You are on page 1of 6

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫عمم االجتماع الطبي‬

‫المحاضرة العاشرة‬

‫األمراض المزمنة كمشكمة اجتماعية‬

‫أوالً ‪:‬ما هي األمراض المزمنة؟‬

‫األمراض المزمنة هي‪ :‬تمؾ األمراض المالزمة لإلنساف فترة طويمة مف حياتو‪ ،‬والتي تحدث تأثيرات مباشرة‬
‫وسيئة عمى صحتو العامة ‪ ،‬وتسبب لو مشاكؿ صحية واجتماعية واقتصادية ‪ ،‬وذلؾ ألف المصاب بيا ال‬
‫يستطيع القياـ بأعمالو المعتادة كما يجب‪ ،‬وعمى ىذا ينظر إلى المصاب بالمرض المزمف عمى أنو ليس‬
‫مريضاً بالمفيوـ العادي‪ ،‬ولكنو مريض يعيش مشكمة دائمة تقريباً‪.‬‬

‫واألمراض المزمنة تصيب اإلنساف بصورة تدريجية‪ ،‬دوف الشعور باأللـ‪ ،‬أو عدـ االرتياح في مراحميا‬
‫األولى‪ ،‬لذا نجد أف أصحابيا يتأخروف في البحث عف المعونة الطبية وطمب الرعاية الالزمة لحماية‬
‫أنفسيـ‪ ،‬مما يؤدي إلى مد جذورىا فييـ‪ ،‬والتأثير عمى صحتيـ‪ ،‬وىذا ما يجعؿ المتخصصيف في العموـ‬
‫الطبية يصفونيا بأنيا " أمراض اجتماعية"‬

‫وتتضح خطورة ىذه األمراض فيما تحدثو مف تأثيرات سمبية عمى الوظيفة اإلنتاجية لممصاب بيا‪،‬‬
‫واألزمات المادية‪ ،‬وعدـ القدرة عمى الحركة الطبيعية‪ ،‬وىذا ما سوؼ نعرضو في ىذه المحاضرة‪.‬‬

‫وباستخداـ التحميؿ االحصائي لػ ‪ 55‬مريض باألمراض المزمنة بإحدى المستشفيات بوالية فموريدا‬
‫األمريكية‪ ،‬تبيف أنيا قد أصابتيـ منذ فترة طويمة‪ ،‬وأدت مع مرور الوقت إلى أضرار جسيمة نفسية‬
‫واجتماعية‪ ،‬كما أشارت اآلراء الطبية إلى أف المرض المزمف يؤدي إلى ضعؼ ووىف لدى المريض بيا‪،‬‬
‫وأىـ ما يعانيو ىو فقداف الذات واىتزاز صورتو التي كونيا عف نفسو أماـ اآلخريف واعتماده في معظـ‬
‫األوقات عمى مف يقدـ لو المساعدة ‪.‬‬
‫تؤدي اإلصابة بهذه األمراض إلى ‪:‬‬

‫‪ )1‬فرض قيود عمى نمط الحياة العادي لممرضى‪.‬‬


‫‪ )2‬العزلة االجتماعية‪.‬‬
‫‪ )3‬ضعؼ الثقة بالنفس‪.‬‬
‫‪ )4‬إحداث إجياد ومشقة لممحيطيف بيـ‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬اآلثار المترتبة عمى اإلصابة بالمرض المزمن‪:‬‬

‫إف دراسة المرضى المصابوف باألمراض المزمنة لو أىميو خاصة في التعرؼ عمى تأثير المرض عمى‬
‫جوانب شخصية المريض االجتماعية والنفسية والجسمية‪ ،‬كما يحدد لألخصائي االجتماعي المناطؽ التي‬
‫يوجو إلييا اىتمامو سواء كاف ممارساً لطريقة العمؿ مع األفراد أو الجماعات أو ممارساً لطريقة تنظيـ‬
‫المجتمع الخ‪......‬‬

‫أهم اآلثار االجتماعية والنفسية والتي يعاني منها المصاب باألمراض المزمنة‪:‬‬

‫‪ -1‬المعيشة تحت قيود معينو‪:‬‬

‫‪ ‬قيود خاصة بنوعية األغذية والمشروبات‪.‬‬


‫‪ ‬قيود خاصة بممارسة األنشطة واليوايات‪.‬‬
‫‪ ‬قيود خاصة باستعماؿ أنواع معينة مف العالج‪.‬‬

‫‪ -2‬العزلة االجتماعية‪:‬‬

‫الشعور بالعزلة هو‪ :‬أحد المشكالت التي يعاني منيا المصابوف باألمراض المزمنة‪ ،‬حيث تقؿ مشاركتيـ‬
‫في األنشطة المتعمقة بالعمؿ‪ ،‬وعدـ االستمتاع بوقت الفراغ‪ ،‬كما أف أصدقائيـ القدامى ال يبادلونيـ نفس‬
‫المشاعر السابقة‪ ،‬وال يقوموف بزيارتيـ‪.‬‬
‫‪ -3‬ضعؼ الثقة بالنفس‪:‬‬

‫إف ضعؼ الثقة بالنفس ينتج مف شعور المريض بأف مشاركتو في العالـ المحيط بو أصبحت ىامشية‪،‬‬
‫باإلضافة إلى نظرة الدونية والعطؼ التي يراىا في عيوف اآلخريف‪.‬‬

‫‪ -4‬أنو ليس محط االىتماـ مف قبؿ المحيطيف بو‪:‬‬

‫كما تعتبر اتجاىات األسرة جزءاً ىاماً في تأكيد ذلؾ الشعور‪ ،‬مف خالؿ ما تقوـ بو مف اىتماـ مبالغ فيو‬
‫مف الرعاية‪ ،‬أو حينما ال تتقبؿ نواحي النقص التي يعاني منيا المريض وتستمر في توقعاتيا في أف يقوـ‬
‫المريض بنفس األعماؿ التي كاف يقوـ بيا المريض‪.‬‬

‫‪ -5‬االعتمادية ‪:‬‬

‫حيث يرى المريض أنو مقيد عمى الحركة‪ ،‬وأنو يسبب إجياداً نفسياً واقتصادياً لألسرة‪ ،‬وانو يتسبب في‬
‫أحداث كثير مف المشاكؿ لألسرة والمرتبطة بتحمؿ مخاطر العالج والمسئوليات المترتبة عميو‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى الوقت والجيود التي تبذؿ مع المريض في الذىاب إلى المستشفى إذا تطمب المر ذلؾ‪ .‬ومما يساعد‬
‫عمى حدوث ىذا النمط مف االعتمادية القيود المفروضة عمى المرضى‪ ،‬وبالتالي فيـ يشعروف بصراع ما‬
‫بيف احتياجاتيـ وتوقعات اآلخريف منيـ‪ ،‬مما يؤدي إلى شعورىـ بالعجز وتظير آثار ذلؾ عمى‬
‫المضاعفات الطبية التي يعانوف منيا‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬أمثمة لبعض األمراض المزمنة‪:‬‬

‫أمراض القمب‪:‬‬

‫تحتؿ أمراض القمب المرتبة األولى في معظـ دوؿ العالـ كسبب أساسي لموفيات‪ ،‬حيث لوحظ في اآلونة‬
‫األخيرة زيادة إصابات فئات األعمار الصغيرة مف الشباب بيذا المرض‪ ،‬وقد قامت دوؿ كثيرة بالتصدي‬
‫ليذا الوباء مف منظمات حكومية وغير حكومية‪ ،‬لوقؼ ىذا الزحؼ‪ ،‬ونخص بالذكر ىنا الواليات المتحدة‬
‫وفنمندا‪ ،‬وقد قاـ الباحثوف في ىذا المجاؿ بتحديد العوامؿ المسببة ليذا المرض‪ .‬وقد تفشى ىذا المرض في‬
‫الدوؿ النامية مثؿ الدوؿ المتقدمة ذات البيئات الحضرية بمشاكميا العصرية‪ ،‬وقامت أجيزة ومؤسسات‬
‫الصحة بجيود كبيرة لخفض معدالت اإلصابة بالجمطة القمبية وارتفاع ضغط الدـ‬
‫العوامل البيئية ودورها في أمراض القمب واألوعية الدموية‬

‫هناك كثير من العوامل المسببة ألمراض القمب في البيئة إما أن ‪ -1‬تكون طبيعية أو‪ -2‬بشرية ‪:‬‬

‫‪ -1‬الجانب الطبيعي من عوامل البيئة المؤثرة في أمراض القمب‪:‬‬

‫العوامؿ المناخية‪:‬‬

‫ليس لمعوامؿ المناخية وأحواؿ الطقس أية آثار مباشرة عمى أمراض القمب واألوعية الدموية‪ ،‬عمى الرغـ‬
‫مف أف البعض يعتقد أف لإلجياد الحراري الناتج عف ارتفاع درجة الح اررة وارتفاع نسبة الرطوبة أثار عمى‬
‫كفاءة وظيفة القمب خاصة عند عند كبار السف‪ ،‬وزيادة مضاعفات تمؼ عضمة القمب‪ ،‬بيد أف ىناؾ أثار‬
‫غير مباشرة تتمثؿ في وقوؼ التحديات المناخية في الفصوؿ المختمفة أماـ مزاولة الرياضة ال سيما المشي‬
‫التي تعتبر واحدة مف أىـ االنشطة التي تسيـ في الوقاية مف اإلصابة باألمراض‪.‬‬

‫‪ -2‬الجانب البشري من عوامل البيئة المؤثرة في أمراض القمب ومنها‪:‬‬

‫‪ -1‬ارتفاع مستوى الدىوف والكولستروؿ في الدـ‪:‬‬

‫لقد أثبتت التحاليؿ الكيماوية لمصفائح الشحمية أنيا تحتوي عمى الكولستروؿ والمواد الدىنية بكميات كبيرة‬
‫وبنسب تقارب تمؾ الموجودة في الدـ‪ ،‬لذا فقد اتجيت األبحاث إلى تبياف صمة كولستروؿ الدـ ودىونو‬
‫بتصمب الشراييف التاجية ‪ ،‬وصمتيا بالغذاء الدسـ ‪ ،‬وىو الغذاء الذي يحتوي عمى كمية كبيرة مف الدىوف ‪،‬‬
‫ويوجد الكولستروؿ في كؿ غذاء حيواني المصدر‪ ،‬واىـ مصادره البيض والقشدة والمحوـ والكبد والكمى‬
‫غذاء‬
‫ً‬ ‫والمخ ‪ ،‬بيد انو ال يوجد في األطعمة نباتية المصدر ‪ ،‬ولما كانت األغذية الحيوانية المصدر تشكؿ‬
‫رئيسياً لمشعوب في كثير مف البالد المتقدمة والنامية فإف تناوليا بقدر يزيد عف الحد يؤدي إلى مخاطر‬
‫ارتفاع مستوى الدىوف في الدـ ‪ ،‬وبالتالي إلى أمراض القمب وتصمب الشراييف‪.‬‬
‫خمصت بعض الدراسات في هذا المجال إلى نتائج منها‪:‬‬

‫أ‪ -‬أف نسبة الوفيات مف مرض القمب الشرياني في العالـ تتناسب طردياً مع كمية ما يستيمكو الفرد مف طعاـ‪،‬‬
‫خاصة ما احتوى منو عمى الدىوف المشبعة والكولستروؿ والسعرات الح اررية‪.‬‬
‫ب‪ -‬بمتابعة أعداد كبيرة مف األشخاص الخاليف مف مرض القمب الشرياني مف عدة دوؿ لسنوات كثيرة وجد أف‬
‫نسبة اإلصابة والوفاة بسبب مرض القمب الشرياني فيما بعد يتناسب طردياً مع استيالكيـ لمدىوف‪.‬‬
‫ت‪ -‬وجد أف الشعوب التي تستيمؾ أطعمة غنية بالكولستروؿ في الدـ مرتفعاً‪ ،‬ويكثر فييا ظيور مرض القمب‬
‫الشرياني والوفاة بسببو‪ ،‬أما الشعوب المقممة في تناوؿ ىذه األغذية فتكوف فييا مستويات الكولستروؿ‬
‫منخفضة‪ ،‬وتقؿ فييا نسبة اإلصابة كالشعوب التي تعيش في بيئات بحرية‪ ،‬وتعتمد في غذائيا عمى البحر‬
‫مثؿ الياباف عمى سبيؿ المثاؿ‪.‬‬

‫‪ -2‬ضغط الدـ المرتفع‪:‬‬

‫تجدر اإلشارة إلى أف الدورة الدموية نظاـ مركب‪ ،‬وظيفتو تدوير الدـ في الجسـ كمو إلمداده باألكسجيف‬
‫والمواد الغذائية‪ ،‬وتخميصو مف ثاني أكسيد الكربوف والمواد الضارة ونفايات االحتراؽ ونقؿ بعض المواد مف‬
‫عضو إلى أخر إضافة إلى العمؿ عمى توزيع الح اررة الناتجة عف عمميات التمثيؿ الغذائي‪ ،‬ويتكوف ىذا‬
‫النظاـ مف مضخة مركزية ىي القمب وأجيزة التوزيع ىي الشراييف واألوردة والشعيرات الدموية‪ ،‬وتؤمف‬
‫عممية ضخ الدـ لدى القمب ضغطاً معيناً داخؿ األوعية الدموية‪ ،‬وىو الضغط الالزـ لتوريد الدـ إلى‬
‫أعضاء الجسـ الداخمية‪ ،‬ويكوف الضغط الشرياني عند المرء السميـ في حالة الراحة مستق اًر نسبياً‪ ،‬إذ ال‬
‫يتعدى مستوى الضغط االنقباضي ‪ ، 141‬والضغط االنبساطي ‪ ( 01‬والمستوى األمثؿ ‪.) 01 /121‬‬

‫‪ -3‬السمنة والبدانة‪:‬‬

‫يمكف مالحظة السمنة وزيادة الوزف لدى كافة أعمار األطفاؿ ومتوسطي العمر وكبار السف خاصة في‬
‫البيئات أو المجتمعات التي تتميز بالوفرة في الغذاء‪ ،‬أو تمؾ التي تستخدـ الوسائؿ الحضارية بكثرة في‬
‫التنقؿ‪ ،‬مما يحد مف استخداـ المجيود العضمي ونشاط اإلنساف البدني‪ ،‬والسمنة ليست سبباً مباش اًر في‬
‫اإلصابة بأمراض القمب والشراييف‪ ،‬ولكف صمتو وثيقة بارتفاع ضغط الدـ والسكر وارتفاع الكولستروؿ‬
‫ودىنياتو‪ ،‬ومعروؼ أف مف مسببات السمنة اإلفراط في تناوؿ الطعاـ وسوء اختيار األطعمة وحياة الخموؿ‬
‫والكسؿ‪ ،‬ويرتبط بالبدانة مرض السكر‪.‬‬

‫‪ -4‬قمة النشاط البدني والحركة‪:‬‬

‫يؤدي ذلؾ إلى انخفاض مستوى المياقة البدنية‪ ،‬مما يؤثر عمى كفاءة الدورة الدموية والجياز التنفسي‪ ،‬وقد‬
‫لوحظ أف مرض تصمب الشراييف يحدث بنسبة أكبر في األشخاص الذيف يقتضي طبيعة عمميـ الجموس‬
‫عف الذيف يقتضي عمميـ مجيودا عضمياً‪ ،‬وقد تتدخؿ طبيعة المناخ في األجواء الباردة في العمؿ عمى‬
‫الحركة والنشاط في حيف تقؿ الحركة في األجواء الحارة التي تساعد عمى الخموؿ والكسؿ‪.‬‬

‫‪ -5‬العادات الغذائية السيئة‪:‬‬

‫تتسبب العادات الغذائية السيئة في كثير مف البالد المتقدمة والنامية في كثير مف األمراض ذات الصمة‬
‫بمرض القمب كارتفاع ضغط الدـ وارتفاع نسبة الكولستروؿ في الدـ‪ ،‬وقد سبقت اإلشارة إلى ضرر أو‬
‫تأثير المواد الدىنية الموجودة في األطعمة الدسمة عمى تصمب شراييف القمب‪.‬‬
‫أما الممح فقد وجو إليو عمماء التغذية واألطباء أصابع االتياـ كواحد مف أىـ العوامؿ البيئية المتسببة في‬
‫ارتفاع ضغط الدـ‪ .‬ويذكر أف شعوب العالـ الصناعي الغربي يتناولوف ما بيف ‪ 11 – 3‬مرات أكثر مما‬
‫يمزميـ مف الممح‪ ،‬وعمى العكس نرى الوضع في البمداف النامية التي يعتمد شعوبيا عمى غذاء الحقؿ مف‬
‫الخضروات الطازجة‪.‬‬

‫انتيت المحاضرة‬

‫مدرس المادة‪ :‬عمي القرعاف‪.‬‬

You might also like