You are on page 1of 113

‫كتاب‬

‫مفردات القرآن‬
‫تاليف‬
‫المعلم عبد الحميد الفراهي رحمة هللا عليه‬

‫إشراف الكتابة على الكمبيوتر‬


‫محمد سميع مفتي‬

‫المورد معهد العلم اإلسالمي‪ ،‬الهور‬


‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫روابط الكتب الخمسة‬


‫الكتب املعلقة بلسان القرآن من حيث داللته على معانيه ثلاثة‪:‬‬
‫كتاب املفردات وكتاب األساليب وكتاب أصول التأويل‪ .‬ففي‬
‫كت اب املف ردات يبحث عن األلف اظ املف ردة ويكشف عن معانيها‬
‫اخلاصة حبيث أن تتضح هلا احلدود وال وازم‪ ،‬وما يتصل هبا وما يف رق‬
‫عنها‪ ،‬وما يش اهبها وما يض ادها‪ .‬فيحيط العلم بداللة األلف اظ املف ردة‪.‬‬
‫ويف كت اب األس اليب يبحث عن داللة ال رتاكيب املختلفة الوج وه اليت‬
‫ت دل عليها األس اليب املتنوعة فيحيط العلم مبا ي دل عليه الكالم من‬
‫املعاين حىت حيفظ عما ال داللة له عليه‪ .‬ويف كتاب أصول التأويل يبني‬
‫عما يؤخذ من املع اين املختلفة وما ال يؤخذ وما ميكن بينها اجلم ع‪ .‬مث‬
‫بعد ذلك يستوى السبيبل إىل فهم ربط معاىن القرآن من النفس القرآن‬
‫وهو أحب إىل من أن يؤخذ من كتابنا نظ ام الق رآن ف إن العلم من‬
‫طريق االس تنباط والفكر بص رية وبين ة ولكن من يل باملس تنبط املتفكر‬
‫املف رغ جه ده يف أخذ املع ارف من عيوهنا النض اخة إال ما ش اء اهلل‬
‫وفوق كل ذي علم عليم‪ .‬ولدفع الظنون اليت بنيت على الوهام الناش ئة‬
‫عن قل ة النظر والتأويل يف رواي ات مجع الق رآن ومواقع تنزيلها وض عنا‬
‫كتابني تاريخ القرآن ودالئل النظام لتطمئن القلوب وتستعد للنظر يف‬
‫نظم القرآن‪ .‬وال حول وال قوة إال باهلل املستعان‪ .‬فمن شاء قدم النظر‬
‫يف كتاب التاريخ ودالئل النظام أن كان ال يرى قلبه مطمئنا ب أن كالم‬
‫‪3‬‬
‫اهلل تع اىل منظم على غايته حسن النظم فه ذه مخسة كتب يف فهم‬
‫الظ اهر الق رآن وتليها س بعة كتب يف عل وم الق رآن وأوهلا كت اب‬
‫احلكمة‪.‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫احلمد هلل ال ذي ه دانا للإميان‪ .‬مما أنعم علينا ب القرآن‪ .‬وحفظه عن‬
‫النس يان‪ .‬وحتريف البي ان‪ .‬مبا يس ره على اللس ان‪ .‬ومبا احىي لغة بين‬
‫عدنان‪ .‬على تقادم الزمان‪ .‬مث الصلوة على سيدنا حممد الذي أيده اهلل‬
‫ب اقوي س لطان‪ .‬وأبقى بره ان‪ .‬مبا أرس له هبذا الفرق ان‪ .‬ال ذي هو غاية‬
‫اهلدى ومتام التبي ان‪ .‬أما بعد فهذا كت اب يف مفردات القرآن جعلته مما‬
‫حنول إليه يف كتاب نظام القرآن لكيال حنتاج إىل تكرار حبث املفردات‬
‫إال يف مواضع يسريه يكون فيها الصحيح غري املشهور فنذكر بقدر ما‬
‫تطمئن به القل وب الس ليمة‪ .‬وال ن ورد يف ه ذا الكت اب من األلف اظ إال‬
‫ما يقتضي بيانا وإيض احا‪ .‬أما البن اء فهم الكالم أو نظمه علي ه‪ .‬ف إن‬
‫اخلط أ رمبا يقع يف نفس معىن الكلمة فيبعد عن التأويل الص حيح أو يف‬
‫بعض وجوهها فيغلق ب اب معرفة النظم‪ .‬وأما عامة الكلم ات فلم‬
‫نتعرض هلا وكتب اللغة واألدب كافلة به‪ .‬ومع ذلك جتد هذا الكتاب‬
‫إن ش اء اهلل حمتويا على ما يقتضي الش رح من ألف اظ الق رآن‪ .‬وقبل‬
‫الشروع يف شرح األلفاظ نقدم بعض أمور ستة تزيد ناظر بصرية‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫المقدمة األولى‬
‫في مقصد الكتاب وحاجتنا إليه‬
‫ال خيفى أن املعرفة بألف اظ املف ردة هي الخط وة األوىل يف فهم‬
‫الكالم وبعض اجلهل اجلزء يفضى إىل زيادة جهل باجملموع وإمنا يسلم‬
‫املرء عن الخطأ اذا سد مجيع أبوابه فمن مل يت بني معىن األلف اظ املف ردة‬
‫من القرآن أغلق عليه باب التدبر وأشكل عليه فهم اجلملة وخفى عنه‬
‫نظم اآليات والسورة‪ .‬ولو كان الضرر عدم الفهم لكان يسريا ولكنه‬
‫أكثر وأفظع‪ .‬وذلك ب أن املرء قلما يقف على جهله بل يتجاوز موقفه‪.‬‬
‫فيت وهم من اللفط ضد ما أريد في ذهب إىل خالف اجلهة املقص ودة‪ .‬مث‬
‫س وء فهم الكلمة ليس ب أمر هني فإنه يتج اوز إىل أس اة فهم الكالم‬
‫وكلما يدل عليه من العلوم واحلكم فإن أجزاء الكالم يبني بعضه بعضا‬
‫مثال كلم ة‪( :‬ال تزع) يف (س‪ .‬ققصص ‪ )75‬ت بني‬ ‫لل زوم التواف ق بينها ً‬
‫معىن الشهيد هناك فسوء فهمها صرف عن معىن غريها وهكذا آالالء‬
‫والطوف ان‪ .‬ورمبا ت رى أن اخلطأ يف مع ىن كلمة واح دة يص رف عن‬
‫تأويل الس ورة بأس رها فيتوجه املرء إىل مست كلها مر فيه بعد عن‬
‫الفهم مثل لفظ القسم وأدواته فلو علم وا معن اه يت بني هلم تأويل أك ثر‬
‫الس ور اليت فيها القس م‪ .‬فمن مل يت بني له معىن الكلمة وح دودها مل‬
‫مثال كلمة موارد يف بيت طرفه‪:‬‬ ‫يتمثل له شكله وال اتضح مفهومه ً‬
‫وب النسع يف داياهتا‬ ‫ان عل‬ ‫ك‬

‫‪7‬‬
‫ردد‬ ‫اء يف ظهر ق‬ ‫وارد من خلق‬ ‫م‬

‫ومثل كلمىت "سلكي وخملوجة" يف بيت إمرء القيس‪:‬‬


‫لكي وخملوجة‬ ‫نطعنهم‪ 1‬س‬
‫كرك المني على نابــل‬ ‫ّ‬

‫والع دم فهمها أظلمت املص رعة الثانية وانظر كيف اختلفت‬


‫اآلئمة يف معىن ال بيت‪ .‬وهك ذا ت رى اخلطأ يف حد كلمة واح دة أنشأ‬
‫مذهبا باطال وأضل به قوما عظيما وجعل امللة الواحدة بدوا‪.‬‬
‫وكتب اللغة والغ ريب ال تعطيك ح دود الكلم ات ح دا تام ا‪.‬‬
‫وكتب السري والتفسري ال تبني لك بالتمام والصحة أمورا جاء ذكرها‬
‫يف الق رآن‪ .‬وكتب العل وم الآخر من عقلي ات واألخالق ال تعطيك ما‬
‫تضمن علي ه القرآن من احلكم واألسرار فاحتجنا إىل ثلاثة علوم‪ :‬اللغة‬
‫والت اريخ واحلكمة ومن أراد التأمل الص حيح والت دبر الت ام وجب عليه‬
‫أن ال يغفل عن النقد فيما يأح ذه من ه ذه العل وم كلها ومن يتمسك‬
‫ب القرآن وين ور اهلل عقله به يطلع على أغالط كث رية يف كتب الق وم‪.‬‬
‫والض رر يك ون بق در االعتم اد عليها والغفلة عن النق د‪ .‬ومض رة كتب‬
‫الفالس فة أضل وأدغ ل‪ .‬ف إن معظم الق رآن احلكمة وهي األصل وال‬

‫مجيع ا‬
‫ه ذا ال بيت قد أش كل على العلم اء باللس ان وأرى أهنم اخط اؤا ً‬ ‫‪1‬‬

‫واملعىن أن أثر الطعن مشتبك وشبهه بدرع ونسجه وأكد ذلك بتشبيه بارع‬
‫على درع يلبسهما املستس ئم ح ذرا من النب ال لكيال تنفذ إلى جس مه فقوله‬
‫"على نابل" معناه لدفع من يرميه بالنبال‪.‬‬
‫س بيل إىل فهمها من الق رآن دون االطالع على مع اىن كلماهتا املف ردة‬
‫ودون العلم بصحيح علوم اللسان من البيان‪.‬‬

‫المقدمة الثانية‬
‫في الأصول اللسانية‬
‫فنقسم أوىل مواضع وهم من الكلمة أو الكالم‪ .‬فأوهلا املش كلة‬
‫على غري العرب أو العارف بلغتهم واملشكلة نوعان‪ :‬األول مامل يتبني‬
‫هلم معناه فأخطأوا أصل األمر‪ .‬والثاين‪ :‬مامل يتبني هلم األمور املتعلقة به‬
‫من األحوال الصحيحة فصارت الكلمة غري دالة على ما أريد منها‪ .‬مث‬
‫أمر املشرتكة بني معنيني أو أكثر وال يهتدي إىل املعىن املراد يف موضع‬
‫مثال‪،‬‬
‫خاص إال بسياق الكالم وموقعه واختيار ما كان أحسن تأويال‪ً .‬‬
‫املث اين لفظ مش رتك بني اآلي ات وغريه ا‪ .‬ف إذا علمت من اس تعماالت‬
‫الع رب اش رتاك لفظ فتأمل في ه‪ .‬واملش رتك نوع ان‪ :‬ال ج امع بني معانيه‬
‫أو ج امع ذهل عنه‪ ،‬ف إن مل ي ذهل عنه فالكلمة جامعة املع اىن فرمبا‬
‫يكون املراد هبا معناها الوسيع اجلامع‪ ،‬ورمبا يراد هبا طرف خاص من‬
‫غري نظر إىل املعىن اجلامع فحينئذ تك ون حاله ح ال املش رتكة‪ ،‬وال دليل‬
‫ليس إال مواقع الكلمة وجهته رباطه ا‪ .‬مثل كلمة آية‪ ،‬فهي كلمة‬
‫جامعة لكل ما ي دل على ش يء‪ ،‬ورمبا تس تعمل للمعج زة‪ .‬مث املرادف ة‬
‫بغريها‪ ،‬وهي قس مان‪ :‬املط ابق مبرادفه من مجيع الوج وه وه ذا قليل‬
‫جدا‪ .‬والثاين ما يوافقه من بعض الوجوه‪ ،‬وهذا كثري جدا‪ ،‬وفيه معظم‬

‫‪9‬‬
‫الوهم‪ .‬فرمبا يطنوهنما متحدين‪ ،‬وكثريا ما يكون بينهما فرق لطيف ال‬
‫يفطن له غري املارس باللس ان‪ ،‬فيلبس عليه بعض مع اىن الكالم‪ .‬مثال‪:‬‬
‫لفظ ’الف زع‘ أول كلمة ش رحها ص احب الكامل‪ ،‬وأخطأ فيه‪،‬‬
‫وك ذلك األزه ري (رح)‪ .‬وألبس على الن اس بالغة آية (‪ 51‬من سبأ)‬
‫ومن أنفع ش يء يف ه ذا الب اب معرفة تفسري الص حابة والت ابعني‪ ،‬ف إهنم‬
‫كث ريا ما فس روا كلمة بمرادفها جس ما أريد يف موضع خ اص‪ ،‬وظن‬
‫املتأخرون أهنما متحدان ومتطابقان من مجيع الوجوه‪ ،‬فأخطأوا صحيح‬
‫معنى الكلمة‪ .‬وه ذا يقع كث ريا يف تفسري كلمة جامعة ف إهنم يفس روهنا‬
‫بلفظ م رادف هلا ببعض الوج وه مثال‪’ :‬توف اه اهلل‘ تفسري ’أماته اهلل‘‬
‫فتظنهم ا متط ابقني‪ ،‬وهو وهم‪ .‬ف إن الت وىف أعم من الإماتة‪ .‬ومث ال‬
‫اجلامع يف الق رآن قوله تع اىل‪َ ﴿ :‬و َّات ُق واْ اللّ هَ الَّ ِذي تَ َس اءلُو َن بِ ِه‬
‫َواأل َْر َح َام﴾‪ 2‬ف التقوى هنا جامعة ك ذلك‪ .‬وقوله تع اىل‪﴿ :‬لََق ْد َك ا َن‬
‫ُس َوةٌ َح َس نَةٌ لِّ َمن َك ا َن َي ْر ُجو اللَّهَ َوالَْي ْو َم اآْل ِخ َر‬ ‫ِ ِ‬
‫لَ ُك ْم يِف َر ُس ول اللَّه أ ْ‬
‫َوذَ َك َر اللَّهَ َكثِ ًريا﴾‪ 3‬فالرج اء ههنا مبعىن ج امع‪ .‬والق رآن مآلن من‬
‫اجلامع قال النيب (ص) "أوتيت جوامع الكلم"‪ .‬وأعلم أن ه ذه األقس ام‬
‫األربعة من أربع تقس يمات؛ ف إن لكل قسم مق ابال والتقس يم ثن ائي‬
‫منطقي‪ ،‬وحتت كل تقسيم قسمان‪ ،‬واجملموع مثانية أقسام‪:‬‬
‫املشكلة واملعرفة‪.‬‬
‫املشرتكة واملنفردة‪.‬‬

‫سورة النساء‪1 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة األحزاب ‪21 : 33‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪10‬‬
‫اجلامعة واخلاصة‪.‬‬
‫املرادفة واملبائنة‪.‬‬
‫مث اعلم أن التقس يم األول ينشأ من نس بة الكلمة إىل الن اس‪.‬‬
‫والثاين من نسبتها إىل عدة معان متبائنة‪ .‬والثالث من نسبتها إىل عدة‬
‫معان بينها أمر مشرتك‪ .‬والرابع‪ ،‬من نسبتها إىل كلمة أخرى تشاركها‬
‫أو تبائنها يف املعىن‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫المقدمة الثالثة‬
‫في كون القرآن خاليا عن الغريب‬
‫قد أفصح القرآن عن كونه عربيا مبينا‪ .‬وقد وجدناه كذلك‪ ،‬فإن‬
‫من م ارس لغة الع رب‪ ،‬ونظر فيه أش عارهم وخطبهم وحماوراهتم وجد‬
‫الق رآن أس هلها كلما‪ ،‬وأقومها نظم ا‪ ،‬وأبني مقال ة‪ ،‬وأوض حها داللة‬
‫وأمجعها سالسة وجزالة‪ .‬قد أخلص عن الوحش ي الغريب كما أخلص‬
‫عن التعقيد يف ال رتكيب‪ .‬مث يش هد ب ذلك ص ريح املعق ول ف إن الغ رض‬
‫منه التبليغ والص دع ب احلق وال رتغيب وال رتهيب‪ ،‬وه ذا يقتض ي كالما‬
‫واضحا‪ .‬ولكن رمبا يظنون خالف ذلك ملا رأوا العلماء قد صنفوا في‬
‫غريب احلديث والقرآن‪ .‬وذكروا اختالفا كثريا يف تأويل بعض األلفاظ‬
‫وأول وا بعض ها بلغته من احلبش واحلمري والأبن اط حنو كلمة مش كوة‬
‫ومع اذير‪ .‬ونقل وا بعض أخب ار ت دل على أن من جلة الص حابة من مل‬
‫يعلم بعض الكلم ات منه مثال كلمة أب وختوف‪ .4‬فه ذه أربعة وج وه‬
‫ل ذلك الظن وندلك على ما يزيله إن ش اء اهلل تع اىل‪ -‬فأما التس مية‬
‫بالغريب فبالنس بة إىل العجم‪ ،‬ومن قل علمه بالعربي ة‪ .‬وأما االختالف‬
‫يف التأويل فلقلة العلم مبواقع النزول وأحوال من نزل فيهم وقلة التدبر‬
‫يف نظم الكالم‪ .‬ووج وه أخر كما ن ذكره فيما ي أيت‪ .‬وأما ك ون بعض‬
‫رووا أن أبا بكر مل يعلم معىن أّبً ا‪( ،‬أفا ظهر علمه بعد وف اة النيب –ص لى‬ ‫‪4‬‬

‫اهلل عليه وس لم؟) وإن عمر بقي يف زم ان النيب (ص) غري ع امل مبعىن ختوف‪،‬‬
‫هيهات كانت السورتان تقرءان كثريا‪ ،‬وهم يف صحبة النيب‪ ،‬مل يسئلوه‪ ،‬ومل‬
‫مسعوا واحدا يسئله‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫األلفاظ من غري لغة قريش فإن ص حة الرواية فنحملها على بيان أصل‬
‫الكلمة‪ ،‬فإنه ال شك أن غري واحد من األلفاظ العربية جملوبة من لسان‬
‫آخر‪ ،‬مثل كلمة س جيل وقس طاس وقنط ار‪ .‬وه ذا ال جيعل الكلمة‬
‫غريبة وال جمهول ة‪ -.‬وأما الرواية جبهل جلة الص حابة بمعىن بعض‬
‫األلفاظ فال نثق بصحتها لكوهنا خالف صريح العقل وتصريح القرآن‪،‬‬
‫ت آيَاتُهُ‪،‬‬ ‫كما قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ولَ ْو َج َع ْلنَ اهُ ُقْرآنًا أ َْع َج ِميًّا لََّق الُوا لَ ْواَل فُ ِّ‬
‫ص لَ ْ‬
‫أَأ َْع َج ِم ٌّي َو َع َريِب ٌّ﴾‪ 5‬معناه ههنا وضحت فإن هذا كان اعرتاضهم وأما‬
‫اب‬ ‫ِ‬
‫كوهنا تفص يال المجال ف ذلك ال ق دح في ه‪ ،‬ق ال تع اىل‪﴿ :‬كتَ ٌ‬
‫ت ِمن لَّ ُد ْن َح ِكي ٍم َخبِ ٍري﴾‪ 6‬وقوله ﴿أَأ َْع َج ِم ٌّي‬ ‫ص لَ ْ‬ ‫ت آيَاتُ هُ مُثَّ فُ ِّ‬ ‫أ ِ‬
‫ُحك َم ْ‬
‫ْ‬
‫َو َع َريِب ٌّ﴾ أي بعيد عن العقل‪ ،‬أن ي أيت الرس ول بكالم ال يفهمه قومه‪،‬‬
‫ول إِالَّ‬‫فأي فائدة هلذا الكالم‪ .‬ولذلك قال تعاىل‪﴿ :‬وما أَرس ْلنَا ِمن َّرس ٍ‬
‫ُ‬ ‫ََ ْ َ‬
‫ان َقو ِم ِه لِيَُبنِّي َ هَلُم﴾‪ 7‬وق ال تع اىل‪﴿ :‬حم‪ .‬والْكتَ اب الْمبِ ِ‬
‫ني‪ .‬إِنَّا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫بل َس ْ‬
‫َج َع ْلنَ اهُ ُق ْرآنًا َعَربِيًّا لَّ َعلَّ ُك ْم َت ْع ِقلُ و َن﴾‪ 8‬ف بني أن املقص ود أن تعقل وا‬
‫فل ذلك جعلن اه عربيا وكتابا واض حا‪ .‬ومل ينقل الينا أن الص حابة‬
‫خاص تهم وال ع امتهم ‪-‬رضي اهلل عنهم‪ -‬س ألوا النيب ‪-‬ص لى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ -‬معىن كلمة من القرآن‪ ،‬وال حرج يف سؤال معىن الكلمة ال بد‬
‫منه‪ ،‬وق ريش حك ام يف عكاظ يذعن حلكمهم ش عراء الع رب‬

‫سورة فصلت ‪44 :41‬‬ ‫‪5‬‬

‫سورة هود ‪1 :11‬‬ ‫‪6‬‬

‫سورة إبراهيم ‪4 :14‬‬ ‫‪7‬‬

‫سورة الزخرف ‪3-1 :43‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪13‬‬
‫وخطب اؤهم‪ ،‬أفهم ال يعرف ون بعض كلم ات من الق رأن مع كونه على‬
‫غاية السهولة والعذوبة بالنسبة إىل عامة كالم ذلك العصر؟ فمن كان‬
‫من ال ذين يس تمعون الق ول فيتبع ون أحس نه ه دى إن ش اء اهلل تع اىل‪.‬‬
‫وأما املتعف فال يس كته ش يء عن املراء‪ ،‬واهلل يه دي من يش اء‪ .‬فال‬
‫غاية من ه ذا البحث الإخالص عن اجلهل والشك الناش ئني من س وء‬
‫فهم املف ردات‪ .‬أما اجلهل فاثن ان‪ :‬األول هو اجلهل بنفس معىن الكلمة‬
‫فنفهم خالف املراد‪ .‬والثاين هو اجلهل بكيفه وكمه‪ .‬فيخفى علينا نظم‬
‫الكالم وداللة نسقه‪ .‬وأما الشك فهو أيضا اثنان‪ :‬األول يف تعيني وجه‬
‫من وجوه متبائنة فنقف حيارى أو نقع يف اخلطأ‪ .‬والثاين هو التذبذب‬
‫يف تع يني وجه من وج وه بينها عم وم وخص وص ‪- - - - -‬‬
‫أمرين‪ :‬األول معرفة معىن الكلمة ووجوهه‬ ‫واخلالص من ذلك ب‬
‫وأحوال ه‪ .‬والث اين االعتص ام بنظم الكالم ‪- - - - - - - - -‬‬
‫فوض عت ه ذا الكت اب لألمر األول‪ ،‬وفيه ع ون على األمر الث اين‪ .‬ف إن‬
‫من ع رف معىن الكلمة‪ ،‬وأح اط بوجوهه وما يتعلق به من األح وال‬
‫أمكنه أن يطلع على ما هو أكمل رباطا واسن تأويال‪.‬‬

‫في الفاظ القرآن‬


‫(‪ )1‬من األلفاظ ما غريوا معناه خلطأ يف الرأى مثل كلمة الذكر‬
‫واحلكم ة‪ .‬ق ال بعض احملدثني أن ال ذكر هو احلديث‪ .‬وق ال بعض‬
‫الش يعة إن ال ذكر هو النيب ‪-‬ص لى اهلل عليه وس لم‪ -‬وأرادوا ب ذلك‬

‫‪14‬‬
‫الذ ْكَر َوإِنَّا لَهُ حَلَافِظُو َن﴾‪ 9‬حسب رأيهم‪.‬‬
‫تأويل آية ﴿إِنَّا حَنْن َنَّزلْنَا ِّ‬
‫ُ‬
‫(‪ )2‬تب ديل مع اىن األلف اظ العامة ص عب ج دا وقد حفظ لس ان‬
‫العرب‪.‬‬
‫(‪ )3‬إمنا قال "الذكر" عوض القرآن ليدل على أن احلفاظة متعلق‬
‫باملعىن واللفظ مع ا‪ .‬فإن تغري املعني مل يكن ذك را بل ك ان قرآنا يتلونه‬
‫كما يتلو اليهود والفرق املتبدعة منا وليسوا منا‪.‬‬
‫(‪ )4‬إذا اش تبه املعىن فطريق التوض يح متتبع اس تعمال لفظه كما‬
‫فعلنا بلفظ عصر‪ .‬والآء والنظر يف أص له واس تعماله يف أخ وات العربية‬
‫كالعربانية والسريانية‪.‬‬

‫العام والخاص‬
‫(‪ )1‬رمبا ي راد من اللفظ معىن أعم‪ .‬ما يس تعمل فيه ع ادة‬
‫وييس مونه التجريد‪ ،‬ورمبا ي راد منه معىن أخص مما تس تعمل فيه ع ادة‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫ب﴾‬ ‫ضُ‬ ‫وسى الْغَ َ‬ ‫ت َعن ُّم َ‬ ‫أما األول‪ :‬فكما يف قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ولَ َّما َس َك َ‬
‫اي ه دء وس كن‪ .‬وكما يف قوله تع اىل‪َ ﴿ :‬ف َو َج َدا فِ َيها ِج َد ًارا يُِري ُد أَ ْن‬
‫ض﴾‪ 11‬أي ق ارب أن ينقض‪ ،‬وال إراده من اجملاز وال من التش بيه‬ ‫يَن َق َّ‬
‫فلم ينسب الإرادة إليه وال ش به اجلدار ب ذوي احلس‪ .‬وكث ريا ما يقع‬
‫َّار‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َتَب َّو ُؤوا ال د َ‬ ‫ذلك عند العطف والب دل‪ ،‬مثال قوله تع اىل‪َ ﴿ :‬والذ َ‬

‫سورة احلجر ‪9 :15‬‬ ‫‪9‬‬

‫سورة األعراف ‪154 :7‬‬ ‫‪10‬‬

‫سورة الكهف ‪77 :18‬‬ ‫‪11‬‬


‫َواإْلِ ميَ ا َن ِمن َقْبلِ ِه ْم﴾‪ 12‬أي متكن وا من ال دار‪ .‬وقوله تع اىل‪﴿ :‬قَ ْد أَن َز َل‬
‫اللَّهُ إِلَْي ُك ْم ِذ ْك ًرا َّر ُس واًل ﴾‪ 13‬أي أرسلنا‪ .‬ويف سورة األعراف مث ال يف‬
‫العطف‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫الحروف المقطعات‬
‫(‪ )1‬احلروف املقطعة امساء للس ور فال ش بهة يف معانيها‪ ،‬وأم ا‬
‫وجه التس مية هبا فال حاجة بنا إليه لفهم الكالم كما ال حنت اج إىل‬
‫العلم بوجه التس مية بس ائر األمساء ك األرض والس ماء والن ار واهلواء‬
‫واألرض واملاء‪ ،‬ولكن العلم اء تكلم وا فيه اعتن اء بش أهنا ولكنهم‬
‫اختلف وا ومل ي أتوا مبا يقطع به ويطمئن به القلب وإنا ن ورد كلما علمنا‬
‫من أقواهلم‪ . . . . . . . .15‬هذه األمساء ليست كسائر الكلمات فإهنا‬
‫يتكلم هبا بامساء حروفها ف املراد هبا احلروف من جهة أص واهتا التامة‪،‬‬
‫واألص وات حركات تنشائن القلب‪ ،‬ولكل صوت مناسبة بعاطفة من‬
‫عواطف الروح‪ ،‬فإذا أوردت عليه واردة نشأت حركة وانشأت صوتا‬
‫يدل على تلك الواردة داللة األثر على مؤثر‪ ،‬مثل كلمة "آه" تنشأ من‬
‫احلزن وتدل عليه‪.‬‬

‫سورة احلشر ‪9 :59‬‬ ‫‪12‬‬

‫سورة الطالق ‪11-10 :65‬‬ ‫‪13‬‬

‫هلا بعض التفصيل يف تفسري سورة البقرة للمؤلف‪( .‬املرتب)‬ ‫‪14‬‬

‫ولكنه رمحه اهلل اقتصر على ه ذا الق در يف ه ذا الفصل وت رك البي اض وأتى‬ ‫‪15‬‬

‫ببعض التفص يل يف مقدمته على التفسري فمن ش اء تفص يله فلريجعه ا‪.‬‬
‫(املرتب)‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫[الآآلء] أمجع وا على أن معن اه النعم‪ ،‬ولكن الق رآن وأش عار‬
‫العرب ياباه‪ ،‬والظاهر أن معناه اال لفعال العجيبة فارسية‪" :‬كرمشه" ملا‬
‫ك ان غ الب فعاله تع اىل الرمحة‪ ،‬ظن وا أن الآآلء هي النعم‪ .‬والرواية عن‬
‫ابن عب اس ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬خملتهم على ه ذا‪ ،‬ولكن الس لف إذا‬
‫س ئلوا أج ابوا حسب الس ؤال‪ ،‬واملراد املخص وص يف موضع مس ئول‬
‫عن ه‪ .‬وه ذا الظن فتح هلم نف ذا إىل تبديل معىن "إىل" يف قوله تع اىل‪:‬‬
‫ِ ٍ ِ‬
‫َّاض رةٌ‪ ،‬إِىَل ربِّها نَ ِ‬
‫اظَرةٌ﴾‪ 16‬فق الوا إن "إىل" واحد‬ ‫َ َ‬ ‫﴿ ُو ُج وهٌ َي ْو َمئ ذ ن َ‬
‫الآآلء وليس يف كالم العرب له مثال‪ ،‬ولكنهم زعموا أن األعشى أراد‬
‫هذا يف قوله‪:‬‬
‫رهب الـــهزال‬ ‫أبيض ال ي‬
‫دمحا وال خيون إال‬ ‫وال يقطع ب‬

‫ق ال ابن وريد "وقد خففت الع رب األل"‪ 17‬أما الق رآن فقوله‬
‫ك َتتَ َم َارى‪َ ،‬ه َذا نَ ِذ ٌير ِّم َن النُّ ُذ ِر اأْل ُوىَل ﴾‪ 18‬بعد‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬فَبِ أ ِّ‬
‫َي آاَل ء َربِّ َ‬
‫ذكر إهالك األقوام‪ .‬وهكذا يف سورة الرمحن‪ .‬وأما كالم العرب فقال‬

‫سورة القيامة ‪23-22 :75‬‬ ‫‪16‬‬

‫لسان العرب حتت كلمة ال‬ ‫‪17‬‬

‫سورة النجم ‪56-55 :53‬‬ ‫‪18‬‬


‫طرفه‪:‬‬
‫كامل حيمل آالء الـفىت‬
‫ادات خضم‬ ‫يد س‬ ‫نبه س‬

‫وقال ميته بنت ضرار ترثى أخاها‪:‬‬


‫رمي ثنـــاه وآالؤه‬ ‫ك‬
‫رية ما غالبا‬ ‫ايف العش‬ ‫وك‬

‫وقال املهلهل أخوكليب يرثى أخاه كليبا‪:‬‬


‫الحزم والعزم كانا من طبائعه‬
‫ما كل اآلئ ه يا ق وم أحص يها‬

‫وقال ربيعة بن مقروم أحد بين غيظ بن السيد‪:‬‬


‫نا ما دعت‬ ‫ولو ال فوارس‬
‫ليم تـميم متيما‬ ‫ذات الس‬ ‫ب‬
‫أعد‬ ‫أن‬ ‫لأوئبها‬ ‫أن‬ ‫وما‬
‫ومي وال أن ألوما‬ ‫آثر ق‬ ‫م‬
‫اآلءنا‬ ‫اذكر‬ ‫ولكن‬
‫ح ديث وما ك ان منا ق دميا‬

‫وقال األجدع اهلمداين‪:‬‬


‫يت اآلء الكميت فمن بيع‬ ‫ورض‬
‫فرسا فليس جوادنا مببــاع‬
‫قال اجلوهري يف هذا الشعراآلؤه "خصاله اجلميلة" ولكنه مل يثبت‬
‫على ه ذا املعىن ال ذي هو أص له فق ال يف م ادة اآلء‪ :‬واآللآء النعم‬
‫واحدها إال بالفتح‪ ،‬وقد يكسر ويكتب بالياء‪ ،‬مثال معا وامعاء‪ .‬فاتبع‬
‫ما فهم املفسرون عن ابن عباس رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫وقال فضالة بن زيد العدواين وهو من املعمرين‪:‬‬
‫اب وقل ما‬ ‫ويف الفقر ذل للرق‬
‫ريا غري نكس مذمـم‬ ‫رأيت فق‬
‫يالم وإن ك ان الص واب بكفـه‬
‫وحيمد اآلء البخيل املدرهــم‬

‫أي حيم دون ص فات البخيل وفعاله‪ ،‬وه ذا ال بيت أوضح داللة مما‬
‫ذكرنا قبله على معىن الآآلء‪ ،‬وق ال احلماسي (يف املراثي ومل يس مه أبو‬
‫متام)‪:‬‬
‫آلآء ميـت‬ ‫إذا ما امر اثـىن ب‬
‫فال يبعد اهلل الوليد بن أوهـما‬
‫ان مفراحا إذا اخلري مسه‬ ‫فما ك‬
‫ان منانا إذا هو أنعــما‬ ‫وال ك‬

‫ففسر ما أراد من الآآلء ب ذكر أنه مل يكن مفراحا إذا مسه اخلري‬
‫وال منانا ذا أنعم‪.‬‬
‫وقالت اخلنساء‪:‬‬
‫‪19‬‬
‫اك آلآلئـه‬ ‫فــبكى أخ‬
‫ونا‬ ‫يعه السائس‬ ‫إذا اجملد ض‬

‫‪‬‬
‫[اآلل] هو صورة للأهل‪ ،‬ويطلق على العشرية واألنصار‪ .‬قال‬
‫النابعة الذيباين‪:‬‬
‫وقفت وفيها س راة الق وم أس أهلا‬
‫فار‬ ‫عـن آل نعم أمونا عرب أس‬

‫وقال أيضا‪:‬‬
‫د‬ ‫ة رائح أومغت‬ ‫من آل مي‬
‫زود‬ ‫ذا زاد وغري م‬ ‫عجل ف‬

‫آل فِر َع و َن س وء الْع َذ ِ‬ ‫يف س ورة املؤمن‪﴿ :‬وح َ ِ‬


‫اب﴾‪ 19‬ويف‬ ‫اق بِ ْ ْ ُ ُ َ‬ ‫ََ‬
‫ص ِّمن‬ ‫ني َو َن ْق ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آل ف ْر َع و َن بِ ِّ‬
‫الس ن َ‬ ‫َخ ْذنَا َ‬ ‫س ورة األع راف‪َ ﴿ :‬ولََق ْد أ َ‬
‫ـذ ِه َوإِن‬ ‫ات لَعلَّهم ي َّذ َّكرو َن‪ .‬فَ ِإ َذا ج اء ْتهم احْل س نةُ قَ الُواْ لَنا ه ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ ُُ ََ َ‬ ‫الث ََّم َر َ ُ ْ َ ُ‬
‫ند اللّ ه ولَ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫مِب‬ ‫ِ‬
‫ـك َّن‬ ‫وس ى َو َمن َّم َع هُ أَال إمَّنَا طَ ائُر ُه ْم ع َ ُ َ‬ ‫تُص ْب ُه ْم َس يِّئَةٌ يَطََّّيُرواْ ُ َ‬
‫أَ ْكَث َر ُه ْم الَ َي ْعلَ ُم و َن‪َ .‬وقَالُواْ َم ْه َما تَأْتِنَا بِ ِه ِمن آيَ ٍة لِّتَ ْس َحَرنَا هِبَا فَ َما حَنْ ُن‬
‫َّم‬ ‫لَك مِب ُؤ ِمنِني‪ .‬فَأَرس ْلنَا علَي ِهم الطُّوفَا َن واجْل راد والْ ُق َّمل و َّ ِ‬
‫ع َوالد َ‬ ‫الض َفاد َ‬ ‫َ ََ َ َ َ َ‬ ‫َ ْ َ ْ َ َْ ُ‬
‫ني‪َ .‬ولَ َّما َوقَ َع َعلَْي ِه ُم‬ ‫ِ‬ ‫ات ُّم َف َّ ٍ‬ ‫آي ٍ‬
‫اس تَكَْبُرواْ َو َك انُواْ َق ْو ًما جُّمْ ِرم َ‬ ‫ص الَت فَ ْ‬ ‫َ‬

‫سورة غافر ‪45 :40‬‬ ‫‪19‬‬

‫‪20‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الرج ز قَ الُواْ يا موس ى ْادع لَنَا ربَّ َ مِب‬
‫ت َعنَّا‬ ‫ك َا َع ِه َد عن َد َك لَئن َك َش ْف َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ِّ ْ ُ‬
‫ك ولَُنر ِس لَ َّن مع َ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يل‪َ .‬فلَ َّما َك َش ْفنَا َعْن ُه ُم‬ ‫ك بَيِن إ ْس َرآئ َ‬ ‫ََ‬ ‫الر ْج َز لَُن ْؤمنَ َّن لَ َ َ ْ‬ ‫ِّ‬
‫اه ْم يِف‬ ‫الرجز إِىَل أَج ٍل هم بالِغُوه إِ َذا هم ين ُكثُو َن‪ .‬فَ َ ِ‬
‫انت َق ْمنَا مْن ُه ْم فَأَ ْغَر ْقنَ ُ‬ ‫َ ُ َ ُ ُْ َ‬ ‫ِّ ْ َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬
‫ني‪َ .‬وأ َْو َر ْثنَا الْ َق ْو َم الذ َ‬ ‫الْيَ ِّم بِ أَن َُّه ْم َك َّذبُواْ بِآيَاتنَا َو َك انُواْ َعْن َها َغ افل َ‬
‫ِ‬
‫ت‬ ‫ض َو َمغَا ِر َب َها الَّيِت بَ َار ْكنَا ف َيها َومَتَّ ْ‬ ‫ض َع ُفو َن َم َش ا ِر َق األ َْر ِ‬ ‫َك انُواْ يُ ْستَ ْ‬
‫صنَ ُع‬ ‫ك احْل س علَى بيِن إِسرآئِ مِب‬ ‫ِ‬
‫صَبُرواْ َو َد َّم ْرنَا َما َكا َن يَ ْ‬ ‫يل َا َ‬ ‫ت َربِّ َ ُ ْ ىَن َ َ ْ َ َ‬ ‫َكل َم ُ‬
‫فِْر َع ْو ُن َو َق ْو ُم هُ َو َما َك انُواْ َي ْع ِر ُش و َن﴾‪ .20‬وقبل ذلك ﴿إِىَل فِْر َع ْو َن‬
‫َو َملَئِ ِه﴾‪ 21‬و﴿قَ َال الْ َمألُ ِمن َق ْوِم فِْر َع ْو َن﴾‪ 22‬مرتني ومل يذكر لفرعون‬
‫أوالدا والظ اهر أنه مل يكن له ول دا‪ ،‬وكلما ذكر يف ه ذه اآلي ات من‬
‫العذاب‪ ،‬وقع على مجيع قوم فرعون‪ .‬ومثله قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وإِ ْذ جَنَّْينَ ا ُكم‬
‫اب﴾‪ 23‬وأيضا‪َ ﴿ :‬وقَ َال هَلُ ْم نِبُِّي ُه ْم‬ ‫ِّمن ِآل فِر َعو َن يسومونَ ُكم سوء الْع َذ ِ‬
‫ْ ْ َ ُ ُ ْ َُ َ َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آل‬‫وت فيه َسكينَةٌ ِّمن َّربِّ ُك ْم َوبَقيَّةٌ مِّمَّا َتَر َك ُ‬ ‫إِ َّن آيَةَ ُم ْلكه أَن يَأْتيَ ُك ُم التَّابُ ُ‬
‫آل َه ُارو َن حَتْ ِملُهُ الْ َمآلئِ َك ةُ﴾‪ 24‬أي قوم موسى وقوم هارون‪،‬‬ ‫وسى َو ُ‬ ‫ُم َ‬
‫وحني كلمهم ص موئيل ‪-‬عليه الس الم‪ -‬النيب هبذا الكالم‪ ،‬ك ان بنو‬
‫إس رائيل فرقا وأقواما‪ ،‬وك ان ق وم ه ارون عليه الس الم خمتصا خبدم ة‬
‫البيت‪ .‬فإن قلت مل نأخ ذه مبعىن أوالد موسى وأوالد هارون‪ ،‬قلت آل‬

‫سورة األعراف ‪137-130 :7‬‬ ‫‪20‬‬

‫سورة يونس ‪75 :10‬‬ ‫‪21‬‬

‫سورة األعراف ‪109 :7‬‬ ‫‪22‬‬

‫سورة البقرة ‪49 :2‬‬ ‫‪23‬‬

‫سورة البقرة ‪248 :2‬‬ ‫‪24‬‬

‫‪21‬‬
‫موسى وآل ه ارون حيت وى موسى وه ارون أيضا‪ ،‬ألنه احت وى مجيع‬
‫بين إس رائيل‪ ،‬ول ذلك ج اء يف احلديث "لقد أعطيت مزم ارا من مزامري‬
‫آل داؤد"‪ ،‬هذا حيتوى داؤد املغنين معه‪.‬‬
‫آل فِْر َع ْو َن لِيَ ُك و َن هَلُ ْم َع ُد ًّوا َو َحَزنًا إِ َّن فِْر َع ْو َن‬‫أيضا ﴿فَالَْت َقطَ هُ ُ‬
‫‪25‬‬
‫ني﴾‬ ‫ِِ‬
‫ودمُهَا َكانُوا َخاطئ َ‬ ‫َو َه َاما َن َو ُجنُ َ‬
‫ويف الت وراة "ان بنت فرع ون أرس لت أمتها فأخذته‪ ،‬ودعت له‬
‫مبرض عة‪ ،‬مث أخذته ابن ا‪( .‬ه ذا فحواه ا) ويف الق رآن وهلو الص حيح إن‬
‫ه ذه امرأة فرع ون‪ ،‬ف إن اآلية املتص لة ب اليت س بقت ت بني ذلك‪ .‬فق ال‬
‫ت امرأ ِ‬ ‫ِ‬
‫ك اَل َت ْقُتلُوهُ َع َس ى أَن‬ ‫ت َعنْي ٍ يِّل َولَ َ‬ ‫َت ف ْر َع ْو َن ُق َّر ُ‬
‫تعاىل‪َ ﴿ :‬وقَالَ ْ َ ُ‬
‫‪26‬‬ ‫ين َفعنَا أَو َنت ِ‬
‫َّخ َذهُ َولَ ًدا َو ُه ْم اَل يَ ْشعُُرو َن﴾‬ ‫َ َ ْ‬
‫‪‬‬
‫[اآلية] ما تس تدل به على أمر‪ ،‬وليست هي متام ال دليل بل‬
‫ينبهك على الدليل ووضوح اآلية كوهنا ظاهرة ملن يفهمها‪﴿ ،‬بَ ْل ُه َو‬
‫ين أُوتُ وا الْعِْلم َو َما جَيْ َح ُد بِآيَاتِنَا إِاَّل‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫َ‬ ‫ص ُدور الذ َ‬‫ات يِف ُ‬
‫ات َبِّينَ ٌ‬
‫آيَ ٌ‬
‫‪27‬‬
‫الظَّالِ ُمو َن﴾‬
‫واستعملته العرب يف هذا املعىن قال احلارث بن حلزة‪:‬‬
‫ات‬ ‫ده من اخلري آي‬ ‫من لنا عن‬
‫اء‬ ‫ثــلث يف كلهن القض‬
‫سورة القصص ‪8 :28‬‬ ‫‪25‬‬

‫سورة القصص ‪9 :28‬‬ ‫‪26‬‬

‫سورة العنكبوت ‪49 :29‬‬ ‫‪27‬‬

‫‪22‬‬
‫أي كل منها كافية شافية ال تبقى شبهة‪ .‬الفرق بني اآلية والدليل‬
‫املنطقي من وجوه‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن اآلية ما عليه بن اء ال دليل املنطقي مثال ’الع امل متغري‬
‫وكل متغري حادث‘ فتغري العامل هو اآلية على حدوثه‪.‬‬
‫والث اين‪ :‬أن اآلية هي اليت تبعث الفكر‪ ،‬وتلقي الس ؤال يف القلب‬
‫وت ذكره ما نسي‪ ،‬وهتيج فيه خلق اء أودعه من ال رحم والتق وى والصرب‬
‫والشكر وغري ذلك‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أن اآلية موجودة يف فطرة الفكرة‪ ،‬والدليل املنطقي أمر‬
‫مفرض فإن الفكرة جتري من تصور إىل تصور‪ ،‬مثال من تغري العامل إىل‬
‫حدوثه إظهارها يف صورة القضايا مفروض وإمنا فرضوها ألجل النظر‬
‫فيها كما يقطعون البيت يف األفاعيل‪.‬‬
‫‪‬‬
‫[األبابي ل] األبابيل مجاعة من اخليل والطري وغريمها‪ ،‬ق ال زهري‬
‫بن سلمى‪:‬‬
‫وب الفوارس من ورق اء قد علم وا‬
‫فرس ان ص دق على ج رد أبابيل‬

‫وقال األعشى‪:‬‬
‫ار رواء أصولـه‬ ‫طريق وجب‬
‫الطري تنعب‬ ‫من‬ ‫عليها أبابيل‬

‫‪23‬‬
‫أراد ههمنا من الطري الغراب فإنه استعمل تنعب‪.‬‬
‫‪‬‬
‫ب وإبابا وإباب ة؛ نش اء‬
‫ب ي ُؤ ُّ‬ ‫[األب] َ‬
‫الع ْش ب واملرعى‪ ،‬من اَ َّ‬ ‫ّ‬
‫وطل ع‪ ،‬وهي م ادة قدمية ج رى فيها تص رف اللس ان فتج دها يف ص ور‬
‫هلب‪ ،‬ولذلك‬
‫فأب صورة أخرى َّ‬ ‫تأهب‪َّ ،‬‬
‫هب‪َّ ،‬‬ ‫هم‪َّ ،‬‬‫متشاهبة مثالً َّام‪َّ ،‬‬
‫هز‪ ،‬أزَّ‪ ،‬وأراق‪ ،‬هراق قال األعشى‪:‬‬‫نظائر مثالً َّ‬
‫وأب لي ذهبا‬
‫أخ قد ط وى كش حا َّ‬

‫وهم‪ ،‬وإمنا مسي املرعى أبا لنش ئه أوال بعد املط ر‪ ،‬ومنه‬
‫هب ّ‬ ‫أي ّ‬
‫ابَّان النبات‪ ،‬ألول خروجه مث توسع‪ ،‬فقيل أبّان الشباب ملناسبة ظاهرة‬
‫مث أبّ ان كل ش يء أول وقت ه‪ .‬يق ال‪’ :‬كل الفواكه يف أبّاهنا‘‪ .‬وت وهم‬
‫فع اال من مادة بن‪ ،‬وال مناسبة بينهما‪،‬‬ ‫اجلوهري وغريه‪ ،‬فجعل األبّان ّ‬
‫ف إن أبنه بش يء اهتمه ب ه‪ ،‬من األبنة وهي العق دة يف الع ود‪ .‬وإمنا هو‬
‫أب ملا ي دل عليه املناس بة بينهم ا‪ ،‬وملا جتد ه ذه املادة هبذا‬
‫فالن من ّ‬
‫املعىن يف العرباني ة‪ ،‬وهي أخت العربية (אבב) ’ا ب ب‘ (אב)‬
‫ب‘ اخلض رة والثم رة (אביב) ’ابيب‘ الس نبلة اخلض راء‪ ،‬وأول‬ ‫ِ‬
‫’ا ّ‬
‫شهورهم وهو الربيع لظهور النبات فيه أوال‪ ،‬ومما ذكرنا تبني أن هذه‬
‫املادة مما عرفته الع رب‪ ،‬وإمنا قل اس تعماهلا يف أش عارهم خلفة مرادفاهتا‪،‬‬
‫ولكن إذا أريد اس تعمال كلمة جامعة وحسن موقعها مل ت رتك بل‬

‫‪24‬‬
‫تكون أحسن من غريها‪.28‬‬
‫‪‬‬
‫[األب تر] هو ص فة من البرت وهو القط ع‪ ،‬وللكلمة اس تعماالت‬
‫ش ىت‪ ،‬والنظر فيها يعنيك على اس تنباط املعىن املراد يف س ورة الك وثر‪،‬‬
‫فنذكر استعمال هذه املادة حسب ترتيب معانيها‪ .‬يقال سيف باتر أي‬
‫قاطع‪ ،‬وبتار قطاع‪ ،‬برت فالن رمحها قطعها‪ ،‬األباتر قاطع الرحم‪ ،‬أبرت‬
‫الرجل إذا أعطى مث منع‪ ،‬احلجة البرتاء القاطعة‪ ،‬يف حديث الضحايا أنه‬
‫هنى عن املبت ورة‪ ،‬وهي ما قطع ذنبه ا‪ ،‬األبرت من احلي ات ن وع منها‬
‫قصري ال ذنب‪ ،‬األبرت من ال عقب له يف احلديث "كل أمر ذي ب ال مل‬
‫يب دء ببسم اهلل فهو أب رت"‪ ،‬اخلطبة اليت مل يب دء ب ذكر اهلل والص لوة على‬
‫رس وله مسيت ب رتاء‪ .‬األبرت ما ال ع روة له من املزاد وال دالء‪ .‬األب رتان‬
‫العري والعب د‪ ،‬البت رياء الش مس إذا هبرت وذهبت قروهنا ونبله ا‪ .‬ف النظر‬
‫يف هذه األحناء يدلنا على أن األبرت هو املقطوع عما يفخمه وميده حىت‬
‫أن الش مس إذا هبرت وذهبت عنها نبلها واجنردت قرصا ص غريا مست‬
‫بت رياء‪ ،‬وك ذلك من برت رمحه وانقطع عن عص بته وأنص اره مسي أب رت‪،‬‬
‫ول ذلك مسوا العري والعبد األب رتين لقلة ناص ريهما‪ .‬وعلى ه ذا األصل‬
‫قال قتادة‪" :‬األبرتاء احلقري الدقيق الذليل"‪ .‬فتبني أن معىن هذه الكلمة‬
‫تدرج من املقطوع إىل الصغري القصري وإىل املخذول احلقري‪.‬‬

‫زيادة البيان يف تفسري سورة العبس (املربت)‬ ‫‪28‬‬

‫‪25‬‬
‫‪‬‬
‫[ابن اهلل وال رب واألب] كلمة االبن يف العربانية تس تعمل‬
‫ملعنيني (‪ )1‬للنسبة كابن السبيل وابن الليل أو كابن صبح وابن حول‬
‫وس نة و(‪ )2‬للعبد كالرجل والفىت والغالم‪ ،‬ولفظ االبن ليس كلفظ‬
‫الولد‪ ،‬فإن الولد صريح يف األبنية‪ ،‬ولذلك ترى يف القرآن مل يشنع إال‬
‫على لفظ الول د‪ ،‬وبني أن يف اس تعمال لفظ االبن مض اهاة ب الكفر‬
‫فينبغي أن جيتنب‪ ،‬كما أن لفظ الرب يشابه املعبود فبني يف القرآن أهنم‬
‫﴿ومَيْ ِش ي يِف‬
‫أفرط وا يف ه ذين الفظني‪ ،‬وبي ان ذلك حتت آية َ‬
‫َس َو ِاق﴾‪ 29‬وإن ي دعوهم الن اس وههنا ن ورد أمثلة من كتب اليه ود‬
‫اأْل ْ‬
‫والنص ارى لكي يت بني لك ما ذكرن ا‪ ،‬ون ورد ت رمجتهم الباطلة ب ازاء‬
‫ترمجة صحيحة‪:‬‬
‫الترجمة الصحيحة‬ ‫ترجمتهم الباطلة‬

‫اهلل ق ائم يف جممع احلك ام‬ ‫اهلل ق ائم يف جممع اهلل يف‬
‫راء حىت مىت‬ ‫يقضي بني األم‬ ‫وسط اآلهلة يقضي حىت مىت‬
‫تقض ون ج ورا وتراع ون ج انب‬ ‫تقض ون ج ورا وترفع ون وج وه‬
‫الشر يرامحوا املس كني والي تيم‪.‬‬ ‫األش رار‪ .‬أقض وا لل ذليل وللي تيم‬
‫اقس طوا للفقري واملعرت جنوا املس كني‬ ‫وانص فوا املس كني والب ائس جنوا‬
‫وانق ذوا الفقري من يد الش رير‪ .‬ال‬ ‫املس كني والفقري من يد األش رار‬
‫يعلم ون وال يفقه ون‪ ،‬ويف الظلمة‬ ‫انق ذوه‪ ،‬ال يعلم ون وال يفهم ون‬
‫ي ذهبون‪ .‬قد فس دت األرض إىل‬ ‫يف الظلمة يتمش ون ت تزعزع كل‬
‫سورة الفرقان ‪7 :25‬‬ ‫‪29‬‬

‫‪26‬‬
‫بنياهنا أنا ص ريتكم حكاما وخلف اء‬ ‫أس األرض‪ .‬أنا قلت إنكم آهلة‬
‫اهلل‪ ،‬ولكنكم مثل العامة تغ وون‬ ‫وبنو العلى كلكم‪ .‬لكن مثل‬
‫وكروس ائهم تع ثرون‪ .‬قم يا رب‬ ‫الن اس متوت ون وكأحد الروس اء‬
‫رث األمم‬ ‫دن األرض فإنك ت‬ ‫تس قطون‪ .‬قم يا اهلل دن األرض‪.‬‬
‫كلها‪.‬‬ ‫ألنك أنت متتلك كل األمم‪.‬‬
‫(املزمور ‪)82‬‬
‫هل ت رى كيف خلط وا بني احلاكم واهلل‪ ،‬والقض اء واحلماي ة‪،‬‬
‫والوصل والفصل‪ ،‬واملوت والغواية‪ ،‬واالبن واخلليفة اخلادم‪ )2( .‬كلما‬
‫جند يف اإلجنيل من ’ابن اهلل‘ فهو عبد اهلل يف املع ىن‪ ،‬وكلما فيه من‬
‫’أبون ا‘ أو ’أبونا وأب وكم‘ فهو ربنا وربكم كما ترمجه الق رآن‪ .‬وقد‬
‫منع املس يح عليه الس الم عن اس تعمال كلمة ال رب لفس ه‪ ،‬وق ال ربنا‬
‫واح د‪ ،‬وهو اهلل‪ ،‬وأنا وأنتم إخ وة‪ ،‬وقد ب دلت النص ارى ه ذا التعليم‬
‫الواضح وك ذهبم ب اد مكش وف يف مىت ب اب ‪ .)11-6( 23‬وحيب ون‬
‫املتكأ األول يف ال والئم واجملالس األوىل يف اجملامع والتحي ات يف‬
‫األسواق‪ ،‬وأن يدعوهم الناس ريب‪ 30‬ريب وأما أنتم فال تدعوا ريب ألن‬

‫يف الرتمجة البريوتية "سيدي سيدي وأما أنتم فال تدعو سيدي ألن‬ ‫‪30‬‬

‫معلمكم" وه ذا ال يليق بقوله "ألن" ويف الرتمجة اإلنكليزية "ريب ريب لكن ال‬
‫ت دعوا ريب ألن واح دا معلمكم املس يح؟ وأنتم كلكم إخ وة" ف املرتجم فصل‬
‫يف قوله املس يح وقوله أنتم بعالمة ولكن اجلملة اليت نقلت بعد ذلك من ب اب‬
‫‪ 19‬يكشف األمر فإنك ت رى أهنم خبط وا كلم ات ريب ومعلم وس يد وأب‪،‬‬
‫وكيف يقول املسيح ال تدعوين صاحلا فاملعلم الصاحل ترمجة ريب‪ ،‬وهناهم أن‬
‫‪27‬‬
‫ربكم واح د‪ .‬املس يح وأنتم مجيعا إخ وة وال ت دعوا لكم‪ 31‬ربا على‬
‫األرض ألن ربكم واحد ال ذي يف الس موات‪ ،‬وال ت دعوا معلمني ألن‬
‫معلمكم واحد املس يح‪ ،‬وأك ربكم يك ون خادما لكم‪ .‬مث ج اء يف ب اب‬
‫‪ 19‬آية ‪ .16‬وإذا واحد تقدم وقال له‪ :‬أيها املعلم الصاحل أي صالح‬
‫أعمل لتكون يل احلياة األبدية‪ .‬فقال له ملاذا تدعوين صاحلا ليس أحد‬
‫صاحلا إال واحد‪ ،‬وهو اهلل ولكن أن أردت احليوة فاحفظ الوصايا (أي‬
‫الشرائع) ويف تكوين (‪" )8 :45‬فألن ليس أنتم أرسلتموين إىل هنا بل‬
‫اهلل‪ ،‬وهو قد جعلين أبا لفرع ون وس يدا لكل بيته ومس لطا على كل‬
‫أرض مصر‪".‬‬
‫يف أشعيا (‪" )11 :53‬من تعب نفسه يرى ويشبع وعبدي البار‬
‫مبعرفته ي ربر كث ريين وآث امهم هو حيمله ا‪ ".‬املراد من عب دي الب ار هو‬
‫عيسى باتف اق النص ارى‪ ،‬ولكنك ت راهم حرف وا ه ذه الكلمة فتجد يف‬
‫مرقس (‪" )39 :15‬وملا رأى قائد املئة الواقف مقابله أنه صرح هكذا‬
‫وأس لم ال روح‪ ،‬ق ال حقا ك ان ه ذا اإلنس ان ابن اهلل"‪ .‬وهك ذا يف مىت‬
‫وأما لوقا فتجد فيه (‪" )47 :23‬فلما رأى قائد املئة ك ان جمد اهلل‬
‫قائال بالحقيقة كان هذا اإلنسان بارا"‪ .‬فهل ترى كيف حرفوا ومزقوا‬

‫ي دعوه هبذا االسم كما دعت اليه ود أحب ارهم هبذا االسم وهكذا جاء ذكر‬
‫اليهود والنصارى يف القرآن حيث قال‪﴿ :‬اخَّتَ ُذواْ أ ْ‬
‫َحبَ َار ُه ْم َو ُر ْهبَ ا َن ُه ْم أ َْربَابًا‬
‫يح ابْ َن َم ْرمَيَ﴾‪( .‬التوبة‪ )31 :9‬فقد علمت أن النصارى‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ِّمن ُدون اللّ ه َوالْ َمس َ‬
‫مسوا علمائهم بالرب واآللة كما شهدت به كتب التاريخ‪.‬‬
‫يف الرتاجم"أبا" وهذا باطل ظاهرا‪.‬‬ ‫‪31‬‬

‫‪28‬‬
‫كلة الوحي‪.‬‬
‫‪‬‬
‫[االتق اء] االتق اء افتع ال من وقى يقي‪ ،‬ف اجملرد ويتع دى إىل‬
‫ك الَْي ْوِم﴾‪ .32‬أي‬ ‫ِ‬
‫اه ُم اللَّهُ َش َّر ذَل َ‬
‫مفع ولني كما ق ال تع اىل‪َ ﴿ :‬ف َوقَ ُ‬
‫حفظهم عنه‪ .‬وأما االفتعال منه فيتعدى إىل مفعول واحد‪ .‬اتقيت الشر‬
‫حتفظت منه‪ .‬اتقيت السيف بالرتس جعلته حاجزا بينك وبني السيف‪.‬‬
‫اب َي ْو َم الْ ِقيَ َام ِة﴾‪ .33‬ق ال‬
‫ق ال تع اىل‪﴿ :‬أَفَمن يت َِّقي بِو ْج ِه ِه س وء الْع َذ ِ‬
‫ُ َ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫النابغة‪:‬‬
‫س قط النص يف ومل ت رد إس قاطه‬
‫باليـ ــد‬ ‫واتقتنا‬ ‫فتناولته‬

‫ويف احلديث‪" :‬واتقوا النار ولو بشق مترة"‪ .‬أي التمسوا وقاية من‬
‫الن ار ولو بشق مترة تعطوها الفق راء‪ .‬ورمبا ي راد به على التجريد حمض‬
‫جعل الشيء يف القدام كاحلاجر‪ ،‬كما قال امرؤ القيس‪:‬‬
‫تص دو تب دي عن أس يل وتتقي‬
‫بن اظرة هن وحش وج رة مطفل‬

‫فج رد عن مفه وم اخلوف هو قليل ف إن االتق اء يف أصل معن اه‬


‫يكون من خوف ضرر‪ ،‬وعلى هذا يأيت على أربعة أوجه‪:‬‬

‫سورة اإلنسان ‪11: 76‬‬ ‫‪32‬‬

‫سورة الزمر ‪24 :39‬‬ ‫‪33‬‬

‫‪29‬‬
‫األول هو التحفظ عما خياف الض رر من ه‪ ،‬كما يف قوله تع اىل‪:‬‬
‫ف َتَّت ُقو َن إِن َك َف ْرمُتْ َي ْو ًما جَيْ َع ُل‬ ‫‪34‬‬ ‫ِ‬
‫﴿أَن َتَّت ُقواْ مْن ُه ْم ُت َقا ًة﴾ ‪ .‬أيضا ﴿فَ َكْي َ‬
‫الْ ِولْ َدا َن ِش يبًا﴾‪ .35‬والث اين هو اخلوف من ش ر‪ ،‬كما يف قوله تع اىل‪:‬‬
‫ين ظَلَ ُمواْ ِمن ُك ْم َخ َّ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫آصةً﴾ ‪ .‬أيضا ﴿ َو َّات ُق واْ‬ ‫﴿ َو َّات ُقواْ فْتنَةً الَّ تُصينَب َّ الذ َ‬
‫‪36‬‬

‫َّت لِْل َك افِ ِرين﴾ ‪ .‬أيضا ﴿ َو َّات ُق واْ َي ْو ًما ُتْر َجعُ و َن فِي ِه إِىَل‬ ‫ِ‬
‫َّار الَّيِت أُع د ْ‬
‫‪37‬‬
‫الن َ‬
‫اللّ ِه﴾‪ .38‬والث الث هو التخشع بني ي دي املنعم الق دوس ال ذي ي رحم‬
‫على الش اكر الب ار وال يرضى ب الكفر واإلمث‪ ،‬وهو الع امل بكل ش يء‬
‫وهبذا الوجه يشبه الرهبة كما يف قوله تعاىل‪﴿ :‬إِْن َتَّت ُقواْ اللّهَ جَيْ َعل لَّ ُك ْم‬
‫ِ‬
‫استَطَ ْعتُ ْم﴾‪.40‬‬ ‫ُفْرقَاناً َويُ َكف ِّْر َعن ُك ْم َسيِّئَات ُك ْم﴾ ‪ .‬أيضا ﴿فَ َّات ُقوا اللَّهَ َما ْ‬
‫‪39‬‬

‫ين َّات َق ْوا َربَّ ُه ْم إِىَل اجْلَن َِّة ُز َم ًرا﴾‪ .41‬وه ذا كث ري‪.‬‬ ‫أيضا ﴿و ِس َّ ِ‬
‫يق الذ َ‬‫َ َ‬
‫والرابع هو الوجه اجلامع للوج وه الثالث ة‪ ،‬وي دل على التحفظ عن اإلمث‬
‫من خ وف نتائجه الس يئة‪ ،‬ومن خ وف س خط ال رب‪ ،‬وه ذا املعىن‬
‫اجلامع ي راد منه إذا ج اء جمرد عن املفع ول ويعرب عنه ب التقوى‪ ،‬كما يف‬

‫سورة آل عمران ‪28 :3‬‬ ‫‪34‬‬

‫سورة املزمل ‪17 :73‬‬ ‫‪35‬‬

‫سورة األنفال ‪25 :8‬‬ ‫‪36‬‬

‫سورة آل عمران ‪31: 3‬‬ ‫‪37‬‬

‫سورة البقرة ‪281 :2‬‬ ‫‪38‬‬

‫سورة األنفال ‪29 :8‬‬ ‫‪39‬‬

‫سورة التغابن ‪16 :64‬‬ ‫‪40‬‬

‫سورة الزمر ‪73 :39‬‬ ‫‪41‬‬

‫‪30‬‬
‫ين ُهم حُّمْ ِس نُو َن﴾‪ .42‬أيضا‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َّات َق واْ َّوالذ َ‬ ‫قوله تع اىل‪﴿ :‬إ َّن اللّ هَ َم َع الذ َ‬
‫يم﴾ ‪ .‬أيضا ﴿ َوإِن ُت ْؤ ِمنُ واْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َح َس نُواْ مْن ُه ْم َو َّات َق واْ أ ْ‬ ‫﴿للَّذ َ‬
‫‪43‬‬
‫َج ٌر َعظ ٌ‬ ‫ين أ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص رِب ُواْ َوَتَّت ُق واْ فإن َذل َ‬ ‫يم﴾ ‪ .‬وأيضا ﴿ َوإِن تَ ْ‬
‫‪44‬‬
‫ك‬ ‫َج ٌر َعظ ٌ‬ ‫َوَتَّت ُق واْ َفلَ ُك ْم أ ْ‬
‫ص ا ُكم بِ ِه لَ َعلَّ ُك ْم َتَّت ُق و َن﴾‪.46‬‬ ‫ِم ْن َع ْزِم األ ُُم و ِر﴾ ‪ .‬أيضا ﴿ َذلِ ُك ْم َو َّ‬
‫‪45‬‬

‫فاملتقي هبذا املعىن من أشرب قلبه تعظيم الرب وخوف سخطه ونتائج‬
‫األمث‪ ،‬ولذلك كثر يف القرآن مدح املتقني ومقابلتهم باجملرمني الطاغني‪.‬‬
‫والقرآن تارة يكتفي هبذه الكلمة اجلامعة وتارة يفصل معناه وتارة يريد‬
‫الوج وه الثالثة على س واء‪ ،‬وت ارة يريد وجها خاصا أوال وبال ذات‪،‬‬
‫وب اقي الوج وه ثانيا حس بما يناسب ملق ام كما هو األصل يف فهم‬
‫الكلم ات اجلامع ة‪ ،‬فأما االكتف اء هبذا االسم مع إرادة املعىن اجلامع‬
‫فيك ثر‪ ،‬وذلك حيث م دح اهلل املتقني ومل ينبه على بعض أوص افهم‬
‫فأيض ا كث ري‪ ،‬ومنه‬ ‫اخلاص ة‪ .‬وأما اإلملاع إىل بعض وجوهه حسب حمله ً‬
‫ني َكالْ ُف َّجا ِر﴾‪ 47‬أي الذين جيتنبون اإلمث مع‬ ‫ِ‬
‫قوله تعاىل‪﴿ :‬أ َْم جَنْ َع ُل الْ ُمتَّق َ‬
‫اخلش ية ف إن الفج ور هو ارتك اب اإلمث مع اجلس ارة‪ .‬أيضا ﴿فَأ ََّما َمن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّق بِاحْلُ ْسىَن فَ َسُنيَ ِّسُرهُ ل ْليُ ْسَرى َوأ ََّما َمن خَب َل َو ْ‬
‫اس َت ْغىَن‬ ‫صد َ‬ ‫أ َْعطَى َو َّات َقى َو َ‬

‫سورة النحل ‪128 :16‬‬ ‫‪42‬‬

‫سورة آل عمران ‪172 :3‬‬ ‫‪43‬‬

‫سورة آل عمران ‪179 :3‬‬ ‫‪44‬‬

‫سورة آل عمران ‪186 :3‬‬ ‫‪45‬‬

‫سورة األنعام ‪153 :6‬‬ ‫‪46‬‬

‫سورة ص ‪28 :38‬‬ ‫‪47‬‬

‫‪31‬‬
‫ب بِاحْلُ ْس ىَن فَ َسُنيَ ِّس ُرهُ لِْلعُ ْس َرى﴾‪ .48‬اآليت ان متقابلت ان كما هو‬ ‫َو َك َّذ َ‬
‫ظاهر‪ .‬وجاءت كلمة اتقى يف مقابلة استغىن فاملراد به من ختشع للرب‬
‫تع اىل خاش يا راجيا فلم يس تغن عنه وأما تفص يل املعىن اجلامع فكما‬
‫وه ُك ْم قِبَ َل الْ َم ْش ِر ِق‬
‫س الْرِب َّ أَن ُت َولُّواْ ُو ُج َ‬
‫ت رى يف قوله تع اىل‪﴿ :‬لَْي َ‬
‫ـك َّن الْرِب َّ َم ْن َآم َن بِاللّ ِه َوالَْي ْوِم﴾‪ .49‬إىل قوله تع اىل‪:‬‬ ‫ب ولَ ِ‬ ‫ِ‬
‫َوالْ َم ْغ ِر َ‬
‫ك ُه ُم الْ ُمَّت ُق و َن﴾‪ .50‬وذكر قبله أب واب اإلميان واألعم ال‬ ‫﴿ َوأُولَـئِ َ‬
‫الص احلة‪ ،‬ف دل على أن املتقني هم ال ذين مجع وا ه ذه الص فات‪ ،‬وأعلم‬
‫أن جهة احلال والكيفية أظهر يف معناها من جهة العم ل‪ ،‬وجهة الكف‬
‫أغلب من جهة الفع ل‪ .‬ول ذلك تق رتن بالفعل على س بيل التقاب ل‪ ،‬كما‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َح َس نُواْ مْن ُه ْم َو َّات َق واْ أ ْ‬ ‫ت رى يف قوله تع اىل‪ ﴿ :‬للَّذ َ‬
‫‪51‬‬
‫يم﴾‬
‫َج ٌر َعظ ٌ‬ ‫ين أ ْ‬
‫وت ارة تق رتن ب الكف على س بيل البي ان كما يف قوله تع اىل‪َ ﴿ :‬وإِن‬
‫ص رِب ُواْ َو َتَّت ُق واْ﴾‪ .52‬ومع ذلك لكوهنا حالة هي منبع األعم ال فتق رتن‬ ‫تَ ْ‬
‫باإلميان على س بيل التقابل والتفص يل‪ ،‬كما يف قوله تع اىل‪َ ﴿ :‬وإِن‬
‫ُت ْؤ ِمنُ واْ َوَتَّت ُق واْ﴾‪ .53‬وه ذا كثري مث هي منبع العلم أيضا لكوهنا حالة‬
‫تصلح القلب‪.‬‬

‫سورة الليل ‪11-5 :92‬‬ ‫‪48‬‬

‫سورة البقرة ‪177 :2‬‬ ‫‪49‬‬

‫سورة البقرة ‪177 :2‬‬ ‫‪50‬‬

‫سورة آل عمران ‪172 :3‬‬ ‫‪51‬‬

‫سورة آل عمران ‪120 :3‬‬ ‫‪52‬‬

‫سورة آل عمران ‪179 :3‬‬ ‫‪53‬‬

‫‪32‬‬
‫‪‬‬
‫ث‬‫اه ُم اللَّهُ ِم ْن َحْي ُ‬‫[أتى يأتي] مبعىن أضر كما قال تعاىل‪﴿ :‬فَأَتَ ُ‬
‫اع ِد فَ َخ َّر َعلَْي ِه ُم‬
‫مَل حَي تَ ِس بوا﴾‪ .54‬وأيض ا ﴿فَ أَتَى اللّ ه بْني ا َنهم ِّمن الْ َقو ِ‬
‫ُ َُ ُ َ َ‬ ‫ً‬ ‫ْ ْ ُ‬
‫ف ِمن َف ْوقِ ِه ْم﴾ ‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫الس ْق ُ‬
‫َّ‬
‫‪‬‬
‫[أح وى] إذا اس تعمل للنب ات فهو ما ك ان منه ش ديد اخلض رة‬
‫ملتفا زاد خضرة اللتفافه‪ ،‬قال جابر بن حريش وهو جاهلي‪:‬‬
‫ولـقد أرانا يا مُسَي حبائ ــل‬
‫ري فـكاما فاألصفـرا‬ ‫نـرعى الق َّ‬
‫اجلزع بني ضياعـة فرصافــة‬ ‫ف‬
‫فع وارض ح وا لبـابس مقفــرا‬
‫ثر منك بيض نعامــة‬ ‫ال أرض أك‬
‫دى وروضا أحضــرا‬ ‫وند أنبا تن‬
‫وار كأنـ ــه‬ ‫ومغببا حيمى الص‬
‫متخمط قطم إذا ما برب ـــرا‬
‫إذ ال ختاف ح دوجنا ق ذف الن وى‬
‫اد إقامة وتدي ـــرا‬ ‫قبل الفس‬

‫أي حني ك انت ه ذه األمكنة معش بة فلم نكن حنت اج إىل التف رق‬

‫سورة احلشر ‪2 :59‬‬ ‫‪54‬‬

‫سورة النحل ‪26 :16‬‬ ‫‪55‬‬

‫‪33‬‬
‫عن بالدن ا‪ ،‬وذلك قبل زمن الفس اد‪( .‬يف ه ذه األبي ات ش واهد أخ ر‪:‬‬
‫وأيض ا فيه‬
‫"ولقد أرانا أي كنا أران ا‪ .‬ال أرض أك ثر منك فيه التف ات‪ً ،‬‬
‫خطاب إىل غري ذوي العقول"‬
‫وقال امرؤ القيس‪:‬‬
‫اة‬ ‫وغيث من الومسى حونب‬
‫لتان‬ ‫يظم ص‬ ‫تــبطنة بش‬

‫وقال زهري بن سلمى‪:‬‬


‫ّو تالعـه‬ ‫وغيث من الومسى ح‬
‫ابت روابيه البخا وهو أطله‬ ‫أج‬

‫وأيضا‪:‬‬
‫ً‬
‫ات بقفـرة‬ ‫فق ال ش ياه راتع‬
‫ّو مس ائله‬ ‫مبستأسد القري ان ح‬

‫ومن معىن التف اف النب ات اس تعري لإلنس ان الغض الب ادن‪ ،‬كما يف‬
‫قول تأبط شرا‪:‬‬
‫وى رفل‬ ‫بل يف احلي أح‬ ‫س‬
‫مع أزل‬ ‫زو فس‬ ‫وإذا يغ‬

‫‪‬‬
‫[اإلس الم] معن اه ظ اهر بني وهو الطاعة واخلض وع‪ ،‬ولكن‬
‫‪34‬‬
‫الق رآن رفع ه ذه الكلمة فخص ها لطاعة اهلل مثل كلمة ال دين فإنه‬
‫الطاعة يف أصل اللغ ة‪ ،‬وقد اس تعمله الع رب لطاعة اهلل‪ .‬مث هلذا املعىن‬
‫ال بني وج وه ونت ائج وت اريخ‪ .‬والق رآن دل على كل ذلك فن ذكر ما‬
‫يتعلق هبذه الكلمة من وجوهه ا‪ :‬اإلس الم؛ هو العبودي ة‪ ،‬وهو تس ليم‬
‫النفس لرضى اهلل تع اىل بالكلي ة‪ ،‬وبه يتق رب العبد إىل م واله‪ ،‬ويرفع‬
‫ب َعن ِّملَّ ِة‬ ‫منزلته حسب كما له يف اإلس الم‪ .‬ق ال تع اىل‪َ ﴿ :‬و َمن َي ْر َغ ُ‬
‫إِب ر ِاهيم إِالَّ من س ِفه َن ْفس ه ولََق ِد اص طََفينَاه يِف ال ُّد ْنيا وإِنَّه يِف ِ‬
‫اآلخ َر ِة‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ْ ْ ُ‬ ‫َْ َ َ َ َ َ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لَ ِمن َّ حِلِ‬
‫ني‪.‬‬ ‫ب الْ َع الَم َ‬ ‫ت ل َر ِّ‬ ‫َس لَ ْم ُ‬
‫َس ل ْم‪ ،‬قَ َال أ ْ‬ ‫ني‪ .‬إِ ْذ قَ َال لَ هُ َربُّهُ أ ْ‬
‫الص ا َ‬ ‫َ‬
‫وب (أي وصى هبا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هِب‬
‫يم بَني ه َو َي ْع ُق ُ‬‫ص ى َا (أي مبلة اإلس الم) إ ْب َراه ُ‬ ‫َو َو َّ‬
‫ِّين (أي‬ ‫اص طََفى لَ ُك ُم ال د َ‬ ‫يعق وب بينه ق ائلني ألبنائهم ا) يَا بَيِن َّ إِ َّن اللّ هَ ْ‬
‫القي ام بال دين وخدمته وتعلميه للن اس) فَالَ مَتُ وتُ َّن إَالَّ َوأَنتُم‬
‫ُّم ْسلِ ُمون﴾‪.56‬‬
‫فنذكر ههنا طرفا من تاريخ اإلسالم‪ ،‬وهو عهده باهلل على القيام‬
‫به ووص ية لذريته أي جعلهم اهلل أمة خمصوصة خلدمة ال دين‪ ،‬وه ذا هو‬
‫معىن اإلسالم هلل‪ ،‬ويقرب منه معىن القربان والنذر‪ ،‬كما يتبني لك من‬
‫الق رآن حيث ذكر طرفا آخر من ت اريخ إس الم إب راهيم‪ ،‬ودل على‬
‫َس لَ َما َوَتلَّهُ‬
‫كم ال معىن اإلس الم ومساه إحس انا‪ ،‬فق ال تع اىل‪َ ﴿ :‬فلَ َّما أ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ك جَنْ ِزي‬ ‫الر ْؤيَا إِنَّا َك َذل َ‬
‫ت ُّ‬ ‫ص َّدقْ َ‬
‫يم قَ ْد َ‬ ‫ل ْل َجبني َونَ َاد ْينَ اهُ أَ ْن يَا إ ْب َراه ُ‬
‫ني﴾‪ .57‬فه ذا هو كم ال اإلس الم املس مى باإلحس ان‪ .‬مث ذكر‬ ‫ِِ‬
‫الْ ُم ْحس ن َ‬
‫سورة البقرة ‪132-130 :2‬‬ ‫‪56‬‬

‫سورة الصافات ‪105-103 :37‬‬ ‫‪57‬‬

‫‪35‬‬
‫طرفا آخر من إس الم إب راهيم حني دعا ألمة مس لمة وارثة مللته وألن‬
‫اع َد ِم َن‬ ‫يبعث فيهم نبيا منهم‪ ،‬كما قال تعاىل‪﴿ :‬وإِ ْذ يرفَع إِب ر ِاهيم الْ َقو ِ‬
‫َ َْ ُ ْ َ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫َّك أَنت َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫يم َربَّنَا‬‫يع الْ َعل ُ‬
‫الس م ُ‬ ‫يل (ق ائلني) َربَّنَا َت َقبَّ ْل منَّا إِن َ َ‬ ‫الَْبْيت َوإمْسَاع ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫ك َوأَ ِرنَا َمنَاس َكنَا َوتُ ْ‬ ‫ك َو ِمن ذُِّريَّتِنَا أ َُّمةً ُّم ْس ل َمةً لَّ َ‬‫اج َع ْلنَا ُم ْس ل َمنْي ِ لَ َ‬
‫َو ْ‬
‫َّك أَنت الت ََّّواب َّ ِ‬
‫يم﴾‪ 58‬ههنا ’علينا‘ من جانب تلك األمة‬ ‫الرح ُ‬ ‫ُ‬ ‫َعلَْينَآ إِن َ َ‬
‫وك ذلك قوله ﴿أرنا مناس كنا﴾ أي أر ه ذه األمة بوس يلة نيب منهم‪.‬‬
‫ث فِي ِه ْم َر ُس والً ِّمْن ُه ْم َيْتلُو َعلَْي ِه ْم‬ ‫﴿ر َّبنَا َو ْاب َع ْ‬ ‫كما صرح بذلك فقال‪َ :‬‬
‫الع ِزي ُز‬ ‫ْم ةَ َويُ َز ِّكي ِه ْم إِن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫آيَاتِ َ‬
‫َنت َ‬ ‫َّك أ َ‬ ‫اب َواحْل ك َ‬ ‫ك َويُ َعلِّ ُم ُه ُم الْكتَ َ‬
‫يم﴾‪ .59‬وليعلم أن هذه األمور ليست وقائع متبددة بل كل ذلك‬ ‫ِ‬
‫احلَك ُ‬
‫جيتمع ح ول نقطة واح دة‪ ،‬وهي واقعة القرب ان وحفظها اهلل بش ريعة‬
‫احلج ومناس كه لنعلم ت اريخ القرب ان وإس الم إب راهيم وإمساعيل‪ .‬وأخرب‬
‫اهلل عن حالة ال ذين حقق وا حجهم بقوله عز من قائ ل‪َ ﴿ :‬و ِم َن الن ِ‬
‫َّاس‬
‫وف بِالْعِبَ ِاد﴾‪ .60‬فإسالم‬ ‫ات اللّ ِه‪َ ،‬واللّهُ َر ُؤ ٌ‬ ‫من ي ْش ِري َن ْفسه ابتِغَاء مرض ِ‬
‫َ ُ ْ َْ َ‬ ‫َ َ‬
‫النفس ملرض اة اهلل هو معىن احلج واإلس الم‪ .‬مث علمنا اهلل تع اىل س عة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َس لَ َم َمن‬ ‫معىن هذا اإلسالم حيث قال‪﴿ :‬أََفغَْي َر دي ِن اللّ ه َيْبغُ و َن‪َ ،‬ولَ هُ أ ْ‬
‫ض طَ ْو ًعا َو َك ْر ًها‪َ ،‬وإِلَْي ِه يُْر َجعُ و َن﴾‪ .61‬ف دل على‬ ‫الس ماو ِ‬
‫ات َواأل َْر ِ‬ ‫يِف َّ َ َ‬
‫أربعة أمور‪ :‬األول؛ إن كل شيء أسلم هلل‪ .‬والثاين‪ :‬إن كلهم يرجعون‬

‫سورة البقرة ‪128-127 :2‬‬ ‫‪58‬‬

‫سورة البقرة ‪129 :2‬‬ ‫‪59‬‬

‫سورة البقرة ‪207 :2‬‬ ‫‪60‬‬

‫سورة آل عمران ‪83 :3‬‬ ‫‪61‬‬

‫‪36‬‬
‫إليه وهذا الزم لإلسالم فإن يرجعوا إىل غريه كان اإلسالم باطال‪ .‬فدل‬
‫على املع اد‪ .‬والث الث؛ إن اإلس الم يتحقق بإطاعة رس له ملا يظهر من‬
‫سياق هذه اآلية‪ .‬والرابع إن اإلسالم ال اختالف فيه فإن كلهم أسلموا‬
‫ِ‬
‫اهلل‪ ،‬ف دينهم واحد فال مش اجرة فيه‪ ،‬كما ص رح يف قول ه‪﴿ :‬إ َّن الد َ‬
‫ِّين‬
‫اب إِالَّ ِمن َب ْع ِد َما‬ ‫ِ‬
‫ين أ ُْوتُ واْ الْكتَ َ‬
‫ِعن َد اللّ ِه ا ِإلس الَم وما اختلَ َّ ِ‬
‫ف الذ َ‬ ‫ْ ُ َ َ َْ َ‬
‫اب‬‫ات اللّ ِه فإن اللّ ِه س ِريع احْلِس ِ‬ ‫جاءهم الْعِْلم ب ْغيا بيَنهم ومن ي ْك ُفر بِآي ِ‬
‫َ ُ َ‬ ‫َ ُ ُ ُ َ ً َْ ُ ْ َ َ َ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين أ ُْوتُ واْ‬ ‫ت َو ْجه َي للّ ه َو َم ِن اتََّب َع ِن َوقُل لِّلَّذ َ‬ ‫َس لَ ْم ُ‬
‫وك َف ُق ْل أ ْ‬ ‫آج َ‬‫ف إن َح ُّ‬
‫َس لَ ُمواْ َف َق ِد ْاهتَ َدواْ َّوإِن َت َولَّْواْ فَِإمَّنَا‬ ‫َس لَ ْمتُ ْم ف إن أ ْ‬‫ني أَأ ْ‬‫اب َواأل ُِّميِّ َ‬
‫ِ‬
‫الْكتَ َ‬
‫ص ريٌ بِالْعِبَ ِاد﴾‪ 62‬ه ذا مث دل فيه على ط رف آخر‬ ‫ك الْبالَغُ واللّ ه ب ِ‬
‫َعلَْي َ َ َ ُ َ‬
‫ين‬ ‫َّ ِ‬
‫من معىن اإلس الم وهو الس لم كما ص رح به يف قول ه‪﴿ :‬يَا أ َُّي َها الذ َ‬
‫الس ْل ِم َكآفَّةً﴾‪ .63‬مث اإلسالم يناىف الشرك فاملسلم هو‬ ‫َآمنُواْ ْاد ُخلُواْ يِف ِّ‬
‫املوحد ألن من أشرك باهلل مل يسلم نفسه هلل تعاىل‪ .‬قال تعاىل‪﴿ :‬قُ ْل يَا‬
‫اب َت َع الَ ْواْ إِىَل َكلَ َم ٍة َس َواء َبْيَننَا َو َبْينَ ُك ْم أَالَّ َن ْعبُ َد إِالَّ اللّهَ َوالَ‬ ‫أ َْهل الْ ِكتَ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض نَا َب ْعض اً أ َْربَابًا ِّمن ُدون اللّ ه ف إن َت َولَّْواْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نُ ْش ِر َك ب ه َش ْيئًا َوالَ َيتَّخ َذ َب ْع ُ‬
‫اش َه ُدواْ بِأَنَّا ُم ْس لِ ُمو َن﴾‪ .64‬أي أنتم لس تم مبس لمني ف أنتم‬ ‫َف ُقولُ واْ ْ‬
‫خالف ملة إب راهيم ال ذي وصى بنبيه باإلس الم كما م ر‪ ،‬ول ذلك ق ال‬
‫ص َرانِيًّا َولَ ِكن َك ا َن َحنِي ًفا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يم َي ُهوديًّا َوالَ نَ ْ‬ ‫بعد آي تني‪َ ﴿ :‬ما َك ا َن إ ْب َراه ُ‬

‫سورة آل عمران ‪20-19 :2‬‬ ‫‪62‬‬

‫سورة البقرة ‪208 :2‬‬ ‫‪63‬‬

‫سورة آل عمران ‪64 :3‬‬ ‫‪64‬‬

‫‪37‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني﴾‪ .65‬فبني معىن اإلسالم‪ .‬ويشبه هذه‬ ‫ُّم ْس ل ًما َو َما َك ا َن م َن الْ ُم ْش ِرك َ‬
‫اآلي ات قوله تع اىل‪َ ﴿ :‬وقَ الُواْ لَن يَ ْد ُخ َل اجْلَنَّةَ إِالَّ َمن َك ا َن ُه وداً أ َْو‬
‫ني َبلَى َم ْن‬ ‫نَص ارى تِْل ك أَم انُِّيهم قُ ل ه اتُواْ بره انَ ُكم إِن ُكنتم ِ ِ‬
‫ص ادق َ‬ ‫ُْ َ‬ ‫َ َ ُ ْ ْ َ ُْ َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫َس لَ َم َو ْج َه هُ للّ ه (أي ت وىل عن الش رك وأقبل إىل ربه كالعب د) َو ُه َو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أْ‬
‫ف َعلَْي ِه ْم َوالَ ُه ْم حَيَْزنُو َن﴾‪ .66‬وهو‬ ‫ند َربِِّه َوالَ َخ ْو ٌ‬
‫َج ُرهُ ِع َ‬ ‫ِ‬
‫حُمْس ٌن َفلَ هُ أ ْ‬
‫حمسن أي أحسن إس المه باالس تقامة وباألعم ال الص احلة ورضى‬
‫القلب‪ .‬ف دل على متام معن اه ال على أمر زائد ف إن من أس لم وجهه هلل‬
‫ال بد أن يك ون حمس نا‪ .‬ويف ه ذا التوض يح فائ دتان‪ :‬األوىل بي ان أن‬
‫العمل احلسن يل زم اإلس الم‪ ،‬والثانية إن البق اء على اإلس الم الزم فمن‬
‫أس لم م رة فكأنه عابد بالطاع ة‪ ،‬ول ذلك ق ال تع اىل‪﴿ :‬فَالَ مَتُ وتُ َّن إَالَّ‬
‫َوأَنتُم ُّم ْسلِ ُمو َن﴾‪.67‬‬
‫‪‬‬
‫[إن] هلا استعمالت‪.‬‬
‫ص ْف ًحا أَن‬ ‫ب َعن ُك ُم ال ِّذ ْكَر َ‬ ‫ض ِر ُ‬
‫(‪ )1‬تق در قبلها الم العل ة‪﴿ .‬أََفنَ ْ‬
‫اَّل ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني﴾ ‪ ،‬أيضا ﴿ َك إ َّن اإْل َ‬ ‫ُكنتُ ْم َق ْو ًما ُّم ْس ِرف َ‬
‫‪68‬‬
‫نس ا َن لَيَطْغَى أَن َّرآهُ‬
‫ض َّل إْ ْح َدامُهَا َفتُ َذ ِّكَر‬‫اس َت ْغ ﴾‪ 69‬أي ألن رآه اس تغىن‪ .‬أيضا ﴿أَن تَ ِ‬
‫ْ ىَن‬
‫سورة آل عمران ‪67 :3‬‬ ‫‪65‬‬

‫سورة البقرة ‪112-111 :2‬‬ ‫‪66‬‬

‫سورة البقرة ‪132 :2‬‬ ‫‪67‬‬

‫سورة الزخرف ‪5 :43‬‬ ‫‪68‬‬

‫سورة العلق ‪7-6 :96‬‬ ‫‪69‬‬

‫‪38‬‬
‫ول َوإِيَّا ُك ْم أَن ُت ْؤ ِمنُوا بِاللَّ ِه‬ ‫ُخَرى﴾ ‪ .‬أيضا ﴿خُيْ ِر ُجو َن َّ‬
‫الر ُس َ‬ ‫‪70‬‬
‫إِ ْح َدامُهَا األ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك أَن مَّلْ يَ ُكن َّربُّ َ‬
‫‪71‬‬
‫ك‬ ‫ك ُم ْهل َ‬ ‫َربِّ ُك ْم﴾ ‪ .‬أي ألن تؤمن وا‪ .‬أيضا ﴿ َذل َ‬
‫الْ ُقَرى بِظُْل ٍم َوأ َْهلُ َها َغافِلُو َن﴾‪ .72‬والعلة تراعى وجود أو عد ما كقول‬
‫عم رو‪" :‬وعجلنا الق رى أن تش تمونا" أي لش تمكم ومعن اه لئال‬
‫تش تمونا‪ ،‬كما تق ول ه ذا دواء للحمى أي ل دفع احلمى‪ .‬ومنه قوله‬
‫ض لُّوا﴾‪ .73‬حلاظا لض اللتكم أي لكليال‬ ‫تع اىل‪﴿ :‬يبنِّي اللّ ه لَ ُكم أَن تَ ِ‬
‫َُ ُ ُ ْ‬
‫اب قَ ْد َج اء ُك ْم َر ُس ولُنَا يَُبنِّي ُ لَ ُك ْم َعلَى‬ ‫تض لوا‪ .‬ك ذلك ﴿يا أ َْه ل الْ ِكتَ ِ‬
‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ُس ِل أَن َت ُقولُ واْ َما َجاءنَا من بَش ٍري َوالَ نَ ذي ٍر﴾ ‪ .‬وكذلك‬
‫‪74‬‬
‫َفْت َر ٍة ِّم َن ُّ‬
‫ِِ‬
‫ض‬ ‫ت﴾‪ .75‬أيضا ﴿ َوأَلْ َقى يِف األ َْر ِ‬ ‫س مِب َا َك َس بَ ْ‬
‫﴿ َوذَ ِّك ْر ب ه أَن ُتْب َس َل َن ْف ٌ‬
‫ض َر َو ِاس َي أَن مَتِي َد‬ ‫َر َو ِاس ي أَن مَتِي َد بِ ُك ْم﴾‪ .76‬أيضا ﴿ َو َج َع ْلنَا يِف اأْل َْر ِ‬
‫َ‬
‫هِبِ ْم﴾‪ .77‬ودل الق رآن على تض من النفي حيث ج اء ﴿ َو َما ُكنتُ ْم‬
‫رِت‬
‫ص ُار ُك ْم َواَل ُجلُ و ُد ُك ْم﴾‪.78‬‬ ‫تَ ْس تَ ُو َن أَ ْن يَ ْش َه َد َعلَْي ُك ْم مَسْعُ ُك ْم َواَل أَبْ َ‬
‫ِ‬
‫ودوا‬ ‫فلوال تضمنت نفيا ملا اتبعت بالنفي‪ .‬ولذلك ﴿يَعظُ ُك ُم اللَّهُ أَن َتعُ ُ‬
‫سورة البقرة ‪282 :2‬‬ ‫‪70‬‬

‫سورة املمتحنة ‪1 :60‬‬ ‫‪71‬‬

‫سورة األنعام ‪131 :6‬‬ ‫‪72‬‬

‫سورة النساء ‪176 :4‬‬ ‫‪73‬‬

‫سورة املائدة ‪19 :5‬‬ ‫‪74‬‬

‫سورة األنعام ‪70 :6‬‬ ‫‪75‬‬

‫سورة النحل ‪15 :16‬‬ ‫‪76‬‬

‫سورة األنبياء ‪31 :21‬‬ ‫‪77‬‬

‫سورة فصلت ‪22 :41‬‬ ‫‪78‬‬

‫‪39‬‬
‫لِ ِمثْلِ ِه أَبَ ًدا﴾‪ .79‬فلوال تضمنت نفيا ملا اتبعت بقوله ’أبدا‘‪.‬‬
‫(‪ )2‬وعن اجلارة‪﴿ :‬اَل َيْن َه ا ُكم اللَّهُ َع ِن الَّ ِذين مَلْ يُ َق اتِلُو ُك ْم يِف‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫وه ْم َو ُت ْقس طُوا إِلَْي ِه ْم﴾ ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ال دِّي ِن َومَلْ خُيْ ِر ُج و ُكم ِّمن ديَ ا ِر ُك ْم أَن َتَب ُّر ُ‬
‫‪80‬‬

‫َّ ِ‬ ‫ً ِمَّن‬
‫َخَر ُج و ُكم ِّمن‬ ‫ين قَاَتلُو ُك ْم يِف الدِّي ِن َوأ ْ‬ ‫وأيضا ﴿إ َا َيْن َه ا ُك ُم اللَّهُ َع ِن الذ َ‬
‫اهُروا َعلَى إِ ْخ َر ِاج ُك ْم أَن َت َولَّْو ُه ْم﴾‪ .81‬أيضا ﴿لَّن‬ ‫ديَ ا ِر ُك ْم َوظَ َ‬
‫ِ‬
‫يح أَن يَ ُك و َن َعْب داً لِّلّ ِه َوالَ الْ َمآلئِ َك ةُ الْ ُم َقَّربُ و َن َو َمن‬ ‫ِ‬
‫ف الْ َمس ُ‬
‫ِ‬
‫يَ ْس تَنك َ‬
‫ف َع ْن ِعبَ َادتِ ِه َويَ ْس تَ ْكرِب ْ فَ َسيَ ْح ُش ُر ُه ْم إِلَ ِيه مَجِ ًيعا﴾‪ .82‬أيضا ﴿قُ ْل‬ ‫يس تَ ِ‬
‫نك ْ‬ ‫َْ‬
‫ِ ‪83‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين تَ ْدعُو َن من ُدون اللّ ه﴾ ‪ .‬أيضا ﴿ َو َما َمَن َع ُه ْم‬ ‫َّ‬
‫يت أَ ْن أ َْعبُ َد الذ َ‬ ‫إِيِّن هُن ُ‬
‫أَن ُت ْقبَ َل ِمْن ُه ْم َن َف َقا ُت ُه ْم إِالَّ أَن َُّه ْم‪.84﴾....‬‬
‫اءه ْم ُمن ِذٌر ِّمْن ُه ْم﴾‪ .85‬أي عجب وا‬ ‫ِ‬
‫(‪ )3‬ومن‪﴿ :‬بَ ْل َعجبُ وا أَن َج ُ‬
‫من أن‪.......‬‬
‫(‪ )4‬وب اء اجلر‪َ ﴿ :‬واللَّهُ أ َ‬
‫‪86‬‬
‫وأيض ا‬ ‫َح ُّق أَن خَت ْ َش اهُ﴾ ‪ً .‬‬
‫ف َعلَْي ِه ْم َوالَ‬ ‫ين مَلْ َي ْل َح ُق واْ هِبِم ِّم ْن َخ ْل ِف ِه ْم أَالَّ َخ ْو ٌ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َويَ ْستَْبش ُرو َن بالذ َ‬

‫سورة النور ‪17 :24‬‬ ‫‪79‬‬

‫سورة املمتحنة ‪8 :60‬‬ ‫‪80‬‬

‫سورة املمتحنة ‪9 :60‬‬ ‫‪81‬‬

‫سورة النساء ‪172 :4‬‬ ‫‪82‬‬

‫سورة األنعام ‪56 :6‬‬ ‫‪83‬‬

‫سورة التوبة ‪54: 9‬‬ ‫‪84‬‬

‫سورة ق ‪2 :50‬‬ ‫‪85‬‬

‫سورة األحزاب ‪37 :33‬‬ ‫‪86‬‬

‫‪40‬‬
‫َج َر‬ ‫يع أ ْ‬
‫ِ‬
‫َن اللّ هَ الَ يُض ُ‬ ‫ض ٍل َوأ َّ‬ ‫ُه ْم حَيَْزنُ و َن يَ ْستَْب ِش ُرو َن بِنِ ْع َم ٍة ِّم َن اللّ ِه َوفَ ْ‬
‫ني﴾‪.87‬‬ ‫ِِ‬
‫الْ ُم ْؤمن َ‬
‫ص دُّو ُك ْم َع ِن الْ َم ْس ِج ِد‬ ‫ٍ‬
‫(‪ )5‬وعلى‪َ ﴿ :‬والَ جَيْ ِر َمنَّ ُك ْم َشنَآ ُن َق ْوم أَن َ‬
‫احْلَ َر ِام أَ ْن َت ْعتَ ُد ْوا﴾ أي على أن تع دوا‪ ،‬كما ق ال تع اىل ﴿ َوالَ‬
‫‪88‬‬

‫جَيْ ِر َمنَّ ُك ْم َش نَآ ُن َق ْوٍم َعلَى أَالَّ َت ْع ِدلُواْ﴾‪ .89‬أيضا ﴿ َويَا َق ْوِم الَ جَيْ ِر َمنَّ ُك ْم‬
‫صيبَ ُكم﴾‪.90‬‬ ‫ِش َقاقِي أَن ي ِ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫(‪ )6‬أن ت أيت للبي ان كقوله تع اىل‪َ ﴿ :‬والَ جَيْ ِر َمنَّ ُك ْم َش نَآ ُن َق ْوم أَن‬
‫يض ِم َن ال د َّْم ِع‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ص دُّو ُك ْم َع ِن الْ َم ْس جد احْلَ َر ِام﴾ ‪ .‬أيضا ﴿ َّوأ َْعُيُن ُه ْم تَف ُ‬
‫‪91‬‬
‫َ‬
‫َحَزنًا أَالَّ جَيِ ُدواْ َما يُنف ُق و َن﴾ ‪ .‬ف إن أردت ق درت ’ب أن ص دوكم‘‬
‫‪92‬‬ ‫ِ‬
‫ال ُّم ْؤ ِمنُ و َن‬ ‫أيضا ’وحزنا على أال جيدوا‘‪ .‬ولعل من ه‪َ ﴿ :‬ولَ ْواَل ِر َج ٌ‬
‫ص يبَ ُكم ِّمْن ُهم َّم َع َّرةٌ بِغَرْيِ‬ ‫ات مَّل َتعلَم وهم أَن تَطَ ؤوهم َفتُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ ُْ‬ ‫َون َس اء ُّم ْؤمنَ ٌ ْ ْ ُ ُ ْ‬
‫ِع ْل ٍم﴾‪.93‬‬
‫ِ‬ ‫إِلِ‬ ‫ِ‬
‫(‪ )7‬يق در قبلها أيضا ما هي بيانه مثالً‪َ ﴿ :‬وإ ْذ َب َّوأْنَا ْب َراه َ‬
‫يم‬

‫سورة آل عمران ‪171-170 :3‬‬ ‫‪87‬‬

‫سورة املائدة ‪2 :5‬‬ ‫‪88‬‬

‫سورة املائدة ‪8 :5‬‬ ‫‪89‬‬

‫سورة هود ‪89 :11‬‬ ‫‪90‬‬

‫سورة املائدة ‪2 :5‬‬ ‫‪91‬‬

‫سورة التوبة ‪96 :9‬‬ ‫‪92‬‬

‫سورة الفتح ‪25 :48‬‬ ‫‪93‬‬

‫‪41‬‬
‫ت أَن اَّل تُ ْش ِر ْك يِب َش ْيئًا﴾‪ .94‬أي قائال أو آمرا أن ال تشرك‬ ‫م َك ا َن الْبي ِ‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫ك تَ أْ ُمُر َك أَن نَّْت ُر َك َما‬ ‫َص الَتُ َ‬
‫بأ َ‬‫أو بأن ال تشرك‪ .‬أيضا ﴿قَ الُواْ يَا ُش َعْي ُ‬
‫َي ْعبُ ُد آبَ ُاؤنَا أ َْو أَن نَّ ْف َع َل يِف أ َْم َوالِنَا َما نَ َش اء﴾‪ .95‬أي ت أمرك ب أن تق ول‬
‫ك أَالَّ تَ ْس ُج َد إِ ْذ‬ ‫لنا أو تأمرنا أن‪ ،...........‬ولعل منه‪﴿ :‬قَ َال َما َمَن َع َ‬
‫ك﴾‪ .96‬أي وأمرك أن ال تسجد‪ .‬ولعل منه‪َ ﴿ :‬و َما ُكنتُ ْم تَ ْس تَرِت ُو َن‬ ‫أ ََم ْرتُ َ‬
‫أَ ْن يَ ْش َه َد َعلَْي ُك ْم مَسْعُ ُك ْم﴾‪ .97‬أي ختافون أو خمافة أن‪.......‬‬
‫ول َريِّبَ اللَّهُ﴾ ‪ً .‬‬ ‫ومن األول‪﴿ :‬أََت ْقُتلُ و َن َر ُجاًل أَن َي ُق َ‬
‫‪98‬‬
‫وأيض ا‬
‫َّاس أَن يُْتَر ُك وا أَن َي ُقولُ وا َآمنَّا َو ُه ْم اَل يُ ْفَتنُ و َن﴾‪ .99‬أيضا‬ ‫﴿أ ِ‬
‫ب الن ُ‬ ‫َحس َ‬ ‫َ‬
‫ِ ‪100‬‬ ‫ِ‬
‫الس وأَى أَن َك َّذبُوا بِآيَ ات اللَّه﴾ ‪.‬‬ ‫َس ُاؤوا ُّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ين أ َ‬
‫﴿مُثَّ َك ا َن َعاقبَ ةَ الذ َ‬
‫ومن السابع‪َ﴿ :‬تَتَن َّز ُل َعلَْي ِه ُم الْ َماَل ئِ َك ةُ أَاَّل خَتَ افُوا﴾‪ .101‬أي ملهمني أو‬
‫مبش رين ب أن ال ختافوا‪ .‬ومن البي ان قوله تع اىل‪﴿ :‬قَ َال يَا َه ُارو ُن َما‬
‫ِ‬ ‫ك إِ ْذ َرأ َْيَت ُه ْم َ ُّ اَّل ِ ِ‬
‫ض لوا أَ َتتَّب َعن﴾ ‪ .‬ومن ه‪﴿ :‬لَبْئ َ‬
‫‪102‬‬
‫ت هَلُ ْم‬ ‫َّم ْ‬
‫س َما قَ د َ‬ ‫َمَن َع َ‬

‫سورة احلج ‪26 :22‬‬ ‫‪94‬‬

‫سورة هود ‪87 :11‬‬ ‫‪95‬‬

‫سورة األعراف ‪12 :7‬‬ ‫‪96‬‬

‫سورة فصلت ‪22 :41‬‬ ‫‪97‬‬

‫سورة غافر‪48 :40‬‬ ‫‪98‬‬

‫سورة العنكبوت ‪2 :29‬‬ ‫‪99‬‬

‫سورة الروم ‪10 :30‬‬ ‫‪100‬‬

‫سورة فصلت ‪30 :41‬‬ ‫‪101‬‬

‫سورة طه ‪93-92 :20‬‬ ‫‪102‬‬

‫‪42‬‬
‫أَن ُف ُس ُه ْم أَن َس ِخ َ‬
‫ط اللّهُ َعلَْي ِه ْم﴾‪.103‬‬
‫‪‬‬
‫[إن اهلل معن ا] قد ك ثر يف الت وراة ه ذا الكالم‪ ،‬فمن تتبع‬
‫مواقعه فيها فهم مبلغ ه‪ .‬وهك ذا ج اء يف الق رآن كث ريا وموقعه املدح‬
‫والرضا ومل تستعمل هذه الكلمة يف مواضع السخط والنقمة إال بقرينة‬
‫ض ى ِم َن الْ َق ْو ِل َو َك ا َن اللّهُ مِب َا‬
‫واضحة‪َ ﴿ :‬و ُه َو َم َع ُه ْم إِ ْذ يَُبيِّتُو َن َما الَ َيْر َ‬
‫َي ْع َملُ و َن حُمِيطًا﴾‪ .104‬ف إذا مل يكن معه قرينة ص ارفة ك ان نصا يف‬
‫الرض ا‪ ،‬ول ذلك ت رى يف قوله تع اىل‪﴿ :‬حُّم َّم ٌد َّرس ُ ِ َّ ِ‬
‫ول اللَّه َوالذ َ‬
‫ين‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َم َعهُ﴾‪ 105‬اكتفى هبذا اللفظ يف بيان أعوانه وأنصاره وحمبيه‪.‬‬
‫‪‬‬
‫[أهل ال بيت] أهل ال بيت عب ارة عن النس اء‪ ،‬الواحد واجلمع‬
‫فيه س واء‪ ،‬ولكن الض مري ال ذي يرجع إليه يك ون مجعا وم ذكرا اجتنابا‬
‫عن التص ريح ألجل حرمة النس اء‪ ،‬وعلى ذلك آيتك بش هادات من‬
‫س ِمن‬ ‫ِ ِِ‬
‫َج َل َو َس َار بأ َْهل ه آنَ َ‬
‫وس ىاأْل َ‬
‫ض ى ُم َ‬ ‫القرآن وكالم العرب‪َ ﴿ .‬فلَ َّما قَ َ‬
‫ت نَ ًارا لَّ َعلِّي آتِي ُكم ِّمْن َها‬ ‫أِل ِ ِ‬ ‫َج انِ ِ‬
‫ب الطُّو ِر نَ ًارا قَ َال َْهل ه ْام ُكثُ وا إِيِّن آنَ ْس ُ‬
‫ٍِ‬ ‫خِب‬
‫ص طَلُو َن﴾‪ .106‬وهك ذا يف س ورة طه‬ ‫َرَبٍ أ َْو َج ْذ َوة م َن النَّا ِر لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْ‬

‫سورة املائدة ‪80 :5‬‬ ‫‪103‬‬

‫سورة النساء ‪108 :4‬‬ ‫‪104‬‬

‫سورة الفتح ‪29 :48‬‬ ‫‪105‬‬

‫سورة القصص ‪29 :28‬‬ ‫‪106‬‬

‫‪43‬‬
‫ت‬ ‫ت ه ل أَدلُّ ُكم علَى أَه ِل بي ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َو َحَّر ْمنَا َعلَْي ه الْ َمَراض َع من َقْب ُل َف َق الَ ْ َ ْ ُ ْ َ ْ َْ‬
‫اص ُحو َن‪َ ،‬فَر َد ْدنَاهُ إِىَل أ ُِّم ِه َك ْي َت َق َّر َعْيُن َها﴾‪.107‬‬
‫ي ْك ُفلُونَه لَ ُكم وهم لَه نَ ِ‬
‫ُ ْ َُْ ُ‬ ‫َ‬
‫"فق الت أخته لبنت فرع ون هل أذهب وأدعو لك مرض عة من نس اء‬
‫العربان يني لرتضع الوليد ل ك‪ ،‬وق الت بنت فرع ون هلا‪ :‬اذه يب‪ ،‬وذهبت‬
‫اجلارية ودعت أم الولي د‪ ،‬وق الت بنت فرع ون هلا خ ذي ه ذا الوليد‬
‫وأرضعيه يل أعطك أجرك وأخذت املرأة الوليد وأرضعته"‪.108‬‬
‫ت اللّ ِه َو َبَر َكاتُ هُ َعلَْي ُك ْم أ َْه َل‬ ‫ِ‬ ‫﴿قَ الُواْ أََتعجبِ ِ‬
‫ني م ْن أ َْم ِر اللّ ه َرمْح َ ُ‬
‫َْ َ‬
‫ت‪ ،‬إِنَّهُ مَحِ ي ٌد جَّمِي ٌد﴾‪ .109‬ف رتى يف ه ذه األمثلة أن املراد من كلمة‬ ‫الْبي ِ‬
‫َْ‬
‫أهل البيت امرأة واحدة‪ ،‬ولكن استعمل هلا صيغة اجلمع املذكر‪ .‬ومع‬
‫ذلك ت رى أن ض مري اجلمع املذكر اس تعمل للم رأة الواح دة يف ﴿هل‬
‫أدلكم﴾‪﴿ ،‬يكفلون لكم﴾ فإذا علمت أن هذا استعمال عام يف كالم‬
‫الع رب ت بني لك معىن ه ذا اللفظ يف الق رآن حيث اس تعمل يف ذكر‬
‫أزواج النيب عليهم الصلوات‪.‬‬
‫‪‬‬
‫[اإليم ان] هو من األمن فاإلميان هو االعتم اد ومن ههنا آمن‬
‫به ص دقه وأيقن ب ه‪( .‬الف رق بني اإلميان واإليق ان أن اإلميان تص ديق‬
‫وتس ليم‪ ،‬وض ده التك ذيب واجلح ود والكف ر‪ .‬واإليق ان ض ده الظن‬

‫سورة القصص ‪13-12 :28‬‬ ‫‪107‬‬

‫خروج ‪9-7 :2‬‬ ‫‪108‬‬

‫سورة هود ‪73 :11‬‬ ‫‪109‬‬

‫‪44‬‬
‫والشك‪ ،‬فليس كل من أيقن صدق بل إمنا يكذب املرء عتوا ومكابرة‪،‬‬
‫وقد أيقن بالش يء كما حكى اهلل تع اىل عن فرع ون وقوم ه‪َ ﴿ :‬فلَ َّما‬
‫هِب‬ ‫ِ‬ ‫ج اء ْتهم آيا ُتنَا مب ِ‬
‫اس َتْي َقنَْت َها‬ ‫ص َر ًة قَ الُوا َه َذا س ْحٌر ُّمبِ ٌ‬
‫ني‪َ .‬و َج َح ُدوا َا َو ْ‬ ‫َ ُ ْ َ ُْ‬
‫‪110‬‬
‫أَن ُف ُس ُه ْم ظُْل ًما َوعُلُ ًّوا﴾ ‪ .‬وك ذلك ليس كل من آمن فقد أيقن‪،‬‬
‫فرمبا ي ؤمن الرجل بغلبة الظن مث يوفقه اهلل فيخ رج عن الظن‪ ،‬ولكن ال‬
‫يكمل اإلميان إال باإليق ان فاإلميان ج زءان علم وتس ليم وبكماهلما‬
‫يكمل) وآمن له؛ أذعن لقوله‪ ،‬آمنه؛ أعطاه األمن‪ ،‬فهذا هو األصل لغة‬
‫وهو ق دمي يف العربانية (אמו)‪’ ،‬أمن‘ معن اه الص دق واالعتم اد‪،‬‬
‫واملعت دي منه إميان وتص ديق‪ ،‬ومنه (אמו) ’آمني‘ كلمة تص ديق‪ .‬مث‬
‫علمنا القرآن فروع هذا األصل‪ :‬فمنها أن املؤمن ال بد أن يتوكل على‬
‫اهلل كما قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ز َاد ْت ُه ْم إِميَانًا َو َعلَى َرهِّبِ ْم َيَت َو َّكلُو َن﴾‪ .111‬ومنها‬
‫أن اإلميان لكونه جزم اً واعتق ًادا ال بد أن يس وق إىل العمل كما ق ال‬
‫اه ْم‬ ‫مِم‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫الص ال َة َو َّا َر َز ْقنَ ُ‬
‫يم و َن َّ‬ ‫ين يُ ْؤمنُ و َن ب الْغَْيب َويُق ُ‬ ‫تع اىل‪﴿ :‬الذ َ‬
‫يُ ِنف ُقو َن﴾‪.112‬‬
‫‪‬‬
‫[ال بر] أص له إيف اء احلق فتف رع منه ما يك ون إيف اء للحق وق‬
‫األصلية من الطاعة للرب واألبوين‪ ،‬واملواساة بالناس‪ .‬ومن هذه اجلهة‬

‫سورة النمل ‪14-13 :27‬‬ ‫‪110‬‬

‫سورة األنفال ‪2 :8‬‬ ‫‪111‬‬

‫سورة البقرة ‪3 :2‬‬ ‫‪112‬‬

‫‪45‬‬
‫صار مبعىن اإلحسان‪ ،‬واشتمل اخلريات‪ .‬وصار وصفا للرب تعاىل كما‬
‫يم﴾‪ .113‬مث هو إيفاء للحقوق الناشئة‬ ‫قال تعاىل‪﴿ :‬إِنَّه هِبِم ر ُؤ ٌ ِ‬
‫وف َّرح ٌ‬ ‫ُ َْ‬
‫باالختي ار من العه ود واإلميان ومنه بر ب اليمني‪ ،‬ومن ه ذه اجلهة ص ار‬
‫وبرة علم‬
‫مضاهيا للعدل‪ ،‬فالرب خالف اإلمث والعقوق والغدر والظلم‪ّ .‬‬
‫له‪ ،‬والرب والب ار وصف منه‪ .‬هو بر بوالد ميطع له‪ ،‬وبر بالقسم أوفاه‪.‬‬
‫قال زهري‪:‬‬
‫من ي وف ال ي ذمم ومن يهد قلبه‬
‫إلـى مطمئن البـر ال يتجمجم‬

‫وقال نابغة بن ذبيان‪:‬‬


‫منا خـــطيَّنا بيننا‬ ‫إنا اقتس‬
‫ار‬ ‫رة واحتملت فج‬ ‫فحملت ب‬

‫وقال أيضا يف قصة غدر امرئ حبية لدغت ابنه‪:‬‬


‫ربة فاسه‬ ‫فلما وقاها اهلل ض‬
‫اظره‬ ‫وللرب عني ال تغمض ن‬

‫أي للع دل عني‪ .‬وج اء يف الق رآن يف وصف حيي‪َ ﴿ :‬و َك ا َن تَِقيًّا‬
‫وب ًّرا بِوالِ َدي ِه ومَل ي ُكن جبَّارا ع ِ‬
‫ص يًّا﴾ ‪ .‬وقال تعاىل‪﴿ :‬لَن َتنَ الُواْ الْرِب َّ‬
‫‪114‬‬
‫ََ َ ْ َ ْ َ َ ً َ‬

‫سورة التوبة ‪117 :9‬‬ ‫‪113‬‬

‫سورة مرمي ‪14-13 :19‬‬ ‫‪114‬‬

‫‪46‬‬
‫وأيض ا يف وصف ال رب تع اىل‪﴿ :‬إِنَّهُ ُه َو‬ ‫‪115‬‬ ‫ِ مِم ِ‬
‫َحىَّت تُنف ُق واْ َّا حُت بُّو َن﴾ ‪ً .‬‬
‫يم﴾‪ .116‬وق ال تع اىل‪َ ﴿ :‬وَت َع َاونُواْ َعلَى الْ ِّرب َو َّ‬
‫الت ْق َوى َوالَ‬ ‫ِ‬
‫الَْب ُّر ال َّرح ُ‬
‫َت َع َاونُواْ َعلَى ا ِإلمْثِ َوالْعُ ْد َو ِان﴾‪ .117‬وقال األعشى‪:‬‬
‫ده الرب والتقى وأس ــى‬ ‫عن‬
‫ال‬ ‫الت الثق‬ ‫الشق ومحل للمض‬

‫فظهر مما مر أن للرب وجهني عاما يش تمل مجيع اخلريات وخاصا‬


‫وهو اإليفاء باحلقوق والواجبات‪.‬‬
‫‪‬‬
‫[التك ذيب] ك ذب بالش يء ضد ص ّدق ب ه‪ .‬وقد ج اء يف‬
‫ب بِال دِّي ِن﴾‪ 118‬و﴿ َكاَّل بَ ْل‬ ‫الق رآن كث ريا مثالً‪﴿ :‬أَرأَي ِ‬
‫ت الَّذي يُ َك ِّذ ُ‬
‫ََْ‬
‫ِ ِ ‪120‬‬ ‫ِ‬
‫تُ َك ِّذبُو َن بِال دِّي ِن﴾‪ 119‬و﴿ َك َّذبُوا بِل َق اء اآْل خ َرة﴾ ‪ .‬وأما ك ّذبه به‬
‫فج اء أيضا ق ال تع اىل‪َ ﴿ :‬ف َق ْد َك َّذبُو ُكم مِب َا َت ُقولُ ون﴾‪ .121‬أي فيما‬
‫تقولون‪ .‬ويكون التكذيب مبعىن إلقاء األماين والظنون‪ ،‬كما قال افنون‬

‫سورة آل عمران ‪92 :3‬‬ ‫‪115‬‬

‫سورة الطور ‪28 :52‬‬ ‫‪116‬‬

‫سورة املائدة ‪5:2‬‬ ‫‪117‬‬

‫سورة املاعون ‪1 :107‬‬ ‫‪118‬‬

‫سورة اإلنفطار ‪82:9‬‬ ‫‪119‬‬

‫سورة املؤمنون ‪33 :32‬‬ ‫‪120‬‬

‫سورة الفرقان ‪19 :25‬‬ ‫‪121‬‬

‫‪47‬‬
‫وهو جاهلي‪:‬‬
‫ذب املرء نفسه‬ ‫وال خري فيما ك‬
‫يء يا ليت ذاليـا‬ ‫وتقواله للش‬

‫أي ال خري فيما حيدث املرء نفسه من األم اين واآلم ال الكاذب ة‪.‬‬
‫وقال عبيد بن األبرص‪:‬‬
‫ذيب‬ ‫اش يف تك‬ ‫واملرء ما ع‬
‫اة له تعذيـب‬ ‫ول احلي‬ ‫ط‬

‫أي ما ع اش يف حمض األم اين غري ف ائز مبا يتمن اه فط ول احلي اة‬
‫عذاب عليه‪ .‬وأما أن يكون التكذيب مبعىن احلمل على التكذيب كما‬
‫ذهب إليه الزخمش ري‪ ،‬فلم أجد هلذا املعىن ش اهدا يف الق رآن وال يف‬
‫كالم العرب‪.‬‬
‫‪‬‬
‫[تن ازع] قد تب دل معن اه ويف الص حيح التن ازع‪ :‬هو الت داول‬
‫واجلذب عموما‪ ،‬ويستعمل للكاس واحلديث‪ .‬يف القرآن‪﴿ :‬يََتنَ َازعُو َن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم﴾‪ .122‬أيضا ﴿ َفَتنَ َازعُوا أ َْم َر ُهم َبْيَن ُه ْم‬ ‫ف َيها َكأْ ًس ا اَّل لَ ْغ ٌو ف َيها َواَل تَ أْث ٌ‬
‫َن َو ْع َد‬ ‫ك أ َْعَث ْرنَا َعلَْي ِه ْم لَِي ْعلَ ُم وا أ َّ‬ ‫ِ‬ ‫‪123‬‬
‫َّج َوى﴾ ‪ .‬أيضا ﴿ َو َك َذل َ‬ ‫َس ُّروا الن ْ‬
‫َوأ َ‬
‫ب فِ َيها إِ ْذ َيَتنَ َازعُو َن َبْيَن ُه ْم أ َْم َر ُه ْم َف َق الُوا‬ ‫اعةَ اَل َريْ َ‬‫الس َ‬
‫َن َّ‬ ‫اللَّ ِه َح ٌّق َوأ َّ‬

‫سورة الطور ‪23 :52‬‬ ‫‪122‬‬

‫سورة طه ‪62 :20‬‬ ‫‪123‬‬

‫‪48‬‬
‫ين َغلَبُ وا َعلَى أ َْم ِر ِه ْم‬ ‫َّ ِ‬ ‫هِبِ‬ ‫ِ‬
‫ْابنُ وا َعلَْيهم بُْنيَانًا َّربُّ ُه ْم أ َْعلَ ُم ْم‪ ،‬قَ َال الذ َ‬
‫َّخ َذ َّن َعلَْي ِهم َّم ْس ِج ًدا﴾‪.124‬‬ ‫لَنَت ِ‬

‫‪‬‬
‫[التّين] املراد به موضع خ اص عرفته العرب هبذا االسم لكونه‬
‫نبت ال تني‪ .‬والع رب يس مون املوضع باسم ما ينبت فيه كالغضى‬
‫والشجرة والنخلة‪ ،‬وليس ذلك خروجا عن أصل معىن الكلمة وإمنا هو‬
‫اس تعماهلا يف بعض وجوهها بطريق تس مية الظ رف ب املظروف‪ .‬ق ال‬
‫النابغة الذبياين من بين غطفان‪:‬‬
‫وهبت الريـح تلقــاء ذي أرل‬
‫ت زجي مع الليل يف ص رادها صرمـا‬
‫ص هب الظالل أتني ال تني عن ع رض‬
‫اؤه شبمــا‬ ‫زجني غيما قليال م‬ ‫ي‬

‫أراد ب التني جبال يف الش مال‪ .‬ق ال األول ون هو بني حل وان‬


‫ومهدان‪ .‬وأما خالفهم من أيب حنيفة ال دينوري مس تدال ب أن ذلك‬
‫املوضع بعيد من بالد غطف ان فال يلتفت إلي ه‪ ،‬ف إن الش عراء رمبا‬
‫يذكرون ما بعد عن بالدهم جدا‪ ،‬وهذا النابغة نفسه ذكر كابل وسد‬
‫ي أجوج وت دمر‪ ،‬فهل ه ذه يف بالد غطف ان؟ وجبل ال تني على ق ول‬
‫األولني ليس هبذا البعد فإمنا هو على جانب من العراق‪ .‬وهم يذكرون‬
‫الفرات ودجلة وخابور وخورنق والسدير‪ .‬ولعل أبا حنيفة أخطأ معىن‬
‫سورة الكهف ‪21 :18‬‬ ‫‪124‬‬

‫‪49‬‬
‫قوله ’أتني ال تني‘ وظن أن النابغة أراد به اإليت ان إىل بالده‪ ،‬وإمنا هو‬
‫أراد املرور فإنه يصف ال ريح الب اردة الش مالية اليت ت زجي الس حب‬
‫الص هب القليلة املاء اليت م رت جبانب جبل ال تني ف ازدادت به ب رودة‪.‬‬
‫والعرب تذكر كثريا هبوب الريح الباردة من جانب الشمال وهكذا‬
‫يذكرون اجلودي بالربودة‪ .‬قال أبو صعرتة البوالين وهو جاهلي‪:‬‬
‫فما نطفة من حب م زن تق اذفت‬
‫بــه جنبا اجلودي والليل داس‬
‫اب تنفست‬ ‫فلمــا أقرته اللص‬
‫ارس‬ ‫شـمال ال على مائه فهو ق‬

‫فال شك أن النابغة أراد بالتني جبال يف الشمال ولعله هو اجلودي‬


‫أو ق ريب من ه‪ .‬وكما أخطأ ال دينوري يف بيت النابغ ة‪ .‬فك ذلك أخطأ‬
‫ص احب معجم البل دان يف بيت أيب ص قرة فق ال‪ :‬إنه أراد ب اجلودي‬
‫موض عا يف اليمن‪ ،‬فظن أن الش اعر ال ي ذكر إال بالده وقد مر آنفا أن‬
‫ل‪ .‬ومل يثبت أحد أن اجلودي جبل يف اليمن‪ ،‬وإمنا‬ ‫ذلك ظن باط‬
‫اجلودي هو الذي ذكرنا‪.‬‬
‫‪‬‬
‫[الجنة] إمنا مسيت جنة ملا تسرت األرض‪ ،‬من جن الشيء وجن‬
‫عليه وأجنه س رته‪ ،‬ق ال تع اىل‪َ ﴿ :‬فلَ َّما َج َّن َعلَْي ِه اللَّْي ُل﴾‪ .125‬ق ال ام رؤ‬
‫القيس‪:‬‬
‫سورة األنعام ‪76 :6‬‬ ‫‪125‬‬

‫‪50‬‬
‫مس عين غيارها‬ ‫فلما أجن الش‬

‫ومنه اجملن لل رتس‪ ،‬واجلنة ملا تسرت به من الس الح‪ ،‬واجلن واجلين‬
‫ألهنا ال ت رى‪ ،‬واجلنني للولد ما دام يف البطن‪ ،‬والع رب ك انت تس مى‬
‫النخيل جنة‪ ،‬قال زهري بن سلمى‪:‬‬
‫ريب مقتلـة‬ ‫كــان عيين يف ع‬
‫حقا‬ ‫قى جنة س‬ ‫من النواضح تس‬

‫‪126‬‬
‫أي خنيال طويال‪ ،‬ولذلك جاء يف اآليات ﴿ِمن حَتْتِ َها األَْن َه ُار﴾‬
‫قال عبيد بن األبرص‪:‬‬
‫دول ظالل نـــخل‬ ‫أو ج‬
‫اء من حتته سكـــوب‬ ‫للم‬

‫‪‬‬
‫[الحبُك] احلَبك هو العقد كما قال أبو داؤد‪:‬‬
‫ُ‬
‫ون من الفهدتيـن‬ ‫ان الغض‬ ‫ك‬
‫زور َحْبك العقد‬ ‫رف ال‬ ‫إىل ط‬

‫ومنه اإلدم اج واإلحك ام يف النس ج‪ ،‬ومنه احلب اك‪ ،‬ومجعه احلُبُك‬


‫للطرائق‪ ،‬واألسرة اليت توجد يف الثوب احملكم النسج وغريه‪ .‬قال زهري‬
‫بن أيب سلمى يصف ماء مرت عليه الريح فأنشأت فيه غضونا‪:‬‬
‫سورة البقرة ‪25 :2‬‬ ‫‪126‬‬

‫‪51‬‬
‫ول النبت تنسجـه‬ ‫مكلل بأص‬
‫احي مائه ُحبُك‬ ‫ريح خريق لض‬

‫وقال أبو صخر‪:‬‬


‫رتجز اآلذى جـون‬ ‫وما م‬
‫ال‬ ‫له ُحبُك لطيم على اجلب‬

‫ك﴾‪" .127‬احلُبُك‬ ‫الس ماء َذ ِ‬


‫ات احْل ب ِ‬
‫ُُ‬ ‫ق ال الف راء يف قوله تع اىل‪َ ﴿ :‬و َّ َ‬
‫تكسر كل شيء كالرملة إذا مرت عليها الريح الساكنة‪ ،‬واملاء الق ائم‬
‫إذا م رت به ال ريح"‪ .‬ويف احلديث ال دجال‪" :‬أن ش عره ُحبُك ُحبُ ك"‬
‫والس حاب يوصف بذلك ف إن احلُبُك فيه جتعد قطعاته مثل املوج املزيد‬
‫املرتاكم أو كسبائب القطن‪ .‬قال امرؤ القيس يصف القصور الشاخمات‬
‫املكللة بالسحب‪:‬‬
‫ول رباعها‬ ‫تالعب أوالد الوع‬
‫ماء يف رؤوس اجملادل‬ ‫دوين الس‬
‫مكللة محراء ذات أســـرة‬
‫هلا ُحبُك كأهنا من وصــائل‬

‫وه ذا وصف س حاب الش تاء من جهة لونه وقطعات ه‪ .‬ق الت‬
‫اخلنساء تصف السحاب الشتوى‪:‬‬
‫اح بالئل‬ ‫حني الري‬
‫سورة الذاريات ‪7 :51‬‬ ‫‪127‬‬

‫‪52‬‬
‫وارد‬ ‫نكب هوائبها ص‬
‫ماء‬ ‫ينفني عن ليط الس‬
‫جامـد‬ ‫واملاء‬ ‫ظالئال‬
‫الريـا‬ ‫تطردها‬ ‫مزقا‬
‫رق طرائـد‬ ‫ح كأهنا خ‬

‫‪‬‬
‫[ح ْرد] التكرب واإلعج اب ب القوة‪ .‬ق ال قبيصة بن النص راين‬
‫َ‬
‫اجلرمي‪:‬‬
‫اد اخليل ج اءت ت ردى‬ ‫إذا جي‬
‫وءة من غضب وحــرد‬ ‫ممل‬

‫وقال جابر بن راالن السنبسي‪:‬‬


‫قد يعلم الق وم إنا ي وم جندتـهم‬
‫الكمى احلارد االسال‬ ‫ال نتقي ب‬
‫ره رجل‬ ‫رى رجال يف أث‬ ‫لكن ت‬
‫قد غ ادرا رجال بالق اع منج دال‬

‫(فيه شاهد آخر وهو "قد يعلم" أي قد علموا وهم يعلمون)‬


‫‪‬‬
‫[الح ق] ما هو الواقع ص دقا وال واجب ُخلقا وال بني ظه ورا‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫فالقيامة ح ق‪ ،‬واهلل حق ب املعىن األول والث الث‪ ،‬والع دل حق ب املعىن‬
‫الث اين واحلكمة ب املعىن الث الث‪ ،‬والش واهد على املعىن األول والث اين‬
‫ت بِ احْلَ ِّق‬ ‫ِ‬
‫كث رية‪ ،‬وأما املعىن الث الث فقوله تع اىل‪﴿ :‬قَ الُواْ اآل َن جْئ َ‬
‫وها﴾‪.128‬‬‫فَ َذحَبُ َ‬
‫‪‬‬
‫[الحكم والحكم ة] احلكم للقض اء املطلق حقا أو ب اطال‪.‬‬
‫اهلِيَّ ِة‬
‫ق ال تع اىل‪﴿ :‬ما لَ ُكم َكي ف حَت ُكم و َن﴾‪ .129‬أيضا ﴿أَفَحكْم اجْل ِ‬
‫ُ َ َ‬ ‫َ ْ ْ َ ْ ُ‬
‫َيْبغُو َن﴾‪.130‬‬
‫ويطلق على الق وة اليت هي منش اء القض اء وحينئذ ي راد به الفهم‬
‫وسيأتيك شواهد‪ .‬وأما احلكمة فهي اسم للقوة اليت منها ينشأ القضاء‬
‫ص َل‬ ‫ِ‬
‫ْم ةَ َوفَ ْ‬
‫ب احلق‪ .‬ق ال تع اىل يف نعت داؤد‪َ ﴿ :‬وآ َتْينَ اهُ احْل ك َ‬
‫اب﴾‪ .131‬ف ذكر األثر بعد الق وة اليت هي مص در ذلك األث ر‪.‬‬ ‫اخْلِطَ ِ‬
‫أن القول الفصل من آثار احلكمة فكذلك طهارة اخللق وحسن‬ ‫وكما َّ‬
‫األدب من آثارها‪ .‬ولذلك ك انت العرب تطلق اسم احلكمة على قوة‬
‫جامعة لرزانة العقل والرأي وشرافة اخللق الناشئة منها‪ ،‬فسموا الرجل‬
‫العاقل امله ذب حكيم ا‪ .‬وك ذلك يطلق ون اسم احلكمة على فصل‬

‫سورة البقرة ‪71 :2‬‬ ‫‪128‬‬

‫سورة الصافات ‪154 :37‬‬ ‫‪129‬‬

‫سورة املائدة ‪50 :5‬‬ ‫‪130‬‬

‫سورة ص ‪20 :38‬‬ ‫‪131‬‬

‫‪54‬‬
‫اخلط اب وهو الق ول احلق‪ 132‬الواضح عند العقل والقلب‪ .‬وكل ه ذه‬
‫الوج وه من مع اين احلكم ة‪ ،‬ج اء يف كالم الع رب فاس تعملها الق رآن‬
‫والنيب مبا عرفوه‪ ،‬قال النيب‪" :‬إن من الشعر حلكمة" أي ليس كل شعر‬
‫غواي ة‪ ،‬بل منه ما يتض من على احلق واحلث على اخلري‪ .‬ه ذا مث‬
‫اس تعملها اهلل تع اىل يف أكمل أفرادها فس مى ال وحي حكمة كما مساه‬
‫ن ورا وبرهانا وذك را ورمحة‪ ،‬ومن ه ذه اجلهة مسي الق رآن حكيم ا‪ ،‬أي‬
‫ذا حكم ة‪ ،‬كما مسى نفسه حكيما وعليم ا‪ ،‬فه ذه وج وه‪ .‬ف إذا مسي‬

‫ْم ِة َوالْ َم ْو ِعظَ ِة‬ ‫‪ 132‬واآلن انظر يف نظم قول تعاىل‪ْ ﴿ :‬ادع إِىِل س بِ ِيل ربِّ َ ِ ِ‬
‫ك باحْل ك َ‬ ‫ُ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َح َس ُن﴾ (احلجر‪ )125 :15‬فاعلم أن املخاطب‬ ‫احْلَ َس نَة َو َج ادهْلُم بِالَّيِت ه َي أ ْ‬
‫على ثالث مدارج خايل الذهن معرتف ومنكر‪ ،‬وبعبارة أخرى إما ختاطب‬
‫أوال أو بعد اع رتاف أو بعد إنك ار‪ ،‬ف أوال ختاطبه مبا يتقبل عقله من احلق‬
‫الواضح واخلري املعروف‪ ،‬فهذا هو الدعوة باحلكمة‪ .‬فإذا رأيت أنه مقر حبسن‬
‫ما ت دعوا إلي ه‪ ،‬ولكنه ال يوافق عمله بعلمه فتحثه على العمل باملوعظة‬
‫احلس نة‪ .‬وإذا رأيت أنه خياف دعوتك فتجادله ب الطريق اليت هي أحسن‬
‫فاألول القاء العلم وهذا يكفي للسابقني‪ .‬والثاين جذب إىل العمل وهذا ينفع‬
‫ني﴾ (الذاريات‬ ‫ِِ‬ ‫الصاحلني الذين جاء فيهم ﴿وذَ ِّك ْر فَِإ َّن ِّ‬
‫الذ ْكَرى تَن َف ُع الْ ُم ْؤمن َ‬ ‫َ‬
‫‪ )55 :51‬والث الث إزاله العوائق وهبذا ه دى خلق ومتت احلجة على‬
‫اآلخ رين‪ ،‬كما ج اء يف قوله تع اىل‪َ ﴿ :‬ولََق ْد َب َع ْثنَا يِف ُك ِّل أ َُّم ٍة َّر ُس والً أ َِن‬
‫َّت َعلَْي ِه‬ ‫ِ‬
‫وت فَ ِمْن ُهم َّم ْن َه َدى اللّ هُ َومْن ُهم َّم ْن َحق ْ‬
‫ْاعب ُدواْ اللّ ه و ِ‬
‫اجتَنبُ واْ الطَّاغُ َ‬‫ََ ْ‬ ‫ُ‬
‫الض اللَةُ﴾‪( .‬النحل‪ )36 :16‬وبعب ارة أخ رى ال دعوة باحلكمة عامة للن اس‪،‬‬ ‫َّ‬
‫مث هم يفرتقون فمنهم من يستمع ومييل‪ ،‬ومنهم من جيادل‪ ،‬فلألول املوعظة‪،‬‬
‫وللثاين حسن اجملادلة‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫معا ف ذلك من جه تني‪ :‬مسي كتابا من كونه‬ ‫الق رآن كتابا وحكمة ً‬
‫مشتمال على األحكام املكتوبة‪ ،‬وحكمة من جهة اشتماله على حكمة‬
‫الشرائع من العقائد الصحيحة واألخالق الفاضلة‪ .‬واستدللنا على هذا‬
‫معا ومما علمنا من استعمال الكتاب‬ ‫الفرق من تتبع استعمال الكلمتني ً‬
‫لألحك ام واحلكمة ألص وهلا‪ .‬وتس امح بعض أهل العلم يف ه ذا املق ام‪،‬‬
‫وتبعهم اإلمام الشافعي رمحه اهلل‪ ،‬وتبعه أكثر احملدثني فظنوا أن احلكمة‬
‫أريد هبا احلديث‪ ،‬ف إن الكت اب كت اب اهلل فال بد أن ي راد باحلكمة‬
‫غريه‪ .‬ومثار اخلطاء أهنم أخطأوا معىن الكتاب حيث جاء مع احلكمة‪.‬‬
‫ْم ةَ‬ ‫ِ‬ ‫وال دليل على ما قلنا آي ات‪﴿ :‬وأَن ز َل اللّ ه علَي َ ِ‬
‫اب َواحْل ك َ‬‫ك الْكتَ َ‬ ‫ُ َْ‬ ‫َ َ‬
‫ك َما مَلْ تَ ُك ْن َت ْعلَ ُم﴾‪ 133‬وهك ذا قوله تع اىل‪َ ﴿ :‬واذْ ُك ْر َن َما يُْتلَى‬‫َو َعلَّ َم َ‬
‫ْم ِة﴾‪ .134‬وكلمة "يتلى" و"أن زل" مل‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يِف بُيُ وت ُك َّن م ْن آيَ ات اللَّه َواحْل ك َ‬
‫يس تعملها الق رآن للح ديث‪ .‬نعم أن احلديث رمبا يتض من احلكمة وال‬
‫شك أن احلديث رمبا يبني ما يف القرآن من احلكمة‪ .‬ولعل مراد الذين‬
‫تبعهم اإلم ام رمحه اهلل ك ان ه ذا ولكن احلديث يش تمل على األحك ام‬
‫كما أنه يش تمل على احلكمة فال وجه ختصيصه باسم احلكم ة‪ .‬وج اء‬
‫أوضح من ذلك حيث ق ال تع اىل بعد ذكر ما قضى من أص ول ال دين‬
‫ْم ِة﴾‪ .135‬وق ال تع اىل يف ص فة‬ ‫ك ربُّ َ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َذلِ مِم‬
‫ك م َن احْل ك َ‬ ‫ك َّا أ َْو َحى إلَْي َ َ‬ ‫َ‬

‫سورة النساء ‪113 :4‬‬ ‫‪133‬‬

‫سورة األحزاب ‪34 :33‬‬ ‫‪134‬‬

‫سورة اإلسراء ‪39 :17‬‬ ‫‪135‬‬

‫‪56‬‬
‫ْم ةَ َوالت َّْو َرا َة َوا ِإل ِجني َل﴾‪.136‬‬ ‫ِ‬
‫اب َواحْل ك َ‬
‫عيس ى‪﴿ :‬وإِ ْذ علَّمتُ َ ِ‬
‫ك الْكتَ َ‬ ‫َ َْ‬
‫فسمي التوراة كتابا ألن معظمها األحكام واإلجنيل حكمة ملا كثر فيه‬
‫ور‬ ‫الدالئل واملواعظ‪ ،‬كما قال تعاىل‪﴿ :‬وآ َتينَ اه ا ِإل ِجن ِ ِ‬
‫يل فيه ُه ًدى َونُ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ص ِّدقًا لِّ َما َبنْي َ يَ َديْه م َن الت َّْو َراة َو ُه ًدى َو َم ْوعظَةً لِّْل ُمتَّق َ‬
‫‪137‬‬
‫ني﴾ ‪ .‬فكان‬ ‫َو ُم َ‬
‫اإلجنيل مش تمال على ه دى ون ور وه دى وموعظ ة‪ ،‬وعلى قليل من‬
‫األحك ام وتص ديق الت وارة‪ .‬ولغلبة األمر األول مسي حكمة ويؤيد ه ذا‬
‫ات قَ َال قَ ْد ِجْئتُ ُكم‬ ‫التأويل قوله تع اىل‪﴿ :‬ولَ َّما ج اء ِعيس ى بِالْبِّينَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ ِ ‪138‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بِاحْلِك ِ‬
‫ض الَّذي خَت ْتَل ُف و َن فيه﴾ ‪ ،‬فاتضح أن تأويل‬ ‫ْمة‪َ ،‬وأِل َُبنِّي َ لَ ُكم َب ْع َ‬
‫َ‬
‫احلكمة إىل األحاديث غري صحيح‪ ،‬وأن اسم الكتاب إذا قرن باحلكمة‬
‫فاملراد منه األحكام‪ ،‬فال تنس هذا الفرق‪.‬‬
‫رجعنا إىل بي ان معىن احلكم‪ ،‬ف اعلم أنه أيضا مثل احلكمة يطلق‬
‫على القول املشتمل على القضاء احلق الواضح الذي قضى بالعلم وهذا‬
‫ك‬ ‫ِ‬
‫من اس تعمال الكلمة العامة يف أحسن أفراده ا‪ ،‬ق ال تع اىل‪َ ﴿ :‬و َك َذل َ‬
‫اءك ِم َن الْعِْل ِم َما‬‫اءهم َب ْع َد َما َج َ‬ ‫ت أ َْه َو ُ‬
‫ِ‬
‫ْما َعَربِيًّا‪َ ،‬ولَئ ِن اتََّب ْع َ‬
‫َنزلْنَ اهُ ُحك ً‬
‫أَ‬
‫ك ِم َن اللّ ِه ِمن َويِل ٍّ َوالَ َو ٍاق﴾‪ .139‬وهك ذا اس تعمال احلكم يف معىن‬ ‫لَ َ‬
‫اب‬ ‫ِ ِ‬
‫الق وة‪ ،‬إذا أريد به الفهم الص ائب‪ ،‬ق ال تع اىل‪﴿ :‬يَا حَيْىَي ُخ ذ الْكتَ َ‬
‫ص بِيًّا‪َ ،‬و َحنَانًا ِّمن لَّ ُدنَّا َو َز َك ا ًة َو َك ا َن تَِقيًّا‪َ ،‬و َب ًّرا‬ ‫ْم َ‬
‫ِ ٍ‬
‫ب ُق َّوة َوآ َتْينَ اهُ احْلُك َ‬

‫سورة املائدة ‪110 :5‬‬ ‫‪136‬‬

‫سورة املائدة ‪46 :5‬‬ ‫‪137‬‬

‫سورة الزخرف ‪63 :43‬‬ ‫‪138‬‬

‫سورة الرعد ‪37 :13‬‬ ‫‪139‬‬

‫‪57‬‬
‫ص يًّا﴾‪ .140‬أي آتين اه ص فات ثالث ا‪ :‬الفهم‬ ‫بِوالِ َدي ِه‪ ،‬ومَل ي ُكن جبَّارا ع ِ‬
‫َ ْ َ َْ َ ً َ‬
‫واحملبة وطهارة األخالق‪ .‬فاتصف حسب ذلك فصار تقيا‪ ،‬فاجتنب ما‬
‫يضر‪ ،‬وأحب والديه وحسن خلقه فلم يظلم من دونه‪ ،‬ومل يسخط من‬
‫ْما َو ِع ْل ًما َوجَنَّْينَ اهُ﴾‪ .141‬فذكر‬ ‫فوقه‪ ،‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬ولُوطًا آ َتْينَ اهُ ُحك ً‬
‫العلم بعد احلكم ليعلم أن احلكم ههنا هو احلكم احلق‪ ،‬فإنه ال يك ون‬
‫اس َت َوى‬ ‫َش دَّهُ َو ْ‬‫إال ب العلم‪ ،‬وهك ذا قوله تع اىل يف موس ى‪َ ﴿ :‬ولَ َّما َبلَ َغ أ ُ‬
‫وأيض ا ﴿وداوود وس لَيما َن إِ ْذ حَي ُكم ِ‬
‫ان يِف‬ ‫‪142‬‬ ‫آَتينَ اه حك ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ْما َوع ْل ًما﴾ ‪َ ْ ُ َ َ ُ َ َ ً .‬‬ ‫ْ ُ ُ ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اها‬‫ين‪َ .‬ف َف َّه ْمنَ َ‬ ‫ِ‬
‫ت في ه َغنَ ُم الْ َق ْوم َو ُكنَّا ُكْمه ْم َش اهد َ‬ ‫احْلَ ْرث إِ ْذ َن َف َش ْ‬
‫ْما َو ِع ْل ًما﴾‪ .143‬وأما احلكم مبعىن األمر‬ ‫لَْي َما َن‪َ ،‬و ُكاًّل آَتْينَا ُحك ً‬ ‫ُس‬
‫ْم إِالَّ لِلّ ِه أ ََم َر أَالَّ َت ْعبُ ُدواْ إِالَّ‬ ‫ِِ‬
‫فكث ري‪ ،‬ومنه قوله تع اىل‪﴿ :‬إن احْلُك ُ‬
‫إِيَّاهُ﴾‪.144‬‬
‫‪‬‬

‫ب يِل ُحك ً‬
‫ْما‬ ‫[الحكم والحكمة والص الح] ﴿ َر ِّ‬
‫ب َه ْ‬
‫ني﴾‪ .145‬التص وير الص حيح ال بني للمف ردات من أوائل‬‫وأَحْلِْقيِن بِ َّ حِلِ‬
‫الص ا َ‬ ‫َ‬
‫التأويل وذلك يس تنبط من مواقع الكلم ات احلكم مب دء احلكمة وهو‬

‫سورة مرمي ‪14-12 :19‬‬ ‫‪140‬‬

‫سورة األنبياء ‪74 :21‬‬ ‫‪141‬‬

‫سورة القصص ‪14 :28‬‬ ‫‪142‬‬

‫سورة األنبياء ‪79-78 :21‬‬ ‫‪143‬‬

‫سورة يوسف ‪40 :12‬‬ ‫‪144‬‬

‫سورة الشعراء ‪83 :26‬‬ ‫‪145‬‬

‫‪58‬‬
‫الفهم الص حيح‪ ،‬مث القض اء واحلكم ب ه‪ ،‬ف إذا أكمل ذلك وص ار ملكة‬
‫راسخة مسي احلكمة‪ ،‬وأما الصالح فهو عبارة عن أثر احلكمة والعلم‪،‬‬
‫فيشري إىل العمل الص احل‪ ،‬كما ج اء كث ريا ال ذين آمن وا وعمل وا‬
‫الص احلات وأش باهه‪ .‬واألحسن يف ال دعاء االقتص ار والقن وع فيطلب‬
‫املب ادئ اجلوامع فمن طلب احلكم طمع إىل احلكم ة‪ ،‬واحلكمة خري‬
‫كث ري‪ .‬وكما أن احلكم هو ب دء احلكم ة‪ ،‬فك ذلك الص الح هو األصل‬
‫الكلي للكم ال‪ ،‬فطلب الص الح أيضا طم وح إىل كم ال النفس‬
‫والتق رب والرض وان‪ ،‬وهك ذا ال دعاء للهداية إىل ﴿الص راط املس تقيم‪.‬‬
‫ص راط ال ذين أنعمت عليهم﴾ فه ذه كلها طلب املب ادئ اجلوامع‬
‫ووق وف على حاش ية البس اط‪ ،‬حىت يك ون ال رب تع اىل هو احلاكم مبا‬
‫يرضى من تق ريب عبد إىل حيث يش اء‪ ،‬ففيه التف ويض وإحس ان‬
‫ك َي ْوِم الدِّي ِن﴾‪ .146‬تفويضا إىل الكرمي‬ ‫الرجاء‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪﴿ :‬مـالِ ِ‬
‫َ‬
‫ال رحيم‪ .‬وهك ذا فس ره النيب ص لى اهلل عليه وس لم‪ ،‬ومنه قوله تع اىل‬
‫اد َك‪َ ،‬وإِن‬ ‫ِ‬
‫حكاية عن قيل املسيح عليه السالم‪﴿ :‬إِن ُت َع ِّذ ْب ُه ْم فَ ِإن َُّه ْم عبَ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم﴾‪ .147‬فخلى العبد وربه وأخ رج‬ ‫َّك أ َ ِ‬
‫َنت الْ َعزي ُز احْلَك ُ‬ ‫َت ْغف ْر هَلُ ْم فَِإن َ‬
‫نفسه من البني وفيه تفويض واسرتحام‪ .‬ويف اجلزء الثاين باب آخر من‬
‫ُحسن الطلب يف ال دعاء مع التف ويض‪ .‬وذلك ب أن العزيز ال يس تطيع‬
‫أحد أن مينعه عما يشاء‪ ،‬وكذلك احلكيم ال يعجزه إجياد سبب وحيلة‬
‫ملا يري د‪ .‬فك أن فح وى الكالم؛ أن الش يطان ومك ره وكي ده بعب ادك‬

‫سورة الفاحتة ‪3 :1‬‬ ‫‪146‬‬

‫سورة املائدة ‪118 :5‬‬ ‫‪147‬‬

‫‪59‬‬
‫كيف يق اوم قوتك وحكمتك حىت يعج زك عن إنف اذ رمحت ك‪ .‬فأش ار‬
‫إىل حسن الظن بالرب تعاىل وصفة اجلمالية والتفويض إليه‪ ،‬وأشار إىل‬
‫أن الكرمي إذا قدر مسح لقول العرب "إذا ملكت فاسجح" وكذلك من‬
‫ل وازم احلكمة احللم والعف و‪ .‬مث توجه إىل غ رية ال رب لعب اده‪ ،‬وب ذلك‬
‫صرف النقمة إىل العدو فقرع باب الرمحة من وجه آخر‪.‬‬
‫‪‬‬
‫[خاتم النبيين] اعلم أن النبوة قد ختمت مبحمد (ص)‪ .‬وقال‬
‫املس يح‪" :‬ك ان الن اموس واألنبي اء إىل يوحن ا‪ ،‬ومن ذلك ال وقت يبشر‬
‫مبلك وت اهلل"‪( .‬لوقا‪ )16 :16‬فلم جييء املس يح إال للبش ارة مبلك وت‬
‫هلل الذي يأيت بعد‪ .‬وضرب له أمثاال تطابق بنبوة حممد ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫وس لم‪ -‬ول ذلك ج اء يف وصف املس يح يف الق رآن‪﴿ :‬مب ِّش را بِرس ٍ‬
‫ول‬ ‫َُ ً َ ُ‬
‫يَ أْيِت ِمن َب ْع ِدي امْسُهُ أَمْح َ ُد﴾‪ .148‬ف النبوة قد ختمت باملس يح يف بين‬
‫إس رائيل‪ ،‬ولكن بقيت لنيب إمساعيل مث ختمت مبحمد ‪-‬ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم‪ -‬لألب د‪ .‬ول ذلك ق ال النيب ‪-‬ص لى اهلل عليه وس لم‪" :‬ال يك ون‬
‫بعدي إال الرويا الصاحلة"‪.‬‬
‫‪‬‬
‫[درس] هذا اللفظ يوجد كثريا يف كالم العرب يف معىن البلى‬
‫وأما يف معىن الق راءة كما يفهم ون من اس تعمال الق رآن حيث ج اء‪:‬‬

‫سورة الصف ‪6 :61‬‬ ‫‪148‬‬

‫‪60‬‬
‫اب فِي ِه تَ ْد ُر ُس و َن﴾‪ 149‬فال يوجد مث ال‪ .‬وزعم بعض من‬ ‫ِ‬
‫﴿أ َْم لَ ُك ْم كتَ ٌ‬
‫غري املس لمني أن ه ذا اللفظ أخ ذه النيب من اليه ود‪ ،‬وزاده يف لغة‬
‫الع رب وه ذا بعي د‪ .‬ف إن النيب كيف يتكلم قوما بلغتهم مث يزيد فيه ما‬
‫ليس من ه‪ .‬والق رآن يص رح بأنه ع ريب م بني فال يك ون فيه إال ما عرفته‬
‫الع رب‪ ،‬ف اعلم أن ال درس يف معىن البلى جماز‪ ،‬وأص له احلك واملش ق‪،‬‬
‫ومنه للخط قال أبو داؤد‪:‬‬
‫افياء‬ ‫ربه الس‬ ‫وءا ض‬ ‫ون‬
‫ون حني أحمى‬ ‫درس من الن‬ ‫ك‬

‫أي كخط الن ون‪ .‬وشكل الن ون يف خط العريب الق دمي هكذا ’نــ‘‬
‫فش به أم واج الرمل هبذا الش كل‪ .‬وقد ش به عن رتة احلاجب ب النون يف‬
‫قوله‪:‬‬
‫له ح اجب ك النون ف وق جفونه‬
‫وان مفلج‬ ‫وثغر كزهر األقح‬

‫ومنه ك ثرة االش تغال ب القراءة وه ذا يتضح من اس تعمال ه ذه‬


‫الكلمة يف كلتا اللغ تني الع ريب والعرباني ة‪ .‬ومن أصل املعىن ال درس‬
‫للج رب واحلك ة‪ .‬واملدروس الف راش املوط أ‪ ،‬وال درس لألكل الش ديد‪.‬‬
‫ومنه درس الطعام‪ ،‬داس‪ .‬قال ابن ميادة‪:‬‬
‫تاق‬ ‫رتيت حنطة بالرس‬ ‫هال أش‬

‫سورة القلم ‪37 :68‬‬ ‫‪149‬‬

‫‪61‬‬
‫مسراء مما درس ابن مـخراق‬

‫ودرس الص عب حىت راض ه‪ ،‬ودرست الكت اب بك ثرة الق رأة حىت‬
‫خف حفظ ه‪ ،‬فال درس ك ثرة الق راءة‪ .‬ومعىن الكلمة يف العربانية اختص‬
‫بالقراءة وأما يف العريب بقيت الكلمة على السعة‪ ،‬وأقرب إىل األصل إذ‬
‫‪150‬‬
‫ت﴾‬ ‫ِ‬
‫جاءت لكثرة القراءة ال للقراءة‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ولَي ُقولُواْ َد َر ْس َ‬
‫أي ب الغت يف قرأتك عليهم‪ .‬وأما أهنا ال توجد يف املعىن يف أش عار‬
‫الع رب‪ ،‬ف ذلك ألن للش عر جمارى حمدودة‪ ،‬ومع اين خاص ة‪ ،‬فلما‬
‫يذكرون القرأة فضال عن إكثارها‪.‬‬
‫‪‬‬
‫[ال ذكر] كلما ي ذكرك ش يئا فهو ال ذكر فرمبا يك ون مبعىن‬
‫ض‬ ‫الزبُو ِر ِمن َب ْع ِد ِّ‬
‫الذ ْك ِر أ َّ‬
‫َن اأْل َْر َ‬ ‫التاريخ قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ولََق ْد َكتَْبنَا يِف َّ‬
‫الص احِلُو َن﴾‪ ،151‬فجاءت هذه اآلية بعد صحف التاريخ‬ ‫ي َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫يَِرثُ َها عبَ اد َ‬
‫اس أَلُْوا أ َْه َل ال ِّذ ْك ِر إِن ُكنتُ ْم الَ‬
‫من ص حف اليه ود قوله تع اىل‪﴿ :‬فَ ْ‬
‫َت ْعلَ ُم و َن﴾‪ .152‬أي ال ذين عن دهم ت اريخ األمم وهو اليه ود واملراد‬
‫كتبهم‪.‬‬

‫سورة األنعام ‪105 :6‬‬ ‫‪150‬‬

‫سورة األنبياء ‪105 :21‬‬ ‫‪151‬‬

‫سورة النحل ‪43 :16‬‬ ‫‪152‬‬

‫‪62‬‬
‫‪‬‬
‫[ال رحمن] اسم خمص وص ب الرب تع اىل‪ ،‬والع رب عرفت ه‪ ،‬ومل‬
‫يسم به غري اهلل إالّ رمحن اليمام ة‪ ،‬ولكن بغري ح رف التعريف فكلمة‬
‫ال رمحن مل يعرف وا هبا إال اهلل تع اىل فهو ق ريب من اسم ال ذات‪ .‬وزعم‬
‫أك ثر الن اس خالف ذل ك‪ ،‬فظن وا أن الع رب مل تع رف ه ذا االسم هلل‬
‫اس ُج ُدوا لِل رَّمْح َ ِن‪ ،‬قَ الُوا‬ ‫ِ‬
‫تع اىل ومتمس كهم قوله تع اىل‪َ ﴿ :‬وإِذَا قي َل هَلُ ُم ْ‬
‫ِ‬
‫ورا﴾‪ .153‬والتأويل عن دي‬ ‫َو َما ال رَّمْح َ ُن‪ ،‬أَنَ ْس ُج ُد ل َما تَأْ ُمُرنَا؟ َو َز َاد ُه ْم نُ ُف ً‬
‫غريما فهم وه‪ ،‬كما س نذكره بعد إثب ات أن الع رب ع رفت ه ذا االسم‬
‫للرب تعاىل‪ .‬قال حامت الطائي‪:‬‬
‫ون ىل أهلكت مالك فاقتصد‬ ‫يقول‬
‫وما كنت لو ال ما تقول ون سيـدا‬
‫كل وا اآلن من رزق اإلله وأيس روا‬
‫ف إن على ال رمحن رزقكم غــدا‬

‫وقد كانوا يسمون بعبد الرمحن يف أيام اجلاهلية مثل‪..........‬‬


‫والق رآن أن زل بلس ان ق وم نبينا وحينئذ كيف يس تعمل امسا ملعىن‬
‫جديد مث القرآن نقل عن املشركني تسميتهم الرب تعاىل باسم الرمحن‬
‫اهم﴾‪ .154‬وق ال‬ ‫وذلك قوله تع اىل‪َ ﴿ :‬وقَ الُوا لَ ْو َش اء ال رَّمْح َ ُن َما َعبَ ْدنَ ُ‬
‫أعشى قيس‪:‬‬

‫سورة الفرقان ‪60 :25‬‬ ‫‪153‬‬

‫سورة الزخرف ‪20 :43‬‬ ‫‪154‬‬

‫‪63‬‬
‫رمحن بيتك يف العال‬ ‫وال جعل ال‬
‫بأجي اد غ ريب الص فا واملـحرم‬

‫قال املثقب العبدي‪:‬‬


‫حلي الرمحان أقواما أضـاعوا‬
‫واع أفراسي وعيسى‬ ‫على الوع‬

‫وقال سويد بن أيب كاهل اليشكري‪:‬‬


‫لـه‬ ‫واحلمد‬ ‫الرمحان‬ ‫كتب‬
‫لع‬ ‫عة األخالق فينا والض‬ ‫س‬

‫‪‬‬
‫[الزك وة] ما ينفقونه يف س بيل اهلل وهو الص دقة مث خصت مبا‬
‫كتبه اهلل يف األم وال‪ .‬وتس مية ب الزكوة من زكا يزكو طه ر‪ ،‬كما يف‬
‫ِ‬
‫القرآن‪﴿ :‬أََقَت ْل َ‬
‫‪155‬‬
‫وأيض ا زكا‬ ‫ت نَ ْف ًسا َزكيَّةً﴾ ‪ .‬أي طاهرة عن الذنب‪ً .‬‬
‫الزرع طال ومنا‪ ،‬ووجه التسمية أهنا طهارة للنفس واملال وبركة ومناء‬
‫ص َدقَةً تُطَ ِّهُر ُه ْم‬ ‫هِلِ‬ ‫ِ‬
‫ل ه‪ ،‬فجمعت املعن يني‪ .‬ق ال تع اىل‪﴿ :‬خُ ْذ م ْن أ َْم َوا ْم َ‬
‫َوتُ َز ِّكي ِهم هِبَا﴾‪ .156‬وق ال تع اىل‪َ ﴿ :‬و َما آَتْيتُم ِّمن ِّربًا لَِّي ْربُ َو يِف أ َْم َو ِال‬
‫ك‬ ‫ند اللَّ ِه َو َما آ َتْيتُم ِّمن َز َك ٍاة تُِر ُ‬
‫يدو َن َو ْج هَ اللَّ ِه فَأ ُْولَئِ َ‬ ‫َّاس فَاَل َي ْربُو ِع َ‬
‫الن ِ‬

‫سورة الكهف ‪74 :18‬‬ ‫‪155‬‬

‫سورة التوبة ‪103 :9‬‬ ‫‪156‬‬

‫‪64‬‬
‫ضعِ ُفو َن﴾‪ .157‬فنبه على كلتا اجلهتني لتسمية الزكوة بامسها‪.‬‬
‫ُه ُم الْ ُم ْ‬
‫وهلا جه ات فمنها كوهنا ذك را للمع اد فإمنا نعطي أموالنا فردها‬
‫إىل ال رب فيزكيه أنفس نا‪ ،‬وهلذا وجب اخلض وع فيها ﴿ َو ُه ْم‬
‫َراكِعُ و َن﴾‪َّ ﴿ 158‬و ُقلُ وبُ ُه ْم َو ِجلَ ةٌ﴾‪ 159‬فص ارت كالص لوة من جهة‬
‫أخرى‪ .‬أي اخلشوع واخلوف‪.‬‬
‫‪‬‬
‫ري أن "س" يف مواقع الوعد‬ ‫وف] زعم الزخمش‬ ‫[س وس‬
‫والوعيد خترب عما هو ال بد واق ع‪ .‬وعن دي أهنا خترب عما ق رب‪ ،‬إما‬
‫وقوعا وإما إمكان ا‪ .‬وليست بالوعد املقط وع ب ه‪ ،‬ألن املل وك واألم راء‬
‫رمبا يعدون ويوعدون من غري الزام على أنفسهم لكيال ينقلب الرجاء‬
‫اس تغناء‪ ،‬والتخويف يأس ا‪ .‬ومواقع الكالم يف الق رآن ت دل على ذل ك‪.‬‬
‫وميكن تأويل ق ول الزخمش ري إىل ما قلنا مبعىن أن اهلل تع اىل كث ريا ما‬
‫أخرب عما هو ال بد واقع هبذا احلرف‪ ،‬فال يق ولن أحد أن اإلخب ار هبذا‬
‫ين‬ ‫َّ ِ‬
‫احلرف إخب ار عما هو غري مس تيقن‪ ،‬كقوله تع اىل‪َ ﴿ :‬و َس َي ْعلَ ُم الذ َ‬
‫ب يَن َقلِبُ و َن﴾‪ ،160‬وأمث ال ذل ك‪ .‬ف أراد التنبيه على دفع‬
‫َي ُمن َقلَ ٍ‬
‫ظَلَ ُم وا أ َّ‬
‫ش بهته‪ .‬واملراد مما ق دمنا التنبيه على أمر آخ ر‪ ،‬وهو أن املخرب عنه رمبا‬
‫يك ون مقطوعا به يف ذات ه‪ ،‬ولكن اخلرب يبقى حمال للرج اء واخلوف‬
‫سورة الروم ‪39 :30‬‬ ‫‪157‬‬

‫سورة املائدة ‪55 :5‬‬ ‫‪158‬‬

‫سورة املؤمنون ‪60 :23‬‬ ‫‪159‬‬

‫سورة الشعراء ‪227 :26‬‬ ‫‪160‬‬

‫‪65‬‬
‫واملشية ال من جهة ضعف يف اإلخبار بل من جهة سعة أختيار املخرب‪.‬‬
‫‪‬‬
‫[سارب] الذي يذهب حيث يشاء‪ .‬قال األخنس بن شهاب‬
‫التغليب وهو جاهلي‪:‬‬
‫أرى كل ق وم ق اربوا قيد فحلهم‬
‫ارب‬ ‫ده فهو س‬ ‫وحنن خلعنا قي‬

‫‪‬‬
‫بالس اق‪ ]161‬املعىن أال يق در املرء على‬
‫الس اق ّ‬
‫[التفت ّ‬
‫املشيء‪ ،‬ويكون هذا من شدة الضعف‪ .‬فإذا مات اإلنسان تبني أن قد‬
‫التفت ساقاه بعد أن كان جواال‪ .‬كما قال دريد بن الضمة‪:‬‬
‫إن يك عبد اهلل خلى مكانه‬ ‫ف‬
‫ائش اليد‬ ‫ان وقافا وال ط‬ ‫فما ك‬
‫كميش اإلزار خ ارج نصف س اقه‬
‫راء طالع أجند‬ ‫بور على الض‬ ‫ص‬

‫وتص وير الض عف بالتف اف الس اق أمر ظ اهر‪ ،‬وج اء يف كتب‬


‫األنبياء‪ .‬فمعىن اآلية أنه بعد ما يئس منه الطبيب وودعه القريب وخانه‬
‫أط وع أعض ائه‪ ،‬فكيف يك ون مآله وهو مس وق إىل ربه قليل األزر‬

‫سورة القيامة ‪29 :75‬‬ ‫‪161‬‬

‫‪66‬‬
‫كثري ال وزر‪ .‬وأما الس اق مبعىن ش دة األمر فق ول من ال يع رف من‬
‫اللس ان غري امسه‪ ،‬فال مييز بني داللة اجملم وع وداللة األج زاء‪ .‬الكشف‬
‫عن الس اق إمنا ي دل مبجموعة على اجلد والتش مري والكشف هو‬
‫الكشف‪ ،‬والساق هي الساق‪.‬‬
‫‪‬‬
‫[كشف عن ساقه‪ ]162‬مشر وأسرع‪ .‬قال ذو الرمة‪:‬‬
‫عدائه‬ ‫اض إىل ص‬ ‫قطعت بنه‬
‫اق مخس ذالله‬ ‫إذا مشر عن س‬

‫اق﴾ (القلم‪ )42 :68‬له ت أويالن األول ي وم‬ ‫ْش ف عن س ٍ‬


‫﴿ي ْو َم يُك َ ُ َ ْ َ‬
‫‪162‬‬
‫َ‬
‫اعا‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َج َداث س َر ً‬ ‫يسرعون إىل املوقف‪ ،‬كما قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ي ْو َم خَي ُْر ُج و َن م َن اأْل ْ‬
‫الص و ِر‬‫أيض ا ﴿ َونُِف َخ يِف ُّ‬ ‫ض و َن﴾‪( .‬املع ارج‪ً )43 :70‬‬
‫َك أَنَّهم إِىَل نُص ٍ ِ‬
‫ب يُوف ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأيض ا ﴿َي ْو َم‬‫َج َداث إِىَل َرهِّب ْم يَنس لُو َن﴾‪( .‬يس‪ً )51 :36‬‬ ‫فَ ِإ َذا ُهم ِّم َن اأْل ْ‬
‫َّاع إِىَل َش ي ٍء نُّ ُك ٍر‪ ،‬خ َّش عا أَبص ارهم خَيْرج و َن ِمن اأْل َج َد ِ‬
‫اث َك أَن َُّه ْم‬ ‫يَ ْدعُ الد ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ُ ً ْ َ ُُْ ُ ُ‬ ‫ْ‬
‫ول الْ َك افُِرو َن َه َذا َي ْو ٌم َع ِس ٌر﴾‪( .‬القمر‬ ‫ني إِىَل ال د ِ‬
‫َّاع َي ُق ُ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َج َر ٌاد ُّمنتَش ٌر‪ُّ ،‬م ْهطع َ‬
‫ني‬ ‫ِِ‬ ‫‪ )8-6 :54‬وأيض ا ﴿إِمَّنَا ي ؤ ِّخرهم لِي وٍم تَ ْش خ ِ ِ‬
‫ص ُار‪ُ ،‬م ْهطع َ‬ ‫ص في ه األَبْ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َُ ُُْ َ ْ‬ ‫ً‬
‫وس ِه ْم﴾‪( .‬إب راهيم‪ )43-42 :14‬والث اين أن كفح الس عري تأكل‬ ‫م ْقنِعِي رء ِ‬
‫ُُ‬ ‫ُ‬
‫حلم س وقهم فيكشف عن عظمه ا‪ ،‬كما ق ال تع اىل‪َ ﴿ :‬كاَّل إِن ََّها لَظَى َنَّز َاع ةً‬
‫َّوى تَ ْدعُو َم ْن أ َْد َب َر َوَت َوىَّل ﴾‪( .‬املعارج‪ )17-15 :70‬فهذا ذكرهم قبل‬ ‫للش َ‬
‫ِّ‬
‫أن ي دخلوا الن ار فإهنا ت دعوهم والش وى حلم الس اق على الص حيح التأويل‬
‫األول يؤيده كثرة نظائره‪ ،‬وظهور معىن كشف الساق‪ ،‬والتأويل الثاين يؤيده‬
‫ما يف السياق‪ ،‬وهو قوله تعاىل‪﴿ :‬فَالَ يَ ْستَ ِطْيعُ ْو َن﴾ وبعده قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وقَ ْد‬
‫ود َو ُه ْم َسالِ ُمو َن﴾‪( .‬القلم‪)43 :68‬‬ ‫السج ِ‬ ‫ِ‬
‫َكانُوا يُ ْد َع ْو َن إىَل ُّ ُ‬
‫‪67‬‬
‫‪‬‬
‫[سبّح] األصل التمدد على الوجه‪ ،‬ومنه السباحة للعوم‪ ،‬ومنه‬
‫سبح الفرس يف جريه‪ ،‬ومنه السعي والتقلب‪ ،‬كما يف قوله تعاىل‪﴿ :‬إِ َّن‬
‫َّه ا ِر َس ْب ًحا طَ ِوياًل ﴾‪ .163‬وإمنا مسيت الصلوة سبحة وتسبيحا‬ ‫ك يِف اَلن َ‬
‫لَ َ‬
‫ملا ميتد املص لى على وجهه يف الس جدة‪ .‬ومنه قوله تع اىل حكاية عن‬
‫الص افُّو َن‪َ ،‬وإِنَّا لَنَ ْح ُن الْ ُم َس بِّ ُحو َن﴾‪ .164‬أي‬
‫قول املالئكة‪َ ﴿ :‬وإِنَّا لَنَ ْح ُن َّ‬
‫قائمون وساجدون‪.‬‬
‫‪‬‬
‫[س بحانك] ما أعظم ك‪ ،‬كما ج اء يف الق رآن كث ريا مثالً‪:‬‬
‫ص ُفو َن﴾ ‪ُ ﴿ .‬س ْب َحا َن اللَّ ِه َوَت َع اىَل‬ ‫ب الْعِ َّز ِة ع َّما ي ِ‬
‫‪165‬‬
‫َ َ‬ ‫ك َر ِّ‬
‫﴿ ُس ْب َحا َن َربِّ َ‬
‫َع َّما يُ ْش ِر ُكو َن﴾‪ ،166‬فهذا قريب من األخبار‪ ،‬ورمبا جييء للدعاء كما‬
‫ك اللَّ ُه َّم﴾‪ ،167‬ومنه قوله تع اىل‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ق ال تع اىل‪َ ﴿ :‬د ْع َو ُاه ْم ف َيها ُس ْب َحانَ َ‬
‫ك﴾‪ .168‬وهبذا املعىن يق دم قبل‬ ‫ت إِلَْي َ‬‫ك ُتْب ُ‬‫اق قَ َال ُس ْب َحانَ َ‬ ‫﴿ َفلَ َّما أَفَ َ‬
‫وأيض ا إلنشاء األمر كما هو الشائع يف املصادر‪ ،‬إذ يقدر األمر‬ ‫التوبة‪ً .‬‬
‫سورة املزمل ‪7 :73‬‬ ‫‪163‬‬

‫سورة الصافات ‪166-165 :37‬‬ ‫‪164‬‬

‫سورة الصافات ‪180 :37‬‬ ‫‪165‬‬

‫سورة القصص ‪68 :28‬‬ ‫‪166‬‬

‫سورة يونس ‪10 :10‬‬ ‫‪167‬‬

‫سورة األعراف ‪143 :7‬‬ ‫‪168‬‬

‫‪68‬‬
‫قبله‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫ربا‬ ‫رباين جمال املوت ص‬ ‫فص‬
‫تطاع‬ ‫ود مبس‬ ‫فما نيل اخلل‬

‫صريُ﴾‪ .169‬فرمبا جييء‬ ‫ك الْم ِ‬ ‫ِ‬


‫ك َربَّنَا َوإلَْي َ َ‬
‫وكما يف القرآن‪﴿ :‬غُ ْفَرانَ َ‬
‫ِ ِ‬
‫س بحانك هبذا املع ىن‪ ،‬ومنه قوله تع اىل‪﴿ :‬فَ ُس ْب َحا َن اللَّه ح َ‬
‫ني مُتْ ُس و َن‬
‫ِ‬
‫صبِ ُحو َن﴾ ‪ً .‬‬
‫‪170‬‬
‫وأيضا يأيت لإلنكار مع االستعجاب‪ .‬ومنه قوله‬ ‫ني تُ ْ‬
‫َوح َ‬
‫ات‬‫ك ه َذا بهتَ ا ٌن ع ِظيم﴾‪ .171‬أيضا ﴿وجَي علُ و َن لِلّ ِه الْبنَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َْ‬ ‫تعاىل‪ُ ﴿ :‬سْب َحانَ َ َ ُ ْ َ ٌ‬
‫ُس ْب َحانَهُ َوهَلُم َّما يَ ْش َت ُهو َن﴾‪ .172‬واختص باإلض افة إىل اهلل تع اىل‪.‬‬
‫وإضافته مطرد إال نادرا‪ ،‬كما قال أمية بن أيب الصلت‪:‬‬
‫س بحانه مث س بحانا يع ود له‬
‫بح اجلودي واجلمد‬ ‫وقبلنا س‬

‫وهو أراد اإلض افة وهك ذا األعشى ح ذف املض اف إلي ه‪ ،‬ولكنه‬


‫أراد حيث قال‪:‬‬
‫ره‬ ‫اء يف فخ‬ ‫ول ملا ج‬ ‫أق‬
‫اخر‬ ‫بحان من علقمة الف‬ ‫س‬

‫سورة البقرة ‪285 :2‬‬ ‫‪169‬‬

‫سورة الروم ‪17 :30‬‬ ‫‪170‬‬

‫سورة النور ‪16 :24‬‬ ‫‪171‬‬

‫سورة النحل ‪57 :16‬‬ ‫‪172‬‬

‫‪69‬‬
‫‪‬‬
‫[السعي] املشي مشي اجلد والطلب‪ .‬وذلك إذا كان يف عبادة‬
‫فاملقص ود إظه ار العبودي ة‪ ،‬كما نق ول يف القن وت‪" :‬وإليك نس عى‬
‫وحنفد" فقولنا "حنفد" يبني معىن "نسعى" كما قال عدي بن زيد‪:‬‬
‫مـتـكئا تـخـفـق أبوابه‬
‫الكوب‬ ‫عى عليه العبد ب‬ ‫يس‬

‫فاملشي إىل املسجد ينبغي أن يكون على هنج العبد الذي حيفد إىل‬
‫لص اَل ِة ِمن َي ْوِم‬
‫ودي لِ َّ‬
‫م واله وقد دع اه‪ ،‬ول ذلك ق ال تع اىل‪﴿ :‬إِذَا نُ ِ‬
‫اس َع ْوا إِىَل ِذ ْك ِر اللَّ ِه‪َ ،‬وذَ ُروا الَْبْي َع﴾‪ .173‬وإمنا ج اء النهي عن‬ ‫ِ‬
‫اجْلُ ُم َع ة فَ ْ‬
‫الس عي املف رط ال ذي خيرجه من الوق اء‪ ،‬واألمر بني بني‪ ،‬ومما ذكرنا‬
‫يظهر معىن الس عي بني الص فا واملروة‪ ،‬ف إن إب راهيم وإمسعيل كانا‬
‫يسعيان إىل طاعة اهلل‪.‬‬
‫‪‬‬
‫[س َفرة] هي مجع س افر للك اتب والق ارئ من الس فر للكتابة‬
‫َ‬
‫والق رأة‪ .‬وه ذه الكلمة باقية يف العربانية وأصل معناها اخلمش‪ ،‬ومنه‬
‫الكتابة ف إن الكتابة ك انت أوال ب اخلمش بقلم احلديد مث توسع للبي ان‬
‫والق رأة‪ .‬يف العربانية (סתר) ’س فر‘ اخلمش والكتابة والق رأة‬
‫(סַ תֵר) ’سافر‘ كاتب فقيه إمام قائد فصح ما قال قتادة السفرة هم‬
‫القراء‪ ،‬ويوجد يف العربية أيضا مبعىن اخلمش كما قال روبة‪:‬‬
‫سورة اجلمعة ‪9 :62‬‬ ‫‪173‬‬

‫‪70‬‬
‫تسفري موسى الصلع اجلالم‬
‫‪‬‬
‫[الس نَّة] هي طريق ق وم‪ ،‬ف إذا نس بت إىل ش خص واحد ك ان‬
‫املراد أنه اإلم ام‪ ،‬وك ذلك إذا نس بت إىل ال رب تع اىل ك ان املعىن أهنا‬
‫َّت اللَّ ِه الَّيِت‬
‫طريق عامة جيري هبا أمره يف عباده‪ .‬كما قال تعاىل‪ُ ﴿ :‬س ن َ‬
‫ت يِف ِعبَ ِاد ِه﴾‪.174‬‬
‫قَ ْد َخلَ ْ‬
‫‪‬‬
‫[الشهيد] الذي يشهد وحيضر وحُي مل على وجوه‪:‬‬
‫(‪ )1‬من يشهد املشاهد العظيمة من القوم ويتكلم عن القوم فهو‬
‫لسان القوم‪ ،‬فما قال كان ذلك قول القوم فهو رئيسهم وهم يذعنون‬
‫ملا قال‪ .‬قال احلارث بن حلزة‪:‬‬
‫وهو ال رب والش هيد على ي وم‬
‫الـــحيارين والبالء بالء‬

‫وه ذا كما ق ال تع اىل‪َ ﴿ :‬و َنَز ْعنَا ِمن ُك ِّل أ َُّم ٍة َش ِه ً‬


‫يدا َف ُق ْلنَا َه اتُوا‬
‫ِِ‬ ‫بُْر َهانَ ُك ْم َف َعلِ ُموا أ َّ‬
‫ض َّل َعْن ُهم َّما َكانُوا َي ْفَتُرو َن ﴾‪.175‬‬ ‫َن احْلَ َّق للَّه َو َ‬
‫(‪ )2‬فمن ههنا الش هيد عند املل وك من رؤس اء الق وم فهو لس اهنم‬
‫ووكيلهم وش فيعهم‪ ،‬ول ذلك ج اء يف األح اديث لفظ الش هيد بيانا‬

‫سورة املؤمن‪85 :40‬‬ ‫‪174‬‬

‫سورة القصص ‪75 :28‬‬ ‫‪175‬‬

‫‪71‬‬
‫للشفيع‪.‬‬
‫(‪ )3‬من ش هد وع رف أم را بنفسه مث أخرب أص حابه فهو الواسط‬
‫بني األمر املش هود له وبني ال ذين خيربهم‪ ،‬وعلى ه ذا قوله تع اىل‪:‬‬
‫َّاس َويَ ُك و َن‬‫ك َج َع ْلنَ ا ُك ْم أ َُّمةً َو َس طًا لِّتَ ُكونُ واْ ُش َه َداء َعلَى الن ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َو َك َذل َ‬
‫يدا﴾‪.176‬‬ ‫ول َعلَْي ُك ْم َش ِه ً‬ ‫الر ُس ُ‬‫َّ‬
‫(‪ )4‬من ش هد ب أمر عظيم على بينة منه وص دق ش هادته بب ذل‬
‫مهجة فهو كامل الش هادة إذ ق ام ب أمر ف أظهره ومل يكتمه مث أظهر‬
‫ص دقه وج ده يف الش هادة وحضر ومل خيت ف‪ .‬وعلى ه ذا قوله تع اىل‪:‬‬
‫ِ ِ ‪177‬‬ ‫﴿يا أَيُّها الَّ ِذين آمنُ واْ ُكونُواْ َق َّو ِام ِ ِ‬
‫ني للّ ه ُش َه َداء بِالْق ْس ط﴾ ‪ً ،‬‬
‫وأيض ا‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني بِالْق ْس ط ُش َه َداء للّ ه َولَ ْو َعلَى أَن ُفس ُك ْم أَ ِو الْ َوال َديْ ِن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ ُكونُ واْ َق َّوام َ‬
‫ني﴾‪.178‬‬ ‫َواألَ ْقَربِ َ‬
‫(‪ )5‬ومن علم ش يئا وهو الس ند فيه وهو الش اهد وعلى ه ذا قوله‬
‫الس ماو ِ‬ ‫تع اىل‪﴿ :‬قُ ْل َك َفى بِاللَّ ِه َبْييِن َو َبْينَ ُك ْم َش ِه ً‬
‫ات‬ ‫يدا َي ْعلَ ُم َما يِف َّ َ َ‬
‫ض﴾‪.179‬‬ ‫َواأْل َْر ِ‬

‫‪‬‬

‫[الش وى] ج اء يف الق رآن يف ص فة جهنم‪﴿ :‬إِن ََّها لَظَى َنَّز َ‬


‫اع ةً‬

‫سورة البقرة ‪143 :2‬‬ ‫‪176‬‬

‫سورة املائدة ‪8 :5‬‬ ‫‪177‬‬

‫سورة النساء ‪135 :4‬‬ ‫‪178‬‬

‫سورة العنكبوت ‪52 :29‬‬ ‫‪179‬‬

‫‪72‬‬
‫لِّ َّ‬
‫لش َوى﴾‪ .180‬واختلفوا يف معناه‪ ،‬ولكن املعىن الكثري الوقوع يف كالم‬
‫العرب هو حلم الساق‪ .‬قال ابن حزابة احلماسي‪:‬‬
‫واه إذا‬ ‫مر للمنايا عن ش‬ ‫مبش‬
‫ما الوغد أس بل ثوبيه على الق دم‬

‫قال امرؤ القيس‪:‬‬


‫س ليم الش ظى عبل الش وى ش نج النس اء‬
‫له حجب ات مش رفات على الف ال‬

‫قال جرير‪:‬‬
‫ف إذا ذك رت من اهلذيل وقد ش تا‬
‫ول‬ ‫واه كب‬ ‫فينا اهلذيل ويف ش‬

‫قال االفوه االودي‪:‬‬


‫يرتة‬ ‫ارى عند كل س‬ ‫نظل غي‬
‫تقلب جي دا واض حا وش وى عبال‬

‫قالت اخلرنق أخت طرفة‪:‬‬


‫رد ذو ميعة‬ ‫ار به أج‬ ‫س‬
‫اب عث ور‬ ‫عبال ش واه غري ك‬

‫سورة املعارج ‪16-15 :70‬‬ ‫‪180‬‬

‫‪73‬‬
‫قال األعشى‪:‬‬
‫تقدم الربكة عبل الشـوى‬ ‫مس‬
‫ام‬ ‫أس اللج‬ ‫كفت إذا عض بك‬

‫قال املثقب العبدي‪:‬‬


‫ك أين واقت ادى على محشة الش وى‬
‫راري هبا ويقيمها‬ ‫جيور ص‬

‫قال عنرتة العبسي‪:‬‬


‫وحش ييت س رج على عبل الش وى‬
‫هند مراكله نبيل الـــمحزم‬

‫‪‬‬
‫[الشيطان] فعالن من شاط يشيط هلك‪ ،‬قال األعشى‪:‬‬
‫يط على أرماحنا البطل‬ ‫وقد يش‬

‫شاط فالن ذهب دمه ه دراً‪ ،‬أيضا عجل وأس رع‪ ،‬وشاط الزيت‬
‫احرتق‪ ،‬وغضب فالن فاستشاط أي التهب‪ .‬والشيطان من أمساء احلية‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫رمي كأنـه‬ ‫تالعب مثىن حض‬
‫متعج ش يطان ب ذي خ روع قفر‬

‫‪74‬‬
‫والشرير من اجلن‪ .‬وبني اجلن واحلية مناسبة لكوهنما ناريني طبعا‪،‬‬
‫ني ا ِإل ِ‬
‫نس‬ ‫ِ‬
‫ومن ههنا كل متم رد يس مى ش يطانا‪ ،‬ق ال تع اىل‪َ ﴿ :‬ش يَاط َ‬
‫َواجْلِ ِّن﴾‪ .181‬وعند اجلوهري هو فيع ال من ش طن مبعىن بع د‪ ،‬وس يبويه‬
‫م رة جعله فعالن من ش اط وأخ رى فيع ال من ش طن‪ ،‬واألول هو‬
‫الصواب‪ ،‬ويؤيده أنه إذا جعل َعلَ ًما ال ينصرف كما قال‪......‬‬
‫‪‬‬
‫[الص بر] الصرب عند الع رب ليس من الت ذلل يف ش يء كما‬
‫املض طهد الع اجز‪ ،‬بل هو أصل الق وة والع زم‪ ،‬وك ثر يف كالم‬ ‫يصرب ْ‬
‫العرب استعماله هبذا املعىن‪ .‬قال حامت الطائي‪:‬‬
‫وغم رة م وت ليس فيها هـوادة‬
‫يك ون ص دور املش رىف جس ورها‬
‫ربنا له يف هنكها ومصابـها‬ ‫ص‬
‫بأس يافنا حىت يب وخ سعــريها‬

‫وقال االصبغ‪:‬‬
‫املداره‬ ‫احلجاجة‬ ‫بن‬ ‫يا‬
‫اره‬ ‫ابرين على مك‬ ‫والص‬

‫وقال زهري أيب سلمى‪:‬‬


‫ق ود اجلي اد وأص هارنا املل وك وصرب‬

‫سورة األنعام ‪112 :6‬‬ ‫‪181‬‬

‫‪75‬‬
‫ئموا‬ ‫انوا هبا س‬ ‫واطن لو ك‬ ‫يف م‬

‫وه ذا كث ري‪ .‬ويف الق رآن بني معىن الصرب حيث ق ال تع اىل‪:‬‬
‫ني الْبَ أْ ِس﴾‪ ،182‬فذكر من مواطن‬ ‫الص ابِ ِرين يِف الْبأْس اء والض َّ ِ‬
‫َّراء َوح َ‬ ‫﴿ َو َّ َ َ َ‬
‫الصرب الفقر واملرض واحلرب‪ ،‬وذلك أص ول الش دائد‪ ،‬وك ذلك الصرب‬
‫ص َبَر‬
‫عند نزعات النفس على أذى الناس‪ ،‬كما يف قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ولَ َمن َ‬
‫َو َغ َفَر﴾‪.183‬‬
‫‪‬‬
‫[الص بر والش كر] الصرب كاألس اس للش كر فه وه ب القوة‬
‫اس تَعِينُواْ‬‫موج ود قبل ه‪ ،‬والش كر قبل كل عمل ص احل‪ .‬ق ال تع اىل‪ْ ﴿ :‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ‪184‬‬
‫بِ َّ‬
‫ص بَّا ٍر‬‫ك آليَ ات لِّ ُك ِّل َ‬ ‫الص الَة﴾ ‪ .‬وق ال تع اىل‪﴿ :‬إِ َّن يِف ذَل َ‬ ‫الص رْبِ َو َّ‬
‫َش ُكو ٍر﴾‪ ،185‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ه ل أَتَى علَى اإْلِ نس ِ ِ‬
‫َّه ِر مَلْ‬
‫ني ِّم َن الد ْ‬
‫ان ح ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫نس ا َن ‪ َ..........‬إِ َّما َش اكًِرا َوإِ َّما‬ ‫ِ‬ ‫ي ُكن َش ْيئًا َّم ْذ ُك ِ‬
‫ورا‪ .‬إنَّا َخلَ ْقنَا اإْل َ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫ين قَ الُوا َربُّنَا اللَّهُ مُثَّ ْ‬
‫ورا﴾ ‪ .‬وقال تعاىل‪﴿ :‬إ َّن الذ َ‬
‫‪187‬‬ ‫‪186‬‬
‫اس َت َق ُاموا﴾‬ ‫َك ُف ً‬
‫أي ص ربوا على اإلميان ومل تزع زعهم املص ائب‪ .‬وال دليل على ك ون‬

‫سورة البقرة ‪177 :2‬‬ ‫‪182‬‬

‫سورة الشورى ‪43 :42‬‬ ‫‪183‬‬

‫سورة البقرة ‪153 :2‬‬ ‫‪184‬‬

‫سورة إبراهيم ‪5 :14‬‬ ‫‪185‬‬

‫سورة اإلنسان ‪3-1 :76‬‬ ‫‪186‬‬

‫سورة فصلت ‪30: 41‬‬ ‫‪187‬‬

‫‪76‬‬
‫الش كر قبل األعم ال الص احلة يف الوج وب والوج ود أن مجيع األعم ال‬
‫الص احلة تنشأ من اس تعمال الق وى يف طاعة ال رب وحسب رض اه‪،‬‬
‫نس ا َن ِمن نُّطْ َف ٍة ‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وذلك هو الشكر‪ .‬كما قال تع اىل‪﴿ :‬إنَّا َخلَ ْقنَا اإْل َ‬
‫ورا﴾‪ .188‬ومن جهة أخرى أن العدل‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫إىل قوله ‪ ....‬إ َّما َشاكًرا َوإ َّما َك ُف ً‬
‫أس اس احلق وق‪ ،‬وأول احلق العبودية واإلس الم لل رب‪ ،‬وه ذا حبسب‬
‫وج وب احلق وإما حبسب الوج ود‪ ،‬ف أول احلق وق الش كر‪ .‬ف إن أول‬
‫الفيض رمحة ويلزمها الشكر منا‪ ،‬ولزوم الشكر للرمحة مبىن على العدل‬
‫والقسط وهو احلق مبعىن ضد الباط ل‪ .‬ولكن الش كر حيت اج إىل الص رب‪،‬‬
‫ألن العبد يبتلى وينتظر اجلزاء الذي هو وجود احلق والعدل يف اآلخرة‪،‬‬
‫فالض جور أبعد عن الش كر فك ان الصرب بن اء للش كر‪ ،‬ول ذلك ق ال‬
‫تع اىل‪" :‬ص بار ش كور" فالصرب متق دم على الش كر تق دم اجلزء على‬
‫وأيض ا الشكر‬ ‫الكل‪ ،‬والشكر متقدم على الصرب تقدم األفضل اجلامع‪ً ،‬‬
‫متق دم تق دم اإلميان على العم ل‪ ،‬ف إن الش كر كيفية تنشأ من معرفة‬
‫وأيض ا الش كر دائم‬ ‫النعم‪ ،‬ف أول العبودية هو الش كر وجوبا وزمان ا‪ً .‬‬
‫وأيض ا الشكر إثبات‪ ،‬وأما‬ ‫متصل لدوام النعمة‪ ،‬والصرب عند الشدائد‪ً .‬‬
‫وأيض ا الش كر هو الع ون على‬ ‫الصرب فهو كف النفس عن الض جر‪ً .‬‬
‫الص رب‪ ،‬ف إن من رسخ يف قلبه معرفة النعم وآمن بربه صرب على املك اره‬
‫لرض اه‪ .‬واآلن تأمل يف قوله تع اىل‪﴿ :‬احلمد هلل رب الع املني﴾ فاحتة‬
‫ب‬‫آخ ُر َد ْع َو ُاه ْم أ َِن احْلَ ْم ُد لِلّ ِه َر ِّ‬
‫للص لوة‪ .‬ويف قوله تع اىل‪﴿ :‬و ِ‬
‫َ‬

‫سورة اإلنسان ‪3-2 :76‬‬ ‫‪188‬‬

‫‪77‬‬
‫ني﴾‪ .189‬فه ذا ي دل على جامعة الش كر‪ .‬أيضا يف قوله تع اىل‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الْ َع الَم َ‬
‫﴿إي اك نعبد وإي اك نس تعني﴾ فالعبودية اخلالصة هلل هي الش كر‬
‫واالس تعانة به أمس بالص رب‪ .‬أيضا يف قوله تع اىل حكاية عن ق ول‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّهم ِّمن‬ ‫يم (أي التوحيد) مُثَّ آلتَين ُ‬ ‫ك الْ ُم ْس تَق َ‬ ‫إبليس‪﴿ :‬ألَ ْقعُ َد َّن هَلُ ْم ِص َراطَ َ‬
‫َبنْي ِ أَيْ ِدي ِه ْم َو ِم ْن َخ ْل ِف ِه ْم َو َع ْن أَمْيَ اهِنِ ْم َو َعن مَشَآئِلِ ِه ْم َوالَ جَتِ ُد أَ ْكَث َر ُه ْم‬
‫ِ‬
‫ين (أي موحدين)﴾‪ ،190‬فدل على أن الشكر هو اإلميان‪.‬‬ ‫َشاك ِر َ‬
‫‪‬‬
‫[الصحف] الصحف مجع صحيفة‪ ،‬وهي الورقة املكتوبة كما‬
‫مسيت ص حيفة املتلمس وص حيفة اجلور‪ ،‬ولعل الكلمة مقلوبة من‬
‫الص فيحة لكل ع ريض كص فيحة احلجر والس لف والعن ق‪ .‬وبص يغة‬
‫اجلمع رمبا يراد هبا الكتاب الشتماله على األوراق كما يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫ِ‬
‫ول ِّم َن اللَّه َيْتلُو ُ‬
‫ص ُح ًفا ُّمطَ َّهَرةً﴾‪.191‬‬ ‫﴿ َر ُس ٌ‬
‫‪‬‬
‫ين َآمنُ وا إِ َذا‬ ‫َّ ِ‬
‫[الصدقة] نور وبصرية‪ .‬قال تعاىل‪﴿ :‬يَا أ َُّي َها الذ َ‬
‫ك َخْي ٌر لَّ ُك ْم‬ ‫ِ‬
‫ص َدقَةً ذَل َ‬ ‫ِّموا َبنْي َ يَ َد ْي جَنْ َوا ُك ْم َ‬
‫ول َف َق د ُ‬
‫الر ُس َ‬
‫اجْيتُ ُم َّ‬
‫نَ َ‬
‫ِ‬
‫ض اللَّهَ َق ْر ً‬‫َوأَطْ َه ُر﴾ ‪ .‬وق ال تع اىل‪َ ﴿ :‬من ذَا الَّذي يُ ْق ِر ُ‬
‫‪192‬‬
‫ض ا َح َس نًا‬

‫سورة يونس ‪10 :10‬‬ ‫‪189‬‬

‫سورة األعراف ‪17 -16 :7‬‬ ‫‪190‬‬

‫سورة البينة ‪2 :98‬‬ ‫‪191‬‬

‫سورة اجملادلة ‪12 :58‬‬ ‫‪192‬‬

‫‪78‬‬
‫َج ٌر َك ِرميٌ (وهو النور كما بني بعد ذلك فقال) َي ْو َم‬ ‫َفي ِ‬
‫ض اع َفهُ لَ هُ َولَ هُ أ ْ‬ ‫َُ‬
‫ور ُهم َبنْي َ أَيْ ِدي ِه ْم َوبِأَمْيَ اهِنِم﴾‪.193‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ني َوالْ ُم ْؤمنَ ات يَ ْس َعى نُ ُ‬
‫ِِ‬
‫َت َرى الْ ُم ْؤمن َ‬
‫وأيض ا طهور‪ :‬كما قال تعاىل‪ُ ﴿ :‬خ ْذ ِم ْن‬ ‫إىل آخر اآلية التاسعة عشر‪ً .‬‬
‫ص َدقَةً تُطَ ِّهُر ُه ْم َو ُت َز ِّكي ِهم هِبَا﴾‪ .194‬ومن ههنا مسيت الزك وة‬ ‫هِلِ‬
‫أ َْم َوا ْم َ‬
‫زك وة‪ .‬ومن ههنا أول خط وة الس لوك إعط اء كل ما يف الي د‪ .‬والن ور‬
‫والطه ور ش يء واح د‪ .‬وإمنا االختالف من جهة اإلض افة ف النور جالء‬
‫العقل والفهم والطهور جالء القلب‪.‬‬
‫‪‬‬

‫[ص رة] َ‬
‫الص ُّر اجلمع مث الشد والع زم‪ .‬ونصب األذن ومن اجلمع‬ ‫ّ‬
‫تقطيب وتقبض اس تنكار أو اس تحياءً ومن نصب األذن إس راع‬
‫واستنكار‪ ،‬فقوله تعاىل‪﴿ :‬يف صرة﴾‪ 195‬معناه يف تقبض واستنكار‪.‬‬
‫‪‬‬
‫[الص غو] يف مجيع األلس نة وال س يما يف لغة الع رب ألف اظ‬
‫خاصة ألفراد خاصة حتت معىن كلي‪ .‬والذهول عن هذه اخلصوصيات‬
‫مبعد عن فهم اللسان‪.‬‬
‫مثال امليل معىن كلي مث حتته الزيغ واجلور واإلرع واء واحلي ادة‪،‬‬
‫والتنحى واالحنراف كلها مليل عن الش يء والفيء‪ .‬والتوبة وااللتف ات‬

‫سورة احلديد ‪12-11 :57‬‬ ‫‪193‬‬

‫سورة التوبة ‪103 :9‬‬ ‫‪194‬‬

‫سورة الذاريات ‪29 :51‬‬ ‫‪195‬‬

‫‪79‬‬
‫والضغوا كلها للميل إىل الشيء‪ ،‬فمن خبط بينهما ضل وأضل‪.‬‬
‫فال خيفى على العامل بلسان العرب أن الصغو هو امليل إىل الشيء‬
‫ال عن الش يء‪ ،‬ومنه ص اغية الرجل ألتباع ه‪ ،‬وص غوه معك أي ميل ه‪،‬‬
‫وأص غيت إىل فالن أي ملت بس معك حنوه‪ ،‬ومنه احلديث‪" :‬ينفخ يف‬
‫الص ور فال يس معه أحد إال أص غى ليتً ا" أي أم ال ص فحة عنقه إلي ه‪.‬‬
‫وق الوا‪ :‬الصيب أعلم مبص غى خ ده أي هو أعلم إىل من يلجأ أو حيث‬
‫ينفع ه‪ .‬ومنه ص غت الش مس والنج وم أي م الت إىل األرض‪ .‬ويف‬
‫ح ديث اهلرة‪" :‬ك ان يص غي هلا اإلن اء" أي مييله ليس هل عليها الش رب‬
‫ومن ذلك جلوف اإلناء ملا جيتمع فيه املشروب‪ .‬أنشد ابن بري شاهدا‬
‫على اإلصغاء بالسمع لشاعر‪:‬‬
‫فيه به عن كل مكرمة‬ ‫رى الس‬ ‫ت‬
‫فيه إصغــاء‬ ‫زيغ فيه إىل التس‬

‫وقال ذو الرمة يصف الناقة‪:‬‬


‫تص غي إذا أش دها ب الكور جاحنة‬
‫توى يف عززنا تثب‬ ‫حىت إذا ما اس‬

‫وقال األعشى يف صغو العني يصف كلبا‪:‬‬


‫ت رى عينها ص غواء يف جنب مؤقها‬
‫راقب كفى والقطيع املــحرها‬ ‫ت‬

‫وقال التمر بن تولب يف إصغاء اإلناء مبعىن اإلفراغ‪:‬‬


‫‪80‬‬
‫وإن ابن أخت الق وم مص غي إن اؤه‬
‫إذا مل ي زاحم خاله ب اب جــلد‬

‫‪‬‬

‫[الصفح] يكون لألعراض وترك اجملادلة‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬فَ ْ‬


‫اص َف ْح‬
‫اهلُو َن قَ الُوا‬ ‫عْنهم وقُ ل س اَل م﴾‪ 196‬وق ال تع اىل‪﴿ :‬وإِذَا خ اطَبهم اجْل ِ‬
‫َ َ َُ ُ َ‬ ‫َ ُْ َ ْ َ ٌ‬
‫يل إِ َّن َربَّ َ‬
‫ك ُه َو اخْلَالَّ ُق‬ ‫ِ‬ ‫‪197‬‬
‫الص ْف َح اجْلَم َ‬
‫اص َف ِح َّ‬
‫َساَل ًما﴾ وقال تعاىل‪﴿ :‬فَ ْ‬
‫يم﴾‪.198‬‬‫ِ‬
‫الْ َعل ُ‬
‫‪‬‬
‫[الص لوة] هي يف األصل اإلقب ال على ش يء‪ ،‬ومنه الرك وع‬
‫ومنه التعظيم والتض رع وال دعاء‪ .‬وهي كلمة قدمية مبعىن الص لوة‬
‫والعب ادة‪ .‬ج اء يف الكلدانية مبعىن ال دعاء والتض رع‪ ،‬ويف العربانية مبعىن‬
‫الص لوة والرك وع‪ .‬ومن ه ذا األصل ص لى الن ار أقبل عليها مث مبعىن‬
‫‪199‬‬
‫ص لَى‬
‫﴿ويَ ْ‬
‫وأيض ا َ‬‫ً‬ ‫ص لَى ن ًارا﴾‬
‫﴿سيَ ْ‬
‫دخل الن ار‪ ،‬كما ق ال تع اىل‪َ :‬‬
‫‪201‬‬
‫ص لِيَةُ َج ِحْي َم﴾‬
‫﴿وتَ ْ‬
‫‪200‬‬ ‫ِ‬
‫َس عْيًرا﴾ ‪ ،‬ومنه التص لية كما ق ال تع اىل‪َ :‬‬
‫سورة الزخرف ‪89 :43‬‬ ‫‪196‬‬

‫سورة الفرقان ‪63 :25‬‬ ‫‪197‬‬

‫سورة احلجر ‪86-85 :15‬‬ ‫‪198‬‬

‫سورة املسد ‪3 :111‬‬ ‫‪199‬‬

‫سورة االنشقاق ‪12 :84‬‬ ‫‪200‬‬

‫سورة الواقعة ‪94 :56‬‬ ‫‪201‬‬

‫‪81‬‬
‫واستعملت العرب كل ذلك‪.‬‬
‫جه ات الص لوة‪ :‬هي إق رار بالتوحيد وذكر لعه دنا بعبودية‬
‫اخلالص ة‪ ،‬وال ذكر هو ال ذي جيعل املعتقد به راس خا يف النفس حىت‬
‫تتكيف به‪ .‬أصل اخللقة تعبد للخالق‪ ،‬فرتك العبادة تناقض يف الوجود‪،‬‬
‫ول ذلك كل خلق يعبد ال رب‪ .‬والص لوة مخ العب ادة فل زم مجيع اخللق‬
‫ل زوم التوحيد والتعب د‪ .‬وقد يعرب عن الص لوة بالتس بيح فكل خلق له‬
‫ِ‬
‫يحهُ﴾‪ 202‬وق ال‪:‬‬ ‫ص اَل تَهُ َوتَ ْس بِ َ‬ ‫ص لوة‪ ،‬كما ق ال تع اىل‪ُ ﴿ :‬ك لٌّ قَ ْد َعل َم َ‬
‫ض َو َمن فِي ِه َّن‪َ ،‬وإِن ِّمن َش ي ٍء إِالَّ‬ ‫الس ْب ُع َواأل َْر ُ‬
‫ات َّ‬ ‫الس َم َاو ُ‬ ‫﴿تُ َس بِّ ُح لَ هُ َّ‬
‫ْ‬
‫الر ْع ُد حِب َ ْم ِد ِه َوالْ َمالَئِ َك ةُ ِم ْن‬
‫يُ َس بِّ ُح حِب َ ْم َد ِه﴾ وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬ويُ َس بِّ ُح َّ‬
‫‪203‬‬

‫الس ماو ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ‪204‬‬


‫ض‬ ‫ات َواأل َْر ِ‬ ‫خي َفت ه﴾ وق ال تع اىل‪َ ﴿ :‬وللّ ه يَ ْس ُج ُد َمن يِف َّ َ َ‬
‫اآلص ِال﴾‪.205‬‬ ‫ِ‬
‫طَ ْو ًعا َو َك ْر ًها َوظالهُلُم بِالْغُ ُد ِّو َو َ‬
‫الص لوة عه دنا باهلل‪ ،‬ق ال تع اىل‪﴿ :‬فَ اذْ ُكُرويِن أَذْ ُك ْر ُك ْم﴾‪.206‬‬
‫الش ْيطَا َن إِنَّهُ لَ ُك ْم‬
‫آد َم أَن اَّل َت ْعبُ ُدوا َّ‬ ‫وق ال‪﴿ :‬أَمَلْ أ َْع َه ْد إِلَْي ُك ْم يَا بَيِن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم﴾‪ .207‬وعبادته هو الدعاء‬ ‫ني َوأَ ْن ْاعبُ ُدويِن َه َذا ص َرا ٌط ُّم ْس تَق ٌ‬ ‫َع ُد ٌّو ُّمبِ ٌ‬
‫الر ْع ُد حِب َ ْم ِد ِه َوالْ َمالَئِ َك ةُ ِم ْن‬
‫اخلالص ل ه‪ .‬كما ق ال تع اىل‪َ ﴿ :‬ويُ َس بِّ ُح َّ‬

‫سورة النور ‪41 :24‬‬ ‫‪202‬‬

‫سورة اإلسراء ‪44 :17‬‬ ‫‪203‬‬

‫سورة الرعد ‪13 :13‬‬ ‫‪204‬‬

‫سورة الرعد ‪15 :13‬‬ ‫‪205‬‬

‫سورة البقرة ‪152 :2‬‬ ‫‪206‬‬

‫سورة يس ‪61-60 :36‬‬ ‫‪207‬‬

‫‪82‬‬
‫يب هِبَا َمن يَ َش اء‪َ ،‬و ُه ْم جُيَ ِادلُو َن يِف اللّ ِه‬ ‫ِخي َفتِ ِه وير ِس ل َّ ِ ِ‬
‫الص َواع َق َفيُص ُ‬ ‫َ ُْ ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين يَ ْدعُو َن من ُدون ه الَ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫يد الْم َح ال لَ هُ َد ْع َوةُ احْلَ ِّق‪َ ،‬والذ َ‬
‫ِ‬ ‫َو ُه َو َش ِد ُ‬
‫اس ِط َكفَّْي ِه إِىَل الْ َم اء لِيَْبلُ َغ فَ اهُ‪َ ،‬و َما ُه َو‬ ‫يس تَ ِجيبو َن هَل م بِ َش ي ٍء إِالَّ َكب ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ ُ ُ‬
‫الس ماواتِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بِبالِغِ ِه وما ُد َعاء الْ َكاف ِرين إِالَّ يِف َ ٍ‬
‫ِ‬
‫ض الَل‪َ .‬وللّه يَ ْس ُج ُد َمن يِف َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬
‫ِ‬
‫ض ُّرعاً َوخي َف ةً َو ُدو َن‬ ‫ِ‬
‫ك يِف َن ْفس َ‬
‫‪208‬‬
‫َواأل َْر ِ‬
‫ك تَ َ‬ ‫ض﴾ وق ال‪َ ﴿ :‬وا ْذ ُكر َّربَّ َ‬
‫اجْل ه ِر ِمن الْ َق و ِل بِالْغُ ُد ِّو واآلص ِال والَ تَ ُكن ِّمن الْغَ افِلِ ِ َّ ِ‬
‫ند‬‫ين ِع َ‬ ‫ني‪ .‬إ َّن الذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َْ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك الَ يَ ْستَ ْكرِب ُو َن َع ْن عبَ َادته َويُ َسبِّ ُحونَهُ َولَهُ يَ ْس ُج ُدو َن﴾ ‪.‬‬
‫‪209‬‬
‫َربِّ َ‬
‫الصلوة شكر لربنا‪ ،‬وهو الرب الواحد‪ ،‬فالشرك يف الدعاء كفر‪،‬‬
‫كما إن ت رك الص لوة واإلع راض عن ذك ره كف ر‪ ،‬ق ال تع اىل‪:‬‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿فَ اذْ ُكُرويِن أَذْ ُك ْر ُك ْم َو ْ‬
‫ين َآمنُ واْ‬‫اش ُكُرواْ يِل َوالَ تَ ْك ُف ُرون‪ .‬يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫الص الَِة ﴾‪ .210‬فبن اء الص لوة الص رب‪ ،‬وك ذلك بن اء‬ ‫الص رْبِ َو َّ‬‫اس تَعِينُواْ بِ َّ‬
‫ْ‬
‫الش كر الص رب‪ .‬وجيب علينا ه ذا الش كر خاصة ألنه تع اىل أمر املالئكة‬
‫يس‬ ‫ِِ‬
‫بالسجدة آلدم فوجب عليه أن يسجد لربه‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬قَ َال يَا إبْل ُ‬
‫نت ِم َن‬ ‫ت بِيَ َد َّ‬ ‫ِ‬
‫ت أ َْم ُك َ‬ ‫َس تَكَْب ْر َ‬ ‫يأْ‬ ‫ك أَن تَ ْس ُج َد ل َما َخلَ ْق ُ‬ ‫َما َمَن َع َ‬
‫ني﴾‪ .211‬ف رتك الص لوة منا ص ار أشد كف را من عص يان إبليس‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الْ َع ال َ‬
‫بثالث م رات؛ لوجوهبا فط رة‪ ،‬لوجوهبا مما وع دنا أن نعب د‪ ،‬لوجوهبا‬
‫شكرا ملا جعل املالئكة ساجدين لنا‪.‬‬

‫سورة الرعد ‪15-13 :13‬‬ ‫‪208‬‬

‫سورة األعراف ‪206-205 :7‬‬ ‫‪209‬‬

‫سورة البقرة ‪153-152 :2‬‬ ‫‪210‬‬

‫سورة ص ‪75 :38‬‬ ‫‪211‬‬

‫‪83‬‬
‫الص لوة رجوع إىل الرب‪ ،‬فهي ذكر للمع اد وصورة له وك ذلك‬
‫وه ُك ْم‬ ‫ِ‬
‫يم واْ ُو ُج َ‬ ‫للمب دأ‪ ،‬فإنه كم ال الطاعة والتعب د‪ ،‬ق ال تع اىل‪َ ﴿ :‬وأَق ُ‬
‫ِِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ِع َ‬
‫ودو َن﴾‪.212‬‬ ‫ِّين َك َما بَ َدأَ ُك ْم َتعُ ُ‬ ‫ني لَهُ الد َ‬ ‫ند ُك ِّل َم ْس جد َو ْادعُ وهُ خُمْلص َ‬
‫اس تَعِينُواْ بِ َّ‬
‫الص رْبِ‬ ‫ول ذلك هي عسري على املنكر باملع اد‪ ،‬ق ال تع اىل‪َ ﴿ :‬و ْ‬
‫ين يَظُنُّو َن أَن َُّهم ُّمالَقُو َرهِّبِ ْم‬ ‫اش عِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫و َّ ِ‬
‫ني الذ َ‬ ‫الصالَة َوإِن ََّها لَ َكبِ َريةٌ إِالَّ َعلَى اخْلَ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوأَن َُّه ْم إلَْي ه َراجعُ ون﴾ ‪ .‬وق ال تع اىل‪َ ﴿ :‬وإ َّن الذ َ‬
‫‪213‬‬
‫ين اَل يُ ْؤمنُ و َن‬
‫اط لَنَ اكِبُو َن﴾‪ .214‬فكما أن الص لوة هتدي إىل‬ ‫الص ر ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ب اآْل خَرة َع ِن ِّ َ‬
‫الصراط فكذلك اإلميان باآلخرة‪.‬‬
‫ب﴾‪ 215‬فهي‬ ‫اس ُج ْد َوا ْقرَتِ ْ‬‫الصلوة تقرب وحضور‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬و ْ‬
‫طريق إىل الرب وفيها الدعاء للهداية إىل الصراط املستقيم‪.‬‬
‫الصلوة قربان لبهيمة النفس عقال‪ ،‬وهلذا مجعت بالنحر والنسك‪،‬‬
‫ك َواحْنَ ْر﴾‪ 216‬وق ال عن إب راهيم‪﴿ :‬قُ ْل إِ َّن‬ ‫ِ‬
‫ص ِّل لَربِّ َ‬‫ق ال تع اىل‪﴿ :‬فَ َ‬
‫ني﴾‪ 217‬فالص لوة حي اة‬ ‫ِ‬ ‫اي َومَمَ ايِت لِلّ ِه َر ِّ‬
‫ب الْ َع الَم َ‬
‫ِ‬ ‫َ يِت‬
‫ص الَ َونُ ُس كي َوحَمْيَ َ‬
‫كما أن ممايت هلل تعاىل نسكي‪ ،‬والنسك عالمة لقربان نفسي هلل تعاىل‪.‬‬
‫الص لوة ص نو للصرب وحتقيق ل ه‪ ،‬وهلذا تس تعمل ب دال من ه‪ ،‬ق ال‬

‫سورة األعراف ‪29 :7‬‬ ‫‪212‬‬

‫سورة البقرة ‪46-45 :2‬‬ ‫‪213‬‬

‫سورة املؤمنون ‪74 :23‬‬ ‫‪214‬‬

‫سورة العلق ‪19 :89‬‬ ‫‪215‬‬

‫سورة الكوثر ‪2 :108‬‬ ‫‪216‬‬

‫سورة األنعام ‪162 :6‬‬ ‫‪217‬‬

‫‪84‬‬
‫ِ ِ‬ ‫الص ِ و َّ ِ‬ ‫تع اىل‪﴿ :‬و ْ ِ ِ‬
‫ني‬‫الص الَة َوإِن ََّها لَ َكبِ َريةٌ إِالَّ َعلَى اخْلَاش ع َ‬ ‫اس تَعينُواْ ب َّ رْب َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين يَظُنُّو َن أَن َُّهم ُّمالَقُو َرهِّب ْم َوأَن َُّه ْم إِلَْي ه َراجعُ و َن﴾ وق ال تع اىل‪:‬‬
‫‪218‬‬ ‫َّ ِ‬
‫الذ َ‬
‫الص الَِة إِ َّن اللّ هَ م ع َّ ِ‬ ‫الص رْبِ َو َّ‬ ‫اس تَعِينُواْ بِ َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين‪.‬‬ ‫الص اب ِر َ‬ ‫ََ‬ ‫ين َآمنُ واْ ْ‬ ‫﴿يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫َحيَ اء َولَ ِكن الَّ‬ ‫والَ َت ُقولُ واْ لِمن ي ْقتَ ل يِف س ِ ِ‬
‫ات‪ ،‬بَ ْل أ ْ‬ ‫بيل اللّ ه أ َْم َو ٌ‬ ‫َْ ُ ُ َ‬ ‫َ‬
‫‪219‬‬
‫تَ ْش عُُرو َن﴾ ‪ .‬ف ذكر الصرب ههنا كما ذكر الص لوة هن اك‪ ،‬واكتفى‬
‫بواحد منهما عن اآلخ ر‪ .‬مث ذكر قصة قرب ان إمساعيل فأش ار إىل ثالث‬
‫جهات منها‪ .‬الصرب والقربآن واحلياة للصابرين املتقربني أنفسهم‪ ،‬ومن‬
‫كون الصرب والصلوة صنوين ترتب نتيجة الصلوة من اهلل على الصرب‪.‬‬
‫فإن اجلزاء مثل العمل‪.‬‬
‫اس تَعِينُواْ بِ َّ‬
‫الص رْبِ‬ ‫الص لوة اس تعانة باهلل تع اىل لقوله تع اىل‪َ ﴿ :‬و ْ‬
‫اك َنعب ُد وإِيَّ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ‪220‬‬
‫ني‪.‬‬ ‫اك نَ ْس تَع ُ‬ ‫الصالَة﴾ وملا جاء يف سورة الصلوة‪ ﴿ :‬إيَّ َ ْ ُ‬ ‫َو َّ‬
‫يم﴾‪ 221‬وه ذه اس تعانة جامع ة‪ ،‬واالس تعانة التامة‬ ‫ِ‬ ‫اه ِدنَا ِّ‬
‫الص َرا َط املُس تَق َ‬
‫هي التوك ل‪ ،‬وقد ق ال تع اىل‪﴿ :‬يَا أَيُّ َها الْ ُمَّز ِّم ُل! قُ ِم اللَّْي َل إِاَّل قَلِياًل ‪،‬‬
‫ص ِمْن هُ قَلِياًل ‪ ،‬أ َْو ِز ْد َعلَْي ِه َو َرت ِِّل الْ ُق ْرآ َن َت ْرتِياًل ‪ .‬إِنَّا َس ُن ْل ِقي‬‫ص َفهُ أَ ِو ان ُق ْ‬
‫نْ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك َق واًل ثَِقياًل ‪ .‬إِ َّن نَ ِ‬
‫ك‬ ‫َش ُّد َو ْطءًا َوأَْق َو ُم قياًل ‪ .‬إِ َّن لَ َ‬ ‫اش ئَةَ اللَّْي ِل ه َي أ َ‬ ‫َعلَْي َ ْ‬
‫ب‬ ‫َّل إِلَْي ِه َتْبتِياًل ‪َ .‬ر ُّ‬
‫ك َو َتبَت ْ‬‫اس َم َربِّ َ‬ ‫َّه ا ِر َس ْب ًحا طَ ِوياًل ‪َ .‬واذْ ُك ِر ْ‬ ‫يِف اَلن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الْم ْش ِر ِق والْم ْغ ِر ِ‬
‫اص رِب ْ َعلَى َما َي ُقولُو َن‬ ‫ب اَل إِلَهَ إِاَّل ُه َو فَاخَّت ْذهُ َوكياًل ‪َ .‬و ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬

‫سورة البقرة ‪46-45 :2‬‬ ‫‪218‬‬

‫سورة البقرة ‪154-153 :2‬‬ ‫‪219‬‬

‫سورة البقرة ‪45 :2‬‬ ‫‪220‬‬

‫سورة الفاحتة ‪5-4 :1‬‬ ‫‪221‬‬

‫‪85‬‬
‫ني أُويِل الن َّْع َم ِة َو َم ِّه ْل ُه ْم‬ ‫ِ‬
‫َو ْاه ُج ْر ُه ْم َه ْج ًرا مَج ياًل ‪َ .‬و َذ ْريِن َوالْ ُم َك ِّذبِ َ‬
‫قَلِياًل ﴾‪.222‬‬
‫‪‬‬
‫[الضريع] يابس العشرق‪ .‬قال قيس بن عيزارة اهلذيل‪:‬‬
‫ريع فكلها‬ ‫زم الض‬ ‫وحبسن يف ه‬
‫ح دباء بادية الض لوع حـرود‬

‫(هزم ه‪ -‬ما تكسر من ه) (وروى ج دود أي ابن هلا) ف بني معىن‬


‫الض ريع مبا بني أث ره‪ ،‬وهك ذا قوله تع اىل‪﴿ :‬اَل يُ ْس ِم ُن َواَل يُ ْغيِن ِمن‬
‫وع﴾‪.223‬‬ ‫ُج ٍ‬
‫‪‬‬
‫[الطوفان] إعصار مستدير يصبحه املطر وفوران املاء ويسمى‬
‫يف الرومية‪" :‬سايكلون" أي الريح الدوارة‪ ،‬ويف الفارسية‪َ " :‬ك رد باد"‬
‫(ال ريح املدورة) ويف اهلندي ة‪" :‬ب َك وال" (دائ رة ال ريح) وك ان املص ريون‬
‫يزعم ون باله لل ريح الش ديدة يس مونه ط ائفون‪ .‬وهك ذا ك ان طوف ان‬
‫ن وح كما وصف يف الق رآن والص حف األوىل‪ .‬ق ال ال راعي يصف‬
‫الناقة‪:‬‬
‫تها‬ ‫متسى إذا يعيس أدركنا نكاش‬

‫سورة املزمل ‪11-1 :73‬‬ ‫‪222‬‬

‫سورة الغاشية ‪7 :88‬‬ ‫‪223‬‬

‫‪86‬‬
‫زؤد‬ ‫ان وال‬ ‫اء يعتادها الطوف‬ ‫حزق‬

‫‪‬‬
‫[الظن] الظن ما ي رى املرء من غري مش اهدة‪ ،‬ولك ون غري‬
‫املشهود رمبا ال يوقن به تضمن الظن معىن الشك‪ ،‬وهبذا املعىن كثر يف‬
‫كالم العرب والقرآن‪ ،‬كما قال طرفة‪:‬‬
‫واعلم علما ليس بالظن أنه‬
‫إذا ذل موىل املرء فهو ذليل‬
‫ِِ‬ ‫مِب‬
‫ني﴾‪ .224‬ولكن‬ ‫ويف الق رآن‪﴿ :‬إِن نَّظُ ُّن إِاَّل ظَنًّا َو َما حَنْ ُن ُ ْس َتْيقن َ‬
‫ال رائ يف غري املش هود رمبا يك ون يقينا ويطلق الظن عليه ب املعىن األعم‬
‫من غري تضمنه الشك‪ ،‬كما قال أوس بن حجر‪:‬‬
‫ذي يظن بك الظن‬ ‫االملعى ال‬
‫ان قد رأى وقد مسعــا‬ ‫ك‬

‫وقال دريد بن الصمة‪:‬‬


‫فقلت هلم ظن وا ب الفي م دجج‬
‫راهتم يف الفارسي املسـرد‬ ‫س‬

‫وق ال تع اىل حكاية عن ق ول املؤم نني يف احلاق ة‪﴿ :‬إِيِّن ظَنَ ُ‬


‫نت أَيِّن‬

‫سورة اجلاثية ‪32 :45‬‬ ‫‪224‬‬

‫‪87‬‬
‫ُماَل ٍق ِح َسابِ ْيه﴾‪.225‬‬
‫‪‬‬
‫[الع رش] ﴿خاوية على عروش ها﴾‪ 226‬أي س قوفها‪ .‬الع رش‬
‫الس رير املظَ ُّل‪ ،‬س رير امللك ق ائم على الع رش أي مل ك‪ .‬مس تو على‬
‫العرش أي حاكم على امللك باالستقالل‪ .‬قال‪﴿ :‬إِ َّن َربَّ ُك ُم اللّ هُ الَّ ِذي‬
‫ض يِف ِس ت َِّة أَيَّ ٍام (أي ب رتتيب خ اص وإفاضة‬ ‫ِ‬
‫الس َم َاوات َواأل َْر َ‬ ‫َخلَ َق َّ‬
‫اسَت َوى َعلَى الْ َع ْر ِش يُ َدبُِّر األ َْم َر َما ِمن َش ِفي ٍع‬ ‫اخللق حسب استعداد) مُثَّ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اعبُ ُدوهُ‪ ،‬أَفَالَ تَ َذ َّكُرو َن﴾‪ .227‬أي‬ ‫إِالَّ ِمن َب ْع د إِ ْذنِ ِه‪ ،‬ذَل ُك ُم اللّ هُ َربُّ ُك ْم فَ ْ‬
‫بي ده الت دبري الت ام لثب وت متام الق درة ب اخللق‪ ،‬ومتام الت دبري لرعاية‬
‫اآلج ال‪ ،‬واالس تعداد فال ق درة ألحد إال بإذنه فال عبودية لغ ريه لك ون‬
‫اجلميع حتت قدرته وت دبريه‪ ،‬فمن ت ذكر أول األم ور وجعلها أس اس‬
‫النظر أبطل الشركاء‪.‬‬
‫‪‬‬
‫[العش ى] هو قبل غ روب الش مس من حني يض عف ن ور‬
‫الش مس‪ ،‬ويص فر يف بالد جوها غري ص اف‪ .‬وهو وقت ص لوة العصر‬
‫وكانوا يصلون فيه من القدمي كما جند يف كتب األنبياء‪.‬‬
‫اب إِنَّا َس َّخ ْرنَا‬ ‫ِ‬
‫ود ذَا اأْل َيْ د إِنَّهُ أ ََّو ٌ‬
‫يف الق رآن‪َ ﴿ :‬واذْ ُك ْر َعْب َدنَا َد ُاو َ‬

‫سورة احلاقة ‪20 :69‬‬ ‫‪225‬‬

‫سورة البقرة ‪259 :2‬‬ ‫‪226‬‬

‫سورة يونس ‪3 :10‬‬ ‫‪227‬‬

‫‪88‬‬
‫ود‬ ‫ِ‬ ‫اجْلِبَ َال َم َع هُ يُ َس بِّ ْح َن بِالْ َع ِش ِّي َواإْلِ ْش َراق﴾‬
‫ِ ‪228‬‬
‫وأيض ا ﴿ َو َو َهْبنَا ل َد ُاو َ‬
‫ً‬
‫اد‬ ‫ِ‬ ‫س لَيما َن نِعم الْعب ُد إِنَّه أ ََّواب إِ ْذ ع ِرض علَي ِه بِالْع ِش ي َّ ِ‬
‫ات اجْل يَ ُ‬‫الص افنَ ُ‬ ‫ُ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ٌ ُ َ َ ْ َ ِّ‬
‫ب اخْلَرْيِ َعن ِذ ْك ِر َريِّب (أي ص لوة العص ر) َحىَّت‬ ‫ت ُح َّ‬ ‫َحبَْب ُ‬ ‫َف َق َال إِيِّن أ ْ‬
‫َعنَاق﴾‪.229‬‬ ‫وق َواأْل ْ‬ ‫وها َعلَ َّي فَطَِف َق َم ْس ًحا بِ ُّ‬
‫الس ِ‬ ‫ت بِاحْلِج ِ‬
‫اب ُر ُّد َ‬ ‫َ‬ ‫َت َو َار ْ‬
‫‪‬‬
‫[العص ر] (‪ )1‬الزم ان املاضي (‪ )2‬آخر النه ار‪ ،‬كما ق ال‬
‫احلارث بن حلزة يف معلقته‪:‬‬
‫أة وأفزعها‬ ‫آنست نب‬
‫القن اص عص را وق ددنا األمس اء‬

‫والسند على املعىن األول كثري‪ ،‬قال عبيد بن األبرص‪:‬‬


‫ذاك عصر وقد أرانـي‬ ‫ف‬
‫أزل شبـوب‬ ‫حيـملين ب‬

‫وقال إمراء القيس‪:‬‬


‫أال عم ص باحا أيها الطلــل الب ايل‬
‫وهل ينعمن من ك ان يف العصر اخلايل‬

‫وقال ُر َبْيع بن ضبع بن وهب بن بغيض بن مالك‪:‬‬

‫سورة ص ‪18-17 :38‬‬ ‫‪228‬‬

‫سورة ص ‪33 -30 :38‬‬ ‫‪229‬‬

‫‪89‬‬
‫را‬ ‫أص بح مين الش باب قد حس‬
‫را‬ ‫ص‬
‫أن يـنأ عين فقد ث وى عُ ُ‬

‫وقال املتلمس‪:‬‬
‫ع رفت ألص حاب النج ائب ج دة‬
‫إذا عرف وا يل يف العص ور األوائل‬

‫وقال دريد بن الصمة‪:‬‬


‫ف إن ال ت رتكي ع ذيل س فاها‬
‫تلمك عليه نفسك غري عصر‬

‫أي من غري أن مير بك كثري زمان‪ .‬وقال شريح بن هاين بن يزيد‬


‫بن هنيك بن وريد بن سفيان‪:‬‬
‫قد عشت بني املش ركني أعص را‬
‫ذرا‬ ‫ثــمت أدركت النيب املن‬

‫وقال مسعود بن مصاد بن حصن بن كعب بن عليم‪:‬‬


‫يء يعدله‬ ‫قد كنت يف عصر ال ش‬
‫فــبان مين وه ذا بع ده عص را‬

‫أي ه ذا الزم ان بعد ذلك أيضا م اض وم ّار‪ .‬وق ال أبو حزابة‬


‫الوليد بن حنيفة‪:‬‬

‫‪90‬‬
‫وكـنا حس بناهم ف وارس كهمس‬
‫حي وا بعد ما م اتوا من ال دهر أعص را‬

‫أي بعد أن كانوا يتني حقبا‪ .‬وقال ابن هرمه‪:‬‬


‫أذك رت عص رك أم ش جتك رب وع‬
‫وع‬ ‫واد مض‬ ‫أم أنت مبتل الف‬

‫أي ذكرت زمانك املاضي‪.‬‬


‫‪‬‬
‫[غُثاء] ما هاج من الزبد والنبات‪ ،‬وإذا استعمل للنبات فهو ملا‬
‫كثر من شدة اخلصب‪ ،‬قال القطامى يصف واديا‪:‬‬
‫حلـوا بأخضر قد م الت سرارتـه‬
‫من ذي غث اء على األع راض أنض اد‬

‫سرارة الوادي‪ :‬وسطه‪ .‬اإلعراض‪ :‬هي اجلوانب‪ .‬واإلنضاد‪ :‬ملقى‬


‫بعضه على بعض أي حلوا بواد معشب قد صار ما هاج من النبات يف‬
‫وسطه أنضاد على جوانب وسطه‪ .‬وقال أيضا يصف زبد املاء‪:‬‬
‫را إليهم‬ ‫اش املاء منهم‬ ‫وج‬
‫ك ان غث اءه خ رق نشـار‬

‫أي كان زبده مالءة مبسوطة منثورة‪.‬‬


‫وقال امرؤ القيس‪:‬‬
‫‪91‬‬
‫دوة‬ ‫ان ذرى رأس اجمليمر غ‬ ‫ك‬
‫من الس يل والغث اء فلكة مغ زل‬

‫أي ذرى رأس اجمليمر حماطة بالزبد فبي اض الغث اء حوهلا جعلها‬
‫ش بيها بفلكة مغ زل‪ ،‬وال معىن ههنا لقمش الس يل ح ول ال ذرى‪ ،‬ف إن‬
‫املقصود هو التشبيه يف االبيضاض‪.‬‬
‫‪‬‬
‫[الغيب] الغيب‪ ،‬اسم احلدثان من غاب غيبا وغيبة غيابا وغيوبا‬
‫وأيض ا يطلق على ما غاب عنك‪ ،‬وضده الشهادة‪ .‬قال تعاىل‪:‬‬ ‫ومغيبا‪ً ،‬‬
‫الش َه َاد ِة﴾‪ 230‬أي هو غ ائب عن ا‪ ،‬وما هو مش هود لنا‬ ‫ب َو َّ‬ ‫﴿ َع امِلُ الْغَْي ِ‬
‫نت‬
‫وعلى ما ال س بيل إىل علمه كما حكى اهلل عن الن يب‪َ ﴿ :‬ولَ ْو ُك ُ‬
‫ت ِم َن اخْلَرْيِ ﴾‪ 231‬وكما قال حامت الطائي‪:‬‬
‫ب الَ ْستَكَْث ْر ُ‬ ‫أ َْعلَ ُم الْغَْي َ‬
‫ريه‬ ‫ذي ال يعلم الغيب غ‬ ‫أما وال‬
‫بيض وهي رميم‬ ‫ام ال‬ ‫وحيي العظ‬

‫وعلى املك ان ال ذي ليس مبش هد من ك‪ ،‬واجلانب ال ذي ال يتعني‬


‫كما قال عبد الشارق اجلهين‪:‬‬
‫وة عن ظهر غيب‬ ‫مسعنا دع‬
‫فجلنا جولة مث ارعويـنا‬

‫سورة سورة األنعام ‪73 : 6‬‬ ‫‪230‬‬

‫سورة األعراف ‪188 :7‬‬ ‫‪231‬‬

‫‪92‬‬
‫ِ‬
‫نت‬
‫ك‪َ ،‬و َما ُك َ‬ ‫وحي ِه إِلَْي َ‬
‫ب نُ ِ‬
‫ك ِم ْن أَنبَ اء الْغَْي ِ‬ ‫وق ال تع اىل‪﴿ :‬ذَل َ‬
‫لَ َديْ ِه ْم إِ ْذ أَمْج َعُ واْ أ َْم َر ُه ْم﴾‪ 232‬ف بني معىن الغيب أي مل تكن مبش هد‬
‫ب﴾‪.233‬‬ ‫ات لِّْلغَْي ِ‬ ‫ِ‬
‫منهم‪ ،‬وعلى السر عموم ا‪ ،‬كما ق ال تع اىل‪َ ﴿ :‬حافظَ ٌ‬
‫ِ‬
‫َح ًدا﴾‪ 234‬فهذه مخسة وجوه معلومة‪.‬‬ ‫وأيضا ﴿فَاَل يُظْ ِهُر َعلَى َغْيبِه أ َ‬
‫ً‬
‫‪‬‬
‫[الفتن ة] الفتنة لكل ما خيترب به عقل اإلنس ان وعزمه من ل ذة أو‬
‫َّاك ُفتُونًا﴾‪ ،235‬ومنه فتنة املرءة وهلته‬
‫أمل‪ .‬فتنة امتحنه قال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َفَتن َ‬
‫والشيطان أغواه‪ .‬وفتنت الذهب أدخلته يف النار لتنظر ما جودته‪ ،‬ومنه‬
‫دينار مفتون‪ .‬ورق فتني أي فضة حمرقة‪ ،‬يقال حلرة فتني كأن حجارهتا‬
‫حمرق ة‪ .‬فكل ذلك وج وه ملعىن واح د‪ ،‬فقوله تع اىل‪﴿ :‬يُ ْفَتنُ و َن﴾‪ 236‬يف‬
‫س ورة ال ذاريات يلمح أوال إىل معىن اإلح راق وثانيا إىل أن ه ذه الن ار‬
‫مما فتنتم به يف ال دنيا من ش هواهتا وزخارفها اليت أنس تكم ي وم ال دين‬
‫فصرمت يف غمرهتا ساهني‪.‬‬
‫‪‬‬
‫[الفكر وال ذكر واآلي ة] الفكر هو النظر فيما وراء الش يء‬

‫سورة يوسف ‪102 :12‬‬ ‫‪232‬‬

‫سورة النساء ‪34 :4‬‬ ‫‪233‬‬

‫سورة اجلن ‪26 :72‬‬ ‫‪234‬‬

‫سورة طه ‪40 :20‬‬ ‫‪235‬‬

‫سورة الذاريات ‪13 :51‬‬ ‫‪236‬‬

‫‪93‬‬
‫ورمبا يس مى اعتب ارا فهو س لم إىل ف وق‪ .‬ف إذا انتهى إىل ما هو املنتهى‬
‫رجع القهق ري أو وق ف‪ ،‬ولكن التوقف ليس من ش أن الفك ر‪ ،‬فال بد‬
‫من رجعه بعد املنتهى‪ .‬ولذلك منع عن الفكر يف ذات اهلل إىل الفكر يف‬
‫اآلئم ة‪ ،‬وه ذا يش به انعك اس كل ق وة إىل نفس ها إذا ص ادف ما ال‬
‫ك الْبصر خ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس أً‬ ‫ب إِلَْي َ َ َ ُ َ‬ ‫صَر َكَّرَتنْي ِ يَن َقل ْ‬
‫تستطيع أن جتاوزه‪﴿ .‬مُثَّ ْارج ِع الْبَ َ‬
‫َو ُه َو َح ِس ريٌ﴾‪ .237‬وأما الذكر فهو القيام على الشيء وحفظه والتجرد‬
‫ل ه‪ ،‬فهو س كون كما أن الفكر حركة وال ذكر بعد النس يان أو الغفلة‬
‫مثل رد الس كون إىل الش يء بعد ال ذهاب أو االلتف ات عن ه‪ .‬وأما اآلية‬
‫فتتعلق بكليهم ا‪ ،‬فباآلية ت ذكر ما نس يت وك ذلك حتثك على الفكر‬
‫فهي حمركة لكلتا الق وتني‪ ،‬واآلية ال تك ون آية إال ملن هو أهل النظر‬
‫والبص رية‪ .‬واآلية لكوهنا مطية النظر والفكر وال ذكر تس مى بص رية‪،‬‬
‫ومن ال ينبته لآلية فهو ك األعمى‪ ،‬كما ق ال تع اىل‪﴿ :‬إِن ََّها اَل َت ْع َمى‬
‫الص ُدو ِر﴾‪ 238‬واآلية تنبه على‬ ‫وب الَّيِت يِف ُّ‬ ‫ِ‬
‫ص ُار َولَكن َت ْع َمى الْ ُقلُ ُ‬ ‫اأْل َبْ َ‬
‫الذكر والفكر والنظر وعلى التأثر من هذه الثالث من عواطف النفس‪،‬‬
‫مثل الشكر واخلشية واإلنابة والتضرع والعزم والثبات وغريها‪ ،‬فتأمل‬
‫ف اللَّْي ِل‬ ‫ض واختِالَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يف قوله تع اىل‪﴿ :‬إِ َّن يِف َخ ْل ِق َّ‬
‫الس َم َاوات َواأل َْر ِ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫والن َ ِ‬
‫ودا َو َعلَ َى‬
‫ين يَ ْذ ُكُرو َن اللّ هَ قيَ ًاما َو ُقعُ ً‬ ‫َّه ار آليَ ات أِّل ُْويِل األلْبَ اب الذ َ‬ ‫َ‬
‫ت َه ذا‬ ‫ِ‬
‫الس َم َاوات َواأل َْر ِ‬ ‫َّ‬ ‫هِبِ‬
‫ُجنُ و ْم َو َيَت َفكُرو َن يِف َخ ْل ِق َّ‬
‫ض َربَّنَا َما َخلَ ْق َ‬
‫ِ‬ ‫اطالً س بحانَ ِ‬
‫َّك َمن تُ ْدخ ِل الن َ‬
‫َّار َف َق ْد‬ ‫اب النَّا ِر‪َ .‬ربَّنَا إِن َ‬‫ك فَقنَا َع َذ َ‬ ‫بَ ِ ُ ْ َ َ‬
‫سورة امللك ‪4 :67‬‬ ‫‪237‬‬

‫سورة احلج ‪46 :22‬‬ ‫‪238‬‬

‫‪94‬‬
‫أَخزيتَ ه وما لِلظَّالِ ِمني ِمن أَنص ا ٍر‪َّ .‬ربَّنَا إِنَّنَا مَسِ عنَا منَ ِاديا ينَ ِادي لِ ِإلميَ ِ‬
‫ان‬ ‫ْ ُ ً ُ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َْ ْ ُ َ َ‬
‫ِ‬
‫وبنَا َو َكف ِّْر َعنَّا َس يِّئَاتنَا َوَت َو َّفنَا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫أَ ْن آمنُ واْ ب َربِّ ُك ْم فَ َ‬
‫آمنَّا‪َ ،‬ربَّنَا فَ ا ْغف ْر لَنَا ذُنُ َ‬
‫ك َوالَ خُتْ ِزنَا َي ْو َم الْ ِقيَ َام ِة‬ ‫ِ‬
‫األب َرا ِر‪َ .‬ربَّنَا َوآتِنَا َما َو َع دتَّنَا َعلَى ُر ُس ل َ‬ ‫َم َع ْ‬
‫ف الْ ِم َيع َاد‪.239﴾.‬‬ ‫ِ‬
‫َّك الَ خُتْل ُ‬‫إِن َ‬
‫‪‬‬
‫[قاتل واقتت ل] األول بني املخ الفني‪ ،‬والث اين بني رج ال ق وم‬
‫واح د‪ ،‬ف إن االفتع ال فعل يتعلق بفاعله ق ال تع اىل‪َ ﴿ :‬ولَ ْو َش اء اللّ هُ َما‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ا ْقتََتلُواْ﴾ وكذلك يف سورة احلجرات‪َ ﴿ :‬وإِن طَائ َفتَ ان م َن الْ ُم ْؤمن َ‬
‫‪240‬‬
‫ني‬
‫ُخ َرى َف َق اتِلُوا الَّيِت‬ ‫ا ْقتتلُ وا فَأ ِ‬
‫ت إِ ْح َدامُهَا َعلَى اأْل ْ‬
‫َص ل ُحوا َبْيَن ُه َما ف إن َبغَ ْ‬
‫ْ‬ ‫ََ‬
‫َتْبغِي َحىَّت تَفيءَ إِىَل أ َْم ِر اللَّه﴾ ‪ .‬ف انظر كيف أتى بكلمة "اقتتل وا"‬
‫ِ ‪241‬‬ ‫ِ‬
‫فإذا مل يقبل اإلصالح ومتادى يف بغية جاء بكلمة "قاتلوا"‪.‬‬
‫‪‬‬
‫[القربان] ما يتقرب به العبد إىل اهلل تعاىل بالتسليم له مما أعطاه‬
‫تض رعا وش كرا‪ .‬فاإلس الم هو القرب ان‪ ،‬وهو قرب ان النفس هلل تع اىل‪.‬‬
‫واهلل تع اىل ك رمي ش كور‪ .‬أعطى أوال جمانا فكيف ال يزيد بعد تق دمي‬
‫الشكر والضراعة بني يديه‪ ،‬فقال‪﴿ :‬لَئِن َش َك ْرمُتْ ألَ ِز َ‬
‫يدنَّ ُك ْم﴾‪ .242‬وقدر‬

‫سورة آل عمران ‪194-190 :3‬‬ ‫‪239‬‬

‫سورة البقرة ‪253 :2‬‬ ‫‪240‬‬

‫‪9: 49‬‬ ‫‪241‬‬

‫سورة إبراهيم ‪76 :14‬‬ ‫‪242‬‬

‫‪95‬‬
‫باب الربكات‪ .‬وقربان النفس‬ ‫املزيد بقدر الشكر‪ .‬فلذلك صار القربان َ‬
‫ني أَن ُف َس ُه ْم‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫أكرب الق رابني‪ .‬ق ال تع اىل‪﴿ :‬إِ َّن اللّ هَ ْ‬
‫اش َتَرى م َن الْ ُم ْؤمن َ‬
‫َن هَلُ ُم اجلَنَّةَ﴾‪ .243‬وال بد للقربان أن يكون أحب األشياء‪.‬‬ ‫َوأ َْم َواهَلُم بِ أ َّ‬
‫ولذلك وجب القربان بأبك ار الثمرات يف الت وراة‪" :‬إن قايني قدم من‬
‫أمثار األرض قربابا لل رب‪ ،‬وق دم هابيل أيضا من أبك ار غنمه ومن‬
‫مساهنا‪ ،‬فنظر ال رب إىل هابيل وقربانه ولكن إىل ق ايني وقربانه مل‬
‫بنظ ر"‪ 244‬وهك ذا يف ش ريعة موسى عليه الس الم جيب قرب ان األبك ار‪.‬‬
‫وهك ذا يف ش ريعة إب راهيم عليه الس الم إنه أمر بقرب ان بك ره أحب‬
‫أوالده‪ ،‬وهو إمساعيل ويف الت وارة تص ريح ب ذك‪ ،‬ولكن اليه ود ادخل وا‬
‫اسم إسحاق على سبيل التفسري‪ ،‬وهذا تفسريهم باطل‪ ،‬فإن إسحاق‬
‫عليه السالم مل يكن بكرا وال أحب إىل أبيه من إمساعيل‪ .‬وتفصيل هذا‬
‫يف قصة إمساعيل وإس حاق –عليهما الس الم‪ .‬وإذ ك ان القرب ان إظه ارا‬
‫للش كر والتض رع فال بد أن يك ون من قلب تقي‪ .‬ق ال تع اىل يف قصة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني﴾‪ 245‬وهكذا يف‬ ‫قربان هابيل وقابيل‪﴿ .‬قَ َال إِمَّنَا َيَت َقبَّ ُل اللّ هُ م َن الْ ُمتَّق َ‬
‫ذكر قربان احلج وهو األضحية‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬لَن َينَ َال اللَّهَ حُلُ ُ‬
‫وم َها َواَل‬
‫الت ْق َوى ِمن ُك ْم﴾‪ .246‬وهلذا وجب اخلض وع يف كل‬ ‫ِد َم ُاؤ َها َولَ ِكن َينَالُ هُ َّ‬
‫صدقة وزكوة وإنفاق يف سبيل اهلل‪.‬‬

‫سورة التوبة ‪111 :9‬‬ ‫‪243‬‬

‫سفر التكوين‪ :‬ص‪4‬‬ ‫‪244‬‬

‫سورة املائدة ‪27 :5‬‬ ‫‪245‬‬

‫سورة احلج ‪37 :22‬‬ ‫‪246‬‬

‫‪96‬‬
‫‪‬‬
‫[الكتاب] له معان‪.‬‬
‫كتاب اهلل كالم اهلل املتلو املنزل على رسله‪.‬‬
‫قض اء اهلل ال ذي قضى به لينف ذه نفسه كما ق ال تع اىل‪َ ﴿ :‬و َما‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وم﴾‪ .247‬أي أجل قضاه الرب‪.‬‬ ‫أ َْهلَكْنَا من َقْريَة إِالَّ َوهَلَا كتَ ٌ‬
‫اب َّم ْعلُ ٌ‬
‫ه‪َ ﴿ :‬ويُ َعلِّ ُم ُه ُم‬ ‫رائع كما ىف قول‬ ‫ما كتب علينا من الش‬
‫اب﴾‪.248‬‬ ‫ِ‬
‫الْكتَ َ‬
‫كت اب مش تمل لقض ائه ب املعىن الث اين كما يف قوله تع اىل‪َ ﴿ :‬والَ‬
‫اب ُّمبِ ٍ‬
‫ني﴾‪.249‬‬ ‫س إِالَّ يِف كِتَ ٍ‬ ‫ب َوالَ يَابِ ٍ‬
‫رطْ ٍ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرس الة وما يكتب ون كما ق ال تع اىل‪﴿ :‬إِيِّن أُلْق َي إِيَلَّ كتَ ٌ‬
‫اب‬
‫َك ِرميٌ﴾‪.250‬‬
‫‪‬‬
‫[كفر] َك َفَر كنصر سرت‪ ،‬قال لبيد‪:‬‬
‫وم ظالمها‬ ‫يف ليلة كفر النج‬

‫ومنه الكافر للبحر‪ ،‬قال ثعلبة بن صعرية املازين‪:‬‬


‫دا بعد ما‬ ‫ذكر اثقال رئي‬ ‫فت‬

‫سورة احلجر ‪4 :15‬‬ ‫‪247‬‬

‫سورة اجلمعة ‪2 :62‬‬ ‫‪248‬‬

‫سورة األنعام ‪59 :6‬‬ ‫‪249‬‬

‫سورة النمل ‪29 :27‬‬ ‫‪250‬‬

‫‪97‬‬
‫افر‬ ‫اء ميينها يف ك‬ ‫ألقت ذك‬

‫ومنه كف ره جح ده بنعمته فس رتها ضد ش كره‪ ،‬كما ق ال تع اىل‪:‬‬


‫ود َكف ُرواْ‬‫ورا﴾ ‪ .‬وق ال تع اىل‪﴿ :‬أَالَ إِ َّن مَثُ َ‬
‫‪251‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿إ َّما َش اكًرا َوإ َّما َك ُف ً‬
‫َربَّ ُه ْم﴾‪ 252‬ويف دع اء القن وت "ونش كرك وال نكف رك" وبالب اء أنك ره‬
‫ضد آمن ب ه‪ ،‬كما ق ال تع اىل‪﴿ :‬وَمن ي ْك ُف ر بِالطَّاغُ ِ‬
‫وت َويُ ْؤ ِمنْ‬ ‫َْ َ ْ‬
‫اهلل﴾‪ .253‬وعند اإلطالق ي راد به إنك ار ما ينبغي اإلميان به كما ق ال‬ ‫بِ ِ‬
‫تع اىل‪﴿ :‬فَ ِمن ُك ْم َك افٌِر َو ِمن ُكم ُّم ْؤ ِم ٌن﴾‪ .254‬وه ذا كثري ورمبا ي راد به‬
‫كفران النعمة كما مر‪.‬‬
‫اعلم أن هذه املادة قدمية جدا فتوجد يف غري اللغة السامية َك َو ْر (‬
‫ف‪،‬‬ ‫‪ )cover‬يف اإلنكليس ية مبعىن سرت وغطى‪ ،‬ويف العربية ك ور ل ّ‬
‫اغرب وكلج‪.‬‬ ‫اكفهر ّ‬
‫ّ‬ ‫ومنها غفر سرت‪ ،‬ومنه املغفر‪ .‬وغمر أيضا من كفر‬
‫‪‬‬
‫[الك وثر] الك وثر مبالغة الكثري فهو ذو ك ثرة عظيمة وبركة‬
‫وث روة ف إن الك ثر هو ال ثروة‪ .‬وقد مسوا به الرج ال كما مسوهم بكثري‬
‫وكثري‪ ،‬وترى استعماله على طريق الصفة يف قول لبيد‪:‬‬
‫وب فجعنا مبوته‬ ‫احب ملح‬ ‫وص‬

‫سورة اإلنسان ‪3 :72‬‬ ‫‪251‬‬

‫سورة هود ‪68 :11‬‬ ‫‪252‬‬

‫سورة البقرة ‪256 :2‬‬ ‫‪253‬‬

‫سورة التغابن ‪2 :64‬‬ ‫‪254‬‬

‫‪98‬‬
‫وثر‬ ‫رداع بيت آخر ك‬ ‫وعند ال‬

‫ويف قول أمية بن أيب عائذ اهلذيل‪:‬‬


‫حيامى احلقيق إذا ما احتد من‬
‫وثر كاجلـالل‬ ‫ومححن يف ك‬

‫فاستعمل الصفة بتقدير املوصوف‪ ،‬أي يف غبار كوثر وقد جعلوا‬


‫منه فعال‪ ،‬كما قال حسان بن نشبة‪:‬‬
‫أب وان ي بيحوا ج ارهم لعـدوهم‬
‫وقد ث ار نقع املوت حىت تك وثرا‬

‫فالكوثر يف سورة الكوثر من جهة اللسان حمتمل لثالثة وجوه من‬


‫التأوي ل‪ .‬األول‪ :‬أنه منق ول إىل االمسية فص ار خمتصا بالش يء مساه اهلل‬
‫تع اىل ب الكوثر‪ .‬والث اين‪ :‬أنه ص فة ق در موص وفها فص ار له بعض‬
‫التخص يص كق وهلم "م رد على ج رد" أي رج ال م رد على خيل ج رد‬
‫ات َذروا﴾‪ 255‬أي الرياح الذارايات‪ .‬و﴿ َذ ِ‬
‫ات‬ ‫وكقوله تعاىل‪﴿ :‬و َّ ِ ِ‬
‫الذاريَ ْ ً‬ ‫َ‬
‫اح َو ُد ُس ٍر﴾ أي فلك ذات أل واح ودس ر‪ .‬وه ذا كثري يف الق رآن‬
‫‪256‬‬
‫أَلْ َو ٍ‬
‫وكالم الع رب‪ ،‬ولكنه ال يوجد إال إذا ك انت الص فة خاصة‬
‫باملوص وف‪ ،‬فيفهم من ذكر جمرد الص فة أو دلت على املوص وف قرينة‬
‫أخرى‪ .‬والثالث‪ :‬أنه وصف باق على عموم معناه كأمساء الصنف اليت‬

‫سورة الذاريات ‪1 :51‬‬ ‫‪255‬‬

‫سورة القمر ‪13 :54‬‬ ‫‪256‬‬

‫‪99‬‬
‫تقع على القليل والكثري وال ختتص‪ ،‬وحينئذ يك ون من جوامع الكلم‪،‬‬
‫وحيتمل كلما ك ان فيه خري كث ري‪ ،‬وحيمل حسب الق رائن على بعض‬
‫األفراد‪.257‬‬
‫‪‬‬

‫[ال] رمبا ت أتى قبل الفعل إلثب ات ض ده كقوله ﴿ َواللّ هُ الَ حُيِ ُّ‬
‫ب‬
‫ني﴾‪ 258‬أي يبغضهم‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪﴿ :‬لِئَاَّل ي ْعلَم أ َْه ل الْ ِكتَ ِ‬
‫اب‬ ‫ِِ‬
‫الظَّالم َ‬
‫َ َ ُ‬
‫ض َل بِيَ ِد اللَّ ِه يُ ْؤتِي ِه َمن‬ ‫ٍ‬
‫أَاَّل َي ْق ِد ُرو َن َعلَى َش ْيء ِّمن فَ ْ‬
‫ض ِل اللَّ ِه‪َ ،‬وأ َّ‬
‫َن الْ َف ْ‬
‫يَ َشاء﴾‪ .259‬أي ليظهر جهلهم يف ذلك الوقت ‪.............‬‬
‫‪‬‬
‫[لعل] تأتى لعلة كثريا‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪‬‬
‫ِ‬
‫[اللعنة] خالف النصر‪ .‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َمن َيْل َع ِن اللّهُ َفلَن جَت َد لَ هُ‬
‫نَ ِ‬
‫ص ًريا﴾‪ .260‬وهي يف الغة الطرد‪.‬‬
‫‪‬‬
‫[مت اع] املت اع املص در‪ ،‬مث اسم ملا يتمتع ب ه‪ ،‬ومنه للس لعة‪.‬‬
‫‪ 257‬انظر يف تفسري سورة الكوثر ملصنف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬جتد هناك بعض التفصيل‬
‫والقول الراجح‪.‬‬
‫‪ 258‬سورة آل عمران ‪57 :3‬‬
‫‪ 259‬سورة احلديد ‪29 :57‬‬
‫‪ 260‬سورة النساء ‪52 :4‬‬
‫‪100‬‬
‫واملت اع يتض من قلة املدة فرمبا يؤكد بالتص ريح هبا‪ ،‬ورمبا يكتفي مبا‬
‫الد ْنيَا مُثَّ إِلَْينَا َم ْر ِجعُ ُه ْم﴾‪ .261‬أي‬
‫يفهم منه كما قال تعاىل‪َ ﴿ :‬متَ اعٌ يِف ُّ‬
‫متتع ملدة قليلة‪ .‬والشواهد على ما ذكرنا كثرية‪.‬‬
‫‪‬‬
‫[مص دقا لما بين يدي ه] كلمت ان مل يفهمهما أك ثر الن اس‪،‬‬
‫فظن وا أن الق رآن يش هد ب الكتب احملرفة املبدل ة‪ ،‬إما مص دقا فقد ك ان‬
‫مظنة للش بهة الش رتاك كلمة التص ديق‪ ،‬وإما بني يديه فليجهل الن اس‬
‫بالعربية ‪-‬ال س يما يف ه ذا الزم ان‪ -‬ف اعلم أن ص دقه له معني ان‪ :‬ش هد‬
‫بصدق رجل أو كالم‪ ،‬واملعىن الثاين‪ :‬أن جعله صادقا فيما توقع‪ .‬قال‬
‫احلماسي‪:‬‬
‫دت نفسي وما ملكت مييين‬ ‫ف‬
‫ف وارس ص دقت فيهم ظنـوين‬

‫يس ظَنَّهُ فَاتََّبعُوهُ﴾‪.262‬‬‫يف القرآن‪﴿ :‬ولََق ْد صد َ ِ ِ ِ‬


‫َّق َعلَْيه ْم إبْل ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مث إذا ت أملت يف مواقع ه ذا الق ول علمت أن املراد هو املعىن‬
‫الثاين‪ .‬فإن النيب والقرآن جاء كما أخربت به التوارة فجعلها صادقة‪،‬‬
‫فإن ك ذبوا الق رآن والنيب يكن ذلك تك ذيبا لكتبهم‪ .‬وه ذا أيضا يظهر‬
‫إذا ت أملت أن حمم دا وعيسى ‪-‬عليهما الص لوات‪ -‬ي أتون هبذا الق ول‬
‫مستدال بصحة نبوهتما‪ ،‬فأي استدالل يف أهنم يشهدون بصدق ما عند‬

‫سورة يونس ‪70 :10‬‬ ‫‪261‬‬

‫سورة سبأ ‪20 :34‬‬ ‫‪262‬‬

‫‪101‬‬
‫اليهود‪.‬‬
‫أن تنب اء أحد الي وم وق ال إين آمنت باألنبي اء‪ ،‬وإنا نيب مثلهم فهل‬
‫يك ون ه ذا حجة على دع واه‪ .‬أما موقع اآلية فق ال تع اىل‪َ ﴿ :‬ولَ َّما‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ِّق لِّ َما َم َع ُه ْم َنبَ َذ فَ ِري ٌق ِّم َن الذ َ‬
‫ين‬ ‫صدٌ‬ ‫ول ِّم ْن عن د اللّ ه ُم َ‬ ‫اءه ْم َر ُس ٌ‬‫َج ُ‬
‫اب اللّ ِه َو َراء ظُ ُه و ِر ِه ْم َك أَن َُّه ْم الَ َي ْعلَ ُم و َن ﴾‪ 263‬أي‬ ‫أُوتُواْ الْ ِكتَ ِ‬
‫اب كتَ َ‬ ‫َ‬
‫ملا ج اءهم حممد ‪-‬ص لى اهلل عليه وس لم‪ -‬حسب ما وج دوا يف كتبهم‬
‫أعرض وا عن كتبهم وأنك روه ك أهنم ال يعلم ون‪ .‬وقبل ه ذه اآلي ة‪:‬‬
‫‪264‬‬
‫يق ِّمْن ُهم بَ ْل أَ ْكَث ُر ُه ْم الَ يُ ْؤ ِمنُو َن﴾‬
‫اه ُدواْ َع ْه داً نَّبَ َذهُ فَ ِر ٌ‬
‫﴿أ ََو ُكلَّ َما َع َ‬
‫فاس تدل ب أن فريقا منكم عاه دوا باإلميان هبذا الن يب‪ ،‬فكيف تنب ذون‬
‫ذلك العه د‪ ،‬ولكنكم غري مؤم نني‪ .‬وقد ذكر يف س ورة آل عم ران‬
‫عه دهم بإميان نيب ي أتيهم بص فات حممد عليه الص لوات‪ .‬وقد ذكر‬
‫ال رازي وغ ريه املعن يني من غري ختصيصه ب املعىن الث اين‪ ،‬ف رتكوا األمر‬
‫مش تبها ومل يت بني هلم وجه االس تدالل من مواقع الكالم‪ .‬ق ال ال رازي‪:‬‬
‫"اعلم أن معىن كون الرسول مصدقا ملا معهم هو أنه كان معرتفا بنبوة‬
‫موسى ‪-‬عليه الس الم‪ -‬وبص حة الت وراة أو مص دقا ما معهم من حيث‬
‫أن التوراة بشرت مبقدم حممد ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬فإذا أتى حممد‬
‫ك ان جمرد جميئه مص دقا للت وراة‪ .‬إما قوله نبذ فريق فمثل ل رتكهم‬
‫وإعراضهم مبثل ما يرمى به وراء الظهر‪ ،‬استغناء عنه وقلة التفات إليه‬
‫أما قوله تعاىل‪﴿ :‬من الذين أوتو الكتاب‪"﴾..............‬‬

‫سورة البقرة ‪101 :2‬‬ ‫‪263‬‬

‫سورة البقرة ‪100 :2‬‬ ‫‪264‬‬

‫‪102‬‬
‫وقال الرازي يف تفسري اآلية الثانية‪" :‬املسئلة األوىل ال شبهة يف أن‬
‫الق رآن مص دق ملا معهم يف أمر يتعلق بتكليفهم بتص ديق حممد ‪-‬ص لى‬
‫اهلل عليه وسلم‪ -‬يف النبوة‪ .‬والالئق بذلك هو كونه موافقا ملا معهم يف‬
‫داللة نبوته إذ قد عرف وا أنه ليس مبوافق ملا معهم يف س ائرا الش رائع (مل‬
‫يفهم معىن املوافقة) وعرفنا أنه مل يرد املوافقة يف باب أدلة القرآن‪ ،‬ألنه‬
‫مجيع كتب اهلل ك ذلك‪ ،‬وملا بطل الكل ثبت أن املراد موافقته لكتبهم‬
‫فيما خيتص بالنبوة‪ ،‬وما يدل عليها من العالمات والنعوت والصفات‪".‬‬
‫أال ت رى أن ال رازي جيتهد إىل إثب ات النب وة من ه ذه اآلية فهو مص يب‬
‫فيما حترى‪ ،‬وموقع الكالم يه دي إلي ه‪ ،‬أما دليله فكما ت رى‪ ،‬مث ق ال‬
‫اءهم َّما َعَرفُواْ َك َف ُرواْ بِ ِه﴾‪ 265‬قوال ضعيفا‬ ‫حتت قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬فلَ َّما َج ُ‬
‫ي دل على قلة معرفته ب التوراة والق رآن معاملا ق ال‪" :‬مل يعرف وا مبج رد‬
‫تلك األوص اف بل بظه ور املعج زات ص ارت تلك األوص اف‬
‫اب ِّم ْن ِعن ِد اللّ ِه‬ ‫ِ‬
‫اءه ْم كتَ ٌ‬ ‫كاملؤك دة" ومثل ذلك ما ق ال‪َ ﴿ :‬ولَ َّما َج ُ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّق لِّ َما َم َع ُه ْم َو َك انُواْ من َقْب ُل يَ ْس َت ْفت ُحو َن َعلَى الذ َ‬
‫ين َك َف ُرواْ َفلَ َّما‬ ‫صد ٌ‬‫ُم َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ين ﴾‪ .266‬أي ج اء‬ ‫اءهم َّما َعَرفُ واْ َك َف ُرواْ ب ه َفلَ ْعنَ ةُ اللَّه َعلَى الْ َك اف ِر َ‬
‫َج ُ‬
‫ه ذا الكت اب حسب ما وع دوا يف كتبهم مع وعد النصر باإلميان‬
‫بصاحب هذا الكتاب‪ .‬فكانوا يستفتحون على الكفار‪ ،‬ولكن ملا جاء‬
‫الكت اب وعرف وا أنه حسب ما وع دوا جح دوا ب ه‪ ،‬فلعنة اهلل على‬
‫الك افرين‪ .‬وه ذه اللعنة أيضا موع ودة يف كتبهم بتفص يل طوي ل‪ .‬يف‬

‫سورة البقرة ‪89 :2‬‬ ‫‪265‬‬

‫سورة البقرة ‪89 :2‬‬ ‫‪266‬‬

‫‪103‬‬
‫اب َما َك ا َن‬ ‫ص ِهم ِعْب رةٌ أِّل ُويِل األَلْب ِ‬ ‫سورة يوسف‪ ﴿ :‬لََق ْد َك ا َن يِف قَ ِ‬
‫َ‬ ‫ص ْ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ص يل ُك ل ش يءٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـكن تَص ِد َّ ِ‬ ‫ح ِديثًا ي ْفَت رى ولَ ِ‬
‫يق الذي َبنْي َ يَ َديْ ه َوَت ْف َ َّ َ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫َو ُه ًدى َو َرمْح َ ةً لَِّق ْوم يُ ْؤمنُ و َن﴾ ‪ .‬ذكر التص ديق ال من جهة إثب ات‬
‫‪267‬‬ ‫ٍ‬
‫الق رآن بل إلظه ار فوائد الق رآن ألنه يثبت ما س بقه ويفصل ويه دي‬
‫وهو الرمحة‪ ،‬فما أبع ده عن احلديث املف رتى‪ .‬يف األحق اف‪﴿ :‬قَ الُوا يَا‬
‫ص ِّدقًا لِّ َما َبنْي َ يَ َديْ ِه َي ْه ِدي‬ ‫وس ى ُم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َق ْو َمنَا إنَّا مَس ْعنَا كتَابًا أُن ِز َل من َب ْع د ُم َ‬
‫إِىَل احْلَ ِّق َوإِىَل طَ ِري ٍق ُّم ْس تَ ِقي ٍم﴾‪ 268‬أي ألنه يه دي إىل احلق وإىل‬
‫الصراط املستقيم فهو على منط كتاب موسى فكما أنه حق هذا حق‪،‬‬
‫ويثبت ما سبق وال يبطله يف أمر اهلداية‪ .‬يف سورة الصف‪َ ﴿ :‬وإِ ْذ قَ َال‬
‫ِعيس ى ابن م رمَي يا بيِن إِس رائِيل إِيِّن رس ُ ِ‬
‫ول اللَّه إِلَْي ُكم ُّم َ‬
‫ص ِّدقًا لِّ َما َبنْي َ‬ ‫َ ُْ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ ُ‬
‫‪269‬‬
‫ول يَ أْيِت ِمن َب ْع ِدي امْسُهُ أَمْح َ ُد﴾‬ ‫ي ِمن التَّور ِاة ومب ِّش را بِرس ٍ‬
‫يَ َد َّ َ ْ َ َ َُ ً َ ُ‬
‫فاستدل عيسى ‪-‬عليه الصلوات‪ -‬على نبوته من جهتني بإخبار خاص‬
‫عن نيب بعده‪ ،‬وبأن قد أخرب عنه يف كتبهم مث اآلية التالية‪َ ﴿ :‬و َم ْن أَظْلَ ُم‬
‫ب َو ُه َو يُ ْد َعى إِىَل اإْلِ ْس اَل ِم‪َ ،‬واللَّهُ اَل َي ْه ِدي‬ ‫ِ ِ‬ ‫مِم‬
‫َّ ِن ا ْفَت َرى َعلَى اللَّه الْ َك ذ َ‬
‫ور اللَّ ِه بِ أَ ْف َو ِاه ِه ْم‪َ .‬واللَّهُ ُمتِ ُّم نُ و ِر ِه‬ ‫ِ ِ‬
‫ني‪ .‬يُِري ُدو َن ليُطْف ُؤوا نُ َ‬
‫ِِ‬
‫الْ َق ْو َم الظَّالم َ‬
‫َولَ ْو َك ِر َه الْ َك افُِرو َن﴾‪ .270‬تؤيد ه ذا املعىن ف إهنم إذا مل يؤمن وا مبا‬
‫أخ ربت عنه الت وراة فقد اف رتوا على اهلل ك ذبا إلنك ارهم ما أن زل يف‬

‫سورة يوسف ‪111 :12‬‬ ‫‪267‬‬

‫‪30 :46‬‬ ‫‪268‬‬

‫‪6 :61‬‬ ‫‪269‬‬

‫‪7-8 :61‬‬ ‫‪270‬‬

‫‪104‬‬
‫الت وراة من اهلل وقول ه‪َ ﴿ :‬و ُه َو يُ ْد َعى إِىَل اإْلِ ْس اَل ِم﴾‪ 271‬يض يق عليهم‬
‫باب الفرار‪ ،‬فإن النيب املوعود جاء ويدعوهم إىل دين احلق فهم كذبوا‬
‫على اهلل ومرق وا من اإلس الم‪ .‬يف س ورة القص ص‪َ ﴿ :‬وإِ َذا يُْتلَى َعلَْي ِه ْم‬
‫ِ ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني﴾‪ 272‬أي‬ ‫قَ الُوا َآمنَّا بِ ه إِنَّهُ احْلَ ُّق من َّر ِّبنَا إِنَّا ُكنَّا من َقْبل ه ُم ْس لم َ‬
‫وعدوا بالنيب وصفته اخلاصة‪ ،‬فوجدوا يف القرآن تلك الصفة وقالوا إنا‬
‫كنا مس لمني هبذه اآلي ات إمجاال‪ ،‬وهو إكماله ال دين ووضع األصر‬
‫اب ِآمنُ واْ مِب َا‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫واإلغالل‪ .‬يف س ورة النس اء‪﴿ :‬يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫ين أُوتُ واْ الْكتَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫وها َفَنُر َّد َها َعلَى‬‫س ُو ُج ً‬‫ص ِّدقًا ل َما َم َع ُكم ِّمن َقْب ل أَن نَّطْم َ‬ ‫َنَّزلْنَا ُم َ‬
‫الس ب ِ‬
‫ت﴾‪ .273‬فه ذا الوعيد‬ ‫اب َّ ْ‬ ‫َص َح َ‬ ‫أ َْدبَا ِر َها أ َْو َن ْل َعَن ُه ْم َك َما لَ َعنَّا أ ْ‬
‫الشديد ينبغي أن يكون على عصيان أمر كتب عليهم‪ ،‬مث نرى أن قبل‬
‫هذه اآلية حكم يهدي إىل أن النيب املوعود هذا النيب‪ ،‬وهو حترمي اخلمر‬
‫قبل الصلوة‪.‬‬
‫‪‬‬
‫[مك ة] اختلف وا يف اش تقاق مك ة‪ ،‬وال شك أهنا مبدلة من بكة‬
‫جمليئها يف القرآن‪ ،‬وهكذا كان امسها عند حلول إمساعيل وذرية إبراهيم‬
‫يف واديه ا‪ ،‬وه ذه الكلمة معناها املس تعمرة كما ت رى يف لفظ بعلب ك‪.‬‬
‫وه ذه الكلمة هي اليت تب دلت يف العربية بقعة وأص لها من الفارس ية‪،‬‬

‫سورة الصف‪7 :61‬‬ ‫‪271‬‬

‫سورة القصص ‪53 :28‬‬ ‫‪272‬‬

‫‪47 :4‬‬ ‫‪273‬‬

‫‪105‬‬
‫وهي بغ كما ت رى يف بغ داد‪ ،‬ومنها كلمة ب اغ للبس تان‪ ،‬وملا ج اء‬
‫إبراهيم من ملك بابل جعل ملكة امسا من لسانه‪.‬‬
‫‪‬‬
‫[م ْن] ليس معناه كل من‪ .‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬أَمَلْ َت َر أ َّ‬
‫َن اللَّهَ يَ ْس ُج ُد‬ ‫َ‬
‫ات َو َمن يِف اأْل َْر ِ‬‫الس ماو ِ‬
‫وم‬
‫ُّج ُ‬ ‫س َوالْ َق َم ُر َوالن ُ‬ ‫الش ْم ُ‬
‫ض َو َّ‬ ‫لَ هُ َمن يِف َّ َ َ‬
‫اب‬ ‫ِ‬ ‫اب و َكثِ ري ِّمن الن ِ ِ‬ ‫َواجْلِبَ ُ‬
‫َّاس َو َكث ريٌ َح َّق َعلَْي ه الْ َع َذ ُ‬ ‫َّو ُّ َ ٌ َ‬ ‫الش َجُر َوال د َ‬
‫ال َو َّ‬
‫َو َمن يُِه ِن اللَّهُ فَ َما لَ هُ ِمن ُّم ْك ِرٍم إِ َّن اللَّهَ َي ْف َع ُل َما يَ َش اء﴾‪ .274‬أي كثري‬
‫من الن اس ال يس جد فحق عليه الع ذاب‪ ،‬وهلم ع ذاب اهلون ملا أهنم‬
‫استكربوا عن اخلشوع هلل فليس من يدفع عنه اهلون‪.‬‬
‫‪‬‬
‫[المن] هذه كلمة مأخوذة من أهل الكتاب وعرفتها العرب‪.‬‬
‫ّ‬
‫قال أعشى ميمون‪:‬‬
‫لو أطعم وا املن والس لوى مك اهنم‬
‫اس طعما فيهم جنعـا‬ ‫ما أبصر الن‬

‫وأهل الكتاب مل يهتدوا الشتقاقها ففي سفر اخلروج‪" :‬فكان يف‬


‫املس اء أن الس لوى ص عدت وغطت احملل ة‪ ،‬ويف الص باح ك ان س قيط‬
‫الن دى ح واىل احمللة وملا ارتفع س قيط الن دى إذا على وجه الربية ش يء‬
‫دقيق مثل قش ور‪ .‬دقيق كاجلليد على األرض فلما رأى بنو إس رائيل‬

‫سورة احلج ‪18 :22‬‬ ‫‪274‬‬

‫‪106‬‬
‫قال بعضهم لبعض َم ْن هو‪ .‬ألهنم مل يعرفوا ما هو فقال هلم موسى هو‬
‫اخلبز ال ذي أعط اكم لت أكلوا ‪ .........‬وك انوا يلتقطونه ص باحا‬
‫فص باحا كل واحد حسب أكل ه‪ ،‬وإذا محيت الش مس ك ان‬
‫ي ذوب"‪ .275‬ويؤي ده ما ج اء يف احلديث عن النيب ‪-‬ص لى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ -‬أنه قال‪ :‬الكماة من املن" أي كلمة املن يشمل كلما من اهلل به‬
‫مما خترجه األرض القفر للن اس‪ ،‬ويؤي ده تس مية الطري اليت أتتهم‬
‫الس لوى‪ .‬ولس ان العربانية أق رب من العربي ة‪ .‬والرواي ات اليت عن دنا‬
‫م أخوذة مما ق دمنا من س فر اخلروج‪ ،‬فعن جماهد املن ص مغة‪ .‬وعن‬
‫الس دي‪ :‬املن ك ان يس قط على ش جر الرتجنبني‪ .‬وعن وهب‪ :‬خ بز‬
‫الرقاق مثل الذرة ومثل النقي‪ .‬وهذا ملا سبق من قول موسى‪ ،‬هو اخلبز‬
‫الذي أعطاكم‪ .‬وقد كثر يف الصحف إطالق اخلبز على الطعام‪ ،‬ولعله‬
‫أيضا مأخوذ من قول أهل الكتاب مما فسروا به املن ففي سفر العدد‪:‬‬
‫"وأما املن فك ان ك بزر الكزب رة ومنظ ره كمنظر املق ل‪ .‬ك ان الش عب‬
‫يطوف ون ليلقتط وه مث يطحنونه ب الرحى أو يدقونه يف اهلاون ويطبخونه‬
‫يف الق دور ويعملونه مالّت وك ان طعمه كطعم قط ائف ب زيت"‪.276‬‬
‫والظ اهر أن ه ذا التفسري مما أدخله املت أخرون منهم إذ مل يفهم وا معىن‬
‫اخلبز‪ .‬وعن قت ادة‪ :‬ك ان املن ي نزل عليهم مثل الثلج وه ذا املاء "دقيق‬
‫كاجلليد على األرض" وعن بن زي د‪ :‬املن عسل ك ان ي نزل من الس ماء‬
‫فهذه األقوال كلها مأخوذة من أهل الكتاب‪.‬‬

‫‪13 :16‬‬ ‫‪275‬‬

‫‪7 :11‬‬ ‫‪276‬‬

‫‪107‬‬
‫‪‬‬
‫[النصارى] مجع نصران‪ ،‬مثل ندامى مجع ندمان‪ .‬وهذا االسم‬
‫ك ان هلم يف األول وق دماؤهم مل ينك روه‪ ،‬ولكن املت أخرين منهم ظن وه‬
‫شتما وأنكروا هذا االسم عنادا بأوائلهم‪ .‬وبيان ذلك أن أتباع املسيح‬
‫ص اروا فرق تني؛ فرقة اتبع وا اخلليفة ب احلق مشعون وتس موا باسم‬
‫النصارى‪ ،‬وكلهم آمنوا مبحمد وهم الذين مدحهم القرآن‪ ،‬حيث قال‬
‫ين قَ الَُواْ إِنَّا‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تع اىل‪َ ﴿ :‬ولَتَج َد َّن أَْق َر َب ُه ْم َّم َو َّدةً لِّلَّذ َ‬
‫ين َآمنُ واْ الذ َ‬
‫ص َارى﴾‪ .277‬فص رح ب أن املراد هم ال ذين تس موا هبذا االس م‪ .‬وفرقة‬ ‫نَ َ‬
‫اتبع وا بول وس املبت دع وهم الب اقون اآلن‪ .‬وه ؤالء قد زعم وا أن‬
‫النص ارى كلمة التحق ري‪ ،‬ألهنا نس بة إىل ناص رة‪ ،‬وهي قرية حق رية‬
‫عندهم كما جاء يف يوحنا‪" :‬فيلبس وجد نثنائيل وقال له وجدنا الذي‬
‫كتب عنه موسى يف الن اموس واألنبي اء يس وع بن يوسف ال ذي من‬
‫الناصرة‪ .‬فقال له نثنائيل من الناصرة ميكن أن يكون شيء صاحل"‪.278‬‬
‫وهذا من تكرب هذه الفرقة فإن الناصرة كانت مولد عيسى فأي حقارة‬
‫يف النس بة إليه ا‪ .‬وقد زعم وا أن الناص رة ك انت مول ده كما جا يف‬
‫أن اجيلهم بل أنه ي دعى ناص ريا كما ج اء يف م ىت‪" :‬وأتى وس كن يف‬
‫مدينة يق ال هلا ناص رة لكي يتم ما قيل باألنبي اء أنه س يدعى‬
‫ناص ريا"‪ .279‬وزعم الط اعنون أن الق رآن مل يع رف ه ذه التس مية‬

‫سورة املائدة ‪82 :5‬‬ ‫‪277‬‬

‫‪45 :1‬‬ ‫‪278‬‬

‫‪24 :2‬‬ ‫‪279‬‬

‫‪108‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يس ى ابْ ُن َم ْرمَيَ ل ْل َح َوا ِريِّ َ‬
‫ني َم ْن‬ ‫وجعلها من النصرة ملا جاء فيه‪﴿ :‬قَ َال ع َ‬
‫َنص ُار اللَّ ِه﴾‪ .280‬وه ذا الطعن‬ ‫ِ‬
‫َنص ا ِري إِىَل اللَّه قَ َال احْلََوا ِريُّو َن حَنْ ُن أ َ‬
‫أ َ‬
‫منشأه مبعىن اآلية فإهنا إمنا ذكرت أمرا حقا‪ ،‬ومل تذكروا التسمية نعم‬
‫فيها إش ارة إىل أن املس لمني بالنص ارى جيب عليهم نصر احلق ملا يف‬
‫امسهم ت ذكار ل ذلك‪ .‬وأمث ال ه ذه األش ارات توجد يف كالم األنبي اء‬
‫ق ال عيسي ‪-‬عليه الس الم‪ -‬لش معون وك ان ي دعى ص فا‪" :‬وأنا أق ول‬
‫لك أيضا أنت صفا وعلى هذا الصفا ابين كنيسيت"‪.281‬‬
‫‪‬‬
‫[ه ادوا] ه اد يه ود ه ود أن اب ورج ع‪ .‬ق ال تع اىل حكاية عن‬
‫دع اء موسى عليه الس الم‪﴿ :‬وا ْكتب لَنا يِف ه ِ‬
‫ـذ ِه ال ُّد ْنيَا َحس نَةً َويِف‬
‫َ‬ ‫َ ُْ َ َ‬
‫وأيض ا ه اد ص ار يهوديا ق ال تع اىل‪:‬‬ ‫‪282‬‬ ‫ِ‬
‫اآلخ َر ِة إِنَّا ُه ْدنَـا إِلَْي َ‬
‫ك﴾ ‪ً .‬‬
‫ص َارى﴾‪ .283‬وهكذا هتود وذلك على طريق‬ ‫ودا أ َْو نَ َ‬
‫﴿ َوقَالُواْ ُكونُواْ ُه ً‬
‫العربية كما يق ال تنصر من النص رانية‪ .‬وزعم الط اعنون يف الق رآن أن‬
‫هذه الكلمة خطأ‪ ،‬فإن اسم اليهود ليس مأخوذا من مادة هود‪ ،‬بل هو‬
‫للنس بة إىل يه وذا فن بني اش تقاق ه ذا االسم لتعلم أن طعنهم من س وء‬
‫فهمهم القرآن وصحفهم‪ ،‬أما القرآن فاستعماله هذه الكلمة ليس إجياد‬
‫لفظ من قبله بل هو حسب لسان العرب‪ ،‬فإهنم جعلوا فعل هاد يهود‬
‫سورة الصف‪14 :61‬‬ ‫‪280‬‬

‫مىت ‪18 :16‬‬ ‫‪281‬‬

‫سورة األعراف ‪56 :7‬‬ ‫‪282‬‬

‫سورة البقرة ‪135 :2‬‬ ‫‪283‬‬

‫‪109‬‬
‫ملن كان يهوديا‪ ،‬وقوله هدنا ليس لبيان اشتقاق اسم اليهود‪ ،‬بل جاء‬
‫يف معن اه األص لي‪ .‬ومع ذلك أش ار إىل أصل ذهلت اليه ود عنه كما‬
‫سيأتيك ذكره‪ .‬وأما سوء فهمهم بصحفهم فستطلع عليه مما نذكره‪،‬‬
‫فاعلم أن يهوذا كان ابنا رابعا ليعقوب من اثىن عشر ابنا الذين خرج‬
‫منهم األس باط االثنا عش ر‪ ،‬وأعطى كلهم نص يبا من األرض يف عهد‬
‫يش وع‪ ،‬فوقع يف نص يب بين يه وذا من أرش ليم إىل أقصى اجلن وب‪،‬‬
‫وك ان داؤد عليه الس الم من ه ذا الس بط‪ ،‬واحنازت مملكة بين إس رائيل‬
‫كلها إليه فعظم أمر س بط يه وذا مث ورث امللك بع ده ابنه س ليمان‬
‫‪-‬عليه الس الم‪ -‬وبىن اهليكل يف دار ملكه ف زاد ذلك عظمة أخ رى‬
‫بسط يه وذا وملكهم‪ ،‬مث بعد ذلك وقع بينهم اختالف‪ ،‬فص ارت ه ذه‬
‫األمة فرق تني؛ يه وذا على ج انب وبقية بين إس رائيل على آخ ر‪ ،‬ومحل‬
‫ذكر ب اقي األس باط فك ثر يف ص حف اليه ود ذكر يه وذا وإس رائيل‪ .‬مث‬
‫بعد ما س باهم الكل دانيون ص ار اليه ود امسا عاما لبين إس رائيل‪ .‬وذلك‬
‫يدل على عدم فرقهم بني يهوذا بالذال املعجمة ويهود بالدال املهملة‪.‬‬
‫وقد التبس اش تقاق ه ذا االسم على اليه ود‪ ،‬ف إهنم ظن وا أنه من يه و؛‬
‫أي ال رب تع اىل‪ ،‬وذا؛ أي ه ذا‪ .‬وس بب ه ذا الظن أهنم وج دوا أمساء‬
‫مركبة من يهو وكلمة أخ رى موص ولة به مثل يهو يا قيم‪ .‬ومل يفهم وا‬
‫العب ارة اليت وج دوها يف س فر التك وين يف س بب التس مية وهي‪:‬‬
‫"وحبلت أيضا (أي ليئة زوجة يعق وب عليه الس الم) وول دت ابنا‬
‫وق الت ه ذه املرة أمحد ال رب‪ .‬ل ذلك دعت امسه يه وذا"‪ .284‬فظن وا أن‬
‫‪35 :29‬‬ ‫‪284‬‬

‫‪110‬‬
‫يه وذا يشري إىل ه ذه املرة ويهو ه ذا خطأ ف إن االسم يشري إىل أمحد‬
‫ال رب‪ ،‬والعب ارة حمتملة هلذا التأويل أيض ا‪ ،‬وال دليل على ص حته أم ور‬
‫األول أن اإلش ارة إىل مع اين أمساء ابن اء يعق وب كما ج اءت يف ذكر‬
‫والهتم فهك ذا ج اءت يف دع اء يعق وب حني ب اركهم مثالً ج اء عند‬
‫ذكر الوالدة يف سفر التكوين‪" :‬وحبلت أيضا ليئته وولدت ابنا سادسا‬
‫ليعقوب‪ .‬فقالت ليئة قد وهبين اله هبة حسنة اآلن يساكنين رجلي ألين‬
‫ولدت له ستة بنني فدعت امسه زبولون"‪ .285‬وجاء يف هذا السفر عند‬
‫ذكر الربك ة‪" :‬زبول ون عند س احل البحر يس كن"‪ .286‬فأش ار يف كال‬
‫املوض عني إىل معىن الس كونة‪ .‬فهك ذا ج اء يف دعائه يه وذا يف ه ذا‬
‫الس فر‪" :‬يه وذا إي اك حيمد إخوتك ي دك عى قفا أع دائك يس جد لك‬
‫بنو أبي ك"‪ .287‬فت بني أن وجه التس مية هو احلمد والطاع ة‪ ،‬وأن اسم‬
‫يه وذا ليس مركبا من يهو وذا بل هو كلمة واح دة من م ادة ه ود‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬أن بعد اليب جند اسم اليهود يطلق عليهم‪ ،‬واسم اليهودي على‬
‫لس اهنم كما ج اء يف سفر ع زرا وحنميا وأس تري واش عيا وارميا وداني ال‬
‫وإجنيل حىت اش تهر ه ذا االس م‪ ،‬فلو ك ان األصل يه وذا لس موا‬
‫باليهوذي بالذال املعجمة‪ .‬والثالث أنا األمساء املركبة من يهو ال بد أن‬
‫تتض من كلمة أخ رى ت دل على وصف يليق وص له بـ’يهو‘ وكلمة ذا‬
‫ليست مما يليق بأن يضم بـ’يهو‘ يف تسمية خملوق فإن املعىن يكون هذا‬

‫‪19 :30‬‬ ‫‪285‬‬

‫‪13 :39‬‬ ‫‪286‬‬

‫‪8 :49‬‬ ‫‪287‬‬

‫‪111‬‬
‫اهلل وشناعة هذه التس مية ظاهرة‪ .‬والقرآن رمبا ينبه على خطأهم كما‬
‫هو مبسوط يف موضعه فنبه على أن اسم يهوذا الذي انتسبوا إليه أصله‬
‫من م ادة ه ود‪ .‬ومن حسن إش ارة الق رآن أنه نبه اليه ود على معىن‬
‫امسهم ليعلموا أهنم يلزمهم أن يتوبوا إىل رهبم‪.‬‬
‫‪‬‬
‫[ه َدى] هو اسم احلدثان من هدى يهدي‪ ،‬ويأيت حسب أصل‬
‫ُ‬
‫معلوم يف إطالق أمساء احلدثان على وجوه‪.‬‬
‫فاألول أنه النور والبصرية يف الفؤاد‪ ،‬كما قال قس بن ساعدة‪:‬‬
‫رت دل على اهلل‬ ‫ذي قد ذك‬ ‫وال‬
‫دى واعتبـــار‬ ‫نفوسا هلا ه‬

‫اه ْم‬ ‫َّ ِ‬


‫ين ْاهتَ َد ْوا َز َاد ُه ْم ُه ًدى َوآتَ ُ‬ ‫وكما ق ال تع اىل‪َ ﴿ :‬والذ َ‬
‫س ُه َد َاها"‪ .289‬والثاين هو‬ ‫وأيضا " َولَ ْو ِشْئنَا آَل َتْينَا ُك َّل َن ْف ٍ‬
‫ً‬
‫‪288‬‬
‫واه ْم﴾‬
‫َت ْق ُ‬
‫ال دليل والبينة وما هتت دى به كما يف قوله تع اىل‪﴿ :‬أ َْو أ َِج ُد َعلَى النَّا ِر‬
‫ان﴾‪ .291‬أيضا ﴿بِغَرْيِ‬ ‫ات ِّمن اهْل َدى والْ ُفرقَ ِ‬ ‫ه ًدى﴾‪ 290‬وأيض ا ﴿وبِّينَ ٍ‬
‫َ ُ َ ْ‬ ‫ً ََ‬ ‫ُ‬
‫ِ ٍ ِ ٍ ‪292‬‬ ‫ِ‬
‫ع ْل ٍم َواَل ُه ًدى َواَل كتَاب ُّمنري﴾ ‪ .‬والثالث الطريق الواضح املوصل‪.‬‬

‫سورة حممد ‪17 :47‬‬ ‫‪288‬‬

‫سورة السجدة ‪13 :32‬‬ ‫‪289‬‬

‫سورة طه ‪10 :20‬‬ ‫‪290‬‬

‫البقرة ‪185 :2‬‬ ‫‪291‬‬

‫سورة احلج ‪8 :22‬‬ ‫‪292‬‬

‫‪112‬‬
‫قال امرؤ القيس‪:‬‬
‫ومن الطريقة ج ائر وه دى‬
‫بيل ومنه ذو دخل‬ ‫قصد الس‬

‫َّك لَ َعلَى ُه ًدى ُّم ْس تَ ِقي ٍم﴾‪ .293‬ومنه للس نة‬ ‫ويف الق رآن‪﴿ :‬إِن َ‬
‫والش ريعة كما ق ال تع اىل‪﴿ :‬فَبِ ُه َد ُاه ُم ا ْقتَ ِد ْه﴾‪ 294‬و﴿إِ َّن اهْلُ َدى ُه َدى‬
‫ِ ‪295‬‬
‫ص َعلَى‬ ‫اللّه﴾ ‪ .‬والرابع اسم لفعل اهلداية‪ ،‬كما قال تعاىل‪﴿ :‬إِن حَتْ ِر ْ‬
‫ك َه َد ُاه ْم‬‫س َعلَْي َ‬ ‫ي‬‫َ‬‫ل‬ ‫﴿‬ ‫أيضا‬ ‫‪296‬‬
‫ض ُّل﴾‬ ‫ه َداهم‪ ،‬فَ ِإ َّن اللّ ه الَ يه ِدي من ي ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َْ َ ُ‬ ‫ُ ُْ‬
‫َولَ ِك َّن اللَّهَ َي ْه ِدي َمن يَ َشاءُ﴾ ‪ .‬أيضا ﴿إِ َّن َعلَْينَا لَْل ُه َدى﴾ ‪ .‬وهذه‬
‫‪298‬‬ ‫‪297‬‬

‫الوجوه كلها من جهة العربية مث العرب تسمي األشياء ببعض وصفها‬


‫الظاهر‪ ،‬فعلى هذا األسلوب مسى اهلل تعاىل كتابه هدى من جهة هذه‬
‫الوج وه كلها لكونه جامعا هلا‪ ،‬والش يء الواحد يس مى بأمساء عدي دة‪،‬‬
‫فاهلدى من أمساء كت اب اهلل‪ ،‬كما ق ال تع اىل ذك را لقيل مومين اجلن‪:‬‬
‫﴿ َوأَنَّا لَ َّما مَسِ ْعنَا اهْلَُدى َآمنَّا بِِه﴾‪.299‬‬

‫سورة احلج ‪67 :22‬‬ ‫‪293‬‬

‫سورة األنعام ‪90 :6‬‬ ‫‪294‬‬

‫سورة آل عمران ‪73 :3‬‬ ‫‪295‬‬

‫سورة النحل ‪37 :16‬‬ ‫‪296‬‬

‫سورة البقرة ‪272 :2‬‬ ‫‪297‬‬

‫سورة الليل‪92:12‬‬ ‫‪298‬‬

‫سورة اجلن‪13 :72‬‬ ‫‪299‬‬

‫‪113‬‬
‫‪‬‬
‫[وريْ د] ِع ْرق عند ال رتاقي‪ .‬ق ال معبة بن احلم ام ي رثي أخ اه‬
‫احلصني بن احلمام املري‪:‬‬
‫في وابن أمي واملواسـي‬ ‫ص‬
‫دا‬ ‫ارفت الوري‬ ‫إذا ما النفس ش‬

‫قال أبو زبيد الطائي‪:‬‬


‫ردين بسئ كنت منه‬ ‫من ي‬
‫جا بني حلقه والوريد‬ ‫كالش‬

‫‪‬‬
‫[يثرب] سالمة بن جندل (تويف ‪ 608‬بعد املسيح)‬
‫دف كلها‬ ‫اء خن‬ ‫اَاَل َهل أتى اقن‬
‫ثرب‬ ‫االن إذ ضم احلنني ي‬ ‫وعي‬

‫باملثناة وهي قرية باليمامة‪ .‬لعلها باملثلثلة‪ .‬وفيه اختالف‪ .‬عبيد بن‬
‫األبرص (سنة ‪ 555‬م)‪.‬‬
‫بىن‬ ‫ما‬ ‫بكى‬ ‫عني‬ ‫يا‬
‫الندامة‬ ‫أهل‬ ‫فهم‬ ‫أسد‬
‫رو‬ ‫اب احلم‬ ‫أهل القب‬
‫واملدامة‬ ‫املوبل‬ ‫النعم‬

‫‪114‬‬
‫اد اجلرد‬ ‫وذوي اجلي‬
‫املقامة‬ ‫املثقفة‬ ‫واألسل‬
‫ثرب‬ ‫يف كل واد بني ي‬
‫ور إىل اليمامة‬ ‫فالقص‬

‫ي ثرب‪ :‬ألن أول من س كنها ي ثرب بن قانية بن مهالئيل بن إرم‬


‫بن عبيل بن عوض بن إرم بن سام بن ن وح‪ .‬قيل إن يثرب اسم أرض‬
‫منها مدينة الرسول‪.300‬‬
‫قال الفراهي إن يثرب كان اسم بلد وسيع حسب سعة سكاهنا‬
‫وملا قل بنو يثرب ضاق نطاق هذا االسم فبقي ملدينة الرسول‪.‬‬

‫معجم البلدان‬ ‫‪300‬‬

‫‪115‬‬

You might also like