Professional Documents
Culture Documents
Takris Tachri3i
Takris Tachri3i
قد تقضي المصلحة اإلجتماعية الحد من حريات األفراد ،و يقدر المشرع حدود
هذه المصلحة بوصفه السلطة الممثلة إلرادة المجتمع و سيادته .و يعبر عن هذه
الحدود قانون العقوبات من خالل مبدأ "شرعية الجرائم و العقوبات" .و عندما
تباشر الدولة اإلجراءات الالزمة لكشف الحقيقة و تقرير حقها في العقاب& يبدو
خطر المساس بالحرية الفردية من خالل مباشرة هذه اإلجراءات .و لذلك يتعين
على المشرع أن يتدخل في هذه الحالة لكي يقرر الحدود التي تتطلبها المصلحة
االجتماعية للمساس بالحرية من خالل اإلجراءات الجنائية ،و السلطة التشريعية
هي التي تملك وحدها تقرير القيم االجتماعية ،و جوهر الحرية الشخصية التي ال
يجوز المساس بها على اإلطالق ،و الشروط الالزمة لتحقيق التوازن بين مصالح
المجتمع و حقوق الفرد.
و بناء على ذلك فإن القانون وحده هو الذي يحدد اإلجراءات& الجزائية منذ تحريك
الدعوى الجزائية حتى صدور حكم بات فيها ،و هو الذي ينظم إجراءات التنفيذ
العقابي بوصفها المجال الطبيعي للمساس بالحرية تنفيذا للحكم القضائي.
إن قانونية اإلجراءات الجزائية تفترض أن تصدر كافة القواعد التي تحدد هذه
اإلجراءات& عن المشرع كونها تمس من الحرية الشخصية ،و خطورة اإلجراءات&
الجزائية على الحرية الشخصية تقتضي أن ال تنظم هذه اإلجراءات& منذ اللحظة
التي تقع فيها الجريمة و حتى صدور الحكم و تنفيذه بأداة أخرى غير القانون.
فكل إجراء يتخذ في أي مرحلة من المراحل قبل ارتكاب الجريمة يجب أن يكون
محكوما بالقانون ،و ال يجوز ألي شخص سواء كان القاضي أو اإلدعاء العام أن
يبتدع إجراءات معينة لتطبق في أي مرحلة منها ،فالقانون وحده هو الذي يجب
أن يحكم هذه اإلجراءات ألن الحريات& الشخصية مصونة بموجب أحكام الدستور
2
و بهذا ال يجوز تنظيمها إال بموجب القانون
يقع على عاتق السلطة التشريعية وضع القواعد الجزائية العقابية ة التنفيذية و
اإلجرائية على حد سواء .فاالجراءات& الجزائية هي كالقواعد العقابية ،ال بد من
تنظيهما في نصوص معلنة ،طالما أنها تلزم األفراد االمتثال إلجراءات& الدعوى
الجزائية من ضبط و تفتيش و تحقيق و محاكمة ،اذ أن كل هذه اإلجراءات& تمس
من حقوق األفراد و حرياتهم مما يوجب ضرورة النص على النظام اإلجرائي
الجزائي &،ألن اإلجراءات& الجزائية في أي دولة تعكس صورة لحقوق و حريات
أفراد تلك الدولة .فالتنظيم اإلجرائي إذا يضمن حقوق المتهم و حريته،و يوازن
بينها و بين مصلحة المجتمع؛ذلك أن نظام اإلجراءات الجزائية هو من النظم
المنظمة للحريات.
1
Cass 1 er février 1956. D. 1956 p 365
2
د.احمد فتحي سرور ،الشرعية و اإلجراءات الجنائية ،دار النهضة العربية القاهرة 1977ص 34
إن مبدأ الشرعية اإلجرائية الجزائية يفرض ان تكون اإلجراءات الجزائية
منصوصا عليها بنص ،و واضحة ،و مبينا فيها السلطة المناط بها اتخاذ اإلجراء
و يعمل بها على افتراض براءة المتهم ،و تكون تحت إشراف قضائي ،فإذا صدر
حكم نهائي بإدانة المتهم سقطت براءته ،و اصبح المساس بحقوقه و حريته أمرا
مشروعا في حدود ما نص عليه الحكم الصادر و حدود الشرعية التنفيذية.
لذلك فإن الشرعية اإلجرائية تتطلب وجود نص مكتوب و معلن ،و سن هذا النص
يكون من قبل السلطة التشريعية في الدولة ،فالسلطة التشريعية هي وحدها
المخولة بسن اإلجراءات الجزائية واجبة اآلتباع و التنفيذ ،ألن اإلجراءات
الجزائية تشكل قيدا على حقوق و حريات األفراد ،فال بد من تنظيمها في نصوص
مكتوبة طالما أنها تلزم األفراد اإلمتثال إلجراءات الدعوى الجزائية ،فلكي
تحضى اإلجراءات الجزائية بالشرعية يجب أن تكون صادرة عن السلطة
المختصة بالتشريع في الدولة و أن تكون في شكل قواعد مكتوبة .فكل إجراء
يتخذ منذ وقوع الجريمة إلى حين صدور حكم نهائي فيها يجب أن يكون محكوما
بنص قانوني-قاعدة قانونية -ذلك أن التشريع المكتوب هو مصدر كل عمل
إجرائي.
يرتكز أساس مبدأ الشرعية اإلجرائية على ما تتمتع به قواعد القانون من صفة
العمومية و التجريد ،و في أنه يصدر من سلطة تمثل الشعب .و صفة عمومية
القانون و تجريده هي بذاتها ضمان أساسي ألنها تؤكد أن القيود الواردة على
الحريات& ال تستند إلى إعتبار شخصي .و ينبثق مبدأ انفراد المشرع بتنظيم قواعد
اإلجراءات& الجزائية من مبدأ أن القانون وحده هو المنظم للحريات ،و ذلك
باعتبار أن اإلجراءات& الجزائية تنطوي على مساس بالحريات &،هذا باالضافة إلى
أن قواعد اإلجراءات الجزائية في حقيقة األمر تعتبر من المبادئ العامة التي تحكم
قانون العقوبات ،3باعتبار أنه ال يمكن تطبيق قواعد قانون العقوبات بغير
قانون اإلجراءات& الجزائية.
و قد عينت كثير من الدساتير بإيضاح هذا المبدأ على غرار الدستور التونسي في
فصله ،115مثال ذلك الدستور الياباني ،تلدستور الهندي ،الدستور اإليطالي و
كذلك كل من الدستورين المصري و الفرنسي.
يمكن القول إذا أن اإلجراءات الجزائية يجب أن يكون مصدرها الوحيد هو
التشريع ،و ذلك لمساسها بالحقوق و الحريات ،و ال يجوز للمشرع أن يتنازل عن
اختصاصه بتحديد قواعد اإلجراءات الجزائية بجميع أنواعها ،و ذلك التصالها
بالحرية الشخصية للمواطنين ،فإذا جاء القانون و فوض السلطة المكلفة بتنفيذ
القانون أو تطبيقه في وضع قواعد إجرائية معينة ،فإنه يكون مخالفا للدستور.
إن للنظام اإلجرائي الجزائي طبيعة مزدوجة تتجسد في تنظيم الحرية و الحقوق
الشخصية من جهة ،و التنظيم القضائي من جهة أخرى.
3
V.GARRABOS ;le domaine de l'autorité de loi du règlement en matière pénale, thése , paris 1970 ,p 30