You are on page 1of 144

‫املقدمة‬

‫احلمدُ هلل الفتاح العليم‪ ،‬احلليم احلكيم‪ ،‬غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول ال إله إالّ‬
‫هو إليه املصري‪ .‬وأشهد أَن ال إله إال ّ اهلل وحده ال رشيك له‪ ،‬أكرمنا باإلسالم‪ ،‬وأنعم علينا باإليامن‪،‬‬
‫وهدانا إىل التمسك بالعروة الوثقى واحلبل األقوى‪ ،‬وذلك باتباع القرآن الكريم‪ ،‬واالهتداء بسن َِّة‬
‫الرسول العظيم‪.‬‬
‫ح ٍ أبدا عدن نِ َعم اهلل و‬
‫وكرم ك ك حُل أ‬
‫ورشو َّ‬ ‫وأشهد أ َّن حممداً عبده ورسوله ّ‬
‫صّل اهلل وسلم عليه وآله َّ‬
‫إفضاله‪.‬‬
‫وبعد‪ :‬فهذه رسالة ك ‪[ :‬عقائد املسلم املصححة]‪ ،‬اشتملت عّل األهم من عقائد أهل السنة واجلامعة‪،‬‬
‫يدُّلم عّل السبيل القويم‪ ،‬والرصاط املستقيم الذين‬ ‫مجعت وأوعت ما الَ ُبدَّ للطالب ٍ من معرفته وما ه‬
‫ُأ ِم ُروا باتباعه‪ ،‬وحيفظهم من السبل املتفرقة التي اتبعها املبتدعون فضلوا وأضلوا‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬و َأ َّن َه َذا‬
‫السبُ َل َفتَ َف َّر َق بِ ُك ْم َع ْن َسبِ ِيل ِه} ‪ ،‬وهي كافية ملن عرفها عن معرفة‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ِصاطي ُم ْستَق ًيام َفاتَّبِ ُعو ُه َو َال َتتَّبِ ُعوا ه‬
‫َ‬
‫العقائد املطولة‪ ،‬كفيلة بإقناع املخدوع ٍ باتباع أهل البدع إ ْن كان ُّلم نصيب من التوفيق‪ ،‬أل َّن كثري ًا‬
‫من املخدوع ٍ ال يرجعون إىل احلق ولو ظهر ُّلم النَّهار للتعصب األعمى ومتابعة اُّلوى‪ ،‬ولتزي ٍ‬
‫الشيطان ُّلم السوء َحسن ًا‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬أ َف َم ْن ُز حي َن َل ُه ُسو ُء َع َم ِل ِه َف َرآَ ُه َح َسنًا َفإِ َّن اهللََّ ُي ِض هل َم ْن َي َشا ُء‬
‫ات}‪.‬‬ ‫وَي ِدي من ي َشاء َف َال ت َْذهب َن ْفس َك َع َلي ِهم حَس أ‬
‫ْ ْ َ ََ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫َ ْ َ ُ‬ ‫َ َْ‬
‫وملَّا وصف صّل اهلل عليه وسلم بعض أهل اُّلوى‪ ،‬قال‪(( :‬يقرأون القرآن ال جياوز حالقيهم خيرجون‬
‫الرميَّة ثم ال يعونون فيه هم رش اخللق واخلليقة ‪ )) ..‬احلديث‪ .‬رواه‬
‫من الدين كام خيرج السهم من َّ‬
‫مسلم‪.‬‬
‫الباطل باطالً وارزقنا اجتنابه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫احلق ح َّقاً وارزقنا اتباعه‪ ،‬وأرنا‬ ‫صل عّل سيدنا حممد وآله وأرنا َّ‬ ‫اللهم ح‬
‫َّك‬ ‫ب َلنَا ِم ْن َلدُ ن َْك َر ْ َ‬
‫ْح ًة إِن َ‬ ‫وال جتعله مشتبه ًا علينا فنتبع اُّلوى‪َ { ،‬ر َّبنَا َال ت ُِز ْغ ُق ُلو َبنَا َب ْعدَ إِ ْذ َهدَ ْيتَنَا َو َه ْ‬
‫ْح ًة َو َهيح ْئ َلنَا ِم ْن َأ ْم ِرنَا َر َشدً ا (‪})01‬‬ ‫ْك َر ْ َ‬ ‫اب (‪َ { ،})8‬ر َّبنَا َآتِنَا ِم ْن َلدُ ن َ‬ ‫َأن َ‬
‫ْت ا ْل َو َّه ُ‬

‫‪1‬‬
‫معرفة اهلل سبحانه وتعاىل‬

‫ٍ‬
‫واجب عىل اإلنسان؟‬ ‫س‪ :‬ما هو َّأو ُل‬
‫ج‪َّ :‬أول ما جيب عّل املكلف معرفة اهلل الذي أوجده من العدم إىل الوجون‪ ،‬فإنَّه مل خيلق إال ّ للعبانة‪،‬‬

‫وهي تستلزم ّأوالً معرفة املعبون ْ‬


‫أي‪ :‬معرفة ذاته وصفاته وأفعاله عّل الوجه املحمون‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬و َما‬
‫اإلنْس إِ َّال لِيعبدُ ِ‬ ‫َخ َل ْق ُت ِْ‬
‫ون (‪.})65‬‬ ‫َُْ‬ ‫اجل َّن َو ْ ِ َ‬

‫‪2‬‬
‫س‪ :‬ما هو طريق العلم به سبحانه وتعاىل؟‬

‫ج‪ :‬طريق العلم به سبحانه وتعاىل من وجه ٍ‪ ،‬أحدمها‪ :‬من جهة السمع والنقل وذلك باإلصغاء إىل ما‬
‫أخرب به تعاىل عن نفسه ك كتبه وعّل ألسنة رسله من أسامئه احلسنى وصفاته األسنى‪ ،‬قال اهلل َّ‬
‫جل‬
‫الر ِحي ُم (‪ُ )22‬ه َو اهللَُّ ا َّل ِذي َال إِ َل َه‬ ‫ْح ُن َّ‬
‫الر ْ َ‬ ‫ب و َّ ِ‬
‫الش َها َنة ُه َو َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ثناؤه‪ُ { :‬ه َو اهللَُّ ا َّلذي َال إِ َل َه إِ َّال ُه َو َعامل ُ ا ْل َغيْ ِ َ‬
‫ْكُو َن (‪ُ )22‬ه َو‬ ‫َرب ُسبْ َحا َن اهللَِّ َع َّام ُي ْ ِ‬ ‫الس َال ُم املُْ ْؤ ِم ُن املُْ َهيْ ِم ُن ا ْل َع ِز ُيز ْ‬
‫اجلَبَّ ُار املُْتَك ح ُ‬ ‫وس َّ‬
‫ِ‬
‫إِ َّال ُه َو املَْل ُك ا ْل ُقده ُ‬
‫ض وهو ا ْلع ِز ُيز ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اخلَالِ ُق ا ْلبَ ِ‬
‫يم‬
‫احلك ُ‬
‫َ‬ ‫احلُ ْسنَى ُي َسبح ُح َل ُه َما ِك َّ‬
‫الس َام َوات َو ْاأل َ ْر ِ َ ُ َ َ‬ ‫ار ُئ املُْ َص حو ُر َل ُه ْاألَ ْس َام ُء ْ‬ ‫اهللَُّ ْ‬
‫(‪.})22‬‬
‫وك احلديث‪(( :‬إ َّن هلل تسعة وتسع ٍ اسام‪ ،‬من أحصاها نخل اجلنة‪ :‬هو اهلل الذي ال إله إالّ هو الرْحن‬
‫الرحيم امللك القدوس السالم املؤمن املهيمن العزيز اجلبار املتكرب اخلالق البارئ املصور الغفار القهار‬
‫الوهاب الفتاح العليم القابض الباسط اخلافض الرافع املعز املذل السميع البصري احلكم العدل‬
‫اللطيف اخلبري احلليم العظيم الغفور الشكور العيل الكبري احلفيظ املغيث احلسيب اجلليل الكريم‬
‫الرقيب املجيب الواسع احلكيم الونون املجيد الباعث الشهيد احلق الوكيل القوي املت ٍ الويل احلميد‬
‫املحيص املبدئ املعيد املحيي املميت احلي القيوم الواجد املاجد الواحد الصمد القانر املقتدر املقدم‬
‫املؤخر الباطن الوايل املتعال الرب التواب املنتقم العفو الرؤوو مالك امللك ذو اجلالل واإلكرام املقسط‬
‫اجلامع الغني املغني املانع الضار النافع النور اُّلاني البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور))‪ .‬رواه‬
‫الرتمذي وغريه‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬من جهة النظر العقيل وذلك بالتدبر ك املخلوقات واالعتبار ك املصنوعات فيستدل بذلك عّل‬
‫موجدها ومبدعها وخالقها أال وهو اهلل الذي ال إله إال ّ هو الرْحن الرحيم‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬إِ َّن ِك َخ ْل ِق‬
‫ك ا َّلتِي َ ْ‬
‫جت ِري ِك ا ْل َب ْح ِر بِ َام َينْ َف ُع الن َ‬
‫َّاس َو َما َأن َْز َل اهللَُّ‬ ‫ار وا ْل ُف ْل ِ‬ ‫ضو ْ ِ ِ‬
‫اخت َالو ال َّل ْي ِل َوالنَّ َه ِ َ‬
‫ِ‬
‫الس َام َوات َو ْاألَ ْر ِ َ‬
‫َّ‬
‫ث فِيها ِمن ك حُل ناب أة وت ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َح ِ‬
‫اب‬ ‫الر َي ِ‬
‫اح َو َّ‬ ‫َرصيف ح‬ ‫َ َّ َ ْ‬ ‫الس َامء م ْن َماء َف َأ ْح َيا ِبه ْاأل َ ْر َض َب ْعدَ َم ْو ِ َِتا َو َب َّ َ ْ‬
‫م َن َّ‬
‫ات لِ َق ْو أم َي ْع ِق ُلو َن (‪.})052‬‬
‫ض ََلَي أ‬ ‫ِ‬
‫الس َامء َو ْاألَ ْر ِ َ‬ ‫املُْ َس َّخ ِر َب ْ َ‬
‫ ٍ َّ‬

‫‪3‬‬
‫ّ‬
‫حق اهلل تعاىل على العباد‬

‫س‪ :‬ما حق اهلل تعاىل عىل عباده؟‬


‫ج‪ :‬حقه تعاىل عليهم أ ْن يعبدوه وال يْكوا به شيئ ًا‪.‬‬
‫س‪ :‬ما الدليل عّل ذلك؟‬
‫ْحار فقال‪ :‬يا‬ ‫كنت َر ِن َ‬
‫و النبي صّل اهلل عليه وسلم عّل أ‬ ‫ج‪ :‬عن معاذ بن حبل ريض اهلل عنه قال‪ُ (( :‬‬
‫معاذ هل تدري ما حق اهلل عّل العبان؟ وما حق العبان عّل اهلل؟ فقلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪ :‬فإ َّن‬
‫حق اهلل عّل العبان أن يعبدوه وال يْكوا به شيئا‪ ،‬وحق العبان عّل اهلل أ ْن الَ ُي ح‬
‫عذب من ال يْك به‬
‫شيئا)) رواه مسلم‪.‬‬
‫فمن ّأول الواجبات‪ :‬أن يعرو العبد اخلصلة التي ألجلها خلق‪ ،‬وهي‪ :‬عبانة اهلل تعاىل‪ ،‬فإ َّن اهلل عز‬
‫اإلنْس إِ َّال لِيعبدُ ِ‬ ‫ت ِْ‬
‫ون‬ ‫َُْ‬ ‫اجل َّن َو ْ ِ َ‬ ‫وجل مل خيلق اخللق إال لعبانته‪ ،‬كام قال تعاىل ك كتابه العزيز‪َ { :‬و َما َخ َل ْق ُ‬
‫(‪ .})65‬فحقه تعاىل عّل العبد عظيم وفضله واسع عميم خلقه اهلل من العدم وصوره ك أحسن تقويم‬
‫وأسدى إليه مجيع النعم وهداه إىل الدين القويم‪ ،‬فلو سجد العبد ملواله عّل اجلمر منذ ُخ ِل َق ْ‬
‫ت الدنيا إىل‬
‫أن تفنى مل يقض حق نعمة اإلسالم التي َم َّن اهلل هبا عليه واإليامن الذي هداه له وحببه إليه‪ ،‬وهلل تبارك‬
‫وتعاىل عليه من النعم الدينية والدنيوية ك ظاهره وباطنه وك قلبه وقالبه؛ ما لو كانت البحار مدان ًا‬
‫عز من ِ‬
‫قائ أل كريم‪:‬‬ ‫واألشجار أقالم ًا لنفدت قبل إحصاء عْ معشار ما أنعم اهلل به عليه‪ ،‬قال اهلل َّ‬
‫اه َر ًة َو َباطِن َ ًة}‪.‬‬
‫وها} ‪ ،‬وقال تعاىل‪{ :‬و َأسب َغ َع َليكُم نِعمه ظَ ِ‬
‫ْ ْ ََُ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫{ َوإِ ْن َت ُعده وا نِ ْع َم َة اهللَِّ َال ُ ْ‬
‫ُت ُص َ‬

‫‪4‬‬
‫صفات املعبود حبق‬

‫س‪ :‬ما هي ِصفات املعبود بحق؟‬


‫ج‪ :‬اعلم أنه ال معبون بحق ك الوجون إالّ اهلل وحده ال رشيك له‪ ،‬الفرن الواحد األحد الصمد امللك‬
‫القانر احلي القيوم القديم األزيل الدائم األبدي الذي هو بكل يشء عليم‪ ،‬وعّل كل يشء قدير‪ ،‬يفعل‬
‫الس ِمي ُع ا ْلبَ ِص ُري (‪ ،})00‬تقدس وتعاىل عن الشبيه‬ ‫ِ ِِ‬
‫ما يشاء وحيكم ما يريد‪َ { ،‬ليْ َس كَمثْله َ ْ‬
‫يش ٌء َو ُه َو َّ‬
‫والنظري‪ ،‬وعن الْيك والوزير‪ ،‬ال ُتده األزمان‪ ،‬وال يشغله شأن عن شأن‪ ،‬ال ُُتيط به اجلهات وال‬
‫تعرتيه احلانثات‪ ،‬له الغنى املطلق عن كل يشء‪ ،‬من كل وجه وكل ما سواه مفتقر إليه‪ ،‬خلق اخللق‬
‫وأعامُّلم وقدر أرزاقهم وآجاُّلم‪ ،‬وخلق املوت واحلياة والطاعة واملعصية والصحة والسقم‪ ،‬وأنزل‬
‫الكتب وأرسل الرسل ُّلداية اخللق لطف ًا هبم‪ ،‬وعد املحسن ٍ بثوابه فضال‪ ،‬و توعد املسيئ ٍ بعقابه‬
‫ِ‬
‫امل ا ْل َغ ْي ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫عدال‪ ،‬فاإلله املعبون بحق هو اجلامع ُّلذه الصفات‪ ،‬قال تعاىل‪ُ { :‬ه َو اهللَُّ ا َّلذي َال إ َل َه إ َّال ُه َو َع ُ‬
‫الر ِحي ُم (‪.})22‬‬
‫ْح ُن َّ‬
‫الر ْ َ‬ ‫و َّ ِ‬
‫الش َها َنة ُه َو َّ‬ ‫َ‬

‫‪5‬‬
‫من عرف نفسه عرف ربه‬

‫س‪ :‬ما معنى ما ورد يف اخلرب أو األثر‪( :‬من عرف نفسه عرف ربه)؟‬

‫ج‪ :‬معنى هذه الكلمة‪ :‬أ َّن املعرفة بالنفس هي الطريق إىل معرفة اهلل تعاىل‪ ،‬فلو نظر اإلنسان إىل عجز‬
‫وأَّنا ال تستطيع أ ْن جتلب نفعاً لنفسها وال أن تدفع رض ًا عنها‪،‬‬
‫نفسه وقصورها وافتقارها و انقهارها َّ‬
‫َيعلم من ذلك أن ُّلا ر َّب ًا وخالق ًا هو املنفرن بإجيانها وإمدانها‪ ،‬والقائم عليها بام كسبت‪ ،‬واملجازي ُّلا‬
‫بام عملت‪ ،‬ويستدل بذلك عّل كونه عبداً مربوباً وأ َّن أمره بيد غريه أال وهو اهلل العزيز احلكيم‪.‬‬
‫وكذا إذا نظر اإلنسان إىل مبدأ خلقه فإنه كان ك العدم ليس له وجون فأوجده اهلل تعاىل بمحض الكرم‬
‫واجلون‪ ،‬خلقه من قطرة ماء ونطفة َم ِذ َرة ثم صوره وشق سمعه وبرصه إىل أن صريه ك أحسن تقويم‬
‫اإلن َْسا َن ِم ْن‬
‫وحالَّه بمفاخر جليلة ومناصب عالية نينية وننيوية‪ ،‬قال اهلل جل ذكره‪َ { :‬و َل َقدْ َخ َل ْقنَا ْ ِ‬

‫ ٍ (‪ُ )02‬ث َّم َخ َل ْقنَا النه ْط َف َة َع َل َق ًة َف َخ َل ْقنَا ا ْل َع َل َق َة ُم ْض َغ ًة‬ ‫ ٍ (‪ُ )02‬ث َّم َج َع ْلنَا ُه ُن ْط َف ًة ِك َق َر أار َم ِك أ‬ ‫ُس َال َل أة ِم ْن طِ أ‬

‫ ٍ (‪})02‬‬ ‫اخلَالِ ِق َ‬ ‫حل ًام ُث َّم َأن َْش ْأنَا ُه َخ ْل ًقا َآ َخ َر َفتَبَ َار َك اهللَُّ َأ ْح َس ُن ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َف َخ َل ْقنَا املُْ ْض َغ َة ع َظا ًما َفك ََس ْونَا ا ْلع َظا َم َ ْ‬

‫‪6‬‬
‫آثار القدرة اإلهلية‬

‫س‪ :‬ألي يش ء نجزم بوجون ذاته سبحانه وتعاىل؟‬

‫ج‪ :‬نجزم بوجون ذاته سبحانه وتعاىل ملا نشاهده من آثار قدرته ونالئل حكمته ‪ -‬وإن مل نره بأبصارنا‬
‫ومل ندرك حقيقته بأفكارنا ‪ -‬فإن ك الصنعة ناللة عّل الصانع‪ ،‬وك الصورة املحكمة آية عّل الفاعل‬
‫احلكيم‪ ،‬فكام أنه من أبرص بناء مرتفعا عرو أن له بانيا ومن رأى خيمة منصوبة ك أرض فالة علم أن‬
‫ُّلا ناصبا كذلك من شاهد هذه املخلوقات ك ملكوت األرض والسموات ُتقق بال حمالة أن ُّلا صانعا‬
‫الس َام ِء‬ ‫ف ُخ ِل َق ْ‬
‫ت (‪َ )01‬وإِ َىل َّ‬ ‫كامل القدرة والصفات‪ ،‬قال اهلل جلت قدرته‪َ { :‬أ َف َال َينْ ُظ ُرو َن إِ َىل ْ ِ‬
‫اإلبِ ِل َكيْ َ‬
‫ت (‪ ،})21‬وقال تعاىل‪:‬‬ ‫ف ُسطِ َح ْ‬ ‫ض َكيْ َ‬ ‫ف ن ُِصبَ ْت (‪َ )01‬وإِ َىل ْاألَ ْر ِ‬ ‫ال َكيْ َ‬ ‫ف ُرفِ َع ْت (‪َ )08‬وإِ َىل ِْ‬
‫اجلبَ ِ‬ ‫َكيْ َ‬
‫جت ِري ملُِ ْستَ َق ٍّر َُّلَا َذلِ َك َت ْق ِد ُير ا ْل َع ِز ِيز‬ ‫{ َو َآ َي ٌة َُّل ُ ُم ال َّليْ ُل ن َْس َل ُخ ِمنْ ُه النَّ َه َار َفإِ َذا ُه ْم ُم ْظ ِل ُمو َن (‪َ )21‬و َّ‬
‫الش ْم ُس َ ْ‬
‫الش ْم ُس َينْبَ ِغي َُّلَا َأ ْن تُدْ ِر َك‬ ‫ون ا ْل َق ِدي ِم (‪َ )21‬ال َّ‬
‫ا ْلع ِلي ِم (‪ )28‬وا ْل َقمر َقدَّ رنَاه من َِاز َل حتَّى َعان كَا ْلعرج ِ‬
‫َ ُْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ ْ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ْح ْلن َا ُذريتَهم ِك ا ْل ُف ْل ِك املَْ ْشح ِ‬ ‫أ‬
‫ون‬ ‫ُ‬ ‫ار َوك ٌُّل ِك َف َلك َي ْسبَ ُحو َن (‪َ )21‬و َآ َي ٌة َُّل ُ ْم َأنَّا َ َ ح َّ ُ ْ‬ ‫ا ْل َق َم َر َو َال ال َّليْ ُل َسابِ ُق النَّ َه ِ‬

‫يخ َُّل ُ ْم َو َال ُه ْم ُين ْ َق ُذو َن (‪ )22‬إِ َّال‬ ‫(‪َ )20‬و َخ َل ْقن َا َُّل ُ ْم ِم ْن ِمثْ ِل ِه َما َي ْر َك ُبو َن (‪َ )22‬وإِ ْن ن ََشأْ ُنغ ِْر ْق ُه ْم َف َال َ ِ‬
‫ِص َ‬
‫ ٍ (‪ .})22‬فمصنوعاته سبحانه وتعاىل وخملوقاته ك أرضه وسامواته شاهدة‬ ‫ْح ًة ِمن َّا َو َمتَا ًعا إِ َىل ِح أ‬
‫َر ْ َ‬
‫باأللوهية وناطقة له بالواحدانية‪ ،‬وهلل نر القائل‪:‬‬
‫فيا عجباً كيف ُي ْع ََص اإلله ‪ ...‬أم كيف جيحده اجلاحدُ‬
‫وك كل يشء له آية ‪ ...‬تدل عّل أنه الواحدُ‬
‫وهلل ك كل ُتريكة ‪ ...‬و تسكينة أ َث ٌر شاهدُ‬

‫سئل بعضهم عن الدليل عّل وجون اهلل تعاىل‪ ،‬فقال‪ :‬البعرة تدل عّل البعري‪ ،‬والروث يدل عّل احلمري‪،‬‬
‫وآثار األقدام عّل املسري‪ ،‬فسامء ذات أبراج وأرض ذات فجاج‪ ،‬وبحار ذات أمواج تدّ ل عّل صانع‬
‫خبري وهو اهلل العيل القدير‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫وقال اإلمام أبو حنيفة ‪ -‬رْحه اهلل ‪ -‬لقوم من الدهرية‪ :‬هل جيوز ك العقل سفينة مشحونة ك جلة البحر‬
‫قد احتوشتها أمواج متالطمة ورياح خمتلفة وهي مع هذا جتري مستوية ليس ُّلا مالح جيرَيا؟ فقالوا‪:‬‬
‫ال‪ ،‬فقال‪ :‬إذا مل جيز ذلك فكيف يمكن قيام هذا العامل العلوي والسفيل مع اختالو أحواله من غري‬
‫صانع؟‪.‬‬
‫واعلم أن من نظر إىل األرض و الساموات وما بينهام من عجائب املخلوقات ومل يعتقد أ َّن ُّلا إُّلاً‬
‫وخالق ًا فهو مصاب ك عقله‪ ،‬خمتوم عّل قلبه‪ ،‬قد حل به اخلذالن وأحاط به اخلَسان‪ ،‬وهو ممن قال اهلل‬
‫وب َال َي ْف َق ُهو َن ِ َهبا َو َُّل ُ ْم َأ ْع ُ ٌ‬
‫ ٍ َال‬ ‫ْس َُّل ُ ْم ُق ُل ٌ‬ ‫جل َهنَّ َم كَثِريا ِم َن ِْ‬
‫اجل حن َو ْ ِ‬
‫اإلن ِ‬ ‫تعاىل ك حقهم‪َ { :‬و َل َقدْ َذ َر ْأنَا ِ َ‬
‫ً‬
‫َاألَ ْن َعا ِم َب ْل ُه ْم َأ َض هل أُو َل ِئ َك ُه ُم ا ْلغَافِ ُلو َن (‪.})011‬‬ ‫رصو َن ِ َهبا َو َُّل ُ ْم َآ َذا ٌن َال َي ْس َم ُعو َن ِ َهبا أُو َل ِئ َك ك ْ‬‫ِ‬
‫ُي ْب ُ‬
‫واألنعام والبهائم بل والنبات واجلامنات مقرة ومعرتفة خلالقها وموجدها بالربوبية والوحدانية ولو‬
‫السبْ ُع َو ْاأل َ ْر ُض َو َم ْن‬ ‫ات َّ‬ ‫كانت تنطق ألعربت عن ذلك وأفصحت به قال اهلل تعاىل‪{ :‬ت َُسبح ُح َل ُه َّ‬
‫الس َم َو ُ‬
‫يش أء َيتَ َفيَّ ُأ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يشء إ َّال ُي َسبح ُح بحمده} اَلية‪ ،‬وقال تعاىل‪َ { :‬أ َو َمل ْ َي َر ْوا إ َىل َما َخ َل َق اهللَُّ م ْن َ ْ‬
‫فِ ِيه َّن َوإِ ْن ِم ْن َ أ ِ‬
‫ْ‬
‫ات َو َما ِك ْاألَ ْر ِ‬ ‫اخرو َن (‪ )28‬وهللَِّ يسجدُ ما ِك السامو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ ٍ و َّ ِ‬ ‫ظِ َال ُل ُه َع ِن ا ْليَ ِم ِ‬
‫ض‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َ َْ ُ َ‬ ‫الش َامئ ِل ُس َّجدً ا هللَِّ َو ُه ْم َن ُ‬
‫ْربو َن (‪َ )21‬خيَا ُفو َن َر َّ ُهب ْم ِم ْن َف ْو ِق ِه ْم َو َي ْف َع ُلو َن َما ُي ْؤ َم ُرو َن) (‪})61‬‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫ِ‬
‫م ْن َنا َّبة َواملَْ َالئ َك ُة َو ُه ْم َال َي ْستَك ِ ُ‬

‫‪8‬‬
‫معرفة الرسول صلى اهلل عليه وسلم‬

‫س‪ :‬ما معنى معرفة الرسول صىل اهلل عليه وسلم؟‬


‫ج‪ :‬معنى املعرفة به صّل اهلل عليه وسلم أن يؤمن ويعتقد أن اهلل سبحانه وتعاىل أرسله إىل كافة اخللق‬
‫من اإلنس واجلن والعرب والعجم باُّلدى ونين احلق ليظهره عّل الدين كله ولو كره املْكون وأنه‬
‫صّل اهلل عليه وسلم بلغ الرسالة وأنى األمانة ونصح األمة وأنه صانق ك كل ما أخرب به عن اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل‪ ،‬وال يقبل اهلل إيامن عبد وإن آمن به تعاىل حتى يؤمن بمحمد صّل اهلل عليه وسلم‬
‫وبجميع ما جاء به من أمور الدنيا والربزخ و اَلخرة‪ .‬وك احلديث‪ُ (( :‬أ ِم ُ‬
‫رت أ ْن َ‬
‫أقاتل الناس حتَّى‬
‫جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني نمائهم وأمواُّلم إال‬
‫يشهدوا أن ال إله إال اهلل ويؤمنوا يب وبام ُ‬
‫بحقها وحساهبم عّل اهلل تعاىل))‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫س‪ :‬ما هو نسبه صىل اهلل عليه وسلم؟‬
‫ج‪ :‬هو النبي األمي‪ ،‬الرسول العريب‪ ،‬حممد بن عبداهلل بن عبداملطلب بن هاشم بن عبد مناو بن قيص‬
‫بن كالب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النرض بن كنانة بن‬
‫ُخزيمة بن مدركة بن إلياس ب ن مرض بن نزار بن معد بن عدنان‪ ،‬وهو من ذرية إسامعيل الذبيح عليه‬
‫السالم‪.‬‬
‫و ُأ ّمه صّل اهلل عليه وسلم‪ :‬آمنة بنت وهب بن عبد مناو بن زهرة بن كالب ‪ ..‬إىل آخر ما تقدم من‬
‫نسب أبيه‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫س‪ :‬متى كانت والدته صىل اهلل عليه وسلم؟‬

‫ج‪ُ :‬ولِدَ رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم بمكة املكرمة يوم االثن ٍ الثاين عْ من شهر ربيع األول بعد‬
‫قصة الفيل بخمس ٍ ليلة عّل املشهور‪ .‬وملا بلغ أربع ٍ سنة من عمره الْيف نزل عليه الروح األم ٍ‬
‫وبعثه اهلل رْحة للعامل ٍ‪ ،‬وأقام صّل اهلل عليه وسلم بمكة بعد البعثة ثالث عْة سنة ثم هاجر إىل‬
‫املدينة وأقام هبا عْ سن ٍ‪ ،‬وتوك صّل اهلل عليه وسلم باملدينة سنة إحدى عْة من اُّلجرة ونفن هبا‬
‫وعمره ثالث وستون سنة وهو حي قربه يسمع صالة املصل ٍ وسالم املس حلم ٍ عليه صّل اهلل عليه‬

‫وسلم‪ ،‬فعنه صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬حيثام كنتم فص هلوا َّ‬
‫عيل فإ َّن صالتكم تبلغني))‪ .‬رواه الطرباين‪،‬‬
‫عيل‬
‫وروي البيهقي ك (شعب اإليامن) وابن عدي أنّه صّل اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬أكثروا من الصالة َّ‬
‫عيل))‪ ،‬وقال صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬ما من أحد‬
‫ك الليلة الغراء واليوم األزهر فإن صالتكم تعرض َّ‬
‫عيل ُروحي حتَّى َأ ُر َّن عليه السالم))‪ .‬رواه أبو ناون‪.‬‬
‫عيل إال ر َّن اهلل َّ‬
‫يسلم َّ‬

‫‪11‬‬
‫س‪ :‬كم أوالده صىل اهلل عليه وسلم وأزواجه؟‬
‫ج‪ :‬أوالنه عليه السالم سبعة‪( ،‬ثالثة بن ٍ) وهم‪ :‬القاسم و عبداهلل ويقال له‪ :‬الطيب والطاهر‪.‬‬
‫وه َّن‪ :‬زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة الزهراء‪،‬‬
‫والثالث‪ :‬إبراهيم‪ ،‬وكلهم ماتوا صغارا‪( .‬وأربع بنات) ُ‬
‫وهي أصغرهن وأفضلهن‪ ،‬وعاشت بعده صّل اهلل عليه وسلم نحو ستة أشهر‪.‬‬
‫وأ ّم اجلميع ‪ -‬إال إبراهيم ‪ -‬خدجية الكربى بنت خويلد وهي سيدة نسائه وأسبقهن إسالما ونكاحا‪،‬‬
‫وس ْونة بنت زمعة‪ ،‬وحفصة بنت عمر ابن اخلطاب‪،‬‬
‫وباقي نسائه‪ :‬عائشة بنت أيب بكر الصديق‪َ ،‬‬
‫وزينب بنت خزيمة‪ ،‬وأم سلمة هند بنت أيب أمية‪ ،‬وزينب بنت جحش‪ ،‬وجويرية بنت احلارث‬
‫اخلزاعية‪ ،‬وأم حبيبة بنت أيب سفيان‪ ،‬وصفية بنت حيي‪ ،‬وميمونة بنت احلارث اُّلاللية‪.‬‬
‫فاملشهورات من أزواجه عليه السالم (إحدى عْة امرأة)‪ ،‬مات منهن ك حياته خدجية وزينب بنت‬
‫خزيمة وتوك عن (التسع) البواقي‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫خصائصه صلى اهلل عليه وسلم‬

‫س‪ :‬ما هي خصائصه صىل اهلل عليه وسلم؟‬


‫ج‪ :‬قد امتاز نبينا حممد صّل اهلل عليه وسلم عّل سائر األنبياء بخصائص كثرية منها‪ :‬ما روى اإلمام‬
‫أْحد مرفوع ًا‪(( :‬أنا حممد النبي األمي ال نبي بعدي أوتيت جوامع الكلم وخوامته))‪ .‬ومنها‪ :‬تفضيله‬
‫صّل اهلل عليه وسلم عّل األنبياء واملرسل ٍ واخلالئق أمجع ٍ‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬كونه خاتم األنبياء والرسل فال نبي بعده وال رسول‪ .‬وما روى الرتمذي عن أيب سعيد اخلدري‬
‫ريض اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬أنا سيد ولد آنم يوم القيامة وبيدي لواء‬
‫احلمد وال فخر‪ ،‬وما من نبي يومئذ آنم فمن سواه إال ُتت لوائي‪ ،‬وأنا أول من تنشق األرض عنه و ال‬
‫فخر)) رواه الرتمذي‪ ،‬وك رواية له أيض ًا‪(( :‬وأنا أكرم األول ٍ واَلخرين عّل اهلل وال فخر))‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬عموم رسالته صّل اهلل عليه وسلم إىل اجلن واإلنس والعرب والعجم‪ ،‬روى الشيخان عن‬
‫عطيت مخساً مل ُيع َط ُه َّن أحد قبيل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫جابر ريض اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم‪ُ (( :‬أ‬
‫ونرصت بالرعب مسرية شهر وجعلت يل األرض مسجداً وطهور ًا‪ ،‬فأ َّي َام رجل من أمتي أنركته‬
‫الصالة فليُ ح‬
‫صل‪ ،‬وأحلت يل الغنائم ومل ُتل ألحد من قبيل‪ ،‬وأعطيت الشفاعة‪ ،‬وكان النبي يبعث إىل‬
‫قومه خاصة وبعثت إىل الناس عامة))‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن اهلل تعاىل جعل أمته خري األ ُ َمم ونسخ بْيعته مجيع الْائع‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ُ { :‬ه َو ا َّل ِذي‬
‫اإل ْس َال ِم ِنينًا‬
‫َري ْ ِ‬ ‫احل حق لِي ْظ ِهره َع َّل الدح ِ ِ‬
‫ين ُك حله} ‪ ،‬وقال تعاىل‪َ { :‬و َم ْن َيبْتَ ِغ غ ْ َ‬ ‫ين ْ َ ُ َ ُ‬ ‫اُّلُدَ ى َو ِن ِ‬
‫َأ ْر َس َل َر ُسو َل ُه بِ ْ‬
‫َف َل ْن ُي ْقبَ َل ِمنْ ُه}‪.‬‬
‫وقال عليه الصالة والسالم‪(( :‬ال يسمع يب أحد من هذه األمة َيوني وال نرصاين ثم يموت ومل يؤمن‬
‫بالذي أرسلت به إال كان من أصحاب النار)) رواه مسلم‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫معجزاته عليه الصالة والسالم‬

‫س‪ :‬كيف كانت معجزاته عليه الصالة والسالم؟‬

‫ج‪ :‬كانت معجزاته صّل اهلل عليه وسلم كثرية مشهورة أعظمها وأشهرها‪ :‬القرآن الكريم الذي أعجز‬
‫اهلل اخللق عن معارضته واإلتيان بمثله مع ُتدَيم بذلك ومع بذل جهدهم فيام هنالك‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪:‬‬
‫اجل هن َع َّل َأ ْن َي ْأتُوا بِ ِمثْ ِل َه َذا ا ْل ُق ْر َآ ِن َال َي ْأتُو َن بِ ِمثْلِ ِه َو َل ْو كَا َن َب ْع ُض ُه ْم لِ َب ْع أ‬
‫ض‬ ‫إلن ُْس َو ِْ‬ ‫{ ُق ْل َل ِئ ِن اجتَمع ِ‬
‫تا ْ ِ‬ ‫ْ َ َ‬
‫َظ ِه ًريا (‪ ، })88‬فهو معجزة باقية إىل آخر الدهر ال يزال برهانه قائ ًام‪ ،‬وإعجازه مستمر ًا‪ ،‬وال تنقيض‬
‫عجائبه‪ ،‬وال تنفد غرائبه‪ ،‬وفيه نبأ األول ٍ واَلخرين‪ ،‬وينطبق مع كل زمان إىل يوم الدين‪.‬‬
‫ومن معجزاته عليه الصالة والسالم الباهرة‪ :‬انشقاق القمر وذلك أن كفار مكة طلبوا منه صّل اهلل‬
‫عليه وسلم أن يرَيم آية تدل عّل صدقه ونبوته‪ ،‬وأن تكون تلك اَلية انفالق القمر‪ ،‬فدعا رسول اهلل‬
‫صّل اهلل عليه وسلم ربه فانشق القمر فلقت ٍ وهم ينظرون‪ ،‬فقال صّل اهلل عليه وسلم‪ :‬اشهدوا‪ ،‬ثم إ َّن‬
‫الكفار سألوا أهل اَلفاق هل رأوا مثل ذلك؟ فأخربوا أَّنم رأوا ذلك‪ ،‬فقالوا‪ :‬إ َّن حممداً سحر أهل‬
‫السا َع ُة َوان َْش َّق ا ْل َق َم ُر (‪َ )0‬وإِ ْن َي َر ْوا آَ َي ًة ُي ْع ِر ُضوا َو َي ُقو ُلوا‬ ‫األرض‪ ،‬فأنزل اهلل تعاىل هذه اَلية‪{ :‬ا ْق َ ِ‬
‫رت َبت َّ‬
‫َ‬
‫ِس ْح ٌر ُم ْست َِم ٌّر (‪ ، })2‬روى ذلك أصحاب السنن‪.‬‬

‫ومن معجزاته صّل اهلل عليه وسلم‪ :‬نبع املاء من ب ٍ أصابعه الْيفة وقع له ذلك مرار ًا عديدة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ما رواه البخاري عن جابر بن عبداهلل ريض اهلل عنهام أنه قال‪ :‬عطش الناس يوم احلديبية ورسول اهلل‬
‫صّل اهلل عليه وسلم ب ٍ يديه ركوة يتوضأ منها ثم أقبل الناس نحوه‪ ،‬فقال رسول اهلل صّل اهلل عليه‬
‫وسلم‪ :‬مالكم؟ قالوا‪ :‬يا رسول اهلل ليس عندنا ماء نتوضأ به ونْب إالّ ما ك ركوتك‪ ،‬قال‪ :‬فوضع‬
‫الركوة فجعل املاء يفور من ب ٍ أصابعه كأمثال العيون فْبنا‬
‫النبي صّل اهلل عليه وسلم يده ك َّ‬
‫وتوضأنا‪ ،‬فقيل جلابر‪ :‬كم كنتم يومئذ؟ قال‪ :‬لو كنا مائة ألف لكفانا؛ ُكنَّنا مخس عْة مائة‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ومن معجزاته أيض ًا‪ :‬حن ٍ اجلذع الذي كان صّل اهلل عليه وسلم يستند إليه إذا خطب‪َّ ،‬‬
‫فلام اختذ املنرب‬
‫ارتج املسجد‬
‫وقعد عليه ح َّن اجلذع حن ٍ الناقة إىل ولدها‪ ،‬وك رواية ((خار اجلذع كخوار الثور حتى َّ‬
‫بخواره‪ ،‬فنزل إليه رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم فالتزمه فسكت‪ ،‬فقال‪ :‬والذي نفيس بيده لو مل‬
‫ألتزمه مل يزل هكذا إىل يوم القيامة حزناً عّل رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم))‪.‬‬
‫رواه الرتمذي والبيهقي وغريمها‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫َ ْ َّ‬
‫صفاته صلى اهلل عليه وسلم اخللقية‬

‫س‪ :‬ما هي صفاته صىل اهلل عليه وسلم َ‬


‫اخل ْلقيَّة؟‬
‫ج‪ :‬قال العلامء رْحهم اهلل‪ :‬أن من متام اإليامن به صّل اهلل عليه وسلم أ ْن نعتقد أن اهلل تعاىل خلق جسده‬
‫الْيف عّل وجه مل يظهر قبله وال بعده مثله‪ ،‬خلقه اهلل عّل أمجل صورة فيها مجيع املحاسن حمصورة‬
‫وعليها مقصورة‪.‬‬

‫فكان عليه الصالة والسالم أمجل الناس وأهباه من بعيد وأحسنه وأحاله من قريب‪ ،‬قال الرباء بن‬
‫رأيت من ذي ملَِّ أة سوناء ك حلة ْحراء أحسن من رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم))‪ ،‬وقال‬
‫عازب‪(( :‬ما ُ‬
‫أبو هريرة‪(( :‬ما رأيت شيئا أحسن من رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم‪ ،‬كأن الشمس جتري ك وجهه‪،‬‬
‫وإذا ضحك تألأل وجهه كالبدر))‪ ،‬وقال أنس بن مالك‪(( :‬ما مسست نيباج ًا وال حريراً أل ٍ من كف‬
‫رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم‪ ،‬وال شممت رائحة قط أطيب من رائحة رسول اهلل صّل اهلل عليه‬
‫وسلم))‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫وكان أمري املؤمن ٍ عيل بن أيب طالب كرم اهلل وجهه إذا وصف رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫((مل يكن بالطويل املمغط وال بالقصري املرتنن‪ ،‬كان ربعة من القوم‪ ،‬ومل يكن باجلعد القطط وال‬
‫بالسبط‪ ،‬كان جعداً رجالً‪ ،‬ومل يكن باملط َّهم وال باملك ْلثَم (‪ ،)0‬وكان أسيل اخلد أبيض مْباً بحمرة‬
‫الكف والقدم ٍ‪ ،‬جليل املشاش و الكتد (‪،)2‬‬
‫ح‬ ‫أنعج العين ٍ (‪ ،)2‬أهدب األشفار ذا مَسبة (‪َ ،)2‬شثْن‬
‫إذا التفت مجيع ًا‪ ،‬وإذا مشى يتكفأ تكفؤ ًا كأنام ينحط من َص َبب‪ ،‬ب ٍ كتفيه خاتم النبوة (‪ ،)6‬وهو خاتم‬
‫النبي ٍ‪ ،‬أجون الناس صدر ًا‪ ،‬وأشجعهم قلب ًا‪ ،‬وأصدقهم ُّلجة‪ ،‬وألينهم عريكة‪ ،‬وأكرمهم عْة‪ ،‬من‬
‫رآه بدَية هابه‪ ،‬ومن خالطه معرفة أحبه‪ ،‬يقول ِ‬
‫ناعتُه‪ :‬مل َأر قبله وال بعده مثله صّل اهلل عليه وسلم))‬ ‫َّ‬
‫رواه الرتمذي‪.‬‬
‫وعن هند بن أيب هالة ريض اهلل عنه قال‪(( :‬كان رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم فخ ًام مفخ ًام‪ ،‬يتألأل‬
‫أزج احلواجب‪،‬‬
‫وجهه تألأل القمر ليلة البدر‪ ،‬عظيم اُّلامة رجل الشعر‪ ،‬أزهر اللون‪ ،‬واسع اجلب ٍ‪ ،‬ه‬
‫املَسبة‪ ،‬مفلج األسنان‪ ،‬معتدل اخللق‪ ،‬سواء البطن‬
‫أقنى العرن ٍ‪ ،‬كث اللحية‪ ،‬ضليع الفم‪ ،‬نقيق ُ‬
‫والصدر‪ ،‬بعيد ما ب ٍ املنكب ٍ‪ ،‬ضخم الكرانيس‪ ،‬أنور املتجرن‪ ،‬رحب الراحة‪ ،‬سائل األطراو‪،‬‬
‫مخصان األمخص ٍ‪ ،‬مسيح القدم ٍ‪ ،‬خافض الطرو‪ ،‬نظره إىل األرض أطول من نظره إىل السامء‪ُ ،‬ج ّل‬
‫ُْ‬
‫نظره املالحظة‪ ،‬يسوق أصحابه‪ ،‬ويبدأ من لقيه بالسالم) اهـ ملخص ًا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )0‬املط ّهم‪ :‬الفاحش ك السمن‪ .‬و املكلثم‪ :‬شديد استدارة الوجه‪.‬‬
‫(‪ - )2‬أي شديد سوانمها‪.‬‬
‫والَسه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫(‪ - )2‬وهي خيط الشعر الذي ب ٍ الصدر‬
‫(‪ - )2‬املشاش‪ :‬رؤوس األصابع‪ ،‬و الكتد‪ :‬جمتمع الكتف ٍ‪.‬‬

‫(‪ - )6‬و هو بضعة حلمة ناشزة كبيضة احلاممة أو كزر احلجلة أو كاتفاح الصغرية عليها خيالن‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫ُ ُ َّ‬
‫صفاته صلى اهلل عليه وسلم اخللقية‬

‫س‪ :‬كيف كانت صفاته صىل اهلل عليه وسلم ُ‬


‫اخل ُلقيًّة؟‬
‫ج‪ :‬كام أ َّن رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم أحسن الناس َخلق ًا‪ ،‬فكان أحسنهم ُخ ُلق ًا‪ ،‬قد مجع اهلل فيه‬
‫حماسن األخالق ما مل جيمعه ك غريه عّل اإلطالق‪ ،‬وأ َّنبه ك كتابه العزيز بأحسن اَلناب كلها‪ ،‬فقال‬
‫اجل ِ‬
‫اه ِل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ ٍ (‪ ،})011‬وقال عليه الصالة والسالم‪:‬‬ ‫تعاىل‪ُ { :‬خذ ا ْل َع ْف َو َو ْأ ُم ْر بِا ْل ُع ْرو َو َأ ْع ِر ْض َع ِن ْ َ‬
‫ت أل ُ حمتم مكارم األخالق))‪َّ .‬‬
‫فلام كملت فيه صّل اهلل عليه‬ ‫((أ َّن َبني ريب فأحسن تأنيبي))‪ ،‬و قال‪ُ (( :‬بعثْ ُ‬
‫َّك َل َع َّل ُخ ُل أق َعظِي أم (‪.})2‬‬
‫وسلم هذه اَلناب أثنى عليه بقوله‪َ { :‬وإِن َ‬
‫لت أم املؤمن ٍ عائشة ريض اهلل عنها عن أخالق رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم؟ فقالت‪(( :‬كان‬ ‫وس ِئ ْ‬
‫ُ‬
‫خدمت رسول اهلل‬
‫ُ‬ ‫أي‪ :‬يرىض لرضاه ويسخط لسخطه‪ ،‬وقال أنس ريض اهلل عنه‪(( :‬‬ ‫ُخ ُلق ُه القرآن)) ْ‬
‫أ‬
‫ليشء تركته‪:‬‬ ‫أ‬
‫ليشء صنعته‪ِ :‬مل َ صنعته‪ ،‬وال‬ ‫أو قط‪ ،‬وال قال‬
‫صّل اهلل عليه وسلم عْ سن ٍ فام قال يل‪ٍّ :‬‬
‫ِمل َ تركته‪ ،‬وكانت خدمته يل أكثر من خدمتي له))‪.‬‬
‫وعن عيل ريض اهلل عنه قال‪(( :‬كان النبي صّل اهلل عليه وآله وسلم نائم البْ‪ ،‬سهل اخللق ّل ٍ‬
‫اجلانب‪ ،‬ليس بفظ وال غليظ وال صخاب وال فحاش وال عياب وال مداح‪ ،‬يتغافل عام ال يشتهيه‪ ،‬وال‬
‫ُيؤيس منه وال ُخييَّب فيه‪ ،‬قد ترك نفسه من ثالث‪ :‬الرياء‪ ،‬واإلكثار‪ ،‬وما ال يعنيه‪ .‬وترك الناس ك ‬
‫ثالث‪ :‬كان ال يذم أحد ًا وال يعيبه‪ ،‬وال يطلب عورته وال يتكلم إال ّ فيام يرجو ثوابه‪ ،‬وإذا تكلم أطرق‬
‫جلساؤه كأنام عّل رؤوسهم الطري‪ ،‬وإذا سكت تكلموا‪ ،‬ال يتنازعون عنده احلديث‪ ،‬ومن تكلم عنده‬
‫أنصتوا له حتى يفرغ‪ ،‬حديث آخرهم حديث َّأوُّلم‪ ،‬يضحك مما يضحكون منه ويعجب مما يعجبون‬
‫منه‪ ،‬ويصرب للغريب عّل اجلفوة ك منطقه ومسألته‪ ،‬حتى إ ْن كان أصحابه ليستجلبونه ويقول‪ :‬إذا‬
‫رأيتم صاحب حاجة يطلبها فأرفدوه‪ ،‬وال يقبل الثناء إال ّ من مكافئ‪ ،‬وال يقطع عّل أ‬
‫أحد حديثه حتى‬
‫جيوز فيقطعه بنهي أو قيام))‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫وروى الرتمذي‪(( :‬أن النبي صّل اهلل عليه وسلم كان يعلف البعري‪ ،‬و َي ُق هم البيت‪ ،‬وخيصف النعل‪،‬‬
‫ويرقع الثوب‪ ،‬وحيلب الشاة‪ ،‬ويأكل مع اخلانم‪ ،‬ويطحن معه إذا أعيى‪ ،‬وكان ال يمنعه احلياء أن حيمل‬
‫بضاعته من السوق إىل أهله‪ ،‬ويصافح الغني والفقري‪ ،‬ويسلم مبتدئا‪ ،‬وال حيقر ما نعي إليه ولو إىل‬
‫بساماً من غري‬
‫ه ٍ املؤنة‪ ،‬ل ٍ اخللق‪ ،‬كريم الطبيعة‪ ،‬مجيل املعارشة‪ ،‬طلق الوجه‪َّ ،‬‬
‫حشف التمر‪ ،‬وكان ح‬
‫ضحك‪ ،‬حمزونا من غري عبوس‪ ،‬متواضع ًا من غري مذلة‪ ،‬جوان ًا من غري رسو‪ ،‬رقيق القلب رحي ًام‬
‫بكل مسلم‪ ،‬مل يتجشأ قط من شبع‪ ،‬ومل يمد يده إىل طمع‪ ،‬صّل اهلل عليه وعّل آله وأصحابه وبارك‬
‫ورشو وكرم))‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫حق رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم على أمته‬

‫س‪ :‬ما حقه عليه الصالة والسالم عىل أمته؟‬

‫ج‪ :‬اعلم أن حقه عليه الصالة والسالم عّل أمته أعظم احلقوق وأوجبها بعد حق اهلل تعاىل‪ .‬فمن حقه‬
‫عليهم املتابعة لسنته والنرص لدينه ورشيعته‪ ،‬قال اهلل عز وجل‪ُ { :‬ق ْل إِ ْن ُكنْتُم ُ ِ‬
‫ُت هبو َن اهللََّ َفاتَّبِ ُع ِ‬
‫وين‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫املتمسك بسنَّتي عند فسان أمتي له أجر‬ ‫حي ِب ْب ُك ُم اهللَُّ َو َيغْف ْر َل ُك ْم ُذنُو َبك ُْم} وقال صّل اهلل عليه وسلم‪ (( :‬ح‬
‫ُْ‬
‫مائة شهيد))‪ ،‬وقال صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬من أحيا ُسنَّتي فقد أحياين‪ ،‬ومن أحياين كان معي ك ‬
‫اجلنة)) رواه الرتمذي‪.‬‬
‫ومن حقه صّل اهلل عليه وسلم كامل املحبة واملونة له حتى يكون أحب إىل املؤمن من نفسه وولده‬
‫ومجيع اخللق وكذا حمبة أهل بيته وأصحابه وذريته‪ ،‬قال صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬ال يؤمن أحدكم حتى‬
‫أكون أحب إليه من والده وولده والناس أمجع ٍ)) متفق عليه‪ .‬وقال صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬أحبوا اهلل‬
‫ملا يغدوكم به من نعمه وأحبوين حلب اهلل وأحبوا أهل بيتي حلبي)) رواه الرتمذي‪.‬‬
‫فبح حبي‬
‫وقال عليه الصالة والسالم‪(( :‬اهلل اهلل ك أصحايب ال تتخذوهم غرضا بعدي فمن أح َّبهم ُ‬
‫أح َّبهم‪ ،‬ومن أبغضهم فببغيض أبغضهم‪ ،‬ومن آذاهم فقد آذاين‪ ،‬ومن آذاين فقد آذى اهلل تبارك وتعاىل‪،‬‬
‫ومن آذى اهلل فيوشك أن يأخذه)) رواه أْحد‪.‬‬

‫ومن حقه عليهم تعظيمه وتوقريه عليه الصالة والسالم‪ ،‬وقد أمر اهلل بذلك ك كتابه‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬إِنَّا‬
‫ْا َون َِذ ًيرا (‪ )8‬لِت ُْؤ ِمنُوا بِاهللَِّ َو َر ُسولِ ِه َو ُت َع حز ُرو ُه َوت َُو حق ُرو ُه َوت َُسبح ُحو ُه ُبك َْر ًة َو َأ ِص ًيال‬ ‫َأرس ْلنَ َ ِ‬
‫اك َشاهدً ا َو ُمبَ ح ً‬ ‫ْ َ‬
‫جت هلوه وتبالغوا ك تعظيمه‪ ،‬فتعظيمه صّل اهلل عليه وسلم من تعظيم اهلل كام أن طاعته ع ٍ‬ ‫أي‪ِ ُ :‬‬
‫(‪ْ })1‬‬
‫ول َف َقدْ َأ َطا َع اهللََّ} ‪ ،‬وقال تعاىل‪{ :‬إِ َّن ا َّل ِذي َن‬ ‫الر ُس َ‬ ‫ِ‬
‫طاعة اهلل وحمبته ع ٍ حمبة اهلل‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬م ْن ُيط ِع َّ‬
‫حيبِ ْبك ُُم اهللَُّ َو َيغ ِْف ْر َل ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َك إِن ََّام ُي َب ِاي ُعو َن اهللََّ} ‪ ،‬وقال تعاىل‪ُ { :‬ق ْل إِ ْن ُكنْتُ ْم ُُتبهو َن اهللََّ َفاتَّبِ ُعوين ُ ْ‬
‫ُي َب ِاي ُعون َ‬
‫ُذنُو َبك ُْم}‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫وكان الصحابة ريض اهلل عنهم هم املثل األعّل ك حبحه وتعظيمه صّل اهلل عليه وسلم‪ ،‬فروى البخاري‬
‫وغريه ك قصة احلديبية ((أ َّن عروة ابن مسعون الثقفي ح ٍ وجهته قريش إىل رسول اهلل صّل اهلل عليه‬
‫أي َقومي‪ :‬واهلل‬
‫وسلم فرأى من تعظيم أصحابه له صّل اهلل عليه وسلم ما رأى وملا رجع إليهم قال‪ْ :‬‬
‫رأيت َملك ًا قط يعظمه أصحابه كام يعظم أصحاب حممد‬
‫لقد وفدت عّل كَسى وقيرص والنجايش‪َ ،‬فام ُ‬
‫صّل اهلل عليه وسلم حممدا‪ ،‬إنَّه ما تنخم نخامة إال ّ وقعت ك كف أحدهم فدلك هبا وجهه ويده‪ ،‬وإذا‬
‫أمرهم بأمر ابتدروا أمره‪ ،‬وإذا توضأ كانوا يقتتلون عّل وضوئه‪ ،‬وإذا تكلم خفضوا أصواِتم عنده‪،‬‬
‫وما ُحيده ون النظر إليه تعظيام له))‪.‬‬

‫ومن حقه‪ :‬اإلكثار من الصالة والسالم عليه وقد أمر اهلل بذلك ك كتابه‪ ،‬فقال تعاىل‪{ :‬إِ َّن اهللََّ َو َم َال ِئ َكتَ ُه‬
‫ُي َص هلو َن َع َّل النَّبِ حي َيا َأ ه ََيا ا َّل ِذي َن َآ َمنُوا َص هلوا َع َليْ ِه َو َس حل ُموا ت َْس ِل ًيام (‪ ، })65‬وقال عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫عيل صالة صّل اهلل عليه هبا عْ صلوات وحط عنه عْ خطيئات ورفع له عْ‬
‫((من صّل َّ‬
‫نرجات)) رواه اإلمام أْحد وغريه‪ ،‬وقال صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬أوىل الناس يب يوم القيامة أكثرهم‬
‫عيل صالة)) رواه اإلمام أْحد وغريه‪.‬‬
‫َّ‬
‫و ورن أيض ًا‪(( :‬إ َّن أنجاكم يوم القيامة من أهواُّلا ومواطنها أكثركم عيل صالة)) ذكره القايض عياض‬
‫ك (الشفاء)‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫يف لزوم مجاعة املسلمني واتباع السلف الصاحل‬

‫س‪ :‬ما جيب عىل املسلم عند وقوع االختالف؟‬


‫ج‪ :‬اعلم أن رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم قد أمر عند االختالو بلزوم السوان األعظم وهو اجلمهور‬
‫األكثر من املسلم ٍ‪ ،‬وأخرب أ َّن أمته معصومون من االجتامع عّل ضالل أو خطأ ك الدين‪ ،‬فروى ابن‬
‫ماجه مرفوع ًا‪(( :‬إ َّن أمتي ال جتتمع عّل ضاللة فإذا رأيتم االختالو فعليكم بالسوان األعظم))‪ ،‬و‬
‫روى الرتمذي وأبو نُعيم واحلاكم من حيث ابن عمر عن النبي صّل اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬إ َّن اهلل ال‬
‫شذ َّ‬
‫شذ ك النار))‪ ،‬و روى‬ ‫جيمع أمتي عّل ضاللة أبدا‪ ،‬يد اهلل مع اجلامعة فاتبعوا السوان األعظم‪ ،‬ومن َّ‬
‫اإلمام أْحد وغريه مرفوعا‪(( :‬سألت ريب أ ْن ال جيتمع أمتي عّل ضاللة فأعطانيها))‪.‬‬
‫األول إىل اليوم هم السوان األعظم فصح‬
‫قال العلامء‪ :‬ومل يزل بحمد اهلل تعاىل أهل السنة من الزمان َّ‬
‫بذلك أَّنم الفرقة الناجية املالزمة للكتاب والسنة وما عليه يلف األمة من الصحابة والتابع ٍ وصدور‬
‫األئمة املجتهدين و إليها اإلشارة بقوله صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬إ َّن بني إرسائيل افرتقت عّل اثنت ٍ‬
‫وسبع ٍ ملة وستفرتق أمتي عّل ثالث وسبع ٍ ملة كلها ك النار إال ِم َّلة واحدة‪ ،‬قالوا‪ :‬من هي يا‬
‫رسول اهلل؟ قال‪ :‬من كان عّل مثل ما أنا عليه وأصحايب)) رواه الرتمذي والبيهقي‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫س‪ :‬ماذا جيب عىل من مل يبلغ رتبة االجتهاد؟‬
‫ج‪ :‬جيب عّل كل مؤمن متبع للْيعة املحمدية أن يعتقد ما جاء به ِصيح القرآن والسنة ويعتمد ك ‬
‫ذلك قول العلامء األعالم املشهورين عند اخلاص والعام كاألئمة األربعة الشافعي ومالك وأيب حنيفة‬
‫وأْحد بن حنبل وغريهم من األئمة‪ ،‬فمن ق َّلد أحداً منهم ك العمل بام فهموه من كتاب اهلل وسنة‬
‫َاج عند اهلل ك ذلك التقليد حيث أ َّن اهلل تعاىل قد أذن للمجتهدين أن جيتهدوا وللمقلدين‬
‫رسوله فهو ن أ‬
‫الذك ِْر إِ ْن ُكنْت ُْم َال َت ْع َل ُمو َن (‪ ،})1‬فيتع ٍ عّل غري املجتهد تقليد‬
‫اس َأ ُلوا َأ ْه َل ح‬
‫أن يقلدوا‪ ،‬فقال تعاىل‪َ { :‬ف ْ‬
‫أحد من األئمة املجتهدين فإن ذلك هو سيبل املؤمن ٍ‪ ،‬ويرتك نعوى االجتهان وأخذ األحكام من‬
‫الكتاب والسنة بدون حاجة إىل تقليد هؤالء األئمة فإنه من زمن الصحابة والتابع ٍ قد تقررت‬
‫األحكام وقواعد اإلسالم وتم أخذه من الكتاب والسنة ونونت عّل ذلك كتب األصول والفروع‬
‫فلم يبق ملن بعدهم‬
‫إال الرجوع إىل تلك األحكام وتقليد هؤالء العلامء األعالم املشهورين بعلمهم لدى اخلاص والعام‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫س‪ :‬ما ثمرة االختالف بني األئمة املجتهدين؟‬
‫ج‪ :‬اعلم أن االختالو الواقع ب ٍ األئمة املجتهدين رْحة من اهلل تعاىل ُّلذه األمة املرحومة‪ ،‬فإَّنم مل‬
‫خيتلفوا ك أصول الدين وأمهات الْيعة وإنام اختالفهم ك بعض املسائل الفرعية عند عدم ثبوت‬
‫نصوصها القطعية أو تعدن األقيسة‪ ،‬واالختالو ك ذلك يوجب اليَس والتوسعة عّل الناس‪ ،‬و رفع‬
‫احلرج عنهم والضيق والبأس‪ ،‬وهو موافق ملا يريده اهلل ك سابق علمه‪ ،‬حيث قال تعاىل‪ُ { :‬ي ِريدُ اهللَُّ بِ ُك ُم‬
‫ين ِم ْن َح َر أج}‪.‬‬
‫َس}‪ ،‬وقال تعاىل‪َ :‬و َما { َج َع َل َع َليْك ُْم ِك الدح ِ‬ ‫ِ‬
‫َس َو َال ُيريدُ بِ ُك ُم ا ْل ُع ْ َ‬
‫ا ْل ُي ْ َ‬

‫و ورن ك اخلرب عن خري البْ‪(( :‬اختالو أمتي رْحة)) أخرجه الشيخ املقديس ك كتابه (احلُجة) ونقله‬
‫السيوطي ك (اخلصائص الكربى)‪.‬‬
‫وأخرج اخلطيب عن إسامعيل بن أيب املجالد أن هارون الرشيد قال لإلمام مالك بن أن ‪ ...‬س‪ :‬يا أبا‬
‫أي‪( :‬املوطأ) ونفرقها ك آفاق اإلسالم لنحمل عليها األُ َّمة‪ ،‬قال‪ :‬يا أمري‬
‫عبداهلل نكتب هذه الكتب ْ‬
‫املؤمن ٍ إ َّن اختالو العلامء رْحة من اهلل عّل هذه األمة‪ ،‬ك ٍُّل يتبع ما صح عنده‪ ،‬وك ٍُّل عّل ُهدى‪ ،‬وك ٍُّل‬
‫ُيريد اهلل‪.‬‬

‫ ٍ (‪ )008‬إِ َّال َم ْن َر ِح َم‬


‫واعلم أن املختلف ٍ ك الفروع هم املشار إليهم بقوله تعاىل‪َ { :‬و َال َي َزا ُلو َن خمُ ْت َِل ِف َ‬
‫َر هب َك} فهم املرحومون واختالفهم رْحة‪ ،‬وأما املختلفون ك أصول الدين فغري مرحوم ٍ وال مرضي ٍ‬
‫إالّ من وافق احلق منهم وهم أهل السنة واجلامعة املتمسكون بام كان عليه صّل اهلل عليه وسلم‬
‫وأصحابه كام تقدم‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫يف البدعة وأقسامها‬

‫س‪ :‬إىل كم تنقسم البدعة؟‬


‫ج‪ :‬قسم العلامء رْحهم اهلل البدعة إىل قسم ٍ‪ :‬حسنة وقبيحة‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫س‪ :‬ما هي البدعة احلسنة؟‬
‫أئمة اُّلدى مما يوافق الكتاب والسنة من حيث إليثار األنفع واألصلح‪،‬‬
‫ج‪ :‬البدعة احلسنة‪ :‬هي ما رواه َّ‬
‫وذلك كجمع القرآن ك املصحف‪ ،‬ومجع الناس لصالة الرتاويح‪ ،‬واألذان األول يوم اجلمعة‪،‬‬
‫أ‬
‫إحسان مل ُيعهد ك العهد النبوي فهو بدعة حسنة يثاب عليها عاملها‪،‬‬ ‫وكإحداث الربط واملدارس وكل‬
‫بدليل قوله صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬من َس َّن ُسن َّة حسنة ك اإلسالم فله أجرها وأجر من عمل هبا بعده‬
‫من غري أن ينقص من أجورهم يش ء)) رواه مسلم‪.‬‬
‫س‪ :‬ما هي البدعة املذمومة التي حذرنا منها الرسول صّل اهلل عليه وسلم؟‬
‫ج‪ :‬البدعة املذمومة هي كل ما خالف نصوص الكتاب والسنة أو خرق إمجاع األمة كاملذاهب الفاسدة‬
‫والعقائد الزائفة املخالفة ملا عليه أهل السنة‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫س‪ :‬ما الدليل عىل ذلك؟‬

‫ج‪ :‬والدليل عّل ذلك األحانيث الوارنة ك ذم البدعة كقوله صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬كل حمدثة بدعة‬
‫وكل بدعة ضاللة))‪ ،‬فاملران بذلك املحدثات الباطلة التي ال يرضاها اهلل ورسوله‪ ،‬بدليل قوله صّل اهلل‬
‫عليه وسلم‪(( :‬من ابتدع بدعة ضاللة ال تريض اهلل ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل هبا ال ينقص‬
‫من أوزارهم يشء))‪ .‬رواه الرتمذي و ابن ماجه‪ .‬وقوله صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬من أحدث ك أمرنا‬
‫هذا ما ليس منه فهو رن)) رواه الشيخان‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫س‪ :‬لقد جاء يف احلديث الصحيح عن النبي صىل اهلل عليه وسلم أنه قال‪(( :‬عليكم بسنتي وسنة‬
‫عضوا عليها بالنواجذ وإ َّياكم وحمدثات األمور فكل حمدثة بدعة)) رواه‬
‫اخللفاء الراشدين املهديني‪َّ ،‬‬
‫أبو داود و الرتمذي و زاد يف رواية‪(( :‬وكل ضاللة يف النار))‪ ،‬فامذا قال العلامء يف هذا احلديث؟‬
‫ج‪ :‬قال العلامء رْحهم اهلل‪ :‬إ َّن هذا احلديث من العام املخصوص‪ ،‬واملران املحدثات الباطلة والبدع‬
‫املذمومة التي ليس ُّلا أصل ك الْع فهي املنهي عنها‪ ،‬بخالو ما ُّلا ك الْع أصل فإَّنا حممونة إ ْذ‬
‫هي بدعة حسنة وسنة اخللفاء الراشدين واألئمة املهتدين‪ ،‬وال يمنع كون احلديث عا َّم ًا خمصوصاً قوله‬
‫يش أء} أي‪ :‬كل‬
‫فيه‪(( :‬كل بدعة)) مؤكداً بكل‪ :‬بل يدخل ُه ختصيص مع ذلك كقوله تعاىل‪{ :‬تُدَ حم ُر ك َُّل َ ْ‬
‫يشء يقبل التدمري‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫صفة الفرق املبتدعة‬

‫س‪ :‬هل وصف لنا الرسول صىل اهلل عليه وسلم صفة الفرق املبتدعة؟‬

‫ج‪ :‬نعم‪ ،‬لقد وصف لنا الرسول صفة أهل البدع‪ ،‬أَّنم انطلقوا إىل آيات نزلت ك املْك ٍ فحملوها‬
‫عّل املؤمن ٍ كمثل قوله تعاىل‪َ { :‬ف َال تَدْ ُعوا َم َع اهللَِّ َأ َحدً ا (‪ })08‬وقوله تعاىل‪َ { :‬ف َال تَدْ ُعوا َم َع اهللَِّ‬
‫رض َك} وقوله‪{ :‬إِ َّن ا َّل ِذي َن تَدْ ُعو َن ِم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأ َحد ًا}‪ ،‬وقوله تعاىل‪َ { :‬و َال تَدْ ُع م ْن ُنون اهللَِّ َما َال َين ْ َف ُع َك َو َال َي ُ ه‬
‫ون اهللَِّ ِع َبا ٌن َأ ْمثَا ُلك ُْم}‪ ،‬وأشباه ذلك من اَليات الرصحية ك املْك ٍ الذين يعتقدون ألوهية غري‬ ‫ن ِ‬
‫ُ‬
‫ذلك واستحقاقه العبانة‪.‬‬
‫قال العلامء نفع اهلل هبم‪ :‬وكالمهم هذا كله تلبيس ك الدين وتضليل عّل عوام املسلم ٍ‪ ،‬فإ َّن أحداً من‬
‫املؤمن ٍ املوحدين مل يعتقد هذا االعتقان أصالً فكيف جيعلوَّنم بمنزلة هؤالء املْك ٍ سبحانك هذا‬
‫هبتان عظيم‪.‬‬
‫وقد ذكر العلامء‪ :‬أنه ليست ُّلؤالء الفرقة الشاذة قواعد يستندون إليها وال يش ء من املذاهب يعولون‬
‫عليها وإنام أكثرهم من ضعفاء الطلبة امللحق ٍ بالعوام فليسوا ممن يشار إليهم وال يعدون من علامء‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫وقد تصدى للرن عّل هؤالء املبتدع ٍ مجاعة من العلامء املحقق ٍ الناصح ٍ هلل ورسوله ولعبانه‬
‫املؤمن ٍ‪ ،‬فبينوا للناس أحواُّلم وضالُّلم وأ َّلفوا ك ذلك الكتب الكثرية ككتاب (شفاء السقام) لإلمام‬
‫تقي الدين السبكي‪ ،‬و كتاب (شواهد احلق) لإلمام النبهاين‪ ،‬وكتايب (خالصة الكالم) و (الدرر‬
‫السنيَّة) للسيد العالمة أْحد بن زيني نحالن‪ ،‬وكتاب (غوث العبان) للشيخ العالمة أبو يوسف‬
‫َّ‬
‫احلاممي‪ ،‬وكتاب (فرقان القرآن) للشيخ العالمة سالمة القضاعي‪ ،‬وكتاب (صلح األخوان) للشيخ‬
‫ناون األفندي‪ ،‬وكتاب (براءة األشعري ٍ من عقائد املخالف ٍ) أليب حامد ابن مرزوق‪ ،‬و (الصواعق‬
‫اإلُّلية) للشيخ سليامن بن عبدالوهاب‪ ،‬وكتاب ( َن َفس الرْحن) للعالمة إسامعيل بن مهدي الغرباين‪،‬‬
‫وكتاب (اجلوهر املنَظم) لإلمام ابن حجر‪ ،‬إىل غري ذلك‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫التحذير من تكفري املسلمني‬

‫س‪ :‬هل جيوز للمسلم أن يكفر أحداً من أهل (ال إله إال اهلل)؟‬
‫ج‪ :‬ال جيوز‪ .‬فإن ذلك أمر خطري ال يتجارس عليه إال من أضله اهلل وأغواه وساء ظنّه واتبع هواه‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫س‪ :‬ما الدليل عىل ذلك؟‬
‫ج‪ :‬قد ثبت ك احلديث الصحيح أن النبي صّل اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬إذا ك َّفر الرجل أخاه فقد باء هبا‬
‫أحدمها‪ ،‬إ ْن كان كام قال وإالّ رجعت إليه)) رواه مسلم‪.‬‬
‫قال اإلمام أبوبكر الباقالين رْحه اهلل‪ :‬إ َّن إنخال ألف كافر ك اإلسالم بشبهة إسالم واحدة أهون من‬
‫تكفري مسلم واحد بألف شبهة كفر‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫فإذا كان هذا ك تكفري مسلم واحد فام بال من يتجارس عّل تكفري مجهور املسلم ٍ وحيكم عليهم‬
‫بالْك بمجرن ما صدر منهم من التوسل والتربك بآثار الصاحل ٍ مع ُتقيق إيامَّنم وامتالء قلوهبم‬
‫بتوحيد اهلل رب العامل ٍ‪.‬‬
‫الرن عّل من يزعم ذلك ويسلك ك هذا املذهب الذي ك املهالك‪ ،‬قول الصانق صلوات اهلل‬
‫ويكفي ك َّ‬
‫وسالمه عليه‪(( :‬إ َّن الشيطان قد أيس أن يعبده املصلون ك جزيرة العرب ولكن ك التحريش بينهم))‬
‫رواه مسلم و الرتمذي‪ ،‬فقد شهد صّل اهلل عليه وسلم ك هذا احلديث بأن املصل ٍ ك هذه األمة ال‬
‫يعبدون غري اهلل أبدا وال يْكون مع اهلل إُّل ًا آخر‪ ،‬وك رواية أنه صّل اهلل عليه وسلم قال ك حجة‬
‫الوناع‪(( :‬إ َّن الشيطان قد أيس أن يعبد بأرضكم هذه بعد هذا اليوم أبدا ولكنه ريض منكم بام نون‬
‫ذلك مما ُتتقرون من أعاملكم فاحذروا عّل نينكم))‪ ،‬وهو صّل اهلل عليه وسلم الصانق املصدوق‬
‫وحي يوحى‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫الذي ال ينطق عن اُّلوى إ ْن هو إالّ‬

‫‪32‬‬
‫يف حقيقة العبادة‬

‫س‪ :‬ما معنى العبادة؟‬

‫ج‪ :‬ذكر العلامء املحققون أن العبانة رشعا هي‪ :‬اإلتيان بأقَص غاية اخلضوع مع اعتقان ربوبية‬
‫املخضوع له أو يشء من خصائصها‪ ،‬كاستقالل بالنفع والرض‪ .‬وأما مع انتفاء هذا االعتقان فال يكون‬
‫املأيت به عبانة أصال ولو كان ذلك سجونا فضال عام نونه‪ ،‬ويدل لذلك أمر اهلل تعاىل املالئكة بأن‬
‫يسجدوا َلنم فسجدوا له‪ ،‬وحكى عن نبي اهلل يعقوب وامراته وأوالنه أَّنم سجدوا ليوسف‪ ،‬قال‬
‫تعاىل‪َ { :‬و َخ هروا َل ُه ُس َّجدً ا} (يوسف)‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن كثري ك تفسريها‪ :‬أي سجد له أبواه وإخوانه الباقون وكانوا أحد عْ رجال‪ ،‬وقد كان‬
‫سائغا ك رشائعهم إذا ُس ّلم عّل الكبري يسجدون له‪ ،‬ومل يزل هذا ك امللة جائزا من لدن آنم إىل رشيعة‬
‫عيسى عليه السالم‪ ،‬فحرم هذا ك هذه امللة‪ِ ،‬‬
‫وجع َل السجون خمتصا بجناب َّ‬
‫الرب تعاىل‪ ،‬ك احلديث‪:‬‬ ‫ُ‬
‫((أ ّن معاذاً قدم الشام فوجدهم يسجدون ألساقفهم َّ‬
‫فلام رجع سجد لرسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم‬
‫فقال‪ :‬ما هذا يا معاذ؟! فقال إين رأيتهم يسجدون ألساقفهم وأنت أحق أن ُيسجد لك‪ ،‬قال‪(( :‬لو‬
‫كنت آمراً أحداً أن يسجد ألحد ألمرت املرأة أن تسجد لزوجها)) رواه الرتمذي‪ .‬والغرض أن َّ هذا‬
‫كان جائزاً ك رشيعتهم‪ .‬اهـ‬

‫‪33‬‬
‫جمرن السجون لغري اهلل عبانة مطلقا ملا كان ذلك سائغ ًا ك نين من األنيان َلنه حينئذ كفر‪ ،‬وما‬
‫فلو أ َّن َّ‬
‫هو كفر ال خيتلف باختالو الْائع وال يأمر اهلل به ك ح ٍ من األحيان‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬و َال َي ْر َىض‬
‫ان ِه ا ْل ُك ْف َر}‪ .‬فعلم أن السجون وغريه من أنواع اخلضوع ال يكون عبانة رشعاً إال ّ باعتقان ما تقدم‪،‬‬
‫لِ ِعب ِ‬
‫َ‬
‫كسجون املْك ٍ َلُّلتم ونعائهم إياها حيث اعتقدوا ذلك‪ ،‬أي أَّنم كفروا بذلك العتقانهم فيام‬
‫سجدوا له االستقالل بالنفع والرض ونفوذ املشيئة ال حمالة مع اهلل تعاىل‪ ،‬وقد كانوا يعتربون أن اهلل هو‬
‫الرب األكرب وملعبوناِتم ربوبية نون ربوبيته وملقتىض ما ُّلم من الربوبية وجب ُّلم نفوذ املشيئة من اهلل‬
‫تعاىل‪ ،‬وأن شفاعتهم مقبولة ال ترن وليست متوقفة عّل إذنه تعاىل‪ ،‬يدل عّل ذلك قوله تعاىل منكراً ما‬
‫ْح ِن}‪ ،‬وقوله تعاىل‪َ { :‬أ ْم َُّل ُ ْم آَ ُِّل َ ٌة َمتْنَ ُع ُه ْم‬
‫الر ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْرصك ُْم م ْن ُنون َّ‬
‫ِ‬
‫اعتقدوه‪َ { :‬أ ْم َم ْن َه َذا ا َّلذي ُه َو ُجن ْدٌ َل ُك ْم َين ُ ُ‬
‫َرص َأ ْن ُف ِس ِه ْم َو َال ُه ْم ِمنَّا ُي ْص َح ُبو َن (‪ ،})22‬وغري ذلك من اَليات‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م ْن ُنونن َا َال َي ْستَطي ُعو َن ن ْ َ‬
‫وأ َّما ابتغاء املسلم إىل اهلل وسيلة وسؤاله إ ّياه مستشفعاً برسوله ونداؤه مستغيثا به ونذره وذبحه ألحد‬
‫من األنبياء واألولياء بقصد التصدق عنه ومتسحه وطوافه بقربه فليس ذلك كله من عبانة غري اهلل‬
‫بيشء‪ ،‬إ ْذ ال يوجد أحد من املسلم ٍ من يعتقد ربوبية غري اهلل أو يعتقد النفع والرض والتأثري ألحد‬
‫سواه‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫س‪ :‬وملاذا نرى بعض الناس يتجارس عىل تكفري املسلمني؟‬

‫ج‪ :‬اعلم أ َّن ُشبهة هؤالء الفرقة التي قد توصلوا هبا إىل تكفري املسلم ٍ قوُّلم‪( :‬كل عبانة لغري اهلل‬
‫وأض هلوا حيث يبنون‬
‫رشك)‪ ،‬هذا وإن كان صحيح ًا معلوم ًا لدى اخلاص والعام‪ ،‬ولكنهم قد َض ّلوا َ‬
‫عّل هذه القاعدة أموراً فاسدة ونعاوي كاذبة‪ ،‬كزعمهم كل نداء مليت أو لغائب ونذر وذبح لنبي أو‬
‫ويل وطواو ومتسح بقرب فهو عبانة لغري اهلل ومن يفعل شيئا من ذلك فهو كافر مْك باهلل‪.‬‬
‫وهذا جهل منهم وخطأ ِصيح خمالف ملا عليه أهل احلق واملذهب الصحيح‪ ،‬وذلك لعدم تفطنهم إىل‬
‫ما اعتربه الْع ك معنى العبانة وحقيقتها؛ أعني اإلتيان بأقَص غاية اخلضوع مع اعتقان ربوبية‬
‫املخضوع له أو يشء من خصائصها مع االستقالل بالنفع والرض‪ ،‬فاعلم ذلك و افهم وال ِتز َّل بك‬
‫ال َقدم‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫يف إثبات الشفاعة‬

‫س‪ :‬ما هي الشفاعة التي يعتقدها أهل التوحيد؟‬


‫ج‪ :‬الشفاعة التي يعتقدها أهل التوحيد هي‪ :‬نعاء الشافع للمشفوع له فيستجيبه اهلل بفضله ملن شاء‪.‬‬
‫س‪ :‬هل هي جائزة؟ وما الدليل عّل جوازها؟‬
‫ج‪ :‬نعم هي جائزة‪ ،‬والدليل عّل جوازها قوله تعاىل ك كتابه العزيز‪َ { :‬و َال َي ْش َف ُعو َن إِ َّال َملِ ِن ْارت ََىض}‬
‫ات َال ُتغْنِي َش َفا َعتُ ُه ْم َشيْئًا إِ َّال ِم ْن َب ْع ِد أَ ْن َي ْأ َذ َن اهللَُّ َملِ ْن َي َشا ُء‬
‫وقوله تعاىل‪{ :‬و َكم ِمن م َل أك ِك السامو ِ‬
‫َّ َ َ‬ ‫َ ْ ْ َ‬
‫َو َي ْر َىض (‪.})25‬‬

‫‪36‬‬
‫س‪ :‬فام هي الشفاعة التي نفاها القرآن وأبطلها؟‬
‫ج‪ :‬الشفاعة التي نفاها القرآن وأبطلها هي الشفاعة الْكية التي يعتقدها املْكون َلُّلتهم‪ ،‬وهي ما‬
‫كان بغري إذنه تعاىل ورضاه فإَّنم يرون أن شفاعتهم مقبولة ال ترن وليست متوقفة عّل إذن اهلل تعاىل‪.‬‬
‫أ َّما الشفاعة بإذنه ورضاه من عبانه املصطف ٍ األخيار لعصاة املوحدين فليس فيها حمذور‪ ،‬واعتقانها‬
‫من الدين‪ ،‬فإَّنا من باب الدعاء وهو تعاىل يستجيب للذين آمنوا وعملوا الصاحلات ويزيدهم من‬
‫فضله‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫التربك بآثار الصاحلني‬

‫س‪ :‬هل جيوز التربك بآثار الصاحلني؟‬


‫ج‪ :‬نعم‪ ،‬جيوز ذلك‪.‬‬
‫س‪ :‬ما الدليل عّل ذلك؟‬
‫ج‪ :‬لذلك أنلة كثرية من مجلتها ما ثبت من تربك الصحابة ريض اهلل عنهم و استشفاعهم بآثار النبي‬
‫صّل اهلل عليه وسلم‪ ،‬ك حياته وبعد مماته وك ذلك أحانيث وآثار كثرية نورن بعضها مع االختصار‪:‬‬
‫أخرج البخاري ومسلم عن سهل بن سعد ريض اهلل عنه ك الربنة التي استوهبها من النبي صّل اهلل‬
‫عليه وسلم فالَ َمه أصحابه عّل طلبها منه صّل اهلل عليه وسلم وكان البسها‪ ،‬فقال‪(( :‬إنام سألته إياها‬
‫عيل ُأكفن‬
‫لتكون كفني))‪ ،‬وك رواية‪(( :‬رجوت بركتها ح ٍ لبسها النبي صّل اهلل عليه وسلم‪َ ،‬ل ح‬
‫فيها))‪.‬‬
‫وأخرج مسلم ك صحيحه‪ :‬أ َّن أسامء بنت أيب بكر الصديق ك حديث قالت فيه‪(( :‬هذه ُجبَّة رسول اهلل‬
‫قبضت‬
‫ْ‬ ‫صّل اهلل عليه وسلم‪ ،‬فأخرجت إيل ُجبَّة طياليسية كَسوانية‪ ،‬قالت‪ :‬هذه كانت عند عائشة فلام‬
‫قبضتها فنحن نغسلها للمرىض فنستشفي هبا))‪ .‬وأخرج الشيخان عن عبداهلل بن موهب قال‪:‬‬
‫((أرسلتني ُأمي إىل أ حم سلمة ريض اهلل عنها بقدح من ماء‪ ،‬فجاءت بجلجل من فضة فيه شعر من شعر‬
‫النبي صّل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬فكان إذا أصاب اإلنسان ع ٍ أو يشء بعث إليها فتمخضه له فيْب‬
‫ْحر))‪.‬‬ ‫أ‬
‫شعرات ُ ْ‬ ‫فرأيت‬
‫ُ‬ ‫منه‪ ،‬فا َّطل ْع ُت ك اجللجل‬
‫وك الصحيح ٍ عن أ حم سليم‪(( :‬أَّنا فتحت عتيدِتا ‪ -‬أي صندوقها الصغري ‪ -‬فجعلت ُتن حَشف فيه‬
‫عرقه صّل اهلل عليه وسلم فتعرصه ك قواريرها‪ ،‬فقال النبي صّل اهلل عليه وآله وسلم ما تصنع ٍ يا أم‬
‫ت))‪ ،‬وهذا لفظ مسلم‪.‬‬ ‫سليم؟ فقالت‪ :‬يارسول اهلل نرجو بركته لصبياننا‪ ،‬فقال‪ :‬أصب ِ‬
‫َ ْ‬

‫‪38‬‬
‫وك صحيح مسلم عن أنس ريض اهلل عنه قال‪(( :‬لقد رأيت رسول اهلل صّل اهلل عليه وآله وسلم‬
‫واحلالق حيلقه وطاو به أصحابه فام يريدون أن تقع شعره إال ّ ك يد رجل منهم))‪ .‬فكان الصحابة‬
‫ريض اهلل عنهم بشعره صّل اهلل عليه وسلم للتربك واالستشفاء وقد ثبت أن خالد بن الوليد ريض اهلل‬
‫عنه كان يضع ك قلنسوته من شعرات النبي صّل اهلل عليه وسلم فسقطت قلنسوته ك بعض حروبه‪،‬‬
‫فشدَّ عليها يبحث عنها حتى أنكر عليه بعض الصحابة‬

‫لكثرة من قتل بسببها‪ ،‬فقال خالد‪ :‬مل أفعل ذلك بسبب القلنسوة بل ملا تضمنته من شعره صّل اهلل عليه‬
‫وسلم لئال أسلب بركتها وتقع ك أيدي املْك ٍ‪.‬‬
‫وك صحيح البخاري عن أيب جحيفة قال‪(( :‬أتيت النبي صّل اهلل عليه وسلم وهو ك قبة ْحراء من أنم‬
‫ورأيت بالالً أخذ وضوء النبي صّل اهلل عليه وسلم والناس يبتدون الوضوء فمن أصاب منه شيئاً‬
‫متسح به ومن مل يصب منه شيئاً أخذ من بلل صاحبه)) يعني‪ :‬للربكة واالستشفاء‪.‬‬
‫وك مسند اإلمام أْحد عن جعفر بن حممد قال‪(( :‬كان املاء يستنقع ك جفون النبي صّل اهلل عليه وسلم‬
‫ح ٍ غسلوه بعد موته فكان عيل ريض اهلل عنه حيسوه)) أي‪ :‬حيسو ذلك املاء من بركاته صّل اهلل عليه‬
‫فلام حرضته‬
‫وسلم‪ .‬و روي ((أن معاوية كان عنده يشء من شعره وقالمة ظفره صّل اهلل عليه وسلم‪َّ ،‬‬
‫الوفاة أوىص أ ْن يكون ذلك عّل عينيه وُتت لسانه)) ذكره النووي ك ِتذيب األسامء‪.‬‬
‫س‪ :‬ما ِحكمة التربك بآثار الصاحل ٍ؟‬
‫ج‪ :‬ذكر بعض العارف ٍ أن حكمة التربك بآثار الصاحل ٍ وأماكنهم وما يتصل هبم‪ :‬أ َّن أماكنهم متصلة‬
‫بثياهبم وثياهبم اشتملت عّل أجسانهم وأجسانهم اشتملت عّل قلوهبم وقلوهبم ك حرضة رهبم فإذا‬
‫رست بركتها إىل ما يتصل هبا وما جياورها‪ ،‬كقوله تعاىل‪:‬‬
‫أفاض اهلل عّل قلوهبم من الفيوضات الر َّبانيحة َ َ‬
‫ول} أي من أثر حافر فرس الرسول كام جاء ك التفسري‪.‬‬ ‫{ َف َق َب ْض ُت َق ْب َض ًة ِم ْن َأ َث ِر الرس ِ‬
‫َّ ُ‬

‫‪39‬‬
‫س‪ :‬هل التربك بآثار الصاحلني هو حقيقة التوسل بالذات؟‬
‫ج‪ :‬نعم‪ ،‬التربك بآثار الصاحل ٍ هو حقيقة التوسل بالذات وأن هذا جائز ومْوع‪ ،‬إ ْذ معناه أن يتخذ‬
‫أي واسطه إىل اهلل ك مقاصده ملا ثبت لتلك الواسطة عند اهلل من الفضل‪.‬‬
‫العبد وسيلة ْ‬

‫‪40‬‬
‫س‪ :‬ملاذا حيكم بأنه جائز ومرشوع؟‬
‫ج‪ :‬حيكم بأنه جائز ومْوع ألن هذا التربك منهم ‪ -‬أي الصحابة ك سائر كرباِتم ‪ -‬إ ّما أن يكون عبث ًا‬
‫ال معنى له وال بغية ُّلم فيه‪ ،‬فحاشاهم من هذا العمل األجوو‪ ،‬وحاشا رسول اهلل صّل اهلل عليه وآله‬

‫وسلم أ ْن ُي ّ‬
‫قرهم عّل ذلك‪.‬‬
‫فإذ ًا ال ُبد أ ْن يكون ُّلم غرض صحيح وغاية يطلبوَّنا وهو طلب الربكة والشفاعة والرْحة من اهلل تعاىل‬
‫بفضل تلك اَلثار الْيفة عند اهلل تعاىل‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫ُّ‬
‫التوسل‬

‫س‪ :‬ما معنى التوسل بأحباب اهلل؟‬


‫ج‪ :‬التوسل بأحباب اهلل هو جعلهم واسطة إىل اهلل تعاىل ك قضاء احلوائج ملا ثبت ُّلم عنده تعاىل من‬
‫القدر واجلاه مع العلم بأَّنم عبيد وخملوقون هلل ولكن اهلل قد جعلهم مظاهر لكل خري وبركة ومفاتيح‬
‫لكل رْحة‪.‬‬
‫فاملتوسل ك احلقيقة ال يسأل حاجته إال ّ من اهلل ويعتقد أن اهلل هو املعطي واملانع نون سواه‪ ،‬وإنام تقدم‬
‫إليه تعاىل باملحبوب ٍ لديه لكوَّنم أقرب منه إليه‪ ،‬فهو تعاىل يقبل نعاءهم وشفاعتهم ملحبته ُّلم‬
‫وملحبتهم له‪ ،‬واهلل حيب املحسن ٍ وحيب املتق ٍ وك احلديث القديس يقول اهلل تبارك وتعاىل‪(( :‬وال‬
‫يزال عبدي يتقرب إ َّيل بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبرصه الذي يبرص‬
‫به ويده التي يبطش هبا ورجله التي يميش هبا‪ ،‬ولئن سألني ألعطينه ولئن استعاذين ألعيذنه)) رواه‬
‫البخاري‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫س‪ :‬ما حكم التوسل بأحباب اهلل تعاىل؟‬

‫ج‪ :‬التوسل بأحباب اهلل تعاىل من النبي ٍ عليهم الصالة والسالم والصاحل ٍ ريض اهلل عنهم جائز‬
‫بإمجاع من يعتد بإمجاعهم من علامء املسلم ٍ‪ ،‬بل هو سبيل املؤمن ٍ وطريق عبان اهلل املرضي ٍ ومل يزل‬
‫معروف ًا سلف ًا وخلف ًا ومعلوم ًا لدى كل نين‪.‬‬
‫س‪ :‬كيف بمن زعم أن التوسل رشك وكفر وأن املتوسل ٍ مْكون وكافرون؟‬
‫ج‪ :‬ال عربة بمن شذ وفارق اجلامعة فزعموا أن التوسل رشك أو حرام وحكموا عّل املتوسل ٍ بكوَّنم‬
‫مْك ٍ وهذا واضح البطالن ألنه يؤني إىل إمجاع معظم األمة عّل احلرام أو اإلرشاك وذلك حمال‬
‫لثبوت عصمة هذه األمة املحمدية من االجتامع عّل الضاللة بإخبار رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم‬
‫حيث قال‪(( :‬سألت ريب أ ْن ال جتتمع أمتي عّل ضاللة فأعطانيها)) رواه اإلمام أْحد والطرباين‪ ،‬و‬
‫روى احلاكم عن ابن عباس مرفوع ًا‪(( :‬ال جيمع اهلل أمتي عّل الضاللة أبدا))‪َ ،‬و ورن‪(( :‬ما رآه‬
‫املسلمون حسناً فهو عند اهلل حسن))‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫س‪ :‬وهل عليه داللة من الكتاب؟‬
‫ج‪ :‬نعم‪ ،‬أما أنلة الكتاب عليه فقوله تعاىل‪َ { :‬يا َأ ه ََيا ا َّل ِذي َن َآ َمنُوا ا َّت ُقوا اهللََّ َوا ْبتَغُوا إِ َليْ ِه ا ْل َو ِسي َل َة} فهذا‬
‫أمر من اهلل تعاىل بابتغاء الوسيلة‪ .‬وهي كل ما جعله اهلل سبب ًا لِ هلز ْل َفى عنده ووصله إىل قضاء احلوائج‬
‫منه‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫س‪ :‬هل التوسل مقصور باألعامل فقط دون الذوات؟‬
‫أي الذوات الفاضلة‪ ،‬كالنبي‬
‫ج‪ :‬ال‪ ،‬فإن اَلية عامة فتشمل وسائل األعامل الصاحلة والعامل الصاحل ٍ ْ‬
‫صّل اهلل عليه وسلم وسائر األولياء املتق ٍ‪.‬‬

‫وأما من ا َّنعى جواز التوسل باألعامل نون الذوات و َق َرص مران اَلية عّل َّ‬
‫األول فال نليل عّل ذلك‬
‫لكون اَلية مطلقة‪ ،‬بل ْحلها عّل املعنى الثاين أقرب ألنه سبحانه أمر بالتقوى عبارة عن فعل‬
‫املأمورات واجتناب املنهيات‪ ،‬فإذا فَسنا ابتغاء الوسيلة باألعامل الصاحلة صار األمر فيه تكرار ًا‬
‫وتأكيد ًا‪ ،‬ولكن إذا أريد بالوسيلة الذوات الفاضلة كان تأسيساً وهو مقدم عّل التأكيد‪ ،‬وأيضاً فإنه إذا‬
‫جاز التوسل باألعامل مع كوَّنا أعراض خملوقه فالذوات املرضية عند اهلل أوىل باجلواز باعتبار ما فيها‬
‫من حيازة أعّل مراتب الطاعة واليق ٍ واملعرفة باهلل رب العامل ٍ‪.‬‬
‫ول َل َو َجدُ وا اهللََّ‬
‫الر ُس ُ‬
‫استَ ْغ َف َر َُّل ُ ُم َّ‬ ‫وقال اهلل تعاىل‪َ { :‬و َل ْو َأ ََّّن ُ ْم إِ ْذ َظ َل ُموا َأ ْن ُف َس ُه ْم َجا ُءو َك َف ْ‬
‫استَ ْغ َف ُروا اهللََّ َو ْ‬
‫وك}‪،‬‬ ‫ت ََّوا ًبا َر ِح ًيام (‪ })52‬وهذا ِصيح ك اختاذه صّل اهلل عليه وسلم وسيلة إىل اهلل تعاىل لقوله { َجا ُء َ‬
‫ول}‪ ،‬ولوال ذلك فام الفائدة من قوله‪َ { :‬جا ُء َ‬
‫وك}‪.‬‬ ‫الر ُس ُ‬
‫استَ ْغ َف َر َُّل ُ ُم َّ‬
‫وقوله‪َ { :‬و ْ‬

‫‪45‬‬
‫س‪ :‬هل جواز التوسل عام باألحياء واألموات؟‬
‫ج‪ :‬نعم‪ ،‬فإن اَلية أيضاً عامة ك حياته الدنيوية وبعد وفاته صّل اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫وقد ثبت بأَّنم أحياء ك قبورهم وأن أرواحهم ك حرضة رهبم‪ ،‬فمن توسل هبم وتوجه إليهم توجهوا‬
‫إىل اهلل تعاىل ك حصول مطلوبه‪ ،‬فاملسئول ك احلقيقة هو اهلل وهو الفاعل اخلالق نون سواه فإننا ‪-‬‬
‫معارش أهل السنة واجلامعة ‪ -‬ال نعتقد تأثرياً وال خلقاً وال نفعاً وال رضاً إالّ هلل وحده ال رشيك له‪،‬‬
‫واألنبياء واألولياء ال تأثري ُّلم ك يشء إنام يتربك هبم ويستغاث بمقامهم لكوَّنم أحباء اهلل تعاىل الذين‬
‫بسببهم يرحم اهلل عبانه فال فرق حينئذ ب ٍ كوَّنم أحياء أو أمواتا‪ ،‬فالفاعل ك احلالت ٍ هو اهلل عّل‬
‫احلقيقة‪.‬‬
‫وأما الذين يفرقون ب ٍ األحياء واألموات فكأَّنم يعتقدون التأثري لألحياء نون األموات‪ ،‬وهو باطل‬
‫مطلق ًا فإن اهلل خالق كل يشء‪.‬‬
‫س‪ :‬ما الدليل عّل جواز التوسل باألموات؟‬
‫ول َل َو َجدُ وا اهللََّ‬
‫الر ُس ُ‬
‫استَ ْغ َف َر َُّل ُ ُم َّ‬
‫استَ ْغ َف ُروا اهللََّ َو ْ‬ ‫ج‪ :‬قوله تعاىل‪َ { :‬و َل ْو َأ ََّّن ُ ْم إِ ْذ َظ َل ُموا َأ ْن ُف َس ُه ْم َجا ُء َ‬
‫وك َف ْ‬
‫ت ََّوا ًبا َر ِح ًيام (‪ .})52‬فإن اَلية عامة ك حياته صّل اهلل عليه وسلم الدنيوية وبعد وفاته صّل اهلل عليه‬
‫وسلم وانتقاله إىل احلياة الربزخية‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن القيم ك زان املعان عن أيب سعيد اخلدري قال‪ :‬قال رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬ما‬
‫خرج رجل من بيته إىل الصالة فقال‪ :‬اللهم إين أسألك بحق السائل ٍ عليك وبحق ممشاي هذا إليك‬
‫فإين مل أخرج بطر ًا وال أرش ًا وال ريا ًء وال سمع ًة‪ ،‬وإنام خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك‪،‬‬
‫أسألك أن تنقذين من النار وأن تغفر يل ذنويب فإنه ال يغفر الذنوب إال أنت‪ ،‬إال ّ وكل اهلل به سبع ٍ‬
‫ألف ملك يستغفرون له وأقبل اهلل بوجهه حتى يقيض صالته)) اهـ رواه ابن ماجة‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫و روى البيهقي وابن السنحيواحلافظ أبو نعيم أن من نعائه صّل اهلل عليه وسلم عند خروجه إىل‬
‫الصالة‪(( :‬اللهم إين أسألك بحق السائل ٍ عليك ‪ )) ...‬الخ (‪.)0‬‬

‫قال العلامء‪ :‬فهذا توسل ِصيح لكل عبد مؤمن ح َّياً أو ميتا‪ ،‬وع َّلم صّل اهلل عليه وسلم أصحابه هذا‬
‫الدعاء وأمرهم باإلتيان به وما من أحد من السلف واخللف إالّ كان يدعو هبذا الدعاء عند خروجه‬
‫للصالة‪.‬‬
‫وأيضاً ما أخرجه أبونعيم ك (املعرفة) والطرباين وابن حبان ك صحيحه عن أنس بن مالك ريض اهلل‬
‫عنه قال‪(( :‬ملا ماتت فاطمة بنت أسد أ هم عيل بن أيب طالب ريض اهلل عنهام ‪ -‬وذكر احلديث ‪ -‬وفيه‪ :‬أنه‬
‫صّل اهلل عليه وسلم اضطجع ك قربها (‪ ،)2‬وقال‪ :‬اهلل الذي حييي ويميت وهو حي ال يموت اغفر‬
‫ألمي فاطمة بنت أسد و َل حقنها حجتها و وسع عليها مدخلها بحق نبيك واألنبياء الذين من قبيل فإنك‬
‫أرحم الراْح ٍ ‪ )) ...‬احلديث‪.‬‬
‫فإَّنم أحياء‬
‫فانظر قوله‪(( :‬بحق األنبياء من قبيل))‪ ،‬فهو ِصيح ك جواز التوسل باألنبياء بعد وفاِتم َّ‬
‫ك برازخهم‪ ،‬وكذا ُك َّمل ورثتهم من الصديق ٍ األولياء‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــ‬

‫(‪ -)0‬ذكر العالمة حممد بن مرتىض الزبيدي ك رشحه لإلحياء ك تفسري السائل ٍ‪ :‬هم املترضعون إىل‬
‫اهلل بخالص طوياِتم‪ ،‬و هذا أخص أوصاو األولياء و الصاحل ٍ نفعنا اهلل هبم‪.‬‬
‫(‪ - )2‬ذكر أهل السري‪ :‬أَّنا كانت حمسنة إىل النبي صّل اهلل عليه وآله وسلم إذ كان ك حجر ع حمه أيب‬
‫اضطجعت ك قربها‬
‫ُ‬ ‫طالب؛ فلام ماتت توىل نفنها و اضطجع ك قربها و أشعرها قميصه‪ ،‬و قال‪":‬‬
‫ألخفف عنها ضغطة القرب و ألبستها قمييص لتلبس من ثياب اجلنة"‪ ،‬ففي ذلك نليل عّل استحباب‬
‫التربك بآثار الصاحل ٍ؛ فاعلم‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫بالنبي صىل‬
‫ِّ‬ ‫س‪ :‬إذا كان التوسل باألموات جائزاً فلامذا توسل اخلليفة عمر ابن اخلطاب بالعباس‪ ،‬ال‬
‫اهلل عليه وسلم؟‬
‫ج‪ :‬قال العلامء نفع اهلل هبم‪ :‬وأما توسل سيدنا عمر بالعباس ريض اهلل عنه فليس فيه نليل عّل عدم‬
‫جواز التوسل بغري األحياء‪ ،‬وإنام توسل عمر بالعباس نون النبي صّل اهلل عليه وسلم ليب ٍ للناس أن‬
‫التوسل بغري النبي جائز ال حرج فيه‪ ،‬وإنام خص العباس من سائر الصحابة إلظهار رشو أهل بيت‬
‫رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫س‪ :‬ما الدليل عىل ذلك؟‬

‫ج‪ :‬الدليل عّل ذلك أنه قد ثبت توسل الصحابة به صّل اهلل عليه وسلم بعد وفاته‪ .‬من ذلك ما رواه‬
‫البيهقي وابن أيب شيبة بإسنان صحيح‪(( :‬أ َّن الناس قحطوا ك خالفة عمر ريض اهلل عنه فجاء بالل بن‬

‫احلارث ريض اهلل عنه إىل قرب النبي صّل اهلل عليه وسلم‪ ،‬وقال‪ :‬يارسول اهلل‪ ،‬استسق ألُ ّمتك َّ‬
‫فإَّنم‬
‫هلكوا‪ ،‬فأتاه رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم ك املنام وقال‪ :‬ائت عمر ابن اخلطاب وأقرئه السالم‬
‫وأخربهم أَّنم ُي ْس َقون‪ ،‬فأتاه وأخربه فبكى عمر ريض اهلل عنه وسقوا))‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫س‪ :‬وأين حمل االستدالل من احلديث املذكور؟‬
‫ج‪ :‬وحمل االستدالل منه‪ ،‬هو فعل بالل وهو صحايب ومل ينكر عليه عمر ذلك وال غريه من أصحاب‬
‫رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم وريض اهلل عنهم‪ .‬ومن ذلك ما أخرجه الدارمي‪(( :‬أن أهل املدينة‬
‫قحطوا قحط ًا شديد ًا فشكوا إىل عائشة ريض اهلل عنها‪ ،‬فقالت‪ :‬انظروا إىل قرب النبي صّل اهلل عليه‬
‫كوى إىل السامء حتى ال بينه وب ٍ السامء سقف ففعلوا َف ُمطروا َم َطر ًا شديداً حتى‬
‫وسلم فاجعلوا منه ً‬
‫نبت العشب وسمنت اإلبل حتى ت َفتَّ َقت من الشحم فسمي عام ال َفت َقة‪.‬‬

‫واحلاصل‪ :‬أ َّن التوسل جائز سواء أكان باألعامل الصاحلة أم َّ‬
‫بالعامل الصاحل ٍ وسواء أكان باألحياء أم‬
‫باألموات بل التوسل واقع عّل كل حال حتى قبل خلقه صّل اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫س‪ :‬ما الدليل عىل أنه واقع قبل خلقه صىل اهلل عليه وسلم؟‬

‫ج‪ :‬روى احلاكم و الطرباين و البيهقي عن عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنه مرفوع ًا‪(( :‬ملَّا اقرتو آنم عليه‬
‫رب أسألك بحق حممد إال غفرت يل‪ ،‬فقال اهلل تعاىل‪ :‬فكيف عرفت حممد ًا ومل‬
‫السالم اخلطيئة‪ ،‬قال‪ :‬يا ح‬
‫رفعت رأيس فرأيت عّل قوائم‬
‫ُ‬ ‫رب ألنك ملا خلقتني بيدك ونفخت َّك من روحك‪،‬‬
‫أخلقه؟ فقال‪ :‬يا ح‬
‫فعرفت أنَّك مل تضف إىل اسمك إالّ أحب اخللق إليك‪،‬‬
‫ُ‬ ‫العرش مكتوب ًا (ال إله إال اهلل حممد رسول اهلل)‬
‫فقال اهلل‪ :‬صدقت يا آنم إنه ألحب اخللق إ َّيل‪ ،‬وإذ سألتني بحقه قد غفرت لك ولوال حممد ما‬
‫خلقتك))‪ .‬فآنم َّأول من توسل به صّل اهلل عليه وسلم‪ ،‬وإىل هذا التوسل أشار اإلمام مالك رْحه اهلل‬
‫ملا سأله اخلليفة املنصور وهو باملسجد النبوي‪ :‬أستقبل القبلة وأنعو أم أستقبل رسول اهلل صّل اهلل‬
‫عليه وسلم؟‬
‫ومل َ ترصو وجهك عنه وهو وسيلتك و وسيلة أبيك آنم إىل اهلل تعاىل‪ ،‬بل استقبله واستشفع‬ ‫فقال له‪ :‬أ‬

‫به فيشفعه اهلل فيك قال تعاىل‪َ { :‬و َل ْو َأ ََّّن ُ ْم إِ ْذ َظ َل ُموا َأ ْن ُف َس ُه ْم ‪ } ...‬إىل آخر اَلية‪ .‬ذكر ذلك القايض‬
‫عياض ك (الشفاء)‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫س‪ :‬ما كيفية التوسل؟‬
‫ج‪ :‬ذكر العلامء رْحهم اهلل أن التوسل بالذوات الفاضلة كالنبي صّل اهلل عليه وسلم وغريه من األنبياء‬
‫والصاحل ٍ عّل ثالثة أنواع‪:‬‬
‫‪ ... 0‬أ ْن يسأل اهلل تعاىل مستشفعاً هبم‪ ،‬كأن يقول املتوسل‪ :‬اللهم حإين أسألك بنبيك حممد أو بحقه‬
‫عليك أو أتوجه به إليك ك كذا‪.‬‬
‫َوسل به أ ْن يدعو اهلل له ك حوائجه‪ ،‬كأن يقول‪ :‬يارسول اهلل انع اهلل تعاىل أن‬
‫‪ ... 2‬أن يطلب من املُت َّ‬
‫يسقينا‪.‬‬
‫‪ ... 2‬أن يطلب نفس احلاجة منه ومرانه أن يتسبب ك قضائها له من اهلل بشفاعته ونعائه ربه فهو‬
‫راجع إىل النوع الثاين‪.‬‬
‫وهذه األنواع الثالثة ثابتة بالنصوص الصحيحة واألنلة الرصحية‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫األول؟‬
‫س‪ :‬ما دليل التوسل بالنوع َّ‬
‫األول‪ ،‬ما أخرجه الرتمذي واحلاكم و‬
‫ج‪ :‬فمن األحانيث الدالة عّل مْوعية التوسل بالنوع َّ‬
‫(‪ )50 /0‬البيهقي و الطرباين وصححوه عن عثامن بن حنيف ريض اهلل عنه‪(( :‬أن رجالً أعمى أتى‬
‫النبي صّل اهلل عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل انع اهلل أ ْن ُيعافيني‪ ،‬فقال‪ :‬إ ْن شئت نعوت وإ ْن شئت‬
‫عيل برصي‪ ،‬فأمره أن يتوضأ ويصيل ركعت ٍ ثم يدعو‬
‫صربت فهو خري لك‪ ،‬فقال‪ :‬فانع اهلل يل فقد شق َّ‬
‫ريب‬
‫اللهم إين أسألك وأتوجه إليك بنبيك حممد نبي الرْحة‪ ،‬يا حممد إين أتوجه بك إىل ح‬
‫هبذا الدعاء‪َّ (( :‬‬
‫اللهم فش حفعه َّك )) ففعل الرجل ذلك ثم رجع وقد أبرص‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ُقىض يل‪،‬‬
‫ك حاجتي هذه لت َ‬
‫فانظر كيف مل يدع النبي صّل اهلل عليه وسلم لألعمى بنفسه بل علمه كيف يدعو ويتوجه إىل اهلل‬
‫بجاهه وينانيه مستشفع ًا به‪ ،‬ففي ذلك نليل ِصيح عّل استحباب التوسل واالستغاثة بذات النبي‬
‫صّل اهلل عليه وسلم وليس هذا خاص بالرجل املذكور بل هو عام له ولغريه ك حياته صّل اهلل عليه‬
‫وسلم وبعد وفاته‪ ،‬فلم يزل اليلف واخللف من الصحابة والتابع ٍ ومن بعدهم يستعملون هذا الدعاء‬
‫لقضاء حوائجهم‪.‬‬
‫وقد روى الطرباين و البيهقي‪ :‬أ َّن راوي احلديث وهو عثامن بن حنيف ع َّلم الدعاء املذكور رجالً آخر‬
‫كانت له حاجة إىل عثامن بن عفان ريض اهلل عنه‪ ،‬وكان ذلك بعد وفاة رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫و َف ْه ُم الراوي ُحج ٌة ك مران احلديث كام تقرر ك علم األصول‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫س‪ :‬فام دليل التوسل بالنوع الثاين؟‬

‫النبي صّل اهلل‬


‫ج‪ :‬األنلة عّل ذلك كثرية‪ ،‬منها ما رواه البخاري عن أنس ريض اهلل عنه قال‪(( :‬بينام ه‬
‫عليه وسلم خيطب يوم اجلمعة؛ إذ نخل رجل من باب املسجد فاستقبل النبي صّل اهلل عليه وسلم‬
‫فنانى‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬هلكت األموال وانقطعت السبل فانع اهلل بغيثنا؛ فرفع صّل اهلل عليه وسلم‬
‫اللهم أغثنا (ثالث ًا)‪ ،‬قال أن ‪ ...‬س‪ :‬وال واهلل ما نرى ك السامء من سحاب فمطرنا يومنا هذا‬
‫َّ‬ ‫وقال‪:‬‬
‫والذي يليه إىل اجلمعة األخرى‪ ،‬فجاء ذلك الرجل أو غريه‪ ،‬وقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ِ ،‬تدمت البيوت‬
‫اللهم حوالينا وال علينا‪ ،‬فإنجاب السحاب‬
‫َّ‬ ‫وتقطعت السبل؛ فرفع يده صّل اهلل عليه وسلم وقال‪:‬‬
‫وخرجنا نميش ك الشمس))‪.‬‬
‫وك هذا احلديث الصحيح ناللة عّل أنَّه كام جيوز لإلنسان أن يرفع مسألته إىل اهلل بال توسط أحد‪ ،‬جيوز‬
‫أيض ًا أن يوسط ك ذلك من َج َعل ُه اهلل سبباً لقضاء حوائج عبانه من أحبابه تعاىل‪ ،‬وأيضاً فإن اإلنسان‬
‫يرى نفسه ملطخاً باملعايص أبعدته عن اهلل تعاىل فهو جدير باحلرمان من‬
‫ُتقيق مطالبه وقىض حاجاته‪ ،‬فألجل هذا يتقدم إليه تعاىل باملحبوب ٍ عنده مبتهالً إليه بجاههم‬
‫وحرماِتم لديه أن يقيض له حاجته ألجل هؤالء األحباب الذين ال يعرفون إال طاعة اهلل‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫س‪ :‬وما دليل التوسل بالنوع الثالث؟‬
‫ج‪ :‬األنلة عّل ذلك كثرية‪ ،‬منها ما رواه مسلم عن ربيعة بن مالك األسلمي ريض اهلل عنه قال‪(( :‬قال‬
‫يل النبي صّل اهلل عليه وسلم‪ :‬سل ما شئت‪ ،‬فقلت‪ :‬أسألك مرافقك ك اجلنة‪ ،‬فقال‪ :‬أو غري ذلك؟‬
‫قلت‪ :‬هو ذاك‪ ،‬قال‪ :‬فأعنحي عّل نفسك بكثرة السجون))‪.‬‬
‫وصح أيض ًا أن قتانة بن نعامن أصيب بسهم ك عينه يوم أحد فسالت عّل خده فجاء إىل رسول اهلل‬
‫َّ‬
‫فخريه ب ٍ الصرب وب ٍ أن يدعو له‪ ،‬فاختار الدعاء‬
‫صّل اهلل عليه وسلم وقال‪ :‬عيني يارسول اهلل‪َّ ،‬‬
‫فر َّنها عليه السالم بيده الْيفة إىل موضعها فعانت كام كانت‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫االستغاثة‬

‫س‪ :‬ما معنى االستغاثة؟‬

‫ج‪ :‬االستغاثة هي طلب العبد اإلغاثة واملعونة ممن يسعفه ويدفع عنه عند الوقوع ك شدة أو نحوها‪.‬‬
‫س‪ :‬فهل جيوز طلب اإلغاثة من غري اهلل؟‬
‫ج‪ :‬نعم‪ ،‬جيوز طلبها من غريه تعاىل باعتبار أ َّن املخلوق ‪ -‬املستغاث به ‪ -‬سبب و واسطة‪ ،‬فإن اإلغاثة‬
‫وإن كانت من اهلل عز وجل عّل احلقيقة فال يناك أن اهلل تعاىل جعل لذلك أسباب ًا و وسائط أعدَّ ها له‪،‬‬
‫والدليل عّل ذلك قوله صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬واهلل ك عون العبد ما كان العبد ك عون أخيه)) رواه‬
‫مسلم‪ .‬وقوله صّل اهلل عليه وسلم ك حقوق الطريق‪(( :‬وأن تغيثوا امللهوو وِتدوا الضال)) رواه أبو‬
‫ناون‪ .‬فنسب اإلغاثة إىل العبد وأضافها إليه وندب العبان أن يع ٍ بعضهم بعضا‪ ،‬فاملستع ٍ بغري هلل ال‬
‫يطلب منه أن خيلق شيئاً وإنام قصده منه أن يدعو اهلل له ك ختليصه من شدة مثالً‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫س‪ :‬ما الدليل عىل مرشوعية االستغاثة؟‬
‫ج‪ :‬لذلك أنلة كثرية‪ ،‬منها ما رواه البخاري ك صحيحه أن النبي صّل اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬إ َّن‬
‫الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف اإلذن‪ ،‬فبينام هم كذلك استغاثوا بآنم ثم بموسى ثم‬
‫بمحمد صّل اهلل عليه وسلم ‪ )) ...‬احلديث‪ ،‬فقد أمجع أهل املوقف كلهم عّل جواز االستغاثة باألنبياء‬
‫عليهم السالم وذلك بإُّلام من اهلل تعاىل ُّلم وك ذلك ّ‬
‫أنل نليل عّل مْوعية االستغاثة بغري اهلل‪.‬‬
‫ومنها ما رواه الطرباين أنه صّل اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬إذا ضل أحدكم ‪ -‬أي عن الطريق ‪ -‬أو أران‬
‫عون ًا وهو بأرض ليس فيها أنيس‪ ،‬فليقل‪ :‬ياعبان اهلل أغيثوين)) وك رواية‪(( :‬أعينوين فإن هلل عبان ًا ال‬
‫تروَّنم))‪ .‬فهذا احلديث ِصيح ك جواز االستغاثة والنداء بالغائب ٍ من األحياء واألموات‪ ،‬واهلل‬
‫أعلم‪.‬‬

‫وقال السيد اإلمام أْحد بن زيني نحالن رْحه اهلل ك كتابه (خالصة الكالم)‪ :‬واحلاصل أم مذهب أهل‬
‫السنة واجلامعة جواز التوسل واالستغاثة باألحياء واألموات‪ ،‬ألننا ال نعتقد تأثرياً وال َ نفعاً وال َ رضاً‬
‫إالّ هلل وحده الَ رشيك له‪ ،‬واألنبياء ال تأثري ُّلم ك يشء وإنام يتربك هبم ويستغاث بمقامهم لكوَّنم‬
‫أح َّباء اهلل تعاىل‪ ،‬والذين ُيفرقون ب ٍ األحياء واألموات هم الذين يعتقدون التأثري لألحياء نون‬
‫يش أء َو ِك ٌيل (‪َ { ،})52‬واهللَُّ َخ َل َق ُك ْم َو َما‬ ‫األموات ونحن نقول‪{ :‬اهللَُّ َخالِ ُق ك حُل َ أ‬
‫يشء َو ُه َو َع َّل ك حُل َ ْ‬
‫ْ‬
‫َت ْع َم ُلو َن (‪.})15‬‬

‫‪57‬‬
‫فاستعن باهلل))؟‬
‫ْ‬ ‫استعنت‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫فاسأل اهللَ وإذا‬ ‫سألت‬
‫َ‬ ‫س‪ :‬ما معنى حديث‪(( :‬إذا‬
‫ج‪ :‬احلديث املذكور ه‬
‫يدل عّل أن قضاء احلاجات واإلعانات من اهلل تعاىل عّل احلقيقة‪ ،‬ولكن قد جرت‬
‫عانة اهلل أن يع ٍ عبده بواسطة وبغريها‪ ،‬فيجوز سؤال غريه واالستعانة به بمعنى طلب املعونة منه عّل‬
‫وجه التسبب ملعونة اهلل تعاىل مع االعتقان أ َّن املعطي حقيقة هو اهلل نون غريه‪ ،‬فال يصح االستدالل‬
‫هبذا احلديث عّل منع االستغاثة ال جتوز إال ّ باهلل فقد خالفنا الكتاب والسنَّة ألن الشارع قد أضاو‬

‫اونُوا َع َّل ا ْل ِ ح‬
‫رب َوالتَّ ْق َوى}‪،‬‬ ‫اإلغاثة إىل غريه وندب العبان أ ْن يع ٍ بعضهم بعض ًا‪ ،‬فقال تعاىل‪َ { :‬و َت َع َ‬
‫وغري ذلك من األحانيث املتقدم ذكرها‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫س‪ :‬ما حكم نداء غري اهلل؟‬
‫ج‪ :‬جيوز نداؤه سواء كان حياً أو ميت ًا ليتوجه إىل اهلل ك شأنه وذلك باتفاق العلامء واألئمة األعالم ومل‬
‫يقل أحد بكراهته فضالً عن الْك واحلرام‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫س‪ :‬هل يكون النداء عبادة؟‬

‫ج‪ :‬قال العلامء رْحهم اهلل‪ :‬النداء ال يكون عبانة إال ّ إذا اعتقد املناني أن املدعو مستقل بالنفع والرض‬
‫أو نافذ املشيئة مع اهلل ال حمالة فهذا رشك العتقانه ك خصيصة من خصائص الربوبية‪ ،‬وأما إذا مل يعتقد‬
‫ذلك فليس بعبانة قطع ًا‪ ،‬فلو نعا اإلنسان رئيسه أن ينرصه عّل با أغ أو يغيثه من شدة وهو يعتقد أنه ال‬
‫رض ولكن اهلل جعله سبب ًا ك جمرى العانة يقيض عّل يديه ما شاء‪ ،‬فال يكون‬
‫يستقل بجلب نفع أو نفع ّ‬
‫ذلك عبانة له‪ .‬فلو كان كل نداء عبانة المتنع نداء احلي وامليت الستوائهام ك عدم التأثري بدون تقدير‬
‫اهلل‪ ،‬وهذا ال يقوله أحد من املسلم ٍ‪.‬‬
‫ونقل ابن القيم رْحه اهلل ك (الكلم الطيب) أن الصحابة رضوان اهلل عليهم كان شعارهم ك قتال أهل‬
‫الرنة يوم الياممة (واحممداه) وكان ذلك بعد وفاته صّل اهلل عليه وسلم ك خالفة الصديق ريض اهلل‬
‫عنه‪ ،‬وثبت أن ابن عباس وابن عمر ريض اهلل عنهام قاال‪(( :‬إذا خدرت رجل أحدكم فلينان‪:‬‬
‫ياحممد))‪.‬ذكره ابن الق حيم ىف الكلم الطيب‪ .‬وروي أن عبداهلل ابن عمر ريض اهلل عنهام خدرت رجله‬
‫فقيل له‪ :‬اذكر أحب الناس إليك يزيل عنك فصاح‪ :‬يا حممداه‪ ،‬ذكره القايض عياض ك (الشفاء)‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫حياة األنبياء عليهم السالم‬

‫س‪ :‬هل األنبياء أحياء يف قبورهم؟‬


‫العامل‪ ،‬وقد‬ ‫ج‪ :‬األنبياء وكذا الشهداء ك قبورهم حياة برزخية يطلعون عّل ما شاء اهلل ك أحوال هذا َ‬
‫نص القرآن العظيم عّل حياة الشهداء ك برازخهم‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬و َال َت ُقو ُلوا ملَِ ْن ُي ْقت َُل ِك َسبِ ِ‬
‫يل اهللَِّ‬
‫ات َب ْل َأ ْحيَا ٌء َو َل ِك ْن َال ت َْش ُع ُرو َن (‪ })062‬وال شك أن حياة األنبياء عليهم السالم وك َُّمل ورثتهم‬ ‫َأ ْم َو ٌ‬
‫من األصفياء أتم وأكمل من حياة الشهداء لكوَّنم أعّل مرتبة منهم بدليل قوله تعاىل‪َ { :‬ف ُأ ْو َل ِئ َك َم َع‬
‫الصدح ِيق َ‬
‫ ٍ َو ه‬
‫الش َهدَ اء} اَلية‪.‬‬ ‫ا َّل ِذي َن َأ ْن َع َم اهللُّ َع َليْ ِهم حم َن النَّبِيح َ‬
‫ ٍ َو ح‬

‫‪61‬‬
‫س‪ :‬هل ورد يف السنة الترصيح بحياهتم؟‬
‫ج‪ :‬نعم‪ ،‬قد جاء باألحانيث الصحيحة ما يقتيض بقاءهم وأ َّن األرض وال تأكل أجسانهم‪ ،‬فروى‬
‫مسلم عن أنس ريض اهلل عنه أن النبي صّل اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬أتيت ليلة ُأرسي يب عّل موسى قائ ًام‬
‫عّل قربه ك الكتب األْحر))‪.‬‬
‫وأخرج أْحد وأبو ناون و الرتمذي وغريهم مرفوع ًا‪(( :‬إ َّن من أفضل أيامكم يوم اجلمعة فأكثروا من‬
‫عيل‪ ،‬فقالوا‪ :‬كيف تعرض صالتنا عليك وقد أرمت ‪ -‬أي بليت ‪-‬‬
‫عيل فإن صالتكم معروضة ّ‬
‫الصالة َّ‬
‫؟ قال‪ :‬إ ّن اهلل حرم عّل األرض أن تأكل أجسان األنبياء)) و َورن أيض ًا أَّنم يصلون وجتري ُّلم أعامل‬
‫الرب كحياِتم‪ ،‬فروى البيهقي وأبو يعّل مرفوع ًا‪(( :‬األنبياء أحياء ك قبورهم يصلون))‪.‬‬
‫قال العلامء‪ :‬وال يعارض ذلك ما قد تقرر أ ّن اَلخرة ليست بدار تكليف وال عمل‪ ،‬فقد ُتصل األعامل‬
‫من غري تكليف بل عّل سبيل التلذذ هبا فقط‪.‬‬
‫كام أنه ال يعارض ما تقدم من حياة األنبياء قوله صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬ما من أحد يسلم عيل إال ّ ر َّن‬

‫عيل روحي حتى ُأر ّن عليه السالم))‪ ،‬فإ ّن معنى ّ‬


‫الرن هنا‪ :‬هو َر ّن معنى الروح من حيثية يشعر‬ ‫اهلل ّ‬
‫الرسول عليه السالم من يسلم عليه من أمته‪ ،‬فعرب بالبعض عن الكل‪ ،‬ففي احلديث حذو املضاو‪،‬‬
‫فيكون املعنى‪ :‬ر َّن اهلل معنى الروح أو لوازمه التي منها النطق‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫وعن عائشة ريض اهلل عنه قالت‪(( :‬كنت أنخل بيتي الذي فيه رسول اهلل وأيب‪ ،‬وإين واضع ثويب‪،‬‬

‫فلام ُنفن عمر معهم فواهلل ما نخلت إالّ وأنا مشدونة َّ‬
‫عيل‬ ‫وأقول‪ :‬إنام هو زوجي وأيب‪ّ ،‬‬
‫ثيايب حيا ًء من عمر)) رواه اإلمام أْحد‪ ،‬وهذا ّ‬
‫يدل عّل أن سيدتنا عائشة ريض اهلل عنه ال ت َُشك أن‬
‫سيدنا عمر يراها‪ ،‬وُّلذا ُتفظت بالتسرت إذا أرانت الدخول عليه بعد نفنه ك بيتها‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫س‪ :‬هل حتصل لنا نفاعة من األموات يف الدنيا أم ال؟‬

‫ج‪ :‬نعم‪ ،‬امليت ينفع احلي‪ ،‬فقد ثبت أَّنم يدعون لألحياء ويشفعون ُّلم‪ ،‬قال اإلمام عبداهلل بن علوي‬
‫احلدان ريض اهلل عنه ونفعنا به‪ :‬إ ّن األموات أكثر نفع ًا لألحياء منهم ُّلم‪ ،‬أل ّن األحياء مشغولون عنهم‬
‫َهب حم الرزق‪ ،‬واألموات قد جترنوا عنه وال ُّلم َه ٌّم إال ّ فيام قدموه من األعامل الصاحلة ال َ تعلق ُّلم إالّ‬
‫بذلك كاملالئكة‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫س‪ :‬ما الدليل عىل حصول النفع لألحياء من األموات؟‬
‫ج‪ :‬الدليل عّل ذلك ما رواه اإلمام أْحد عن أنس ريض اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صّل اهلل عليه‬
‫وسلم‪(( :‬إ ّن أعاملكم تُعرض عّل أقاربكم وعشائركم‪ ،‬فإ ْن كان خري ًا استبْوا وإ ْن كان غري ذلك‬
‫قالوا‪ :‬اللهم ال َ ُمتِت ُهم حتّى ِتدَيم كام هديتنا))‪.‬‬
‫و روى البزار بإسنان صحيح عن ابن مسعون عن النبي صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬حيايت خري لكم‬
‫عيل أعاملكم‪ ،‬فام رأيت من خري ْحدت اهلل وما رأيت‬
‫ُتدثون وحيدث لكم ووفايت خري لكم تعرض َّ‬
‫وأي منفعة أعظم من استغفاره صّل اهلل عليه وسلم ح ٍ‬
‫من رش استغفرت لكم))‪ ،‬قال العلامء‪ّ :‬‬
‫يعرض عليه عمل امليسء من أمته‪.‬‬
‫وقال بعض املحقق ٍ‪ :‬ومن أعظم نليل عّل نفاعة األموات لألحياء ما وقع لسيدنا رسول اهلل صّل اهلل‬
‫عليه وسلم ليلة اإلرساء ح ٍ فرض عليه مخس ٍ صالة فأشار عليه نبي اهلل موسى عليه السالم بأن‬
‫يراجع ربه ويسأله التخفيف‪ ،‬كام ورن ذلك ك الصحيح‪ .‬فسيدنا موسى عليه السالم قد مات وقتئذ‬
‫وسائر األمة املحمدية إىل يوم القيامة ك بركته حيث وقع عنهم التخفيف من مخس ٍ صالة إىل مخس‬
‫صلوات بواسطته عليه السالم‪ ،‬و تلك من أعظم املنافع وأجل الفوائد‪.‬‬

‫واعلم أن ما تقدم ال يناك قوله صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬إذا مات ابن آنم انقطع عمله إالّ من ثالث ‪...‬‬
‫)) الخ‪ ،‬فإن املران انقطع عمله لنفسه‪ ،‬أي عمل التكليف الذي يزان به الثواب‪ ،‬فهو الذي ينقطع‬
‫باملوت‪ .‬وأ ّما عمله لغريه كدعائه واستغفاره لألحياء فليس ك احلديث ما ّ‬
‫يدل عّل انقطاعه‪ ،‬بل قد‬
‫ثبت بقاؤه بعد املوت كام سبق‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫زيارة القبور‬

‫س‪ :‬ما حكم زيارة القبور؟‬


‫ج‪ :‬زيارة القبور للرجل ُسنَّة مستحبَّة‪ ،‬وكانت زيارِتا منهي ًا عنها ك صدر اإلسالم ثم نسخت بقوله‬
‫صّل اهلل عليه وسلم وفعله؛ روى مسلم ك صحيحة أنه صّل اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬كنت َّنيتكم عن‬
‫فإَّنا ترق القلب وتدمع الع ٍ وتذكر اَلخرة))‪ ،‬و‬
‫زيارة القبور فزوروها))‪ ،‬و زان ك رواية البيهقي (( ّ‬
‫روى مسلم أيضاً عن عائشة ريض اهلل عنها ((أنه صّل اهلل عليه وسلم كان خيرج إىل البقيع فيقول‪:‬‬
‫السالم عليكم نار قوم مؤمن ٍ وإنَّا إن شاء اهلل بكم الحقون اللهم اغفر ألهل بقيع الغرقد))‪.‬‬
‫قال العلامء رْحهم اهلل‪ :‬وقد كانت زيارة القبور من عانته صّل اهلل عليه وسلم وزارها أصحابه ك ‬
‫حياته وع َّلمهم صّل اهلل عليه وسلم كيف يزوروَّنا‪ ،‬وأمجعت األمة عّل استحباهبا ألجل التذكرة‬
‫واالعتبار ومل تزل مْوعة ك سائر األقطار واألمصار‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫س‪ :‬ما حكم زيارة القبور للنساء؟‬

‫ج‪ :‬ذكر أهل العلم أن زيارِتا للنساء مكروهة خوف ًا من اجلزع لكثرة حزَّنن وقلة احتامُّلن املصائب‪.‬‬
‫ويستثنى قبور األنبياء والصلحاء والعلامء فتسن ُّلن زيارِتا للتربك عّل أن بعضهم رخص ُّلن زيارة‬
‫القبور مطلقاً ملا ثبت ((أنه صّل اهلل عليه وسلم رأى امرأة بمقربة تبكيفقال ُّلا‪ِ ":‬‬
‫اتق اهلل و اصربي "‬
‫رواه البخاري ومسلم فأمرها بالصرب ومل ينكر عليها‪ .‬و ملا روى مسلم ((أن النبي صّل اهلل عليه وسلم‬
‫ع َّلم عائشة ريض اهلل عنها الدعاء عند زيارِتا القبور‪ ،‬وقال ُّلا‪ :‬قويل‪ :‬السالم عليكم أهل الديار من‬
‫املؤمن ٍ واملسلم ٍ ويرحم اهلل املستقدم ٍ منا واملستأخرين وإنا إ ْن شاء اهلل بكم الَحقون))‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫س‪ :‬ما تأويل قوله صىل اهلل عليه وسلم‪(( :‬لعن اهلل ز ََّوارات القبور))؟‬
‫ج‪ :‬احلديث املذكور حممول عند العلامء املحقق ٍ إذا كانت زيارِتن لتعديد شامئل امليت والبكاء‬
‫والنياحة مما جرت به عانِتن ك اجلاهلية فإ ّن مثل هذه الزيارة حرام باالتفاق‪ ،‬أ ّما إذا كانت ساملة مما‬
‫ذكر فليست بحرام وال تدخل ك الوعيد املذكور‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫س‪ :‬ما حكم الرحلة لزيارته صىل اهلل عليه وسلم وسائر األنبياء واألولياء؟‬
‫ج‪ :‬زيارته صّل اهلل عليه وسلم من أعظم القربات وكذا الرحلة إليها قربة مستحبة ومثلها ك ‬
‫االستحباب قبور األنبياء واألولياء والشهداء ألجل التربك واالعتبار وفيها من اخلريات والربكات‬
‫والنفحات ما شاء اهلل تعاىل فكان ك الرحلة إليها فائدة أي فائدة‪ ،‬فينبغي االهتامم هبا مع االلتزام‬
‫بآناهبا‪ ،‬وال ترتك زيارِتم حلصول يشء من البدع بل عّل اإلنسان فعلها وإنكار البدع وإزالتها‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫س‪ :‬ما دليل استحباب الرحلة للزيارة؟‬

‫الر ُس ُ‬
‫ول‬ ‫استَ ْغ َف َر َُّل ُ ُم َّ‬
‫استَ ْغ َف ُروا اهللََّ َو ْ‬ ‫ج‪ :‬يدل لذلك قوله تعاىل‪َ { :‬و َل ْو َأ ََّّن ُ ْم إِ ْذ َظ َل ُموا َأ ْن ُف َس ُه ْم َجا ُء َ‬
‫وك َف ْ‬
‫ِ‬
‫حي ك قربه‪ ،‬فكان املجيء بعد‬ ‫َل َو َجدُ وا اهللََّ ت ََّوا ًبا َرح ًيام (‪ .})52‬وقد ثبت أنه صّل اهلل عليه وسلم ٌّ‬
‫وفاته كاملجيء ك حياته ومن أنلة ذلك أيضاً قوله صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬من حج فزار قربي بعد‬
‫وفايت فكأنام زارين ك حيايت)) رواه البيهقي و الدارقطني و الطرباين‪ ،‬وقال عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫((من حج ومل يزرين فقد جفاين)) رواه الدارقطني‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫س‪ :‬فام معنى قوله صىل اهلل عليه وسلم‪(( :‬الت َُشدّ الرحال إال إىل ثالثة مساجد ‪ )) ...‬احلديث‪.‬‬
‫ج‪ :‬قال العلامء‪ :‬وأ ّما قوله صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬ال تشد الرحال إال ّ إىل ثالثة مساجد)) فليس املران‬
‫منع شد الرحال مطلق ًا إالّ إىل هذه املساجد إ ْذ يلزم من ذلك أ ْن ال َ تشد الرحال إىل عرفات ومنى‬
‫ولزيارة الوالدين وطلب العلم واجلهان والتجارة وال يقول هبذا أحد‪ ،‬بل معنى احلديث‪ :‬ال يستحق‬
‫شد الرحال إىل يشء من املساجد لفضيلته إذ املساجد كلها متساوية ك الفضل إال إىل املساجد الثالثة‬
‫التي تضاعف فيها الصالة‪ ،‬فاجلملة إخبارية ال إنشائية‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫األموات يشعرون و يسمعون‬

‫س‪ :‬هل األموات يشعرون ويسمعون وماذا يفعل ويقال عندهم؟‬


‫ج‪ :‬نعم‪ ،‬ومن أجل ذلك رشع النبي صّل اهلل عليه وسلم زيارة األموات والتسليم عليهم بصيغة‬
‫اخلطاب‪ ،‬وكان صّل اهلل عليه وسلم كثري ًا ما يزور أهل البقيع بقوله‪(( :‬السالم عليكم نار قوم مؤمن ٍ‬
‫وإنّا إ ْن شاء اهلل بكم الحقون أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع)) وحاشاه صّل اهلل عليه وسلم أن يسلم‬
‫عّل قوم ال يسمعون وال يعقلون‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫س‪ :‬ما الدليل عىل ذلك؟‬

‫ج‪ :‬روى ابن أيب الدنيا ك كتاب القبور عن عائشة ريض اهلل عنها أن النبي صّل اهلل عليه وسلم قال‪:‬‬
‫((ما من رجل يزور قرب أخيه فيجلس عنده إالّ استأنس به ورنت عليه روحه حتى يقوم من عنده))‪.‬‬
‫وك سنن أيب ناون عن النبي صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬ما من رجل يمر بقرب أخيه كان يعرفه بالدنيا فسلم‬
‫عليه إال ّ ُر ّنت عليه روحه حتى يرن عليه السالم))‪.‬‬
‫وذكر العالمة ابن القيم ك (زان املعان) ك الكالم عّل خصائص يوم اجلمعة‪ :‬أن املوتى تدنو أرواحهم‬
‫ك قبورهم وتوافيها ك يوم اجلمعة زوارهم ومن يمر هبم ويسلم عليهم ويلقاهم ك ذلك اليوم أكثر‬
‫من معرفتهم ك غريه من األيام‪ .‬اهـ‬

‫‪72‬‬
‫نت بِ ُم ْس ِم ٍع َّمن ِيف الْ ُقبُ ِ‬
‫ور}؟‬ ‫س‪ :‬ما معنى قوله تعاىل‪َ { :‬و َما َأ َ‬
‫ج‪ :‬قال ابن القيم ك كتاب (الروح)‪ :‬إ ّن سياق اَلية يدل عّل أن املران أن الكافر امليت القلب ال تقدر‬
‫عّل إسامعه سامعاً ينتفع به كام أن من ك القبور ال تقدر عّل إسامعهم سامعاً ينتفعون به‪ ،‬ومل ُي ِرن‬
‫سبحانه أن أصحاب القبور ال يسمعون شيئاً البته‪ ،‬كيف وقد أخرب النبي صّل اهلل عليه وسلم أَّنم‬
‫يسمعون خفق نعال املشيع ٍ‪ ،‬وأخرب أن قتّل بدر يسمعون كالمه وخطابه‪ ،‬ورشع السالم عليهم ‪ -‬أي‬
‫األموات ‪ -‬بصيغة اخلطاب الذي يسمع‪ ،‬وأخرب أن َم ْن س َّلم عّل أخيه املؤمن رن عليه السالم‪ ،‬وإنام‬
‫الص َّم الده َعاء إِ َذا َو َّل ْوا ُمدْ بِ ِري َن}‪ .‬اهـ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هذه اَلية نظري قوله تعاىل‪َ { :‬فإِن َ‬
‫َّك َال ت ُْسم ُع املَْ ْوتَى َو َال ت ُْسم ُع ه‬
‫ملخص ًا‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫قراءة القرآن لألموات‬

‫س‪ :‬هل جيوز إهداء ثواب قراءة القرآن والذكر إىل األموات؟‬
‫ج‪ :‬نعم‪ ،‬جيوز ذلك‪ ،‬فإن املذهب الصحيح املختار وصول ثواب القراءة وغريها من األعامل البدنية‬
‫إليهم حيصل ُّلم بذلك إما تكفري سيئات ورفع نرجات ونور ورسور وغري ذلك من الثواب بفضل‬
‫اهلل تعاىل‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫س‪ :‬ما الدليل عىل ذلك؟‬

‫ج‪َّ :‬‬
‫نل عّل ذلك قوله صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬اقرءوا يس عّل موتاكم)) رواه أبو ناون وابن ماجة‪ .‬و‬
‫روى اإلمام أْحد ولفظه‪(( :‬يس قلب القرآن ال يقرؤها رجل يريد اهلل تعاىل والدار اَلخرة إالّ غفر اهلل‬
‫له‪ ،‬واقرءوها عّل موتاكم))‪.‬‬
‫وذكر املحققون من العلامء أن هذا احلديث عام فيشمل القراءة عّل املحترض الذي سيموت وعّل‬
‫القراءة عّل امليت وهو الظاهر من الديث‪ ،‬ففيه نليل عّل وصول القراءة إىل املوتى وحصول االنتفاع‬
‫اللهم اجعل ثواب ما قرأناه إىل فالن‬
‫َّ‬ ‫هبا كام اتفق العلامء وإنام اخلالو إذا مل يدع القارئ بعدها بنحو‪:‬‬
‫مثالً‪ ،‬فإن نعا بذلك ‪ -‬كام هو عمل املسلم ٍ ك قراءِتم ألمواِتم ‪ ،‬فال خالو ألهل العلم ك وصوُّلا‬
‫اؤوا ِمن َب ْع ِد ِه ْم َي ُقو ُلو َن َر َّبن َا اغ ِْف ْر‬
‫ألنه من قبيل الدعاء املتفق عّل وصوله‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ { :‬وا َّل ِذي َن َج ُ‬
‫اإل َيام ِن ‪ } ...‬اَلية‪.‬‬
‫إل ْخ َوانِنَا ا َّل ِذي َن َسبَ ُقونَا بِ ْ ِ‬
‫َلنَا َو ِ ِ‬

‫وإذا َمل ْ يد ُع بذلك فاملشهور من مذهب الشافعي أنه ال َي ِصل واعتمد علامء الشافعية املتأخرون وصول‬
‫ثواب القراءة والذكر إىل امليت كمذهب األئمة الثالثة و عليه عمل النا ‪ ...‬س‪(( :‬وما رآه املسلمون‬
‫حسناً فهو عند اهلل حسن))‪.‬‬
‫قال سيدنا اإلمام قطب اإلرشان احلبيب عبداهلل بن علوي احلدان نفع اهلل به‪ :‬ومن أعظم ما َُيدى إىل‬
‫املوتى بركة وأكثره نفعا قراءة القرآن وإهداء ثوابه إليهم‪ ،‬وقد أطبق العمل بذلك املسلمون ك ‬
‫األعصار واألمصار وقال به اجلامهري من العلامء والصاحل ٍ سلفاً وخلفاً ‪ ...‬الخ ما قال ريض اهلل عنه‬
‫ك كتابه (سبيل اال حنكَار)‪.‬‬
‫وأخرج الطرباين والبيهقي ك (شعب اإليامن) عن ابن عمر مرفوع ًا‪(( :‬إذا مات أحدكم فال ُتبسوه‬
‫وأرسعوا به إىل قربه وليقرأ عند رأسه بفاُتة البقرة وعند رجليه بخامتة البقرة)) ذكره اإلمام السيوطي‬
‫ك (مجع اجلوامع)‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫وذكر ابن القيم ك كتابه (الروح)‪ :‬ما يقتيض َس َّن الدرس عّل القرب‪ ،‬واستدل لذلك بأن مجاعة من‬
‫السلف أوصوا أن يقرأ عند قبورهم‪ ،‬منهم ابن عمر أوىص أن يقرأ عند قربه سورة البقرة‪ ،‬وأن‬
‫األنصار كانت إذا مات امليت اختلفوا إىل قربه يقرؤون القرآن عنده‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫وذكر العلامء أنه جيوز لإلنسان أن جيعل ثواب عمله لغريه صالة كانت أو ِقراءة أو غريمها‪ ،‬ويدل عّل‬
‫ذلك ما أخرجه الدارقطني من حديث جاء‪(( :‬أن رجالً قال‪ :‬قال يارسول اهلل كان يل أبوان أبرمها ك ‬
‫حال حياِتام فكيف يل بربمها بعد موِتام؟ فقال صّل اهلل عليه وسلم‪ :‬إ َّن من الرب أن تصيل ُّلام مع‬
‫صالتك وتصوم ُّلام مع صيامك))‪.‬‬
‫وعن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صّل اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬ما عّل أحدكم إذا أران أن‬
‫يتصدق بصدقة تطوع ًا أن جيعلها لوالديه إذا كانا مسلم ٍ فيكون لوالديه أجرها وله مثل أجورمها من‬
‫غري أن ينقص من أجورمها شيئ ًا)) ذكره الشيخ حممد بن حممداملنيحي احلنبيل ك كتابه (تسلية أهل‬
‫املصائب)‪.‬‬
‫وقد أخرج أبو القاسم الزنجاين ك (فوائده) عن أيب هريرة مرفوع ًا‪(( :‬من نخل املقابر ثم قرأ فاُتة‬
‫الكتاب وقل هو اهلل أحد وأُّلاكم التكاثر‪،‬‬
‫اللهم إين قد جعلت ثواب ما قرأت من كالمك ألهل املقابر من املؤمن ٍ واملؤمنات؛ إالّ كانوا‬
‫َّ‬ ‫ثم قال‪:‬‬
‫شفعاء له إىل اهلل تعاىل)) ذكره احلافظ السيوطي ك (رشح الصدور)‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫نس ِ‬
‫ان إ ِ َّال َما َس َعى}؟ وقوله صىل اهلل عليه وسلم‪(( :‬إذا مات ابن‬ ‫س‪ :‬ما معنى قوله تعاىل‪َ { :‬و َأن لَّيْ َس لِ ْ ِ‬
‫ْل َ‬
‫آدم انقطع عمله ‪)) ...‬؟‬
‫ج‪ :‬قال ابن القيم ك كتاب (الروح)‪ :‬إ َّن القرآن مل ِ‬
‫ينف انتفاع الرجل بسعي غريه‪ ،‬وإنام أخرب أنه ال‬
‫يملك إالّ سعيه‪ ،‬وأ ّما سعي غريه فهو ملك ساعيه فإ ْن شاء أن يبذله لغريه وإ ْن شاء أن يبقيه لنفسه‪،‬‬
‫وهو سبحانه مل يقل أنه ال ينتفع إال بام سعى‪.‬‬

‫وقوله صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬انقطع عمله)) ومل يقل (انتفاعه) وإنام أخرب عن انقطاع عمله‪ ،‬وأما‬
‫عمل غريه فهو لعامله فإ ْن وهبه له فقد وصل إليه ثواب عمل العامل ال ثواب عمله هو‪ ،‬فاملنقطع‬
‫يشء والواصل يشء آخر‪ .‬اهـ ملخصاً‬
‫ان إِ َّال َما َس َعى}‬ ‫إلنس ِ‬ ‫ِ‬
‫وذكر أهل التفسري عن ابن عباس ريض اهلل عنهام أن قوله تعاىل‪َ { :‬و َأن َّليْ َس ل ْ ِ َ‬
‫أ‬ ‫ِ‬
‫منسوخ احلكم ك هذه الْيعة بقوله تعاىل‪َ { :‬وا َّلذي َن آ َمنُوا َوا َّتبَ َعتْ ُه ْم ُذ حر َّيتُ ُهم بِإِ َيامن أَ ْ َ‬
‫حل ْقنَا ِهبِ ْم ُذ حر َّيتَ ُه ْم}‬
‫فأنخل األبناء اجلنة بصالح اَلباء‪ .‬وقال عكرمة‪ :‬إن ذلك لقوم موسى عليه السالم‪ ،‬وأ ّما هذه األمة‬
‫فلهم ما سعوا وما سعى ُّلم غريهم‪ ،‬ملا روي ((أن امرأة رفعت صبياً ُّلا وقالت‪ :‬يا رسول اهلل‪ :‬أُّلذا‬
‫حج؟ قال‪ :‬نعم ولك أجر))‪ .‬وقال آخر للنبي صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬إن ُأمي افتلتت نفسها فهل ُّلا‬
‫أجر إ ْن تصدقت عنها؟ قال‪ :‬نعم))‪ .‬اهـ واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫حكم التمسح بالقبور وتقبيلها‬

‫س‪ :‬ما حكم التمسح بالقبور وتقبيلها؟‬


‫ج‪ :‬احلكم ك ذلك عند أكثر العلامء مكروه فقط‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬إنه مباح وجائز للتربك ومل يقل أحد‬
‫بتحريمهام‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫س‪ :‬ما الدليل عىل جواز ذلك؟‬
‫ج‪ :‬ألنه مل يرن فيه َّني من الشارع وال قام الدليل عّل املنع‪ ،‬وقد ُروي ((أن بالال ً ريض اهلل عنه ملا زار‬
‫املصطفى صّل اهلل عليه وسلم جعل يبكي ويمرغ خديه عّل القرب الْيف))‪ ،‬أن ابن عمر ريض اهلل‬
‫عنهام ((كان يضع يده اليمنى عليه)) ذكر ذلك اخلطيب ابن مجلة‪.‬‬
‫و روى اإلمام أْحد بسند حسن عن املُ حطلب بن عبداهلل بن حنطب‪ ،‬قال‪ :‬أقبل مروان ابن احلاكم فإذا‬
‫رجل ملتزم القرب فأخذ برقبته‪ ،‬ثم قال‪ :‬هل تدري ما تصنع؟ فأقبل عليه الرجل وقال‪ :‬نعم‪ ،‬إين مل آت‬
‫حل َجر وال َّلبِن وإنّام ُ‬
‫جئت رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم‪ ،‬ثم قال امل َّطلب‪ :‬ذلك الرجل هو أبو أيوب‬ ‫ا َ‬
‫األنصاري‪.‬‬
‫وثبت عن اإلمام أْحد بن حنبل رْحه اهلل أنّه ُس ِئ َل عن تقبيل قرب النبي صّل اهلل عليه وسلم ومنربه‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ال بأس بذلك‪ .‬ذكره السمهوني ك (خالصة الوفا)‪.‬‬
‫َف ُع ِلم أنه مل يقل أحد من أئمة املسلم ٍ بتحريم تقبيل القبور والتمسح هبا فضالً عن الْك والكفر‪.‬‬
‫وح َكم عّل من يفعل ذلك من عوام املسلم ٍ‬
‫وإنام اختلفوا ك كراهة ذلك ومن زعم خالو قوُّلم َ‬
‫بالْك فعليه الدليل عّل نعواه‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫جتصيص القبور والبناء عليها‬

‫س‪ :‬ما حكم القبور والبناء عليها؟‬


‫ج‪ :‬أما جتصيص القبور فهو مكروه عند أكثر العلامء‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ال يكره ذلك ومل يرن ك الْع‬
‫ما يدل عّل التحريم‪ ،‬وأما حديث النهي أن جيصص القرب وأن يبنى عليه وأن يقعد عليه فقد اتفق‬
‫مجهور العلامء عّل أن النهي للتنزية ال للتحريم‪ .‬فيكره ذلك كراهة تنزيه‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫س‪ :‬هل ما يفعله الناس يف كثري من البلدان من جتصيص القبور ملجرد العبث؟‬
‫ج‪ :‬مل يفعلوا ذلك ملجرن العبث بل ألغراض حسنة ومصالح‪ ،‬منها‪ :‬أن يعرو كوَّنا قبوراً فتحيا‬
‫بالزيارة وُترتم من اإلهانة‪ ،‬ومنها أن يمتنع الناس من نبشها قبل البالء فإن ذلك حمرم ك الْيعة‪،‬‬
‫ومنها أن جيمع إليها األقارب كام هو السنة‪ ،‬فقد ثبت ((أنّه صّل اهلل عليه وسلم وضع عّل قرب عثامن‬
‫لم عّل قرب أخي ألَنفِن إليه من مات من أقاريب)) رواه أبو ناون و‬
‫بن مظعون صخرة وقال‪ُ :‬أ ْع ُ‬
‫البيهقي‪.‬‬
‫أ‬
‫مملوكة لنفسه أو لغريه بإذنه‬ ‫أ‬
‫أرض‬ ‫وأ ّما البناء عّل القبور فقد ذكر العلامء ك ذلك تفصيالً‪ :‬إ ْن كان ك ‬
‫أ‬
‫موقوفة أو ُمس ّبلة فهو حرام‪،‬‬ ‫أ‬
‫مقربة‬ ‫فهو مكروه وال حيرم سواء كان البناء قبة أو غريها‪ ،‬وإ ْن كان ك ‬
‫وع ْلة التحريم‪ :‬التحرز عن الدفن والتضييق للمقربة ال غري‪ ،‬نعم استثنى بعضهم قبور الصاحل ٍ وأئمة‬ ‫ِ‬

‫املسلم ٍ فيجوز البناء عليها ولو ك ُمسبّلة ملا ك ذلك من إحياء الزيارة املأمور هبا ك الْع وللتربك هبا‬
‫وينتفع احلي وامليت بالقراءة عندها‪ ،‬واستدلوا عّل ذلك بعمل املسلم ٍ سلفاً وخلفاً وذلك حجة عند‬
‫العلامء‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫س‪ :‬ما معنى حديث‪(( :‬لعن اهلل اليهود والنصارى اختذوا قبور أنبيائهم مساجد))؟‬
‫ج‪ :‬ذكر العلامء أن معنى هذا احلديث‪ :‬السجون ُّلا والصالة إليها عّل قصد التعظيم كام يفعله اليهون‬
‫والنصارى‪ ،‬فإَّنم كانوا يسجدون لقبور أنبيائهم وجيعلوَّنا قبلة ُّلم يتوجهون ك صالِتم إليها تعظي ًام‬
‫ُّلا فإن هذا حرام قطع ًا‪ ،‬فالنهي إنام هو من التشبه هبم ك ذلك بأن يفعل كفعلهم من السجون للقبور‬
‫والصالة إليها عّل قصد التعظيم‪ ،‬وهذا ال يصح من مسلم قط وال يوجد ذلك ك اإلسالم فإن‬
‫املسلم ٍ املصل ٍ مل يعبدوا غري اهلل تعاىل ك العامل‪ ،‬ومل يتخذوا القبور مساجد‪ ،‬كاملعابد‪ ،‬ومل يعظموا‬
‫أحد ًا كتعظيم اهلل تعاىل‪ ،‬فقد صح اخلرب عن سيد البْ صّل اهلل عليه وسلم أنه قال‪(( :‬إ ّن الشيطان قد‬
‫أيس أن يعبده املصلون ولكن ك التحريش بينهم)) رواه مسلمو الرتمذي واإلمام أْحد‪.‬‬
‫فهذه بشارة من الشارع عليه السالم بأن اهلل حفظ املصل ٍ من عبانة غري اهلل‪ ،‬فكان كام أخرب صّل اهلل‬
‫عليه وسلم وهو الذي ال ينطق عن اُّلوى إ ْن هو إالّ وحي ُيوحى‪.‬‬

‫وأ ّما من اختذ مسجد ًا بجوار صالح بقصد التربك نون التعظيم وافق ك صالته أن أمامه قرب ومل يقصد‬
‫التوجه إليه فال يدخل ك الوعيد املذكور ك احلديث‪ ،‬وقد قال اهلل تعاىل ك قصة أهل الكهف‪َ { :‬ق َال‬
‫ا َّل ِذين َغ َلبوا َع َّل َأم ِر ِهم َلنَت ِ‬
‫َّخ َذ َّن َع َل ْي ِهم َّم ْس ِجد ًا} ذكر أهل التفسري‪ :‬إ ّن الذين غلبوا عّل أمرهم هم‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ ُ‬
‫املؤمنون‪ ،‬وأخرب اهلل أَّنم اختذوا عّل أهل الكهف مسجداً‪ ،‬ففي ذلك نليل عّل ّاختاذ املساجد عّل قبور‬
‫الصاحل ٍ‪ .‬وقد أمجع املسلمون عّل توسيع املسجد النبوي حتى صار قربه صّل اهلل عليه وسلم وقرب‬
‫صاحبيه وسط املسجد‪ ،‬فأصبح املسجد حميط ًا هبم واملص ّلون يتوجهون إليها ك صالِتم بمرأى من‬
‫العلامء والفقهاء‪ ،‬ومل ُيسمع أحد منهم َّنى عن ذلك وال أفتى بتحريمه‪ ،‬فاعلم‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫تلقني امليت‬

‫س‪ :‬ما حكم تلقني امليت؟‬


‫ج‪ :‬ال خالو ب ٍ أهل العلم ك مْوعية تلق ٍ املحترض قول ال إله إال اهلل للحديث الصحيح‪(( :‬لقنوا‬
‫موتاكم ال إله إال اهلل))‪ ،‬وأ ّما تلق ٍ امليت بعد الدفن فقد استحبه علامء الشافعية وأكثر احلنابلة وبعض‬
‫احلنفية واملالكية‪ ،‬ملا رواه الطرباين ك الكبري وابن ِمندة عن أيب ُأمامة ريض اهلل عنه مرفوع ًا‪(( :‬إذا مات‬
‫أحد من إخوانكم فسويتم عليه الرتاب فليقم أحدكم عّل رأس القرب ثم ليقل‪ :‬يافالن ابن فالنة‪ ،‬فإنه‬
‫يسمع وال جييب‪ ،‬ثم ليقل‪ :‬يافالن ابن فالنة‪ ،‬فإنه يستوي قاعد ًا‪ ،‬ثم يقول‪ :‬يافالن ابن فالنة‪ ،‬فإنه‬
‫يقول‪ :‬أرشدنا رْحك اهلل‪ ،‬فليقل‪ :‬اذكر ما خرجت عليه من الدنيا من الشهانة أن ال إله إال اهلل وأ ّن‬
‫أ‬
‫وبمحمد نبياً وبالقرآن إمام ًا‪ ،‬فإ ّن ُمنْكَراً‬ ‫ّك رضيت باهلل ر ّباً وباإلسالم نين ًا‬
‫حممد ًا عبده ورسوله‪ ،‬وأن َ‬
‫ونَكرياً يأخذ كل واحد منهام بيد صاحبه ويقول‪ :‬انطلق بنا ما نقعد عند من ُل حقن ُح َّجتَه فيكون اهلل‬
‫ُعرو ُأ ّمه‪ ،‬قال‪ :‬ينسب إىل حواء))‪.‬‬
‫حجيجه نوَّنام‪ ،‬فقال رجل‪ :‬يا رسول اهلل‪ :‬فإ ْن مل ت َ‬
‫واحلديث املذكور وإن كان ضعيفاً فإنه جيوز العمل به ك مثل هذا ألنه من باب الفضائل والتذكري‬
‫الذك َْرى تَن َف ُع املُْ ْؤ ِمنِ َ‬
‫ ٍ}‪ ،‬وأحوج ما يكون العبد إىل‬ ‫للمؤمن‪ .‬ويستأنس أيض ًا بقوله تعاىل‪َ { :‬و َذك ْحر َفإِ َّن ح‬
‫التذكري ك هذه احلالة‪.‬‬
‫وذكر ابن تيمية ك فتاويه‪ :‬أن التلق ٍ املذكور قد ثبت عن طائفة من الصحابة أَّنم أ َم َروا به منهم أبو‬
‫أمامة ريض اهلل عنه‪ ،‬ثم قال‪ :‬وقد ثبت أن املقبور يسأل ويمتحن‪ ،‬ويؤمر بالدعاء له‪.‬‬
‫فلهذا قيل‪ :‬إ ّن التلق ٍ ينفعه فإن امليت يسمع النداء كام ك الصحيح أن النبي صّل اهلل عليه وسلم قال‪:‬‬
‫((إنّه ليسمع قرع نعالكم))‪ ،‬وقال‪(( :‬ما أنتم بأسمع ملا أقول منهم ‪ .)) ..‬اهـ مع حذو‬

‫‪83‬‬
‫الذبح بأبواب األولياء وتقديم النذور هلم‬

‫س‪ :‬ما حكم الذبح بأبواب األولياء؟‬


‫ج‪ :‬ذكر العلامء رْحهم اهلل تعاىل أن ك ذلك تفصيالً وهو‪ :‬أنه إ ْن فعل اإلنسان ذلك باسم الويل أو لكي‬
‫يتقرب به إليه فهو كمن ذبح لغري اهلل‪ ،‬فاملذبوح ميتة والفاعل آثم وال ُيك َّفر إالّ إ ْن قصد به التعظيم‬
‫والعبانة كام لو سجد له لذلك‪ ،‬وأ ّما إن قصد الذبح هلل تعاىل وتصدق باللحم عّل الفقراء واملساك ٍ‬
‫ناوي ًا بثواب تلك الصدقة إىل روح الويل فهذا جائز بل مندوب إليه باتفاق األئمة ألنه من باب الصدقة‬
‫عن امليت واإلحسان إليه الذي ندبنا إليه الشارع وحثَّنا عليه‪ ،‬فافهم ذلك‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫س‪ :‬ما حكم تقديم النذور إىل األولياء؟‬
‫ج‪ :‬ذكر العلامء نفع اهلل هبم أن النذر ملشاهد األولياء والعلامء جائز صحيح إ ْن قصد الناذر أهل ذلك‬
‫املحل من أوالنهم أو الفقراء الذين عند قبورهم أو قصد ِصفه ك عامرة رضائحهم ملا ك ذلك من‬
‫إحياء الزيارة املْوعة‪ ،‬وكذا يصح إ ْن أطلق الناذر ومل يقصد شيئاً من ذلك ويرصو فيام تقدم من‬
‫املصالح‪ ،‬بخالو ما لو قصد تعظيم القرب والتقرب إىل صاحبة أو قصد النذر لنفس امليت فإنه ال ينعقد‬
‫ألنه حرام ومن املعلوم أن ذلك ال يقصده أحد الناذرين‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫س‪ :‬ما الذي يقصده املسلمون بذبائحهم للميتني؟‬
‫ج‪ :‬اعلم أن املسلم ٍ ال يقصدون بذلك إال الصدقة عنهم وجعل ثواهبا إىل أرواحهم‪ ،‬فكل مسلم ذبح‬
‫للنبي أو الويل أو نذر اليشء له فإنه ال يقصد إال أن يتصدق بذلك عنه وجيعل ثواهبا إليه فيكون من‬
‫هدايا األحياء لألموات املأمور هبا رشع ًا وقد أمجع أهل السنة وعلامء األمة أن صدقة األحياء نافعة‬
‫لألموات و واصلة إليهم‬

‫‪86‬‬
‫س‪ :‬ما الدليل عىل وصول ثواب الصدقات إىل األموات؟‬

‫ج‪ :‬نلت عّل ذلك أحانيث صحيحه منها ما رواه مسلم عن أيب هريرة ريض اهلل عنه ((أ ّن رجالً قال‬
‫النبي صّل اهلل عليه وسلم‪ :‬إ ّن أيب مات ومل يوص أفينفع أن أتصدق عنه؟ قال‪ :‬نعم))‪.‬‬
‫وعن سعد ريض اهلل عنه‪(( :‬أنه سأل النبي صّل اهلل عليه وسلم وقال‪ :‬يا نبي اهلل إ ّن أمي قد افتلتت‬
‫النبي صّل اهلل عليه‬
‫وأعلم أَّنا لو عاشت لتصدقت أفإن تصدقت عنها ينفعها ذلك؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فسأل َّ‬
‫وسلم‪ :‬أي الصدقة أنفع يا رسول اهلل؟ قال‪ :‬املاء‪ ،‬فحفر بئر ًا و قال‪ :‬هذه ألم سعد))‪.‬‬
‫ضحى بكبش ٍ وملا ذبح الثاين قال‪ :‬اللهم هذا عن‬
‫النبي صّل اهلل عليه وسلم ّ‬
‫وثبت ك الصحيح ((أن َّ‬
‫من مل يضح من أمتي)) وك ذلك نليل عّل أن النفع قد نال األحياء واألموات من أمته بأضحيته صّل‬
‫اهلل عليه وسلم وإال ّ مل تكن ك ذلك فائدة‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫حكم احللف بغري اهلل تعاىل‬

‫س‪ :‬ما حكم احللف بغري اهلل تعاىل؟‬

‫ج‪ :‬اختلف أهل العلم ك احللف بمن له حرمة كنبي وويل ونحومها‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬إنّه مكروه‪ ،‬وقال‬
‫بعضهم‪ :‬إنّه حرام‪ .‬واملشهور من مذهب اإلمام أْحد بن حنبل جواز اليم ٍ برسول اهلل صّل اهلل عليه‬
‫وسلم ولزوم احلنث بمخالفته أل ّن ذلك أحد ركني الشهانة وألن اهلل تعاىل أقسم بحياته عليه السالم‬
‫ك قوله سبحانه‪َ { :‬ل َع ْم ُر َك ‪ } ...‬الخ اَلية‪ .‬ونقل ذلك ابن تيمية ك (فتاويه)‪.‬‬
‫ومل يقل أحد من العلامء أن احللف بغري اهلل تعاىل كفر إالّ إ ْن قصد احلالف تعظيم املحلوو به كتعظيم‬
‫اهلل‪ ،‬وال يتعاطى ذلك أحد من أهل اإلسالم‪ .‬قالوا‪ :‬وعّل ذلك ُْحِ َل ما ورن ك اخلرب‪(( :‬من حلف بغري‬
‫اهلل فقد أرشك))‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫س‪ :‬ما كان قصد بعض الناس من احللف بالقبور أو بأصحاهبا؟‬
‫ج‪ :‬فاعلم أَّنم ال يقصدون بذلك حقيقة احللف الذي هو اليم ٍ وإنام ذلك من باب التوسل والتشفع‬
‫إىل اهلل بمن له منزلة عنده والكرامة لديه ك حياِتم وبعد وفاِتم‪ ،‬ألن اهلل قد جعلهم أسباباً لقضاة‬
‫حوائج عبانه بشفاعتهم ونعائهم‪ ،‬كأن يقول أحدهم‪ :‬أقسمت عليك أو أقسم عليك بفالن أو‬
‫بصاحب هذا القرب‪ ،‬ونحو ذلك من األلفاظ التي ال تؤني إىل احلرام فضالً عن الكفر والْك‪ .‬وقد‬
‫ثبت ك الصحيح أنه صّل اهلل عليه وسلم قال لألعرايب الذي سأله عن اإلسالم‪(( :‬أفلح وأبيه إن‬
‫صدق))‪ ،‬فاعلم ذلك واحذر من الوقوع ك املهالك‪ ،‬و نسأل اهلل أن يعصمنا ومجيع املسلم ٍ من‬
‫الْك ويغفر لنا وُّلم ما نون ذلك‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫كرامات األولياء‬

‫س‪ :‬هل ألولياء اهلل كرامات يف احلياة وبعد املامت؟‬


‫ج‪ :‬نعم‪ ،‬جيب أ ْن نعتقد أ ّن كرامات األولياء ٌّ‬
‫حق‪ :‬أي و واقعة ك حياِتم وبعد وفاِتم‪ ،‬وال ينكر ذلك‬
‫إالّ من عميت بصريته وفسدت رسيرته‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫س‪ :‬ما الدليل عىل وقوعها؟‬

‫كملََّا‬
‫ج‪ :‬الدليل عّل وقوعها أمران‪ ،‬أحدمها‪ :‬ما حكاه اهلل ك كتابه العزيز كقصة مريم‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ُ { :‬‬
‫ن َخ َل َع َليها َزك َِريا املِْحراب وجدَ ِعندَ ها ِر ْزق ًا َق َال يا مريم أَنَّى َل ِك ه َذا َقا َل ْت هو ِمن ِع ِ‬
‫ند اهللِّ إ َّن اهللَّ‬ ‫َُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ََْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ ْ َ َ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫اب} قال أهل التفسري‪ :‬كان يوجد عندها فاكهة الشتاء ك الصيف وفاكهة‬ ‫َري ِح َس أ‬
‫َي ْر ُز ُق َمن َي َشا ُء بِغ ْ ِ‬

‫الصيف ك الشتاء وكان جييئها ذلك من طريق غري مألوو‪ ،‬وذلك هو الكرامة أكرمها اهلل تعاىل هبا‪،‬‬
‫ط َع َليْ ِك ُر َطب ًا َجنِيّ ًا}‪.‬‬
‫وقال اهلل تعاىل ك حقها أيض ًا‪َ { :‬و ُه حزي إِ َليْ ِك بِ ِج ْذ ِع الن َّْخ َل ِة ت َُس ِاق ْ‬
‫ومن ذلك‪ :‬قصة أهل الكهف فقد ذكرها اهلل تعاىل ك كتابه أَّنم ناموا ثالثامئة عام وتسعة أعوام نون‬

‫أن يتناولوا فيها طعام ًا وال رشاب ًا‪ ،‬وأنه تعاىل توىل تقليبهم ذات اليم ٍ وذات الشامل بدون ّ‬
‫أي سبب‬
‫لئال تتأمل جنوهبم‪ ،‬وأنه تعاىل جعل الشمس إذا طلعت وإذا غربت ال تصيب املكان الذي هم فيه حفظاً‬
‫ُّلم من حرارة الشمس أن تؤذَيم‪ .‬ومما ذكر اهلل ك القرآن أيض ًا كرامة اخلرض وكرامة ذي القرن ٍ‬
‫لم من الكتاب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وكرامة آصف بن برخيا عنده ع ٌ‬

‫‪91‬‬
‫س‪ :‬ما هو األمر الثاين من الدليل عىل ثبوت الكرامات؟‬
‫ج‪ :‬األمر الثاين‪ :‬ما تواتر معناه من كرامات الصحابة والتابع ٍ ومن بعدهم إىل وقتنا مما مأل اَلفاق‬
‫وسارت به الرفاق‪ .‬فقد روى البخاري ك صحيحه‪(( :‬أن سيدنا خبيب ًا كان يأكل الفاكهة ك غري أواَّنا‬
‫وهو أسري بمكة موثق باحلديد‪ ،‬ومل يكن بمكة يومئذ ثمرة وما هو إالّ رزق رزقه اهلل إ ّياه فهي كرامة‬
‫له))‪ .‬و روى البخاري أيض ًا ((أن سيدنا عاص ًام ملا ُقتِ َل أران املْكون أن يأخذوا قطعة من جسده‬
‫فبعث اهلل عليه مثل ال ُظ ّلة من الدَّ بر وهي مجاعة النحل أو الزنابري فحتمه منهم فلم يقدروا منه عّل‬
‫يشء))‪ .‬وهذه كرامة لعاصم ريض اهلل عنه بعد موته‪.‬‬
‫وعن أنس ريض اهلل عنه قال‪(( :‬كان ُأسيد بن حضري وعبّان بن بْ عند رسول اهلل صّل اهلل عليه‬
‫وسلم ك ليلة ظلامء فتحدثا عنده حتى إذا خرجا أضاءت ُّلام عصا أحدمها فمشيا ك ضوءها فلام تفرق‬
‫واحد منهام عصاه فمشى ك ضوءها)) أخرجه البخاري‪ .‬ومن كرامات‬ ‫أ‬ ‫هبام الطريق أضاءت لكل‬
‫سيدنا عمر ابن اخلطاب ريض اهلل عنه‪ ،‬ما ذكَره أهل ِ‬
‫الس َري ك ترمجته‪(( :‬أنه بعث جيش ًا إىل َّناوند وكان‬
‫دو من كل جانب‪ ،‬فكشف اهلل عز وجل لعمر ريض اهلل‬
‫عّل العسكر سارية بن زنيم‪ ،‬فحاِصهم ال َع ّ‬
‫عنه وهو عّل منربه ك املدينة خيطب يوم اجلمعة‪ ،‬فرأى سارية وأصحابه قد أحيط هبم فنانى‪( :‬ياسارية‬
‫اجلبَل) فأسمع اهلل سارية وأصحابه صوت عمر‪ ،‬فلجأوا إىل اجلبل ثم قاتلوا فنرصهم اهلل))‪.‬‬
‫وكرامات األولياء كثرية ال تدخل ُتت احلرص وكلها معجزات للرسول صّل اهلل عليه وسلم فمنهم‬
‫من نخل النار فلم تؤثر فيه ومنهم من وقع عّل يده إحياء املوتى ومنهم أهل اخلطوة ومنهم من يميش‬
‫ك اُّلواء واملاء ومنهم من أطاعته اجلن إىل غري ذلك‪ ،‬مما تواتر قطعي ًا ال شك فيه وال مراء‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫إمكان رؤيته صلى اهلل عليه وسلم يقظة‬

‫س‪ :‬هل يمكن رؤيته صىل اهلل عليه وسلم يقظة؟‬


‫ج‪ :‬رؤيته صّل اهلل عليه وسلم ك اليقظة ممكنة و واقعة‪ ،‬فقد ذكر العلامء نفع اهلل هبم كثرياً من العارف ٍ‬
‫باهلل رأوه ك املنام ثم رأوه ك اليقظة وسألوه عن أشياء من مصاحلهم ومآرهبم‪.‬‬
‫س‪ :‬ما الدليل عّل إمكان ذلك؟‬

‫ج‪ :‬الدليل عّل ذلك ما رواه البخاري ومسلم وغريمها أن النبي صّل اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬من رآين‬
‫ك املنام فسرياين ك اليقظة وال يتمثل الشيطان يب))‪ ،‬قال العلامء‪ :‬معنى هذا احلديث التبشري بأن من فاز‬
‫من أمته برؤيته ك املنام البد إن شاء اهلل تعاىل أن يراه ك اليقظة ولو قبيل املوت ُهبنَيْ َهة‪ ،‬وال يصح أن‬
‫يفَس هذا احلديث عّل رؤيته صّل اهلل عليه وسلم ك اَلخرة أو الربزخ ألن سائر األمم تراه يومئذ‪،‬‬
‫ففي هذا احلديث أنل نليل عّل أنه صّل اهلل عليه وسلم مأل األكوان ألنه شامل لكل من رآه ك ‬
‫املْق ٍ واملغرب ٍ‪.‬‬

‫قال اإلمام السيوطي رْحه اهلل‪ :‬قد َُت َّصل من جمموع األحانيث أ ّن النبي صّل اهلل عليه وسلم ٌّ‬
‫حي‬
‫ِ‬
‫هبيئته التي كان عليها قبل‬ ‫بجسده و روحه وأنه يترصو حيث شاء ك أقطار األرض وامللكوت وهو‬

‫وفاته‪ ،‬وأنه يغيب عن األبصار كام غيبت املالئكة‪ ،‬فإذا أران اهلل رفع احلجاب عمن أران كرامته برؤيته‬
‫رآه عّل هيئته‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫حياة سيدنا اخلضر عليه السالم‬

‫س‪ :‬هل سيدنا اخلرض عليه السالم حي أم ال؟‬


‫ج‪ :‬أمجع مجهور األعالم عّل حياة اخلرض عليه السالم واشتهر ذلك عند اخلاص والعام‪ ،‬قال ابن عطاء‬
‫اهلل ك (لطائفه)‪ :‬قد تواتر عن أولياء كل عرص لقاؤه واألخذ عنه‪ ،‬واشتهر ذلك إىل أن بلغ حد التواتر‬
‫الذي ال يمكن جحده‪.‬‬
‫وذكر ابن القيم ك كتابه (مثري الغرام الساكن) أربع روايات صحيحة ك حياته‪ ،‬و روى البيهقي ك ‬
‫كتاب (نالئل النبوة)‪(( :‬أنه ملا توك صّل اهلل عليه وسلم سمعوا صوتاً من ناحية البيت‪ :‬السالم عليكم‬
‫ورك ُْم َي ْو َم ا ْل ِقيَا َم ِة} إ ّن ك اهلل‬ ‫ِ‬ ‫أهل البيت ورْحة اهلل وبركاته‪{ ،‬ك هُل َن ْف أ ِ‬
‫س َذآئ َق ُة املَْ ْوت َوإِن ََّام ت َُو َّف ْو َن ُأ ُج َ‬
‫عزاء من كل مصيبة وخلفاً من كل هالك ونركاً من كل فائت‪ ،‬فباهلل فثقوا وإ ّياه فارجوا فإنام املصاب‬
‫من حرم الثواب‪ ،‬فقال عيل كرم اهلل وجهه‪ :‬أتدرون من هذا؟ هو اخلرض عليه السالم))‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫االستشفاء بالقرآن واألمساء اإلهلية‬

‫س‪ :‬ما حكم الرقي لألمراض؟‬


‫ج‪ :‬أمجع العلامء عّل جواز الرقي عند اجتامع ثالثة رشوط‪ :‬أن يكون بكالم اهلل تعاىل أو بأسامئه‬
‫الرقيا ال تأثري ُّلا بذاِتا‬
‫وصفاته‪ ،‬و أن يكون باللسان العريب أو بام يعرو معناه من غريه‪ ،‬وأن يعتقد أن ّ‬
‫بل بتقدير اهلل تعاىل‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫س‪ :‬ما الدليل عىل جواز الرقي بام ذكر؟‬
‫ج‪ :‬الدليل عّل جواز ما رواه مسلم من حديث عوو بن مالك قال‪(( :‬كنا نرقي ك اجلاهلية‪ ،‬فقلنا‪:‬‬
‫يارسول اهلل‪ ،‬كيف ترى ك ذلك؟ فقال‪ :‬اعرضوا عّل رقاكم‪ ،‬ال بأس بالرقي إذا مل يكن فيه رشك))‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫س‪ :‬ما هو الرقي املنهي عنه؟‬
‫سحر أو‬
‫ٌ‬ ‫ج‪ :‬املنهي عنه من الرقي ما كان غري مفهوم املعنى أو بغري لسان العرب جلواز أن يكون فيه‬
‫رشك‪ ،‬وأما ما كان من كالم اهلل وذكره وأسامئه فهو جائز بل مستحب فإن اهلل مل ينزل من السامء شفاء‬
‫آن َما ُه َو ِش َفاء‬
‫قط أنفع من القرآن فهو للداء شفاء ولصدأ القلوب جالء‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬و ُنن حَز ُل ِمن ا ْل ُقر ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫يتشف بالقرآن فال شفاه اهلل))‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ْح ٌة حل ْل ُم ْؤ ِمنِ َ‬
‫ ٍ}‪ ،‬وقال صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬من مل‬ ‫َو َر ْ َ‬

‫‪97‬‬
‫س‪ :‬ما حكم كتابة التامئم وتعليقها؟‬
‫ج‪ :‬جيوز كتابة التامئم والعزائم وتعليقها عّل اَلنمي ٍ والدواب إذا مل يكن فيها يشء من األسامء التي‬
‫ال يعرو معناها‪ ،‬فقد ثبت ك الصحيح أن رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم كان يعلمهم من الفزع‪:‬‬
‫((أعوذ بكلامت اهلل التامة من غضبه وعقابه ورش عبانه ومن مهزات الشياط ٍ وأن حيرضون))؛ فكان‬
‫عبداهلل بن عمر ريض اهلل عنهام ُي َع ّل ُم ُهن َم ْن َع َقل من بنيه‪ ،‬ومن مل يعقل كتبه وعلقه عليه‪.‬‬

‫وعن ابن حبان قال‪ :‬سألت جعفر بن حممد بن عيل ريض اهلل عنهم عن تعليق التعويذ؟ فقال‪( :‬إ ْن كان‬
‫ِ‬
‫واستشف به) ذكر ذلك ابن القيم ك (زان املعان) ‪ ،‬وذكر أيض ًا فيه‪:‬‬ ‫من كتاب اهلل أو كالم نبي اهلل فعلقه‬
‫أن اإلمام أْحد ُسئل عن التامئم ُت َع َّلق بعد نزول البالء؟ فقال‪ :‬أرجوا أن ال يكون به بأس‪ ،‬وقال ابنه‬
‫عبداهلل‪ :‬رأيت أيب يكتب التعويذ للذي يفزع وللحمى‪ ،‬ونقل عن مجاعة من السلف أنه كان يكتب ملن‬
‫أصابته الع ٍ اَليات من القرآن ثم يْهبا‪ .‬وقال جماهد‪ :‬ال بأس أن يكتب القرآن ويغسله ويسقيه‬
‫املريض‪.‬‬
‫ويذكر عن ابن عباس أنه أمر أن يكتب المرأة يعَس عليها والنها أثر من القرآن ثم يغسل ويسقى‪،‬‬
‫قال أيوب‪ :‬رأيت أبا قالبة كتب كتاباً من القرآن ثم غسله بامء وسقاه رجالً كان به وجع‪ .‬وقال ابن‬
‫تيمية ك فتاويه‪ :‬نقلوا عن ابن عباس أنه كان يكتب آيات من القرآن والذكر ويأمر بأن تسقى ملن به‬
‫ناء‪ ،‬وهذا يقتيض أن لذلك بركة‪ ،‬ونص اإلمام أْحد عّل جوازه‪ .‬اهـ‬

‫‪98‬‬
‫س‪ :‬ما املراد بالتميمة يف حديث ((من علق متيمة فقد أرشك))؟‬
‫ج‪ :‬اتفق العلامء عّل أن املران بالتميمة هنا‪ :‬هي خرزة أو قالنة ُت َع َّلق عّل اإلنسان‪ ،‬كان أهل اجلاهلية‬
‫يعتقدون أَّنا تدفع آفات‪ .‬وإنّام كان ذلك رشك ًا إلرانِتم به نفع املضار وجلب املنافع من عند غري اهلل‬
‫تعاىل‪ ،‬وأما ما كان بأسامء اهلل وكالمه عّل سبيل التربك واالستشفاء مع اعتقان أن اهلل تعاىل هو الشاك ‬
‫وإنام حيصل الشفاء بإرانته ومشيئته فال يدخل ك احلديث املذكور‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫َ‬
‫ولد‬
‫يف امل ِ‬

‫س‪ :‬ما حكم عمل املولد واالجتامع له؟‬

‫ج‪ :‬عمل املولد الذي هو ذكر األخبار الوارنة ك مبدأ أمر النبي صّل اهلل عليه وسلم وما وقع ك مولده‬
‫من اَليات واملعجزات واجتامع الناس عّل ذلك من البدع احلسنة التي يثاب عليها صاحبها ملا فيه من‬
‫تعظيم قدره صّل اهلل عليه وسلم وإظهار الفرح واالستبشار بمولده الْيف‪ ،‬وإطعام الطعام ونحوه‬
‫من وجوه القربات واملَسات‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫س‪ :‬هل لعمل املولد أصل من السنة النبوية؟‬
‫ج‪ :‬نعم‪ ،‬وقد استخرج له إمام احلفاظ أْحد بن حجر العسقالين أصالً ثابت ًا من السنة وهو ما ثبت ك ‬
‫الصحيح ٍ أن النبي صّل اهلل عليه وسلم ((قدم املدينة فوجد اليهون يصومون يوم عاشوراء فسأُّلم‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬هو يوم أغرق اهلل فوعون ونجى موسى فنحن نصومه شكراً هلل تعاىل))‪ ،‬قال‪ :‬فيستفان منه فعل‬
‫الشكر هلل عّل ما م َّن اهلل به من إسداء نعمة أو نفع نقمة ك يوم ُم َع َّ ٍ‪ ،‬والشكر هلل حيصل بأنواع العبانة‬
‫كالسجون والصيام والصدقة‪ ،‬وأي نعمة أعظم من النعمة بربوز هذا النبي نبي الرْحة صّل اهلل عليه‬
‫وسلم‪ .‬اهـ ملخص ًا‪ ،‬نقله اإلمام السيوطي ك فتاويه‪.‬‬
‫ف ُع ِل َم مما تقدم أن اإلجتامع لقصة مولده صّل اهلل عليه وسلم من أعظم القربات ملا ك ذلك من إظهار‬
‫الصالة عليه‬
‫والصالت وكثرة َّ‬
‫الشكر هلل بظهور صاحب املعجزات وملا يشتمل عليه من إطعام الطعام ح‬
‫والتسليامت‪ ،‬وغري ذلك من وجون القربات‪ ،‬وإنام األعامل بالنيات (‪.)0‬‬
‫قال احلافظ شمس الدين اجلزري‪ :‬وقد ُرؤي أبو ُّلب بعد موته ك النوم فقيل له‪ :‬ما حالك؟ فقال‪ :‬ك ‬
‫وأمص من ب ٍ إصبعي ماء بقدر هذا وأشاء لرأس إصبعه‪ ،‬وأن‬
‫ّ‬ ‫النار إالّ أنه ُخي َّفف عني كل ليلة اثن ٍ‬
‫ذلك بإعتاقي لثويبة بوالنة النبي صّل اهلل عليه وسلم وبإرضاعها له‪.‬‬
‫__________‬

‫(‪ )0‬وقد اتفق علامء املسلم ٍ ك كل زمان و مكان عّل أن البدعة سواء كانت حسنة او سيئة‪ :‬هي األمر‬
‫الذي مل يكن له أصل ك الكتاب أو السنة بخالو مولده الْيف و تعظيمه و إظهار شعاره ال سيام ك ‬
‫نص الكتاب‬
‫شهر ربيع األول فإنه مبني عّل أصل صحيح و نص ِصيح من الكتاب و السنة‪ ،‬و قد َّ‬
‫العزيز عّل قصة مولده صّل اهلل عليه وسلم و تعظيم شأَّنا ك سورة الصف حكاية عن سيدنا عيسى‬
‫رس ِائ َيل إِ حين َر ُس ُ‬
‫ول اهللَِّ إِ َل ْيكُم هم َصدح ق ًا ملحَا‬ ‫ِ ِ‬
‫يسى ا ْب ُن َم ْر َي َم َيا َبني إ ْ َ‬
‫ِ‬
‫ابن مريم عليه السالم بقوله‪َ( :‬إِ ْذ َق َال ع َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ ٍ َيدَ َّي م َن الت َّْو َراة َو ُم َب حْ ًا بِ َر ُسول َي ْأ ِيت من َب ْعدي ْ‬
‫اس ُم ُه أَ ْْحَدُ )‪.‬‬ ‫َب ْ َ‬

‫‪101‬‬
‫فإذا كان أبو ُّلب الكافر الذي نزل القرآن بذمه ُجوزي ك النار بفرحه ليلة مولد النبي صّل اهلل عليه‬
‫َس بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته‬
‫وسلم‪ ،‬فام حال املسلم املوحد من أمة النبي صّل اهلل عليه وسلم ُي َ ه‬
‫ك حمبته صّل اهلل عليه وسلم؛ ل َع ْمري إنام يكون جزاؤه من اهلل الكريم أن يدخله بفضله جنات النعيم‪.‬‬
‫اهـ‪ .‬ذكره اإلمام النبهاين ك (األنوار املحمدية)‪ .‬وك ذلك قال بعض العلامء‪:‬‬
‫ت يداه ك اجلحيم خمُ َ َّلدا‬
‫كافر جاء ذ همه ‪ ...‬و َت َّب ْ‬
‫إذا كان هذا ٌ‬
‫خي َّفف عنه للَسور بأْحدا‬
‫أتى أنه ك يوم االثن ٍ نائ ًام ‪َ ُ ...‬‬
‫فام الظن بالعبد الذي كان ُع ْمر ُه ‪ ...‬بأْحدَ مَسوراً ومات ح‬
‫موحدا‬

‫‪102‬‬
‫َ َ‬ ‫ِّ‬
‫يف الذكر واحلضرات‬

‫س‪ :‬ما حكم االجتامع عىل الذكر واحلرضات التي يفعلها كثري من الناس؟‬
‫ج‪ :‬االجتامع عّل ذلك سنة مطلوبة وقربة مندوبة إذا مل حيتو عّل يشء من املحرمات كاختالط الرجال‬
‫بالنساء األجنبيات‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫س‪ :‬ما الدليل عىل استحباب ذلك مع رفع الصوت؟‬

‫ج‪ :‬قد ورن عن النبي صّل اهلل عليه وسلم أحانيث كثرية ك فضل االجتامع عّل الذكر ورفع الصوت‬
‫به‪ ،‬منها قوله صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬ال يقعد قوم يذكرون اهلل تعاىل إال ّ حفتهم املالئكة وغشيتهم‬
‫الرْحة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم اهلل فيمن عنده)) رواه مسلم‪.‬‬
‫وأخرج مسلم و الرتمذي أن النبي صّل اهلل عليه وسلم ((خرج عّل حلقة من أصحابه‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬
‫جيلسكم؟ قالوا‪ :‬جلسنا نذكر اهلل ونحمده‪ ،‬فقال‪ :‬إنه أتاين جربيل فأخربين أن اهلل يباهي بكم‬
‫املالئكة))‪ ،‬وأخرج الطرباين مرفوع ًا‪(( :‬ما من قوم اجتمعوا يذكرون اهلل ال يريدون بذلك إال ّ‬
‫وجهه تعاىل إال َّ ناناهم أ‬
‫منان من السامء أ ْن قوموا مغفوراً لكم قد ُبدح لت سيئاتكم حسنات))‪.‬‬
‫وك األحانيث املذكورة أوضح نليل عّل فضل االجتامع عّل الذكر واخلرب واجللوس لذلك وأ َّن اهلل‬
‫يباهي هبم املالئكة‪.‬‬
‫ويدل عّل استحباب رفع الصوت ما رواه البخاري عن أيب هريرة قال‪ :‬قال رسول اهلل صّل اهلل عليه‬
‫وسلم‪(( :‬يقول اهلل‪ :‬أنا عند ظن عبدي يب وأنا معه إذا ذكرين فإن ذكرين ك نفسه ذكرته ك نفيس وإن‬
‫ذكرين ك مأل ذكرته ك مأل خري منه))‪ ،‬والذكر ك مأل ال يكون إال َّ عن َجهر‪ .‬وروى البيهقيمرفوع ًا‪:‬‬
‫((أكثروا ذكر اهلل حتى يقول املنافقون إنكم مراءون)) وك رواية‪(( :‬حتى يقولوا جمنون))‪ ،‬ومن املعلوم‬
‫أ َّن ذلك إنَّام ُيقال عند اجلهر نون اإلرسار‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫قال العلامء العارفون نفعنا اهلل هبم‪ :‬قد ورنت أحانيث تقتيض استحباب اجلهر بالذكر وأحانيث‬
‫تقتيض اإلرسار به واجلمع بينهام أن ذلك خيتلف باختالو األحوال واألشخاص فليكن الذاكر مع ما‬
‫يراه منهام أصلح ل َق ْلبِه وأمجع ُِّل َ حمه‪ ،‬وذكروا أيضا أن اإلرسار بالذكر أفضل ملن خيشى الرياء أو خيشى‬
‫مصل ونحوه‪ ،‬فإن َأ ِم َن من ذلك كان اجلهر أفضل ألن العمل فيه أكثر ويتعدى‬ ‫التشويش بجهره عّل ٍّ‬
‫ومجعيَّتِه ولكل امرئ ما نوى وامل َّط ِلع عّل الَسائر هو اهلل‬
‫نفعه إىل الغري وهو أقوى ك تأ هثر القلب َ ْ‬
‫سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫س‪ :‬ما حكم عقد التسبيح ِّ‬
‫والذكر بالسبحة؟‬
‫ج‪ :‬قال اإلمام السيوطي رْحه اهلل ك (فتاويه)‪ :‬مل ينقل عن أحد من السلف وال من اخلَ َلف املنع من‬
‫جواز عقد ح‬
‫الذكر بالسبحة بل كان أكثرهم َي ُعده ونه هبا وال يرون ذلك مكروها‪ .‬اهـ‬
‫وقد ثبت عّل جواز التسبيح بالنَّوى واحلَص حديثان‪ :‬أحدمها‪ .‬من رواية سعد ابن أيب وقاص ريض‬
‫اهلل عنه‪(( :‬أنه نخل مع رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم عّل امرأته وب ٍ يدَيا نوى أو حَص تس حبح به‪.‬‬
‫عيل رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم‬
‫والثاين‪ :‬حديث صفية أم املؤمن ٍ ريض اهلل عنها قالت‪(( :‬نخل َّ‬
‫دي أربعة آالو نواة ُأس حبح هبا)) أخرجه الرتمذي‪ .‬قال اإلمام الشوكاين ك (نيل األوطار)‪:‬‬
‫وب ٍ َي َّ‬
‫هذان احلديثان َيدالّن عّل جواز عقد التسبيح بالنَّوى واحلَص وكذا بالسبحة لعدم الفارق‪ ،‬لتقريره‬
‫صّل اهلل عليه وسلم للمرأت ٍ عّل ذلك وعدم إنكاره‪ ،‬واإلرشان إىل ما هو أفضل ال يناك اجلواز‪ ،‬واهلل‬
‫أعلم‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫ٌ‬
‫فصل يف الكفاءة‬

‫س‪ :‬ما معنى الكفاءة؟‬


‫ج‪ :‬الكفاءة لغ ًة‪ :‬التساوي والتعانل‪ ،‬ورشع ًا‪ :‬أمر يوجب عدمه عار ًا‪ ،‬وضابطها‪ :‬مساواة الزوج‬
‫للزوجة ك كامل أو خسة‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫س‪ :‬ما علة وجوب اعتبار الكفاءة يف النكاح؟‬

‫ج‪ :‬قال العلامء‪ :‬علة وجوب مراعاِتا ك النكاح هو نفع العار امللوث للعرض الذي هو من الكليات‬
‫اخلمس التي جيب حفظها باإلمجاع‪ ،‬وهي الدين والنفس والعرض واملال و العقل؛ وألن النكاح يعقد‬
‫للعمر يشتمل عّل أغراض ومقاصد كالصحبة واأللفة وتأسيس القرابات وال ينتظم ذلك إال ّ ب ٍ‬
‫األكفاء‪.‬‬
‫س‪ :‬ما الدليل عّل وجوب اعتبار الكفاءة ك النسب؟‬
‫ختريوا لِنُ َط ِفكم فإن العرق ن ََّزاع‪ ،‬فانكحوا‬
‫ج‪ :‬لذلك أنلة كثرية منها قوله صّل اهلل عليه وسلم‪َّ (( :‬‬
‫األكفاء وأنكحوا إليهم))‪ .‬رواه ابن ماجة واحلاكم و البيهقي‪ .‬ومنها قوله صّل اهلل عليه وسلم لسيدنا‬
‫عيل كرم اهلل وجهه‪(( :‬ثالث ال تؤخروها‪ :‬الصالة إذا أتت واجلنازة إذا حرضت و األ حيم إذا وجدت ُّلا‬
‫كفؤ ًا)) رواه الرتمذي‪.‬‬
‫ومنها قوله صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬إ َّن اهلل اصطفى كنانة من ولد إسامعيل واصطفى قريش ًا من كنانة‬
‫واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاين من بني هاشم)) رواه مسلم و الرتمذي وغريمها‪.‬‬
‫قال العلامء‪ :‬وك هذه األحانيث ناللة عّل أن غري قريش من العرب ليسوا أكفاء ُّلم ك النكاح‪ ،‬وال‬
‫غري بني هاشم أكفاء ُّلم‪ ،‬وملا كانت اَليات واألحانيث تدل قطع ًا عّل أ َّن أوالن احلسن واحلس ٍ‬
‫منسوبون إىل النبي صّل اهلل عليه وسلم نسبة صحيحة ال خالو ب ٍ العلامء فيها وقد أمجعت األمة عّل‬
‫ذلك‪ ،‬صاروا أحسن الناس حسب ًا ونسب ًا وأَّنم ال ُيكافئهم أحد من اخللق‪.‬‬
‫قال اإلمام السيوطي رْحه اهلل ك (اخلصائص)‪ :‬ومن خصائصه صّل اهلل عليه وسلم‪ :‬أ َّن أوالن ابنته‬
‫فاطمة منسوبون إليه وأَّنم ال ُيكافيهم ك النكاح أحد من الناس‪ ،‬والدليل عّل ذلك ما أخرجه احلاكم‬
‫عن جابر قال‪ :‬قال رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬لكل بني أب عصبة إالّ ابني فاطمة فأنا وليهام‬
‫وعصبتهام))‪.‬‬
‫وأخرج الطرباين عن فاطمة مرفوعاً ((كل بني أنثى ينتمون إىل عصبتهم إال ّ ولد فاطمة ح‬
‫فإين أنا ول هيهم‬
‫وأنا عصبتهم وأبوهم))‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫نبي ك صلبه‪،‬‬
‫وأخرج الطرباين وأبو اخلري أن النبي صّل اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬إن اهلل جعل ذرية كل ّ‬
‫وجعل ذريتي ك ُص ْل ِ‬
‫ب عيل بن أيب طالب))‪.‬‬
‫واعلم أن القرآن والسنة مل يرصحا أبد ًا بعدم اعتبار الكفاءة ك النسب وال باعتبار ك الدين‪ ،‬نعم‬
‫وِصحا أيضاً بتفاضل الناس بعضهم بعض ًا من غري جهة الدين‬
‫ِصحا بفضل أهل التقوى عّل غريهم َّ‬
‫َّ‬
‫وِصحت السنة بفضل العرب عّل العجم وبفضل قريش‬
‫وِصحا بفضل أهل البيت عّل غريهم‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫وبفضله صّل اهلل عليه وسلم وفضل ذريته عّل بني هاشم‪ ،‬ومن هنا قال مجهور العلامء باعتبار الكفاءة‬
‫َّاس إِنَّا‬
‫ك قال العلامء رْحهم اهلل‪ :‬وال يصح االستدالل عّل عدم اعتبار الكفاءة بقوله تعاىل‪َ { :‬يا َأ ه ََيا الن ُ‬
‫َخ َل ْقنَا ُك ْم ِم ْن َذك أَر َو ُأ ْنثَى} اَلية‪ ،‬وبقوله صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬ال فضل لعريب عّل عجمي‪ ،‬وال‬
‫لعجمي عّل عريب إال ّ بالتقوى))‪ ،‬وقوله‪(( :‬إن آل بني فالن ليسوا بأوليائي املتقون))‪ ،‬فليس ك ذلك‬
‫ك ّله نالله عّل سقوط الكفاءة ك النسب‪ ،‬ألن تلك اَلية واألحانيث وارنة ك فضل أهل التقوى‪ ،‬وال‬
‫شك أن الكريم عند اهلل املتصف هبا وليس كالمنا فيه‪ ،‬وإنَّام الكالم ك أ َّن النسب ال َعيل هل يفتخر به‬
‫َّ‬
‫ذوو العقول ك الدنيا أو ال؟ وال َّ‬
‫شك ك االفتخار به وأن من أجربها وليهها عّل نكاح غري ُمكافئ ُّلا ك ‬
‫النسب يعده ذلك بخساً وعار ًا عليها‪ ،‬والنهي عن االفتخار بالنسب حممول إذا كان مع اخليالء‬
‫واالزنراء بالفقراء‪ ،‬وأ ّما إذا كان ُتدث ًا بالنعمة وحفظاً للعرض من العار أو ملراعاة ّ‬
‫حق النسب فليس‬
‫بمذموم بل معمول به عند ذوي العقول واملروءات كقوله صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬أنا سيد ولد آنم وال‬
‫النبي ال كذب أنا ابن عبداملطلب))‪.‬‬
‫فخر)) وقوله ك يوم ُحن ٍ‪(( :‬أنا ه‬

‫فزوجوه‪ ،‬إال تفعلوا‬


‫قال العلامء‪ :‬أ ّما قوله صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬إذا جاءكم من ترضون نينه وخلقه ح‬
‫تكن فتنة ك األرض وفسان كبري)) فليس فيه ما ه‬
‫يدل عّل عدم اعتبار الكفاءة ك النسب أيضاً ألن معنى‬
‫احلديث‪ :‬إن مل ترغبوا ك ذي الدين واخللق املريض املوجب ٍ للصالح واالستقامة ورغبتهم ك جمرن‬
‫اجلار للبغي والفسان تكن فتنة ‪ ..‬ألخ‪ .‬ذكر ذلك السيد حممد املرتىض الزبيدي ك ‬
‫املال اجلالب للطغيان ح‬
‫رشحه عّل (اإلحياء)‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫زوج النبي صّل اهلل عليه وسلم زينب بنت جحش القرشية من مواله زيد بن حارثة‪ ،‬و‬
‫فإن قيل‪ :‬قد َّ‬
‫زوج فاطمة بنت قيس الفهرية من أسامة بن زيد؛ قال العلامء‪ :‬ألن من خصوصية‬
‫صّل اهلل عليه وسلم أن يزوج من شاء من النساء بمن شاء من الرجال بغري رضاهن وال رضا أوليائهن‬
‫ ٍ ِم ْن َأ ْن ُف ِس ِه ْم}‪ ،‬وقوله صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬أنا ويل كل مؤمن))‪،‬‬
‫لقوله تعاىل‪{ :‬النَّبِ هي َأ ْو َىل بِاملُْ ْؤ ِمنِ َ‬
‫فال يقاس أحد به صّل اهلل عليه وسلم ك ذلك‪ ،‬وك القصة‪(( :‬أنَّه صّل اهلل عليه وسلم ملا خطب زينب‬
‫يلح عليها وهي تأبى حتى أنزل اهلل { َو َما كَا َن‬ ‫ملواله زيد أبت وأبى أخوها‪ ،‬وبقي صّل اهلل عليه وسلم ه‬
‫فحينئذ قالت‪ :‬رضيته يل يا‬ ‫أ‬ ‫اخل َ َري ُة ِم ْن َأ ْم ِر ِه ْم}‪،‬‬
‫ُملِ ْؤ ِم أن و َال م ْؤ ِمن أَة إِ َذا َق َىض اهللَُّ ورسو ُله َأمرا َأ ْن يكُو َن َُّلم ْ ِ‬
‫ُُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ُ ًْ‬ ‫َ ُ‬
‫رسول اهلل؟ قال‪ :‬رضيت‪ ،‬فأنكحها إ َّياه))‪ .‬قال العلامء‪ :‬إ َّن زينب إنام مل ترض بزيد لكوَّنا تراه غري كفؤ‬
‫ُّلا من جهة النسب ولكن ملا كان أمره صّل اهلل عليه وسلم واجب االمتثال زوجها به حتام‪ ،‬وكذلك‬
‫فاطمة بنت قيس فإَّنا مل ترض َّأوالً ب ُأ َسامة حتَّى قال ُّلا رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬طاعة اهلل‬
‫أ‬
‫حينئذ‪ ،‬فلو كانت الكفاءة ال تعترب إال ّ ك الدين فقط ملا أبت زينب‬ ‫وطاعة رسوله خري لك))‪ ،‬فرضيت‬
‫أحب الناس إليه صّل اهلل عليه وسلم‪ .‬واهلل‬
‫وفاطمة عن زيد وأسامة ومها من أجالء الصحابة ومن ح‬
‫أعلم‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫س‪ :‬ما حكم الكفاءة يف النكاح من جهة النسب عند األئمة األربعة؟‬
‫ج‪ :‬اتفقت األئمة الثالثة الشافعي وأبو حنيفة وأْحد ومجهور علامء األمة عّل اعتبار الكفاءة ك الدين‬
‫والنسب إالّ ما ذكروا عن اإلمام مالك أنه مل يعترب ك النسب‪ ،‬واختلفوا ك باقي صفاِتا‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫س‪ :‬ما حكم إذا اتفق األولياء و املرأة عّل نكاح غري كفؤ؟‬
‫ج‪ :‬يصح العقد عند األئمة الثالثة وك رواية عن اإلمام أْحد أنه ال يصح وإن أسقطوا الكفاءة‪ ،‬وقال‬
‫ابن تيمية ك (فتاويه) عند ذكر الكفاءة ك النسب‪ :‬أ َّما عند أيب حنيفة والشافعي وأْحد ك إحدى‬
‫حق هلل فال يصح‬
‫الروايت ٍ عنه فهي حق للزوجة واألبوين فإذا رضوا بدون كفؤ جاز‪ ،‬وعند أْحد هي ٌّ‬
‫النكاح مع فراقها‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫قال العلامء‪ :‬واحلاصل أ َّن مذهب اإلمام أْحد ال ُبدَّ ك إسقاط الكفاءة من رىض املرأة وأوليائها قريبهم‬
‫وبعيدهم حتى من حيدث منهم وملن مل يرض الفسخ‪ ،‬وك رواية أخرى لإلمام أْحد ال جيوز بحال وإ ْن‬
‫رضيت املرأة وأوليائها ألَّنا عّل هذه الرواية حق هلل فال يصح النكاح مع عدمها‪.‬‬
‫وقد اختار السانة العلوي ٍ ك تزويج بناِتم مذهب اإلمام أْحد بن حنبل ريض اهلل عنه وهو اعتبار‬
‫رىض مجيع العصبة األقرب واألبعد حتى ملن حيدث من عصبتها الفسخ ألن العار ك تزويج غري الكفؤ‬
‫عليهم أمجع ٍ‪ ،‬وعّل ذلك عملهم حيث كانوا حرص ًا عّل صون األنساب املصطفوية واحرتامها ُّلذه‬
‫البضعة النبوية‪ .‬ذكر ذلك العالمة علوي بن أْحد السقاو ك حاشية (فتح املع ٍ)‪.‬‬

‫كرم اهلل وجهه بناته الاليت أ همهن فاطمة الزهراء من غري بني هاشم‪ ،‬قد‬
‫زوج سيدنا عيل َّ‬
‫فإن قيل‪ :‬قد َّ‬
‫أجيب عن ذلك‪ :‬بأ َّن ك ذلك الوقت مل يكثر انتشار من له حق ك هذا النسب الطاهر بل هو موجون‬
‫وحارض فال يعَس اجتامع الكل ورضاهم بذلك‪ ،‬وأ َّما بعد أن كثروا وانتْوا ك أقطار األرض تعذر‬
‫ذلك االجتامع و الرىض‪ ،‬ألن هذا احلق ُّلذا النسب راجع لكل من انتسب إىل احلسن ٍ ورضا مجيع‬
‫أوالنمها متعذر فافهم‪ .‬وبعضهم اعتمد الرواية األخرى من مذهب أْحد وهي عدم صحة النكاح وإ ْن‬
‫ريض األولياء ألن الكفاءة من حق اهلل‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬ذكر الفقهاء أ َّن املرأة إذا أسقطت كفاءِتا مع وليها األقرب جاز نكاحها ممن ال يكافئها وال‬

‫‪111‬‬
‫اعرتاض حينئذ لألبعد‪ ،‬أجيب‪ :‬بأن غاية ما ذكروه غري احلنابلة رخصة فقط والقاعدة عندهم إن‬
‫الرخص ال ُتن َاط باملعايص‪ ،‬فيتع ٍ ْحل ذلك إذا مل حيصل يشء من اإلثم واحلرج‪ ،‬وأما تزويج رشيفة‬
‫ه‬
‫ممن ال يكافئها ك نسبها فينبغي أن ال يدخل ك عموم تلك الرخصة ملا ك ذلك من اإليذاء واإلهانة‬
‫فأي معصية ك الدين مثل إيذائهم ألن ك ذلك إيذاء للنبي صّل اهلل عليه وسلم‬ ‫ِ‬
‫بالعرتة الطاهرة‪َّ ،‬‬
‫وفاطمة الزهراء ريض اهلل عنها ألن أهل البيت بضعة منها وهي بضعة منه صّل اهلل عليه وسلم وما‬
‫ثبت لألصل ثبت حكمه للفرع وقد روى البخاري أن النبي صّل اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬فاطمة بضعة‬
‫وصح أيض ًا أنَّه صّل اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬يا فاطمة إن اهلل تعاىل‬
‫َّ‬ ‫مني فمن أغضبها أغضبني))‪،‬‬
‫يغضب لغضبك ويرىض لرضاك))‪ ،‬ومن آذى أحداً من ولدها فقد تعرض ُّلذا اخلطر العظيم‪.‬‬
‫ف ُع ِل َم مما تقدم أ َّن ما أفتى به السانة بنو علوي الذين هم خالصة أهل البيت النبوي من أنَّه‪ :‬ال جيوز‬
‫نكاح الْيفة بغري رشيف مطلق ًا‪ ،‬هو احلق الذي ال جيوز خمالفته وال يسعنا إال ّ موافقته‪ ،‬وعليه عملهم‬
‫ك مجيع األقطار وتبعهم عّل ذلك العلامء ك سائر األمصار‪.‬‬

‫تنبيه‪ :‬واعلم أن اخلالو ال يثبت ك مسألة الكفاءة من جهة النسب إالّ إذا مل يكن فيها أمر من الوالة‬
‫واحلكام ألن العلامء جممعون عّل وجوب طاعة األمراء ك غري معصية وحرام‪.‬‬
‫وقد ذكر السيد العالمة علوي بن أْحد السقاو ريض اهلل عنه ك حاشيته عّل (فتح املع ٍ)‪ :‬أ َّن الدولة‬
‫العثامنية قد أصدرت أوامرها العالية قدي ًام وحديث ًا بأن ال يتزوج نساء السانة األرشاو غريهم‪ ،‬فصار‬
‫املنع عن تزويج بنات األرشاو بغريهم متفق عليه عند األئمة ومجيع علامء األمة‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫يف احلث على حمبة أهل البيت‬

‫س‪ :‬ما حكم حمبَّة أهل البيت النبوي يف دين اإلسالم؟‬

‫ج‪ :‬اعلم أنه من املشهور واملعلوم عند اخلاص والعام أ َّن حمبَّة أهل بيت ح‬
‫النبي وذريته صّل اهلل عليه‬
‫وسلم فرض عّل كافة أهل اإلسالم‪ ،‬وقد ثبت ك اَليات القرآنية والسنة النبوية ه‬
‫احلث عّل حمبتهم‬
‫واألمر بمونِتم ونرج عّل ذلك أعالم الصحابة والتابع ٍ وأئمة السلف املهتدين‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫س‪ :‬ما اآليات القرآنية الدالة عىل وجوب حمبتهم؟‬
‫ج‪ :‬من اَليات القرآنية الدالة عّل وجوب حمبتهم قوله تعاىل لنبيه صّل اهلل عليه وسلم‪ُ { :‬ق ْل َال‬
‫َأ ْس َأ ُلك ُْم َع َليْ ِه َأ ْج ًرا إِ َّال املَْ َو َّن َة ِك ا ْل ُق ْر َبى}‪ .‬وأخرج اإلمام أْحد و الطرباين واحلاكم أنه ملا نزلت هذه‬
‫اَلية قالوا‪(( :‬يا رسول اهلل‪ ،‬من قرابتك هؤالء الذين وجبت علينا مونِتم؟ قال‪ :‬عيل وفاطمة‪،‬‬
‫وابنامها))‪ .‬وعن سعيد ابن جبري رْحه اهلل ك قوله تعاىل‪{ :‬إِ َّال املَْ َو َّن َة ِك ا ْل ُق ْر َبى}‪ ،‬قال‪(( :‬قربى رسول‬
‫اهلل صّل اهلل عليه وسلم))‪ .‬رواه الرتمذي ك جامعه‪ .‬وعن ابن عباس ريض اهلل عنهام ك قوله تعاىل‪:‬‬
‫ِ‬ ‫{ َو َم ْن َي ْق َ ِرت ْ‬
‫حممد))‪.‬‬
‫ُور (‪ .})22‬قال‪(( :‬احلسنة مو َّنة آل َّ‬ ‫و َح َسن َ ًة ن َِز ْن َل ُه في َها ُح ْسنًا إِ َّن اهللََّ َغ ُف ٌ‬
‫ور َشك ٌ‬
‫ذكره الثعلبي ك تفسريه‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫س‪ :‬ما األحاديث التي تدل عىل وجوب حمبتهم؟‬

‫ج‪ :‬وأما األحانيث التي ه‬


‫تدل عّل وجوب حمبتهم فكثرية‪ ،‬منها‪ :‬ما أخرجه ابن ماجةعن العباس بن‬
‫عبداملطلب أن النبي صّل اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬ما بال أقوام إذا جلس إليهم أحد من أهل بيتي قطعوا‬
‫حديثهم‪ ،‬والذي نفيس بيده ال يدخل قلب امرئ اإليامن حتى حيبهم هلل ولقرابتي))‪ ،‬وك رواية‪(( :‬ال‬
‫يؤمن عبد يب حتى حيبني وال حيبني حتى حيب أهل بيتي))‪.‬‬
‫وأخرج الرتمذيواحلاكم عن ابن عباس أن النبي صّل اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬أحبوا اهلل ملا يغذوكم به‬
‫من نعمه وأحبوين حلب اهلل وأحبوا أهل بيتي حلبي))‪.‬‬
‫وأخرج الديلمي أنه صّل اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬أ حنبوا أوالنكم عّل ثالث خصال‪ ،‬حب نبيكم‪ ،‬وحب‬
‫أهل بيته‪ ،‬وقراءة القرآن))‪.‬‬
‫وأخرج الطرباين عن ابن عمر ريض اهلل عنهام قال‪(( :‬آخر ما تكلم به النبي صّل اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫اخلفوين ك أهل بيتي))‪.‬‬
‫وأخرج الطرباين وأبو الشيخ أنه صّل اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬إ َّن هلل عز وجل ثالث ُحر َمات فمن‬
‫حفظهن حفظ اهلل نينه وننياه‪ ،‬قيل‪ :‬ما ُه َّن؟ قال‪ :‬حرمة اإلسالم‪ ،‬وحرمتي‪ ،‬وحرمة رْحي))‪.‬‬
‫وأخرج البيهقي و الديلمي أنه صّل اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬ال يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من‬
‫نفسه وتكون عرتيت أحب إليه من عرتته ويكون أهيل أحب إليه من أهله))‪.‬‬
‫و روى البخاري ك صحيحه عن أيب بكر الصديق ريض اهلل عنه أنه قال‪(( :‬يا أَيا الناس ارقبوا حممداً‬
‫صّل اهلل عليه وسلم ك أهل بيته واحفظوه فيهم فال تؤذوهم))‪ .‬وكان ريض اهلل عنه يقول‪(( :‬والذي‬
‫نفيس بيده لقرابة رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم أحب إيل أن ِ‬
‫أص َل من قرابتي))‪.‬‬ ‫َّ‬
‫وك (الشفاء) للقايض عياض عن النبي صّل اهلل عليه وسلم أنه قال‪(( :‬معرفة آل حممد براءة من النار‪،‬‬
‫وحب آل حممد جواز عّل الرصاط‪ ،‬والوالية َلل حممد أمان من العذاب))‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫يف التحذير من بغضهم والتعرض ألذيتهم‬

‫اعلم أنه قد ورن من اَليات واألحانيث ك التحذير من بغضهم والتعرض ألذيتهم يشء كثري فليحذر‬
‫املسلم املشفق عّل نينه من بغض أحد من أهل بيت رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم فإن ذلك يرضه ك ‬
‫نينه وآخرته ويعده به مسيئاً إىل نبيه ومؤذياً له صّل اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫وقد ذكر العلامء رْحهم اهلل األحانيث الوارنة ك أن من آذى أهل البيت فقد آذى النبي صّل اهلل عليه‬
‫واستحق اللعن والعذاب ونخل ك خطر الوعيد‬ ‫َّ‬ ‫وسلم ومن آذاه صّل اهلل عليه وسلم فقد آذى اهلل‬
‫الوارن ك قوله تعاىل‪{ :‬إِ َّن ا َّل ِذي َن ُي ْؤ ُذو َن اهللََّ َو َر ُسو َل ُه َل َعنَ ُه ُم اهللَُّ ِك الده ْنيَا َو ْاَلَ ِخ َر ِة َو َأعَدَّ َُّل ُ ْم َع َذا ًبا ُم ِهينًا‬
‫(‪ .})61‬وقوله تعاىل‪َ { :‬و َما كَا َن َل ُك ْم َأ ْن ت ُْؤ ُذوا َر ُس َ‬
‫ول اهللَِّ} اَلية‪.‬‬
‫وأخرج الطرباين و البيهقي أ َّن النبي صّل اهلل عليه وسلم قال وهو عّل املنرب‪(( :‬ما ُ‬
‫بال أقوام يؤذونني‬
‫ك نسبي وذوي رْحي‪ ،‬أال َ َمن آذى نسبي وذوي رْحي فقد آذاين ومن آذاين فقد آذى اهلل تعاىل))‪.‬‬
‫وأخرج الرتمذي وابن ماجة واحلاكم أن رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬أنا حرب ملن حارهبم‬

‫وسلم ملن ساملهم))‪ ،‬يعني أهل بيته صّل اهلل عليه وسلم‪ .‬قال صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬إ َّن اهلل َّ‬
‫حرم‬
‫اجلنة عّل من ظلم أهل بيتي أو قاتلهم أو أعان عليهم أو سبهم)) رواه اإلمام أْحد‪ .‬وأخرج املُالَّك ‬
‫سريته مرفوع ًا‪(( :‬ال حيبنا أهل البيت إالّ مؤمن تقي‪ ،‬وال يبغضنا إالّ منافق شقي))‪ .‬وأخرج الطرباين‬
‫واحلاكم ك صحيحه وقال عّل رشط مسلم‪ :‬أن النبي صّل اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬لو أن رجالً َص َفن‬
‫ب ٍ الركن واملقام وصّل وصام‪ ،‬ثم مات وهو مبغض ألهل بيت حممد صّل اهلل عليه وسلم نخل‬
‫النار))‪ .‬وقال عليه الصالة والسالم‪(( :‬اشتد غضب اهلل عّل من آذاين ك عرتته)) أخرجه الديلمي‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫فضائل أهل بيت رسول اهلل‬

‫س‪ :‬هل االتصال به صىل اهلل عليه وسلم واالنتساب إليه من أعظم املفاخر؟‬
‫ج‪ :‬نعم‪ ،‬االتصال به صّل اهلل عليه وسلم واالنتساب إليه من أعظم وأرشو املآثر عند ذوي العقول‬
‫والبصائر‪ ،‬وأ َّن أصوله وفروعه صّل اهلل عليه وسلم أرشو األصول والفروع التصال نسبهم بنسبه‪،‬‬
‫وارتباط حسبهم بحسبه‪ .‬وقد اتفق العلامء رْحهم اهلل عّل أن السانة األرشاو أحسن الناس عنرص ًا‬
‫من جهة اَلباء واجلدون وأَّنم متساوون مع غريهم ك األحكام الْعية واحلدون‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫س‪ :‬ما اآليات واألحاديث الدالة عىل فضائل أهل البيت وصحة انتساهبم جلدهم رسول اهلل صىل اهلل‬
‫عليه وسلم؟‬
‫ج‪ :‬من ذلك قوله تعاىل‪{ :‬إِنَّام ي ِريدُ اهللَُّ لِي ْذ ِهب َعنْ ُكم الرجس َأه َل ا ْلبي ِ‬
‫ت َو ُي َط حه َرك ُْم َت ْط ِه ًريا (‪})22‬‬ ‫ُ ح ْ َ ْ َْ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ُ‬
‫اَلية‪ ،‬قال العلامء‪ :‬قوله أهل البيت يشمل السكنى وبيت النسب فزوجاته عليه السالم أهل بيت‬
‫السكنى وأقاربه أهل بيت النسب‪ ،‬وقد جاءت أحانيث تدل عّل ذلك‪،‬‬
‫منها ما أخرجه اإلمام أْحد عن أيب سعيد اخلدري ريض اهلل عنه قال‪(( :‬إ َّن هذه اَلية نزلت ك النبي‬
‫صّل اهلل عليه وسلم وعيل وفاطمة واحلسن واحلس ٍ ريض اهلل عنهم))‪ .‬وصح أنه صّل اهلل عليه‬
‫وسلم جعل عّل هؤالء كساء وقال‪(( :‬اللهم هؤالء أهل بيتي وخاصتي أذهب عنهم الرجس‬
‫وطهرهم تطهريا))‪ .‬وك رواية‪(( :‬ألقى عليهم كساء و وضع يده عليهم وقال‪ :‬اللهم إ َّن هؤالء آل‬
‫حممد فاجعل صلواتك وبركاتك عّل حممد وعّل آل حممد إنَّك ْحيدٌ جميدٌ ))‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫اج َك فِ ِيه ِم ْن َب ْع ِد َما َجا َء َك ِم َن ا ْل ِع ْل ِم َف ُق ْل َت َعا َل ْوا‬
‫ومن اَليات الدالة عّل فضلهم قوله تعاىل‪َ { :‬ف َم ْن َح َّ‬
‫نَدْ ع َأبنَاءنَا و َأبنَاء ُكم ونِساءنَا ونِساءكُم و َأ ْن ُفسنَا و َأ ْن ُفس ُكم ُثم َنبت َِه ْل َفنَجع ْل َلعنَ َة اهللَِّ َع َّل ا ْلك ِ‬
‫َاذبِ َ‬
‫ ٍ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫ُ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َّ ْ‬
‫(‪ ،})50‬قال أهل التفسري‪ :‬ملا نزلت هذه اَلية نعا رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم علي ًا وفاطمة‬
‫واحلسن واحلس ٍ ريض اهلل عنهم فاحتضن احلس ٍ وأخذ بيد احلسن ومشت فاطمة خلفه وعيل‬
‫خلفهام وقال‪ :‬اللهم هؤالء أهيل‪.‬‬
‫وك هذه اَلية نليل ِصيح عّل أ َّن أوالن فاطمة وذريتهم يسمون أبناءه صّل اهلل عليه وسلم وينسبون‬
‫إليه نسب ًة صحيح ًة نافعة ك الدنيا واَلخرة (‪.)0‬‬
‫وأما األحانيث الوارنة ك فضائل أهل البيت ومزاياهم فهي كثرية‪ :‬أخرج أبو يعّل عن َس َلمة بن‬
‫األكوع ريض اهلل عنه أن النبي صّل اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬النجوم أمان أهل السامء وأهل بيتي أمان‬
‫َ‬
‫ألمتي من االختالو))‪ .‬وأخرج اإلمام أْحد ك املناقب عن عيل ريض اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬النجوم أما ٌن ألهل السامء وأهل بيتي أمان ألهل األرض فإذا ذهب أهل بيتي‬
‫ذهب أهل األرض))‬
‫__________‬

‫(‪ُ )0‬ح ِك َي أن هارون الرشيد سأل موسى الكاظم ريض اهلل عنه فقال‪ :‬كيف قلتم نحن ذرية رسول اهلل‬
‫نسب الرجل إألى جدح ه ألبيه نون جدح ه أل حمه؟ فقال‬ ‫صّل اهلل عليه وسلم و أنتم بنو عيل‪ ،‬و إنام ُي ُ‬
‫الرحيم* ( َو ِمن ُذ حر َّيتِ ِه َن ُاوو َن َو ُس َليْ َام َن‬ ‫الرْحن َّ‬ ‫الكاظم‪ :‬أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم * بسم اهلل َّ‬
‫ِ‬ ‫وسى َو َه ُارو َن َوك ََذلِ َك ن َْج ِزي املُْ ْح ِسن ِ َ‬
‫اس) و‬ ‫يسى َوإِ ْليَ َ‬ ‫حييَى َوع َ‬ ‫ ٍ * َو َزك َِر َّيا َو َ ْ‬ ‫ف َو ُم َ‬
‫وس َ‬ ‫َو َأ هي َ‬
‫وب َو ُي ُ‬
‫ليس لعيسى أب و إنام أُ ِحل َق بذريه األنبياء من جهة أ حمه‪ ،‬و كذلك ُأحلقنا بذرية نبينا صّل اهلل عليه وسلم‬
‫من ِق َبل أمنا ريض اهلل عنها‪ ،‬و زيانة أخرى يا أمري املؤمن ٍ نزول آية املباهلة و مل يد ُع رسول اهلل صّل‬
‫اهلل عليه وسلم غري عيل و فاطمة و احلسن و احلس ٍ ريض اهلل تعاىل عنهم‪ .‬ذكرها ك جممع األحباب‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫وك رواية لإلمام أْحد‪(( :‬فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل األرض من اَليات ما كانوا يوعدون))‪.‬‬
‫وأخرج احلاكم عن أنس ريض اهلل عنه أن رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬وعدين ريب ك أهل‬
‫بيتي من أقر منهم هلل تعاىل بالتوحيد ويل بالبالغ أن ال يعذهبم))‪.‬‬
‫وأخرج الرتمذي أنه صّل اهلل عليه وسلم قال‪ (( :‬حإين تار ٌك فيكم ما إ ْن متسكتم به لن تضلوا بعدي‪،‬‬
‫وجل حبل ممدون من السامء إىل األرض‪ِ ،‬‬
‫وعرتيت أهل بيتي‪،‬‬ ‫عز َّ‬‫أحدمها أعظم من اَلخر‪ :‬كتاب اهلل َّ‬
‫وصح أنه صّل اهلل عليه وسلم قال‪:‬‬
‫َّ‬ ‫عيل احلوض فانظروا كيف ختلفوين فيهام))‪.‬‬
‫ولن يفرتقا حتى يرنا َّ‬
‫((إنام مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن ختلف عنها غرق ‪ -‬وك رواية‪ :‬هلك ‪-‬‬
‫ومثل أهل بيتي فيكم مثل باب ِح ّطة ك بني إرسائيل من نخله غفر له))‪ .‬وأخرج الديلمي أنه صّل اهلل‬
‫عليه وسلم قال‪(( :‬الدعاء حمجوب حتَّى ُيصّل عّل حممد وآل بيته))‪ .‬ولإلمام الشافعي ريض اهلل عنه‪:‬‬
‫أنز َل ُه‬
‫فرض من اهلل ك القرآن َ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل حبهكُم ‪ٌ ...‬‬ ‫بيت‬
‫يا أهل َ‬

‫َّكم ‪ ...‬من مل ُي َص حل عليكم ال َصالَ َة َل ُه‬


‫كفاكم من عظيم القدر أن ُ‬
‫ُ‬
‫قال بعض املحقق ٍ نفع اهلل هبم‪ :‬من أمعن النظر ك الواقع واملشاهد وجد أهل البيت ‪ -‬إال ّ من نَدَ ر ‪-‬‬
‫هم القائمون بوظائف الدح ين والدَّ عوة إىل رشيعة سيد املرسل ٍ املتقون لرهبم واملقتفون جلدهم‪،‬‬
‫يضعون ال َقدم عّل ال َقدم‪ ،‬ومن يشابه أباه فام ظلم‪ ،‬وعلامؤهم هم قانة األمم‪ ،‬والشموس التي تنجاب‬
‫هبا الظلم‪ ،‬فهم بركة هذه األ ّمة‪ ،‬الكاشفون عنها من غياهب الكون كل غمة‪ ،‬فالبد وأن يوجد ك كل‬
‫عرص طائفة منهم يدفع اهلل هبا عن الناس البالء‪ ،‬فإَّنم أمان ألهل األرض كام أن النجوم أمان ألهل‬
‫السامء‪ ،‬أمل يقل النبي صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬تَع َّلموا منهم وال تع ّلموهم‪ ،‬وأنكم حزب إبليس إذا‬
‫خالفتموهم))‪ ،‬أ َما جاء عنه أ َّن املتمسك هبم ال يضل أبد ًا وأَّنم لن يدخلوكم باب ضاللة ولن‬
‫خيرجوكم عن باب هدى‪ ،‬أمل خيرب أَّنم أمان هذه األمة‪ ،‬وأن اهلل قد جعل فيكم ِ‬
‫احلكمة‪ ،‬وأ َّن من‬ ‫ّ‬
‫ناوأهم فهو عن نين اهلل مارق‪ ،‬وأن من أبغضهم فهو بالنص منافق‪ ،‬وأخرب أَّنم لن يفارقوا كتاب اهلل‬
‫حتى جيمعهم شاطئ احلوض وإ َّياه‪ .‬اهـ‬

‫‪120‬‬
‫س‪ :‬هل االنتساب إليه صىل اهلل عليه وسلم نافع يف الدنيا واآلخرة؟‬
‫ج‪ :‬نعم‪ ،‬االنتساب إليه صّل اهلل عليه وسلم نافع ك الدنيا واَلخرة‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫س‪ :‬ما الدليل عىل ذلك؟‬
‫ج‪ :‬لذلك أنلة كثرية منها صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة إالّ نسبي‬
‫وصهري)) رواه ابن عساكر عن عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنه‪ ،‬فهذا احلديث يدل عّل عظيم نفع‬
‫االنتساب إليه صّل اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫البزار و الطرباين وغريمها من حديث طويل قال رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬ما‬
‫ومنها‪ :‬ما أخرج ّ‬
‫بال أقوام يزعمون أن قرابتي ال تنفع‪ ،‬إ َّن كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إالّ سببي ونسبي‪ ،‬وإ َّن‬
‫رْحي موصولة ك الدنيا واَلخرة))‪ .‬و روى اإلمام أْحد واحلاكم والبيهقي عن ابن مسعون ريض اهلل‬
‫عنه قال‪ :‬سمعت رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم يقول عّل املنرب‪(( :‬ما بال رجال يقولون‪ :‬إ ّن رحم‬
‫رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم ال تنفع يوم القيامة‪ ،‬بّل واهلل إ ّن رْحي موصولة ك الدنيا واَلخرة وإين‬
‫ّأَيا الناس َف َرط لكم عّل احلوض))‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫س‪ :‬ما معنى ما ورد يف احلديث الصحيح أنه صىل اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬يافاطمة بنت حممد‪ ،‬يا صفية‬
‫بنت عبداملطلب أنقذوا أنفسكم من النار فإين ال أملك لكم من اهلل شيئاً)) ونحو ذلك من األحاديث؟‬
‫ج‪ :‬قال العلامء نفع اهلل هبم‪ :‬ال تعارض ب ٍ احلديث املذكور وب ٍ األحانيث الوارنة ك فضل أهل بيته‬
‫صّل اهلل عليه وسلم‪ ،‬ألن معنى احلديث‪ :‬أنه صّل اهلل عليه وسلم ال يملك ألحد من اهلل شيئاً ال رضاً‬
‫وال نفع ًا‪ ،‬لكن اهلل ُي َم حلكُه نفع أقاربه بل مجيع أمته بالشفاعة العامة واخلاصة‪ ،‬فهو ال يملك إالّ ما ُي َم حلكُه‬
‫عز وجل‪.‬‬
‫له مواله ّ‬

‫وكذا قوله صّل اهلل عليه وسلم ك رواية‪(( :‬ال ُأغني عنكم من اهلل شيئ ًا)) أي‪ :‬بمجرن نفيس من غري ما‬
‫يكرمني اهلل به من شفاعة أو مغفرة من أجيل ونحو ذلك‪ ،‬وقد أشار صّل اهلل عليه وسلم ذلك بقوله ك ‬
‫آخر احلديث‪(( :‬غري أن لكم رْحاً سأبلها ببالها)) أي‪ :‬سأصلها بصلتها‪.‬‬

‫فاقتىض مقام التخويف إىل خطاهبم بذلك مع اإليامء إىل حق َر ِْحه‪ ،‬وقد صحت األحانيث النبوية ك ‬
‫أ ّن نِ ْسبَة أهل بيته إليه صّل اهلل عليه وسلم نافعة ُّلم ك الدنيا واَلخرة‪ ،‬فمن ذلك ما أخرجه أْحد‬
‫واحلاكم أن رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬فاطمة بضعة مني يغضبني ما يغضبها ويبسطني ما‬
‫يبسطها‪ ،‬وأن األنساب تنقطع يوم القيامة غري نسبي وسببي وصهري))‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫وأخرج احلاكم عن أنس أن رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬وعدين ريب ك أهل بيتي من أقر‬
‫منهم هلل بالتوحيد ويل بالبالغ أن ال يعذهبم)) (‪.)0‬‬
‫__________‬
‫(‪ )0‬و ك فتاوى اإلمام العالمة خامتة املحقق ٍ أْحد بن حجر رْحه اهلل و قد ُس ِئل عن الْيف اجلاهل‬
‫أحق بالتوقري إذا اجتمعا أو ُأريد تفريق نحو قهوة عليهام هأَيام ه‬
‫أحق‬ ‫أو العامل العامل أفضل؟ و أَيام ه‬
‫فأَيام يبدأ به؟ فأجاب ريض اهلل عنه بقوله‪ :‬ك كل منهام فضل عظيم‪،‬‬
‫بالبداءة؟ أو أران شخص التقبيل ه‬
‫أما الْيف فلام فيه من البِضعة الكريمة التي ال يعانُّلا يشء؛ و من َث َّم قال بعض العلامء‪ :‬ال أعانل‬
‫بِضعته صّل اهلل عليه وسلم أحد ًا‪ ،‬و أما العامل العامل ِ‬
‫فلام فيه من نفع املسلم ٍ و هداية الضال ٍ فهم‬
‫فيتع ٍ عّل املو َّفق أن يرى للكل من األرشاو و العلامء‬
‫خلفاء الرسل و وارثوا علومهم و معارفهم؛ َّ‬
‫حقهم من التوقري و التعظيم‪ ،‬و املبدوء به إذا اجتمعا الْيف لقوله صّل اهلل عليه وسلم‪ " :‬قدح موا‬
‫قريش ًا" و ملِا فيه من البِضعة الْيفة‪ ،‬و املران بالْيف املنسوب إىل احلسن و احلس ٍ ريض اهلل عنهام و‬
‫عليهام و عّل آل بيتهام السالم‪ .‬و اهلل سبحانه و تعاىل أعلم‪ .‬اهـ بترصو‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫س‪ :‬ما حكم من أنكر أن تكون للنبي صىل اهلل عليه وسلم ذرية ينتسبون إليه‪ ،‬حمتجاً بقوله تعاىل‪َ { :‬ما‬
‫حم َّمدٌ َأ َبا َأ َح ٍد ِم ْن ِر َجالِ ُك ْم}؟‬
‫كَا َن ُ َ‬

‫ج‪ :‬إ ّن هذا القول واالستدالل بدَيي البطالن ال ه‬


‫يشك ك بطالنه أحد ممن يشم رائحة اإليامن فإن اَلية‬
‫املذكورة نزلت ك شأن زيد بن حارثة ريض اهلل عنه وذلك أنه صّل اهلل عليه وسلم تبنَّاه وهو صغري‬
‫وقال زيد ابني يرثني وأرث منه فكان يدعى زيد بن حممد ثم َّنى اهلل تعاىل عن التبني وأبطله وأنزل ك ‬
‫زوجه صّل اهلل عليه‬ ‫َلبائهم هو َأ ْقس ُ ِ‬
‫ذلك‪{ :‬ان ُعوهم ِ‬
‫ط عن ْدَ اهللَِّ}‪ .‬فقيل له زيد بن حارثة فلام كرب زيد َّ‬ ‫َُ َ‬ ‫ْ ُ ْ‬
‫وسلم من ابنة عمته زينب بنت جحش ثم أن زيد طلقها فلام انقضت ِعدَّ ِتا خطبها النبي صّل اهلل عليه‬
‫وزوجه اهلل إياها من فوق سبع سمواته‪َ { :‬ف َل َّام َق َىض َز ْيدٌ ِمنْ َها َوطَ ًرا َز َّو ْجن َا َك َها}‪ ،‬فتكلم‬
‫وسلم لنفسه َّ‬
‫بعض املنافق ٍ وقالوا‪ :‬إ ّن حممد ًا تزوج امرأة ابنه وهو ينهي الناس عن ذلك فأنزل اهلل ر َّن ًا عليهم‪َ { :‬ما‬
‫كَا َن ُحم َ َّمدٌ َأ َبا َأ َح أد ِم ْن ِر َجالِك ُْم َو َل ِك ْن َر ُس َ‬
‫ول اهللَِّ َو َخا َت َم الن َّبِيح َ‬
‫ ٍ}‪.‬‬
‫وقد اتفق العلامء أن من خصوصيته صّل اهلل عليه وسلم أن أوالن بناته ينسبون إليه نسب ًة صحيحة‬
‫لقوله صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬إن اهلل جعل ذرية كل نبي ك صلبه وجعل ذريتي ك صلب عيل بن أيب‬
‫طالب)) رواه الطرباين‪.‬‬
‫وعصبتهام))‪.‬‬
‫وقال صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬كل بني أب عصبة إال ابني فاطمة فأنا ول حيهام َ‬

‫‪125‬‬
‫س‪ :‬هل جيوز تقبيل أيدي أهل البيت النبوي؟‬
‫ج‪ :‬نعم‪ ،‬جيوز ذلك بل ينبغي ألن هذا التقبيل هو تقرب وتونن إىل احلبيب األعظم صّل اهلل عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وقد قال تعاىل‪ُ { :‬ق ْل َال َأ ْس َأ ُلك ُْم َع َليْ ِه َأ ْج ًرا إِ َّال املَْ َو َّن َة ِك ا ْل ُق ْر َبى}‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫س‪ :‬هل لذلك من دليل؟‬

‫وصححه ابن عساكر وابن عبدالرب عن الشعبي قال‪:‬‬


‫َّ‬ ‫ج‪ :‬يدل عّل ذلك ما رواه احلاكم و البيهقي‬
‫صّل زيد بن ثابت عّل جنازة ُأ حمه‪ ،‬ثم ُق حر ْ‬
‫بت له بغلته لريكبها فجاءه ابن عباس ريض اهلل عنهام فأخذ‬ ‫(( َّ‬

‫بركابه فقال زيد‪َ :‬خ ّل عنك يا ابن ح‬


‫عم رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬هكذا نفعل بالعلامء‪،‬‬
‫فقبَّل زيد ابن عباس ريض اهلل عنه‪ ،‬وقال‪ :‬هكذا ُأمرنا أن نفعل بآل بيت نبينا))‪ .‬وأخرج البخاري ك ‬
‫(األنب املفرن) عن صهيب قال‪(( :‬رأيت علي ًا ُيقبحل يد العباس ورجله))‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫(تتمة)‬

‫ُس ِئ َل املؤلف نفع اهلل به عن األسئلة التالية‪ ،‬فأجاب عنها بام ييل‪:‬‬

‫السؤال األول‪ :‬ما حكم التوسل؟ وما هي أقوال العلامء يف ذلك؟‬


‫اجلواب‪ :‬اعلم أن الذي نعتقده وندين اهلل به معارش أهل السنة أن ب ٍ األسباب ومسبباِتا مالزمة‬
‫عانية‪ ،‬أي أن اهلل جل وعال خيلق التأثريات ك األشياء عند حصول أسباهبا فيخلق اإلحراق عند‬
‫مالمسة النار للمحروق‪ ،‬وخيلق القطع عند مالمسة السك ٍ للمقطوع‪ ،‬وخيلق الشفاء عند تناول‬
‫املريض للدواء وهكذا ك كل األمور‪ ،‬فمن اعتقد هذا املذهب فهو املؤمن املحقق إليامنه‪.‬‬
‫فالتوسل بأحباب اهلل من األنبياء واألولياء من هذا القبيل‪ ،‬نتخذهم وسائل وأسباباً عانية بيننا وب ٍ‬
‫اهلل تعاىل ك قضاء احلوائج وحصول املطالب لقرهبم من اهلل تعاىل و وجاهتهم لديه وحمبته ُّلم وحمبتهم‬
‫له‪ ،‬من غري أن نعتقد أن ُّلم تأثرياً ك يشء من األشياء‪ ،‬وإنام يتربك هبم ويستغاث بمقامهم لكوَّنم‬
‫أحباب اهلل فهو جييب نعاءهم ويقبل شفاعتهم وك احلديث القديس عن اهلل تبارك وتعاىل قال‪(( :‬وال‬
‫يزال عبدي يتقرب إ ّيل بالنوافل حتى أحبه‪ ،‬فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبرصه الذي يبرص‬
‫به ويده الذي يبطش هبا ورجله التي يميش هبا ولئن سألني ألعطينّه ولئن استعاذين ألعيذنّه)) رواه‬
‫البخاري‪.‬‬

‫يفرقون بينهام فكأَّنم‬


‫وإذا كان األمر كذلك فال فرق ك جواز التوسل باألحياء واألموات‪ ،‬فالذين ّ‬
‫يعتقدون التأثري لألحياء نون األموات‪ ،‬ونحن نقول‪ :‬ال تأثري وال نفع وال رض ألحد حي أو ميّت إال ّ‬
‫يش أء}‪َ { ،‬واهللَُّ َخ َل َقك ُْم َو َما َت ْع َم ُلو َن (‪.})15‬‬ ‫ِ‬
‫هلل وحده ال رشيك له {اهللَُّ َخال ُق ك حُل َ ْ‬

‫‪128‬‬
‫وقد ذهب مجهور أهل السنة واجلامعة والسوان األعظم من املسلم ٍ عّل جواز التوسل بالذات‬
‫العامل الصاحل ٍ كام جيوز ذلك باألعامل الصاحلة لعموم قوله تعاىل‪َ { :‬يا َأ ه ََيا ا َّل ِذي َن َآ َمنُوا‬
‫الصاحلة أو ّ‬
‫ا َّت ُقوا اهللََّ َوا ْبتَغُوا إِ َليْ ِه ا ْل َو ِسي َل َة} و روى الرتمذي والنسائي و البيهقي و الطرباين بإسنان صحيح عن‬
‫عثامن بن حنيف ((أن رجالً أعمى جاء إىل النبي صّل اهلل عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬يارسول اهلل انع اهلل أن‬
‫صربت‪ ،‬قال‪ :‬فأمره أن‬
‫َ‬ ‫نعوت اهلل وإ ْن َ‬
‫شئت‬ ‫ُ‬ ‫يكشف برصي‪ ،‬فقال صّل اهلل عليه وسلم‪ :‬إ ْن َ‬
‫شئت‬
‫يتوضأ وحيسن وضوءه ثم يدعوا هبذا الدعاء‪ :‬اللهم إين أسألك وأتوجه إليك بنبيك حممد صّل اهلل‬
‫عليه وسلم نبي الرْحة يا حممد إين أتوجه بك إىل ريب ك حاجتي لتقىض يل‪ ،‬اللهم شفعه ّك ‪ ،‬فذهب‬
‫ففعل ما أمره به ثم رجع وقد أبرص))‪.‬‬
‫ومل يزل الصحابة و التابعون ومن بعدهم من السلف واخللف يستعملون هذا الدعاء ك قضاء‬
‫حوائجهم‪.‬‬

‫و روى ابن ماجة عن أيب سعيد اخلدري مرفوع ًا‪(( :‬من خرج من بيته إىل الصالة فقال‪ :‬اللهم إين‬
‫أسألك بحق السائل ٍ عليك وبحق الراغب ٍ إليك وبحق ممشاي هذا إليك فإين مل أخرج بطراً وال ِ‬
‫أرشاً‬
‫وال ريا ًء وال سمع ًة بل خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك فأسألك اللهم أن تنقذين من النار وأن‬
‫تغفر يل ذنويب فإنّه ال يغفر الذنوب إالّ أنت؛ إال ّ وكّل اهلل به سبع ٍ ألف ملك يستغفرون له وأقبل اهلل‬
‫عليه بوجهه حتى يقيض صالته))‪ .‬فهذا توسل ِصيح بكل عبد مؤمن حي ًا أو ميتاً وكان صّل اهلل عليه‬
‫وسلم يأيت هبذا الدعاء عند خروجه للصالة كام رواه البيهقي وابن السني و أبو نعيم‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫السؤال الثاين‪ :‬ما حكم زيادة لفظ السيادة يف الصالة عىل النبي صىل اهلل عليه وسلم؟‬
‫اجلواب‪ :‬وأما زيانة لفظ السيانة ك صيغة الصالة عّل النبي صّل اهلل عليه وسلم فإن كتب األئمة‬
‫الثالثة متفقة عّل مْوعية ذلك تعظي ًام له صّل اهلل عليه وسلم وتقدي ًام ملقام سلوك األنب عّل مقام‬
‫امتثال األمر الوارن بقوله ك حديث بشري بن سعد‪(( :‬قولوا‪ :‬اللهم ّ‬
‫صل عّل حممد ‪ )) ..‬الخ‪ ،‬خالفاً‬
‫لإلمام أْحد القائل‪ :‬بتقديم مقام امتثال األمر عّل مقام سلوك األنب‪ ،‬مع كون اإلمام أْحد مثبتاً‬
‫للسيانة ك غري هذا املوطن‪ ،‬وإنام أران فضل اإلتباع إ ْذ سيانته صّل اهلل عليه وسلم متفق عليها‪ ،‬فهو‬
‫سيد األول ٍ واَلخرين ك الدنيا واَلخرة وك الصحيح‪(( :‬أنا سيّد ولد آنم وال فخر))‪ .‬قال العلامء‪:‬‬
‫وأما حديث‪(( :‬ال تُسيحدوين ك الصالة)) فباطل ال أصل له ومع كونه حديث ًا موضوعاً فهو حلن من‬
‫جهة العربية ألنه ال ُيقال‪ :‬سان يسيد‪ ،‬وإنام يقال‪ :‬سان يسون‪.‬‬

‫والنبي صّل اهلل عليه وسلم ال يلحن‪ ،‬فنسبة اللحن إليه أشد غلط ًا بل خيشى عّل فاعل ذلك أن يدخل‬
‫عيل متعمداً فليتبوأ مقعده من النار))‪.‬‬
‫ُتت وعيد قوله صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬من كذب ّ‬

‫‪130‬‬
‫السؤال الثالث‪ :‬ما هي أقوال العلامء يف حكم البناء عىل القبور؟‬

‫أ‬
‫مملوكة فجائز‬ ‫أ‬
‫أرض‬ ‫اجلواب‪ :‬وأما البناء عّل القبور فقد ذكر العلامء ك ذلك تفصيالً‪ :‬إ ْن كان ذلك ك ‬
‫مع الكراهة سواء كان املبني قبة أو غريها‪ ،‬وإن كان ك مقربة موقوفة أو مسبلة فهو حرام‪ ،‬وعلة‬
‫التحريم‪ :‬التحوز عن الدفن والتضييق للمقربة‪ ،‬نعم استثنى بعضهم قبور الصاحل ٍ وأئمة املسلم ٍ‬
‫فيجوز البناء عليها ولو ك مسبلة ملا ك ذلك من إحياء الزيارة املأمور هبا ك الْع ولينتفع هبا احلي‬
‫وامليّت بالقراءة عندها‪ ،‬واستدلوا عّل ذلك بعمل املسلم ٍ سلفاً وخلفاً ك مجيع األمصار واألعصار‬
‫كام أجتمعت األُ ّمة عّل بناء ال ُقبّة اخلرضاء عّل قرب احلبيب األعظم صّل اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫ّ‬
‫هذه األجوبة الدامغة يف الرد على عقائد الشيعة (‪ )0‬الزائغة‬
‫__________‬
‫حب أهل البيت و ليسوا كذلك‪ ،‬و يزعمون أَّنم أتباع أكابرهم‪ :‬مثل‬
‫(‪ )0‬و هم الذين ينتحلون َّ‬
‫احلسن ٍ و أبيهام و عيل بن احلس ٍ و زيد بن عيل و جعفر الصانق ‪ -‬ريض اهلل عنهم ‪ -‬وهم يتربؤن من‬
‫أيب بكر و عمر و عثامن و معاوية و عمرو بن العاص و أنصارهم ‪ -‬ريض اهلل عنهم ‪ -‬و يسبوَّنم‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫السنة و اجلامعة يف تقديمهم اخللفاء الثالثة عىل سيدنا عيل بن أيب طالب ريض اهلل‬
‫س‪ :‬ما ُحجة أهل ُّ‬
‫عنهم ونفعنا هبم؟‬
‫الصدّ يق ثم الفاروق ثم عثامن ك ‬
‫ج‪ :‬حجتهم ك ذلك إمجاع الصحابة ريض اهلل عنهم عّل تقديم ح‬
‫املبايعة‪ ،‬وهم ال جيتمعون عّل ضاللة قط للحفظ اإلُّلي ُّلم عن ذلك‪ ،‬وعصمتهم من اإلمجاع عّل‬
‫باطل أو خطأ بنص قوله صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬ال جتتمع أمتي عّل ضاللة)) وك رواية ((عّل خطأ))‬
‫رواه أبو ناون و الرتمذي وابن ماجة و الدارقطني واحلاكم‪.‬‬

‫وقوله صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬ما رآه املسلمون حسناً فهو عند اهلل حسن‪ ،‬وما رآه املسلمون قبيح ًا فهو‬
‫البزار و الطرباين وأبو نعيم و البيهقي و الطياليس‪ .‬وقوله صّل اهلل‬
‫عند اهلل قبيح)) رواه اإلمام أْحد و ّ‬
‫عليه وسلم‪(( :‬من فارق اجلامعة مات ميت ًة جاهليت ًة)) رواه البخاري ومسلم‪ .‬وغري ذلك من‬
‫األحانيث الرصحية الدالة عّل وجوب إتباع ما اتفقت عليه األمة والتحذير من الشذوذ عنها‪ ،‬ومن‬
‫ ٍ ن َُو حل ِه َما َت َو َّىل‬
‫يل املُْ ْؤ ِمن ِ َ‬
‫َري َسبِ ِ‬ ‫ول ِم ْن َب ْع ِد َما َت َب َّ َ‬
‫ ٍ َل ُه ْاُّلُدَ ى َو َيتَّبِ ْع غ ْ َ‬ ‫الر ُس َ‬ ‫ِ‬
‫شذ إىل النار { َو َم ْن ُي َشاق ِق َّ‬ ‫شذ ّ‬ ‫ّ‬
‫ت َم ِص ًريا (‪ .})006‬وحاشا الصحابة أو أحداً منهم أن خيفوا احلق أو يرتكوا القيام‬ ‫َون ُْص ِل ِه َج َهنَّ َم َو َسا َء ْ‬
‫به خيفة أو مداهنة وهم خيار هذه األمة والشهون العدول األئمة بشهانة اهلل تعاىل ورسوله صّل اهلل‬
‫اج ِرين و ْاألَنْص ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ار َوا َّلذي َن ا َّت َب ُع ُ‬
‫وه ْم‬ ‫َ‬ ‫السابِ ُقو َن ْاأل َ َّو ُلو َن م َن املُْ َه ِ َ َ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬قال اهلل تبارك وتعاىل‪َ { :‬و َّ‬
‫يض اهللَُّ َعنْ ُه ْم َو َر ُضوا َعن ْ ُه}‪ ،‬وقال تعاىل‪َ { :‬وك ََذلِ َك َج َع ْلنَا ُك ْم ُأ َّم ًة َو َسطًا لِ َتكُونُوا ُش َهدَ ا َء َع َّل‬‫أ ِ‬ ‫ِ‬
‫بِإ ْح َسان َر َ‬
‫َّاس} وقال رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬خري القرون قرين ثم الذين يلوَّنم ثم الذين يلوَّنم))‬ ‫الن ِ‬

‫يتحول‪ ،‬إ ْذ هو سبحانه‬


‫احلديث رواه البخاري‪ .‬ومدح اهلل ورسوله ال يتبدّ ل‪ ،‬و وعدُ مها ال خيلف وال َّ‬
‫املُ ّطلع عّل عواقب األمور فال ُيمدَ ح إالَّ من سبقت له منه احلسنى ‪ ..‬فا ْف َه ْم‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫نص النبي صىل اهلل عليه وسلم عىل خالفة أحد بعده؟‬
‫س‪ :‬هل َّ‬
‫ج‪ :‬امجع معظم األئمة عّل أ ّن النبي صّل اهلل عليه وسلم مل ينص عّل خالفة َرجل ُمع ٍ‪ ،‬ولو كان هناك‬
‫النص ما معه ولرجعوا‬ ‫ُ‬
‫حافظ ح‬ ‫نص ِصيح عّل ذلك مل تقع املنازعة من األنصار وغريهم َّأوالً‪ ،‬ولذكر‬
‫ٌّ‬
‫إليه (‪.)0‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫(‪)0‬أما ما تزعمه الشيعة من النص عّل عيل ريض اهلل عنه فباطل ال أصل له باتفاق املسلم ٍ‪ ،‬و َّأول‬
‫نص لذكره‪ ،‬و مل ُينقل عنه ذلك ك يوم من األيام مع إن أمر‬
‫عيل نفسه؛ إذ لو كان عنده ٌّ‬ ‫من َّ‬
‫كذهبم ٌّ‬
‫نص فالبيعة مل توجد لعري أيب بكر إمجاعاً‪.‬‬
‫اخلالفة ممَّا تتوفر الدواعي عّل نقله‪ ،‬و إذا مل يكن ٌّ‬

‫‪134‬‬
‫نعم نبَّه النبي صّل اهلل عليه وسلم وأشار إىل خالفة الصديق ريض اهلل عنه ح ٍ قدَّ مه إلمامة الصالة‬
‫بالناس‪ ،‬فقال كام ك الصحيح‪ُ (( :‬م ُروا أبا بكر فليُ َص حل بالناس)) واإلمامة ك الصالة من وظيفة‬
‫اخلليفة‪ ،‬ولذلك قال الصحابة منهم اإلمام عيل ريض اهلل عنه‪(( :‬رضينا لدنيانا من رضيه رسول اهلل‬
‫صّل اهلل عليه وسلم لديننا)) (‪.)0‬‬
‫و روى مسلم ك صحيحه أن النبي صّل اهلل عليه وسلم قال لعائشة ريض اهلل عنها‪(( :‬انعي يل أبا بكر‬
‫فإين أخشى أن يتمنى متم ٍّن ويقول قائل‪ :‬أنا ْأوىل‪ ،‬ويأبى اهلل واملؤمنون إالّ أبا‬
‫وأخاك حتى أكتب كتاب ًا‪ّ ،‬‬
‫بكر))‪.‬‬
‫و روى الشيخان عن أيب سعيد اخلدري ريض اهلل عنه أن النبي صّل اهلل عليه وسلم خطب ك آخر‬
‫عيل ك ُصحبته وماله أبو بكر فلو كنت متخذاً من أهل األرض‬
‫فمام قال‪(( :‬إ ّن أ َم َّن الناس َّ‬
‫حياته‪َّ ،‬‬
‫خوة اإلسالم‪ ،‬ال يبقى ك املسجد خوخة إالّ ُسدَّ ت إال ّ خوخة‬ ‫خليالً َّ‬
‫ألختذت أبا بكر خليالً ولكن أ َّ‬
‫أيب بكر))‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )0‬أما ما تدَّ عيه الشيعة من أن النبي صّل اهلل عليه وسلم عزل أبا بكر بخروجه و إمامته‪ ،‬و ختلف أيب‬
‫بكر ليكون مأموم ًا فزعم باطل؛ ألن الروايات ِصحية ك أن أبابكر َّ‬
‫صّل بالناس بعد ذلك ثالثة أيام و‬
‫مل خيرج فيها رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫س‪ :‬ما سبب تأخر اإلمام عيل بن أيب طالب عن مبايعة أيب الصديق ريض اهلل عنهام؟‬

‫كرم اهلل وجهه هو أجل من أن يتواطأ عّل خالو ما أمر اهلل به ورسوله‬
‫عيل ّ‬
‫ج‪ :‬اعلم أن أمري املؤمن ٍ ّ‬
‫من املبايعة لغريه جبن ًا وخوراً فإنه أشجع املؤمن ٍ ال تأخذه لومة الئم ك الدين‪ ،‬غري أنّه تأنى حتّى ظهر‬
‫وترىض عنه وعن عمر وأثنى‬
‫ّ‬ ‫له احلق فاتبعه‪ .‬وقد ثبت بإمجاع األمة أنّه ريض اهلل عنه بايع أبا بكر‬
‫عليهام بعد وفاِتام وعقد اخلالفة لعثامن‪ ،‬وهل جيوز ملثله وهو األسد الغالب وليث بني غالب أ ْن‬
‫يداهن ك نين اهلل أو ينبذ وصية رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم؟ سبحانك هذا هبتان عظيم‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫س‪ :‬ما الذي جيب علينا اعتقاده يف أصحاب رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم أمجعني؟‬
‫وأَّنم عدول ِخيَ ٌار أمناء‪ ،‬ال جيوز‬
‫ج‪ :‬جيب أن نعتقد فضل أصحاب رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم ّ‬
‫القدح ك أحد منهم وال سو ُء الظن به‪ ،‬فقد قال عليه الصالة والسالم‪(( :‬ال تسبهوا أصحايب‬
‫ُ‬ ‫سبههم وال‬
‫فوالذي نفيس بيده لو أنفق أحدكم مثل جبل ُأ ُح أد ذهباً ما بلغ ُمدَّ أحدهم وال نصيفه)) رواه الشيخان‪.‬‬
‫َ‬
‫وقال صّل اهلل عليه وسلم‪(( :‬من سب أحداً من أصحايب فعليه لعنة اهلل واملالئكة والناس أمجع ٍ‪ ،‬ال‬
‫يقبل اهلل منه ِصفاً وال عدال)) رواه البيهقي‪.‬‬
‫قال العلامء رْحهم اهلل‪ :‬إ ّن س َّبهم والطعن فيهم إذا كان مما خيالف األنلة القطعية فهو كافر كقذو ُأ ّم‬
‫املؤمن ٍ عائشة ريض اهلل عنها‪ ،‬وإال ّ فبدعة وفسق‪ .‬فعّل املسلم املشفق عّل نينه أن ينطوي باطنه ك ‬
‫أصحاب رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم عّل املحبة وحسن الظن واالحرتام‪ ،‬وأ ْن ُيثني عليهم‬
‫ويرتىض عنهم ويمسك عن اخلوض فيام ال يعنيه من فضول الكالم حتى يصري من أهل هذه اَلية‬
‫اإل َيام ِن} اَلية‪.‬‬
‫إل ْخ َوانِن َا ا َّل ِذي َن َسبَ ُقونَا بِ ْ ِ‬
‫{ َوا َّل ِذي َن َجا ُءوا ِم ْن َب ْع ِد ِه ْم َي ُقو ُلو َن َر َّبنَا اغ ِْف ْر َلن َا َو ِ ِ‬

‫‪137‬‬
‫س‪ :‬ما واجبنا فيام جرى بني الصحابة ريض اهلل عنهم من االختالفات واملنازعات؟‬

‫ج‪ :‬جيب علينا اإلمساك عام شجر بينهم واإلرضاب عن أخبار املؤرخ ٍ وجهلة الرواة وضالّل‬
‫املبتدع ٍ القانحة ك أحد منهم‪ .‬وأ ْن نلتمس ما نقل عنهم من ذلك أحسن التأويالت ونخرج ُّلم‬
‫أصوب املخارج‪ ،‬فنذكر حسناِتم ومجيل سريهم ونسكت عام وراء ذلك فإن اهلل سبحانه وتعاىل أعلم‬
‫ول اهللَِّ َوا َّل ِذي َن َم َع ُه‬
‫هبم وبام يؤول إليه أمرهم وقد مدحهم ك كتابه وأثنى عليهم بقوله‪ُ { :‬حم َ َّمدٌ َر ُس ُ‬
‫ْحا ُء َبيْنَ ُه ْم ت ََر ُاه ْم ُر َّك ًعا ُس َّجدً ا َيبْتَغُو َن َف ْض ًال ِم َن اهللَِّ َو ِر ْض َوانًا} ‪ ،‬فكيف جيوز علم‬ ‫َأ ِشدَّ ا ُء َع َّل ا ْل ُك َّف ِ‬
‫ار ُر َ َ‬
‫اهلل بذلك ثم خيفيه عن نبيه صّل اهلل عليه وسلم وعمن بعده من اخللف؟ فتعاىل اهلل عن ذلك‪ ،‬ومن‬
‫جيل‬
‫خطر بباله أنه سبحانه ال يعلم بام سيكون منهم بعد وفاة رسوله صّل اهلل عليه وسلم فذلك كُفر ّ‬
‫فليحذره‪.‬‬
‫وكذلك ما جرى ب ٍ اإلمام عيل ومعاوية من القتال واخلصام ومع ذلك مل حيكم أحد بكفر اَلخر‬
‫واخلروج من اإلسالم‪ ،‬قال العلامء رْحهم اهلل‪ :‬إ ّن أمري املؤمن ٍ عيل ريض اهلل عنه اجتهد ك اخلالفة‬
‫فأصاب ك اجتهانه وكان أحق الناس هبا إ ْذ ذاك‪ ،‬ومعاوية ريض اهلل عنه اجتهد فأخطأ ك اجتهانه ومل‬

‫يكن مستحق ًا للخالفة مع عيل كرم اهلل وجهه‪ ،‬فلو أنركناهم لكنّا مع ّ‬
‫عيل عّل معاوية وفئته الباغية‬
‫حتى تفئ إىل أمر اهلل‪ .‬ولكن سالمتنا ك السكوت عن التعرض ك أمورهم وعن التفضيل يؤني إىل‬
‫ت َو َلك ُْم َما ك ََس ْب ُت ْم َو َال‬ ‫التنقيص لقدرهم‪ ،‬فاهلل أعلم بنياِتم ورسائرهم {تِ ْل َك ُأ َّم ٌة َقدْ َخ َل ْ‬
‫ت َُّلَا َما ك ََس َب ْ‬
‫ت ُْس َأ ُلو َن َع َّام كَانُوا َي ْع َم ُلو َن (‪.})020‬‬

‫‪138‬‬
‫س‪ :‬هل جيوز لعن معاوية وغريه ممن خرج عىل اإلمام عيل كرم اهلل وجهه؟‬

‫ج‪ :‬اعلم أنّه ليس اخلروج عّل األئمة عندنا كفر ًا‪ ،‬فغاية من خرج عّل اإلمام املرتىض من أهل التوحيد‬

‫أ ْن يكون عاصي ًا والعايص ال جيوز لعنه معين ًا (‪ ،)0‬بل َّ‬


‫ِصح العلامء رْحهم اهلل أنه ال جيوز لعن أحد‬
‫بعينه إال ّ من َعلِ ْمنَا موته عّل الكفر كفرعون أو أ ّن رْحة اهلل ال تناله بحال كإبليس‪ ،‬ومع ذلك فال‬
‫فضيلة ك لعن من هذا وصفه وذلك ألن النبي صّل اهلل عليه وسلم َّنى عن لعن من كان من أهل‬
‫القبلة (‪ )2‬ففي احلديث ((لعن اهلل املؤمن كقتله)) رواه الشيخان‪ ،‬وفيه ((ال تالعنوا بلعنة اهلل وال‬
‫بغضبه)) رواه أبو ناون و الرتمذي‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )0‬و مل ينقل عن أحد من السلف املعتربين جواز لعن معاوية و أمثاله‪ ،‬إذ كانوا جمتهدين و املجتهد‬
‫فجوز بعضهم إطالق لعنه لكفره حيث أمر بقتل سيدنا‬
‫غري آثم و إن أخطأ‪ ،‬و إنام اختلفوا فيه ابنه يزيد َّ‬
‫احلس ٍ‪ ،‬ومنعه قوم منهم الغزايل وقال‪ :‬مل يثبت أنه أمر بقتله‪.‬‬
‫(‪ )2‬و ال يناك ذلك ما ن ُِقل أن النبي صّل اهلل عليه وسلم لعن بعض أهل القبلة ألنه يعلم من أحواُّلم‬
‫ما ال يعلمه غريه‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫س‪ :‬ما حكم من أبغض اإلمام عليّاً ّ‬
‫كرم اهلل وجهه؟‬

‫ج‪ :‬قال املحققون من العلامء‪ :‬إن بغض اإلمام عيل وغريه من الصحابة ريض اهلل عنهم إن كان من جهة‬
‫نرصِتم لرسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم وْحايتهم لدين اهلل فهو كفر ال شك فيه ونفاق ال مراء فيه‪،‬‬
‫حب األنصار إيامن وبغضهم كفر‬
‫وعليه حيمل ما ورن من الوعيد بذلك كقوله صّل اهلل عليه وسلم‪ (( :‬ه‬
‫أو نفاق)) ‪ ،‬وكقول عيل كرم اهلل وجهه‪(( :‬والذي فلق احلبة وبرأ النسمة إنّه َلعهد النبي األمي إ ّيل أنّه‬
‫الَ حيبني إال ّ مؤمن وال َ ُيبغضني إال ّ منافق))‪ .‬وأ ّما إذا كان بغضهم من غري تلك اجلهة بل من أمر‬
‫طارئ يقتيض املخالفة فال حيكم عّل صاحبه بالكفر وال بالنفاق‪ ،‬وعّل هذا حيمل ما كان من الصحابة‬
‫بعضهم مع بعض ك اختالفهم وحروهبم التي وقعت بينهم‪.‬‬

‫ب اإلمام عيل كرم اهلل وجهه وغريه من أصحاب رسول اهلل صّل اهلل عليه‬
‫فيتع ٍ عّل كل مسلم أن ُحي ّ‬
‫غلو وال مبالغة‪ ،‬كام بالغ بعض شيعة اإلمام عيل ك حبه وتقديسه‬
‫وسلم وأهل بيته الطاهرين من غري ّ‬
‫النبوة َو وضعوا ك األحانيث ما ليس منها‪ ،‬وأنخلوا ك ‬
‫النبوة بل إىل ما هو أعّل من ّ‬
‫فرفعوه إىل نرجة ّ‬
‫معتقداِتم ما هو كفر ِصيح‪ .‬كام بالغ بعض أعدائه ريض اهلل عنه ك بغضه حتى العنوه عّل املنابر‬
‫فعليهم لعنة اهلل واملالئكة والناس أمجع ٍ‪.‬‬
‫عيل أ ّن فيك مثالً من ابن مريم أبغضته‬
‫وقد ورن ك احلديث أن النبي صّل اهلل عليه وسلم قال‪(( :‬يا ّ‬
‫اليهون حتى هبتوا ُأ ّمه‪ ،‬وأحبته النصارى حتى أنزلوه املنزلة التي ليس هبا))‪ .‬و روي عنه َّ‬
‫كرم اهلل وجهه‬
‫فرط ومبغض ُم ِ‬‫ب ُم ِ‬ ‫ِ‬
‫فرط))‪.‬‬ ‫أنه قال‪(( :‬ه َلك ًّك رجالن حم ٌ‬

‫‪140‬‬
‫(تتمة)‬

‫سئل املؤلف أطال اهلل عمره عن السؤال التايل‪ ،‬فأجاب عنه بام ييل‪:‬‬

‫س‪ :‬ما حكم زواج املتعة يف اإلسالم؟ وما أقوال العلامء يف ذلك؟‬
‫ج‪ :‬اعلم أنه قد أمجع العلامء وفقهاء األمصار قاطبة عّل ُتريم نكاح املتعة لألحانيث الصحيحة‬
‫وِصح صّل اهلل عليه وسلم بأن ُتريمه نائم إىل يوم القيامة كام ثبت ك ‬
‫الرصحية القاطعة بتحريم ذلك‪ّ ،‬‬
‫صحيح م سلم من حيث سربة بن معبد اجلهني ريض اهلل عنه أنه غزا مع رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم‬

‫يوم فتح مكة‪ ،‬فقال‪(( :‬يا أَيا الناس إين كنت أذنت لكم ك االستمتاع من النساء وإ ّن اهلل قد ّ‬
‫حرم ذلك‬
‫إىل يوم القيامة))‪.‬‬
‫قال علامؤنا‪ :‬قد كانت املتعة ك صدر اإلسالم جائزة ث ّم نسخت واستقر عّل ذلك النهي والتحريم‪،‬‬
‫وكان نسخ ذلك مرت ٍ‪ :‬األوىل‪ :‬يوم خيرب كام ثبت ك الصحيح‪ ،‬والثانية‪ :‬يوم فتح مكة كام ثبت ك ‬

‫الصحيح أيض ًا‪ ،‬وقد كان فيها خالو ك العرص األول ّ‬


‫ثم ارتفع وامجعوا عّل ُتريمه‪ ،‬وما ذهب إليه‬
‫الروافض والشيعة من إباحة ذلك مرنون ألنه يصانم النصوص الْعية من الكتاب والسنة وخيالف‬
‫إمجاع علامء املسلم ٍ واألئمة املجتهدين‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫ومن األحانيث الْيفة الدالة عّل ُتريمه أيض ًا ما رواه البخاري ومسلم ومالك ك املوطأ عن‬
‫الزهري بسنده عن عيل كرم اهلل وجهه ((أ َّن النبي صّل اهلل عليه وسلم َّنى عن متعة النساء يوم خيرب‬
‫وعن أكل حلوم احلُمر األهلية)) (‪.)0‬‬
‫وقد أورن اإلمام مسلم ك صحيحه ما يزيد عّل عْة أحانيث كلها ِصحية واضحة ك ُتريم نكاح‬
‫املتعة وأن احلرمة هي التي استقر عليها األمر ِ‬
‫آخر ًا‪ ،‬وهذا قول علامء أهل السنة قاطبة‪ .‬و روى ابن‬ ‫ّ‬
‫أذنت لكم‬
‫حرم املتعة‪ ،‬فقال‪(( :‬يا أَيا الناس إين كنت ُ‬
‫ماجة بسنده أن رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم ّ‬
‫ك االستمتاع أال َ وإ ّن اهلل قد ّ‬
‫حرمها إىل يوم القيامة))‪.‬‬
‫ونقل البيهقي عن جعفر الصانق بن حممد الباقر أنه سئل عن املتعة فقال‪( :‬هي الزنى بعينه)‪ .‬فبطل‬
‫بذلك كل مزاعم الشيعة‪.‬‬

‫ِصح اهلل تعاىل ك كتابه العزيز أن الوطء ال حيل إال ّ ك الزوجة أو اململوكة ك قوله‪:‬‬ ‫قال العلامء‪ :‬قد ّ‬
‫وج ِهم َحافِ ُظو َن (‪ )21‬إِ َّال َع َّل أَ ْز َو ِ‬
‫اج ِه ْم َأ ْو َما َم َلك ْ‬
‫َت َأ ْي َام َُّن ُ ْم} ‪ ،‬واملنكوحة متعة‬ ‫{ َوا َّل ِذي َن ُهم لِ ُفر ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ ُ‬
‫ليست زوجة وال مملوكة‪ ،‬ألَّنا لو كانت زوجة حلصل التوارث وثبت النسب و وجبت ِ‬
‫العدّ ة وهذه ال‬
‫تثبت شيئاً من ذلك باتفاق‪ ،‬وال يقصد به إال ّ قضاء الشهوة نون التناسل واملحافظة عّل األوالن التي‬
‫هي املقاصد األصلية للزواج فهو شبيه بالزنى من حيث قصد االستمتاع نون غريه‪ ،‬فمبتغي ذلك إ َذن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫من العانين بنص القرآن‪َ { :‬ف َم ِن ا ْب َتغَى َو َرا َء َذل َك َف ُأو َلئ َك ُه ُم ا ْل َعا ُنو َن (‪ْ })20‬‬
‫أي‪ :‬املتجاوزون‬
‫احلالل إىل احلرام‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪ )0‬هذا ما رواه اإلمام عيل ابن أيب طالب عن رسول اهلل صّل اهلل عليه وسلم و الرواية بطريقة و‬
‫سنده‪ ،‬فكيف يزعم الشيعة حل نكاح املتعة‪ .‬و نقل احلافظ ابن حجر ك فتح الباري عن اإلمام اخلطايب‬
‫قال‪ُ :‬تريم املتعة كاإلمجاع إال عن بعض الشيعة و ال يصح عّل قاعدِتم ك الرجوع ك املختلفات إىل‬
‫كرم اهلل وجهه أَّنا ن ُِسخت‪.‬‬
‫صح عن سيدنا عيل َّ‬
‫سيدنا عيل و أهل بيته‪ ،‬و قد َّ‬

‫‪142‬‬
‫اللهم ثبتنا عّل احلق فيام‬
‫َّ‬ ‫وباهلل التوفيق‪ ،‬ونسأله اُّلداية إىل أقوم طريق‪ ،‬وأ ْن جيعلنا من خيار الفريق‪،‬‬
‫احلق فيام نفعل‪ ،‬و ثبحتنا عّل احلق فيام نعتقد‪ ،‬بفضلك وجونك وكرمك وبحق حبيبك‬
‫نقول‪ ،‬و ثبحتنا عّل ح‬
‫حممد صّل اهلل عليه وسلم‪ ،‬وارزقنا كامل املتابعة له ظاهر ًا وباطن ًا ك عافية وسالمة برْحتك يا أرحم‬
‫صّل اهلل وس َّلم عّل سيدنا حممد وعّل آله وصحبه أمجع ٍ‪.‬‬
‫الراْح ٍ‪ ،‬و َّ‬

‫‪143‬‬

You might also like