You are on page 1of 38

‫ني‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫لم‬

‫ا جا س ا ر ضا ة‬
‫تأليف‬
‫وليد بن إدريس املنيسي‬
‫حقوق الطبع حمفوظة لكل مسلم يرغب يف طباعتها للتوزيع اجملاني‬

‫الناشر‬

‫دار اجلامعة اإلسالمية بوالية مينيسوتا للنشر والتوزيع‬

‫الطبعة الثانية ‪ 6341‬هـ ‪ 5162 -‬مـ‬


‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬
‫‪55‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬

‫‪‬‬
‫الحمد هلل والصالة والسالم على رسول اهلل‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فهذه ورقات ضمنتها ما يحتاج المسلمون إلى التذكير به‬
‫استعدا ًدا لشهر رمضان الكريم المبارك‪ ،‬من فضائل شهر رمضان‬
‫وحكمة الصوم وأحكامه‪ ،‬وما يتعلق بذلك من الحديث عن ليلة‬
‫القدر‪ ،‬وسنة االعتكاف‪ ،‬وأحكام يوم العيد‪ ،‬والحث على دوام‬
‫االستقامة بعد رمضان‪.‬‬
‫وأسأل اهلل تعالى أن يجعل فيها الربكة ويكتب لها القبول‬
‫وكتب‬ ‫ ‬
‫وليد بن إدريس المنيسي‬ ‫ ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪77‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪6‬‬
‫ات َف َل ْم ُي ْغ َف ْر َل ُه‬
‫ان َف َم َ‬‫َق َال‪َ :‬يا ُم َح َّمدُ َم ْن َأ ْد َر َك َش ْه َر َر َم َض َ‬
‫ين‪.‬‬ ‫َف ُأد ِخ َل النَّار َف َأبعدَ ه اهلل ُق ْل ِآمين‪َ ،‬ف ُق ْل ُ ِ‬
‫ت‪ :‬آم َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫الفصل الأول‬
‫ات َفدَ َخ َل الن ََّار‬ ‫ك َف َم َ‬ ‫َق َال‪َ :‬و َم ْن ُذكِ ْر َت ِعنْدَ ُه َف َل ْم ُي َص ِّل َع َل ْي َ‬ ‫فضائل شهر رمضان‬
‫ين» رواه ابن حبان والطبراين وهو يف صحيح‬
‫َف َأبعدَ ه اهلل‪ُ ،‬ق ْل ِآمين‪َ ،‬ف ُق ْل ُ ِ‬
‫ت‪ :‬آم َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ ُ‬
‫الجامع (‪.)75‬‬ ‫عظيما من مواسم‬
‫ً‬ ‫موسما‬
‫ً‬ ‫شهر رمضان جعله اهلل تعالى‬
‫فما ظنكم بدعوة دعاها الروح األمين وأ َّمن عليها سيد‬ ‫الطاعات‪ ،‬من وفقه اهلل تعالى فيه لطاعته فقد فاز‪ ،‬ومن خذل فيه‬
‫المرسلين ‪‬؟!‬ ‫فقد هلك‪.‬‬
‫لقد كان السلف الصالح ‪ ‬يدعون اهلل ستة أشهر أن يبلغهم‬ ‫شهر قال اهلل تعالى فيه‪ :‬ﱹﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫رمضان‪ ،‬ثم يدعون اهلل ستة أشهر أن يتقبله منهم‪ ،‬وما ذلك إال‬ ‫ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ‬
‫لما علموه من الفضائل العظيمة لهذا الشهر المبارك‪.‬‬ ‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﱸ[البقرة‪.]185:‬‬
‫وكان النبي ‪ ‬يبشر أصحابه بدخول شهر رمضان‪ ،‬فيقول‬ ‫عن جابر بن سمرة ‪ ‬قال‪َ :‬ق َال‪َ :‬ص ِعدَ النَّبِ ُّي ‪ ‬ا ْل ِمنْ َب َر‪،‬‬
‫ان‪،‬‬‫لهم كما جاء يف حديث أبي هريرة ‪َ « :‬قدْ َجا َءك ُْم َر َم َض ُ‬ ‫ول اهَّللِ‪ ،‬إِن ََّك ِحي َن َص ِعدْ َت‬ ‫ين»‪ ،‬قِ َيل‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫«آمين ِآم ِ‬
‫ين آم َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َف َق َال‪ِ :‬‬

‫اب ا ْل َجن َِّة‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫َش ْه ٌر ُم َب َار ٌك‪ ،‬ا ْفت ََر َض اهللُ َع َل ْيك ُْم ص َي َام ُه‪ُ ،‬ت ْفت َُح فيه َأ ْب َو ُ‬ ‫الس اَل ُم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫يل َع َل ْيه َّ‬ ‫«أتَانِي ِج ْبرِ ُ‬
‫ا ْل ِمنْ َب َر ُق ْل َت‪« :‬آمِي َن آمِي َن آمِي َن»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬
‫ين‪ ،‬فِ ِيه َل ْي َل ٌة َخ ْي ٌر ِم ْن‬‫حيمِ‪ ،‬و ُتغ َُّل فِ ِيه َّ ِ‬
‫الش َياط ُ‬ ‫َ‬
‫و ُت ْغ َل ُق فِ ِيه َأبواب ا ْلج ِ‬
‫َْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َف َق َال‪َ :‬يا ُم َح َّمدُ َم ْن َأ ْد َر َك َأ َحدَ َوالِدَ ْي ِه َف َم َ‬
‫ات َفدَ َخ َل الن ََّار َف َأ ْب َعدَ ُه اهللُ‬
‫ِ‬ ‫ُق ْل ِآمين‪َ ،‬ف ُق ْل ُ ِ‬
‫حرِ َم» رواه أحمد والنسائي وهو يف صحيح‬ ‫َأ ْلف َش ْهرٍ‪َ ،‬م ْن ُحرِ َم َخ ْي َر َها‪َ ،‬ف َقدْ ُ‬ ‫ين‪.‬‬‫ت‪ :‬آم َ‬ ‫َ‬
‫الجامع (‪.)55‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪99‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪8‬‬
‫ت َأبواب الجن َِّة‪َ ،‬ف َلم ي ْغ َل ْق ِمنْها باب‪ ،‬وين ِ‬ ‫ِ‬
‫َادي‬ ‫َ َ ٌ َُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫اب‪َ ،‬و ُفت َِّح ْ ْ َ ُ َ‬ ‫من َْها َب ٌ‬ ‫وقصرنا يف رجب وشعبان‪ ،‬فعلينا أن نستدرك ما‬
‫كم أذنبنا َّ‬
‫الش ِّر َأ ْق ِص ْر‪َ ،‬ولِ َّل ِه ُع َت َقا ُء ِم َن‬ ‫اغي الخَ يرِ َأ ْقبِ ْل‪ ،‬ويا ب ِ‬
‫اغ َي َّ‬ ‫ََ َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُمنَاد‪َ :‬يا َب َ‬ ‫فات ونعوضه باإلحسان يف شهر رمضان‪.‬‬
‫لك ك ُُّل َل ْي َلة» رواه الترمذي وابن ماجه وحسنه األلباين يف صحيح الجامع‬
‫ٍ‬ ‫الن ِ‬
‫َّار‪َ ،‬و َذ َ‬ ‫وهلل در القائل‪:‬‬
‫(‪. )759‬‬ ‫ٍ‬
‫رجب‬ ‫الذنب يف‬
‫ُ‬ ‫َيا َذا ا َّل ِذي َما كفا ُه‬
‫ب ّين ‪ ‬يف هذا الحديث عد ًدا من فضائل رمضان‪ ،‬ففيه‪:‬‬ ‫ِ‬
‫شعبان‬ ‫َحتَّى َع َصى ر َّب ُه يف شهر‬
‫يتوصلون إلى ما كانوا‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬تق َّيد الشياطين بالسالسل‪ ،‬فال‬ ‫الصو ِم َب ْعدَ ُه َما‬ ‫شهر‬ ‫َل َقدْ أظ َّلك‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫يتصولون إليه من الشر يف غير رمضان‪ ،‬غير أن هذا ال يمنع من‬ ‫ِ‬
‫عصيان‬ ‫شهر‬
‫َ‬ ‫َفالَ ُت َص ِّي ْر ُه َأ ْيضًا‬
‫ٍ‬
‫معاص يف شهر رمضان بسبب النفوس اآلدمية األ ّمارة‬ ‫وقوع‬
‫فيه مجت َِهد ًا‬ ‫ِ‬ ‫َوا ْتل ال ُق َران َو َس ِّب ْح‬
‫بالسوء‪.‬‬
‫ِ‬
‫وقرآن‬ ‫َش ْه ُر تسبِيحٍ‬ ‫َفإِنه‬
‫‪ ‬وتغلق أبواب النار السبعة عالمة على انسداد أبواب الشر‬
‫ف‬ ‫تعرف ممن صام يف س َل ٍ‬ ‫كنت ِ‬ ‫َ‬ ‫ك َْم‬
‫َ‬ ‫َّ ْ َ‬
‫على الناس يف هذا الشهر‪.‬‬
‫ِ‬
‫وإخوان‬ ‫وج ٍ‬
‫يران‬ ‫ِ‬ ‫مِ ْن بين أه ٍل‬
‫‪ ‬وتفتح أبواب الجنة الثمانية عالمة على انفتاح أبواب‬
‫َب ْعدهمو‬ ‫واست ْب َق َ‬
‫اك‬ ‫ْ‬ ‫الموت‬
‫ُ‬ ‫أفناهم‬
‫ُ‬
‫الخير وتيسير الطاعات يف هذا الشهر‪.‬‬
‫ملك كريم مك ّلف بذلك‪« :‬يا باغي الخير أقبل»‬
‫‪ ‬وينادي ٌ‬ ‫القاصي من الدانِي‬ ‫ِ‬ ‫َح ًّيا َف َما أ ْق َر َب‬

‫أي‪ :‬تعال يا من تريد الخير‪« ،‬ويا باغي الشر أقصر» أي‪ :‬ابتعد‬ ‫َان َأ َّو ُل َل ْي َل ٍة ِم ْن َش ْهرِ َر َم َض َ‬
‫ان‬ ‫عن أبي هريرة ‪ ‬قال ‪« :‬إِ َذا ك َ‬
‫اب الن ِ‬ ‫ين‪َ ،‬و َم َر َد ُة ِ‬‫ت َّ ِ‬ ‫ص ِّفدَ ِ‬
‫َّار‪َ ،‬ف َل ْم ُي ْفت َْح‬ ‫ت َأ ْب َو ُ‬ ‫الج ِّن‪َ ،‬و ُغ ِّل َق ْ‬ ‫الش َياط ُ‬ ‫ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪11‬‬
‫‪11‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪10‬‬
‫يف حصول المغفرة لما سبق من الذنوب‪ ،‬فكيف باجتماعها؟!‬ ‫وأمسك عن الشر يا من تريد الشر‪.‬‬
‫وكلها بفضل اهلل يف هذا الشهر الكريم المبارك‪.‬‬ ‫‪ ‬ويعتق اهلل تعالى كل ليلة عد ًدا من خلقه فيحرم عليهم‬
‫«الص َيا ُم‬
‫ِّ‬ ‫عن عبد اهلل بن عمرو ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال‪:‬‬ ‫دخول النار‪ ،‬ويكتب لهم الجنة‪ ،‬نسأل اهلل تعالى أن يعتقنا من‬
‫ي‬ ‫الص َيا ُم‪َ :‬أ ْ‬
‫ول ِّ‬ ‫ان لِ ْل َع ْب ِد َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة‪َ ،‬ي ُق ُ‬
‫آن ي ْش َف َع ِ‬
‫َوا ْل ُق ْر ُ َ‬ ‫النار‪.‬‬
‫ار‪َ ،‬ف َش ِّف ْعنِي فِ ِيه‪،‬‬ ‫ات بِالن ََّه ِ‬ ‫الشهو ِ‬
‫َر ِّب‪َ ،‬منَ ْع ُت ُه ال َّط َعا َم َو َّ َ َ‬ ‫شهر رمضان سبب لتكفير السيئات ومغفرة الذنوب‪:‬‬
‫آن‪َ :‬منَ ْع ُت ُه الن َّْو َم بِال َّل ْي ِل‪َ ،‬ف َش ِّف ْعنِي فِ ِيه»‪َ .‬ق َال‪:‬‬ ‫ول ا ْل ُق ْر ُ‬ ‫َو َي ُق ُ‬
‫ات ا ْلخَ ْم ُس‪،‬‬ ‫«الص َل َو ُ‬‫فعن أبي هريرة ‪ ‬أن النبي ‪ ‬قال‪َّ :‬‬
‫« َف ُي َش َّف َع ِ‬
‫ان» رواه أحمد وهو يف صحيح الجامع (‪.)3882‬‬ ‫ان‪ُ ،‬م َك ِّف َر ٌ‬
‫ات َما َب ْين َُه َّن‬ ‫ان إِ َلى َر َم َض َ‬ ‫َوا ْل ُج ْم َع ُة إِ َلى ا ْل ُج ْم َع ِة‪َ ،‬و َر َم َض ُ‬
‫وقالاهللتعالى‪:‬ﱹﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﱸ‬ ‫َب ا ْل َك َبائِ َر» رواه مسلم‪.‬‬ ‫اج َتن َ‬ ‫إِ َذا ْ‬
‫[الحاقة‪.]24:‬‬ ‫احتِ َسا ًبا‬ ‫ان إِ َ‬
‫يمانًا َو ْ‬ ‫«م ْن َصا َم َر َم َض َ‬ ‫أيضا ‪ ‬قال ‪َ :‬‬ ‫وعنه ً‬
‫قال كثير من السلف‪« :‬هذه اآلية نزلت يف الصائمين‪ ،‬يقال‬ ‫احتِ َسا ًبا‪ ،‬غ ُِف َر‬ ‫يمانًا َو ْ‬ ‫ان إِ َ‬
‫وم ْن َقا َم َر َم َض َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫غُف َر َل ُه َما َت َقدَّ َم م ْن َذ ْنبِه‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫لهم ذلك يوم القيامة»‪.‬‬ ‫احتِ َسا ًبا غ ُِف َر َل ُه َما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َل ُه َما َت َقدَّ َم م ْن َذ ْنبِه‪َ ،‬و َم ْن َقا َم َل ْي َل َة ال َقدْ ِر إِ َ‬
‫يمانًا َو ْ‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ‬عن النبي ‪‬قال‪« :‬ك ُُّل َع َم ِل ا ْب ِن آ َد َم‬ ‫َت َقدَّ َم ِم ْن َذ ْنبِ ِه» رواه البخاري‪.‬‬
‫ف‪ ،‬ا ْلحسنَ ُة ع ْشر َأم َثالِها إِ َلى سب ِع ِمائ َِة ِضع ٍ‬
‫ف»‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُي َضا َع ُ َ َ َ ُ ْ َ‬ ‫«إيمانًا» أي‪ :‬بفرضية الصوم وسن ّية القيام‪.‬‬
‫الص َيا َم‪َ ،‬فإِ َّن ُه لِي‬
‫« َق َال اهللُ َع َّز َو َج َّل‪ :‬ك ُُّل َع َم ِل ا ْب ِن آ َد َم َل ُه إِ اَّل ِّ‬ ‫«واحتسا ًبا» أي‪ :‬طل ًبا لألجر والثواب من اهلل سبحانه‪.‬‬
‫َان َي ْو ُم َص ْو ِم َأ َح ِدك ُْم‪َ ،‬ف اَل‬ ‫الص َيا ُم ُجنَّةٌ‪َ ،‬فإِ َذا ك َ‬ ‫ِ‬
‫َو َأنَا َأ ْج ِزي بِه‪َ ،‬و ِّ‬ ‫ٍ‬
‫كاف ‪-‬بإذن اهلل‪-‬‬ ‫فهذه ثالثة أسباب كل واحد منها‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪13‬‬
‫‪13‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪12‬‬
‫ب‪َ ،‬فإِ ْن َسا َّب ُه َأ َحدٌ َأ ْو َقا َت َل ُه‪َ ،‬ف ْل َي ُق ْل‪ :‬إِنِّي‬ ‫ٍِ‬ ‫َي ْر ُف ْ‬
‫ث َي ْو َمئذ َو اَل َي ْسخَ ْ‬
‫الفصل الثاني‬ ‫ْام ُرؤٌ َصائِ ٌم»‪.‬‬
‫الحكمة من الصيام‬ ‫ب ِعنْدَ اهللِ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الصائ ِم َأ ْط َي ُ‬ ‫وف َف ِم َّ‬ ‫«وا َّل ِذي َن ْف ُس ُم َح َّم ٍد بِ َي ِد ِه‪َ ،‬لخُ ُل ُ‬ ‫َ‬
‫ك»‪.‬‬ ‫يوم ا ْل ِقيام ِة‪ِ ،‬من ِريحِ ا ْل ِمس ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َْ َ َ َ‬
‫إن اهلل سبحانه هو الحكيم‪ ،‬ال يشرع لعباده تشريعًا إال وفيه‬ ‫َان َي ْف َر ُح ُه َما‪ :‬إِ َذا َأ ْف َط َر َفرِ َح بِ ِف ْطرِ ِه‪َ ،‬وإِ َذا َل ِق َي‬ ‫لصائِ ِم َف ْر َحت ِ‬ ‫ِ‬
‫«ول َّ‬ ‫َ‬
‫حكم بالغة تعود عليهم بالسعادة يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬علمها من‬
‫ٌ‬ ‫َر َّب ُه َفرِ َح بِ َص ْو ِم ِه» رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫علمها وجهلها من جهلها‪.‬‬ ‫الجن َِّة َبا ًبا‬ ‫ِ‬
‫وعن سهل بن سعد ‪ ‬أن النبي ‪‬قال‪« :‬إِ َّن في َ‬
‫ِ‬ ‫الق َي َام ِة‪ ،‬الَ َيدْ ُخ ُل ِمنْ ُه‬ ‫ون يوم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لعباده صو َم شهر رمضان لحكم عظيمة‬ ‫وقد شرع سبحانه‬ ‫الصائ ُم َ َ ْ َ‬ ‫ان‪َ ،‬يدْ ُخ ُل منْ ُه َّ‬ ‫ُي َق ُال َل ُه َّ‬
‫الر َّي ُ‬
‫منها‪:‬‬ ‫ون الَ َيدْ ُخ ُل ِمنْ ُه َأ َحدٌ‬ ‫وم َ‬ ‫ون؟ َف َي ُق ُ‬ ‫الصائِ ُم َ‬ ‫َأ َحدٌ َغ ْي ُر ُه ْم‪ُ ،‬ي َق ُال‪َ :‬أ ْي َن َّ‬
‫‪-1‬الصوم تزكية للنفس وعالج لها من البطر واألشر‪:‬‬ ‫َغ ْي ُر ُه ْم‪َ ،‬فإِ َذا َد َخ ُلوا ُأغ ِْل َق َف َل ْم َيدْ ُخ ْل ِم ْن ُه َأ َحدٌ » ‪.‬‬
‫ان‪ ،‬الَ‬
‫الر َّي َ‬ ‫ويف لفظ‪« :‬فِي الجن َِّة َثمانِي ُة َأبو ٍ ِ‬
‫وذلك أن النفس البشرية بطبيعتها يصيبها فخر وخيالء‬ ‫اب ُي َس َّمى َّ‬
‫اب‪ ،‬ف َيها َب ٌ‬ ‫َ َ َ َْ‬
‫وطغيان‪ ،‬إذا كانت كلما اشتهت شيئًا حصلت عليه‪ ،‬والصوم‬ ‫ون» رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫الصائِ ُم َ‬
‫َيدْ ُخ ُل ُه إِ اَّل َّ‬
‫يكسر النفس ويشعرها بضعفها وعجزها وحاجتها إلى خالقها‬
‫ورازقها الذي يطعمها ويسقيها‪ ،‬وإذا مرضت فهو يشفيها‪،‬‬
‫وبذلك يجاهد المسلم نفسه وينهاها عن الهوى‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ﱹﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪15‬‬
‫‪15‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪14‬‬
‫‪-3‬الصوم تخلية للقلب من الشواغل الدنيوية وإعانة له على‬ ‫ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﱸ‬
‫التذكر والتفكر‪ :‬وكانت العرب تقول‪« :‬إذا امتألت المعدة‬ ‫[النازعات‪.]41-37 :‬‬
‫خمدت الفكرة»‪.‬‬ ‫فبالصيام يملك المسلم زمام نفسه‪ ،‬ويقودها إلى ما فيه‬
‫وعن المقدام بن معد يكرب ‪ ‬قال ‪َ « :‬ما َملأَ َ ا ْب ُن آ َد َم ِو َعا ًء‬ ‫خيرها وسعادهتا‪ ،‬ويتعود على أال يطلق لنفسه العنان فتقوده هي‬
‫َان لاَ َم َحا َلةَ‪،‬‬ ‫ب ا ْب ِن آ َد َم ُأكُلاَ ٌت ُي ِق ْم َن ُص ْل َب ُه‪َ ،‬فإِ ْن ك َ‬ ‫ِ‬
‫َش ًّرا م ْن َب ْط ٍن‪َ ،‬ح ْس ُ‬ ‫إلى ما فيه هالكه‪.‬‬
‫اب‪ ،‬و ُث ُل ٌ ِ ِ ِ‬
‫ث لنَ ْفسه» رواه أحمد والترمذي وابن ماجه‬ ‫َف ُث ُل ُث َط َعامٍ‪َ ،‬و ُث ُل ُث َش َر ٍ َ‬ ‫‪ -2‬الصوم ُيض ّيق مجاري الشيطان التي يجري بها داخل نفس‬
‫وصححه األلباين صحيح الجامع ‪.5674‬‬ ‫اإلنسان‪ :‬فعن أنس وصفية ‪ ‬أن النبي ‪‬قال‪« :‬إِ َّن َّ‬
‫الش ْي َط َ‬
‫ان‬
‫‪ -4‬الصوم عبادة يتقرب فيها العبد إلى ربه‪ :‬وذلك برتك‬ ‫َي ْجرِي ِم َن ا ْب ِن آ َد َم َم ْج َرى الدَّ مِ» [رواه البخاري ومسلم]‪.‬‬
‫محبوباته من طعام وشراب ونكاح‪ ،‬فيظهر بذلك صدق إيمانه‬ ‫وساوس الشيطان وتنكسر حدة الشهوة‬
‫َ‬ ‫فيسكن الصيا ُم‬
‫وكمال عبوديته هلل وقوة محبته هلل سبحانه‪ ،‬ورجاؤه ما عنده‪ ،‬فإن‬ ‫والغضب‪ ،‬فال يجد الشيطان مدخالً يدخل منه إلى قلب‬
‫العبد ال يرتك محبوبًا له إال لما هو أعظم عنده منه؛ ولما علم‬ ‫المؤمن‪ ،‬باإلضافة إلى تصفيد الشياطين بالسالسل يف‬
‫المؤمن أن ِرضا اهلل يف الصيام برتك العبد شهواته المجبول على‬ ‫جرب المسلم حالوة الصلة بالرحمن‪،‬‬
‫رمضان‪ ،‬فإذا ّ‬
‫حبها قدم رضى مواله على شهوات نفسه‪.‬‬ ‫والبعد عن تزيين الشيطان فإنه سيحرص بإذن اهلل‬
‫‪-5‬الصوم سبب للتقوى‪ :‬وهي فعل األوامر وترك النواهي‪،‬‬ ‫بعد رمضان على أن يكون من عباد اهلل المخلصين الذين ليس‬
‫فالعبد كما هو مأمور بالصوم عن الطعام والشراب فهو مأمور‬ ‫للشيطان عليهم سلطان‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱹﰖ ﰗ ﰘ‬
‫كذلك بالصوم عن جميع المعاصي يف رمضان هتيئة لرتكها كذلك‬ ‫ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﱸ [ص‪.]83-82:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪17‬‬
‫‪17‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪16‬‬
‫السر كالعالنية‪.‬‬ ‫بعد رمضان‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱹﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ريبـة‬ ‫فـي‬ ‫بظلمة‬ ‫خلوت‬ ‫وإذا‬ ‫ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﱸ‬
‫العصيان‬ ‫إلى‬ ‫داعية‬ ‫والنفس‬ ‫[البقرة‪.]183:‬‬

‫فاستحي من نظر اإلله وقل لها‬ ‫وكما بدأ سبحانه آيات الصيام بالتقوى ختمها بالتقوى فقال‪:‬‬
‫ﱹﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﱸ [البقرة‪.]187:‬‬
‫يراين‬ ‫الظالم‬ ‫خلق‬ ‫الذي‬ ‫إن‬
‫«م ْن َل ْم َيدَ ْع َق ْو َل الز ِ‬
‫ُّور َوال َع َم َل‬ ‫وعن أبي هريرة ‪ ‬قال ‪َ :‬‬
‫‪ -7‬الصوم تدريب على الحلم وكظم الغيظ وكف األذى‪:‬‬
‫اج ٌة فِي َأ ْن َيدَ َع َط َع َام ُه َو َش َرا َب ُه» رواه البخاري‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫بِه‪َ ،‬ف َل ْي َس ل َّله َح َ‬
‫الص َيا ُم ُجنَّةٌ‪،‬‬ ‫«و ِّ‬ ‫ففي حديث أبي هريرة ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال‪َ :‬‬
‫ب‪َ ،‬فإِ ْن َسا َّب ُه َأ َحدٌ‬ ‫َان َي ْو ُم َص ْو ِم َأ َح ِدك ُْم َفالَ َي ْر ُف ْ‬
‫ث َوالَ َي ْصخَ ْ‬ ‫َوإِ َذا ك َ‬ ‫هم بمعصية تذكر أنه صائم فامتنع منها‪.‬‬
‫ولهذا فالصائم كلما ّ‬
‫َأ ْو َقا َت َل ُه‪َ ،‬ف ْل َي ُق ْل إِنِّي ْام ُرؤٌ َصائِ ٌم » [رواه البخاري ومسلم]‪.‬‬ ‫‪ -6‬الصوم تدريب عظيم على اإلخالص هلل تعالى‪ :‬ألن‬
‫‪ -8‬الصوم مظهر لوحدة المسلمين واجتماع كلمتهم ‪:‬‬ ‫الصائم يكون يف بيته وأمامه الطعام الشهي والشراب البارد وهو‬
‫الناس المسلمين‬
‫ُ‬ ‫ألنه شعيرة ظاهرة من شعائر اإلسالم‪ ،‬فيرى‬ ‫يف شدة الجوع والظمأ‪ ،‬وال أحد يطلع عليه إال اهلل سبحانه‪ ،‬ومع‬
‫وقد أمسكوا عن المفطرات يف وقت واحد وأفطروا يف وقت‬ ‫ذلك فالصائم يرتك الطعام والشراب‪ ،‬ويتحمل الجوع والعطش‬
‫واحد‪.‬‬ ‫خوفًا من اهلل تعالى ومراقبة له وحده‪ ،‬فإذا تدبر المسلم هذا‬
‫المعنى فإنه سيفعل ذلك يف جميع المعاصي‪ ،‬إذا خال هبا تذكر‬
‫‪ -9‬رمضان شهر شكر هلل سبحانه‪ :‬ألن الصائم يحس بقدر‬
‫أن اهلل تعالى يراه‪ ،‬وقال لنفسه‪ :‬كما امتنعت من المعصية يف‬
‫النعم التي حرم منها يف وقت الصيام‪ ،‬واإلنسان عادة ال يشعر‬
‫رمضان خوفًا من اهلل وحده‪ ،‬فكذلك يف غير رمضان سأجعل‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪19‬‬
‫‪19‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪18‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ُقرآن‪َ ،‬ف َلرس ُ ِ‬ ‫بقيمة النعمة إال إذا فقدها أو خالط من فقدها فيؤدي هذا إلى‬
‫الم ْر َس َلة» رواه‬
‫ُ‬ ‫ول اهَّلل ‪َ ‬أ ْج َو ُد بِالخَ ْيرِ م َن ِّ‬
‫الريحِ‬ ‫ْ َ َ ُ‬
‫البخاري‪.‬‬ ‫حمد اهلل تعالى وشكره‪.‬‬

‫ومن مظاهر الجود التي دعينا إليها يف رمضان تفطير‬ ‫‪-10‬وهو كذلك شهر الصبر‪ :‬ألنه صرب على طاعة اهلل وصرب‬
‫«م ْن‬‫الصائمين‪ ،‬ففي حديث زيد بن خالد ‪ ‬أن النبي ‪ ‬قال‪َ :‬‬ ‫عن معصيته وصرب على المصائب وهي ألم الجوع والعطش‪،‬‬
‫الصائِ ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َل ُه م ْث ُل َأ ْجرِه‪ ،‬إِ اَّل َأ َّن ُه اَل َينْ ُق ُص م ْن َأ ْجرِ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َف َّط َر َصائ ًما‪ ،‬كُت َ‬ ‫وهذه أنواع الصرب الثالثة تجتمع كلها يف شهر رمضان‪.‬‬
‫َش ْي ٌء» [أحمد والترمذي وصححه األلباين‪ ،‬صحيح الجامع ‪.]6415‬‬ ‫‪ -11‬وهو كذلك شهر النصر والجهاد‪ :‬ففيه وقعت غزوة‬
‫وأجر الصائم عظيم قال تعالى يف الحديث القدسي‪« :‬كل‬ ‫بدر‪ ،‬وفيه فتح مكة‪ ،‬وجرت سنة اهلل تعالى يف عباده باقرتان شهر‬
‫[رواه البخاري‬ ‫عمل ابن آدم له إال الصوم فإنه لي وأنا أجزي به»‬ ‫رمضان المبارك بالفتوحات الكربى واالنتصارات العظيمة‪،‬‬
‫ومسلم عن أبي هريرة مرفوعًا]‪.‬‬ ‫وفيه فتح المسلمون بيت المقدس واسرتدوه من الصليبيين ‪.‬‬

‫فإذا علمت أنك تحوز أجر الصائم باإلضافة إلى أجرك‪،‬‬ ‫‪ -12‬رمضان شهر الجود والكرم‪ :‬ألن الصائم الغني يحس‬
‫حرصت على المشاركة يف هذا الباب العظيم من أبواب األجر‪.‬‬ ‫حينئذ بحاجة إخوانه الفقراء الذين يبيتون جائعين ال يجدون ما‬
‫يطعمون وال ما يطعمون به أطفالهم الذين يتضاغون من الجوع‪،‬‬
‫‪ -13‬رمضان شهر القرآن‪ :‬وهو فرصة عظيمة يقبل فيها‬
‫وهؤالء كثيرون يف أنحاء العالم اإلسالمي الذي تشهد كثير من‬
‫المسلمون على كتاب رهبم الذي هجروه طيلة العام فيتلونه‬
‫بالده حروبًا طاحنة ومجاعات‪ ،‬ويف حديث ابن عباس ‪ ‬قال‪:‬‬
‫ويتدبرونه‪.‬‬
‫ان‬‫ُون فِي َر َم َض َ‬ ‫َان َأ ْج َو ُد َما َيك ُ‬ ‫ول اهَّلل ِ ‪َ ‬أ ْج َو َد الن ِ‬
‫َّاس‪َ ،‬وك َ‬ ‫َان َر ُس ُ‬ ‫«ك َ‬
‫‪ -14‬ويف رمضان يتضاعف أجر العمرة‪ :‬فقد قال ‪: ‬‬
‫َان َي ْل َقا ُه فِي ك ُِّل َل ْي َل ٍة ِم ْن َر َم َض َ‬
‫ان َف ُيدَ ِار ُس ُه‬ ‫ين َي ْل َقا ُه ِج ْبرِ ُ‬
‫يل‪َ ،‬وك َ‬ ‫ِ‬
‫ح َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪21‬‬
‫‪21‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪20‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان َت ْعد ُل َح َّ‬
‫ج ًة َمعي» [رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس‬ ‫« ُع ْم َر ٌة في َر َم َض َ‬
‫الفصل الثالث‬ ‫وغيره]‪.‬‬
‫آداب الصيام‬ ‫‪ -15‬ويف الصيام فوائد صحية وإراحة لجهاز الهضم‬
‫وتخليص للجسم من رطوبات وفضالت ضارة‪ ،‬وقد ُروي‪:‬‬
‫إن للصيام آدابًا على المسلم مراعاتها منها‪:‬‬ ‫«صوموا تصحوا»‪.‬‬

‫‪ -1‬المحافظة على السحور وتأخيره‪:‬‬ ‫فإذا تأمل المسلم هذه الحكم العظيمة علم أن شريعة‬

‫فعن أنس ‪ ‬أن النبي ‪ ‬قال‪« :‬تسحروا فإن يف السحور‬ ‫اإلسالم هي الشريعة الكاملة التي فيها سعادة الدنيا واآلخرة‪،‬‬

‫بركة» [رواه البخاري ومسلم]‪.‬‬ ‫نسأل اهلل تعالى أن يبلغنا رمضان وأن يعيننا فيه على الصيام‬
‫والقيام وصالح األعمال‪ ،‬اللهم آمين‪.‬‬
‫ومن بركة السحور أنه يقوي على الصيام ويعين عليه‪،‬‬
‫وأنه فرصة لالستيقاظ يف وقت السحر لالستغفار أو‬
‫صالة ما تيسر‪ ،‬قال تعالى‪:‬ﱹﭡ ﭢ ﱸ‬
‫[آل عمران‪.]17:‬‬
‫والسحور كذلك مخالفة لهدي المشركين واقتداء هبدي‬
‫األنبياء‪ ،‬فعن أبي الدرداء ‪ ‬قال ‪« : ‬ثالث من أخالق النبوة‪:‬‬
‫تعجيل اإلفطار‪ ،‬وتأخير السحور‪ ،‬ووضع اليمين على الشمال يف‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪23‬‬
‫‪23‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪22‬‬
‫حسنه األلباين يف اإلرواء ‪.]920‬‬ ‫الصالة» [الطبراين وصححه األلباين صحيح الجامع ‪.]3038‬‬
‫‪ -5‬أن يحافظ الصائم على جميع الواجبات وأن يكثر من‬ ‫‪ -2‬تعجيل اإلفطار‪:‬‬
‫النوافل وأن يجتنب جميع المحرمات وأن يحذر الغيبة والنميمة‬ ‫للحديث السابق ولما رواه أحمد عن أبي ذر ‪ ‬قال ‪: ‬‬
‫وأن يشغل وقته بالخير‪.‬‬ ‫«ال تزال أمتي بخير ما عجلوا اإلفطار» [صحيح الجامع ‪.]7284‬‬
‫‪ -3‬اإلكثار من الدعاء أثناء الصيام‪:‬‬
‫فإن دعوة الصائم مستجابة‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ‬قال ‪: ‬‬
‫«ثالث دعوات مستجابات‪ :‬دعوة الصائم‪ ،‬ودعوة المظلوم‪،‬‬
‫ودعوة المسافر» [رواه البيهقي وغيره وصححه األلباين‪ ،‬صحيح الجامع ‪.]3030‬‬
‫‪ -4‬أن يفطر على رطبات‪:‬‬
‫حسا حسوات من ماء‪ ،‬فإن‬
‫فإن لم تكن فتمرات‪ ،‬فإن لم تكن َ‬
‫[رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن أنس وحسنه‬ ‫النبي ‪ ‬كان يفعل ذلك‪.‬‬
‫األلباين إرواء ‪.]922‬‬
‫فإن لم يجد أفطر على ما تيسر من الطعام أو الشراب الحالل‪،‬‬
‫فإن لم يجد نوى اإلفطار بقلبه‪ ،‬وأن يقول عند الفطر‪« :‬ذهب‬
‫الظمأ وابتلت العروق وثبت األجر إن شاء اهلل» [رواه أبو داود والنسائي‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪25‬‬
‫‪25‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪24‬‬
‫على المسلمين الصيام‪ ،‬وإذا لم ير الهالل أحد من المسلمين‬
‫العدول فإنه يجب إكمال عدة شعبان ثالثين يو ًما حتى لو كان‬ ‫الفصل الرابع‬
‫الهالل موجو ًدا ولم نره؛ ألن الشرع علق الصيام برؤية الهالل‬ ‫كيفية دخول رمضان‬
‫ال بوجوده‪.‬‬
‫ولهذا فقد أجمع الصحابة والتابعون واألئمة األربعة أبو‬ ‫ب ّين لنا النبي ‪ ‬أنه ليس ثمة وسيلة إلثبات دخول شهر‬
‫حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وجميع الفقهاء يف القرون‬ ‫رمضان سوى رؤية هالل رمضان أو إكمال شعبان ثالثين يو ًما‬
‫الثالثة المفضلة على أنه ال ُيعمل بالحساب الفلكي يف إثبات‬ ‫إذا لم نر هالل رمضان‪ ،‬جاء ذلك يف حديث رواه عن النبي‬
‫دخول شهر رمضان أو غيره‪ ،‬وال يف نفي شهادة الشهود الذين‬ ‫‪ ‬تسعة من أصحابه بألفاظ متقاربة هم عبد اهلل بن ُع َمر وأبو‬
‫رأوا الهالل‪.‬‬ ‫هريرة وابن عباس وحذيفة وجابر وعائشة وطلق بن علي وأبو‬
‫بل قال شيخ اإلسالم ابن تيمية عمن يعمل بالحساب الفلكي‬ ‫بكرة والرباء بن عازب ‪ ‬أن النبي ‪ ‬قال‪« :‬إذا رأيتم الهالل‬
‫يف إثبات دخول شهر رمضان‪« :‬إنه ضال يف الشريعة مبتدع يف‬ ‫فصوموا‪ ،‬وإذا رأيتموه فأفطروا‪ ،‬فإن غم عليكم فأكملوا العدة‬
‫الدين مخالف للعقل» مجموع الفتاوى (‪.)132/25‬‬ ‫ثالثين» رواه البخاري ومسلم وغيرهما‪.‬‬
‫والواجب على المسلم عند حدوث االختالف أن يرجع إلى‬ ‫وقال ‪« : ‬إنا أمة أمية ال نكتب وال نحسب‪ ،‬صوموا لرؤيته‪،‬‬
‫سنة النبي ‪ ‬وخلفائه الراشدين‪ ،‬فإذا رجعنا إلى السنة وجدناها‬ ‫وأفطروا لرؤيته‪ ،‬فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثالثين» رواه البخاري‬

‫تأمر بالعمل بالرؤية الشرعية‪ ،‬وتنهى عن العمل بالحساب‬ ‫ومسلم‪.‬‬


‫الفلكي يف األهلة‪.‬‬ ‫وعلى هذا فإنه إذا رأى مسلم واحد ٌ‬
‫عدل هالل رمضان وجب‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪27‬‬
‫‪27‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪26‬‬
‫والراجح من أقوال الفقهاء وهو قول الجمهور أنه ال عربة‬
‫الفصل الخامس‬ ‫باختالف المطالع‪ ،‬فمتى ثبتت رؤية الهالل يف بلد من البلدان‬
‫أحكام الصيام‬ ‫نشرتك معه يف جزء من الليل ولو قل فأننا نصوم تب ًعا لهم‪.‬‬

‫قال اهلل تعالى‪ :‬ﱹﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﱸ [طه‪.]114:‬‬


‫متفق عليه من‬ ‫«م ْن ُيرِد اهلل به خير ًا يفقهه يف الدين»‬
‫وقال ‪َ :‬‬
‫حديث معاوية بن أبي سفيان ‪.‬‬
‫فعلى المسلم أن يتفقه يف دينه ويعرف أحكام الصيام حتى‬
‫يكون مِ َم ْن يعبد اهلل تعالى على بصيرة‪ ،‬ويؤدي عبادته على‬
‫الوجه األكمل‪.‬‬
‫و نذكر نبذة من أحكام الصيام نوضح فيها أهم ما يحتاج‬
‫المسلم لمعرفته من أحكام صوم رمضان‪.‬‬
‫الصيام هو يف اللغة‪ :‬اإلمساك عن أي شيء‪.‬‬
‫ويف الشرع‪ :‬هو اإلمساك عن المفطرات ‪ٍ -‬‬
‫بنية‪ -‬من طلوع‬
‫الفجر الصادق إلى غروب الشمس‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪29‬‬
‫‪29‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪28‬‬
‫‪ ‬النية ‪.‬‬ ‫وصوم رمضان هو أحد أركان اإلسالم الخمسة؛‬
‫‪ ‬واإلمساك عن المفطرات؛‬ ‫فعن عبد اهلل بن عمر ‪ ‬قال ‪ُ « :‬بنِي اإلسالم على خمس‬
‫أما النية‪ :‬فدليلها من حديث عمر ‪ ‬أن النبي ‪ ‬قال‪« :‬إنما‬ ‫شهادة أال إله إال اهلل وأن محمد ًا رسول اهلل‪ ،‬وإقام الصالة‪ ،‬وإيتاء‬
‫األعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» متفق عليه‪.‬‬ ‫الزكاة‪ ،‬وصوم رمضان‪ ،‬وحج البيت من استطاع إليه سبيال» متفق‬

‫عليه‪.‬‬
‫فم ْن أمسك عن المفطرات ولكنه لم يكن ناويًا بذلك‬ ‫َ‬
‫اإلمساك الصيام فإنه ال يكون بذلك صائمًا‪ ،‬ويجب تبييت النية‬ ‫وقال اهلل تعالى‪ :‬ﱹﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫من الليل إلى ما قبل طلوع الفجر ولو بلحظة لقوله ‪« :‬من لم‬ ‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﱸ [البقرة‪.]183:‬‬
‫جمع الصيام قبل الفجر فال صيام له» رواه أحمد وأصحاب السنن عن‬
‫ي ِ‬ ‫وقال تعالى‪ :‬ﱹﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﱸ [البقرة‪.]185:‬‬
‫ُ ْ‬
‫حفصة رضي اهلل عنها‪.‬‬ ‫و َتعمد ِ‬
‫الفطر يف رمضان لغير ُعذر جريمة عظيمة وكبيرة‬ ‫َ ُّ‬
‫ومعنى ُي ْج ِمع الصيام‪ :‬أي‪ :‬يعزم على الصيام‪.‬‬ ‫من أكرب الكبائر‪ ،‬وعلى من أفطر عامد ًا يف رمضان أن يتوب‬
‫وهذا الحديث يف صيام الفرض‪ ،‬وأما صيام التطوع فال‬ ‫إلى اهلل تعالى وأن يقضي بعدد األيام التي أفطرها‪ ،‬وإذا كان‬
‫ُيشرتَط له تبييت النية قبل الفجر بل يجوز إيقاع نية الصيام يف أي‬ ‫فطره بالجماع فعليه مع ذلك كفارة عتق رقبة‪ ،‬أو صيام شهرين‬
‫وقت من النهار مادام ُممسكًا عن المفطرات‪.‬‬ ‫متتابعين أو إطعام ستين مسكينًا لمن عجز عن صيام شهرين‬
‫متتابعين‪.‬‬
‫وجمهور الفقهاء يقولون‪« :‬البد من تبييت النية كل ليلة لليوم‬
‫التالي»‪.‬‬ ‫وللصوم ركنان هما‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪31‬‬
‫‪31‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪30‬‬
‫فأباح اهلل تعالى هذه األمور الثالثة‪:‬‬ ‫وأما اإلمام مالك ‪ ‬فيقول‪« :‬يكفي نية واحدة يف أول ليلة‬
‫‪ -1‬مباشرة النساء وابتغاء ما كتب اهلل وهو الولد عن طريق‬ ‫شرع التلفظ هبا»‪.‬‬
‫من رمضان للشهر كله‪ ،‬والنية محلها القلب وال ُي َ‬
‫الجماع‪.‬‬ ‫فالخالصة؛ أن المطلوب من المسلم يف كل ليلة من ليالي‬
‫‪ -2‬األكل‪.‬‬ ‫رمضان أن يكون ناويًا بقلبه أن يصوم اليوم التالي‪ ،‬وهذا بحمد‬

‫‪ -3‬الشرب‪.‬‬ ‫اهلل أمر تيسير‪.‬‬

‫جمع عليها‪.‬‬ ‫وأما الركن الثاين من أركان الصوم فهو‪ :‬اإلمساك عن‬
‫إلى أن يطلع الفجر‪ ،‬وهذه المفطرات الثالثة ُم َ‬
‫المفطرات‪.‬‬
‫ومن المفطرات أيضًا‪:‬‬
‫والمفطرات‪ :‬هي مفسدات الصيام‪ ،‬وهي األمور التي يجب‬
‫‪ -4‬ما يلحق بالجماع؛ وهو َت َع ُّمد إنزال المني باختيار اإلنسان‬
‫على الصائم االمتناع عنها ليكون صومه صحيحًا‪ ،‬وإذا لم‬
‫باستمناء‪ ،‬أو تقبيل‪ ،‬أو مالمسةونحو ذلك؛ ألن هذا من الشهوة‬
‫ُيمسك عنها فسد صومه‪.‬‬
‫التي على المسلم اجتناهبا يف الصيام‪.‬‬
‫والمفطرات المنصوص عليها يف كتاب اهلل ثالثة وهي‪:‬‬
‫قال اهلل تعالى يف الحديث القدسي‪« :‬إال الصوم فإنه لي يدع‬
‫األكل‪ ،‬والشرب‪ ،‬والجماع‪.‬‬
‫طعامه وشرابه وشهوته من أجلي» رواه البخاري‪.‬‬
‫قال اهلل تعالى‪ :‬ﱹﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ‬
‫فأما التقبيل واللمس بال إنزال فال ُيفطر لحديث عائشة ‪‬‬
‫ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﱸ‬
‫أن النبي ﷺ «كان ُي َق ِّبل وهو صائم‪ُ ،‬‬
‫ويباشر وهو صائم‪ -‬أي‬
‫[البقرة‪.]187:‬‬
‫تمس بشرته بشرتي‪ -‬ولكنه كان أملككم إلربه» رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪33‬‬
‫‪33‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪32‬‬
‫روى أحمد وأبو داود والرتمذي وابن ماجه أن النبي ﷺ قال‪:‬‬ ‫وقولها ‪« :‬كان أملككم إلربه» دليل على أن هذه األمور‬
‫ِ‬
‫فليقض»‪.‬‬ ‫«من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمد ًا‬ ‫ُتباح إذا كان اإلنسان يعلم من نفسه أهنا ال تؤدي به إلى اإلنزال‬
‫وإذا كان اإلنسان مريضًا واحتاج إلى َت َع ُّمد االستقاءة‬ ‫وال تؤدي به إلى حصول الجماع‪.‬‬
‫إلخراج ما يؤذيه ويؤلمه فال حرج عليه‪ ،‬ويكون بذلك ُمفطر ًا‬ ‫وأما نزول المني بغير اختيار اإلنسان كاالحتالم فال ُيفطِر‪،‬‬
‫ويقضي يومًا مكانه‪.‬‬ ‫وكذلك إذا كان بسبب تفكير بدون عمل‪.‬‬
‫فهذه هي المفطرات‪.‬‬ ‫‪ -5‬ا ْل ُمفطِر الخامس‪ :‬ما كان بمعنى األكل والشرب وهو‬
‫‪ ‬وال يفطر الصائم بالحجامة عند جمهور العلماء لحديث‬ ‫حقن الدم واإلبر المغذية ألهنا تغني عن الطعام والشراب؛ وهذا‬
‫«ر َّخ َص رسول اهلل ‪ ‬للصائم يف‬
‫أبي سعيد الخدري ‪ ‬قال‪َ :‬‬ ‫المفطر ُمختَلف فيه بين العلماء‪ ،‬واالحتياط للصائم اجتنابه إال‬
‫الحجامة» رواه الدارقطني‪.‬‬ ‫ل ُعذر‪ ،‬وإذا احتاج الصائم إلى حقن دم أو جلوكوز فإنه يقضي‬

‫وقد كانت الحجامة منهيًا عنها للصائم ألهنا ُتضعفه‪ ،‬ثم‬ ‫هذا اليوم احتياطًا حتى لو لم يتناول شيئًا آخر ًا من ا ْل ُمفطِرات‪،‬‬

‫َر َّخص فيها ‪ ،‬ومثلها التربع بالدم ولكنه ُيكره للصائم ألنه‬ ‫وإن كانت العادة أن َمن احتاج لحقن دم أو إبر مغذية يكون‬

‫ُيضعف بدنه وقد يحوجه إلى الفطر‪.‬‬ ‫مريضًا‪ ،‬والمريض ُيباح له أن ُيفطر ويقضي يومًا مكانه‪.‬‬

‫‪ ‬وكذلك ليس من المفطرات اإلبر العالجية غير المغذية‪.‬‬ ‫‪ -6‬التقيؤ عمد ًا‪ :‬بوضع شيء يف حلقه ليستقيء‪ ،‬أو بالنظر‬
‫إلى ما يجلب القيء‪ ،‬أو بشم ما يجلب القيء ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬وليس من المفطرات وصول شيء إلى الجوف عن طريق‬
‫أي منفذ غير الفم واألنف ألن النبي ‪ ‬هنى الصائم عن المبالغة‬ ‫وأما إذا استقاء بدون َت َع ُّمد ولكن غلب عليه القيء فال يفطر‬
‫بذلك‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪35‬‬
‫‪35‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪34‬‬
‫‪ -2‬البلوغ هو الشرط الثاين؛ فال يجب الصوم على الصغار‬ ‫يف االستنشاق؛ فوضع قطرة أو كحل يف العين أو قطرة يف األذن‬
‫ولكن على الولي أن يأمرهم به و ُي َع ِّو َدهم عليه حتى إذا بلغوا‬ ‫ال ُيفطر حتى لو شعر بطعمها‪.‬‬
‫كانوا معتادين عليه فيسهل عليهم‪ ،‬وإذا بلغ الصبي يف أثناء اليوم‬ ‫‪ ‬وكذلك استعمال السواك ال ُيفطِر‪.‬‬
‫أمسك بقيته وال قضاء عليه‪.‬‬ ‫‪ ‬وكذلك التربد بالماء‪.‬‬
‫‪ -3‬العقل شرط لوجوب الصوم؛ فال يجب الصوم على‬ ‫‪ ‬واالغتسال والمضمضة واالستنشاق بدون مبالغة‪.‬‬
‫المجنون‪ ،‬وال على الهرم الذي ذهبت ذاكرته وصار يهذي‪ ،‬وال‬
‫‪ ‬وال ُيفطر َم ْن أتى شيئًا من المفطرات إال إذا كان عالم َا‬
‫إطعام عنه ألنه غير ُم َك َّلف‪ ،‬وإذا ُعويف مجنون أثناء اليوم أمسك‬
‫كرهًا لم ُيفطِر وال‬‫ذاكر ًا ُمختار ًا‪ ،‬فإذا كان جاهالً أو ناسيًا أو ُم َ‬
‫وال قضاء عليه‪.‬‬
‫قضاء عليه‪.‬‬
‫‪ -4‬ال ُقدرة شرط لوجوب الصيام؛ فال يجب الصوم على‬
‫وشروط وجوب صيام رمضان ستة وهي‪ :‬اإلسالم‪ ،‬والبلوغ‪،‬‬
‫رجى شفاؤه‬
‫العاجز عن الصيام كالمريض‪ ،‬فإذا كان المريض ُي َ‬ ‫والعقل‪ ،‬وال ُقدرة‪ ،‬واإلقامة‪ ،‬والسالمة من الحيض والنفاس‪.‬‬
‫أفطر وانتظر حتى ُيشفى ثم يقضي األيام التي أفطرها‪ ،‬وإذا كان‬
‫‪ -1‬فالكافر ال يجب عليه صوم رمضان وال يصح منه‪.‬‬
‫رجى شفاؤه أفطر وأطعم عن كل يوم مسكينًا نصف‬
‫المرض ال ُي َ‬
‫وإذا أسلم الكافر فال يجب عليه قضاء ما فات من رمضانات‪،‬‬
‫صاع من طعام من تمر أو أرز أو نحوه مما ُيكال و ُيدَّ َخر أو ُيط َبخ‬
‫وال قضاء األيام التي فاتته من نفس الشهر إذا أسلم أثناء رمضان‪،‬‬
‫طعامًا و ُيوزعه على مساكين بعدد األيام التي أفطرها‪.‬‬
‫وإذا أسلم يف أثناء يوم من رمضان لزمه أن يمسك بقية اليوم وال‬
‫ويف ُحكم المريض (الحامل والمرضع) إذا كان الصوم‬
‫يقضي هذا اليوم الذي أسلم فيه‪.‬‬
‫ضرر عليها أو على الطفل‪ ،‬وعليهما القضاء إذا أفطرتا عند‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪37‬‬
‫‪37‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪36‬‬
‫األئمة األربعة‪ ،‬وذهب ابن عباس وابن عمر ‪ ‬إلى أن الحامل‬
‫الفصل السادس‬ ‫والمرضع إذا أفطرتا عليهما الفدية وهي إطعام مسكين عن كل‬
‫رمضان شهر القرآن‬ ‫يوم‪.‬‬
‫وإذا ُشفي المريض أثناء اليوم فال يجب عليه اإلمساك‬
‫إن شهر رمضان هو شهر القرآن‪ ،‬قال تعالى‪:‬ﱹﮘ ﮙ‬ ‫ويقضي يومًا مكانه‪.‬‬
‫ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ‬ ‫‪ -5‬اإلقامة من شروط وجوب الصيام؛ ف ُيباح للمسافر الفطر‬
‫ﮣ ﱸ [البقرة‪.]185:‬‬ ‫ويقضي يومًا مكانه‪ ،‬وإذا وصل المسافر إلى بلده يف أثناء اليوم‬
‫أنزل اهلل ‪ ‬فيه القرآن من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة‬ ‫لم يجب عليه اإلمساك ويقضي يومًا مكانه‪.‬‬
‫من السماء الدنيا‪ ،‬وهو بيت هلل حيال الكعبة‪ ،‬وكان هذا اإلنزال‬ ‫‪ -6‬السالمة من الحيض والنفاس شرط لوجوب الصيام‬
‫جملة واحدة يف ليلة القدر من رمضان‪ ،‬ثم أنزل اهلل ‪ ‬القرآن‬ ‫ولصحته؛ فال يجوز للحائض أو النفساء الصيام وال يصح‬
‫فر ًقا يف ثالث وعشرين سنة‪ ،‬يستمع الروح األمين‬ ‫الكريم ُم ّ‬ ‫منهما‪ ،‬وعليهما القضاء‪.‬‬
‫جربيل ‪ ‬إلى اآليات من رب العزة سبحانه‪ ،‬ثم ينزل هبا على‬
‫وإذا طهرت يف أثناء اليوم لم يلزمها اإلمساك‪ ،‬وعليها القضاء‪.‬‬
‫قلب رسول اهلل ‪. ‬‬
‫أيضا يف شهر رمضان يف ليلة القدر‬
‫وكانت بداية هذا النزول ً‬
‫لما نزل جربيل ‪ ‬على رسول اهلل ‪ ‬باآليات األولى من‬
‫ّ‬
‫سورة العلق‪ :‬ﱹﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪39‬‬
‫‪39‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪38‬‬
‫السلف يقول عن شهر رمضان‪« :‬إنما هو لقراءة القرآن وإطعام‬ ‫ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﱸ‬
‫الطعام»‪.‬‬ ‫[العلق‪.]5-1:‬‬
‫إن القرآن الكريم هو الكتاب المنير‪ ،‬وهو الذكر الحكيم‪،‬‬ ‫قال تعالى‪ :‬ﱹﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫وهو الذي ال يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه‪ ،‬وصفه‬ ‫ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﱸ‬
‫الذي تكلم به وأنزله إلينا بأنه الكتاب المنير؛ ألنه ينير لإلنسان‬ ‫[الشعراء‪.]195-192:‬‬
‫طريقه‪ ،‬وينقذه من الظلمات‪ ،‬وينير للمسلم قلبه‪ ،‬فيمتلئ سعادة‬ ‫وألجل اختصاص شهر رمضان بالقرآن الكريم فقد كان‬
‫ورضا وطمأنينة‪ ،‬وسماه اهلل تعالى الفرقان؛ ألنه يفرق بين الحق‬
‫ً‬ ‫النبي ‪ ‬يخصه باإلكثار من تالوة القرآن وتدارسه‪ ،‬فكان يختم‬
‫والباطل‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱹﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬ ‫القرآن يف كل رمضان مرة أو مرتين‪ ،‬قراءة على جربيل ‪ ‬سوى‬
‫ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﱸ‬ ‫قراءته لنفسه ‪ ،‬وكان ‪ ‬يأتيه جربيل ‪ ‬يف كل ليلة من ليالي‬
‫[آل عمران‪.]4 ،3:‬‬ ‫رمضان‪ ،‬فيتدارسان القرآن كما ثبت يف صحيح البخاري من‬
‫قال تعالى‪ :‬ﱹﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ‬ ‫حديث ابن عباس ‪.‬‬
‫ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﱸ[الرعد‪.]28:‬‬ ‫واقتدى الصحابة وسلف األمة برسولنا الكريم ‪ ،‬فكانوا‬
‫وقال تعالى‪ :‬ﱹﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬ ‫يختمون القرآن يف رمضان مرات عديدة يف الصالة وخارج‬
‫ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﱸ‬ ‫الصالة‪.‬‬
‫[األنفال‪.]2:‬‬ ‫وكان اإلمام مالك إذا دخل شهر رمضان يفر من إقراء‬
‫إن هذا القرآن الكريم هو الهدى والشفاء والرحمة‪ ،‬فقد سماه‬ ‫الحديث ويتفرغ لقراءة القرآن من المصحف‪ ،‬وكان بعض‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪41‬‬
‫‪41‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪40‬‬
‫شهدت به األعداء‪.‬‬ ‫ربنا سبحانه هدى وشفا ًء ورحمة فقال تعالى‪ :‬ﱹ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫وقد تحدى اهلل ‪ ‬اإلنس والجن أن يأتوا بمثل هذا القرآن‪،‬‬ ‫ﯥﯦﯧﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ‬
‫وبين سبحانه أهنم لم يفعلوا ولن يفعلوا‪ ،‬فقال سبحانه‪ :‬ﱹﯢ‬ ‫ﯰ ﯱ ﱸ [فصلت‪.]44:‬‬
‫ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ‬ ‫وقال سبحانه‪ :‬ﱹﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ‬ ‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﱸ [اإلسراء‪.]82:‬‬
‫ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﱸ‬ ‫إن القرآن الكريم هو الذي يحيي قلب المسلم إذا مات‪،‬‬
‫[البقرة‪.]24 ،23:‬‬ ‫وينبهه إذا غفل‪ ،‬فعن أبي موسى األشعري ‪ ‬قال‪ :‬قال ‪: ‬‬
‫وقال سبحانه‪ :‬ﱹﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬ ‫«مثل الذي يذكر ربه والذي ال يذكر ربه مثل الحي والميت» رواه‬

‫ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﱸ‬ ‫البخاري‪.‬‬
‫[اإلسراء‪ .]88:‬ال يأتون بمثله يف صدق أخباره‪ ،‬وال يف عدل شرائعه‪،‬‬ ‫والقرآن الكريم هو الذي يمأل قلب المسلم رجا ًء إذا أصابه‬
‫وال يف جمال ألفاظه‪ ،‬وال يف جالل معانيه‪.‬‬ ‫حذرا وخو ًفا إذا أصابه أمن‬
‫يأس أو قنوط‪ ،‬وهو الذي يمأل قلبه ً‬
‫لقد ر َّغب رسول اهلل ‪ ‬يف تالوة كتاب اهلل أعظم ترغيب‬ ‫من مكر اهلل و ُع ْجب وغرور‪.‬‬
‫رواه‬ ‫سره أن يحب اهلل ورسوله فليقرأ يف المصحف»‬
‫فقال‪« :‬من ّ‬ ‫لقد وصف الوليد بن المغيرة ‪-‬قبحه اهلل‪ -‬وهو عدو لدود‬
‫البيهقي يف الشعب عن ابن مسعود ‪ ‬وحسنه األلباين صحيح الجامع (‪.)6289‬‬ ‫لرسول اهلل ‪ ،‬وصف هذا الكتاب لما سمعه فقال‪« :‬ما هو‬
‫أيضا قال ‪« : ‬من قرأ حر ًفا من كتاب اهلل‬
‫وعن ابن مسعود ً‬ ‫بكالم اإلنس‪ ،‬وما هو بكالم الجن‪ ،‬وإن فيه لحالوة‪ ،‬وإن عليه‬
‫تعالى فله به حسنة‪ ،‬والحسنة بعشر أمثالها‪ ،‬ال أقول ﱹﭑﱸ حرف‪،‬‬ ‫لطالوة‪ ،‬وإن أعاله لمثمر‪ ،‬وإن أسفله لمغدق»‪ .‬والفضل ما‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪43‬‬
‫‪43‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪42‬‬
‫يتدبر القرآن على قلبه أقفال تحول دون وصول الهدى والنور‪،‬‬ ‫ولكن ألف حرف‪ ،‬والم حرف‪ ،‬وميم حرف» رواه الترمذي وصححه‪.‬‬
‫فقال سبحانه‪ :‬ﱹﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﱸ‬ ‫وروى البخاري ومسلم عن عائشة ‪‬عن النبي ‪:‬‬
‫[محمد‪.]24:‬‬ ‫«الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة‪ ،‬والذي‬
‫وعلينا أن نعمل بأحكام القرآن‪ ،‬فإن اهلل تعالى ما أنزله إال‬ ‫يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه ّ‬
‫شاق له أجران»‪.‬‬
‫حكما‬
‫ً‬ ‫لتطاع أوامره وتجتنب نواهيه‪ ،‬وعلينا أن نجعل القرآن‬ ‫وروى مسلم عن أبي هريرة ‪ ‬عن النبي ‪« :‬ما جلس قوم‬
‫على بيوتنا وعلى مجتمعاتنا‪ ،‬وعلينا أن نربي به أنفسنا وأوالدنا‪،‬‬ ‫يف بيت من بيوت اهلل يتلون كتاب اهلل ويتدارسونه بينهم إال نزلت‬
‫فإن القرآن شفاء لألبدان كما هو شفاء لألرواح والقلوب‪.‬‬ ‫عليهم السكينة‪ ،‬وغشيتهم الرحمة‪ ،‬وحفتهم المالئكة‪ ،‬وذكرهم‬
‫و علينا أن نسعى إلى حفظ القرآن الكريم والعمل به‪ ،‬حتى‬ ‫اهلل فيمن عنده»‪.‬‬
‫نكون من أهل اهلل‪ ،‬فإن أهل القرآن هم أهل اهلل تعالى‪ ،‬عن أنس‬ ‫حذرنا اهلل تعالى من هجر القرآن‪ ،‬وب ّين سبحانه أن الرسول‬
‫‪ ‬قال ‪« : ‬إن هلل تعالى أهلين من الناس‪ ،‬وأهل القرآن هم‬ ‫‪ ‬سيشكو إلى ربه يوم القيامة مِ ْن هجر قومه القرآن‪ ،‬قال‬
‫أهل اهلل تعالى وخاصته» رواه ابن ماجه وأحمد والنسائي وهو يف صحيح الجامع‬ ‫تعالى‪ :‬ﱹﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﱸ‬
‫(‪.)2165‬‬ ‫[الفرقان‪.]30:‬‬
‫اللهم اجعلنا من أهل القرآن‪ ،‬وارزقنا تالوته آناء الليل‬ ‫وهجر القرآن أنواع‪ :‬منها هجر تالوته‪ ،‬وهجر العمل به‪ ،‬وهجر‬
‫وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا‪.‬‬ ‫تدبره‪ ،‬وهجر التحاكم إليه‪ ،‬وهجر االستشفاء به‪.‬‬
‫فعلينا أن نتلو القرآن وأن نتدبره‪ ،‬فإن اهلل تعالى ب ّين أن الذي ال‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪45‬‬
‫‪45‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪44‬‬
‫يزداد االجتهاد يف العبادة يف العشر األواخر فعن أم المؤمنين‬
‫عائشة ‪ ‬قالت‪« :‬كان النبي ‪ ‬إذا دخل العشر األواخر شد‬ ‫الفصل السابع‬
‫مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله» رواه مسلم‪.‬‬ ‫العشر الأواخر‬
‫وشد المئزر‪ :‬كناية عن االجتهاد يف العبادة‪ ،‬وكناية أيضًا عن‬
‫ترك مباشرة النساء انشغا ً‬
‫ال باالعتكاف والصالة‪.‬‬ ‫قال ‪« :‬إنما األعمال بالخواتيم»‪.‬‬
‫قصرنا يف العشرين األوائل فعلينا أن نك ِّفر عن هذا التقصير‬
‫فإذا َّ‬ ‫ك َق ْب َل َه َر ِم َ‬
‫ك‪،‬‬ ‫وقال ‪« :‬ا ْغتَن ِ ْم َخ ْم ًسا َق ْب َل َخ ْم ٍ‬
‫س‪َ :‬ش َبا َب َ‬
‫باالجتهاد يف العشر األواخر‪ -‬التي هي خير ليالي السنة‪ -‬لعلنا‬ ‫ك‪،‬‬‫َك َق ْب َل ُشغ ِْل َ‬ ‫ك‪َ ،‬و ِغن َ‬
‫َاك َق ْب َل َف ْقرِ َك‪َ ،‬و َف َراغ َ‬ ‫َك َق ْب َل َس َق ِم َ‬ ‫َو ِص َّحت َ‬
‫نتدارك األمر ونصلح ما أفسدناه‪ ،‬وألن عمر اإلنسان ينقضي وال‬ ‫ك»‪.‬‬ ‫َك َق ْب َل َم ْوتِ َ‬‫َو َح َيات َ‬
‫يدري أحدنا هل سيدرك رمضان المقبل أم ال؟ وإذا أدركه هل‬ ‫فأحسنوا ختام الشهر الكريم‪ ،‬فإنه ُيالحظ على كثير من‬
‫سيكون يف قوته وصحته وفراغه حتى يستطيع االجتهاد يف العبادة‬ ‫المسلمين أنه كلما اقرتبت هناية رمضان كلما َفتُرت عزيمتهم‬
‫أم ستعوقه العوائق؛ فاغتنموا حياتكم قبل موتكم وصحتكم قبل‬ ‫وض ُع َفت همتهم؛ فرتى كثير ًا من الناس يبدؤون شهر رمضان‬
‫َ‬
‫سقمكم‪ ،‬وشبابكم قبل هرمكم‪ ،‬وغناكم قبل فقركم‪ ،‬وفراغكم‬ ‫بحماس عظيم وإقبال على تالوة القرآن وعلى صالة الرتاويح‬
‫قبل شغلكم‪ .‬وال ُت َف ِّو ُتوا هذه الفرصة العظيمة‪ ،‬واعلموا أن َم ْن‬ ‫رواد المساجد شيئًا فشيئًا‬
‫وعلى فضائل األعمال‪ ،‬ثم يقل عدد ّ‬
‫قام مع اإلمام حتى ينصرف كُتِب له قيام ليلة كاملة كأنه قامها إلى‬ ‫كلما اقرتبت هناية الشهر‪.‬‬
‫الفجر‪.‬‬
‫وهذا عكس ما هو مطلوب من المسلم؛ ألن المطلوب هو‬
‫إحسان ختام الشهر ألن األعمال بالخواتيم‪ ،‬والمطلوب هو أن‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪47‬‬
‫‪47‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪46‬‬
‫ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﱸ [القدر‪.]5-3:‬‬ ‫الفصل الثامن‬
‫«م ْن ُحرِم خيرها فقد ُحرِم»‪.‬‬
‫وقال فيها النبي ﷺ‪َ :‬‬
‫ليلة القدر‬
‫من عالمات تلك الليلة أربع عالمات صحت عن النبي ‪:‬‬
‫‪ -1‬أهنا ليلة مضيئة يشعر بذلك َم ْن كان يف بادية أو خالء ليس‬ ‫إن العشر األواخر من رمضان تشتمل على ليلة القدر‪ ،‬وهي‬
‫فيه أضواء صناعية‪.‬‬ ‫ليلة عظيمة مباركة أخفاها اهلل تعالى يف ليالي العشر األواخر‬
‫حتى يجتهد المسلمون يف جميع ليالي العشر األواخر‪ ،‬وسميت‬
‫‪ -2‬ال حارة وال باردة وهي عالمة نسبية مقارنة بما قبلها‬
‫ليلة القدر ألهنا ليلة ذات قدر‪ ،‬أي‪ :‬شرف عظيم؛ وألهنا تقدر‬
‫وبعدها من الليالي ‪.‬‬
‫فيها مقادير السنة وتنزل من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة يف‬
‫‪ -3‬ال ُيرمى فيها بنجم‪.‬‬
‫السماء الدنيا ‪.‬‬
‫‪ -4‬تطلع الشمس صبيحتها ال شعاع لها‪ ،‬باإلضافة‬
‫تلك الليلة التي أنزل اهلل فيها القرآن‪ ،‬وقال فيها‪ :‬ﱹﭑﭒﭓ‬
‫إلى ما ُيستفاد من قوله تعالى‪ :‬ﱹﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﱸ‬
‫ﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﱸ[القدر‪. ]2-1 :‬‬
‫[القدر‪ ]5:‬أن المؤمن يشعر فيها بسكينة وراحة بسبب كثرة َتن َُّزل‬
‫تلك الليلة التي جعلها اهلل لهذه األمة منحة منه لما تقاصر‬
‫المالئكة إلى األرض‪.‬‬
‫خيرا من ألف‬
‫النبي ‪ ‬أعمار أمته فأعطاه اهلل ليلة القدر وجعلها ً‬
‫فعن واثلة بن األسقع وعبادة بن الصامت ‪ ‬قال ‪« :‬ليلة‬
‫ِ‬ ‫شهر‪ ،‬أي‪ :‬العبادة فيها خير من عبادة بضع وثمانين سنة‪ ،‬وقد‬
‫رمى فيها بنجم‪ ،‬ومن‬
‫القدر ليلة َبلجة ال حارة وال باردة وال ُي َ‬
‫وصف اهلل تعالى هذه الليلة المباركة بقوله‪:‬ﱹﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪49‬‬
‫‪49‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪48‬‬
‫وأرجى الليالي أن تكون هي ليلة القدر ليلة سبع وعشرين‪،‬‬ ‫وحسنَه األلباين‪.‬‬
‫عالمة يومها تطلع الشمس ال شعاع لها» أحمد والطبراين‪َّ ،‬‬

‫فعن زرين حبيش‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبي بن كعب يقول وقيل له‪:‬‬ ‫فالتمسوا ليلة القدر يف السبع البواقي‪ ،‬فقد جاء يف صحيح‬
‫السنَة أصاب ليلة القدر)‬
‫إن عبد اهلل بن مسعود يقول‪« :‬من قام َ‬ ‫مسلم أن النبي ﷺ قال‪« :‬التمسوها يف العشر األواخر فإن ضعف‬
‫فقال أبي‪« :‬واهلل الذي ال إله إال هو إهنا لفي رمضان (يحلف‬ ‫أحدكم أو عجز فال يغلبن على السبع البواقي»‪.‬‬
‫ما يستثني) وواهلل إين ألعلم أي ليلة هي‪ ،‬هي الليلة التي أمرنا‬ ‫ومن الليالي التي يشتد فيها الرجاء أن تكون هي ليلة‬
‫هبا رسول اهلل بقيامها هي ليلة سبع وعشرين‪ ،‬وأمارهتا أن تطلع‬ ‫س‬ ‫القدر ليلة ثالث وعشرين فقد ُر ِو َي َأ َّن َع ْب ِد اهَّللِ بِن ُأ َن ْي ٍ‬
‫الشمس يف صبيحة يومها بيضاء ال شعاع لها» ‪.‬‬ ‫ول اهَّللِ ؛ إِ َّن لِي إِبِلاً‬ ‫ا ْل ُج َهنِي َأ َتى النَّبِي ‪ ‬؛ َف َق َال ‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ب َأ ْن َت ْأ ُم َرني بِ َل ْي َلة َأ ْد ُخ ُل ف َيها ؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقال الحافظ ابن رجب‪« :‬ورجحت طائفة أهنا ليلة سبع‬ ‫َو َغنَمًا َوغ ْل َم ًة ؛ َف ُأح ُّ‬
‫وعشرين‪ ،‬وحكاه الثوري عن أهل الكوفة فقال‪ :‬نحن نقول‬ ‫ول‬ ‫ان ؛ َفدَ َعا ُه َر ُس ُ‬ ‫الصلاَ ِة َو َذل ِ َك فِي َش ْه ِر َر َم َض َ‬ ‫َّ‬ ‫َف َأ ْش َهدُ‬
‫هي ليلة سبع وعشرين لما جاءنا عن أبي بن كعب‪ ،‬وممن قال‬ ‫ث‬ ‫َان َلي َل ُة َثلاَ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ان ا ْل ُج َهن ُّي إِ َذا ك َ ْ‬ ‫اهَّللِ ‪َ ‬ف َس َّار ُه فِي ُأ ُذنِ ِه ؛ َف َك َ‬
‫هبذا أبي بن كعب وكان يحلف عليه ال يستثني‪ ،‬وزر بن حبيش‬ ‫ج ِد ؛ إِ َذا َص َّلى‬ ‫َو ِع ْش ِري َن َد َخ َل بِإِبِلِ ِه َو َغن َِم ِه َو َأ ْهلِ ِه إِ َلى ا ْلمس ِ‬
‫َ ْ‬
‫وعبدة بن أبي لبابة وروي عن قتادة بن عبد اهلل النهمي قال سألت‬ ‫ا ْلعصر ؛ ُثم ال ي ْخرج َعنْه إلاّ لِح ٍ‬
‫الص ْب َح ؛‬ ‫اجة ؛ َحتّى ُي َص ِّلي ُّ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ ُ‬ ‫َ ْ َ‬
‫زر ًا عن ليلة القدر فقال‪ :‬كان عمر وحذيفة وأناس من أصحاب‬ ‫ُث ّم َي ْخ ُر ُج إ َلى َأ ْهلِ ِه ؛ َف ِق َيل ‪َ :‬ل ْي َل َة ا ْل ُج َهن ِ ّي ‪.‬‬
‫رسول اهلل ‪ ‬ال يشكون أهنا ليلة سبع وعشرين»‪ .‬أخرجه ابن أبي شيبة‬ ‫ول اهَّللِ‪ ،‬إِ َّن لِي ب ِ‬
‫اد َي ًة‬ ‫َوفِي ِر َو َاية ُأ ْخ َرى ‪َ :‬ق َال ‪ُ :‬ق ْل ُت ‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫َ‬
‫وهو قول أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية‪ ..‬اهـ‬ ‫ج ِد َف ُأص ِّلي فِ ِ‬ ‫يها‪َ ،‬فمرنِي بِ َل ْي َل ٍة َأن ِْز ُل َها إِ َلى ا ْلمس ِ‬ ‫ِ‬
‫يه‪َ ،‬ف َق َال‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُأ َص ِّلي ف َ ُ ْ‬
‫الث َو ِع ْش ِري َن‪.‬‬ ‫ول اهَّللِ ‪ : ‬ان ِْز ْل َلي َل َة َث ٍ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪51‬‬
‫‪51‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪50‬‬
‫واعتكف ‪ ‬يف َس ٍنة عشرين يومًا من رمضان‪ ،‬وذلك أنه‬
‫اعتكف أو ً‬
‫ال العشر األواسط يحسب أن ليلة القدر فيها فأراه اهلل‬ ‫الفصل التاسع‬
‫تعالى أهنا أمامه‪ -‬أي‪ :‬يف العشر األواخر‪ -‬فاعتكفها‪.‬‬ ‫الاعتكاف‬
‫واالعتكاف مشروع للرجال وللنساء؛ فقد اعتكف أزواج‬
‫النبي ‪ ‬يف حياته وبعد موته ‪( ‬يف الصحيحين)‪ُ ،‬ك َّن يواظبن‬ ‫من السنن النبوية االعتكاف يف المساجد يف العشر األواخر‬
‫على االعتكاف وذلك بشرط أن يكون للنساء خباء أو بناء‬ ‫من رمضان‪.‬‬
‫يفصلهن عن الرجال‪.‬‬ ‫واالعتكاف‪ :‬هو االنقطاع يف المسجد بِن ِ َّي ِة التقرب إلى اهلل‬
‫واالعتكاف يف المسجد له فضائل كثيرة كل فضيلة منها‬ ‫تعالى‪.‬‬
‫َح َر َّية وحدها بأن يحرص المسلم عليها‪ ،‬وعلى المعتكف أن‬ ‫وهو مشروع بنص القرآن؛ قال تعالى‪ :‬ﱹﯭﯮﯯﯰ‬
‫يستحضر يف نيته هذه الفضائل حتى يحوز أجرها بإذن اهلل‪ ،‬فمن‬ ‫ﯱ ﯲ ﯳ ﱸ[البقرة‪.]125:‬‬
‫فضائل االعتكاف‪:‬‬
‫وقال تعالى‪ :‬ﱹﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﱸ‬
‫‪َ -1‬ت َح ِّري ليلة القدر بحيث يقضي المسلم جميع لحظات‬ ‫[البقرة‪.]187:‬‬
‫الليلة من غروب الشمس إلى طلوع الفجر يف عبادة ألن‬
‫وقد كان النبي ‪ ‬يواظب على اعتكاف العشر األواخر من‬
‫االعتكاف عبادة تستوعب جميع أجزاء الليلة‪.‬‬
‫مسجده منذ أن هاجر إلى المدينة‪َ ،‬و َفا َته االعتكاف يف سنة ل ُعذر‬
‫‪ -2‬التأسي بالنبي ‪ ‬عمالً بقوله تعالى‪ :‬ﱹﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬ ‫فقضاه ‪ ‬بأن اعتكف عشر ًا من شوال‪.‬‬
‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﱸ[األحزاب‪.]21:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪53‬‬
‫‪53‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪52‬‬
‫وقال سبحانه‪ :‬ﱹﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬ ‫‪ -3‬ازدياد أجر العبادات عندما ُتؤ َّدى يف المسجد لقوله ‪:‬‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﱸ[الكهف‪.]28:‬‬ ‫«ما جلس قوم يف بيت من بيوت اهلل يتلون كتاب اهلل ويتدارسونه‬
‫‪ -9‬اإليثار وفيه فضل عظيم يف أمور الطعام والشراب‪ ،‬وفتح‬ ‫بينهم إال نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة‪ ،‬وحفتهم‬
‫النوافذ واإلضاءة ونحو ذلك؛ فهذا االجتماع فرصة ليؤثر كل‬ ‫المالئكة وذكرهم اهلل فيمن عنده»‪.‬‬
‫معتكف إخوانه على نفسه فيؤجر‪.‬‬ ‫‪ -4‬المحافظة على أداء الصلوات جماعة‪.‬‬
‫‪ -10‬االعتكاف فرصة للتعارف والتآلف بين المعتكفين‪.‬‬ ‫‪ -5‬المحافظة على أداء الصلوات يف أول وقتها‪.‬‬
‫‪ -11‬فيه هجرة للسوء وأهله وقد قال ﷺ‪« :‬المهاجر َم ْن‬ ‫‪ -6‬المحافظة على إدراك تكبيرة اإلحرام مع اإلمام‪ ،‬و َم ْن‬
‫َه َجر السيئات)‪.‬‬ ‫أدرك تكبيرة اإلحرام مع اإلمام أربعين يومًا كُتِ َبت له براءتان؛‬
‫براءة من النفاق وبراءة من النار‪.‬‬
‫‪ -7‬انتظار الصالة بعد الصالة وذلكم الرباط‪ ،‬وال يزال المرء‬
‫يف صالة مادام ينتظر الصالة‪ ،‬والمالئكة تظل تستغفر للمسلم ما‬
‫دام يف ُم َّصالة الذي صلى فيه‪.‬‬
‫‪ -8‬التعاون على البِ ِّر والتقوى حيث يعين كل من المعتكفين‬
‫إخوانه على طاعة اهلل تعالى‪ ،‬قال سبحانه‪:‬ﱹﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﱸ [المائدة‪.]2:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪55‬‬
‫‪55‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪54‬‬
‫وزكاة الفطر شعيرة ظاهرة من شعائر اإلسالم‪ ،‬وقد فرض‬
‫رسول اهلل ‪ ‬زكاة الفطر طعمة للمساكين وطهرة للصيام من‬ ‫الفصل العاشر‬
‫اللغو والرفث‪ ،‬ومقدارها الذي حدده النبي ‪ ‬هو صاع من تمر‪،‬‬ ‫زكاة الفطر‬
‫أو زبيب‪ ،‬أو قمح‪ ،‬أو شعير‪ ،‬أو أقط‪ ،‬وذهب جمهور العلماء إلى‬
‫أنه يلحق هبذه األصناف كل طعام ُيكال و ُيدَّ َخر كاألرز والذرة‬ ‫شرع اهلل تعالى لنا يف ختام الشهر عبادة جليلة هي زكاة الفطر‪،‬‬
‫والدقيق والعدس والفول واللوبيا‪.‬‬ ‫فضائلها كثيرة؛ فهي صدقة من الصدقات الواجبة‪ ،‬تدخل يف‬
‫والصاع مكيال يتسع ألربع غرفات‪ ،‬كل غرفة ملء كفي‬ ‫عموم أدلة فضل الصدقة واإلنفاق يف سبيل اهلل‪.‬‬
‫الرجل المعتدل‪ ،‬ووزن الصاع ال يزيد عن ثالثة كيلو جرامات‬ ‫وشهر رمضان هو شهر الجود والكرم‪ ،‬ومن مظاهر الجود‬
‫ومقدارها من ال ُّبر‪ :‬كيلوان وأربعون جرامًا من ال ُّبر الجيد ‪.‬‬ ‫والكرم يف هذا الشهر زكاة الفطر وهي فرض على كل مسلم يجد‬
‫ويجب على المسلم أن يخرج صاعًا عن نفسه وصاعًا عن‬ ‫ما يفضل عن النفقة الالزمة له ول ِ َمن يعوله يوم العيد وليلته‪.‬‬
‫كل فرد مِ َم ْن يعولهم عن الصغير والكبير‪ ،‬والذكر واألنثى‪ ،‬وإذا‬ ‫وقد قال اهلل تعالى‪ :‬ﱹﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﱸ‬
‫كانت امرأته حامالً فيستحب له أن يزكي عن الحمل الذي يف‬ ‫[األعلى‪.]15 - 14:‬‬
‫بطنها ألن عثمان ‪ ‬كان يزكي عن الحمل‪ ،‬ووقت إخراج‬
‫ﱹ ﰂ ﱸ أي‪ :‬أدى زكاة فطره‪.‬‬
‫الزكاة قبل العيد بيوم أو يومين أو ثالثة‪ ،‬لحديث أبي هريرة ‪‬‬
‫ﱹﰄ ﰅ ﰆ ﱸ‪ :‬أي‪ :‬ك ّبر تكبيرات العيد‪.‬‬
‫عندما جاء الشيطان ليسرق منه من زكاة الفطر يف ثالثة أيام‪.‬‬
‫ﱹﰇ ﱸ أي‪ :‬صالة العيد‪.‬‬
‫ووقت الفضيلة ينتهي بصالة العيد ويبقى وقت الجواز ممتدا‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪57‬‬
‫‪57‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪56‬‬
‫إيصالها للفقير‪ ،‬والمسجد أو الجمعية الخيرية التي تجمع زكاة‬ ‫إلى غروب شمس يوم العيد فال يجوز تأخيرها عن غروب‬
‫الفطر رأى بعض الفقهاء المعاصرين أهنا وكيل عن الفقير يف‬ ‫شمس يوم العيد‪.‬‬
‫أخذها‪ ،‬ووكيل عن الغني يف إخراجها يف نفس الوقت‪ ،‬والحمد‬ ‫فإن أخرها عن الغروب أثِم وصارت دينًا يف ذمته وصارت‬
‫هلل رب العالمين‪.‬‬ ‫قضاء‪ ،‬وال يجوز عند جمهور الفقهاء إخراجها ما ً‬
‫ال إال على‬
‫سبيل التوكيل بأن يدفع المال ل ِ َم ْن يشرتي به طعامًا ويوزعه‬
‫على الفقراء طعامًا ألهنا عبادة والعبادات توقيفية‪.‬‬
‫وذهب عطاء والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز‬
‫والثوري وأبو حنيفة وغيرهم إلى جواز دفع القيمة عن الطعام‪.‬‬
‫وقال التابعي الجليل أبو إسحاق السبيعي ‪« :‬أدركتهم وهم‬
‫يؤدون يف صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام»‪ ،‬رواه ابن أبي شيبة يف‬

‫المصنف‪.‬‬
‫والذي أراه جواز األخذ هبذه الرخصة للحاجة يف هذه البالد‪،‬‬
‫لما يف جمع الزكاة حبو ًبا وتخزينها ونقلها من المشقة الشديدة‪،‬‬
‫والواجب أن تصل زكاة الفطر يف وقتها إما إلى الفقير وإما إلى‬
‫وكيله الذي يوصلها إليه‪ ،‬فإذا وصلت الزكاة إلى يد الوكيل يف‬
‫وقتها المحدد فكأهنا وصلت إلى الفقير حتى لو تأخر الوكيل يف‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪59‬‬
‫‪59‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪58‬‬
‫خصوصا ويف كل وقت عمو ًما‪ ،‬فقد قال‬
‫ً‬ ‫المسلمين يوم العيد‬
‫ب العمل إلى اهلل سرور تدخله على مسلم‪ ،‬أو تقضي‬ ‫‪َ :‬‬
‫«أ َح ُّ‬ ‫الفصل الحادي‬
‫دينًا‪ ،‬أو تكشف عنه كُربة أو تطرد عنه جوعًا»‪.‬‬
‫عنه ْ‬ ‫عشر عيد الفطر‬
‫ومما يشرع لنا كذلك يف هناية الشهر تكبير اهلل تعالى‪ ،‬قال اهلل‬
‫عز وجل‪ :‬ﱹﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬ ‫لقد قال ‪« :‬للصائم فرحتان يفرحهما؛ إذا أفطر فرح بفطره‪،‬‬
‫ﯦ ﯧ ﱸ [البقرة‪.]185:‬‬ ‫وإذا لقي ربه فرح بصومه»‪.‬‬
‫أي‪ :‬لتذكروا اهلل عند انقضاء عبادتكم‪ ،‬فكما شرع ذكر اهلل‬ ‫ويوم العيد هو يوم الفرحة األولى‪ ،‬الفرحة بالفطر‪ ،‬وسبب‬
‫بالتسبيح والتحميد والتكبير عقب الصالة ُ‬
‫وشرع عند انقضاء‬ ‫هذه الفرحة أن المسلم يفرح بأن اهلل تعالى َو َّفقه وأعانه على عبادة‬
‫مناسك الحج كما قال تعالى‪ :‬ﱹﮞ ﮟ ﮠ‬ ‫الصيام والقيام بينما ُح ِرم آخرون لذة هذه العبادة ﱹﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﱸ [البقرة‪. ]200:‬‬ ‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﱸ [يونس‪.]58:‬‬
‫شرع كذلك عند انقضاء الصوم ذكر اهلل تعالى بالتكبير‪،‬‬ ‫يم َّن علينا بالفرحة الثانية عند‬
‫فنسأل اهلل سبحانه وتعالى أن ُ‬
‫ويبدأ وقته من رؤية هالل شوال أو غروب شمس آخر ليلة من‬ ‫لقائه عندما ُينا َدى على الصائمين من باب الريان ليدخلوا الجنة‪.‬‬
‫رمضان‪ ،‬وينتهي وقته بصالة العيد‪.‬‬ ‫ستحب يوم العيد أن يهنئ بعض المسلمين بعضًا‪،‬‬
‫ومما ُي َ‬
‫وصيغة التكبير كما جاء عن ابن مسعود ‪« :‬اهلل أكرب اهلل‬ ‫وأن يقول بعضنا لبعض‪( :‬تقبل اهلل منا ومنكم)‪.‬‬
‫أكرب ال إله إال اهلل‪ ،‬واهلل أكرب اهلل أكرب وهلل الحمد»‪.‬‬ ‫ويشرع للمسلم إدخال السرور على أهله وأوالده وعلى‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪61‬‬
‫‪61‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪60‬‬
‫والح َّيض وذوات الخدور ـ العواتق‬
‫يف الفطر واألضحى العواتق ُ‬ ‫ويشرع الجهر بالتكبير عقب الصلوات‪ ،‬وعند الخروج إلى‬
‫الالئي قاربن البلوغ‪ ،‬وذوات الخدور الشابات األبكار ـ فأما‬ ‫مصلى العيد يف الطريق‪ ،‬ويف المصلى أثناء انتظار الصالة‪ ،‬وكلما‬
‫الح َّيض فيعتزلن الصالة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين‪،‬‬
‫ُ‬ ‫تذكر المسلم يشرع له تكبير اهلل تعالى شكرا له على توفيقه لنا‬
‫قلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إحدانا ال يكون لها جلباب‪ ،‬قال‪« :‬لتلبسها‬ ‫وإنعامه علينا‪.‬‬
‫أختها من جلبابها» رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن‪.‬‬ ‫ويشرع للمسلم يوم العيد أن يلبس أجمل ثيابه؛ لما جاء عن‬
‫«والح َّيض يكن خلف الناس يكربن‬ ‫وزاد أبو داود يف روايته‪:‬‬ ‫ِ‬
‫علي ‪ ‬أن النبي ‪ ‬كان يلبس ُب ْر َد ح َب َرة يف كل عيد‪ .‬رواه الشافعي‬
‫ُ‬
‫مع الناس»‪.‬‬ ‫والطبراين‪.‬‬
‫سرا‪ ،‬وأن تخرج النساء‬
‫وفيه مشروعية التكبير للنساء ولكن ًّ‬ ‫وروى ابن خزيمة عن جابر ‪‬أن النبي ‪ ‬كان يلبس برده‬
‫لصالة العيد يف جالبيبهن وحجاهبن السابغ‪.‬‬ ‫األحمر يف العيدين والجمعة‪.‬‬
‫وقد ذهب اإلمام أبو حنيفة إلى أن صالة العيد فرض عين‪،‬‬ ‫وبرد ِ‬
‫الح َب َرة‪ :‬نوع من الربود يصنع باليمن‪.‬‬
‫وذهب اإلمام أحمد إلى أهنا فرض كفاية‪ ،‬وذهب اإلمامان مالك‬ ‫ويستحب االغتسال قبل الخروج لصالة العيد؛ لورود ذلك‬
‫والشافعي إلى أهنا سنة‪.‬‬ ‫من فعل جماعة من الصحابة رضي اهلل عنهم‪.‬‬
‫ويستحب أن يذهب إلى صالة العيد ماش ًيا وأن يرجع ماشيا‬ ‫وصالة العيد شعيرة ظاهرة من شعائر اإلسالم‪ ،‬يشرع أن‬
‫إذا استطاع ذلك؛ لما فيه من إظهار شعار اإلسالم يف الطرقات‪،‬‬ ‫وكبارا‪.‬‬
‫ً‬ ‫يخرج إليها المسلمون‪ ،‬رجاال ونسا ًء وصغارا‬
‫ويستحب أن يرجع من غير الطريق الذي ذهب منه فقد كان ‪‬‬ ‫عن أم عطية ‪ ‬قالت‪ :‬أمرنا رسول اهلل ‪ ‬أن نخرجهن‬
‫ُيخالف الطريق يوم العيد‪ .‬كما رواه البخاري‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪63‬‬
‫‪63‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪62‬‬
‫لقد قال ‪« :‬كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته؛ فاإلمام‬ ‫وعن أنس ‪ ‬قال‪« :‬كان النبي ‪ ‬ال يغدو يوم الفطر حتى‬
‫راع ومسؤول عن رعيته‪ ،‬والرجل راع يف أهله وهو مسؤول عن‬ ‫يأكل تمرات ويأكلهن وترا» رواه البخاري‪.‬‬
‫رعيته‪ ،‬والمرأة راعية يف بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها‪،‬‬ ‫وفيه استحباب أكل تمرات وترا قبل الخروج إلى صالة عيد‬
‫والخادم راع يف مال سيده وهو مسؤول عن رعيته‪ ،‬والرجل راع‬ ‫الفطر‪.‬‬
‫يف مال أبيه وهو مسؤول عن رعيته‪ ،‬فكلكم را ٍع وكلكم مسؤول‬ ‫وعلى المسلم الحرص على التبكير يوم العيد لحضور‬
‫عن رعيته» البخاري ومسلم عن ابن عمر‪.‬‬ ‫الصالة‪ ،‬والحرص على االستماع إلى خطبة العيد بعد الصالة‪.‬‬
‫فعلى المسلم أن يتقي اهلل فيما اسرتعاه اهلل من الرعية؛ ألنكم‬ ‫إن األعياد من شعائر اإلسالم التي يتميز هبا المسلمون عن‬
‫ستُسألون عنها بين يدي اهلل أحفظتم أم َض َّيعتم‪ ،‬وليحرص اآلباء‬ ‫أعياد المشركين‪ ،‬فال يجوز للمسلم أن يحتفل بأعياد المشركين‬
‫واألمهات على تنشئة األوالد تنشئة إسالمية‪ ،‬وتعليمهم الصالة‬ ‫وال أن يهنئ المشركين هبا بإجماع العلماء‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫وإلزام البنات بالحجاب وتعويدهم على الخير يف ِ‬
‫الص َغر‪،‬‬ ‫ﱹﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﱸ[الفرقان‪ ،]72:‬قال أبو العالية وابن‬
‫والمباعدة بينهم وبين أصدقاء السوء‪.‬‬ ‫سيرين وطاووس وكثير من السلف‪« :‬أي‪ :‬ال يشهدون أعياد‬
‫ولقد َخ َ‬
‫ص النبي ﷺ النساء بالموعظة يوم العيد؛ فبعد أن‬ ‫المشركين»‪.‬‬
‫وعظ النبي ﷺ الرجال ذهب إلى مصلى النساء فوعظهن وقال‬ ‫ولما دخل النبي ‪ ‬المدينة وجد أهلها يحتفلون بيومين‬
‫ﷺ‪« :‬يا معشر النساء ت ََّصدَّ ْقن فإين رأيتكن أكثر أهل النار»‪،‬‬ ‫من أعياد الجاهلية‪ ،‬فنهاهم النبي ‪ ‬وقال‪« :‬إن اهلل أبدلكم بهما‬
‫فقالت امرأة‪ :‬يا رسول اهلل! ل ِ َم؟ قال‪« :‬تكثرن الشكاء‪ ،‬وتكفرن‬ ‫يومين خيرا منهما‪ :‬يوم الفطر ويوم األضحى»‪.‬‬
‫العشير‪ ،‬وما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪65‬‬
‫‪65‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪64‬‬
‫والعيد شعيرة لجميع المسلمين بال استثناء؛ فال ُيستثنى من‬ ‫الحازم منكن يحسن أحدنا إليكن طول الدهر حتى إذا بدت منه‬
‫شهودها طفل وال امرأة‪ ،‬وال صغير وال كبير بخالف العبادات‬ ‫إساءة واحدة قلتن‪ :‬لم َنر منك إحسانًا قط» رواه البخاري عن جابر‪.‬‬
‫األخرى التي قد يستثنى من بعضها الفقير أو الصغير أو المرأة‪.‬‬ ‫فاشتملت موعظته ‪ ‬للنساء على أمور‪:‬‬
‫اعتصموا بحبل اهلل جميعًا وال تفرقوا وكونوا عباد اهلل‬ ‫‪ -1‬الحث على الصدقة؛ ألن الصدقة ُتطفئ الخطيئة كما‬
‫إخوانًا كما أمركم اهلل‪ ،‬وتوبوا إلى اهلل توب ًة نصوحًا‪.‬‬ ‫ُيطفئ الماء النار‪ ،‬والصدقة ُتطفئ غضب الرب‪ ،‬وقد قال تعالى‪:‬‬
‫قال تعالى ‪ :‬ﱹﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬ ‫ﱹﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﱸ [البقرة‪.]185:‬‬ ‫ﯦ ﱸ[التغابن‪.]17:‬‬
‫أمرنا سبحانه بعد إكمال عدة صيام أيام رمضان أن نكربه ليلة‬ ‫‪ -2‬التحذير من كثرة الشكوى؛ فلتحذر المرأة المسلمة‬
‫شكرا له على ما هدانا‪.‬‬
‫العيد ويومه ً‬ ‫من الشكوى من زوجها‪ ،‬أو من أوالدها‪ ،‬أو من مرض أو فقر‪،‬‬
‫وال عيد سنوي للمسلمين سوى الفطر واألضحى مع أيام‬ ‫ولتجعل شكواها إلى اهلل سبحانه ﱹﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫التشريق‪ ،‬وعيد األسبوع هو الجمعة قال ‪« : ‬إن اهلل أبدلكم‬ ‫ﯽ ﯾ ﱸ[يوسف‪.]86:‬‬
‫بهما يومين خير ًا منهما»‪.‬‬ ‫‪ -3‬التحذير من كُفران العشير وسوء معاشرة الزوج؛ فقد قال‬
‫ويشرع يوم العيد إظهار الفرح والسرور لحديث الجاريتين‬ ‫‪ ‬للمرأة عن زوجها‪« :‬إنما هو جنتك ونارك» أي‪ :‬هو طريقك‬
‫ِ‬
‫وأحسنت عشرته‪ ،‬وطريقك إلى النار‬ ‫ِ‬
‫أطعت أمره‬ ‫إلى الجنة‪ ،‬إن‬
‫وقول أبي بكر‪« :‬أبمزمور الشيطان يف بيت رسول اهلل» فقال‪:‬‬
‫ِ‬
‫وأسأت عشرته‪.‬‬ ‫ِ‬
‫عصيت أمره‬ ‫إن‬
‫«دعهما يا أبا بكر» ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪67‬‬
‫‪67‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪66‬‬
‫ولحديث لعب الحبشة بالحراب يوم العيد يف مسجده ‪.‬‬
‫الفصل الثاني عشر‬ ‫وعيد الفطر بعد ركن من أركان اإلسالم هو الصوم‪ ،‬وعيد‬
‫ما بعد رمضان‬ ‫األضحى بعد ركن من أركان اإلسالم هو الحج‪.‬‬
‫وعيد الفطر بعد أفضل عشر ليال وهي العشر األواخر من‬
‫رمضان سوق يقوم وينفض‪ ،‬ربح فيه َم ْن َربح‪َ ،‬‬
‫وخسر فيه َم ْن‬ ‫رمضان‪ ،‬وعيد األضحى يف ختام أفضل عشرة أيام وهي عشر‬
‫خسر‪.‬‬ ‫ذي الحجة‪ ،‬فالحمد هلل على فضله ونعمته ‪.‬‬
‫من ِحكم رمضان‪ :‬فطم النفس عن العوائد وهي أكرب عائق‬
‫يصد عن الخير فاغتنم الفرصة بعد رمضان واطرق الحديد وهو‬
‫ساخن وواصل فطم نفسك عن عوائد السوء التي انفطمت عنها‬
‫يف رمضان‪.‬‬
‫ولقد َّ‬
‫حذرنا اهلل تعالى يف كتابه الكريم من أن نكون مثل بلعام‬
‫بن باعوراء‪ ،‬وهو رجل من بني إسرائيل‪ ،‬ذاق حالوة اإليمان‬
‫وآتاه اهلل آياته‪ ،‬ثم انقلب على عقبيه واشرتى الضاللة بالهدى‬
‫والعذاب بالمغفرة‪ ،‬وانسلخ من آيات اهلل كما تنسلخ الحية من‬
‫جلدها‪ ،‬قال تعالى‪:‬ﱹﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪69‬‬
‫‪69‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪68‬‬
‫المحرمات‪ ،‬حتى إذا انقضى الشهر المبارك انسلخ من آيات اهلل‪،‬‬ ‫ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ‬
‫ونقض غزله من بعد قوة أنكا ًثا‪.‬‬ ‫ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ‬
‫كثيرا من المسلمين ـ هداهم اهلل ـ يكونون يف رمضان من‬
‫إن ً‬ ‫ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﱸ‬
‫الذين هم على صالهتم يحافظون‪ ،‬فإذا انقضى رمضان أضاعوا‬ ‫[األعراف‪.]176 -175:‬‬

‫الصالة واتبعوا الشهوات‪ ،‬وكثير من المسلمين يجتنبون يف‬ ‫َّ‬


‫وحذرنا ربنا سبحانه أن نكون مثل امرأة مجنونة كانت بمكة‪،‬‬
‫رمضان شرب الدخان ومشاهدة المحرمات وسماع األغاين‪،‬‬ ‫محكما‬
‫ً‬ ‫اسمها ريطة بنت سعد‪ ،‬كانت تغزل طول يومها غز ً‬
‫ال قو ًيا‬
‫فإذا انقضى رمضان عادوا إلى ما كانوا عليه من الباطل‪ ،‬وهؤالء‬ ‫ثم تنقضه أنكا ًثا‪ ،‬أي‪ :‬تفسده بعد إحكامه‪ ،‬فقال تعالى‪ :‬ﱹﮣ‬
‫ُيخشى عليهم أن ُيختم لهم بالسيئات أعاذنا اهلل وإياكم‪.‬‬ ‫ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ‬
‫إن كثيرا من المسلمين كانوا يعمرون المساجد يف رمضان‬ ‫ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ‬
‫بطاعة اهلل وبحضور مجالس الذكر‪ ،‬وكانوا يقضون أوقاهتم‬ ‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﱸ[النحل‪.]92:‬‬
‫يف تالوة كتاب اهلل وتدبره‪ ،‬فإذا انقضى شهر رمضان هجروا‬ ‫ومعنى‪ :‬ﱹﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﱸ أي‪ :‬تعاهدون‬
‫المساجد وهجروا كتاب اهلل‪ .‬فاتقوا اهلل عباد اهلل‪.‬‬ ‫قوما على أن تكونوا معهم‪ ،‬وهذا العهد خديعة‪ ،‬فإذا وجدتم‬
‫لقد ُسئلت أم المؤمنين عائشة ‪ :‬كيف كان عمل رسول اهلل‬ ‫أمة أربى منهم ـ أي‪ :‬أكثر وأعز ـ غدرتم بعهد األولين وعاهدتم‬
‫‪ ‬؟ قالت‪« :‬كان عمله ديمة‪ ،‬وأيكم يستطيع ما كان رسول اهلل‬ ‫اآلخرين‪.‬‬
‫‪ ‬يستطيع» رواه مسلم‪.‬‬ ‫وهذه التحذيرات القرآنية تنطبق على من ذاق حالوة طاعة‬
‫وروى مسلم أيضا أن النبي ‪ ‬قال‪« :‬إن أحب األعمال إلى‬ ‫اهلل تعالى يف رمضان‪ ،‬فحافظ فيه على الواجبات وترك فيه‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪71‬‬
‫‪71‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪70‬‬
‫األجر ‪-‬بإذن اهلل‪ -‬إذا صامها ولو قبل القضاء‪ ،‬فإن حاز فضل‬ ‫اهلل ما دووم عليه وإن قل»‪.‬‬
‫صيام ست من شوال فبها ونعمت‪ ،‬وإال فإنه سيحوز فضل الصيام‬ ‫فعلى المسلم أن يلزم نفسه بقدر من العبادات يستطيع أن‬
‫عموما وفضله عظيم‪.‬‬ ‫كثيرا بالمداومة عليه‪،‬‬
‫يداوم عليه ولو كان قليالً‪ ،‬فإنه سيكون ً‬
‫عن أبي أمامة قال‪ :‬قال ‪« : ‬من صام يوما يف سبيل اهلل جعل‬ ‫وسيكون محب ًبا إلى رب العزة سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫رواه الترمذي‬ ‫اهلل بينه وبين النار خندقا كما بين السماء واألرض»‬ ‫من األعمال الصالحة التي تشرع لنا بعد رمضان صيام ستة‬
‫وصححه األلباين يف صحيح الجامع (‪.)6233‬‬ ‫أيام من شوال‪ ،‬عن أبي أيوب ‪ ‬قال‪ :‬قال ‪« : ‬من صام‬
‫وعن أبي هريرة قال‪ :‬قال ‪« : ‬من صام يوما يف سبيل اهلل‬ ‫رمضان وأتبعه ستا من شوال فذلك صيام الدهر» رواه مسلم‪.‬‬
‫زحزح اهلل وجهه عن النار بذلك اليوم سبعين خري ًفا» صححه األلباين‬ ‫وذلك أن شهر رمضان بعشرة أشهر؛ ألن الحسنة بعشر‬
‫يف صحيح الجامع (‪.)6334‬‬ ‫أمثالها‪ ،‬وستة أيام بستين يوما أي‪ :‬بشهرين‪ ،‬وذلك يعادل أجر‬
‫فعلى المسلم أن يستقيم على طاعة اهلل ويداوم عليها حتى‬ ‫صيام سنة كاملة‪ ،‬فال يفوتكم هذا الفضل العظيم‪.‬‬
‫يأتيه الموت وهو على ذلك‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱹﮂ ﮃ ﮄ‬ ‫وال يشرتط يف هذه األيام الستة التتابع‪ ،‬وال أن تكون مباشرة‬
‫ﮅ ﮆ ﱸ[الحجر‪ ]99:‬أي‪ :‬الموت‪ ،‬وذكر تعالى عن عيسى‬ ‫بعد يوم العيد‪ ،‬بل يجزئ صيام أي ستة أيام من شوال‪.‬‬
‫‪ ‬أنه قال‪ :‬ﱹﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﱸ [مريم‪.]31:‬‬ ‫ويمكن أن يجعلها يف أيام االثنين والخميس أو يف غيرها‪.‬‬
‫فليس هناك غاية النقطاع العمل الصالح إال الموت‪،‬‬ ‫واختلف العلماء فيمن كان عليه أو كان عليها قضاء أيام من‬
‫فاحذروا ‪-‬أيها المسلمون‪ -‬من التهاون يف الطاعات بعد‬ ‫رمضان‪ ،‬هل ينال فضل صيام ست من شوال إذا صامها قبل قضاء‬
‫رمضان‪ ،‬واحذروا من المعاصي بعد رمضان كما كنتم تحذرون‬ ‫ما عليه من رمضان أم ال؟ وفضل اهلل واسع‪ ،‬ولن يحرم المسلم‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪73‬‬
‫‪73‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪72‬‬
‫وللصلة باهلل هبجة يف النفوس‪ ،‬والفرق بين لذة الطاعة ولذة‬ ‫منها أثناءه‪ ،‬واعلموا أن الدنيا مزرعة لآلخرة‪ ،‬فمن زرع خيرا‬
‫المعصية أن لذة الطاعة باقية خالدة متصلة بنغيم اآلخرة حتى‬ ‫شرا‪.‬‬
‫وجد خيرا‪ ،‬ومن زرع شرا وجد ً‬
‫لو القى المؤمن مشقة وقت أدائها فإن المشقة تزول وتبقى اللذة‬ ‫ّ‬
‫وتفك قيودها‪،‬‬ ‫إن الشياطين ُيطلق َس َراحها بعد رمضان‬
‫كلما تذكر الطاعة واحتسب ثواهبا‪ ،‬بينما لذة المعصية لو وجدها‬ ‫والمؤمن له أعداء وعلى رأسهم الشيطان الرجيم‪ ،‬والنفس‬
‫عاص يف معصيته فهي لذة عارضة أثناء فعلها ثم تزول وتبقى‬ ‫األمارة بالسوء ‪.‬‬
‫الحسرة والندامة يف الدنيا والعذاب يف اآلخرة ما لم يتب العاصي‬ ‫قال تعالى‪ :‬ﱹﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﱸ‬
‫ويرجع إلى ربه‪ ،‬والمسلم يف رمضان يذوق حالوة العبادة‬ ‫[يوسف‪ ،]53:‬وقال تعالى‪ :‬ﱹﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫والصلة باهلل؛ فقد سمت نفوس المؤمنين وترفعت عن الشهوات‬ ‫ﭘ ﱸ [ق‪. ]16:‬‬
‫محاب النفوس البشرية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫محاب اهلل على‬
‫َّ‬ ‫والدنايا‪ ،‬وآثر المؤمنون‬ ‫وبعد رمضان تجتمع وسوسة النفس مع وسوسة الوسواس‬
‫وعبادة اهلل هي الغاية من َخلق اإلنسان؛ قال تعالى‪ :‬ﱹﭳ‬ ‫الخناس‪ ،‬ولكن كيد الشيطان ضعيف كما أخربنا ربنا سبحانه‪،‬‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﱸ[الذاريات‪.]56:‬‬ ‫والغرض هو أن يأخذ المسلم حذره من عدوه وأن يأخذ بأسباب‬
‫كم َثل مسافر ينشغل‬ ‫ِ‬
‫و َم َثل المنشغل عن عبادة اهلل بأمور الدنيا َ‬ ‫الوقاية من مكايد الشيطان وأن يتحصن منه بكثرة الذكر هلل تعالى‪،‬‬
‫أثناء الطريق فال يصل لهدفه‪.‬‬ ‫ومن اعتصم باهلل عصمه اهلل من مكايد الشيطان‪.‬‬
‫والعبادة‪ :‬هي اسم جامع لكل ما يحبه اهلل ويرضاه من األقوال‬ ‫شهر رمضان مدرسة إيمانية تعلم فيها المسلم العديد من‬
‫واألعمال الظاهرة والباطنة‪.‬‬ ‫الدروس‪ ،‬وأهم الدروس التي ينبغي أن يخرج هبا المسلم من‬
‫ومن الفهم الخاطئ لإلسالم‪ :‬اختزال الدين يف عبادات‬ ‫شهر الصيام هو أن للعبادة واإليمان حالوة‪ ،‬وللطاعة لذة‪،‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪75‬‬
‫‪75‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪74‬‬
‫«م ْن لم تنهه صالته عن الفحشاء والمنكرفال صالة له»‬
‫َ‬ ‫محدودة‪ ،‬وفصل الدين عن الحياة والواقع؛ فالمسلم حياته كلها‬
‫وقد ذكر النبي ‪ ‬عن المرأة التي تصوم وتقوم وتتصدق‬ ‫عبادة‪.‬‬
‫وتؤذي جيراهنا‪ ،‬قال‪« :‬هي يف النار»‪.‬‬ ‫ﱹﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﱸ‬
‫فال يكون حالنا كحال بعض الناس ما إن يخرج رمضان‬ ‫[األنعام‪ ،]162:‬فمن مزايا اإلسالم أنه دين شامل للحياة؛ فسلوك‬
‫حتى يفتتحوا يوم العيد بالمعاصي والفسوق‪ ،‬وعلينا أن نكون‬ ‫المسلم يف أسرته ويف عمله‪.‬‬
‫بعد رمضان قد ازددنا عبودية هلل وفهمنا حقيقة العبودية وعملنا‬ ‫والنية الصالحة تحول المباحات إلى عبادات «األعمال‬
‫بمقتضاها ‪.‬‬ ‫بالنيات»‪.‬‬
‫وتمت بحمد اهلل هذه المجالس الرمضانية المباركة‪ ،‬وأسأل‬ ‫وحسن الخلق والتعامل مع الناس مما ال ينفصل عن العبادة‪،‬‬
‫ُ‬
‫اهلل تعالى أن يجعلها ذخرا لكاتبها وقارئهاﱹﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬ ‫بل العبادة بدونه ال تكون قد أثمرت ثمرهتا وحققت غايتها‪.‬‬
‫ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﱸ ‪.‬‬ ‫قال تعالى‪ :‬ﱹﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬
‫ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﱸ [طه‪.]124:‬‬
‫ﱹﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﱸ‬
‫[المنافقون‪.]9:‬‬
‫«من لم يدع قول الزور والعمل به فليس هلل حاجة أن يدع‬
‫َ‬
‫طعامه وشرابه»‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ َ َ َّ‬
‫‪77‬‬
‫‪77‬‬ ‫ال َو يِل ِد ال ِمنِيس‬
‫ل يِب خ دِ ٍ‬ ‫الرمضانِية‬ ‫المجال ِس‬ ‫‪76‬‬

‫الفصل التاسع الاعتكاف ‪50...........................‬‬ ‫المحتو يات‬


‫الفصل العاشر زكاة الفطر ‪54...........................‬‬

‫الفصل الحادي عشر عيد الفطر ‪58.....................‬‬

‫الفصل الثاني عشر ما بعد رمضان‪67...................‬‬ ‫مقدمة المؤلف ‪5...................................‬‬

‫الفصل الأول فضائل شهر رمضان ‪6................‬‬

‫الفصل الثاني الحكمة من الصيام‪13.....................‬‬

‫‪‬‬ ‫الفصل الثالث آداب الصيام ‪21........................‬‬

‫الفصل الرابع كيفية دخول رمضان‪24.................‬‬

‫الفصل الخامس أحكام الصيام‪27.....................‬‬

‫الفصل السادس رمضان شهر القرآن ‪37................‬‬

‫الفصل السابع العشر الأواخر‪44........................‬‬

‫الفصل الثامن ليلة القدر ‪46............................‬‬

You might also like