Professional Documents
Culture Documents
4 5816607400756512669 PDF
4 5816607400756512669 PDF
رسالة
ّ
تتحزم الليبراليّة بالقرآن الكريم عندما
رد على مقال " هل حد الردة من اإلسالم ؟ " لكاتبه د.محمد المجذوب
أعدّه
محمد خلف هللا عبد الرحمن الخضر
1
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
مقدمة
ي كنت قد نشرته على صفحتي على الفيسبوك رداً على مقال د.محمد هذا تعقيب علم ٌّ
المجذوب بعنوان " هل حد الردة من اإلسالم ؟ " و هو منشور على الشبكة منذ عدة أعوام
،و لكن أعادت مجموعة األحياء و التجديد نشره مجددأ مع التعديالت القانونية األخيرة
التي كانت في شهر يوليو 2020م ،و التي كان من ضمنها إلغاء عقوبة قتل المرتد عن
دين اإلسالم .
و لما رأيت تأثر بعض الشباب بهذا المقال قمت بكتابة هذا الرد ،وأرجو أن يكون موفقا ً
منصفا ً عادالً ،وأن تتسع له صدور المخالفين ،و ينزل بردا ً على يقين الموافقين .
ثم إني عرضت المادة على عدد من أشياخي و أساتذتي و علّقوا عليها و عدّلت بعض
المواطن في الرد و أعدت ترتيبها و تنسيقها في رسالة مختصرة ليسهل النظر فيها ،وما
كان من حق فمن هللا وحده ،وما كان من زلل فمني و من الشيطان ،و هللا الموفق .
2
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم عندما
()1
يزول االستغراب تماما ً عند تف ّهم فكرة المفكر الجزائري مالك بن نبي في دراساته حول
النهضة بما أسماه " القابليّة لالستعمار " و هي رضوخ المجتمع للقيم المستع ِلية ثقافياً ،و
محاولة التماهي مع الحضارة الغالبة بل و إعادة قراءة التراث اإلسالمي األصيل قراءة
ق -لكي ترسم حداثيّة تتل ّمس األدلة من هنا و هناك من داخل التراث -بكل تعسفٍ و تلفي ٍ
إسالما ً ليبراليا ً جاذبا ً للسيّاح ! ،فبدل المنافحة األصوليّة عن القيم اإلسالمية و محاولة
3
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
عرضها عرضا ً فكريا ً قويا ً راسخا ً = تنشغل طوائف من الجماعات اإلصالحية المحسوبة
على الطيف اإلسالمي بتطويع مسل ّمات شرعيّة -أطبقت األمة عليها -للتتوافق و القيم
الحداثيّة ،و لتكون ِمعوالً مسانداً للعالمانية في عبثها في قوانين التشريع اإلسالمي.
هذه العمليّة -باختصار -هي ذاتها التي تقوم بها مجموعة اإلحياء و التجديد -المحسوبة
على الحالة اإلسالميّة السودانيّة -في مقال نشرته مؤخراً متزامنا ً مع ما يفعله (أتاتورك
السودان) وزير العدل نصر الدين عبد البارئ من إلغائه لعقوبة الردة تحت ستار الحرية ،
صرف ينفّذ وثيقته الدستوريّة المقصية و ليس غريبا ً على نصر الدين ما فعله؛ فهو عالماني ِ
خجل أن العالماني ي ّ
عطل للدين و اللغة و المحاربة للهويّة و القوانين اإلسالمية ،و لكن الم ِ
القانون و التشريع اإلسالمي ،ثم يأتي المص ِلح اإلسالمي فيشر ِعن للعالماني هذا ال ِفعلة !
اإلشكال في طرح هذا المقال أنه يحاول شرعنة هذا الفعل من داخل التراث بما يفضي إلى
تحريف صريح للدين و ثوابته ،و ليس مجرد عدواته ؛ كما تفعل الليبرالية الصريحة في
استداللها بدعاوى حقوق اإلنسان و قيم الثقافة الغالبة .بل هذا المقال يحاول انتزاع الليبرالية
من داخل النص القرآني أو التراث اإلسالمي !
تعي المجموعة التي تبرر بمقالها هذا إلغاء عقوبة الردة = أن مسألة الردة في
و يجب أن َ
القانون لها تبِعاتها في قانون األحوال الشخصية؛ بما يلزم منه تغيير آخر لمزيد من تفاصيل
القوانين والتشريعات ،و بالتالي مزيدا ً من التبرير ،و هو األمر الذي وعاه وزير العدل و
صرح بأنه في قيد الدراسة و النظر.
ّ
على كل حال...
كتب د .محمد المجذوب مقاالً بعنوان " :هل حد الردة من اإلسالم؟ " على صفحة مجموعة
اإلحياء و التجديد ،و خالصة المقال أنه ينفي أن يكون ثمةَ عقوبة دنيوية للمرتد في اإلسالم
.
و قد اشتمل المقال على دعاوى تلتحف باستدالالت عليلة باآليات القرآنية ،و طرف من
السنة ،و شيء من االستدالل العقلي ؛ فكان لزاما ً نقضه ،و قد اشتمل المقال -إجماالً -على
الدعاوى التالية :
-دعوى أن اآلية ":ال إكراه في الدين" تدل على انتفاء عقوبة الردة.
4
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
-دعوى انحصار وظيفة الرسول -صلى هللا عليه وسلم -في كونه مذكراً و ليس جبارا ً و
ال مسيطراً.
-االستدالل بقبول النبي -صلى هللا عليه وسلم -بشرط في صلح الحديبية يلزم منه عدم
إقامة النبي -صلى هللا عليه وسلم -لعقوبة الردة.
-االستدالل بعدم قتل النبي -صلى هللا عليه وسلم -للمنافقين رغم تصريح القرآن بحقيقتهم.
-تأويل أسباب حروب الردة التي أقامها الخليفة الراشد أبوبكر الصديق -رضي هللا عنه .-
-االستدالل بدعوى عدم إنفاذ الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي هللا عنه -لعقوبة
الردة ،و العدول إلى السجن.
-بعض االستدالالت العقلية ،و التعليالت النظرية النتفاء وجود عقوبة الردة في اإلسالم.
هذا مجمل ما اتكأ عليه الكاتب في مقاالته من حجج و نبدأ في المناقشة التفصيلية
لمضامينها :
و لكن قبل ذلك أحب التقديم بتنبيه و تساؤل ،فأما التنبيه :
5
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
هذه الحجج -كما سردتها إجماالً -لمن له عناية بهذا الباب يعلم أنها قديمة نسبياً ،و ال يزال
الحداثيون العرب يوردونها في كتبهم و مقاالتهم ،و لو نظرت في محرك البحث عنها
لوجدت مصداق ذلك جلياً ،أقول هذا حتى ال يظن من قرأ اسم المجموعة " اإلحياء و
فيتسرب إلى ذهنه أن هذا النتاج فريد لم يسبقوا إليه ! و أن هذا ضرب من التجديد ّ التجديد"
في التراث لم يحرزه غيرهم ،بل هي مجرد عملية تجميع و استرجاع لما كتبه الحداثيون
العرب؛ فال " تجديد" يذكر ،و إنما هي :
و أما التساؤل ،و هو عبارة عن استفهام مو ّجه لكاتب المقال ،و سأقوم هنا باختصار مكثّف
من كتاب " معركة النص صـ " ١٨٢ - ١٦٤د .فهد صالح العجالن ،و فيه سرد تاريخي
فقهي لعقوبة المرتد :
قضية عقوبة المرتد ليست نازلة ،و إنما مرت على األئمة و الفقهاء و المفسرين و شراح
الحديث على طول تاريخ األمة اإلسالمية.
-١الفقهاء :
جاء في الدر المختار مع حاشية ابن عابدين( :226/4 :فإن أسلم فيها وإال قتل ،لحديث:
من بدل دينه فاقتلوه).
عند المالكية:
من التوضيح في شرح مختصر خليل ( :219/8وحكم المرتد إن لم تظهر توبته القتل ،لما
في البخاري وغيره عنه عليه الصالة والسالم :من بدل دينه فاقتلوه)
عند الشافعية:
6
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
جاء في تحفة المحتاج البن حجر الهيتمي ( :96/9فإن أصرا :أي الرجل والمرأة على
الردة قتال ،للخبر المذكور)
و مع ضخامة مادة الخالف الفقهي بين المذاهب األربعة إال أن هذه المسألة لم يختلف
عليها ،بل اتفقت كلمة المذاهب األربعة جميعا ً عليها.
-الترمذي في(:السنن )1800عن حديث ابن عباس في قتل المرتد ( :هذا حديث حسن
صحيح ،والعمل على هذا عند أهل العلم).
-وقال ابن عبد البر (في االستذكار ( :)143/22وال أعلم بين الصحابة خالفا ً في استتابة
المرتد ،فكأنهم فهموا من قول النبي صلى هللا عليه وسلم:من بدل دينه فاقتلوه أي بعد أن
يستتاب).
-وقال ابن حزم (في مراتب اإلجماع ( :)127واتفقوا أن من كان رجالً مسلما ً حراً
باختياره وباسالم أبويه كليهما أو تمادى على اإلسالم بعد بلوغه ذلك ثم ارتد إلى دين كفر
كتابي أو غيره وأعلن ردته واستتيب في ثالثين يوما مائة مرة فتمادى على كفره وهو عاقل
غير سكران أنه قد حل دمه ،إال شيئا ً رويناه عن عمر وعن سفيان وعن إبراهيم النخعي
انه يستتاب ابداً).
قال العلماء بأن االستتابة أبدا هنا إما أن تكون لمن تُرجى توبته أو أن معناها أنه مما تكررت منه
الردة والتوبة فإنه تقبل منه أبدا.
قال ابن تيمية رحمه هللا تعالى( :وقال الثوري" :يؤجل ما رجيت توبته وكذلك معنى قول النخعي")،
المصدر؛ الصارم المسلول (ص( )321حدثنا وكيع ،قال :ثنا سفيان ،عن عمرو بن قيس ،عمن سمع
إبراهيم ،يقول« :يستتاب المرتد كلما ارتد») ،المصدر؛ مصنف ابن أبي شيبة ()32752
7
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
-وقال ابن تيمية (في مجموع الفتاوى ( :)100/20والكتاب والسنة دال على ما ذكرناه من
أن المرتد يقتل باالتفاق وإن لم يكن من أهل القتال).
-وقال الصنعاني (في سبل السالم ( :)383/2الحديث دليل على أنه يجب قتل المرتد ،وهو
إجماع).
-وقال الشوكاني (في السيل الجرار( :)372/4قتل المرتد عن اإلسالم متفق عليه في
الجملة وإن اختلفوا في تفاصيله واألدلة الدالة عليه أكثر من أن تحصر)
-قال الشافعي (في األم ( :)196/6لم يختلف المسلمون أنه ال يحل أن يفادى بمرتد بعد
إيمانه وال يمن عليه وال تؤخذ منه فدية وال يترك بحال حتى يسلم أو يقتل).
-وقال القاضي أبو يوسف( في الخراج ( :)353وأحسن ما سمعنا في ذلك وهللا أعلم :أن
يستتابوا فإن تابوا وإال ضربت أعناقهم على ما جاء من األحاديث المشهورة وما كان عليه
من أدركنا من الفقهاء).
-وقال الطحاوي (في شرح معاني اآلثار( :)267/3رأيناهم قد أجمعوا على أن المرتد قبل
ردته محظور دمه وماله ثم إذا ارتد فكل قد أجمعوا على أن الحظر المتقدم قد ارتفع عن
دمه وصار دمه مباحاً)
وحتى ال أطيل عليك ،سأسرد من نقل اإلجماع من غير من سبق ذكره:
-ابن المنذر في اإلجماع .76
-الجصاص في أحكام القرآن .55/4
-ابو الحسن اللخمي في التبصرة 1631/13
-البغوي في شرح السنة .431/5
-الماوردي في الحاوي الكبير 149/13
-النووي في شرح صحيح مسلم .208/12
-ابن قدامة في المغنى .264/12
-ابن القطان في اإلقناع في مسائل اإلجماع .355/1
-السبكي في السيف المسلول .119
-ابن رشد في بداية المجتهد .343/2
-الطوفي في شرح مختصر الروضة .11/3
-٢المفسرون :
8
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
نطالع في كتب المفسرين حديثا ً بينا ً عن عقوبة الردة ،ويقرر فيها على انه حكم بدهي ليس
محل شك ،وال يثير أي إشكال ،تجد ذلك عند:
-الطبري في تفسيره 317/9
-والقرطبي في الجامع ألحكام القران 47/3
-وابن كثير في تفسيره 180/1
-والثعالبي في الجواهر الحسان 288/1
-وأبو حيان في البحر المحيط 293/2
-والرازي في التفسير الكبير 627/3
-وابن عطية في المحرر الوجيز 186/1
وهكذا حتى نصل إلى زماننا ،فنجد ابن عاشور (في التحرير والتنوير )335/2و
الشنقيطي (في أضواء البيان )401/1
.
فمن الطبري إلى الشنقيطي! ،مئات السنين وعقوبة الردة تقرر في كتب التفسير بال أي
ذكر ألي خالف في العقوبة ،وال حديث عن الحرية الدينية القطعية ،وال إيراد ألي خالف
وال جدل فيها
و في شروح السنة عبر القرون يذكر العلماء قتل المرتد من غير كثير ضجيج كما في :
9
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
و التساؤل الذي يدور في رأسي و أحب من كاتب مقال مجموعة اإلحياء و التجديد الجواب
عنه ،و قد ورد في مقاله قوله :
" وعندنا أنه ال يجب قتل المرتد غير المحارب فيه تعارضا ً لصريح النصوص،وا ْ
ألولى
تأويل األحاديث لتتواءم مع صريح نصوص القرآن ال العكس" .
[من المقال " هل الردة من اإلسالم؟]
هل خفيت هذه النصوص الصريحة و الواضحة و القطعية من القرآن و النافية لعقوبة قتل
المرتد على هذه الطبقات الثالثة من العلماء( فقهاء ،مفسرون ،شراح حديث) بطول األمة و
عرضها طيلة القرون الماضية منذ الطبري إلى الشنقيطي ،و منذ ابن بطال حتى الزرقاني،
و منذ أبي حنيفة و حتى الشوكاني و الصنعاني؟
و هل كانت األمة المحمدية يخفى عليها ما ظهر لك -بعد خمسة عشر قرنا ً -في مسألة
تدعي أنها قطعية و من صريح القرآن الكريم ؟ بل هي من واحدة من األقضية و القوانين
التي يترتب عليها دماء تهراق و أنفس تزهق ،هل يعقل هذا؟
هل خير أمة -بنص اآليات من آل عمران -ثم يجتمع علماؤها من شتى الطبقات و
مختلف األقطار و تتابع السنوات على مخالفة نص قاطع الداللة من القرآن ،بل و يرتبون
عليه حكما ً قاضيا ً بقتل دم حرام ؟
هذا التساؤل مهم جدا ً و مدخل أساس بالنسبة لي قبل النقض التفصيلي لهذا المقال ،لماذا؟
لنعلم أننا أمام مقال يثبت حكما ً شاذا ً عن التراكم الفقهي الطويل و العريض في المدونات
الفقهية و الحديثية و التفسيرية ،بل ال يعدو أن يكون حكما ً ليبراليا ً منبتا ً عن األصالة
اإلسالميّة يعمل في النصوص و التراث تحت ضغط غلبة المزاج الليبرالي ،و سيظهر هذا
في االستدالالت المتكلّفة و التأويالت العليلة للمقال.
10
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
()2
و بعد تقريرنا لشذوذ رأي المقال عن المدونات التراثية في الحلقة األولى ،نبدأ في المناقشة
التفصيلية للحجج التي اتكأ عليها الكاتب في نفيه لعقوبة قتل المرتد في اإلسالم و هي :
الحجة األولى :دعوى أن اآلية الكريمة ":ال إكراه في الدين" تدل على انتفاء عقوبة
الردة :
" إن اإلسالم ال يكره أحدًا على الدخول فيه ،وال للخروج من دينه إلى دين ما أو ملة ما؛
ين قَد تَّبَيَّنَ
ألن اإليمان المعتد به هو ما كان عن اختيار وحرية,يقول تعالى :الَ ِإ ْك َراهَ فِي ال ِ ّد ِ
ام لَ َها ى الَ ان ِف َ
ص َ سكَ ِب ْالع ْر َوةِ ْالوثْقَ َ
الل فَقَ ِد ا ْستَ ْم َ
ت َويؤْ ِمن ِب ّ ِ ي فَ َم ْن َي ْكف ْر ِب َّ
الطاغو ِ الر ْشد مِنَ ْالغَ ِّ
ُّ
ع ِلي ٌم {البقرة " .}256/ س ِمي ٌع َ
ّللا َ
َو ّ
هذه اآلية هي العمدة لدى القوم ،و بعضهم سمى مؤلفاته بها كما فعل طه العلواني و جودت
عول عليها الريسوني في كتابه" الكليات" ،و هذا االستدالل فيه خلل؛ لآلتي :
سعيد و كذا ّ
-١عموم هذه اآلية في نفيها" ال إكراه " ال يشمل كل المناطات المتعلقة بالدين ،و لو أردنا
األخذ باستغراقه العموم لكل المناطات المتعلقة بالدين للزم الكاتب الزم خطير ! ،أال و هو
نفي كل شكل من أشكال اإلكراه في الدين؛ فيدخل في ذلك إسقاط الصالة و الحج و الصيام
و الزكاة و كثير من العبادات ؛ فكل عبادة مبناها على اإللزام و يمكن لكل مدعٍ لوجود
اإلكراه في عبادة إسقاطها أخذاً بهذا العموم! ؛ فكل حكم تفصيلي في الدين فيه شيء من
اإلكراه فإنه منفي بنص اآلية ،و هو معنى يهدم الشريعة كلها لو تم طرده بهذا العموم
المستغ رق ،و هو ال يقول به عاقل ! ،و بهذا سقط تمسك الكاتب بعموم اآلية في مناطاتها
كلها.
و لو أن منكراً لحد السرقة مثالً استدل بعموم نفي اإلكراه في هذه اآلية = لكان الرد عليه
أن اإلكراه غير متعلق بحد ثابت بنص آخر مثل حد السرقة؛ فبطل تعميم مناط اإلكراه في
كل األحوال.
تنبيه :النزاع في تعميم مناط اآلية و ليس في ذات تحقق التعميم في لفظ " إكراه "؛ فهو
واضح.
تنبيه آخر :بعض العلماء اعتبر أن اآلية منسوخة بآيات في القتال ،و على هذا القول فقد
سقط استدالل الكاتب رأساً.
-٢المفسرون لما تعاملوا مع هذه اآلية الكريمة استحضروا سبب نزولها و سياقها و تعامل
النبي صلى هللا عليه وسلم في سيرته و سنته ،و كان مناطها متعلقا ً بعدم اإلكراه قبل دخول
اإلسالم ال في الخروج منه ،كما قال اإلمام الطبري في تفسيره " :وكان المسلمون جميعا
قد نقلوا عن نبيهم صلى هللا عليه وسلم أنه أكره على اإلسالم قوما فأبى أن يقبل منهم إال
اإلسالم ،وحكم بقتلهم إن امتنعوا منه ،وذلك كعبدة األوثان من مشركي العرب ،وكالمرتد
عن دينه دين الحق إلى الكفر ومن أشبههم ،وأنه ترك إكراه اآلخرين على اإلسالم بقبوله
الجزية منه وإقراره على دينه الباطل ،وذلك كأهل الكتابين ومن أشبههم كان بينا بذلك أن
12
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
معنى قوله " :ال إكراه في الدين " ،إنما هو ال إكراه في الدين ألحد ممن حل قبول الجزية
منه بأدائه الجزية ،ورضاه بحكم اإلسالم " [ ] ١٨ / ٣
و من طالع سبب نزول اآلية علم أنها تتعلق بالدخول ال الخروج من اإلسالم؛ فعن ابن
عباس في قوله تعالى ( :ال إكراه في الدين ) قال :كانت المرأة من األنصار ال يكاد يعيش
لها ولد ،فتحلف لئن عاش لها ولد لتهودنه ،فلما أجليت بنو النضير إذا فيهم أناس من [
أبناء ] األنصار ،فقالت األنصار :يا رسول هللا أبناؤنا ،فأنزل هللا تعالى ( :ال إكراه في
الدين ) .قال سعي د بن جبير :فمن شاء لحق بهم ،ومن شاء دخل في اإلسالم [ .تفسير
الطبري ] ١٨ /٣وسبب النزول من أدلة التفسير كما هو متقرر في علم أصول التفسير ،و
دخوله في معنى اآلية دخول أولي نصي؛ فال يجوز طرحه و المضي قدما ً في تأويل
اآليات ،و هذا معلوم.
- ٣فهم هذه اآلية بعيداً عن النصوص الشرعية األخرى و اإلجماعات المنقولة في أول
حلقة و تصرفات النبي صلى هللا و الصحابة في قتل المرتد = مشكل في طريقة استدالل
منكر عقوبة الردة ،و سيفضي لإليمان ببعض الكتاب و الكفر ببعضه؛ فتفهم اآلية مع
نصوص " :من بدل دينه فاقتلوه " ،و هنا وقع الكاتب في إشكال استداللي حيث قال " :
النصوص،واألولى تأويل
ْ وعندنا أنه ال يجب قتل المرتد غير المحارب فيه تعارضا ً لصريح
األحاديث لتتواءم مع صريح نصوص القرآن ال العكس".
و الخطأ هنا أنه تقدم ادّعى التعارض بين الحديث و ظاهر القرآن ،و هذا خطأ؛ فالجمع
ممكن هنا عن طريق طرق الجمع المعروفة في مظانها في األصول ،و طريق الجمع بين
اآلية و الحديث هو أن الحديث مخصص لآلية -و هذا تنزل جدلي فقط منا على أن اآلية
عامة حتى في مناطتها في دخول اإلسالم و خروجه -؛ فعلى الوجهين لآلية يكون االستدالل
ساقطا ً على نفي عقوبة قتل المرتد.
تنبيه :
لعله قد يعترض على تخصيص السنة للكتاب؛ فنقول هذا مذهب جمهور األصوليين عدم
اشتراط التكافؤ بين األدلة للتخصيص كما في البحر المحيط للزركشي ،و مثاله من القرآن
ٱلل فِ ۤی أَ ۡولَ ٰـدِك ۡۖۡم ِللذَّ َك ِر ِم ۡثل َح ِ ّ
ظ ۡٱألنثَيَ ۡي ِۚ ِن ﴾[النساء ]١١ : وصيكم َّ
تخصيص اآلية الكريمة ﴿ ي ِ
بحديث ( :نحن معشر األنبياء ال نورث) [رواه البخاري] و كذلك حديث ( :ليس القاتل من
الميراث شيء ) [رواه أبوداود] إلى غير ذلك من األمثلة مما هو مبسوط في مظانه من
كتب األصول.
13
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
الحجة الثانية :االستدالل بعدم ورود عقوبة دنيوية في سياق آيات الردة في القرآن :
ثم أورد أدلة مماثلة تدل على ذات استدالله ،و بالمناسبة تكاد تكون معظم استدالالت المقال
شبيهة أو مطابقة تماما ً الستدالالت طه جابر العلواني في كتابه " ال إكراه في الدين " ! ،و
على كل حال فاإلشكال في هذه الحجة يكمن في اآلتي :
-١هذه الحجة تبحث عن الداللة في غير دليلها؛ فليس شرطا ً أن تذكر عقوبة المرتد
الدنيوية في كل نص فيها ذكر الردة ،فيكفي نص واحد صحيح في الحكم محل البحث.
-٢هذه الحجة متضمنة لقصر الداللة الحجاجية على القرآن الكريم فقط ،و هذا إشكال كبير
في أصول االستدالل يحتاج لمعالجة ليس هذا مقامها ،فالحجة النقلية عندنا القرآن و السنة،
و السنة مستفيضة بذكر عقوبة قتل المرتد.
-٣و مع هذا ال نسلم بأن عقوبة المرتد لم ترد في القرآن الكريم ال بالتصريح و ال بالتلميح ،
فمثالً :
14
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
َصيرࣰ ﴾ [التوبة ]٧٤ :فنصت اآلية على العذاب الدنيوي للمرتد و في تقرير هذا يقول ن ِ
الحافظ ابن كثير في تفسيره لهذه اآلية ( " :يعذبهم هللا عذابا أليما في الدنيا ) أي :بالقتل
والهم والغم ( ،واآلخرة ) أي :بالعذاب".
شدِيدࣰ تقَ ٰـ ِتلونَه ۡم أَ ۡو ست ۡد َع ۡونَ ِإلَ ٰى قَ ۡو ٍم أ ۟و ِلی َب ۡأسࣰ َ ب َ -قوله تعالى ﴿ :قل ِلّ ۡلمخَلَّفِينَ ِمنَ ۡٱأل َ ۡع َرا ِ
عذَابًا سنࣰ ۖۡا َوإِن تَتَ َولَّ ۡو ۟ا َك َما تَ َولَّ ۡيتم ِّمن قَ ۡبل يعَذّ ِۡبك ۡم َ ٱلل أَ ۡج ًرا َح َ وا ي ۡؤتِكم َّونَ فَإِن ت ِطيع ۟ ي ۡس ِلم ۖۡ
أَ ِليمࣰا ﴾[الفتح ]١٦ :و في تفسير القرطبي سبب نزول اآلية -على قول َ " : -وقَا َل
ّللاِ لَقَ ْد كنَّا
س ْي ِل َمةََ .وقَا َل َرا ِفع بْن َخدِيجٍَ :و َّ ص َحاب م َ ي َومقَا ِتلٌَ :بنو َح ِنيفَةَ أَ ْهل ْال َي َما َم ِة أَ ْ ُّ
الز ْه ِر ُّ
شدِي ٍد" فَ َال نَ ْعلَم َم ْن ه ْم َحتَّى َد َعانَا ست ْد َع ْونَ إِلى قَ ْو ٍم أو ِلي بَأْ ٍس َ ضى " َ نَ ْق َرأ هَ ِذ ِه ْاآليَةَ فِي َما َم َ
ت َه ِذ ِه ْاآليَة بَ ْعد ".فاآلية أَبو بَ ْك ٍر ِإلَى قِتَا ِل بَنِي َحنِيفَةَ فَ َع ِل ْمنَا أَنَّه ْم ه ْمَ .وقَا َل أَبو ه َري َْرة َ :لَ ْم تَأْ ِ
نص في قتال المرتدين.
-قوله تعالى َ ﴿ :و َمن يَ ۡرتَد ِۡد ِمنك ۡم َعن دِينِ ِهۦ فَيَم ۡت َوه َو َكافِرࣰ فَأ ۟ولَ ٰۤـ ِٕىكَ َحبِ َ
ط ۡت أَ ۡع َم ٰـله ۡم ِفی
ار ه ۡم فِي َها َخ ٰـ ِلدونَ ﴾[البقرة ]٢١٧ :ومن لطائف اإلمام ٱلد ُّۡن َيا َو ۡٱلـَٔ ِ
اخ َر ۖۡةِ َوأ ۟ولَ ٰۤـ ِٕىكَ أَصۡ َح ٰـب ٱلنَّ ِۖۡ
ابن عاشور المفسّر (في التحرير والتنوير :)335/2استدل بقوله تعالى (ومن يرتدد منكم
عن دينه فيمت وهو كافر)( :وقد أشار العطف في قوله :فيمت بالفاء المفيدة للتعقيب إلى أن
الموت يعقب االرتداد وقد علم كل أحد أن معظم المرتدين ال تحضر آجالهم عقب االرتداد
فيعلم السامع حينئذ أن المرتد يعاقب بالموت عقوبة شرعية ،فتكون اآلية بها دليال على
قوي داللتها النصوص األخرى الصريحة وجوب قتل المرتد) ،و هذه إشارة قرآنية لطيفة ي ّ
في قتل المرتد.
و بهذا يسقط استدالل الكاتب بهذه اآليات القرآنية التي مأل بها مقاله ،و من المستقر عند
أهل الجدل و الحجاج أن دليالً واحداً سليما ً من المعارضات خير من كثير من األدلة المليئة
بالمغالطات و االعتراضات الصحيحة.
15
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
و يتضح لنا بهذا النقد " الخلل االستداللي العميق و ال ُهوة األصولية " للكاتب في مقاله ،و
في الحلقات القادمة نناقش بقية الحجج في المقال.
()3
نعود في هذه الحلقة لمناقشة الحجج التي أوردها الكاتب في مقاله الذي يسعى لنفي عقوبة
القتل للمرتد ،و قد وصلنا للحجة الثالثة ،فنقول ،و باهلل التوفيق :
الحجة الثالثة :دعوى انحصار وظيفة الرسول -صلى هللا عليه وسلم -في كونه مذكرا و
ليس جبارا و ال مسيطرا :
" وحتى ألوليك إن الذين يجعلون من الدين ألعوبة يدخل فيها اليوم ويخرجون منه غ ًدا على
نز َل
ِي أ ِب ِآمنواْ ِبالَّذ َ طآ ِئفَةٌ ِّم ْن أَ ْه ِل ا ْل ِكتَا ِ
طريقة بعض اليهود الذين ,يقول تعالىَ :وقَالَت َّ
آخ َره لَعَلَّه ْم يَ ْر ِجعونَ * َوالَ تؤْ ِمنواْ إِالَّ ِل َمن تَبِ َع دِينَك ْم ار َوا ْكفرواْ ِ َعلَى الَّذِينَ آ َمنواْ َو ْجهَ النَّ َه ِ
ض َل بِيَ ِدّللا أَن يؤْ تَى أ َ َحدٌ ِّمثْ َل َما أوتِيت ْم أَ ْو ي َحآ ُّجوك ْم ِعن َد َربِّك ْم ق ْل ِإ َّن ْالفَ ْ ق ْل ِإ َّن ْاله َدى ه َدى ّ ِ
ض ِل ْال َع ِظ ِيم {آل ّللا ذو ْالفَ ْ ص ِب َر ْح َمتِ ِه َمن َيشَاء َو ّ ّللا َوا ِس ٌع َع ِلي ٌم * يَ ْختَ ُّ ّللا يؤْ تِي ِه َمن َيشَاء َو ِّّ
عمران , }74/لم يحكمهم هللا تعالى بالقتل ردة,بل تنحصر وظيفة الرسول بوصفه
صي ِْط ٍر * إِ َّال َمن تَ َولَّى َو َكفَ َر * مذكراً,يقول تعالى :فَذَ ِ ّك ْر إِنَّ َما أَنتَ مذَ ِ ّك ٌر * لَّسْتَ َعلَ ْي ِهم بِم َ
سا َبه ْم {الغاشية . }26/21ويقول ّللا ْالعَذَ َ
اب ْاأل َ ْك َب َر * ِإ َّن إِلَ ْينَا ِإ َيا َبه ْم * ث َّم ِإ َّن َعلَ ْينَا ِح َ فَي َع ِذّبه َّ
آن َمن يَخَاف َو ِعي ِد {ق" .}45/ َّار فَذَ ِ ّك ْر ِب ْالق ْر ِ
:ن َْحن أَ ْعلَم ِب َما َيقولونَ َو َما أَنتَ َعلَ ْي ِهم ِب َجب ٍ
و هذه اآليات في مقام نفى عقوبة القتل للمرتد = فيه فجوة استداللية واضحة اآلتي :
16
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
-١أنها حجة غير مطردة؛ فلو أردنا طرد هذه الحجة للزمنا إنكار جميع الحدود الشرعية
مثل حد السرقة و حد الحرابة و حد الزنى و سائر الحدود؛ ألن مبناها على كون النبي
صلى هللا عليه وسلم يقيمها على األمة ،و الكاتب ال يخالفنا في ثبوت الحدود الباقية غير
عقوبة قتل الردة! .
و تقريب هذا الوجه أننا لو افترضنا منكراً لحد الحرابة مثالً استدل بهذه الحجة و أن حد
الحرابة فيه نوع من كون النبي صلى هللا عليه وسلم مسيطراً و جباراً و هما وصفان منفيان
عن الذات النبوية ،فماذا يكون جواب الكاتب؟! و جوابه على هذا المعترض هو جوابنا عليه
في حجته هذه.
-٢أن النبي صلى هللا عليه وسلم -الذي تحدثت اآلية عنه -نفسه قد أقام عقوبة قتل المرتد،
فماذا بعد هذا!
و أنا أعلم أن الكاتب ينازع في هذا فقد قال في مقاله " :كما أن الرسول لم يقتل أي إنسان
لمجرد ردته" .
و هذا الكالم كلية سالبة ،و من المتقرر في علم المنطق أنه يكفي إلبطال الكلية السالبة
وجود جزئية موجبة واحدة ،و نحن عندنا جزئيات موجبة كثيرة ؛ فقد قتل النبي صلى هللا
عليه وسلم مرتدين في سيرته ،و من ذلك :
اء ,قَا َل :لَ ِقيت خَا ِلي ، ورد في شرح معاني اآلثار الطحاوي برقم َ ": 3153ع ِن ْالبَ َر ِ
سلَّ َم ِإلَى َرج ٍل صلَّى َّ
ّللا َعلَ ْي ِه َو َ ّللاِ َ سلَ ِني َرسول َّ الرا َية .فَق ْلت :أَيْنَ ت َ ْذهَب ؟ فَقَا َل :أَ ْر َ َو َم َعه َّ
ب عنقَه أَ ْو أَ ْقتلَه " تَزَ َّو َج ا ْم َرأَة َ أَبِي ِه ِم ْن بَ ْع ِد ِه أَ ْن أَض ِْر َ
قال الطحاوي في" شرح معاني اآلثار" ":فلما لم يأمر النبي صلى هللا عليه وسلم بالرجم،
وإنما أمره بالقتل ،ثبت بذلك أن ذلك القتل ليس بحد للزنا ،ولكنه لمعنى خالف ذلك ،وهو
أن ذلك المتزوج فعل ما فعل من ذلك على االستحالل ،كما كانوا يفعلون في الجاهلية،
فصار بذلك مرتدا".
وقال الشوكاني مبينا ً معنى الحديث في " نيل األطوار" ":وللحديث أسانيد كثيرة ،منها ما
رجاله رجال الصحيح ،والحديث فيه دليل على أنه يجوز لإلمام أن يأمر بقتل من خالف
ساء،قطعيات الشريعة كهذه المسألة ،فإن هللا تعالى يقولَ :والَ تَن ِكحواْ َما نَ َك َح آ َباؤكم ِّمنَ النِّ َ
ولكنه ال بد من حمل الحديث على أن ذلك الرجل الذي أمر صلى هللا عليه وسلم بقتله ،عالم
بالتحريم ،وفعله مستحال ،وذلك من موجبات الكفر".
17
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
و قد أورد مثل هذا اإلمام الطبري و ابن كثير في تفسيرهما لآلية ﴿ َو َال تَن ِكح ۟
وا َما نَ َك َح
يال ﴾ [النساء ]٢٢ : س ۤا َء َ
س ِب ً ف ِإنَّهۥ َكانَ فَ ٰـ ِحشَةࣰ َو َم ۡقتࣰا َو َ س ۤا ِء ِإ َّال َما قَ ۡد َ
سلَ ِۚ َ َءابَ ۤاؤكم ِّمنَ ٱلنِّ َ
فمثالً قال الحافظ ابن كثير عند تفسيره لهذه اآلية " :وقال عطاء بن أبي رباح في قوله ( :
ومقتا ) أي :يمقت هللا عليه ( وساء سبيال ) أي :وبئس طريقا لمن سلكه من الناس ،فمن
تعاطاه بعد هذا فقد ارتد عن دينه ،فيقتل ،ويصير ماله فيئا لبيت المال .كما رواه اإلمام
أحمد وأهل السنن ،من طرق ،عن البراء بن عازب ،عن خاله أبي بردة -وفي رواية :
ابن عمر -وفي رواية :عن عمه :أنه بعثه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إلى رجل
تزوج امرأة أبيه من بعده أن يقتله ويأخذ ماله ".
و كذلك ذكر بعض العلماء قتل النبي صلى هللا عليه وسلم ابن خطل؛ ألنه ارتد عن اإلسالم
و هو متعلق بأستار الكعبة و هو مرتد عن اإلسالم فعن أنس بن مالك رضي هللا عنه أن
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم دخل عام الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاء رجل
فقال إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتلوه[ .رواه البخاري] و هذا على قول ذكره
الخطابي و غيره ،و هناك قول بأنه قتل قوداً ذكره ابن عبد البر[ .يراجع فتح الباري
جـ٣صـ]٧٢
و كذلك لما قتل أبوموسى و معاذ -رضي هللا عنهما -المرتد قال معاذ -و هو من أفقه
الصحابة : -إنه قضاء هللا و رسوله؛ فنسبوا حكم قتل رتد إلى قضاء النبي صلى هللا عليه
سلَّ َم ... ( : صلَّى هللا َعلَ ْي ِه َو َ سى ،قَالَ :قَا َل َرسول َّ
ّللاِ َ وسلم ،ففي الصحيحين َع ْن أَ ِبي مو َ
سى ،أَ ْو َيا َع ْب َد َّ ِ
ّللا بْنَ قَي ٍْسِ ،إلَى ال َي َم ِن ،ث َّم اتَّ َب َعه م َعاذ بْن َج َب ٍل ،فَلَ َّما قَد َِم ا ْذهَبْ أَ ْنتَ َيا أَ َبا مو َ
سا َدةً ،قَالَ :ا ْن ِز ْل ،فَإِذَا َرج ٌل ِع ْن َده موثَ ٌق ،قَالََ :ما هَذَا؟ قَالََ :كانَ يَهو ِديًّا فَأ َ ْسلَ َم َعلَ ْي ِه أَ ْلقَى لَه ِو َ
ت) .فَأ َ َم َر ِب ِهث َم َّرا ٍ ّللاِ َو َرسو ِل ِه (ثَالَ َ
ضاء َّ س ،قَالَ :الَ أ َ ْج ِلس َحتَّى ي ْقتَلَ ،قَ َ ث َّم تَ َه َّو َد ،قَالَْ :
اج ِل ْ
فَق ِت َل ) ...رواه البخاري ( )6923ومسلم (.)1733
و هذا مبني على مسألة اصولية مهمة جداً :و هي أن األمر أقوى من من مجرد الفعل؛
لتطرق االحتمال إلى الفعل بكونه خاصا ً بالنبي صلى هللا عليه وسلم أو كونه داالً على
الجواز فقط ،يراجع في ذلك [ المحصول للرازي - ٣٨٨/٣اإلحكام لآلمدي -٢٥٠/١البحر
المحيط للزركشي ٧٤/٣و غيرها]
و أورد الكاتب عددا ً من الحوادث يزعم فيها أن النبي صلى هللا عليه وسلم ثبت له ردة
شخص مسلم و لم يقتله ،و عموما ً ال يخرج ذلك عن أربعة أحوال :
18
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
-٣ذكر جماهير المفسرين أن مثل هذه اآليات القرآنية النافية لكونه صلى هللا عليه وسلم
مسيطراً أو جبارا ً تتحدث عن الهداية القلبية (هداية التوفيق) ،و ال عالقة لها بكونه صلى
هللا عليه وسلم يقيم الحدود أو يحكم بين الناس لوجود آيات أخرى مقررة لذلك مثل قوله
ض َم ۤا ٱحذَ ۡره ۡم أَن يَ ۡفتِنوكَ َع ۢن َبعۡ ِ ٱلل َو َال تَتَّ ِب ۡع أ َ ۡه َو ۤا َءه ۡم َو ۡ
ٱحكم َب ۡينَهم ِب َم ۤا أَنزَ َل َّ تعالى َ ﴿ :وأَ ِن ۡ
ض ذنو ِب ِه ۡۗۡم َو ِإ َّن َك ِثيرࣰا ِّمنَ
صي َبهم ِب َبعۡ ِ ٱعلَ ۡم أَنَّ َما ي ِريد ٱ َّلل أَن ي ِ أَنزَ َل ٱ َّلل ِإلَ ۡي ۖۡكَ فَإِن تَ َولَّ ۡو ۟ا فَ ۡ
اس لَفَ ٰـ ِسقونَ ﴾ [المائدة ]٤٩ :ففيها كونه صلى هللا عليه وسلم حاكما ً قاضيا ً على الناس. ٱلنَّ ِ
و بهذا سقط االستدالل بمثل هذه اآليات في مقام نفي عقوبة المرتد ،و قد قال اإلمام المفسّر
الطاهر بن عاشور في سياق تفسيره لمثل هذه اآليات التي استدل بها الكاتب :
اإلخبار ألن النبي صلى هللا عليه وسلم" ونفي كونه مصيطراً عليهم خبر مستعمل في غير ِ
يعلم أنه لم يكلف بإكراههم على اإليمان ،فالخبر بهذا النفي مستعمل كناية عن التطمين برفع
التبعة عنه من جراء استمرار أكثرهم على الكفر ،فال نسخ لحكم هذه اآلية بآيات األمر
بقتالهم.
ثم جاء وجوب القتال بتسلسل حوادث كان المشركون هم البادئين فيها بالعدوان على
المسلمين إذ أخرجوهم من ديارهم ،فشرع قتال المشركين لخضد شوكتهم وتأمين المسلمين
من طغيانهم.
ومن الجهلة من يضع قوله{ :لست عليهم بمصيطر} في غير موضعه ويحيد به عن مهيعه
فيريد أن يتخذه حجة على حرية التدين بين جماعات المسلمين.
وشتان بين أحوال أهل الشرك وأحوال جامعة المسلمين.
فمن يلحد في اإلسالم بعد الدخول فيه يستتاب ثالثا ً فإن لم يتب قتل ،وإن لم يقدر عليه فَعلى
المسلمين أن ينبذوه من جامعتهم ويعاملوه معاملة المحارب" .
[ التحرير و التنوير -جـ١٥صـ]٣٠٧
بل حتى بعض المفسرين الذين فسروا مثل هذه اآليات بأنها تنفي إجبار النبي صلى هللا عليه
وسلم للناس على دخول اإليمان ،ذكروا أنها منسوخة و أن ذلك في العهد المكي عهد
19
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
االستضعاف [ يراجع زاد المسير -ابن الجوزي ]٢٦/٨و على أن هذا القول ضعيف لعدم
اتساقه مع سياق اآليات إال أنه ال داللة فيه على نفي عقوبة المرتد -أيضا ً ! -
ثم هنا تساؤل للكاتب -من باب التنزل الجدلي فقط : -
اعتبر كل ما مضى من الحجج غير صحيحة ،هل يخفى على صحابة النبي صلى هللا عليه
وسلم أنه ال عقوبة للمرتد بالقتل ثم يقتلونه و يفتون بحل دمه ،كما فعل ذلك معاذ و
أبوموسى و أفتى بذلك عمر و عثمان و علي و ابن مسعود و ابن عباس و غيرهم؟! هل
كل هؤالء كان يستحلون دماء حراما ً و يرتكبون سفك الدماء عن جهل بسيرة النبي صلى
هللا عليه وسلم؟!
الحجة الرابعة :االستدالل باآليات التي ظاهرها التخيير بين اإليمان و الكفر:
" فليس ثمة أوامر تدعو لقتلهم بل على العكس فإن االنصراف عنهم وتركهم أحياء فرصة
لهم من هللا ليتوبوا ويعودوا إلى رشدهم مرة أخرى قبل أن يدركهم الموت ,ألن قتل المرتد
شاء فَ ْليؤْ ِمن َو َمن يحرمه من فرصة التوبة ,وما معنى قوله تعالى َ :وق ِل ْال َح ُّق ِمن َّر ِبّك ْم فَ َمن َ
ط بِ ِه ْم س َرادِق َها َوإِن يَ ْستَ ِغيثوا يغَاثوا بِ َماء َك ْالم ْه ِل
َارا أ َ َحا َ شَاء فَ ْليَ ْكف ْر إِنَّا أَ ْعتَ ْدنَا ِل َّ
لظالِمِينَ ن ً
اءت م ْرتَفَقًا {الكهف,}29/إنها إرادة اإلنسان ومشيئته التي س ْ ش َراب َو َس ال َّ يَ ْش ِوي ْالوجوهَ ِبئْ َ
سيحاسب عليها أمام خالقه تعالى يوم القيامة" .
و االستناد على مثل هذه اآليات المخيرة بين اإليمان و الكفر لنفي عقوبة قتل المرتد ليس
بصحيح؛ لآلتي :
-١لو أطلقنا التخيير في هذه اآلية بين اإليمان و الكفر -هكذا -لكانت داللة اآلية تبيح
الكفر رأسا ً و ليس مجرد نفى عقوبة المرتد! ،و هذا مخالف لقطعيات الدين و المعلوم
الضروري منه .لذلك التخيير هنا ليس على اإلباحة قطعاً؛ فال عبرة بإيراد اآلية في مقام
نفى عقوبة المرتد.
20
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
فال معنى إليراد اآلية في مقام نفي عقوبة المرتد كما فعل الكاتب.
و يوضّح هذا الوجهَ الوجه الثالث التالي.
-٣ذكر المفسرون من الصحابة والتابعين أن المراد بهذه اآليات التهديد و الوعيد ،و هذا
مثل قول األب البنه محذرا ً من الخروج من البيت في سياقات أخرى ثم يقول له مهددا ً
موعداً :و لك الخيار بأن تخرج أو تبقى في البيت ،فهل يفهم الصبي أن المراد اإلباحة!
لذلك قال الصحابي ابن عباس رضي هللا عنها " :و ليس هذا بإطالق من هللا الكفر لمن
شاء ،و اإليمان لمن أراد ،و إنا هو تهديد و وعيد" ،و قال مجاهد " :وعيد من هللا ،فليس
ي" ،و قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم " :هذا كله وعيد ليس مصانعة و ال مراشاة بمعجز ّ
و ال تفويضاً" [ تفسير الطبري جـ١٨صـ]١٠
و لذلك عوام الناس الذين يقرؤون المصحف لما يأتون على مثل هذه اآليات ال يفهمون منها
إباحة الكفر؛فمقام اآليات قدري و مقصده تهديدي وعيدي ال شرعي إباحي ،فال عبرة
باستدالل الكاتب بها في نفى عقوبة الردة.
و بالتالي استدالل الكاتب بهذه اآليات في مقام نقاش عقوبة المرتد = ساقط.
و عند هذه الحجة الرابعة نكون قد استوفينا على كافة األدلة القرآنية التي استند عليها كاتب
المقال ،و بيّنا أن اآليات في مقام تفسير أصيل و منضبط ،و استدالالت الكاتب في ضغط
حداثي بعيد عن ال ِبنية التفسيرية لآليات ،و ظهر لنا أن لآليات المعنى " األصيل التفسيري"
بعيداً عن التأويل "الحداثي الدخيل " ،و في الحلقة القادمة -إن شاء هللا -نبدأ في تناول
تأويالت الكاتب الحداثية للمرويات في باب عقوبة قتل المرتد و نقدها.
21
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
()4
و بعد إسقاط كل الدالالت القرآنية التي بثها الكاتب في مقاله الذي يسعى لنفي عقوبة قتل
المرتد في الشريعة اإلسالمية ،نواصل في دحض حجج الكاتب األخرى التي قامت على
تأويل أحداث من السيرة النبوية ،و تأويالت الكاتب هي :
الحجة الرابعة :االستدالل بعدم قتل النبي -صلى هللا عليه وسلم -للمنافقين رغم تصريح
القرآن بحقيقتهم :
" وقد يستدل باآليات في شأن المنافقين،لكونها تبين أنهم حموا أنفسهم من القتل بسبب
كفرهم عن طريق األيمان الكاذبة ،والحلف الباطل إلرضاء المؤمنين،كما في قوله تعالى:
ّللا َعلَ ْي ِهم َّما هم ِّمنك ْم َو َال ِم ْنه ْم َويَ ْح ِلفونَ َعلَى ْال َك ِذ ِ
ب ب َّ َض َأَلَ ْم ت َ َر ِإلَى الَّذِينَ تَ َولَّ ْوا قَ ْو ًما غ ِ
ساء َما َكانوا َي ْع َملونَ * اتَّخَذوا أَ ْي َمانَه ْم جنَّةً َوه ْم َي ْعلَمونَ * أَ َع َّد َّ
ّللا لَه ْم َ
عذَابًا َ
شدِيدًا ِإنَّه ْم َ
ش ْيئًا ي َع ْنه ْم أَ ْم َواله ْم َو َال أَ ْو َالدهم ِّمنَ َّ
ّللاِ َ ين * لَن ت ْغنِ َ ّللاِ فَلَه ْم َعذَ ٌ
اب ُّم ِه ٌ سبِي ِل َّ صدُّوا َعن َ فَ َ
22
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
ّللا َج ِميعًا َفيَ ْح ِلفونَ لَه َك َما يَ ْح ِلفونَ لَك ْم ار ه ْم فِي َها خَا ِلدونَ * يَ ْو َم يَ ْب َعثهم َّ ص َحاب النَّ ِأ ْولَئِكَ أ َ ْ
ساه ْم ِذ ْك َر َّ
ّللاِ طان فَأَن َ ش ْي َ ش ْيءٍ أَ َال ِإنَّه ْم هم ْال َكاذِبونَ * ا ْستَ ْح َوذَ َ
علَ ْي ِهم ال َّ سبونَ أَنَّه ْم َعلَى َ َو َي ْح َ
ّللا َو َرسولَه ان هم ْالخَا ِسرونَ * إِ َّن الَّذِينَ ي َحا ُّدونَ َّ َ ط ِ ش ْي َ ان أَ َال إِ َّن ِح ْز َ
ب ال َّ ط ِ ش ْي َ
أ ْولَئِكَ ِح ْزب ال َّ
يز {المجادة .}21/ ع ِز ٌي َ ّللا َأل َ ْغ ِلبَ َّن أَنَا َورس ِلي إِ َّن َّ َ
ّللا قَ ِو ٌّ ب َّ أ ْولَئِكَ فِي األَذَ ِلّينَ * َكتَ َ
سالل لَك ْم ِإذَا انقَلَبْت ْم ِإلَ ْي ِه ْم ِلت ْع ِرضواْ َع ْنه ْم فَأ َ ْع ِرضواْ َع ْنه ْم ِإنَّه ْم ِر ْج ٌ سيَ ْح ِلفونَ ِب ّ ِ
ويقولَ :
ض ْواْ َع ْنه ْم فَإِ َّن ض ْواْ َع ْنه ْم فَإِن ت َ ْر َ َو َمأْ َواه ْم َج َهنَّم َجزَ اء ِب َما َكانواْ َي ْك ِسبونَ * َي ْح ِلفونَ لَك ْم ِلتَ ْر َ
ضى َع ِن ْالقَ ْو ِم ْالفَا ِسقِينَ {التوبة ."}96/95 ّللا الَ يَ ْر َ
َّ
الل َما قَالواْ َولَقَ ْد قَالواْ َك ِل َمةَ ْالك ْف ِر َو َكفَرواْ َب ْع َد إِ ْسالَ ِم ِه ْم َو َه ُّمواْ ِب َما لَ ْم َينَالواْ
ويقول :يَ ْح ِلفونَ ِب ّ ِ
ض ِل ِه فَإ ِن يَتوبواْ يَك َخي ًْرا لَّه ْم َوإِن يَتَ َولَّ ْوا يعَ ِذّبْهم ّللا َو َرسوله ِمن فَ ْ َو َما نَقَمواْ إِالَّ أَ ْن أَ ْغنَاهم ّ
ير {التوبة ,}74/لكن ص ٍ ي َوالَ نَ ِ اآلخ َرةِ َو َما لَه ْم فِي األ َ ْر ِ
ض ِمن َو ِل ٍّ ّللا َعذَابًا أ َ ِلي ًما فِي ال ُّد ْنيَا َو ِ
ّ
اآليات تؤكد أنهم بدؤكم أول مرة ،وإن لم يتكلموا بكلمة الكفر،فدل ذلك على أن الكفر قد
ثبت عليهم بالبينة،وبالتالي فان حجتهم تكون قد انهزمت،وأيمانهم الفاجرة ال تغن عنهم
شيئًا,ومع ذلك لم يعاقبوا بعقوبة بالردة" .
و كون النبي صلى هللا عليه وسلم لم يقتل المنافقين استدالل غريب من الكاتب ليؤكد نفى
عقوبة القتل للمرتد ؛ و ذلك لآلتي :
-١معنى النفاق هو إبطان الكفر و إظهار اإلسالم؛ فالمنافقون سموا بذلك -أصالً -لهذه
العلة ،و إال لماذا تم تصنيفهم قسيما ً للكفار؟!
و إخفاء المنافقين بالمدينة لكفرهم كان أمرا ً واضحا ً في القرآن كما في اآليات التالية :
23
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
ٱستَهۡ ِزء ۤو ۟ا ِإ َّن قال تعالى ﴿ :يَ ۡحذَر ۡٱلمنَ ٰـ ِفقونَ أَن تن ََّز َل َعلَ ۡي ِه ۡم س َ
ورةࣰ تنَبِّئهم بِ َما فِی قلوبِ ِه ِۡۚم ق ِل ۡ
ٱلل م ۡخ ِرجࣰ َّما تَ ۡحذَرونَ ﴾ [التوبة ]٦٤ : َّ َ
و لهذا السبب سميت سورة التوبة الفاضحة ألنها فضحت نفاقهم و جلّته [ انظر تفسير ابن
جزي ]٧٢/٢
و قال َ ﴿ :ولَ ۡو نَش َۤاء َأل َ َر ۡينَ ٰـ َكه ۡم فَلَعَ َر ۡفتَهم بِ ِسي َم ٰـه ِۡۚم َولَتَعۡ ِرفَنَّه ۡم فِی لَ ۡح ِن ۡٱلقَ ۡو ِۚ ِل َو َّ
ٱلل يَعۡ لَم أَ ۡع َم ٰـلَك ۡم
﴾ [محمد ]٣٠ :
قال ابن عطية في تفسيره " :و هذا في الحقيقة ليس بتعريف تام؛ بل هو لفظ يشير إليهم
على اإلجمال ال أنه سمى أحدا ً " [ تفسير ابن عطية ]١٢٠/٥
و قرر الحافظ ابن كثير نفس المعنى فقال " :هذا من باب التوسم فيهم بصفات يعرفون بها
ال أنه يعرف جميع من عنده من أهل النفاق و الريب على التعيين" [ تفسير ابن كثير
]٣٨٥/٢
بل حتى حافظ سر النبي صلى هللا عليه وسلم حذيفة بن اليمان -رضي هللا عنهما -قال في
ذات المعنى " :إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي صلى هللا عليه وسلم ،كانوا
يومئذ يسرون و اليوم يجهرون " [ رواه البخاري رقم ]٦٦٩٦
إذا ثبت ذلك فإن من المتفق عليه أن عقوبة الردة تقام على الذي (أظهر) الكفر و أعلنه ،و
من أخفاه فال تقام عليه عقوبة القتل ،و يقول ابن الجوزي مقرراً ذلك ":إنما أمر بقتال من
أظهر كلمة الكفر و أقام عليها ،فأما من إذا أطلع كفره أنكر و حلف و قال إني مسلم فإنه
أمر أن يأخذه بظاهر أمره و ال يبحث عن سره" [ زاد المسير ]٤٧٠/٣
-٢من أظهر الكفر من بعض المنافقين جاءت اآليات صريحة في (استحقاق) للقتل كما
قال تعالى ۞ ﴿ :لَّ ِٕىن لَّ ۡم َينتَ ِه ۡٱلمنَ ٰـ ِفقونَ َوٱلَّذِينَ فِی قلو ِب ِهم َّم َرضࣰ َو ۡٱلم ۡر ِجفونَ فِی ۡٱل َمدِينَ ِة
وا تَ ۡقتِيلࣰا لَن ۡغ ِريَنَّكَ بِ ِه ۡم ث َّم َال ي َجا ِورونَكَ فِي َه ۤا إِ َّال قَ ِليلࣰا ۞ َّم ۡلعونِي ۖۡنَ أَ ۡينَ َما ث ِقف ۤو ۟ا أ ِخذ ۟
وا َوق ِتّل ۟
﴾[األحزاب ٦٠ :و ]٦١
و بهذا انقلبت حجة الكاتب عليه؛ فاآلية صريحة في (استحقاق) المنافقين المظهرين لكفرهم
و تماديهم للقتل المؤكد بالمفعول المطلق!
ثم هنا السؤال لماذا رغم (استحقاقهم) للقتل لم يقتلهم النبي صلى هللا عليه وسلم؟
24
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
ّللا عليه وسلَّ َم في غَزَ اةٍ، صلَّى َّ يِ َ الجواب هو ما رواه مسلم من حديث جابر :كنَّا مع النب ّ
ي :يا لَأل َ ْن َ
صا ِرَ ،وقا َل ار ُّص ِار ،فَقا َل األ ْن َ ص ِاج ِرينَ َ ،رج ًال ِمنَ األ ْن َ س َع َرج ٌل ِمنَ الم َه ِ فَ َك َ
ّللا عليه وسلَّ َم :ما بَال َدع َْوى ال َجا ِه ِليَّ ِة؟ صلَّى َّ اج ِرينَ ،فَقا َل َرسول هللاِ َ ي :يا لَ ْلم َه ِ اج ِر ُّ
الم َه ِ
ار ،فَقالََ :دعو َها ،فإنَّ َها ص ِ اج ِرينَ َ ،رج ًال ِمنَ األ ْن َ س َع َرج ٌل مِنَ الم َه ِ قالوا :يا َرسو َل هللاَِ ،ك َ
ّللا لَئِ ْن َر َج ْعنَا إلى ال َمدِينَ ِة لَي ْخ ِر َج َّن األ َع ُّز
ي ٍ فَقالَ :ق ْد فَ َعلوهَاَ ،و َّ ِ
س ِم َع َها عبد هللاِ بن أبَ ّ م ْنتِنَةٌ فَ َ
منها األذَ َّل.
ق ،فَقالَ:قا َل ع َمرَ :د ْعنِي أَض ِْرب عنقَ هذا المنَافِ ِ
فراعى النبي صلى هللا عليه وسلم لمقصد معين و هو خشية ظن الناس أن النبي صلى هللا
عليه وسلم يقتل من (أظهر) اإلسالم ،و في هذا لمن تأمله من أهل الذكاء داللة واضحة
على أن األصل أنهم يقتلوا و لكن وجدت علة عارضة يرجع الحكم ألصالته بزوالها ؛ فلو
كان ترك النبي صلى هللا عليه وسلم لقتل المنافقين يصلح لالستدالل على نفي عقوبة الردة
كما يقرر الكاتب = لكان جواب النبي صلى هللا عليه وسلم مثالً " :ال تقتله؛ فإنه ال يقتل
المرتد في ديننا "! ،فتأمله فإنه وجه قوي يأتي على أصل حجة الكاتب بالبطالن ،و الحمد
هلل.
" قال القرطبي :وقد اتفق العلماء عن بكرة أبيهم على أن القاضي ال يقتل بعلمه ،وإن
اختلفوا في سائر األحكام ،قال :ومنها ما قال الشافعي :إنما منع رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم من قتل المنافقين ما كانوا يظهرونه من اإلسالم مع العلم بنفاقهم؛ ألن ما يظهرونه
يجب ما قبله .ويؤيد هذا قوله ،عليه الصالة والسالم ،في الحديث المجمع على صحته في
الصحيحين وغيرهما" :أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا :ال إله إال هللا ،فإذا قالوها عصموا
مني دماءهم وأموالهم إال بحقها ،وحسابهم على هللا ،عز وجل" .ومعنى هذا :أن من قالها
جرت عليه أحكام اإلسالم ظاهرا ،فإن كان يعتقدها وجد ثواب ذلك في الدار اآلخرة ،وإن لم
يعتقدها لم ينفعه في اآلخرة جريان الحكم عليه في الدنيا ،وكونه كان خليط أهل اإليمان
"ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم األماني
حتى جاء أمر هللا" ،فهم يخالطونهم في بعض المحشر ،فإذا حقت المحقوقية تميزوا منهم
وتخلفوا بعدهم "وحيل بينهم وبين ما يشتهون" ولم يمكنهم أن يسجدوا معهم كما نطقت بذلك
األحاديث ،ومنها ما قاله بعضهم :أنه إنما لم يقتلهم ألنه كان يخاف من شرهم مع وجوده،
25
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
عليه السالم ،بين أظهرهم يتلو عليهم آيات هللا مبينات ،فأما بعده فيقتلون إذا أظهروا النفاق
وعلمه المسلمون " [ تفسير ابن كثير ]١٧٩/١
و بهذا سقطت حجة الكاتب رأسا ً على عقب ؛ و تبيّن أنها حجة عليه ال له ! ،و هلل الحمد.
الحجة الخامسة :االستدالل بقبول النبي -صلى هللا عليه وسلم -بشرط في صلح
الحديبية يلزم منه عدم إقامة النبي -صلى هللا عليه وسلم -لعقوبة الردة :
يقول الكاتب " :ومن ناحية أخري,فانه في صلح الحديبية ,نجد أن النبي قد وافق على أن
من ارتد من أهل المدينة فال بأس لو التحق بأهل مكة ،وليس له أن يطالبهم به"
و قال " :كما أن الرسول لم يقتل أي إنسان لمجرد ردته .بل وافق على أن يخرج المرتد
من المدينة إلى مكة من دون أن يعاقبه ،ولو كان قتل المرتد حكما قرآنيا لما وافق النبي
على شرط في صلح الحديبية يخالف القرآن" .
-١أن الشرط الذي يستند إليه الكاتب هو الشرط التالي من صلح الحديبية ":من أتى محمدا ً
من قريش من غير إذن وليه رده إليهم ،ومن جاء قريشا ً ممن مع محمد لم يرد إليه " و
قصة الصلح مروية في صحيح البخاري ،هذا الشرط من حيث إسالم رجل من من مشركي
مكة فليس المعنى أن النبي صلى هللا عليه و سلم يرده عن الدين ،بل الشرط أال يستقبله في
المدينة .
والذي يؤكد ذلك أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ألبي جندل –و قد جاء من مكة ليسلم -
حين صرخ بأعلى صوته ،وقد رده المسلمون :يا معشر المسلمون ،ءأرد للمشركين
يفتنونى في دينى ؟
فقال له النبي صلى هللا عليه وسلم ( :يا أبا جندل اصبر واحتسب؛ فإن هللا جاعل لك ولمن
شره النبي صلى هللامعك فرجا ً ومخرجاً) ؛ فلو كان رجوعه لقريش ردة له عن دينه ما ب ّ
عليه وسلم بالفرج له ولمن معه !
ومما يؤكد ذلك :أن النبي صلى هللا عليه وسلم أهدر دم الذين ارتدوا ولحقوا بالمشركين بعد
عقد الصلح -ولو تعلقوا بأستار الكعبة -مثل ابن خطل كما ذكرنا في الحلقة الماضية.
26
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
-٢ثم لو ارتد مسلم و لحق بمشركي مكة فهذا خارج عن بحثنا ؛ فهروب المرتد عن
سلطان الدولة اإلسالمية و بالتالي عدم التمكن من قتله = ال يمكن معه إقامة العقوبة عليه،
و هذا خارج عن بحثنا تماماً.
و بهذا يظهر أن استدالل الكاتب بهذه الحجة ضعيف جدا ً و غير صحيح.
" بيد أنه ترد روايات منسوبة الى النبي ,يفهم منها وجوب قتل المرتد عن الدين ,أهمها ما
رواه عن عكرمة قال :أتي علي رضي هللا عنه بزنادقة فأحرقهم ،فبلغ ذلك ابن عباس فقال:
لو كنت أنا لم أحرقهم ،لنهي رسول هللا ( :ال تع ِذّبوا بعذاب هللا) .ولقتلتهم ،لقول رسول هللا :
(من بدَّل دينه فاقتلوه) والحق أن هذا الحديث ال يراد عمومه ،إذ إن المسيحي الذي يبدل
دينه فيعتنق اإلسالم ال يقتل بال خالف .لذا فالحديث خاص ،بيد أن الكثير من العلماء قد
خصصه بالمسلم الذي يبدل دينه ،لكننا نخصصه بالذي يترك دينه ويحارب .ذلك أن اآليات
القرآنية المتقدمة ,تنفي وجوب أية أي عقوبة على المرتد لمجرد ردته ،بينما توجب آيات
أخرى العقوبة على المعتدي فقط "
و قال :
" أما الحديث الثاني الذي يرويه البخاري أيضا ً عن عبد هللا قال :قال رسول هللا ( :ال يحل
دم امرئ مسلم ،يشهد أن ال إله إال هللا وأني رسول هللا ،إال بإحدى ثالث :النفس بالنفس،
والثيب الزاني ،والمفارق لدينه التارك للجماعة).فهو حديث ينادي بقتل المرتد التارك
للجماعة ،ومعنى ذلك المحارب للجماعة ,لذا فهو نص في ما نقول من أن المرتد المحارب
هو الذي تجب عليه عقوبة في حال قدر عليه ،وليس القتل لمجرد الردة" .
لما كانت النصوص النبوية في عقوبة قتل المرتد صريحة و و اضحة كقوله صلى هللا عليه
وسلم ( :من ب َّد َل دينَه فاقتلوه) كما في صحيح البخاري ّ ،أوله الكاتب تأويالً متعسفا ً جدا ً ،
و الرد عليه يتضمن :
27
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
-١قول الكاتب أن هذا الحديث ال يراد عمومه ألنه كلمة" دينه" قد تشمل الدين النصراني
مثالً = هذا قول غير صحيح؛ فإن إطالقات اللفظ لها في علم األصول ثالث حقائق :
حقيقة لغوية ،و حقيقة عرفية و حقيقة شرعية.
و المتقرر في األصول أن حمل اللفظ يكون أن يكون أوالً على الشرعي ،كما قال صاحب
"مراقي السعود لمبتغي الرقي و الصعود " في أصول فقه السادة المالكية :
وقد قال محمد األمين -رحمه هللا -في مذكرته في أصول الفقه :
" واعلم أن التحقيق حمل اللفظ على الحقيقة الشرعية ثم العرفية ثم اللغوية ثم المجاز عند
القائل به ان دلت عليه قرينة" (272ص -طبعة دار عالم الفوائد )
[وانظر شرح مدراج الصعود إلى مراقي السعود طبعة الرشد صفحة( / ) )116شرح
الكوكب المنير ( )435،436/3شرح مختصر ابن اللحام للشثري صفحة ]64
و عليه لفظ " دينه" في اللغة قد يشمل النصرانية ،و لكن ما المراد بها عند اإلطالق
الشرعي الواجب أن نحمله عليه أوالً ؟
و عليه فكلمة " دينه " المراد بها اإلسالم ،و بذلك سقط استدالل الكاتب في تحقيق العموم
بهذا المناط و االعتبار.
-٢ذكر الكاتب بناء على مقدمته الخاطئة هذه أنه يخصص الحديث بمن بدّل دينه و حارب؛
و عليه ال تقام عقوبة قتل المرتد إال على من حارب مع تبديل دينه :
و هذا تأويل متعسّف جداً؛ فإن المخصصات في علم األصول إما متصلة أو منفصلة ؛ فمن
أين أتى الكاتب بمخصص " المحاربة "؟!
ذكر أن اآليات القرآنية لم توجب عقوبة قتل مرتد .و هذا باطل من وجهين :
28
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
األول :أن السنة مصدر تشريعي مستقل فيه أحكام كثيرة ال توجد في القرآن مثل أحكام
صالة الكسوف و صالة الجنازة و غيرها كثير جداً؛ فالزم ترك السنة كمصدر تشريعي
مستقل = سقوط كثير أو أكثر أحكام الدين ،و هذا ال يقول به الكاتب.
الثاني :أن القرآن الكريم فيه عقوبة قتل المرتد كما أوردت في الحلقة السابقة من هذه
وا َك ِل َمةَ ۡٱلك ۡف ِر َو َكفَر ۟
وا بَعۡ َد وا َولَقَ ۡد قَال ۟ٱلل َما قَال ۟ السلسلة ،و منها مثالً قوله تعالى ﴿ :يَ ۡح ِلفونَ بِ َّ ِ
ض ِل ِهۦِۚ فَإِن يَتوب ۟
وا ٱلل َو َرسولهۥ ِمن فَ ۡ وا ِۚۚ َو َما نَقَم ۤو ۟ا ِإ َّ ۤال أَ ۡن أَ ۡغن َٰىهم َّ
وا بِ َما لَ ۡم يَنَال ۟ ِإ ۡسلَ ٰـ ِم ِه ۡم َو َه ُّم ۟
ض عذَابًا أَ ِليمࣰا فِی ٱلد ُّۡن َيا َو ۡٱلـَٔ ِ
اخ َر ِۚةِ َو َما لَه ۡم فِی ۡٱأل َ ۡر ِ ٱلل َ َيك خ َۡيرࣰا لَّه ۡۖۡم َو ِإن َيتَ َولَّ ۡو ۟ا ي َعذّ ِۡبهم َّ
َصيرࣰ ﴾ [التوبة ]٧٤ :فنصت اآلية على العذاب الدنيوي للمرتد و في ِمن َو ِلی ࣰّّ َو َال ن ِ
تقرير هذا يقول الحافظ ابن كثير في تفسيره لهذه اآلية ( " :يعذبهم هللا عذابا أليما في الدنيا
) أي :بالقتل والهم والغم ( ،واآلخرة ) أي :بالعذاب".
و عليه فنطالب الكاتب بتخصيصه للحديث ( :من بدل دينه فاقتلوه) بأنه يخصص ( بمن
بدل و قاتل) ،أين التخصيص؟!
ثم انتقل الكاتب لتأويل الحديث الصحيح الصريح اآلخر في عقوبة قتل المرتد فقال ":أما
الحديث الثاني الذي يرويه البخاري أيضا ً عن عبد هللا قال :قال رسول هللا ( :ال يحل دم
امرئ مسلم ،يشهد أن ال إله إال هللا وأني رسول هللا ،إال بإحدى ثالث :النفس بالنفس،
والثيب الزاني ،والمفارق لدينه التارك للجماعة).فهو حديث ينادي بقتل المرتد التارك
للجماعة ،ومعنى ذلك المحارب للجماعة ,لذا فهو نص في ما نقول من أن المرتد المحارب
هو الذي تجب عليه عقوبة في حال قدر عليه ،وليس القتل لمجرد الردة" .
و هذا التأويل للحديث = لعب؛ فإن التأويل ثالثة أقسام عند األصوليين :
29
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
"قلت :من اللعب حمل بعض المبتدعة آيات من كتاب هللا تعالى وأحاديث من أحاديثه صلى
هللا عليه وسلم على معان بعيدة بال دليل "
و هو ما قام به الكاتب في مقاله بتأويله " المفارق للجماعة " بأنه المرتد " المحارب " ،و
الرد عليه :
" -١المفارق للجماعة" صفة كاشفة ال يقع فيها مفهوم المخالفة ،و معنى ذلك :أن العلة
واحدة فالتارك دينه هو نفسه المفارقة للجماعة؛ فالجماعة هي جماعة المسلمين ،و المرتد
ترك الدين و فارق الجماعة المسلمة تبعا ً لردته ،ال أن األمر ينفصل بين هذا و ذاك ،و مثل
ذلك قوله صلى هللا عليه وسلم ( :مسلم يشهد أال إله إال هللا)؛ فكونه مسلما ً مسلتزم لكونه
يشهد أال إله إال هللا فيقال :كونه يشهد أال إله إال هللا صفة كاشفة ال يقع فيها مفهوم المخالفة؛
فال يصح أن يقال :هناك مسلم ال يشهد أال إله إال هللا.
شرف على َ أن عثمانَ أ -٢الرواية األخرى الحديث تبين هذا المعنى بوضوح أكثر و هي َّ :
القوم طلحة؟ قال طلحة :نعم، ِ الذين حصروه ،فسلم عليهم ،فلم يردوا عليه ،فقال عثمان :أفي
قوم أنت فيهم ،فال تردون؟ قال :قد رددت ،قال: قال :فإِنَّا هللَِ ،وإِنَّا إِلَ ْي ِه راجعون ،أسلم على ٍ
ي صلَّى هللا علي ِه وسلَّ َم هللا أسمعتَ النب َّ ما هكذا الر ُّد أسمعك وال تسمعني يا طلحة .نَشدتكَ َ
صا ِن ِه ،أَ ْو اح َدة ٌ ِم ْن ثَالثٍ :أَ ْن َي ْكف َر َب ْع َد ِإي َما ِن ِه ،أَو َي ْز ِن َ
ي َب ْع َد إِ ْح َ يقول :الَ ي ِح ُّل َد َم الم ْس ِلم إالَّ َو ِ
سا فَي ْقتَل بِ َها ،قال :الله َّم نع ْم ،فكبر عثمان ،فقال :وهللاِ ما أنكرت هللاَ منذ عرفته ،وال يَ ْقت َل نَ ْف ً
اإلسالم ،وقد تركته في الجاهلي ِة تَ َك ُّرهًا ،وفي اإلسال ِم تَ َعفُّفًا ،وال قَتلت ِ زنيت في جاهلي ٍة وال
سا َيح ُّل بها قتلي[ .مسند أحمد ]٤/١٩٠ نف ً
فقوله ( :أَ ْن َي ْكف َر َب ْع َد ِإي َما ِن ِه) نص في المسألة؛ فسقط تأويل الكاتب.
ط ۤا ِٕىفَتَا ِن ِمنَ
- ٣أن المقاتل للدولة اإلسالمية يقاتل و لو كان مسلما ً بنص اآلية ﴿ َو ِإن َ
وا َب ۡينَه َم ۖۡا فَإِ ۢن َبغ َۡت ِإ ۡح َد ٰىه َما َعلَى ۡٱأل ۡخ َر ٰى فَقَ ٰـ ِتل ۟
وا ٱلَّ ِتی تَ ۡب ِغی َحتَّ ٰى وا فَأَصۡ ِلح ۟ ۡٱلم ۡؤ ِمنِينَ ۡٱقتَتَل ۟
ٱللَ ي ِحبُّ ٱ ۡلم ۡق ِس ِطينَ ﴾ وا بَ ۡينَه َما بِ ۡٱلعَ ۡد ِل َوأَ ۡق ِسط ۤو ۟ا ۖۡۚ إِ َّن َّ
ٱلل فَإِن فَ ۤا َء ۡت فَأَصۡ ِلح ۟
تَ ِف ۤی َء إِلَ ٰۤى أَمۡ ِر َّ ِۚ ِ
[الحجرات ]٩ :
30
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
فبما أنه المحارب المسلم (الباغي) للدولة المسلمة يقاتل فما المعنى التأويلي البارد المتكلّف
للكاتب الشتراط الردة مع الحرب حتى يقاتل؟!
و قد جمع الحافظ ابن حجر رويات هذا الحديث و شرحها شرحا ً يحسن إيراده هنا للرد
على تأويل الكاتب المتعسف جداً فقال :
" قوله ( :والمفارق لدينه التارك للجماعة ) كذا في رواية أبي ذر عن الكشميهني ،
وللباقين " والمارق من الدين " لكن عند النسفي والسرخسي والمستملي " والمارق لدينه " :
قال الطيبي المارق لدينه هو التارك له ،من المروق وهو الخروج وفي رواية مسلم " :
والتارك لدينه المفارق للجماعة " ،وله في رواية الثوري " :المفارق للجماعة " وزاد :
قال األعمش فحدثت بهما إبراهيم يعني النخعي فحدثني عن األسود يعني ابن يزيد عن
عائشة بمثله .
قلت :وهذه الطريق أغفل المزي في األطراف ذكرها في مسند عائشة وأغفل التنبيه عليها
في ترجمة عبد هللا بن مرة عن مسروق عن ابن مسعود ،وقد أخرجه مسلم أيضا بعده من
طريق شيبان بن عبد الرحمن عن األعمش ولم يسق لفظه لكن قال " باإلسنادين جميعا "
ولم يقل " :والذي ال إله غيره " ،وأفرده أبو عوانة في صحيحه من طريق شيبان باللفظ
المذكور سواء ،والمراد بالجماعة جماعة المسلمين أي فارقهم أو تركهم باالرتداد ،فهي
صفة للتارك أو المفارق ال صفة مستقلة وإال لكانت الخصال أربعا ،وهو كقوله قبل ذلك :
" مسلم يشهد أن ال إله إال هللا " فإنها صفة مفسرة لقوله " :مسلم " وليست قيدا فيه ؛ إذ ال
يكون مسلما إال بذلك .
ويؤيد ما قلته أنه وقع في حديث عثمان " :أو يكفر بعد إسالمه " أخرجه النسائي بسند
صحيح ،وفي لفظ له صحيح أيضا " :ارتد بعد إسالمه " ،وله من طريق عمرو بن غالب
عن عائشة " :أو كفر بعد ما أسلم " ،وفي حديث ابن عباس عند النسائي في نسخة " عند
الطبراني " " .مرتد بعد إيمان " " ا.هـ
و بهذا سقط تأويل الكاتب لهذه األحاديث الصريحة في عقوبة قتل المرتد.
و يظهر لنا بعد نقد هذه الحجج للكاتب حجم " التأويالت ال ُمتعسفة " للنصوص و الحوادث
لكي تتوافق و رؤية الكاتب ،و يعارض بها النصوص الصريحة و المعقود عليها اإلجماع
في عقوبة قتل المرتد ،و قد قال شيخ اإلسالم ابن تيمية مبينا ً هذا النهج المبتدع في التعامل
31
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
مع النصوص فقال " :ثم ما ظنوا أنه يوافقها من القرآن احتجوا به وما خالفها تأولوه؛ فلهذا
تجدهم إذا احتجوا بالقرآن والحديث لم يعتنوا بتحرير داللتهما ولم يستقصوا ما في القرآن
من ذلك المعنى؛ إذ كان اعتمادهم في نفس األمر على غير ذلك واآليات التي تخالفهم
يشرعون في تأويلها شروع من قصد ردها كيف أمكن " [ مجموع الفتاوى .]٥٩/١٣
()5
بعد إبطال االستدالالت القرآنية و التأويالت الحديثية للكاتب ننتقل في هذه الحلقة لمناقشة
التأويل الحداثي آلثار الصحابة و مدونات الفقه الحنفي إلنكار عقوبة قتل المرتد التي
أوردها الكاتب ،و نبدأ مستعينين باهلل :
الحجة السابعة :تأويل أسباب حروب الردة التي أقامها الخليفة الراشد أبوبكر الصديق
-رضي هللا عنه : -
" أما حروب الردة ،فلم تكن حربا ً على مرتدين عن عقيدة اإلسالم،بل هي مختصة
بأولئك الذين رفضوا دفع الزكاة ألبي بكر بعد وفاة الرسول ،وتمردوا على السلطة الجديدة
ألبي بكر الصديق .لذا لم يحارب هؤالء لتركهم الدين ،ألنهم لم يتركوا اإلسالم بمجمله ،لذا
فقد قال قائلهم:
32
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
أطعنا رسول هللا إذ كان بيننا * فيا لعباد هللا ما ألبي بكر؟
أيورثها بكرا إذا مات بعده؟ * وتلك لعمر هللا قاصمة الظهر
فهؤالء انشقوا عن قيادة أبي بكر,وهناك من القبائل من أتت غازية المدينة ،فكان ال بد من
محاربتها دفاعاً .وهناك من قام بقتل مسلمين ظلما ً وعدواناً ،مثل مسيلمة الكذاب
وقومه,بينما لم يسير له الرسول أي جيش لمجرد ادعائه النبوة وتكذيب الرسول" .
و هذا التأويل من الكاتب لحروب الردة تأويل غريب جدا ً و مخالف للنصوص الصريحة
المنقولة عن الصحابة في حروب الردة في أنها كانت من أجل الدين و العقيدة ،و هذا
التخليط من الكاتب نتيجة لعدم معرفته بأصناف المرتدين في عهد الخليفة الراشد أبي بكر
الصديق -رضي هللا عنه ،-و نقض تأويله الفاسد لحروب الردة من وجوه :
-١حروب الردة لم تكن على مانعي الزكاة فقط كما يقول الكاتب ،بل هناك أقسام ثالثة
المرتدين في عهد أبي بكر الصديق -رضي هللا عنه .-
و ألّخص هنا كالم الحافظ ابن حجر في شرحه للحديث المركزي في حروب الردة الذي
كان بين أبي بكر الصديق و عمر بن الخطاب -رضي هللا عنهما -و هو حديث أبي هريرة
ب، ف أبو بَ ْك ٍر ،و َكفَ َر َمن َكفَ َر مِنَ العَ َر ِ صلَّى هللا عليه وسلَّ َم واسْت ْخ ِل َ ي َ ي النب ُّ قال :لَ َّما تو ِفّ َ
صلَّى هللا عليه وسلَّ َم :أ ِم ْرت ْ
أن ّللاِ َ
اس ،وق ْد قا َل َرسول َّ كيف تقاتِل النَّ َ َ قا َل ع َمر :يا أبا َب ْك ٍر،
سه ص َم ِم ِنّي مالَه ونَ ْف َّللا ،فقَ ْد َع َّللا ،ف َمن قالَ :ال إلَ َه إ َّال َّ اس حتَّى يقولوا :ال إلَهَ َّإال َّ أقا ِت َل النَّ َ
والزكاةَِّ ،
فإن صالةِ َّ وّللاِ َألقاتِلَ َّن َمن فَ َّرقَ بيْنَ ال َّ
ّللا قا َل أبو بَ ْك ٍرَّ :وحسابه علَى َّ ِ َّإال ب َح ِقّ ِهِ ،
صلَّى هللا عليه وسلَّ َم ّللا َوّللا لو َمنَعونِي َعناقًا كانوا ي َؤدُّونَها إلى َرسو ِل َّ ِ الزكاةَ َح ُّق الما ِلِ َّ ، َّ
صد َْر أ ِبي َب ْك ٍر أن ق ْد ش ََر َح َّ
ّللا َ أن َرأَيْت ْ لَقاتَ ْلته ْم علَى َم ْن ِعها قا َل ع َمر :فَ َّ
وّللاِ ما هو َّإال ْ
ِل ْل ِقتا ِل ،فَعَ َر ْفت أنَّه ال َح ُّق[ . .رواه البخاري ومسلم]
/2وصنف تبعوا مسيلمة واألسود العنسي وكان كل منهما ادعى النبوة قبل موت النبي -
صلى هللا عليه وسلم -فصدق مسيلمة أهل اليمامة وجماعة غيرهم وصدق األسود أهل
صنعاء وجماعة غيرهم ،فقتل األسود قبل موت النبي -صلى هللا عليه وسلم -بقليل وبقي
33
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
بعض من آمن به فقاتلهم عمال النبي -صلى هللا عليه وسلم -في خالفة أبي بكر ،وأما
مسيلمة فجهز إليه أبو بكر الجيش وعليهم خالد بن الوليد فقتلوه .
/3وصنف ثالث استمروا على اإلسالم لكنهم جحدوا الزكاة وتأولوا بأنها خاصة بزمن
النبي صلى هللا عليه وسلم ،وهم الذين ناظر عمر أبا بكر في قتالهم كما وقع في الحديث
السابق.
فالكاتب جعل كل األقسام قسما ً واحدا ً و حصر سبب القتال في منع الزكاة ،و هذا غير
صحيح كما بيّن الحافظ ابن حجر و ابن حزم و القاضي عياض كذلك.
-٢ردة مسيلمة و إدعاؤه للنبوة و قتال أبي بكر الصديق -رضي هللا عنه -له لهذا السبب =
متواتر مشهور في الكتب؛ فلماذا لم يستوعبه الكاتب في أسباب حروب الردة ،و هو أمر
متواتر معلوم كالشمس في رابعة النهار؟!
" وأمر مسيلمة مشهور في جميع الكتب الذي يذكر فيها مثل ذلك من كتب الحديث
والتفسير ،والمغازي والفتوح والفقه واألصول والكالم ،وهذا أمر قد خلص إلى العذارى في
خدورهن ،بل قد أفرد اإلخباريون لقتال أهل الردة كتبا سموها كتب " الردة " و " الفتوح "
مثل كتاب " الردة " لسيف بن عمر والواقدي وغيرهما ،يذكرون فيها من تفاصيل أخبار
أهل الردة وقتالهم ما يذكرون كما قد أوردوا مثل ذلك في مغازي رسول هللا -صلى هللا
عليه وسلم -وفتوح الشام.
فمن ذلك ما هو متواتر عند الخاصة والعامة ومنه ما نقله الثقات ،ومنه أشياء مقاطيع
ومراسيل يحتمل أن تكون صدقا وكذبا ومنه ما يعلم أنه ضعيف وكذب.
لكن تواتر ردة مسليمة وقتال الصديق وحربه [له] كتواتر هرقل وكسرى وقيصر ونحوهم
ممن قاتله الصديق وعمر وعثمان ،وتواتر كفر من قاتله النبي -صلى هللا عليه وسلم -من
اليهود والمشركين مثل عتبة وأبي بن خلف وحيي بن أخطب ،وتواتر نفاق عبد هللا بن أبي
بن سلول وأمثال ذلك.
بل تواتر ردة مسيلمة وقتال الصديق له أظهر عند الناس من قتال الجمل وصفين ،ومن
كون طلحة والزبير قاتال عليا ،ومن كون سعد وغيره تخلفوا عن بيعة على" .
34
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
شدِيدࣰ تقَ ٰـتِلونَه ۡم ست ۡد َع ۡونَ ِإلَ ٰى قَ ۡو ٍم أ ۟و ِلی بَ ۡأسࣰ َ ب َ -٣قوله تعالى ﴿ :قل ِلّ ۡلمخَلَّفِينَ ِمنَ ۡٱأل َ ۡع َرا ِ
سنࣰ ۖۡا َوإِن تَتَ َولَّ ۡو ۟ا َك َما تَ َولَّ ۡيتم ِّمن قَ ۡبل ي َعذّ ِۡبك ۡم َعذَابًاٱلل أَ ۡج ًرا َح َوا ي ۡؤتِكم َّ ونَ فَإِن ت ِطيع ۟
أَ ۡو ي ۡس ِلم ۖۡ
أَ ِليمࣰا ﴾[الفتح ]١٦ :
س ْي ِل َمةََ .وقَا َل َرافِع بْن َخدِيجٍ: ص َحاب م َ ي َومقَاتِلٌ :بَنو َحنِيفَةَ أَ ْهل ْاليَ َما َم ِة أَ ْ " َوقَا َل ُّ
الز ْه ِر ُّ
شدِيدٍ" فَ َال نَ ْعلَم َم ْن ه ْم ع ْونَ إِلى قَ ْو ٍم أو ِلي َبأْ ٍس َ ست ْد َ ضى " َ ّللا لَقَ ْد كنَّا نَ ْق َرأ هَ ِذ ِه ْاآل َيةَ فِي َما َم َ
َو َّ ِ
َحتَّى َد َعانَا أَبو َب ْك ٍر ِإلَى ِقتَا ِل َب ِني َح ِنيفَةَ فَ َع ِل ْمنَا أَنَّه ْم ه ْمَ .وقَا َل أَبو ه َري َْرة َ :لَ ْم تَأْ ِ
ت َه ِذ ِه ْاآل َية
بَ ْعد".
و بهذه األوجه يعلم أن حروب الردة تطبيق عملي من الصحابة لعقوبة قتل المرتدين في
اإلسالم ،و أن صنفا ً من المرتدين الذي قاتلهم الصحابة كانوا مدّعين للنبوة فقو ِتلوا لمعنى
الردة ال كما ّأول الكاتب ،و بهذا سقط تأويل الكاتب.
الحجة السابعة :االستدالل بدعوى عدم إنفاذ الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي هللا
عنه -لعقوبة الردة ،و العدول إلى السجن :
سا عاد من سفر فقدم على عمر ،فسأله :ما فعل الستة قال الكاتب " :وروى البيهقي :أن أن ً
الرهط من بكر بن وائل الذين ارتدوا عن اإلسالم ،فلحقوا بالمشركين؟ قال :يا أمير
المؤمنين ،قوم ارتدوا عن اإلسالم ،ولحقوا بالمشركين ،قتلوا بالمعركة .فاسترجع عمر -أي
قال :إنَّا هلل وإنا إليه راجعون ،-قال أنس :هل كان سبيلهم إال إلى القتل؟ قال نعم ،كنت
أعرض عليهم اإلسالم فإن أبوا أودعتهم السجن ,وفي رواية :انه صح عن عمر بن
الخطاب رضي هللا عنه ما يفيد عدم قتل المرتد المسالم ،وهو واضح من قول عمر عن
رهط من بني بكر بن وائل ارتدوا والتحقوا بالمشركين وقتلهم المسلمون في المعركة" :ألن
35
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
ي مما على وجه األرض من صفراء أو بيضاء ،قال :أنس أكون أخذتهم ِس ْلما كان أحب إل َّ
بن مالك فقلت :وما كان سبيلهم لو أخذتَهم سلما؟ قال عمر :كنت أعرض عليهم الباب الذي
خرجوا منه ،فإن أبوا استودعتهم السجن"" .
-١ضعف السند؛ فهذا األثر الذي رواه البيهقي في السنن الكبرى [ ]٢٠٧/٨فيه مالك بن
يحيى البصري أبوغسان ،و قد أورده العقيلي و ابن الجوزي و الذهبي في الضعفاء ،و نقل
العقيلي و ابن عدي عن اإلمام البخاري قوله فيه :في حديثه نظر.
[راجع الضعفاء للعقيلي -١٧٤/٤المغني في الضعفاء -٥٣٩/٢الضعفاء و المتروكون
]٢٠/٣
و قال ابن حبان :منكر الحديث جداً ال يجوز االحتجاج به إذا انفرد عن الثقات بالمفاريد
التي ال أصوله لها.
[راجع :المجروحين ]٣٧/٣
و الغريب في منهجية الكاتب أنه يتجاوز األحاديث المتواترة في المسألة و يؤولها و يلوي
أعناقها ثم يستدل بآثار ضعيفة السند!
-٢لو سلمنا بصحة األثر ،فهو حبس ألجل االستتابة ال لترك عقوبة القتل للمرتد ،و دليل
هذا الراوية األخرى لألثر عن عمر أنه يستتاب ٣أيام [ .انظر الجوهر النقي بهامش
السنن الكبرى للتركماني ]٢٠٧/٨و الرواية في مصنف ابن أبي شيبة برقم .٢٨٩٨٥
-٣ثبوت إقامة عقوبة قتل المرتد عن عمر بن الخطاب -رضي هللا عنه -فعن عبيد هللا بن
عبد هللا بن عتبة عن أبيه ،قال :أخذ ابن مسعود قوما ً ارتدوا عن اإلسالم ،من أهل العراق،
فكتب فيهم إلى عمر ،فكتب إليه" :أن اعرض عليهم دين الحق ،وشهادة أن ال إله إال هللا،
فإن قبلوها فخل عنهم ،وإن لم يقبلوها فاقتلهم ،فقبلها بعضهم فتركه ،ولم يقبلها بعضهم
فقتله" [ مصنف عبد الرزاق ]١٦٨/١٠
36
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
و هذا األثر مروي عن عثمان رضي هللا عنه في غير المصنف و بعضهم و ّهم غبد الرازق
في نسبته لعمر ،و لكن يرد عليه بالوجه الرابع :
-٤أهل العلم دائما ً ينسبون استتابة المرتد ثالثا ً لعمر بن الخطاب من غير نكير و بهذا كان
يستدل اإلمام أحمد بن حنبل فيقول :المرتد يستتاب ثالثا ً فإن تاب و إال قتل على حديث
عمر بن الخطاب -رضي هللا عنه [ -راجع أحكام أهل الملل للخالل ]٤١٧-٤١٦
-٥على استدالل الكاتب بهذا األثر فإنه يلزمه اإلقرار بأن المرتد يسجن في الدولة
المسلمة ،هذا يناقض األصل الذي ينطلق منه الكاتب في نفس عقوبة القتل للمرتد؛ فهو
ينطلق من مبدأ الحرية الدينية ،فهل السجن للمرتد يتماشى مع الحرية الدينية؟!
وهذا وجه إلزامي حجاجي يدل على أن الكاتب ينتقي النصوص انتقا ًء في استدالله ،و لو
عارضت أصوله نفسها!
و بهذه األوجه الخمسة سقط استدالل الكاتب بهذه الحجة الضعيفة جداً.
الحجة الثامنة :تأويل تطبيقات الصحابة و التقريرات الفقهية في وجوب عقوبة الردة،
األحناف نموذجا:
" السيما وان الروايات عن قتل مرتد التي ذكرت عن الصحابة ،يجب إرجاعها السياق
االجتماعي والسياسي الذي قيلت فيه,إذ ال ريب أن هؤالء المرتدين كانوا محاربين فوق
ردتهم األصلية .إذ بعث الرسول في ظروف كان الكل فيها يقاتل ضد الكل ،ولم تكن
حاالت الحياد معروفة ،بل كانت قبائل تغزو بعضها لمجرد أمور هامشية ،ولم يكونوا
يعرفون للسلم المستمر طعما ..ولما كان المرتد عن اإلسالم يلتحق بالقبائل المعتدية في
العادة ،فكان بديهيا ً بالنسبة إلى الفقهاء أن ينادوا بقتل كل مرتد ،ألنه يتحول الى معتدي؟ لذا
نجد أن عددا ً من الفقهاء األحناف ينادي بعدم قتل المرتدة ،باعتبارها ال تحارب ،بينما
يوجب قتل كل رجل مرتد ،باعتباره محارباً" .
أما الجزء األول من هذه الحجة فقد سبق تفنيده فيما سبق من أن قتال الصحابة المرتدين
المحارب
ِ كان لسبب الردة في حد ذاتها ال اشتراط الحرب ،ثم إننا هنا نسأل الكاتب سؤاالً :
صاصࣰࣰ فَ َم ِن شهۡ ِر ۡٱل َح َر ِام َو ۡٱلحر َم ٰـت قِ َ
شهۡ ر ۡٱل َح َرام بِٱل َّ
يحارب لعموم اآلية ﴿ :ٱل َّ
َ أصالً
37
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
ٱلل َم َع ۡٱلمتَّقِينَ ﴾
ٱعلَم ۤو ۟ا أَ َّن َّ َ
ٱلل َو ۡ
وا َّ َ وا َعلَ ۡي ِه بِ ِم ۡث ِل َما ۡ
ٱعتَ َد ٰى َعلَ ۡيك ِۡۚم َوٱتَّق ۟ ٱعتَد ۟
ٱعتَ َد ٰى َعلَ ۡيك ۡم فَ ۡ
ۡ
فعالم تضاف إليه قيود الردة ؟! هذا َ [البقرة ]١٩٤ :فالمعتدي يرد اعتداؤوه أصالً؛
اضطراب واضح.
و أما الجزء الثاني الذي يحاول فيه الكاتب تأويل كالم الفقهاء بأنهم نادوا بقتل المرتد ألنه
عار عن الصحة ،و هذه هي المدونات الفقهيّة أمامنا و محارب مع القبائل المعدية = فكالم ٍ
قد نقلت عن كل طبقات علماء اإلسالم من المحدثين و الفقهاء و المفسرين اإلجماع على
قتل المرتد في الحلقة األولى من هذا الرد " الرهان المعطوب " ،و هذه كتب الفقه في ربع
األقضية و الجنايات تعقد بابا ً عن أحكام المرتد و ال تذكر هذه الشروط المستحدثة التي
يذكرها الكاتب من اشتراط الحرب حتى يقتل المرتد ال مجرد الردة موجبة للقتل ،فتعليلك
عليل أيها الكاتب!
و أما استدالله برأي الحنفية في عدم قتل المرأة المرتدة و محاولة تطويع ذلك في أنه ال
تقتَل ألنها ال تقاتل؛ و بالتالي سبب قتل المرتد هو المحاربة = استدالل باطل ،يناقضه
تصريح كتب الفقه الحنفي في أنها تجعل ذات الكفر و الردة مبيحا ً للدم بدون محاربة كما
قال ابن الهمام ( :فإن قتله قاتل قبل عرض اإلسالم عليه كره ،وال شيء على القاتل)
ومعنى الكراهية هاهنا ترك المستحب وانتفاء الضمان؛ ألن الكفر مبيح للقتل ،والعرض بعد
بلوغ الدعوة غير واجب".
[ص - 71كتاب فتح القدير للكمال ابن الهمام -باب أحكام المرتدين]
ورد مدونات الفقه الحنفي مسألة وجوب قتل المرتد و ال تذكر شرط الحرب و القتال؛ لذلك ت ِ
كما جاء في الدر المختار مع حاشية ابن عابدين:226/4 :
(فإن أسلم فيها وإال قتل ،لحديث :من بدل دينه فاقتلوه).
و رأي أبي حنيفة في المرتدة له اعتبارات فقهية أخرى ليس هذا مقام بسطها ،و لكنه ال
يخالف في أصل وجوب عقوبة المرتد ،و إنما يجعل للمرأة عقوبة أخرى :
كما قال ابن الهمام ( :قوله :وأما المرتدة فال تقتل ولكن تحبس أبدا حتى تسلم أو تموت)
ولو قتلها قاتل ال شيء عليه ألحد ،حرة كانت أو أمة ذكره في المبسوط ،ولم يذكر الضرب
في الجامع الكبير وال في ظاهر الرواية (ويروى) عن أبي حنيفة أنها (تضرب في كل أيام)
وقدرها بعضهم بثالثة ،وعن الحسن تضرب كل يوم تسعة وثالثين سوطا إلى أن تموت أو
تسلم ولم يخصه بحرة وال أمة ،وهذا قتل معنى؛ ألن مواالة الضرب تفضي إليه .ولذا قلنا
فيمن اجتمع عليه حدود :إنه ال يقام عليه الحد الثاني ما لم يبرأ من الحد السابق كي ال
38
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
يصير قتال وهو غير المستحق ،ثم األمة تدفع إلى موالها فيجعل حبسها ببيت السيد سواء
طلب هو ذلك أم ال في الصحيح ،ويتولى هو جبرها ،قال المصنف (جمعا بين الحقين) يعني
حق هللا تعالى وحق السيد في االستخدام فإنه ال منافاة ،بخالف العبد المرتد ال فائدة في دفعه
إليه؛ ألنه يقتل وال يبقى ليمكن استخدامه ،وال تسترق الحرة المرتدة ما دامت في دار
اإلسالم .فإن لحقت بدار الحرب فحينئذ تسترق إذا سبيت .وعن أبي حنيفة في النوادر:
تسترق في دار اإلسالم أيضا .قيل ولو أفتى بهذه ال بأس به فيمن كانت ذات زوج حسما
لقصدها السيئ بالردة من إثبات الفرقة ،وينبغي أن يشتريها الزوج من اإلمام أو يهبها اإلمام
له إذا كان مصرفا؛ ألنها صارت بالردة فيئا للمسلمين ال يختص بها الزوج فيملكها وينفسخ
النكاح بالردة ،وحينئذ يتولى هو حبسها وضربها على اإلسالم فيرتد ضرر قصدها عليها" .
[ص - 71كتاب فتح القدير للكمال ابن الهمام -باب أحكام المرتدين]
و اآلن حتى نعلم تالعب الكاتب و انتقائيته االستداللية بالتراث لنا أن نسأل :بما أنك
أوردت قول أبي حنيفة في المرأة المرتدة -و هو ال يخالف في أصل عقوبة قتل المرتد = -
فهل تقول بما سبق من حبس و إجبار للمرأة المرتدة؟! و هذا يعارض أصلك الكبير في
الحرية الدينية الذي بنيت عليه نفى عقوبة المرتد!
و بهذا سقطت كل استدالالت الكاتب من داخل كتب التراث سواء التفسير القرآني أو الشرح
الحديثي النبوي أو اآلثار و المرويات عن الصحابة أو المدونات الفقهيّة ،و هلل الحمد و
المنة.
و بقى شيء يسير من الحجج العقلية نناقشه بكل هدوء في الحجة األخيرة للكاتب.
الحجة التاسعة :بعض االستدالالت العقلية ،و التعليالت النظرية النتفاء وجود عقوبة
الردة في اإلسالم :
39
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
فعالم الخوف؟
َ لديهم ،وحيث إنَّنا متيقنون من صحة ديننا ،ومن قوة حجتـه ،ووضوحها،
فلنفتح المجال للنقاش في كليات الدين ،وفي جزئياتـه .فأي فكر ،وأية عقيدة تستطيع أن تقف ِ
ّللا تعالى ،وحفظه إلى األبد؟ والحق إن الحرية الفكرية كفيلة في وجه الدين الذي أنـزلـه ّ
مبررا
ً بالقضاء على العقائد المنحرفة ،التي ال تنمو إال في الظالم ،وتحت األرض ،وال تجد
لوجودها إال بتقوقعها على ذاتها ،ويوم يفتح باب المناظرة والنقاش على مصراعيه،
اط َل فَأ َ َّما َّ
الزبَد فَيَ ْذهَب جفَاء ّللا ْال َح َّق َو ْال َب ِ
فسرعان ما تنهار ،يقول تعالىَ :كذَلِكَ َيض ِْرب ّ
ّللا األ َ ْمثَا َل {الرعد " .}17/ ض َكذَلِكَ يَض ِْرب ّ َوأَ َّما َما يَنفَع النَّ َ
اس فَيَ ْمكث فِي األ َ ْر ِ
و هذا كالم استهالكي ممجوج و متكرر من أفواه الليبراليين نربا بالكاتب أن يماشيهم فيه ،و
ذلك لآلتي :
-١طرد هذا الكالم أن نفتح للناس التشكيك في الدين و نفتح لهم الحرية في الشهوات كذلك
حتى ال نكبت أفكارهم و نجعل المعركة فكرية فقط و نترك الناس و إيمانهم؛ فتفتح بيوت
الدعارة و نسمح بشراب الخمر و نسمح بالربا حتى نحقق للناس حريتهم ثم يختاروا اإلسالم
الحق على بصيرة و حرية و اختيار منهم !
لو قال ليبرالي هذا الكالم :ماذا سيكون جوابك عن مثل هذا اإليراد؟!
جوابك عليه هو نفسه جوابنا عليك في عقوبة قتل المرتد.
-٢منشأ عقوبة قتل المرتد هو النصوص القرآنية و النبوية الصحيحة و تطبيقات الصحابة
و إجتماعات العلماء؛ فهل أنت أحرص على مقاصد الشريعة من هذه المصادر؟!
-٣الكفر المتستر غير الداعي في المجتمع المسلم خير من الكفر المجاهر الداعي لغيره؛
فهو ضال و يضل غيره لذلك قال حذيفة بن اليمان :إن المنافقين اليوم شر من المنافقين
في عهد الرسول صلى هللا عليه وسلم ألن هؤالء يجهرون و أولئك كانوا يسترون ،كما
رواه البخاري.
قال محمد بن رشد في شرح حديث " :إنما مثل المنافق كالجمل المحتنق فمات في ريقه ال
يعدو شره ريقه" " :وتمثيله للمنافق بالحمل الذي يختنق في ربقه فيموت ،من العلم الذي
آتاه هللا إياه ،ألنه تمثيل صحيح ،ألن المنافق يهلك باعتقاده فال يتأذى به سواه ،إذ ال يظهره
كا لخروف يموت بربقه إذا اختنق به ،فال يتأذى به سواه ،وباهلل التوفيق".
[ص - 188كتاب البيان والتحصيل -بركة الغزو]
40
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
خطافة ،و نحن ال نخاف على الناس من الشبهات؛ لضعف -٤و القلوب ضعيفة و الشبه ّ
اإلسالم كما يقول الكاتب ،ال
بل نخاف عليهم من الشبهات لضعف علمهم باإلسالم و هشاشة خلفيتهم الشرعية براهين
الدين التي يردون بها ،و إال فدين هللا أنصع و أظهر من الشمس في كبد السماء الصافية؛فال
يخلّط الكاتب بين هذا و ذاك.
-٥المدعوون ليسوا على مرتبة واحدة ،و ليس كلهم تنفع معهم المنافشة الفكرية؛ و لكن
االكتفاء بالمناظرة و الجدل فقط ليس صحيحا ً في التعامل مع الناس ألن مراتبهم مختلفة و
متنوعة قال شيخ اإلسالم ابن تيمية " :وقد ينهون عن المجادلة والمناظرة ،إذا كان المناظر
ضعيف العلم بالحجة وجواب الشبهة ،فيخاف عليه أن يفسده ذلك المضل ،كما ينهى
الضعيف في المقاتلة أن يقاتل علجا قويا من علوج الكفار ،فإن ذلك يضره ويضر المسلمين
بال منفعة ،وقد ينهى عنها إذا كان المناظرمعاندا يظهر له الحق فال يقبله -وهو
السوفسطائي -فإن األمم كلهم متفقون على أن المناظرة إذا انتهت إلى مقدمات معروفة بينة
بنفسها ضرورية وجحدها الخصم كان سوفسطائيا ،ولم يؤمر بمناظرته بعد ذلك ،بل إن كان
فاسد العقل داووه ،وإن كان عاجزا عن معرفة الحق -وال مضرة فيه -تركوه ،وإن كان
مستحقا للعقاب عاقبوه مع القدرة :إما بالتعزير وإما بالقتل ،وغالب الخلق ال ينقادون للحق
إال بالقهر" .
[ص - 173-174كتاب درء تعارض العقل والنقل المجلد ]7
-٦جعل العلماء قبل تنفيذ قتل المرتد حكم االستتابة الذي نص عليه الخليفة عمر بن
الخطاب -رضي هللا عنه -لكي يناقش مناقشة فكرية مفحمة و مقنعة.
" هذا من ناحية ومن ناحية أخري,فإن قتل المرتد غير المحارب يجعل غير المسلمين
بعض جوانبه
َ يبتعدون كليًا عن الدين ،وقد يخطر ببال أحد الكفار أن يدخل اإلسالم ِلتَ َع ُّرفِه
العظيمة ،لكن سرعان ما يترك التعمق في دراسته لمجرد سماعه بالعقوبة القاسية التي
تنتظره إن رأى غير ذلك .بمعني إن الجمع بين قتل المرتد عن اإلسالم ووجوب دعوة غير
المسلمين إلى االرتداد عن أديانهم واعتناق اإلسالم,يعتبر مخالفًا للعدالة التي نادى بها
الوحي القرآني،ذلك أنه ما دمنا نطلب من اآلخرين أن يدخلوا ديننا؛ العتقادنا أنه الحق وأنه
من عند هللا تعالى ،علينا أن نسمح لآلخرين بالدعوة إلى دينهم ،وأن ال نمنع بالقوة المسلم
ِمنّا من أن يغير دينه إن اقتنع بما عند اآلخرين" .
41
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
هذا اعتراض ساقط و محاولة لتلميع اإلسالم أكثر من كونه نظرا ً لألصول و األحكام؛ فلو
أننا اتخذنا هذا االعتراض االتجاري التلميعي حجةً لوجب علينا أن نلمع اإلسالم و نزيل
منه كل الحدود مثل حد السرقة و حد الزنى و حد القذف و نزيل مشروعية الجهاد من
اإلسالم و نزيل كل حكم ال يتسق مع المسلم " الكيوت المعاصر " حتى نخرج بإسالم يتبع
لتذوقات البشر و يبقى تابعا ً لرغباتهم فنهدم كل األصول و اإلجتماعات و األدلة لتتحسن
س َم ٰـ َو ٰت
ت ٱل َّ نظرة الناس ،و هذا باطل؛ فإنه هللا قال َ ﴿ :ولَ ِو ٱتَّبَ َع ۡٱل َح ُّق أَ ۡه َو ۤا َءه ۡم لَفَ َ
س َد ِ
َو ۡٱأل َ ۡرض َو َمن فِي ِه ِۚ َّن بَ ۡل أَتَ ۡينَ ٰـهم بِذ ِۡك ِره ِۡم فَه ۡم َعن ِذ ۡك ِرهِم ُّمعۡ ِرضونَ ﴾ [المؤمنون ]٧١ :
و قد أخبرنا القرآن أن رضى اليهود و النصارى عن هذا الدين لن يتم إال بتركه و تحريفه
ٱللِ ه َو ۡٱله َد ٰۗۡى َولَ ِٕى ِن ص ٰـ َر ٰى َحتَّ ٰى تَتَّبِ َع ِملَّتَه ۡۗۡم ق ۡل إِ َّن ه َدى َّ ض ٰى َعنكَ ۡٱليَهود َو َال ٱلنَّ َ َ ﴿:ولَن تَ ۡر َ
ير ﴾ [البقرة : ٱلل ِمن َو ِلی ࣰّّ َو َال ن ِ
َص ٍ ٱتَّبَعۡ تَ أَ ۡه َو ۤا َءهم بَعۡ َد ٱلَّذِی َج ۤا َءكَ ِمنَ ۡٱل ِع ۡل ِم َما لَكَ مِنَ َّ ِ
]١٢٠
و قد طالب المشركون قديما ً بتغيير هذا الدين حتى يتبعوه َ ﴿ :و ِإذَا ت ۡتلَ ٰى َعلَ ۡي ِه ۡم َءا َياتنَا
ان غ َۡي ِر َه ٰـذَ ۤا أَ ۡو بَ ِ ّد ۡل ِۚه ق ۡل َما يَكون ِل ۤی أَ ۡن أبَ ِ ّدلَهۥ ت بِق ۡر َء ٍ بَيِّنَ ٰـتࣰ قَا َل ٱلَّذِينَ َال يَ ۡرجونَ ِلقَ ۤا َءنَا ۡٱئ ِ
ع ِظيمࣰ ﴾ اب يَ ۡو ٍم َ ص ۡيت َربِّی َعذَ َ ع َ ی ِإنِّ ۤی أَخَاف ِإ ۡن َ ِمن تِ ۡلقَ ۤا ِٕ
ى ن َۡف ِس ۤی ۖۡۚ ِإ ۡن أَتَّبِع ِإ َّال َما يو َح ٰۤى ِإلَ ۖۡ َّ
[يونس ]١٥ :
و هذا االستدالل ضعيف جداً؛ ألن العلماء يعملون في المجتمع عملهم الفكري اإلقناع
الدعوي؛ فهذا اليتعارض مع قتل المرتد ،بل الواجب على العلماء إزالة الشبهات و عرضها
و الجواب عن التساؤالت؛ فليس كل من سأل سؤاالً تشكيكا ً فهو مرتد فقد قال هللا عن نبيه
ف ت ۡح ِی ۡٱل َم ۡوتَ ٰۖۡى قَا َل أ َ َولَ ۡم ت ۡؤ ِم ۖۡن قَا َل إبراهيم -عليه السالم َ ﴿ -وإِ ۡذ قَا َل ِإ ۡب َر ٰ ِه ۧـم َربّ ِ أ َ ِرنِی َك ۡي َ
ٱجعَ ۡل َعلَ ٰى ك ِّل َجبَلࣰ لط ۡي ِر فَص ۡره َّن إِلَ ۡيكَ ث َّم ۡ بَلَ ٰى َولَ ٰـ ِكن ِلّيَ ۡط َم ِٕى َّن قَ ۡلبِ ۖۡی قَا َل فَخ ۡذ أَ ۡربَعَةࣰ ِّمنَ ٱ َّ
يز َح ِكيمࣰ ﴾ [البقرة ]٢٦٠ : ٱلل َع ِز ٌ سعۡ یࣰ ِۚا َو ۡ
ٱعلَ ۡم أَ َّن َّ َ ِّم ۡنه َّن ج ۡزءࣰا ث َّم ۡٱدعه َّن يَ ۡأتِينَكَ َ
وح ۤی س ۡلنَا ِمن قَ ۡبلِكَ ِإ َّال ِر َجالࣰا نُّ ِ و قال هللا تعالى لعموم الناس لكي يسألوا العلماء َ ﴿:و َم ۤا أَ ۡر َ
إِلَ ۡي ِه ۡۖۡم فَ ۡسـَٔل ۤو ۟ا أَ ۡه َل ٱلذّ ِۡك ِر إِن كنت ۡم َال تَعۡ لَمونَ ﴾[النحل ]٤٣ :
و مع هذا جعل العلماء قبل تنفيذ قتل المرتد حكم االستتابة الذي نص عليه الخليفة عمر بن
الخطاب -رضي هللا عنه -لكي يناقش مناقشة فكرية مفحمة و مقنعة.
42
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
و هذا من المثير للشفقة أن يقول من يتيقن بصحة الدين مثل هذا الكالم؛ فإن الزم هذا الكالم
أن الدين معرفة سائلة غير مجمع على قطعيّاتها و ثوابتها و ليس فيها خطوط حمراء
معروفة تؤدي بالمرء للكفر و الردة عن الدين ،و الزم ذلك أن اآليات التي تكلمت عن
المرتد هي آيات غير محددة المناط ،و أن اإلسالم ال يعلم متى يخرج منه المرء ،و هذا
معنى في غاية الفساد أرجو أن يتنبه له مطلق هذه العبارات!
-١منطقة القطعيات المجمع على كونها مرتكبها مرتداً؛ مثل إنكار وجود هللا أو سب الذات
اإللهية أو سب الذات النبوية أو تمزيق المصحف الشريف و إهانته أو دعاء غير هللا ،و
هكذا كثير…
-٢منطقة القطعيات المجمع على كونها ال تخرج مرتكبها من الدين؛ مثل النظر لألجنبية،
و تعاطي التبغ ،و النميمة ،و هكذا كثير جداً…
منطقة ظنية بين هذا و ذاك يكون فيها الخالف المعتبر ،و من المعلوم أن حكم الحاكم يرفع
الخالف ،حتى لو كان الخالف سائغاً؛ فاألمر في هذه المنطقة لحكم الحاكم ،و من المتقرر
في قواعد الشريعة أن الحدود تدرأ بالشبهات؛ فينظر الحاكم في كل مسألة على حدة و يحدد
وفقا ً لألدلة الشرعية.
هذا هو تصور المسألة ،و هو واضح تماما ً ال كما يدّعي الكاتب سيالنه ومثاليّته و
اضطرابه بما ال يمكن معه تنفيذ عقوبة قتل المرتد.
و بهذا سقط مقال الكاتب كله و سقطت كل حججه في نفي عقوبة المرتد في الشريعة
اإلسالمية ،فال تعدو حججه كونها سطوة ً على التراث " تطويعا لألثر ،و سرابا في النظر
" العقلي.
43
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
44
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
* أهم المصادر (المعاصرة) التي استفدتُ منها في كتابة هذه السلسلة :
-كتاب " فضاءات الحرية " -شيخي د .سلطان عبد الرحمن العميري
-كتاب " االستدالل الخاطئ بالقرآن و السنة على قضايا الحرية " د .محمد إبراهيم الحقيل
-كتاب " عقوبة المرتد في الشريعة اإلسالمية وجواب معارضات المنكرين " د .محمد
براء ياسين
45
-إنكار عقوبة الردة أُنموذجا ّ
تتحزم الليبرالية بالقرآن الكريم 1441هـ عندما
فهرست الرسالة
46