات العرب األبيات يقدمها الرجل بين يدي حاجته يستنزل بها الكريم
و يستعطف بها اللئيم.
• سئل عمر بن عبد العزيز عن قتلة عثمان ،فقال :تلك دماء كف هللا يدي عنها ،فأنا ال أحب أن
أغمس لساني فيها.
« كانت تلك المقتطفات من اعداد رحاب القحطاني ونورة الفهيد وفاتن اليحـــيى « .
أما عن طريقة الجاحظ في عرضه مواضيع كتابه هذا فقد رتب الجاحظ كتابه ترتيبا ً موضوعياً.
حيث اعتمد المؤلف االستشهادات المتنوعة سواء من السنه أو من الشعر ليثري مادته العلمية
التي وثق فيها اهم الخطباء والخطب .
وعن أهمية الكتاب بالدارسات اللغوية أو االدبيه وصلته بغيره من الكتب فقد
لعب كتاب الجاحظ دوراً بارزا في رفع شأن الخطابة واألدب ككل .
وقد ألف الجاحظ كتابه البيان في أواخر أيامه تعصبا للعرب وفصاحتهم وبيانهم ،فهو في
مضمونه وغايته في الدفاع عن البيان العربي في مختلف مظاهره .
وتحدث فيه عن االلفاظ وفصاحتها ،واالفكار واالساليب ،وتناسب اللفظ والمعنى ،كما مأله
باالخبار والنوادر والطرائف ،والشعر و شواهد القرآن الكريم والحديث الشريف والخطب
واالمثال وغيرها للدفاع عن ما يذهب اليه ،مما جعل من الكتاب موسوعة ادبية تمثل ثقافة
الجاحظ التي أحاطت بمعارف عصره.
في كتاب البيان والتبيين ال يكتفي بعرض منتخبات أدبية من خطب ورسائل وأحاديث وأشعار
بل يحاول وضع أسس علم البيان وفلسفة اللغة.
ويعني الجاحظ ب ( البيان ) الداللة على المعنى ،وب ( التبيين ) اإليضاح .
أسلوبه الكتابي
واألسلوب أحد أبرز مميزات الجاحظ؛ فهو سهل واضح ،فيه عذوبة وفكاهة واستطراد بال ملل،
وفيه موسوعية ونظر ثاقب ،وإيمان بالعقل ال يتزعزع ،ويمكن أن يعرف على أنه أسلوب
عقالني علمي تمحيصي .
دعا الجاحظ من خالل ما كتب لتحرير األسلوب من الجمود والصنعة السائدين قبله ،فق ّرب النثر
من الحياة وحملّه همومها ،فأصبحت اللغة مع الجاحظ تحمل نبض الحياة والناس وتعيش
قضاياهم .
وإذا كان بعض المبدعين قد جاء إلى الحياة من األدب ،فإن الجاحظ قد جاء إلى األدب من
ً
غاية ال الحياة ،كانت الحياة عنده أوالً ،وجاء األدب ليعبر عن حقائق هذه الحياة ،وجعل لألدب
يفترق فيها الجانب الجمالي عن الجانب االجتماعي ،فأسهم بأن جعل الثقافة للجماهير حين
قصدها وتوّ جه إليها فيما يكتب .
وكان كما يقول الشاعر بدر شاكر السياب « :أول أديب عربي نزل إلى السوق فصوَّ ر لنا أحوال
الشعب تصويراً ينبض بالصدق والحياة ،بأسلوب حسبنا أن نقول فيه :أنه أسلوب الجاحظ،
والذي كان بحق مدرسة في األسلوب تخرج منها أدباء شباب وامتاز بأنه األسلوب البسيط الذي
يخفي تحته أفكاراً في تج ّد ٍد دائم ،أو تحف ُز على التجديد ،وفي كثير من النقاط يمكن
مقارنةالجاحظ مع فولتير» .
وكان الجاحظ في األدب العربي القديم مثل ( برنارد شو ) في األدب االنجليزي الحديث؛ كان
الجاحظ جاداً وهو يضحك ،مُتفلسفا ً وهو يسخر ،حيث عالج أخطر المشكالت بأسلوبه الساخر
وخفة ظلّه المعروفة .
اما ابن خلدون المغربي (732هـ 808 -هـ)فيسجل لنا رأي قدماء العلماء في هذا الكتاب ،إذ
يقول عند الكالم على علم األدب(( :وسمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول هذا الفن
وأركانه أربعة دواوين :وهي أدب الكاتب البن قتيبة ،وكتاب الكامل للمبرد ،وكتاب البيان
والتبيين للجاحظ ،وكتاب األمالي ألبي علي القالي ،وما سوى هذه األربعة فتبع لها وفروع
عنها)).
و نلفي في كل جزء من أجزاء الكتاب الثالثة بحثا ً في البيان والتبيين ،ومجموعات من األحاديث
والخطب والمقطعات والجوابات واألشعار .ولقد التزم الجاحظ هذا التصميم وقصد إليه قصداً
ليجنب القارئ الملل أو السأم بتنويع الموضوعات .وقد عبر عن ذلك بقوله" :وجه التدبير في
الكتاب إذا طال أن يداوي مؤلفه نشاط القارئ له ،ويسوقه إلى حظه باالحتيال له ،فمن ذلك أن
يخرجه من شيء إلى شيء ،ومن باب إلى باب ،بعد أن ال يخرجه من ذلك الفن ،ومن جمهور
ذلك العلم".
بهذا برر الجاحظ طرقه الموضوعات ذاتها في كل جزء من أجزاء الكتاب .فموضوع علم البيان
وفلسفة اللغة توزع على األجزاء الثالثة :في الجزء األول تحدث عن مفهوم البيان وأنواعه،
وآفات اللسان ،والبالغة والفصاحة .وفي الجزء الثاني تحدث عن الخطابة وطبقات الشعراء،
وفي الجزء الثالث تكلم على أصل اللغة وقيمة الشعر .وفي كل جزء من األجزاء الثالثة أورد
أبو عثمان منتخبات من كالم األنبياء ،خطبا ً ومقطعات وأحاديث ورسائل وأشعاراً ،نسبها إلى
مختلف طبقات الناس :عقالء وحمقى ،نساك ومتهتكين ،أعراب ومتحضرين ،رؤساء وسوقة.
الشق األول :هو ما اختاره الجاحظ من النصوص واألخبار واألحاديث والخطب والوصايا،
وكالم األعراب والزهّاد ونحو ذلك ،وهو يعنيه الجاحظ بكلمة «البيان».
والشق الثاني :هو النقد األدبي في صورته المبكرة ،فللجاحظ في هذا الكتاب نظرات فاحصة في
نصوصه ،وفي الكالم بصفة عامة ،تسمى بعد ذلك بفن «النقد» ،فهذه النظرات والقواعد التي
ساقها الجاحظ هو ما عناه بكلمة «التبيُّن».
هذا من ناحية ،وهناك ناحية أخرى تاريخية وثائقية فإنّ النسخ العتيقة من هذا الكتاب – وقد
ُّ
أثبت صورتها في تقديمي للكتاب – تقطع بأنّ عنوانه هو «البيان والتبيُّن» وهذا ما يجده
القاريء بوضوح في مصورة مخطوطة كوبريلي المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (
4370أدب) ،وتاريخ كتابتها هو سنة ،684وكذلك نقرأ هذا العنوان بوضوح في مصورة
مخطوطة مكتبة فيض هللا ،وهي في معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية تحت رقم ()887
وهناك بحمد هللا صورة منها ،وهذه النسخة مكتوبة بخط أبي عمرو محمد بن يوسف بن حجاج
اللخمي .وقد قرأها على اإلمام أبي ذر ابن محمد بن مسعود الخشني في سنة 587هج ،وكتب
هذا الناسخ أنه وجد في آخر السِّفرالذي نسخ منه الثلث الثالث من هذا الكتاب ما نصه:
«كتب هذا السفر ،وهو مشتمل على كتاب البيان والتبيُّن نسخة أبي جعفر البغدادي ،وهي
النسخة الكاملة ،فتم بعون هللا وتأييده في غرة ربيع اآلخر من سنة سبع وأربعين وثلثمئة» .أي
بعد وفاة الجاحظ بمدة ال تزيد على 92سنة.
وسأُعيد هذه التسمية الصحيحة إلى نصابها في الطبعة الخامسة إن شاء هللا ).انتهى« .قطوف
أدبية» (ص.)98 – 97 :