Professional Documents
Culture Documents
القواعد الخمس الفقہیہ الکبری
القواعد الخمس الفقہیہ الکبری
Lathifah Munawaroh
UIN Walisongo Semarang,Indonesia
lathifah.munawaroh@walisongo.ac.id
امللخص
يعد السيد بكري رمحه اهلل من أبرز علامء الشافعية يف القرن الرابع عرش اهلجري الذي
له إسهام كبري يف نرش الفقه الشافعي من خالل مؤلفاته .ومن مؤلفاته كتاب إعانة
الطالبني وهو عبارة رشح وحل ألفاظ لكتاب فتح املعني للمليباري .كام أن كتاب
إعانة الطالبني قد ذاع صيته يف إندونيسيا حيث يقوم الطالب بتعليمه وتدريسه يف
املعاهد اإلسالمية يف املناطق املختلفة .وقد استدل السيد البكري يف ثيايا هذا الكتاب
بالقواعد الفقهية والضوابط الفقهية يف املسائل الفقهية ،ومنها القواعد الفقهية اخلمسة
األساسية ،وهي القواعد الفقهية الكربى التي قيل عنها :إن الفقه كلهمبني عليها.
باإلضافة إىل أن تلك القواعد الفقهية اخلمسة هلا قواعد كثرية مندرجة حتتها ،وهلا
فروع كثرية يف أبواب الفقه .وتالحظ الباحثة عن سبب استخدام السيد البكري
القواعد الفقهية يف كتاب إعانة الطالبني ملا فيه من تيسري الطالب عىل فهم املسائل دون
حفظها ذلك ألن حفظ املسائل واجلزئيات أمر صعب ،أما حفظ القواعد يعترب أسهل
من األول .وتكمن األمهية أن القواعد الفقهية وسيلة الستحضار األحكام .فالبحث
يقترص يف بسط استخدام السيد البكري للقواعد الفقهية اخلمسة يف باب العبادات
فقط دون أبواب أخرى.
الكلامت املفتاحية :القواعد الفقهية اخلمسة الكربى ،السيد البكري ،الفقه الشافعي.
Lathifah Munawaroh
.أاملقدمة
إن لدراسة القواعد الفقهية أمهية كثرية .وقال الزركيش مؤكدا ألمهية
القواعد الفقهية“ :وهذه قواعد تضبط للفقيه أصول املذهب وتطلعه من مآخذ
الفقه عىل هناية املطلب وتنظم عقده املنثور يف سلك وتستخرج له ما يدخل
حتت سلك”( .الزركيش. .)65 :1985 ،يقول السيوطي بعد أن بني أمهية
الفقه موضحا أمهية القواعد الفقهية...« :ولقد نوعوا هذا الفقه فنونا وأنواعا
وتطاولوا يف استنباطه يدا وباعا وكان من أجل أنواعه :معرفة نظائر الفروع
وأشباهها ،وضم املفردات إىل أخواهتا وإشكاهلا( .»...السيوطي:1990 ،
.)4هبذا يتبني أن للقواعد أمهية كثرية يف تيسري الفقه اإلسالمي حيث جتمع
الفروع الكثرية وجتمع شتاهتا يف سلك واحد حتت قاعدة واحدة .ويف فهم
القواعد الفقهية تيسري عىل املفتني والفقهاء وطالب العلم ضبط الفقه بأحكامه،
ألن حفظ جزيئات وفروع أمر يف غاية الصعوبة ،أما حفظ القواعد ففيه يرس.
وكذلك دراسة القواعد الفقهية تكون لدى الباحث والطالب ملكة فقهية جتعله
قادرا عىل التخريج ملعرفة األحكام الرشعية ،وذلك الن القواعد الفقهية وسيلة
الستحضار األحكام .ومن هنا تكمن أمهية البحث حول القواعد الفقهية.
كام أن هذا البحث يتناول القواعد الفقهية التي استخدمها مؤلف كتاب إعانة
الطالبني يف باب العبادات :الصالة والصيام والزكاة واحلج .فالكتاب مهم
يف املذهب الشافعي ،كام أن الكتاب منترش بشكل واسع وقاموا بتدريسه يف
املعاهد اإلسالمية يف إندونيسيا .فالقواعد الفقهية اخلمسة تعترب من القواعد
الفقهية يف غاية األمهية ملا تشمل يف كثري من أبواب الفقه بل ويف كلها .وهذه
القواعد الفقهية اخلمسة قيل عنها :إن الفقه كلهمبني عليها ،وهي :األمور
بمقاصدها ،اليقني ال يزول بالشك ،املشقة جتلب التيسري ،الرضر يزال ،وقاعدة
العادة حمكمة.
عثامن شطا ( 1263هـ 1295 -هـ) .وهو أخ السيد بكري الثاين .وكان له
إسهام كبري حتى نبغ السيد بكري يف العلوم العقلية والنقلية( .املعلمي:1421 ،
.)564والسيد أمحد زيني دحالن ( 1231هـ 1304 -هـ) .وهو مفتي
الشافعية بمكة املكرمة .ولد بمكة وتويف باملدينة .وكان رمحه اهلل فقيه ومؤرخ
ومشارك يف أنواع من العلوم .خرج عىل يديه علامء أجالء .وله مصنفات
عديدة ،منها :تاريخ الدول اإلسالمية باجلداول املرضية ،الدرر السنية يف الرد
عىل الوهابية ،خالصة الكالم يف بيان أمراء البلد احلرام(.كحالة،د.ت)143 :.
كام أن له من الدارسني كثريين تتلمذوا عىل يده .منهم :الشيخ عبد
احلميد قدس ( 1280هـ 1334 -م) ،السيد عباس بن عبد العزيز املالكي
احلسني اإلدرييس ( 1285هـ 1353 -هـ) ،الشيخ سعيد بن حممد اليامين
(1265هـ 1352 -هـ) ،الشيخ عبد اهلل بن عمر بن أمحد باروم الشافعي املكي
(1278هـ 1335 -هـ) ،الشيخ أمان اخلطيب فلمبان (1296هـ 1362 -هـ)
حيث صاروا علامء زماهنم وألفوا كتبا ينفع به األجيال من بعدهم(.عمر عبد
اجلبار. )157 :1379 ،
أما عن مؤلفاته ،هي :كتاب إعانة الطالبني عىل حل ألفاظ فتح املعني.
وهذا الكتاب وهو عبارة عن حاشية لكتاب فتح املعني للملباري الذي كثر
عليه حوايش ورشوح .والكتاب إعانة الطالبني من الكتب املعتمدة يف الفقه
الشافعي خاصة عن املتأخرين منهم.وكذلك كتاب جواز العمل بالقول القديم
لإلمام الشافعي يف صحة اجلمعة بأربعة ،وكتاب رشوط اجلمعة وجواز تعددها
بقدر احلاجة يف بلدة واحدة ،وكتاب الدرر البهية فيام يلزم املكلف من العلوم
الرشعية.وكتاب القول املنقح املضبوط يف صحة التعامل ووجوب الزكاة يف
الورق النوط .وكتاب فتاوي يف فنون شتى وأجوبة عىل أسئلة يف الفقه(.عمر
عبد اجلبار.80 :1379 ،املعلمي :1421 ،ج)561
من يرى أن القاعدة أمر أغلبي فيكون القاعدة الفقهية هي حكم أكثري ال
كيل ينطبق عىل أكثر جزئياته ليتعرف أحكامها منه .وهذا التعريف مستندهم
أن هناك استثناءات خرجت عن قاعدة ما بحيث ال يأخذ حكم تلك القاعدة.
وجياب عن هذا أن القواعد يف سائر العلوم ال ختلو عن الشواذ واملستثنيات ،إال
أهنا ال تغض من شأهنا.
هناك قواعد فقهية كالقواعد األساسية اخلمس ،فاملستثنيات فيها قليلة
جدا.ويقول الشاطبي تأييدا هلذا“ :إن األمر الكيل إذا ثبت فتخلف بعض
اجلزئيات عن مقتضاه ال خيرجه عن كونه كليا ،وأيضا فإن الغالب األكثري
معترب يف الرشيعة اعتبار قطعي”(.الشاطبي،د.ت.)53 :.
ومن املناسبة هنا ذكر الفرق بينها وبني تلك املصطلحات املشاهبة هلا،
حتى يتضح املفهوم الصحيح وال خيتلط معنى القاعدة الفقهية بغريها من
املصطلحات املشاهبة .فالقاعدة الفقهية ختتلف عن الضابط الفقهي اختالفا
بسيطا يكاد خيفي لدى البعض ،وذلك أن جمال الضابط الفقهي أضيق من جمال
القاعدة الفقهية إذ إن القاعدة الفقهية ال ختتص بباب فقهي واحد كام يف الضابط
الفقهي .ويقول ابن السبكي موضحا هلذا الفرق بعد ذكر تعريف القاعدة
«ومنها ما ال خيتص كقولنا اليقني ال يزول بالشك ،ومنها ما خيتص كقولنا كل
كفارة سببها معصية فهي عىل الفور .والغالب فيام اختص بباب وقصد به نظم
صور متشاهبة أن يسمى ضابطا» .ومع هذا ،هناك من جعل القاعدة والضابط
أمر واحد إذ ال فرق لدهيم بني القاعدة والضابط وكل منهام يطلق عىل األخر.
وذلك أن العموم والشمول أمر نسبي( .الباحسني)58: 1998 ،
وكذلك القاعدة الفقهية ختتلف عن القاعدة األصولية ،والفرق بينهام
ما ييل :أوال ،أن قواعد األصول متعلقة باأللفاظ وداللتها عىل األحكام ،أما
قواعد الفقه فهي متعلقة باألحكام ذاهتا وبأفعال املكلف .ثانيا ،قواعد األصول
هي وسيلة املجتهد يف استنباط األحكام الرشعية ،أما قواعد الفقه فهي عبارة
عن جمموعة األحكام املتشاهبة التي ترجع إىل علة واحدة جتمعها .ثالثا ،قواعد
األصول تنبني عليها األحكام اإلمجالية وعن طريقها يستنبط الفقيه أحكام
املسائل اجلزئية من األدلة التفصيلية ،أما قواعد الفقه فهي تعلل هبا أحكام
احلوادث املتشاهبة وقد تكون أصال هلا .رابعا ،القواعد األصولية حمصورة
العدد يف أبواب األصول ومواضعها ،بخالف القواعد الفقهية فهي كثرية غري
حمصورة ،منثورة يف كتب الفقه والفتاوى .خامسا ،القواعد األصولية تنطبق
تنطبق عىل مجيع جزئياهتا بخالف القواعد الفقهية فإهنا قد تكثر فيها استثناءات.
سادسا ،القواعد الفقهية متأخرة يف وجودها عن الفروع ألهنا مجع الفروع يف
علة واحدة بخالف القواعد األصولية فإن وجودها متقدمة عن الفروع ألهنا
وسيلة الستنباط احلكم الرشعي(.البورنو ،20 :2002 ،الباحسني1998 :
)138:
وبعد ذكر هذه الفروق ،نشري إىل أمر هام ،وهو أن هناك قواعد مشرتكة
بينهام ومتداخلة وذلك الختالف النظر إىل القاعدة حيث ينظر إليها من جهتني
:باعتبار أهنا دليال رشعيا من جهة ،وباعتبار أهنا فعل للمكلف من جهة أخرى.
فإذا كان االعتبار هو األول كانت قاعدة أصولية ،وإذا كان الثاين كانت قاعدة
فقهية .واملثال عىل ذلك :سد الذرائع فإذا قيل :كل مباح أدى فعله إىل حرام
فهو حرام سدا للذريعة ،فهو يكون قاعدة فقهية .وإذا قيل :الدليل املثبت
للحرام مثبت لتحريم ما أدى إليه فهي قاعدة أصولية.
أما حفظ القواعد ففيه يرس .وكذلك دراسة القواعد الفقهية تكون لدى الباحث
والطالب ملكة فقهية جتعله قادرا عىل التخريج ملعرفة األحكام الرشعية ،وذلك
الن القواعد الفقهية وسيلة الستحضار األحكام .وهنا يقول القرايف « :وهذه
القواعد مهمة يف الفقه عظيمة النفع وبقدر اإلحاطة هبا يعظم قدر الفقيه
ويرشف ،ويظهر رونق القفه ويعرف ،وتتضح مناهج الفتاوى وتكشف ،فيها
تنا َفس العلامء ،وتفاضل الفضالء ،وبرز القارح عىل اجلذع ،وحاز قصب السبق
من فيها برع ،ومن جعل خُ َي ِّرج الفروع باملناسبات اجلزئية دون القواعد الكلية
تناقضت عليه الفروع واختلفت ،وتزلزلت خواطره فيها واضطربت ،وضاقت
نفسه لذلك وقنطت ،واحتاج إىل حفظ اجلزيئات التي ال تتناهى ،وانتهى العمر
ومل تقض نفسه من طلب مناها.ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر
اجلزيئات؛ الندراجها يف الكليات ،واحتد عنده ما تناقض عند غريه وتناسب،
وح َّصل ِطلبته يف أقرب األزمان ،وانرشح
وأجاب الشاسع البعيد وتقاربَ ،
صدره ملا أرشق فيه من البيان»(.القرايف)303 :1994 ،
وقد مرت القواعد الفقهية عىل أطوار عديدةحيث تبدأ املرحلة بمرحلة
النشوء من البعثة النبوية إىل القرن الرابع اهلجري ،ففي عرص النبوة نجد يف القرآن
الكريم واألحاديث النبوية مليئة بالنصوص التي تعد من القواعد الفقهية .مثل
قول اهلل ﴿ : Iوأحل اهلل البيع وحرم الربا ﴾[البقرة ، ]275:وكذلك قوله : I
﴿ يا أهيا الذين آمنوا ال تأكلوا أملكم بينكم بالباطل ﴾[ .النساء .]29:ومن
األحاديث النبوية ،مثل قول الرسول " : rإنام األعامل بالنيات « (ابن حجر،
، )1379:161وقوله " : rال رضر وال رضار «( .احلاكم .)66 :1990 ،ويف
عرص التابعني وأتباعهم نجد يف كتبهم من القواعد الفقهية ،مثل :قاعدة «ال
يورث أحد بالشك» ،وهي من القواعد التي ذكرها اإلمام مالك بن أنس يف
كتابه املدونة .ثم يليها مرحلة تدوين القواعد الفقهية وتطورها وهي من القرن
الرابع إىل القرن التاسع حيث يبدأ تدوين القواعد الفقهية يف كتب خاصة يف هذه
املرحلة عىل يد الفقه احلنفي أيب احلسن الكرخي الذي ألف رسالة يف القواعد
الفقهية وتسمى هذه الرسالة ب»أصول الكرخي» .ويف هذه الرسالة مل تكن
هناك قواعد فقهية فقط ،بل اختلط بالقواعد األصولية كذلك .ومن املالكية
الذي هيتم بالقواعد الفقهية يف هذه املرحلة هو حممد بن احلارث اخلشني الذي
ألف كتابا يسمى «أصول الفتيا» ،وهذا الكتاب فيه القواعد الفقهية واألصولية
كذلك .ويف هذه املرحلة كذلك ،ظهرت عدة املؤلفات يف القواعد الفقهية،
منها :قواعد األحكام يف مصالح األنام للشيخ عز الدين بن عبد السالم ,أنوار
الربوق يف أنواء الفروق للقرايف ،القواعد الكربى و القواعد الصغرى للطويف.
وغريها كثرية .ثم تأيت املرحلة التالية وهي مرحلة استقرار القواعد الفقهية من
القرن العارش إىل ما قبل تأليف جملة األحكام العدلية -1293هـ التي تعد
هذه املرحلة مرحلة االستقرار للقواعد الفقهية حيث متيزت مباحثها وحددت
القواعد والضوابط الفقهية ومتيزت عن غريها .وهناك عدة كتب التي ظهرت يف
هذه املرحلة ،ومن أشهرها « :األشباه والنظائر» للسيوطي الشافعي ،وله كتاب
أخر «شوارد الفوائد يف الضوابط والقواعد» ،وكتاب «منظومة املنهج املنتخب»
للزقاق التجيبي املالكي ،وكتاب «األشباه والنظائر» البن نجيم احلنفي ،وكتاب
«رشح املنهج املنتخب» اليب العباس أمحد بن عيل الزقاق .وتأيت املرحلة التي
بعدها هي مرحلة النهضة العلمية يف جمال القواعد الفقهية .وهي مرحلة أخرية
التي تبدأ من هناية القرن الثالث عرش اهلجري إىل أيامنا هذه .وحيدد هناية القرن
الثالث عرش اهلجري لوجود معلم مهم وهو ظهور جملة األحكام العدلية حيث
عرضت القواعد عىل شكل مواد .وظهرت أعامل يف هذه املرحلة وهي:
1 .1تقنني القواعد الفقهية وتعني صياغة القواعد الفقهية والضوابط يف
صورة مبادئ عامة مرتبة يف صورة مواد ومبوبة بحسب املوضوعات.
ويف هذا تسهيل عىل القايض يف الكشف عىل احلكم الرشعي يف املسألة
املعروضة له .واملثال عىل ذلك :جملة األحكام العدلية حيث وضعتها
6 .6مجع القواعد الفقهية ذات املوضوع الواحد .ومن أمثلته :القواعد
الفقهية الكلية وأثرها يف النظام االقتصادي يف اإلسالم البراهيم حممد
احلريري وهو رسالة دكتوراة ،املقاصد عند ابن تيمية ليوسف البدوي،
عبارة عن رسالة دكتوراة.
7 .7االهتامم باملداخل لعلم القواعد .ومن أمثلته :القواعد الفقهية للدكتور
عيل الندوي وهو رسالة ماجستري ،القواعد الفقهية ليعقوب با حسني،
املدخل الفقهي للشيخ مصطفى الزرقاء.
إال التيمم للفرض يف األصح .وهناك تقسيم ثالث للقواعد الفقهية من حيث
االتفاق واالختالف :القواعد الفقهية املتفق عليها بني املذاهب والقواعد
الفقهية املختلف فيها بني املذاهب .فالقواعد الفقهية املتفق عليها بني املذاهب،
مثل القواعد الكلية الكربى .أما القواعد الفقهية املختلف فيها بني املذاهب،
مثل قاعدة ما حرم استعامله حرم اختاذه ،قاعدة خمتلفة بني الشافعية واحلنفية.
4 .4القواعد الفقهية اخلمسة يف باب العبادات من كتاب إعانة الطالبني للسيد
بكري
وهذه القواعد الفقهية اخلمسة ،كثريا ما يعرب عنها بالقواعد الكربى
أو القواعد اخلمسة األساسية حيث قيل عنها :إن الفقه كلهمبني عليها ،وهي:
األمور بمقاصدها ،اليقني ال يزول بالشك ،املشقة جتلب التيسري ،الرضر يزال،
وقاعدة العادة حمكمة .والعبادات املراد يف هذه املبحث هي العبادات املحضة
وهي العبادات التي ورد ذكرها يف كتب الفقه غالبا بالتسلسل :كتاب الصالة،
كتاب الصيام ،كتاب الزكاة ،وكتاب احلج.
نوى يف قلبه دون التلفظ به صح إحرامه.وإن لبى ولكن مل ينو اإلحرام ،فهل
يعترب إحرامه ؟ املذهب بأنه ال ينعقد إحرامه( ،النووي .)352 :2002،وذلك
للحديث (إنام األعامل بالنيات وإنام لكل امرئ ما نوى) .ثانيا ،جتب النية عند
إرادة أداء الطواف إن كان الطواف مستقال بأن ال يندرج حتت حج أوعمرة،
أما إن كان الطواف يندرج حتت نسك حج أو عمرة ،فتكون النية هنا مستحبة.
ثالثا ،جتب النية يف األضحية عند الذبح أو قبله عند التعيني ملا يضحي به .فينوي
بالقلب أو بالقلب واللسان معا فيقول :نويت األضحية املسنونة ،أو أداء سنة
األضحية ،ألن األضحية عبادة واألعامل بالنيات .وإن وكل الذبح فنية املوكل
كافية ،هنا ذكر البكري األضحية حتت باب احلج لشدة االرتباط به .رابعا،
يشرتط يف الذبح قصد إيقاع الفعل عىل العني أو عىل واحد من اجلنس ،فلو
سقطت سكني عىل مذبح شاة فانذبحت أو اسرتسلت جارحة بنفسها فقتلت،
حرم أكله وصار ميتة لعدم وجود القصد.
ألن األصل بقاء الليل .كام مثل هذه القاعدة يف رخص الشارع للمسافر مسافة
القرص الفطر ومن كان مريضا خاف بطء برءه.
أما تطبيقات القاعدة يف باب احلج ،وجدت الباحثة فقط تطبيقا واحدا
هو لو شك احلاج يف عدد طوافه ،هل طاف ستا أم سبعا؟،وكذا لو شك يف
سعيه ،هل سعى ستا أم سبعا قبل فراغهام ،أخذ باألقل ،وهو الست ،ألنه
هو املتيقن.
والشتاء ،ونحوها .وهذه كلها ال أثر هلا يف إسقاط العبادات وال ختفيفها ،إذ لو
أثرت لفاتت مصالح الطاعات،والعبادات يف مجيع األوقات أو يف غالبها.
الرضب الثاين :مشقة منفكة عنها العبادة .وهي عىل ثالث مراتب:
األوىل :مشقة عظيمة فادحة ،مثل اخلوف عىل النفوس ،ومثل هذه
املشقة موجبة للرتخيص والتخفيف.
الثانية :مشقة خفيفة جدا مثل أدنى وجع يف البدن ،وأدنى الصداع يف
الرأس ونحوها ،وهذه كلها ال أثر هلا عند اجلمهور ،ألن حتصيل مصالح العبادة
أوىل من دفع مثل هذه.
الثالثة :مشقة متوسطة بني املرتبتني السابقتني .فالذي دنا من املرتبة
األوىل ،أوجب التخفيف ،والذي دنا من املرتبة الثانية ال أثر له وال ختفيف ،وما
وقع بني هاتني املرتبتني فمختلف فيه بني العلامء(.العالئي)357 :1994 ،
يقول العلامء يف هذه القاعدة :يتخرج عىل هذه القاعدة مجيع رخص
الرشع وختفيفاته .وأما عن أسباب التخفيف يف العبادات وغريها ،فهي سبعة:
السفر ،املرض ،اإلكراه ،النسيان ،اجلهل ،العرس وعموم البلوى( .السيوطي،
.)196 :2004
هلذه القاعدةأدلة كثرية .منها من القرآن ومنها من السنة النبوية .أما
األدلة من القرآن ،فمنها :قوله ) : Iيريد بكم اليرس وال يريد بكم العرس(
[البقرة ،]185 :وقوله ) : Iوما جعل عليكم يف الدين من حرج ([احلج.]78 :
فاآليتان تدالن عىل فضل اهلل لعباده حيث رفع عنهم احلرج ويريد هبم اليرس ،ال
العرس .ورفع احلرج هو مقصد عظيم من مقاصد الرشيعة.
وأما األدلة من السنة النبوية ،فمنها :حديث عن أنس بن مالك الذي
أخرجه البخاري ،أن رسول اهلل rقال (:يرسوا وال تعرسوا ،وبرشوا وال
تنفروا) .وحديث عن أيب هريرة الذي أخرجه البخاري عن النبي rقال( :إن
الدين يرس ،ولن يشاد الدين أحد إال غلبه ،فسددوا وقاربوا وأبرشوا ،واستعينوا
بالغدوة والروحة ويشء من الدجلة) .واحلديثان فيهام بيان سامحة الدين ،وأنه
دين يرس ،وأن من هدى النبي rالتيسري والتبشري.
أما التطبيقات عىل هذه القاعدة يف باب الصالة من هذا الكتاب :رخص
الشارع كثريا من رخص يف السفر ،كجمع وقرص الصلوات برشوط معتربة ،ملا
يف السفر من املشقة غالبا.
وكذلك من تطبيقات قاعدة عموم البلوى وهي قاعدة اشتملت
عليها قاعدة اليقني اليزول بالشك:عدم اشرتاط تنظيف وسخ ما حتت ظفر يف
الوضوء إن عرس تنظيفه ،ويصح الوقوف يف الصالة عىل األرض التي عليها
ذرق الطيور ،ولكنه برشوط :أال يتعمد الوقوف عليه ،وأال تكون رطوبة،
ومشقة االحرتاز منه ،ويعفى عن بعرة الفأرة إذا وقع يف مائع لعموم البلوى.
ويعفى عن قيء الرضيع الذي أصاب ثدي األم ملشقة االحرتاز.ويعفى عام
تلقيه الفئران يف حياض األخلية لعموم البلوى.
وأما تطبيقات القاعدة يف باب الصيام ،من املعلوم أن كل يشء وصل إىل
اجلوف من منفذ طبيعي ،فإنه مفطر ،إال أن هناك أشياء معفو ًّا عنها ،وال تفطر
الصائم ،مثل الذباب وغبار الطريق وغربلة الدقيق ونحوها لو وصلت إىل جوف
الصائم بال قصد من الصائم لعموم البلوى وملشقة االحرتاز عنها.وكذلك لو
متضض الصائم ويبقى أثر املضمضة يف فمه ال يرض لعرس التحرز عنه.
ولو أن شخصا تدمي لثته وجيرى الدم دائام أوغالبا ،فحينئذ يكفي
بصقه ويعفي عن أثره وال يفطر إذا ابتلعه ،لعموم البلوى ومشقة االحرتاز.
وقاعدة عموم البلوى داخلة حتت قاعدة املشقة جتلب التيسري.
أما تطبيقات القاعدة يف باب الزكاة فإن املؤلف مل يتطرق إليها كام تطرق
يف البابني السابقني وهو باب الصالة والصيام.
أما تطبيقات القاعدة يف باب احلج فإنه يشرتط يف الطواف الطهارة عن
حدث وخبث يف الثوب والبدن واملطاف ،إال أنه يعفى عام يشق االحرتاز عنه
يف املطاف من نجاسة الطيور وغريها إن مل يتعمد امليش عليها وملتكن رطوبة فيها
أو يف مماسها.
ومفاد القاعدة أن العادة أو العرف جيعل حكام إلثبات حكم رشعي ،وأن
اعتبار العرف والعادة رجع إليه يف الفقه يف مسائل ال ُتعدّ كثر ًة.ولكن العتبار
العرف يف الرشع رشوط ،أمهها :أال يعارض العرف نصا رشعيا يف القرآن أو
يف السنة ،وأن يكون العرف مطردا أي مستمرا العمل فيه يف مجيع احلوادث ،أو
يكون العرف غالبا أي أن يكون العمل به مستمرا يف أغلب الوقائع.
والعرف يف اعتبار الرشع ،إما صحيح أو فاسد .فالعرف الصحيح هو
ما تعارفه الناس دون أن حيرم حالال أو حيلل حراما ،مثل تعارف الناس عىل
أن املهر قسامن :معجل ومؤجل ،وأن الزوجة ال تنتقل إىل بيت زوجها إال بعد
قبض جزء من املهر .وغريها .والعرف الفاسد هو ما تعارفه الناس ولكنه حيل
حراما وحيرم حالال ،مثل تعارف الناس عىل التعامل بالربا واملقامرة وغريها.
(الزحييل)170 :1399 ،
وتستند القاعدة باألدلة من الكتاب والسنة .ومن الكتاب ،قوله
﴿ ولهَُ َّن ِمث ُْل ا َّل ِذي َع َل ْي ِه َّن بِالمْ َ ْع ُر ِ
وف[﴾ البقرة .]228 :وقوله تعاىل: تعاىلَ :
وف[ ﴾ النساء .]19 :ومن األحاديث النبوية :عن وه َّن بِالمْ َ ْع ُر ِ
﴿ و َعاشرُِ ُ
َ
ٌ
رجل شحيح، عائشة ،أن هند بنت عتبة ،قالت :يا رسول اهلل ،إن أبا سفيان
أخذت منه وهو ال يعلم ،فقال:
ُ وليس يعطيني ما يكفيني وولدي ،إال ما
ِ
يكفيك وولدَ ك باملعروف» .هذا احلديث أخرجه البخاري حيث مل «خذي ما
ينص احلديث عىل مقدار حمدد بل رجه إىل العرف.
ومن تطبيقات القاعدة يف باب الصالة ،هي :احلركة الكثرية املفسدة
للصالة ترجع إىل العرف .فخلع اخلف ،ولبس الثوب اخلفيف ،وخطوتني ال
يرض يف الصالة.ويشرتط يف املواالة يف صالة اجلمعة بني اخلطبتني وبني أركاهنا،
وبينهام وبني الصالة بأن ال يفصل طويال ،وضابط الطول العرف حيث ال يوجد
نص يف الكتاب أو السنة حيدده.
أما املثال عىل تطبيقات هذه القاعدة يف باب الزكاة هو سنية اختاذ الرجل
خامتا من فضة يف خنرص بيمينه أو يساره وذلك لالتباع ،ولكن حيرم اإلرساف يف
ذلك ومل يعني حد اإلرساف بل مرجعه إىل العرف ،فام يعده العرف إرسافا حرم
سواء مثقاال ،أو أكثر أو أقل من ذلك ،وما ال يعده العرف إرسافا فال حيرم .ومن
التطبيقات كذلك جواز حتلية آلة حرب كسيف ورمح وسكني احلرب إرهابا
للعدو ،إال أن جواز التحلية بغري رسف عرفا.وكذلك جواز الذهب والفضة
للنساء كالسوار واخللخال والطوق بال رسف وليس فيه الزكاة ،أما مع الرسف
فال جيوز .ورجع األذرعي حد الرسف إىل العادة وهي العرف اجلاري.
ومل جتد الباحثة تطبيقات القاعدة يف باب الصيام .أما يف باب احلج،
فتطيبق القاعدة ما ييل :جواز النذر كقول العوام «جعلت هذا للنبي» ،ألن
الكالم يف عرف الفقهاء يعترب نذرا .وإىل أين يرصف؟ .خالف بني الشافعية،
فالسبكي يرى أن النذر يرصف يف الكعبة واحلجرة الرشيفة واملساجد الثالثة.
ثم يقول :أن من خرج من ماله عن يشء هلا واقتىض العرف رصفه يف جهة من
جهاهتا :رصف إليها واختصت به.
ت اخلامتة .
من خالل املباحث السابقة ،ترى الباحثة أن السيد البكري من علامء
القرن الرابع عرش اهلجري الذي له باع يف نرشالفقه الشافعي حيث له طالب
كثريون من بينهم طالب إندونيسيون مما ينتج له أثر يف نرش الفقه الشافعي
يف إندونيسيا .كام ترى الباحثة أمهية القواعد الفقهية عموما والقواعد الفقهية
اخلمسة حيث وصفوها بأهنا القواعد الفقهية الكربى األساسية ملا فيها من
تطبيقات كثرية يف أبواب الفقه وملا فيها من القواعد الفقهية الفرعية املندرجة
حتتها .وباب العبادات من كتاب إعانة الطالبني فيه من تطبيقات هلذه القواعد.
ففي تلك القواعد اخلمسة تطبيقاهتا يف باب العبادات من كتاب إعانة الطالبني
للسيد البكري .وهذه القواعد وتطبيقاهتا تسهل القارئ يف فهم املسألة الفقهية.
ويستخلص مما سبق أيضا عناية السيد البكري بالقواعد الفقهية تظهر يف مواطن
تعليل األحكام وختريج املسائل.
املراجع
مبارك بن حممد ابن األثري.د.ت .النهاية يف غريب احلديث واألثر .عامن :بيت
األفكار الدولية.
حممد بن أمحد األزهري .2001 .معجم هتذيب اللغة.بريوت :دار املعرفة.
حممد بن هبادر الشافعي الزركيش ،1985 .املنثور يف القواعد .الكويت :دار
النرش مؤسسة الفليج.
حممد صدقي البورنو .2002 .الوجيز يف إيضاح القواعد الفقهية .،بريوت:
مؤسسة الرسالة.
حممد مصطفى شلبي .1985 .املدخل بالتعريف يف الفقه اإلسالمي.بريوت:
دار النهضة العربية.
وهبة الزحييل 1399 .هـ .نظرية الرضورة الرشعية .بريوت :مؤسسة الرسالة.
حييا بن رشف النووي .2002 .املجموع رشح اهلذهب .بريوت :دار الكتب
العلمية.
_____________.د .ت .رشح صحيح مسلم .بريوت :دار الكتب
العلمية.
يعقوب بن عبد الوهاب الباحسني .1998 .القواعد الفقهية .الرياض :مكتبة
الرشد.