You are on page 1of 21

‫‪http://www.shamela.

ws‬‬
‫مت إعداد هذا امللف آليا بواسطة املكتبة الشاملة‬

‫الكتاب ‪ :‬حكم التصوير الفوتوغرايف‬


‫أتليف‪ :‬وليد بن راشد السعيدان‬
‫اعتىن به وخرج أحاديثه‪ :‬سامل بن انصر القريين‬
‫مالحظة‪[ :‬هذا الكتاب من كتب املستودع مبوقع املكتبة الشاملة]‬

‫أتليف‬
‫وليد بن راشد السعيدان‬
‫اعتىن به وخرج أحاديثة‬
‫سامل بن انصر القريين‬
‫إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ ابهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‬
‫‪ ،‬من يهده هللا فال مضل له ‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‬
‫‪ ،‬وأشهد أن حممداً عبده ورسوله صلى هللا عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثرياَ أما بعد ‪- :‬‬
‫فإن من املسائل اليت كثر النزاع فيها يف هذه األزمنة مسألة " التصوير الفوتوغرايف " وذلك أن بعض‬
‫العلماء رفع هللا له الدرجة‪ ،‬وأجزل له األجر واملثوبة ‪ ،‬وغفر مليتهم ‪ ،‬وثبت أحياءهم قد اختار –‬
‫اجتهاداً – جوازه أبدلة ذكرها ‪ .‬وهو ما اختار ذلك إال بعد بذل الوسع والطاقة يف النظر يف األدلة ‪،‬‬
‫وقد تقرر يف القواعد أن من بذل ما يف وسعه فإنه يكتب له – فضالً – متام سعيه ‪ ،‬وأن اجملتهد دائر‬
‫بني األجرين أو األجر ‪ ،‬فلله َد ُّر هذه الشريعة ‪ ،‬ما أعدهلا ‪ ،‬وما أعظم شأهنا ‪ ،‬فرحم هللا العلماء رمحة‬
‫واسعة ‪ ،‬ورفع نزهلم ‪ ،‬فكم هلم من األثر الطيب علينا ‪ ،‬إال أنه ينبغي التنبيه على أن الكمال املطلق‬
‫هلل تعاىل ‪ ،‬وللبشر مطلق الكمال ‪ ،‬وفوق كل ذي علم عليم ‪ ،‬واحلق يقبل ممن جاء به ‪ ،‬والباطل يرد‬
‫ممن جاء به ‪ ،‬والرجال يوزنون مبا معهم من احلق ‪ ،‬ال أن احلق يوزن ابلرجال ‪ ،‬واحلر تكفيه اإلشارة ‪،‬‬
‫وسواه يدعى ابلنداء العايل ‪.‬‬
‫وإن هذه املسألة اليت حنن بصدد شرحها هي مما جاءت به الشريعة ابلبيان الواضح ‪ ،‬والنص اجللي ‪،‬‬
‫وهللا أعلم ‪.‬‬
‫( فصل )‬

‫(‪)1/1‬‬

‫وقد دلت الشريعة على وجوب رد األمر املتنازع فيه إىل الكتاب والسنة ملعرفة احلق ‪ ،‬فقال تعاىل {‬
‫از ْعتم ِيف َشي ٍء فَردُّوه إِ َىل َِّ‬ ‫ِ‬ ‫اَّلل وأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اَّلل‬ ‫ْ ُ ُ‬ ‫ول َوأ ُْوِيل األ َْم ِر م ْن ُك ْم فَِإ ْن تَ نَ َ ُ ْ‬‫الر ُس َ‬
‫َطي ُعوا َّ‬ ‫يعوا ََّ َ‬‫آمنُوا أَط ُ‬ ‫ين َ‬ ‫ََي أَيُّ َها الذ َ‬
‫َّلل والْي وِم ِ‬
‫اآلخ ِر ذَلِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الر ُس ِ‬
‫س ُن َأتْ ِويالً } سورة النساء [ آية ‪] 59 :‬‬ ‫َح َ‬
‫ك َخ ْريٌ َوأ ْ‬ ‫ول إِ ْن ُكنتُ ْم تُ ْؤمنُو َن ِاب َّ َ َ ْ‬ ‫َو َّ‬
‫‪.‬‬
‫والكالم عليها من وجوه ‪- :‬‬
‫از ْعتُ ْم } هذا شرط وقوله { ِيف َش ْي ٍء } نكرة وقد تقرر يف األصول أن النكرة يف‬
‫األول ‪ :‬قوله { فَِإ ْن تَنَ َ‬
‫سياق الشرط تعم ‪ ،‬فهذا يقضي أبن أي مسألة تنازعنا فيها فإننا مأمورون بردها إىل الكتاب والسنة ‪،‬‬
‫ومن أخرج مسألة من املسائل وقال ال نردها للكتاب والسنة ‪ ،‬فقد أخرجنا من هذا العموم ‪ ،‬وقد‬
‫تقرر يف القواعد أن األصل هو البقاء على العموم حىت يرد الناقل ‪.‬‬
‫الثاين ‪ :‬يف قوله { فَ ُردُّوهُ } فإن هذا صيغة أم ٍر ‪ ،‬وقد تقرر يف األصول أن األمر املطلق عن القرائن‬
‫يفيد الوجوب إال بقرينة صارفة ‪ ،‬وال قرينة هنا ‪ ،‬فالواجب هو البقاء على األصل ويف ذلك دليل‬
‫على وجوب هذا الرد ‪ ،‬فليس هو أمراً اختيارَيً إن شئت فرد ‪ ،‬وإن شئت فال ترد ‪ ،‬فإن هذا هو‬
‫حمض اهلوى ‪ ،‬والعياذ ابهلل ‪ ،‬وهللا أعلم ‪.‬‬
‫َّلل والْي وِم ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اآلخ ِر } فعلق اإلميان هبذا الرد ‪ ،‬وقد تقرر يف القواعد‬ ‫الثالث ‪ :‬قوله { إِ ْن ُكنتُ ْم تُ ْؤمنُو َن ِاب َّ َ َ ْ‬
‫أن كل فعل نفى هللا اإلميان عن فاعله فلحرمته ‪ ،‬وكل فعل نفي هللا اإلميان عن اتركه فلوجوبه ‪ ،‬فدل‬
‫ك ال‬‫ذلك على أنه ال يتحقق كمال اإلميان الواجب إال هبذا الرد ‪ ،‬ويؤيده قوله تعاىل { فَال َوَربِ َ‬
‫يما }‬‫ِ‬ ‫ت وي ِ‬
‫سل ُموا تَ ْسل ً‬ ‫يما َش َج َر بَ ْي نَ ُه ْم ُُثَّ ال ََِي ُدوا ِيف أَن ُف ِس ِه ْم َح َر ًجا ِممَّا قَ َ‬
‫ض ْي َ َ ُ َ‬
‫ي ْؤِمنُو َن ح َّىت ُُي ِكم َ ِ‬
‫وك ف َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫سورة النساء [ آية ‪. ] 65 :‬‬

‫(‪)2/1‬‬
‫فقضية رد األمور املتنازع فيها إىل هللا ورسوله ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬قضية فاصلة بني املؤمنني‬
‫واملنافقني ‪ ،‬فإن املنافقني ال يريدون التحاكم إىل هللا ورسوله ‪ ،‬وإن زعموا أهنم آمنوا مبا أنزل إىل النيب‬
‫‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ، -‬وما أنزل من قبله ‪ ،‬وإمنا هم يريدون أن يتحاكموا إىل الطاغوت ‪ ،‬كما‬
‫قال تعاىل فاضحاً مقاصدهم ‪ ،‬ومظهراً خفاَي نفوسهم ‪ ،‬وخبث ما انطوت عليه قلوهبم { أََملْ تَ َر إِ َىل‬
‫ك ي ِري ُدو َن أَ ْن ي تَحا َكموا إِ َىل الطَّاغُ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫وت َوقَ ْد‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ك َوَما أُن ِز َل م ْن قَ ْبل َ ُ‬ ‫ين يَ ْز ُع ُمو َن أ ََّهنُ ْم َ‬
‫آمنُوا ِمبَا أُن ِز َل إِلَْي َ‬ ‫الذ َ‬
‫اَّللُ َوإِ َىل‬
‫يل َهلُ ْم تَ َعالَ ْوا إِ َىل َما أَ َنز َل َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ضالالً بَعي ًدا * َوإذَا ق َ‬ ‫ضلَّ ُه ْم َ‬ ‫الش ْيطَا ُن أَ ْن ي ِ‬
‫ُ‬ ‫أ ُِم ُروا أَ ْن يَ ْك ُف ُروا بِ ِه َويُ ِري ُد َّ‬
‫ودا } سورة النساء [ اآليتان ‪. ] 60،61 :‬‬ ‫ص ُد ً‬ ‫ِِ‬ ‫الر ُس ِ‬
‫ك ُ‬ ‫صدُّو َن َع ْن َ‬ ‫ني يَ ُ‬
‫ت ال ُْمنَافق َ‬ ‫ول َرأَيْ َ‬ ‫َّ‬
‫الر ُس ِ‬ ‫از ْعتم ِيف َشي ٍء فَردُّوه إِ َىل َِّ‬
‫ول } ‪ .‬وحقيقة‬ ‫اَّلل َو َّ‬ ‫ْ ُ ُ‬ ‫فحقيقة اإلميان هو يف قوله تعاىل ‪ { :‬فَِإ ْن تَنَ َ ُ ْ‬
‫وت } ‪.‬‬ ‫النفاق هي يف قوله { ي ِري ُدو َن أَ ْن ي تَحا َكموا إِ َىل الطَّاغُ ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫فأي الفريقني أحب إليك ؟ فإن هللا هو الغين احلميد ‪ ،‬وحنن الفقراء إليه جل وعال ‪ ،‬فلما ثبت‬
‫وجوب الرد إىل الكتاب والسنة علمنا يقيناً أن فيها األمر الفاصل فيما تنازعنا فيه ‪ ،‬وهللا أعلم ‪.‬‬
‫واملقصود أن مسألة التصوير الفوتوغرايف من هذه املسائل اليت َيب أن ترد للكتاب والسنة حىت‬
‫يعرف حكم هللا فيها ‪.‬‬
‫س ُن َأتْ ِويالً } ‪ .‬فهذا فيه إخبار أبن هذا الرد هو اخلري كل‬
‫َح َ‬
‫ري َوأ ْ‬ ‫الرابع ‪ :‬يف قوله تعاىل { ذَلِ َ‬
‫ك َخ ٌْ‬
‫اخلري ‪ ،‬والسالمة كل السالمة ‪ ،‬وهو أحسن عاقبة ‪ ،‬وهذا أمر حمسوس جمرب ‪ ،‬فإن الضالل إمنا هو‬
‫يف اتباع السبل املعوجة املخالفة للصراط املستقيم ‪ ،‬واملنهج القومي ‪.‬‬

‫(‪)3/1‬‬

‫وهذه املسألة اليت حنن بصدد الكالم عليها إن كنا نريد اخلري وحسن العاقبة فيها ‪ ،‬فلنردها للكتاب‬
‫والسنة ‪.‬‬
‫وفقنا هللا وإَيك لكل خري ‪ ،‬وجعل عواقبنا آيلة إىل خري ونسأله جل وعال أن يبصران ابحلق ‪ ،‬ويوفقنا‬
‫التباعه ‪ ،‬إنه خري مسئول وهو حسبنا ونعم الوكيل ‪ ،‬وهللا أعلم ‪.‬‬
‫وقد أمجع العلماء – رمحهم هللا تعاىل – على أن الرد هلل هو الرد لكتابه ‪ ،‬وأن الرد للرسول ‪ -‬صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪ -‬هو الرد إليه نفسه يف حياته ‪ ،‬والرد إىل سنته الصحيحة بعد مماته ‪ ،‬وهللا أعلم ‪.‬‬
‫( فصل )‬
‫فإن قلت ‪ :‬إن التصوير الفوتوغرايف مل يكن معروفاً يف عهد النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬وال يف‬
‫عهد الصحابة ‪ ،‬وال القرون املفضلة ‪ ،‬وال تكلم عليه السلف ‪ ،‬وإمنا هو قضية جديدة ‪ ،‬فكيف تقول‬
‫‪ :‬نردها للكتاب والسنة ؟‬
‫فأقول ‪ :‬هذا هو مفرتق الطرق بني أصحاب الفروع ‪ ،‬وأصحاب القواعد واألصول ‪ ،‬فإنين ويف‬
‫ٍ‬
‫مناسبات كثرية أنبه دائماً أن طلب العلم على طريقة معرفة األصول والقواعد أبدلتها وإجادة التفريع‬
‫عليها أهنا هي الطريقة السليمة ؛ ألهنا طريقة القرآن ‪ ،‬وأن حفظ الفروع الفقهية املتناثرة اليت ال‬
‫َيمعها أصل ‪ ،‬أو قاعدة ‪ ،‬أو ضابط ‪ ،‬أنه قصور يف الطالب ‪ ،‬فإنك إن أخرجته عن فروعه اليت‬
‫حفظها ‪ ،‬فَ غَ َر فاه ‪ ،‬وطأطأ رأسه ‪ ،‬ومل أيت فيها بشيء ‪ ،‬وهذا قصور واضح ‪ ،‬وأما من طلب‬
‫األصول والقواعد‪ ،‬وحفظها وعرف أدلتها ‪ ،‬وأجاد التفريع عليها ‪ ،‬فإنه ال يقف يف وجهه – بتوفيق‬
‫هللا وفضله – شيء من الوقائع اجلديدة ؛ ألن األصول معه ‪.‬‬
‫فنصيحيت لطالب العلم أن ُيرصوا على القواعد األصولية احلرص الكامل ‪ ،‬فبقواعد األصول نيل‬
‫املأمول ‪ ،‬فاهلل هللا ب " ختريج الفروع على األصول " لإلمام الزجناين ‪ ،‬و " التمهيد يف ختريج الفروع‬
‫على األصول " لإلمام األسنوي ‪ ،‬و " القواعد والفوائد " لإلمام ابن اللحام ‪.‬‬

‫(‪)4/1‬‬

‫وأن علم األصول يف الدَير النجدية يشكو شيئاً من اهلجر ‪ ،‬وعزوف الطلبة عنه ‪ ،‬وذلك مرجعه‬
‫ألسباب ذكرهتا يف كتايب " حترير القواعد وجمموع الفرائد "‬ ‫ٍ‬
‫ْت لَ ُك ْم ِدينَ ُك ْم َوأ َْمتَ ْم ُ‬
‫ت َعلَْي ُك ْم نِ ْع َم ِيت‬ ‫واملقصود ‪ - :‬أن الشريعة كاملة ؛ لقوله تعاىل { الْيَ ْوَم أَ ْك َمل ُ‬
‫الم ِدينًا } سورة املائدة [ آية ‪. ] 3 :‬‬ ‫يت لَ ُك ُم ا ِإل ْس َ‬
‫ض ُ‬‫ور ِ‬
‫ََ‬
‫اب ِم ْن َش ْي ٍء } سورة األنعام [ آية ‪. ] 38 :‬‬ ‫وقال تعاىل { ما فَ َّرطْنَا ِيف ال ِ‬
‫ْكتَ ِ‬ ‫َ‬
‫وقد فسر الكتاب أبنه القرآن ‪ ،‬وفسر أبنه اللوح احملفوظ ‪ ،‬وال تناقض بني القولني ‪ ،‬فيحمل عليهما‪،‬‬
‫وقد تقرر يف األصول أن اللفظ إذا فسر بتفسريين ال تنايف بينهما محل عليهما ‪.‬‬
‫فقوله { ِم ْن َش ْي ٍء } نكرة جاءت يف سياق النفي ‪ ،‬وقد تقرر يف األصول أن النكرة يف سياق النفي‬
‫تعم ‪ .‬فكل شيء ففي القرآن حكمه ‪ ،‬إما نصاً ‪ ،‬وإما تضمناً ‪ ،‬وإما التزاماً ‪.‬‬
‫فالقرآن أعطاان القواعد العامة ‪ ،‬واألصول اجلامعة ‪ ،‬فال خترج مسألة من املسائل عنه ‪ ،‬ويعرف ذلك‬
‫من تدبره ‪.‬‬
‫فمسألة التصوير الفوتوغرايف داخلة يف هذا العموم ‪ ،‬فحكمها يف الشريعة واضح جلي ابلدليل‬
‫الصحيح الصريح كما سرتاه إن شاء هللا تعاىل وإمنا اإلشكال يقوم يف ذهن اجملتهد الذي ينظر يف‬
‫األدلة ‪ ،‬فضالً عن أن بعض اجملتهدين قد يثري من اإلشكاالت والشبه ما يكون مكدراً صفو األدلة ‪.‬‬
‫وعلى كل حال فمسألة التصوير الفوتوغرايف وإن كانت جديدة الوقوع ‪ ،‬إال أهنا قدمية التأصيل ‪،‬‬
‫فالشريعة صاحلة لكل زمان ومكان ‪ ،‬واملوفق من وفقه هللا تعاىل للعلم النافع والعمل الصاحل ‪ .‬جعلنا‬
‫هللا وإَيك منهم ‪ ،‬وهو أعلى وأعلم ‪.‬‬
‫( فصل )‬
‫إذا علمت هذا وفهمته فهماً جيداً فإليك التفصيل يف مسألة التصوير الفوتوغرايف ‪ ،‬فأقول وابهلل‬
‫التوفيق ‪ ،‬ومنه أستمد الفضل حبسن التحقيق ‪:‬‬
‫اعلم – أرشد هللا لطاعته – أن التصوير ال خيلو من حالتني ‪:‬‬

‫(‪)5/1‬‬

‫إما تصوير شيء ال روح فيه كالشجر واملاء والثمار واجلبال والبيوت وحنوها ‪ ،‬وإما تصوير شيء له‬
‫روح كاإلنسان أو احليوان ‪.‬‬
‫فأما األول ‪ :‬فال كالم لنا فيه إذ هو كلمة عموم أهل العلم ‪ ،‬وال أعلم فيه خالفاً ‪ ،‬إال خالفاً شاذاً ‪.‬‬
‫والذي يدل على جواز تصوير ما ال روح فيه عدة أمور‪:‬‬
‫منها ‪ :‬قوله ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ (( -‬من صور صورة يف الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها‬
‫الروح وليس بنافخ ))(‪ . )1‬فدل ذلك على أن ما ال روح فيه أصالً ال أبس بتصويره ‪ ،‬وإمنا الوعيد‬
‫منصب على ما له روح ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬قوله ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ (( -‬إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال‬
‫هلم ‪ :‬أحيوا ما خلقتم ))(‪ . )2‬فدل ذلك على أن ما ال حياة فيه ال يدخل يف هذا الوعيد‪ ،‬وإمنا‬
‫الوعيد منصب على ما حتله احلياة احليوانية‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬قول جربيل عليه والصالة السالم للنيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ (( -‬فمر برأس التمثال‬
‫يقطع فيصري كهيئة الشجرة ))(‪ . )3‬رواه أبو داود ‪ ،‬وأصله يف مسلم فدل ذلك على أن الصورة‬
‫على هيئة الشجرة ال حمظور فيها ‪ ،‬والعلة يف ذلك أهنا ليست بذات روح ‪ ،‬فقسنا عليها مجيع ما ال‬
‫روح فيه ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن تصوير ما ال روح فيه ال يؤدي إىل احملظور الذي من أجله حرمت الصورة ‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجة البخاري رقم (‪ ، )5963‬ومسلم (‪ )5541‬من حديث النضر بن أنس ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجة البخاري رقم (‪ )5951‬من حديث ابن عمر ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجة أبو داود رقم (‪ ، )4158‬والرتمذي رقم (‪ ، )2806‬وأصله يف مسلم رقم (‪)5511‬‬
‫دون قوله‪ :‬فمر برأس التمثال يقطع فيصري كهيئة الشجرة ‪.‬‬

‫(‪)6/1‬‬

‫ومنها ‪ :‬حديث ابن عباس رضي هللا عنهما أنه جاءه رجل يسأله فقال ‪ " :‬إين رجل أصور هذه الصور‬
‫‪ ،‬فأفتين فيها " فقال له ‪ :‬ادن مين ‪ ،‬فدان منه حىت وضع يده على رأسه ‪ ،‬وقال " أنبئك مبا مسعت‬
‫من رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ، -‬مسعت من رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬يقول ((‬
‫كل مصور يف النار َيعل له بكل صورة صورها نفس يعذب هبا يف جهنم )) ‪ُ ،‬ث قال ابن عباس رضي‬
‫هللا عنهما " فإن كنت البد فاعالً فاصنع الشجر وما ال نفس له "(‪ )1‬متفق عليه ‪ .‬ووجه الشاهد منه‬
‫أمران ‪ :‬األول ‪ :‬أنه قال " َيعل له بكل صورة صورها نفس " فدل ذلك على أن الوعيد مقصور‬
‫على ما له نفس ‪.‬‬
‫ويبينه الوجه الثاين ‪ :‬وهو قول ابن عباس رضي هللا عنهما ‪ " :‬فاصنع الشجر وما ال نفس له " ‪ ،‬وهو‬
‫قول صحايب مل خيالف نصاً ‪ ،‬ومل خيالفه صحايب آخر ‪ ،‬فهو حجة على القول الراجح كما تقرر يف‬
‫األصول ‪.‬‬
‫فدلت هذه األدلة على جواز تصوير ما ال روح فيه ‪ ،‬كما هو قول مجاهري أهل العلم وهو اختيار‬
‫شيخ اإلسالم أيب العباس ابن تيمية رمحه هللا‪ ،‬وهللا أعلم ‪.‬‬
‫وأما إذا كانت الصورة ملا له روح فهذا ال خيلو من ثالث حاالت ‪:‬‬
‫احلالة األوىل ‪ :‬إما أن تكون من الصورة اليت هلا ظل ‪ ،‬وذلك كأن أييت اإلنسان إىل حج ٍر مثالً ‪ ،‬أو‬
‫زجاج وحنوه ‪ُ ،‬ث يصيغه على هيئة شيء له روح ‪ ،‬فهذا النوع حمرم ابإلمجاع‬ ‫ٍ‬
‫صلصال ‪ ،‬أو ٍ‬ ‫ٍ‬
‫خشبة ‪ ،‬أو‬
‫فيما أعلم ‪ ،‬وهللا أعلم ‪ ،‬وذلك كما يفعله املشركون أبصنامهم ‪ ،‬فإن أصلها كانت صخوراً ال تشكيل‬
‫فيها ‪ُ ،‬ث أخرجوها على هيئة اآلدميني ‪ ،‬وكما فعله عبَّاد العجل ‪ ،‬فإهنم عمدوا إىل الذهب والفضة‬
‫واجلواهر ‪ ،‬فصاغوها على هيئة عجل له خوار ‪ ،‬ففتنوا به أمة الثريان ‪.‬‬
‫فهذا النوع ال يتوقف أحد يف حترميه ‪ ،‬بل هو أساس شرك العامل ‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجة البخاري رقم (‪ ، )2225‬ومسلم رقم (‪)5540‬‬

‫(‪)7/1‬‬

‫ففي الصحيح عن ابن عباس رضي هللا عنهما يف قول هللا تعاىل { وقَالُوا ال تَ َذر َّن ِ‬
‫آهلَتَ ُك ْم َوال تَ َذ ُر َّن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وث َويَ ُعو َق َونَ ْس ًرا } سورة نوح [ آية ‪ . ] 23 :‬قال ‪ " :‬هذه أمساء رجال‬ ‫اعا َوال يَغُ َ‬
‫َودًّا َوال ُس َو ً‬
‫صاحلني من قوم نوح ‪ ،‬فلما هلكوا أوحى الشيطان إىل قومهم ‪ :‬أن انصبوا إىل جمالسهم اليت كانوا‬
‫َيلسون فيها أنصاابً ‪ ،‬ومسوها أبمسائهم ففعلوا ‪ ،‬ومل تعبد ‪ ،‬حىت إذا هلك أولئك ونُسي العلم عبدت‬
‫"(‪ . )1‬وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن محيد قال ‪ :‬حدثنا مهران عن سفيان عن موسى عن حممد بن‬
‫قيس ‪ :‬أن يغوث ويعوق ونسراً كانوا قوماً صاحلني من بين آدم ‪ ،‬وكان هلم أتباع يقتدون هبم ‪ ،‬فلما‬
‫ماتوا قال أصحاهبم ‪ :‬لو صورانهم كان أشوق لنا إىل العبادة ‪ ،‬فصوروهم ‪ ،‬فلما ماتوا وجاء آخرون‬
‫ب إليهم إبليس فقال ‪ :‬إمنا كانوا يعبدوهنم ‪ ،‬وهبم يستسقون املطر ‪ ،‬فعبدوهم "(‪. )2‬‬
‫َد َّ‬
‫ويف الصحيح أيضاً من حديث عائشة رضي هللا عنها أن أم سلمة رضي هللا عنها ذكرت لرسول هللا‬
‫‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬كنيسة رأهتا أبرض احلبشة وما فيها من الصور ‪ ،‬فقال عليه الصالة‬
‫والسالم (( أولئك إذا مات فيهم الرجل أو العبد الصاحل بنوا على قربه مسجداً ‪ ،‬وصوروا فيه تلك‬
‫الصور‪ ،‬أولئك شرار اخللق عند هللا عز وجل يوم القيامة ))(‪. )3‬‬
‫قال أبو العباس ابن تيمية رمحه هللا تعاىل ‪ " :‬فهؤالء مجعوا بني فتنتني فتنة القبور ‪ ،‬وفتنة التماثيل "‬
‫اه ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬بل وسائر األدلة اآلتية – إن شاء هللا – يدخل فيها هذا النوع دخوالً أولياً ‪ ،‬فال نطيل فيه ‪،‬‬
‫وذلك لعدم املخالف فيه‪ ،‬وهللا أعلم ‪.‬‬
‫( فصل )‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجة البخاري رقم (‪. )4940‬‬
‫(‪ )2‬أخرجة الطربي ( ‪. ) 638/23‬‬
‫(‪ )3‬أخرجة البخاري رقم (‪)427‬و(‪)474‬و(‪)1341‬و(‪ ، )3873‬ومسلم رقم (‪. )528‬‬

‫(‪)8/1‬‬
‫واحلالة الثانية ‪ :‬ما يسمى اليوم بتصوير الرسم ‪ ،‬وهو أن يعمد اإلنسان إىل ٍ‬
‫خرقة ‪ ،‬أو جدا ٍر ‪ ،‬أو‬
‫ٍ‬
‫ورقة وحنوها ‪ ،‬فريسم بيده صورة من ذوات األرواح ‪ ،‬وهذا النوع من الصور ال ظل له ‪ ،‬فهذا النوع‬
‫أيضاً حمرم لكنه أخف حترمياً من النوع قبله ‪ ،‬لكن يشرتكان يف أن كالً منهما حمرم ‪ ،‬والدليل على‬
‫حترميه مجيع األدلة اآلتية – إن شاء هللا – يف احلالة الثالثة ‪ ،‬فإنه يدخل فيها دخوالً أولياً ‪.‬‬
‫ومن أدلته النصية ‪ :‬ما رواه مسلم – رمحه هللا – يف صحيحه عن عائشة رضي هللا عنها أهنا قالت ‪:‬‬
‫كان لنا سرت فيه متثال طائر ‪ ،‬وكان الداخل إذا دخل استقبله فقال يل رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪ (( -‬حويل هذا ))(‪. )1‬‬
‫علي رسول هللا ‪ -‬صلى هللا‬
‫ومثله ما يف صحيح البخاري عنها رضي هللا عنها أهنا قالت ‪ (( :‬دخل َّ‬
‫عليه وسلم ‪ -‬وقد سرتت سهو ًة يل بقرام فيه متثال فلما رآه هتكه وتلون وجهه ‪ ،‬وقال َي عائشة ‪:‬‬
‫أشد الناس عذاابً يوم القيامة الذي يضاهون خبلق هللا ))(‪ ، )2‬ومن املعلوم أن هذا التمثال الذي كان‬
‫يف القرام مل يكن له ظل ‪ ،‬وإمنا هو مما ُخط ابليد‪ ،‬وقد فعل به النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬ذلك‪،‬‬
‫ُث أخرب بوعيد من فعل ذلك ‪ ،‬فهذا يدل على حرمة تصوير ذوات األرواح ابلرسم ابليد ‪.‬‬
‫ومن األدلة النصية أيضاً ‪ :‬أنه ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬ملا فتح هللا عليه مكة دخل الكعبة فرأى‬
‫فيها صوراً ‪ ،‬ومن هذه الصور صورة إبراهيم وإمساعيل عليهما السالم ‪ ،‬ومها يستقسمان ابألزالم ‪،‬‬
‫فقال عليه الصالة والسالم ‪ (( :‬قاتلهم هللا لقد علموا أهنما ما استقسما هبا قط )) رواه هبذا اللفظ‬
‫اإلمام أمحد يف مسنده ‪ ،‬وزاد اهليثمي يف اجملمع (( فجعل يبل ثوابً ابملاء وميحو تلك الصور ))(‪، )3‬‬
‫وصححه األلباين – رمحه هللا تعاىل – وأصله يف الصحيح ‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجة مسلم رقم (‪. )5521‬‬
‫(‪ )2‬أخرجة البخاري رقم (‪ ، )5954‬ومسلم رقم (‪. )5525‬‬
‫(‪ )3‬أخرجة أمحد رقم (‪. )3093‬‬

‫(‪)9/1‬‬

‫فلم يقرها ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬مما يدل على عدم جوازها ‪ ،‬وهي مما رسم ابليد وال ظل هلا ‪،‬‬
‫وعلى كل حال فهذا النوع حمرم يف قول مجاهري أهل العلم ‪ ،‬وال عربة ابملخالف ‪ ،‬بل وينكر عليه‬
‫خالفه هذا ؛ ألن املسألة هنا خالفية قد نصر الدليل الصحيح أحد طرفيها ‪ ،‬وليست هي من‬
‫املسائل اليت يسوغ فيها اخلالف – أعين املسائل االجتهادية – ذلك أن املسائل عندان ثالثة أقسام ‪:‬‬
‫مسائل اتفاقية ‪ ،‬ومسائل خالفية ‪ ،‬ومسائل اجتهادية ‪.‬‬
‫فأما األوىل والثانية ‪ ،‬فينكر على املخالف فيها ‪ ،‬وأما الثالثة فال ‪ ،‬وهي املرادة بقول البعض " ال‬
‫إنكار يف مسائل اخلالف " فإهنم يعنون هبا القسم الثالث ‪ ،‬وللمسألة موضع آخر ‪.‬‬
‫واملقصود ‪ :‬أن هذا النوع من التصوير حمرم يف قول غالب أهل العلم وهللا أعلم ‪.‬‬
‫( فصل )‬
‫احلالة الثالثة ‪ :‬التصوير ابآللة ‪ ،‬وهو املعروف ابلتصوير الفوتوغرايف ‪ ،‬وهو بيت القصيد من هذه‬
‫الكتابة فأقول ‪- :‬‬
‫قبل أن نبدأ يف سياق األدلة املبينة حلكمه ينبغي أن ننتبه ألم ٍر مهم جداً وهو أن الصورة الفوتوغرافية‬
‫تدخل يف مسمى الصورة لغةً وعرفاً ‪.‬‬
‫فأما تسميتها صورة لغةً فألن الصورة يف اللغة هي الشكل ‪ ،‬والصورة الفوتوغرافية يقال هلا ‪ :‬شكل ‪،‬‬
‫فإذاً هي صورة لغة ‪.‬‬
‫وأما عرفاً ‪ :‬فألن هذا هو ما تعارف عليه الناس فيما بينهم من غري نكري ‪ ،‬فالكل يطلق على الصورة‬
‫الفوتوغرافية " صورة " ويسمي آخذها " مصوراً " ‪ ،‬بل ويقول أهل العرف ‪ :‬ذهبنا للمصور ‪ ،‬فأخذ‬
‫لنا صورة ‪ ،‬ويقول أصحاب الدوائر احلكومية يف شروطهم للمقبولني ‪ :‬البد من صورة مشسية أو ملونة‬
‫مقاسها كذا يف كذا ‪ ،‬وهذا أمر مشهور معروف ال ينكره – إن شاء هللا أحد ‪ . -‬فثبت بذلك أن‬
‫الصورة الفوتوغرافية تدخل يف مسمى الصورة لغة وعرفاً ‪.‬‬
‫فإذا علمت ذلك فاعلم أهنا أيضاً تدخل يف مسمى الصورة شرعاً ‪ ،‬وبيان ذلك أييت يف األدلة إن شاء‬
‫هللا تعاىل ‪ ،‬فأقول ‪- :‬‬
‫اختلف العلماء يف هذا النوع من التصوير على قولني ‪:‬‬

‫(‪)10/1‬‬

‫فمنهم من منعها ‪ ،‬وهم األكثر ‪ ،‬وعلى رأسهم مساحة الشيخ حممد بن إبراهيم آل الشيخ ‪ ،‬ومساحة‬
‫الوالد الشيخ عبد العزيز بن ابز ‪ ،‬والشيخ احملدث العالمة حممد بن انصر الدين األلباين ‪ ،‬رمحهم هللا‬
‫تعاىل ‪ ،‬وأعال نزهلم ‪ ،‬ومجعنا هبم يف اجلنة ‪ ،‬وهذا القول هو الذي عليه الفتوى يف هذه الدَير‬
‫سوء ٍ‬
‫وبالء ‪ ،‬ووفق قادهتا لكل خري وصالح ‪ ،‬وسدد‬ ‫السعودية زادها هللا شرفاً ورفعة ‪ ،‬ومحاها من كل ٍ‬
‫خطاهم ‪.‬‬
‫والقول الثاين ‪ - :‬أن التصوير الفوتوغرايف جائز ‪ ،‬وممن قال هبذا القول مساحة الوالد الشيخ حممد بن‬
‫صاحل العثيمني – رمحه هللا تعاىل – وبعض العلماء ‪ ،‬ولكل أدلته اليت ستأيت إن شاء هللا تعاىل ‪.‬‬
‫إال أن الراجح هو القول األول ‪ ،‬ورجحان هذا القول عندي مما الشك فيه ‪ ،‬وال اضطراب ‪ ،‬بل هو‬
‫يف مرتبة غلبة الظن املنزلة منزلة اليقني وذلك لتوافر األدلة الشرعية الصحيحة الصرُية على رجحانه‬
‫وتوافقه مع مقاصد الشريعة ‪ ،‬والقواعد األصولية ‪.‬‬
‫وإليك تفصيل األدلة خمرجة على قواعدها ‪ ،‬فأقول وابهلل التوفيق ‪- :‬‬
‫من األدلة على ذلك ‪ :‬ما يف الصحيحني عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال ‪ :‬مسعت رسول هللا ‪-‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬يقول (( كل مصور يف النار َيعل له بكل صورةٍ صورها نفس يعذب هبا يف‬
‫جهنم ))(‪. )1‬‬
‫فعندان يف احلديث عدة أمور ‪- :‬‬
‫األول ‪ :‬لفظة ( كل ) فإهنا من أقوى صيغ العموم ‪ ،‬فيدخل حتتها كل املصورين ‪ ،‬وقد تقرر يف‬
‫األصول ‪ :‬أن األصل هو البقاء على العموم حىت يرد املخصص ‪ ،‬فيدخل يف هذا الوعيد الشديد كل‬
‫مصور سواء ابلنوع األول ‪ ،‬أو الثاين ‪ ،‬أو الثالث ‪ ،‬فإننا قد تقرر عندان أن القط الصورة الفوتوغرافية‬
‫يسمى مصوراً عرفاً ‪ ،‬ومن أخرجه من هذا العموم فعليه الدليل ؛ ألنه خمالف لألصل ‪ ،‬وقد تقرر يف‬
‫القواعد أن الدليل يطلب من الناقل عن األصل ال من الثابت عليه ‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سبق خترَية ص(‪. )6‬‬

‫(‪)11/1‬‬

‫الثاين ‪ - :‬قوله ( َيعل له ) فإن هذا إثبات ‪ ،‬وقوله ( صورة ) نكرة ‪ ،‬وقد تقرر يف القواعد أن النكرة‬
‫يف سياق اإلثبات مطلقة ‪ ،‬وتقرر أيضاً أن املطلق َيرى على إطالقه وال يقيد إال بدليل ‪.‬‬
‫فالذي يقيد هذا ابلنوع األول والثاين فقط دون الثالث فإننا نقول له ‪ :‬قد قيدت املطلق فما دليلك‬
‫على هذا التقييد ؟‬
‫فالصورة الفوتوغرافية تدخل يف مسمى الصورة لغة وعرفاً ‪ ،‬فلماذا أخرجتها من هذا اإلطالق ؟‬
‫الثالث ‪ :‬قوله ( َيعل له بكل صورة ) فإن قوله ( كل صورة ) أيضاً يفيد العموم ‪ ،‬فالعموم األول يف‬
‫املصورين ‪ ،‬والعموم الثاين يف الصور ‪ ،‬فيدخل حتتها الصور الفوتوغرافية ‪ ،‬ومن أخرجها من هذا‬
‫العموم فعليه الدليل ‪ ،‬وهللا أعلم ‪.‬‬
‫ومن األدلة أيضاً ‪ :‬ما رواه مسلم رمحه هللا تعاىل يف صحيحه من حديث أيب اهلياج األسدي أنه قال ‪:‬‬
‫قال يل علي بن أيب طالب ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ : -‬أال أبعثك على ما بعثين به رسول هللا ‪ -‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ (( -‬أن ال تدع صورة إال طمستها ‪ ،‬وال قرباً مشرفاً إال سويته ))(‪ ، )1‬فقوله ( ال تدع )‬
‫هني أو نفي كالمها مبعىن واحد ‪ ،‬وقوله ( صورة ) نكرة ‪ ،‬وقد تقرر يف القواعد أن النكرة يف سياق‬
‫النهي والنفي تعم ‪ ،‬فيدخل حتت هذا العموم ما يطلق عليه مسمى الصورة ‪ ،‬وقد تقرر لنا أن الصورة‬
‫الفوتوغرافية تدخل يف مسمى الصورة لغة وعرفاً ‪ ،‬فتدخل يف هذا النوع شرعاً ‪ ،‬ومن أخرجها منه‬
‫فعليه الدليل ‪ ،‬وال أعلم دليالً شرعياً خيرجها من هذا العموم ‪ ،‬وإمنا هو قياسات ال أصل هلا ‪ ،‬مع‬
‫مصادمتها للنصوص الصحيحة الصرُية‪ ،‬فحيث ال دليل فالواجب هو البقاء على األصل حىت يرد‬
‫الناقل وهللا أعلم ‪ .‬فحق الصور الفوتوغرافية أن تطمس إال ما سيأيت استثناؤه إن شاء هللا تعاىل وهللا‬
‫أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجة مسلم رقم (‪. )969‬‬

‫(‪)12/1‬‬

‫ومن األدلة أيضاً ‪ :‬قوله ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ (( -‬إن من أشد الناس عذاابً يوم القيامة املصورين‬
‫))(‪ )1‬رواه مسلم ‪ ،‬فقوله ( املصورين ) مجع دخلت عليه األلف والالم االستغراقية ‪ ،‬وقد تقرر يف‬
‫القواعد أن األلف والالم االستغراقية إذا دخلت على اجلمع أو املفرد أفادت العموم ‪ ،‬فيدخل يف‬
‫ذلك كل املصورين ‪ ،‬ومن ذلك آخذ الصور الفوتوغرافية فإنه من مجلة املصورين ‪ ،‬وذلك هو مقتضى‬
‫اللغة والعرف والشرع ‪ ،‬والذي خيرجه من هذا العموم عليه الدليل وال دليل ‪ .‬إذاً فالبقاء على العموم‬
‫هو املتعني تعظيماً لكالم هللا تعاىل ‪ ،‬وهللا أعلم ‪.‬‬
‫ومن األدلة أيضاً ‪ :‬ما رواه اإلمام البخاري رمحه هللا تعاىل (( أن النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬هنى‬
‫عن مثن الدم ‪ ،‬ومثن الكلب ‪ ،‬وكسب البغي ‪ ،‬ولعن آكل الراب وموكله ‪ ،‬والوامشة واملستومشة ‪ ،‬ولعن‬
‫املصور ))(‪. )2‬‬
‫والشاهد يف قول الراوي ( ولعن املصور ) ‪ ،‬فهو مفرد دخلت عليه األلف والالم االستغراقية املفيدة‬
‫للعموم ‪ ،‬فيدخل حتت هذا العموم كل مصور ‪ ،‬فهم ملعونون بلعنة النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪، -‬‬
‫ومن أخرج مصوراً من هذا العموم فعليه الدليل ‪ .‬فاملسألة إذاً خطرية ‪ ،‬فالواجب الرجوع إىل هللا تعاىل‬
‫ابلتوبة النصوح املستجمعة لشروطها من اإلقالع عن الذنب فوراً ‪ ،‬والعزم على عدم العودة ‪ ،‬والندم‬
‫على ما فات ‪ ،‬واإلخالص ‪ ،‬وأن تكون يف زمن اإلمكان ‪ ،‬وكل أوقات العمر زمن صاحل للتوبة ما مل‬
‫مين على اجلميع ابلتوبة الصادقة ‪ ،‬فكلنا‬
‫تطلع الشمس من مغرهبا ‪ ،‬أو تغرغر الروح ‪ ،‬نسأل هللا أن َّ‬
‫ذوو خطأ ‪ ،‬وهللا أعلم ‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجة مسلم رقم (‪. )5539-5538‬‬
‫(‪ )2‬أخرجة البخاري رقم (‪. )5962‬‬

‫(‪)13/1‬‬

‫ومن األدلة أيضاً ‪ :‬قوله ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ (( -‬إن املالئكة ال تدخل بيتاً فيه متثال أو صورة‬
‫))(‪ )1‬فقوله ( ال تدخل ) نفي ‪ ،‬وقوله ( صورة ) نكرة ‪ ،‬وقد تقرر أن النكرة يف سياق النفي تعم ‪،‬‬
‫فيدخل يف ذلك كل صورة ‪ ،‬والصورة الفوتوغرافية تسمى صورة لغة وعرفاً وشرعاً ؛ ألهنا داخلة حتت‬
‫هذا العموم ‪ ،‬والعام َيب أن يبقى على عمومه ‪ ،‬وال يتعرض له بتخصيص بعض أفراده إال بدليل ‪،‬‬
‫فأين الدليل الدال على إخراج الصور الفوتوغرافية من هذا العموم ؟ هذا ما ال سبيل إليه ‪ ،‬وال دليل‬
‫عليه ‪ ،‬فحيث ال دليل ‪ ،‬فالبقاء على العموم هو املتعني ‪ ،‬واحلمد هلل على السالمة فلماذا نتكلف‬
‫التنقل وقد أراحنا هللا منه ‪ ،‬وهللا أعلم ‪.‬‬
‫ومن األدلة أيضاً ‪ :‬قوله عليه أفضل الصالة وأمت التسليم (( إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون‬
‫يوم القيامة ‪ ،‬يقال هلم ‪ :‬أحيوا ما خلقتم ))(‪ . )2‬واملراد ابلصورة هنا العموم ؛ ألهنا – أي الصور –‬
‫مجع دخلت عليه األلف والالم االستغراقية ‪ ،‬فيدخل يف هذا العموم كل الصور سواءً كان هلا ظل ‪،‬‬
‫ٌ‬
‫أو مل يكن ‪ ،‬ومن ذلك الصور الفوتوغرافية ‪.‬‬
‫فباهلل عليك ما الذي أخرجها من هذا العموم حىت نقول إهنا جائزة ؟‬
‫وقد كنت يف جملس بعض الفضالء ‪ ،‬واألحبة الكرماء النبالء ‪ ،‬الذين حنسبهم من العلماء ‪ ،‬وهللا‬
‫حسيبهم ‪ ،‬وال نزكي على هللا أحداً ‪ ،‬فقال كلمة َي ليته ما قاهلا ‪ ،‬لكن أظن أهنا سبقة لسان غري‬
‫مقصودة ؛ ألن اجمللس كان مزدمحاً ‪ ،‬والسائلني كثري ‪ ،‬واإلنسان خيطئ ويصيب ‪ ،‬واملعصوم من‬
‫عصمه هللا ‪ ،‬واملقصود أنه قال ‪ :‬إن األصل يف التصوير احلل واإلابحة ‪ ،‬ألن األصل يف األشياء احلل‬
‫واإلابحة ‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجة مسلم رقم (‪. )5545‬‬
‫(‪ )2‬أخرجة البخاري رقم (‪ ، )5961‬ومسلم رقم (‪. )5535‬‬

‫(‪)14/1‬‬

‫قلت ‪ :‬أما قوله ‪ " :‬األصل يف األشياء احلل واإلابحة " فإنه كالم ال غبار عليه ‪ ،‬لكن ُيتاج إىل قيد‬
‫مهم جداً يتضح به الكالم ‪ ،‬وهو قول العلماء ‪ " :‬إال بدليل " ‪ ،‬أي أن األصل يف كل األشياء أهنا‬
‫حالل ومباحة إال ما دل الدليل على إخراجه من احلل واإلابحة إىل احلرمة ‪ ،‬ومن ذلك ابب التصوير‬
‫أبنواعه ‪ ،‬فإن األدلة الشرعية السابقة والالحقة إن شاء هللا تعاىل تدل داللة صرُية على حترميه ‪،‬‬
‫كل‬
‫والتشديد فيه ‪ ،‬والتوعد على فعله‪ ،‬فكيف نقول ‪ :‬إن األصل يف التصوير احلل واإلابحة ‪ ،‬لكن ٌ‬
‫يؤخذ من قوله ويُرتك إال قول صاحب الشريعة ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪. -‬‬
‫فأسأل هللا تعاىل أن يهدينا وإخواننا سواء السبيل ‪ ،‬وأن يوفقنا للحق وقبوله ‪ ،‬إنه خري مسئول ‪ ،‬وهللا‬
‫أعلم ‪.‬‬
‫ومن األدلة أيضاً ‪ :‬ما رواه اإلمام أمحد والرتمذي عن النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬أنه قال يف‬
‫العنق الذي خيرج من النار يوم القيامة أنه يقول (( إين وكلت اليوم بثالثة ‪ ،‬بكل جبا ٍر عنيد ‪ ،‬وبكل‬
‫من دعا مع هللا إهلاً آخر ‪ ،‬وابملصورين ))(‪ )1‬قال الرتمذي ‪ :‬حديث حسن غريب صحيح ‪ ،‬وله‬
‫شاهد عند اإلمام أمحد من حديث عطية العويف ‪ .‬ووجه الداللة منه ‪ :‬أنه جعل هذا الوعيد عاماً على‬
‫كل مصور ‪ ،‬ومل يستثن أي مصور ‪ ،‬وال نوعاً من الصور ؛ ألن األلف والالم الداخلة على اجلمع‬
‫تفيد العموم ما مل تتقدم قرينة عهد ‪ ،‬وال قرينة هنا ‪ ،‬واألصل هو البقاء على العموم حىت يرد‬
‫التخصيص ‪.‬‬
‫والالقط للصور الفوتوغرافية مصور لغة وعرفاً ‪ ،‬فيدخل يف هذا العموم شرعاً ‪ ،‬ومن أخرجه فعليه‬
‫الدليل ‪ ،‬وهللا يتوالان وإَيك ‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجة الرتمذي رقم (‪ )2574‬وصححه األلباين ‪.‬‬

‫(‪)15/1‬‬

‫ومن األدلة أيضاً ‪ :‬ما يف الصحيحني من حديث عائشة رضي هللا عنها قالت ‪ :‬قال رسول هللا ‪-‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ (( -‬أشد الناس عذاابً يوم القيامة الذين يضاهئون خبلق هللا ))(‪ ، )1‬وفيهما‬
‫أيضاً من حديث أيب هريرة ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ : -‬قال‬
‫هللا تعاىل (( ومن أظلم ممن ذهب خيلق كخلقي فليخلقوا ذرة ‪ ،‬أو ليخلقوا حبة ‪ ،‬أو ليخلقوا شعرية‬
‫))(‪ ، )2‬ومن املعلوم أن ما خيرج يف الصورة الفوتوغرافية مطابق متاماً ملا هو الواقع ففيه املضاهاة‬
‫ظاهرة‪ ،‬بل أظهر من املضاهاة ابلتصوير ابلنحت ‪ ،‬أو الرسم ابليد ‪ ،‬فإن هذه قد ختتلف يف أشياء عن‬
‫احلقيقة ‪.‬‬
‫أما الصورة الفوتوغرافية فإن املضاهاة فيها واضحة ظاهرة ‪ ،‬فتكون أوىل ابلنهي ‪.‬‬
‫وإن مل يسلم لنا ذلك فنقول ‪ :‬إن التصوير ليس حترميه من أجل املضاهاة فقط ‪ ،‬بل ٍ‬
‫لعلل أخرى‬
‫سيأيت بياهنا إن شاء هللا تعاىل ‪ ،‬وهي متحققة يف الصور الفوتوغرافية ‪ ،‬وهللا أعلم ‪.‬‬
‫ومن األدلة أيضاً ‪ :‬قوله ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ (( -‬الصورة الرأس ‪ ،‬فإذا قطع فال صورة ))(‪)3‬‬
‫أخرجه البيهقي ‪ ،‬وصححه اإلمام األلباين رمحهما هللا تعاىل ‪.‬‬
‫فهذا بيان نبوي فاصل حلقيقة الصورة ‪ ،‬فقال ( الصورة ) وهذا لفظ عام ‪ُ ،‬ث بينها بقوله ( الرأس ) ‪،‬‬
‫والصور الفوتوغرافية داخلة يف هذا العموم ؛ ألهنا يظهر فيها الرأس ‪ ،‬فاملعترب يف الصورة الرأس ‪.‬‬
‫فانظر َي رعاك هللا إىل الصور الفوتوغرافية املنتشرة يف هذا الزمن هل فيها رأس أو ال ؟‬
‫اجلواب ‪ :‬هذا مما الشك فيه ‪ ،‬فإذاً هي صورة هلذا احلديث الصحيح‪.‬‬
‫فمن قال ‪ :‬ليست هي بصورة مع وجود الرأس فيها ‪.‬‬
‫فنقول له ‪ :‬شفاك هللا وعافاك من كل ٍ‬
‫سوء ومكروه ‪ ،‬وال أبس عليك كفارة وطهور إن شاء هللا ‪ ،‬وهللا‬
‫أعلى وأعلم ‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجة البخاري رقم (‪ ، )5954‬ومسلم رقم (‪. )5528‬‬
‫(‪ )2‬أخرجة البخاري رقم (‪)5953‬و(‪ ، )7559‬ومسلم رقم (‪. )2111‬‬
‫(‪ )3‬أخرجة البيهقي رقم (‪. )270/7‬‬

‫(‪)16/1‬‬

‫ومن األدلة أيضاً ‪ :‬قول جربيل للنيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ (( -‬إان – أي املالئكة – ال ندخل بيتاً‬
‫فيه كلب أو صورة ))(‪ )1‬وهذا العموم يدخل فيه الصورة الفوتوغرافية ؛ ألهنا صورة لغة وعرفاً ‪ ،‬فهي‬
‫صورة شرعاً ‪ ،‬والعام يبقى على عمومه إال بدليل ‪ ،‬وهللا أعلم ‪.‬‬
‫فهذه األدلة تفيد إفادة قطعية إن شاء هللا تعاىل حرمةَ الصور الفوتوغرافية إال ما استثناه الدليل كما‬
‫سيأيت إن شاء هللا تعاىل ‪ ،‬وال حول وال قوة إال ابهلل العلي العظيم ‪.‬‬
‫( فصل )‬
‫وقد دلت القواعد الشرعية العامة على صحة هذا القول وبياهنا كما يلي ‪- :‬‬
‫القاعدة األوىل ‪ :‬قاعدة سد الذرائع املفضية إىل املمنوع‪.‬‬
‫فإن املنهيات يف الشريعة قسمان ‪ :‬منهي عنه لذاته ‪ ،‬ومنهي عنه ألنه وسيلة إىل احملرم ‪ ،‬فتصوير‬
‫النحت والرسم حمرم لذاته ‪ ،‬والتصوير الفوتوغرايف حمرم أيضاً ‪ ،‬لكن هل هو حمرم لذاته كصاحبيه ؟ أو‬
‫هو حمرم ألنه وسيلة إىل احملرم ؟ وعلى كال القولني فهو حرام ‪ ،‬فإنك إذا نظرت إىل هذه الصور‬
‫الفوتوغرافية بعني العدل واإلنصاف وجدت أن الناس قد توسعوا فيها توسعاً بعيداً ‪ ،‬بل بعضها بلغ‬
‫مرتبة التعظيم ‪ ،‬كصور امللوك ورؤساء البلد يف بعض األقطار ‪ ،‬فإهنا قد وضعت يف كل مكان يف‬
‫الوزارات ‪ ،‬واإلدارات احلكومية ‪ ،‬واملؤسسات العامة واخلاصة ‪ ،‬وكأهنا أصبحت شعاراً لتعظيم الوالة ‪،‬‬
‫وأن من ال يعلقها فإنه مغموز عليه ‪ ،‬متهم يف والئه لوالة األمر ‪ ،‬وهذا ليس هو امليزان الشرعي يف‬
‫تعامل الرعية مع الراعي ‪ ،‬فإن طاعة الوالة أمر عقدي مهم قد سطره أهل السنة واجلماعة يف كتبهم ‪،‬‬
‫وليس من ذلك تعظيم صورهم ‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجة البخاري رقم (‪ ، )5949‬ومسلم رقم (‪. )5511‬‬

‫(‪)17/1‬‬
‫ومن ذلك صور األموات فإن بعض الناس إذا مات له أب ‪ ،‬أو أخ ‪ ،‬أو صاحب ‪ ،‬علق صورته ‪،‬‬
‫وجعل عليها شيئاً من السواد ‪ ،‬فكلما رآها جتددت أحزانه ‪ ،‬بل وبعضهم إذا وقع يف مصيبة فإنه‬
‫يقف أمام الصورة خياطبها وكأهنا تراه وتسمعه ‪ ،‬وهذه طامة ال خمرج منها إال بسد هذا الباب سداً‬
‫حمكماً كما اقتضته األدلة ‪ ،‬فالقول بتحرمي التصوير اآليل متوافق متاماً مع قاعدة سد الذرائع املفضية‬
‫إىل ما هو ممنوع ‪ ،‬وهللا أعلم ‪.‬‬
‫القاعدة الثانية ‪ :‬اتقاء املتشاهبات ‪.‬‬
‫ففي حديث النعمان بن بشري رضي هللا عنهما قال ‪ :‬قال رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪(( -‬‬
‫احلالل ِبني ‪ ،‬واحلرام ِبني ‪ ،‬وبينهما أمور مشتبهات ‪ ،‬فمن اتقى الشبهات فقد استربأ لدينه وعرضه ‪،‬‬
‫ومن وقع يف الشبهات فقد وقع يف احلرام … احلديث))(‪ )1‬متفق عليه ‪ .‬فالقاعدة يف املتشاهبات‬
‫هو اتقاؤها مبعىن تركها واجتناهبا ‪ ،‬والتصوير الفوتوغرايف إن سلمنا أنه ليس من احلرام ِ‬
‫البني فال أقل‬
‫اء لديننا‬
‫من أن يكون من قسم املتشاهبات اليت ندبنا نبينا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬إىل اتقائها استرب ً‬
‫وعرضنا ‪ ،‬وهذا ال يكون إال ابلقول ابملنع من الصور الفوتوغرافية ‪ ،‬فإن كانت من احلرام ِ‬
‫البني فال‬
‫كالم ‪ ،‬وإن كانت من قسم املتشابه ‪ ،‬فقد اتضح حكمها وهلل احلمد واملنة ‪.‬‬
‫إذاً القول ابملنع من الصور اآللية متوافق مع قاعدة اتقاء املتشاهبات أمت موافقة ‪ ،‬وهللا أعلم ‪.‬‬
‫القاعدة الثالثة ‪ :‬اخلروج من خالف العلماء ‪.‬‬
‫فإنه قد تقرر أن فعل ما اتفق عليه العلماء أوىل من فعل ما انفرد به أحدهم ما أمكن ‪ ،‬وهذا ال يتم‬
‫إال إذا قلنا ابملنع من الصور الفوتوغرافية ‪ ،‬ففي تركها مطلقاً خروج من خالف العلماء ‪ ،‬وهللا أعلم ‪.‬‬
‫القاعدة الرابعة ‪ :‬قاعدة حفظ املال ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجة البخاري رقم (‪)52‬و(‪ ، )2051‬ومسلم رقم (‪. )1599‬‬

‫(‪)18/1‬‬

‫فإن الشريعة اإلسالمية جاءت حبفظ الضرورَيت اخلمس وهي ‪ :‬الدين ‪ ،‬والعقل ‪ ،‬والنسل ‪ ،‬واملال ‪،‬‬
‫والنفس ‪ .‬وقد دلت األدلة على أن إنفاق املال فيما ال طائل من ورائه ‪ ،‬وال فائدة جتىن منه ‪ ،‬ال َيوز‬
‫‪.‬‬
‫وهذه الصور الفوتوغرافية ال ختلو من حاالت ‪:‬‬
‫أما أن تتخذ للتعظيم فهي حمرمة ‪ ،‬وإما أن تتخذ للذكري فهي كذلك وإما أن تدعو إليها الضرورة ‪،‬‬
‫فيجوز زمنها ما تندفع به الضرورة ‪ ،‬وإما أن ال يكون مثة مقصد ملتخذها ‪.‬‬
‫فنقول ‪ :‬هذا تضييع للمال فيما ال طائل من ورائه ‪ ،‬وال فائدة حتته ‪ ،‬وقد دلت األدلة على أنه ال‬
‫َيوز ‪ ،‬فرتكه واجب وال يتم ذلك إال ابلقول مبنع هذه الصور ؛ ألنه قد تقرر يف القواعد أن ما ال يتم‬
‫ترك احلرام إال به‪ ،‬فرتكه واجب ‪ ،‬وفعله حمرم ‪.‬‬
‫فالقول مبنع مثل هذه الصور متوافق مع قاعدة حفظ املال كل املوافقة وهللا أعلم ‪.‬‬
‫واخلالصة ‪ :‬أن القول الراجح يف الصور ابآللة التحرمي ‪ ،‬إما حترمي مقاصد ‪ ،‬وإما حترمي وسائل ‪ ،‬وهللا‬
‫ربنا أعلى وأعلم ‪.‬‬
‫( فصل )‬
‫وبعد استقراء األدلة وجدان أن الشريعة اإلسالمية – زادها هللا شرفاً ورفعةً – حرمت التصوير لذوات‬
‫األرواح أبنواعه لعدة أمور ‪- :‬‬
‫منها ‪ :‬كون تصوير ذوات األرواح ٍ‬
‫مفض إىل تعظيمها ‪ ،‬والغلو فيها ورمبا جر ذلك إىل عبادهتا ‪،‬‬
‫سواء كان ذلك التعظيم تعظيم علم ودَينة‬
‫والسيما إذا كانت الصور ملن ُيبهم الناس ‪ ،‬ويعظموهنم ‪ً ،‬‬
‫ٍ‬
‫سلطان ورَيسة ‪ ،‬أو تعظيم صداقة وقرابة ‪ ،‬فمثل هؤالء تكون الفتنة بتعليق ‪ ،‬أو نصب‬ ‫‪ ،‬أو تعظيم‬
‫صورهم يف اجملالس وحنوها من أعظم وسائل الشرك والضالل ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن فيها مضاهاة خللق هللا تعاىل ‪ ،‬وتشبيه فعل املخلوق بفعل اخلالق سبحانه ‪.‬‬

‫(‪)19/1‬‬

‫ومنها ‪ :‬أن صناعة صور ذوات الروح احملرمة واختاذها فيه مشاهبة واضحة بفعل من كانوا يصنعون‬
‫سواء كان املصور قاصداً التشبه أبولئك أم ال ‪ ،‬فمجرد صناعته للصورة ‪ ،‬أو‬
‫الصور والتماثيل ‪ً ،‬‬
‫ٍ‬
‫بنصب ‪ ،‬أو تعليق ‪ ،‬أو حنو ذلك يكون حاله شبيهاً حبال املشركني ومقلديهم‬ ‫وجه ٍ‬
‫حمرم‬ ‫استعماهلا على ٍ‬
‫الذين كانوا يصنعون الصور ويضعوهنا يف معابدهم تقديساً وتعظيماً هلا ‪ .‬ومعلوم أن من مقاصد‬
‫الشريعة قطع دابر املشاهبة ابلكفار واملشركني فيما كان من عبادهتم وعاداهتم ‪.‬‬
‫واألحاديث يف ذلك متواترة تواتراً معنوَيً ‪ ،‬وقد استوفاها الشيخ تقي الدين أبو العباس يف كتابه‬
‫الكبري " اقتضاء الصراط املستقيم " وهللا أعلم ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬كون صور ذوات الروح مانعة من دخول املالئكة ‪ ،‬وفيها تبذير ‪ ،‬وإضاعة للمال إال فيما‬
‫أخرجته الضرورة ‪ ،‬فهذا مما يبني لك جلياً إن شاء هللا تعاىل رجحان القول ابلتحرمي ‪ ،‬وهللا أعلم ‪.‬‬
‫( فصل )‬
‫إذا ثبت لك ذلك فأقول ‪ :‬إنه مما عمت به البلوى يف هذه األزمنة تصوير ما تدعو إليه ضرورة‬
‫التعريف ابلنفس‪ ،‬كبطاقة األحوال‪ ،‬والرخصة والشهادة ‪ ،‬وحنوها ‪ ،‬فهذا مما عمت به البلوى ‪ ،‬وال‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ تقدر الضرورة بقدرها ‪ ،‬فيباح منها القدر الذي تندفع به الضرورة وقد‬ ‫خمرج لإلنسان منه ‪،‬‬
‫كتب يل بعض األحبة أنه يوجد يف بالد الغرب التعريف ابلنفس عن طريق البصمة ‪ ،‬وأهنا أضبط من‬
‫التعريف ابلصورة ‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬إذا ثبت هذا فهو شيء حسن ‪ ،‬لكين ال أعلمه مستخدماً يف دَيران ‪ ،‬فإذا أثبته ويل األمر ‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ إىل التصوير مندفعة ‪ ،‬لكن إذا مل يقر يف البالد ‪ ،‬ومل أيذن به ويل األمر ‪ ،‬فنبقى على‬ ‫فالضرورة‬
‫التصوير اآليل إىل ارتفاع الضرورة‪ ،‬وهللا يرفعها عاجالً ال آجالً ‪ ،‬وهو حسبنا ونعم الوكيل‪.‬‬

‫(‪)20/1‬‬

‫ومن مجلة الضرورات أيضاً ‪ :‬التصوير اجلنائي ‪ ،‬وهو استخدام الصورة يف حمال اجلرمية ‪ ،‬والكشف‬
‫عن مرتكبيها ‪ ،‬وهذا داخل حتت قاعدة " الضرورات تبيح احملظورات " ‪ ،‬وقاعدة " ال حمرم مع‬
‫الضرورة " وقاعدة " الضرورات تقدر بقدرها " ‪ ،‬بل إن استخدام هذه الصور يف بعض احلاالت‬
‫اجلنائية واجب ؛ ألنه ال تكشف اجلرمية ‪ ،‬وتؤخذ احلقوق ألصحاهبا إال بذلك ‪ ،‬وقد تقرر يف القواعد‬
‫أن ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب ‪.‬‬
‫وعلى ذلك فقس ‪ ،‬فما دعت إليه الضرورة أو احلاجة املنزلة منزلة الضرورة من هذه الصور اآللية‬
‫فإنه َيوز منها ما تندفع به الضرورة ‪ ،‬وهللا ربنا أعلى وأعلم ‪.‬‬
‫( فصل )‬
‫اعلم – رمحك هللا تعاىل – أن الذين قالوا جبواز التصوير الفوتوغرايف قد استدلوا أبدلة خالية من‬
‫االستدالل الشرعي ‪ ،‬وإمنا هي استنباطات وقياسات ‪ ،‬ومن ابب العدل أذكرها مع اإلجابة عليها‬
‫فأقول ‪- :‬‬
‫قالوا – رمحهم هللا تعاىل – ‪ :‬إن التصوير الفوتوغرايف ليس يف حقيقته تصويراً مبعىن أنه ليس هو‬
‫صور ) و ( ِ‬
‫مصور )‬ ‫التصوير الذي جاءت األدلة ابلنهي عنه والوعيد عليه ‪ ،‬فإن األدلة فيها لفظ ( َّ‬
‫صور ) تقتضي أن يكون هناك فعل يف‬
‫ابلتشديد أي جعل هذا الشيء على صورة معينة ‪ ،‬فمادة ( َّ‬
‫نفس الصورة ‪ ،‬ومعلوم أن نقل الصورة ابآللة مل ُيصل فيه من املصور أي عمل يف هذه الصورة ‪ ،‬فلم‬
‫ُيصل منه ختطيط فيها ‪ ،‬وال رسم ‪ ،‬وال زَيدة وال نقص حىت يكون مضاهياً خلق هللا ‪ ،‬وإمنا هو سلط‬
‫املصور فانطبع ابلصورة خلق هللا على الصفة اليت خلقها هللا عليها ‪ ،‬فهو إذاً حبس للظل‬
‫اآللة على َّ‬
‫‪ ،‬وعكس له ليس إال ‪ ،‬فال يكون داخالً يف عموم أدلة التحرمي – كذا قالوا ‪. -‬‬
‫واجلواب عن ذلك من وجوه ‪:‬‬
‫منها ‪ :‬أنه اجتهاد يف مورد النص والقاعدة تقول ‪ :‬ال اجتهاد مع النص ‪ ،‬فداللة النصوص السابقة‬
‫واضحة ال حتتاج إىل اجتهاد ‪ ،‬وعمومها يقضي بدخول الصور الفوتوغرافية ‪ ،‬ومثل هذا الكالم ال‬
‫يكون خمصصاً هلا ‪.‬‬

‫(‪)21/1‬‬

‫ومنها ‪ :‬أنه قياس صادم عموم النص ‪ ،‬وقد تقرر يف القواعد أن كل قياس صادم النص فهو ابطل ‪.‬‬
‫ِ‬
‫املصور هلا مل يعمل شيئاً ‪ ،‬بل هو قد صدرت منه أعمال كثرية قد تفوق‬ ‫ومنها ‪ :‬أننا ال نسلم أن‬
‫أعمال من يرسم ‪ ،‬وال عربة ابملباشرة ‪ ،‬أي ليس التحرمي مرتبطاً مبباشرة اليد للصورة نفسها ‪ ،‬فإن‬
‫توجيه اآللة ‪ ،‬وضغط الزر ‪ ،‬وإخراج الصورة سوداء ‪ُ ،‬ث وضعها يف سائل التحميض ‪ُ ،‬ث خضخضتها‬
‫ِ‬
‫املصور للصور اآللية ‪ ،‬فيكيف نقول أنه مل يعمل شيئاُ ‪.‬‬ ‫‪ُ ،‬ث تنشيفها كل ذلك عمل يعمله‬
‫ومنها ‪ :‬سلمنا أنه مل يصدر منه أي عمل ‪ ،‬فإنه ال أثر لالختالف يف وسيلة التصوير وآلته يف احلكم ‪،‬‬
‫وإمنا العربة بوجود الصورة فقط ‪ ،‬فمىت وجدت وكانت لذات الروح ‪ ،‬وجد احلكم وهو التحرمي ما مل‬
‫تدع لذلك ضرورة كما مضى ‪ ،‬وكذلك ال أثر للجهد املبذول يف إخراج الصورة يف احلكم فسواء بذل‬
‫ِ‬
‫املصور جهداً شاقاً ‪ ،‬أو مل يبذل جهداً أصالً فإن هذا ال أتثري له يف احلكم ‪ ،‬وإمنا املعترب يف ذلك كله‬
‫وجود الصورة لذات الروح وإن اختلف وسيلة إنتاجها ‪ ،‬واجلهد الذي يبذل فيها ‪ ،‬وقد تقرر يف‬
‫القواعد أن احلكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬سلمنا أن علة املضاهاة يف الصورة الفوتوغرافية قد انتفت فهل ابهلل عليك قد انتفت العلل‬
‫األخرى اليت تقدم ذكرها ‪ .‬فإن كل علة منها تقتضي التحرمي مبفردها ‪ ،‬فكيف وقد اجتمعت كلها ‪،‬‬
‫فاللهم إان نسألك هداك والعمل مبا يرضيك ‪ ،‬والتوفيق ملا هو احلق والصواب ‪ ،‬وهو أعلى وأعلم ‪.‬‬
‫وقالوا أيضاً – رمحهم هللا ‪ ،‬وعفا عنهم وغفر هلم ‪ : -‬إن التصوير الفوتوغرايف شبيه متاماً ابلصورة اليت‬
‫تظهر يف املرآة أو املاء أو أي سطح المع ‪ ،‬وال يستطيع أحد أن يقول إن ما يظهر على املرآة واملاء‬
‫وحنوها حرام ؛ ألنه صورة ‪ ،‬وأن من فعل ذلك مصوراً ‪ ،‬فكذلك التصوير الفوتوغرايف ‪ ،‬كذا قالوا ‪.‬‬

‫(‪)22/1‬‬

‫فنقول ‪ - :‬إن القياس يفتقر إىل االتفاق يف العلة لالتفاق يف احلكم ‪ ،‬وأنه قد تقرر يف األصول أن‬
‫القياس مع الفارق ابطل ‪ ،‬والصور اليت تظهر على املاء أو املرآة وحنوها شيء غري مستقر ‪ ،‬وإمنا يرى‬
‫ويظهر ابشرتاط املقابلة ‪ ،‬فإذا ذهبت املقابلة زالت الصورة متاماً ‪ ،‬وأما الصور الفوتوغرافية فإهنا اثبتة‬
‫ومستقرة يف األوراق اليت تطبع عليها ‪ ،‬فقياس ما هو مستقر اثبت على ما ليس كذلك قياس مع‬
‫الفارق ‪.‬‬
‫وأيضاً يقال ‪ :‬إنه ال يعرف عن ٍ‬
‫أحد من الناس تسمية الواقف أمام املرآة وحنوها أنه مصور ؛ ألن‬
‫ذلك أصالً ليس بتصوير ال لغةً وال عرفاً ‪ ،‬فليس بتصوير شرعاً ‪ ،‬وأما اآلخذ للصورة الفوتوغرافية‬
‫فإنه مصور لغةً وعرفاً وشرعاً ‪ ،‬فقياس من هو مصور لغةً وعرفاً على من ليس مبصوٍر لغةً وعرفاً قياس‬
‫مع الفارق ‪.‬‬
‫وأيضاً يقال ‪ - :‬إن الواقف أمام املرآة وحنوها خترج صورته يف املرآة بال عمل منه إال الوقوف فقط ‪،‬‬
‫فيده مل تباشر شيئاً يف هذه الصورة ‪ ،‬وأما اآلخذ للصورة الفوتوغرافية فإن يده تباشر الصورة بعمل‬
‫زائد ‪ ،‬كتوجيه اآللة ‪ ،‬وضغط الزر ‪ ،‬وسحب الصورة ‪ ،‬ووضعها يف سائل التحميض ‪ ،‬أو حتريكها يف‬
‫املسوي بينهما ٍ‬
‫مسو ملا فرق هللا بينه ‪.‬‬ ‫اهلواء حىت خترج الصورة ‪ ،‬فأين هذا من هذا ‪ ،‬فإن ِ‬
‫وأيضاً يقال ‪ - :‬إن صورة الواقف أمام املرآة ال حتمل علة من العلل املذكورة يف فصل بيان العلل ‪،‬‬
‫فليس فيها مضاهاة ‪ ،‬وال تعظيم ‪ ،‬وال إنفاق للمال ‪ ،‬وال متنع من دخول املالئكة ‪ ،‬وليس فيها تشبه‬
‫ابلكفار‪ ،‬خبالف الصورة الفوتوغرافية فإهنا حاملة هلذه العلل أو لبعضها ‪.‬‬
‫وأيضاً يقال ‪ - :‬إن صورة الواقف أمام املرآة وحنوها تتحرك بتحركه خبالف الصورة اآللية فإهنا بعد‬
‫أخذها ال تتحرك بتحرك صاحبها‪.‬‬
‫فهذه الفوارق بينهما متنع القياس ؛ ألنه قد تقرر يف األصول أن القياس مع الفارق ابطل ‪ ،‬وتقرر‬
‫أيضاً أن الشريعة ال جتمع بني خمتلفني ‪ ،‬كما أهنا ال تفرق بني متماثلني ‪ ،‬وهللا أعلم ‪.‬‬

‫(‪)23/1‬‬
‫وقالوا أيضاً ‪ - :‬إنه تقرر يف القواعد أن األصل يف األشياء احلل واإلابحة حىت يقوم دليل املنع ‪.‬‬
‫فقلنا ‪ - :‬نعم هو كذلك ‪ ،‬وقد قام دليل املنع ‪ ،‬وهو ما مضى من األدلة الكثرية ‪ ،‬فإهنا تدل داللة‬
‫صرُية على أن األصل يف ابب التصوير احلرمة ‪ ،‬فال يرخص منه إال ما دعت الضرورة أو احلاجة‬
‫املنزلة منزلة الضرورة إليه ‪ ،‬وهللا أعلم ‪.‬‬
‫وهبذا يتبني لك جلياً إن شاء هللا تعاىل أن القول الراجح حسب الصناعة احلديثية واألصولية هو‬
‫القول بتحرمي التصوير الفوتوغرايف ‪ ،‬أو اآليل ‪ ،‬وهذا القول هو الذي تراتح له النفس ‪ ،‬وتطمئن إليه‬
‫اطمئناانً اتماً‪.‬‬
‫رزقنا هللا وإَيك لذة احلق قبوالً واتباعاً ‪ ،‬وعصمنا وإَيك من الباطل ‪ ،‬فاللهم اهدان للحق وارزقنا‬
‫اتباعه ‪ ،‬وأهلمنا رشدان إنك أنت ربنا ‪ ،‬وال حول وال قوة إال بك ‪.‬‬
‫وهذا ما توصلت إليه ابلنظر القاصر ‪ ،‬والبضاعة املزجاة على عجرها وجبرها ‪ ،‬فإن وجدت فيها‬
‫صواابً فهو حمض توفيق من هللا تعاىل ‪ ،‬وإن وجدت غري ذلك فهو من تقصريي وزللي ‪ ،‬فهذا ما‬
‫حضرين إمالؤه على غاية من اإلعجال ‪ ،‬وهللا ربنا أعلى وأعلم ‪ ،‬وصلى هللا على نبينا حممد ‪ ،‬وعلى‬
‫آله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫وقد مت الفراغ منه يوم السابع من شهر ربيع الثاين‬
‫عام اثنني وعشرين وأربعمائة وألف‬
‫من هجرة احلبيب صلى هللا عليه وسلم‬
‫وهللا أعلى وأعلم‬

‫(‪)24/1‬‬

You might also like