You are on page 1of 184

‫دولةماليزيا‬

‫وزارةالتعليمالعايل (‪)KPT‬‬
‫جامعةاملدينةالعاملية‬
‫كليةالدراساتاإلسالمية‬
‫قسمالدعوةوأصواللدين‬

‫أصول المنهج النبوي‬


‫في المتابعةالتربوية‬
‫رسالةمقدمةلنيلدرجةالماجستيرفيالدعوة‬

‫اسم الباحث‪ :‬حممدعادل عبداهلل‬


‫حتتإشراف‪ :‬دخالدعبدالسالم‬
‫كليةالدراساتاإلسالمية ‪ -‬قسمالدعوةوأصواللدين"‬

‫العامالجامعي ‪1434‬هـ ‪2013 -‬م‬

‫‪1‬‬


2
‫صفحة اإلقرار‬
‫أقرت جامعة املدينة العاملية مباليزيا حبث الطالب (حممد عادل عبداهلل) من اآلتية أمساؤهم‪:‬‬

‫املشرف‬

‫د\ خالد عبد السالم‬

‫املمتحن الداخلي‬

‫د‪ .‬محمد نور‬

‫املمتحن اخلارجى‬

‫د‪ .‬محمود مزروعة‬

‫أمحد حممد عبد العاطي‬

‫‪APPROVAL PAGE‬‬

‫‪3‬‬
The dissertation of (MOHAMED ADEL ABDALLA
:has been approved by the following )

__________________________

Supervisor

___________________________

Internal Examiner

__________________________

External Examiner

_____________________________

Chairman

‫إعالن‬

4
‫قمت جبمعه ودراسته‪ ،‬وقد عزوت النقل‬
‫أقر بأن هذا البحث هو من عملي اخلاص‪ُ ،‬‬
‫واالقتباس إىل مصادره‪.‬‬

‫اسم الطالب‪ :‬حممد عادل عبداهلل‬

‫التوقيع‪:‬‬

‫التاريخ‪:‬‬

‫‪DECLARATION‬‬

‫‪5‬‬
I hereby declare that this dissertation is the result of my
.own investigation, except where otherwise stated

Student’s name: MOHAMED ADEL ABDALLA

:Signature

:Date

‫جامعة املدينة العاملية‬

‫إقرار حبقوق الطبع وإثبات مشروعية استخدام األحباث العلمية غري املنشورة‬

)‫ © حمفوظة لـ (حممد عادل عبداهلل‬2009 ‫حقوق الطبع‬

6
‫عنوان البحث‪ " :‬أصواللمنهجالنبوي‬
‫فيالمتابعةالتربوية‬
‫ال جيوز إعادة إنتاج أو استخدام هذا البحث غري املنشور يف أي شكل أو صورة من دون‬
‫إذن مكتوب من الباحث إالّ يف احلاالت اآلتية‪:‬‬

‫ميكن االقتباس من هذا البحث بشرط العزو إليه‪.‬‬ ‫‪.1‬‬

‫حيق جلامعة املدينة العاملية مباليزيا اإلفادة من هذا البحث بشىت الوسائل وذلك‬ ‫‪.2‬‬
‫ألغراض تعليمية‪ ،‬وليس ألغراض جتارية أو تسويقية‪.‬‬

‫حيق ملكتبة جامعة املدينة العاملية مباليزيا استخراج نسخ من هذا البحث غري املنشور‬ ‫‪.3‬‬
‫إذا طلبتها مكتبات اجلامعات‪ ،‬ومراكز البحوث األخرى‪.‬‬

‫أ ّكد هذا اإلقرار‪ :‬حممد عادل عبداهلل‬

‫_____________‬ ‫_____________‬

‫ملخص‬
‫ٍ‬
‫بشريعة جامعة ملصاحل الدين والدنيا‪ ،‬وبذل عليه‬ ‫أُرسل رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬
‫اجلهد لرتبية أصحابه على التمسك بتلك الشريعة والعمل هبا‪ ،‬ومل‬
‫الصالة والسالم عظيم َ‬

‫‪7‬‬
‫تكن تل ك الرتبي ة لت ؤيت مثاره ا دون متابعت ه ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬الل تزام أص حابه‬
‫باإلسالم بكل أحكامه متابعة تضمن حسن فهمه وإحسان تطبيقه‪.‬‬
‫فاس تهدفت متابعت ه ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬لص حابته ثالث ة أم ور أساس ية‪ :‬ه دف بن ائي‬
‫لكي ان اإلنس ان بك ل جوانب ه‪ ،‬وه دف وق ائي ملن ع أي خل ل أثن اء عملي ة البن اء‪ ،‬وه دف‬
‫عالجي يهتم بإصالح اخللل وإزالة القصور‪.‬‬
‫وتضمنت متابعته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أشكاال منوعة من اإلعانة والتوجيه‪ ،‬وتصويب‬
‫األخط اء‪ ،‬ومشلت ك ل اجملاالت اهلام ة املؤثرة يف حي اة الف رد واجلماع ة‪ ،‬ابت داءً من أم ورهم‬
‫الديني ة‪ ،‬فض ال عن الرعاي ة النفس ية‪ ،‬واملتابع ة االجتماعي ة‪ ،‬ح ىت األم ور املالي ة واملش اكل‬
‫اخلاصة كانت جتد عناية ورعاية ومتابعة منه صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫وك ان الرس ول ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ين وع يف طُ رق متابعت ه أص حابه‪ ،‬وتفق ده إي اهم‪،‬‬
‫فت ارة يوج ه إليهم الس ؤال؛ للتأك د من حس ن فهمهم‪ ،‬وت ارة يس أل عنهم لالطمئن ان على‬
‫أمور دينهم ودنياهم‪ ،‬إضافة إىل طريقة املالحظة الرتبوية ألفعال وأقوال صحابته للتعليم‪،‬‬
‫والتصويب‪ ،‬وإصالح اخلطأ‪.‬‬
‫وتأسست أصول وقواعد تلك املتابعة الرتبوية بِناءً على طبيعة املوضوعات املتابَعة وأمهيتها‪،‬‬
‫فجاءت ملبي ةً الحتياجاهتم‪ ،‬مراعية لظروفهم‪ ،‬حمققة للهدف‬ ‫ْ‬ ‫والتباين يف أحوال املتابَعني‪،‬‬
‫من املتابعة‪.‬‬
‫وحيتاج مجيع العاملني حبقل الدعوة والرتبية إىل تعلم طرق وأصول وقواعد املتابعة الرتبوية‬
‫من الس رية النبوي ة‪ ،‬وحس ن اس تيعاهبا؛ ألمهيته ا البالغ ة‪،‬وإلمتام عملهم ال رتبوي على الوج ه‬
‫األكمل‪.‬‬

‫‪8‬‬
Abstract
Allah sent his Apostle Mohammad (pbuh) with a legislation that puts together the
benefits of both religion and worldly existence, and the prophet (pbuh) exerted great
effort to raise his companions on adherence to this legislation and applying It. But this
could have been gone fruitless unless He (pbuh) followed up their commitment to all
Islamic provisions in a way that ensures high levels of understanding and application.

His Pursuance (pbuh) to his companions aims at achieving three basic targets; the first
is to build human entity with all its aspects, and the second is a protective one which
aims at preventing any flaws during the process of structuring, while the third is a
curative target to reform any flaws and remove deficiencies.

His Pursuance(pbuh) included various aspects of assistance, guidance and


thecorrectness ofmistakes, and included also all the important and effective domains
related to individual and community, starting with religious matters, as well as the
psychological care and social follow up, and even the financial matters and private
troubles were a subject of his care and interest (pbuh).

The Prophet (pbuh) used a variety of ways in the process of following up his
companions, as He sometimes used the Interrogative style to ensure their level of
understanding, and sometimes he asked about his companionsto assure their religious
and life matters, in addition to the adoption on the educational observation in order to
educate, correct, and reform.

The principles and rules of this educational follow-up were founded according to the
nature of the pursued issues and its degree of importance, as well as the disparity
among the persons under the follow-up, that is why the outcome fulfilled their needs,
took into consideration their circumstances and achieving the objective of follow-up.

The persons who are working inmissionary activity" Da'wah " and education to learn
the principles and rules of this educational follow-up from the biography of Prophet
Mohammad (pbuh) and the understanding it well, for its extreme importance to
accomplish their educational task ina perfect way.

9
‫شكروتقدير‬

‫أتقدم جبزيل الشكر إىل فضيلة الدكتور خالد عبد السالم‬


‫"املشرف على رساليت"‬
‫ملا منحين من رعاية واهتمام وتوصيات‪ ،‬سائال اهلل سبحانه أن جيزيه خري اجلزاء‪.‬‬

‫كما أتقدم بالشكر والعرفان إىل شيخي املريب الفاضل الدكتور هشام عقدة الذي علمين‬
‫ومهد يل دروهبا‪.‬‬
‫أصول الرتبية ّ‬

‫وال أنسى أن أتقدم بالشكر إىل األخ احلبيب رجب زيدان الذي بذل جهدا كبريا ملساعديت‬
‫يف إهناء البحث‪ ،‬وإىل كل َمن ساعدين ولو بكلمة أو فكرة أو مقرتح إلمتام هذا البحث‪.‬‬

‫أتقدم لكم مجيعا بالشكر على ما بَذلتم من جهود إلمتام رساليت‪ ،‬سائال اهلل سبحانه أن‬
‫جيزيكم خري اجلزاء‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫إهداء‬

‫والدي الكرميني رمحهما اهلل‪َ ،‬من ألبسانيثوب رعايتهما‪..‬‬


‫ّ‬ ‫إىل‬
‫إىل زوجيت وأوالدي الذين حتملوا مشاغلي وتقصريي‪..‬‬
‫وتغمدوين حببهم‬
‫إىل إخواين على درب الدعوة والذين أحاطوين بنصحهم ّ‬
‫إىل الدعاة واملربني الذين يسريون على درب النيب حممد صلى اهلل عليه وسلم يف تربية‬
‫النفوس وتزكية القلوب‪.‬‬

‫إليكم مجيعا أهدي رساليت هذه‪ ،‬راجيا من اهلل سبحانه وتعاىل أن ينفع هبا‪ ،‬وأن يتقبلها‬
‫بقبول حسن‪.‬‬

‫الباحث‪ :‬محمدعادلعبداهلل‬

‫‪11‬‬
‫أصول المنهج النبوي في المتابعةالتربوية"‬

‫‪12‬‬
‫مقدمة"‬
‫النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أُسو ًة حسنةً لألمة‪ .‬قال عز‬
‫َجعل اخلالق العليم سبحانه وتعاىل َّ‬
‫وج ل‪ :‬‬

‫‪ .)1(‬وإن من ج وانب س ريته املش رقة املبارك ة أن اهلل ع ز‬


‫وجل بعثه ُمربيّ ا ُمزكيا للنفوس‪ ،‬حيث كانت وظيفة الرتبية من أهم وظائف النيب ‪-‬صلى‬
‫خري قيام‪.‬‬
‫اهلل عليه وسلم‪ -‬مع أمته‪ ،‬ولقد قام هبا ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪َ -‬‬
‫وليست الرتبية عملية نظرية يتم فيها تلقني املرتبني وتعليمهم القيم واملثل بعيدا عن املعايشة‬
‫واملعان اة والتط بيق‪ ،‬ب ل هي مهم ة عملي ة يف أساس ها‪ ،‬حتت اج إىل جه د كب ري‪ ،‬ومتر مبراح ل‬
‫متع ددة‪ ،‬يق وم فيه ا املريب مبجموع ة من الوظ ائف املتنوع ة على رأس ها عملي ة "املتابع ة"‬
‫وحس ن تط بيقهم لِ َم ا تعلم وه‪ ،‬ح ىت تص ل الرتبي ة يف‬
‫للم رتبني؛ للتأك د من م دى فَهمهم‪ُ ،‬‬
‫النهاي ة ب املرتيب إىل الكم ال البش ري املمكن‪ .‬ومن مث ك انت "املتابع ة الرتبوي ة" من أب رز‬
‫الوظ ائف ال يت اهتم الن يب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬بأدائه ا‪ ،‬وأس همت يف النج اح ال رتبوي‬
‫الكبري مع أصحابه‪.‬‬

‫والختالف أهداف املتابعة وموضوعاهتا كان تَنوع جماالت متابعته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬
‫ألص حابه لتش مل ك َّل م ا حيتاجون ه من أم ور دينهم ودني اهم‪ ،‬وك ل م ا يُعينهم على حس ن‬
‫وخلقا‪ ،‬عبادة ومعاملة‪.‬‬
‫حتملهم وتطبيقهم املنهج اإلسالمي؛ عقيدة وفكرا‪ ،‬سلوكا ُ‬
‫وال املرتبني‪ ،‬وتب اين ظ روف ِهم واحتياج اهتم ومش اكلِ ِهم‪ ،‬ك ان تن وع ص ور‬
‫والختالف أح ِ‬
‫وط رق متابعت ه ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬هلم‪ ،‬فتأسس ت تل ك املتابع ةُ على قواع َد وأص ٍ‬
‫ول‬
‫ِ‬
‫حاجة املتابع‪.‬‬ ‫موضوع املتابعة‪ ،‬وال تَغفل عن‬ ‫تُراعي‬
‫َ‬
‫وإن املربني يف أشد احلاجة اليوم لتعلم أصول املنهج النبوي‪ ،‬وجماالته‪ ،‬وطرقه‪ ،‬وقواعده‪ ،‬يف‬
‫عملية املتابعة الرتبوية؛ لضبط عملهم‪ ،‬وترشيد ُخطواهتم‪ ،‬وإال لَتَحولت عملي ةُ الرتبية لنوع‬
‫من احلرث يف املاء‪.‬‬

‫‪ )(1‬سورة األحزاب‪ ،‬اآلية‪.21 :‬‬

‫‪13‬‬
‫مشكلة" البحث‬

‫رغم األمهية الكربى لعملية املتابعة يف الرتبية اإلسالمية‪ ،‬واالهتمام الكبري للدراسات الرتبوية‬
‫املعاصرة بقضية املتابعة وصورها‪ ،‬إال أن قضية املتابعة الرتبوية يف السرية النبوية مل تتطرق‬
‫أحباث س ابقة بص ورة مس تقلة على وج ه التفص يل‪ ،‬رغم ك ثرة َمن كتب وا يف ج وانب‬ ‫إليه ا ٌ‬
‫حي اة الرس ول ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬مبا فيه ا اجلوانب الرتبوي ة‪ ،‬إال أن أي ا من ه ؤالء‬
‫الباحثني ‪-‬فيما بلغه علمي‪ -‬مل يَكتب عن هذا اجلانب املهم من جوانب الرتبية حبثا مستقال‬
‫يُ ِرب ُز من خالله أمهيةَ املتابعة الرتبوية‪ ،‬وصورها‪ ،‬وجماالهتا‪ ،‬وقواعدها‪.‬‬

‫الدراسات" السابقة"‬

‫اعتَ ىن كثريٌ من الباحثني بدراسة سرية الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ومنهم َمن ألف يف‬
‫حياته وآثاره استقالال‪ ،‬ومنهم َمن كتَب يف أبواب خاصة من حياته‪ ،‬كاجلانب الرتبوي أو‬
‫السياس ي‪ ،‬وهن اك العدي د من الكتب والدراس ات ال يت اهتمت ب إبراز اجلوانب الرتبوي ة يف‬
‫السرية النبوية‪ .‬ومن هذه الدراسات ما يأيت‪:‬‬

‫‪ -‬فيأصواللرتبية‪ -‬مصر‪ -‬فايزمراددندش‬

‫‪ -‬أصول الرتبية ‪ -‬حممدمنري مرسي‬

‫‪ -‬منهج الرتبية ‪ -‬حممد قطب‬

‫‪ -‬أصول الرتبية اإلسالمية ‪ -‬د‪ .‬خالد بن حامد احلازمي‬

‫‪ -‬تربية األوالد يف اإلسالم ‪ -‬عبد اهلل ناصح علوان‬

‫‪ -‬تربية الشباب األهداف والوسائل ‪ -‬د‪ .‬حممد الدويش‬

‫‪ -‬منهج الرتبية النبوية للطفل ‪ -‬حممد نور سويد‬

‫‪ -‬بالغة الرسول صلى اهلل عليه وسلم يف تقومي أخطاء الناس‪-‬ناصر راضي الزهري‬

‫‪14‬‬
‫وه ذه البح وث اهتمت بقض ايا ُمنوع ة من قض ايا الرتبي ة يف الس رية النبوي ة‪ ،‬وبعض ها ذك ر‬
‫قضية املتابعة الرتبوية بصورة عرضية‪ ،‬بتسليط الضوء على جانب من جوانبها أو اإلشارة‬
‫ِ‬
‫واالستيعاب‪.‬‬ ‫إىل أمهيتها‪ ،‬إال أن أيًّا منها مل يستوفها على وجه ِ‬
‫الدقة‬

‫ولذا؛ فإن تركيز البحث على دراسة قضية "املتابعة الرتبوية" على وجه اخلصوص من حيث‬
‫أمهيتها وصورها وجماالهتا وقواعدها من السرية النبوية؛ تُع ّد‪-‬بإذن اهلل‪ -‬إضافةً علمي ةً مهم ةً‬
‫للدراسات اليت دارت حول منهج الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬الرتبوي‪.‬‬

‫منهج البحث‬

‫املنهج االس تنباطي(وأقص د ب ه يف ه ذا البحث منهج اس تنباط األحك ام الرتبوي ة من نص وص‬


‫السرية والسنة املطهرتني)‬

‫الباحث للوصول إلى النتائج‪:‬‬


‫ُ‬ ‫‪ -‬األسس والقواعد التي" سيسلكها‬

‫‪ -‬مَج ْع وتتبع النصوص املتعلقة مبوضوع البحث من كتب السرية والسنة الصحيحة‪ ،‬وعند‬
‫رت بعض ا‬
‫االس تدالل بالش واهد احلديثي ة مل يكن القص د استقص اء مجي ع الش واهد‪ ،‬ب ل ذَك ُ‬
‫منها؛ رغبةً يف االختصار‪.‬‬

‫تصنيف النصوص وتقسيمها إىل فصول حسب نوع املتابعة الرتبوية وموضوعها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬استنباط أهم أهداف املتابعة الرتبوية من خالل جممل النصوص‪.‬‬

‫‪ -‬استنباط أهم جماالت متابعاته الرتبوية ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ألصحابه‪.‬‬

‫‪ -‬استنباط أهم األصول والقواعد ملتابعاته الرتبوية ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪.-‬‬

‫‪ -‬االستدالل على الفكرة واملع ىن الواحد بأكثر من موقف أو نص ما أمكن ذلك؛ زياد ًة‬
‫للبيان‪ ،‬وتأكيدا على صحة املعىن املستنبَط‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫‪ -‬االس تدالل يف بعض املواض ع بآي ات كت اب اهلل س بحانه‪ ،‬م ع توض يح ارتباطه ا مبوض وع‬
‫البحث‪.‬‬

‫زيده وضوحا‬
‫قوي املعىن وتُ ُ‬
‫اقتباس بعض النقوالت املناسبة املتعلقة بأفكار البحث‪ ،‬اليت تُ ِّ‬
‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫مع َع ْزوها ملصادرها‪.‬‬

‫وص لُح لالقتب اس من ه يف مواض ع متع ددة؛‬


‫‪ -‬إذا ك ان يف النص أو احلادث أك ثر من فائ دة َ‬
‫يُكرر النص يف كل موضوع مناسب‪ ،‬مع اإلشارة إىل موطن الشاهد فيه‪.‬‬

‫أهمية البحث‪ ،‬وأسباب اختياره‪:‬‬

‫واملعلم األكثر تأثريا يف تاريخ البشرية‪،‬‬


‫ُ‬ ‫األعظم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬هو املريب‬
‫ِ‬
‫مهارات الرتبية‪ ،‬ويَرغب يف الفوز بقدوة يقتدي هبا يف جمال املتابعة‬ ‫وكل َمن أراد أن يتعلم‬
‫ُّ‬
‫الرتبوي ة‪ :‬أه دافها ووس ائلها وأص وهلا‪ ،‬فلن جيد مث َل م ا جيد يف س ريته املطه رة ص لوات ريب‬
‫وسالمه عليه‪.‬‬

‫وميكننا إمجال أمهية البحث وأسباب اختياره يف‪:‬‬

‫‪ -‬تسليط الضوء على جانب مهم من جوانب عظمة الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫‪ -‬الد َّْور الكبري الذي تُؤديه املتابعة يف جناح العمل الرتبوي‪.‬‬

‫‪ -‬حاج ة املربني للوق وف على أمهي ة املتابع ة الرتبوي ة‪ ،‬وتعلم ص ورها وأص وهلا من منبعه ا‬
‫الصايف يف أحاديث وسرية الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫أسئلة البحث‪:‬‬

‫‪ -‬ما أهم أهداف املتابعة الرتبوية يف املنهج النبوي؟‬

‫‪ -‬ما أهم طرق متابعته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬الرتبوية ألصحابه؟‬

‫‪ -‬ما أهم جماالت متابعته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ألصحابه؟‬

‫‪16‬‬
‫‪ -‬ما أهم األصول والقواعد النبوية للمتابعة الرتبوية؟‬

‫صور مبدئي لخطة البحث وفصوله‪:‬‬


‫تَ ٌ‬
‫اش تملت خط ة املوض وع على مقدم ة‪ ،‬ومتهي د‪ ،‬وأربع ة فص ول‪ ،‬وخامتة‪ ،‬ومراج ع‪َ ،‬وفْ َق‬
‫التفصيل اآليت‪:‬‬

‫‪ -‬املقدم ة؛ وتش تمل على‪ :‬مش كلة البحث‪ ،‬وبي ان الدراس ات الس ابقة‪ ،‬وأمهيت ه‪ ،‬وأس باب‬
‫اختياره‪ ،‬وخطة البحث‪.‬‬

‫‪ -‬التمهيد وفيه‪ :‬أمهية املتابعة الرتبوية وعنايته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬هبا ‪.‬‬

‫الفصل األول‪ :‬أهم أهداف املتابعة الرتبوية للنيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪:-‬‬

‫متهيد‪ :‬تعريف املتابعة الرتبوية‬

‫املبحث األول‪ :‬البناء (التثبيت اإلمياين واخللقي والدعم النفسي)‬

‫املبحث الثاين‪ :‬الوقاية (الوقاية من مسببات الفنت)‬

‫املبحث الثالث‪ :‬العالج (عالج صور العجز والضعف وإزالة آثار اهلموم واملشاكل)‬

‫الفصل الثاين‪ :‬أهم طرق املنهج النبوي يف املتابعة‪:‬‬

‫املبحث األول‪ :‬املتابعة بالسؤال وإرسال الرسل‬

‫املبحث الثاين‪ :‬املتابعة باملالحظة‬

‫الفصل الثالث‪ :‬جماالت متابعته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬الرتبوية‪:‬‬

‫املبحث األول‪ :‬املتابعة الدينية‬

‫‪17‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬املتابعة النفسية‬

‫املبحث الثالث‪ :‬املتابعة االجتماعية واملالية‬

‫الفصل الرابع‪ :‬أصول وقواعد املنهج النبوي يف املتابعة الرتبوية‪:‬‬

‫املبحث األول‪ :‬املتابعة بقدر أمهية املوضوع‬

‫املبحث الثاين‪ :‬املتابعة املستمرة املناسبة الحتياج املتابع‬

‫اخلامتة‪ :‬وفيها أهم النتائج والتوصيات‪.‬‬

‫باإلضافة إىل خدمة البحث بالفهارس‪:‬‬

‫فهرس اآليات القرآنية‬

‫فهرس األحاديث الشريفة‬

‫فهرس املصادر واملراجع‬

‫فهرس املوضوعات‬

‫‪18‬‬
19
‫التمهيد‬
‫أهمية المتابعة في العمل التربوي وعناية النبيصلى اهلل عليه‬
‫وسلم بها‬

‫‪20‬‬
‫أهمية المتابعة في العمل التربوي وعناية النبي‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ -‬بها‪:‬‬
‫الرتبي ة هي إح دى أهم الوظ ائف ال يت أَرس ل اهلل س بحانه هبا نبي ه ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪-‬‬
‫وكتاب اهلل سبحانه وتعاىل وسنةُ نبيه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬قد اشتماَل على منهج كامل‬ ‫ُ‬
‫لرتبي ة املس لم‪ ،‬وبِن اء شخص يته بن اء ش امال متك امال حُي قِّق ل ه الس عادة يف ال دارين؛ ال دنيا‬
‫واآلخرة‪.‬‬

‫والرتبي ة اإلس المية يف حقيقته ا تتج اوز التوجيه ات النظري ة والتعليم واخلربات ال يت يتلقاه ا‬
‫األف راد من م ربيهم‪ ،‬حيث ال تَكفي وح دها لتب ين الشخص ية املس لمة‪ ،‬أو تَص نع الداعي ة‬
‫اجح ال ذي يتمثّ ل في ه املنهج اإلس المي الش امل املتز ُن‪ ،‬ب ل هي جمرد خط وة يف طري ق‬ ‫الن َ‬
‫البناء‪ ،‬وحىت يَكتمل البناءُ فترتجم املعاين إىل سلوكيات‪ ،‬وتتحول التوجيهات النظرية إىل‬
‫مواق ف عملي ة‪ ،‬فال ب د من ن وع آخ ر من التعليم يعتم د على املعايش ة‪ ،‬والتعليم ب الواقع‪،‬‬
‫والبن اء باألح داث‪ ،‬واملتابع ة والرعاي ة‪ ،‬ال يت يتم ّكن معه ا املريب من ترس يخ املع اين عملي ا يف‬
‫حسن تطبيقهم ملا تعلموه‪ ،‬وعدم االحنراف بإفراط أو تفريط عن‬ ‫نفوس املرتبني‪ ،‬ويَضمن به َ‬
‫طري ق احلق‪ ،‬وه و التعليم األك رب أث را‪ ،‬واألعم ق ت أثريا يف نفس املرتيب‪ ،‬ودون تل ك املتابع ة‬
‫‪-‬اليت تتضمن أشكاال ُمنوعة من اإلعانة والتوجيه والتحفيز‪ ،‬وتصويب األخطاء من خالل‬
‫املواق ف واملمارس ات واألح داث‪ -‬ي رتك املريب فَراغ ا كب ريا يف نفس املرتيب‪ ،‬ويع ّرض عمل ه‬
‫جراء قِلة زادهم‪ ،‬وقليل خرباهتم‪.‬‬
‫الرتبوي للكثري من األخطاء اليت قد تعرتض املرتبني ّ‬
‫وجمال عمل املريب األول وإن كان النفوس‪ ،‬إال أنه ال يتمكن من تغيري تلك النفوس إال يف‬
‫وأرض الواق ع‪ ،‬وجناح املريب احلقيقي يُ َق اس بق در م ا ينجح يف العب و ِر هبم من‬
‫ِ‬ ‫َمْي دان احلي اة‬
‫أرحيية التلقي إىل َمشقة العطاء‪.‬‬

‫ض عُفت عملية املتابعة‪ ،‬واملسوغات اليت‬ ‫ِ‬


‫يف احلقيقة‪ ..‬إن الرتبية َت ْفق ُد الكثري من تأثريها إذا َ‬
‫تدفع للتأكيد على هذا كثرية؛ منها‪:‬‬

‫‪21‬‬
‫‪ -1‬أن الرتبي ة عملي ة مس تمرة‪ ،‬ال يكفي فيه ا توجي ه ع ابر من املريب مهم ا ك ان خملص ا‪،‬‬
‫ومهما كان صوابا يف ذاته‪ ،‬إمنا حيتاج إىل املتابعة والتوجيه املستمر‪.‬‬

‫نفس بش رية وليس آل ة تَض غط على أزراره ا م رة‪ ،‬مث تَرتكه ا وتنص رف إىل‬ ‫‪ -2‬أن املتلقي ٌ‬
‫غريه ا‪ ،‬فتظ ل على م ا تركتَه ا علي ه‪ ،‬ب ل هي نفس بش رية دائم ةُ التقلب‪ ،‬متع ددة املط الب‪،‬‬
‫متعددة االجتاهات‪ ،‬وكل تقلب‪ ،‬وكل مطلب‪ ،‬وكل اجتاه‪ ،‬يف حاجة إىل توجيه‪ ،‬فالعجينة‬
‫دائم ا‪ ..‬وال يكفي أن تضعها يف قالبها املضبوط مرة‬
‫البشرية عجينة عصية حتتاج إىل متابعة ً‬
‫فتنضبط إىل األبد وتستقر هناك‪ ،‬بل هناك عشرات من الدوافع املوارة يف تلك النفس دائمة‬
‫الربوز هنا‪ ،‬ودائمة التخطي حلدود القالب املضبوط من هنا وهناك"(‪.)1‬‬

‫وتزدادأمهية قضية املتابعة يف العماللرتبويفيواقعنااملعاصرألسبابعدةميكنإمجاهلافياآليت‪:‬‬

‫‪-‬‬
‫كثرةاملهاموالوظائفامللقاةعلىعاتقاملربينوال دعاة‪،‬معع دمتفرغالكثريينمنهمللعماللرتبوي‪،‬مماميثلعبئا‬
‫كبرياعليهم‪،‬ويصعبمهمتهمفيأداءوظيفةاملتابعةعلىالوجهاألكمل‪.‬‬

‫‪-‬‬
‫ازديادوتشعباملشاكالملعاصرةوكثرةاملؤثراتالتيتلعبدوراس لبيافيعمليةالرتبيةممايعظمأمهيةاملتابعةويع‬
‫قددوراملريب‪،‬ويتطلبمنهرتكيزاأعلىوجهداأكربلرصدتلكاملؤثراتوالتعاملمعها‪.‬‬

‫‪-‬صعوبةتوفريبيئة "آمنة" كمحضنرتبوميناسبيوفراحلداملقبوملنالرتبيةالراشدةواملتابعةاجليدة‪.‬‬

‫دداملربيناملؤهلينتأهيال‬ ‫‪-‬قلةع‬
‫جيدا‪،‬ممايضطرالبعضمنهمللقيامباإلشرافعلىعددكبريمناملرتبينومتابعةأعدادتزيدعنطاقتهم‪،‬ممايعنيف‬
‫يالنهايةضعفاإلنتاجالرتبوي‪.‬‬

‫والنيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وعى متاما عظمة املنهج الذي حيمله‪،‬واستشعر ثِقل األمانة‬
‫يف تبليغ ه‪ ،‬ول ذا مل يكن يكتفي بتعليم أص حابه ه ذا املنهج‪ ،‬ب ل ك ان ي ربيهم علي ه تربي ة‬

‫‪)(1‬قطب‪ ،‬حممد‪ ،‬منهج التربية "بتصرف يسري"‪ ،‬ط‪( ،14‬القاهرة‪ :‬دار الشروق‪1414 ،‬هـ‪1993-‬م) ص ‪.283‬‬

‫‪22‬‬
‫عميق ة‪ ،‬متزن ة ش املة‪ ،‬وح ىت ال هُت در ه ذه اجله ود الرتبوي ة يف غ ري طائ ل‪ ،‬وح ىت يَتمكن‬
‫‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬من احلصول على النتائج املرجوة من وراء هذه الرتبية؛ كان ال بد‬
‫من قيامه ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬بدور مهم‪ ،‬ووظيفة غاية يف اخلطورة ال تكتمل عملية‬
‫الرتبي ة ُدوهَن ا‪ ،‬متمثل ة يف عملي ة املتابع ة الدائم ة‪ ،‬والرعاي ة املس تمرة ألص حابه‪ ،‬وم ا يَس تتبع‬
‫عالج ِ‬
‫ملرض‬ ‫لنفس؛ ص يانةً هلا من الس آمة‪ ،‬أو ٍ‬‫اطئ‪ ،‬أو حتف ي ٍز ٍ‬‫حيح ملفه وم خ ٍ‬ ‫ذل ك من تص ٍ‬
‫قلب؛ ِحفظ ا ل ه من االنقط اع‪ ،‬أو م د ي د الع ون لنفس مكلوم ة أح اطت هبا اهلم وم‬ ‫ٍ‬
‫واألح زان‪ ،‬ك ل ذل ك ح ىت يض من حس ن الفهم ابت داءً هلذا املنهج‪ ،‬وحس ن تط بيقهم ل ه‬
‫غف ل رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬يف تربيت ه‬ ‫والثب ات علي ه بع د ذل ك‪ .‬ومن مث مل ي ِ‬
‫ُ‬
‫لص حابته ومتابعت ه هلم عن أم ر من األم ور املهم ة‪ ،‬أو ٍ‬
‫جمال م ؤث ٍر يف حي اة الف رد واجلماع ة‪،‬‬
‫فنجد املتابعةَ اإلميانية َم ْل َمحا بارزا يف تربية النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ألصحابه‪ ،‬أخذت‬
‫جهودا كبرية‪ ،‬ووقتا طويال لتستقر يف النفوس‪ ،‬وترسخ يف القلوب‪ ،‬معتمدا على أساليب‬
‫عدة‪ ،‬ووسائل منوعة‪ ،‬تزيد العقل قَناعة‪ ،‬ومتأل القلب يقينا‪.‬‬

‫ول ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬عن بقي ة‬ ‫ومل تكن الرتبي ة اإلمياني ة على أمهيته ا لِتَش غل الرس َ‬
‫جوانب البناء اإلنساين؛ حيث العناية بتهذيب األخالق والسلوك تأخذ مساحة واسعة من‬
‫توجيهات الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ومتابعته ألصحابه‪ ،‬وحيث الرتبية االجتماعية‬
‫والنفسية تشغل حيزا ال يقل أمهي ةً عن سابقه‪ ،‬حىت األمور املالية واملشاكل اخلاصة كانت‬
‫جتد عناية ورعاية ومتابعة منه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ .-‬وهكذا يبين رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل‬
‫همش آخر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫نفوس أصحابه بناء شامال متزنا‪ ،‬ال يُغفل جانبا وال يُ ّ‬
‫عليه وسلم‪َ -‬‬
‫ح ىت إذا ت وفّرت الرتبي ة املتزن ة واملتابع ة الش املة املس تمرة س لَك الف رد ج انب الص الح‬
‫بيل الش ر‬ ‫ِ‬
‫بس َ‬ ‫وج انَ َ‬
‫الشخص ي واإلص الح اجملتمعي‪ ،‬واختذ طري َق احلق والصواب مس لكا‪َ ،‬‬
‫املؤدي دائم ا إىل تعطي ل الطاق ة‪ ،‬وت دمري النفس اإلنس انية‬
‫والض الل‪ ،‬وه و اجلانب الس ليب ِّ‬
‫وج ْذهبا بعيدا عن رسالتها اليت ُخلِقت من أجلها‪.‬‬ ‫َ‬
‫ود‬
‫ويعُ ُ‬
‫فنبين ا الك رمي ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ك ان ي رعى أص حابه‪ ،‬ويتفق د أح واهلم‪َ ،‬‬
‫دين‪ ،‬وأعج زه‪ ،‬ويس أل أصحابه‬
‫ويتحم ل الدَّيْ َن عمن أ َْرهق ه ال ُ‬
‫ّ‬ ‫مريض هم‪ ،‬ويتبع جن ائزهم‪،‬‬

‫‪23‬‬
‫حال اإلميان يف قلوهبم‪ ،‬ويسأل عمن غاب منهم‪ ،‬وال يكتفي‬
‫عن أعماهلم الصاحلة‪ ،‬ويتفقد َ‬
‫مبجرد السؤال‪ ،‬بل كان يسارع ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬إىل إزالة ما قد يعرتض أصحابه‬
‫من مشكالت‪ ،‬ويسعى إىل عالجها‪.‬‬

‫ومما يُرْبِ ز م دى اهتمام ه ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ب أمر املتابع ة الرتبوي ة‪ ،‬ورعايت ه أص حابه‪،‬‬
‫واهتمام ه بش ئوهنم‪ ،‬واطمئنان ه على أح واهلم الديني ة والدنيوي ة؛ م ا ُر ِوي عن عب د اهلل‪ ‬بن‬
‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪َ -‬يَت َع َّه ُد‬ ‫بري دة عن أبي ه رض ي اهلل عن ه ق ال‪َ " :‬ك ا َن رس ُ ِ‬
‫ول اهلل َ‬ ‫َُ‬
‫ود ُه ْم‪َ ،‬ويَ ْسأ َُل َعْن ُه ْم‪.)1("...‬‬
‫ص َار‪َ ،‬و َيعُ ُ‬
‫اأْل َنْ َ‬
‫ص ى‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وش واه ُد اهتمام ه ورعايت ه ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬مبتابع ة أص حابه أك ُثر من أن حُت َ‬
‫ومباحثِها‪.‬‬
‫وسنسرد ‪-‬بإذن اهلل‪ -‬بعضا منها يف فصول الدراسة ِ‬
‫ً‬

‫‪ )(1‬املس تدرك على الص حيحني‪ ،‬كت اب اجلن ائز‪ ،1/4 ،‬ص‪ ،384‬وه و ج زء من ح ديث ق ال عن ه احملدث‪ :‬ص حيح‬
‫اإلسناد‪ ،‬وأخرجه البيهقي يف شعب اإلميان‪ ،‬وأخرجه اهليثمي وقال أخرجه البزار ورجاله رجال الصحيح‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫الفصالألول"‬
‫أهمأهدافالمتابعاتالتربويةللنبيصلىاللهعليهوسلم‬

‫‪25‬‬
‫تمهيد‬
‫تعريف" المتابعة التربوية‪:‬‬

‫المتابَعة" لغةً‪:‬‬

‫جاء يف املعجم الوسيط‪:‬‬

‫(تب ع)‪ :‬الش يء تبَع ا وتبوع ا وتباع ا وتباع ة‪ :‬س ار يف أث ره أو تاله‪ ،‬ويق ال‪ :‬تبِ ع فالن ا حبق ه‬
‫طالب ه ب ه‪ ،‬وتب ع املص لي اإلم ام‪ :‬ح َذا ح ذوه واقت دى ب ه‪ ،‬وتبعت األغص ان ال ريح‪ :‬م الت‬
‫معها‪..‬‬

‫العمل أو الكالم‪ :‬وااله‪ ،‬وأتقنه وأحسنه‪ ،‬وبني‬


‫وتقصاه‪ ،‬وفال ٌن َ‬
‫(تابعه) متابعة وتباعا‪ :‬تَتبعه ّ‬
‫األمور‪ :‬وات ر وواىل‪ ،‬وفالنا ٍ‬
‫مبال له عليه‪ :‬طالبه به‪ ،‬وفالنا على كذا‪ :‬وافقه عليه‪ ،‬وفالنا‬
‫على األمر‪ :‬عاونه عليه(‪.)1‬‬

‫وجاء يف الصحاح‪:‬‬

‫يت معهم؛‬
‫مش يت خلفهم‪ ،‬أو َم ُّروا ب ك فمض َ‬
‫باع ةً ب الفتح‪ ،‬إذا َ‬
‫وم َتَب ًع ا وتَ َ‬ ‫تب ع‪ :‬تَبِ ْع ُ‬
‫ت الق َ‬
‫وكذلك اتََّب ْعَت ُهم‪ ،‬وهو افتعلت‪.‬‬
‫وأَْتبعت القوم على أفعلت‪ ،‬إذا كانوا قد سبقوك ِ‬
‫فلحقتَهم‪.‬‬ ‫َْ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أيض ا غريي‪ .‬يقال‪ :‬أَْتَب ْعتُ هُ الشيءَ َفتَب َع هُ‪ .‬قال األخفش‪ :‬تَب ْعتُ هُ وأَْتَب ْعتُ هُ ً‬
‫مبعىن مثل‬ ‫ت ً‬ ‫وأَْتَب ْع ُ‬
‫ردفته وأردفته‪.‬‬

‫‪)(1‬جممع اللغة العربية‪ ,‬المعجم الوسيط‪( ,‬مصر مطبعة مصر‪1380 ,‬هـ‪1960-‬م) مادة "تبع"‪.1/81 ,‬‬

‫‪26‬‬
‫﴿‪‬‬ ‫ومن ه قول ه تع اىل‪:‬‬
‫‪‬‬
‫﴾(‪ )2‬ومنه اإلتْباعُ يف الكالم‪ ،‬مثل َح َس ٍن بَ َس ٍن‪ ،‬وقَبيح َشقيح‪.‬‬

‫﴿‪‬‬ ‫واحدا ومجاع ةً‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪:‬‬


‫والتَبَ ُع يكون ً‬
‫‪)2(﴾‬؛ وجيمع على أَتْ ٍ‬
‫باع‪.‬‬

‫باعا‪.‬‬‫ِ‬
‫تاب َعةً َوت ً‬
‫وتاب َعهُ على كذا ُم َ‬
‫َ‬
‫عملَه‪ ،‬أي‪ :‬أَت َقنَه وأحكمه‪.‬‬
‫الرجل َ‬
‫ُ‬ ‫الوالءُ‪ .‬قال أبو زيد‪ :‬يقال‪ :‬تابَ َع‬
‫والتِّباعُ‪َ :‬‬
‫الز ْه ِد‬
‫ب اآْل ِخَر ِة ِم ْن ُّ‬
‫ال َفلَم جَنِ ْد َشْيئًا أ َْبلَ َغ يِف طَلَ ِ‬ ‫ٍ‬
‫ويف حديث أيب واقد الليثي‪" :‬تَ َاب ْعنَا اأْل َْع َم َ ْ‬
‫(‪)3‬‬
‫الد ْنيَا"‪ ،‬أي‪ :‬أحكمناها وعرفناها‪.‬‬ ‫يِف ُّ‬

‫وجاء يف معجم الغين‪:‬‬

‫تابع ‪ -‬تَابَ َع‪:‬‬

‫ت‪ ،‬أُتَابِ ُع‪ ،‬تابِ ْع‪ ،‬مصدر ُمتَ َاب َعةٌ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫[ت ب ع]‪( .‬فعل‪ :‬رباعي متعد حبرف)‪ .‬تَ َاب ْع ُ‬
‫اصلَ َها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫استَهُ"‪َ :‬و َ‬
‫‪".1‬تَابَ َع د َر َ‬
‫وحافَ َظ َعلَى ُح ْس ِن ِسيَاقِ ِه‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪".2‬تَابَ َع َحديثَهُ"‪ :‬ا ْستَ َمَّر فيه َ‬
‫واهتَ َّم بِِه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الع َم َل بِ ْاهت َم ٍام بَال ٍغ"‪ :‬أ ْ‬
‫َح َك َمهُ َوأَْت َقنَهُ ْ‬ ‫‪".3‬تَابَ َع َ‬

‫‪)(2‬سورةالصافات‪،‬اآليات‪.10-9:‬‬

‫‪)(2‬سورةغافر‪،‬اآلية‪.48 :‬‬

‫‪ )(3‬اجلوهري‪ ،‬إمساعيل بن محاد‪ ،‬الص " ""حاح‪ ،‬ط‪( 3‬مص ر ‪ :‬دار العلم للماليني‪1404 ،‬هـ‪1979 -‬م) م ادة "تب ع"‬
‫‪1190-3/1189‬‬

‫‪27‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪".4‬تَ َاب َعهُ َعلَى األ َْم ِر"‪َ :‬وا َف َقهُ‪.‬‬

‫من خالل التعريف ات الس ابقة ورغم َتع د ِ‬


‫ُّد املع اين ال يت ترتب ط بالفع ل "ت ابع" ومص دره‬ ‫َ‬
‫أبرز ما حيويه َمعىن املتابعة‬
‫"متابعة"‪ ،‬إال أننا نلحظ أ ّن هناك معاينَ متقارب ةً ومشرتكةً هي ُ‬
‫وهي‪:‬‬

‫‪ -‬االستمرار واملواصلة‬

‫‪ -‬التتبع واملواالة‬

‫‪ -‬اإلحكام واإلتقان‬

‫تعريف" التربية" لغة‪:‬‬

‫جاء يف لسان العرب‪:‬‬

‫ربا‪َ :‬ربا الشيءُ َي ْربُو ُربُ ًّوا و ِرباءً‪ :‬زاد ومنا‪.‬‬

‫وأ َْر َبْيته‪ :‬مَنَّيته‪.‬‬

‫ويف التنزي ل العزي ز‪ ﴾﴿ :‬؛ ومن ه أ ُِخ َذ ِّ‬


‫(‪) 2‬‬
‫الرب ا‬
‫احلَ رام؛ ق ال اهلل تع اىل‪﴿ :‬‬
‫‪‬‬
‫‪.....)3(﴾‬‬

‫‪)(4‬أبو العزم‪ ،‬عبد الغين‪ ،‬معجم الغني‪ ،‬كتاب إلكرتوين‪ ،‬موقع معاجم صخر‪:‬‬

‫‪lexicons.sakhr.com‬‬

‫‪)(2‬سورةالبقرة‪،‬اآلية‪.276 :‬‬

‫‪)(3‬سورةالروم‪،‬اآلية‪.39 :‬‬

‫‪28‬‬
‫ور َبْبتُ ه‬ ‫ِ‬ ‫ت يف بَين فالن أ َْربُو‪ :‬نَ َشأْ ُ ِ‬
‫ت فالنًا أ َُربِّيه َت ْربيَةً وَتَربَّْيتُه َ‬
‫وربَّْي ُ‬
‫ت فيهم‪َ ،‬‬ ‫األَصمعي‪َ :‬ر َب ْو ُ‬
‫وربَّْبت ه مبعىن واح د‪ .‬اجلوهري‪َ :‬ربَّْيت ه َت ْربِية وَتَربَّْيته‪ :‬أَي َغ َذ ْوتُ ه‪ ،‬قال‪َ :‬ه ذا لكل ما َيْن ِمي‬ ‫َ‬
‫(‪) 1‬‬
‫والز ْرع وحنوه‪.‬‬‫كالولَد َّ‬
‫َ‬

‫وجاء يف معجم مقاييس اللغة ما يلي‪:‬‬


‫ريب‪/‬أ‪ :‬ال راء والب اء واحلرف املعت ل‪ ،‬وك ذلك املهم وز من ه ي ُّ‬
‫دل على أص ٍل واح د‪ ،‬وه و‬
‫الزيادة والنَّماء والعُلُّو‪ .‬تقول ِمن ذلك‪ :‬ربا ّ‬
‫الشيءُ يربُو‪ ،‬إذا زاد‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫الرابيةَ يَربُوها‪ ،‬إذا عالها‪.‬‬
‫وربَا ّ‬
‫والربْو‪ :‬علُُّو الن َف ِ‬
‫س‪ .‬قال‪:‬‬ ‫الربْو؛ َّ‬
‫وربَا‪ :‬أصابه َّ‬
‫َ‬
‫فاع َفربا رفَّه عن ِ‬
‫أنفاسها وما ربَا‬ ‫رأس يَ ٍ َ َ َ‬ ‫َحىَّت َعالَ َ‬
‫والربْوة‪ :‬املكا ُن املرتفع‪.‬‬
‫والربوة ُّ‬
‫الربو‪َّ .‬‬
‫أي‪َ :‬ربَاها وما أصابه َّ‬
‫ت‪ ،‬وهي ُت ْريِب ‪.‬‬
‫ويقال‪ْ :‬أربَت احلنطة‪َ :‬ز َك ْ‬
‫أيضا‪.‬‬
‫الربْوة ً‬
‫والربْوة مبعىن َّ‬
‫ِّ‬
‫(‪)2‬‬
‫ويقال‪ :‬ربَّْيتُهُ وتربَّْيتُه‪ ،‬إذا غ َذ ْوته‪.‬‬

‫"بالعودة إىل املعاجم جند أن كلمة "تربية" من اجلذر "ربا يربو" حتمل املعاين التالية‪:‬‬

‫‪ )(1‬ابن منظ ور‪ ،‬أب و الفض ل مجال ال دين حمم د بن مك رم‪ ،‬لس ""ان الع ""رب‪ ،‬ط‪( ،1‬ب ريوت‪ :‬دار ص ادر‪1410 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1990‬م)‪ ،‬مادة‪" :‬ربا "‪.14/304 ،‬‬

‫‪)(2‬بن زكريا‪ ,‬أبو احلسني أمحد بن فارس‪ ،‬معجم مقاييس اللغة"‪ ،‬ط‪( 4‬مصر‪ :‬دار إحياء الكتب العربية‪1366 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1947‬م) مادة" ربأ"‪.2/483 ،‬‬

‫‪29‬‬
‫‪ )1‬الزيادة والنمو‪:‬‬

‫ربوا ورباءً‪ :‬زاد ومنا‪.‬‬


‫ربا الشيء يربو ً‬
‫وأرببته منيته‪ ،‬ويف التنزيل‪.)1(﴾﴿ :‬‬

‫‪)2‬النشأة‪ :‬ربيب رباءً وربيًا‪ :‬نشأت‪.‬‬

‫ب حتمل املعاين اآلتية‪:‬‬


‫رب‪َ :‬يُر ُّ‬
‫ومن اجلذر‪ّ :‬‬
‫ك نِ ْع َمةٌ‬
‫رب ولده والصيب َي ُربُّه ربًّا مبعىن رباه‪ .‬ويف احلديث‪" :‬لَ َ‬
‫‪ )1‬حفظ الشيء ورعايته‪َّ :‬‬
‫َت ُربُّ َها"‪ :‬أي‪ :‬حتفظها وترعيها‪ ،‬وتربّيها كما يريب الرجل ولده‪.‬‬

‫‪ )2‬حسن القيام بالطفل ووليه حىت يدرك‪ .‬رب ولده والصيب يربه ربًا‪ :‬رباه أي‪ :‬أحسن‬
‫القيام ووليه حىت أدرك أي‪ :‬فارق الطفولية كان ابنه أم مل يكن‪.‬‬

‫الريِّب ‪ :‬منسوب إىل الرب‪ ،‬الرباين املوصوف بعلم الرب‪ ،‬قيل‪ :‬هو من الرب‬‫‪ )3‬التعليم‪َّ :‬‬
‫مبعىن الرتبية‪ ،‬كانوا يربون املتعلمني بصغار العلوم قبل كِبارهم‪.‬‬

‫‪ )4‬التأديب‪ :‬رب الولد‪ :‬يؤدبه‪.‬‬

‫الراب كافل‪ ،‬وهو زوج أم اليتيم‪ ،‬وهو اسم فاعل‪ ،‬من ربه‪:‬‬ ‫‪ )5‬التكفل بأمور الصغري‪ُّ :‬‬
‫الر ُج ُل إِ ْم َرأَةَ َرابِِّه"‪،‬‬
‫يربه أي‪ :‬أنه يُكفل بأمره‪ ،‬ويف حديث جماهد‪َ ":‬ك أَ ْن يَ ْك َرهُ أَ ْن َيَت َز َّو َج َّ‬
‫يعين أمرأة زوج أمه ألنه كان يربيه"(‪.)2‬‬

‫ظه ُر من جمم ل ه ذه التعريف ات أن القواس م األساس ية ال يت تش ملها مع ىن الرتبي ة ت دور‬


‫ويَ َ‬
‫ح ول النم و والزي ادة‪ ،‬والت درج يف النش أة‪ ،‬روى أب و هري رة رض ي اهلل عن ه عن رس ول اهلل‬

‫‪)(1‬سورةالبقرة‪،‬اآلية‪.276 :‬‬

‫‪ )(2‬أبو رموز‪ ،‬سيما راتب عدنان‪ ،‬تربية الطفل في اإلسالم‪ -‬كتاب إلكرتوين‪:‬‬

‫‪http: //www.gulfkids.com/pdf/Tarbeat_altefel.pdf‬‬

‫‪30‬‬
‫َخ َذ َها اللَّهُ بِيَ ِمينِ ِه‪،‬‬
‫ب إِاًل أ َ‬
‫ب طَيِّ ٍ‬ ‫َح ٌد بِتَ ْم ر ٍة ِم ْن َكس ٍ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّق أ َ‬
‫صد ُ‬ ‫‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪" :-‬الَ َيتَ َ‬
‫وصهُ‪َ ،‬حىَّت ت ُكو َن ِمثْ َل اجْلَبَ ِل أو أ َْعظَ َم "(‪.)1‬‬
‫َح ُد ُك ْم َفلَُّوهُ أو َقلُ َ‬
‫َفُيَربِّ َيها َكما يَُريِّب أ َ‬
‫والفع ل "رىب" يف احلديث حيم ل مع ىن التعه د‪ ،‬والرعاي ة املس تمرة للفل و ح ىت يك رب ويبل غ‬
‫منتهاه يف الزيادة والنمو‪.‬‬

‫التربية" اصطالحا لدى علماء التربية‪:‬‬

‫"الرتبية هي عملية تشكيل وإعداد أفراد إنسانيني يف جمتمع معني‪ ،‬يف زمن ومكان معينني‪،‬‬
‫حىت يستطيعوا أن يكتسبوا املهارات والقيم واالجتاهات وأمنا َط السلوط املختلفة اليت تُيسر‬
‫هلم عمليةَ التعامل مع البيئة االجتماعية اليت ينُ ِشئون أفرادا فيها‪ ،‬ومع البيئة املادية أيضا"(‪.)2‬‬

‫والرتبية بوجه عام؛ هي‪ :‬تشكيل اجتاهات األفراد َوفْ َق قيم معينة‪ ،‬وإعانتهم على تكوين‬
‫ِ‬
‫األفراد‪ ،‬وينمي‬ ‫ِ‬
‫ملكات هؤالء‬ ‫النظرة السليمة إىل احلياة‪ ،‬وهي تقرتن بالتعليم الذي ي ِ‬
‫صق ُل‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اجملاالت‪.‬‬ ‫مواهبهم واستعداداهتم يف شىت‬

‫وغ‬
‫والرتبي ة اإلس المية معناه ا‪ :‬تنمي ة َملَك ات الف رد وقدرات ه على اختالفه ا من أج ل بل ِ‬
‫كماله العقلي والنفسي‪ ،‬وتنمية قدرات اجملتمع كذلك من أجل حتقيق تطور أفضل‪ ،‬وتقدم‬
‫اجتماعي أكمل‪ ،‬وفق املبادئ والقيم اإلسالمية"(‪.)3‬‬

‫واملعىن املختار للرتبية ‪-‬بناء على املشرتك بني التعريف اللغوي واالصطالحي‪ -‬هو‪:‬‬

‫تلك العملية اليت َيْن ُق ُل فيها املريب املرتبني من مرحلة إىل مرحلة أعلى يف الصالح والكمال‬
‫ِ‬
‫طاقات اخلري يف‬ ‫اإلنساين بكل جوانبه‪ ،‬خاصة القلبية والنفسية‪ ،‬والعقلية والسلوكية‪ ،‬مفجرا‬
‫كوامن الشر من داخلهم‪ ،‬مراعيا التدرج يف البناء والتوازن يف النمو‪.‬‬
‫َ‬ ‫نفوسهم‪ ،‬منتزعا‬
‫‪)(1‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها‪ ،2/5 ،‬رقم احلديث ‪1014‬‬
‫‪ )(2‬دندش‪ ،‬فايز مراد‪ ،‬يف أصول الرتبية‪ ،‬ط‪ (،1‬مصر‪ :‬دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر ‪1425‬هـ‪2004 -‬م) ‪1/16‬‬

‫‪ )(3‬فري د‪ ،‬أمحد‪ ،‬التربي""ة على منهج أه""ل الس""نة‪ ،‬ط‪( ،1‬مص ر‪ :‬دار ابن اجلوزي‪ 1432،‬هـ‪ 1/11 )2011 -‬نقال‬
‫عن حممد رجاء حنفي عبد املتجلي‪ ،‬قيم هي أساس الرتبية بتصرف‪ ،‬جملة الوعي اإلسالمي‪-‬عدد ‪.93‬‬

‫‪31‬‬
‫ومن خالل هذه اإلطاللة السريعة على معىن كلمة "متابعة" وكلمة "تربية"‪ ،‬ميكننا القول‪:‬‬
‫إن املتابعة الرتبوية تعين‪ :‬تلك اجلهود املتواصلة والرعاية املستمرة الشاملة اليت يَب ُذهلا املريب‬
‫من أج ل التأك د من َج ْودة البن اء اإلنس اين بك ل جوانب ه‪ ،‬خاص ة القلبي ة والنفس ية والعقلي ة‬
‫وحسن تطبيقه‪ ،‬وهتيئة بيئة املرتبني‬ ‫والسلوكية‪ ،‬والتزام املرتبني باملنهج الرتبوي بكل جوانبه ُ‬
‫للحْيد عن املنهج‪ ،‬ومعاجلة أي خطأ أو‬ ‫هتيئةً مناسبةً للنمو املطرد‪ ،‬مبنع أي أسباب قد تُؤدي َ‬
‫قصور يؤدي لالحنراف عنه‪.‬‬

‫فاملتابع ة الرتبوي ةُ يف أساس ها هتدف إىل ثالث ة أم ور أساس ية‪ :‬ه دف "بن ائي" يهتم بض مان‬
‫حسن سري عملية البناء اإلنساين بناء متميزا شامال‪ .‬وهدف "وقائي" يهتم بوضع احلواجز‬
‫ث ىف أثن اء عملي ة البن اء‪ .‬وه دف "عالجي" يهتم بإص الح م ا‬
‫ملن ع أي خل ل أو قص ور حَيْ ُد ُ‬
‫ِ‬
‫الكيان اإلنساين‪.‬‬ ‫العطب إليه يف‬
‫يَتسلل َ‬
‫حد متابعتِه ‪ -‬صلى‬ ‫وأود أن أشري إىل أن معىن املتابعة النبوية يف هذه الدراسة ال ِيقف عند ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫اهلل عليه وسلم‪ -‬ل َما سبق وعلّمه ألحد أصحابه بصور ٍة خاصة؛ ألننا لو قَ َ‬
‫ص ْرنا املتابعة على‬
‫هذا املعىن‪ ،‬لََفاتَنا خريٌ كثريٌ من طرق وأصول متابعته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ألصحابه‪،‬‬
‫وإمنا املقصود متابعته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬لصحابته وآل بيته‪ ،‬سواء ُس بِقت هذه املتابع ةُ‬
‫ٍ‬
‫بتوجيه أو تعلي ٍم ٍّ‬
‫خاص أم مل تُ ْسبق‪.‬‬

‫ومفهوم املتابعة هبذا املعىن يعين الرعاية اخلاصة ألفراد اجملتمع املسلم‪ ،‬واالطمئنان لتنفيذهم‬
‫توجيهاته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وحسن تطبيقهم منهج اإلسالم‪ ،‬مع رعايتهم ومتابعتهم‬
‫يف أمورهم الشخصية املؤثّرة على عملية الرتبية‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫المبحثاألول‪( :‬التثبيتاإليمانيوالخلقيوالدعمالنفسي")‬

‫التثبيت اإليماني‪:‬‬

‫"متث ل الرتبي ةُ اإلمياني ةُ‪ ،‬خصوص ا تل ك اجلرع ات األولي ة ال يت يتلقاه ا املرتيب يف الب دايات‪،‬‬
‫عول عليه بعد ذلك يف ثبات‬ ‫العمود ِ‬
‫قري للعملية الرتبوية بكاملها‪ ،‬وهي األصل الذي يُ ّ‬ ‫الف َّ‬ ‫َ‬
‫املرتيب واس تمراره‪ ،‬وهي أ َْوىل األعم ال بالرعاي ة‪ ،‬وأفض لها يف ش رع اللَّه س بحانه‪َ :‬‬
‫"ع ْن أَيِب‬
‫ض ُل؟‬ ‫‪-‬ص لَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪ُ -‬س ئِ َل‪ :‬أ ُّ‬
‫َي الْ َع َم ِل أَفْ َ‬
‫َن رس َ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬
‫هري ر َة ِ‬
‫‪-‬رض َي اللَّهُ َعْن هُ‪ -‬أ َّ َ ُ‬
‫َُ ْ َ َ‬
‫ال‪َ :‬ح ٌّج‬ ‫يل‪ :‬مُثَّ َماذَا؟ قَ َ‬ ‫ال‪ :‬اجْلِهاد يِف سبِ ِيل اللَّ ِه‪ .‬قِ‬ ‫ق‬ ‫ا؟‬‫ذ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫‪:‬‬ ‫يل‬‫ال‪ :‬إِميا ٌن بِاللَّ ِه ورسولِِه‪ .‬قِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬‫مُث‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َف َق َ َ‬
‫ور"(‪.)1‬‬ ‫َمْب ُر ٌ‬
‫فَ أََث ُر الرتبية اإلمياني ة العميقة الص افية ‪-‬اليت تَعتم د أساسا على رب ط املدعوين باللَّه سبحانه‬
‫وص لة قوية بينه وبني اللَّه سبحانه وتعاىل‪،‬‬ ‫وتعاىل‪ ،‬ومساعدة املرتيب على بناء عالقة متينة ِ‬
‫وتربيته على تعظيم اللَّه‪ ،‬وحمبته‪ ،‬واخلوف منه‪ ،‬ومراقبته‪ -‬ال يقف أبدا عند حلظات الصفاء‬
‫النفس ي‪ ،‬والراح ة النفسية ال يت جيدها املرتبون يف ف رتات زي ادة اإلميان وال ُق رب من اللَّه‪ ،‬ب ل‬
‫تتجاوز ذلك كثريا إىل إمداد املرتيب بكثري من عوامل البناء النفسي املتني‪ ،‬وحمفزات اهلمة‬
‫وقاية ٍ‬
‫صلبة مَت نعُ هُ من التجرؤ على املعاصي‪َ ،‬فتَ ُح ول بينه‬ ‫العالية‪ ،‬فضال عن إقامتها منظوم ةَ ٍ‬
‫واألصل يف الرتبية‬ ‫شهوات النفوس‪ ،‬وأهواء القلوب‪ .‬ولذا فإن "اإلميان هو األساس‬ ‫ِ‬ ‫وبني‬
‫ُ‬
‫اإلس المية‪ ،‬وس ائر األم ور إمنا هي ف روع ومثرات هلذا األص ل العظيم‪ ،‬فالس لوك والعلم‬
‫الش رعي واجله اد وال دعوة والك ف عن احلرم ات‪ ،‬إمنا ه و مثرة ونتيج ةٌ من نت ائج حتق ق‬
‫اإلميان" (‪.)2‬‬

‫‪ )(1‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب اإلميان‪ ،‬باب‪ :‬من قال إن اإلميان هو العمل‪ ،1/4 ،‬رقم احلديث ‪.26‬‬
‫‪ )(2‬الدويش‪ ،‬حممد عبد اهلل‪ ،‬تربية الش"باب‪ -‬األه"داف والوس""ائل‪ ،‬ط‪( 1‬الرياض‪ :‬مدار الوطن للنشر‪1423 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪ 2002‬م)‪.39-38 /1 ،‬‬

‫‪33‬‬
‫والنظر للرتبية اإلميانية من هذا املنطلق وهبذا التصور ال جيعل املريب يبخل بالوقت واجلهد؛‬
‫لتأسيسها يف نفوس املرتبني ابتداءً‪ ،‬ومتابعتها بعد ذلك بصورة مستمرة‪ ،‬فهي املعني له بعد‬
‫ذل ك على س المة س ري املرتيب‪ ،‬وتوف ري جه ود كث رية تُب ذل مع ه بع د ذل ك؛ إلقناع ه ب َقب ول‬
‫ؤس س له الرتبي ةُ اإلميانية‪،‬‬
‫إصالح سلوكيات‪ ،‬أو َغ ْرس أخالقيات‪ ،‬فكل هذا تُ ِّ‬ ‫ِ‬ ‫مفاهي ٍم‪ ،‬أو‬
‫َوتُس ِّهل ُحس ن قبول ه وتلقي ه يف البداي ة‪ ،‬ومُت ِّهد جلمي ِل ب ْذل األف راد وحس ن عط ائهم عن دما‬
‫وقت العطاء‪.‬‬
‫حيني ُ‬
‫لذا؛ كان اعتناء الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬برعاية حالة أصحابه اإلميانية ومتابعتهم‬
‫يف ذلك من خالل طرق عدة؛ أمهها‪:‬‬

‫‪ -1‬ربط قلوبهم باهلل سبحانه‪ ..‬واستشعار َمعيته‪ ..‬وحسن التوكل عليه‪:‬‬

‫س‬ ‫ِ‬
‫"جيب على املريب أن ي زرع حقيق ة اإلميان باهلل تع اىل يف نفس ه ول َدى اآلخ رين‪ ،‬وأن يَغ ر َ‬
‫وحسن التوكل عليه يف مجيع أمور الدنيا‬ ‫املفاهيم اإلميانية األصيلة‪ َ،‬مثل‪ :‬استشعار معية اهلل‪ُ ،‬‬
‫واآلخرة‪ ،‬حىت َيْن َش أ املتعلمون على مبدأ املراقبة هلل‪ ،‬واخلشية منه‪ ،‬واالستسالم جِلَنَابه فيما‬
‫ينوب‪ ،‬ويروع‪ ،‬والتزام منهجه يف كل ما يأمر وينهى‪ ،‬بل يكون عنده من حساسية اإلميان‬
‫ويقظة الضمري ما يكف عن املفاس د االجتماعية‪ ،‬والوساوس القهرية‪ ،‬واملساوئ اخللقية‪،‬‬
‫وهبذا يَنصلِ ُح روحيا وخلقيا‪ ،‬ويكتمل عقليا وسلوكيا‪.‬‬

‫وب تالمي ذه م ع اهلل تع اىل يف أوق ات الش دة والرخ اء‪ ،‬وح ىت‬
‫وحيس ن ب املريب أن يرب ط قل َ‬
‫يكونوا على صلة دائمة وع ٍ‬
‫القة وثيقة مع خالقهم‪.‬‬ ‫َ‬
‫وه ذا م ا حص ل للن يب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬عن د عودت ه من غ زوة "ذات الرق اع" يف‬
‫حديث جابر‪ ‬بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما‪.‬‬

‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫"ع ْن َج ابِ ِر بْ ِن َعْب د اللَّه ‪-‬رض ي اهلل عنهم ا‪" :-‬أَنَّهُ َغ َزا َم َع َر ُس ول اللَّه َ‬ ‫َ‬
‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪َ -‬ق َف َل َم َع هُ‪ ،‬فَ أ َْد َر َكْت ُه ْم‬ ‫وس لَّم‪ -‬قِب ل جَنْ ٍد‪َ ،‬فلَ َّما َق َف ل رس ُ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫ََُ‬ ‫ََ َ ََ‬
‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّم‪َ -‬وَت َف َّر َق النَّاس يِف‬ ‫الْ َقائِلَ ةُ يِف و ٍاد َكثِ ِري الْعِض ِاه‪َ ،‬فَن ز َل رس ُ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ول اللَّه َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هِب‬
‫ت مَسَُر ٍة‪َ ،‬ف َعلَّ َق َا‬ ‫ِ‬ ‫الْعِض ِاه؛ يستَ ِظلُّو َن بِالشَّج ِر‪ ،‬و َنز َل رس ُ ِ‬
‫‪-‬صلَّى اهللُ َعلَْيه َو َسلَّ َم‪ -‬حَتْ َ‬‫ول اللَّه َ‬ ‫َ ََ َُ‬ ‫َ َْ‬

‫‪34‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫س ي َفه‪ ،‬فَنِمنَ ا َنوم ةً‪ ،‬مُثَّ إِذَا رس ُ ِ‬
‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ه َو َس لَّ َم‪ -‬يَ ْدعُونَا‪ ،‬فَجْئنَ اهُ‪ ،‬فَِإذَا عْن َدهُ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫َُ‬ ‫َْ ُ ْ َْ‬
‫اخَت َر َط َس ْي ِفي َوأَنَا نَائِ ٌم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫‪-‬صلَّى اهللُ َعلَْيه َو َسلَّ َم‪ :-‬إِ َّن َه َذا ْ‬
‫ال رس ُ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫س‪َ ،‬ف َق َ َ ُ‬
‫ِ‬
‫أ َْعَرايِب ٌّ َجال ٌ‬
‫ِ‬ ‫فَاس َتي َقظْت‪ ،‬وه و يِف ي ِد ِه ص ْلتًا‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬من مَيَْنع َ ِ‬
‫ت‪ :‬اللَّهُ‪ ،‬ثالث ا‪ ،‬ومَلْ يُ َعاقْب هُ‬‫ك ميِّن ؟ ُق ْل ُ‬ ‫َْ ُ‬ ‫ْ ْ ُ َُ َ َ َ‬
‫وجلس"(‪.)1‬‬

‫فالرس ول املريب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬أراد أن يس تثمر ه ذه احلادث ة؛ ليغ رس يف نف وس‬
‫أصحابه بصورة عملية حقيقة معية اهلل تعاىل‪ ،‬والثقة به‪ ،‬وحسن التوكل عليه‪ ،‬خاصة عند‬
‫النموذج التطبيقي هلذه املعاين‪ ،‬اليت‬
‫َ‬ ‫مواجهة األخطار‪َ ،‬ف َق ّدم ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ابتداءً‬
‫ال يُتصور أن تقف عند حدود جدران القلب دون أن يكون هلا شواهد يف الواقع تُصدقها‪،‬‬
‫مث بع د أن َبنَّي هلم املع ىن ر ّغبهم يف االقت داء ب ه يف حس ن توكل ه على رب ه‪ ،‬ببي ان مثرة ه ذا‬
‫التوكل‪ ،‬وبيان كفاية اهلل لعبده الذي يلجأ إليه‪ ،‬ويستغيث به‪.‬‬

‫‪ -‬ولعظيم أمهية املتابعة اإلميانية‪ ،‬كان رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يبدأ يف َغرسها‬
‫ورعايته ا مبك را يف قل وب أص حابه ويق دمها على م ا غريها‪ ،‬ح ىت إن ه ك ان يعت ين برب ط‬
‫الصحابة ‪-‬وهم ما زالوا فِتيانا صغارا‪ -‬برهبم سبحانه وتعاىل‪ ،‬و َغ ْرس معاين املراقبة واحملبة‬
‫أنوار اإلميان وحالوته‪ ،‬وها هو‬ ‫والرضا بالقدر يف قلوهبم منذ الصغر‪ ،‬حىت َتْن َشأَ وقد مألهتا ُ‬
‫ابن عباس حيدثنا عما وقع بينه وبني رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه‬ ‫ف النَّيِب ِّ َ‬ ‫ت َخ ْل َ‬ ‫روى الرتمذى عن ابن عباس‪-‬رضى اهلل عنهما‪ -‬قال‪ُ " :‬كْن ُ‬
‫ال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ا‪َ ،‬ف َق‬ ‫لَّ َم‪َ -‬ي ْو ًم‬ ‫َو َس‬
‫ياغُالَمِإنِّىأُعلِّم َك َكلِماتٍاح َف ِظاللَّهيح َفظْ َكاح َف ِظاللَّهتَ ِج ْدهتُجاه َكِإذَاسأَلَْت َف اِل‬
‫استَ‬ ‫اسأَ للَّ َه َوإِذَ ْ‬
‫ااسَت َعْنَت َف ْ‬ ‫ْ َ ُ ََ َ ْ‬ ‫َ ُ َ ُ َ ْ ََ ْ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫واعلَ‬
‫اجتَ َمعُ َ‬ ‫اجتَ َم َعْت َعلَىأَْنَيْن َفعُو َكبِ َش ْىءلَ ْمَيْن َفعُو َكِإالَّبِ َش ْىءقَ ْد َكتََب ُهاللَّ ُهلَ َك َولَ ِو ْ‬ ‫عْنبِاللَّ ِه َو ْاعلَ ْمأَنَّاأل َُّمةَلَ ِو ْ‬
‫ف"(‪.)2‬‬ ‫الص ُح ُ‬ ‫ضُّرو َكِإالَّبِ َش ْى ٍءقَ ْد َكتََب ُهاللَّ ُه َعلَْي َك ُرفِ َعتِاألَقْالَ ُم َو َجفَّتِ ُّ‬ ‫ٍ‬
‫ضُّرو َكبِ َش ْىءلَ ْميَ ُ‬ ‫ىأَْنيَ ُ‬

‫‪ )(1‬الش طي‪ ،‬د‪ .‬حمم د يوس ف‪ ،‬المنهج النب""وي في تق""ويم األخط""اء‪ ،‬ط‪( 1‬الك ويت‪ :‬املكتب ة العامري ة‪1430 ،‬ه‪-‬‬
‫‪2009‬م)‪ ،‬ص ‪ ،241-240‬واحلديث أخرج ه البخ اري‪ ،‬كت اب اجله اد والس ري‪ ،‬ب اب َمن عل ق س يفه بالش جر يف‬
‫السفر عند القائلة‪ ،2/4 ،‬رقم احلديث ‪.2910‬‬

‫‪35‬‬
‫طه ر قلوب أصحابه‪ ،‬وميلؤها إميانا وتوكال على‬‫فقد كان النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يُ ّ‬
‫رهبا سبحانه وتعاىل‪ ،‬ويُربيهم على التوحيد اخلالص‪ ،‬وما يستلزمه من االستعانة به وحده‪،‬‬
‫علم ا‪ ،‬وأقلها‬ ‫ِ‬
‫أبر األمة قلوبًا‪ ،‬وأعمقها ً‬
‫وحفظه يف كل أحواهلم‪ ،‬حىت صار الصحابة الكرام َّ‬
‫تكل ًفا‪.‬‬
‫إهناوصيةجامعةتُ ِ‬
‫رش ُداملؤمنبأنرياعيَحقوقَاللهتعاىل‪،‬ويلتزمبأوامره‪،‬ويق َفعندحدودالشرعفاليتعداه‪،‬‬
‫فيحفظاللهعزوجلفينفسه‪،‬وحيفظاللهعزوجلفيشرعه‪،‬وحيفظاللهعزوجلفيكلشأنه‪.‬‬

‫ياللهعنهما‪-‬‬ ‫اس‪-‬رض‬ ‫لم‪-‬يعلمابنعب‬ ‫والهلل‪-‬صلىاللهعليهوس‬ ‫فرس‬


‫املخلوقني؛‬ ‫ل‪،‬وأناليلتفتإلى‬ ‫هباللهعزوج‬
‫ّ‬ ‫أهنيجبعلىاملرءأنيكومنعلقاًرجاءَ‬
‫فإناملخلوقينالميلكونلهض راوالنفعا‪،‬حتىيس تقرفيقلبهأناللهتعالىهووحدهاملدعوواملرجو‪،‬واملبتغَىامل‬
‫تعان‬ ‫ادة‪،‬وهوأيضاوحد ُهاملس‬
‫َ‬ ‫طلوببالعب‬
‫وصإلليه‪.‬‬‫ُ‪،‬وحننفقراءإلىاللهتباركوتعالىفيمعرفتهومعرفةاحلقالذيي ِ‬
‫ُ‬
‫وخيتتمالنيب‪-‬صلىاللهعليهوسلم‪-‬وصيتهبأمرجامعتدورعليهكلوصايااحلديث‪،‬وهواإلميانبال َق َدر؛‬
‫حينئذأناللهوحدههوالضارالن‬ ‫فإنالعبدإذاعلِمأهنلنيصيبهإالماكتباللهلهمنخ ٍريوشر‪،‬ونفعٍوض ر‪،‬علِم ٍ‬
‫ُ َ‬
‫ظحدوده‪،‬فمنعلِمأهن‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫رهبعزوجل‪،‬وإفرادهبالطاعة‪،‬وح ْف‬ ‫افع‪،‬املعطياملانع‪،‬فأوجبذلكعلىالعبدتوحيد‬
‫َ‬
‫ر‪،‬واليعطيوالمينعغريُاهلل‬ ‫الينفعواليض‬
‫هباخلوفوالرجاء‪،‬واحملبةوالسؤال‪،‬والتضرعوالدعاء‪،‬وتقدميطاعتهعلىطاعةاخللقجم‬
‫ُّ‬ ‫ِ‪،‬أوجبذلكإفراد‬
‫َ‬
‫ًيعا‪.‬‬

‫لم‪-‬‬ ‫النيب ‪-‬صلىاللهعليهوس‬ ‫واحلديثيُظ ِهرمدىحرص‬


‫علىتطهرينفوسأصحاهبمنكألنواعالشرك‪،‬ومدىرعايتهلِ َجنَابالتوحيدفيقلوهبم‪،‬ومايستلزمهمناالس‬
‫تعانةهبوحده‪،‬وحفظهفيكألحواهلم‪.‬‬

‫‪ )(2‬س نن الرتم ذي‪ ،‬كت اب ص فة القيام ة والرق ائق وال ورع‪ )59( ،‬ب اب‪ ،1/1 ،‬رقم احلديث ‪،2516‬‬
‫وقال‪:‬حديثحسنصحيح‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫‪ -2‬ربطهم بكتاب" اهلل تعالى وتحفيزهم" على تالوته وتدبره‪:‬‬

‫"وعلى رأس األصول اليت يبتدئ هبا املريب مع املرتبني يف التأسيس اإلمياين الذي يقوم على‬
‫حس ن ص لة املرتيب باللَّه؛ االعتن اءُ بأص ول األعم ال ال يت تض من ذل ك بص ورة قوي ة‪ ،‬خاصة‬
‫دبرا‪ ،‬ومعايش ةً وتوق ًريا‪ ،‬وتعليم املرتيب‬ ‫وتعلم ا وت ً‬ ‫العالق ة املتم يزة ب القرآن؛ تالوةً وحفظً ا‪ً ،‬‬
‫التالوة الص حيحة وآداهبا‪ ،‬وكيفي ة الت دبر والنظ ر يف آي ات اهلل‪ ،‬والتأكي د على احملافظة على‬
‫ال ِورد القرآين اليومي‪ ،‬وعدم تضييعه مهما تكن الشواغل والصوارف‪ ،‬واالهتمام واملتابعة‬
‫ومضالت الفنت فيما بعد"(‪.)1‬‬ ‫صونه من كثري من أمراض القلوب ُ‬ ‫هلذا األصل اإلمياين يَ ُ‬
‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه‬ ‫روى مس لم عن أيب موسى‪-‬رض ي اهلل عن ه‪ -‬ق ال‪" :‬قَ َال رس ُ ِ‬
‫ول اهلل َ‬ ‫َُ‬
‫َستَ ِمعُلِ ِقَراءَتِ َكالْبَا ِر َحةَ‪،‬لََق ْدأُوتِيتَ ِم ْز َم ًار ِامْن َمَز ِام ِريآلِ َد ُاو َد َعلَْي ِه َّ‬
‫الساَل ُم"(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫َو َسلَّ َم‪ :-‬لَ ْو َرأ َْيتَن َىوأَنَاأ ْ‬
‫ث الص حايب اجلليأَل ب ا موسى على تالوة الق رآن‪،‬‬ ‫تح ُّ‬ ‫فالرس ول ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬يس ِ‬
‫وحتسني الصوت به‪ ،‬وحسن تدبره بأبلغ طريقة‪ ،‬وأفصح بيان‪ ،‬فيا له من شرف ويا له من‬
‫الوحي ليستمع‬
‫ُ‬ ‫حتفيز‪ ،‬أن يقف رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وهو الذي أُنزل عليه‬
‫بإنصات إىل قراءة القرآن ِمن يِف أحد أصحابه‪.‬‬
‫ٍ‬

‫مث ه و ال يكتفي ب ذلك‪ ،‬ب ل يزي ده ارتباط ا ب القرآن‪ ،‬ويس تحثه؛ للمس ارعة يف تالوت ه حني‬
‫وضع على صدره نيشا َن التكرمي والفخر بالثناء على حسن تالوته‪ ،‬ومجال صوته‪ ،‬حىت إنه‬ ‫َ‬
‫أشبه يف تالوته تالوة داود ‪-‬عليه السالم‪ -‬الذي كانت اجلبال والطريُ تستمع إليه وتردد‬
‫معه من مجال صوته‪.‬‬

‫‪ -‬وها هو عبد اهلل‪ ‬بن مسعوديناله من هذا الشرف نصيب‪.‬‬

‫‪)(1‬عادل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.43-42‬‬


‫‪)(2‬ص حيح مس لم‪ ،‬كت اب ص الة املس افرين وقص رها‪ ،‬ب اب اس تحباب حتس ني الص وت ب القرآن‪ ،1/5 ،‬رقم احلديث‬
‫‪.793‬‬

‫‪37‬‬
‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪" :-‬ا ْق َرأْ‬
‫ول اهلل َ‬
‫روي عن عبد اهلل ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬قال‪" :‬قَ َال رس ُ ِ‬
‫َُ‬
‫ول ِ‬
‫ال‪ :‬إِيِّن أَ ْشتَ ِهي أَ ْن أَمْسَ َعهُ‬‫ك أُنْ ِز َل! قَ َ‬ ‫اهلل! أَْقَرأُ َعلَْي َ‬
‫ك َو َعلَْي َ‬ ‫ت‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫ال‪َ :‬ف ُق ْل ُ‬‫َعلَ ّي الْ ُق ْرآ َن‪.‬قَ َ‬
‫ِ‬
‫ت‪﴿ :‬‬ ‫ِّس اءَ‪َ ،‬حىَّت إِ َذا َبلَ ْغ ُ‬
‫ت الن َ‬ ‫م ْن َغرْيِ ي‪َ .‬ف َق َرأْ ُ‬
‫‪‬‬
‫ت َرأْ ِس ي‪ ،‬أ َْو َغ َم َزيِن َر ُج ٌل إِىَل َجْنيِب ‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫‪َ ﴾‬ر َف ْع ُ‬
‫يل"(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫وعهُ تَس ُ‬
‫ت ُد ُم َ‬
‫َفَرأَيْ ُ‬
‫"إن من أثق ل األم ور على طلب ة العلم والعلم اء أن يس معوا عمن ه و دوهنم يف الفض ل‬
‫والعلم‪ ،‬وهنا أكرم اخللق‪ ،‬وأشرفهم وأعالهم قدرا ومنزلة ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪،‬فداه أيب‬
‫وأمي‪ -‬يطلب من تلميذه عبد اهلل‪ ‬بن مسعود‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬أن يسمعه القرآ َن‪ .‬اهلل أكرب!‬
‫تواض َعه! صلوات ريب وسالمه عليه‪.‬‬
‫ما أجل ُ‬
‫ق ال اإلم ام الن ووي تعليق ا على احلديث‪" :‬وفي ه تواض ع أه ل العلم والفض ل ول و م ع‬
‫أتباعهم"(‪.)3‬‬

‫ولن ا أن نتخي ل ح ال ابن مس عود وه و يع ايش ه ذا املش هد ابت داءً من تالوت ه أم ام أس تاذه‬
‫ومربي ه الن يب حمم د ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬مث رؤي ة ت أثره ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬عن د‬
‫عظيم األثر يف‬
‫رتك َ‬ ‫استماع القرآن‪ ،‬وال شك أن تلك املعايشة وهذه املواقف ال تُنسى‪ ،‬وتَ ُ‬
‫نفوس املرتبني‪ ،‬وتزيد من عنايتهم بكتاب اهلل وترتيله‪ ،‬وتدبره‪ ،‬وحسن اإلنصات آلياته‪.‬‬

‫‪ -3‬ربطهم بسنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬

‫‪)(1‬سورةالنساء‪،‬اآلية‪.41 :‬‬
‫‪ )(2‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب صالة املسافرين وقصرها‪ ،‬باب فضل استماع القرآن‪ ،‬وطلب القراءة من حافظ لالستماع‪،‬‬
‫والبكاء عند القراءة والتدبر‪ ،1/5 ،‬رقم احلديث ‪.800‬‬
‫‪)(3‬إهلي‪ ،‬فض ل‪ ،‬الن""بي الك""ريم ‪-‬ص""لى اهلل علي""ه وس""لم‪ -‬معلما"‪ ،‬ط‪( ،1‬باكس تان‪ :‬إدارةترمجاناإلس الم‪1424‬هـ ‪-‬‬
‫‪2003‬م)‪ ،‬ص ‪ /192-191‬شرح النووي ‪.6/88‬‬

‫‪38‬‬
‫وتأيت عناية الرسول صلى اهلل عليه وسلم بربط الصحابة بسنته والتمسك هبا يف الرتبة التالية‬
‫لربطهم بكتاب اهلل سبحانه‪ ،‬ومن تلك السنن اليت كان النيب صلى اهلل عليه وسلم يوليها‬
‫عناية كبرية يف متابعته؛ قيام الليل واحملافظة على صالة الوتر‪.‬‬

‫ص لِّي ِم َن‬ ‫ِ‬


‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ه َو َس لَّ َم‪ -‬يُ َ‬
‫"عن عائشة ‪-‬رضي اهلل عنها‪ -‬قالت‪َ :‬ك ا َن رس ُ ِ‬
‫ول اهلل َ‬ ‫َُ‬
‫ومي‪ ،‬فَأ َْوتِِري يَا َعائِ َشةُ" ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫ال‪ :‬قُ ِ‬ ‫اللَّْي ِل؛ فَِإ َذا أ َْوَتَر‪ ،‬قَ َ‬
‫ذات ليل ة متوجه ا ل بيت ابنت ه فاطمة وزوجه ا‬ ‫ب ل خ رج ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬من بيت ه َ‬
‫آمرا إيامها بالصالة والتهجد‪ ،‬فعن علي‪ ‬بن أيب طالب ‪-‬رضي اهلل‬ ‫علي‪-‬رضي اهلل عنهما‪ً -‬‬
‫بنت النيب ‪-‬عليه السالم‪ -‬ليل ةً‪،‬‬ ‫طرقه وفاطم ةَ َ‬ ‫عنه‪ -‬أن رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪َ -‬‬
‫اهلل‪ ،‬أَْن ُفس نَا بِي ِد ِ‬
‫اهلل؛ فَ ِإ َذا َش اءَ أَ ْن َيْب َعَثنَ ا َب َعَثنَ ا‪،‬‬ ‫ول ِ‬ ‫فق ال‪" :‬أَاَل تُ ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ت‪ :‬يَ ا َر ُس َ‬ ‫ص لِّيَان؟ " َف ُق ْل ُ‬
‫َ‬
‫ب فَ ِخ َذهُ َو ُه َو‬ ‫ض ِر ُ‬ ‫ك‪َ ،‬ومَلْ َي ْر ِج ْع إيل ش يئًا‪ ،‬مُثَّ مَسِ ْعتُهُ َو ُه و ُم ٍّ‬
‫ول يَ ْ‬ ‫ِ‬
‫ني ُق ْلنَ ا َذل َ‬ ‫فح َ‬
‫فَانْص ر َ ِ‬
‫ّ‬ ‫ََ‬
‫(‪)3( )2‬‬
‫ول‪. "  :‬‬ ‫َي ُق ُ‬
‫فرسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬مل ِ‬
‫يكتف مبتابعة أهله بالتذكري واحلث والرتغيب‪ ،‬وإمنا‬
‫كان يذهب إليهم؛ ليوقظهم بالليل كما فعل مع ابنته فاطمة وزوجها‪ ،‬لين ااَل حظهما من‬
‫القي ام‪ ،‬وم ا ه ذا إال ألمهي ِة قي ام اللي ل يف التأس يس اإلمياين املتني حلمل ة الرس الة وأص حاب‬
‫ض ْربه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬املثل التطبيقي يف متابعة املرتبني عمليا‪،‬‬ ‫العزائم‪ ،‬فضال عن َ‬
‫خاصة إذا تعلق األمر بقيام الليل‪ ،‬فاألمر يتطلب رعاية أكرب‪ ،‬وعناية أشد‪ ،‬حىت ولو احتاج‬
‫األم ر ذه اب املريب إىل املرتبني‪ ،‬وطَ ْرق أب واهبم؛ لالطمئن ان على أح واهلم‪ ،‬وحثهم على‬
‫الطاعة‪.‬‬

‫‪)(1‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب صالة املسافرين وقصرها‪ ،‬باب صالة الليل وعدد ركعات النيب صلى اهلل عليه وسلم يف‬
‫الليل‪ ،1/5 ،‬رقم احلديث ‪.744‬‬
‫‪ )(2‬سورة الكهف‪ ،‬اآلية‪.54 :‬‬

‫‪ )(3‬ص حيح البخ اري‪ ،‬كت اب التهج د‪ ،‬ب اب حتريض الن يب ص لى اهلل علي ه وس لم على ص الة اللي ل والنواف ل من غ ري‬
‫إجياب‪ ،1/4 ،‬رقم احلديث ‪.1127‬‬

‫‪39‬‬
‫يوج ه أصحابه إىل االعتناء بالقيام‪ ،‬كما ورد يف حديث‬ ‫وقد كان ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ّ -‬‬
‫عب د اهلل‪ ‬بن عمر ‪-‬رض ي اهلل عنهم ا‪ -‬حني قص ت أخت ه حفصة على الن يب ‪-‬ص لى اهلل‬
‫ص لِّي ِم َن‬ ‫ِ‬ ‫عليهوس لم‪ -‬الرؤي ا ال يت رآه ا‪ ،‬فق ال هلا‪" :‬نِ ْع َم َّ‬
‫الر ُج ُل َعْب ُد اهلل لَ ْو َك ا َن يُ ْ‬
‫اللَّْي ِل"‪،‬فكان َب ْع ُد ال ينام من الليل إال قلياًل (‪.)1‬‬

‫ووجه عبد اهلل‪ ‬بن عمرو لالعتناء بقيام الليل‪ ،‬فعن عبد اهلل‪ ‬بن عمرو‪ ‬بن العاص ‪-‬رضي اهلل‬ ‫َّ‬
‫اهلل‪ ،‬اَل تَ ُك ْن ِمثْ َل فُاَل ٍن‪،‬‬
‫اهلل ‪-‬ص لَّى اهلل علَي ِه وس لَّم‪ :-‬ي ا عب َد ِ‬
‫ُ َ ْ َ َ َ َ َْ‬ ‫َ‬
‫ول ِ‬ ‫ال يِل َر ُس ُ‬ ‫عنهما‪ -‬قال‪" :‬قَ َ‬
‫وم اللَّْي َل‪َ ،‬فَتَر َك قِيَ َام اللَّْي ِل"(‪.)2‬‬
‫َكا َن َي ُق ُ‬
‫‪ -4‬متابعتهم في األعمال الصالحة" التي" يَزداد" اإليما ُن بها‪:‬‬

‫وك ل م ا يض من حتري ك اإلميان وزيادت ه يف القل وب وحيف ظ على النف وس ص فاءها ‪-‬من‬
‫طاعات خري‪ ،‬وذكر وصيام وإطعام‪ ،‬واإلكثار من النوافل‪ ،‬وغري ذلك‪ -‬كان حمل اهتمام‬
‫رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وحمل متابعة منه ألصحابه الكرام‪.‬‬

‫واُل للَّ ِه‬ ‫ال‪":‬قَالََر ُس‬ ‫ه‪ -‬ق‬ ‫ي اهلل عن‬ ‫رة ‪-‬رض‬ ‫عن أيب هري‬
‫ص ائِ ًما؟‪ .‬قَ اأَل َبُوبَ ْك ٍر‪ :‬أَنَ ا‪،‬قَ ال‬ ‫‪-‬صلىاللهعليهوس لم‪:-‬مْنأ ِ‬
‫َصبَ َحمْن ُك ُمالَْي ْو َم َ‬ ‫َ ْ‬
‫ال‪ :‬فَ َمْنأَطْ َع َم ِمْن ُك ُمالَْي ْومَمِ ْس ِكينًا؟قَ اأَل َبُوبَ ْك ٍر‪:‬‬
‫َ‪:‬فَ َمْنتَبِ َع ِمْن ُك ُمالَْي ْوجَمَنَ َاز ًة؟‪ .‬قَ اأَل َبُوبَ ْك ٍر‪ :‬أَنَ ا‪.‬قَ َ‬
‫يض ا؟‪.‬قَ اأَل َبُوبَ ْك ٍر‪ :‬أَنَ ا‪َ .‬ف َقالََر ُس واُل للَّ ِه‬ ‫ِ‬
‫ال‪ :‬فَ َمْن َع َادمْن ُك ُمالَْي ْومَمَِر ً‬
‫َ‬ ‫أَنَ ا‪.‬قَ‬
‫ىام ِرئٍِإالَّ َد َخاَل جْلَنَّةَ"(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫ااجتَ َم ْعنَف ْ‬
‫‪:-‬م ْ‬‫ىالله َعلَْي ِه َو َسلَّ َم َ‬
‫‪-‬صلَّ ُ‬
‫َ‬
‫وهذا احلديث جيلي بوضوح مدى حرصه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬على متابعة كل ما من‬
‫ش أنه حف ظ اإلميان يف قل وب أص حابه وزيادت ه‪-‬فاإلميان يزي د بالطاع ة وينقص باملعص ية‪-‬‬
‫فالصيام واتباع اجلنائز وإطعام الطعام وعيادة املريض من خري أعمال الدين اليت تزيد اإلميان‬
‫يف القل وب‪ ،‬ومن هن ا ك ان اطمئن ان الن يب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬على إميان أص حابه‬
‫‪ )(1‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب التهجد‪ ،‬باب فضل قيام الليل‪ ،2/4 ،‬رقم احلديث ‪.1122‬‬

‫‪ )(2‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب التهجد‪ ،‬باب ما يكره من ترك قيام الليل ملن كان يقومه‪ ،2/4 ،‬رقم احلديث ‪.1152‬‬

‫‪ )(3‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب من مجع الصدقة وأعمال الرب‪ ،2/5 ،‬رقم احلديث ‪.1028‬‬

‫‪40‬‬
‫بالسؤال عما يالزم اإلميان غالبا من صاحل األعمال‪ ،‬فضال عن حتفيز الصحب الكرمي على‬
‫املواظبة على هذه الصاحلات‪ ،‬بتبشري َمن مجع هذه األعمال وحرص عليها باجلنة‪.‬‬

‫وها هو رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يربط معاذا بذكر اهلل تعاىل‪ ،‬ويعلّمه كلمات‬
‫ال‪ :‬أ ِ‬ ‫ك‪ ،‬واللَّ ِه إِيِّن أَل ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫يك يَ ا‬‫ُوص َ‬ ‫ك‪َ ،‬ف َق َ‬
‫ُحبُّ َ‬ ‫يقوهلا عقب ك ل ص الة‪":‬يَ ا ُم َع اذُ‪َ ،‬واللَّه إيِّن أَل ُحبُّ َ َ‬
‫ول‪ :‬اللَّ ُه َّم أ َِعيِّن َعلَى ِذ ْك ِر َك َو ُش ْك ِر َك‬ ‫ص اَل ٍة َت ُق ُ‬ ‫ُم َع اذُ‪ ،‬اَل تَ َد َع َّن يِف ُدبُ ِر ُك ِّل َ‬
‫ك"(‪.)1‬‬ ‫نِعِبَ َادتِ َ‬ ‫َو ُح ْس‬
‫ب أ َِعيِّن َعلَى ِذ ْك ِر َك َو ُش ْك ِر َك‬
‫ص اَل ٍة‪َ :‬ر ِّ‬ ‫ول يِف ُك ِّل َ‬ ‫ورواه النس ائي بلف ظ‪" :‬فَاَل تَ َد ْع أَ ْن َت ُق َ‬
‫َو ُح ْس ِن ِعبَ َادتِ َ‬
‫ك"(‪.)2‬‬

‫أعظم ه من معلم ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬يأخ ذ بتالبيب قل وب أص حابه‪ ،‬وحيثهم على‬
‫ما َ‬
‫اخلري‪ ،‬وي دفعهم إلي ه دفع ا بأفض ل أس لوب وأنس ب طريق ة‪ ،‬وم ا الظن مبع اذ وق د مسع من‬
‫رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ما مسع من إخباره ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬مبحبته له‬
‫وقَ َسمه؛ تأكيدا على ذلك‪ ،‬هل ميكنه ‪ -‬وقد نال َمن نال من عظيم تشريف من النيب عليه‬
‫الصالة والسالم‪ - ،‬أن يغفل عن وصية رسول اهلل‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬له؟ أو يصم أذنه‬
‫عنها؟‬

‫‪ -5‬متابعتهم وقت المحن واالطمئنان على ثبات إيمانهم‪:‬‬

‫االبتالءات واالختبارات من سنن اهلل عز وجل يف أهل اإلميان؛ حىت تَطْ ُه َر قلوهُب م‪،‬وتصفو‬
‫ص دقهم‪ ،‬ويُعظم أجرهم‪ ،‬يقول تعاىل‪﴿ :‬‬ ‫نفوس هم‪ ،‬ويعلم ِ‬
‫َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ُ‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ،)3(﴾‬واحلاجة تشتد إىل تفقد اإلميان ومتابعة أحوال القلوب وقت البالء أكثر‬

‫تغفار‪ ،1/1 ،‬رقم احلديث ‪،1522‬‬ ‫اب يف االس‬ ‫الة‪ ،‬ب‬ ‫اب الص‬ ‫نن أيب داود‪ ،‬كت‬ ‫‪)(1‬س‬
‫أخرجهالعالمةاأللبانيفيصحيحسننأبيداود‪،‬وقال‪:‬حديثصحيح‪.‬‬
‫‪)(2‬صحيح سنن النسائي‪ ،‬كتاب السهو‪ ،‬باب نوع آخر من الدعاء‪ ،1/3 ،‬رقم احلديث ‪ ،1303‬وصححه العالمة األلباين‪.‬‬
‫‪ )(3‬سورة العنكبوت‪ ،‬اآليات‪.3-1 :‬‬

‫‪41‬‬
‫من أي وقت آخ ر‪ ،‬وكلم ا عظم البالء وتت ابعت احملن كلم اازدادت احلاج ة إىل التث بيت‪،‬‬
‫جراء‬
‫ف اإلميان بداخلها‪ ،‬أو يهتز ّ‬ ‫وتاقت النفوس املرهقة إىل َمن يَربت عليها؛ حىت ال يَضعُ َ‬
‫عصرة الفنت‪.‬‬
‫ومن هن ا نلح ظ بوض وح عناي ة الرس ول ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬الفائق ة بتفق د أص حابه‬
‫ومتابعتهم؛ لالطمئنان إىل ما يف قلوهبم من إميان‪ ،‬وبث روح األمل والثقة باهلل يف نفوسهم؛‬
‫أصلب عودا َّ‬
‫وأشد إميانا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫حىت ينجحوا يف عبور احملنة‪ ،‬وقد خرجوا منها‬

‫مضرب‬
‫َ‬ ‫وها هي األسرة اجملاهدة والبيت الصابر بيت آل ياسر‪ ،‬الذي ابتُلِي أهلُه بالء كان‬
‫األمثال يف حياة املؤمنني‪ ،‬مير عليهم احلبيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وهم يعذبون يف اهلل‪،‬‬
‫ف ِريق هلم‪ ،‬وي دعو هلم بالثب ات‪ ،‬وي دعوهم إىل الص رب‪ ،‬ويبش رهم باجلن ة؛ ح ىت تَثبت تل ك‬
‫النف وس ال يت ذاقت من البالء م ا ال يتص وره بش ر‪ ،‬فك انت كلم ات رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل‬
‫علي ه وس لم‪ -‬وتفق ده هلم ت نزل عليهم َب ْردا وس الما‪َ ،‬فتُزي ل ك ل أمل ومتس ح ك ل ش قاء‪،‬‬
‫وتراخ عندما تعتصرها سياط الفنت‪.‬‬
‫وتدفع عنهم ما قد خُي الط النفوس من ضعف ٍ‬

‫رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل‬ ‫َ‬ ‫حاجبْيه املثقلني بالشيب واألمل‪ ،‬ملح‬ ‫الشيخ الكبري‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ ..‬وملا رفع ياسر‪،‬‬
‫عليه وسلم‪ -‬فرأى احلزن والدمع يف وجهه‪ ،‬فهانت نفسه‪ ،‬وهان العذاب أمام حزن رسول‬
‫اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وأحب أن يواسي رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬قبل أن‬
‫اص رِب ْ‪.‬مُثَّ‬ ‫ِ‬ ‫يواسيه‪ ،‬فقال‪" :‬ي ا رس َ ِ‬
‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ه َو َس لَّ َم‪ْ :-‬‬
‫ال النَّيِب ُّ َ‬
‫َّهَر َه َك َذا! َف َق َ‬
‫ول اهلل‪ ،‬الد ْ‬ ‫َ َُ‬

‫‪42‬‬
‫اس ٍر؛ فَ ِإ َّن َم ْو ِع َد ُك ُم‬
‫آل ي ِ‬ ‫ت"(‪" ،)1‬أَبْ ِش ُروا َ‬ ‫ِ آِل ِ ِ‬
‫آل َع َّما ٍر‪َ ،‬و َ َ‬ ‫ال‪ :‬اللَّ ُه َّم ا ْغف ْر َل يَاس ٍر‪َ ،‬وقَ ْد َف َع ْل َ‬
‫قَ َ‬
‫اس ٍر‪َ ،‬م ْو ِع ُد ُك ُم اجْلَنَّةُ"(‪.)4(")3‬‬
‫آل ي ِ‬ ‫اجْل نَّةُ"(‪ ْ .)2‬رِب‬
‫"اص ُوا َ َ‬ ‫َ‬
‫أحرق املشركون عمار بن ياسر بالنار‪ ،‬فما تركه رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬للفنت‬
‫يده على رأسه‪ ،‬ويقول‪" :‬يَا‬ ‫تذهب بإميانه وهتز ثقته بربه‪ ،‬بل كان مير عليه ويواسيه‪ ،‬ومُي ر َ‬
‫يم"(‪.)5‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يِن‬
‫نَ ُار‪ُ ،‬كو َب ْر ًدا َو َساَل ًما َعلَى َع َّمار َك َما ُكْنت َب ْر ًدا َو َساَل ًما َعلَى إ ْبَراه َ‬
‫وم ّر خبب اب رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬يوم ا واحلدي د احملمي ف وق رأس ه يُلهب ه‬
‫وأسى‪ ،‬ولكن ماذا ميلك ‪-‬عليه السالم‪ -‬يومها خلباب‪!!..‬‬ ‫ويشويه‪ ،‬فطار قلبه رمحة وحنانا ً‬
‫ال شيء إال أن يثبته‪ ،‬ويدعو له‪ ،‬نرتك خبابا يروي لنا شكواه لرسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪َ -‬و ُه َو ُمَت َو ِّس ٌد بُ ْر َد ًة لَ هُ يِف ِظ ِّل‬ ‫ِ ِ‬
‫"ش َك ْونَا إِىَل َر ُس ول اهلل َ‬ ‫وس لم‪َ :-‬‬
‫ص ر لَن ا‪ ،‬أَاَل تَ ْدعو اهلل لَن ا؟ قَ َال‪َ :‬ك ا َن َّ ِ‬
‫يم ْن َقْبلَ ُكم حُيْ َف ُر لَهُ‬
‫الر ُج ُل ف َ‬ ‫ُ ََ‬ ‫الْ َك ْعبَ ِة‪ُ ،‬ق ْلنَ ا لهُ‪ :‬أَاَل تَ ْسَتْن ِ ُ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫ص دُّهُ‬‫وض ُع َعلَى َرأْس ه‪َ ،‬فيُ َش ُّق ب اثنتنْي ِ ‪َ ،‬و َم ا يَ ُ‬ ‫ض‪ ،‬فيُ ْج َع ُل في ه‪َ ،‬فيُ َج اءُ بِالْ ِمْن َش ا ِر‪َ ،‬فيُ َ‬ ‫يِف اأْل َْر ِ‬
‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ك َع ْن ِدينِ ِه‪َ ،‬ومُيْ َش ُ‬ ‫ِ‬
‫ك‬ ‫ص دُّهُ َذل َ‬‫ب‪َ ،‬و َم ا يَ ُ‬ ‫صٍ‬ ‫ط بِأ َْم َشاط احْلَديد َم ا ُدو َن حَلْم ه م ْن َعظْ ٍم أ َْو َع َ‬ ‫َذل َ‬

‫‪)(1‬مس ند أمحد‪ ،‬مس ند عثم ان بن عف ان‪ ،1/9 ،‬رقم احلديث ‪ .441‬وق ال اهليثمي يف جمم ع الزوائ د‪ :‬رواه أمحد‪،‬‬
‫ورجاهلرجااللصحيح‪. 9/296 ،‬‬
‫‪ )(2‬الطرباين‪ ،‬سليمان بن أمحد ابن أيوب أبو القاسم‪ ،‬املعجماألوسط‪ ،2/11 ،‬رقم احلديث ‪،1531‬بلفظ "أبشروا‬
‫آل ياسر موعدكم اجلنة وقال اهليثمي يف جممع الزوائد رجاله رجال الصحيح‪ ،‬غري إبراهيم بن عبد العزيز املقوم‪ ،‬وهو‬
‫ثقة‪.)9/296( ،‬‬
‫‪)(3‬جمم ع الزوائ د ومنب ع الفوائ د‪ ،‬ب اب فض ل عم ار بن ياس ر وآل بيت ه‪ ،9/10 ،‬ص ‪ ،296‬وق ال اهليثمي‪:‬‬
‫رواهالطرباين‪ ،‬ورجاله ثقات ‪.‬‬

‫‪)(4‬الص وياين‪ ،‬حمم د‪ ،‬الس" ""يرة النبوي" ""ة كم" ""ا ج" ""اءت في األح" ""اديث الص" ""حيحة (ق" ""راءة جدي" ""دة )‪ ،‬ط‪( 3‬الري اض‪:‬‬
‫العبيكان‪1430 ،‬هـ‪2009-‬م)‪.66-1/65 ،‬‬

‫‪)(5‬ابن س عد‪ ،‬أيب عب د اهلل حمم د بن س عد بن م نيع‪ ،‬الطبق ات الك ربى‪ ،‬ط‪ ( ،1‬ب ريوت‪ :‬دار ب ريوت‪1405 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1985‬م)‪ ،3/248 ،‬واحلديث مروي بإسناد حسن عن عمرو بن ميمون وهو خمضرم ثقة‪ ،‬إال أنه مل حيضر القصة‬
‫وال يُعرف ممن أخذها فهو مرسل‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫ض َر َم ْو ٍت‪ ،‬اَل خَيَ ُ‬
‫اف‬ ‫ص ْن َعاءَ إِىَل َح ْ‬ ‫اهلل لَيتَ َّم َّن ه َذا اأْل َم ر‪ ،‬حىَّت ي ِس ري ال َّراكِ ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫ب م ْن َ‬‫ُ‬ ‫ُْ َ َ َ‬ ‫َع ْن دين ه‪َ ،‬و ُ َ‬
‫ب َعلَى َغنَ ِم ِه‪َ ،‬ولَ ِكنَّ ُك ْم تَ ْسَت ْع ِجلُو َن"(‪.)1‬‬ ‫إِاَّل اهللَ‪ ،‬أَ ِو ِّ‬
‫الذئْ َ‬
‫أعظمها من بشرى ترفع األمل يف نفوس هؤالء املعذبني إىل َعنان السماء‪ ،‬إن رسول اهلل‬ ‫ما َ‬
‫طمئن أصحابه املعذبني أن الدين الذي يُع ّذبون من أجله سيسود‬ ‫‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ي ِ‬
‫ُ‬
‫وينتش ر‪ ،‬وأن ك ل حماوالت أعدائ ه بالقض اء على أتباع ه ستفش ل‪ ،‬وأن اهلل س بحانه س يتم‬
‫دينه‪ ،‬وأن ما يُالقونه من عذاب قد القَى مثله وأكثر سلفهم من أتباع الرسل وناصريهم‪،‬‬
‫وأن هذه احلرب اليت تُشن عليهم القتالعهم من دينهم هي سنة اهلل يف أصحاب الدعوات‪،‬‬
‫فهم ليسوا بِ ْدعا يف ذلك‪.‬‬

‫إهنا عبارات تقنع العقل بصحة منطقها‪ ،‬وتسكب يف القلوب راحة جبميل بشراها‪ ،‬ومتسح‬
‫العناء عن النفوس املعذبة‪ ،‬فتطمئن النفوس أن النصر ٍ‬
‫آت‪ ،‬وأن اهلل غالب على أمره‪.‬‬

‫وملا كانت عناية رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بتثبيت اإلميان يف نفوس أصحابه هبذه‬
‫الص ورة املتم يزة‪ ،‬ومتابعت ه مبث ل ه ذه املتابع ة الدقيق ة‪ ،‬ك انت النتيج ة أن "ت رىب اإلميان ىف‬
‫أرسخ من اجلبال‪ ،‬وأعلى من السحاب‪ ،‬وظهرت بركات هذا‬ ‫َ‬ ‫قلوب الصحابة‪ ،‬حىت صار‬
‫اإلميان ىف مواقفهم اإلميانية‪ ،‬فكانت على أعلى مستوى ىف البذل والتضحية ىف سبيل اهلل عز‬
‫وج ل‪ ،‬وص دق األُخ وة‪ ،‬وص دق التوب ة‪ ،‬وال والء وال رباء‪ ،‬والص دق م ع اهلل ع ز وج ل وم ع‬
‫رسوله ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وكان من بَركات هذا اإلميان كذلك انتصارات ىف كل‬
‫ميدان‪ ،‬وعلو ورفعة وعزة ىف الدنيا واآلخرة"(‪.)2‬‬

‫‪)(1‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب املناقب‪ ،‬باب عالمات النبوة يف اإلسالم‪ ،4/4 ،‬رقم احلديث ‪.3612‬‬

‫‪ )(2‬فريد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.84‬‬

‫‪44‬‬
‫قال أبو احلسن الندوي‪" :1‬وكأن هذا اإلميان باهلل رفع رأسهم عاليا‪ ،‬وأقام صفحة عنقهم‪،‬‬
‫أبدا‪ ،‬ال مللك جبار وال حلرب من األحبار‪ ،‬وال لرئيس ديين وال دنيوي‪،‬‬
‫فلن تنحين لغري اهلل ً‬
‫ومأل قل وهبم وعي وهنم بكربي اء اهلل تع اىل‪ ،‬وعظمته‪ ،‬فهانت وجوه اخللق وزخ ارف ال دنيا‪،‬‬
‫ومظاهر العظمة والفخفخة‪ ،‬فإذا نظروا إىل امللوك وحشمتهم وما هم فيه من ترف وزينة‪،‬‬
‫ود ًمى قد ُكسيت مالبس اإلنسان"‪.‬‬‫فكأهنم ينظرون إىل صور ُ‬
‫وعن أىب موسى قال‪" :‬انتهينا إىل النجاشى وهو جالس ىف جملسه وعمرو عن ميينه وعمارة‬
‫عن يس اره‪ ،‬والقسيس ون جل وس س امطون‪ ،‬وق د ق ال ل ه عم رو وعم ارة‪ :‬إهنم اليس جدون‬
‫أن اسجدوا للملك‪ ،‬فقال جعفر‪:‬‬ ‫لك‪ .‬فلما انتهينا ب َدرنا من عنده ِمن القسيسني والرهبان ِ‬
‫َ َْ‬
‫ال نسجد إال هلل(‪.)2‬‬

‫وه ذه زينب بنت جحش‪-‬رض ى اهلل عنه ا‪ -‬خيطبه ا رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪-‬‬
‫لفتاه زيد بن حارثة‪ ،‬وحني يفاحتها ىف ذلك ت أَىَب ‪ ،‬وتقول‪ :‬لست بناكحته‪ ،‬فيقول رسول‬
‫اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪" :-‬بَ ْل‪ ،‬فَانْ ِك ِح ِيه" قالت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أؤامر نفسي‪ ،‬فبينما مها‬
‫يتحدثان إذا باملوىل سبحانه وتعاىل يُن ِزل هذه اآلي ةَ على رسوله ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪:-‬‬
‫‪‬‬
‫‪،)3(‬‬
‫فتقول‪ :‬قد رضيتَه يل يا رسول اهلل م ِ‬
‫نكحا؟ فيقول‪َ " :‬ن َع ْم"‪ ،‬فتقول‪ :‬إِذَ ْن ال أعصي رسول‬ ‫ُ‬
‫اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬قد أنكحته نفسي(‪.)4‬‬

‫دين ‪،‬‬ ‫ر ال‬ ‫د احلي بن فخ‬ ‫ن بن عب‬ ‫و احلس‬ ‫ة علي أب‬ ‫‪ )(1‬العالم‬
‫ﻫﻮﻣﻔﻜﺮﺇﺳﻼﻣﻲﻭﺩﺍﻋﻴﺔﻛﺒﲑﻭﻟﺪﺑﻘﺮﻳﺔﺗﻜﻴﺔ‪،‬ﻣﺪﻳﺮﻳﺔﺭﺍﺋﻲﺑﺮﻳﻠﻲ‪،‬ﺍﳍﻨﺪﻋﺎﻡ ‪1332‬ﻫـ‪1913/‬ﻡ (موقع رابطة األدب‬
‫اإلسالمي العاملي)‪.‬‬

‫‪ )(2‬الن دوي‪ ،‬أب و احلسن علي احلسين‪ ،‬م ""اذا خس ""ر الع ""الم بانحط ""اط المس ""لمين‪( ،‬الق اهرة‪ :‬دار الس نة‪1410 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1990‬م)‪ ،‬ص ‪.134-133‬‬
‫‪ )(3‬سورة األحزاب‪ ،‬اآلية‪.36 :‬‬

‫‪ )(4‬الطربي‪ ،‬أبو جعفر حممد بن جرير‪ ،‬جامع البيان عن تأوي"ل آي الق"رآن‪ ،‬ط‪( ،1‬بريوت‪ :‬دار الفكر‪1405 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1984‬م)‪.22/11 ،‬‬

‫‪45‬‬
‫وملا َسقط ِمسطح بن أثاثة(‪ )1‬مع َمن سقط ىف حادثة اإلفك‪ ،‬شق ذلك على أيب بكر وأهله‪،‬‬
‫وق ال‪ :‬ه ذا أم ر مل نُتهم ب ه ىف اجلاهلي ة‪ ،‬أََفَب ْع َد إِ ْذ أعزن ا اهلل باإلس الم نُتهم ب ه؟ وحل ف أال‬
‫أبدا‪ ،‬فأنزل اهلل عز وجل‪ :‬‬ ‫مسطحا بنافعة ً‬
‫ً‬ ‫يَنفع‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ،)2(‬ومسعها أب و بك ر‪ ،‬فق ال‪َ :‬بلَى‪ ،‬واهلل ي ا ربن ا إنّ ا لَنُحب أن تغف ر لن ا‪ ،‬وع اد ل ه مبا ك ان‬
‫يصنع(‪.)3‬‬

‫التثبيت الخلقي‪:‬‬

‫أقام اإلسالم بِناءً أخالقيًّا متكاماًل ‪ ،‬يتمثّل يف طهارة القلوب من كل أمراض احلقد واحلسد‬
‫وس وء الني ة‪ ،‬وطه ارة األلس ن من ال ُفحش يف الق ول‪ ،‬واجله ر بالس وء‪ ،‬والغيب ة والنميم ة‪،‬‬
‫ُ‬
‫وطهارة اجلوارح من كل ما يشني ويؤذي‪ ،‬ويبدو أثر تلك األخالق يف مجيل صلة املسلم‬
‫بكل َمن حوله‪.‬‬

‫ب األخالق والسلوكيات من اجلوانب اليت اعتىن اإلسالم عناية شديدة برتبية املسلم‬ ‫ِ‬
‫"وجان ُ‬
‫عليه ا‪ ،‬ف أعلى من قَ ْدرها‪ ،‬وخص ها بق در واف ر من التوجيه ات القرآني ة والنبوي ة ال يت حتض‬
‫عليها‪ ،‬وتثين على أهلها‪ ،‬وترتب عليها اجلزاء الوفري‪ ،‬وع ّده اهلل سبحانه وتعاىل من صفات‬
‫املتقني"‪﴿.‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪ )(1‬مسطح بن أثاثة‪ ،‬ابن عباد بن عبد مناف بن قصي‪ ،‬املطليب املهاجري املذكور يف قصة اإلفك (سري أعالم النبالء‬
‫ج‪)1‬‬
‫‪ )(2‬سورة النور‪ ،‬اآلية‪.22 :‬‬

‫‪ )(3‬س نن الرتم ذي‪ ،‬كت اب تفس ري الق رآن‪ ،‬ب اب ومن س ورة الن ور‪ ،1/1 ،‬رقم احلديث ‪،3180‬‬
‫قاالحملدث‪:‬هذاحديثحسنصحيحغريب‪،‬وصححهالعالمةاأللباين‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫‪ ،)1(﴾‬وق ال تع اىل‬
‫مثنيا على نبيه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪.)2( :-‬‬
‫ورتب عليه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وعلى التقوى دخول اجلنة‪ ،‬عن أيب هريرة‪-‬رضي اهلل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ َّ‬ ‫ول ِ‬
‫اهلل َ َّ‬ ‫"س ئِ َل َر ُس ُ‬
‫‪-‬ص لى اهللُ َعلَْي ه َوآل ه َو َس ل َم‪َ -‬ع ْن أَ ْكثَر َم ا يُ ْدخ ُل الن َ‬
‫َّاس اجْلَنَّةَ‪،‬‬ ‫عنه‪ -‬قال‪ُ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّار‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬ال َف ُم‬ ‫قَ َال‪َ :‬ت ْق َوى اللّ ه‪َ ،‬و ُح ْس ُن اخلُلُ ق‪َ ،‬و ُس ئ َل َع ْن أَ ْكثَ ر َم ا يُ ْدخ ُل الن َ‬
‫َّاس الن َ‬
‫َوالْ َف ْر ُج"(‪.)3‬‬
‫ومس ئولية رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬يف هتذيب أخالق تالمذت ه وص حابته‬
‫ومتابعتهم يف ذلك‪ ،‬كانت مسئولية شاملة‪ ،‬تتعلق ب ْغ رس كل القيم النبيلة ومعايل األخالق؛‬
‫أي اعوجاج يطرأ‬‫من صدق‪ ،‬ورفق‪ ،‬واستقامة‪ ،‬وأمانة‪ ،‬وبَشاشة‪ ،‬ورمحة‪ ،‬وصرب‪ ،‬وتقومي ّ‬
‫على نفوس هم أو ج وارحهم من غض ب أو س باب‪ ،‬أو فُحش‪ ،‬وتعوي دهم على املش اعر‬
‫واملع اين اإلنس انية الكرمية‪ ،‬مث ل اإلحس ان والرِب والعط ف‪ ،‬إىل غ ري ذل ك من املس ئوليات‬
‫والوظائف اليت ترتبط مبكارم األخالق وهتذيب النفوس‪.‬‬

‫وهذه بعض مناذج من متابعاته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ألخالقيات وسلوكيات صحابته‪،‬‬
‫وليس املقص ود حص ر ك ل م ا مَي ت للموض وع بص لة‪ ،‬وإال لَطَ ال احلديث‪ ،‬فمواقِ ُف ه ‪-‬علي ه‬
‫أكثر ِمن أن ُت َعد‪ ،‬وإمنا املقصود ذكر بعض األمثلة اليت تُربز‬
‫الصالة والسالم‪ -‬يف هذا الباب ُ‬
‫عنايته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬البالغة واملستمرة مبتابعة هذا اجلانب املهم‪.‬‬

‫من صور متابعاته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬لألخالق والقيم‪:‬‬

‫ثناؤه‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬على أصحاب الخلق الحسن‪:‬‬

‫‪ )(1‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪.134 ،133 :‬‬


‫‪ )(2‬سورة القلم‪ ،‬اآلية‪.4 :‬‬
‫‪ )(3‬س نن الرتم ذي‪ ،‬كت اب ال رب والص لة‪ ،‬ب اب م ا ج اء يف حس ن اخلل ق‪ ،1/1 ،‬رقم احلديث ‪،2004‬‬
‫قاالحملدث‪:‬هذاحديثصحيحغريب‪،‬وقااللعالمةاأللباين‪:‬حسناإلسناد‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫ومن حسن متابعته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ألصحابه وتوجيهه هلم يف باب حسن اخللق؛‬
‫يتعه د حُم ِس نهم بالثناء؛ حتفيزا له‪ ،‬ودعما لبواعث اخلري بداخله‪ ،‬وحتفيزا لغريه على‬
‫أنه كان ّ‬
‫االقتداء به‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬ثناؤه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬على األشعريني يف مواساة بعضهم‬
‫وقت الشدة‪:‬‬
‫البعض وتعاوهنم َ‬
‫عن أيب موس ى رض ي اهلل عن ه ق ال‪ :‬ق ال ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪:-‬‬
‫ع ِريِّينَِإذَاأَرملُوافِيالْغَز ِوو َقلَّطَعامعِياهِلِمبِالْم ِدينَ ِة‪،‬مَج عواما َكانَعِْن َدمُهْ ِف َيثوبٍو ِ‬
‫احد‬ ‫"إِنَّاأل ْ‬
‫َش‬
‫َْ‬ ‫َُ َ‬ ‫ْ َ ََُ ْ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫ِّيوأَنَ ِامْن ُه ْم"(‪.)1‬‬ ‫اح ٍدبِ َّ ِ ِ ِ‬ ‫ٍ‪،‬مُثَّا ْقتَسموهبيَنهم ِفيِإنَ ٍاءو ِ‬
‫السويَّة‪َ ،‬ف ُه ْممن َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َُْ ُ ْ‬
‫لم‪-‬‬ ‫والهلل‪-‬صلىاللهعليهوس‬ ‫ياللهعنهم‪-‬علىعهدرس‬ ‫عريون‪-‬رض‬ ‫ق ّدماألش‬
‫األزمات‪،‬حتىصارواعالمةمشرقةعليه‪،‬وصاروامضرباألمثالفيمافعلوهعند‬
‫َ‬ ‫منوذجاطيبافيالتكافلوقتَ‬
‫نزوالحلوادث‪.‬‬

‫قااللنووي‪:‬‬
‫"فيهذااحلديثفضيلةاألشعريني‪،‬وفضيلةاإليثارواملواساة‪،‬وفضيلةخلطاألزوادفيالسفر‪،‬وفضيلةمجع‬
‫قسم‪،‬وليساملرادهبذاالقسمةاملعروفةفيكتبالفقهبشروطها‪،‬ومنعهافي‬ ‫ِ‬
‫هافيشيءعندقلتهافياحلضر‪،‬مثيُ ّ‬
‫الربويات‪،‬واشرتاطاملواساةوغريها‪،‬وإمنااملرادهناإباحةبعضهمبعضا‪،‬ومواساهتمباملوجود"(‪.)2‬‬

‫واحلديث وإن كان يف ظاهره ثناء على ُخلق نبيل اشتهر به األشعريون؛ لتدعيم هذا اخللق‬
‫يف أنفسهم‪ ،‬إال أنه يف أصله دعوة غري األشعريني وحتفيزهم إىل االقتداء هبم يف هذا اخللق‬
‫الكرمي‪.‬‬

‫‪ )(1‬ص حيح مس لم‪ ،‬كت اب فض ائل الص حابة‪ ،‬ب اب من فض ائل األش عريني رض ي اهلل عنهم‪ ،4/5 ،‬رقم احلديث‬
‫‪.2500‬‬
‫‪ )(2‬الن ووي‪ ،‬أيب زكريا حيي بن ش رف‪ ،‬ش""رح ص""حيح مس""لم‪ ،‬حتقي ق ه اين احلاج وعم اد زكي الب ارودي‪(،‬الق اهرة‪:‬‬
‫املكتبة التوفيقية‪1431 ،‬هـ‪2010-‬م )‪16/294 ،‬‬

‫‪48‬‬
‫ومن أمثلة ثنائه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬على أفراد من صحابته‪ :‬قوله ألشج عبد القيس‪:‬‬
‫صلََتنْي ِ حُيِ ُّب ُه َما اهللُ‪ :‬احْلِْل ُم َواأْل َنَاةُ"(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫"إِ َّن ف َ‬
‫يك خَلَ ْ‬
‫وه ذا الثن اء على أش ج عب د القيس ي دل على حس ن متابع ة رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه‬
‫وسلم‪ -‬ألخالق صحابته‪ ،‬وعميق درايته بنفوسهم‪ .‬ومن حكمته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬
‫يف تربية النفوس على مكارم األخالق إخباره ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ألشج مبا وهبه اهلل‬
‫من صفات خري؛ حىت يلفت نظره إىل االعتناء هبا‪ ،‬وتنميتها من جهة‪ ،‬والعمل على شكرها‬
‫وأداء حقها من جهة أخرى‪.‬‬

‫حرصه‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪"-‬على ِعفة ألسنتهم ونهيه عن السباب والغيبة‪":‬‬

‫ىالله َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪َ -‬ف َق الُ َّ‬ ‫ِ‬


‫ك‪ .‬قَ ال‬ ‫وا‪:‬الس ُام َعلَْي َ‬ ‫‪-‬صلَّ ُ‬ ‫ودأََت ُواالنَّيِب َّ َ‬ ‫"عْن َعائ َش ةَ ‪-‬رض ياللهعنها‪-‬أَنَّالَْي ُه َ‬ ‫َ‬
‫ض َب َعلَْي ُك ْم‪َ .‬ف َقالََر ُس واُل للَّ ِه‬ ‫‪:‬الس امعلَي ُكم‪،‬ولَعنَ ُكماللَّه‪،‬و َغ ِ‬
‫َُ ْ ْ َ َ ُ ُ َ‬ ‫َ‪:‬و َعلَْي ُك ْم‪َ .‬ف َقالَْت َعائِ َش ةُ َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ش‪ .‬قَ الَت‬ ‫‪،‬وإِيَّاك َوالْعُْن َف أَ ِوالْ ُف ْح َ‬ ‫‪،‬علَْيكبِ ِّ ِ‬
‫الرفْق َ‬ ‫اعائ َش ةُ َ‬ ‫ىالله َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪َ :-‬م ْهالًيَ َ‬
‫‪-‬صلَّ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ (‪)2‬‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪،‬والَيُ ْستَ َجابُلَ ُه ْمف َّي" ‪.‬‬ ‫؟ر َد ْد ُت َعلَْيه ْم‪َ ،‬فيُ ْستَ َجابُليفيه ْم َ‬
‫تَ‬ ‫يما ُق ْل ُ‬
‫ال‪:‬أ ََولَ ْمتَ ْس َمع َ‬
‫ْ‪:‬أ ََولَ ْمتَ ْس َم ْع َماقَالُوا؟قَ َ‬
‫فإذا كان ذلك خلقه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬مع أعدائه‪ ،‬فكيف به مع أوليائه وأحبائه؟!‬
‫الدرس الكرمي ىف‬
‫َ‬ ‫ل ّقن ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬عائشة‪-‬رضى اهلل عنها‪ -‬واألمة كلها هذا‬
‫حسن اخللق‪ ،‬والبعد عن البذاء وال ُفحش‪ ،‬واستعمال األلفاظ احلسنة(‪.)3‬‬

‫ويف هذه احلادثة مل يسكت الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬على هذا اخلطأ من عائشة‪،‬‬
‫على ال رغم من أهنا ك انت يف مق ام املدافع عن ه ‪-‬علي ه الص الة والس الم‪ -‬وإمنا بادره ا‬

‫‪ )(3‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب اإلميان‪ ،‬باب األمر باإلميان باهلل تعاىل ورسوله صلى اهلل عليه وسلم وشرائع الدين‪،1/5 ،‬‬
‫رقم احلديث ‪.25‬‬

‫‪)(2‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الدعوات‪ ،‬باب قول النيب صلى اهلل عليه وسلم يستجاب لنا يف اليهود وال يستجاب هلم‬
‫فينا‪،4/4،‬رقم احلديث ‪.6401‬‬

‫‪ )(3‬فريد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.166‬‬

‫‪49‬‬
‫بتصحيح اخلطأ الذي وقعت فيه ‪-‬رضي اهلل عنها‪ -‬وما جعل إساءة اليهود له مربرا لقبوله‬
‫ردها عليهم؛ ِحفاظا للساهنا من السيئ من القول‪ ،‬وإمنا "أمرها بالسكينة والتؤدة والتأين يف‬
‫ال رد عليهم؛ ألن ص ورة اإلس الم الرفيع ة تتجلى مبا يظه ر على معتنقي ه من خل ق َرض ي‬
‫وسلوك َسوي‪ ،‬وأرشدهم إىل التزام الرفق يف األمر كله‪ ،‬وأن جتتنب التعنيف والشتام؛ لئال‬
‫يتعود لساهنا على السباب‪ ،‬وألن اهلل ال حيب الفحش والتفاحش وبذىء القول‪ ،‬وهذا إن‬
‫دل فإمنا ي دل على حرص ه ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬على مص لحة ت أليف القل وب لكاف ة‬
‫الناس‪ ،‬وكسبهم حنو الدخول يف اإلسالم"(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫الت‪ُ " :‬ق ْلتُللنَّيِب ِّ‬ ‫ا‪ -‬ق‬ ‫ي اهلل عنه‬ ‫وعن عائشة‪-‬رض‬ ‫‪-‬‬
‫ٍ‬
‫َّد‪َ:‬تعنِي َق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َري ًة‪َ -‬ف َق ال‬ ‫فيَّةَ َك َذ َاو َك َذا‪-‬قَالَغَْي ُر ُم َس د ْ‬ ‫ص‬
‫‪:-‬ح ْسبُ َكمْن َ‬ ‫ىالله َعلَْي ِه َو َس لَّ َم َ‬ ‫‪-‬صلَّ ُ‬ ‫َ‬
‫ال‬ ‫انًا‪َ ،‬ف َق‬ ‫‪:‬و َح َكْيُتلَ ُهِإنْ َس‬
‫تَ‬ ‫الَ ْ‬ ‫هُ‪ .‬قَ‬ ‫َ‪:‬لََق ْد ُق ْلتِ َكلِ َمةًلَ ْو ُم ِز َجْتبِ َم ِاءالْبَ ْح ِرلَ َمَز َجْت‬
‫ِّيح َكْيتُِإنْ َسانً َاوأَنَّلِي َك َذ َاو َك َذا"(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫َ‪:‬ماأُحبُّأَن َ‬ ‫َ‬
‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه‬ ‫ويف رواي ة الرتم ذي‪:‬عن عائشة‪-‬رض ي اهلل عنه ا‪ -‬ق الت‪" :‬ح َكي ِ‬
‫ت للنَّيِب ِّ َ‬‫َ ُْ‬
‫ت‪ :‬يَ ا‬ ‫َن يِل َ َك َذا َو َك َذا‪َ ،‬ف ُق ْل ُ‬
‫ت َر ُجاًل ‪َ ،‬وأ َّ‬‫ال‪َ :‬م ا يَ ُس ُّريِن أَيِّن َح َكْي ُ‬ ‫َو َس لَّ َم‪َ -‬ر ُجاًل ‪َ ،‬ف َق َ‬
‫ص ري ًة‪َ -‬ف َق َال‪:‬لََق ْد م زج ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل‪،‬إِ َّن ص ِفيَّةَ ام رأَةٌ‪-‬وقَ الَ ِ ِ‬ ‫ول ِ‬
‫ت‬ ‫ََ ْ‬ ‫ت بيَ د َها َه َك َذا‪َ ،‬كأَن ََّه ا َت ْعيِن قَ َ‬
‫َ َْ َ ْ‬ ‫َر ُس َ‬
‫ِ هِب‬ ‫ِ ِ ٍ‬
‫ِج"(‪.)3‬‬ ‫ب َكل َمة لَ ْو َمَز ْجت َا َماءَ الْبَ ْح ِر لَ ُمز َ‬
‫"إشارة عائشة‪-‬رضي اهلل عنها‪ -‬بيدها إىل الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بأن صفية‪-‬‬
‫رضي اهلل عنها‪ -‬قصرية‪ ،‬وذلك على سبيل التنقيص‪ ،‬وهذه من الغيبة احملرمة اليت ن ّفر وحذر‬

‫‪ )(1‬الشطي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.122‬‬

‫ة‪ ،1/1 ،‬رقم احلديث ‪،4875‬‬ ‫اب‪ :‬يف الغيب‬


‫اب األدب‪ ،‬ب‬ ‫نن أيب داود‪ ،‬كت‬ ‫‪)(2‬س‬
‫أخرجهالعالمةاأللبانيفيصحيحسننأبيداود‪،‬وقال‪:‬صحيح‪.‬‬
‫‪)(3‬س نن الرتم ذي‪ ،‬كت اب ِص فة القيام ة والرق ائق وال ورع‪ )50( ،‬ب اب‪ ،1/1 ،‬رقم احلديث ‪،2502‬‬
‫وصححهالعالمةاأللباين‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫‪‬‬ ‫منها اإلسالم يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫‪.)1(‬‬

‫ق ال الش يخ عب د ال رمحن الس عدي‪" :‬ش بّه اغتياب ه بأك ل حلم ه ميت ا‪ ،‬واملك روه للنف وس غاي ة‬
‫فاقد الروح‪ ،‬فكذلك‬‫الكراهة‪ ،‬فكما أنكم تكرهون أكل حلمه‪ ،‬خصوصا إذا كان ميتا‪َ ،‬‬
‫فلتكرهوا غيبته‪ ،‬وأكل حلمه حيا"(‪.)2‬‬
‫ِ‬
‫قودات دعائم األخوة اإلسالمية‪ ،‬وهي إحدى آفات اللسان اليت ابتُلي هبا كثريٌ‬ ‫والغيبة من ُم ّ‬
‫من الناس‪ ،‬خاصة يف اجملالس االجتماعية العامة‪..‬‬

‫لوب الزج ر والتع نيف يف إنك ار املنك ر؛مراع ا ًة‬


‫مل يس تخدم ‪-‬علي ه الص الة والس الم‪ -‬أس َ‬
‫لشعور املرأة؛ولِ َم ا تتمتع به من عاطفة جياشة‪ ،‬وانفعال سري ٍع‪ ،‬ينبغي على الرجال مراعاته‬
‫أدعى هلا لقب ول النص يحة‪ ،‬مث اس تخدم يف تبش يع وتش نيع‬ ‫ِ‬
‫عن د تق ومي اعوجاجه ا‪ ،‬وليَك ون َ‬
‫مقالته ا تص ويرا فني ا بليغ ا؛ ألن أس لوب األمث ال من األس اليب البليغ ة يف تق ريب الص ور‬
‫لألذه ان‪ ،‬س واء ك ان الغ رض منه ا ال رتغيب أو ال رتهيب‪ ،‬حيث ص ّور لعائش ة ‪-‬رض ي اهلل‬
‫عنها‪ -‬كلماهتا بأهنا لو ُخلطت مباء البحر لغرّي ته عن حاله مع كثرته وغزارته؛ ترهيبا هلا من‬
‫الوقوع يف أعراض اآلخرين"(‪.)3‬‬

‫األمر" بتحري الصدق والعدل" حتى فيما يبدو صغيرا من األقوال واألفعال‪":‬‬

‫وحرص ه على تق ومي‬ ‫ومن مالحظات ه ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ومتابعات ه ألخالق أص حابه‪ِ ،‬‬
‫"د َعْتيِن أ ُِم ِّي َي ْو ًم ا‬
‫سلوكياهتم‪ :‬ما رواه أبو داود عن عبد اهلل‪ ‬بن عامر‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬قال‪َ :‬‬
‫ال أ ُْع ِط َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ورس ُ ِ‬
‫ول‬
‫ال َر ُس ُ‬ ‫يك‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫‪-‬صلَّى اهللُ َعلَْيه َو َسلَّ َم‪ -‬قَاع ٌد يِف َبْيتنَا‪َ ،‬ف َقالَ ْ‬
‫ت‪ :‬ها َت َع َ‬ ‫ول اهلل َ‬ ‫ََ ُ‬

‫‪)(1‬سورة احلجرات‪ ،‬اآلية‪.12 :‬‬


‫‪)(2‬السعدي‪ ،‬عبد الرمحن بن ناصر‪ ،‬تفسير الكريم الرحمن‪ ،‬ط‪(1‬القاهرة‪ :‬مكتبة الصفا‪1425 ،‬هـ‪2004 -‬م)‪/1،‬‬
‫‪770‬‬

‫‪ )(3‬الشطي‪ ،‬مرجع سابق بتصرف يسري‪ ،‬ص ‪.513-511‬‬

‫‪51‬‬
‫ال هَلَا‬ ‫يه؟ قَ الَت‪ :‬أَر ْدت أَ ْن أ ُْع ِط ِ‬
‫يه مَتْ ًرا‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫اهلل ‪-‬ص لَّى اهلل علَي ِه وس لَّم‪ :-‬م ا أَر ْد ِت أَ ْن َتع ِط ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َْ َ َ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ك َك ِذبَةً"(‪.)1‬‬ ‫ت َعلَي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫‪-‬صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ :-‬أ ََما إِن َ‬
‫َّك لَ ْو مَلْ ُت ْعطه َشْيئًا ُكتبَ ْ ْ‬
‫رس ُ ِ‬
‫ول اهلل َ‬ ‫َُ‬
‫أراد رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬أن يؤك د قيم ةً كب ريةً من قيم اإلس ِ‬
‫الم وأخالق ه‪،‬‬
‫ت نظره ا إىل حتري الص دق فيم ا تقول ه‪ ،‬ح ىت‬ ‫ويرس خه يف نفس ه ذه املرأة‪ ،‬عن طري ق ل ْف ِ‬
‫ّ‬
‫فيما يبدو َهينا أو صغريا من األقوال‪ ،‬اليت قد ال يلقي هلا الكثريون باال‪ ،‬وخشيةَ أن ينشأ‬
‫الطفل الصغري على اعتياد الكذب منذ نعومة أظفاره‪ ،‬فيشب على ذلك‪ ،‬ويسهل عليه ما‬
‫فوق ذلك من الكذب‪.‬‬

‫‪ -‬وروى أنس أن رجال ك ان عن د الن يب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬فج اء ابن ل ه‪ ،‬فقبّل ه‬
‫فخ ذه‪ ،‬وج اءت ابن ة ل ه فأجلس ها بني يدي ه‪ ،‬فق ال ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪-‬‬ ‫وأجلس ه على ِ‬

‫للرجل‪" :‬أَاَل َس َّويْ َ‬


‫ت َبْيَن ُه َما؟"(‪.)2‬‬

‫فالرس ول ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ي دعو إىل الع دل يف أرقى أش كاله‪ ،‬ح ىت فيم ا يب دو يف‬
‫أعني الكث ريين ص غريا وهين ا‪ ،‬فرس ولنا املريب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ي دعو للتس وية بني‬
‫األبن اء‪ ،‬ح ىت يف ال ُقب ل‪ ،‬ح ىت يف االبتس امة‪ ،‬فهي دع وة إىل الع دل‪ ،‬ودع وة إىل ال رب يف آن‬
‫واح د‪ ،‬ف األب حينم ا يع ِدل بني أوالده يعينهم على ب ره‪ ،‬وعن دما ال يع دل بينهم يعني‬
‫الشيطان عليهم بالعقوق‪.‬‬

‫أهم أس باب فق دان الش عور ب احلب واالس تقرار داخ ل‬ ‫وتُع د التفرق ة والتمي يز بني األبن اء َّ‬
‫الكيان األسري‪ ،‬وهو ما اهتم به اإلسالم وحرص على التنبيه عليه‪ ،‬بل ح ّذر من الوقوع‬
‫في ه؛ ألن ه يفتح الب اب على ِمص راعيه المتالء نف وس األبن اء باحلق د والكراهي ة‪ ،‬وألن ه ذا‬
‫التمييز يكون يف الغالب من أهم عوامل االحنراف‪.‬‬

‫ذب‪ ،1/1 ،‬رقم احلديث ‪،4991‬‬ ‫ديد يف الك‬ ‫اب يف التش‬ ‫نة‪ ،‬ب‬
‫‪ )(1‬س نن أيب داود‪ ،‬كت اب الس‬
‫وحسنهالعالمةاأللبانيفيصحيحسننأبيداود‪.‬‬
‫‪)(2‬جممع الزوائد‪ ،‬باب ما جاء يف األوالد‪ ،8/10 ،‬ص ‪ ،159‬وقال اهليثمي رواه البزار فقال حدثنا بعض أصحابنا‬
‫ومل يسمه‪ ،‬وبقية رجاله ثقات‪ ،‬وقال األلباين يف السلسلة الصحيحة إسناده حسن‪ ،7/263 ،‬رقم ‪. 3098‬‬

‫‪52‬‬
‫التحذير من الغش والحث على التخلق باألمانة‪:‬‬
‫ول اللَّ ِه ‪-‬صلَّى اهلل َعلَْي ِه وس لَّم‪" -‬م َّر َعلَى ِ ٍ‬
‫ص رِب َة طَ َع ام‪ ،‬فَأ َْد َخ َل يَ َدهُ‬
‫َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫"عن أَيِب ُهَر ْيَر َة‪ ،‬أَ ّن َر ُس َ‬
‫الس َماءُ يَا‬
‫َص َابْتهُ َّ‬ ‫ب الطَّ َع ِام؟‪ ،‬قَ َ‬ ‫ال‪ :‬م ا ه َذا ي ا ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪ :‬أ َ‬ ‫ص اح َ‬ ‫ُص ُبعُهُ َبلَال‪َ ،‬ف َق َ َ َ َ َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ف َيها َفنَ الَ ْ‬
‫س ِميِّن "(‪.)1‬‬ ‫ش َفلَْي َ‬
‫َّ ِ‬
‫ال‪ :‬أَفَال َج َع ْلتَهُ َف ْو َق الط َعام كي َيَراهُ الن ُ‬
‫َّاس‪َ ،‬م ْن َغ َّ‬ ‫ول اللَّ ِه‪ ،‬قَ َ‬
‫َر ُس َ‬
‫"عمد النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يف تقومي اخلطأ إىل استخدام األسلوب العملي‪ ،‬وذلك‬
‫من خالل ي ده الش ريفة ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬يف الطع ام؛ للتأك د من س المته وطيب‬
‫َمذاقه‪ ،‬مث وجه سؤاله ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬للبائع عن سبب البلل الذي أدى إىل إتالف‬
‫الطعام؛ من باب أن يتحلى به التاجر املسلم من إظهار عيوب بضاعته أمام املشرتي‪ ،‬بقوله‬
‫َّ ِ‬
‫‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪" :-‬أَفَال َج َع ْلتَهُ َف ْو َق الط َعام كي َيَراهُ الن ُ‬
‫َّاس"‪.‬‬

‫كل من تسول له نفسه غش اآلخرين‪،‬‬ ‫مث أرسى ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬قاعدة نبوية تردع َّ‬
‫س ِميِّن "‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ش َفلَْي َ‬
‫"م ْن َغ َّ‬
‫أو التحايل عليهم‪ ،‬أو استغالل فطرهتم السليمة بقوله‪َ :‬‬
‫وه ذا م ا ينبغي أن يق وم ب ه اإلم ام أو َمن ين وب عن ه من تفق د أح وال املس لمني ورعاي ة‬
‫ش ئوهنم؛ حفظ ا ومحاي ة حلق وق الن اس "املس تهلكني"‪ ،‬ومعاقب ة الغشاش ني ال ذين خيدعون‬
‫الناس‪ ،‬ويأكلون أمواهلم بالباطل"(‪.)2‬‬

‫وهبذه الرتبية العميقة واملتابعة املستمرة ألخالق أصحابه ص ّدق رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫َخاَل ِق"(‪ ،)3‬فتممه ا ‪-‬ص لى اهلل علي ه‬ ‫وس لم‪ -‬م ا بل غ ب ه أمت ه "إِمَّنَ ا بعِثْت أِل ُمَتِّم حِلِ‬
‫ص ا ْي اأْل ْ‬‫ُ ُ َ َ‬
‫وس لم‪ -‬بتق دمي النم وذج التط بيقي هلا ابت داءً‪ ،‬ومتمه ا ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬برتس يخها؛‬

‫‪)(1‬ص حيح مس لم‪ ،‬كت اب اإلميان‪ ،‬ب اب ق ول الن يب ص لى اهلل علي ه وس لم "من غش نا فليس من ا"‪ 1/5 ،‬رقم احلديث‬
‫‪.102‬‬

‫‪ )(2‬الشطي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.108‬‬

‫‪)(3‬األدب املف رد‪ ،‬ب اب حس ن اخلل ق‪ ،1/1 ،‬رقم احلديث ‪ ،276‬وص ححه العالم ة األلب اين يف ص حيح األدب املف رد‬
‫رقم ‪. 207‬‬

‫‪53‬‬
‫أخالق ا نبيل ة‪ ،‬وس لوكا راقي ا يف نف وس أص حابه‪ ،‬وت ابعهم على ذل ك ح ىت حتولت من مث ل‬
‫نظرية إىل مناذج عملية حية‪.‬‬

‫"وميكن للم ريب من خالل مالحظ ة س لوكيات املرتبني ومتابع ة أخالقهم‪ ،‬قي اس أث ر الرتبي ة‬
‫اإلميانية‪ ،‬ومدى تطور األفراد‪ ،‬وجدية سريهم‪ ،‬فظاهر املرء خيرب عما بباطنه‪.‬‬

‫وميث ل جناح املريب يف تأس يس م تني هلذا اجلانيب اخللقي الس لوكي يف نف وس األف راد‪ ،‬جناح‬
‫مبكر للمرتيب يف مستقبله الدعوي‪ ،‬فانضباط الداعية السلوكي وحسن خلقه من أبرز ما‬
‫يُعني ال دعاة على اخ رتاق قل وب الن اس‪ ،‬والتف اف املدعوين ح وهلم‪ ،‬وتيس ري األخ ذ منهم‬
‫واالقت داء هبم‪ ،‬ومُس و خل ق رس ول اهلل ‪-‬ص لى هلل علي ه وس لم‪ -‬قب ل البعث ة وبع دها ك ان ل ه‬
‫أكرب األثر يف قَبول دعوته والتصديق برسالته‪.‬‬

‫كم ا أن الشخص ية ال يت تنجح يف اجتي از معرك ة النفس‪ ،‬وتتغلب على م ا فيه ا من ش رور‪،‬‬
‫وتصل باجملاهدة حلسن اخللق‪ ،‬فتمنع شر نفسها‪ ،‬وتكف أذاها عن الناس‪ ،‬وخترج هلم من‬
‫ن وازع اخلري أش رفه؛ هي نفس نبيل ة‪ ،‬ج ديرةٌ ب أن تنتص ر أيض ا يف معرك ة الص راع م ع‬
‫الباطل‪.)1(".‬‬

‫الدعم النفسي‪":‬‬

‫"أقام اإلسالم قواعد الرتبية الفاضلة يف نفوس األفراد؛ صغارا وكبارا‪ ..‬رجاال ونساء‪ ..‬شيبا‬
‫وش بانا‪ ..‬على أص ول نفس ية نبيل ة ثابت ة‪ ،‬وقواع د تربوي ة باقي ة‪ ..‬ال يتم تك وين الشخص ية‬
‫اإلس المية إال هبا‪ ،‬وال تتكام ل إال بتحقيقه ا‪ ،‬وهي يف ال وقت نفس ه قيم إنس انية خال دة‪..‬‬
‫َولِغَ ْرس ه ذه األص ول النفس ية يف نفس يات األف راد واجلماع ات أص در اإلس الم توجيهات ه‬
‫القيمة ووصاياه الرشيدة‪ ..‬لتتم الرتبية االجتماعية على أنبل معىن‪ ،‬وأكمل غاية‪ ،‬حىت ينشأ‬
‫اجملتمع على التعاون املثمر‪ ،‬والرتابط الوثيق‪ ،‬واألدب الرفيع‪ ،‬واحملبة املتبادلة‪ ،‬والنقد الذايت‬
‫البنّاء‪.)2("..‬‬

‫‪)(1‬عادل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.54-53‬‬

‫‪54‬‬
‫إن طبيع ة ال دعوة والرس الة اإلس المية ‪-‬فض ال عن طبيع ة اجملتم ع ال ذي نش أت في ه ال دعوة‬
‫ب ادئ األم ر‪ -‬مل يكن يص لح معه ا أن يت وىل مَح ْله ا ونش رها أص حاب النف وس الض عيفة‪،‬‬
‫فاألخطار واالبتالءات اليت مير هبا أصحاهبا ال يقوى على الثبات هلا إال َمن تلقَّى قسطا من‬
‫الرتبية النفسية العميقة واملتزنة‪.‬‬

‫كما أن الصحة النفسية تسهم يف اختفاء الظواهر املرضية من اجملتمع املسلم‪ ،‬فعندما يتمتع‬
‫أفراد اجملتمع بالصحة النفسية؛ فإن الظواهر السلوكية املرضية اليت يرفضها اإلسالم ختتفي‪،‬‬
‫ُ‬
‫فالسلوكيات غريُ السوية ترتبط غالبا بالضعف أو االضطراب النفسي‪.‬‬

‫واملعلوم أن األفراد األصحاء نفسيًّا يبذلون أقصى جهدهم يف سبيل حتقيق القيم اليت يؤمنون‬
‫هبا‪ ،‬وأهنم أكثر قدرة على حتقيق أهدافهم من أولئك املضطربني نفسيا‪ ،‬كما أهنم يسلكون‬
‫الس لوك ال ذي يتواف ق م ع قيم ومع ايري اجملتم ع‪ ،‬ومن مث ف إن االس تقرار النفس ي يقل ل من‬
‫احتم االت تفلت األف راد‪ ،‬ويقل ل من أع داد ه ؤالء ال ذين ينحرف ون عن املنهج‪ ،‬أو يب ّدلون‬
‫فيه‪.‬‬

‫لذا؛ فاالعتناء بقواعد الصحة النفسية والسالمة القلبية للمرتيب متثل أصال مهما يقوم على‬
‫تزكي ة النف وس‪ ،‬وتربيته ا على التق وى واملراقب ة‪ ،‬وتعوي دها االس تقامة‪ ،‬وإص الح التواءاهتا‪،‬‬
‫وأخ ذها باجلدي ة والعزمية‪ ،‬واالرتق اء هبا عن السفاس ف‪ ،‬وتنقي ة ال داخل والعناي ة بأعم ال‬‫ْ‬
‫القلوب‪ ،‬وتطهري الباطن باجملاهدة‪.‬‬
‫وج ه رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ج زءا كب ريا من رعايت ه ومتابعت ه‬
‫ومن هن ا‪ ،‬فق د ّ‬
‫رجى‬‫لالطمئنان على السالمة النفسية‪ ،‬والدعم ألصحابه‪ ،‬فالنفس الضعيفة أو العاجزة ال يُ َ‬
‫من ورائها كثري خري‪.‬‬

‫وه ذه بعض األمثل ة والنم اذج من متابعات ه ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ال يت هتدف إىل ال دعم‬
‫النفسي ألصحابه‪:‬‬

‫‪ )(2‬عل وان‪ ،‬عب د اهلل ناص ح‪ ،‬تربي" ""ة األوالد في اإلس" ""الم‪ ،‬ط‪(،9‬الق اهرة‪ :‬دار الس الم‪1406 ،‬هـ‪1985-‬م)‪/1 ،‬‬
‫‪.355‬‬

‫‪55‬‬
‫موقفه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬من إنفاذ" جيش أسامة‪":‬‬

‫عن دما أراد رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬إرس ال جيش إىل ال روم‪ ،‬ع َزم على تولي ة‬
‫أسامة بن زيد‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬على رأس اجليش‪ ،‬وملا كان أسامة شابا صغريا‪ ،‬واجليش‬
‫بعض الصحابة‪ ،‬وتكلموا يف إمارته‪ ،‬مشككني يف قدرته‬‫متوجه ملهمة كبرية‪ ،‬فقد استصغره ُ‬
‫على القيام بتلك املهمة‪ .‬جاء يف مسلم‪:‬‬

‫‪-‬صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪-‬‬ ‫ث رس ُ ِ‬


‫ول اللَّه َ‬ ‫ول‪َ :‬ب َع َ َ ُ‬ ‫"ع ْن َعْب ِد اللَّ ِه بْ ِن ِدينَا ٍر‪ ،‬أَنَّهُ مَسِ َع ابْ َن عُ َمَر‪َ ،‬ي ُق ُ‬
‫َ‬
‫‪-‬ص لَّى اللَّهُ َعلَْي ِه‬ ‫بعثً ا‪ ،‬وأ ََّمر علَي ِهم أُس امةَ بن زي ٍد‪ ،‬فَطَعن النَّاس يِف إِمرتِ ِه‪َ ،‬ف َق ام رس ُ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫ََُ‬ ‫َ َ ُ َْ‬ ‫َْ َ َ َ ْ ْ َ َ ْ َ َ ْ‬
‫ال‪ :‬إِ ْن تَطْ َعنُ وا يِف إِ ْمَرتِ ِه‪َ ،‬ف َق ْد ُكْنتُ ْم تَطْ َعنُ و َن يِف إِ ْم َر ِة أَبِي ِه ِم ْن َقْب ُل‪َ ،‬وامْيُ اللَّ ِه إِ ْن‬
‫َو َس لَّ َم‪َ -‬ف َق َ‬
‫َّاس إِيَلَّ‬ ‫ِ‬ ‫ب الن ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ب الن ِ‬ ‫َّاس إيَلَّ‪َ ،‬وإ َّن َه َذا لَم ْن أ َ‬
‫َح ِّ‬ ‫َح ِّ‬ ‫َك ا َن خَلَلي ًق ا لإْلِ ْم َر ِة‪َ ،‬وإ ْن َك ا َن لَم ْن أ َ‬
‫َب ْع َدهُ"(‪.)1‬‬

‫األسلوب الرتبوي الرفيع يف فَهم طبيعة النفس‪ ،‬وما قد يعرتيها عند‬


‫َ‬ ‫نلحظ يف هذه احلادثة‬
‫مساع دعاوى التشكيك والطعن‪ ،‬فالرسول املريب حممد ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬استشعر ما‬
‫قد يصيب القائد الشاب أسامة بن زيد‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬من أمل جراء تشكيك الصحابة‬
‫يف كفاءته وقدرته على قيادة اجليش‪ ،‬فأراد ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أن يدعم القائد الصغري‬
‫مقبل على عمل‬
‫نفسيا‪ ،‬وخيفف عنه ما قد يَلحقه جراء هذه النظرة املتشككة‪ ،‬خاصة أنه ٌ‬
‫جليل حيتاج إىل أن يكون صاحبه ممتأل ثقة بنفسه‪ ،‬ومستشعرا تقدير َمن حوله له‪ ،‬وثقتهم‬
‫فيه‪ ،‬فجاءت هذه الكلمات الرقيقة اليت حتمل معاين الثقة يف القائد أسامة‪.‬‬

‫وم ا اكتفى رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ب إعالن ثقت ه يف القائ د الش اب‪ ،‬والتأكي د‬
‫بأوضح أسلوب وأقواه على تلك الثقة التامة يف كفاءته‪ ،‬وجدارته بالقيام بتلك املهمة‪ ،‬بل‬
‫أكد أيضا حبه له‪ ،‬حىت متتأل نفسه بالطمانية والراحة إىل تأييد اهلل‪ ،‬وإعانته على مهمته‪،‬‬

‫‪)(1‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد رضي اهلل عنهما‪ ،4/5 ،‬رقم‬
‫احلديث‪.2426 :‬‬

‫‪56‬‬
‫قلب َمن‬
‫فمن حيب ه رس ول اهلل ‪-‬علي ه الص الة والس الم‪ -‬لن يض يعه اهلل‪ ،‬وهي كلم ات متأل َ‬
‫يسمعها راحة وثقة‪ ،‬خاصة أهنا صدرت من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫أوص ى رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬ ‫وزيادةً يف دعم القائد الشاب وتطييبا خلاطره‪َ ،‬‬
‫أص حابه ب ه‪ ،‬كم ا يف رواي ة احلاف ظ أيب القاس م‪ ،‬املع روف ب ابن عس اكر‪ ،‬عن ابن عمر‪ :‬أن‬
‫رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬اس تعمل أس امة بن زيد على جيش فيهم أب و بكر‬
‫وعمر‪ ،‬فطعن الناس يف عمل ه‪ ،‬فخطب الن يب ‪-‬صلى اهلل علي ه وسلم‪ -‬الن اس‪ ،‬مث قال‪" :‬قَ ْد‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُس َامةَ َويِف َع َم ِل أَبِي ه َقْبلَ هُ‪َ ،‬وإِ َّن أَبَ اهُ خَلَلي ٌق لإْلِ َم َار ِة‪َ ،‬وإِنَّهُ‬
‫َبلَغَيِن أَنَّ ُك ْم قَ ْد طَ َعْنتُ ْم يِف َع َم ِل أ َ‬
‫ُوصي ُك ْم بِِه"(‪.)1‬‬ ‫ب النَّاِس إِيَلَّ؛ فَأ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫خَل لِ ِ‬
‫َح ِّ‬ ‫‪-‬ي ْعيِن أ َ‬
‫ُس َامةَ‪َ -‬وإنَّهُ لَم ْن أ َ‬ ‫يق لإْلِ ْمَر ِة َ‬‫َ ٌ‬
‫موقفه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬مع الصحابة عند ف ْقد عزيز لهم‪:‬‬

‫مع جابر" رضي اهلل عنه بعد استشهاد" والده‪:‬‬

‫ىالله َعلَْي ِه َو َسلَّم‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫ال‪:‬مَسِ عتُجابِربَنعب ِداللَّ ِهي ُق ُ ِ ِ‬ ‫ِ ٍ‬


‫‪-‬صلَّ ُ‬ ‫ول‪:‬لَقيَن َىر ُسواُل للَّه َ‬ ‫" َعْنطَْل َحةَ ْبنَخَراش َق َ ْ َ َ ْ َْ َ‬
‫ُح ٍد َوَتَر َكعِيَاالًَو َد ْينًا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫‪،‬استُ ْش ِه َدأَىِب ‪،‬قُتلََي ْو َمأ ُ‬
‫ِ‬
‫ت‪:‬يَ َار ُسواَل للَّه ْ‬
‫ِ‬
‫‪،‬مالىأ ََرا َك ُمْن َكسًرا؟‪ُ .‬ق ْل ُ‬
‫َف َقالَلِى‪:‬ياجابِر ِ‬
‫ََ ُ َ‬
‫‪:‬بلَىيَ َار ُسواَل للَّ ِه‪ .‬قَال‬ ‫تَ‬ ‫ال‪ُ :‬ق ْل ُ‬ ‫اك؟‪ .‬قَ َ‬ ‫ال‪:‬أَفَالَأُبَش ُِّر َكبِ َمالَِقىَاللَّ ُهبِ ِهأَبَ َ‬
‫قَ َ‬
‫َّعلَىَّأ ُْع ِط َ‬
‫ال‪:‬ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ك‪ .‬قَال‬ ‫اعْبدى‪،‬مَتَن َ‬ ‫احا‪َ ،‬ف َق َ َ َ‬ ‫َحيَاأَبَا َك َف َكلَّ َم ُهك َف ً‬ ‫َح ًداقَطُِّإالَّمْن َو َراءح َجابٍَوأ ْ‬ ‫َ‪:‬ما َكلَّ َماللَّ ُهأ َ‬
‫َ‬
‫َّه ْمِإلَْي َهاالَيُْر َجعُو َن‪ .‬قَال‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َ‪:‬يَ َار ِّبتُ ْحيِينى َفأُْقَتلَفي َكثَانيةً‪.‬قَااَل َّلربُّ َعَّز َو َج َّل‪:‬إِن َُّه َق ْد َسَب َقمنِّىأَن ُ‬
‫َ‪:‬وأُنْ ِزلَْت َه ِذ ِهاآليَةُ‪ :‬اآلية(‪.)2‬‬ ‫َ‬
‫مل يكن إخب ار الرس ول ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬عن عب د اهلل جمرد إعالم لول ده ج ابر أو‬
‫للصحابة مبنزلة الشهيد عند اهلل تعاىل‪ ،‬وإمنا كان فيه أيضا ما فيه من ختفيف ألمل الفراق‪،‬‬
‫وع زاء للنف وس‪ ،‬ال يت أهنكه ا احلزن وأرهقته ا األعب اء‪ ،‬ف أتت كلم ات الرس ول ‪-‬ص لى اهلل‬
‫أن َف ْق د األب من املصائب اليت‬ ‫عليه وسلم‪ -‬لتمسح احلزن عن القلوب املكلومة‪ ،‬وال خي َفى َّ‬

‫‪ )(1‬ابن عس اكر‪ ،‬أب و القاس م علي ابن احلس ن‪ ،‬ت اريخ مدين ة دمش ق‪ ،‬حتقي ق‪ :‬حمب ال دين أيب س عيد عم ر بن غرام ة‬
‫العمروي( بريوت‪ :‬دار الفكر‪1415 ،‬هـ‪1995 -‬م)‪ ،8/60 ،‬واحلديث مبعناه يف صحيح مسلم (‪. )2426‬‬
‫‪ )(2‬س نن الرتم ذي‪ ،‬كت اب تفس ري الق رآن‪ ،‬ب اب ومن س ورة آل عم ران‪ ،1/1 ،‬رقم احلديث ‪،3010‬‬
‫قاالحملدث‪:‬هذاحديثحسنغريب‪،‬وحسنهالعالمةاأللباين‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫ت ؤثر يف أق وى القل وب ثبات ا‪ ،‬خاص ة إذا ك ان ه ذا الوال د ه و عبداهلل بن ح رام‪ ،‬الص حايب‬
‫اجلليل القدر‪.‬‬

‫فعندما شاهد رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ما أملّ بولده جابر من حزن جراء ف ْق ده‬
‫ألبيه‪ ،‬فضال عما ُو ِض َع على كاهله من عبء رعاية إخوانه الصغار‪ ،‬وقضاء َديْن أبيه وهو‬
‫ض اعف مَه ه‪ ،‬وزاد أمله‪ ،‬أراد رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬أن‬
‫بع ُدال ي زال ش ابا‪ ،‬مما َ‬
‫حبس ب ه ذا ال َق ْدر الكب ري من احلزن واهلم‪ ،‬فساق إلي ه بش رى ف اقت بكث ري ك ل م ا‬
‫يواسيه ْ‬
‫خالطه من أمل‪.‬‬

‫وع زة يتشرف هبا كل مسلم أن خيص أباه‬ ‫فيا هلا من بشرى عظيمة تطري هلا النفوس فرحا‪ِ ،‬‬
‫َبنْي ل ش رف كالم اهلل رب الع املني كفاح ا دون غ ريه من البش ر‪ ،‬وم ا حيم ل ه ذا من دالل ة‬
‫بالغ ة على عظيم منزلت ه‪ ،‬ورفي ع ق ْدره عن د رب الع زة س بحانه‪ ،‬فعن دها جتد القل وب من‬
‫حالوة الفرح بالثواب والبشرى باملكانة‪ ،‬ما يذهب بأمل الفراق وهم املسئولية‪.‬‬

‫مع الصحابة عند استشهاد" سعد رضي اهلل عنه‪:‬‬

‫وكذا كان فعله ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬عند استشهاد سعد ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬حيث كان‬
‫مصاب املسلمني ىف سعد عظيما‪ ،‬ولكن عزاء رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬هلم كان‬
‫ش الرَّمْح َ ِن لِ َم ْو ِت‬
‫وسلم"اهَت َّز َع ْر ُ‬
‫ْ‬ ‫جليال‪ ،‬عن جابر رضي اهلل عنه قال قال صلى اهلل عليه‬
‫َس ْع ِد بْ ِن ُم َع ٍاذ"(‪.)1‬‬

‫فسعد كانت له املكانة الرفيعة عند رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وكانت له املنزلة‬
‫استشهاده ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬فيهم أميا تأثري‪ ،‬فأراد رسول اهلل‬
‫ُ‬ ‫العالية يف قلوب أصحابه‪ ،‬فأثّر‬
‫ِ‬
‫‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬أن يُ ْعل َم ُهم مبنزلت ه عن د اهلل؛ مواس ا ًة هلم‪ ،‬وأن خيف ف عنهم أملَ‬
‫فراقه؛ حىت ال يَفت موته يف نفوسهم‪ ،‬فكان إخبار النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬لصحابته‬

‫‪)(1‬ص حيح مس لم‪ ،‬كت اب فض ائل الص حابة‪ ،‬ب اب من فض ائل س عد بن مع اذ رض ي اهلل عن ه‪ ،4/5 ،‬رقم احلديث‬
‫‪.2466‬‬

‫‪58‬‬
‫أبلغ أثرا يف نفوسهم من أمل فراقه‪ ،‬كما كان أقوى بيانا‬
‫باهتزاز عرش الرمحن ملوت سعد َ‬
‫وأصدق نبأ لِما له ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬من ٍ‬
‫مكانة عند ربه‪.‬‬ ‫َ‬
‫ولَ َّما ك ان ال دعم واملتابع ة النفس ية من الن يب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬مبث ل ه ذه الص ورة‬
‫أهم مالمح متيّ ز تلك النفوس‪ ،‬اليت‬
‫أحد ِّ‬
‫املتميزة‪ ،‬كان الثبات وقوة الشخصية واتزاهنا هو ُ‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫رباها ُّ‬
‫أقدر على إجناز‬‫إن التجربة تؤكد أنه كلما كانت نفسيةُ املرتيب أكثر استقرارا كلما كان َ‬
‫أهداف ه‪ ،‬وحتقي ِق طموحات ه‪ ،‬وتك وين عالق ات ناجح ة م ع َمن حول ه‪ ،‬وأك ثر ابتع ادا عن‬
‫مسببات الفشل‪ ،‬أو التن ّكب عن الطريق‪ ،‬واملريب الناجح ال بد أن ال يَغفل عن أن النفوس‬
‫تتغ ري وتتب اين بش كل كب ري بِن اءً على اختالف املؤثرات ال يت مير هبا املرتبون‪ ،‬ب ل املرتيب ذات ه‬
‫تعرتي ه مراح ل تغرّي متع ددة بِن اءً على التط ور النفس ي والفك ري والش عوري ال ذي مير ب ه‪،‬‬
‫احلريص ال يق ف عن د ح د معرف ة تل ك املؤثرات ال يت ت ؤثر على نفس ية املرتيب‪ ،‬ب ل‬‫ُ‬ ‫واملريب‬
‫حيتاج إىل أن يكون على استعداد دائ ٍم ملالحقتها‪ ،‬والتعامل معها‪ ،‬مع مراعاة ما تتطلبه من‬
‫كل فرد‪ ،‬فتليب احتياجاته‪ ،‬وتراعي ظروفه‪.‬‬ ‫تعامل ٍ‬
‫خمتلفة تناسب َّ‬ ‫طرق ٍ‬ ‫ِ‬

‫ومن مث‪ ،‬فيحتاج هذا ال ركن عناي ةً خاص ةً من املريب؛ لض بطه يف البداية‪ ،‬ومتابعت ه من حني‬
‫ضمن املنهج الرتبوي قَ ْدرا من التوجيه من شأنه أن‬ ‫آلخر بصور شىت وطرق متنوعة‪ ،‬وأن يُ ِّ‬
‫يصون للنفوس استقرارها‪ ،‬وحيفظ عليها اتزاهَن ا‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫المبحثالثاني‪ :‬الوقايةمنمسبباتالفتن‬

‫نفس ه للش رع املتني توىّل‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬


‫"الش رع كله طهارة وعف ةٌ‪ ،‬وصيانةٌ للقلب واجلوارح‪ ،‬ومن س لّم َ‬
‫تطهريه وتطيبه‪ ،‬ومحايته ورعايته‪ ،‬فليس على املؤمن إال أن يكون بني يدي الشارع كامليت‬
‫النظر إىل األجنبية‪ ،‬واخللوة هبا‪ ،‬ومصافحتها‪،‬‬
‫حيرم على املسلم َ‬ ‫بني يدي الغاسل‪ ،‬فاإلسالم ّ‬
‫والدخول عليها‪ ،‬والسفر هبا‪ ،‬وحيرم على املرأة التربج‪ ،‬واخلضوع بالقول‪ ،‬والتطيب خارج‬
‫بيتها‪ ،‬فيكون بني املسلم امللتزم بالشرع وبني الفاحشة أبواب كثرية مغلقة‪ ،‬وقد قال اهلل عز‬
‫وجل‪.)1( :‬‬

‫فحرم الزنا والذرائع والطرق املوصلة إليه‪ ،‬فالنظر احملرم واخللوة احملرمة‪ ،‬والسفر احملرم؛ كل‬
‫ذلك يقرب من الفاحشة"(‪.)2‬‬

‫الم على املرأة إذا بلغت س ن الرش د االل تزام‬ ‫"ومن أج ل من ع اإلث ارة اجلنس ية أوجب اإلس ُ‬
‫كش ف من املرأة م ا يُث ري فتن ةً‪ ،‬وال‬ ‫باحلج اب عن د خروجه ا‪ ،‬وجع ل للع ورة ح دودا‪ ،‬فال يُ َ‬
‫وج َع ل لباس املرأة ال يصف اجلسم‪ ،‬وال يشف عنه‪ ،‬قال‬ ‫يُظ ِه ر شيئا من حس ن أو مجال‪َ ،‬‬
‫الم‪:-‬‬ ‫الة والس‬ ‫ه الص‬ ‫‪-‬علي‬
‫اس يَاٌت َعا ِريَات‬ ‫ض ِربونَبِهاالنَّاس‪،‬ونِساء َك ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫ر‬‫ِ‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫ب‬ ‫ْ‬‫ل‬ ‫ا‬‫"ص ْن َفامِنِْنأ َْهاِل لنَّا ِرلَمأَرمُهَا‪َ :‬قومٌمََع ُهم ِسياطٌ َكأَ ْذنَابِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ ٌَ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ْ ْ َ‬
‫نِ َم ِةالْبُ ْختِالْ َمائِلَة‬ ‫َس‬
‫وس ُهنَّ َكأ ْ‬ ‫‪،‬رءُ ُ‬ ‫تُ‬ ‫ائالَ ٌ‬
‫ِ‬ ‫ٌ‪،‬مُمِيالَمٌتَ‬
‫وج ُد ِمْن َم ِس َري ِة َك َذ َاو َك َذا"(‪.)3‬‬ ‫ِ‪،‬الَي ْد ُخ ْلنَاجْل نَّةَوالَجَيِ ْدنَِرحيَ َه ِ‬
‫ا‪،‬وإنَِّرحيَ َهالَيُ َ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫"إن نقطة البداية الصحيحة يف التعامل مع هذه املشكلة تتمثل يف سلوك أسباب الوقاية منها‬
‫قبل وقوعها‪ ،‬ومن أسباب الوقاية‪:‬‬

‫‪ -‬التوعية مبخاطر االنسياق وراء دواعي الشهوة احملرمة‪ ،‬وخطورة الفواحش وآثارها‪.‬‬
‫‪)(1‬سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية‪.32 :‬‬
‫‪ )(2‬فريد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.137‬‬
‫‪ )(3‬فريد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ ،143‬نقال عن تربية املراهق (‪ ،)109‬واحلديث رواه مسلم‪ ،‬كتاب اللباس والزينة‪ ،‬باب‬
‫النساء الكاسيات العاريات املائالت املميالت‪ ،3/5 ،‬رقم احلديث ‪.2128‬‬

‫‪60‬‬
‫‪ -‬تيسري فرص الزواج املبكر‪ ،‬كما أوصى بذلك ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬روى عبداهلل بن‬
‫الش بَاب‬‫مس عود رض ي اهلل عن ه عن رس ول اهلل ص لى اهلل علي ه وس لم‪":‬يَ َام ْع َشَر َّ‬
‫الص ْوِم؛‬
‫‪،‬و َمْنلَ ْميَ ْستَ ِط ْع َف َعلَْي ِهبِ َّ‬ ‫ِ‪،‬منِاس تطَاع ِمْن ُكمالْباء َة َف ْليتز َّوج؛فَِإنَّهأَ َغضُّلِْلبص ِر‪،‬وأَح ِ‬
‫ص نُل ْل َف ْر ِج َ‬
‫ََ َ ْ َ‬ ‫َ ْ َ َ ُ َ َ ََ َ ْ ُ‬
‫فَِإن َّ‬
‫َّالص ْو َملَ ُه ِو َجاءٌ"(‪.)1‬‬

‫يكثر فيها االختال ُط والتربج‪ ،‬ويتعرضون فيها للنظر‬ ‫‪ -‬االبتعاد باملرتبني عن األماكن اليت ُ‬
‫حذر صلى اهلل عليه وسلم أصحابه من ذلك‪ ،‬روى أبو سعيد اخلدري رضي‬ ‫احلرام‪ ،‬وقد َّ‬
‫ات‪،‬قَ الُوا ‪:‬‬ ‫اهلل عن ه عن رس ول اهلل ص لى اهلل علي ه وس لم ق ال‪" :‬إِيَّا ُكمواجْل لُوس ِفيالطُّرقَ ِ‬
‫ُ‬ ‫َْ ُ َ‬
‫ال‪:‬فَِإ َذاأ ََبْيتُ ْمِإالالْ َم ْجلِ َس َفأ َْعطُواالطَِّري َق َحقَّهُ‪،‬قَ الُوا‪:‬‬
‫‪،‬مالَنَ ِامْن َم َجالِ ُس نَابُدٌّ‪َ ،‬نتَ َح َّدثُِف َيها؟قَ َ‬ ‫ِ‬
‫يَ َار ُس واَل للَّه َ‬
‫َّهُي َعنِالْ ُمْن َك ِر"(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال‪َ :‬غضُّالْبص ِر‪،‬و َكفُّاألَ َذى‪،‬ور ُّد َّ ِ‬ ‫احقُّالطَِّر ِيق؟قَ َ‬
‫‪،‬والن ْ‬
‫‪،‬واأل َْم ُربالْ َم ْع ُروف َ‬ ‫السالم َ‬ ‫ََ‬ ‫ََ َ‬ ‫َو َم َ‬
‫ومهم ة املريب فيه ا تتمث ل يف إبع اد ه ذه ال ذرائع عن البيئة الرتبوي ة‪ ،‬وتنقيته ا منه ا‪ ،‬وتوجي ه‬
‫املرتبني إىل البُعد عنها‪ ،‬وإغالق األبواب اليت تقودهم إىل احلرام‪...‬‬

‫‪ -‬تنمية دافع احلياء‪ :‬واحلياء له أثره الكبري يف محاية صاحبه من مواقعة الرذائل‪ ،‬ولذا جعل‬
‫ِ‬
‫ت" مما أدرك ه‬ ‫الن يب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬مقول ة الع رب‪" :‬إِ َذا مَلْ تَ ْس تَ ِح فَ ْ‬
‫اص نَ ْع َم ا ش ْئ َ‬
‫الناس من كالم النبوة األوىل‪.)3("...‬‬

‫كما أرشدهم ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬الختيار الصحبة الصاحلة الىت ترشد إىل اخلري‪ ،‬وتعني‬
‫"فمن أراد س المة دين ه ودني اه وص يانة نفس ه وعفته ا‬ ‫علي ه‪ ،‬وحتذر من الش ر ومتن ع من ه‪َ ،‬‬
‫وكرامته ا‪ ،‬فعلي ه باالنض مام إىل ِرفق ة ص احلة تُؤنِس ه ىف غُربت ه‪ ،‬وتُعين ه على طاعت ه‪ ،‬فليس‬
‫شيء أنفع للعبد من جمالسة الصاحلني والنظر إىل أفعاهلم‪ ،‬وليس شيء أضر على العبد من‬

‫‪)(1‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب استحباب النكاح ملن تاقتنفسه إليه‪ ،2/5 ،‬رقم احلديث ‪.1400‬‬

‫ات‪ ،1/1 ،‬رقم احلديث ‪،4815‬‬ ‫وس يف الطرق‬ ‫اب يف اجلل‬ ‫‪)(2‬س نن أيب داود‪ ،‬كت اب األدب‪ ،‬ب‬
‫احلديثصححهالعالمةاأللبانيفيصحيحسننأبيداود‪.‬‬

‫‪)(3‬الدويش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.154‬‬

‫‪61‬‬
‫جمالس ة الفاس قني والنظ ر إىل أفع اهلم‪ ،‬وق د ق ال الن يب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪:-‬‬
‫ِك َونَافِ ِخالْ ِك ِري؛‬ ‫الس ْو ِء َك َحامِاِل لْ ِم ْس‬
‫يس َّ‬‫الصاحِلِواجْل لِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫"مثَاُل جْلَليس َّ َ َ‬ ‫َ‬
‫فَح ِاماُل لْ ِمس ِكِإ َّماأَْنيح ِذي َكوإِ َّماأَْنتبتاع ِمْنه‪،‬وإِ َّماأَْنت ِج َد ِمْنه ِرحياطَيِّب ةً ِ‬
‫ك‪،‬‬ ‫‪،‬ونَاف ُخالْ ِك ِريإِ َّماأَْنيُ ْح ِرقَثِيَابَ َ‬
‫ُ ً َ َ‬ ‫ُ ْ َ َ ََْ َ ُ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َوإِ َّما أَ ْن تَ ُش َّم ِمْنهُ َرائِ َحةً َخبِيثة" ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫نماذج من متابعاته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ "-‬في تجنيب أصحابه أبواب الفتن‪:‬‬

‫ص ْرف وجه الفضل عن النظر للنساء‪:‬‬


‫َ‬
‫ول اللَّ ِه ‪-‬صلى اهلل‬ ‫يف رس ِ‬ ‫ال‪َ :‬كا َن الْ َف ْ ِ‬
‫ض ُل َرد َ َ ُ‬ ‫اس ‪-‬رضى اهلل عنهما‪-‬قَ َ‬ ‫" َع ْن َعْب ِد اللَّ ِه بْ ِن َعبَّ ٍ‬
‫ِ‬ ‫عليه وسلم‪ -‬فَ َج اءَ ِت ْام َرأَةٌ ِم ْن َخ ْث َع َم‪ ،‬فَ َج َع َل الْ َف ْ‬
‫ض ُل َيْنظُ ُر إِلَْي َه ا َوَتْنظُ ُر إِلَْي ه‪َ ،‬و َج َع َل النَّىِب ُّ‬
‫ول اللَّ ِه‪ ،‬إِ َّن‬ ‫ت‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫اآلخ ِر‪َ ،‬ف َق الَ ْ‬
‫الش ِّق َ‬ ‫ض ِل إىل ِّ‬ ‫ف َو ْج هَ الْ َف ْ‬ ‫ص ِر ُ‬ ‫ِ‬
‫‪-‬صلَّى اهللُ َعلَْي ه َو َس لَّ َم‪ -‬يَ ْ‬ ‫َ‬
‫فَ ِريض ةَ اللَّ ِه علَى ِعب ِاد ِه ىِف احْل ِّج أ َْدر َكت أَىِب َش يخا َكبِ ريا‪ ،‬الَ يثْبت علَى َّ ِ ِ‬
‫َح ُّج‬ ‫الراحلَ ة‪ ،‬أَفَ أ ُ‬ ‫ً َُ ُ َ‬ ‫ًْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫اع"(‪.)2‬‬ ‫ك ىِف َح َّج ِة الْ َو َد ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪َ :‬ن َع ْم‪َ .‬و َذل َ‬ ‫َعْنهُ؟ قَ َ‬
‫واحلكم ة ‪-‬واهلل أعلم‪ -‬يف ه ذا احلديث هي تغطي ة الن يب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬لوج ه‬
‫ض ِل‬‫ف َو ْج هَ الْ َف ْ‬ ‫"ص َر َ‬‫الفضل‪ .‬ويف رواية عند ابن حجر‪" :‬لَ َوى عُُن َق هُ"‪ ،‬ويف رواية كذلك‪َ :‬‬
‫اآلخ ِر‪ ،"..‬وقد جاء معلّاًل ‪ .‬كما عند ابن حجر‪:‬قوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪:-‬‬ ‫إِىَل ِّ‬
‫الش ِّق َ‬
‫ِ‬
‫وش ابَّةً‪َ -‬و َجا ِريَةً َح َدثَةً‪ ،‬فَ َخش ُ‬
‫يت أَ ْن يَ ْد ُخ َل َبْيَن ُه َم ا‬ ‫ت غُاَل ًم ا َح َدثًا ‪-‬ويف رواية‪َ :‬ش ابًا َ‬ ‫"رأَيْ ُ‬
‫َ‬
‫الشَّْيطَا ُن"‪ ،‬ويف الرواية األخرى‪َ ":‬فلَ ْم َآم ْن َعلَْي ُه َما الشَّْيطَا َن"‪.‬‬

‫حكيم من رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬حيث مل يزد على‬ ‫ٌ‬ ‫«تصرف‬
‫ٌ‬ ‫فهذا التصرف‬
‫ورديف النيب ‪-‬صلى اهلل‬
‫ُ‬ ‫ضع يده أمام وجه الفضل‪ ،‬مع أنه نظََر إىل النساء وهو يف عبادة‪،‬‬
‫َو ْ‬

‫‪)(1‬فري د‪ ،‬مرج ع س ابق‪ ،‬ص ‪ ،144‬واحلديث رواه مس لم‪ ،‬كت اب ال رب والص لة واآلداب‪ ،‬ب اب اس تحباب جمالس ة‬
‫الصاحلني وجمانبة قرناء السوء‪ ،4/5 ،‬رقم احلديث ‪.2628‬‬
‫‪)(2‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب احلج‪ ،‬باب احلج عن العاجز لزمانه وهرم وحنومها‪ ،2/5 ،‬رقم احلديث ‪.1334‬‬

‫‪62‬‬
‫ولكن هذا األسلوب النبوي كان كافيا إلصالح اخلطأ من الفضل بن عباس‪-‬‬
‫عليه وسلم‪ّ -‬‬
‫رضي اهلل عنهما‪.)1("-‬‬

‫وهذا من "حسن متابعته‪ ،‬ودقة مالحظته لِ َما جيري حولَه من املشاهدات واملمارسات‪ ،‬اليت‬
‫ختالف َه ْدي اإلسالم‪ ،‬واختاذ الت دابري املناسبة يف معاجلة املوق ف‪ ،‬فه و مل يستخدم أس لوب‬
‫صرف وجه‬ ‫يده الشريفة بكل أدب ورفق يف ْ‬ ‫التعنيف والشدة يف تغيري املنكر‪ ،‬بل استخدم َ‬
‫الفضل إىل اجلانب اآلخر؛ خشيةَ الفتنة عليهما"(‪.)2‬‬

‫موقفه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬مع خوات بن جبير والنسوة‪:‬‬

‫‪-‬مَّرالظَّ ْه َر ِان(موضع بقرب مكة)‪:‬‬ ‫ِ‬


‫‪-‬صلَّىاللَّ ُه َعلَْي ِه َو َس لَّ َم َ‬
‫ال‪َ :‬نَزلْنَ َام َعَر ُس واِل للَّه َ‬ ‫بنجَبرْيٍ ‪،‬قَ َ‬
‫"عْن َخ َّواتَ ُ‬‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫وض ع‬‫اس تَ ْخَر ْجُت َعْيبَيِت (وع اء تُ َ‬ ‫ت‪،‬فَ ْ‬ ‫ابنس َوة َيتَ َح َّدثْ َن‪،‬فَ أ َْع َجْبنَيِن ‪َ ،‬ف َر َج ْع ُ‬ ‫ال‪ :‬فَ َخَر ْجتُمْنخبَائي َفإ َذاأَنَ ْ‬ ‫قَ َ‬
‫‪،‬و َخَر َجَر ُس واُل للَّ ِه‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫استَ ْخر ْجتُ ِمْن َه ُ ِ‬
‫احلَّةً َفلَب ْسُت َه َاوجْئُت َف َجلَ ْس تُ َم َع ُه َّن َ‬ ‫في ه الثي اب)‪ ،‬فَ ْ َ‬
‫جلوس ه مع هؤالء النسوة‬ ‫َ‬ ‫اعْب ِداللَّ ِه!! (أي‪ :‬أنه يُنكر عليه‬ ‫ال‪ :‬أَبَ َ‬ ‫‪-‬مْن ُقبَّتِ ِه‪َ ،‬ف َق َ‬
‫صلَّىاللَّهعلَي ِهوسلَّم ِ‬
‫َ َُ ْ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت(تلعثم يبحث عن‬ ‫واخَتلَطْ ُ‬ ‫‪-‬صلَّىاللَّ ُه َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪-‬هْبُت ُه ْ‬ ‫األجنبي ات) َفلَ َّم َارأ َْيُتَر ُس واَل للَّه َ‬
‫يش َر َد‪،‬فَأَنَاأ َْبتَغِيلَ ُه َقْي ًدا(أتى رض ي اهلل عن ه بع ذر غ ري ص حيح‬ ‫ِ‬
‫ت ‪ :‬يَ َار ُسواَل للَّ ِه َج َملٌل َ‬ ‫ع ذر) ُق ْل ُ‬
‫ض َر ِةاأل ََراك‬ ‫اضمْتنِ ِه ِفيخ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫‪،‬و َد َخاَل أل ََر َاك‪َ ،‬كأَنِّيأَنْظُُرإلَ َىبيَ َ‬ ‫ض َىواتََّب ْعتُهُ‪،‬فَأَلْ َقى إلَرَّي َداءَهُ َ‬ ‫لي ربر ب ه فعل ه)فَ َم َ‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫ىص ْد ِر ِه‪-‬‬ ‫ال‪َ :‬ي ْقطُُرمْنل ْحيَت ِه َعلَ َ‬ ‫ىص ْد ِر ِه‪-،‬أ َْوقَ َ‬ ‫ض أَ‪،‬فَأَ ْقَبلَ َوالْ َماءُيَسيلُمْنل ْحيَت ِه َعلَ َ‬ ‫اجَت ُه َوَت َو َّ‬
‫ىح َ‬
‫ض َ‬ ‫ِ‪َ ،‬ف َق َ‬
‫ال‪:‬‬‫الي ْل َح ُقنِ ِيفيالْ َم ِس ِري‪،‬إِالقَ َ‬ ‫ك؟مُثَّ ْارحَتَْلنَافَ َج َعلَ َ‬
‫ِ‬
‫‪،‬ما َف َعلَ ِش َر ُادمَجَل َ‬ ‫ال‪ :‬أَب ِ ِ‬
‫اعْبداللَّه َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َف َق‬
‫َر ُاد َذلِ َكاجْلَ َم ِل؟ َفلَ َّم َارأ َْيتُ َذلِ َكَت َع َّج ْلتُِإلَىالْ َم ِدينَة‬ ‫‪،‬ما َف َعلَ ِش‬ ‫المعلَي َكأَب ِ ِ‬
‫اعْبداللَّه َ‬ ‫َُ ْ َ َ‬ ‫الس‬
‫َّ‬
‫َذلِك‬ ‫لَّ َم‪َ -‬فلَ َّماطَالَ‬ ‫ةَإِلَىالنَّيِب ِّ َ‬
‫‪-‬صلَّىاللَّ ُه َعلَْي ِه َو َس‬ ‫ِ‪،‬واجَتنَْبتُالْ َم ْس ِج َد َوالْ ُم َجالَ َس‬
‫ْ‬
‫‪-‬صلَّىاللَّ ُه َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ي‪،‬و َخَر َجَر ُس واُل للَّه َ‬ ‫ُص لِّ َ‬ ‫اعةَ َخ ْل َوةالْ َم ْس جد‪،‬فَأََتْيتُالْ َم ْسج َد َف ُق ْمتُأ َ‬ ‫َ‪،‬حَتََّيْنتُ َس َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ال‪:‬‬‫؛ر َجاءَأَْنيَ ْذ َهبَويَ َدعُيِن ‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫تَ‬ ‫ص لَّ َىر ْك َعَتْين َخفي َفَتنْي ِ ‪،‬وطَ َّولْ ُ‬ ‫مْنَب ْعض ح ْج ِره َف ْجأًَة‪،‬فَ َ‬

‫‪)(1‬الشحود‪ ،‬على بن نايف‪ ،‬منهاج الرسول صلى اهلل عليه وسلم في تصحيح األخطاء‪ ،‬ط‪( ،1‬هبانج‪ :‬دار املعم ور‬
‫‪1430 -‬هـ ‪2009 -‬م)‪ ،‬ص ‪.228‬‬

‫‪)(2‬الشطي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.311‬‬

‫‪63‬‬
‫ف‪َ ،‬ف ُق ْلتُِف َين ْف ِس ي‪َ :‬واللَّ ِهأل َْعتَ ِذ َرنَِّإلَ َىر ُس واِل للَّ ِه‪-‬‬
‫ص ِر َ‬
‫َّىتْن َ‬
‫احت َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫طَِّوأْل َب ِ‬
‫اعْبداللَّ ِه َماش ْئتَأَْنتُطَِّو َل‪َ ،‬فلَ ْسُت َقائ ًم َ‬ ‫ََ‬
‫‪،‬ما َف َعلَ ِش َر ُاد َذلِ َكاجْلَ َم ِل؟‬ ‫الس المعلَي َكأَب ِ ِ‬
‫اعْبداللَّه َ‬ ‫ال‪َ َ ْ َ ُ َّ :‬‬ ‫ص ْد َرهُ‪َ ،‬فلَ َّماقَ َ‬ ‫صلَّىاللَّ ُه َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪-‬وألُبْ ِر ْئنَ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪:‬‬
‫َ‬ ‫لَ َم‪َ ،‬ف َق‬ ‫َس‬
‫اشَر َد َذل َكاجْلَ َملُ ُمْن ُذأ ْ‬
‫‪،‬م َ‬ ‫ت‪َ :‬والَّذ َيب َعثَ َكبِاحْلَ ِّق َ‬ ‫َف ُق ْل ُ‬
‫َرمِح َ َكاللَّ ُهثَالثًا‪،‬مُثَّلَ ْميُعِ ْدلِ َش ْي ٍءمِم َّا َكا َن"(‪.)1‬‬
‫يف احلديث الكث ري من القيم الرتبوي ة ال يت حَيْ ُس ُن ب املربني تعلمه ا‪ ،‬واالس تفادة منه ا‪ ،‬ومن‬
‫ذلك‪:‬‬

‫‪ -‬إن احلديث بطول ه يظه ر جبالء م دى ح رص رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬على‬
‫متابع ة أص حابه‪ ،‬وع دم نس يان أم ورهم املهم ة رغم ك ثرة املش اغل وتع دد املس ئوليات‪،‬‬
‫فالرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬واصل متابعة خوات‪ ،‬ومل يَغفل عن مشكلته حىت اطمئن‬
‫يف النهاية إىل صدق خوات يف توبته‪.‬‬

‫‪ -‬احلديث يؤكد أمهية اختيار أنسب طرق املتابعة‪ ،‬وأكثر أساليب تصحيح األخطاء تأثريا‪،‬‬
‫مع البعد عن القسوة والنقد‪ ،‬الذي يرتك أثرا سلبيا يف النفوس‪ ،‬فنظرات رسول اهلل ‪-‬صلى‬
‫اهلل علي ه وس لم‪ -‬وس ؤاله خلوات ك انت كافي ةً إلح داث الت أثري املطل وب يف نفس خ وات‪،‬‬
‫اللة يف العتاب‪ ،‬فاملريب الناجح هو َمن يُ ْش عُِر املخطئ خبطئه دون أن ينتقص‬
‫أبلغ د ٍ‬
‫وكانت َ َ‬
‫منه‪ ،‬أو يدفعه للتمادي يف اخلطأ‪.‬‬

‫‪ -‬احلرص على عدم إحراج املخطئ ال يعين التغافل عن خطئه‪ ،‬فرسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫وس لم‪ -‬أع رض عن ه أول األم ر‪ ،‬لكن ه ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬جع ل يك رر علي ه س ؤااًل‬
‫واحدا واستفسارا حول السبب الذي أبداه‪ ،‬وكأنه يؤكد له خطأه‪ ،‬ويذ ّكره أنه غري صادق‬
‫ذكره من سبب‪ ،‬وأن هذا ال يليق مبثله‪ ،‬واستمر النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يكرر‬ ‫فيما َ‬
‫ك؟!» لِيعمل التَّ ْك َر ُار عملَ ه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اهلل‪َ ،‬م ا َف َع َل ِش َر ُاد مَجَل َ‬
‫عليه السؤال كلما رآه قائاًل ‪« :‬أَب ا عب َد ِ‬
‫َ َْ‬
‫فتزي د مش اعر الن دم‪ ،‬وتتص اعد يف نفس خ ّوات بن جبري ‪-‬رض ي اهلل عن ه‪ -‬م ع ك ل م رة‬
‫يتكرر فيها سؤال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫‪ )(1‬املعجم الكب ري‪ ،‬خ وات بن جب ري االنص اري‪ ،4/25 ،‬رقماحلديث ‪ ،4146‬رواه اهليثمي يف الزوائ د(‪)9/404‬‬
‫وقال‪ :‬رواهالطربانيمنطريقني‪،‬ورجاألحدمهارجااللصحيح‪،‬غرياجلراحبنمخلدوهوثقة‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫حجم اخلطأ يف العتاب‬
‫‪ -‬ومع أمهية متابعة املخطئ يف خطئه‪ ،‬إال أنه يلزم أن يراعي املريب َ‬
‫عليه‪ ،‬ومتابعته‪ ،‬وطريقة املتابعة‪.‬‬

‫تعم د الكذب يف عذره وتربيره للخطأ‪ ،‬إذا تأكد من‬ ‫‪ -‬على املريب أن ال ين اقش املرتيب إذا ّ‬
‫تلفيقه وتبنّي عدم صدقه‪ ،‬بل اإلعراض عن صاحبه يكفي يف إشعاره حبجم خطئه‪ ،‬وعدم‬
‫قبول هذا العذر‪ ،‬وإال َف َفْتح ِ‬
‫باب املناقشة أو َر ْمي صاحب التربير امللفق بالكذب قد يَزيد‬ ‫ُ‬
‫صاحب اخلطأ يف خطئه‪ ،‬ويدفعه إىل التمادي يف التربير الكاذب‪.‬‬

‫‪ -‬من مسئوليات املريب عند رؤيته اخلطأ أو العلم به‪ ،‬السؤال واالستفسار عن حقيقة األمر‪،‬‬
‫وعدم التأخر يف اختاذ رد الفعل املناسب‪.‬‬

‫‪ -‬س ؤال املريب عن اخلط أ جيب أن يك ون لص احب اخلط أ نفس ه؛ ح ىت يت بني احلقيق ة من‬
‫صاحب عذ ٍر ال يعلمه غريه‪.‬‬
‫َ‬ ‫صاحبها‪ ،‬فمن املمكن أن يكون‬

‫‪ -‬جيب أن حيرص املريب يف متابعته ملثل هذه األخطاء عدم التشهري باملخطئ‪ ،‬وهتك ِس رته‬
‫أم ام اآلخ رين‪ ،‬وحنن نالح ظ يف واقع ة خ وات أهنا مل تتع ّد ش خص الن يب ‪-‬ص لى اهلل علي ه‬
‫وخوات بن جبري ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬فإنه هو نفسه الذي روى احلديث ومل يصلنا‬ ‫وسلم‪ّ -‬‬
‫إال من خالل روايته له‪.‬‬

‫‪ -‬تعظيم املريب يف نفس املخطئ ما وقع منه من خطأ؛ حىت تزيد مشاعر الندم ويقلع متاما‬
‫عن خطئه‪ ،‬وال تراوده نفسه باملعاودة‪.‬‬

‫‪ -‬تغيري موقف املريب من صاحب اخلطأ يرتبط يف مثل هذه احلاالت اليت تشبه حالة خوات‬
‫بالتأكد من توبته‪ ،‬وإظهار ندمه‪ ،‬ورجوعه عما حصل منه‪.‬‬

‫‪ -‬ختَم رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬متابعته الرتبوية الراقية هلذه املشكلة بعدما تأكد‬
‫من ص دق توب ة خ وات ‪-‬رض ي اهلل عن ه‪ -‬بال دعاء ل ه بالرمحة ثالث ا؛ تطييب ا لنفس ص احبه‪،‬‬
‫وتثبيتا له على توبته‪ ،‬وإزالة ما قد يكون َعلِ َق بنفسه من خوف سقوط مكانته أو منزلته‬
‫عند رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫تحذير أصحابه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬من الفتن عامةً‪:‬‬

‫أَطْلَ َع اهلل رس وله ‪-‬علي ه الص الة والس الم‪ -‬على كث ري من الفنت ال يت س تُبتلى هبا األم ة‬
‫اإلسالمية يف مقبل الزمان‪ ،‬ولذلك فإن الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أطال يف حتديث‬
‫الصحابة عن تلك الفنت‪ ،‬وبيان املخرج منها‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬ما رواه حذيفة‪ ‬بن اليمان‪ ،‬فقد‬
‫مقام ا‪ ،‬ما ترك شيئًا يكون‬
‫ثبت عنه أنه قال‪" :‬قام فينا رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ً -‬‬
‫يف مقامه ذلك إىل قيام الساعة‪ ،‬إال ح ّدث به‪َ ،‬ح ِفظه من حفظه‪ ،‬ونسيه من نسيه‪ ،‬قد علمه‬
‫أصحايب هؤالء‪ ،‬وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته‪ ،‬فأراه فأذكره‪ ،‬كما يذكر الرجل وجه‬
‫الرجل قد غاب عنه‪ ،‬مث إذا رآه عرفه"(‪.)1‬‬

‫وبعض هذه الفنت شديدة مظلمة‪ ،‬ومنها خفيف‪ ،‬ويبلغ من شدة بعض هذه الفنت أهنا خُت رِج‬
‫املس لم عن دين ه‪ ،‬ففي ح ديث أيب هري رة عن الن يب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ق ال‪:‬‬
‫اللَّْياِل لْ ُمظْلِم‬ ‫"ب ِادروابِاأل َْعمالِِفَتنًا َك ِقطَعِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫(‪) 2‬‬
‫صبِ ُح َكافًِرا‪،‬يَبِيعُ ِد َين ُهبِ َعَر ٍض ِمنَ ُّ‬
‫الد ْنيَا" ‪.‬‬ ‫الرجلُم ْؤ ِمنًاومُيْ ِسي َكافِرا‪،‬ومُيْ ِس ِ‬
‫يم ْؤمنً َاويُ ْ‬
‫ً َ ُ‬ ‫صب ُح َّ ُ ُ َ‬
‫ِ‪،‬يُ ْ ِ‬

‫ومن أمثل ة متابع ة رس ول اهلل ‪-‬صلى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ألمت ه يف دف ع الفنت عنهم وحتذيرهم‬
‫منها‪:‬‬

‫إيقاظ" زوجته أم سلمة لتأخذ" حظها من العبادة دفعا للفتن‪:‬‬

‫‪)(1‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الفنت وأشراط الساعة‪ ،‬باب إخبار النيب صلى اهلل عليه وسلم فيما يكون إىل قيام الساعة‪،‬‬
‫‪ ،4/5‬حديث رقم ‪.2891‬‬

‫‪)(2‬س نن الرتم ذي‪ ،‬كت اب الفنت‪ ،‬ب اب م ا ج اء س تكون فنت كقط ع اللي ل املظلم‪ ،1/1 ،‬رقم‪ :‬احلديث ‪،2195‬‬
‫قاالحملدث‪:‬هذاحديثحسنصحيح‪،‬وصححهالعالمةاأللبانيفيصحيحسننالرتمذي‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫‪ -‬عن أم سلمة زوج النىب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬قالت‪" :‬اس َتي َق َظ رس ُ ِ‬
‫‪-‬ص لَّى اهللُ‬
‫ول اهلل َ‬ ‫ْْ َُ‬
‫؟ما َذاأُنْ ِزلَ ِمنَ اخْلََزائِ ِن؟‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫!ما َذاأُنْ ِزاَل للَّْيلَةَمنَالْفْتنَ ة َ‬
‫َعلَْي ه َو َس لَّ َم‪ -‬لَْيلَ ةً‪ ،‬فق ال‪ُ :‬س ْب َحانَاللَّه َ‬
‫ىالد ْنياعا ِري ٍةفِ ِ‬
‫ىاآلخَر ِة"(‪.)3‬‬ ‫ِ ٍِ‬ ‫ِ‬ ‫مْنيوقِظُ ِ‬
‫أزواجه‪ -‬يَ ُاربَّ َكاسيَةف ُّ َ َ َ‬ ‫ص َواحبَاحْلُ ُجَرات ‪-‬يريد َ‬ ‫َُ َ‬
‫رص رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬على التح ذير من فتنة‬ ‫ِ ِ‬
‫ويظه ر يف ه ذا احلديث ح ُ‬
‫أخرى من الفنت اليت يتعرض هلا املؤمن يف دنياه‪ ،‬وهي فتنة الدنيا وزهرهتا‪.‬‬

‫فالنيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬استيقظ ليل ةً من الليايل اليت كان فيها مع زوجته أم سلمة‪-‬‬
‫أوحى اهلل تعاىل به‬
‫رضي اهلل عنها‪ -‬وهي اليت روت احلديث‪ ،‬فقال متعجبًا‪-‬مما رأى‪ ،‬أو مما َ‬
‫اهلل!" وما أكثر ما نزل يف هذه الليل ة من الفنت‪ ،‬وما أكثر ما فتح فيها من‬‫إليه‪"-‬س بحا َن ِ‬
‫ُْ َ‬
‫يكتف رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بالتحذير‬‫خزائن رمحة اهلل تعاىل على عباده‪ ،‬ومل ِ‬
‫من الفنت‪ ،‬وما نزل منها‪ ،‬وإمنا دل ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬إىل املخرج‪ ،‬وهو العبادة‪ ،‬فهي‬
‫من أعظم ما جيعل املرء املؤمن خُي تم له باألعمال الصاحلات‪ ،‬بل إنه من أعظم ما يقي املؤمن‬
‫الفنت‪.‬‬
‫مث من ِحر ِص ِه ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬على متابع ة ِ‬
‫أزواج ه يف أعم ال اخل ِري ال يت تقيهن من‬ ‫ْ‬
‫رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪َّ -‬أم سلمةَ‪-‬رضي اهلل عنها‪ -‬بإيقاظ صواحب‬ ‫الفنت‪ ،‬أَمر ِ‬
‫ُْ‬
‫احلج ر (زوجات ه األخري ات)؛ لق رهبن من ه ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ِ -‬ح ًّس ا ومعىًن ‪ ،‬وح ىت ال‬
‫يتغ افلن عن العب ادة‪ ،‬ويعتم دن على ك وهنن أزواج الن يب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬وح ىت‬
‫يتجننب ما َنز ل من الفنت‪ ،‬ويتعرضن ملا فتح من رمحة اهلل تعاىل فيعملن عمال يقيهن منها‪.‬‬

‫اس يَ ٍة يِف ال ُّد ْنيَا"‪ ،‬أي‪ :‬فَ َك ْم من ام رأة ك انت‬


‫ب َك ِ‬
‫مث ق ال ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪َ " :-‬ف ُر َّ‬
‫كاسية منعمة يف الدنيا وهي يف اآلخرة عارية من ذلك كله‪ ،‬حني يُكسى غريُها من أهل‬
‫الصالح‪.‬‬

‫‪)(3‬س نن الرتم ذي‪ ،‬كت اب الفنت‪ ،‬ب اب م ا ج اء س تكون فنت كقط ع اللي ل املظلم‪ ،1/1 ،‬رقم‪ :‬احلديث ‪،2196‬‬
‫قاالحملدث‪:‬هذاحديثصحيح‪،‬وصححهالعالمةاأللباين‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫قال احلافظ يف الفتح‪" :‬ويف احلديث جواز قول "سبحان اهلل" عند التعجب‪ ،‬وندبية ِذكر اهلل‬
‫تعاىل عند االستيقاظ‪ ،‬وإيقاظ الرجل أهله بالليل للعبادة‪ ،‬ال سيما عند آية حتدث‪ ..‬وفيه‬
‫استحباب اإلسراع إىل الصالة عند خشية الشر‪ ،‬كما قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬‬

‫‪ ،)1(‬وك ان ‪-‬ص لى‬


‫كرهُ أن يص لِّ َي‪،‬‬
‫أمر فزِع إىل الصالة‪ ،‬وأ ََمر َمن َرأى يف منامه َم ا يَ َ‬
‫اهلل عليه وسلم‪ -‬إذا َحَزبَه ٌ‬
‫التسبيح عند رؤية األشياء املهولة‪ ،‬وفيه حتذير العامل من يأخذ عنه من كل شيء يتوقع‬ ‫ُ‬ ‫وفيه‬
‫(‪)2‬‬
‫حصوله‪ ،‬واإلرشاد إىل ما يدفع ذلك احملذور‪.‬‬

‫خاتمة المبحث‪:‬‬

‫وعلى ه ذا النهج من احلرص على دف ع الفنت والتح ذير منه ا‪ ،‬س ار رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ -‬متابعا أصحابه وأمتَ ه‪ ،‬حمذرا هلم منها قبل وقوعها‪ ،‬ومعينا هلم إذا وقعوا فيها‪،‬‬
‫وعلى هذا الطريق جيب أن يسري املربون مع َمن يربوهنم؛ هتيئ ةً للبيئة الصاحلة اليت تَقي الفنت‬
‫ابتداءً‪ ،‬وبيانا للفنت وخطرها‪ ،‬وتعليما كيف تدفع الفنت ومبا تُتقى‪ ،‬ومتابعتهم بيقظة شديدة‬
‫أوقات الفنت‪.‬‬

‫نت‪ ،‬وعظي ِم خطرها‪ ،‬وواسع أث ِرها‬‫الصنف من املربني والدعاة الذين ال يهتمون بالف ِ‬
‫أما هذا ِّ‬
‫كش ُفون خطرها‪ ،‬وال يُتابِعون َمن خيشون عليه منها؛‬‫على املرتبني‪ ،‬فال حي ّذرون منها‪ ،‬وال ي ِ‬
‫َ‬
‫جهدهم وعملهم للضعف‬ ‫ويعرضون َ‬ ‫يقص رون تقصريا كبريا يف وظيفتهم كمربني‪ّ ،‬‬ ‫فهوالء ّ‬
‫الرتبوي‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫واالنقطاع عن املسار‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للتوقف‬ ‫ِ‬
‫واخللل‪ ،‬بل يعرضون املرتبني‬

‫المبحثالثالث‬
‫العالجمنصورالعجزوالكسلوالضعفوآثارالمشاكلوالهموم‬

‫‪ )(1‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.45 :‬‬


‫‪ )(2‬ابن حج ر‪ ،‬أب و الفض ل ش هاب ال دين أمحد بن علي بن حمم د‪ ،‬فتح الب" ""اري بش" ""رح ص" ""حيح البخ" ""اري‪ ،‬ط‪1‬‬
‫(القاهرة‪ :‬دار الغد العريب‪1412 ،‬هـ‪1992-‬م)‪.357 /1 ،‬‬

‫‪68‬‬
‫"العج ز والكس ل داءان ينخ ران يف اإلنس ان‪ ،‬ويقع دان ب ه عن مص احل دين ه ودني اه‪ ،‬وحني‬
‫ض عُف مهت ه‪ ،‬وتَفوت ه جماالت اخلري يف ال دنيا‬
‫يعت اده املرء يص بح س جية ل ه؛ َفتَْث ُق ل نفس ه‪ ،‬وتَ ْ‬
‫واآلخرة‪ ،‬والعاجز الكسول هو الذي "ال يزال يف حضيض طبعه حمبوسا‪ ،‬وقلبه عن كماله‬
‫الذي ُخلق له مصدودا منكوسا‪ ،‬قد أسام نفسه مع األنعام‪ ،‬راعيا مع اهلمل‪ ،‬واستطاب‬
‫لقيمات الراحة والبطالة‪ ،‬واستالن فراش العجز والكسل‪.)1("..‬‬ ‫ِ‬

‫ولسوء هذين الداءين كان ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يستعيذ باهلل منهما؛ فعن أنس بن مالك‬
‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪َ -‬ي ُق ُ‬
‫ول‪:‬‬ ‫‪-‬رض ي اهلل عن ه‪ -‬ق ال‪َ " :‬ك ا َن النَّيِب ُّ َ‬
‫ك ِمن فِْتنَ ِة الْمحي ا والْمم ِ‬‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‪َ ،‬وأَعُ وذُ‬ ‫َ َْ َ َ َ‬ ‫ل‪،‬واجْلُْب َنواهْلََرم‪َ ،‬وأَعُوذُ ب َ ْ‬ ‫اللَّ ُه َّمإنِّيأَعُوذبكمْنالْ َع ْج َ‬
‫زوالْ َك َس َ‬
‫ك ِمن َع َذ ِ‬
‫اب الْ َقرْبِ "(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫بَ ْ‬
‫وحذر مر النيب‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬من العجز‪،‬روى أبو هريرة رضي اهلل عنه عن رسول‬
‫يف‪،‬‬ ‫الض عِ ِ‬
‫اهلل ِم َن الْ ُم ْؤ ِم ِن َّ‬‫ب إِىَل ِ‬ ‫َح ُّ‬ ‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪" :‬الْ ُم ْؤ ِم ُن الْ َق ِو ُّ‬
‫ي َخْي ٌر َوأ َ‬
‫ك‪ ،‬و ِ ِ‬
‫ك َش ْيءٌ فَاَل‬ ‫َص ابَ َ‬‫اس تَع ْن بِاهلل َواَل َت ْع َج ْز‪َ ،‬وإِ ْن أ َ‬ ‫ص َعلَى َم ا َيْن َفعُ َ َ ْ‬ ‫َويِف ُك ٍّل َخْي ٌر‪ْ ،‬‬
‫اح ِر ْ‬
‫ت‪َ ،‬كا َن َك َذا َو َك َذا‪َ ،‬ولَ ِك ْن قُ ْل‪ :‬قَد ََّر اهللُ َو َما َشاءَ َف َع َل‪ ،‬فَِإ َّن لَ ْو َت ْفتَ ُح َع َم َل‬‫َت ُق ْل‪ :‬لَ ْو أَيِّن َف َع ْل ُ‬
‫ان"(‪.)3‬‬ ‫الشَّي ِط ِ‬
‫ْ‬
‫وال ب د من املب ادرة بتخليص الش اب من ه ذه اخْلَص لة الذميم ة يف وقت مبك ر قب ل أن‬
‫صعُب اقتالعُه(‪.)4‬‬
‫تستفحل وتتحول إىل ُخلق يَ ْ‬

‫‪)(1‬ابن قيم اجلوزي ة‪ ،‬مشس ال دين أب و عب د اهلل حمم د‪ ،‬مفت ""اح دار الس ""عادة‪ ،‬ط‪( ،1‬دمش ق‪ :‬دار البي ان‪1419 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1998‬م)‪.67 /1 ،‬‬

‫‪)(2‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب اجلهاد والسري‪ ،‬باب ما يتعوذ من اجلنب‪ ،2/4 ،‬رقم احلديث ‪.2823‬‬

‫‪)(3‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب القدر‪ ،‬باب يف األمر بالقوة وترك العجز‪ ،4/5 ،‬رقم احلديث ‪.2664‬‬

‫‪)(4‬الدويش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.164 -163‬‬

‫‪69‬‬
‫ومن األمور اليت حيتاج املريب إىل االلتفات إليها وعدم الغفلة عنها يف مجيع مراحل الرتبية‪،‬‬
‫خاص ة الب دايات؛ االعتن اء مبش اكل املرتيب اخلاص ة من ناحي ة اإلحاط ة اجلي دة هبا أوال‪ ،‬مث‬
‫ليتمكن من جتاوز‬
‫َ‬ ‫اإلعان ة على حله ا بع د ذل ك‪ ،‬ف املرتيب حيت اج إىل املس اعدة والتوجي ه؛‬
‫مشاكله‪ ،‬ألنه مع املشاكل واهلموم يكون يف حالة تَتسم بالضعف النفسي‪ ،‬وعدم القدرة‬
‫على ُحس ن التص رف‪ ،‬وق د ال تت وفر ل ه اخلربة الكافي ة والرص يد اإلمياين ليع اجل مش كالته‬
‫بنفسه ويتجاوزها هبدوء‪.‬‬

‫"فموقف املريب إجيابا وسلبا من املرتبني يف أزماهتم هو من تلك املواقف اليت ال تُنسى اليت‬
‫أعمق األثر وأبعده يف نفوس املرتبني‪ ،‬ومن أصعب التجارب اليت مير هبا املرتيب عندما‬
‫ترتك َ‬
‫يستشعر أنه مبفرده ال جيد َمن يقف جبواره عندما مير بأزمة أَلَ ّمت به‪ ،‬وهو ينتظر يد َ‬
‫الع ْون‬
‫من مربيه‪ ،‬الذي طالَ َم ا استشعر جبواره باألمان‪ ،‬مث ال جيد تلك املساعدة‪ ،‬مما قد يؤدي إىل‬
‫آالم نفسية قد تزيد عن املشكلة األصلية لديه‪ ،‬وقد ترتك أثرا يصعب على املريب أن يعاجله‬
‫فيما بعد‪.‬‬

‫كم ا أن موق ف املريب اإلجيايب من مش اكل األف راد يعُلي كث ريا من رص يد احلب واالح رتام‬
‫والتق دير يف نفس املرتيب ملربي ه‪ ،‬ويفي ده كث ريا يف ترس يخ مع اين نبيل ة وقيم رفيع ة يص عب‬
‫استشعارها أو تعلمها يف غري تلك املواقف العملية"(‪.)1‬‬

‫ومن متابعاته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ألصحابه وإعانتهم وقت شدهتم‪:‬‬

‫رعايتهم وقت الفتن" واالبتالءات‪":‬‬

‫ومن ذلك مروره ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بآل ياسر وهم يعذبون وقوله هلم‪:‬‬

‫‪)(1‬عادل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.110‬‬

‫‪70‬‬
‫اس ٍر؛ فَ ِإ َّن َم ْو ِع َد ُك ُم اجْلَنَّةُ"(‪".)1‬ق ال ابن إس حاق‪" :‬وك انت بن و خمزوم خيرجون‬
‫آل ي ِ‬
‫"ص ْبًرا َ َ‬
‫َ‬
‫بعم ار بن ياسر‪ ،‬وبأبي ه وأم ه‪ ،‬وك انوا أه ل بيت إس الم‪ ،‬إذا محيت الظه رية‪ ،‬يع ّذبوهنم‬
‫آل‬
‫"ص ْبًرا َ‬
‫ضاء مكة ‪ ،‬فيمر هبم رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬فيقول‪-‬فيما بلغين‪َ :-‬‬ ‫بَِر ْم َ‬
‫اس ٍر‪َ ،‬م ْو ِع ُد ُك ُم اجْلَنَّةُ"‪ .‬فأما أمه فقتلوها وهي تأىَب إال اإلسالم"(‪.)2‬‬
‫يِ‬
‫َ‬
‫كل يوم إىل أُسرة ياسر حمييا صمودهم‬ ‫وقد كان الرسول‪-‬صلى اهلل عليه وس لم‪ -‬خيرج َّ‬
‫وبطولته ا‪ ،‬وك ان قلب ه الكب ري ي ذوب؛ رمحةًوحنانا ملش هدهم وهم يتل ّق ون من الع ذاب م اال‬
‫طاقةَ هلم به"(‪.)3‬‬

‫إن رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬كان يعلم ثِقل احلمل وعظيم املشقة اليت يلقاها ياسر‬
‫عذبون يف اهلل؛ بسبب إسالمهم‪ ،‬وما كان رسول‬ ‫وآله وغريهم من الصحابة‪ ،‬الذين كانوا يُ َّ‬
‫ُ‬
‫اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬املريب الرحيم لَِي ْغ َف َل عن أصحابه يف مثل هذه األوقات‪ ،‬وما‬
‫العناء‪ ،‬وتصرب على هذا البالء‪ ،‬لوال ما غرسه رسول اهلل‬ ‫كانت تلك النفوس لتتحمل هذا َ‬
‫ٍ‬
‫عميقة هلل ورسوله‪ ،‬ولوال ما‬ ‫‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يف نفوسهم من إميان راسخ‪ٍ ،‬‬
‫وحمبة‬
‫كان يتعهدهم به رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬من مجيل عناية ورعاية خُتَفِّف عنهم‬
‫أملَ الع ذاب‪ ،‬ومتابع ة مس تمرة بالبش رى ت ارة‪ ،‬وال دعاء ت ارة؛ ليق ذف يف قل وهبم من أن وار‬
‫اإلميان وحالوته ما يَ ْسَت ْع ِذبون معه كل أمل يف اهلل‪ ،‬مما كان له أكرب األثر يف اجتياز أصحابه‬
‫هذه الفنت بثبات‪ ،‬وتعاليهم بعظيم ثقتهم باهلل على كل حماوالت الرتهيب والتعذيب‪.‬‬

‫متابعتهم في أحزانهم" ومواساتهم‪":‬‬

‫‪ )(1‬ش عب اإلميان لل بيهقي‪ ،‬ب اب يف ش ح املرء بدين ه‪ ،2/7 ،‬رقم احلديث ‪ ،1631‬وأخرج ه احلاكم يف املس تدرك‪،‬‬
‫‪ ،3/383‬وصححه األلباين يف فقه السرية ‪.103‬‬

‫‪)(2‬ابن هش ام‪ ،‬أبو حمم د عبد املل ك‪ ،‬الس""يرة النبوية‪ ،‬حتقي ق‪ :‬ط ه عب د الرءوف س عد‪ ،‬ط‪( ،3 ،‬ب ريوت‪ :‬دار اجلي ل‪،‬‬
‫‪1418‬هـ‪1998 -‬م)‪.2/162 ،‬‬

‫‪)(3‬خالد‪ ،‬حممد خالد‪ ،‬رجال حول الرس"ول" ص"لى اهلل علي"ه وس"لم‪ ،‬ط‪( ،3‬دار ثابت‪ ،‬مجادى الثاىن‪1407‬هـ فرباير‬
‫‪1987‬م) ‪.225 /1‬‬

‫‪71‬‬
‫‪-‬صلَّىاللَّ ُه َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪-‬‬ ‫ِ‬
‫أخ رج النس ائي من طري ق معاوي ة بن ق رة عن أبي ه ؛ ق ال‪َ " :‬كا َننَبِيُّاللَّه َ‬
‫ص غِريٌيَأْتِي ِه ِمْن َخ ْل ِفظَ ْه ِر ِه‪َ ،‬فُي ْقعِ ُد ُهَبْيَنيَ َديْ ِه‪َ ،‬ف َهلَك‬ ‫إِ َذاجلَسيجلِسِإلَي ِهن َفر ِمْنأ هِبِ ِ‬
‫َص َحا َوفي ِه ْمَر ُجلٌلَ ُه ْابنٌ َ‬ ‫َ ََ ْ ُ ْ َ ٌ ْ‬
‫‪-‬صلَّىاللَّ ُه َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪َ -‬ف َق ال‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫ض َراحْلَْل َقةَلذ ْك ِرابْنه‪،‬فَ َح ِز َن َعلَْي ِه َف َف َق َد ُهالنَّيِب ُّ َ‬ ‫الر ُجأُل َْنيَ ْح ُ‬ ‫َ‪،‬فَ ْامَتَن َع َّ‬
‫‪-‬صلَّىاللَّ ُه َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪-‬‬ ‫َ‪:‬مالِياَل أَرى ُفاَل نً ا؟قَ الُوا‪:‬يارس واَل للَّ ِه‪،‬بنُّيهالَّ ِذيرأَيتههلَ ِ‬
‫ك‪َ ،‬فلَقَي ُه النَّيِب ُّ َ‬ ‫َُ ُ َ َْ ُ َ َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َ َ‬
‫افُاَل ن‬ ‫ال‪:‬يَ‬‫َ‬ ‫ِه‪،‬مُثََّق‬ ‫َخَبَر ُهأَن َُّه َهلَ َك َف َعَّز ُاه َعلَْي‬ ‫ِ‬
‫أَهَلَُعْنُبَنيِّه‪،‬فَأ ْ‬ ‫فَ َس‬
‫َّعبِ ِهعُ ُمَر َكأ َْواَل تَأْتِيغَ ًداإِلَىبَامٍبِْنأ َْب َوابِاجْلَن َِّةإِاَّل َو َج ْدَت ُه َق ْد َس َب َق َكِإلَْي ِهَي ْفتَ ُح ُهلَك‬
‫َحبُِّإلَْي َكأَْنتَ َمت َ‬
‫ُ‪،‬أَمُّيَا َكانَأ َ‬
‫َحبُِّإيَلَّ‪،‬قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ك"(‪.)1‬‬ ‫ال‪:‬فَ َذا َكلَ َ‬ ‫‪،‬ب ْليَ ْسبِ ُقنيإلَىبَاباجْلَنَّة َفَي ْفتَ ُح َهاليلَ ُه َوأ َ‬ ‫ال‪:‬يَانَبِيَّاللَّه َ‬
‫َ‪،‬قَ َ‬
‫إن النف وس البش رية تك ون يف أض عف حاالهتا عن د املص ائب‪ ،‬خاص ة إذا ك ان املص اب يف‬
‫الول د‪ ،‬وهن ا ت أيت مش اعر الرمحة على املبتلى وختفي ف األمل عن ه وتس ليته كم اء ُزالل يطفئ‬
‫من نار األمل داخل النفوس‪ ،‬ويهدئ من روعها‪ ،‬خاصة إذا أتت هذه التسلية من رسول اهلل‬
‫‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بل تتجاوز العزاء والوصية بالصرب اجلميل‪ ،‬إىل البشارة بأعظم ما‬
‫يتطل ع إلي ه املرء يف حيات ه‪ ،‬وه و دخ ول اجلن ة‪ ،‬فهن ا يه ون املص اب ويص غر البالء‪ ،‬وترت اح‬
‫القلوب احملزونة‪.‬‬

‫"ومما جنده يف احلديث أنه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬افتقد َمن غاب عن َح ْلقته‪ ،‬وسأل عن‬
‫سبب غيابه‪ ،‬فتعرف على ذلك‪ ،‬ومل يقتصر على ذلك‪ ،‬بل سعى إىل إزالة ذلك السبب‪،‬‬
‫بش ره أن ابنه سيستقبله عند باب اجلنة الذي هو يتوجه إليه‪ ،‬فيفتحه له‪ ،‬فصلوات‬
‫حيث ّ‬
‫ريب وسالمه عليه(‪.)2‬‬

‫تعليم صاحب الدين" كيف يقضي َديْنه‪:‬‬

‫وقد يكون من األنسب أحيانا أن يوجه املريب املرتيب‪ ،‬ويعلمه طريقة حل املشكلة ويرتكه‬
‫يقوم بذلك بنفسه‪ ،‬ومن ذلك ما فعله ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬مع أيب أُمامة‪:‬‬

‫ة‪ ،2/3 ،‬رقم احلديث‬ ‫اب يف التعزي‬ ‫ائز‪ ،‬ب‬ ‫اب اجلن‬ ‫‪)(1‬ص حيح س نن النس ائي‪ ،‬كت‬
‫‪،،2087‬وقالعنهالعالمةاأللباين‪:‬حديثصحيح‪.‬‬

‫‪)(2‬إهلي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.251‬‬

‫‪72‬‬
‫ول اللَّ ِه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬ ‫ال‪َ :‬د َخ َل َر ُس ُ‬ ‫ي ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬قَ َ‬ ‫"عن أَيِب س عِ ٍ‬
‫يد اخْلُ ْد ِر ِّ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ال‪:‬يَا أَبَا أ َُم َام ةَ! َم ا يِل‬ ‫صا ِر يُ َق ُ‬
‫ال لَهُ‪ :‬أَبُو أ َُم َامةَ‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫ات َي ْوم الْ َم ْسج َد فَِإ َذا ُه َو بَِر ُج ٍل م ْن اأْل َنْ َ‬ ‫َذ َ‬
‫ول اللَّ ِه‪.‬‬‫وم لَ ِز َمْتيِن َو ُديُ و ٌن يَ ا َر ُس َ‬ ‫ت َّ ِ‬ ‫أَر َاك جالِس ا يِف الْمس ِج ِد يِف َغ ِ وقْ ِ‬
‫الص اَل ة؟! قَ َال‪ :‬مُهُ ٌ‬ ‫رْي َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ ً‬
‫ب اللَّهُ مَهَّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ال‪ :‬أَفَاَل أ َُعلِّ ُم َ‬
‫ت‪َ :‬بلَى يَا‬ ‫ال‪ُ :‬ق ْل ُ‬ ‫ك؟ قَ َ‬ ‫ك َد ْينَ َ‬ ‫ضى َعْن َ‬ ‫ك‪َ ،‬وقَ َ‬ ‫ك َكاَل ًما إ َذا ُق ْلتَهُ أَ ْذ َه َ‬ ‫قَ َ‬
‫ك ِم ْن اهْلَ ِّم َواحْلَ َز ِن‪،‬‬ ‫ت‪ :‬اللَّ ُه َّم إِيِّن أَعُ وذُ بِ َ‬
‫ت َوإِذَا أ َْم َس ْي َ‬ ‫َص بَ ْح َ‬ ‫ال‪ :‬قُ ْل إِذَا أ ْ‬ ‫ول اللَّ ِه ! قَ َ‬ ‫َر ُس َ‬
‫ك ِم ْن َغلَبَ ِة الدَّيْ ِن‬ ‫ك ِم ْن اجْلُنْب ِ َوالْبُ ْخ ِل‪َ ،‬وأَعُ وذُ بِ َ‬ ‫ك ِم ْن الْ َع ْج ِز َوالْ َك َس ِل‪َ ،‬وأَعُ وذُ بِ َ‬ ‫َوأَعُ وذُ بِ َ‬
‫ال‪َ :‬ف َفع ْل ِ‬ ‫و َقه ِر ِّ ِ‬
‫ضى َعيِّن َديْيِن "(‪.)1‬‬ ‫ب اللَّهُ َعَّز َو َج َّل مَهِّي‪َ ،‬وقَ َ‬ ‫ك‪ ،‬فَأَ ْذ َه َ‬ ‫ت َذل َ‬ ‫الر َجال‪ .‬قَ َ َ ُ‬ ‫َ ْ‬
‫الم‪-‬‬ ‫ان‪-‬عليهالصالةوالس‬ ‫ك‬
‫ِ‬
‫راحهمويواسيآالمهم‪،‬واليدعاهلمومتستفحلفتضعفالنفوس‪،‬ولذامليكتفرس‬ ‫يتابعأصحابه‪،‬فيداو ِجي‬
‫والهلل‪ -‬صلىاللهعليهوس لم‪ -‬مبعرفةس ببتغرّي أبيأمامةوحزنه‪،‬ومليرتك ه ‪-‬صلىاللهعليهوس لم‪-‬‬
‫يته‪،‬بلوجههبحكمة‬
‫ّ‬ ‫ده‪،‬وتؤثرعلىنفس‬ ‫هلمومهت ُفتفيعض‬
‫َ‬
‫ٍ‪،‬وعلّمهبلطفمنالذكروالدعاءمافيه َذهاهبمه‪،‬وعالمجشكلته‪.‬‬
‫َ‬
‫لم‪-‬‬ ‫ول‪-‬صلىاللهعليهوس‬ ‫وهذااحلديثالنبويالشريفبينفيهالرس‬
‫ةخالقهاعزوجل؛‬ ‫ةكيفتُعاجَل القلومبناهلمأواحلزن‪،‬فالقلوخبُلِقتلمعرف‬ ‫ألبيأمام‬
‫بحانه؛‬ ‫فهيالتسعدإالباللجؤإليهس‬
‫والترتاحإالبالقرمبنهواالس تعانةبه‪،‬ففيدعاءاللهسبحاهنواالس تغاثةهبتفرجيٌلكلكرب‪،‬وجناةٌمنكلهم‬
‫وحزن‪.‬‬

‫ومن عالجه‪-‬ص " ""لى اهلل علي " ""ه وس " ""لم‪ "-‬ألس " ""باب" الض " ""عف ال " ""تي تلم بأص " ""حابه توجي " ""هُ‬
‫الغضبان إلى ما فيه تسكين غضبه‪:‬‬

‫ب‬
‫اس تَ َّ‬ ‫ص َر ٍد قَ َ‬
‫ال‪ْ :‬‬
‫ٍ‬ ‫ش َع ْن َع ِد ِّ‬
‫ي بْ ِن ثَ ابِت َح َّدثَنَا ُس لَْي َما ُن بْ ُن ُ‬ ‫األع َم ِ‬
‫‪ -‬روى مس لم‪َ " :‬ع ِن ْ‬
‫الن ِعْن َد النَّيِب ِّ ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬فجعل أحدمها حتمر عين اه وتنتفخ أوداجه‪،‬قال‬ ‫رج ِ‬
‫َُ‬

‫‪ )(1‬س نن أيب داود‪ ،‬كت اب الص الة‪ ،‬ب اب يف االس تعاذة‪ ،1/1 ،‬رقم احلديث ‪ ،1555‬وس كت عن ه‪ ،‬وق د ق ال يف‬
‫رسالته ألهل مكة كل ما سكت عنه فهو صاحل‪ ،‬وضعفهالشيخاأللبانيفيضعيفسننأبيداود‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫ب َعْن هُ الذي جيد‪:‬أَعُ وذُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ :-‬إيِّن أَل َْعرف َكل َم ةً لَ ْو قَاهَلَا لَ َذ َه َ‬
‫االلرجل‪:‬وهل تَرى يب من جنُ ٍ‬ ‫ان َّ ِ‬
‫بِاللَّ ِه ِمن الشَّيطَ ِ‬
‫ون"(‪.)1‬‬ ‫ُ‬ ‫الرجي ِم‪َ ،‬ف َق َّ ُ‬ ‫َ ْ‬
‫ال ش ك أن الغض ب إذا اس تفحل ومتل ك من ص احبه يوقع ه يف كث ري من املش اكل‪ ،‬ويك ون‬
‫ص احبه يف أض عف حاالت ه‪ ،‬وه و أيض ا ص ورة من ص ور عج ز النفس عن الس يطرة على‬
‫رشده وصوابَه‪ ،‬فمن مض اره أن ه‬ ‫أفعاهلا؛ ألن بعض الن اس حينم ا يستبِ ُّد ب ه الغضب ي ِ‬
‫فق ُده َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬
‫يَسلب اإلنسا َن عقلَ ه‪ ،‬ويدفعه إىل السب‪ ،‬والسخرية‪ ،‬والتلفظ باأللفاظ اليت قد تُسبب له‬
‫ص الرس ول الك رمي‬ ‫احلس رة والندام ة فيم ا بع ُد‪ ،‬وق د تُس قطه من أعني الن اس؛ ومن مَثَّ َح َر َ‬
‫الغضب عن الرجل؛ حىت ال يأخ َذه إىل ما ال حُت َم د‬ ‫ِ‬ ‫‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬على َدفْ ع هذا‬
‫عُ ْقباه‪ ،‬وكان الرجل بالفعل قد بدأ ينجر بسبب غضبه إىل مشكالت مع َمن حوله‪ ،‬وبدأ‬
‫حل مشكلتِه بتسكني نار‬ ‫يسب أحد احلاضرين‪ ،‬فأراد الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪َّ -‬‬
‫ِ‬
‫الغضب يف نفسه‪.‬‬

‫"وقد بدأ احلديث بأسلوب التشويق‪ ،‬حيث أخرب بعلمه بالكلمة اليت تذهب الغضب دون‬
‫وب؛ ح ىت تق ع عبارتُ ه على عق ٍل يق ٍظ‬ ‫أن ي ذكرها مباش رة؛ لكي يع َّد النف َ‬
‫وس‪ ،‬وميه د القل َ‬
‫أوقع‬
‫النفوس عليه من أن الشيء إذا ذُكر مبهما مث بُنِّي َ ؛ كان َ‬
‫َ‬ ‫متفتح‪ ،‬ولِ َم ا طبَ ع اهلل‬
‫وذه ٍن ٍ‬‫ِ‬
‫فيها من أن يُبني أواًل "(‪.)2‬‬

‫ومغالبتها على عدم الغضب "ألن َت َعلُّ َم‬


‫وهذا فيه تربيةٌ لإلنسان املسلم على جُم اهدة النفس‪ُ ،‬‬
‫التحكم يف انفع ال الغض ب إمنا يُق وي إرادةَ اإلنس ان على التحكم يف مجي ع أه واء النفس‬
‫وش هواهتا‪ ،‬ومُي ِّكن اإلنس ا َن يف النهاي ة من أن يك ون مال ك نفس ه وس يدها وليس عب دا‬
‫النفعاالته‪ ،‬وأهوائِه وشهواتِه"(‪.)3‬‬

‫خاتمة المبحث‪:‬‬
‫‪)(1‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الرب والصلة‪ ،‬باب فضل من ميلك نفسه عند الغضب‪ ،‬وبأي شيء يذهب الغضب‪،4/5 ،‬‬
‫رقم احلديث ‪.2610‬‬

‫‪)(2‬إبراهيم‪ ،‬ناصرراضيالزهري‪،‬بالغةالرسولصلىاللهعليهوسلمفىتقويمأخطاءالناسوإصالحالمجتمع‪ ،‬ط‪( ،1‬القاهرة ‪:‬‬


‫دارالبصائر‪ 1429،‬هجرية‪ 2008-‬م‪ ،‬ص ‪.146‬‬

‫‪74‬‬
‫إن املش اكل واهلم وم وح االت الض عف من األم ور ال يت تُالزم البش ر يف حي اهتم‪ ،‬وتأخ ذ‬
‫بعض ص و ٍر هلا‪ ،‬على س بيل املث ال ال‬
‫اكتفيت يف ه ذا املبحث َبع ْرض ِ‬
‫ُ‬ ‫أش كاال ش ىت‪ ،‬وإمنا‬
‫احلصر؛ تأكيدا على أن الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬كان يُويِل اهتماما َ‬
‫أكرب ومتابع ةً‬
‫ِ‬
‫الضعف؛ ألن‬ ‫أشد لِ َمن يواجه مشكلةً تؤثّر على دينه أو دنياه‪ ،‬أو يعاين صور ًة من صور‬
‫َّ‬
‫الضعف فضال عن كونه ميثل عبئا ضاغطا على اإلنسان؛ فإنه أيضا يسبب ألَما يف نفسه‪،‬‬
‫والرس ول ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ك ان رحيم ا ب املؤمنني يف ك ل أح واهلم‪ ،‬وه و يف ح ال‬
‫أشد رمحة‪ ،‬ولذلك كان يعلّمنا أن نستعيذ باهلل من كل صور الضعف‪ ..‬فيقول‪:‬‬ ‫ضعفهم ُّ‬
‫ك ِم ْن َغلَبَة الدَّيْ ِن‪َ ،‬و َغلَبَة الْ َع َد ِّو‪َ ،‬ومَشَاتَِة اأْل َْع َد ِاء"(‪.)1‬‬
‫"اللَّ ُه َّم إِيِّن أَعُوذُ بِ َ‬
‫احلوادث أن ه ذه املتابع ة ك ان هلا م ا هلا من الت أثري اإلجيايب يف تث بيت دع ائ ِم حمب ِة‬
‫ُ‬ ‫وأثبتت‬
‫الصحابة لنبيهم ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وتدعيم دو ِرهم يف محْ ل الرسالة ونشر الدعوة يف‬
‫اآلفاق‪ ،‬واالقتداء به ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬فها هو أبو بكر يَطْ َمئِ ُّن على أخيه حنظل ةَ حني‬
‫يلقاه‪ ،‬ويقول له‪ :‬كيف أنت يا حنظلة؟(‪.)2‬‬

‫ويس ري س لما ُن على َد ْرب معلم ه ومربي ه الن يب حمم د ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬يف تفق د‬
‫إخوانه‪ ،‬ومساعدهتم يف حل مشاكلهم‪ ،‬فيتفقد أخاه أبا الدرداء‪ ،‬وحيل مشكلة أُسرية رمبا‬
‫كادت تُ ِ‬
‫فس ُد على بيت أىب الدرداء سعادته(‪.)3‬‬

‫وما أكثر ما ميكن أن خنسره من جهود وطاقات لشباب متميز انقطعوا عن املسار الرتبوي‬
‫َس َرى ملشاكلهم اخلاصة‪ ،‬أو التأخر عن تقدمي املساعدة‬
‫والنشاط الدعوي؛ بسبب تركهم أ ْ‬
‫املناسبة هلم‪.‬‬

‫‪ )(3‬جنايت‪ ،‬حمم د عثم ان‪ ،‬الح " ""ديث النب " ""وي وعلم النفس‪ ،‬ط‪(،6‬الق اهرة‪ :‬دار الش روق‪1427،‬هـ‪2006 -‬م)‪،‬‬
‫‪.1/123‬‬
‫‪)(1‬النس ائي‪ ،‬كت اب االس تعاذة‪ ،‬االس تعاذة من غلب ة ال دين‪ 265 /8 ،‬ح ديث رقم ‪ ،5475‬وأخرج ة األلب اين يف‬
‫صحيح سنن النسائي(‪ ،)5490‬وقال إسناده حسن ‪.‬‬
‫‪ )(2‬س نن الرتم ذي‪ ،‬كت اب ص فة القي ام والرق ائق وال ورع‪ )59( ،‬ب اب‪ ،1/1 ،‬رقم احلديث‪،2514‬‬
‫قاالحملدث‪:‬هذاحديثحسنغريب‪،‬وصححهالعالمةاأللباين‪.‬‬
‫‪)(3‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الصوم‪ ،‬باب من أقسم على أخيه ليفطر يف التطوع‪ ،1/4 ،‬رقم احلديث ‪.1968‬‬

‫‪75‬‬
‫فمن الض روري للم ريب أن يض ع يدي ه مبك را على املش كالت ذات األث ر العمي ق يف نفس ية‬
‫املرتيب‪ ،‬وهي تل ك املش كالت ال يت تتم يز باالس تمرارية‪ ،‬واتس اع مس احة تأثريه ا ال يت ق د‬
‫ف احلالة اإلميانية والنفسية للمرتيب‪ ،‬وتؤثر على مدى تفاعله‪ ،‬وسرعة تطوره‪ ،‬وحتتاج‬ ‫تُ ْ ِ‬
‫ضع ُ‬
‫س وحكم ٍة يف التعام ل معه ا؛ ألهنا تأخ ذ من املريب‬
‫تل ك النوعي ة من املش اكل إىل ط ول َن َف ٍ‬
‫فرتةً طويلةً لعالجها‪.‬‬

‫وليس مطلوب ا من املريب أن يت ابع ك َّل مش اكل املرتبني بنفس ه ويس تهلك ُج َّل وقت ه يف ه ذه‬
‫املهمة ‪-‬على أمهيتها‪ -‬وما يَعنيه ذلك من تقصري يف بقية َمهامه الرتبوية‪ ،‬ودوره الدعوي‪،‬‬
‫ص عُب على غريه أن يتدخل‬ ‫وإمنا يكفيه أن يتدخل يف املشاكل ذات الطبيعة اخلاصة‪ ،‬اليت يَ ْ‬
‫فيها‪ ،‬ويكتفي يف املشاكل األخرى بالتوجيه حلل املشكلة‪ ،‬ورفع املعنويات‪ ،‬والدعم النفسي‬
‫واملادي حسب طبيعة املشكلة‪.‬‬

‫مهومه ومشاكلَه وممارساته‪َ ،‬فيُعِينه‬ ‫العملي الذي يشارك فيه املريب املرتيب َ‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫اجلانب‬ ‫"ودون هذا‬
‫روحها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫يد العون عند تعثّ ره؛ َت ْفق ُد الرتبي ةُ َ‬
‫بتوجيهاته‪ ،‬ويفيض عليه من نورانيته‪ ،‬وميد له َ‬
‫وتق ل كثريا قيم ةُ الدروس النظرية اليت تعلّمها املرتيب على يد مربيه‪ ،‬وكثريا ما يؤول احلال‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬
‫أجوف ال َيثْبُت‬ ‫ف تربيتُ ه عند أعتاب التوجيهات النظرية ‪-‬على أمهيتها‪ -‬إىل ٍ‬
‫التزام‬ ‫ِ‬
‫مبن تَق ُ‬
‫عند فتنة‪ ،‬وال ي ِ‬
‫ثمُر عند حصاد"(‪.)1‬‬ ‫ُ‬
‫وهك ذا جيب أن تك ون املتابع ة الرتبوي ةُ وس يلةً لتحقي ق أه داف الرتبي ة اإلس المية‪ ،‬وحتري را‬
‫وه ِن وك ِّل أس باب االحنراف وتزكي ة للقلب؛ وتثبيت ا لإلميان يف‬ ‫للنف وس من الض عف وال ْ‬
‫لنفوس مَحَلة الرسالة‪ ،‬ووقاية من مسببات الفنت‪ ،‬وعالجا من كل صور‬ ‫ِ‬ ‫القلوب‪ ،‬وحتفيزا‬
‫وأسباب ِ‬
‫اهلموم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫العجز‬

‫‪)(1‬عادل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.109‬‬

‫‪76‬‬
‫الفصاللثاني"‬
‫أهمطرقالمنهجالنبويفيالمتابعة‬

‫‪77‬‬
‫تمهيد‬

‫ك ُّل وس ط ترب وي مهم ا كثُ ر م ا بني أف راده من تش ابه وتق ارب‪ ،‬إال أن ه من املس تحيل أن‬
‫تتطابق ظروف كل منهم‪ ،‬حيث إن البيئات املختلفة والثقافات املتنوعة‪ ،‬والطباع املتباينة‪،‬‬
‫تفرز نفوسا على الدرجة نفسها من االختالف والتنوع والتباين‪.‬‬

‫نفس ه على املريب كاعتب ار مهم يف تعامل ه م ع املدعوين ويف عالقت ه‬


‫االختالف يف رض َ‬
‫ُ‬ ‫وه ذا‬
‫هبم ووظائف ه معهم‪ ،‬خاص ة يف ط رق تواص له ومتابعت ه‪ ،‬ال يت جيب أال تق ف عن د طريق ة‬
‫واحدة أو أسلوب واحد‪.‬‬

‫ولشمول معىن الرتبية لك ل اجلوانب اليت حتتاج إىل عناية حىت تثمر أف رادا متميزين نفسيا‬
‫وعقلي ا وقلبي ا وس لوكيا‪ ،‬تع ددت ك ذلك اجلوانب ال يت حيت اج املريب إىل متابعته ا والت دخل‬
‫فيها بالتقومي‪ ،‬أو التعليم‪ ،‬أو التحفيز‪ ،‬أو الدعم واإلعانة‪.‬‬

‫والرس ول ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ك ان يعلّم أص حابه وي ربيهم‪ ،‬ويتفق د أح واهلم‪،‬‬
‫وال أص حابه واحتياج اهتم‪،‬‬
‫ويس اعدهم يف حل ول مش كالهتم‪ ،‬وي راعي يف ك ل ذل ك أح َ‬
‫وع املتابع ة‪ ،‬وخيت ار الطريق ة األفض ل مبا يتناس ب م ع ك ل‬
‫وي راعي شخص ية املت اب ِع‪ ،‬وموض َ‬
‫ذلك‪ ،‬ولذا تنوعت طُ ُرق متابعتِ ه هلم؛ ما بني املتابعة بسؤاهلم هلم‪ ،‬ومتابعة بالسؤال عنهم‪،‬‬
‫ومتابعة باملالحظة‪.‬‬

‫ورغم ه ذا التن وع يف املتابع ة إال أن الض ابط األس اس يف ذل ك كل ه ك ان حتقي ق اهلدف من‬
‫املتابعة‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫المبحثاألول‪ :‬المتابعةبالسؤالوإرسال الرسل‬

‫من خالل تتب ع ط رق الرس ول ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬يف متابعت ه ألص حابه عن طري ق‬
‫السؤال‪ ،‬اتضح أن سؤاله ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أصحابه كان يهدف لعدة أمور أمهها‪:‬‬

‫‪(-1‬يسأهلم)‪ :‬سؤال للتعليم أو التأكد من الفهم الصحيح لقضية من القضايا‪ ،‬أو لتصحيح‬
‫األخط اء واملف اهيم‪" ،‬ق ال اإلم ام الطي يب‪ :‬إن س ؤال الرس ول ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬من‬
‫للحث على االس تماع ملا يري د أن يُ ِلقي علي ه‪ ،‬أو‬
‫ّ‬ ‫الص حايب يف ب اب العلم؛ إم ا أن يك ون‬
‫ِ‬
‫الكشف عن مقدار فَهمه ومبلغ علمه"(‪.)1‬‬

‫‪( -2‬يس أل عنهم)‪ :‬س ؤال لالطمئن ان على احلال من ب اب الرعاي ة وتفق د األح وال‪ ،‬وه ذا‬
‫السؤال كان رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬كثريا ما يقوم به بنفسه‪ ،‬وقد ينيب َمن‬
‫أحد صحابته ليتفقد َمن غاب أو يأيت له خبربه‪.‬‬
‫يقوم عنه بالسؤال‪ ،‬فريسل َ‬
‫فليس كل الصحابة كانوا يستطيعون أن يَع ِرضوا على رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬
‫مشاكلَهم‪ ،‬أو يستشريوه فيما يُهمهم‪ ،‬فمنهم الذي مينعه حياؤه من ذلك‪ ،‬ومنهم الذي مل‬
‫حيم ل الرسول‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أعباءً زائدةً عن أعبائه الكثرية ‪-‬صلى‬ ‫يكن يريد أن ّ‬
‫اهلل عليه وسلم‪ -‬ولذا كان الرسول‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬مبا عُ ِه د عنه من رمحة بأصحابه‬
‫أحدهم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫السؤال عنهم إذا افتقد َ‬ ‫وحب هلم وحرص عليهم‪ ،‬يُبادر بسؤاهلم عن أحواهلم أو‬
‫ٍّ‬
‫ومن النوع األول" (يسألهم)‪ ":‬سؤاال للتعليم أو التأكد من الفهم الصحيح‬

‫وتصحيح األخطاء والمفاهيم‬

‫سؤال للتعليم‪:‬‬

‫َّاس َكَن َفتَهُ‪،‬‬ ‫"روى جابِ ِربنِعب ِداللَّ ِهأَنَّرس واَل للَّ ِه ‪-‬صلىاللهعليهوس لم‪ -‬مَّربِ ُّ ِ‬
‫الس وق‪َ ،‬والن ُ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َ َ َ ْ َْ‬
‫ال‪:‬أَيُّ ُك ْميُ ِحبُّأَن ََّه َذاهَلُبِ ِد ْر َه ٍم؟‪.‬‬
‫َ‬ ‫َخ َذبِأُذُنِ ِه‪،‬مُثََّق‬ ‫ٍ‬
‫َس َّك َميِّت‪َ ،‬فَتنَ َاولَ هُ‪،‬فَأ َ‬
‫ٍ‬
‫فَ َمَّرجِب َ ْدىأ َ‬

‫‪)(1‬إهلي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.234‬‬

‫‪79‬‬
‫وا‪:‬واللَّ ِهلَ ْو َكاحَنَيًّا َكا َن َعْيبًافِي ِه؛‬ ‫َف َق الُوا‪:‬ماحُنِ بُّأَنَّهلَنَابِ َشى ٍءومانَص َنعبِ ِه؟قَ َ ِ‬
‫َّهلَ ُك ْم‪ .‬قَ الُ َ‬‫ال‪:‬أَحُت بُّونَ أَن ُ‬ ‫ْ ََ ْ ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫لد ْنيَاأ َْه َونُ َعلَىاللَّ ِهمْن َه َذ َ‬
‫اعلَْي ُك ْم"(‪.)1‬‬ ‫ال‪َ :‬ف َواللَّ ِهلَ ُّ‬
‫ت! َف َق َ‬
‫ك‪،‬فَ َكْي َف َو ُه َو َميِّ ٌ‬
‫َس ُّ‬
‫ألَن َُّهأ َ‬
‫احلديث الش ريف؛ تعليم ا‬ ‫ِ‬ ‫ؤال يف ه ذا‬ ‫ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬اس تخدم الس َ‬ ‫فرس ُ‬
‫بطريقة مؤثر ٍة‪ ،‬وتوضيحا هلم ‪-‬بأسلوب ال جند له نظريا‪ -‬حقيق ةَ الدنيا‪ ،‬وقدرها‬ ‫ٍ‬ ‫ألصحابه‬
‫عند اهلل سبحانه‪.‬‬

‫وع األُذنني‬
‫"أس لوب ح واري عملي ي رى رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ج ديا مقط َ‬
‫ميت ا‪ ،‬ت زكم رائحت ه األن وف‪ ،‬ميس كه من إح دى أذني ه ويَع ِرض ه على أص حابه أن يش رتوه‬
‫فيأب ْون‪ ،‬وماذا يفعلون جبيفة قذرة؟‪ ...‬لو كان حيًّا وهو مقطوع األذنني ما رغبوا‬
‫بدرهم‪َ ،‬‬
‫فيه‪ ..‬فكيف وهو ميت؟‪.‬‬

‫حني يصلون إىل هذا القرار يَعِظُهم النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬فيخرج الدنيا من قلوهبم‪،‬‬
‫الكافر منها جرعةَ ماء(‪.)2‬‬
‫إهنا ال تساوي جناح بعوضة عند اهلل‪ ،‬وإال ما كان َس َقى َ‬
‫السؤال" عن شجرة هي مثل المسلم‪:‬‬

‫واُل للَّ ِه‬ ‫ال‪ :‬قَالََقالََر ُس‬‫َ‬ ‫ا‪ -‬قَ‬ ‫َي اهللُ َعْن ُه َم‬ ‫‪-‬ر ِض‬‫َر َ‬ ‫"ع ِن ابْ ِن عُ َم‬
‫َ‬
‫اه َى؟‪.‬‬ ‫‪-‬صلَّىاللهعلَي ِهوس لَّم‪:-‬إِمَّنِنالشَّج ِرشجرةًالَيس ُقطُور ُقها‪،‬وإِنَّهامثاُل لْمس لِ ِم‪،‬فَح ِّدثُونِىم ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ ْ َ َ َ َ َ َ ََ َ ْ َ َ َ َ َ ََ ُ ْ‬
‫تَ ْحَيْيت‬ ‫اس‬
‫َّخلَةُ‪،‬فَ ْ‬ ‫ىأَن ََّهاالن ْ‬ ‫‪:‬و َو َق َع ِف َىن ْف ِس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َج ِرالَْب َوادى‪ .‬قَالَ َعْب ُداللَّه َ‬ ‫ىش‬
‫َّاسف َ‬
‫َفو َقعالن ِ‬
‫َ َ ُ‬
‫اهىيارسواَل للَّ ِه؟قَ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‪،‬مُثََّقالُ َ‬
‫(‪)3‬‬
‫َّخلَةُ" ‪.‬‬ ‫ال‪:‬هىَالن ْ‬ ‫وا‪:‬ح ِّد ْثنَ َام َ َ َ ُ‬

‫‪)(1‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الزهد‪ ،‬باب الدنيا سجن املؤمن وجنة الكافر‪ ،4/5 ،‬رقم احلديث ‪ ،2957‬وقوله‪ :‬والناس‬
‫كنفته أى حوله‪ ،‬وقوله‪ :‬أسك‪ ،‬صغري األذنني‪.‬‬

‫‪ )(2‬فريد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 158-157‬نقال عن‪ :‬مكانسي‪ ،‬عثمان قدري‪ ،‬الرتبية النبوية‪ ،‬ط‪ .‬ابن حزم‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫إهنا ال تساوى جناح بعوضة عند اهلل‪ ،‬من حديث سهل بن سعد رضي اهلل عنه عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫وض ٍة َم ا َس َقى َك افًِرا ِمْن َه ا َش ْربَةَ َم ٍاء"سنن الرتمذي‪ ،‬كِتَ اب ُّ‬
‫الز ْه ِد َع ْن‬ ‫اح َبعُ َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ت ُّ‬
‫الد ْنيَا َت ْع د ُل عْن َد اهلل َجنَ َ‬
‫قال‪" :‬لَو َكانَ ِ‬
‫ْ‬
‫الد ْنيَا َعلَى اللَّ ِه َع َّز َو َج َّل‪ ،1/1 ،‬رقم احلديث ‪ ،2320‬قال‬ ‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ ،‬بَاب َم ا َج اءَ يِف َه َو ِان ُّ‬
‫َ‬
‫ول اللَّ ِ‬
‫ه‬ ‫رس ِ‬
‫َُ‬
‫احملدث‪:‬هذاحديثصحيحغريبمنهذاالوجه‪،‬وصححهالعالمةاأللباين‪.‬‬
‫‪ )(3‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب طرح اإلمام املسألة ليخترب ما عندهم من العلم‪ ،1/4 ،‬رقم احلديث ‪.62‬‬

‫‪80‬‬
‫ومما جنده يف احلديث أنه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بدأ باستفسار الصحابة عن الشجرة اليت‬
‫احلديث يف أماكنع دة من كتاب ه‪ ،‬وت رجم‬
‫َ‬ ‫اري ه ذا‬
‫هي مث ل املس لم‪ ،‬وق د ذك ر اإلم ام البخ ُّ‬
‫عليه يف مكان بقوله‪:‬‬

‫[باب‪ :‬طَْرح اإلمام املسألة على أصحابه ليخترب ما عندهم من العلم]‪.‬‬

‫وقال العالمة العيين(‪)1‬تعليقا على احلديث‪" :‬فيه استحباب إلقاء العامل املسألة على أصحابه؛‬
‫ليخترب أفهامهم‪ ،‬وير ّغبهم يف الفكر"‪.‬‬

‫وترجم عليه اإلمام البخاري يف مقام آخر من كتابه بقوله‪:‬‬

‫[باب‪ :‬ال َف ْهم يف العلم]‪.‬‬

‫ا على احلديث‪:‬‬ ‫ظ ابن حجر تعليق‬ ‫ال احلاف‬ ‫وق‬


‫"فيهامتحانالعاملأذهانالطلبةمباخيفىمعبياهنلهمإنلميفهموه(‪.)2‬‬

‫سؤال للتأكد من صحة الفهم‬

‫السؤال" عن الغيبة‪":‬‬

‫ال‪:‬أَتَ ْد ُرومَنَاالْغِيبَ ةُ؟‪ .‬قَ الُوا‪:‬اللَّ ُه َو َر ُس وهُلُأ َْعلَ ُم‪.‬‬


‫ىالله َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪ -‬قَ َ‬
‫‪-‬صلَّ ُ‬
‫ِ‬
‫"عْنأَبِ ُىهَر ْيَرةَأَنََّر ُس واَل للَّه َ‬ ‫َ‬
‫ال‪:‬إِنْ َكانَِفي ِه َماَت ُقولَُف َق ِدا ْغتَْبتَه‬
‫ول؟قَ َ‬ ‫ىم اأَقُ ُ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪:‬ذ ْكر َكأ َ ِ‬
‫َخا َكب َم ايَكَْرهُ‪ .‬قي َل‪:‬أََفَرأ َْيتَإنْ َكانَفىأَخ َ‬ ‫ال ُ‬
‫قَ َ ِ‬
‫ُ‪،‬وإِ ْنلَ ْميَ ُكْن ِفي ِه َف َق ْد َب َهتَّهُ"(‪.)3‬‬
‫َ‬

‫هوالعالمةاملؤرخاحمل ّدمثحمودبنأمحدبنموسىبنأمحد‪،‬أبوحممد‪،‬بدرالدينالعينىاحلنفي‪ ،‬أصلهمنحلبومولدهسنة (‪ )762‬هـ‪.‬‬


‫ّ‬ ‫‪)(1‬‬
‫(الضوءالالمعللسخاوي)‪.‬‬

‫‪)(2‬ابن حجر‪ ،‬مرجع سابق‪.1/295 ،‬‬


‫‪)(3‬صحيح مسلم ‪ -‬كتاب الرب والصلة واآلداب‪ -‬باب حترمي الغيبة‪ ،4/5 ،‬رقم احلديث ‪.2589‬‬

‫‪81‬‬
‫السؤال على الصحابة عن الغيبة قبل‬
‫َ‬ ‫ومما جنده يف احلديث أنه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ألقى‬
‫حيرض على الفكر‪ ،‬وير ّغب يف الفهم‪ ،‬وحيث‬‫إخبارهم حبقيقتها‪ ،‬وهذا األسلوب بال شك ّ‬
‫على االهتمام مبعرفة حقيقة املسئول عنه(‪.)4‬‬

‫يكذب على أخيه‪ ،‬وأن ما‬ ‫الغيبة‪ ،‬ويقع فيها‪ ،‬حبجة أنه ال ِ‬
‫وبعض الناس قد خيتلط عليه أمر ِ‬
‫ُ‬
‫وسوء الفهم يف قول أحد اجللوس مع رس ول اهلل‬‫يقوله يف حقه صدقا‪ ،‬وقد ظهر هذا اخللط ُ‬
‫رأيت إن ك ان يف أخي م ا أق ول؟"‪ ،‬فك ان من‬
‫‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬عن دما س أله‪" :‬أف َ‬
‫يوض ح هلم املعىن احلقيقي للغيبة‪،‬‬
‫حكمته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬املبادرة إىل سؤاهلم؛ حىت ّ‬
‫البعض يف الغيبة حتت مربر صدق احلكم على اآلخرين‪.‬‬
‫َ‬ ‫ويدفع الشبهةَ اليت قد تُوقِ ُع‬

‫سؤال الرسول" ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬لمعاذ عن القضاء امتحانا له‪:‬‬

‫روى أبو داودعن احلارث بن عمرو ابن أخي املغرية بن شعبة عن أناس من أهل محص من‬
‫ىالله َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪ -‬لَ َّماأ ََر َادأَْنيَْب َعثَ ُم َعاذًاإِلَى الْيَ َم ِن‪،‬قَ ال‬ ‫ِ‬
‫‪-‬صلَّ ُ‬
‫أص حاب مع اذ بن جب ل"أَنََّر ُس واَل للَّه َ‬
‫ال‪:‬فَبِ ُسن َِّة َر ُس واِل للَّ ِه‬ ‫ض ىبِ ِكتَابِاللَّ ِه‪ .‬قَ َال‪:‬فَِإ ْنلَمتَ ِج ْدفِ ِ‬
‫ىكتَابِاللَّ ِه؟قَ َ‬ ‫ال‪:‬أَقْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ض اءٌ؟قَ َ‬ ‫ضلَ َك َق َ‬
‫اعَر َ‬ ‫َ‪َ :‬كْي َفَت ْقضىِإ َذ َ‬
‫ال‪:‬فَِإ ْنلَمتَ ِج ْدفِىسن َِّةرس واِل للَّ ِه ‪-‬صلَّىاللهعلَي ِهوس لَّم‪ -‬والَفِ ِ‬
‫ىكتَابِاللَّ ِه‪.‬‬ ‫َ َُ ْ َ َ َ َ‬ ‫ُ َُ‬ ‫ىالله َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪ .-‬قَ َ ْ‬ ‫‪-‬صلَّ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫‪،‬وقَ ال‬ ‫ص ْد َرهُ َ‬ ‫ىالله َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪َ -‬‬ ‫‪-‬صلَّ ُ‬ ‫ضَر َبَر ُس واُل للَّه َ‬ ‫َجتَ ِه ُد َرأْيِ َىوالَآلُو‪ .‬فَ َ‬ ‫قَ َال‪:‬أ ْ‬
‫َ‪:‬احْلَ ْم ُدلِلَّ ِهالَّ ِذ َىو َّف َقَر ُسولََر ُسواِل للَّ ِهلِ َمايُْر ِض َىر ُسواَل للَّ ِه"(‪.)2‬‬

‫ألهل اليمن‪ ،‬ولَ َّما‬ ‫فرسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أراد أن يرسل معاذا ملهمة القضاء ِ‬
‫صاحب‬ ‫كل ٍ‬
‫أحد‪ ،‬واخلطأ يف القضاء إذا مل َي ُق ْم‬ ‫كانت املهمة خطرية‪ ،‬والقضاء ال حُي ِس نه ُّ‬
‫ُ‬

‫‪)(4‬إهلي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.123-122‬‬

‫‪)(2‬سنن أيب داود‪ ،‬كتاب األقضية‪ ،‬باب اجتهاد الرأي يف القضاء‪ ،3592 ،1/1 ،‬ورواه أمحد والرتمذي‪ ،‬وقد ضعفه‬
‫مجع من أه ل العلم‪ ،‬وص ححه بعض هم ك ابن عب د ال رب‪ ،‬وابن القيم‪ ،‬وق ال عن ه ابن تيمي ة يف جمم وع الفت اوى [‬
‫‪ ،]13/364‬وابن قيم يف إعالم املوقعني وابن الع ريب يف عارض ة األح وذي "وال دين الق ول بص حته؛ إذ إن ه ح ديث‬
‫مشهور"‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫ه ذا املنص ب اخلط ري مبا أوجب ه الش رع‪ ،‬ومل ي ؤد احلق في ه؛ فإن ه يع ّرض نفس ه خلط ر عظيم‬
‫ووزر كبري‪ ،‬لذا أراد رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أن ميتحن مدى حسن معرفة معاذ‬
‫ؤال؛ ليخت رب َج ودة فهم ه ألص ول‬ ‫بقواع د القض اء‪ ،‬فاعتم د ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬الس َ‬
‫القض اء‪ ،‬واس تمر ‪-‬علي ه الص الة والس الم‪ -‬يف س ؤاله س ؤاال بع د س ؤال‪ ،‬ح ىت اطم أن إىل‬
‫تدالل‪ ،‬وعلم القض ِاء‪ ،‬وأق ّر مع اذا على ممارس ة‬
‫إحاط ِة مع اذ ومعرفتِ ه العميق ِة بأص ول االس ِ‬
‫ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه‬
‫أرض ى مع اذٌ رس َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مهم ة االجته اد واالس تنباط من النص وص‪،‬فق د َ‬
‫حكم ىف كتاب وال سنة‪،‬‬ ‫وسلم‪ -‬حني قال له "إنه جيتهد فيما يعرض عليه"‪ ،‬مما ليس فيه ٌ‬
‫دليل على أن االجتهاد وسيلة من وسائل استنباط األحكام ىف الشريعة اإلسالمية‪.‬‬‫وهذا ٌ‬
‫سؤال لتصحيح المفهوم‪:‬‬

‫سؤاله ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ "-‬لتقويم خطأ التسرع في الحكم واالنخداع بالظاهر‪:‬‬

‫‪-‬ر ُج ٌل‪َ ،‬ف َق ااَل لنَّيِب ُّ‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ي‪ ،‬قَ ال‪َ َ:‬مَّر َعلَ َىر ُس واِل للَّه َ‬
‫‪-‬صلَّىاللَّ ُه َعلَْيه َو َس لَّ َم َ‬ ‫اع ِد ِّ‬ ‫"ع ْن َس ْه ِل بْ ِن َس ْع ٍد َّ‬
‫الس ِ‬
‫َ‬
‫َش َرفِالنَّاس‬ ‫‪:‬ه َذ ِامْنأ ْ‬ ‫ول َ‬ ‫وا‪:‬رأْيَ َك ِف َيه َذا‪،‬نَ ُق ُ‬ ‫االر ُج ِل؟قَ الُ َ‬ ‫‪:-‬ماَت ُقولُونَِف َيه َذ َّ‬ ‫صلَّىاللَّ ُه َعلَْي ِه َو َس لَّ َم َ‬ ‫َ‬
‫ِ ِِ‬
‫‪،‬وإِ ْن َقاأَل َْنيُ ْس َم َعل َق ْوله‪،‬فَ َس َكتَالنَّيِب ُّ َ‬
‫‪-‬صلَّىاللَّ ُه َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪-‬‬ ‫َّع َ‬
‫ِ‪،‬ه َذاح ِريٌِّإخْن َطَبَأَْنيُ َخطَّب ِ‬
‫‪،‬وإنْ َش َف َعأَْنيُ َش ف َ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫‪:-‬ماَت ُقولُونَِف َيه َذا؟قَ الُوا‪َ :‬ن ُقولَُواللَّ ِهيَ َار ُس واَل للَّه‬ ‫‪-‬صلَّىاللَّ ُه َعلَْي ِه َو َس لَّ َم َ‬
‫َو َمَّر َر ُجآٌل َخ ُر‪َ ،‬ف َق ااَل لنَّيِب ُّ َ‬
‫‪،‬وإِ ْن َقالَاَل يُ ْس َم ْعلِ َق ْولِِه‪َ ،‬ف َق ااَل لنَّيِب ُّ‪-‬‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫‪،‬وإِنْ َش َف َعاَل يُ َش ف ْ‬
‫َّع َ‬
‫‪،‬ه َذ ِ‬
‫اح ِريٌّإخْن َطََبلَ ْمُيْن َك ْح َ‬
‫ني َ َ‬ ‫ِ‪:‬ه َذامْن ُف َقَراءالْ ُم ْس لم َ‬ ‫َ‬
‫اخْيٌر ِمْن ِم ْل ِءاأْل َْر ِض ِم ْثلَ َه َذا"(‪.)1‬‬
‫صلَّىاللَّ ُه َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪:-‬هَلََذ َ‬
‫َ‬
‫التسرع يف احلكم‪ ،‬واالخنداع‬
‫ِ‬ ‫الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يف هذا احلديث خط أَ‬‫ُ‬ ‫يُبني‬
‫معايري النظر للناس والنظرة إليهم‪ ،‬وأن املظهر ليس مقياسا عند اهلل؛ ألن‬
‫بالظاهر‪ ،‬ويُصحح َ‬
‫ِ‬
‫واألجسام‪ ،‬ولكن ينظر إىل القلوب واألعمال‪.‬‬ ‫اهلل ال َيْنظُر إىل الصور‬

‫قرر الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬هذا املعىن بأسلوب علمي عملي يتسم بالدقة والفطنة‬
‫والبالغة العالية‪.‬‬

‫‪)(1‬سنن ابن ماجه‪ ،‬كتاب الزهد‪ ،‬باب فضل الفقراء‪ ،2/2 ،‬رقم احلديث ‪ ،4120‬وصححه العالمةاأللباين فيصحيح‬
‫سنن ابن ماجه(‪.)3342‬‬

‫‪83‬‬
‫"م ا‬
‫"فقد بدأ احلديث بأسلوب االستفهام املرتبط باحلدث يف قوله ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪َ :-‬‬
‫ك يِف َه َذا"‪ ،‬والغ رض من االس تفهام ه و االختب ار والتنبي ه بقص د تص حيح املفه وم‪،‬‬ ‫َرأْيُ َ‬
‫وس ؤال الرس ول ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬للص حايب هبذه الطريق ة حَتْ ِري ٌ‬
‫ك للتص ور اخلاطئ‬
‫للحكم على الن اس من خالل املظ اهر؛ متهي ًدا إلزالت ه‪ ،‬وإثب ات املفه وم الص حيح يف احلكم‬
‫على اآلخرين دون االندفاع وراء املظهر‪ ،‬فهو خدَّاعٌ‪.‬‬

‫مث ع اد وك رر الس ؤال نفس ه م ع تغ اير املس ئول عن ه؛ فاملس ئول عن ه يف االس تفهام األول‬
‫سن املظهر‪ ،‬ذو هيئة يف الناس كما وصفه الصحايب يف رده على الرسول ‪-‬صلى‬ ‫شخص َح ُ‬
‫ٌ‬
‫اهلل عليه وسلم‪ -‬واملسئول عنه يف الثاين هو شخص فقري ال يُقام له وز ٌن‪.‬‬

‫البليغ بني السؤالني‪ ،‬حيث إنه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بعد أن ِمس َع إجابة‬
‫مث جاء الصمت ُ‬
‫الصحايب س َكت فرتة زمني ةً دل على ذلك تعبريُ الراوي بـ(مث) ‪-‬داللة على الرتاخي‪ -‬الدال‬
‫على فرتة معينة ترك الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬الصحايب يبحث يف عقله‪ ،‬ويستفرغ‬
‫ك َّل م ا يف نفس ه عن تص وره يف احلكم على الشخص ية دون أن يعلّ ق على إجابت ه‪ ،‬وكأن ه‬
‫أقرها‪.‬‬

‫السؤال مرة أخرى على شخصية مغاير ٍة لألوىل‪ ،‬وبذلك‬


‫َ‬ ‫حىت مر رجل آخر‪ ،‬مث أعاد عليه‬
‫وضع النموذجني يف عقل الصحايب‪ ،‬واستخرج تصوره عن كل شخصية؛ استعدادا لتقرير‬ ‫َ‬
‫املعىن املراد‪.‬‬

‫املفهوم الصحيح واملقياس األَويل يف احلكم‬ ‫َ‬ ‫ْم ه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬مقررا‬
‫مث جاء ُحك ُ‬
‫تصور الصحايب يف قوله ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪" -‬هَلَ َذا َخْي ٌر ِم ْن ِم ْل ِء‬
‫على الناس‪ ،‬مصححا َ‬
‫اأْل َْر ِض ِمثْ َل َه َذ"‪.‬‬

‫وإشارة الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يف بداية احلديث "هَلَ َذا َخْي ٌر"؛ لتمييزه أكمل متييز‬
‫م ع م ا فيه ا من تعظيم ل ه‪ ،‬واإلش ارة يف هناي ة احلديث فيه ا حتق ري للمش ار إلي ه رغم حس ن‬
‫هيئته‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫وهبذا يق رر الرس ول ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬تقري ًرا عمليًّا من خالل النم وذج احلي خط أ‬
‫احلكم على املظاهر"(‪.)1‬‬

‫تصحيح معنى اإلفالس‪:‬‬

‫ىالله َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪ -‬قَ ال‬ ‫ِ‬


‫‪-‬صلَّ ُ‬ ‫روى اإلم ام مس لم عن أيب هري رة رض ي اهلل عن ه "أَنََّر ُس واَل للَّه َ‬
‫ال‬ ‫اع‪َ .‬ف َق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الُوا‪:‬الْ ُم ْفلِ ُس‬ ‫ْدرومَنَاالْم ْفلِ‬ ‫َ‪:‬أَتَ‬
‫فينَ َامْنالَد ْرمَهَلَ ُه َوالََمتَ َ‬ ‫س؟‪ .‬قَ‬ ‫ُ ُ ُ‬
‫يَ ٍام َو َز َكاة‬ ‫صالٍَة َو ِص‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫َ‪:‬إِنَّالْ ُم ْفل َسمْنأ َُّمتىيَأْت َىي ْو َمالْقيَ َامةبِ َ‬
‫نَاتِه‬ ‫َر َب َه َذا‪َ ،‬فُي ْعطَ َىه َذ ِامْن َح َس‬ ‫ِ‬
‫ٍ‪،‬ويَأْتى َق ْد َشتَ َم َه َذ َاوقَ َذ َف َه َذ َاوأَ َكلَ َماهَلََذ َاو َس َف َك َد َم َه َذ َاو َ‬
‫ض‬ ‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‪،‬و َه َذ ِامْن َح َس‬
‫اه ْم‪،‬فَطُِر َحْت َعلَْيه‬‫اعلَْي ِهأُخ َذمْن َخطَايَ ُ‬ ‫ىم َ‬ ‫َ‬ ‫ض‬‫نَاته‪،‬فَِإ ْن َفنيَْت َح َسنَا ُت ُه َقْبأَل َْنُي ْق َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‪،‬مُثَّطُِر َحفىالنَّار" ‪.‬‬
‫ِ (‪) 2‬‬

‫ومما نش اهده يف احلديث أن ه ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ب دأ بس ؤال الص حابة عن املفلس‪،‬‬
‫فأج اب الص حابة‪ ،‬ومل يص يبوا‪ ،‬مث أخ ربهم ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬عن املفلس حقيق ة‪،‬‬
‫لهمالومنقلماله؛فالناسيسموهنمفلس ا‪،‬وليس هوحقيقةاملفلس؛‬
‫َ‬ ‫ووي‪..:‬وأمامنليس‬
‫َ‬ ‫"يقواللن‬
‫ألهنذاأمريزولوينقطعبموته‪،‬ورمباينقطعبيسارحيصللهبعدذلكفيحياته‪،‬وإمناحقيقةاملفلسهذااملذكو‬
‫رمائه‪،‬فإذافرغتحسناهُت‬ ‫غ‬‫رفياحلديث‪،‬فهواهلالكاهلالكالتامواملعدوماإلعداماملقطع‪،‬فتؤخذحسناهتلِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ُخذمنسيئاهتمفوضععليه‪،‬مثألقيفيالنار‪،‬فتمتخسارهتوهالكهوإفالسه(‪.)3‬‬‫أِ‬

‫سؤال لتصحيح خطأ‪:‬‬

‫‪-‬ص لَّى اللَّهُ‬


‫ت النَّيِب َّ َ‬ ‫اهلِ ِّي َع ْن أَبِي ِه أو َع ْن َع ِّم ِه‪ ،‬قَ َ‬
‫ال‪ :‬أََتْي ُ‬
‫الس لِ ِيل عن أَيِب جُمِ يب ةَ الْب ِ‬
‫َ َ‬ ‫" َع ْن أَيِب َّ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ت‪ :‬يَ ا نَيِب َّ اللَّ ِه‪ ،‬أَنَ ا َّ‬ ‫ِ‬
‫ال‪ :‬فَ َم ا يِل أ ََرى‬‫ك َع َام األول‪.‬قَ َ‬ ‫الر ُج ُل الَّذي أََتْيتُ َ‬ ‫َعلَْي ه َو َس لَّ َم‪َ -‬ف ُق ْل ُ‬

‫‪)(1‬إبراهيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.177-176‬‬

‫‪)(2‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الرب والصلة واآلداب‪ ،‬باب حترمي الظلم‪ ،4/5 ،‬رقم احلديث ‪.2581‬‬

‫‪)(3‬النووي‪،‬مرجعسابق‪.136 /16،‬‬

‫‪85‬‬
‫َّه ا ِر َم ا أَ َك ْلتُهُ إِاَّل بِاللَّْي ِل‪ .‬قَ َال‪َ :‬م ْن‬ ‫احاًل ‪ .‬قَ َال‪ :‬يا رس َ ِ‬ ‫ك نَ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت طَ َع ًام ا بِالن َ‬ ‫ول اللَّه‪َ ،‬م ا أَ َك ْل ُ‬ ‫َ َُ‬ ‫ج ْس َم َ‬
‫الص رْبِ َو َي ْو ًم ا‬
‫ص ْم َش ْهَر َّ‬ ‫ال‪ُ :‬‬ ‫ول اللَّ ِه‪ ،‬إِيِّن أَْق َوى‪ .‬قَ َ‬ ‫ت‪ :‬يَ ا َر ُس َ‬ ‫ك؟‪ُ .‬ق ْل ُ‬ ‫ب َن ْف َس َ‬ ‫أ ََم َر َك أَ ْن ُت َع ِّذ َ‬
‫ص ْم‬‫ال‪ُ :‬‬ ‫ت‪ :‬إِيِّن أَْق َوى‪ .‬قَ َ‬ ‫الص رْبِ َو َي ْو َمنْي ِ َب ْع َدهُ‪ُ .‬ق ْل ُ‬
‫ص ْم َش ْهَر َّ‬ ‫ت‪ :‬إِيِّن أَْق َوى‪ .‬قَ َال‪ُ :‬‬ ‫َب ْع َدهُ‪ُ .‬ق ْل ُ‬
‫ص ْم أَ ْش ُهَر احْلُُرِم"(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬
‫الصرْبِ َوثَاَل ثَةَ أَيَّام َب ْع َدهُ‪َ ،‬و ُ‬
‫َش ْهَر َّ‬
‫اخلط أ ال ذي وق ع في ه الص حايب"ع دم التزام ه هبدي رس ول اهلل‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪-‬يف‬
‫ض عُف وهزل‪ ،‬كما‬ ‫العبادة‪ ،‬مما أدى إىل الغلو والتنطع يف الدين‪ ،‬فأثّر ذلك على جسمه‪ ،‬فَ َ‬
‫"م ه! َعلَْي ُك ْم‬
‫أنه عذب نفسه ومحّلها فوق طاقتها‪ ،‬والرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يقول‪َ :‬‬
‫مِب َا تُ ِطي ُقو َن‪َ ،‬فو ِ‬
‫اهلل اَل مَيَ ُّل اهللُ َحىَّت مَتَلًّوا"(‪.)2‬‬ ‫َ‬
‫"مه! َعلَْي ُك ْم َما تُ ِطي ُقو َن ِم َن اأْل َْع َم ِال؛ فَِإ َّن اهللَ اَل مَيَ ُّل َحىَّت مَتَلُّوا"(‪.)3‬‬
‫ويف رواية‪َ :‬‬
‫وك ان التق ومي النب وي للخط أ عن طري ق الس ؤال عن ض عف جس مه وخمالفت ه‪ ،‬مث الزج ر‬
‫واإلنك ار علي ه‪ ،‬م ع بي ان أن حقيق ة التق رب إىل اهلل تع اىل التوس ط واالعت دال يف العب ادة ال‬
‫تعذيب النفس وإهالكها‪ ،‬مث أمره باالقتصار على صيام شهر رمضان وثالثة أيام من كل‬
‫شهر‪.‬‬

‫ي الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يف أمر العبادات والطاعات‪ ،‬فيجب على‬ ‫هذا هو َه ْد ُ‬
‫الداعي ة إىل اهلل االقت داء بالرس ول ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬يف التوس ط واالعت دال يف‬
‫العبادات والنوافل‪ ،‬وإن االقتصاد يف ُسنة خريٌ من اجتهاد يف بدعة‪...‬‬

‫‪)(1‬سنن ابن ماجه‪ ،‬كتاب الصيام‪ ،‬باب صيام أشهر احلرم‪ ،1/2 ،‬رقم احلديث ‪،،1741‬واحلديثضعفهالعالمةاأللباين‬
‫يف ضعيف سنن ابن ماجة‪.‬‬
‫‪)(2‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب اإلميان‪ ،‬باب‪ :‬أحب الدين إىل اهلل أدومه‪ ،1/4 ،‬رقم احلديث ‪.43‬‬
‫‪)(3‬جزء من حديث أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب التهجد‪ ،‬باب‪ :‬ما يكره من التشدد يف العبادة‪ ،1/4 ،‬رقم‬
‫احلديث ‪.1151‬‬

‫‪86‬‬
‫دال يف نف وس‬ ‫وال ذي نري د من املريب أن يعم ل جه َده على ترس يخ مب دأ القص ِد واالعت ِ‬
‫ُ‬
‫املتعلمني‪ ،‬وأن يَلتزموا طريق ةَ النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬احلنيفية السمحاء‪ ،‬وأن يُوا ِزنوا‬
‫ط " (‪. ) 1‬‬
‫خري األمور الوس ُ‬
‫بني طيبات الدنيا وواجبات الدين‪ ،‬وأن َ‬

‫السؤال" من النوع الثاني‪ :‬يسأل" عنهم (بنفسه أو بإرسال" رسول)‪:‬‬

‫رص الن اس على رعاي ة ش ئون أص حابه‪،‬‬ ‫ك ان رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬أح َ‬
‫وأشدهم تفقدا ألحواهلم‪ ،‬كيف ال وقد وصفه ربنا سبحانه وتعاىل يف كتابه بقوله‪ :‬‬
‫‪‬‬
‫‪.)2(‬‬

‫لم‪-‬‬ ‫والهلل ‪-‬صلىاللهعليهوس‬ ‫"عنعبداللهبنربيدةعنأبيهرض ياللهعنهقال‪" :‬كانرس‬


‫يتعهداألنصار‪،‬ويعودهم‪،‬ويسألعنهم"(‪.)3‬‬

‫واألخبار يف زيارة النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ألصحابه وسؤاله عنهم كثريةٌ‪ ،‬فقد كان‬ ‫ُ‬
‫وال أص حابه‪ ،‬ويطمئن على ص ّحتهم‪ ،‬ويش ملهم‬ ‫‪-‬علي ه الص الة والس الم‪ -‬يتف ّق د أح َ‬
‫بالرعاية‪ ،‬ويسأل عن غائبهم‪ ،‬سواء كان سؤاله بنفسه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أو يرسل‬
‫رسوال ينوب عنه ليسأل ويطمئن على َمن غاب‪،‬وكان يقضي حوائجهم‪ ،‬ويتواضع معهم‪،‬‬
‫وجييب دعوهتم‪ ،‬ويزور َمرضاهم‪ ،‬ويشهد جنائزهم‪ ،‬ويدعو هلم وألبنائهم‪ ،‬ويشفق عليهم‪،‬‬
‫ويشعر بآالمهم‪ ،‬عن عبد اهلل‪ ‬بن أيب أوىف ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬يف وصفه للنيب ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫ني‪َ ،‬في ْق ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َي هَلُاحلاجة"(‪.)4‬‬ ‫ف أَ ْن مَيْش َي َم َع اأْل َْر َملَة َوالْم ْسك ِ َ‬
‫وسلم‪ -‬قال‪َ .." :‬واَل يَأْنَ ُ‬

‫‪ )(1‬الشطي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.299-298‬‬


‫‪ )(2‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية‪.128 :‬‬
‫‪ )(3‬سبق خترجيه يف مبحث أمهية املتابعة يف العمل الرتبوي‬
‫‪)(4‬جزء من حديث رواه النسائي يف سننه‪ ،‬كتاب اجلمعة‪ ،‬باب ما يستحب من تقصري اخلطبة‪ ،‬رقم احلديث ‪،1414‬‬
‫وصححه األلباين يف صحيح سنن النسائي ( ‪.)1413‬‬

‫‪87‬‬
‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪-‬‬ ‫وعن سهل بن حنيف ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬قال‪َ " :‬ك ا َن رس ُ ِ‬
‫ول اهلل َ‬ ‫َُ‬
‫اه ْم‪َ ،‬ويَ ْش َه ُد َجنَائَِز ُه ْم"(‪.)5‬‬ ‫ِِ‬
‫ضُ‬ ‫ود َم ْر َ‬
‫ور ُه ْم‪َ ،‬و َيعُ ُ‬
‫ني‪َ ،‬و َيُز ُ‬ ‫يَأْيِت ُ‬
‫ض َع َفاءَ الْ ُم ْسلم َ‬

‫ومن هذا النوع من السؤال (يسأل" عنهم)‪:‬‬

‫سؤاله ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ "-‬عمن غاب عن الحلقة‪:‬‬

‫ومن ذلك‪ :‬أنه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬إذا فقد أحد أصحابه سأل عن حاله‪ ،‬ويسأل أهل‬
‫املعرف ة ب ه‪ .‬أخ رج النس ائي بإس ناد حس ن من طري ق معاوي ة بن ق رة عن أبي ه ؛ ق ال‪:‬‬
‫ص غِري‬ ‫" َكا َننبِيُّاللَّ ِه‪-‬صلَّىاللَّهعلَي ِهوس لَّم‪-‬إِذَاجلَسيجلِسِإلَي ِهن َفر ِمْنأ هِبِ ِ‬
‫َص َحا َوفي ِه ْمَر ُجلٌلَ ُه ْابنٌ َ‬ ‫َ َ ََ ْ ُ ْ َ ٌ ْ‬ ‫َ َُ ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ض َراحْلَْل َقةَلِ ِذ ْك ِرابْنِ ِه‪،‬فَ َح ِزنَ َعلَْيه‬‫الر ُجأُل َْنيَ ْح ُ‬
‫ك‪،‬فَ ْامَتَن َع َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫ٌ‪،‬يَأْتِي ِه ِمْن َخ ْلفظَ ْه ِره َفُي ْقعِ ُد ُهَبْيَنيَ َديْ ِه‪َ ،‬ف َهلَ َ‬
‫‪:‬م ا لِياَل أ ََرى ُفاَل نً ا؟قَ الُوا‪:‬يَ َار ُس واَل للَّ ِه‪،‬بَُنُّي ُهالَّ ِذ َيرأ َْيَت ُه َهلَك‬‫ال َ‬ ‫‪-‬صلَّىاللَّ ُه َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪َ -‬ف َق َ‬
‫ِ‪َ ،‬ف َف َق َد ُهالنَّيِب ُّ َ‬
‫ك‪َ ،‬ف َعَّز ُاه َعلَْي ِه‪،‬مُثََّق َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪:‬يَ افُاَل ن‬ ‫‪-‬صلَّىاللَّ ُه َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪-‬فَ َس أَهَلَُعْنُبَنيِّه‪،‬فَأ ْ‬
‫َخَبَر ُهأَن َُّه َهلَ َ‬ ‫َ‪َ ،‬فلَقَي ُه النَّيِب ُّ َ‬
‫ك؟‬ ‫َّعبِ ِهعُ ُمَر َكأ َْواَل تَأْتِيغَ ًداإِلَىبَامٍبِْنأ َْب َوابِاجْلَن َِّةإِاَّل َو َج ْدَت ُه َق ْد َس َب َق َكِإلَْي ِهَي ْفتَ ُح ُهلَ َ‬
‫َحبُِّإلَْي َكأَْنتَ َمت َ‬
‫ُ‪،‬أَمُّيَا َكانَأ َ‬
‫َحبُِّإيَلَّ‪،‬قَ َ‬ ‫ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ك"(‪.)2‬‬ ‫ال‪:‬فَ َذا َكلَ َ‬ ‫‪،‬ب ْليَ ْسبِ ُقنيإلَىبَاباجْلَنَّة َفَي ْفتَ ُح َهايِل ‪،‬هَلَُوأ َ‬ ‫ال‪:‬يَانَبِيَّاللَّه َ‬‫قَ َ‬
‫خطب م ؤمل‪ ،‬وح دث مفج ٌع‪ ،‬ب ل ه و من أثق ل املص ائب ال يت متر على‬ ‫ٌ‬ ‫إن َف ْق َد األحب ِة‬
‫اإلنس ان‪ ،‬خاص ة إذا ك ان ه ذا املفق ود ول ده‪ ،‬إهنا ن ار تس تعر حترتق ب ه الكب د‪ ،‬ويُفت ب ه‬
‫العضد‪.‬‬

‫شعور املؤمن بإحساس أخيه يف املصيبة والوقوف جبانبه‪ ،‬وتقدمي اإلعانة النفسية‬
‫ولذا؛ فإن َ‬
‫أمر يف غاية األمهية‪ ،‬ومن ذل ك ت ذكريه بقضاء اهلل وقدره‪ ،‬وتبش ريه مبا خيف ف عنه أمل‬
‫ل ه‪ٌ ،‬‬
‫فراق األحبة‪.‬‬

‫‪ )(5‬اجلامع الصغري‪ ،‬باب كان وهي الشمائل الشريفة‪ ،2/2 ،‬رقم احلديث ‪ ،6927‬وقال السيوطي حديث صحيح‪.‬‬

‫ة‪ ،2/3 ،‬رقم احلديث ‪،2087‬‬ ‫اب يف التعزي‬ ‫ائز‪ ،‬ب‬ ‫اب اجلن‬ ‫ائي‪ ،‬كت‬ ‫‪)(2‬ص حيح س نن النس‬
‫وقالعنهالعالمةاأللباين‪:‬صحيح‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫وملا ك انت ه ذه األزم ة ص ورة من ص ور الض عف‪ ،‬ف إن رمحة رس ول اهلل‪-‬ص لى اهلل علي ه‬
‫وس لم‪ -‬ك انت تتح رك س ريعا جتاه ه ؤالء‪ ،‬فيب ادر بتش جيع أه ل امليت على الص رب وع دم‬
‫اجلزع‪ ،‬وه ذا م ا ك ان حيرص علي ه رس ول اهلل‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ويُ ِّ‬
‫ذكرهم باهلل‪،‬‬
‫وحياول أن خيرجهم من أزمتهم بتعظيم أجرهم إذا صربوا‪.‬‬

‫بادر رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بالسؤال عمن غاب‬ ‫ويف احلديث الذي بني أيدينا َ‬
‫عن حلقت ه‪ ،‬وق د ك ان ق د اعت اد رؤيتَ ه‪ ،‬ومل يقتص ر ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬على معرف ة‬
‫ِ‬
‫سبب الغياب‪ ،‬وهو ف ْق ُد ولده‪ ،‬بل سعى يف إزالة سبب الغياب ومشاركته شعوريا فيما أملّ‬
‫وبشره ‪-‬ختفيفا عنه ما جيده من أمل‪-‬‬‫فعزاه رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وواساه‪ّ ،‬‬ ‫به‪ّ ،‬‬
‫ب أن ابن ه سيس تقبله عن د ب اب اجلن ة‪ ،‬يفتح ه ل ه‪ ،‬فم ا أمجلَه ا من مواس اة‪ ،‬وم ا أعظَ َمه ا من‬
‫وهتون عليه املصاب‪.‬‬ ‫بشرى خُت فِّف عن األب أملَ فراق ابنه‪ّ ،‬‬
‫سؤاله ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ "-‬عن جليبيب‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ ِ ِ ٍ‬
‫ىم ْغًزىلَهُ‪،‬فَأَفَاءَاللَّ ُه َعلَْيه‬ ‫‪-‬صلَّ ُ ِ‬
‫ىالله َعلَْيه َو َسلَّ َم‪َ -‬كانَف َ‬ ‫"عْنثَابِت َعْنكنَانَةَبْنُن َعْيم َعْنأَبِ َىب ْر َز َةأَنَّالنَّىِب َّ َ‬
‫َ‬
‫َح ٍد؟‪.‬‬ ‫ال ِ ِ‬
‫‪:‬ه ْلَت ْفق ُدومَن ْنأ َ‬ ‫َحد؟‪ .‬قَالُوا‪َ :‬ن َع ْم‪،‬فُالَنً َاوفُالَنً َاوفُالَنًا‪ .‬مُثََّق َ َ‬
‫ِ‪َ ،‬ف َقالَألَصحابِِه‪:‬ه ْلت ْف ِق ُدومَنِْنأ ٍ‬
‫َ‬ ‫َْ ََ‬
‫ال‪:‬لَ ِكنِّىأَفْ ِق ُد ُجلَْيبِيبًا‪،‬فَاطْلُبُوهُ‪.‬‬ ‫َح ٍد؟‪ .‬قَالُوا‪:‬الَ‪ .‬قَ َ‬ ‫ال ِ ِ‬
‫‪:‬ه ْلَت ْفق ُدومَن ْنأ َ‬‫قَالُوا‪َ :‬ن َع ْم‪،‬فُالَنً َاوفُالَنً َاوفُالَنًا‪ .‬مُثََّق َ َ‬
‫ٍ‬ ‫ِِ‬
‫ىالله َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪َ -‬ف َو َق َف َعلَْيه‬
‫‪-‬صلَّ ُ‬ ‫وهِإلَ َ‬
‫ىجْنبِ َسْب َعةقَ ْد َقَتلَ ُه ْم‪،‬مُثََّقَتلُوهُ‪،‬فَأَتَىالنَّىِب ُّ َ‬ ‫فَطُلبَفىالْ َقْتلَى‪َ ،‬ف َو َج ُد ُ‬
‫ِّىوأَنَ ِامْنهُ‪ .‬قَال‬ ‫ال‪َ :‬قَتلَسبعةًمُثََّقَتلُوه‪،‬ه َذ ِامنِّىوأَنَ ِامْنه ِ‬
‫‪،‬ه َذامن َ‬ ‫َُ َ َُ‬ ‫ِ‪َ ،‬ف َق َ َ ْ َ‬
‫‪،‬و ُو ِض َع ِفى َقرْبِ ِه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪-‬صلَّ ُ ِ‬
‫ىالله َعلَْيه َو َسلَّ َم‪ -‬قَ َال‪:‬فَ ُحفَرلَهُ َ‬
‫ِ‬
‫ىساع َديْ ِهلَْي َسلَ ُهِإالَّ َساع َداالنَّىِب ِّ َ‬
‫َ‪َ :‬فوضعهعلَ ِ‬
‫َ َََُ َ‬
‫َولَ ْميَ ْذ ُك ْر َغ ْسالً"(‪.)1‬‬
‫حادث ة تفق د الرس ول ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬جليبيب ا حتوي العدي د من الفوائ د يف قض ية‬
‫املتابعة الرتبوية ومن ذلك‪:‬‬

‫‪)(1‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب من فضائل جليبيب‪ ،4/5 ،‬رقم احلديث ‪.2472‬‬

‫‪89‬‬
‫‪ -‬عدم غفلته صلى اهلل عليه وسلم عن السؤال عن أصحابه حىت يف مواطن الغزو‪ ،‬اليت حيل‬
‫باملسلمني فيها ما حيل من القتل واإلصابة وفقد األحبة‪ ،‬ويف هذا درس بليغ ورسالة عظيمة‬
‫النفع للمربني أال يغفلوا عن السؤال عن املرتبني وتفقد أحواهلم مهما اشتد عليهم اخلطب‪.‬‬

‫معىن مهم‬
‫‪ -‬تكرار سؤال الرسول صلى اهلل عليه وسلم عن املفقودين فيه تعليم للصحابة ً‬
‫من معاين املتابعة؛ وهو أمهية تفقد اجلميع وعدم الغفلة عن السؤال عن أي شخص مهما‬
‫ق ل ش أنه يف أعينهم‪،‬وألن رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ال ينس ى أص حابه؛ وأل ّن‬
‫ُجليبيبا كان حيب رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ومات من أجل ِدين اهلل‪ ،‬فما كان‬
‫رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬لَِيْن َساه كما نساه أصحابه‪.‬‬

‫‪ -‬مهم ة املريب ال تنتهي مبج رد الس ؤال عن املرتبني‪ ،‬ب ل يل زم أن يُتب ع املريب ذل ك الس ؤال‬
‫بقدر من االهتمام والرعاية مبا يتناسب وحاجة املرتبني وحاهلم‪ ،‬وملا كانت بطولة جليبيب‬
‫وبس الته يف نص رة ال دين عظيم ة‪ ،‬ك ان تك رمي الرس ول ص لى اهلل علي ه وس لم جلليبيب على‬
‫نفس القدر من التشريف‪.‬‬

‫افتقاده ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ "-‬ثابت بن قيسرضي اهلل عنهوالسؤالعنه‪":‬‬

‫اآليَةُ‪:‬‬ ‫ت َه ِذ ِه‬ ‫س ب ِن مالِ ٍ‬


‫ك أَنَّه قَ َال‪ :‬لَ َّما َن َزلَ ْ‬ ‫" َع ْن أَنَ ِ ْ َ‬
‫آخ ِر اآليَ ِة‪َ ،‬جلَ َسثَابِتُْبُن َقْي ٍس ِف َىبْيتِ ِه َوقَال‬ ‫‪ )1(‬إِىَل ِ‬
‫ىالله َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ اِل‬
‫‪-‬صلَّ ُ‬ ‫ىالله َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪ -‬فَ َس أَاَل لنَّىِب ُّ َ‬‫‪-‬صلَّ ُ‬‫احتَبَ َس َعنالنَّىِب ِّ َ‬ ‫َ‪:‬أَنَامْنأ َْه لنَّا ِر‪َ .‬و ْ‬
‫اعلِ ْمُتلَ ُهبِ َش ك َْوى‪.‬‬ ‫ى‪،‬و َم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َش تَ َكى؟‪ .‬قَالَ َس ْع ٌد‪:‬إن َُّهلَ َج ار َ‬ ‫ت‪،‬أ ْ‬ ‫اش أْنُثَابِ ٍ‬
‫و‪،‬م َ‬‫اع ْم ٍر َ‬ ‫َس ْع َد ْبنَ ُم َع ٍاذ‪َ ،‬ف َق َ‬
‫ال‪:‬يَاأَبَ َ‬
‫ت‪:‬أُنْ ِزلَْت َه ِذ ِهاآليَة‬ ‫ىالله َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪َ -‬ف َقالَثَ ابِ ٌ‬
‫ِ‬
‫اه َس ْع ٌد‪،‬فَ َذ َكَرهَلَُق ْولََر ُس واِل للَّه َ‬
‫‪-‬صلَّ ُ‬ ‫ال‪:‬فَأَتَ ُ‬ ‫قَ َ‬
‫لَّ َم‪ -‬فَأَنَ ِامْنأ َْهاِل لنَّا ِر‪.‬‬ ‫ىالله َعلَْي ِه َو َس‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪-‬صلَّ ُ‬‫واِل للَّه َ‬ ‫اعلَ َىر ُس‬
‫ص ْوتً َ‬ ‫ُ‪،‬ولََق ْد َعل ْمتُ ْمأَنِّىمْنأ َْرفَع ُك ْم َ‬‫َ‬
‫واُل للَّ ِه‬ ‫لَّ َم‪َ -‬ف َقالََر ُس‬ ‫ىالله َعلَْي ِه َو َس‬ ‫ِ‬ ‫فَ َذ َكَرذَلِ َك َس‬
‫‪-‬صلَّ ُ‬‫ْع ٌدللنَّىِب ِّ َ‬
‫‪:-‬ب ْل ُه َو ِمْنأ َْهاِل جْلَن َِّة"(‪.)2‬‬
‫ىالله َعلَْي ِه َو َسلَّ َم َ‬
‫‪-‬صلَّ ُ‬ ‫َ‬

‫‪ )(1‬سورة احلجرات‪ ،‬اآلية‪.2 :‬‬


‫‪)(2‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب اإلميان‪ ،‬باب خمافة املؤمن أن حيبط عمله‪ ،1/5 ،‬رقم احلديث ‪.119‬‬

‫‪90‬‬
‫‪-‬ر ِض َي‬ ‫ِ‬
‫س َ‬ ‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ه َو َس لَّ َم‪ -‬ا ْفَت َق َد ثَابِ َ‬
‫ت بْ َن َقْي ٍ‬ ‫ويف رواية اإلمام البخاري‪َّ :‬‬
‫"أن النَّيِب َّ َ‬
‫ك ِع ْل َمهُ"‪ ...‬احلديث(‪.)1‬‬ ‫ول ِ‬
‫اهلل! أَنَا أ َْعلَ ُم لَ َ‬ ‫ال َر ُج ٌل‪ :‬يَا َر ُس ُ‬
‫اهللُ َعْنهُ‪َ -‬ف َق َ‬
‫‪‬‬ ‫يتنزل الوحي باآلية الكرمية‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ايل الص وت‪ ،‬ومل جيد‬
‫ؤاد ث ابت بن قيس( )‪ ،‬فق د ك ان ع َ‬
‫‪3‬‬
‫‪ ، ‬فيض طرب هلا ف ُ‬
‫خمرجا من هذه املشكلة‪ ،‬إال بأن يُقلّ ل لقاءاته برسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬قَ ْدر ما‬
‫يستطيع‪ ،‬وال يكون ذلك إال بلزوم البيت وعدم اخلروج منه إال لضرورة أو صالة مكتوبة‪.‬‬

‫ومتر األيّ ام‪ ،‬وت زداد العُزل ة‪ ،‬ويفتق ده رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ويس أل عن ه‬
‫ّ‬
‫التقصي‪ ،‬فقد كان جاره‬
‫ملهمة ّ‬‫أصحابه‪ ،‬فينربى سعد بن معاذ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬سيّد األوس ّ‬
‫وأقرب الناس إليه‪.‬‬
‫َ‬
‫وبع دما وق ف س عد ‪-‬رض ي اهلل عن ه‪ -‬على حقيق ة اخلرب‪ ،‬انطل ق إىل رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل‬
‫وتبس م املص طفى ‪-‬علي ه الص الة‬ ‫وقص علي ه خ رب ث ابت‪-‬رض ي اهلل عن ه‪ّ -‬‬ ‫علي ه وس لم‪ّ -‬‬
‫أدب‪ ،‬ولكنّه ا ِجبِلّ ة‪ ،‬ول ذلك‬ ‫والس الم‪ -‬فه و يعلم أن ثابتً ا م ا ك ان ل ريفع ص وته عن س وء ٍ‬
‫األدب مع رسول‬ ‫جاء جوابه ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬واضحا ينفي عن ثابت ُش بهة س وء ِ‬
‫ُ‬
‫ت ِم ْن أ َْه ِل النَّا ِر‪،‬‬ ‫ب إِلَْي ِه‪َ ،‬ف ُق ْل لَ هُ‪ :‬إِن َ‬
‫َّك لَ ْس َ‬ ‫اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬فق ال ل ه‪" :‬ا ْذ َه ْ‬
‫َولَ ِك ْن ِم ْن أ َْه ِل اجْلَن َِّة"‪.‬‬

‫ومن الالفت للنظ ر هن ا‪ ،‬أن الن يب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ك ان يتف ّق د أص حابَه‪ ،‬ويلح ظ‬
‫غياهبم‪ ،‬على الرغم من كثرة مشاغله‪ ،‬وتع ّدد مسئوليّاته من جهة‪ ،‬وكثرة أصحابه وحمبّيه‬
‫لم من َمع امل اخْلُلُ ق‬
‫من جه ة أخ رى‪ ،‬وه ذا الق در من االلتفات إىل اإلخ وة يف ال دين هلو َم ْع ٌ‬
‫ومسوه‪.‬‬
‫النبوي بعظمته ّ‬
‫‪ )(1‬البخ اري‪ ،‬كت اب التفس ري‪ ،‬س ورة احلج رات‪ ،‬ب اب ال ترفع وا أص واتكم ف وق ص وت الن يب‪ ،3/4 ،‬رقم احلديث‬
‫‪.4846‬‬
‫‪ )(2‬سورة احلجرات‪ ،‬اآلية‪.2 :‬‬
‫‪)(3‬ثابت بن قيس بن مشاس‪ ،‬خطيب األنصار‪ ،‬كان من جنباء أصحاب حممد صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ومل يشهد بدرا‪،‬‬
‫شهد أحدا‪ ،‬وبيعة الرضوان‪ ،‬وكان جهري الصوت‪ ،‬خطيبا‪ ،‬بليغا (نزهة الفضالء هتذيب أعالم النبالء)‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫"وجاء يف شرح النووي على مسلم" فيه قصة ثابت بن قيس بن الشماس ‪-‬رضي اهلل عنه‪-‬‬
‫وخوف ه حني ن زلت ‪‬‬
‫‪‬‬
‫وت‪ ،‬وك ان يرف ع‬ ‫‪ ‬اآلي ة‪ ،‬وك ان ث ابت ‪-‬رض ي اهلل عن ه‪ -‬جه ري الص ِ‬
‫َ َ‬
‫صوته‪ ،‬وكان خطيب األنصار‪ ،‬ولذلك اشتد حذره أكثر من غريه‪ .‬ويف هذا احلديث منقب ةٌ‬
‫عظيمة لثابت بن قيس ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬وهي أن النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أخرب أنه‬
‫وم أن يتفق د أص حابه‪ ،‬ويس أل عمن غ اب‬ ‫من أه ل اجلن ة‪ ،‬وفي ه أن ه ينبغي للع امل وكب ِري الق ِ‬
‫منهم"(‪.)1‬‬

‫خاتمة المبحث‪:‬‬

‫إذا مل يكن النيب حممد ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يعيش بعيدا عن أصحابه‪ ،‬بل كان يتفقدهم‬
‫ويس أل عن غ ائبهم‪ ،‬ويع ود مريض هم‪ ،‬ويعني احملت اج‪ ،‬وه ذا م ا ك ان يفعل ه م ع الص غري‬
‫والكبري‪ ،‬والغين والفقري‪،‬ومع مجيع من حوله بال استثناء‪.‬‬

‫يف غزوة تبوك بلغ عدد املسلمني ثالثني ألفا‪ ،‬وجتمع من خارج املدينة الكثري من الصحابة‪،‬‬
‫«م ا‬
‫وكان حممد ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬كعادته يتفقد أصحابه‪ ،‬فإذا به يف الطريق يقول‪َ :‬‬
‫َفع ل َكعب بن مالِ ٍ‬
‫ك؟"(‪ ،)2‬مل تُْن ِس ه املعرك ةُ وأهواهُلَا الس َ‬
‫ؤال عن أص حابه‪ ،‬مل تنس ه ك ثرة‬ ‫َ َ ْ ُ ُْ َ‬
‫غياب‬
‫ظ َ‬ ‫األعداد أن يَطمئن عليهم‪ ،‬رغم كل صعوبات الغزوة‪ ،‬ومن بني تلك األلوف يلح ُ‬
‫كعب بن مالك ويسأل عنه‪.‬‬
‫ومل يكن ه ذا التفق د للرج ال فق ط‪ ،‬وال يف س احة احلرب فق ط‪َ " ،‬ف َعن أِيِب َرافِ ٍع‪َ ،‬ع ْن أَيِب‬
‫‪-‬ص لَى اللَّهُ َعلَْي ِه َوس لَّ ْم‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َت ُق ُّم الْ َم ْسج َد‪َ ،‬ف َف َق َد َها َر ُس ول اللَّه َ‬ ‫َن ْامَرأًَة َس ْو َداءَ كاَنَ ْ‬ ‫ُهَر ْيَرة؛ أ َّ‬
‫ِ‬
‫ص لَّى‬ ‫فَ َس أ ََل َعْن َه ا َب ْع َد أَيَّ ٍام‪ .‬فَقي َل لَ هُ‪ :‬إِن ََّه ا َم اتَ ْ‬
‫ت‪ .‬قَ َال‪َ :‬ف َهاَّل آذَ ْنتُ ُم ويِن ‪ .‬فَ أَتَى َقْبَر َه ا‪ ،‬فَ َ‬
‫َعلَْي َها"(‪.)3‬‬

‫‪)(1‬النووي‪ ،‬مرجع سابق‪127-2/126 ،‬‬


‫‪)(2‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب التوبة‪ ،‬باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه‪ ،4/5 ،‬رقم احلديث ‪.2769‬‬

‫‪92‬‬
‫عد تدل على مدى اهتمامه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بأحوال أصحابه‬
‫وقائع أكثر من أن تُ َ‬
‫وتف ّقده هلم‪.‬‬

‫إن املريب ق د َي ْع َج ز عن متابع ة أح وال أص حابه‪ ،‬أو مس اعدهتم يف بعض األحي ان؛ لس بب‬
‫خ ارج عن إرادت ه‪ ،‬لكن ه ذا ال يعفي ه من إجياد طريق ة للمس اعدة‪ ،‬وم د ي د العون للم رتيب‬
‫والسؤال عنه‪ ،‬فإن مل يتمكن املريب من السؤال عن املرتيب ومساعدته بنفسه‪ ،‬فليس أقل من‬
‫أن يُش عَِره باهتمام ه‪ ،‬وه ذا اإلحس اس باهتم ام املريب ومش اعره الص ادقة يس اعد كث ريا يف‬
‫اجتياز املرتيب ملشكلته‪.‬‬

‫ورمبا احت اج األم ر أن ينيب املريب َمن يت ابع املرتيب‪ ،‬والقي ام مبس اعدته يف إط ار متابع ة املريب‬
‫وتوجيهه‪.‬‬

‫ب ل ه‪ ،‬وال ذي يض من جتاوز‬ ‫دور املناس َ‬


‫ويف ك ل األح وال على املريب أن حيدد بنفس ه ال َ‬
‫املرتب يني ألزم اهتم ومش اكلهم هبدوء وجناح‪ ،‬يف س ياق ش عورهم باهتم ام املريب‪ ،‬وحرص ه‬
‫عليهم‪.‬‬

‫‪)(3‬س نن ابن ماج ه‪ ،‬كت اب اجلن ائز‪ ،‬ب اب م ا ج اء يف الص الة على الق رب‪ ،1/2 ،‬رقم احلديث ‪ ،1527‬وص ححه‬
‫العالمةاأللباين يف صحيح سنن ابن ماجة( ‪.)1247‬‬

‫‪93‬‬
‫المبحثالثاني‪ :‬المتابعةبالمالحظة‬

‫مل يكن رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬يكتفي يف متابع ة أص حابة ورعاي ة ش ئوهنم‪،‬‬
‫واالطمئن ان على أم ور دينهم ودني اهم مبج رد س ؤاهلم أو الس ؤال عنهم‪ ،‬ب ل ك ان يس تخدم‬
‫‪-‬إضافة إىل ذلك‪ -‬طريقة املالحظة الرتبوية‪ ،‬حيث كان ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يالحظ‬
‫رية‪ ،‬تلتفت للخط أ‬‫ني بص ٍ‬ ‫أفع ال ص حابته ‪-‬رض ي اهلل عنهم‪ -‬وينتب ه لِم ا ي دور من حول ه بع ٍ‬
‫َ‬
‫لتص ّوبه‪ ،‬وتق رأ م ا يف نف وس من حول ه فرتاعي ه‪ ،‬وتستش ف احلرية يف العي ون فتب ادر للبي ان‬
‫والتوضيح‪.‬‬

‫وهك ذا جيب أن يك ون املريب ِيقظ ا ألفع ال َمن مع ه‪ ،‬حيث يه دف ه ذا االنتب اه وه ذه‬


‫املالحظة إىل تعليم اجلاهل‪ ،‬وتصحيح األخطاء‪ ،‬وتصويب العبادة‪ ،‬واالطمئنان إىل استقرار‬
‫أحواهلم وأمور معاشهم‪.‬‬

‫ومن مالحظاته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬لتصحيح عبادة أصحابه‪:‬‬

‫مالحظته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬للمسىء صالتَه‪:‬‬


‫ال‪ُ :‬كْنت م ع رس ِ‬ ‫ى‪ ،‬عن َع ٍّم لَهُ بَ ْد ِر ٍّ‬ ‫صا ِر ُّ‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول‬ ‫ُ ََ َ ُ‬ ‫ى‪ ،‬قَ َ‬ ‫"عن حَيْىَي بْ ِن َخالَّد بْ ِن َراف ِع بْ ِن َمالك األَنْ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صلَّى َر ْك َعَتنْي ِ مُثَّ َجاءَ فَ َس لَّ َم‬‫‪-‬صلَّى اهللُ َعلَْيه َو َسلَّ َم‪َ -‬جال ًسا ىِف الْ َم ْسجد‪ ،‬فَ َد َخ َل َر ُج ٌل فَ َ‬ ‫اللَّه َ‬
‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه وس لَّم‪َ -‬ير ُم ُق هُ ىِف‬ ‫ِ‬
‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ه َو َس لَّ َم‪َ -‬وقَ ْد َك ا َن النَّىِب ُّ َ‬ ‫َعلَى النَّىِب ِّ َ‬
‫ََ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ص الَتِِه‪َ ،‬ف َر َّد َعلَْي ِه َّ‬
‫ص لَّى مُثَّ َج اءَ‪،‬‬ ‫ص ِّل‪َ .‬فَر َج َع فَ َ‬ ‫َّك مَلْ تُ َ‬ ‫ص ِّل فَِإن َ‬
‫ال لَ هُ‪ْ :‬ارج ْع فَ َ‬ ‫الس الَ َم‪ ،‬مُثَّ قَ َ‬ ‫َ‬
‫الس الَم‪ ،‬مُثَّ قَ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّك مَلْ‬ ‫ص ِّل فَِإن َ‬
‫ال‪ْ :‬ارج ْع فَ َ‬ ‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ه َو َس لَّ َم‪َ -‬ف َر َّد َعلَْي ه َّ َ‬ ‫فَ َس لَّ َم َعلَى النَّىِب ِّ َ‬
‫ال‪ :‬والَّ ِذى أَْن ز َل علَي َ ِ‬ ‫تُص ِّل‪ .‬حىَّت َك ا َن ِعْن َد الثَّالِثَ ِة أو َّ ِ ِ‬
‫ت‬‫اب‪ ،‬لََق ْد َج ِه ْد ُ‬ ‫ك الْكتَ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫الراب َع ة‪َ ،‬ف َق َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ض أْ فَأ ِ‬
‫اس َت ْقبِ ِل‬
‫ض وءَ َك‪ ،‬مُثَّ ْ‬ ‫َحس ْن ُو ُ‬ ‫ص لِّ َى َفَت َو َّ ْ‬ ‫ت أَ ْن تُ َ‬ ‫ال‪ :‬إِ َذا أ ََر ْد َ‬
‫ت‪،‬فَ أَرِىِن َو َعلِّ ْمىِن ‪ .‬قَ َ‬ ‫ص ُ‬‫َو َحَر ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اس ُج ْد َحىَّت‬ ‫الْقْبلَةَ‪ ،‬فَ َكِّب ْر‪ ،‬مُثَّ ا ْقَرأْ مُثَّ ْار َك ْع َحىَّت تَطْ َمئ َّن َراك ًعا‪ ،‬مُثَّ ْارفَ ْع َحىَّت َت ْعتَد َل قَائ ًما‪ ،‬مُثَّ ْ‬

‫‪94‬‬
‫اع ًدا‪ ،‬مُثَّ اس ج ْد حىَّت تَطْمئِ َّن س ِ‬
‫اج ًدا‪ ،‬مُثَّ ْارفَ ْع‪ ،‬فَ ِإ َذا‬ ‫تَطْمئِ َّن س ِ‬
‫اج ًدا‪ ،‬مُثَّ ارفَ ع حىَّت تَطْمئِ َّن قَ ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫صالَتِ َ‬ ‫ك علَى ه َذا َف َق ْد مَتَّت‪ ،‬وما ا ْنَت َقصت ِمن ه َذا فَِإمَّنَا َتْنتَ ِق ِ‬
‫ك"(‪.)1‬‬ ‫صهُ م ْن َ‬‫ُ‬ ‫ْ َ ْ َ‬ ‫ْ ََ‬ ‫صالَتَ َ َ َ‬ ‫ت َ‬‫أَمْتَ ْم َ‬
‫ص النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬على مراقبة ومالحظة أعمال أمته للتأكد من أدائها‬ ‫"ح َر َ‬
‫َ‬
‫على الوجه الصحيح‪ ،‬وكان النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬إذا رأى خطأ يف أي جانب من‬
‫ف اخلط أ بنفس ه‪ ،‬أو يعج ز فيس أل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ج وانب احلي اة؛ فإن ه ي أمر أص حابه بإعادهتا ح ىت يَكتش َ‬
‫وهذا من أحسن وسائل الرتبية‪ ،‬فإذا مل يعرف خطأه علمه‪ ،‬ولذلك أمر املسىء يف صالته‬
‫بإعادة الصالة ثالث مرات؛ الحتمال أن يكون فعله ناسيا أو غافال‪ ،‬فيتذكره‪ ،‬فيفعله من‬
‫أبلغ يف تعريفه وتعريف غريه بصفة الصالة اجملزئة‪...‬‬
‫غري تعليم‪ ،‬وليكون َ‬
‫مث إن الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬مل يبني له الصالة الصحيحة حىت سأل بنفسه عندما‬
‫قال‪" :‬والذي بعثك باحلق ما أحسن غريها‪ ،‬فعلمين"‪...‬‬

‫إهنا السياس ة الرتبوي ة احلكيم ة ملعلم البش رية ‪-‬علي ه الص الة والس الم‪ -‬ال ذي يع رف كي ف‬
‫يعاجل اخلطأ بأدب اإلسالم‪ ،‬وهكذا ينبغي أن يكون املريب مع تالميذه‪.‬‬

‫وه ذا م ا نري ده من املريب الي وم أن يك ون رفيق ا ب املتعلمني‪ ،‬لطيف ا م ع اجلاهلني بإيض اح‬
‫املس ائل الْ ُم ْش َكلَة على التالمي ذ‪ ،‬وأن يلخص املقاص َد‪ ،‬ويقتص ر على املهم دون املكمالت‬
‫اليت ال حيتمل حاهلُم حفظها‪ ،‬والقيام هبا"(‪.)2‬‬

‫مالحظته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬الرجل الذي ترك موضع ظُُفر في وضوئه‪:‬‬

‫وض َع ظُُف ٍر َعلَى قَ َد ِم ِه‪،‬‬


‫َن رجاًل َتوضَّأ‪َ ،‬فَت ر َك م ِ‬
‫َ َ‬
‫َّ ِ‬ ‫" َع ْن َجابِ ٍر‪ ،‬قَ َال‪ :‬أ ْ يِن‬
‫َخرب عُ َم ُر بْ ُن اخْلَطاب‪ ،‬أ َّ َ ُ َ‬
‫صلَّى"(‪.)3‬‬ ‫ال‪ :‬ار ِجع‪ ،‬فَ ِ‬ ‫ِ‬
‫ضوءَك‪َ .‬فَر َج َع‪ ،‬مُثَّ َ‬ ‫‪-‬صلَّى اللَّهُ َعلَْيه َو َسلَّم‪َ -‬ف َق َ ْ ْ ْ‬
‫أحس ْن ُو ُ‬ ‫صَرهُ النَّيِب ُّ َ‬
‫فَأَبْ َ‬

‫‪ )(1‬ص حيح س نن النس ائي‪ ،‬كت اب الس هو‪ ،‬ب اب أق ل م ا جيزي من عم ل الص الة‪ ،1/3 ،‬رقم احلديث ‪،1313‬‬
‫وقالعنهالعالمةاأللباين‪:‬صحيح‪.‬‬

‫‪ )(2‬الشطي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.259‬‬


‫‪)(3‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب وجوب استيعاب مجيع أجزاء حمل الطهارة‪ ،1/5 ،‬رقم احلديث ‪.243‬‬

‫‪95‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫من عظي ِم ح رص الرس ول ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬على س المة عب ادة أص حابه‪ُ ،‬‬
‫انتباه ه‬
‫لش يء يس ٍري مل يلتفت ل ه ص احب األم ر نفس ه‪ ،‬وه و موض ع يس ري مل يص به الغس ل يف‬
‫ِ‬
‫اهتمام ه ‪-‬ص لى اهلل علي ه‬ ‫الوض وء‪ ،‬وه و م ا ي دل دالل ةً بالغ ةً على دق ِة مالحظتِ ه‪ ،‬وواس ع‬
‫وس لم‪ -‬بإص الح عب ادة أص حابه‪ ،‬فم ا ك ان رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬لينتب ه إىل‬
‫ِ‬
‫اليقظة‪ ،‬ومنتبه‬ ‫ظ َّ‬
‫أشد‬ ‫ذلك املوضع اليسري الذي مل يصبه املاء من قدم صاحبه‪ ،‬إال وهو متيق ٌ‬
‫جيدا إىل أحوال صحابته‪ ،‬خاصة ما يتعلق بعبادهتم‪.‬‬

‫ووي‪:‬‬ ‫"يقواللن‬
‫وفيهذااحلديثدليلعلىأمنَنرتكشيئامنأعضاءطهارهتجاهال‪،‬ملتص حطهارته‪،‬وفيهتعليماجلاهلوالرفقبه"‬
‫(‪.)1‬‬

‫"ففي ه ذا احلديث‪ ،‬ص در األم ر من ه ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬هلذا الرج ل ‪-‬ملا رآه أخط أ‬
‫برتك موضع ظُُف ر على قدمه مل يغسله‪ -‬بتدارك خطئه هذا‪ ،‬وتصحيحه مباشرة؛ ألنه يرتتب‬
‫عليه صحة صالته من بطالهنا "(‪.)2‬‬

‫مالحظة أثر االختالف في الفتوى‪:‬‬


‫ِ‬
‫روى اإلم ام أمحد عن عب د اهلل‪ ‬بن عم رو‪-‬رض ي اهلل عنهم ا‪ -‬ق ال‪ُ " :‬كنَّاعْن َدالنَّىِب ِّ‬
‫ال‪:‬الَ‪ .‬فَ َجاءَ َش ْي ٌخ‪َ ،‬ف َق ال‬ ‫اص ائِ ٌم؟قَ َ‬ ‫ِ‬
‫ال‪:‬يَ َار ُس واَل للَّه‪،‬أَُقِّبلَُوأَنَ َ‬‫اب‪َ ،‬ف َق َ‬‫ىالله َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪ -‬فَ َجاءَ َش ٌّ‬
‫‪-‬صلَّ ُ‬ ‫َ‬
‫واُل للَّ ِه‬ ‫نَاإِلَ َىب ْع ٍ‬
‫ض‪َ ،‬ف َقالََر ُس‬ ‫ض‬
‫ال‪َ :‬فنَظََر َب ْع ُ‬ ‫َ‬ ‫َال‪َ :‬ن َع ْم‪ .‬قَ‬ ‫ائِ ٌم؟قَ‬ ‫َ‪:‬أَُقِّبلَُوأَنَ َ‬
‫اص‬
‫ض؛إِنَّالشَّْي َخيَ ْملِ ُكَن ْف َسهُ"(‪.)3‬‬ ‫ض ُك ْمِإلَ َىب ْع ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪-‬صلىاللهعليهوسلم‪:-‬قَ ْد َعل ْمتُل َمنَظََر َب ْع ُ‬
‫حابة؛ بس بب‬ ‫ومما نش اهده يف احلديث أن ه ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬الح ظ استغرابالص ِ‬
‫َ‬
‫ت مِلَ نَظَ َر‬ ‫ِ‬
‫االختالف يف الفتوى‪ ،‬وعرّب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬عن ذلك بقوله‪" :‬قَ ْد َعل ْم ُ‬
‫‪ )(1‬النووي‪ ،‬مرجع سابق‪3/121 ،‬‬

‫‪ )(2‬الشحود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.93‬‬

‫‪ )(3‬جمم ع الزوائ د‪ ،‬كت اب الص يام‪ ،‬ب اب القبل ة واملباش رة للص ائم‪ ،3/169 ،‬وأخرج ه األلب اين يف سلس لة األح اديث‬
‫الصحيحة (‪ )4/138‬رقم (‪ )1606‬وقال ‪ :‬وهذا إسناد ال بأس به يف الشواهد‪ ،‬رجاله ثقات غري ابن هليعة‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫االستغراب ببيان‬
‫َ‬ ‫ض"‪ .‬ومل يقف ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬عند هذا‪ ،‬بل أزال‬ ‫ض ُك ْم إِىَل َب ْع ٍ‬
‫َب ْع ُ‬
‫ِ‬
‫سبب ذلك االختالف بقوله‪" :‬إِ َّن الشَّْي َخ مَيْل ُ‬
‫ك َن ْف َسهُ"(‪.)1‬‬

‫ويف احلديث مالحظتان‪:‬‬

‫مدركة عند اجلميع تتعلق بال َف ْرق بني الشيخ والشاب‪.‬‬


‫األوىل‪ :‬ظاهرة َ‬
‫الثاني ة‪ :‬خفي ة حينم ا أدرك الن يب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬س َّر تعجبهم ونَظ ِر بعض هم إىل‬
‫بعض‪ ،‬فخاطَب النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬الرجلني والصحابة مبا يناسب أحواهلم"(‪.)2‬‬

‫مالحظة أثر َرد ال َْهدية‪":‬‬

‫ىالله َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪ -‬مِح َ ًار َاو ْح ِش يًّ َاو ُه َوبِاأل َْب َو ِاء‬
‫‪-‬صلَّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الص عبِبنِجث ِ‬
‫َّامةَاللَّْيث ِّى‪،‬أَن َُّهأ َْه َدىلَر ُس واِل للَّه َ‬
‫"عن َّ ْ ْ َ َ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫َىر ُس واُل للَّ ِه‬ ‫َّ‬ ‫‪-‬صلَّ ُ ِ‬
‫ىالله َعلَْيه َو َس ل َم‪ -‬قَ َال‪َ :‬فلَ َّماأَْنَرأ َ‬
‫ِ‬
‫‪-‬أ َْوبِ َو َّدا َن‪َ ، -‬فَر َّد ُه َعلَْي ِهَر ُس واُل للَّه َ‬
‫)‬ ‫‪3‬‬ ‫(‬

‫ِ‬ ‫ىالله َعلَْي ِهوسلَّم‪ -‬مافِىو ْج ِهى‪،‬قَ َ ِ‬‫َ َّ‬


‫ال‪:‬إنَّالَ ْمَن ُر َّد ُه َعلَْي َكإالَّأَن ُ‬
‫َّاح ُر ٌم"(‪.)4‬‬ ‫‪-‬صل ُ َ َ َ َ َ‬
‫ومما يلفت النظ ر يف احلديث أن ه ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬الح ظ آث َار رد اهلدي ة على‬
‫ص احبها‪ ،‬وق رأ على مالمح وجه ه م ا دار يف نفس ه‪ ،‬وم ا خ اجل ص دره من أث ر رد اهلدي ة‪،‬‬
‫فعلِم ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أنه حزن لشعوره أن النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬مل يهتم‬
‫هبديته‪ ،‬فلم ينتظر ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أن تسري وساوس الشيطان يف صدره‪ ،‬وتعبث‬
‫بنفسه‪ ،‬ومل ينتظر حىت يفصح عما بداخله‪ ،‬بل بادر ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ببيان حقيقة‬
‫رد اهلدية‪ ،‬وأوضح أن األمر ال يتعلق بشخصه‪ ،‬وأن ذلك مل يكن استهانة هبا‪ ،‬أو احتقارا‬
‫بول ِ‬
‫الصيد‪.‬‬ ‫لصاحبها‪ ،‬بل األمر يتعلق حبكم شرعي‪ ،‬وهو كونه حُم رما‪ ،‬واحملرم ال حَي ل له قَ ُ‬

‫‪)(1‬إهلي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.243‬‬

‫‪ )(2‬العلي وي‪ ،‬يوس ف‪ ،‬عناي ""ة الن ""بي ص ""لى اهلل علي ""ه وس ""لم بمعرف ""ة أح ""وال الم ""دعوين‪ ،‬جمل ة البي ان‪ ،‬الس نة الثامن ة‬
‫والعشرين‪ ،‬العدد‪1431( ،280 :‬هـ‪2010 -‬م)‪ ،‬ص ‪20‬‬
‫‪ )(3‬األبواء بفتح اهلمزة وسكون الباء املوحدة وباملد اسم مكان بني مكة واملدينة‪ ،‬قوله "أو بودان" شك من الراوي‪،‬‬
‫وهو بفتح الواو وتشديد الدال وبالنون‪ ،‬وهو أيضا اسم مكان بني مكة واملدينة‪.‬‬
‫‪ )(4‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب احلج‪ ،‬باب حترمي الصيد للمحرم‪ ،2/5 ،‬رقم احلديث ‪.1193‬‬

‫‪97‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يقواللنووي‪":‬فيقوله‪-‬صلىاللهعليهوسلم‪( :-‬إنَّالَ ْمَنُر ُّد ُه َعلَْي َكإاَّل أَن ُ‬
‫َّاح ُر ٌم)‪،‬فيهجوازقبوالهلديةللنيب‬
‫‪-‬صلىاللهعليهوس لم‪-‬خبالفالص دقة‪،‬وفيهأهنيُس تَحبلمنامتنععن َقبوهلديةوحنوهالِعُ ْذرأنيعتذربذلك؛‬
‫تطييبالقلبه"(‪.)1‬‬

‫مالحظته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ألم المؤمنين جويرية في مجلس ذكرها‪:‬‬

‫‪ -‬أخرج مسلم يف صحيحه عن أم املؤمنني جويْريَةَ بنت احلارث ‪-‬رضي اهلل عنها‪" -‬أَنَّالنَّىِب َّ‬
‫ىم ْس ِج ِد َها(أي‪ :‬موض ع ص الهتا)‪،‬‬ ‫‪-‬صلىاللهعليهوس لم‪ -‬خرمَجِ ْنعِْن ِدهابكْرةً ِحينصلَّ ُّ ِ ِ‬
‫ىالصْب َح َوهىَف َ‬ ‫َُ َ ََ‬ ‫ََ‬
‫َّه ا ِر) َو ِهىَ َجالِ َس ةٌ‪َ ،‬ف َق ال‬ ‫ص ف الن َ‬
‫َض حى (ويف رواي ة ألمحد‪ :‬قريب ا ِمن نِ ْ ِ‬
‫ً ْ‬ ‫مُثَّ َر َج َع َب ْع َد أَ ْن أ ْ َ‬
‫ااَل لنَّىِب ُّ‬ ‫ت‪َ :‬ن َع ْم‪ .‬قَ‬ ‫الَ ْ‬ ‫ا‪ .‬قَ‬ ‫َ‪:‬ما ِزلْتِ َعلَىاحْلَااِل لَّتِى َف َار ْقتُ ِك َعلَْي َه‬
‫َ‬
‫‪-‬صلىاللهعليهوس لم‪:-‬لََق ْد ُق ْلتُبع َدكِأَربع َكلِماتٍثَالَمَثََّر ٍ‬
‫ات‪،‬لَ ْو ُو ِز َنْتبِ َما ُق ْلتِ ُمْن ُذالَْي ْو ِملَ َو َز َنْت ُه ّن‬ ‫ْ ََ َ‬ ‫َْ‬
‫‪،‬و ِم َدا َد َكلِ َماتِِه"( )‪.‬‬
‫‪2‬‬ ‫َ‪:‬سبحانَاللَّ ِهوحِب م ِد ِه‪،‬ع َددخ ْل ِق ِه‪،‬و ِرضا َن ْف ِس ِه ِ ِ ِ‬
‫‪،‬وزنَةَ َع ْرشه َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ‬
‫ظ‬
‫منوذج من مناذج متابعاته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬آلل بيته يف عبادهتم‪ ،‬وكان التيق ُ‬‫فهذا ٌ‬
‫لِ َم ا يدور حوله ومالحظته جيدا أصال هلذه املتابعة‪ ،‬فرسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬
‫وس زوج ه أم املؤم نني‬‫الح ظ عن د خروج ه لص الة الص بح وعن د عودت ه بع د الض حى جل َ‬
‫رص زوج ه على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جويرية لل ذكر يف مص الها‪ ،‬فلم ا علم الن يب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ح َ‬
‫ال ذكر‪ ،‬ورأى منه ا ه ذا ال دأب على التس بيح‪ ،‬أراد أن يعلّمه ا من ال ذكر م ا في ه تعظيم‬
‫حرص ا من ه ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬على اس تثمار ك ل فرص ة تل وح لتعليم أمت ه‪،‬‬
‫أجره ا؛ ً‬
‫ات مص حوبة بتحف يز على العم ل هبا‪ ،‬واس تثارة‬ ‫وج ْلب اخلري هلم‪ ،‬ف ألقى إليه ا هبذه الكلم ِ‬
‫َ‬
‫النفس على املداومة عليها ليسري فعلها وعظيم أجرها‪.‬‬

‫فاحلكمة يف التوجيه وقوة التأثري َتْب ُرز يف قدرته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬على تيسري الطاعة‬
‫على النفس؛ حىت ال تتثاقل عنها‪ ،‬وتدوم عليها‪ ،‬حيث أبرز بعبارات واضحة سهولة العمل‬
‫ات"‪ ،‬فياله من وقت قصري وجهد يسري‪ ،‬الذي‬‫وقلة اجلهد بكلمات بليغة "أَربع َكلِم اتٍثَالَمَثََّر ٍ‬
‫ْ ََ َ‬
‫‪)(1‬النووي‪،‬مرجعسابق‪.8/104 ،‬‬
‫‪)(2‬ص حيح مس لم‪ ،‬كت اب ال ذكر وال دعاء والتوب ة واالس تغفار‪ ،‬ب اب التس بيح أول النه ار وعن د الن وم‪ ،4/5 ،‬رقم‬
‫احلديث ‪.2726‬‬

‫‪98‬‬
‫حتت اج إلي ه ه ذه الكلم ات لرتدي دها‪ ،‬مث أتب ع ذل ك بق وة ال رتغيب يف العم ل بتعظيم األج ر‬
‫والث واب‪ ،‬فه ذه الكلم ات اليس رية ال يت ال تس تغرق إال وقت ا قص ريا‪ ،‬تع دل يف ثواهبا ك َّل‬
‫تسبيحها منذ الصباح‪.‬‬

‫مالحظته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬لرجل من األنصار محزون‪:‬‬

‫‪-‬ص لَّى اللَّه َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪َ -‬و ُه َو‬‫ص ار إِىَل النَّيِب ّ َ‬
‫ِ‬
‫ال‪َ :‬ج اءَ َر ُج ل م ْن اأْل َنْ َ‬ ‫"ع ْن َس عِيد بْن ُجَبرْي ‪ ،‬قَ َ‬‫َ‬
‫ال‪ :‬يَا نَيِب‬
‫َ‬ ‫َ‬‫ق‬ ‫ا؟‪.‬‬ ‫ً‬‫ن‬‫و‬ ‫ز‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫حَم‬ ‫اك‬‫َر‬
‫َ‬ ‫أ‬ ‫‪-‬ص لَّى اللَّه َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪ :-‬يَا فُاَل ن‪َ ،‬م ايِل‬ ‫ال لَ هُ النَّيِب ّ َ‬‫حَمْ ُزون‪َ ،‬ف َق َ‬
‫ّ‬
‫ال‪ :‬حَنْ ُن َن ْغ ُدو َعلَْي ك َو َن ُروح‪َ ،‬نْنظُ ر يِف َو ْجه ك‬ ‫ال‪َ :‬م ا ُه َو؟‪ .‬قَ َ‬ ‫اللَّه‪َ ،‬ش ْيء فَ َّك ْرت فِي ِه‪َ .‬ف َق َ‬
‫‪-‬ص لَّى اللَّه َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني فَاَل نَص ل إِلَْي ك! َفلَ ْم َي ُر ّد النَّيِب ّ َ‬ ‫َوجُنَالس ك‪َ ،‬غ ًدا ُت ْرفَ ع َم َع النَّبِيِّ َ‬
‫الساَل م‪ -‬هِبَ ِذ ِه اآْل يَة‪:‬‬ ‫‪-‬علَْي ِه َّ‬ ‫ِ‬
‫َشْيئًا‪ .-‬فَأَتَاهُ جرْبِ يل َ‬
‫‪‬‬
‫‪-‬ص لَّى اللَّه َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪-‬‬ ‫‪َ ‬فبع َ ِ‬
‫ث إِلَْي ه النَّيِب ّ َ‬ ‫ََ‬
‫َفبَشََّرهُ"(‪.)1‬‬

‫النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬من ذلك النوع الذي يرى وجوه الناس َفَي ْغ َف ُل عن‬ ‫مل يكن ُّ‬
‫قراءة ما هبا من فرح أو حزن‪ ،‬أو يهمل ما ترسله من رسائل ودالالت‪ ،‬بل كان ‪-‬صلى‬
‫اهلل علي ه وس لم‪ -‬يفهم م ا ي دور خِب َلَ د أص حابه‪ ،‬وم ا يرتس م على وج وههم‪ ،‬وم ا يبطنون ه‬
‫بداخل نفوسهم من مشاعر وأحاسيس‪.‬‬

‫ويف احلديث يالح ظ الن يب‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬عالم ات احلزن بادي ةً على وج ه أح د‬
‫ٍ‬
‫ورعاية؛ لالطمئنان عليه‪ ،‬ومعرفة ِ‬
‫سبب حزنه‪ ،‬فيعلَم رسول‬ ‫بسؤال ٍ‬
‫تفقد‬ ‫ِ‬ ‫أصحابه‪ ،‬فيبادره‬
‫اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬أن س بب ه ذا احلزن ه و ب الغ حب األنص اري لل ُق رب من‬
‫الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وتأمله عندما يتصور فراقه والبعد عنه‪ ،‬وملا كان اجلزاء من‬

‫‪)(1‬ابن كثري‪ ،‬إمساعيل بن عمر بن كثري القرشي الدمشقي‪ ،‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬حتقيق د‪ .‬السيد حممد السيد‪ -‬د‪.‬‬
‫وجيه حممد أمحد‪ -‬مصطفى فتحي عبد احلكيم‪ -‬سيد إبراهيم صادق‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار احلديث‪1426 ،‬هـ ‪2005‬م)‪،‬‬
‫ص‪ ،393‬وقال ابن كثري‪ :‬قد روي هذا األثر مرسال عن مسروق‪ ،‬وعكرمة‪ ،‬وعامر الشعيب‪ ،‬وقتادة‪ ،‬وعن آل ربيع‬
‫بن أنس‪ ،‬وهو من أحسنها سندا‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫جنس العمل‪ ،‬جاء الوحي من السماء بالبُشرى‪ ،‬فأسرع ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ليزيل عن‬
‫صاحبه سبب مهه‪ ،‬ويبشره بأن طاعة اهلل ورسوله ترفع صاحبها مع َمن حيب‪.‬‬

‫خاتمة المبحث‪:‬‬

‫ويظه ر من مجل ِة ه ذه األح اديث أمهي ةُ املالحظ ة ض من الط رق ال يت اس تخدمها رس ول اهلل‬


‫‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يف متابعاته ألصحابه؛ للوقوف على العديد من اجلوانب املهمة اليت‬
‫تتعل ق بشخص ياهتم‪ ،‬س واء اجلوانب النفس ية واالنفعالي ة‪ ،‬ال يت تتمث ل يف وج دان ومش اعر‬
‫اإلنسان وانفعاالته‪ ،‬مثل الغضب واحلزن‪ ،‬واحلرية والقلق‪ ،‬أو اجلوانب العقلية واملعرفية‪ ،‬أو‬
‫جوانب السلوك االجتماعي‪.‬‬

‫واملريب حيتاج االنتباه إىل أحوال أصحابه‪ ،‬وما يعرتيهم من مستجدات وتغريات‪ ،‬وال يَصح‬
‫ٍ‬
‫التفات‪ ،‬لكنها ال يصح‬ ‫متر على غري املريب دون‬
‫أن َي ْغ َفل عما يدور من حوله من أمور قد ّ‬
‫حمل مالحظ ِة املريب‬
‫أن متر على املريب‪ ،‬فَ ُك ُّل م ا يع رتي املرتبني من تغي ري جيب أن يك ون َّ‬
‫ابت داءً‪ ،‬وعنايت ه ورعايت ه عن د معرف ة س بب التغي ري‪ ،‬فليس ت املالحظ ة مقص ودة ل ذاهتا‪ ،‬ب ل‬
‫وم د ي د الع ون ل ه إن ك ان يف حاج ة إىل املس اعدة‪ ،‬وكم‬
‫لالس تفادة منه ا يف إعان ة املرتيب‪َ ،‬‬
‫يت أثر املرتيب س لبا يف ح ال غفل ة مربي ه عن ه‪ ،‬خاص ة إذا ك ان يف ض ائقة أو َك ْرب وظه رت‬
‫جبالء‪ ،‬ومع هذا مل يلتفت هلا املريب‪ ،‬أو التفت هلا واكتفى مبجرد السؤال دون‬ ‫آثارها عليه ٍ‬
‫حماولة املساعدة واإلعانة‪.‬‬

‫خاتمة الفصل‪":‬‬

‫‪100‬‬
‫وخالصة القول يف طرق متابعاته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ألصحابه‪:‬إن رسول اهلل ‪-‬صلى‬
‫وينوع يف طرق متابعته‪ ،‬كما‬‫اهلل عليه وسلم‪ -‬كان يتابع أصحابه‪ ،‬ويطمئن على أمورهم‪ّ ،‬‬
‫اب‪ ،‬وت ارة يالح ظ خط أ‬‫احب غ َ‬‫ين وع يف جماالت متابعت ه‪ ،‬فت ارة يطمئن بالس ؤال على ص ٍ‬
‫ؤال أواملالحظ ةُ يف أم ٍر من أم ور ال دنيا‪ ،‬وثاني ة يف ُحكم من‬
‫فيص ححه‪ ،‬وت ارة يك ون الس ُ‬
‫أحكام الدي ِن‪ ،‬كما كان ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يالحظ آثار أقواله وأفعاله على أصحابه‪،‬‬
‫ويوضح هلم ما َخ ِف َي عليهم‪.‬‬
‫س‪ّ ،‬‬ ‫ث لديهم من لَْب ٍ‬
‫حيد ُ‬
‫وكان يزيل ما كان ُ‬
‫مرب ‪-‬بعد ِذ ْك ر هذه الطائفة من أحاديث متابعاته‪ ،‬صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫وليس ملعل ٍم أو ٍّ‬
‫ذر عن ذل ك؛ لك ثرة‬ ‫ِ‬
‫ألص حابه‪ ،‬وغريه ا كث ريٌ‪ -‬أن َي ْغ َف َل عن متابع ة املدعوين‪ ،‬أو يعت َ‬
‫أكثر الناس شغال‪ ،‬ومع‬
‫مشاغله‪ ،‬وضيق وقته؛ فإن رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬كان َ‬
‫ِ‬
‫حوائج ِهم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وقضاء‬ ‫ِ‬
‫وتفقدهم‪،‬‬ ‫هذا مل َي ْغفل أبدا عن متابعة أصحابه‪،‬‬

‫‪101‬‬
‫الفصاللثالث‬
‫مجاالتمتابعته‪-‬صلىاللهعليهوسلم‪ -‬التربوية"‬

‫‪102‬‬
‫تمهيد‬

‫إن موضوع الرتبية اإلسالمية شأهنا شأن غريها من أنواع الرتبية‪ ،‬هو اإلنسان بكل مقوماته‬
‫اجلسمية والعقلية والنفسية والوجدانية‪ ،‬ذلك أن طبيعة اإلنسان من املنظور اإلنساين تتضمن‬
‫ٍ‬
‫ورسالة ُكلف بأدائها‪.‬‬ ‫حياة ُخلِق من أجلها‪،‬‬
‫املقومات؛ لتحقيق ٍ‬
‫ِ‬ ‫كل هذه‬
‫َّ‬
‫ومن مث؛ ف إن الرتبي ة اإلس المية تق وم على أس اس أن الكم ال موج ود ب القوة يف طبيع ة‬
‫ادر على بل وغ ه ذا الكم ال إذا َو َج د من الرعاي ة والعناي ة‬ ‫اإلنس ان‪ ،‬مبع ىن‪ :‬أن اإلنس ان ق ٌ‬
‫والرتبي ة َمن يس اعده على ذل ك‪ ،‬وتُص بِح الوظيف ة الرئيس ية للرتبي ة يف اإلس الم ه و االنتق ال‬
‫هبذا الكمال املوجود بالقوة إىل كمال موجود بالفعل‪ ،‬يكتسبه اإلنسا ُن من خالل أساليب‬
‫يتعرض هلا يف مراحل حياته املختلفة"(‪.)1‬‬
‫الرتبية والتنشئة‪ ،‬اليت ّ‬
‫النفس البشرية كلٌّ ال يتجزأُ‪ ،‬وألن استقرار أمور اإلنسان الدنيوية يؤثر على أحواله‬
‫وألن َ‬
‫صل تأثري أمور الدنيا على الدين‪،‬‬
‫الدينية‪ ،‬ويؤثرعلى َج ْودة وحجم عطائه‪ ،‬وال ميكننا حبال فَ ْ‬
‫من هنا كانت متابعته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ألصحابه وأمته يف كل الشئون اليت تكون‬
‫معها أحواهلم الدينية وأمورهم الدنيوية على الوجه األكمل واحلال املرضي‪.‬‬

‫جوانب ديني ةً تتعلق بعبادة‬


‫َ‬ ‫اجملاالت اليت حيتاج املريب أن يعتين هبا‪ ،‬ويوليها عنايته‪ ،‬قد تكون‬
‫حة معتق دهم‪ ،‬وض ِ‬
‫بط العلم‪،‬‬ ‫ات إمياهنم‪ ،‬وص ِ‬‫وال قل وهبم م ع اهلل تع اىل‪ ،‬وثب ِ‬
‫املرتبني‪ ،‬وأح ِ‬
‫وأوالدهم وأحواهِلِم االجتماعية‪،‬‬
‫ِ‬ ‫جوانب حياتي ةً تتعلق بأسرهم‬
‫َ‬ ‫وحس ِن فهمه‪ ،‬وقد تكون‬
‫ِ‬
‫النفسية اليت تؤثر يف كل ما سبق‪.‬‬ ‫أو شئوهنم املالية‪ ،‬أو ِ‬
‫رعاية أحواهلم‬

‫ودون املتابع ة الرتبوي ة لك ل تل ك اجلوانب املهم ة املؤثرة يف دين املرء ودني اه‪ِ ،‬‬
‫تفق ُد الرتبي ةُ‬ ‫ُ‬
‫كثريا من تأثريها‪ ،‬وتَِق ُّل قيمةُ اجلهود املتواصلة اليت يبذهلا املريب مع َمن يربيهم‪.‬‬

‫ويض رب لن ا رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬أعظم األمثل ة وأنبله ا يف تف ّق د أص حابه‪،‬‬
‫والعناي ة هبم‪ ،‬واالهتم ام ب أمورهم الدنيوي ة كم ا الديني ة‪ ،‬فيش مل برعايت ه وتفق ده الكب َري‬

‫‪)(1‬مرسي‪ ،‬حممد منري‪ ،‬أصول التربية‪ ،‬ط ‪(،1‬القاهرة‪ :‬عامل الكتب‪1417 ،‬هـ‪1997 -‬م)‪ ،‬ص ‪.133-132‬‬

‫‪103‬‬
‫وكل ذلك على الرغم من كثْ رة مشاغله وتعدد‬ ‫والبعيد‪ُّ ،‬‬
‫َ‬ ‫والقريب‬
‫َ‬ ‫الرجل واملرأةَ‪،‬‬
‫َ‬ ‫والصغري‪،‬‬
‫َ‬
‫مس ئولياته‪ ،‬فلم يكن ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ي رد س ائال‪ ،‬أو يس تخف بض ٍ‬
‫عيف‪ ،‬أو يغف ل‬
‫ومهوم ه على كثرهتا أن يتفق د َمن يغيب من أص حابه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫عن ذي حاج ة‪ ،‬ومل ُتْنس ه مش اغلُه ُ‬
‫فيس أل عن ه وي زوره‪ ،‬ويطمئن على َمن ميرض منهم‪ ،‬ويُ ْف رغ وقتً ا لعيادت ه‪ ،‬وجيلس ال وقت‬
‫الطويل مصغيا لصاحب َه ٍّم يشكو ُك ْربته‪ ،‬فال يقاطعه وال يعتذر منه‪ ،‬وال يرتكه يقوم إال‬
‫ادية والص ِ‬
‫حية‪ ،‬وال ينتظ ر ح ىت‬ ‫وق د زال عن ه م ا يعاني ه‪ ،‬ويت ابعهم يف مش كالهتم االقتص ِ‬
‫ُ‬
‫ان على أح واهلم‪ ،‬ويت ابعهم يف‬‫ؤال واالطمئن ِ‬
‫ص ف مش كلةٌ بأح دهم‪ ،‬ب ل يب ادرهم بالس ِ‬ ‫َتع ِ‬
‫ْ‬
‫اجلهاد يف سبيل اهلل‪ ،‬ويتابعهم يف أفراحهم وأحزاهنم‪ ،‬ويرسل إليهم يتفقدهم‪ ،‬مع ما عنده‬
‫واملسئوليات اجْلِ ِ‬
‫سام‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫من األشغال‬
‫وال شك أن املريب حني يقوم مبسئولية املتابعة على الوجه األكمل دون غفلة عن أي ٍ‬
‫جانب‬
‫ٍ‬
‫صاحلة متزنة‬ ‫نفوس‬ ‫تأسيس ِ‬
‫وبناء ٍ‬ ‫ِ‬ ‫مهم من جوانب الرتبية‪ ،‬يكون قد قطَع شوطا كبريا يف‬ ‫ٍّ‬
‫ِ‬
‫حتم ل‬
‫وأقدر على ّ‬ ‫مستقر ٍة عاملة‪ ،‬يكون صاحبُها َ‬
‫أقرب ألداء رسالته اليت ُخل ق من أجلها‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫والقيام هبا‪.‬‬ ‫أمانته‪،‬‬

‫‪104‬‬
‫المبحثاألول‪ :‬المتابعةالدينية‬

‫وجه َد رسول‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بشريعة جامعة ملصاحل الدين والدنيا‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫أتى‬
‫اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬يف تربي ة أص حابه على التمس ك بتل ك الش ريعة والتخل ق‬
‫ص ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬على متابع ة ال تزام أص حابه باإلس الم بك ل‬‫بأخالقه ا‪ ،‬وح َر َ‬
‫أحكام ه وجوانب ه‪ ،‬متابع ةً تض من حس َن فهم ه ابت داءً‪ ،‬وحس َن تطبيق ه والتمس ك ب ه دون‬
‫احنراف يف فهم أو ٍ‬
‫خطأ يف تطبيق‪.‬‬

‫وسأذكر من أمثلة متابعاته الدينية ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ألصحابه جوانب ثالثة‪ ،‬متثل‬
‫أهم احملاور األساس ية يف الرتبي ة الديني ة؛ وهي اجلانب العق دي واإلمياين‪ ،‬واجلانب التعب دي‪،‬‬
‫واجلانب األخالقي السلوكي‪.‬‬

‫‪-1‬عنايته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بسالمة معتقد أصحابه وتفقد إيمانهم"‬
‫ِ‬
‫جوانب الرتبية يف اإلسالم‪ ،‬ولذا‬ ‫أهم‬
‫متثل القضايا العقدية املتعلقة بأصول الدين وكلياته‪َّ ،‬‬
‫يلزم االعتناء هبا عنايةً خاصةً يف كل مراحل الرتبية بال استثناء‪ ،‬كل مرحلة مبا يناسبها‪ ،‬فَ َم ا‬
‫يفيد املسلم قوة عبادته‪ ،‬وعظيم حركته لنصرة الدين‪ ،‬واتساع علمه‪ ،‬وقد ابتُلِي بناقض من‬
‫ن واقض اإلميان‪ ،‬أو ولِج يف بدع ة من ب دع الض الل‪ ،‬أو ف َق َد ش رطا من ش روط س ِ‬
‫المة‬ ‫َ َ‬
‫التوحيد‪.‬‬

‫ومن هن ا ك ان عظيم عناي ة رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬بالعقي دة تعليم ا وتثبيت ا يف‬
‫نفوس أصحابه‪ ،‬وتصحيحا وهتذيبا من كل ما خيالطها‪ ،‬فيؤثر يف سالمتها وإن كان صغريا‪،‬‬
‫وحتذيرا من كل ما يعود على صحتها بالنقض أو اخللل‪ .‬ومن األمثلة اجللية على ذلك‪:‬‬

‫سؤال معاذ عن حق اهلل على العباد وحق العباد على اهلل‪:‬‬


‫ال‪ُ :‬كْن ِ ْدفَ النَّىِب ‪-‬صلَّىاللهعلَي ِهوس لَّم‪ -‬علَ ِ‬
‫ىح َما ٍريُ َقالُلَ هُ‪:‬عُ َفْي ٌر‪َ ،‬ف َق ال‬ ‫ٍ‬
‫ِّ َ ُ َ ْ َ َ َ َ‬ ‫"عْن ُم َع اذ ‪-‬رضىاللهعنه‪ -‬قَ َ رُت‬
‫َ‬
‫ت‪:‬اللَّ ُه َو َر ُس وهُلُأ َْعلَ ُم‪ .‬قَ ال‬ ‫َ‪:‬يامع اذُ‪،‬ه ْلتَ ْد ِرىحقَّاللَّ ِهعلَىعِب ِاد ِهوم ِ ِ ِ‬
‫احقُّالْعبَاد َعلَىاللَّه؟‪ُ .‬ق ْل ُ‬
‫َ َ َ ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ‬

‫‪105‬‬
‫ا‪،‬و َحقَّالْعِبَ ِاد َعلَىاللَّ ِهأَنْالَيُ َع ِّذمَبَْنالَيُ ْش ِر ُكبِ ِه َش ْيئًا‪.‬‬ ‫هِبِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‪:‬فَِإحَّنَقَّاللَّ ِه َعلَىالْعبَادأَْنَي ْعبُ ُد ُ‬
‫وه َوالَيُ ْش ِر ُكوا َش ْيئً َ‬
‫ال‪:‬الَُتبشِّرهم‪َ ،‬فيت ِ‬ ‫هِبِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّكلُوا"(‪.)1‬‬ ‫َّاس؟قَ َ َ ْ ُ ْ َ‬ ‫ت‪:‬يَ َار ُسواَل لله‪،‬أَفَالَأُبَش ُِّر الن َ‬ ‫َف ُق ْل ُ‬
‫ذات يوم كان راكبً ا خلف النيب‬ ‫"خيربنا معاذ بن جبل‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬يف هذا احلديث أنه َ‬
‫‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬فأراد النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أن خيصه بأهم مسائل العلم‪،‬‬
‫لوب االس تجوايب يف تعليم‬‫وأجله ا‪ ،‬وق د اس تعمل رس ول اهلل‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬األس َ‬
‫معاذ وتشويقه‪ ،‬وأن النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بنَّي ملعاذ حقيقتني مهمتني؛ مها ما جيب‬
‫إنعام ا وتفض ياًل ‪ ،‬وملا ك ان مع اذ‬
‫هلل على املكلفني من خلق ه‪ ،‬وم ا أوجب ه لعب اده على نفس ه ً‬
‫َّ‬
‫حيرص على م ا يس ر املس لمني اس تأذن من الن يب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬يف نش ر ه ذه‬
‫املس ألة‪ ،‬فنه اه الن يب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬خماف ةَ أن يعتم دوا على ه ذا الوع د‪ ،‬في رتكوا‬
‫لكن معاذا أخرب؛ حترجا‬ ‫التنافس يف األعمال الصاحلة اليت حتط سيئاهتم‪ ،‬وترفع درجاهتم‪ّ ،‬‬ ‫َ‬
‫من كتمان العلم‪ ،‬مع أن العاقل يفهم حتذير النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أمته من االتكال‬
‫من قوله‪َ ":‬فيت ِ‬
‫َّكلُوا"(‪.)2‬‬‫َ‬
‫اهلل َعلَى الْعِبَ َاد؟"‪ ،‬بص يغة‬
‫ونلح ظ قول ه ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪" :-‬أَتَ ْد ِري م ا ح ُّق ِ‬
‫َ َ‬
‫وأبلغ يف فهم املتعلم‪ ،‬وأدعى للحفظ واالنتباه‪ ،‬وأوعى‬ ‫أوقع يف النفس‪َ ،‬‬‫االستفهام؛ ليكون َ‬
‫للفهم‪ ،‬وهذا أسلوب من أساليب تربية النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ألصحابه وإرشاده‬
‫هلم‪ ،‬وتعليمه إياهم‪ ،‬وهو مما جيب أن يهتم به املربون‪ ،‬ويتعلموا من أساليب تعليمه ‪-‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪ -‬ألصحابه‪.‬‬

‫‪)(1‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب اإلميان‪ ،‬باب الدليل على أن من مات على التوحي د دخل اجلنة قطعا‪ ،1/5 ،‬رقم احلديث‬
‫‪.30‬‬

‫‪)(2‬القرعاوي‪ ،‬حممد بن عبد العزيز السليمان‪ ،‬الجديد في شرح كت""اب التوحيد "بتصرف يسري"‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد بن‬
‫أمحد سيد أمحد‪ ،‬ط‪( ،2‬جدة‪ :‬مكتبة السوادي‪1417 ،‬هـ‪1997 -‬م) ص ‪.32‬‬

‫‪106‬‬
‫التذكير باآلخرة وأهمية االستعداد لها‪:‬‬

‫لق د ح رص الرس ول ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬على بن اء املس لم بن اء داخلي ا متين ا‪ ،‬وإيق اظ‬
‫ض مريه‪ ،‬حيث يص بح رقيب ا على نفس ه يف الس ر والعلن‪ ،‬وحيث يُقبِ ل دائم ا على الطاع ة‬
‫والعمل الصاحل‪ ،‬مدفوعا بيقينه باحلساب واجلزاء‪ ،‬ف رىَّب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يف نفوس‬
‫ِ‬
‫اإلميان باهلل‪ ،‬اإلميا َن ب اليوم اآلخ ر‪ ،‬وغ َرس يف نفوس هم حقيق ةَ اآلخ رة‬ ‫أص حابه م ع‬
‫ومش اهدها‪ ،‬ح ىت َعظُمت يف قل وهبم‪ ،‬وأمثرت إحساس ا متنامي ا بعظيم الث واب والعق اب‬
‫األخروي‪ ،‬األمر الذي كان يدفع دائما إىل تنقية العمل وإصالح الظاهر والباطن‪.‬‬

‫فمن ذل ك‪ :‬م ا رواه أنس‪-‬رض ي اهلل عن ه‪ -‬أن أعرابيًّا س أل الن يب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪-‬‬
‫ول ِ‬
‫اهلل؟‬ ‫الساعةُ يَا َر ُس َ‬
‫"مىَّت َّ‬
‫فقال‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ال لَه رس ُ ِ‬
‫ت هَلَا؟"‪.‬‬ ‫‪-‬صلَّى اهللُ َعلَْيه َو َسلَّ َم‪َ :-‬‬
‫"ما َذا أ َْع َد ْد َ‬ ‫ول اهلل َ‬ ‫َف َق َ ُ َ ُ‬
‫اهلل َو َر ُسولِِه‪.‬‬
‫ب ِ‬ ‫ال‪ُ :‬ح ُّ‬
‫قَ َ‬
‫ِ‬
‫ت " (‪. ) 1‬‬ ‫َحبَْب َ‬ ‫‪-‬صلَّى اهللُ َعلَْيه َو َسلَّ َم‪" :-‬أَنْ َ‬
‫ت َم َع َم ْن أ ْ‬ ‫ال َ‬ ‫َف َق َ‬

‫ق ال أنس‪ :‬فم ا فرحن ا بش يء َفر َحن ا بق ول الن يب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪" :-‬أَنْ َ‬
‫ت َم َع َم ْن‬
‫وعمر‪ ،‬وأرجو أن‬ ‫ت"‪ ،‬قال أنس‪ :‬فأنا أحب النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وأبا بكر َ‬ ‫َحبَْب َ‬
‫أْ‬
‫أكون معهم حبيب إياهم وإن مل أعمل مبثل أعماهلم"(‪.)2‬‬

‫دليل على أن القضية ليست قضية مىت ميوت؟ ولكن القضية األهم على‬ ‫ففي هذا احلديث ٌ‬
‫أي ح ال ميوت‪ ،‬وب أي خامتة خيتم ل ه؟ والرس ول ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ي ذ ّكر الس ائل‬
‫باآلخرة‪ ،‬ويُ ِلفت نظره ألمهية االستعداد هلا‪ ،‬وهلذا انتقل من اإلجابة على سؤاله إىل قضية‬
‫أخرى أكثر أمهية ًللسائل‪..‬‬

‫‪)(1‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الرب والصلة واآلداب‪ ،‬باب املرء مع من أحب‪ ،4/5 ،‬رقم احلديث ‪.2639‬‬

‫اب أَيِب َح ْف ٍ‬
‫ص‪،‬‬ ‫ِِ‬
‫ب عُم ر بْ ِن اخْلَطَّ ِ‬
‫() صحيح البخاري‪ ،‬كتاب فضائل أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬بَاب َمنَ اق َ َ‬
‫‪2‬‬

‫‪ ،2/4‬رقم احلديث ‪.2688‬‬

‫‪107‬‬
‫ت هَلَا؟" يعين‪ :‬ال تسأل عنها‪ ،‬فإهنا ستأيت‪.‬‬
‫"ماذَا أ َْع َد ْد َ‬
‫وهلذا قال‪َ :‬‬
‫‪‬‬ ‫ق ال تع اىل‪:‬‬
‫‪.)1(‬‬

‫وق ول أنس‪ :‬فم ا فرحن ا بش يء َفر َحن ا بق ول الن يب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪" :-‬أَنْ َ‬
‫ت َم َع َم ْن‬
‫ت)‪ ،‬قال أنس‪ :‬فأنا أحب النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وأبا بكر وعمر‪ ،‬وأرجو أن‬ ‫َحبَْب َ‬
‫أْ‬
‫أك ون معهم حبيب إي اهم وإن مل أعم ل مبث ل أعم اهلم‪ ،‬ف املرء م ع من أحب؛ ألن ه إذا أحب‬
‫قوم ا فإن ه ي ألفهم‪ ،‬ويَتق رب منهم‪ ،‬ويتخلّ ق ب أخالقهم‪ ،‬ويقت دي بأفع اهلم‪ ،‬كم ا هي طبيع ة‬
‫البشر‪.‬‬

‫حسن توجيه النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ألصحابه‪ ،‬وحرصه على‬ ‫ِ‬
‫واحلديث يُظْه ُر جبالء َ‬
‫ما فيه نفعهم‪ ،‬وإيصال اخلري إليهم‪ ،‬حيث نصح السائل بأن يهتم مبا ينفعه‪ ،‬وهو ما يسمى‬
‫در بال دعاة واملربني أن ينقل وا‬
‫بـ"األس لوب احلكيم"‪ ،‬وهي طريق ة تربوي ة نافع ة مفي دة‪ ،‬أج ُ‬
‫املدعو مما ال ينفع إىل ما ينفع‪ ،‬كما فعل النيب صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫ويف احلديث كمال رفق الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بالسائل‪ ،‬وحرصه على توجيهه‬
‫لِ َم ا ينفعه‪ ،‬وكمال شفقته على صحابته‪ ،‬وداللتهم على ما فيه سعادهتم وصالحهم‪.‬‬

‫عنايته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بتفقد إيمان أصحابه‪:‬‬

‫كم ا مُي ثّ ل االهتم ام الش ديد باإلميان ورس وخه يف القل وب والعناي ة بأعم ال القل وب من‬
‫تص حيح الني ة‪ ،‬وحف ظ اهلل يف الس ر والعلن‪ ،‬وص دق التوك ل‪ ،‬ومعامل ة اخلالق س بحانه‬
‫ب اخلوف والرج اء‪ ،‬واجلم ع بني احملب ة واخلش ية‪ ،‬م ع اس تمرار املراقب ة هلل يف ك ل حني‪ ،‬وغ ري‬
‫مزكاة‪ ،‬وقلب سليم‪ ،‬متثل الرابط القوي الذي ترتكن‬ ‫ٍ‬ ‫ؤس س ٍ‬
‫لنفس‬ ‫ذلك من األصول اليت تُ ِّ‬
‫عليه الرتبي ةُ يف كل مراحلها‪ ،‬والنظام الْ ُم ْحكم الذي يضم مراحل الرتبية بعضها إىل بعض‬
‫يف نَ َسق واحد ونظام بديع‪.‬‬

‫‪ )(1‬سورة األحزاب‪ ،‬اآلية‪.63 :‬‬

‫‪108‬‬
‫يفوت فرصة ساحنة إال واستثمرها يف ترسيخ‬
‫فرسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬مل يكن ّ‬
‫اإلميان يف قلوب أصحابه‪ ،‬وإمدادهم بالزاد الذي يقوي اليقني يف قلوهبم‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬

‫تعليمه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ابن عباس قواع َد اإليمان وهو غالم صغير‪:‬‬

‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه‬


‫ف النَّيِب ِّ َ‬ ‫ت َخ ْل َ‬‫روى الرتمذى عن ابن عباس‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬قال‪ُ " :‬كْن ُ‬
‫اح َف ِظاللَّ َهيَ ْح َفظْك‬ ‫ِ ٍ‬ ‫وس لَّم‪ -‬يوم ا‪ ،‬فق ال‪ :‬ي اغُ ُ ِ‬
‫اح َفظْ ُه َّن‪ْ ،‬‬ ‫ِّيم َعلِّ ُم ُك َكل َمات َف ْ‬
‫الم‪،‬إن ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َْ ً‬
‫تَعِْنبِاللَّه‬ ‫اس‬ ‫‪،‬وإِذَ ْ‬
‫ااسَت َعْنَت َف ْ‬
‫اِل‬
‫أَ للَّهَ َ‬ ‫اسأَلَْت َف ْ‬
‫اس‬ ‫ك ِ‬
‫‪،‬وإذَ َ‬
‫اه َ َ‬
‫ْد ُهتُ َج َ‬ ‫َ‪،‬اح َف ِظاللَّ َهتَ ِج‬
‫ْ‬
‫ِ‪،‬و ْاعلَمأَنَّاأل َُّمةَلَ ِواجتَمعواعلَىأَْنيْن َفعو َكلَميْن َفعو َكِإالبِ َشي ٍءقَ ْد َكتَبهاللَّهلَ َ ِ‬
‫اجتَ َمعُوا َعلَى أَ ْن‬‫ك‪َ ،‬وإِن ْ‬ ‫َُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ ُ َ َ ُ َْ ُ‬ ‫َ ْ‬
‫ت اأْل َقْاَل م وجف ِ‬ ‫ك‪ ،‬رفِع ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫َّت‬ ‫ََُ‬ ‫وك إِاَّل بِ َش ْيء قَ ْد َكتَبَ هُ اهللُ َعلَْي َ ُ َ‬ ‫ض ُّر َ‬ ‫وك بِ َش ْيء مَلْ يَ ُ‬ ‫ض ُّر َ‬ ‫يَ ُ‬
‫ف"(‪.)1‬‬ ‫الص ُح ُ‬‫ُّ‬
‫ص النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬على ربط قلوب أصحابه باهلل عز وجل‪ ،‬ومراقبته يف‬ ‫حر َ‬
‫َ‬
‫الس ر والعلن‪ ،‬ومَجَ ع القلب كله عليه وتوجيه اهلمة لطلب رضاه‪ ،‬وتنقية القلوب من ك ل‬
‫أنواع الشرك‪.‬‬

‫ويالح ظ أن ه من عظيم ح رص رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬على س المة العقي دة‪،‬‬ ‫َ‬
‫وتثبيت معاين اإلميان يف قلوب أصحابه؛ أنه كان يبدأ يف تلك الرتبية مبكرا‪ ،‬فلم مينعه صغر‬
‫سن ابن عباس أن يُلقي إليه هبذه الكلمات‪ ،‬اليت حتمل أخص معاين العقيدة‪ ،‬وعميق اإلميان‬
‫باهلل‪ ،‬والتوكل عليه‪ ،‬والتسليم بقضائه وقدره‪ ،‬فقد كان النىب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ينقي‬
‫وب الص حابة وج وارحهم من الش رك‪ ،‬وي ربيهم على التوحي د اخلالص‪ ،‬ويع ّرفهم ب رهبم‬ ‫قل َ‬
‫الذى خلقهم ورزقهم‪ ،‬فرسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يعلَم أن عقيدة اإلسالم وأسس‬
‫ِ‬
‫ابن عباس وهو ما‬ ‫استصغر أن يُعلِّ َم َ‬
‫َ‬ ‫عباده‪ ،‬فما‬
‫اإلميان باهلل سبحانه‪ ،‬فطرة فطَ َر اهلل عليها َ‬
‫زال غالما صغريا هذه املعاينَ الكبريةَ من دين اهلل؛ استثمارا للفطرة بداخله‪ ،‬وتثبيتا ملعاين‬
‫اإلميان يف قلبه‪.‬‬

‫عن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وس لَّم‪ )59( ،‬باب‪ ،1/1 ،‬رقم‬ ‫‪)(1‬سنن الرتمذي‪،‬كتاب ِصفة الْقيامة َو َّ‬
‫الرقَائق والورع ْ‬
‫احلديث ‪ ،2516‬قال الرتمذي‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫رب أن يقت دي برس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬يف اس تغالل ك ل فرص ة‬ ‫فعلى ك ل م ٍّ‬
‫متاح ة لتعليم تالمذت ه حقيق ةَ اإلميان‪ ،‬وغ رس معاني ه يف القل وب‪ ،‬ورب ط النف وس خبالقه ا‬
‫ورازقها‪ ،‬وال يَغفل يف أي مرحلة من مراحل الرتبية عن التذكري بأمهية حفظ اهلل يف السر‬
‫والعلن‪ ،‬والتوجه له وحده بالسؤال‪ ،‬واالستعانة‪ ،‬والعبادة‪ ،‬والرضا بقضائه‪.‬‬

‫الرسول" ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يتفقد إيمان عمار وقت محنته‪:‬‬

‫عن عبد اهلل‪ ‬بن عون عن حممد‪ ‬بن سريين أن النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬لقي عمارا وهو‬
‫ِ‬
‫وك يِف الْ َم اء َف ُق ْل َ‬
‫ت َك َذا َو َك َذا؛‬ ‫َّار َفغَطُّ َ‬
‫َخ َذ َك الْ ُكف ُ‬
‫يبكي‪ ،‬فجعل ميسح عن عينيه‪ ،‬ويقول‪" :‬أ َ‬
‫فَِإ ْن َع ُ‬
‫ادوا َف ُق ْل َذ َاك هَلُ ْم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َكم ِ ِ‬
‫وه َحتَّى َق َار َب ُه ْمف َيب ْعض َماأ ََر ُادوا‪،‬فَ َش َكى َذل َكِإلَىالنَّيِب ِّ‬
‫َخ َذالْ ُم ْش ِر ُكو َن َع َّم ًارا َف َع َّذبُ ُ‬
‫اجاءَمْنطَ ِريق آخر" أ َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال ‪ُ :‬مطْ َمئنًّابِاإْلِ ميَان‪،‬قَالََفِإ ْن َع ُ‬ ‫صلَّىاللَّ ُه َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪َ -‬ف َقالَلَهُ ‪َ :‬كْي َفتَج ُد َق ْلبَ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ادوا َفعُ ْد" ‪.‬‬ ‫ك؟قَ َ‬ ‫‪َ -‬‬
‫أشفق رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬على عمار‪ ،‬وتأمل ألمله عندما رأى ما َح َّل به من‬
‫عذاب املشركني‪ ،‬وما اضطروه إليه من كلمات خرجت منه ُمكَْر ًها‪ ،‬وأراد أن يطمئنه على‬
‫وحترج ه من أن يكون قد أُصيب يف إميانه؛‬ ‫سبب بكائه‪ ،‬واستشعر خوفه‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫إميانه عندما عل َم َ‬
‫بس بب م ا نال ه من أذى الكف ا ِر‪ ،‬فق ال م ا ق ال حبق رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪-‬‬
‫والنفس املؤمن ة عن دما َتْن ِط ق مبا قال ه عم ٌار تك اد َت ْهل ك نَ َد ًما‪ ،‬فعلى ال رغم من أن الع ذاب‬
‫وعظيم‬
‫َ‬ ‫بشر‪ ،‬إال أن َجنَ اب رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬ ‫تعرض له ال يطيقه ٌ‬ ‫الذي ّ‬
‫قدره يف قلوب أصحابه‪ ،‬كان َي ْعظُم يف نفوسهم على كل أ ٍمل‪ ،‬ولذا فلم جيد عمار لنفسه‬
‫فيما فعل خمرجا وال عذرا‪ ،‬فبكى بكاء شديدا‪ ،‬حىت أشفق عليه الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫وطف َق خُي فِّف عن ه م ا جيد من َح ْس رة وم رار ٍة تك اد تفت ك ب ه‪ ،‬وأعط اه ‪-‬رمحةً ب ه‬ ‫وس لم‪ِ -‬‬
‫ِ‬
‫العذاب‪ ،‬طاملا كان قلبُه‬ ‫وشفقةً عليه‪ُ -‬رخصةً يف ُم َعاودة ما قاله يف حقه إن عادوا ملثل هذا‬
‫مطمئنا باإلميان‪.‬‬

‫‪)(1‬ابن سعد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،3/249 ،‬والرواية األوىل مبعناها والثانية بنصها أوردمها ابن حجر يف فتح الباري شرح‬
‫ص حيح البخ اري‪ ،‬ط‪( ،1‬الق اهرة‪ :‬دار الغ د الع ريب ‪1992-‬م) ‪ ،18/19‬ص ‪ ،426‬وق ال ابن حج ر أن احلديثني‬
‫مرسالن ورجاهلما ثقات‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫‪ -2‬متابعتهم في عبادتهم" وأعمالهم الصالحة‪":‬‬

‫تُ بني آي ات الق رآن الك رمي الغاي ة ال يت ألجله ا خل ق اهلل اإلنس ان‪ ،‬وهي عب ادة اهلل وح ده ال‬
‫شريك له‪ ،‬يقول ربنا تبارك وتعاىل‪.)1( :‬‬

‫والنجاح يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬يقول رب العزة‪:‬‬


‫ِ‬ ‫وهذه العبادة هي َمناط الفالح‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪.)2(‬‬

‫وانطالق ا من ه ذه التوجيه ات الرباني ة ح رص رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬على‬


‫متابعة أصحابه يف عبادهتم‪ ،‬فكان من َه ْديه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬املبارك ىف الرتبية أنه‬
‫كان يتعهد أصحابه‪،‬ويسأهلم عن عبادهتم‪ ،‬تنشيطا هلم‪ ،‬ورفعا هلمتهم ىف الطاعة والعبادة‪،‬‬
‫وتصحيحا لِ َما قد يصيبها من خلل‪ .‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬

‫سؤاله ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ "-‬أصحابه عن أعمالهم" الصالحة‪":‬‬


‫ِ‬ ‫ال‪ :‬قَ َال رس ُ ِ‬ ‫‪-‬ر ِض َي اهللُ َعْنهُ‪ -‬قَ َ‬
‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ه َو َس لَّ َم‪َ :-‬م ْن أ ْ‬
‫َص بَ َح‬ ‫ول اهلل َ‬ ‫َُ‬ ‫" َف َع ْن أَيب ُهَر ْيَرةَ َ‬
‫صائِ ًما؟ قَ َال أَبُو بَ ْك ٍر‪ :‬أَنَا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الَْي ْو َم مْن ُك ْم َ‬
‫يضا؟ قَ َال أَبُو بَ ْك ٍر‪ :‬أَنَا‬ ‫ِ‬
‫قَاَل‪َ :‬م ْن َع َاد مْن ُك ْم الَْي ْو َم َم ِر ً‬
‫ال‪َ :‬م ْن َش ِه َد ِمْن ُك ْم الَْي ْو َم َجنَ َاز ًة؟ قَ َال أَبُو بَ ْك ٍر‪ :‬أَنَا‪.‬‬ ‫قَ َ‬
‫ال أَبُو بَ ْك ٍر‪ :‬أَنَا‪.‬‬‫ال‪ :‬فَ َم ْن أَطْ َع َم الَْي ْو َم ِم ْس ِكينًا؟ قَ َ‬‫قَ َ‬
‫ال يِف َر ُج ٍل يِف َي ْوٍم‪ ،‬إِاَّل َد َخ َل‬ ‫ص ُ‬ ‫ِِ ِ‬
‫اجتَ َم ْع َن َه ذه اخْل َ‬
‫ِ‬
‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ه َو َس لَّ َم‪َ :-‬م ا ْ‬ ‫قَ َال النَّيِب ُّ َ‬
‫اجْلَنَّةَ"(‪.)3‬‬

‫‪)(1‬سورة الذاريات‪ ،‬اآلية‪.56 :‬‬


‫‪)(2‬سورة احلج‪ ،‬اآلية‪.77 :‬‬

‫‪111‬‬
‫أدب حس ٌن للم ربني ىف تعه د َمن يقوم ون برتبيت ه‪ ،‬فيظه ر هلم املقص ر ىف الطاع ة‬
‫"فه ذا ٌ‬
‫والعب ادة‪ ،‬فيخص وهنم مبزي د من االهتم ام والنص ح‪ ،‬وك ذا يثن ون على َمن ينش ط للطاع ة‬
‫ويبش رونه ب اخلري‪ ،‬وىف احلديث بي ان ش رف الص حابة‪ ،‬ومهتهم‪ ،‬وب ذهلم‪ ،‬ومس ارعتهم إىل‬
‫طاع ة اهلل ع ز وج ل‪ ،‬خاص ة الس ابقني األولني‪ ،‬وعلى رأس هم الص ديق األول رض ي اهلل‬
‫عنه"(‪.)1‬‬

‫ويالحظأناحلديثتض ّمنأربعةأعماملنأعمااللربواخلري‪،‬التييحبهااللهعزوج ل‪،‬أخربالن يب‪-‬‬


‫َ‬
‫عليهالصالةوالس الم‪-‬أهننمااجتمعنفيعبدإالدخالجلن ة‪،‬ومتابعةالرس ول‪-‬صلىاللهعليهوس لم‪-‬‬
‫لعبادةأصحاهبفيهذااحلديثتضمنتاطمئناهنعلىماهوحقلله(الصيام)‪،‬وماهوحقللعباد(عيادةاملريض‪،‬‬
‫واتباعاجلنازة‪،‬وإطعاماملساكني)‪.‬‬

‫ياللهعنه‪-‬‬ ‫ألبيبكر‪-‬رض‬ ‫وفياحلديثأيضاإشارةٌلفض‬


‫الذيقامبهذهاألعمالفييومقبألنيعلمبفضلذلك‪،‬وفيهجوازاإلخباربالعمل‪،‬وأهّن ذااليلزمأنيكونرياءًب‬
‫إطالق‪.‬‬

‫سؤاله ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ "-‬عمن شهد الفرض معه‪:‬‬

‫ىالله َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪ُّ -‬‬ ‫ِ‬ ‫ص ٍري َعْنأُبَىِّْبنِ َك ْع ٍ‬ ‫"عْنأَبِىب ِ‬


‫الص ْب َح‪.‬‬ ‫‪-‬صلَّ ُ‬ ‫صلَّىبِنَ َار ُس واُل للَّه َ‬ ‫ال‪َ :‬‬ ‫ب‪،‬قَ َ‬ ‫َ َ‬
‫ال‪:‬‬‫َ‬ ‫اه ٌدفُالَ ٌن؟‪ .‬قَ الُوا‪َ :‬ن َع ْم‪َ .‬ف َق‬ ‫ِ‬ ‫َش‬
‫ال‪ :‬أ َ‬ ‫َ‬ ‫وهالْ َق ْوِم‪َ ،‬ف َق‬
‫َفلَ َّماس لَّمنظَرفِىوج ِ‬
‫ََ َ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫صالَةَالْعِ َش‬ ‫‪-‬ي ْعنِ ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صالٍَةأَْث َقلُ َعلَىالْ ُمنَافقينَ ِمْن َهاَتْينِ َّ‬ ‫ِ‬
‫اء‪-‬‬ ‫ىالصْب َح َو َ‬ ‫الََتنْي ِ َ‬ ‫الص‬ ‫أ ََّماإِن َُّهلَْي َسمْن َ‬
‫صفِّالْ َمالَئِ َك ِة‪َ .‬ولَ ْوَت ْعلَ ُمومَنَافِي ِهالَْبتَ َد ْرمُتُوهُ‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫ا‪،‬وإِن َّ‬
‫َّالصفَّاأل ََّولَ َعلَىمثْل َ‬ ‫ِِ‬
‫َولَ ْو َي ْعلَ ُمومَنَافيه َماألََت ْومُهَ َاولَ ْو َحْب ًو َ‬
‫ص الَهِتِ َم َعَر ُجل‬ ‫ىمْنص الَهِتِوح َده‪،‬وصالَُتهمع َّ ِ ِ‬
‫الر ُجلَْينأ َْز َكىمْن َ‬ ‫َ ْ ُ َ َ ََُ‬
‫الرجلِمع َّ أِل ِ‬
‫الر ُج َْز َك َ‬ ‫َّصالََة َّ ُ َ َ‬ ‫َوإِن َ‬
‫َحبَِّإلَىاللَّ ِه َعَّز َو َج َّل"‪.)2(.‬‬ ‫ٍ‪،‬و َما َك ُثَر َكانَأ َ‬
‫َ‬

‫‪)(3‬األدب املفرد‪ ،‬باب عيادة املرضى‪ 1/1 ،‬رقم احلديث ‪ ،524‬وصححه العالمة األلباين يف صحيح األدب املفرد (‬
‫‪)400‬‬

‫‪ )(1‬فريد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.159‬‬

‫‪112‬‬
‫ىالله َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪-‬‬ ‫ِ‬
‫‪-‬صلَّ ُ‬ ‫"صلَّىبِنَ َار ُس واُل للَّه َ‬ ‫ويف رواي ة عن أيب بن كعب‪-‬رضي اهلل عن ه‪ -‬قال‪َ :‬‬
‫اه ٌدفُالَ ٌن؟‪ .‬قَ الُوا‪:‬الَ‪ .‬قَ ال‬ ‫ال‪:‬أَش ِ‬ ‫ال‪:‬أ ِ‬
‫َش اه ٌدفُالَ ٌن؟‪ .‬قَ الُوا‪:‬الَ‪ .‬قَ َ َ‬ ‫االص ْب َح‪َ ،‬ف َق َ َ‬ ‫َي ْو ًم ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫الصالََتْينِأَْث َقاُل َّ‬ ‫َ‪:‬إِن ََّهاَتْينِ َّ‬
‫الر َكب‬ ‫اعلَى ُّ‬ ‫‪،‬ولَ ْوَت ْعلَ ُمومَنَافي ِه َماألََتْيتُ ُمومُهَ َاولَ ْو َحْب ًو َ‬
‫ني َ‬
‫لص لَ َوات َعلَىالْ ُمنَافق َ‬
‫يلَُت ُهالَْبتَ َد ْرمُتُوه‬ ‫ض‬‫فِّالْمالَئِ َك ِة‪،‬ولَوعلِمتُممافَ ِ‬ ‫ص‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‪،‬وإِن َّ‬
‫َ ْ َ ْ َْ‬ ‫َ‬ ‫َّالصفَّاأل ََّولَ َعلَىمثْل َ‬ ‫َ‬
‫هِتِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هِتِ‬ ‫ِ‬ ‫أِل‬ ‫ِ‬
‫الر ُجل‬‫ص الَ َم َع َّ‬ ‫الر ُجلَْينأ َْز َكىمْن َ‬ ‫صالَتُ ُه َم َع َّ‬
‫‪،‬و َ‬ ‫ص الَ َو ْح َدهُ َ‬ ‫الر ُج َْز َكىمْن َ‬ ‫الر ُجل َم َع َّ‬ ‫َّصالَةَ َّ‬‫ُ‪،‬وإِن َ‬
‫َ‬
‫َحبُِّإلَىاللَّ ِهَت َعاىَل " ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ِ‪،‬و َما َك ُثَر َف ُه َوأ َ‬
‫َ‬
‫الصالة هي ثاين أركان اإلسالم‪ ،‬وملكانتها يف دين اهلل سبحانه كان بالغ حرص الرسول‬
‫‪-‬صلى اهلل عليه وس لم‪ -‬على االهتمام هبا‪ ،‬ومتابعة أصحابه ليس فقط يف أدائها‪ ،‬وإمنا يف‬
‫ص ل من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حض ورها يف املس اجد مجاع ةً؛ ل َم ا يص يبهم من ذل ك من عظيم األج ر‪ ،‬ول َم ا حَيْ ُ‬
‫اجتماعهم من مصاحل وفوائد عديدة‪.‬‬

‫ومن هن ا ك ان تفق د رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ألص حابه والس ؤال عمن حض ر‬
‫ومن غاب عن اجلماعة‪ ،‬فكان ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يسأل بعد انتهائه من صالته عمن‬ ‫َ‬
‫حضر وشهد معه الصالة‪ ،‬وكان حي ّذر من ترك املكتوبة‪ ،‬خاصة صاليت العشاء والفجر‪،‬‬
‫وحي ّفز أصحابه بعظيم األجر والثواب على املداومة على اجلماعة يف املسجد‪ ،‬واحلرص على‬
‫الصف األول‪.‬‬

‫ويف احلديث بي ا ُن عظ ِم أمهي ة ص الة اجلماع ة‪ّ ،‬‬


‫وحث املريب على الس ؤال على تالمي ذه؛‬
‫لالطمئنان على شهودهم اجلماعات يف املساجد‪ ،‬وإذا غاب املرتيب عن حضور الصالة فال‬
‫بد للمريب من السؤال عنه‪ ،‬واالطمئنان على أحواله‪ ،‬ومعرفة سبب انقطاعه عن اجلماعة‪،‬‬
‫وحتفيزه للحضور واملواظبة؛ لتحصيل فوائد اجلماعة‪ ،‬وبَركتها‪.‬‬

‫‪ )(2‬السنن الكربى للبيهقي‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬مجاع أبواب موقف اإلمام واملأموم‪ ،‬باب فضل الصف األول‪،3/10 ،‬‬
‫ص ‪ ،102‬وق ال ال ذهيب يف امله ذب‪ :‬إس ناده ص احل ول ه ط رق عن أيب إس حق ختتل ف ‪ ،2/1033‬رقم احلديث‬
‫‪.4613‬‬

‫الص اَل ة‪ ،‬ب اب يِف ْ‬


‫فض ل ص اَل ة اجْل ماع ة‪ ،1/4 ،‬رقم احلديث ‪،554‬‬ ‫ِ‬
‫() س نن أيب داود‪ ،‬كتَ اب ّ‬
‫‪1‬‬

‫وحسنهالعالمةاأللبانيفيصحيحسننأبيداود‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫نهيه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬عبد اهلل‪ ‬بن عمرو عن المغاالة" في العبادة‪:‬‬

‫"بلَ َغ النَّيِب َّ‬


‫روى اإلم ام مس لم عن عب د اهلل‪ ‬بن عم رو‪ ‬بن الع اص ‪-‬رض ي اهلل عنهم ا‪-‬ق ال‪َ :‬‬
‫ال‪ :‬أَمَلْ‬ ‫ُصلِّي اللَّْي َل‪ ،‬فَِإ َّما أ َْر َس َل إِيَلَّ َوإِ َّما لَِقيتُهُ‪َ ،‬ف َق َ‬
‫َس ُر ُد َوأ َ‬
‫وم أ ْ‬
‫َص ُ‬ ‫‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أَيِّن أ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك َحظًّا‪،‬‬ ‫ك َحظًّا‪َ ،‬ولَن ْف ِس َ‬ ‫ص لِّي اللَّْي َل‪ ،‬فَاَل َت ْف َع ْل‪ ،‬فَ ِإ َّن ل َعْينِ َ‬ ‫ِ‬
‫وم َواَل تُ ْفط ُر‪َ ،‬وتُ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ُخَب ْر أَن َ‬
‫َّك تَ ُ‬ ‫أْ‬
‫َج ُر تِ ْس َع ٍة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫كأْ‬ ‫ص ْم ِم ْن ُك ِّل َع ْش َر ِة أَيَّ ٍام َي ْو ًم ا‪َ ،‬ولَ َ‬ ‫ص ِّل َومَنْ‪َ ،‬و ُ‬
‫ِ‬
‫ص ْم َوأَفْط ْر‪َ ،‬و َ‬ ‫ك َحظًّا‪ ،‬فَ ُ‬ ‫َوأِل َْهل َ‬
‫‪-‬علَْي ِه َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس اَل م‪ -‬قَ َال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ص ْم ص يَ َام َد ُاو َد َ‬ ‫ك يَ ا نَيِب َّ اللَّه‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَ ُ‬ ‫ال‪ :‬إِيِّن أَج ُديِن أَْق َوى ِم ْن َذل َ‬ ‫قَ َ‬
‫وم َي ْو ًم ا َويُ ْف ِط ُر َي ْو ًم ا‪َ ،‬واَل يَِف ُّر إِذَا‬ ‫ص ُ‬ ‫ال‪َ :‬ك ا َن يَ ُ‬ ‫وم يَ ا نَيِب َّ اللَّ ِه؟‪ ،‬قَ َ‬
‫ص ُ‬ ‫ف َك ا َن َد ُاو ُد يَ ُ‬ ‫َو َكْي َ‬
‫ف ذَ َك َر ِص يَ َام اأْل َبَ ِد‪َ ،‬ف َق َال‬ ‫ِ‬ ‫هِب ِ ِ‬
‫اَل قَى‪ ،‬قَ َال‪َ :‬م ْن يِل َذه يَا نَيِب َّ اللَّه؟‪ ،‬قَ َال‪َ :‬عطَاءٌ‪ ،‬فَاَل أ َْد ِري َكْي َ‬
‫ص َام َم ْن‬ ‫ص َام اأْل َبَ َد‪ ،‬اَل َ‬ ‫ص َام َم ْن َ‬ ‫ص َام اأْل َبَ َد‪ ،‬اَل َ‬ ‫ص َام َم ْن َ‬‫النَّيِب ُّ ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ :-‬اَل َ‬
‫ص َام اأْل َبَ َد"(‪.)1‬‬
‫َ‬
‫دين الوس طية‪ ،‬ي رفض اإلف را َط كم ا ي رفض التفري ط‪ ،‬ويف ه ذا احلديث يق ّوم‬
‫دين اإلس الم ُ‬
‫الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬خطأ املغاالة والتعمق يف صيام الدهر‪ ،‬وقيام كل الليل‪ ،‬مما‬
‫والنفس باملل ِل‪ ،‬فيف وت غ رض العب ادة املنش ود وه دفها األمسى‪،‬‬ ‫يص يب اجلس َد بالض ِ‬
‫عف‪،‬‬
‫َ‬
‫ويضيع حقوقا أخرى على اإلنسان"(‪.)2‬‬

‫‪ -‬لقد علم رسول اهلل‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أن عبد اهلل‪ ‬بن عمرو‪ ‬بن العاص كان يقضى‬
‫خروج ىف غزوة‪ ،‬فإن أيامه كلها تتلخص ىف‬
‫ٌ‬ ‫حياته على وترية واحدة‪ ..‬وما مل يكن هناك‬
‫أنه من الفجر إىل الفجر ىف عبادة موصولة‪ ..‬صيام‪ ،‬وصالة‪ ،‬وتالوة قرآن‪ ..‬فاستدعاه النيب‬
‫‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬إلي ه‪ ،‬وراح ي دعوه إىل القص د ىف عبادت ه‪)3("..‬؛ ألن القص د يف‬
‫العبادة أدعى لنشاط النفس‪ ،‬واإلقبال على الطاعة دون سآمة‪ ،‬وأحرى أن يستمر صاحبها‬
‫عليها وال ينقطع عنها‪.‬‬

‫ملن تَضرر به‪ ،2/5 ،‬رقم احلديث ‪.1159‬‬ ‫ِ‬


‫َّهر ْ‬
‫ص ْوم الد ْ‬
‫عن َ‬
‫الصيام‪ ،‬باب النَّهي ْ‬
‫()صحيح مسلم‪،‬كتاب ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪)(2‬إبراهيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.299‬‬

‫‪)(3‬خالد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.561‬‬

‫‪114‬‬
‫وحادث توجيه الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬لعبد اهلل‪ ‬بن عمرو‪ ‬بن العاص لعدم املغاالة‬
‫درس بلي غ للم ربني‪ ،‬ففيه ا دالل ة واض حة على أن دور املريب ال ينتهي مبج رد‬
‫يف العب ادة‪ٌ ،‬‬
‫االطمئنان على أداء املرتيب العبادة‪ ،‬وإمنا جيب عليه متابعته؛ حىت يتأكد من أنه يؤديها على‬
‫الوجه األكمل‪ ،‬وبالطريقة املشروعة دون إفراط وال تفريط‪.‬‬

‫متابعتهم أخالقيا وسلوكيا‪:‬‬

‫وضعُ ِفياملِ َيزانِأَْث َقلُ ِمْن ُح ْس نِاخلُلُق‬ ‫ق ال الن يب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ٍ ِ :-‬‬
‫"مامْن َشيءيُ َ‬
‫َ‬
‫ِ (‪)1‬‬
‫الصالة" ‪.‬‬ ‫بالص ِ‬
‫وم َو َّ‬ ‫احبحسنِاخْل لُِقلَيبلُغُبِ ِه َدرجةَص ِ‬
‫اح َّ‬ ‫ِ‪،‬وإِن ِ‬
‫ََ َ‬ ‫َّص َ ُ ْ ُ‬ ‫َ َ‬
‫ِِ‬
‫ني إِميَانَا أ ْ‬
‫َح َسُن ُه ْم ُخلًُقا"(‪.)2‬‬ ‫وقال ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪" :-‬أَ ْك َم ُل الْ ُم ْؤمن َ‬
‫األخالق الطيبةُ هي الثمرة الطبيعي ةُ للرتبية القائمة على العقيدة الصحيحة‪ ،‬والقلب السليم‪،‬‬
‫ول ذا فرعايته ا والعناي ة املس تمرة هبا دلي ٌل على ص حة الس ري‪ ،‬وس المة البن اء النفس ي‬
‫رتب ه و مش روع لداعي ة متم يز‪ ،‬أيًّا م ا ك ان‬
‫والس لوكي للم رتبني‪ ،‬فض ال عن أن ك َّل م ٍّ‬
‫ختصصه بعد ذلك‪ ،‬والعناية هبذا اجلانب اخللقي مبكرا هو أحد أهم الضمانات لنجاح ذلك‬
‫أكرب األثر يف نفوسهم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الناس هبا‪ ،‬وتَرتُك َ‬
‫املشروع؛ فأخالق الداعية هي واجهتُه اليت يعرفه ُ‬
‫وعلى أساسها يكون اإلقبال والقبول‪ ،‬أو الرفض واإلعراض‪.‬‬

‫وعلى ه ذا األس اس اعتىَن رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬مبتابع ة أخالق أص حابه‪،‬‬
‫وس لوكياهتم‪ ،‬وتقوميه ا‪ ،‬وت وجيههم ألفض ل األخالق وأك رم الش مائل‪ ،‬وهنيهم عن س يئ‬
‫األخالق واألفعال‪.‬‬

‫ومن متابعاته األخالقية والسلوكية‪:‬‬

‫‪ )(1‬س نن الرتم ذي‪ ،‬كت اب ال رب والص لة‪ ،‬ب اب م ا ج اء يف حس نن اخلل ق‪ 1/1 ،‬رقم احلديث ‪،2003‬‬
‫قاالحملدث‪:‬هذاحديثغريبمنهذاالوجه‪،‬وصححهالعالمةاأللباين يف صحيح سنن الرتمذي ‪.‬‬

‫اع‪ ،‬ب اب م ا ج اءيف ح ق املرأة على زوجه ا‪ ،1/1 ،‬رقم احلديث ‪،1162‬‬
‫ض ِ‬ ‫‪)(2‬س نن الرتم ذي‪ ،‬كِتَ اب َّ‬
‫الر َ‬
‫قاالحملدث‪:‬هذاحديثحسنصحيح‪،‬وقالعنه األلباين يف صحيح سنن الرتمذي‪:‬حسنصحيح‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫نهيه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ "-‬ألصحابه عن الجلوس في الطرقات إال بحقها‪:‬‬

‫ات‪.‬‬ ‫ال‪:‬إِيَّا ُكمواجْل لُوس ِفىالطُّرقَ ِ‬ ‫يداخْلُ ْد ِر ِّى َعنِالنَّىِب ِّ ‪-‬صلىاللهعليهوس لم‪ -‬قَ َ‬ ‫"روى مسلِمعْنأَبِىس عِ ٍ‬
‫ُ‬ ‫َْ ُ َ‬ ‫ََ ُ ْ ٌَ َ‬
‫واُل للَّ ِه‬ ‫نَا َنتَ َح َّدثُِف َيها‪ .‬قَالََر ُس‬ ‫ٌّمْن َم َجالِ ِس‬
‫واَل للَّ ِه‪،‬مالَنَابد ِ‬
‫َ ُ‬ ‫الُوا‪:‬يَ َار ُس‬ ‫قَ‬
‫‪-‬صلىاللهعليهوس لم‪:-‬فَِإذَاأَبيتم ِإالَّالْمجلِ‬
‫احقُّهُ؟قَ ال‬ ‫س‪،‬فَأ َْعطُواالطَِّري َق َحقَّهُ‪ .‬قَ الُ َ‬
‫وا‪:‬و َم َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َُْ ْ‬
‫َّهُى َعنِالْ ُمْن َك ِر" ‪.‬‬
‫(‪) 1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‪َ :‬غضُّالْبص ِر‪،‬و َكفُّاألَ َذى‪،‬ور ُّد َّ ِ‬
‫‪،‬والن ْ‬
‫‪،‬واأل َْم ُربالْ َم ْع ُروف َ‬
‫السالَم َ‬ ‫ََ‬ ‫ََ َ‬
‫يهدف اإلسالم إىل الرقي باجملتمع املسلم إىل معايل األمور‪ ،‬ومسو األخالق يف كل أحواهلم‪،‬‬
‫وين أى ب أفراده عن ك ل خل ق س يئ‪ ،‬أو عم ٍل ُمش ني‪ ،‬ومن تش ريعاته وآداب ه ال يت علّمه ا‬
‫املسلمني ما يتعلق حبق الطريق؛ فاألصل الذي بيّنه الشرع يف الطرقات العامة أهنا ليست‬
‫للجل وس؛ ألن ه ي رتتب على اجلل وس فيه ا أض رار عدي دة؛ منه ا‪ :‬التع رص للفتن ة‪ ،‬وإي ذاء‬
‫اآلخرين بالسب والغمز واللمز‪ ،‬واالطالع على األحوال اخلاصة للناس‪ ،‬وضياع األوقات‬
‫مبا ال فائد َة منه‪.‬‬

‫ومن هن ا ك انت متابع ة الرس ول‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ألص حابه يف جمالس هم‪ ،‬وهني ه هلم‬
‫دفع ا لكل هذه األضرار‪ ،‬إال أنه عندما رأى ِمن حاجة أصحابه‬ ‫عن اجللوس يف الطرقات‪ً ،‬‬
‫للجلوس فيها كان إباحته هلم ذلك‪ ،‬مع ِح ْرصه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬على تعليمهم َّ‬
‫حق‬
‫الطري ق من غض البص ر‪ ،‬وكف ه عن النظ ر إىل احملرم ات‪ ،‬وك ف األذى عن املارة جبمي ع‬
‫أنواع ه‪ ،‬مث ل االعت داء بكالم س يئ كالس باب‪ ،‬والغَيب ة‪ ،‬واالس تهزاء‪ ،‬واالعت داء ب النظر يف‬
‫بيوت اآلخرين دون إذهنم‪ ،‬ورد السالم‪ ،‬واألمر باملعروف والنهي عن املنكر‪.‬‬

‫اجللوس‬ ‫وأحكام ه ظاهرةٌ‪ ،‬وينبغى أن يُتَجنب‬ ‫ِ‬


‫اجلامعة‪،‬‬ ‫"قال النووي‪ :‬وهذا من األحاديث‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واحتقار‬ ‫ِ‬
‫السوء‪،‬‬ ‫وظن‬
‫اجتناب الغيبة‪ُّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫احلديث‪ ،‬ويدخل ىف كف األذى‪:‬‬ ‫ىف الطرقات؛ هلذا‬
‫ُ‬ ‫ُ‬

‫‪ )(1‬ص حيح مس لم‪ ،‬كت اب اللب اس والزين ة‪ ،‬ب اب النهي عن اجلل وس يف الطرق ات‪ ،‬وإعط اء الطري ق حق ه‪ ،3/5 ،‬رقم‬
‫احلديث ‪.2121‬‬

‫‪116‬‬
‫يق الطري ق‪ ،‬وإذا ك ان القاع دون ممن يَه اهبم املارون أو خيافون منهم‬
‫بعض املارين‪ ،‬وتض ُ‬
‫وميتنعون من املرور ىف أشغاهلم بسبب ذلك؛ لكوهنم ال جيدون طريقا إال ذلك املوضع"(‪.)1‬‬

‫نهيه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أبا مسعود األنصاري عن ضرب غالمه‪:‬‬
‫ِ‬ ‫َض ِرب غُاَل م ا يِل ‪ ،‬فَس ِمع ِ‬ ‫صا ِر ِّ‬ ‫ٍ‬
‫ص ْوتًا‪ْ :‬اعلَ ْم‬‫ت م ْن َخ ْلفي َ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫تأ ْ ُ ً‬ ‫ي‪ ،‬قَ َال‪ُ :‬كْن ُ‬ ‫" َع ْن أَيِب َم ْسعُود اأْل َنْ َ‬
‫‪-‬صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪-‬‬ ‫ت فَِإ َذا هو رس ُ ِ‬ ‫ك َعلَْي ِه‪ ،‬فَالَْت َف ُّ‬ ‫ٍ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫َُ َ ُ‬ ‫ك ِمْن َ‬ ‫أَبَا َم ْسعُود‪ ،‬لَلَّهُ أَقْ َد ُر َعلَْي َ‬
‫ك‬‫َّار ‪-‬أو لَ َم َّس ْت َ‬ ‫ك الن ُ‬ ‫ول اللَّ ِه‪ُ ،‬ه َو ُحٌّر لَِو ْج ِه اللَّ ِه‪َ .‬ف َق َ‬
‫ال‪ :‬أ ََما لَ ْو مَلْ َت ْف َع ْل لَلَ َف َحْت َ‬ ‫ت‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫َف ُق ْل ُ‬
‫َّار‪.)2("-‬‬
‫الن ُ‬
‫والرفق يف كل شأهنم‪ ،‬وشدد‬
‫َ‬ ‫كان رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يعلّم أصحابه الرمحةَ‬
‫النكري على َمن َت ْقسو ُقلُ وبُ ُهم على الضعفاء من العبيد وغ ِريهم‪،‬‬
‫َ‬ ‫‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬
‫يعذب حىت هبيمة عجماء‪.‬‬ ‫فوق طاقتهم‪ ،‬وبنَّي َ أن اإلنسان ال حَيِ ُّق له أن ِّ‬
‫و َن َهى عن تكليفهم َ‬
‫وعندما ش ِهد رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أبا مسعود األنصاري ‪-‬رضي اهلل عنه‪-‬‬
‫وهو يقسو على غالمه‪ ،‬فيضربه‪ ،‬اهتز قلبُه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وهو الرمحة املهداة هلذا‬
‫لوك‪،‬‬
‫ص ِّحح ل ه ه ذا الس َ‬ ‫املش هد‪ ،‬وأراد أن يعلّم أب ا مس عود درس ا يف الرف ق والرمحة‪ ،‬وأن يُ َ‬
‫ض ْربه‪ ،‬ف ذ ّكره ب أن اهلل‬ ‫ِ‬
‫وي بني ل ه أن كون ه مالك ا هلذا الغالم ال يُعطي ه احلق يف تعذيب ه أو َ‬
‫أقدر عليه من قُ ْدرته على غالمه‪ ،‬وكان الصحابة َوقَّافني عند شرع اهلل سبحانه ال‬ ‫سبحانه ُ‬
‫يتجاوزونه‪ ،‬وكان من أثر حسن تعليم النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ومجيل توجيهه‪ ،‬أن أبا‬
‫مسعود أسرع بعتق غالمه الذي ضربه لوجه اهلل تعاىل؛ تأثرا بكالم النيب ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ -‬وتكفريا عما فعله مع الغالم‪.‬‬

‫‪)(1‬النووي‪ ،‬أبو زكريا حييي بن شرف‪ ،‬شرح صحيح مسلم ‪ ،‬حتقيق هاين احلاج وعماد زكي البارودي( القاهرة‪ :‬دار‬
‫التوفيقية للرتاث‪1431 ،‬هـ‪2010-‬م)‪.14/77 ،‬‬

‫‪ )(2‬األدب املفرد‪ ،‬باب أدب اخلادم‪ ،1/1 ،‬رقم احلديث ‪ ،171‬وصححه األلباين يف صحيح األدب املفرد(‪.)127‬‬

‫‪117‬‬
‫نهيه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬رجلين من أصحابه عن غيبة صاحبهما‪:‬‬

‫َح ُدمُهَا‬‫ول أ َ‬ ‫َص َحابِِه َي ُق ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ه َو َس لَّ َم‪َ -‬ر ُجلَنْي ِ م ْن أ ْ‬
‫ِ‬
‫يق ول أب و هري رة‪" :‬مَس َع النَّيِب ُّ َ‬
‫ب؛‬ ‫احبِ ِه‪ :‬انْظُ ر إىل َه َذا الَّ ِذي َس َتر اللَّهُ َعلَْي ِه‪َ ،‬فلَم تَ َد ْع هُ َن ْفس هُ َحىَّت ر ِجم ر ْجم الْ َك ْل ِ‬ ‫لِص ِ‬
‫َ‬
‫ُ ََ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ال‪ :‬أَيْ َن فُال ٌن َوفُال ٌن؟‬ ‫اعةً َحىَّت َم َّر جِبِ ي َف ِة مِح َ ا ٍر َش ائِل بِ ِر ْجلِ ِه؛ َف َق َ‬
‫ت َعْن ُه َم ا‪ ،‬مُثَّ َس َار َس َ‬ ‫فَ َس َك َ‬
‫ال‪ :‬انْ ِزال‪ ،‬فَ ُكال ِم ْن ِجي َف ِة َه َذا احْلِ َم ا ِر! َف َق اال‪ :‬يَا نَيِب َّ اللَّ ِه‪،‬‬ ‫ول اللَّ ِه‪ .‬قَ َ‬
‫َف َق اال‪ :‬حَنْ ُن َذ ِان يَا َر ُس َ‬
‫َش ُّد ِم ْن أَ ْك ٍل ِمْن هُ‪َ ،‬والَّ ِذي‬ ‫َخي ُك َم ا آنًِف ا أ َ‬ ‫ض أِ‬‫َم ْن يَأْ ُك ل ِم ْن َه َذا؟!! قَ َال‪ :‬فَ َم ا نِْلتُ َم ا ِم ْن ِع ْر ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َن ْفسي بيَده إنَّهُ اآل َن لَفي أَْن َهار اجْلَنَّة َيْن َقم ُ‬
‫(‪) 1‬‬
‫س ف َيها!" ‪.‬‬

‫َح ّرم اإلس الم الغيب ةَ‪ ،‬وع ّدها من احملرمات الكبرية؛ لَ َم ا هلا من تأثري واسع األث ر يف ضرره‬
‫وسالمتِها‪.‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫النفوس‬ ‫على اجملتمع وصحته‪ ،‬وعلى‬

‫وم ا ك ان رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬لِيَس مع غيب ةً ويس كت عنه ا‪ ،‬فال يلي ق ه ذا‬
‫ومق ام النب وة وأمان ة‬
‫ص ُد َر من مس لمني يف ح ق أخيهم ا‪ُ ،‬‬
‫حبف ظ ح ق املس لم‪ ،‬وال يلي ق أن يَ ْ‬
‫التبليغ‪ ،‬ووظيفة الرتبية والتأديب‪ ،‬ومهمة املتابعة املنوطة بالنيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ال‬
‫سكوت على منكر أو الرضا به‪.‬‬‫ٌ‬ ‫يُتَصور معها‬

‫سكوت رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بادئ األمر عندما وصلته مقالة ُس وء‬ ‫ُ‬ ‫وما كان‬
‫إقرارا هلم‪ ،‬وإمنا‬
‫حد الزنا ‪-‬تطهريا له‪ً -‬‬ ‫رجل لصاحبِه يف حق أخيهم الذي أُقيم عليه ُّ‬ ‫من ٍ‬
‫كان انتظارا للوقت املناسب؛ لبيان عظيم ُج ْرمهما يف حق أخيهما‪ ،‬فاخلطأ أكرب من أن يَتِم‬
‫النهي عنه بالكالم‪ ،‬وما يُظَن أن رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬لو بادر لنهيهما عن‬ ‫ُّ‬
‫مرا على ِجيفة محار‪ ،‬فأمرمها أن يأكال منها‪ ،‬فلما‬‫التأثر حينها مثلَما بلغ عندما َّ‬
‫الغيبة ما بلغ ُ‬
‫أشد من األكل من‬ ‫وقع ا فيه من غيبة صاحبهما ُّ‬ ‫واستنكرا‪ ،‬أعلمهما أن ما َ‬
‫َ‬ ‫أَنَِف ا من ذلك‬
‫ع عن تَك رار مث ل تل ك‬ ‫ِ‬
‫ه ذه اجليف ة‪ ،‬مث زي ادةً يف الت أديب والت أثري يف النف وس ح ىت تَرت د َ‬

‫‪ )(1‬سنن أيب داود‪ ،‬كتاب احلدود‪ ،‬باب رجم ماعز بن مالك‪ ،1/1 ,‬رقم احلديث ‪ ،4428‬وضعفه الشيخ األلباين‬
‫يف ضعيف سنن أيب داود‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫درس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األفعال‪ ،‬أخربمها أن هذا الرجل الذي ن ااَل منه يتنعم يف اجلنة؛ لص ْدق توبته‪ ،‬ويف هذا ٌ‬
‫آخر يف عدم التسرع باحلكم بالظاهر على اآلخرين‪.‬‬

‫فالرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يعلمهما ‪-‬ويعلم األم ةَ مجيعا‪ -‬كيف يكون ِحفظ حق‬
‫ض عُف‬
‫أثره ا من ال ذهن‪ ،‬أو يَ ْ‬
‫املس لم وحف ظ َغْيبت ه ب أبلغ طريق ة‪ ،‬وبص ورة يبع د أن مُتْ َحى ُ‬
‫تأثريُها يف نفوس َمن حضرها أو مسعها‪.‬‬

‫خاتمة المبحث‪:‬‬

‫أخلص الن اس عقي دةً‪،‬‬


‫َ‬ ‫وق د أمثرت ه ذه املتابع ة الديني ة مثرهتا يف جمتم ع الص حابة‪ ،‬فك انوا‬
‫ص هم على طاع ة اهلل تع اىل‪،‬‬ ‫وأحر َ‬
‫وأص َدقهم إميانً ا‪ ،‬وأك َر َمهم أخالقً ا‪ ،‬وأحس نَهم مَسْتًا‪َ ،‬‬
‫وأبعدهم عن معصيته‪.‬‬‫َ‬
‫فينبغي على املريب أن يقت دي برس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬يف حرص ه على س المة‬
‫معتقد تالمذته‪ ،‬وتنقيته من كل ما يؤثِّر على صحته‪ ،‬والتحذيرمنكلمايعودعلىسالمتهباخللل‪.‬‬

‫ه‪،‬‬ ‫ا ينبغي أن حيرص املريب على هتذيب أخالق تالمذت‬ ‫كم‬


‫وس لوكياهتم‪،‬وتقوميه ا‪،‬وتوجيههمألفض الألخالق‪،‬وهنيهمعنس يئاألفعالوأن يهتم بس ؤاهلم عن‬
‫أعماهلم؛ ليحضهم عليها ويرغبهم فيها إن كانت حسنة وإال فينهاهم‪ ،‬كما ينبغي أن يهتم‬
‫بتح بيب العب ادات إىل الش باحبىت يك ون ذل ك ش غلهم الش اغل‪ ،‬فال ش ك ىف أن اإلميان ىف‬
‫قلب العب د ينم و وي زداد بالطاع ة‪ ،‬وأن القلب الس ليم يص ح بالعب ادة‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪.)1("‬‬

‫‪)(1‬سورة األنفال‪ ،‬اآلية‪.24 :‬‬

‫‪119‬‬
‫املبحثالثاين‪ :‬املتابعةالنفسية‬

‫اإلسالم بالصحة النفسية لإلنسان اهتمام بال ٌغ؛ إذ إن احلالة النفسية للمرء تؤثر تأثريا‬ ‫ِ‬ ‫اهتمام‬
‫ُ‬
‫مباشرا على أوجه النشاط اإلنساين كاف ةً؛ سلبا وإجيابا‪ ،‬ويظهر أثر الدور الكبري اليت تلعبه‬
‫الصحة النفسية وتأثريها على اإلنسان من كثرة استعاذة النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬من‬
‫‪-‬صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪َ -‬ي ُق ُ‬
‫ول‪" :‬اللَّ ُه َّم إِيِّن‬ ‫احلزن واهلم‪ ،‬عن أنس بن مالك قال‪" :‬كان النَّيِب ُّ َ‬
‫ض لَ ِع ال دَّيْ ِن َو َغلَبَ ِة‬ ‫أَع وذُ بِ َ ِ‬
‫ك م َن اهْلَ ِّم َواحْلَ َز ِن‪َ ،‬والْ َع ْج ِز َوالْ َك َس ِل‪َ ،‬واجْلُنْب ِ َوالْبُ ْخ ِل‪َ ،‬و َ‬ ‫ُ‬
‫الر َج ِال"(‪.)1‬‬
‫ِّ‬
‫ومما يزي د من أمهية االعتن اء بالص حة النفس ية‪ ،‬أن االس تقرار النفسي جيع ل املرء أكثر قدرة‬
‫على مواجهة املشاكل‪ ،‬واجتياز الصعاب‪ ،‬دون أن تَ ِ‬
‫كسَره أو َت ُفت يف عضده‪.‬‬
‫ٍ‬
‫درجة‬ ‫ومهام حتتاج إىل‬
‫َّ‬ ‫أحوج الناس لالستقرار النفسي؛ لِ َما يُناط هبم من وظائف‬ ‫ُ‬ ‫"والدعاة‬
‫عال من الرتكيز‪َ ،‬و ُهم مع ذلك بشر يتأثرون باملشاكل؛ أسرية‬ ‫كبرية من الصفاء‪ ،‬ومستوى ٍ‬
‫ك انت أو وظيفي ة أو مادي ة‪ ،‬أو غ َري ذل ك‪ ،‬وم اذا يُنتَظ ر من داعي ة حاص رته اهلم وم‪ ،‬أو ال‬
‫نفس ه وأهل ه حاج اهتم األساس ية؟! وم ىت ف َق َد الداعي ةُ اتزانَ ه‬ ‫يس تطيع أن جيد م ا يكفي ب ه َ‬
‫ت مِه تُه‪ ،‬وفقد محاسته للدعوة‪.‬‬
‫واستقراره النفسي تعثّر يف َسرْيِ ه‪ ،‬و َفَتَر ْ‬
‫كما تؤثر احلال ةُ النفسية تأثريا كبريا على طريقة تلقي األفراد‪ ،‬وتفاعلهم ومنوهم‪ ،‬وطريقة‬
‫أقدر على العمل‬
‫عطائهم بعد ذلك‪ ،‬وكلما كان الوضع النفسي مستقرا كلما كان املريب َ‬
‫واإلبداع"(‪.)2‬‬ ‫وأقرب للتميز‬ ‫أقدر على اإلجنا ِز‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫وجناح‪ ،‬وكلما كان املرتيب َ‬
‫هبدوء ٍ‬
‫رس خها النيب‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬ ‫العديد من األصول النفسية اليت ّ‬
‫َ‬ ‫اإلسالم‬
‫ُ‬ ‫أرس ى‬
‫وقد َ‬
‫ض َمن هلم السالمة النفسيةَ‪ ،‬ويضمن‬
‫يف نفوس أصحابه‪ ،‬وربّاهم عليها‪ ،‬وتابعهم فيها‪ ،‬حىت يَ ْ‬

‫‪)(1‬ص حيح مس لم‪ ،‬كت اب ال ذكر وال دعاء والتوب ة واالس تغفار‪ ،‬ب اب التع وذ من العج ز والكس ل وغ ريه‪ ،4/5 ،‬رقم‬
‫احلديث ‪.2706‬‬

‫‪)(2‬عادل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.87-86‬‬

‫‪120‬‬
‫االنطالق يف عمران األرض‪ ،‬والسعي يف َجنباهتا‪ ،‬ونَ ْش ر دين‬
‫ُ‬ ‫قدرا من االستقرار مُيْ ِك ُن معه‬
‫اهلل يف ربوعها‪ ،‬ويأيت على رأس تلك األصول‪:‬‬
‫هلدف وج ِ‬
‫ِ‬
‫ود اإلنس ان يف ه ذه‬ ‫وض""وح مهم""ة اإلنس""ان" ومص""يره‪ :‬التحدي ُد الواض ح ال بنِّي ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫األرض‪ :‬ووظيفته فيها‪:‬‬
‫‪‬‬
‫فيها‪:‬‬ ‫‪ ،)2(‬ومصريه بعد أن تنتهي مدة بقائه‬
‫العديد‬
‫ُ‬ ‫‪ .)3(‬والنفوس اليت تَغِيب عنها هذه الرؤية َتَت َف َّجر داخلها‬
‫من املشاكل والصراعات اليت متأل كيانَه باحلرية واالضطراب‪.‬‬

‫ربط النفوس باآلخرة‪" :‬حني تعلو قيمة الدار اآلخرة يف النفوس تُولد التطلع إىل معايل‬
‫األمور‪ ،‬واالستهانة باملصائب واحملن‪ ،‬اليت تواجه اإلنسان‪ ،‬ويشعر أنه سينساها حني يضع‬
‫أول قدمه يف اجلنة ‪-‬جعلنا اهلل من أهلها‪ -‬عن أنس بن مالك‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪" :-‬يُ ْؤتَىبِأَْن َع ِمأ َْهاِل ُّلد ْنيَ ِامْنأ َْهاِل لنَّا ِر َي ْو َمالْ ِقيَ َامة‬
‫ول‪:‬الََواللَّ ِهيَ َار ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‪َ ،‬في ِ‬
‫ب‪،‬‬ ‫ط؟ َفَي ُق ُ‬ ‫؟ه ْل َمَّربِ َكنَع ٌ‬
‫يم َق ُّ‬ ‫ط َ‬ ‫‪،‬ه ْلرأ َْيتَ َخْيراقَ ُّ‬
‫آد َم َ َ ً‬ ‫اابنَ َ‬ ‫ال‪:‬يَ ْ‬ ‫صْبغَةً‪،‬مُثَُّي َق ُ‬
‫صَبغُفىالنَّا ِر َ‬ ‫ُْ‬
‫ط؟‬‫‪،‬ه ْلرأ َْيتَُب ْؤ ًساقَ ُّ‬ ‫م‬ ‫آد‬ ‫ن‬ ‫ااب‬ ‫‪:‬ي‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ىالد ْني ِامْنأَهاِل جْل ن َِّة‪َ ،‬فيصبغُصبغَةًفِىاجْل ن ِ‬
‫َّة‬ ‫ُّ‬ ‫َّاسبؤسافِ‬ ‫وي ْؤتَىبِأ َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َشدِّالن ُ ْ ً‬ ‫َُ‬
‫ط"(‪.)4‬‬ ‫‪،‬والََرأ َْيتُ ِش َّد ًةقَ ُّ‬‫طَ‬ ‫‪،‬م َامَّربِ ُىب ُؤ ٌس َق ُّ‬ ‫بَ‬‫ول‪:‬الََواللَّ ِهيَ َار ِّ‬‫ط؟ َفَي ُق ُ‬ ‫َه ْل َمَّربِ َك ِش َّدةٌقَ ُّ‬

‫معرف ""ة حقيق "ة" ال ""دنيا" وق ""درها‪ :‬حب ال دنيا أس ٌ‬


‫اس لكث ري من االحنراف ات ال يت حتدث لب ين‬
‫اب اخلطاي ا‪ ،‬وانته ِ‬
‫اك احملرم ات؛ من أج ل‬ ‫البش ر‪ِ ،‬‬
‫وش َّدةُ التعل ق هبا ت دفع اإلنس ا َن إىل ارتك ِ‬
‫احلصول على لذاهتا‪ ،‬واملنافسةُ فيها تُ ْشغِ ُل اإلنسا َن عن آخرته‪.‬‬

‫حذر أصحابه من‬ ‫وقد كان ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يعىن ببيان حقيقة الدنيا ألصحابه؛ فيُ ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ىالله َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪-‬‬ ‫اهلل‪".‬ر َوى َجابِ ِربْن َعْبداللَّ ِهأَنََّر ُس واَل للَّه َ‬
‫‪-‬صلَّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ال دنيا‪ ،‬وي بني هلم هواهنا على‬
‫‪)(1‬سورة الذاريات‪ ،‬اآلية ‪.56‬‬
‫‪ )(2‬سورة هود‪ ،‬اآلية‪.61 :‬‬
‫‪)(3‬سورة العنكبوت‪ ،‬اآلية‪.57 :‬‬

‫‪)(4‬ص حيح مسلم‪ ،‬كت اب ص فة القيام ة واجلن ة والن ار‪ ،‬ب اب ص بغ أنعم أه ل ال دنيا يف الن ار‪ ،‬وص بغ أشدهم بؤس ا يف‬
‫اجلنة‪ ،4/5 ،‬رقم احلديث ‪.2807‬‬

‫‪121‬‬
‫ٍ‬ ‫مَّربِ ُّ ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫ك(ص غري األذنني) َميِّت‬ ‫َس َّ‬ ‫َّاس َكَن َفتَهُ(جانب ه)‪،‬فَ َمَّرجِب َ ْدىأ َ‬ ‫الس وق َداخالًمْنَب ْعضالْ َعاليَة َوالن ُ‬ ‫َ‬
‫ص َنعُبِ ِه؟قَ ال‬ ‫ٍ‬ ‫ال‪:‬أَيُّ ُكمي ِحبُّأَنَّه َذاهَل بِ ِدره ٍم؟‪َ .‬ف َق الُ ِ‬ ‫ِِ‬
‫وا‪:‬ماحُن بُّأَن َُّهلَنَابِ َش ْىء َو َمانَ ْ‬
‫َ‬ ‫َخ َذبِأُذُن ه‪،‬مُثََّق َ ْ ُ َ ُ ْ َ‬ ‫ٍ‪َ ،‬فَتنَ َاولَ هُ‪،‬فَأ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت! َف َق ال‬ ‫ك‪،‬فَ َكْي َف َو ُه َو َميِّ ٌ‬ ‫َس ُّ‬ ‫وا‪:‬واللَّ ِهلَ ْو َكاحَنَيًّا َكا َن َعْيبًافي ه؛ألَن ُ‬
‫َّهأ َ‬ ‫َ‪:‬أَحُت بُّونَ أَن َُّهلَ ُك ْم‪ .‬قَ الُ َ‬
‫ِ‬
‫اعلَْي ُك ْم"(‪.)1‬‬ ‫لد ْنيَاأ َْه َونُ َعلَىاللَّ ِهمْن َه َذ َ‬
‫َ‪َ :‬ف َواللَّ ِهلَ ُّ‬

‫سبحانه‪:‬‬ ‫التربية" على االعت""دال‪ :‬يقول احلق‬


‫‪" )2(‬االعتدال ُسنةُ اهلل تبارك وتعاىل يف خلقه؛‬
‫ف اخللق ق ائم على أس اس االعت دال والت وازن‪ ،‬كم ا أن ه س نة ل ه يف ش رعه‪ ،‬فالش رع ج اء‬
‫باالعتدال‪ ،‬وهو وسط بني نقيصتني‪.‬‬

‫ومن مث؛ فالرتبية اليت خَت ْ ُرج عن حد االعتدال ختالف طبيع ةَ الكائن البشري‪ ،‬وما َجبَله اهللُ‬
‫القائم على االعتدال والوسطية"(‪.)3‬‬
‫عليه‪ ،‬وختالف املنهج الشرعي َ‬
‫التربي""ة" على التكاف ""ل والتع ""اون والمواس ""اة‪ :‬من األص ول املهم ة ال يت غرس ها رس ول اهلل‬
‫‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يف اجملتمع املسلم‪ ،‬أمهية التعاون والرتابط بني أفراد اجملتمع‪ ،‬فهذا‬
‫النفسي للمجتمع على املستوى العام للجماعة‬
‫َّ‬ ‫املعىن من أهم األصول اليت تُ َد ِّعم االستقرار‬
‫وحدك‪ ،‬وأن هناك دائما َمن سيقف‬ ‫املسلمة‪ ،‬وعلى املستوى الفردي‪ ،‬فالشعور بأنك لست َ‬
‫وقت احلاجة‪ ،‬وأن هناك َمن يهتم بك‪ ،‬يف رح لفرحك وحيزن حلزنك‪ ،‬حىت‬ ‫جبانبك دائما َ‬
‫كأن اجملتمع املسلم كله كاجلسد الواحد‪ ،‬كما وصفه رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-،‬‬
‫واستقرارا وطمأنينةً‪ ،‬ويدفع عنها كثريا من خماوفها‪.‬‬
‫ً‬ ‫هذا الشعور ميأل النفس راحةً‬
‫ويصف الصحابة ‪-‬رضوان اهلل عليهم‪َ -‬عالقة النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬هبم ومواساته‬
‫هلم يف مجي ع ش ئوهنم‪ ،‬وتفق ده ألح واهلم‪ ،‬فيق ول أم ري املؤم نني عثم ان‪ ‬بن عف ان‪-‬رض ي اهلل‬

‫‪)(1‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الزهد‪ ،‬باب الدنيا سجن املؤمن وجنة الكافر‪ ،4/5 ،‬رقم احلديث ‪.2957‬‬
‫‪)(2‬سورة الفرقان‪ ،‬اآلية‪.76 :‬‬

‫‪)(3‬الدويش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.207‬‬

‫‪122‬‬
‫رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يف السفر واحلضر‪ ،‬وكان‬‫َ‬ ‫صحبنا‬
‫عنه‪" :-‬إنا واهلل قد ْ‬
‫يعود مرضانا‪ ،‬ويتبع جنائزنا‪ ،‬ويغزو معنا‪ ،‬ويواسينا بالقليل والكثري"(‪.)1‬‬

‫‪.‬ع ِم َل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يف هذا اإلطار على َك ْش ف‬


‫األمارة"‪َ ." :‬‬
‫التحذير من النفس ّ‬
‫أمراض النفوس‪ ،‬والتحذير منها‪ ،‬ومقاومة كل ما من شأنه النيل من النفس املطمئنة‪ ،‬فبني‬
‫األمارة بالسوء‪ ،‬و َن َهى عن ُسوء فعلها حىت يكون املؤمن على‬‫أبعاد اخلطر الناتج عن النفس َ‬
‫َ‬
‫َبيِّنة منها‪ ،‬عامل ا بأخطائها‪ ...‬وما ترك فضيلةً إال طَبَ َع عليها صورة اجلنة بنعيمها اخلالد‪..‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ً‬
‫ضع عليها صورةَ النار األبدية‪ ،‬وقودها الناس واحلجارة" ‪.‬‬ ‫وو َ‬
‫وال ترك رذيلة إال َ‬
‫ومن متابعاته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬النفسية ألصحابه‪:‬‬

‫نهيه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ "-‬عثمان بن مظعون عن التشدد والمشقة على النفس‪:‬‬

‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪َ -‬ب َعثَِإلَىعُثْ َم ا َنْبنِ َمظْعُون‬ ‫َن النَّيِب َّ َ‬‫‪-‬ر ِض ي اهللُ َعْن َه ا‪ -‬أ َّ‬ ‫ِ‬
‫" َع ْن َعائ َش ةَ َ َ‬
‫ال‪ :‬ياعثْم ا ُن‪،‬أَر ِغبَتعْنس نَّىِت ؟‪ .‬قَ َال ‪ :‬الَواللَّ ِهيارس واَل للَّ ِه ِ‬
‫ال‪:‬‬
‫ب‪ .‬قَ َ‬ ‫‪،‬ولَكْن ُس نَّتَ َكأَطْلُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫ٍ‪،‬فَ َجاءَ ُه َف َق َ َ ُ َ َ ْ َ ُ‬
‫ا ُن؛‬ ‫اءَ‪،‬فَات َِّقاللَّ َهيَاعُثْ َم‬ ‫ِّس‬ ‫وموأُفْ ِطر ِ‬
‫‪،‬وأَنْك ُحالن َ‬ ‫َُ ُ َ‬ ‫ُصلِّ َىوأ ُ‬
‫َص‬ ‫‪،‬وأ َ‬
‫ُام َ‬ ‫فَِإنِّىأَنَ‬
‫ِ‬ ‫فَِإنَّألَهلِ َكعلَي َكحقًّا‪،‬وإِنَّلِضي ِف َكعلَي َكحق ِ ِ‬
‫صلِّ َومَنْ"(‪.)3‬‬ ‫ًّا‪،‬وإِنَّلَن ْفس َك َعلَْي َك َحقًّا‪،‬فَ ُ‬
‫ص ْم َوأَفْط ْر َو َ‬ ‫ْ َ ْ َ َ َْ َ ْ َ َ‬
‫وإمهال بعض احلاج ات واجلوانب النفس ية‪ ،‬وه و‬ ‫ُ‬ ‫اف على النفس واملش قة عليه ا‪،‬‬ ‫"اإلجح ُ‬
‫املقبل على اهلل كثريا؛ فالشاب يتميز باحلماسة واالندفاع‪ ،‬فهو‬
‫الشاب ُ‬‫ُّ‬ ‫يتعرض له‬
‫موقف ّ‬
‫ص ْبوة قد يَ ُش ُّق على نفسه‪ ،‬ويبالغ يف‬
‫فضائل األعمال الصاحلة‪ ،‬أو يتوب بعد َ‬
‫َ‬ ‫حني يُدرك‬
‫العب ادة‪ ،‬وي ِ‬
‫هم ل رعاي ةَ س ائر مط الب النفس‪ ،‬ومن مَّث فعلى املريب أواًل أن يعت دل يف حديث ه‬ ‫ُ‬

‫‪)(1‬مسند أمحد‪ُ ،‬مسند الْ َعشرة الْ ُمبَ َّش رين باجْل نَّة‪ُ ،‬م ْس ند عثمان بن عفان‪ ،1/9 ،‬رقم احلديث ‪ ،506‬ورواه اهليثمي يف‬
‫جممع الزوائد بلفظ" ويغدو معنا"‪ ،7/231 ،‬وقال رجاهلما رجال الصحيح غري عباد بن زاهر وهو ثقة ‪.‬‬

‫‪)(2‬إبراهيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 135‬‬

‫‪)(3‬س نن أيب داود‪ ،‬كت اب الص الة‪ ،‬ب اب م ا ي ؤمر ب ه من القص د يف الص الة‪ ،1/1 ،‬رقم احلديث‬
‫‪،1369‬وصححهالعالمةاأللبانيفيصحيحسننأبيداود‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫ودفْعه للعمل الصاحل؛ حىت ال يؤدي به ذلك إىل اخلروج عن االعتدال‪ .‬وعليه‬
‫مع الشاب‪َ ،‬‬
‫وخروجا عن املنهج الشرعي يف ذلك‪.‬‬
‫ً‬ ‫الشاب حني يرى منه مبالغةً‬
‫َّ‬ ‫ثانيًا‪ :‬أن يوجه‬

‫يوجه أصحابه إىل االعتدال‪،‬‬ ‫وهو منهج اعتىن به النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬فقد كان ِّ‬
‫وينه اهم عن املش قة على النفس؛ عن أيب هري رة ‪-‬رض ي اهلل عن ه‪ -‬ق ال‪ :‬ق ال رس ول اهلل‬
‫ول ِ‬ ‫َّجي أ ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل؟ قَ َال‪:‬‬ ‫ت يَ ا َر ُس َ‬‫َح ًدا مْن ُك ْم َع َملُ هُ‪ ،‬قَ الُوا‪َ :‬واَل أَنْ َ‬
‫ص لى اهلل علي ه وس لم‪" :‬لَ ْن يُن َ َ‬
‫الدجْلَ ِة‪،‬‬
‫وح وا‪َ ،‬و َش ْيءٌ ِم َن ُّ‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ‬
‫ِّدوا‪َ ،‬وقَا ِربُوا‪َ ،‬وا ْغ ُدوا‪َ ،‬و ُر ُ‬ ‫َواَل أَنَا‪ ،‬إِاَّل أَ ْن َيَتغَ َّمديِن َ اهللُ بَِرمْح ة‪َ ،‬سد ُ‬
‫ص َد َتْبلُغُوا"(‪.)1‬‬ ‫ص َد الْ َق ْ‬‫َوالْ َق ْ‬
‫وحني رأى من أح ِد الش باب ُجنوح ا إىل التش ديد والغل ِّو‪ ،‬دع اه وأخ ربه مبا ينبغي علي ه‬
‫فعله"(‪.)2‬‬

‫وعلّم ه ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬قاع دةَ االعت دال والت وازن بني متطلب ات النفس وحقوقه ا‬
‫ِ‬
‫النفسية‪ ،‬وأحرى‬ ‫ِ‬
‫للسالمة‬ ‫وحقوق األهل‪ ،‬وغري ذلك من احلقوق؛ فإن مراعاة ذلك أدعى‬
‫ِ‬
‫الطاعة‪.‬‬ ‫يف االستمرار على‬

‫العطية بين األوالد‪":‬‬


‫أمره ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ "-‬بالعدل والتسوية في َ‬
‫روى البخاري عن النعمان بن بشري‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬أن أباه أتَى به رسول اهلل ‪-‬صلى‬
‫ت ِم ْثلَ هُ؟ قَ َال‪ :‬اَل ؟‬ ‫ِ‬
‫ت ابْيِن َه َذا غُاَل ًما‪ ،‬فقال‪ :‬أَ ُك َّل َولَد َك حَنَْل َ‬ ‫اهلل عليه وسلم‪ -‬فقال‪" :‬إيِّن حَنَْل ُ‬
‫ت َس ائَِر‬ ‫ِ‬ ‫ال رس ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ه َو َس لَّ َم‪" :‬أ َْعطَْي َ‬ ‫ول اهلل َ‬ ‫ال‪" :‬فَ ْارج ْع هُ"‪ ...‬وىف رواي ة‪َ " :‬ف َق َ َ ُ‬ ‫َف َق َ‬
‫ال‪ :‬فَ َّات ُقوا اهللَ‪َ ،‬و ْاع ِدلُوا َبنْي َ أ َْواَل ِد ُك ْم‪َ .‬فَر َج َع َفَر َّد َع ِطيَّتَهُ"(‪.)3‬‬
‫َولَ ِد َك ِمثْ َل َه َذا؟‪ ،‬قَ َال‪ :‬اَل ‪ ،‬قَ َ‬

‫‪)(1‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الرقاق‪ ،‬باب القصد واملداومة على العمل‪ ،4/4 ،‬رقم احلديث ‪.6463‬‬

‫‪)(2‬الدويش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪208‬‬


‫‪)(3‬صحيح البخارى‪ ،‬كتاب اهلبة‪ ،‬باب اإلشهاد يف اهلبة‪ ،2/4 ،‬رقم احلديث ‪.2587‬‬

‫‪124‬‬
‫ان بْ ِن بَ ِش ٍري‪،‬‬
‫ويف رواية أخرى عند مسلم‪" :‬عن هشام بن عروة عن أبيه قال حدثنا النُّعم ِ‬
‫َْ‬
‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪َ :-‬م ا َه َذا الْغُاَل ُم؟‪ .‬قَ َال‪:‬‬
‫ال لَهُ النِّيِب ُّ َ‬‫قَ َال‪َ :‬وقَ ْد أ َْعطَاهُ أَبُوهُ غُاَل ًم ا‪َ ،‬ف َق َ‬
‫ِِ‬ ‫أ َْعطَانِ ِيه أَيِب ‪ .‬قَ َ‬
‫ال‪َ :‬فُر َّدهُ"(‪.)1‬‬
‫ال‪ :‬اَل ‪ ،‬قَ َ‬‫ت َه َذا؟‪ .‬قَ َ‬ ‫ال‪ :‬فَ ُك َّل إِ ْخ َوته أ َْعطَْيتَهُ َك َما أ َْعطَْي َ‬
‫مركز البناء النفسي األساسي للفرد؛ فإذا كان هناك َخلل داخل األسرة مثل‬
‫إن األسر َة هي ُ‬
‫التمييز بني األبناء يف املعاملة‪ ،‬وتفضيل بعضهم على بعض؛ فإن مثل هذه السلوكيات تأيت‬
‫بنتائج سلبية على االستقرار والصحة النفسية للفرد‪ ،‬ليس فقط داخل اإلطار األسري‪ ،‬وإمنا‬
‫خارج األسرة إىل اجملتمع الواسع‪.‬‬
‫َ‬ ‫متتد‬
‫ول اإلس ِ‬
‫الم ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬على االهتم ام بالرواب ط األس رية‪،‬‬ ‫حث رس ُ‬ ‫"وق د ّ‬
‫واحلرص على توثي ق العالق ات بني اآلب اء وأبن ائهم‪ ،‬وع دم تفض يل بعض هم على بعض يف‬
‫اهلدايا"(‪.)2‬‬

‫وواضح مما سبق أن الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬قد نبّ ه اآلباء واملربني إىل أن األب يف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األوالد ن وعٌ من اجلَ ْور‪ ،‬واملي ل ال ذي‬ ‫حاج ة إىل بِ ر أوالده مجيع ا‪ ،‬وأن ع َ‬
‫دم التس وية بني‬
‫الش ْحناء بني األوالد‪ ،‬كما أنه يسبب قطيع ةَ الرحم‪ ،‬وإذا كان تفضيل أحد األوالد‬ ‫ث َّ‬ ‫يُو ِر ُ‬
‫وظلم‪ ،‬وال خيْ َفى على املربني م ا حيدث يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رام ٌ‬ ‫س يؤدي إىل القطيع ة أو العق وق‪ ،‬فه و ح ٌ‬
‫والتقاتل؛ بسبب وقوع األبوين أو أحدمها يف غلطة التفضيل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التمزق والتناح ِر‬ ‫البيوت من‬
‫بني األبناء "(‪.)3‬‬

‫واحلديث َداللة بالغ ةٌ على َعظيم حرص رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬على دفع كل‬
‫ما يغري النفوس‪ ،‬ويفسدها‪ ،‬خاصة يف العالقات داخل األسرة املسلمة‪َ ،‬ف َع َد ُم مراعاة العدل‬
‫والتس وية بني األبن اء يف املعامل ة والعطاي ا‪ ،‬من أوس ع األب واب ال يت تَ ْذهب بس المة النفس‪،‬‬
‫وغر الصدور‪ ،‬ومتلؤها ِغال وحقدا وعداوة‪.‬‬ ‫وتُ ِ‬

‫‪ )(1‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب اهلبات‪ ،‬باب‪ :‬كراهة تفضيل بعض األوالد يف اهلبة‪ ،3/5 ،‬رقم احلديث ‪.1623‬‬
‫‪)(2‬الشطي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 455‬‬

‫‪)(3‬الشطي‪ ،‬مرجع سابق‪.459 ،‬‬

‫‪125‬‬
‫مواساته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬لمن يعاني من أصحابه‪:‬‬
‫ِ‬
‫الة؛‬ ‫َّاسيَ ِخُّر ِر َجالٌ ِمْن َق َامتِ ِه ْم ِف َّ‬
‫يالص‬ ‫" َكا َنرس واُل للَّ ِه‪-‬صلَّىاللَّهعلَي ِهوس لَّم‪-‬إِ َذاصلَّىبِالن ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َُ ْ َ َ‬ ‫َُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لِماهِبِم ِمنَاخْل صاص ِة‪،‬ومُهْ ِمْنأَصحابِ ُّ ِ‬
‫اب‪ :‬إِن ََّه ُؤالءجَمَ ان َ‬
‫ني‪.‬‬ ‫ول اأْل َْع َر ُ‬ ‫‪،‬حىَّت َي ُق َ‬ ‫الص فَّة َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ََ َ‬
‫ف إِلَْي ِه ْم‪َ ،‬فَي ُق‬ ‫ِ‬
‫ول‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ص َر َ‬ ‫‪-‬ص اَل تَهُ‪ ،‬انْ َ‬ ‫‪-‬صلَّىاللَّ ُه َعلَْي ِه َو َس لَّ َم َ‬ ‫ض َىر ُس واُل للَّه َ‬ ‫فَِإ َذاقَ َ‬
‫ِ ِ‬
‫لَ ْوَت ْعلَ ُمومَنَالَ ُك ْمعْن َداللَّه‪،‬أل ْ‬
‫َحبَْبتُ ْمأَنَّ ُك ْمَت ْز َد ُادو َن َفاقَةً َو َح َ‬
‫اجةً‪.)1(".‬‬

‫واملشاكل عندما تزداد‪ ،‬تكون النفس يف أضعف حاالهتا‪ ،‬وإن مل‬ ‫ُ‬ ‫االبتالءات عندما تَشتد‪،‬‬
‫ُ‬
‫يتكئ الْ ُمبتلَى على يقني ص ادق‪ ،‬أو متت د إلي ه يَ د َحانِي ة متس ح عن ه معانات ه‪ ،‬تض عف النفس‬
‫وخَت ُور عزميتها‪ ،‬وإذا طال األمر تنخفض املعنويات لدرجة قد ال يستطيع املرءُ معها مساعد َة‬
‫ف مرة أخرى على قدميه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نفسه على جتاوز احملنة‪ ،‬وقد ال يق ُ‬
‫والرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ما كان يرتك أحدا من أصحابه يعاين إال ويهتم ألمره‪،‬‬
‫الص فَّة أص اهبم من اجلوع والفق ر م ا أره َق أب داهنم‬
‫وجَيْ َه د يف رف ع املعان اة عن ه‪ ،‬وأه ل ُّ‬
‫ونفوس هم‪ ،‬فس ارع الرس ول الك رمي ‪-‬ص لوات ريب وس المه علي ه‪ -‬ملد ي د املعاون ة "حيث‬ ‫َ‬
‫يهون معه اجلوع‪ ،‬وحتلو معه املعاناة‪ ..‬يعزيهم‬ ‫كان يواسيهم‪ ،‬ويدفع عنهم ما يؤملهم بشيء ّ‬
‫بشيء حيول املوت وما بعده إىل أُمنية ال حدود هلا‪ .‬ومع هذا العزاء وهذه املواساة كان‬
‫‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يتأمل لتأملهم‪ ،‬ويتأمل مثل أملهم"(‪.)2‬‬

‫‪ -‬ومن تل ك الص ور ملش اركته ودعم ه النفس ي ألص حابه وقت معان اهتم‪ :‬م ا رواه أنس‪- ‬‬
‫ىالله َعلَْي ِه َو َس لَّم‪ -‬إِلَىاخْلَْن َدق‬ ‫ِ‬
‫‪-‬صلَّ ُ‬
‫"خَر َجَر ُس واُل للَّه َ‬
‫رض ي اهلل عنه‪ -‬ق ال‪َ :‬‬

‫‪)(1‬حلي ة األولي اء‪ ،‬ذك ر أه ل الص فة‪ ،‬فض الة بن عبي د األنص اري‪ ،2/10 ،‬ص ‪ ،17‬ورواه الرتم ذي ‪ 2368‬وق ال‬
‫ح ديث حس ن ص حيح‪ ،‬وأخرج ه األلب اين يف السلس لة الص حيحة ‪ ،5/202‬رقم احلديث (‪ )2169‬وق ال إس ناده‬
‫صحيح‪.‬‬

‫‪)(2‬الصوياين‪ ،‬مرجع سابق‪30 /2 ،‬‬

‫‪126‬‬
‫َذلِ َكلَ ُهم‬ ‫ُارحَيْ ِف ُرونَِفىغَ َد ٍاةبَا ِر َد ٍة‪َ ،‬فلَ ْميَ ُكْنلَ ُه ْم َعبِي ٌد َي ْع َملُونَ‬ ‫ِ‬
‫ِ‪،‬فَِإذَاالْ ُم َهاج ُرو َن َواألَنْ َ‬
‫ص‬
‫ا ِروالْمه ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‪َ ،‬فلَ َّمارأَىماهِبِم ِمنَالنَّص بِواجْل ِ‬
‫اجَره‬ ‫َ َُ‬ ‫ال‪:‬اللَّ ُه َّمِإنَّالْ َعْي َش َعْي ُشاآلخَر ْه َفا ْغف ْرلألَنْ َ‬
‫ص‬ ‫وع َق َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫اعلَىاجْلِ َه ِاد َمابَِقينَاأَبَ َدا" ‪.‬‬
‫(‪) 1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‪َ .‬ف َقالُواجُم يبِ َينلَهُ‪:‬حَنْنُالَّذينَبَ َايعُواحُمَ َّم َد َ‬
‫خاتمة المبحث‪:‬‬

‫هك ذا ك ان َه ْدي ه يف متابعات ه ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ألص حابه يف وقت الش دة والبالء‬
‫املواس اة والتس لية‪ ،‬فك انت مش اركته ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬يف آالمهم تُس ّري عنهم‪،‬‬
‫نح ا‪ ،‬وتس تنبت من ب اطن األمل أمال تس تقر مع ه النفس‬ ‫حِم ِ‬
‫وختف ف معان اهتم‪ ،‬ب ل حتول نَهم م ً‬
‫وهتدأ‪.‬‬
‫ادا يدي ه ب اخلري دائما‬
‫وهك ذا جيب أن يكون املريب م ع املرتبني يقظ ا مس ارعا ملس اعدهتم‪ ،‬م َّ‬
‫إليهم‪ ،‬معينا هلم يف أزماهتم‪.‬‬

‫والغفل ة عن مس اعدة املرتيب وإعانت ه يف مش اكله اخلاص ة‪ ،‬ق د يك ون س ببه التص ور اخلاطئ‬
‫لبعض املربني من أن تتب ع األم ور الشخص ية واملش اكل اخلاص ة يُع د نوع ا من التطف ل‬
‫البعض اآلخر أن املرتيب ميكنه دائما أن يتجاوز مشكالته اخلاصة بنفسه‬
‫ُ‬ ‫املرفوض‪ ،‬بينما يظن‬
‫دون احلاجة إىل جهد املريب‪ ،‬ودعمه‪ ،‬خاصة َمن قطع من املرتبني شوطا يف املراحل الرتبوية‬
‫املتقدم ة‪ ،‬وبل غ درج ة عالي ة من ال رقي اإلمياين‪ ،‬والس لوكي‪ ،‬والعلمي‪ ،‬متناس يا م ا ينتج من‬
‫آثار سلبية؛ بسبب حالة الضعف النفسي املصاحبة غالبا لألزمات‪،‬اليت ترتك أثرها يف ضعف‬
‫قدرة األفراد على جتاوز مشاكلهم مبفردهم دون إعانة مهما كان مستواهم‪.‬‬

‫وق د يكون منش أ اإلمهال ظن البعض أن ه ذه املس احة اخلاص ة من املش اكل الشخصية أقل‬
‫أمهية‪ ،‬وال تستحق اهتماما كبريا‪ ،‬وجيب توفري هذا اجلهد ألمور املرتيب الدعوية‪.‬‬

‫ور ال ذي يق ع في ه املريب بس ببها‬


‫وأيًّا م ا ك ان س بب غفل ة املريب عن ه ذه املهم ة؛ ف إن القص َ‬
‫أثري على العالق ة اخلاص ِة بين ه وبني املرتبني‪ ،‬إىل الت أثري على الس المة‬
‫يتج اوز يف س لبيته الت َ‬

‫‪)(1‬خمتص ر ص حيح البخ اري للزبي دي‪ ،‬كت اب اجله اد والس ري‪ ،‬ب اب التح ريض على القت ال‪ ،1/1 ،‬رقم احلديث‬
‫‪.1225‬‬

‫‪127‬‬
‫عرض هلا املرتيب من‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫النفسية لألفراد واستقرارهم الرتبوي‪ ،‬خاص ةً إذا كانت املشكلة اليت تَ ّ‬
‫ِ‬
‫وطويل املدى يف نفس املرتيب؛ ملا مُت ثله‬ ‫األمهية واخلطورة بصور ٍة جتعل تغافلها ذا أث ٍر ٍ‬
‫عميق‬
‫ض ْعف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫تل ك املش كلةُ يف ذاهتا من عبء وض غط على نفس ية املرتيب‪ ،‬وم ا ي رتتب عليه ا من َ‬
‫لبية جِت اه مربي ه؛ بس بب ه ذا‬ ‫عطائِ ه واس تجابته‪ ،‬فض ال عم ا يستش عره املرتيب من مش اعر س ٍ‬
‫ِ‬
‫املقبول(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫اإلمهال غري املرب ِر وغري‬

‫‪)(1‬عادل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪38-37‬‬

‫‪128‬‬
‫المبحثالثالث‪ :‬المتابعةاالجتماعيةوالمالية‬

‫مهما يف الرتبية اإلسالمية؛ إذ الفرد ال ميكن أن حييا حياة‬


‫"يُشكل البناء االجتماعي جانبً ا ًّ‬
‫سوية مستقيمة دون أن يعيش يف جمتمع يلجأ إليه‪ ،‬ويشعر باألمان يف َكنفه‪ ،‬ومن مث كان‬
‫السجن االنفرادي عقوبة يُعاقَب هبا اجملرم‪ ،‬وجاء الشرع بتغريب الزاين عاما عن بلده‪ ،‬كل‬
‫ذلك يعطينا الدليل على قيمة اجملتمع يف حياة اإلنسان‪.‬‬

‫لذا؛ فالرتبية اليت تتعامل مع اإلنسان بوصفه كائنا منفصال تعد تربية قاصرة‪ ،‬وال غىن ألي‬
‫بناء تربوي أن يعىن باجلانب االجتماعي وتنميته‪.‬‬

‫إخراج فئة من الشباب‬


‫َ‬ ‫كما أنه ال بد لنا من االعتناء باجلانب االجتماعي؛ ألننا نستهدف‬
‫وم ا مَلْ ميلك‬
‫يكون هلم تأثري يف جمتمعاهتم‪ ،‬ويُسهمون يف بنائها وتوجيهها الوجهة السليمة‪َ ،‬‬
‫ه ؤالء اخلربات وامله ارات االجتماعي ةَ‪ ،‬وم ا مل نض ع ض من أه دافنا االعتن اء ببن اء اجلانب‬
‫االجتماعي لديهم‪ ،‬فلن يستطيعوا حتقيق التغيري الذي تتطلع إليه جمتمعاهتم‪.‬‬

‫أفرادا‪،‬‬
‫وقدرهتم على التغيري يف جمتمعاهتم والتأثري فيها ال تنتهي عند جمرد تربيتهم بوصفهم ً‬
‫وال عند جمرد قدرهتم على احلديث واخلطاب مع اآلخرين‪ ،‬بل هو أمر فوق ذلك كله(‪.)1‬‬

‫ولق د وج ه رس ولنا ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ج زءا من متابعات ه لتف ّق د ه ذا اجلانب اهلام‪،‬‬
‫وضمان سالمته واستقراره‪ ،‬فكان حيرص على تزويج الشباب العزب ويعينهم على ذلك؛‬
‫حتقيق ا لالس تقرار االجتم اعي والنفس ي هلم‪ ،‬وعص متهم من الفنت‪ ،‬وي ويل عناي ة فائق ة‬
‫باس تقرار العالق ة بني ال زوج وزوج ه‪ ،‬وجيته د يف عالج أي مش اكل تُع ّك ر ص فو تل ك‬
‫ائم احملب ة بني اآلب اء واألبن اء‪ ،‬ويُعلّي من ك ل قيم ة تق وي بي ان اجملتم ع‬
‫العالق ة‪ ،‬ويُرس ي دع َ‬
‫ومتاسك أفراده‪ ،‬مثل احلرص على الواجبات االجتماعية‪ :‬كواجب العزاء‪ ،‬وعيادة املريض‪،‬‬
‫ف رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪-‬‬ ‫وص لة ال رحم‪ ،‬واإلص الح بني الن اس‪ ،‬ومل يكت ِ‬

‫‪)(1‬الدويش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪171‬‬

‫‪129‬‬
‫بالتوجيه النظري لتلك اآلداب واملكارم‪ ،‬وإمنا شارك فيها‪ ،‬وحرص على أدائها على الوجه‬
‫األكمل؛ أيا كانت مشاغله‪.‬‬

‫ومن أمثلة ذلك‪:‬‬

‫حرصه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬على تزويج الشباب‪:‬‬

‫سعيُه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ "-‬في تزويج ُجليبيب رضي اهلل عنه(‪:)1‬‬

‫"كان جليبيب ظريفا يهوى املزاح والدعابة‪ ،‬إمنا ال ميلك املال وال اجلاه وال النسب‪ ،‬لكن‬
‫ذل ك كل ه ال يهم م ا دام الن يب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬يعت ربه ج زءا من ه‪ ،‬ويتح دث نياب ةً‬
‫عنه‪ ..‬ما دام ميلك مساحة يف قلبه صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫حتدث عنه ا الص حايب اجللي ل أب و ب رذة األس لمي‪ ،‬فق ال‪:‬‬
‫ِّس ِاءمَيُُّرهِبِن ََّويُالَ ِعُب ُه َّن‪َ ،‬ف ُق ْلتُ ِال ْم َرأَتِى‪:‬الَتُ ْد ِخ ْلَن َعلَْي ُك ْم ُجلَْيبِيباً؛‬ ‫ِجَّن ِ‬
‫"إ ُلَْيبيباً َكانَ ْامَرأًيَ ْد ُخلُ َعلَىالن َ‬
‫َح ِدمِه ْأَمِّيٌلَ ْمُيَز ِّو ْج َها؛‬ ‫ِ‬
‫ُارإذَا َكانَأل َ‬ ‫ص‬ ‫ال ِ‬
‫‪:‬و َكانَتاألَنْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫فَِإن َُّهِإنْ َد َخلَ َعلَْي ُك ْمألَ ْف َعلَن ََّوألَ ْف َعلَ َّن‪ .‬قَ‬
‫ىالله َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪-‬صلَّ ُ‬ ‫اج ةٌأ َْمالَ‪َ .‬ف َقالََر ُس واُل للَّه َ‬
‫اح َ‬‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ه َو َس لَّ َم‪ -‬ف َيه َ‬ ‫َّىي ْعلَ َم َه ْلللنَّىِب ِّ َ‬
‫َحت َ‬
‫ِ‬ ‫ك‪َ .‬ف َق َ ِ ِ‬ ‫لِرجلٍ ِمنَاألَنْص ا ِر ِ‬
‫‪،‬ونُ ْع َم َعْيىِن ‪ .‬قَ ال‬ ‫ال‪:‬نع َّم َو َكَر َامةٌيَ َار ُس واَل للَّه َ‬ ‫ىابنَتَ َ‬ ‫‪:‬ز ِّو ْجن ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬
‫يب‪.‬‬‫ال‪ :‬جِلُلَْيبِ ٍ‬ ‫ال‪:‬فَلِ َمْنيَ َار ُسواَل للَّ ِه؟قَ َ‬ ‫يد َهالَِن ْف ِسى‪ .‬قَ َ‬ ‫َ‪:‬إِنِّىلَ ْستُأُ ِر ُ‬

‫ال‪:‬يَ َار ُسواَل للَّ ِه‪،‬أ َ‬


‫ُشا ِو ُرأ َُّم َها‪.‬‬ ‫ال‪َ :‬ف َق َ‬
‫قَ َ‬
‫ت‪:‬نِعِ َّم َونُ ْع َم ةُ َعْيىِن ‪َ .‬ف َق ال‬‫ك‪َ .‬ف َق الَ ْ‬ ‫ال‪:‬رس واُل للَّ ِه‪-‬ص لَّى اهلل َعلَي ِه وس لَّم‪-‬خَي ْطُبابنَتَ ِ‬
‫ُ ْ َ َ َ ُْ‬ ‫َ‬ ‫فَأَتَىأ َُّم َه ا‪َ ،‬ف َق َ َ ُ‬
‫أجلَْيبِيبٌأني ه!ال‬ ‫يب‪َ .‬ف َق الَت‪:‬أَجلَيبِيبِإنِيهأ ِ ِ‬
‫َجلَْيبِيبٌإن ْيه ُ‬ ‫ْ ُْ ٌ ْ ُ‬ ‫َ‪:‬إِن َُّهلَْيسيَ ْخطُُب َهالَِن ْف ِس ِه‪،‬إِمَّنَاخَي ْطُُب َه اجلُلَْيبِ ٍ‬
‫َ‬
‫اها ِم ْن فُاَل ٍن َوفُاَل ٍن‪َ ،‬واْلََفتاةُ يِف‬ ‫َ‪،‬لَعمراللَّ ِهالَُتز َّوجه‪ ،‬ما وج َد رس ُ ِ‬
‫ول اهلل إِاَّل ُج ْليبِيبَا! َف َق ْد َمَن ْعنَ َ‬ ‫َ ُُ َ َ َ َ ُ‬ ‫َ ُْ‬
‫ِسرْتِ َها تَ ْس َم ُع‪.‬‬

‫‪ )(1‬قال ابن سعد‪ :‬ومسعت من يذكر أن جليبيبا كان رجال من بين ثعلبة حليفا يف األنصار‪ ،‬واملرأة اليت زوجها النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم إياه من بين احلارث بن اخلزرج رضي اهلل عنه (صفة الصفوة ج‪.)1‬‬

‫‪130‬‬
‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪ -‬لِيُ ْخرِب َ ُهبِ َماقَالَْتأ ُُّم َه ا‪،‬قَالَتِاجْلَا ِريَة‬ ‫ِ‬
‫ومليَأْتَىَر ُس واَل للَّه َ‬
‫َفلَ َّماأَرادأَْني ُق ِ ِ‬
‫ََ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ىالله َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪ -‬أ َْم َرهُ؟!‬
‫‪-‬صلَّ ُ‬ ‫ت‪:‬أََت ُر ُّدو َن َعلَ َىر ُس واِل للَّه َ‬ ‫ُ‪:‬مْن َخطَبَنى ِإلَْي ُك ْم؟فَأ ْ‬
‫َخَبَر ْت َهاأ ُُّم َه ا‪َ ،‬ف َق الَ ْ‬ ‫َ‬
‫ضِّيعىِن ‪ ،‬فَ َكأَنَّها جلَّت عن أَبويها‪ ،‬وقَااَل ‪ :‬ص َدقْ ِ‬
‫ت‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ ْ َْ ْ َ َ‬ ‫ْاد َفعُوىِن ؛فَِإن َُّهلَ ْميُ َ ْ‬

‫ت َر ِض يتَهُ َف َق ْد َر َ‬
‫ض ْينَاهُ‪.‬‬ ‫ال‪ :‬إِ ْن ُكْن َ‬ ‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪َ -‬ف َق َ‬ ‫ِ ِ‬
‫وه ا إِىَل َر ُس ول اهلل َ‬ ‫ب أَبُ َ‬
‫فَ َذ َه َ‬
‫ك هِبَا‪َ ،‬فَز َّو َج َها ُجلَْيبِيبًا"(‪.)1‬‬
‫‪-‬صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ :-‬فَِإيِّن قَ ْد َر ِضيتُهُ‪ ،‬قَاَل‪َ :‬شأْنُ َ‬
‫ال َ‬ ‫قَ َ‬
‫مش هد رائ ع من مش اهد رعاي ة رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ألص حابه‪ ،‬وعنايت ه‬
‫باستقرار أمورهم االجتماعية‪ ،‬شفاعة من رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬لدى إحدى‬
‫األس ر املس لمة ل يزوجوا أح د أص حابه البنتهم‪ ،‬رغم أن جليبيبا مل يكن ميل ك من املال أو‬
‫اجلاه ما ميكن أن يُغري به أحدا بتزوجيه‪ ،‬إال أن شفاعة رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬
‫له كانت تفوق ما حيتاجه أي شاب لريتضيه أهل العروس‪ .‬ولنا أن نتخيل حال جليبيب‬
‫عزبا ال يرتضيه أح ٌد البنته‪.‬‬
‫قضى بقية عمره َ‬
‫دون تلك الشفاعة‪ ،‬فلرمبا َ‬

‫ِحرصه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬على استقرار" العالقة بين األزواج‪:‬‬

‫‪ -‬من العالقات املهمة اليت يوليها اإلسالم عنايته العالقة القائمة بني الزوجني‪ ،‬ويتضح ذلك‬
‫من خالل اهتمام القرآن الكرمي والسنة النبوية بكل جزئية يف هذه احلياة منذ بدء تكوينها‪،‬‬
‫ويف كل مرحلة من مراحلها‪.‬‬

‫وقد أشار القرآن الكرمي إىل ِمنة اهلل تعاىل على اخلالئق بنعمة الزوجية‪ ،‬وبنّي أهنا طريق إىل‬
‫االستقرار والسكن الذي ينشده اإلنسان ‪-‬رجال كان أو امرأة‪ -‬ويف هذا يقول رب العزة‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪.)3()2(‬‬

‫‪)(1‬الص وياين‪ ،‬مرجع س ابق‪ ،2/255 ،‬واحلديث أخرج ه اهليثمي يف جممع الزوائد‪ ،‬كتاب املناقب‪ ،‬ب اب م ا جاء يف‬
‫جليبيب رضي اهلل عنه‪ ،9/370 ،‬وقال اهليثمي‪ :‬رواه أمحد ورجاله رجال الصحيح‪.‬‬
‫‪ )(2‬سورة الروم‪ ،‬اآلية‪.21 :‬‬

‫‪131‬‬
‫إذنُه" ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ "-‬لمن يصحبه من الشباب" بالعودة" إلى أهليهم رحمة بهم‪:‬‬

‫ىالله َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪َ -‬وحَنْنُ َش بَبَةٌ ُمَت َقا ِربُون‬ ‫‪-‬صلَّ ُ‬
‫ِ‬
‫ال‪:‬أََتْينَ َار ُس واَل للَّه َ‬ ‫"عْن َمالِ ِكْبنِ احْلَُويْ ِر ِث‪،‬قَ َ‬ ‫َ‬
‫لَّ َم‪-‬‬ ‫ىالله َعلَْي ِه َو َس‬ ‫ِ‬ ‫اعْن َد ُهعِ ْش‬
‫َ‪،‬فَأَقَمنَ ِ‬
‫‪-‬صلَّ ُ‬ ‫واُل للَّه َ‬ ‫‪،‬و َكا َنَر ُس‬
‫ر َينلَْيلَةً َ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ال‪ْ :‬ار ِجعُواإِلَى أ َْهلِي ُكم‬ ‫َخَب ْرنَ اهُ‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫ِ ِ‬
‫اعْن َمْنَتَر ْكنَامْنأ َْهلنَا؟فَأ ْ‬ ‫يم َارقِي ًق ا‪،‬فَظَنَّأَنَّاقَ ِد ْ‬
‫اش َت ْقنَاأ َْهلَنَا‪،‬فَ َس أَلَنَ َ‬
‫ِ‬
‫َرح ً‬
‫َح ُد ُك ْم‪،‬مُثَّْلَي ُؤ َّم ُك ْمأَ ْكَب ُر ُك ْم"(‪.)1‬‬ ‫ضَرتِ َّ‬ ‫وهم‪،‬ومر ُ ِ‬ ‫ْ‪،‬فَأَقِ ِ ِ‬
‫الصالَةُ َف ْلُي َؤذِّ ْنلَ ُك ْمأ َ‬ ‫اح َ‬‫وه ْم‪،‬فَإ َذ َ‬ ‫‪،‬و َعلِّ ُم ُ ْ َ ُ ُ‬ ‫يموافيه ْم َ‬ ‫ُ‬
‫حَيِ ُّن كلٌّ من الزوج والزوجة إىل اآلخر مبا أودع اهلل سبحانه يف نفسيهما من مودة ورمحة‪،‬‬
‫والشاب املتزوج ينزع إىل زوجه‪ ،‬وال يطيق طول فراقه عنهم‪ ،‬وخربة رسول اهلل ‪-‬صلى‬
‫اهلل علي ه وس لم‪- -‬م ريب النف وس‪ -‬بالش باب وأح واهلم‪ ،‬جعلت ه يستش عر اش تياق ه ؤالء‬
‫الشباب إىل أهليهم‪ ،‬لذا مل يَشق عليهم‪ ،‬ومل يطالبهم بطول البقاء معه‪ ،‬مع ما يف صحبته‬
‫‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬من عظيم خ ري‪ ،‬وت ٍ‬
‫زود من العلم واإلميان‪ ،‬فرمبا إل زامهم م ا يش ق‬
‫العلم‪،‬‬ ‫اع ب‬ ‫ة االنتف‬ ‫ور‪ ،‬وقل‬ ‫ببا يف الفت‬ ‫ون س‬ ‫عليهم يك‬
‫عوفراغهونشاطه‪،‬وتَركهاعندانشغاله‪،‬فهوأدعىإل‬‫وفيذلكأمهيةمراعاةختريوقتاملوعظةعندإقبااللسام ِ‬
‫ِ‬
‫ى ال َقبول‪ ،‬ل ذا ِأذ َن هلم الرس ول ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ىف الرج وع إىل أهلهم‪ ،‬وأوص اهم‬
‫هبم خريا‪ ،‬وأمرهم بتعليمهم من اخلري الذي تعلموه‪.‬‬

‫وح ْرص رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬واض ٌح على اس تقرار حي اة ه ؤالء الش باب‬‫ِ‬
‫األس رية‪ ،‬فع دم التغيّب الطوي ل للش اب عن زوج ه أدعى لألُلف ة والق رب واالس تقرار بني‬
‫الزوجني‪.‬‬

‫إصالحه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بين علي وفاطمة‪:‬‬

‫‪)(3‬عفيفي‪ ،‬طلعت حممد‪ ،‬صفحات" مشرقات من حياة الصحابيات‪ ،‬ط‪( ،2‬القاهرة‪ :‬دار السالم‪ 1428 ،‬هجرية ‪-‬‬
‫‪ 2007‬م) ‪55 /1‬‬

‫‪)(1‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب املساجد ومواضع الصالة‪ ،‬باب من احق باإلمامة‪ ،1/5 ،‬رقم احلديث ‪.674‬‬

‫‪132‬‬
‫اط َمةَ َفلَ ْميَ ِج ْد َعلِيًّافِىالَْبْيتِ َف َقال‬
‫"عن س ه ِل ب ِن س ع ٍد‪،‬جاءرس واُل للَّ ِه ‪-‬صلَّىاللهعلَي ِهوس لَّم‪ -‬بيَت َف ِ‬
‫َ ُ َ ْ َ َ َ َْ‬ ‫َ ْ َ ْ ْ َ ْ َ ََ ُ‬
‫اض بَنِى َف َخَر َج‪َ ،‬فلَ ْميَ ِق ْلعِْن ِدى‪َ ،‬ف َقالََر ُس واُل للَّ ِه‬ ‫ِ‬
‫ت‪َ :‬كا َنَبْين َىو َبْيَن ُه َش ْىءٌَفغَ َ‬ ‫ك؟ َف َق الَ ْ‬‫َ‪:‬أَينَابُنع ِّم ِ‬
‫ْ َْ‬
‫‪،‬ه َوفِىالْ َم ْس ِج ِد َراقِ ٌد‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ال‪:‬يَ َار ُس واَل للَّه ُ‬ ‫ان‪:‬انْظُْرأ َْيَن ُه َو‪ .‬فَ َج اءَ‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫‪-‬صلَّىاللهعلَي ِهوس لَّم‪ِ -‬إلنْس ٍ‬
‫َ‬ ‫َ َُ َ َ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫فَجاءهرس واُل للَّ ِه ‪-‬صلَّىاللهعلَي ِهوس لَّم‪ -‬وهوم ْ ِ‬
‫َص َاب ُهُتَراب‬ ‫ضطَجعٌ َق ْد َس َقطَ ِر َد ُاؤ ُه َعْنش قِّه‪،‬فَأ َ‬ ‫َ ُ َ ْ َ َ َ َ َُ ُ‬ ‫َ َ َُ ُ‬
‫اب!قُمأَباالتُّر ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪-‬صلَّ ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب"(‪.)1‬‬ ‫ول‪:‬قُ ْمأَبَاالتَُّر ْ َ َ‬ ‫ىالله َعلَْيه َو َسلَّ َم‪ -‬مَيْ َس ُح ُه َعْنهُ َ‬
‫‪،‬و َي ُق ُ‬ ‫ٌ‪،‬فَ َج َعلََر ُسواُل للَّه َ‬
‫يف زيارة ُود البنته فاطمة‪ ،‬يفتقد النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬عليًّا‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬فيسأل‬
‫عن ه‪ ،‬فتجيب ه فاطم ة أن ه خ رج غاض با ملش كلة ح دثت بين ه وبينه ا‪ ،‬فتتح رك عاطف ة األب‬
‫علي؛‬
‫احلن ون واملريب العظيم حمم د ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬جتاه ابنت ه‪ ،‬فيس رع البن عم ه ٍّ‬
‫ح ىت ال ي رتك للش يطان فرص ةً للتح ريش بينهم ا‪ ،‬فيج ده وه و ن ائم ق د س قط عن ه رداؤه‬
‫وأصابه الرتاب‪ ،‬فيالطفه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ويداعبه‪ ،‬مناديا له‪" :‬قُم أَب ا ُت ر ٍ‬
‫اب! قُ ْم أَبَا‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ب عنه ما ِجيد يف نفسه على فاطمةَ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ُتَراب"‪ ،‬حىت يَ ْذ َه َ‬
‫مرب‪ ،‬وما أرمحه من أب‪ ،‬كيف جيد وقتا ‪-‬يف ظل مشاغله اليت ال تنتهي‪-‬‬
‫أعظم ه من ٍّ‬‫ما َ‬
‫لريعى ابنته‪ ،‬ويتابع حاهلا مع زوجها علي‪ ،‬وال يعتذر بضيق وقته عن رعايتهما واإلصالح‬
‫بينهما‪.‬‬

‫ال(‪:)2‬‬ ‫"قاالبنبط‬
‫وفيهأنأهاللفضلقديقعبينالكبريمنهموبينزوجتهماطبععليهالبشرمنالغضب‪،‬وقديدعوهذلكإلىاخلر‬
‫والبنحجر ‪:‬‬ ‫ه‪،‬ويق‬ ‫ومجنبيتهواليُعابعلي‬
‫وحيتمألنيكونسببخروجعليخشيةَأنيبدومنهفيحالةالغض بمااليليقبجانبفاطمة‪-‬رض ياللهعنها‪-‬‬
‫فحسممادةالكالمبذلكإلىأنتسكن َفورةالغضبمنكلمنهما‪ .‬وفيهكرخملقالنيب‪-‬صلىاللهعليهوسلم‪-‬‬
‫هنحوعليليرتض اه‪،‬ومسحالرتابعنظهرهليبسطه‪،‬وداعبهبال ُكنيةاملذكورةاملأخوذةمنحالته‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ألهنتوج‬
‫ّ‬

‫‪ )(1‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الفضائل‪ ،‬باب من فضائل علي بن أيب طالب رضى اهلل عنه‪ ،4/5 ،‬رقم احلديث ‪،2409‬‬
‫وأصالحلديثفيصحيحالبخاري‪،‬كتاباألدب‪،‬بابالتكنيبأبيرتاب‪،‬رقماحلديث ‪6204‬‬
‫البلَْنسي‪ ،‬ويعرف بابن اللَّ َّجام‪.‬‬
‫() ابن بطال‪ :‬هو العالمة أبو احلسن‪ ،‬علي بن خلف بن بطال البكري‪ ،‬القرطيب‪ ،‬مث َ‬
‫‪2‬‬

‫صاحب كتاب شرح صحيح البخاري ت‪449:‬هـ (سري أعالم النبالء ج‪.)18‬‬

‫‪133‬‬
‫ومليعاتبهعلىمغاضبتهالبنتهمعرفيعمنزلتهاعنده‪،‬فيؤخذمنهاستحبابالرفقباألصهار‪،‬وتركمعاتبتهم‬
‫(‪)1‬‬
‫؛إبقاءًملودهتم"‬

‫عناي ة كب رية‪ ،‬ومتابع ة م ؤثرة‪ ،‬ودرس ب الغ األمهي ة‪ ،‬خاص ة للم ربني وال دعاة واملص لحني‬
‫واآلب اء‪ ،‬ال ذين ينش غلون مبه امهم عن متابع ة أهليهم وزي ارهتم‪ ،‬واالطمئن ان على أح واهلم‪،‬‬
‫وإصالح شأهنم‪ ،‬وإعانتهم على أمور معاشهم‪.‬‬

‫شفاعته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ "-‬لمغيث عند زوجته‪:‬‬


‫يث‪َ ،‬كأَنِّىأَنْظُرإِلَي ِهيطُوفُخ ْل َفه ا‪،‬ويب ِكىودموعهت ِس يلُعلَ ِ‬ ‫‪:‬مغِ ٌ‬
‫ىخدِّه َف َقااَل لنَّىِب ُّ‬
‫ُ ْ َ َ َ َ َْ َ ُ ُ ُ ُ َ َ َ‬ ‫" َكا َنَز ْو ُجرَبِ َيرةَ َعْب ًدايُ َقالُلَ هُ ُ‬
‫ض رَبِ َير َة ُمغِيثًا؟!‪.‬‬ ‫اس‪:‬ياعبَّاس‪،‬أَالََتعجب ِمْنحبِّمغِيثٍ ِ ير َةو ِمْنب ْغ ِ‬ ‫ِ‬
‫ىالله َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪ -‬ل ْل َعبَّ ِ َ َ ُ ْ َ ُ ُ ُ رَب َ َ ُ‬ ‫‪-‬صلَّ ُ‬ ‫َ‬
‫ت‪:‬يَ َار ُس واَل للَّ ِه‪،‬تَ أْ ُم ُرىِن ؟قَ ال‬ ‫َف َقالَلَه االنَّىِب ‪-‬صلَّىاللهعلَي ِهوس لَّم‪:-‬لَوراجعتِي ِه َفِإنَّهأَب ِ ِ‬
‫وولَ دك‪ .‬قَ الَ ْ‬ ‫َُُ‬ ‫َ ُّ َ ُ َ ْ َ َ َ ْ َ َ ْ‬
‫اجةَلِ ِىف ِيه"(‪.)2‬‬
‫ت‪:‬الَ َح َ‬ ‫َ‪:‬إِمَّنَاأَ ْش َف ُع‪ .‬قَالَ ْ‬
‫"‪ ..‬رائعة من روائع احلبيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وداللة واضحة على أنه حقيق بوصف‬
‫ه‪،:‬‬ ‫اهلل ل‬
‫ودليل على عظيم خلقه‪ ،‬فإن عبدا مملوكا ال يتواىَن أن يطلب شفاعته‪ ،‬يف قضية أسرية ال‬
‫مَت س األم ة يف ثوابته ا‪ ،‬وليس هلا ص لة يف أموره ا العظ ام‪ ،‬وم ع ك ل ه ذا يستش فع العب د‬
‫ب احلبيب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ويش فع ب أيب ه و وأمي‪ ،‬ال يتك رب‪ ،‬وال يتع اىَل ‪ ،‬ب ل يُكلِّم‬
‫املشفوع عنده بألطف العبارات‪ ،‬ويُذكرها ال آمرا‪ ،‬وال زاجرا‪ ،‬وال مستعليا‪ ،‬وال متسلطا‪.‬‬

‫وكم يف ه ذه الش فاعة النبوي ة ل دعاة وعلم اء األم ة أن يتواض عوا للن اس‪ ،‬وينظ روا يف‬
‫حاجاهتم‪ ،‬ويشفعوا هلم عند السلطان وغريه‪ ،‬يف قضاء ديوهنم‪ ،‬وإصالح ذات بينهم‪ ،‬ويف‬
‫مجيع أمورهم‪ ،‬ليؤجروا‪ ،‬وليتأسوا مبورثهم العلم‪ ،‬مرياث النبوة‪.‬‬

‫‪)(1‬ابنحجر‪،‬مرجعسابق‪485 /16 ،‬‬

‫ة إذا أعتقت‪ /1/2 ،‬رقم احلديث ‪،2075‬‬ ‫ار األم‬ ‫اب خي‬ ‫‪)(2‬س نن ابن ماج ه‪ ،‬كت اب الطالق‪ ،‬ب‬
‫واحلديثقالعنهالعالمةاأللباين‪:‬صحيح‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫مث ل ك أن تتص ور م دى اهتم ام الن يب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬مبغيث وزوج ه‪ ،‬ف إن فعلت‬
‫فإن ك حتم ا س تعجز أن تتص ور كي ف يكون اهتمام ه ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ب أمور هي‬
‫أهم وأعظم من بري رة وزوجها! فس بحان َمن بعثه رمحةً للعاملني‪ .‬وهك ذا دين احلق‪ ،‬ال ذي‬
‫يوازن األمور ويعطي كل ذي حق حقه‪.)1(.‬‬

‫عنايته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بصلة األرحام‪:‬‬


‫ول اللَّ ِه‪ ،‬إِ َّن يِل َقراب ةً أ ِ‬ ‫‪-‬ر ِض ي اهللُ َعْن هُ‪ -‬أ َّ‬ ‫يِب‬
‫َص لُ ُه ْم‬ ‫ََ‬ ‫ال‪ :‬يَ ا َر ُس َ‬
‫َن َر ُجاًل قَ َ‬ ‫" َع ْن أَ ُهَر ْي َرةَ َ َ‬
‫ت‬ ‫وي ْقطَع ويِن ‪ ،‬وأُح ِس ن إِلَي ِهم وي ِس يئو َن إِيَلَّ‪ ،‬وأَحلُم عْنهم وجَي هلُ و َن علَي‪َ ،‬ف َق َ ِ‬
‫ال‪ :‬لَئ ْن ُكْن َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ ْ ُ َ ُ ْ َ َْ‬ ‫َ ْ ُ ْ ْ َُ ُ‬ ‫ََ ُ‬
‫َكم ا ُق ْلت فَ َكأَمَّنَ ا تُ ِس فُّهم الْم َّل‪ ،‬وال ي ز ُال مع َ ِ ِ‬
‫ت َعلَى‬ ‫ك م ْن اللَّه ظَ ِه ريٌ َعلَْي ِه ْم َم ا ُد ْم َ‬ ‫ُ ْ َ َ َ َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪)2‬‬
‫ك" ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ذَل َ‬
‫ول ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬خط أَ قطيع ِة ال رحم‪ ،‬وض رورة‬ ‫"يف ه ذا احلديث يق ّوم الرس ُ‬
‫صلتها‪ ،‬والصرب على ذلك؛ ألن الوشائج األسرية هي وسيلة التماسك للحلقة الصغرى يف‬
‫بن اء اجملتم ع املس لم‪ ،‬منه ا ميكن االنطالق إىل دائ رة أوس ع للتواص ل وال رتاحم والتكاف ل يف‬
‫أرجاء اجملتمع‪.)3("..‬‬

‫انورمِح ه؛‬
‫َ‬ ‫"إنوقعالظلمعلىالنفوسيكونأشدَّمايكونإذاماكانصادرامن َقرابةاإلنس‬
‫املتصورمناألقربيننسباتوافرأسبابالرمحةوالنصرة‪،‬مبايكونسببافيتماسكعالقتهماألسريّة‪.‬‬
‫ذلكألنّ ّ‬
‫ِ‬
‫بهمنظلم‪،‬وأعظ ْمبهامنإساءة‪.‬‬ ‫أماأنتأتياإلساءةممنريتبطبهماملرءبوشائجاألخوةوالدم ِ‬
‫‪،‬فأعظ ْم‬ ‫ّ ّ‬

‫‪ )(1‬الكلب اين‪ ،‬ع ادل‪ ،‬مغيث وبري ""رة‪ ..‬قص ""ة حب من ال ""زمن النب ""وي‪ ،‬جري دة الري اض اإللكرتوني ة‪ ،‬الس نة‪ ،‬الع دد‬
‫‪1432(،15578‬هـ‪17-‬فرباير‪2011‬م)‬

‫‪.http://www.alriyadh.com/2011/02/17/article605457.html‬‬
‫‪)(2‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الرب والصلة واآلداب‪ ،‬باب صلة الرحم وحترمي قطيعتها‪ ،4/5 ،‬رقم احلديث ‪.2558‬‬

‫‪ )(3‬إبراهيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪356-355‬‬

‫‪135‬‬
‫وكامننالذينعا َن ْوامنهذاالظلممنالقراب ة‪،‬أحدصحابةرس والهلل –صلىاللهعليهوس لّم‪-‬‬
‫رواهذااإلحسانوملرياعوار‬
‫َ‬ ‫ماتوقّفتقرابتهعناإلساءةإليه‪،‬رغمإحساهنإليهموترفقهبهم‪،‬لكنّهملميق ّد‬
‫محا‪،‬وعندهاقررأنيشتكيللنيب‪-‬صلىاللهعليهوسلم‪ -‬ماجيدمهنقرابته‪.‬‬
‫ّ‬
‫لم‪-‬‬ ‫ه‪-‬صلىاللهعليهوس‬ ‫وجاءالتوجيهالنبومين‬
‫تقريراحلرم ةقطعالرحم‪،‬وتأكي داعلىخطرقطعها‪،‬فلميوجه ه‪-‬صلىاللهعليهوس لم‪-‬‬
‫إلىاملعامل ةباملثل‪،‬ولكنّهأرشدهإلىماتقتضيهحقالرمحومعالياألخالقمناالستمرارعلىص لتهم‪،‬والتوا‬
‫يئحاهلم‪،‬مبشرافيالوقتذاهتبمعونةاللهسبحاهنوتعالىون‬ ‫ّ‬ ‫ص لمعهممهمافعلوا‪،‬مبيّناهلجميلَموقفهوس‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت فَ َكأَمَّنَ ا تُس ف ُ‬
‫ُّه ْم الْ َم َّل‪َ ،‬وال َي َز ُال‬ ‫ت َك َم ا ُق ْل َ‬‫ص رهله‪،‬ق ال‪-‬عليهالصالةوالس الم‪":-‬لَئ ْن ُكْن َ‬
‫ِ‬ ‫مع َ ِ ِ‬
‫ك"‪.‬‬‫ت َعلَى َذل َ‬ ‫ك م ْن اللَّه ظَ ِهريٌ َعلَْي ِه ْم َما ُد ْم َ‬ ‫ََ‬
‫لم‪-‬‬ ‫ه‪-‬صلىاللهعليهوس‬ ‫ويشرياملوقفالنبويّإلىمدىحرص‬
‫علىتقريرصلةالرمحوخطورهتافينفوسأصحابه‪،‬وبيانأمهّيتها‪،‬ومكانتهابينمكارماألخالق‪،‬ولوالعظ‬
‫لم‪-‬‬ ‫دالنيب‪-‬صلىاللهعليهوس‬ ‫يمفضلهاومنزلتهافيديناللهسبحاهنماأرش‬
‫صاحبهإلىاحتماالألذىفيسبيلعدمقطعها"‪.‬‬

‫عنايته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬باإلصالح بين الناس‪":‬‬

‫كان ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يوصي أصحابَه باإلصالح بني الناس‪ ،‬ويعظّم ذلك جدا يف‬
‫ض َل ِم ْن َد َر َج ِة الصَّاَل ِة َو ِّ‬
‫الص يَ ِام‬ ‫نفوسهم‪ ،‬قال ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪" :-‬أَاَل أ َُدلُّ ُك ْم َعلَى أَفْ َ‬
‫البنْي ِ ِه َي‬ ‫ِ‬
‫البنْي ِ ؛ فَ ِإ َّن فَ َس َاد َذات َ‬
‫ِ‬
‫ص اَل ُح َذات َ‬ ‫ال‪ :‬إِ ْ‬
‫ول ِ‬
‫اهلل‪ .‬قَ َ‬ ‫الص َدقَِة؟‪ .‬ق الوا‪َ :‬بلَى يَ ا َر ُس َ‬ ‫َو َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫احْلَالَِقةُ‪ ..‬اَل أَقُ ُ‬
‫ِّين"(‪.)1‬‬
‫َّعَر‪َ ،‬ولَك ْن حَتْل ُق الد َ‬ ‫ول‪ :‬إِن ََّها حَتْل ُق الش ْ‬

‫‪)(1‬س نن الرتم ذي‪ ،‬كت اب ص فة القيام ة والرق ائق وال ورع‪ )56( ،‬ب اب‪ ،1/1 ،‬رقم احلديث ‪،2509‬‬
‫قاالحملدثهذاحديثحسنصحيح‪،‬وصححهالعالمةاأللباين‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫وكان ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يعتين بتلك املهمة عناية كبرية‪ ،‬ويقوم بذلك بنفسه‪ .‬عن‬
‫‪-‬ص لَّى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سهل بن سعد الساعدي قال‪َ " :‬كا َن قِتَ ٌ‬
‫ال َبنْي َ بَيِن َع ْمرو بْ ِن َع ْوف‪َ ،‬فَبلَ َغ َذل َ‬
‫ك النَّيِب َّ َ‬
‫صلِ ُح َبْيَن ُه ْم‪.)2(...‬‬ ‫صلَّى الظُّ ْهَر‪ ،‬مُثَّ أَتَ ُ‬
‫اه ْم يُ ْ‬
‫ِ‬
‫اهللُ َعلَْيه َو َسلَّ َم‪ -‬فَ َ‬
‫سؤاله‪"-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬عن المرضى وعيادتهم‪:‬‬

‫أكثَر ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬من سؤاله عن املرضى وعيادهتم‪ ،‬فقد كان ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫وس لم‪ -‬يع ود ك َّل َمن يبلغ ه مرض ه‪ ،‬رجال ك ان أو ام رأة‪ ،‬قريب ا أم بعي دا‪ ،‬كب ري الق در بني‬
‫الناس أو دون ذلك؛ لِ َم ا لعيادة املريض من عظيم فضل وثواب‪ ،‬وملا لتلك الزيارة من آثار‬
‫طيب ة على نفس املريض وش عوره مبودة إخوان ه‪ ،‬والتخفي ف مما جيده من أمل‪ ،‬ومن مث ت ؤثر‬
‫على تراحم اجملتمع وترابطه‪.‬‬

‫عن بعض أص حاب رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬أخ ربه‪ :‬أن رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ -‬كان يعود مرضى مساكني املسلمني وضعفائهم‪ ،‬ويتبع جنائزهم وال يصلي‬
‫(‪)2‬‬
‫عليهم غريه‪..‬‬

‫ومن أمثلة عياداته" ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬المرضى‪:‬‬

‫عيادته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ "-‬سعد بن عُبادة‪:‬‬

‫عن عبد اهلل‪ ‬بن عمر ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬قال‪" :‬اشتكى سعد بن عبادة شكوى له‪ ،‬فأتاه‬
‫الن يب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬يع وده م ع عب د ال رمحن‪ ‬بن ع وف وس عد‪ ‬بن أيب وق اص‬
‫ض ى؟"‪ ،‬قالوا‪ :‬ال‬
‫وعبداهلل‪ ‬بن مسعود‪ ،‬فلما دخل عليه وجده يف غاشية أهله‪ ،‬فقال‪" :‬قَ ْد قَ َ‬

‫‪)(2‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب األحكام‪ ،‬باب اإلمام يأيت قوما فيصلح بينهم‪ ،4/4 ،‬رقم احلديث‪.7190‬‬

‫‪ )(2‬األلب اين‪ ،‬مرج ع س ابق(أحك ام اجلن ائز وب دعها)‪ ،‬ص‪ ،115‬وق ال األلب اين‪ :‬أخرج ه ال بيهقي بإس ناد ص حيح‪،‬‬
‫والنسائي خمتصرا‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫يا رسول اهلل! فبكى النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬فلما رأى القوم بكاء النيب ‪-‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ -‬بكوا‪.)1(" ..‬‬

‫عيادته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ "-‬امرأة" من األنصار‪:‬‬

‫عن الزهري‪ ،‬حدثتين فاطمة اخلزاعية‪ ،‬وكانت قد أدركت عامة أصحاب النيب ‪-‬صلى اهلل‬
‫ص ا ِر َو ِه َي َو ِج َع ةٌ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ه َو َس لَّ َم‪َ -‬ع َاد ْام َرأَةً م َن اأْل َنْ َ‬
‫َن رس َ ِ‬
‫ول اهلل َ‬ ‫عليه وسلم‪"-‬أ َّ َ ُ‬
‫‪-‬ي ْعيِن‬ ‫ِ‬ ‫ك؟ قَ الَت‪ :‬خِب َ ٍ ي ا رس َ ِ‬
‫ول اهلل‪ ،‬إِاَّل أَ ْن أ َُّم م ْل َدٍم قَ ْد َب َّر َح ْ‬ ‫ف جَتْ ِدينَ ِ‬
‫ت يِب َ‬ ‫ْ رْي َ َ ُ‬ ‫ال هَلَا‪َ :‬كْي َ‬ ‫َف َق َ‬
‫ث اإْلِ نْس ِ‬
‫ان‬ ‫ول اهلل ِ‪-‬صلَّى اهلل علَي ِه وسلَّم‪ :-‬اصرِب ِ ي؛ فَِإنَّه ا تَ ْذهب خِب َب ِ‬ ‫ال هَلَا َر ُس ُ‬
‫احْلُ َّمى‪َ -‬ف َق َ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ َْ َ َ َ‬
‫ث احْل ِد ِ‬
‫يد"(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ب الْكريُ م ْن َخبَ َ‬ ‫َك َما يَ ْذ َه ُ‬
‫تعزية" أهل الميت‪:‬‬

‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪-‬‬ ‫ال‪َ :‬ك ا َن رس ُ ِ‬


‫ول اللَّه َ‬ ‫َُ‬ ‫‪-‬ر ِض َي اللَّهُ َعْن هُ‪ -‬قَ َ‬ ‫ِِ‬
‫" َع ِن ابْ ِن بَُريْ َدةَ‪َ ،‬ع ْن أَبيه َ‬
‫ِ‬
‫ات هَلَ ا ابْ ٌن‬ ‫ص ا ِر َم َ‬ ‫ود ُه ْم‪َ ،‬ويَ ْس أ َُل َعْن ُه ْم‪َ ،‬فَبلَغَنَ ا أ َّ‬
‫َن ْام َرأًَة م َن األَنْ َ‬ ‫ص َار‪َ ،‬و َيعُ ُ‬ ‫َيَت َع َّه ُد األَنْ َ‬
‫ت‪:‬‬ ‫‪-‬ص لّى اللَّهُ َعلَ ِيه َو َس لّ َم‪ -‬فَأ ََمَر َه ا بَِت ْق َوى اللَّ ِه تعاىل‪َ ،‬و َّ‬
‫الص رْبِ ‪َ .‬ف َق الَ ْ‬ ‫اها َ‬
‫ِ‬
‫ت َعلَْيه‪ ،‬فَأَتَ َ‬‫فَ َج ِز َع ْ‬
‫‪-‬ص لّى اللَّهُ َعلَي ِه‬ ‫ال َ‬ ‫وب ال أَلِ ُد‪َ ،‬ومَلْ يَ ُك ْن يِل َولَ ٌد َغْي ُرهُ‪َ .‬ف َق َ‬ ‫ي ا رس َ ِ‬
‫ول اللَّه‪ ،‬إِيِّن ْام َرأَةٌ َرقُ ٌ‬ ‫َ َُ‬
‫يه َو َس لّ َم‪َ :-‬م ا ِم ِن ْام ِر ٍئ ُم ْس لِ ٍم‬ ‫ال ‪-‬ص لّى اللَّه علَ ِ‬
‫َُ‬ ‫وب الَّيِت َيْب َقى َولَ ُد َها‪ .‬مُثَّ قَ َ َ‬ ‫الرقُ ُ‬ ‫َو َس لّ َم‪َّ :-‬‬
‫‪-‬ر ِض ي اللَّهُ َعْن هُ‪ :-‬بِأَيِب‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ال‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫‪.‬‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ن‬ ‫جْل‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫ُ‬ ‫وال مسلَم ٍة مَيُوت هَل ا ثَالثَةٌ ِمن الْولَ ِد إِال ي ْد ِ‬
‫خ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َْ َ‬
‫ِ (‪)3‬‬ ‫ول اللَّ ِه‪ ،‬وا ْثنَ ِ‬
‫ال‪َ :‬وا ْثنَان"‪.‬‬ ‫ان؟ قَ َ‬ ‫َ‬ ‫ت َوأ ُِّمي يَا َر ُس َ‬ ‫أَنْ َ‬

‫‪)(1‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب اجلنائز‪ ،‬باب البكاء عند املريض‪ ،1/4 ،‬رقم احلديث ‪.1304‬‬
‫‪)(2‬شعب اإلميان‪ ،‬باب يف الصرب على املصائب‪ ،‬فصل يف ذكر ما يف األوجاع واألمراض واملصيبات من الكفارات‪،‬‬
‫‪ ،7/7‬رقم احلديث ‪ ،9840‬وأخرجهاملنذريفيالرتغيبوالرتهيب‪،‬كتاباجلنائز‪،‬الرتغيبفيالصربملنابتليفينفسهأوماله‪4885 ،‬‬
‫وقاالملنذري‪:‬رواهترواةالصحيح‪،‬وقااللعالمةاأللباين‪:‬صحيحلغريه‪.‬‬
‫‪ )(3‬األلباين‪ ،‬مرجع سابق(أحكام اجلنائز وبدعها)‪ ،‬ص‪ .207‬واحلديث أخرجه البزار ‪ ،857‬وخالصة حكم احملدث‪:‬‬
‫على شرط مسلم؛ فإن رجاله كلهم رجال صحيحه‪ ،‬لكن أحدهم فيه ضعف من قِبل حفظه‪ ،‬لكن ال ينزل حديثه‬
‫هذا عن رتبة احلسن‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫المتابعة" المالية‪:‬‬

‫مهم ا‪ ،‬ويتأك د االعتن اء هبذا اجلانب يف‬‫"ميث ل اإلع داد للحي اة املادي ة الي وم مطلبً ا تربويًّا ً‬
‫املؤسس ات والقطاع ات الرتبوي ة الدعوي ة؛ فهي هتدف إىل حتقي ق االس تقامة ل دى املرء‪،‬‬
‫وكث ًريا م ا تتجاه ل اجلوانب ال يت حيت اج إليه ا يف حيات ه ال دنيا‪ ،‬ب ل رمبا وقفت عائ ًق ا دوهنا؛‬
‫تاح وقت أطول للمرتيب يتل ّقى من خالله الرتبية يف هذه املؤسسات الدعوية‪.‬‬ ‫ألجل أن يُ َ‬
‫ورد األمر بطلب الرزق‬ ‫ومما يؤكد أمهية هذا األمر‪ ،‬أن الشرع قد اعتىَن هبذا اجلانب‪ ،‬فقد َ‬
‫‪-‬ص لَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪:-‬‬ ‫ال رس ُ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫ال‪ :‬قَ َ َ ُ‬ ‫"عن ِه َش ِام بْ ِن عُ ْر َو َة َع ْن أَبِي ِه َع ْن َج دِّه‪ ِ،‬قَ َ‬
‫ْ‬
‫يِن‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ حِب ِ‬ ‫ْيِت‬
‫َحُبلَ هُ َفيَ أ َ اجْلَبَ َل َفيَج َئ ُْز َم ة َحطَب َعلَى ظَ ْه ره‪َ ،‬فيَب َيع َه ا‪َ ،‬فيَ ْس َت ْغ َ‬
‫َح ُد ُك ْم أ ْ‬‫أَل َ ْن يَأْ ُخ َذ أ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫بثَ َمن َها‪َ ،‬خْيٌر لَهُ م ْن أَ ْن يَ ْسأ ََل الن َ‬
‫َّاس أ َْعطَْوهُ أو َمَنعُوهُ"(‪.)1‬‬

‫وعن أيب هري رة‪-‬رض ي اهلل عن ه‪ -‬عن الن يب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ق ال‪" :‬أِل َ ْن يَأْ ُخ َذ‬
‫ِ‬ ‫َحس بُهُ قَ َ ِ‬
‫َّق‪،‬‬
‫صد َ‬ ‫ب‪َ ،‬فيَبِي َع‪َ ،‬فيَأْ ُك َل‪َ ،‬و َيتَ َ‬
‫ال‪ :‬إىَل اجْلَبَ ِل‪َ -‬فيَ ْحتَط َ‬ ‫َح ُد ُك ْم َحْبلَ هُ‪ ،‬مُثَّ َي ْغ ُد َو ‪-‬أ ْ َ‬
‫أَ‬
‫ِ‬
‫َخْيٌر لهُ م ْن أَ ْن يَ ْسأ ََل الن َ‬
‫َّاس"(‪.)2‬‬

‫وذمه‪ ،‬كم ا يف ح ديث أيب كبش ة األمناري‪-‬‬ ‫وق د هنى الش رع عن س ؤال الن اس‪ ،‬وتكففهم َّ‬
‫رض ي اهلل عن ه‪ -‬أن ه مسع رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬يق ول‪" :‬ثَالَثَةٌأُقْ ِس ُم َعلَْي ِه ّن‬
‫َدقَة‬ ‫ص‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ‬
‫ص َمالُ َعْبدمْن َ‬
‫‪:‬ما َن َق َ‬
‫ال َ‬ ‫َ‬ ‫اح َفظُوهُ‪ .‬قَ‬ ‫ديثًافَ ْ‬ ‫ُح ِّدثُ ُك ْم َح‬‫َ‪،‬وأ َ‬
‫َ‬
‫ا‪،‬والََفتَ َح َعْب ٌدبَامَبَ ْس أَلٍَةإِالََّفتَ َحاللَّ ُه َعلَْي ِهبَ َاب َف ْقر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َبَر َعلَْي َهاإالََّز َاد ُهاللَّ ُهعًّز َ‬
‫ٍ‪،‬والَظُل َم َعْب ٌد َمظْل َمةًفَ َ‬
‫َ‬
‫ٍ‪،‬أ َْو َكلِ َمةًحَنْ َو َها"(‪.)3‬‬

‫‪)(1‬سنن ابن ماجه‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب كراهية املسئلة‪ ،1/2 ،‬رقم احلديث ‪ ،1836‬صححهالعالمةاأللباين‪.‬‬

‫‪)(2‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب كراهة املسألة للناس‪ ،2/5 ،‬رقم احلديث ‪.1042‬‬

‫‪)(3‬الدويش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ /181-180‬واحلديث يف سنن الرتمذي‪ ،‬كتاب الزهد‪ ،‬باب ما جاء مثل الدنيا مثل‬
‫أربعة نفر‪ ،1/1 ،‬رقم احلديث ‪ ،2325‬وقاالحملدثهذاحديثحسنصحيح‪،‬وصححهالعالمةاأللباين‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫نماذج من متابعاته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ "-‬المالية" ألصحابه‪:‬‬

‫مساعدته" ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أصحابه في قضاء ديونهم‪":‬‬

‫رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬كان يهتم هلموم أصحابه‪ ،‬وكان يعلم مدى ثقل الدين‬
‫على صاحبه‪ ،‬وأثره السليب على نفسه‪ ،‬فما كان ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يسمع مبدين من‬
‫رفع ا عن‬
‫أص حابه إال ويب ادر بنفس ه‪ ،‬أو ي دعو إخوان ه للمس اعدة يف قض اء َديْن أخيهم؛ ً‬
‫كاهله ثَِق َل ما جيد من َهم الدين‪.‬‬

‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪ -‬يِف مِث َا ٍر‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يب َر ُج ٌل يِف َع ْهد َر ُس ول اللَّه َ‬
‫ِ‬
‫روى أبو سعيد اخلدري‪" :‬أُص َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال رس ُ ِ‬
‫َّق‬
‫صد َ‬ ‫ص َّدقُوا َعلَْي ه‪َ ،‬فتَ َ‬ ‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ه َو َس لَّ َم‪ :-‬تَ َ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫اع َه ا‪ ،‬فَ َك ُث َر َد ْينُ هُ‪َ ،‬ف َق َ َ ُ‬
‫ْابتَ َ‬
‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪ -‬لِغَُر َمائِ ِه‪:‬‬ ‫ال رس ُ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس َعلَْي ِه‪َ ،‬فلَ ْم َيْبلُ ْغ َذل َ‬
‫ك َوفَ اءَ َديْن ه‪َ ،‬ف َق َ َ ُ‬ ‫الن ُ‬
‫ِ‬
‫ك"(‪.)1‬‬‫س لَ ُك ْم إِال َذل َ‬‫ُخ ُذوا َما َو َجدْمُتْ‪َ ،‬ولَْي َ‬
‫حرص على أن يساعد الرجل على َس داد دينه‪ ،‬مث طلب‬ ‫فالرسول‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪َ -‬‬
‫من غرمائه أن يقبلوا باملبلغ الذي مُجِ َع‪.‬يقول املباركفوري يف شرح سنن الرتمذي‪" :‬واملع ىن‪:‬‬
‫ليس للغرماء أن يأخذوا إال ما وجدوا‪ ،‬واإلمهال مبطالبة الباقي إىل امليسرة"(‪.)2‬‬

‫توس ط له عن د الغرماء‬
‫دين عن الرجل‪ ،‬إمنا َّ‬
‫فالرسول‪-‬صلى اهلل عليه وس لم‪ -‬مل يُس قط ال َ‬
‫ويؤخروا الباقي‪ ،‬وهذا من رمحته باملدين‪.‬‬
‫ليأخذوا قسطًا‪ّ ،‬‬
‫لم‪-‬‬ ‫أمر‪-‬صلىاللهعليهوس‬ ‫يبفيثمارابتاعها‪،‬ف‬ ‫ويوضحاحلديثأنرجالأص‬
‫الناسأنيتص ّدقواعليه‪،‬فتصدقالناس عليه‪،‬ولكنمامُجِ عمنالصدقاتاليكفيلس دادالديونالتيعليه‪َ ،‬فَر ْف ًعالل‬
‫ه؛‬ ‫لم‪-‬عندغرمائ‬ ‫طله‪-‬صلىاللهعليهوس‬ ‫حرجعنالرجلتوس‬

‫‪ )(1‬ص حيح مس لم‪ ،‬كت اب املس اقاة‪ ،‬ب اب اس تحباب الوض ع من ال دين‪ ،3/5 ،‬رقم احلديث‬
‫ِ‬
‫لَّم‬ ‫ذي‪،‬كتابالز َكاةعنرسواِل للَّ ِهصلَّىاللَّ ْ‬
‫هعليهوس‬ ‫‪،،1556‬ورواهالرتم‬
‫ينوغريهم‪،‬رقماحلديث‪ 655‬وقاحلديثحسنصحيح‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫هالصدقةمنالْغا ِرِم‬
‫ِ‬ ‫َ‪،‬بامباجاءم ِ‬
‫نتحللَ‬ ‫َ‬

‫‪)(2‬املباركفوري‪ ،‬حممد عبد الرمحن ابن عبد الرحيم‪ ،‬حتفة األحوذي بشرح جامع الرتمذي‪ ،‬ضبط وتوثيق صدقي‬
‫حممد مجيل العطار‪( ،‬بريوت‪ :‬دار الفكر‪1415 ،‬هـ‪1995 -‬م)‪.4/397 ،‬‬

‫‪140‬‬
‫اقي‪،‬وهذامنرمحتهباملدين‪.‬‬ ‫طا‪،‬ويؤخرواالب‬
‫ّ‬ ‫ليأخذواقِس‬
‫فعليهقضاؤهم‪،‬وذمتهمازالتمشغولة‪،‬فعليهأنيوفيأصحابالديونبقيةَحقوقِهم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ُيسرفيمابعد‬
‫ُ‬ ‫فإذاأ‬

‫وكان أمره‪-‬صلىاللهعليهوس لم‪ -‬بالص دقةعلىالرجإلمناهوجرباخلاطره‪،‬وختفيفاللمص يبةعليه؛‬


‫لم‪-‬‬ ‫أمره‪-‬صلىاللهعليهوس‬ ‫يبفيالثمار‪،‬فيكون‬ ‫ألهنأ ِ‬
‫ُص‬
‫للناسبالتصدقعليهمنباباإلرفاقومنبابالتخفيفعليه‪.‬‬

‫إعانته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ "-‬جابر" على سداد دين أبيه‬

‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫ت َم َع َر ُس ول اللَّه َ‬ ‫" َع ْن َج ابِ ِر بْ ِن َعْب د اللَّه ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬قَ َال‪َ :‬خ َر ْج ُ‬
‫‪-‬ص لَّى‬ ‫يف‪َ ،‬فلَ َّما َق َف ل رس ُ ِ‬ ‫ض عِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وس لَّم‪ -‬يِف َغ زو ِة َذ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫ََُ‬ ‫اع‪ُ ،‬م ْرحَت اًل َعلَى مَجَ ٍل يِل َ‬ ‫الرقَ ِ‬‫ات ِّ‬ ‫َْ‬ ‫ََ َ‬
‫ضي‪ ،‬وجع ْلت أَخَتَلَّف حىَّت أ َْدر َكيِن رس ُ ِ‬ ‫اق مَتْ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪-‬ص لَّى اهللُ‬ ‫ول اللَّه َ‬ ‫ُ َ َ َُ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫الرفَ ُ‬‫ت ِّ‬ ‫اهللُ َعلَْيه َو َسلَّ َم‪َ -‬ج َعلَ ْ‬
‫ال‪:‬‬ ‫ول اللَّ ِه‪ ،‬أَبْطَ أَ يِب مَجَلِي َه َذا‪ ،‬قَ َ‬ ‫ت‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫ال‪ُ :‬ق ْل ُ‬ ‫ك يَا َج ابُِر؟ قَ َ‬ ‫َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪َ -‬ف َق َال‪َ :‬م ا لَ َ‬
‫ص ا ِم ْن يَ ِد َك ‪-‬أو‬ ‫ول اللَّ ِه ‪-‬ص لَّى اهلل علَي ِه وس لَّم‪ -‬مُثَّ قَ َ ِ ِ ِ‬ ‫فَأَخِن‬
‫ال‪ :‬أ َْعطيِن َه ذه الْ َع َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫س‬‫ُ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫اخ‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫َ‬‫َ‬‫أ‬‫و‬‫َ‬ ‫‪،‬‬‫ُ‬‫ه‬ ‫ْ‬
‫ول اللَّ ِه ‪-‬ص لَّى اهلل علَي هِ‬ ‫قَ َال‪ :‬اقْطَ ع يِل ع ِ‬
‫ُ َْ‬ ‫َ‬ ‫َخ َذ َر ُس ُ‬ ‫ال‪ :‬فَأ َ‬ ‫ت‪ ،‬قَ َ‬ ‫ص ا م ْن َش َجَر ٍة‪ -‬قَ َال‪َ :‬ف َف َع ْل ُ‬ ‫ْ ًَ‬
‫ت‪ ،‬فَ َخ َر َج‪َ ،‬والَّ ِذي َب َعثَهُ بِاحْلَ ِّق‪،‬يُ َو ِاه ُق‬ ‫ِ‬
‫ب‪َ ،‬ف َركْب ُ‬ ‫ال‪ْ :‬ار َك ْ‬ ‫ات‪ ،‬مُثَّ قَ َ‬ ‫وس لَّم‪َ -‬فنَخس ه هِب ا خَنَس ٍ‬
‫َ َ َ َ َُ َ َ‬
‫َّث معِي رس ُ ِ‬
‫‪-‬ص لَّى اهللُ‬ ‫ول اللَّه َ‬ ‫الس رْي ومُي اشيه‪ -‬قَ َال‪َ :‬وحَتَ د َ َ َ ُ‬ ‫اريه ا يف َّ‬ ‫نَا َقتَ هُ ُم َو َاه َق ةً ‪-‬أي‪ :‬يُبَ َ‬
‫ك‪،‬‬ ‫ول اللَّ ِه‪ ،‬بَ ْل أ ََهبُ هُ لَ َ‬‫ت‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫ك َه َذا يَا َج ابُِر؟ قَ َال‪ُ :‬ق ْل ُ‬ ‫ال‪ :‬أَتَبِيعُيِن مَجَلَ َ‬ ‫َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪َ -‬ف َق َ‬
‫ت‪:‬‬ ‫ال‪ُ :‬ق ْل ُ‬ ‫َخ ْذتُ هُ بِ ِد ْر َه ٍم‪ ،‬قَ َ‬ ‫ت‪ ،‬أ َ‬ ‫ال‪ :‬قَ ْد ُق ْل ُ‬ ‫ت‪ :‬فَ ُس ْميِن بِ ِه‪ ،‬قَ َ‬ ‫ال‪ُ :‬ق ْل ُ‬‫يه‪ ،‬قَ َ‬ ‫ال‪ :‬اَل ‪ ،‬ولَ ِكن بِعنِ ِ‬
‫َ ْ ْ‬ ‫قَ َ‬
‫ت‪ ،‬اَل ‪ ،‬قَ َال‪:‬‬ ‫ال‪ُ :‬ق ْل ُ‬ ‫ال‪ :‬فَبِ ِد ْرمَهَنْي ِ ‪ ،‬قَ َ‬ ‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪ -‬قَ َ‬ ‫اَل ‪ ،‬إِ ًذا ي ْغبِنُيِن رس ُ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫َ َُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َفلَم ي ز ْل يرفَ ع يِل رس ُ ِ‬
‫ت‪َ :‬ف َق ْد‬ ‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ه َو َس لَّ َم‪َ -‬حىَّت َبلَ َغ اأْل ُوقيَّةَ‪ ،‬قَ َال‪ُ :‬ق ْل ُ‬ ‫ول اللَّه َ‬ ‫ْ َ َ َْ ُ َ ُ‬
‫ال‪ :‬مُثَّ قَ َال يِل ‪ :‬يَا‬ ‫َخ ْذتُهُ‪ ،‬قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪ :‬قَ ْد أ َ‬ ‫ك‪ ،‬قَ َ‬ ‫ت‪ُ :‬ه َو لَ َ‬ ‫ت‪ :‬نَ َع ْم‪ُ ،‬ق ْل ُ‬ ‫يت؟ ُق ْل ُ‬ ‫يت‪ ،‬قَ َال‪ :‬قَ ْد َرض َ‬ ‫َرض ُ‬
‫ت‪:‬‬ ‫ال‪ُ :‬ق ْل ُ‬ ‫ول اللَّ ِه‪ ،‬قَ َال‪ :‬أََثيِّبً ا أ َْم بِ ْك ًرا؟ قَ َ‬‫ت‪َ :‬ن َع ْم يَا َر ُس َ‬ ‫ت َب ْع ُد؟) قَ َال‪ُ :‬ق ْل ُ‬ ‫َجابُِر‪َ ،‬ه ْل َتَز َّو ْج َ‬
‫ِ‬ ‫ت‪ :‬ي ا رس َ ِ ِ‬ ‫ال‪ :‬أَفَاَل َجا ِريَ ةً؛ تُاَل ِعُب َه ا َوتُاَل ِعبُ َ‬
‫يب‬‫ول اللَّه‪ :‬إ ْن أَيِب أُص َ‬ ‫ال‪ُ :‬ق ْل ُ َ َ ُ‬ ‫ك؟ قَ َ‬ ‫بَ ْل ثَيِّبً ا‪ ،‬قَ َ‬
‫وم َعلَْي ِه َّن‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ي وم أ ٍ‬
‫وس ُه َّن َوَت ُق ُ‬‫ت ْام َرأَةً َجام َع ةً‪ ،‬جَتْ َم ُع ُرءُ َ‬ ‫ُح د‪َ ،‬وَت َر َك َبنَ ات لَ هُ َس ْب ًعا‪َ ،‬فنَ َك ْح ُ‬ ‫ََْ ُ‬
‫‪-‬م ْو ِض ٌع َعلَى ثَاَل ثَ ِة أ َْميَ ٍال ِم َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت إِ ْن َش اءَ اللَّهُ‪ ،‬قَ َ‬
‫ال‪ :‬أ ََم ا إنَّا لَ ْو قَ ْد جْئنَ ا "ص َر ًارا" َ‬ ‫َص ْب َ‬‫قَ َال‪ :‬أ َ‬
‫الْم ِدينَ ِة‪ -‬أَمرنَ ا جِب زو ٍر‪َ ،‬فنُ ِح رت‪ ،‬وأَقَمنَ ا علَيه ا يومنَ ا َذلِ َ ِ‬
‫ت مَنَا ِر َق َه ا‪،‬‬‫ض ْ‬ ‫ت بِنَ ا َفَن َف َ‬‫ك‪َ ،‬ومَس َع ْ‬ ‫َ ْ َ ْ َ ْ َ َْ َ‬ ‫َْ َُ‬ ‫َ‬

‫‪141‬‬
‫ال‪ :‬إِنَّه ا س ت ُكو ُن‪ ،‬فَ ِإذَا أَنْ ِ‬
‫ت‬‫ت قَ د ْم َ‬ ‫َ‬ ‫ول اللَّ ِه‪َ ،‬م ا لَنَ ا ِم ْن مَنَ ا ِر َق‪ ،‬قَ َ َ َ َ‬ ‫ت‪َ :‬واللَّ ِه يَ ا َر ُس َ‬ ‫ال‪ُ :‬ق ْل ُ‬ ‫قَ َ‬
‫‪-‬صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ -‬جِب َ ُزو ٍر‪،‬‬ ‫ال‪َ :‬فلَ َّما ِجْئنَا ِصرارا أَمر رس ُ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫َ ً ََ َ ُ‬ ‫اع َم ْل َع َماًل َكيِّ ًسا‪ ،‬قَ َ‬ ‫فَ ْ‬
‫ِ‬ ‫ك الْي وم‪َ ،‬فلَ َّما أَمس ى رس ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪-‬د َخ َل‪،‬‬ ‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ه َو َس لَّ َم َ‬ ‫ول اللَّه َ‬ ‫َْ َُ‬ ‫ت‪ ،‬فَأَقَ ْمنَ ا َعلَْي َه ا َذل َ َ ْ َ‬ ‫َفنُح َر ْ‬
‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪-‬‬ ‫يث‪ ،‬وم ا قَ َال يِل رس ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫َُ‬ ‫ت الْ َم ْرأََة احْلَ د َ َ َ‬ ‫َخَب ْر ُ‬‫ال‪ :‬فَ أ ْ‬ ‫َو َد َخ ْلنَ ا قَ َ‬
‫ت بِ ِه َحىَّت‬
‫ت بِ َرأْ ِس اجْلَ َم ِل‪ ،‬فَ أَ ْقَب ْل ُ‬ ‫َخ ْذ ُ‬‫تأَ‬ ‫َص بَ ْح ُ‬
‫ال‪َ :‬فلَ َّما أ ْ‬ ‫اع ةً‪ ،‬قَ َ‬ ‫ك فَ َس ْم ًعا َوطَ َ‬ ‫ت‪ :‬فَ ُدونَ َ‬ ‫قَ الَ ْ‬
‫ال‪:‬‬ ‫ت يِف الْ َم ْس ِج ِد قَ ِريبً ا ِمْن هُ‪ ،‬قَ َ‬ ‫ِ‬
‫‪-‬صلَّى اهللُ َعلَْيه َو َسلَّ َم‪ -‬مُثَّ َجلَ ْس ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أَخَن ْتُهُ َعلَى بَاب َر ُسول اللَّه َ‬
‫ول‬
‫ال‪َ :‬م ا َه َذا؟ قَ الُوا‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪َ -‬ف َرأَى اجْلَ َم َل َف َق َ‬ ‫وخ رج رس ُ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫َ ََ َ َ ُ‬
‫َي يَا ابْ َن أ َِخي‪،‬‬ ‫ال‪َ :‬ت َع َال‪ ،‬أ ْ‬ ‫يت لَهُ‪ ،‬قَ َ‬ ‫ِ‬
‫ال‪ :‬فَأَيْ َن َج ابٌِر؟‪ ،‬فَ ُدع ُ‬ ‫اللَّ ِه‪َ ،‬ه َذا مَجَ ٌل َج اءَ بِ ِه َج ابٌِر‪ ،‬قَ َ‬
‫ِِ ِ‬ ‫ال‪ :‬ا ْذه جِب‬ ‫ِ‬
‫ت‬‫ب َ ابِ ٍر فَأ َْعط ه أُوقيَّةً‪ ،‬فَ َذ َهْب ُ‬ ‫ِ‬
‫ال‪ :‬فَ َد َعا باَل اًل ‪َ ،‬ف َق َ َ ْ‬ ‫ك‪ ،‬قَ َ‬ ‫ك‪َ ،‬ف ُه َو لَ َ‬ ‫ُخ ْذ بِ َرأْ ِس مَجَل َ‬
‫ال‪َ :‬ف َواللَّ ِه َم ا َز َال َيْن ِمي ِعْن َدنَا‪َ ،‬و َن َرى َم َكانَهُ ِم ْن‬ ‫َم َع هُ‪ ،‬فَأ َْعطَايِن أُوقِيَّةً َو َز َاديِن َش ْيئًا يَ ِس ًريا‪ ،‬قَ َ‬
‫َّاس– َي ْعيِن ‪َ :‬ي ْو َم احْلََّر ِة"(‪.)1‬‬ ‫س فِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يب الن ُ‬ ‫يما أُص َ‬ ‫يب أ َْم ِ َ‬ ‫َبْيتنَا َحىَّت أُص َ‬

‫حتمل ‪-‬وه و ال ي زال ش ابا‪ -‬من بع د‬ ‫الص حايب اجللي ل ج ابر‪ ‬بن عب د اهلل‪-‬رض ي اهلل عن ه‪َّ -‬‬
‫سدادها وسبع أخوات يقوم على إعالتهن‪ ،‬فتزوج ‪-‬رضي اهلل‬ ‫واجب ُ‬ ‫ٌ‬ ‫استشهاد أبيه ديونًا‬
‫عنه‪ -‬امرأة ثيبا؛ حىت تقوم على أمر إخوته‪ ،‬وتراعيهن‪ ،‬وتكون مبثابة أ ٍُّم ألخواته؛ وخرج‬
‫‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬يف غزوة‪ ،‬ومل يكن الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ليعلم مبشكلة جابر‪،‬‬
‫وال يش اركه يف حله ا‪ ،‬فابتاع ه ناقت ه ب أربعني درمهً ا وزاده‪ ،‬مث أعط اه املال والناق ة؛ ج ًربا‬
‫وع ْونًا على سداد دينه‪ ،‬واإلنفاق على أهله‪.‬‬ ‫خلاطره‪َ ،‬‬

‫إعانته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ "-‬سلمان على مكاتبته‬

‫‪)(1‬ابن هش ام‪ ،‬مرج ع س ابق‪ ،163-2/159 ،‬وأورد احلديث بن كث ري يف البداي ة والنهاي ة ‪ ،‬وق ال‪ :‬وق د أخرج ه‬
‫ص احبا الص حيح من ح ديث عبيداهلل بن عم ر العم ري عن وهب بن كيس ان عن ج ابر بنح وه‪ ،‬وروي احلديث‬
‫خمتصرا يف صحيح سنن أيب داود ‪.3505‬‬

‫‪142‬‬
‫حيكي سلمان الفارسي حديثا طويال بينه وبني رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬جاء فيه‬
‫احيِب َعلَى‬ ‫ول اللَّ ِه ‪-‬ص لَّى اهلل علَي ِه وس لَّم‪َ :-‬ك اتِب ي ا س ْلما ُن‪ .‬فَ َك اَتبت ص ِ‬ ‫ال يِل َر ُس ُ‬ ‫"‪...‬قَ َ‬
‫ُْ َ‬ ‫ْ َ َ َ‬ ‫ُ َْ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ني أُوقِيَّةً‪َ ،‬ف َق َ‬
‫ال‬ ‫ِ‬
‫ُحيِ َيه ا لَ هُ بِ الْ َفق ِري (حف رة الفس يلة ال يت تغرس فيه ا) َوبِ أ َْربَع َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ٍ‬
‫ثَالث مائَ ة خَن ْلَ ة أ ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫رس ُ ِ‬
‫الر ُج ُل‬‫َّخ ِل‪َّ ،‬‬ ‫َع انُويِن بِالن ْ‬ ‫َخ ا ُك ْم‪ .‬فَأ َ‬ ‫َص َحابِه‪ :‬أَعينُ وا أ َ‬ ‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ه َو َس لَّ َم‪ -‬أل ْ‬ ‫ول اللَّه َ‬ ‫َُ‬
‫الر ُج ُل بِ َع ْش ٍر‪،‬‬ ‫س َع ْشَرةَ‪َ ،‬و َّ‬ ‫م‬ ‫الرجل خِب‬ ‫َّ‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ين‬ ‫الر ُجل بِعِ ْش ِ‬
‫ر‬ ‫َّ‬ ‫و‬ ‫النخل)‪،‬‬ ‫صغار‬ ‫(أي‪:‬‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫ي‬
‫َّ‬ ‫بِثالثِني و ِ‬
‫د‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬
‫‪-‬ص لَّى‬ ‫ال يِل رس ُ ِ‬ ‫الرجل بَِق ْد ِر ما ِعْن َده‪ ،‬حىَّت اجتَمعت يِل ثَ ُ ِ ِ ِ ٍ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫الث مائَة َوديَّة‪َ ،‬ف َق َ َ ُ‬ ‫ُ َ ْ ََ ْ‬ ‫َ‬ ‫َي ْعيِن َّ ُ ُ‬
‫ِ‬
‫ت‪،‬‬ ‫ب يَا َس ْل َما ُن َف َفق ِّْر هَلَا (أي‪ :‬احفر هلا موضع غرسها)‪ ،‬فَِإ َذا َف َر ْغ َ‬ ‫اهللُ َعلَْي ه َو َس لَّ َم‪ :-‬ا ْذ َه ْ‬
‫ي‪َ ،‬ف َفقَّرت هَل ا وأَع انَيِن أَص حايِب حىَّت إِذَا َف ر ْغ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت مْن َه ا جْئتُ هُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َض عُ َها بِيَ َد َّ ْ ُ َ َ َ‬ ‫فَ أْتيِن أَ ُك و ُن أَنَ ا أ َ‬
‫ي‪،‬‬ ‫ب لَهُ الْ َو ِد َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ه َو َس لَّ َم‪َ -‬معي إِلَْي َه ا‪ :‬فَ َج َع ْلنَ ا نُ َق ِّر ُ‬
‫فَأَخبرتُه‪ ،‬فَخرج رس ُ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫َْْ ُ ََ َ َ ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِ َّ ِ ِ ِ َّ ِ‬ ‫ول اللَّ ِه َ َّ‬
‫ت‬ ‫س َس ْل َما َن بِيَ ده‪َ ،‬م ا َم اتَ ْ‬ ‫‪-‬ص لى اهللُ َعلَْي ه َو َس ل َم‪ -‬بيَ ده‪َ ،‬ف َوالذي َن ْف ُ‬ ‫ض عُهُ َر ُس ُ‬ ‫َويَ َ‬
‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه‬ ‫ال‪ ،‬فَ أُيِت رس ُ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫ََُ‬ ‫َّخ َل َوبَِق َي َعلَ َّي الْ َم ُ‬ ‫ت الن ْ‬
‫ِ ِ‬
‫مْن َه ا َوديَّةٌ َواح َدةٌ‪ ،‬فَ أ ََّديْ ُ‬
‫ِ‬
‫ال‪َ :‬م ا َف َع َل الْ َفا ِر ِس ُّي‬ ‫ض الْ َمغَ ا ِزي‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫ب‪ِ ،‬م ْن َب ْع ِ‬ ‫اج ِة ِم ْن َذ َه ٍ‬
‫َّج َ‬ ‫ض ة الد َ‬
‫وس لَّم‪ -‬مِبِثْ ِل بي ِ‬
‫َْ َ‬ ‫ََ َ‬
‫ِِ‬
‫ت‪َ :‬وأَيْ َن َت َق ُع‬ ‫ك يَا َس ْل َما ُن‪َ .‬ف ُق ْل ُ‬ ‫ال‪ُ :‬خ ْذ َه ذه فَأ َِّد هِبَا َم ا َعلَْي َ‬ ‫يت لَهُ َف َق َ‬ ‫الْم َك اتَب؟ قَ َ ِ‬
‫ال فَ ُدع ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫ال‪ُ :‬خ ْذ َها؛ فَ ِإ َّن اللَّهَ َس ُي َؤ ِّدي هِبَ ا‬ ‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪ -‬مِم َّا َعلَ َّي؟‪ .‬قَ َ‬ ‫ه ِذ ِه ي ا رس َ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫َ َ َُ‬
‫ني أُوقِيَّةً‪ ،‬فَ أ َْو َفْيُت ُه ْم‬ ‫ِِ ِ‬
‫س َس ْل َما َن بِيَ ده أ َْربَع َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت هَلُ ْم مْن َه ا‪َ ،‬والذي َن ْف ُ‬ ‫َخ ْذ ُت َها َف َو َزنْ ُ‬
‫ال‪ :‬فَأ َ‬ ‫ك‪ .‬قَ َ‬ ‫َعْن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪-‬صلَّى اهللُ َعلَْيه َو َس لَّ َم‪ -‬اخْلَْن َد َق‪ ،‬مُثَّ مَلْ َي ُفْتيِن َم َع هُ‬ ‫ت َم َع َر ُسول اللَّه َ‬ ‫ت‪ ،‬فَ َش ِه ْد ُ‬ ‫َّه ْم‪َ ،‬وعُت ْق ُ‬ ‫َحق ُ‬
‫َم ْش َه ٌد"(‪.)1‬‬

‫صداق زوجه‪:‬‬
‫إعانته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ "-‬عبد اهلل‪ ‬بن أبي حدرد على أداء َ‬
‫(‪)2‬‬

‫‪)(1‬جممع الزوائد‪ ،‬كتاب املناقب‪ ،‬باب ما جاء يف سلمان الفارسي رضي اهلل عنه‪ ،339-9/338 ،‬جزء من حديث‬
‫طوي ل‪ ،‬ق ال عن ه اهليثمي رجال ه رج ال الص حيح غ ري حمم د بن إس حق‪ ،‬وذك ره األلب اين يف السلس لة الص حيحة‪،‬‬
‫‪ ،2/556‬رقم احلديث ‪ 894‬وقال إسناده حسن‪.‬‬
‫‪ )(2‬عبد اهلل بن أيب حدرد األسلمي‪ ،‬واسم أيب حدرد سالمة بن عمري بن أيب سالمة بن سعد بن مساب بن احلارث‬
‫بن عبس بن ه وازن بن أس لم‪ ،‬وقي ل عب د بن عم ري بن ع امر‪ .‬ل ه ص حبة‪ ،‬يك ىن أب ا حمم د‪ ،‬وأول مش اهده احلديبي ة‬
‫وخيرب(أسد الغابة ج‪.)2‬‬

‫‪143‬‬
‫رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫َ‬ ‫حدث عبد اهلل‪ ‬بن أيب حدرد‪ ،‬عن نفسه أنه تزوج امرأة‪ ،‬فأتَى‬
‫ت؟" ق ال‪ :‬قلت‪ :‬م ائيت درهم ! مث أرس له‬ ‫َص َدقْ َ‬
‫ص داقها‪ ،‬فق ال‪َ " :‬ك ْم أ ْ‬
‫وس لم‪ -‬يس تعينه يف َ‬
‫(‪)3‬‬
‫‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يف سرية‪ ،‬فأصاب منها‪.‬‬

‫أمثلة تطبيقية لالستفادة" من المنهج النبوي في مجاالت المتابعة‪:‬‬


‫ميكنللمربيأنيستفيداستفادةكبريةمنمنهجالنبيصلىاللهعليهوسلمفيمتابعاهتألص حاهبوآلبيته‪،‬مبايتنا‬
‫وعاتواجملاالت‬ ‫ر‪،‬خاصةاملوض‬ ‫سبوواقعنااملعاص‬
‫التيكانرسوالللهصلىاللهعليهوسلميعتنيبهاويوليهارعايته‪،‬والطرقالتيكانيسلكهافيتلكاملتابعات‪.‬‬
‫وملساعدةاملربيفيرتشيدعمليةاملتابعة‪،‬وتعظيماالستفادةمنمنهجاملتابعةالنبويةأطرحبعضاألمثلةجلوا‬
‫نبيجباالهتمامبهاورعايتهامنقبالملربيفيس ياقمتابعاهتالرتبوية‪،‬وهيتمثلجزءاأساسيامنعمالملربيفيتقي‬
‫يماملرتبني‪،‬معالتأكيدعلىأهنذهاألمثلةغريمقصودهباحصركالحملاوراملهمةللمتابعةأوحصركلجوانب‬
‫ةومناذج لبعض حماور وجماالت‬ ‫املتابعةحتتكلمحور‪،‬وإمناجمردأمثل‬
‫املتابعة‪،‬ميكنللمربيالتوسعفيهاوالزيادةعليهاحسبطاقته‪،‬وحسب احتياجاتاملرتيب‪.‬‬
‫أمثلةلجوانبالمتابعةفيالمحورالدعوي‪:‬‬

‫عيفا‪-‬‬ ‫رويتفاعلجيدا‪ -‬حيضرويتفاعلتفاعالض‬ ‫‪ -‬حضوراألنش طةالدعوية‪ :‬حيض‬


‫حيضرواليتفاعل‪ -‬يتكاسلعناحلضور‪.‬‬
‫‪-‬احلرصعلىاللقاءاتالرتبوية‪ :‬حيرصعلىاحلضور‪ -‬الحيرصعلىاحلضور‪.‬‬
‫‪ -‬االعتذارعناملشاركة ‪ :‬حيرصعلىاالعتذار –خيتلقأعذارا ‪ -‬الحيرصعلىاالعتذار‪.‬‬
‫‪ -‬التفاعلمعبقيةإخواهنفيأداءاملهام‪ :‬متعاونوإجيايب –غريمتعاونوسليب‪.‬‬
‫‪-‬املبادرةلتقدميمقرتحاتدعوية‪ :‬مبادردائما‪ -‬مبادرأحيانا‪ -‬غريمبادر‪.‬‬
‫يحةوتغيرياملنكربطريقةالئقة‪-‬‬ ‫يحةوتغيرياملنكر‪ :‬حيرصعلىالنص‬ ‫‪ -‬النص‬
‫حريصعلىالنصيحةوتغيرياملنكردوناالهتمامبالطريقة‪ -‬اليهتمبالنصيحةوالتغيرياملنكر‪.‬‬
‫أمثلةلجوانبالمتابعةفيالمحورالتعبدي‪:‬‬

‫‪ )(3‬جمم ع الزوائ د‪ ،‬كت اب املغ ازي والس ري‪ ،‬ب اب يف س رية إىل جند‪ ،6/209 ،‬ج زء من ح ديث طوي ل رواه اهليثمي‬
‫وقال ‪ :‬رواه أمحد وفيه راو مل يسم‪ ،‬وبقية رجاله ثقات ‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫شهودالص لواجتماعة يف املس جد‪ :‬حريصبشدةعلىجماعةاملس جد‪ -‬متكاسلعنجماعةاملس جد‪-‬‬
‫الحيضراجلماعةإالنادرا‪.‬‬
‫املواظبةعلىص الةالنوافل‪ :‬حيرصعلىصالةالنوافلباس تمرار‪ -‬يصليبعض النوافألحيانا‪-‬‬
‫الحيرصعلىصالةالنوافل‪.‬‬
‫‪-‬احلرصعلىصيامالنوافل‪ :‬يصومالتطوعباستمرار‪ -‬يصومالتطوعأحيانا‪ -‬اليصومإالرمضان‪.‬‬
‫‪-‬املواظبةعلىأذكارالصباحواملس اء‪ :‬مواظببدافع ذايت‪ -‬مواظبمعالتش جيعوالتذكريالدائم‪-‬‬
‫غريمواظب‪.‬‬
‫‪-‬تالوةالقرآن‪ :‬هلوردثابتيومي‪ :‬هلوردغريثابت‪ -‬ليسلهوردتالوة‪.‬‬
‫أمثلةلجوانبالمتابعةالخلقيةوالسلوكية‪:‬‬

‫تخدامألفاظغريالئقة‪-‬‬ ‫خريةمناآلخرين‪ -‬اس‬ ‫ذب‪ -‬الس‬ ‫‪ -‬حفظاللس ان‪ ( :‬الك‬


‫املزاحغرياملنضبط‪.)...‬‬
‫‪ -‬حفظالبصر‪ :‬حريصعلىغضبصره‪ -‬يتساهلفيغضالبصر‪ -‬اليغضبصره‪.‬‬
‫‪ -‬الرفقوحس ناخللق‪ :‬يتعاملربفقوحس نخلقمعاجلميع‪-‬يتعاملربفقوحس نخلقمعاملقربني‪-‬‬
‫يتعاملبفظاظةوقسوة‪.‬‬
‫االختالط والتعامل مع األجنبيات‪ :‬يتعامل حبرص ويراعي الضوابط الشرعية‪-‬متساهل وغري‬
‫منضبط‪.‬‬
‫اعدةاآلخريندونطلب‪-‬‬ ‫اعدةاآلخرين‪ :‬يبادردائمامبس‬ ‫االهتمامبمس‬
‫يساعداآلخرينفيحالطلبهماملساعدة‪ -‬اليهتمبمساعدةاآلخرين‪.‬‬
‫ومن املوض وعات ال يت حتت اج أيض ا إىل متابع ة من املريب (الت دخني‪-‬اس تماع األغ اين‬
‫واملوسيقى‪-‬مشاهدة األفالم واملسلسالت‪.)...-‬‬
‫أمثلة لجوانب متابعة الوضع االقتصادي والتعامالت" المالية" للمتربي‪":‬‬

‫‪-‬حالته االقتصادية‪ :‬ثري‪ -‬متوسط ‪ -‬فقري‪.‬‬


‫‪ -‬االقرتاض‪ :‬يقرتض يف أضيق احلدود وألسباب هامة‪ -‬يقرتض كثريا دون أسباب مقنعة‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫‪-‬احلرص على س داد ال ديون‪ :‬يب ادر للس داد وحيرص على أداء ال دين يف وقت ه‪ -‬مياط ل يف‬
‫السداد‪.‬‬
‫‪ -‬حجم اإلنفاق على شؤونه اخلاصة‪ :‬وسط يف إنفاقه‪ -‬مبذر‪ -‬مقرت‪.‬‬
‫‪-‬التدبري يف اإلنفاق‪ :‬حسن التصرف‪ ،‬وقلما يتعرض ألزمات مالية‪ -‬سيئ التصرف ودائما‬
‫ما يتعرض ألزمات مالية‪.‬‬
‫حجم اإلنفاق على األمور الدعوية‪ :‬ينفق بال حدود ولو على حساب مصاحله الشخصية‪-‬‬
‫ينفق بتوسط‪ -‬ال ينفق إال بالطلب واإلحلاح‪.‬‬
‫متابعةبيئةالمحضنالتربوي‪ :‬ومنتلكاجلوانباملهمةالتيتحتاجإىل متابعةمستمرةمناملريب‪-‬خاصة يف‬
‫واقعنا املعاصر‪ -‬متابعةبيئةاحملضنالرتبويالذييتحركاملرتبونفيدائرته‪:‬‬
‫‪-‬هليسودهاهلدوءواالستقرارأمتعرتيهاملشاكلوالفوضى؟‬
‫‪-‬‬
‫هليتعامالملرتبونبثق ةفيمابينهم‪،‬وهليثقونفيمربيهمبدرجةجتعلهميتقبلومننهالتوجيهاتويبادرونلتنفي‬
‫ذها؟‬
‫‪-‬هلتسوداحملبةأفراداحملضن‪،‬أميغلباجلفافعلىروحاملرتبينوسلوكياهتم؟‬
‫‪-‬هليتعاوناملرتبونفيتحقيقالربناجمواخلطةاملتفقعليهاأميتحرككلمرتببمفردهبمنأىعناآلخرين؟‬

‫دداملربيجميعاحملاورالتيتحتاجإىل‬ ‫وعلىهذاالنهجيح‬
‫متابعته‪،‬وحيددحتتكلمحورمفرداته‪،‬علىأاليغفلجانبامناجلوانباملهمة‪،‬ويبدأفيمتابعتهاتباعامعاحلرص‬
‫علىتدوينمالحظاهتأوالبأول‪،‬واملسارعةبالتدخالملناسبوفقماتقتضيهاحتياجاتاملرتبينوظروفهم‪.‬‬
‫وجبانبالتزاماملربيبمحاوراملتابعةوجماالهتا‪،‬فحريبهأنرياعيضوابطمهمة‪،‬الغفلةعنهاقدتفقداملتابعةكث‬
‫ريامنقيمتها‪،‬أوحتيدهباعناألهدافاملطلوبتحقيقهاومنأمهتلكالضوابط‪:‬‬
‫‪-‬التعنياملتابعةالرتبويةالتدخلفيالشئوناخلاصةللمرتيب‪،‬أوإحراجهبأسئلةقدتفقدهالثقةفيمنريبيه‪.‬‬
‫‪-‬‬
‫املتابعةالرتبويةإنلمتقمعلىأسامسناحملبةوالثقةاملتبادلةبيناملربيواملرتبينتتحوملعالوقتإلىنوعالقيدواملالحق‬
‫ةغرياملرغوبة‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫‪-‬عدمبناءعمليةاملتابعةالرتبويةعلىالنظرةالقدميةالتيكوهنااملرتبيمن ذزمنعناملرتيب وس لبياته‪،‬فرمبا‬
‫تتغري تلك السلبيات معالوقت‪ ،‬وال تتغري نظرة املريب‪ ،‬فيصاب املرتيب باإلحباط ويقل كثريا‬
‫تفاعله‪.‬‬

‫خاتمة الفصل‪":‬‬

‫"إن اهتم ام املريب ب املرتيب ال يص ح أن يتوق ف عن د ح دود العالق ة الدعوي ة فق ط‪ ،‬ب ل دور‬
‫املريب يتج اوز ذل ك إىل العناي ة ب أمور املرتيب االجتماعي ة واملالي ة‪ ،‬وغريه ا‪ ،‬مبا فيه ا مش اكله‬
‫الشخصية؛ لِ َما هلا من دور كبري يف التأثري على نفسية املرتيب‪ ،‬ومن مث على عطائه‪.‬‬

‫غري ذلك‪ ،‬والغفلة عن تلك املشاكل يف‬ ‫املشاكل قد تكون صحية أو أسرية أو مادية‪ ،‬أو َ‬
‫كثري من األحيان قد تكون سببا رئيسيا يف تراجع املستوى الرتبوي لألفراد"(‪.)1‬‬

‫كما أن حضور املريب القوي املؤثر يف دائرة اهتماماهتم احلياتية‪ ،‬خاصة االجتماعية واملالية‪،‬‬
‫مهم ومؤثر يف عالقة املريب باملرتبني‪ ،‬كما هو مهم ومؤثر يف الدائرة الرتبوية والدعوية‪ ،‬ومن‬
‫ٌّ‬
‫الطبيعي أن يزداد احلضور واملتابعة وقت األزمات؛ ملزيد حاجة األفراد إىل العناية واملساعدة‬
‫يف أوقات مشاكلهم‪.‬‬

‫وك ان ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬يس تثمر تل ك املتابع ة لتحقي ق األه داف ال يت ي ريب عليه ا‬
‫أصحابه‪ ،‬ليتأكد من سالمة السري‪ ،‬وصالح احلال‪ ،‬ومل يكن يكتفي بأمور الدين‪ ،‬بل مشلت‬
‫متابعاته أمور الدين والدنيا معا‪ ،‬وهذا على خالف بعض املربني أو املعلمني الذين يبذلون‬
‫اجله د يف الرتبي ة والتعليم‪ ،‬مث ُهم بع د ذل ك ال يَلتفتون إىل أمهي ة املتابع ة‪ ،‬أو يَكْتفون مبتابعة‬
‫جانب دون جانب مبا ال يضمن احملافظة على نتائج عملية الرتبية‪.‬‬

‫‪)(1‬عادل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.109‬‬

‫‪147‬‬
‫الفصاللرابع"‬
‫أصولوقواعدالمنهجالنبويفيالمتابعةالتربوية‬
‫(متابعة بقدر أهمية الموضوع ‪ -‬متابعة مستمرة مالئمة الحتياج المتابع)‬

‫‪148‬‬
‫تمهيد‬

‫أمثرت الرتبية النبوية مثرات يانعة يف قلوب الصحابة ونفوسهم‪ ،‬وبدت جليةً يف قوة إمياهنم‪،‬‬
‫وس المة معتق دهم‪ ،‬وعظيم أخالقهم وس لوكياهتم‪ ،‬ومل تكن تل ك الرتبي ة النبوي ة لتثمره ذه‬
‫الثم رات دون املتابعة املتميزة‪ ،‬اليت تأسست على قواعد وأصول أرساها النيب ‪-‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ -‬يف متابعته ألصحابه‪ ،‬وتبدو هذه القواعد واضحة ملن تأمل يف سريته صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪.‬‬

‫وطباعا خمتلفة‪ ،‬ويتابع أصحابه يف‬ ‫وألن النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يريب نفوسا متباينة‪ِ ،‬‬
‫أم ورهم الديني ة والدنيوي ة‪ ،‬وختتل ف املوض وعات املتابع ة حس ب أمهيته ا بني موض وع ب الغ‬
‫األمهي ة عظيم الت أثري يف نفس ص احبه‪ ،‬وبني موض وع أق ل أمهي ة‪ ،‬فبن اء على ه ذا التب اين‬
‫والتنوع يف أحوال املتابعني‪ ،‬وطبيعة املوضوعات املتابعة‪ ،‬تشكلت قواعد متابعته ‪-‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ -‬ألصحابه‪ ،‬فجاءت ملبيةً الحتياجاهتم‪ ،‬مراعي ةً لظروفهم وأحواهلم اخلاصة اليت‬
‫ختتل ف من ص حايب آلخ ر‪ ،‬حمقق ة اهلدف من املتابع ة من تعليم أو تص ويب خط أ‪ ،‬أو دعم‬
‫نفسي وإمياين ومادي‪ ،‬أو غري ذلك من أهداف املتابعة‪.‬‬

‫منهج ه يف املتابع ة‪ ،‬هي ال يت‬


‫وه ذه االعتب ارات ال يت َبىَن عليه ا ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪َ -‬‬
‫شكلت قواعد املتابعة وأصوهلا يف تربيته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ألصحابه‪ ،‬فكانت املتابعة‬
‫على ق در أمهي ة املوض وع‪ ،‬واملتابع ة املس تمرة املالئم ة؛ الحتي اج املت ابع أهم تل ك األص ول‬
‫والقواعد اليت نشري إليها يف هذا الفصل‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫المبحثاألول‪ :‬المتابعةبقدرأهميةالموضوع‬

‫ملا ك انت املوض وعات حمل عناي ة الرس ول ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ومتابعت ه ختتل ف يف‬
‫أمهيتها يف دين اهلل سبحانه‪ ،‬أو تأثريها واحلاجة إليها‪ ،‬من هنا كانت متابعته ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫وس لم‪ -‬لبعض املوض وعات املهم ة أك ثر من غريه ا‪ ،‬فك ان من قواع ده ‪-‬ص لى اهلل علي ه‬
‫وسلم‪ -‬يف العناية باألمور املهمة إظهار ذلك االهتمام يف اختيار طريقة املتابعة‪ ،‬اليت تناسب‬
‫أمهية املوضوع‪ ،‬أو يف تكرار احلديث عنها‪ ،‬ولفت النظر إليها‪.‬‬

‫ومن أمثلة ذلك‪:‬‬

‫طَ ْرقه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬باب" علي وفاطمة ليال لصالة القيام‪:‬‬

‫عن علي‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬أن رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬طرقه وفاطمةَ‪ ،‬فق ال‪" :‬أَاَل‬
‫اهلل‪ ،‬أَْن ُفس نَا بِي ِد ِ‬
‫اهلل؛ فَِإذَا َش اء أَ ْن يبعَثنَ ا بعَثنَ ا‪ ،‬فَانْص ر َ ِ‬ ‫ول ِ‬ ‫تُ ِ‬
‫ني‬
‫فح َ‬ ‫ََ‬ ‫َ َْ َ َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ت‪ :‬يَا َر ُس َ‬‫ص لِّيَان؟‪َ ،‬ف ُق ْل ُ‬
‫َ‬
‫ول‪:‬‬ ‫ب فَ ِخ َذهُ َو ُه َو َي ُق ُ‬
‫ض ِر ُ‬ ‫ك‪َ ،‬ومَلْ َي ْر ِج ْع إيل ش يئًا‪ ،‬مُثَّ مَسِ ْعتُهُ َو ُه و ُم ٍّ‬
‫ول يَ ْ‬ ‫ِ‬
‫ُق ْلنَ ا َذل َ‬
‫ّ‬
‫‪.)2()1(‬‬

‫متابع ة الرس ول ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬البنت ه فاطمة وزوجه ا علي‪-‬رض ي اهلل عنهم ا‪-‬‬
‫متابع ة خاص ة‪ ،‬فقد ك ان من املمكن أن يكتفي الن يب ‪-‬صلى اهلل علي ه وس لم‪ -‬بالس ؤال أو‬
‫النصيحة‪ ،‬أو التذكري‪ ،‬أو إرسال َمن يوقظهم‪ ،‬إال أنه ألمهية صالة الليل وشرفها‪ ،‬وعظيم‬
‫قدرها‪ ،‬فضال عن مكانة ابنته فاطمة وزوجها علي منه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬فقد اختار‬
‫الن يب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬الطريق ة ال يت تلي ق هبذه األمهي ة‪ ،‬ف ذهب ‪-‬ص لى اهلل علي ه‬
‫وس لم‪ -‬ليط رق عليهم ب اهبم بنفس ه يف ه ذا ال وقت؛ ليطمئن على أن آلل بيت النب وة حظ ا‬
‫ونصيبا يف قيام الليل‪.‬‬

‫‪ )(1‬سورة الكهف‪ ،‬اآلية‪.54 :‬‬


‫‪ )(2‬ص حيح مس لم‪ ،‬كت اب ص الة املس افرين وقص رها‪ ،‬ب اب م ا روي فيمن ن ام اللي ل أمجع ح ىت أص بح‪ ،1/5 ،‬رقم‬
‫احلديث ‪.775‬‬

‫‪150‬‬
‫"ق ال احلاف ظ‪ :‬ق ال ابن بط ال‪ :‬في ه فض يلة قي ام اللي ل‪ ،‬وإيق اظ الن ائمني من األه ل والقراب ة‬
‫لذلك‪ ..‬قال الطرباين‪ :‬لوال ما علم النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬من ِعظم فضل الصالة يف‬
‫الليل‪ ،‬ما كان يزعج ابنته وابن عمه يف وقت جعله اهلل خللقه سكنًا‪ ،‬لكنه اختار هلم إحراز‬
‫تلك الفضيلة"(‪.)1‬‬

‫موقفه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬من األنصار" عندما وجدوا عليه في فَيء هوازن‪:‬‬

‫اق‪ ،‬قَ َال‪:‬‬ ‫اهلل‪ ،‬قَ َال‪َ :‬ح َّدثَنَا ابْ ُن إِ ْس َح َ‬ ‫ال ابن ِه َش ٍام‪ :‬ح َّدثَيِن زي اد بن عب ِد ِ‬
‫َ َ ُ ْ ُ َْ‬ ‫َ‬ ‫"قَ َ ْ ُ‬
‫يداخْلُ ْد ِري‬ ‫عِ ٍ‬ ‫ٍد َ ِ‬ ‫مبُنعمربنِ َقتاد َة‪،‬عْنمحم ِ‬
‫ودبْنِلَبِي‬ ‫وح ّدثَنِيع ِ‬
‫‪،‬عْنأَب َ‬
‫يس‬ ‫ُْ ُ ََ ْ َ َ َ َ ْ ُ‬ ‫اص‬ ‫ََ َ‬
‫ىمْنتِْل َكالْ َعطَايَا‪،‬فِي ُقَريْ ٍش َوفِي َقبَائِاِل لْ َعَربَِولَ ْميَ ُكْن ِفياأْل َنْ‬ ‫ّ‪.‬قَالَلَماأ َْعطَىرسواُل للّ ِهصلّىاللّهعلَي ِهوس لّمماأ َْعطَ ِ‬
‫َ َُ ْ َ َ َ َ‬ ‫ّ َُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِه ْم؟‬ ‫صا ِرفيأَْن ُفس‬ ‫ِ‬
‫اش ْيءٌَو َج َد َه َذااحْلَيّمْناأْل َنْ َ‬ ‫صا ِر ِمْن َه َ‬ ‫َ‬
‫ْع ُد ْبُنعُبَ َادة‬ ‫َحتّى َك ُثَرمْتِْن ُه ْمالْ َقالَةُ َحتّى َقالََقائِلُ ُه ْملَ َق ْدلَِقَي َواَللّ ِهَر ُسواُل للّ ِه َق ْو َم ُه َف َد َخلَ َعلَْي ِه َس‬
‫َن ْع ِتف َيه َذاالْ َف ْي ِء الَّ ِذي‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫واعلَْيكفيأَْن ُفس ِه ْمل َم َ‬
‫اص‬ ‫صا ِرقَ ْد َو َج ُد َ‬
‫ِ‬
‫َ‪َ ،‬ف َقالَيَ َار ُسواَل للّ ِهإنّ َه َذااحْلَيّمْناأْل َنْ َ‬
‫ت َعطَايَ ا ِعظَ ًام ا يِف َقبَائِ ِل الْ َع َر ِب‪،‬‬ ‫ك‪َ ،‬وأ َْعطَْي َ‬ ‫ت يِف َق ْو ِم َ‬ ‫ت‪ ،‬قَ َّس ْم َ‬ ‫َص ْب َ‬ ‫أَ‬
‫ِ‬
‫اش ْيءٌ‪.‬‬ ‫صا ِر ِمْن َه َ‬ ‫ِ‬
‫َولَ ْميَ ُكف َيه َذااحْلَيّمْناأْل َنْ َ‬
‫كف َيه ِذ ِهاحْلَ ِظ َري ِة‪.‬‬ ‫ال‪:‬يارس واَل للّ ِه‪،‬ماأَنَ اإاّل ِمْن َقو ِمي‪ .‬قَ َال‪:‬فَامْج علِي َقوم ِ‬
‫َْ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫اس ْع ُد؟قَ َ َ َ ُ‬
‫ِ ِ‬
‫ال‪:‬فَأ َْينَأَْنتَمْن َذل َكيَ َ‬ ‫قَ َ‬
‫اج ِرين‬ ‫ال‪:‬فَجاء ِرجالٌ ِمْنالْمه ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫َُ‬ ‫ص َارفيت ْل َكاحْلَظ َرية‪ .‬قَ َ َ َ َ‬ ‫قَ َال‪:‬فَ َخَر َج َس ْع ٌد‪،‬فَ َج َم َعاأْل َنْ َ‬
‫ال‬ ‫ْع ٌد‪َ ،‬ف َق‬ ‫اه َس‬ ‫ااجتَ َمعُواهَلُأَتَ ُ‬‫آخُرو َن َفَر ّد ُه ْم‪َ .‬فلَ ّم ْ‬ ‫اءَ َ‬ ‫وا‪،‬و َج‬
‫َد َخلُ َ‬ ‫َ‪َ ،‬فَتَر َك ُه ْم َف‬
‫‪-‬صلّىاللّ ُه َعلَْي ِه َو َس لّ َم‪-‬فَ َح ِم َداللّه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ا ِر‪،‬فَأَتَامُهَْر ُس واُل للّه َ‬ ‫كه َذااحْلَيّمْناأْل َنْ َ‬‫اجتَ َم َعلَ َ‬ ‫َ‪:‬قَ ْد ْ‬
‫اعلَيّ ِفيأَْن ُف ِس ُك ْم؟‬‫وه َ‬ ‫‪،‬وج َدةٌَو َج ْدمُتُ َ‬
‫ال‪:‬يامعشراأْل َنْص ا ِر‪،‬ماقَالَ ةٌبلَغَْتنِيعْن ُكم ِ‬
‫اه َوأ َْهلُ هُ‪،‬مُثَّق َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ ْ َ‬ ‫َ‪،‬وأَْثنَ َىعلَْي ِهبِ َم ُ‬
‫َ‬
‫‪،‬وأ َْع َداءًفَأَلَّفاللّ ُهَبْيَن ُقلُوبِ ُك ْم؟قَ الُوا‪:‬‬ ‫ِ‬
‫‪،‬و َعالَةًفَأَ ْغنَا ُك ْماللّ هُ َ‬ ‫ض اّل اًل َف َه َدا ُك ْماللّهُ َ‬ ‫أَلَ ْمآت ُك ْم ُ‬
‫ص ا ِر؟قَ الُوا‪ :‬مِب َا َذاجُنِ يبُكيَ َار ُس واَل للّ ِه؟‬ ‫بلَى‪،‬اللّهورسوهُل أَمّنوأَفْض ل‪ .‬مُثَّق َ ِ ِ‬
‫ال‪:‬أَاَل جُت يبُونَنييَ َام ْع َشَراأْل َنْ َ‬ ‫َُ َ ُ ُ َ َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ص ّد ْقتُم‬ ‫ص َد ْقتُ ْم َولَ ُ‬
‫ِ‬
‫‪-‬صلّىاللّ ُه َعلَْي ِه َو َس لّ َم‪:-‬أ ََم َاواَللّ ِهلَ ْوشْئتُ ْملَ ُق ْلتُ ْم َفلَ َ‬
‫ال َ‬ ‫ض ُل‪.‬قَ َ‬ ‫لِلّ ِه َولَر ُسوهِلِالْ َمّن َوالْ َف ْ‬
‫ِ‬ ‫اك‪،‬وطَ ِر ً‬
‫ص‬
‫آسْينَاك‪.‬أ ََو َج ْدمُتْيَ َام ْع َشَراأْل َنْ َ‬ ‫اك‪،‬و َعائاًل فَ َ‬ ‫آو ْينَ َ‬ ‫يدافَ َ‬ ‫ص ْرنَ َ‬ ‫اك‪،‬وخَمْ ُذواًل َفنَ َ‬
‫ص ّد ْقنَ َ‬ ‫ْ‪،‬أََتْيَتنَ ُام َك ّذبًافَ َ‬

‫‪ )(1‬ابن حجر‪ ،‬مرجع سابق‪.114-113 /4 ،‬‬

‫‪151‬‬
‫اَل ِم ُك ْم!‬ ‫ىإس‬ ‫ِ‬ ‫اع ٍة ِمْنال ّد ْنيَا‪،‬تَأَلّْفتبِ َها َق ْو ًمالِيُ ْس‬ ‫ِ‬ ‫ا ِرفِيأَْن ُف ِس‬
‫وا‪،‬و َو َك ْلتُ ُك ْمإلَ ْ‬
‫ل ُم َ‬ ‫ُك ْمفيلُ َع َ‬
‫واِل للّ ِهإلَى ِر َحالِ ُك ْم؟‬ ‫الش ِاة َوالْبَعِ ِري َوَت ْر ِجعُوابَِر ُس‬
‫اسبِ ّ‬ ‫صا ِرأَْنيَ ْذ َهبَالنّ ُ‬ ‫أَاَل َت ْر َ‬
‫ض ْو َنيَ َام ْع َشَراأْل َنْ َ‬
‫ار‬ ‫ص‬ ‫محم ٍدبِي ِد ِه‪،‬لَواَل اهْلِجرةُلَ ُكْن ِ‬ ‫َف َواَلّ ِذ َين ْف ُس‬
‫تامَرأًمْناأْل َنْ َ‬
‫ْ‬ ‫ُ َ ّ َ ْ َْ‬
‫ص ا ِر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‪،‬ولَوسلَ َكالنّاس ِشعباوسلَ َكْتاأْل َنْ ِ‬
‫‪،‬وأ َْبنَاءَاأْل َنْ َ‬ ‫ص ا ِر‪.‬اللّ ُه ّم ْارمَح ْاأْل َنْ َ‬
‫ص َار َ‬ ‫ص ُارش ْعبًا‪،‬لَ َسلَكْتُش ْعبَاأْل َنْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ًْ َ َ‬ ‫ََْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ال‪َ :‬فب َكىالْ َقوم‪،‬حتىأَخ حِل‬ ‫ِ‬
‫ا‪،‬و َحظّا‪.‬‬ ‫‪،‬وقَالُوا‪َ :‬رضينَابَر ُسواِل للّه َق ْس ًم َ‬ ‫اه ْم َ‬
‫ض لُوا َ ُ‬ ‫صا ِر‪ .‬قَ َ َ ْ ُ َ ّ ْ َ‬ ‫َوأ َْبنَاءَأ َْبنَاءاأْل َنْ َ‬
‫‪-‬وَت َفّرقُوا"(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪-‬صلّىاللّ ُه َعلَْيه َو َسلّ َم َ‬ ‫صَر َفَر ُسواُل للّه َ‬ ‫مُثّانْ َ‬
‫الذل ة للمؤم نني واالح رتام‪ ،‬ولني اجلانب‪ ،‬وحس ن املعش ر‪،‬‬ ‫"وه ذه ص ورة لطيف ة من ص ور ِّ‬
‫قَ رت هبا عيوهنم‪ ،‬ومست هلا نفوس هم‪ ،‬وع ز ج انبهم‪ ،‬فينبغي أن يقتبس منه املربون واآلباء‬
‫وال دعاة إىل اهلل‪ ،‬في ذكرون فض ائل أبن ائهم أو طلبتهم أو إخ واهنم‪ ،‬فيك ون ذل ك أدعى‬
‫لتقبلهم النص يحة والتوجي ه واإلرش اد من آب ائهم وم ربيهم‪ ،‬وبع د ذل ك أوض ح هلم س بب‬
‫إعطائ ه ‪-‬علي ه الص الة والس الم‪ -‬أله ل مكة من املؤلف ة قل وهبم عن دما ق ال‪:‬‬
‫ىإس اَل ِم ُك ْم!‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫"أَوج ْدمُتْيامع َشراأْل َنْصا ِرفِيأَْن ُف ِس ُكم ِفيلُع ٍ ِ‬
‫اعةمْنال ّد ْنيَا‪،‬تَأَلّ ْفتب َها َق ْو ًماليُ ْس ل ُم َ‬
‫وا‪،‬و َو َك ْلتُ ُك ْمإلَ ْ‬ ‫ْ ََ‬ ‫َ َ َ َْ َ َ‬
‫"‪.‬‬

‫فإذا السبب ليس فيه قرابة قبلية‪ ،‬وال صلة عصبية‪ ،‬إمنا كان ذلك من صلب عمل الدعوة‪،‬‬
‫وه و الرغب ة يف ت أليف قل وهبم على اإلس الم‪ ،‬وتعمي ق ص لتهم باهلل تع اىل‪ ،‬وب ذلك اس تطاع‬
‫رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬أن يُزي ل الغش اوةَ عن النف وس‪ ،‬وأن ي دفع س وء الفهم‬
‫ال ذي خال ط عق وهلم‪ ،‬ويط رد وس اوس الش يطان ال ذي حياول أن يف ّرق بني املرء وأخي ه‪،‬‬
‫وك ذلك املريب والداعية إىل اهلل ينبغي عليه أن يوض ح ويفسر ك ل عمل يعتقد أن ه غ امض‬
‫على املتعلمني؛ وذل ك ح ىت ال جيع ل للش يطان ناف ذة ي دخل منه ا‪ ،‬فيعظمه ا يف نفوس هم‪،‬‬
‫ويُؤجج نارها يف قلوهبم‪ ،‬مث أعطاهم ما هو خري من ذلك‪ ،‬ومنحهم البديل املناسب‪ ،‬حينما‬
‫تطلعوا إىل ما وزع من الغنائم‪ ،‬وسارع ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬إىل إشباع هذا التطلع ال‬
‫مبواجهته وإلغائ ه‪ ،‬لكن مبا هو أعلى من ه وأمسى عند نفوس أصحابه‪ ،‬وه و حي ازة الرسول‬

‫‪)(1‬ابن هشام‪ ،‬مرجع سابق‪.177-176 /3 ،‬‬

‫‪152‬‬
‫‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وانضمامه إىل َركبهم‪ ،‬بل حيازته إىل ديارهم‪ ،‬تاركا قبيلته وسكنه‬
‫وأرضه اليت أخرج منها ليسكن بينهم‪ ،‬وجبوارهم"(‪.)2‬‬

‫إهنا صورة من املتابعة استعمل فيها رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ما يناسب خطورة‬
‫القضية ومنزلة األنصار يف دين اهلل‪ ،‬ومكانتهم عند النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ظهر ذلك‬
‫جليًّا يف املب ادرة حلل املش كلة دون ت أخري‪ ،‬والتثبت مما مسعه قب ل ال رد‪ ،‬والتنوي ع يف اخلط اب‬
‫لزيادة التأثري‪ ،‬فخاطب ‪-‬صلى اهلل عليه وس لم‪ -‬العقل أوال باإلقناع‪ ،‬وتفنيد الشبهة اليت‬
‫اعتمدوا عليها‪ ،‬فلما أظهرها وجاّل ها‪ ،‬انتقل إىل خماطبة الوجدان‪ ،‬فخاطبهم خطابا أثّر يف‬
‫املشاعر أميا تأثري‪ ،‬ودعا هلم دعاء اهتز له وجداهُن م‪ ،‬مث أعطاهم من التشريف والتكرمي ما ال‬
‫تصور أبعد منه‪ ،‬وما َت َركهم حىت اطمأن متاما إىل انقضاء املشكلة‪ ،‬وسالمة صدورهم‪،‬‬ ‫يُ ّ‬
‫ومسح كل ما علق بنفوسهم من أ ٍمل جراء س ِ‬
‫وء فَهمهم‪.‬‬ ‫ّ ُ‬ ‫َ َّ‬
‫تكرار" الحديث مرات عدة تنبيها ألهمية موضوعه‪:‬‬

‫إن مهمة الرتبية اليت كانت الوظيفة األساسية لرسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬مل يكن‬
‫يكفي فيها جمرد التعليم ملرة واحدة وفقط‪ ،‬وإمنا حتتاج الرتبية إىل التذكري ولفت النظر مرة‬
‫تل و املرة‪ ،‬ح ىت تثبت األحك ام‪ ،‬وتتض ح املع اين‪ ،‬ويتج اوز األم ر جمرد القناع ة العقلي ة إىل‬
‫املعايشة الشعورية‪.‬‬

‫ول ذا ك ان من األس اليب الب ارزة يف متابعت ه ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬وعنايت ه ببعض‬
‫ِ‬
‫احلديث عنها مرات عدة‪ ،‬فقد تستدعى املتابعة الرتبوية تكرار‬ ‫كرار‬
‫املوضوعات املهمة‪ ،‬تَ ُ‬
‫املوضوع املراد التذكري به‪ ،‬حسب مقتضيات الدعوة والرتبية‪.‬‬

‫وه ذا التك رار ك ان منهج ا نبوي ا انتهج ه الرس ول ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ألس باب؛ من‬
‫أمهها‪ :‬تثبيت معىن يقصده النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ألمهيته‪ ،‬وبيان شرفه‪ ،‬وفضيلته‪،‬‬
‫فالرسول‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يكرره ىف مواضع خمتلفة ومواطن متفرقة باللفظ نفسه‪ ،‬أو‬
‫بلفظ قريب؛ حىت يثبت املعىن‪ ،‬ففي التكرير تقرير للمعىن وإظهار العناية به‪.‬‬

‫‪)(2‬الشطي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.525-524‬‬

‫‪153‬‬
‫"كم ا أن التك رار جيع ل املس تمع يلتفت لبعض املقاص د ال يت ق د ختفى على َمن مسعها ملرة‬
‫واح دة‪ ،‬ويف التك رارﺘﻨﺒﻴﻪ للغاف ل‪ ،‬ﻭﺇﻓﻬﺎﻡٌ حملدود ال ذكاء‪ ،‬فالن اس خمتلف ون ﻲﻓ ﺃﻗﺩﺍﺭهم‪،‬‬
‫متﻔﺎﻭﺘﻭﻥ ﻲﻓ ﺇﺩﺭﺍﻜﻬﻡ ﻭﻓﻬﻤﻬﻡ‪ ،‬ﻤﻨﻬﻡ بطيء ﺍﻟﻔﻬﻡ‪ ،‬ﻭﻓﻴﻬﻡ الفطن ﺍﻟﻠﻤﺎﺡ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺩﻋﻭﺓ‬
‫ﹼﺒﻊ ﺍﻟﺭﺴﻭل ‪-‬ﺼﻠﻰ ﺍﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺴﻠﻡ‪ -‬ﻫﺫﺍ‬ ‫اإلس المية ﺩﻋﻭﺓ عامةإنس انيةخالدة‪ ،‬فالب د ﺃﻥ ﻴﺘ‬
‫ﺍﻷﺴﻠﻭﺏ‪ ،‬وينهج ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻨﻬﺞ؛حرصا ﻋﻠﻰ ﺃﺩﺍﺀ األمانةوتبليغها ﻟﻠﻨﺎﺱ مجيعا‪ ،‬ﻓﻴﺨﺎﻁﺏ‬
‫الفطن‪ ،‬وخياطب ﺍﻟﻐﻲﺒ وينبه ه‪ ..‬ﻭﺍﻟﻨﻲﺒ ‪-‬ﺼﻠﻰ ﺍﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺴﻠﻡ‪-‬يدركتمامااألمورالض رورية‬
‫ﻟﻴﺩل ﺒﻪ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻙ‪،‬‬
‫ﺍﻟﻲﺘ حيتاج ﺇﻰﻟ توكيدها ﻭﺇﻰﻟ ترسيخها ﻲﻓ ﺍﻷﺫﻫﺎﻥ‪ ،‬فاستعمل ﺍﻟﺘﻜﺭﺍﺭ ّ‬
‫ﻭﻻ يكون ﺫﻟﻙ ﺍﻟﺘﻨﺒﻴﻪ ﺇﻻ ﻋﻠﻰ األمور ﺍﻟﻲﺘ هتم األمة‪،‬وتعظم العناية هبا‪ ،‬وخياف ﺍﻤﻟﺘﻜﻠﻡ ﻭﻗﻭﻉ‬
‫بعدوحتدثوا‬
‫الس امع ﻲﻓ ﺍﺨﻟﻁﺄ حال ة ﻋﺩﻡ تك راره ﻬﻟﺎ‪ ،‬ﻭﻫﻭ م ا ﺃﺸﺎﺭ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﺒﻼﻏﻴﻭﻥ ﻓﻴﻤﺎ ُ‬
‫ﻋﻨﻪ"(‪.)1‬‬

‫ومن أمثل ة تك راره ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬موض وعات عظمت أمهيته ا وك ثرت احلاج ة‬
‫إليها‪:‬‬

‫تكرار" حديث الوضوء أكثر من سبع مرات‪":‬‬

‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫عن أيب أُمامة ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬قال‪" :‬لَ ْو مَلْ أَمْسَ ْعهُ م ْن َر ُس ول اهلل َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت بِ ِه‪ .‬قَ َ‬
‫ال‪ :‬إِذَا َت َو َّ‬ ‫ٍ‬
‫ب اإْلِ مْثُ م ْن مَسْع ِه َوبَ َ‬
‫ص ِره‬ ‫ض أَ َّ‬
‫الر ُج ُل َك َم ا أُم َر َذ َه َ‬ ‫إِاَّل َس ْب َع َم َّرات َم ا َح َّدثْ ُ‬
‫ِ‪،‬ويَ َديِْه َو ِر ْجلَْي ِه"(‪.)2‬‬
‫َ‬
‫ومما جنده يف هذه الرواية أن أبا أمامة‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬مسع النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬
‫حيدث هبذا احلديث سبع مرات‪.‬‬

‫ومن شواهد هذا احلديث حديث عمرو بن عبسة‪-‬رضي اهلل عنه‪:-‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪)(1‬بدر الدين‪ ،‬أميمة‪ ،‬ﺍﻟﺘﻜﺭﺍﺭ" ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺩﻴﺙ" ﺍﻟﻨﺒﻭﻱ ﺍﻟﺸﺭﻴﻑ‪ ،‬جملة ﺠﺎﻤﻌﺔ ﺩﻤﺸﻕ‪ ،‬ﺍﺠﻤﻟﻠﺩ ‪ ،26‬ﺍﻟﻌﺩﺩ ﺍﻷﻭل وﺍﻟﺜﺎﻲﻨ (‬
‫‪1431‬هـ‪2010 -‬م)‪ ،‬ص ‪.101‬‬
‫‪)(2‬الرتغيبوالرتهيب‪،‬كتابالطهارة‪،‬بابالرتغيبفيالوضوءوإسباغه‪،1/2 ،‬رقماحلديث‪ ،363‬وقال املنذري رواه الطرباين يف‬
‫الكبري وإسنادهحسن‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫الس لَ ِمي ِ‬ ‫‪-‬ر ِض َي اهللُ َعْنهُ‪ -‬قَ َ‬
‫ت‪:‬‬
‫‪-‬رض َي اهللُ َعْن هُ‪َ -‬ف ُق ْل ُ‬
‫رو بْ ُن َعبَ َسةَ ُّ ُّ َ‬
‫ال‪ :‬قَ َال َع ْم ُ‬ ‫"ع ْن أَيِب أ َُم َامةَ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪-‬صلَّى اهللُ َعلَْيه َو َسلَّم‪ -‬فَالْ ُو ُ‬
‫ضوءُ َح َّدثْيِن َعْنه‪.‬‬ ‫يَا نَيِب َّ اهلل َ‬
‫يمه‬‫اش ِ‬ ‫ضمضويسَتْن ِش ق‪َ ،‬فيْنتَثِ ر‪،‬إِالَّخَّرخْت َطَاياوج ِه ِهوفِي ِهوخي ِ‬ ‫قَ َال ِ‬
‫َ َ ْ َ َ ََ‬ ‫ض وءَهُ‪َ ،‬فيَتَ َم ْ َ ُ َ َ ْ ُ َ ُ َ‬ ‫‪:‬مامْن ُك ْمَر ُجلٌُي َقِّربُ َو ُ‬ ‫َ‬
‫لَ َو ْج َه ُه َك َماأ ََمَر ُهاللَّ ُهِإالَّ َخَّرخْت َطَايَ َاو ْج ِه ِه ِمْنأَطَْرافِلِ ْحيَتِ ِه َم َعالْ َماء‬ ‫ِ‪،‬مُثَِّإ َذا َغ َس‬
‫لُيَ َديْ ِهِإلَىالْ ِم ْر َف َقْينِِإالَّ َخَّرخْت َطَايَايَ َديْ ِه ِمْنأَنَ ِاملِ ِه َم َعالْ َماء‬ ‫ِ‪،‬مُثََّي ْغ ِس‬
‫ْع ِرمِه َ َعالْ َماء‬ ‫ِ‪،‬مُثَّيَ ْم َس ُحَرأْ َس ُهِإالَّ َخَّرخْت َطَايَ َارأْ ِس ِه ِمْنأَطَْرافِ َش‬
‫لَُق َد َمْي ِهِإلَىالْ َك ْعَبْينِِإالَّ َخَّرخْت َطَايَا ِر ْجلَْي ِه ِمْنأَنَ ِاملِ ِه َم َعالْ َم ِاء؛‬ ‫ِ‪،‬مُثََّي ْغ ِس‬
‫‪،‬و َفَّر َغ َق ْلَب ُهلِلَّه‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لَّى َف َحم َداللَّ َه َوأَْثنَ َىعلَْيه َوجَمَّ َد ُهبالذ ُىه َوهَلُأ َْه ٌل َ‬ ‫فَِإ ْن ُه َوقَ َام َف َ‬
‫ص‬
‫صَرفَ ِمْن َخ ِطيئَتِ ِه َك َهْيئَتِ ِهَي ْو َم َولَ َد ْت ُهأ ُُّمهُ‪.‬‬
‫ِ‪،‬إِالَّانْ َ‬
‫احَبَر ُس واِل للَّ ِه ‪-‬صلىاللهعليهوس لم‪َ -‬ف َقالَلَ ُهأَبُوأ َُم َامة‬ ‫فَح َّد َثعمروبُنعبسةَهِب َذااحْل ِديثِأَباأُمامةَص ِ‬
‫َ َ ْ ُ ْ ََ َ َ َ َ َ َ َ‬
‫الَ َع ْمٌرو‪:‬يَاأَبَاأ َُم َامة‬ ‫االر ُج ُل! َف َق‬
‫َذ َّ‬ ‫اح ٍديُ ْعطَ َىه‬‫ةَ‪،‬انْظُرماَت ُقولُِفىم َق ٍامو ِ‬
‫َ َ‬ ‫َْ‬ ‫وبَن َعبَ َس‬
‫اع ْمَر ْ‬‫َ‪:‬يَ َ‬
‫اجةٌأَنْأَ ْك ِذ َب َعلَىاللَّ ِه َوالَ َعلَ َىر ُس واِل للَّه‬
‫ىح َ‬
‫ِ‬
‫ى‪،‬و َماب َ‬
‫َجل َ‬
‫َ‪،‬لََق ْد َكرِب تْ ِس ىِّن ‪،‬ور َّقعظْ ِمى‪،‬وا ْقترب أ ِ‬
‫َ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ‬
‫ات‪-‬‬ ‫ِ‪،‬لَولَمأَمْس عه ِمْنرس واِل للَّ ِه ‪-‬صلَّىاللهعلَي ِهوس لَّم‪ -‬إِالَّمَّر ًةأَومَّرَتينِأَوثَالَثً ا ‪-‬حتَّىعدَّس بعمَّر ٍ‬
‫َ َ َ ََْ‬ ‫َ َُ ْ َ َ َ َ ْ َ ْ ْ‬ ‫ْ ْ َْ ُ َ ُ‬
‫ِ‬
‫ِّىس ِم ْعُت ُهأَ ْكَثَر ِمْن َذل َ‬ ‫ماح َّد ْثتُبِ ِهأَب ًد ِ‬
‫(‪) 1‬‬
‫ك" ‪.‬‬ ‫ا‪،‬ولَكن َ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ومما جنده يف احلديث أن عم رو بن عبسة‪-‬رض ي اهلل عن ه‪ -‬ق د مسع الن يب ‪-‬ص لى اهلل علي ه‬
‫وسلم‪ -‬حيدث هبذا احلديث أكثر من سبع مرات‪.‬‬

‫فمتابعة الرسول‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ألصحابه يف عبادة الوضوء‪ ،‬وتكراره احلديث عنه‪،‬‬
‫واحلث عليه‪ ،‬والتفصيل فيه أكثر من سبع مرات‪ ،‬يرجع إىل ٍ‬
‫معان عدة أدت إىل مزيد عنايته‬
‫‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬به‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫‪ -‬حاجة الصحابة إىل تعلم الوضوء وإتقانه‪ ،‬وخطورة أمره‪ ،‬واحلرص عليه؛ لتعلقه بالصالة‬
‫أهم ركن يف اإلسالم بعد الشهادة‪ ،‬وارتباط صحتها بصحة الوضوء‪.‬‬
‫ِّ‬

‫‪)(1‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب صاَل ة الْمسافرين وقَصرها‪ ،‬باب إسالم عمرو بْن َعبسةَ‪ ،1/5 ،‬رقم احلديث‪.832 :‬‬

‫‪155‬‬
‫‪ -‬تَك رار الوض وء ملرات كث رية يف الي وم الواح د ق د يغ ري بإس راع يف الوض وء‪،‬وق د خيل‬
‫ببعض األركان‪ ،‬مما يؤدي لبطالنه‪.‬‬

‫‪ -‬الوض وء عب ادة يُط الَب هبا مجي ُع املكلفني‪ ،‬فليس ت عب ادة يق وم هبا البعض دون البعض‪،‬‬
‫فتحتاج األمة مجيعها لتعلمها‪ ،‬وقد حي ّدث النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬باحلديث فيسمعه‬
‫البعض دون البعض‪ ،‬فتشتد احلاجة إىل التكرار وضمان التبليغ‪.‬‬

‫‪ -‬لكل هذا وغريه كان تأكيد الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬على أمر الوضوء ومتابعة‬
‫أصحابه فيه والعناية بتكرار احلديث عنه ألمهيته‪.‬‬
‫عظيم ٍ‬
‫معان‪:‬‬ ‫تكرار" حديث الكفل لما يتضمنه من ِ‬
‫ِ‬
‫واحلاكم عن ابن عمر‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬قال‪" :‬مَس ْعتُالنَّىِب َّ‬ ‫ُ‬ ‫روى األئمة أمحد والرتمذي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّسْب َع َمَّرات‬ ‫َّىعد َ‬
‫‪،‬حت َ‬‫ىالله َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ -‬حُيَ ِّدثُ َحديثًالَ ْولَ ْمأَمْسَ ْع ُهإالََّمَّر ًةأ َْو َمَّرَتنْي ِ َ‬
‫‪-‬صلَّ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ك‪.‬‬ ‫ِّىس ِم ْعُت ُهأَ ْكَثَر ِمْن َذل َ‬ ‫ِ‬
‫ٍ‪،‬ولَكن َ‬
‫َ‬
‫ول‪َ :‬كانَالْ ِك ْفلُ ِمْنبَنِىِإ ْسَرائِيلَالََيَت َو َّرعُ ِمْن َذنْبٍ َع ِملَه‬‫ىالله َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪َ -‬ي ُق ُ‬ ‫‪-‬صلَّ ُ‬
‫ِ‬
‫مَس ْعُتَر ُسواَل للَّه َ‬
‫ِ‬
‫استِّينَ ِدينَاراعلَىأَْنيطَأَها‪َ ،‬فلَ َّما َقع َد ِمْنهام ْقع َد َّ ِ ِ هِتِ ِ‬ ‫َعطَاه ِ‬
‫ت‪.‬‬ ‫الر ُجل ِمن ْامَرأَ أ ُْرع َد ْت َوبَ َك ْ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫ً َ َ َ‬ ‫ُ‪،‬فَأََتْت ُه ْامَرأَةٌفَأ ْ َ‬
‫ك؟‬ ‫يك؟أَأَ ْكر ْهتُ ِ‬ ‫ال‪:‬مايب ِك ِ‬
‫َ‬ ‫َف َق َ َ ُْ‬
‫ِ ِ‬ ‫اع ِم ْلُت ُه َق ُّ‬ ‫قَالَت‪:‬الَ ِ‬
‫اجةُ‪.‬‬ ‫‪،‬و َمامَحَلَن َىعلَْي ِهإالَّاحْلَ َ‬ ‫طَ‬ ‫َّه َع َملٌ َم َ‬
‫‪،‬ولَكن ُ‬ ‫ْ َ‬
‫ك‪.‬‬ ‫ال‪َ:‬ت ْفعلِينَأَنْتِه َذاوما َفع ْلتِ ِه؟ا ْذهبِى َف ِهىلَ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َف َق َ َ َ َ َ َ‬
‫صىاللَّ َهَب ْع َد َهاأَبَ ًدا‪.‬‬‫ال‪:‬الَواللَّ ِهالَأ َْع ِ‬
‫َوقَ َ َ‬
‫اعلَىبَاهِبِِإنَّاللَّ َه َق ْد َغ َفَرلِْل ِك ْف ِل"(‪.)1‬‬ ‫ِ ِ‬
‫فَ َمامَت ْنلَْيلَت ِه َفأ ْ‬
‫َصبَ َح َمكْتُوبً َ‬
‫ومما جنده يف احلديث أن ابن عمر‪-‬رض ي اهلل عنهم ا‪ -‬مسع الن يب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪-‬‬
‫حيدث هبذه القصة أكثر من سبع مرات‪.‬‬

‫‪)(1‬س نن الرتم ذي‪ ،‬كت اب ص فة القيام ة والرق ائق وال ورع‪ )48( ،‬ب اب‪،1/1 ،‬رقم احلديث ‪،2496‬‬
‫قاالحملدث‪:‬هذاحديثحسن‪،‬وضعفهالعالمةاأللباين‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫فمن أهداف التكرار‪ :‬الزيادة ىف املوعظة‪ ،‬خاصة ىف األمور العظيمة اليت حتتاج إليها النفس‬
‫البش رية‪ ،‬فعن دها ال حَيْ ُدث مل ل من التك رار؛ ألن أمهي ة املوض وع ومق ام املوعظ ة يقتض يان‬
‫ذلك‪.‬‬

‫ومنزل ة التوب ة يف دين اهلل معلوم ة‪ ،‬ومراقب ة اهلل س بحانه يف الس ر والعلن من عب ادات القلب‬
‫العظيم ة ال يت تتعل ق بك ل ش رائع ال دين‪ ،‬وهي الطري ق إىل مق ام اإلحس ان ال ذي ك ان الن يب‬
‫‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يريب عليه أصحابه‪ ،‬وحديث الكفل حيوي من معىن املراقبة وخشية‬
‫اهلل تعاىل قدرا كبريا‪ ،‬وتأثريا بالغا‪.‬‬

‫ومن هن ا ك انت عناي ة الن يب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬برتدي ده على مس امع أص حابه؛ ح ىت‬
‫حيفظوه‪ ،‬وتعيه قلوهبم‪ ،‬ويبلغوه عنه‪ ،‬وألن أمر املراقبة حيتاج إليه املرء يف كل أحواله‪ ،‬كان‬
‫ك ثرة تردي ده من األص ول املهم ة يف بي ان خط ورة موض وعه‪ ،‬وأمهيت ه‪ ،‬واحلاج ة إىل ت ذكره‬
‫والعمل به يف كل حني‪.‬‬

‫"ﻭﻗﺩ جاءتأكيد ﺍﻟﻨﻲﺒ ‪-‬ﺼﻠﻰ ﺍﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺴﻠﻡ‪ -‬ﻤﻟﻌﻰﻨ التوبة؛متمشيا مع ﻁﺒﻴﻌﺔ مهمته ﺍﻟﻲﺘ‬
‫ﺃُﺭﺴل هبا‪ ،‬ﻓﻬﻭ مبشر ومبلغ ﻻ منفر ﻭﻻ معذب‪ ،‬ﻜﻤﺎ جاء ﻲﻓ مواطن كثرية من‬
‫ﺍﻟﻘﺭﺁﻥالكرمي‪ ،‬كقوهلتعاىل مثالﹰ‪﴿:‬‬

‫‪،)1(﴾‬‬
‫وقوله تعاىل‪ ،)2( :‬ﻭﻏﻴﺭﻫﺎ ﻜﺜﻴﺭ‪ .‬ﻭﻷﻤﻫﻴﺔ ﺍﻟﺘﻭﺒﺔ أكثر‬
‫ﺍﻟﻨﻲﺒ ‪-‬صلى اهلل تعاىل عليه وسلم‪-‬منذكرها‪ ،‬ﻭﺍﺤﻟﺩﻴﺙ ﻋﻨﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﺭﻏﻴﺏ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺩﻋﻭﺓ‬
‫ﺇﻟﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺍﻟﺘﻨﻔﻴﺭ من ﺍﻤﻟﻌﺼﻴﺔ‪،‬والتحذيرمنها‪ ،‬ﻭﺍﻟﺩﻋﻭﺓ ﺇﻰﻟ جمافاهتا‪،‬وتركها‪ ،‬ﻭﺍﻬﻟﺭﺏ منها‪،‬‬
‫ﻭﺍﻻﺴﺘﻴﻘﺎﻅ ﻗﺒل ﻓﻭﺍﺕ ﺍﻷﻭﺍﻥ"(‪.)3‬‬

‫‪ )(1‬سورة الغاشية‪ ،‬اآلية‪.22 ،21 :‬‬


‫‪ )(2‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية‪.99 :‬‬

‫‪)(3‬بدر الدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.95‬‬

‫‪157‬‬
‫خاتمة المبحث‪:‬‬

‫لم‪-‬‬ ‫ول‪-‬صلىاللهعليهوس‬ ‫رعايةالرس‬


‫ٍ‬
‫موضوعحقهمناالهتمام‬ ‫ألصحاهبومتابعتهلهم‪،‬كانرتعايةمتميزة‪،‬تعطيكلَّفردحقَّهمنالرعاية‪،‬وكلَّ‬
‫‪،‬ولَ َّماكانتبعضاملوضوعاتتزيدفيأمهيتهاعنغريهاكانتعنايةالرس ول‪-‬صلىاللهعليهوس لم‪-‬‬
‫ه‪-‬‬ ‫بوأمهيتها‪،‬ويظهرهذااالهتماموهذهاملتابعةالزائدةفيطريقت‬ ‫هبذهاملوضوعاتيتناس‬
‫صلىاللهعليهوسلم‪-‬واإلجراءاتالتييسلكهاملتابعتها‪.‬‬

‫لم‪-‬‬ ‫منطرقه‪-‬صلىاللهعليهوس‬ ‫كماكانالتكرارض‬


‫للمتابعةاملتميزةللتأكيد‪،‬ول ْفتالنظرلبعضاملوضوعاتاهلامة "‪..‬ﻭﻫﻭ ﺃﺴﻠﻭﺏ معروف ﻋﻨﺩﻩ مألوف‬
‫من ه‪ ،‬ﺍﺴﺘﻌﻤﻠﻪ ﻷﻏﺭﺍﺽ ش ىت‪ ،‬ﻭﻟﻐايامتتنوع ة‪ ،‬ﺇﻻ أهنا كله ا تص ب ﻲﻓ مش ربواحد ﻫﻭ ﺘﻌﻠﻴﻡ‬
‫األم ة ﻭنص حها ﻭﺇﺭش اﺩﻫﺎ‪ ،‬ﻭﺇﻗﺎﻟﺔ عثرهتاوجعلهاخريأم ةأخرجت ﻟﻠﻨﺎﺱ‪ ،‬ﻭﻗﺩ تن وع ﺍﻟﺘﻜﺭﺍﺭ‬
‫ﻋﻨﺩﻩ‪ ،‬ﻓﻜﺎﻥ تكرارا باللفظ ﺃﻭ تكراراباملعىن‪ ،‬ناهجا ﻲﻓ ﺫﻟﻙ هنج ﺍﻟﻌﺭﺏ‪ ،‬سالكا سبيلهم‪،‬‬
‫م اخرجعنﺍﻤﻟﺄﻟﻭﻑ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻪأب دع ﻓﻴﻪ وج دد‪ ،‬ﻓﺠﻌل ﺍﻟﻘﺩﻴﻡ جديدابتطوعي ه أﻏﺭﺍﺽ ﺍﻟﺩﻋﻭﺓ‪،‬‬
‫ﻭﺘﻭﻅﻴﻔﻪ ﺨﻟﺩﻤﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺘﻜﺭﺍﺭ ﻀﺭﻭﺭﺓ ملحةأحيانايتطلبها ﺍﻤﻟﻭﻗﻑ‪ ،‬ويقتضيهااملوضوع‪..‬‬

‫يس توي ﻲﻓ ﺫﻟﻙ ﺍﻟﺘﻜﺭﺍﺭ ﺍﻤﻟﻌﻨﻭﻱ ﻭﺍﻟﺘﻜﺭﺍﺭ ﺍﻟﻠﻔﻅﻲ‪ ،‬ب ل ﺇﻥ ﺍﻟﺘﻜﺭﺍﺭ ﺍﻤﻟﻌﻨﻭﻱ ﻲﻓ ﺍﺤﻟﺩﻴﺙ‬
‫يك اديكون ﺃﻏﻠﺏ وأوض ح‪ ،‬خالف ا ﻤﻟﺎ ذكره ابن رش يق ﻲﻓ عمدت ه‪ ،‬وق د حق ق ﺍﻟﺘﻜﺭﺍﺭ‬
‫ذيرمن ﻋﻤل‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺭﻏﻴﺏ ﻓﻴﻪ‪ ،‬ﺃﻭ‬ ‫ابالغيةكثريةكتأكيد ﺍﻤﻟﻌﻰﻨ‪ ،‬أﻭالتح‬ ‫أغراض‬
‫ﺍﻟﺘﻠﺫﺫواالستعذاب ﻟﻠﻤﻜﺭﺭ‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﻟﺘﻨﺒﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﻤﻫﻴﺔ ﺍﻤﻟﻜﺭﺭ ﻭﻏﻴﺭ ﺫﻟﻙ مناملعاين"(‪.)1‬‬

‫‪)(1‬بدر الدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.110‬‬

‫‪158‬‬
‫المبحثالثاني‪ :‬المتابعةالمستمرةالمناسبةالحتياجالمتابع‬

‫من األه داف الك ربى لعملي ة الرتبي ة ‪-‬إىل ج انب الوص ول للكم ال البش ري املمكن‪ -‬هتيئة‬
‫املرتيب حلم ل أمان ة ال دعوة إىل اهلل‪ ،‬وتبلي غ دين ه على بص رية‪ ،‬وس لوك أق وم الط رق لألخ ذ‬
‫بأي دي اخلل ق ملعرف ة اخلالق‪ ،‬وإع انتهم على تط بيق ش رعه‪ ،‬م ع م ا حيت اج إلي ه ك ل ذل ك من‬
‫كبري تضحية وعظيم استعداد‪.‬‬

‫وسلوك هذا الطريق والنجاح يف اجتيازه ال جتدي معه متابعة ضعيفة أو اهتمام عابر‪ ،‬بل‬
‫األمر حيتاج إىل تربية مستمرة تناسب احتياج املتابع وظروفه‪.‬‬

‫فالرتبية يف اإلسالم "ال تنتهي بفرتة زمنية معينة‪ ،‬وإمنا متتد على طول حياة اإلنسان كلها‪،‬‬
‫فهي تربي ة يف امله د إىل اللح د‪ ،‬وهي تربي ة متج ددة باس تمرار تنمي شخص ية الف رد وت ثري‬
‫إنسانيته‪ ،‬كما أهنا تأخذ به إىل اإلمام يف طريق النمو والتقدم املستمرين"(‪.)1‬‬

‫واملتابعة تكمل الدور املهم للرتبية‪ ،‬فال يُتصور تربية ناجحة دون متابعة مستمرة‪ ،‬فاملتابعة‬
‫املستمرة لألفراد من قِبل مربيهم َتبُث الشعور باالطمئنان يف قلوهبم‪ ،‬وتوصل رسائل ثقة‬
‫واهتم ام دائم ة تش عر املرتيب بالراح ة واألمن‪ ،‬فهن اك دائم ا َمن يق ف ب القرب من ه حيوط ه‬
‫بعنايته‪ ،‬يتابعه ويوجهه وحيفزه‪ ،‬ال يتأخر عند احلاجة‪ ،‬وال يتخلف عند الطلب‪.‬‬

‫وتش تد احلاج ة إىل املتابع ة املس تمرة من املريب ملن ي ريبهم‪ ،‬خاص ة أوق ات الفنت والض عف‬
‫واألزم ات‪ ،‬فال يص ح أن يغف ل املريب عمن ي ربيهم يف ه ذه األوق ات‪ ،‬فال يكتفي حينه ا‬
‫باملتابع ة العفوي ة أو الع ابرة‪ ،‬ب ل ال يص ح يف ه ذه األح وال إال متابع ة مس تمرة تتناس ب م ع‬
‫حاجة املرتيب‪ ،‬وال تنتهي إال بعد أن يطمئن املريب على جتاوز املرتيب مشكلته‪ ،‬وانتهاء أزمته‪.‬‬

‫نماذج من المتابعة" المستمرة المناسبة الحتياج المتابَع‪:‬‬

‫‪)(1‬مرسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.144‬‬

‫‪159‬‬
‫‪ -‬متابعته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬خوات(‪)1‬حتى اطمئن إلى توبته من مجالسة النساء‪:‬‬

‫‪-‬مَّرالظَّ ْه َر ِان(موضع بقرب مكة)‪:‬‬ ‫ِ‬


‫‪-‬صلَّىاللَّ ُه َعلَْي ِه َو َس لَّ َم َ‬
‫ال‪َ :‬نَزلْنَ َام َعَر ُس واِل للَّه َ‬ ‫بنجَبرْيٍ ‪،‬قَ َ‬
‫"عْن َخ َّواتَ ُ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫اس تَ ْخَر ْجُت َعْيبَيِت (وعاء تُ َ‬
‫وض ع‬ ‫ت‪،‬فَ ْ‬ ‫ابنس َوة َيتَ َح َّدثْ َن‪،‬فَ أ َْع َجْبنَيِن ‪َ ،‬ف َر َج ْع ُ‬ ‫ال‪ :‬فَ َخَر ْجتُمْنخبَائي َفإذَاأَنَ ْ‬ ‫قَ َ‬
‫‪،‬و َخَر َجَر ُس واُل للَّ ِه‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫استَ ْخر ْجتُ ِمْن َه ُ ِ‬
‫احلَّةً َفلَب ْسُت َه َاوجْئُت َف َجلَ ْس تُ َم َع ُه َّن َ‬ ‫في ه الثي اب)‪ ،‬فَ ْ َ‬
‫جلوس ه مع هؤالء النسوة‬ ‫َ‬ ‫اعْب ِداللَّ ِه!! (أي‪ :‬أنه يُنكر عليه‬ ‫ال‪ :‬أَبَ َ‬ ‫‪-‬مْن ُقبَّتِ ِه‪َ ،‬ف َق َ‬
‫صلَّىاللَّهعلَي ِهوسلَّم ِ‬
‫َ َُ ْ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت(تلعثم يبحث عن‬ ‫واخَتلَطْ ُ‬ ‫‪-‬صلَّىاللَّ ُه َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪-‬هْبُت ُه ْ‬ ‫األجنبي ات) َفلَ َّم َارأ َْيُتَر ُس واَل للَّه َ‬
‫يش َر َد‪،‬فَأَنَاأ َْبتَغِيلَ ُه َقْي ًدا(أتى رض ي اهلل عن ه بع ذر غ ري ص حيح‬ ‫ِ‬
‫ت ‪ :‬يَ َار ُسواَل للَّ ِه َج َملٌل َ‬ ‫ع ذر) ُق ْل ُ‬
‫ض َر ِةاأل ََراك‬ ‫اضمْتنِ ِه ِفيخ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫‪،‬و َد َخاَل أل ََر َاك‪َ ،‬كأَنِّيأَنْظُُرإلَ َىبيَ َ‬ ‫ض َىواتََّب ْعتُهُ‪،‬فَأَلْ َقى إلَرَّي َداءَهُ َ‬ ‫لي ربر ب ه فعل ه)فَ َم َ‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫ىص ْد ِر ِه‪-‬‬ ‫ال‪َ :‬ي ْقطُُرمْنل ْحيَت ِه َعلَ َ‬ ‫ىص ْد ِر ِه‪-،‬أ َْوقَ َ‬ ‫ض أَ‪،‬فَأَ ْقَبلَ َوالْ َماءُيَسيلُمْنل ْحيَت ِه َعلَ َ‬ ‫اجَت ُه َوَت َو َّ‬
‫ىح َ‬
‫ض َ‬ ‫ِ‪َ ،‬ف َق َ‬
‫ال‪:‬‬‫الي ْل َح ُقنِ ِيفيالْ َم ِس ِري‪،‬إِالقَ َ‬ ‫ك؟مُثَّ ْارحَتَْلنَافَ َج َعلَ َ‬
‫ِ‬
‫‪،‬ما َف َعلَ ِش َر ُادمَجَل َ‬ ‫ال‪ :‬أَب ِ ِ‬
‫اعْبداللَّه َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َف َق‬
‫َر ُادذَلِ َكاجْلَ َم ِل؟ َفلَ َّم َارأ َْيتُ َذلِ َكَت َع َّج ْلتُِإلَىالْ َم ِدينَة‬ ‫‪،‬ما َف َعلَ ِش‬ ‫المعلَي َكأَب ِ ِ‬
‫اعْبداللَّه َ‬ ‫َُ ْ َ َ‬ ‫الس‬
‫َّ‬
‫َذلِك‬ ‫لَّ َم‪َ -‬فلَ َّماطَالَ‬ ‫ةَإِلَىالنَّيِب ِّ َ‬
‫‪-‬صلَّىاللَّ ُه َعلَْي ِه َو َس‬ ‫ِ‪،‬واجَتنَْبتُالْ َم ْس ِج َد َوالْ ُم َجالَ َس‬
‫ْ‬
‫‪-‬صلَّىاللَّ ُه َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ي‪،‬و َخَر َجَر ُس واُل للَّه َ‬ ‫ُص لِّ َ‬ ‫اعةَ َخ ْل َوةالْ َم ْس جد‪،‬فَأََتْيتُالْ َم ْسج َد َف ُق ْمتُأ َ‬ ‫َ‪،‬حَتََّيْنتُ َس َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ال‪:‬‬‫؛ر َجاءَأَْنيَ ْذ َهبَويَ َدعُيِن ‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫تَ‬ ‫ص لَّ َىر ْك َعَتْين َخفي َفَتنْي ِ ‪،‬وطَ َّولْ ُ‬ ‫مْنَب ْعض ح ْج ِره َف ْجأَةً‪،‬فَ َ‬
‫ف‪َ ،‬ف ُق ْلتُِف َين ْف ِس ي‪َ :‬واللَّ ِهأل َْعتَ ِذ َرنَِّإلَ َىر ُس واِل للَّ ِه‪-‬‬ ‫ص ِر َ‬ ‫َّىتْن َ‬
‫احت َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اعْبداللَّ ِه َماش ْئتَأَْنتُطَِّو َل‪َ ،‬فلَ ْسُت َقائ ًم َ‬
‫طَِّوأْل َب ِ‬
‫ََ‬
‫‪،‬ما َف َعلَ ِش َر ُاد َذلِ َكاجْلَ َم ِل؟‬ ‫الس المعلَي َكأَب ِ ِ‬
‫اعْبداللَّه َ‬ ‫ال‪َ َ ْ َ ُ َّ :‬‬ ‫ص ْد َرهُ‪َ ،‬فلَ َّماقَ َ‬ ‫صلَّىاللَّ ُه َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪-‬وألُبْ ِر ْئنَ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪:‬‬‫َ‬ ‫لَ َم‪َ ،‬ف َق‬ ‫َس‬
‫اشَر َد َذل َكاجْلَ َملُ ُمْن ُذأ ْ‬
‫‪،‬م َ‬ ‫ت‪َ :‬والَّذ َيب َعثَ َكبِاحْلَ ِّق َ‬ ‫َف ُق ْل ُ‬
‫َرمِح َ َكاللَّ ُهثَالثًا‪،‬مُثَّلَ ْميُعِ ْدلِ َش ْي ٍءمِم َّا َكا َن"(‪.)2‬‬

‫احلديث حيمل داللة واضحة على مدى حرص الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬على متابعة‬
‫أص حابه متابع ة مس تمرة ال تنتهي؛ ح ىت حتق ق املقص ود منه ا‪ ،‬فالرس ول ‪-‬ص لى اهلل علي ه‬
‫وس لم‪ -‬اس تمر ‪-‬رغم ك ثرة أعبائ ه‪ -‬يف متابع ة خ وات‪ ،‬من ذ رآه جيالس النس اء ويتبس ط‬

‫‪ )(1‬خ وات بن جب ري ابن النعم ان بن أمي ة بن ال ربك‪ ،‬وه و ام رؤ القيس بن ثعلب ة بن عم رو بن ع وف‪ ،‬األنص اري‬
‫األوسي‪ ..‬مات خوات باملدينة سنة أربعني (سري أعالم النبالء ج‪)2‬‬

‫‪)(2‬سبق خترجيه يف مبحث الوقاية من مسببات الفنت ‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫معهن‪ ،‬كلما حانت فرصة للتذكري والعتاب‪ ،‬ومل يغفل عن مشكلته أو ينساها حىت اطمئن‬
‫يف النهاية إىل صدق توبته‪.‬‬

‫وما كانت متابعته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬جمرد متابعة روتينة يقوم املريب هبا بأي طريقة‬
‫ك انت‪ ،‬فمع أمهي ة متابع ة املخطئ يف خطئ ه وع دم التغاف ل عن اخلط أ ‪-‬إال لض رورة معتربة‬
‫ش رعا‪ -‬إال أن ه يل زم أن ي راعي املريب حجم اخلط أ يف العت اب‪ ،‬وطريق ة املتابع ة املطلوب ة‬
‫لتصحيح اخلطأ‪ ،‬فمتابعة املخطئ على خطئه بطريقة غري مناسبة قد ال يؤدي إىل تصويب‬
‫اخلطأ‪ ،‬بل إىل زيادته‪.‬‬

‫لذا؛ كان تصحيح خطأ خوات من قبل رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بأليق الطرق‬
‫يقس عليه‪ ،‬ومل‬
‫وأكثرها تأثريا يف النفس‪ ،‬فلم يعنّفه الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وس لم‪ -‬ومل ُ‬
‫ات الرس ول‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬وعتاب ه الرقي ق‬
‫يوخبه أو يش هر ب ه‪ ،‬وإمنا ك انت كلم ُ‬
‫وتكرار سؤاله‪ ،‬كفيلةً بإحداث النتيجة املطلوبة يف نفس خوات‪.‬‬

‫وحىت يكتمل املقصود من املتابعة وتُؤيت أكلها توبة صادقة‪ ،‬كان ال بد من ملسة حانية من‬
‫رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬تطيّب نفس خوات‪ ،‬ومتسح ما قد يكون خالط صدره‬
‫من أمل؛ بسبب فعله أو بسبب رؤية الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬له على معصية‪ ،‬فكان‬
‫خري هناية‪ ،‬وأليق خامتة خيتم هبا النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬متابعته‬
‫الدعاء بالرمحة ثالثا َ‬
‫خلوات‪.‬‬

‫حثه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬خادمه" ربيعة على الزواج وإعانته عليه حتى أتمه‪:‬‬

‫َخ ُد ُمَر ُس واَل للَّ ِه‬ ‫عن ربيع ة بن كعب األس لمي‪ ،‬ق ال ‪-‬رض ي اهلل عن ه‪ُ " :-‬كْنتُأ ْ‬
‫‪:‬واللَّ ِهيَ َار ُس واَل للَّ ِه‪-‬‬ ‫تَ‬ ‫ال‪:‬يَ َاربِ َيع ةُ‪،‬أَالََت َز َّو ُج؟‪ .‬قَ َال‪ُ :‬ق ْل ُ‬ ‫ىالله َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪َ -‬ف َق َ‬ ‫‪-‬صلَّ ُ‬
‫َ‬
‫‪،‬و َماأ ُِحبُّأَْنيَ ْشغَلَنِ َىعْن َك َش‬ ‫اعْن ِد ِ‬ ‫يدأَنْأََتز َّومَج ِ‬
‫ْىء‬ ‫يمالْ َم ْرأََة َ‬
‫ىمايُق ُ‬‫َ‬ ‫‪-‬ماأُِر ُ َ َ‬ ‫ىالله َعلَْي ِه َو َس لَّ َم َ‬
‫صلَّ ُ‬ ‫َ‬
‫‪:‬ماأُِري ُدأَنْأََتَز َّوج‬ ‫ِ ِ‬
‫تَ‬ ‫اخ َد ْمتُ هُ‪.‬مُثََّقالَلىالثَّانيَ ةَ‪:‬يَ َاربِ َيع ةُ‪،‬أَالََت َز َّو ُج؟‪َ .‬ف ُق ْل ُ‬‫ض َعىِّن ‪،‬فَ َخ َد ْمُت ُه َم َ‬
‫ٌ‪،‬فَأ َْعَر َ‬
‫ض َعىِّن ‪،‬مُثََّر َج ْعتُِإلَ َىن ْف ِس ى‪َ ،‬ف ُق ْلت‬ ‫اعْن ِد ِ‬
‫‪،‬و َماأ ُِحبُّأَْنيَ ْشغَلَنِ َىعْن َك َش ْىءٌ‪،‬فَأ ْ‬ ‫َ‪،‬م ِ‬
‫َعَر َ‬ ‫يمالْ َم ْرأَةَ َ‬
‫ىمايُق ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬

‫‪161‬‬
‫لَّ َم‪-‬‬ ‫ىالله َعلَْي ِه َو َس‬ ‫ِ‬ ‫ُ‪:‬واللَّ ِهلََر ُس‬
‫‪-‬صلَّ ُ‬‫واُل للَّه َ‬ ‫َ‬
‫ت‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫‪،‬واللَّ ِهلَئِْن َق َ‬
‫ال"َتَز َّو ْج"ألَقُولَ َّن" َن َع ْم"يَ َار ُسواَل للَّ ِه ُم ْرنىبِ َماشْئ َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫صلِ ُحنِ ِىف ُّ‬
‫ىالد ْنيَ َاواآلخَرةأ َْعلَ ُممىِّن َ‬ ‫َايُ ْ‬
‫مِب‬

‫ِ ِ ٍ ِ‬ ‫ال‪:‬ياربِيع ةُ‪،‬أَالََت ز َّوج؟‪َ .‬ف ُق ْلت‪:‬بلَ ِ ِ‬


‫ص ار‬ ‫ت‪ .‬قَ َال‪:‬انْطَل ْقِإلَىآل ُفالَن‪َ .‬حىٍّمنَاألَنْ َ‬ ‫ى‪،‬م ْرنىبِ َماش ْئ َ‬
‫ُ َ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫قَ َال‪َ :‬ف َق َ َ َ َ‬
‫ىالله َعلَْي ِه َو َس‬ ‫اخعنِ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫لَّ َم‪َ -‬ف ُق ْللَ ُهم‬ ‫‪-‬صلَّ ُ‬ ‫النَّىِب ِّ َ‬ ‫ِ‪،‬و َكانْفي ِه ْمَتَر َ‬
‫َ‬
‫‪،‬ال ْم َرأ ٍَة ِمْن ُه ْم‪،‬فَ َذ َهْبُت َف ُق ْلُتلَ ُه ْم‪:‬إِنََّر ُس واَل للَّ ِه‪-‬‬
‫ْ‪:‬إِنَّرسواَل للَّ ِهأَرس لَنِىِإلَي ُكميأْمر ُكمأَْنُتز ِّوجونِى ُفالَنَةَ ِ‬
‫ْ َ ْ ْ َ ُُ ْ َ ُ‬ ‫َُ‬
‫وا‪:‬م ْر َحباًبَِر ُس واِل للَّه‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ىالله َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪-‬أ َْر َس لَنىإلَْي ُك ْم‪،‬يَأْ ُم ُر ُك ْمأَْنُتَز ِّو ُجونى ُفالَنَ ةَ‪َ .‬ف َق الُ َ‬ ‫صلَّ ُ‬‫َ‬
‫‪-‬واللَّ ِهالََي ْر ِجعَُر ُسولَُر ُس واِل للَّ ِه ‪-‬صلىاللهعليهوس لم‪-‬‬ ‫‪-‬صلَّ ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ىالله َعلَْيه َو َس لَّ َم َ‬ ‫ِ‪،‬وبَِر ُسولَر ُس واِل للَّه َ‬‫َ‬
‫ِ‬ ‫إِالَّحِب اجتِ ِه‪َ .‬فز َّوجونِىوأَلْطَُفوىِن ‪،‬وم ِ‬
‫‪-‬ح ِزيناً‪.‬‬ ‫ىالله َعلَْي ِه َو َسلَّ َم َ‬
‫‪-‬صلَّ ُ‬ ‫اسأَلُونىالَْبِّينَةَ‪َ ،‬فَر َج ْعتُِإلَ َىر ُسواِل للَّه َ‬
‫ََ َ‬ ‫َ َ َ ُ َ‬
‫واَل للَّ ِه‪،‬أََتْيُت َق ْوماًكَِراما‬ ‫ت‪:‬يَ َار ُس‬ ‫ى‪:‬مالَ َكيَ َاربِ َيع‬ ‫ِ‬
‫ةُ؟‪َ .‬ف ُق ْل ُ‬ ‫الَل َ‬ ‫َف َق‬
‫اق‪َ .‬ف َقالََر ُس واُل للَّ ِه‪-‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ىص َد ٌ‬ ‫‪،‬ولَْي َسعْند َ‬ ‫اس أَلُون َىبِّينَةً َ‬ ‫‪،‬وأَلْطَُف وىِن َ‬
‫‪،‬و َم َ‬ ‫ً‪َ ،‬فَز َّو ُجون َىوأَ ْكَر ُم وىِن َ‬
‫ال‬ ‫ب‪ .‬قَ‬ ‫َذ َه ٍ‬ ‫لَ ِم ُّى‪،‬امْج َعُواهَلَُو ْز َنَن َو ٍاة ِمْن‬ ‫لَّ َم‪:-‬يَابَُريْ َدةُاأل ْ‬
‫َس‬ ‫ىالله َعلَْي ِه َو َس‬
‫صلَّ ُ‬ ‫َ‬
‫ىالله َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪َ -‬ف َق ال‬ ‫‪-‬صلَّ ُ‬‫َخ ْذمُتَامَجَعُواىِل ‪،‬فَأََتْيتُبِ ِه النَّىِب َّ َ‬ ‫ب‪،‬فَأ َ‬ ‫َ‪:‬فَ َجمعُوالِىو ْز َنَنو ٍاة ِمْن َذ َه ٍ‬
‫َ َ َ‬
‫وه َوقَبِلُوه‬
‫ض ُ‬ ‫اص َدا ُق َها‪َ ،‬فَر ُ‬ ‫‪:‬ه َذ َ‬ ‫تَ‬ ‫اص َدا ُق َها‪ .‬فَ أََتْيُت ُه ْم‪َ ،‬ف ُق ْل ُ‬‫‪:‬ه َذ َ‬ ‫َ‪:‬ا ْذ َهْببِ َه َذاإِلَْي ِه ْم‪َ ،‬ف ُق ْل َ‬
‫ب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‪،‬وقَالُوا‪َ :‬كثريٌطَيِّ ٌ‬ ‫َ‬

‫‪،‬م الَ َك َح ِز ٌ‬
‫ين؟‪َ .‬ف ُق ْلت‬ ‫ال‪:‬يَ َاربِ َيع ةُ َ‬ ‫ىالله َعلَْي ِه َو َس لَّ َم َ‬
‫‪-‬ح ِزين اً‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫ال‪:‬مُثََّر َج ْعتُِإلَى النَّىِب ِّ َ‬
‫‪-‬صلَّ ُ‬ ‫قَ َ‬
‫ىماأُومِلُ‪.‬‬ ‫ِِ‬
‫‪،‬ولَْي َسعْند َ‬
‫ِ‬
‫وا‪،‬وقَالُوا َكثرياًطَيِّباً َ‬
‫َح َسنُ َ‬ ‫‪،‬وأ ْ‬
‫ُ‪:‬يارسواَل للَّ ِه‪،‬مارأَيُت َقوماًأَ ْكرمَمِْنهم‪،‬ر ُ مِب‬
‫ضوا َاآَتْيُت ُه ْم َ‬ ‫ََ ْ ْ َ ُْ َ‬ ‫ََ ُ‬
‫ال‪:‬يَابَُريْ َدةُ‪،‬امْج َعُواهَلُ َش ا ًة‪ .‬قَ َال‪:‬فَ َج َمعُوالِى َكْبشاً َع ِظيماًمَسِ يناً‪َ ،‬ف َقالَلِ َىر ُس واُل للَّ ِه‪-‬‬ ‫قَ َ‬
‫ىالله َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪:-‬ا ْذ َهْبِإلَ َىعائِ َش ةَ‪َ ،‬ف ُق ْللَ َه ا‪َ ،‬ف ْلتَْب َعثْبِالْ ِمكْتَاِل لَّ ِذ ِىفي ِهالطَّ َع ُام‪ .‬قَ ال‬‫صلَّ ُ‬
‫َ‬
‫ت‪َ:‬ذَاالْ ِمكْتَل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ىالله َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪َ -‬ف َق الَ ْ‬ ‫َ‪:‬فَأََتْيُت َه ا‪َ ،‬ف ُق ْلُتلَ َه َاماأ ََمَرنىبِ ِهَر ُس واُل للَّه َ‬
‫‪-‬صلَّ ُ‬
‫ُ‪،‬فِي ِهتِسع ِ ِ‬
‫آصع َشع ٍريالََواللَّ ِهِإنْأ ْ‬
‫َصبَ َحلَنَاطَ َع ٌامغَْي ُر ُه ُخ ْذهُ‪.‬‬ ‫ُْ ُ‬
‫َخَب ْر ُت ُهبِ َماقَالَْت َعائِ َش ةُ‪َ .‬ف َق َ‬
‫ال‪:‬ا ْذ َهْببِ َه َذاإِلَْي ِه ْم‪َ ،‬ف ُقل‬ ‫‪-‬صلَّ ُ ِ‬
‫ىالله َعلَْيه َو َس لَّ َم َ‬
‫‪-‬وأ ْ‬ ‫َخ ْذتُ هُ‪،‬فَأََتْيتُبِ ِه النَّىِب َّ َ‬
‫فَأ َ‬
‫َس لَ َم‪َ ،‬ف َق ال‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫‪،‬و َذ َهْبتُبِالْ َكْبش َو َمعىأُنَامٌس ْنأ ْ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‪:‬لِيُ ْ ِ‬
‫ص ب ْح َه َذاعْن َد ُك ْم ُخْبزاً‪ .‬فَ َذ َهْبتُإلَْيه ْم َ‬
‫‪،‬وأ ََّماالْ َكْب ُش َفا ْك ُفونَاأَْنتُ ْم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‪:‬لِيُ ْ ِ‬
‫‪،‬و َه َذاطَبيخاً‪َ ،‬ف َق الُوا‪:‬أ ََمااخْلُْب ُزفَ َس نَكْفي ُك ُموهُ َ‬ ‫ص ب ْح َه َذاعْن َد ُك ْم ُخْبزاً َ‬

‫‪162‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخْبٌز َوحَلْ ٌم‪،‬فَ أ َْولَ ْمت‬
‫َص بَ َحعْن َدنَ ُ‬
‫‪،‬وطَبَ ْخنَ اهُ‪،‬فَأ ْ‬
‫‪،‬و َس لَ ْخنَاهُ َ‬
‫َس لَ َم‪،‬فَ َذحَبْنَاهُ َ‬ ‫َخ ْذنَاالْ َكْب َشأَنَ َاوأُنَامٌس ْنأ ْ‬
‫فَأ َ‬
‫ىالله َعلَْي ِه َو َسلَّ َم"(‪.)1‬‬
‫صلَّ ُ‬ ‫ُ‪،‬و َد َع ْو ُتَر ُسواَل للَّ ِه َ‬
‫َ‬
‫حتوي هذه القص ةُ صورةً واضحةً بين ةً للرعاية النبوية املستمرة لصحابته‪ ،‬وحسن تفقدهم‪،‬‬
‫وإعانتهم‪:‬‬

‫إحلاح الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬على خادمه ربيعة بالزواج‪ ،‬صورة مشرقةٌ‬ ‫‪ -‬ففي ِ‬
‫للمتابعة النبوية املستمرة‪ ،‬املمتلئة حرصا على ما فيه نفع أصحابه يف دينهم ودنياهم‪ ،‬ودرسا‬
‫نبويا للمربني يف أمهية متابعة املتعلمني واملرتبني‪ ،‬وتفقد أحواهلم‪ ،‬وحثهم على ما فيه نفعهم‪.‬‬

‫‪ -‬ويف ه ذا اإلحلاح أيض ا ‪-‬رغم رفض ربيع ة ه ذه ال دعوة أك ثر من م رة‪ -‬دلي ل عن فِطن ة‬
‫النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ومدى شعوره بأصحابه‪ ،‬ويقظته الحتياجاهتم‪ ،‬فرغم علمه‬
‫‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بفقر ربيعة‪ ،‬إال أنه أحلّ عليه يف الزواج؛ لعلمه مبدى احلاجة الفطرية‬
‫لإلنسان يف الزواج‪.‬‬

‫يكتف نيب الرمحة ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬باإلحلاح على ربيعة بالزواج‪ ،‬وإمنا استمر‬ ‫ِ‬ ‫‪ -‬مل‬
‫دور الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بدايةً من إقناعه بالزواج إىل توجيهه للزوجة املناسبة‪،‬‬
‫الص داق والوليمة‪ ،‬وال شك أن كل هذه‬ ‫والشفاعة لدى أهل العروس‪ ،‬إىل إعانته ماديا يف َّ‬
‫الوق ائع ك انت حتت اج إىل وقت ليس بالقلي ل‪ ،‬وط وال ه ذا ال وقت فرس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل‬
‫ب عن د احلاج ة‪ ،‬ويف ه ذا ش اهد على‬‫دخل املناس َ‬
‫علي ه وس لم‪ -‬يت ابع ص احبه‪ ،‬ويت دخل الت َ‬
‫أمهية استمرار املتابعة من املريب؛ حىت يطمئن إىل حتقق املقصود من املتابعة‪ِ ،‬‬
‫وشاه ٌد كذلك‬
‫على أمهية وضرورة مناسبة املتابعة حلال املرتيب‪ ،‬وظروفه‪ ،‬ففقر ربيعة مل يكن ينفع معه جمرد‬
‫احلث واإلحلاح والتوجي ه للزوج ة املناس بة وفق ط‪ ،‬ب ل ك ان يس تدعي الت دخل املادي؛ ح ىت‬
‫حُت ل مشكلته و ُتلَىَّب حاجته‪.‬‬

‫‪ )(1‬مس ند أمحد‪ ،‬أول مس ند املدنيني رض ي اهلل عنهم أمجعني‪ ،‬ح ديث ربيع ة بن كعب األس لمي‪ ،4/9 ،‬رقم احلديث‬
‫‪ ،16141‬إسناده حسن وقال عنه اهليثمي يف الزوائد فيه مبارك ابن فضالة وحديثه حسن‪ ،‬وبقية رجال أمحد رجال‬
‫الصحيح (‪.)4/259‬‬

‫‪163‬‬
‫تفقده" ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ورعايته جليبيبا في أمر زواجه وسؤاله عنه بعد وفاته‪:‬‬

‫ِّس ِاء‪،‬‬
‫ص ار‪َ ،‬و َك ا َن يَ ْد ُخ ُل َعلَى الن َ‬
‫َن ُجلَْيبِيبًا َك ا َن ْام رأً ِمن اأْل َنْ َ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َس لَ ِم ِّي‪ ،‬أ َّ‬
‫" َع ْن أَيِب َب ْر َز َة اأْل ْ‬
‫ال أَب و ب رز َة‪َ :‬ف ُق ْل اِل‬
‫ال‪ :‬فَ َك ا َن‬‫يب‪ .‬قَ َ‬ ‫ت ْم َرأَيِت ‪ :‬اَل يَ ْد ُخلَ َّن َعلَْي ُكن ُجلَْيبِ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َّث إِلَْي ِه َّن‪ ،‬قَ َ ُ َ ْ َ‬ ‫َو َيتَ َح د ُ‬
‫ول‬
‫الر ُس َ‬ ‫َح ِد ِه ْم أَمِّيٌ مَلْ يَُز ِّو ْج َه ا؛ َحىَّت َي ْعلَ َم َّ‬ ‫أِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪-‬صلَّى اهللُ َعلَْيه َو َسلَّ َم‪ -‬إذَا َك ا َن َ‬‫اب النَّيِب ِّ َ‬ ‫َص َح ُ‬ ‫أْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪-‬صلَّى اهللُ َعلَْيه َو َسلَّ َم‪ -‬ف َيها َح َ‬
‫اجةٌ أ َْم اَل ‪.‬‬ ‫َ‬
‫ص ا ِر‪ :‬يَ ا فُاَل ٌن‪َ ،‬ز ِّو ْجيِن‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ‬ ‫ال رس ُ ِ‬
‫ات َي ْوم لَر ُج ٍل م َن اأْل َنْ َ‬ ‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ه َو َس لَّ َم‪ -‬ذَ َ‬ ‫ول اهلل َ‬ ‫َف َق َ َ ُ‬
‫يب‪.‬‬ ‫ال‪ :‬جِلُلَْيبِ ٍ‬ ‫ال‪ :‬فَلِ َم ْن؟ قَ َ‬ ‫يد َها‪ .‬قَ َ‬ ‫ت لَِن ْف ِس ي أُِر ُ‬
‫ال‪ :‬إِيِّن لَ ْس ُ‬‫ال‪َ :‬ن َع ْم َونُ ْع َمى َعنْي ٍ ‪ .‬قَ َ‬ ‫ك‪ .‬قَ َ‬‫ْابنَتَ َ‬
‫اهلل‪ ،‬حىَّت أ ِ‬ ‫ول ِ‬
‫َستَأْمَر أ َُّم َها‪ ،‬فَأَتَ َ‬
‫اها‪.‬‬ ‫َ ْ‬ ‫ال‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫قَ َ‬
‫ت‪َ :‬ن َع ْم َونُ ْع َمى َعنْي ٍ ‪ .‬قَ َال‪:‬‬ ‫ك‪ .‬قَالَ ْ‬ ‫اهلل ‪-‬صلَّى اهلل َعلَي ِه وسلَّم‪ -‬خَي ْطُب ابنَتَ ِ‬ ‫ول ِ‬ ‫ال‪ :‬إِ َّن َر ُس َ‬ ‫َف َق َ‬
‫ُ ْ‬ ‫َ ُ ْ ََ َ‬
‫ت‪َ :‬ح ْل ِقي! أَجِلُلَْيبِ ٍ‬ ‫ت‪ :‬فَلِم ْن يُِري ُد َها؟ قَ َال‪ :‬جِلُلَْيبِ ٍ‬ ‫إِنَّه لَيس ِ ِ ِ‬
‫يب؟‬ ‫يب‪ .‬قَ الَ ْ‬ ‫ت لَن ْفس ه يُِري ُد َها‪ .‬قَ الَ ْ َ‬ ‫ُ َْ ْ‬
‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪-‬‬ ‫اهلل اَل أُز ِّوج جلَيبِيب ا‪َ .‬فلَ َّما قَ ام أَب ِ‬ ‫قَ الَت‪ :‬اَل ‪ ،‬لَعم ر ِ‬
‫وه ا ليَ أْيتَ النَّيِب َّ َ‬ ‫َ َُ‬ ‫ّ ُ ُْ ً‬ ‫َْ ُ‬ ‫ْ‬
‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه‬ ‫ت الْ َفتَ اةُ ِمن ِخ ْد ِرها أِل ُِّمه ا‪ :‬من خطَبيِن إِلَي ُكم ا؟‪ .‬قَ ااَل ‪ :‬رس ُ ِ‬
‫ول اهلل َ‬ ‫َُ‬ ‫َ َ َْ َ َ ْ َ‬ ‫ْ‬
‫قَ الَ ِ‬
‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ت‪ :‬أََت ُر ُّدو َن َعلَى َر ُس ول اهلل أ َْم َرهُ؟‪ْ .‬اد َفعُ ويِن إِىَل َر ُس ول اهلل َ‬ ‫َو َس لَّ َم‪ -‬قَ الَ ْ‬
‫ك هِبَا‪،‬‬ ‫ال‪َ :‬ش أْنُ َ‬ ‫‪-‬صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪َ -‬ف َق َ‬
‫وها إِىَل النَّيِب ِّ َ‬‫ب أَبُ َ‬ ‫َو َسلَّ َم‪ -‬فَِإنَّهُ لَ ْن يُ َ‬
‫ضِّي َعيِن ‪ .‬فَ َذ َه َ‬
‫َفَز َّو ْج َها ُجلَْيبِيبًا‪.‬‬

‫قال محاد‪ :‬قال إسحاق بن عبد اهلل‪ ‬بن أيب طلحة‪ :‬هل تدري ما َد َع ا هلا به؟ قال‪ :‬وما دعا‬
‫ب اخْلَْيَر َعلَْي ِه َما َ‬
‫صبًّا‪َ ،‬واَل جَتْ َع ْل َعْي َش ُه َما َكدًّا"‪.‬‬ ‫هلا به؟ قال‪" :‬اللَّ ُه َّم ُ‬
‫ص َّ‬
‫ال‪َ :‬ت ْف ِق ُدو َن‬ ‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪ -‬يِف َغ َز ٍاة‪ .‬قَ َ‬ ‫ال ثَابِت‪َ :‬فز َّوجها إِيَّاه‪َ .‬فبينَ ا رس ُ ِ‬
‫ول اهلل َ‬ ‫قَ َ ٌ َ ْ َ ُ َ ْ َ ُ‬
‫ب َس ْب َع ٍة‬‫ال‪ :‬لَ ِكيِّن أَفْ ِق ُد ُجلَْيبِيبً ا‪ ،‬فَ اطْلُبُوهُ يِف الْ َقْتلَى‪َ .‬فو َج َدهُ إِىَل َجْن ِ‬
‫َح ٍد؟ قَ الُوا‪ :‬اَل ‪ .‬قَ َ‬ ‫م ْن أ َ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫‪-‬ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم‪ :-‬أََقتَ َل َس ْب َعةً مُثَّ َقَتلُ وهُ‪َ ،‬ه َذا‬ ‫ال رس ُ ِ‬
‫ول اهلل َ‬ ‫قَ ْد َقَتلَ ُه ْم‪ ،‬مُثَّ َقَتلُ وهُ‪َ .‬ف َق َ َ ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِميِّن وأَنَا ِمْنه‪ .‬ي ُقوهُل ا سبعا‪َ ،‬فوضعه رس ُ ِ‬
‫‪-‬صلَّى اهللُ َعلَْيه َو َسلَّ َم‪َ -‬علَى َس اع َديْه‪َ ،‬م ا لَهُ‬ ‫ول اهلل َ‬ ‫َ ُ َ َ َْ ً َ َ َ ُ َ ُ‬

‫‪164‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َعهُ يِف َقرْبِ ه‪ .‬قَ َال ثَابِ ٌ‬
‫ت‪َ :‬و َم ا‬ ‫َس ِر ٌير إِاَّل َساع َد ْي َر ُسول اهلل َ‬
‫‪-‬صلَّى اهللُ َعلَْي ه َو َس لَّ َم‪َ -‬حىَّت َو َ‬
‫صا ِر أَمِّيٌ أَْن َف ُق ِمْن َها(‪.)1‬‬
‫َكا َن يِف اأْل َنْ َ‬
‫متابعة الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬كانت جلميع أصحابه‪ ،‬ال ينسى أحدا‪ ،‬وال يهمل‬
‫حمتاجا‪ ،‬لكن من قواعد متابعاته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أهنا كانت ختتلف حسب احتياج‬
‫فمن تلك احلاالت اليت كانت حتظى مبتابعة خاصة مستمرة من رسول اهلل ‪-‬صلى‬ ‫املتابع‪ِ ،‬‬
‫َ‬
‫الص نف من الن اس ال ذين إذا‬
‫اهلل علي ه وس لم‪ -‬حال ة جلي بيب؛ إذ يب دو أن ه ك ان من ذل ك ِّ‬
‫غابوا مل يُفتقدوا‪ ،‬وإذا نكحوا مل ينكحوا‪ ،‬فليس هناك َمن يسأل عنه أو يهتم ألمره‪ ،‬فكان‬
‫هذا أدعى ملزيد عناية ومتابعة وتفقد من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫واحلديث سبق اإلشارة إليه يف رعايته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬االجتماعية ألصحابه‪ ،‬فما‬
‫زال الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬جبليبيب حىت واتته فرصة مناسبة لتزوجيه‪ ،‬فزوجه‪.‬‬

‫إال أن الرواية اليت بني أيدينا توضح أن متابعته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وسؤاله جلليبيب‪ ،‬مل‬
‫تنته مبجرد إعانته على الزواج‪ ،‬بل ظل الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يرعى هذا البيت‬
‫املسلم‪ ،‬ودعا هلم باخلري العميم‪ ،‬ومل يغِب عن ذهنه هذا الصحايب اجلليل‪ ،‬حىت أنه ‪-‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪ -‬ذكره يف غزوة غزاها‪ ،‬فسأل عنه متفقدا ومطمئنا‪ ،‬فلم يذكره أح ٌد؛ لعدم‬
‫اش تهاره بني الص حابة‪ ،‬ومل يفتق ده أح د‪ ،‬إال أن رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ال‬
‫فسماه هلم‪ ،‬فذهبوا ليتفقدوه‪ ،‬حىت وجدوه قتيال إىل جنب سبعة قد قتلهم‪،‬‬ ‫ينسى أصحابه‪ّ ،‬‬
‫مث قتل وه‪ ،‬فق ال رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪" :-‬أََقتَ َل َس ْب َعةً مُثَّ َقَتلُ وهُ‪َ ،‬ه َذا ِميِّن َوأَنَ ا‬
‫ِمْنهُ"‪ ،‬يقوهلا َسْبعا‪ ،‬فوضعه رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬على ساعديه ما له سرير إال‬
‫ساعدي رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬تكرميًا له‪ ،‬وتشري ًفا‪ ،‬ووفاءً ألصحابه حىت بعد‬
‫مماهتم‪ ،‬ح ىت وض عه يف ق ربه‪ ،‬وك ان من برك ة رعاي ة الرس ول ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪-‬‬
‫جلليبيب ودعائه له وألهله وبركة‪ ،‬امتثال زوجه ألمر رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬
‫أنه ما كان يف األنصار أمي أنفق منها ‪-‬رضي اهلل عنها وعن جليبيب‪.‬‬

‫‪)(1‬جممع الزوائد‪ ،‬كتاب املناقب‪ ،‬باب ما جاء يف جليبيب رضي اهلل عنه‪ ،9/370 ،‬وقال اهليثمي‪ :‬هو يف الصحيح‬
‫خاليا عن اخلطبة والتزويج‪ ،‬رواه أمحد ورجاله رجال الصحيح‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫مساعدته" ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬السائل" وتوجيهه لما فيه خير له من المسألة‪":‬‬

‫ال‪:‬أ ََمافِ َىبْيتِ َك َش ْىءٌ؟‪.‬‬‫ىالله َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ -‬يَ ْسأَلُهُ‪َ ،‬ف َق َ‬
‫‪-‬صلَّ ُ‬ ‫صا ِرأَتَىالنَّىِب َّ َ‬
‫ِ‬
‫روى أبو داود "أَنََّر ُجالًمنَاألَنْ َ‬
‫‪،‬و َق ْعٌبنَ ْشَربُِفي ِه ِمنَالْ َم ِاء‪ .‬قَ َ‬
‫ال‪:‬ائْتِنِىبِ ِه َما‪.‬‬ ‫ضهُ َ‬ ‫‪،‬و َنْب ُسطَُب ْع َ‬ ‫ضهُ َ‬
‫ِ‬
‫‪:‬بلَى‪،‬ح ْل ٌسَن ْلبَ ُسَب ْع َ‬ ‫ال َ‬ ‫قَ َ‬
‫‪:‬مْنيَ ْشرَتِ َىه َذيْ ِن؟‪ .‬قَالََر ُجل‬ ‫ال َ‬ ‫ىالله َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ -‬بِيَ ِد ِه َوقَ َ‬
‫‪-‬صلَّ ُ‬
‫ِ‬
‫َخ َذمُهَ َار ُسواُل للَّه َ‬ ‫اهبِ ِه َما‪،‬فَأ َ‬
‫فَأَتَ ُ‬
‫اآخ ُذمُهَابِ ِد ْرمَهَنْي ِ ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ال‪:‬مْني ِز ُ ِ‬
‫يد َعلَىد ْر َه ٍم؟‪َ .‬مَّرَتْينأ َْوثَالَثًا‪.‬قَالََر ُج ٌل‪:‬أَنَ ُ‬
‫ِِ‬
‫اآخ ُذمُهَابد ْر َه ٍم‪ .‬قَ َ َ َ‬ ‫ٌ‪:‬أَنَ ُ‬
‫َح ِدمِه َاطَ َع ًاما‪،‬فَانْبِ ْذ ُهِإلَىأ َْهلِك‬ ‫ِ‬
‫ال‪:‬ا ْشرَتِ بأ َ‬ ‫‪،‬وقَ َ‬ ‫ىَ‬ ‫صا ِر َّ‬ ‫ِ‬
‫َخ َذالد ِّْرمَهَْين َوأ َْعطَامُهَااألَنْ َ‬‫‪،‬وأ َ‬ ‫ِ‬
‫فَأ َْعطَامُهَاإيَّاهُ َ‬
‫ومافَأْتِنِىبِ ِه‪.‬‬ ‫َ‪،‬وا ْشرَتِ بِ َ‬
‫اآلخ ِرقَ ُد ً‬ ‫َ‬
‫احتَ ِطْب َوبِع‬ ‫فَأَتَاهبِ ِه‪،‬فَشدَّفِي ِهرسواُل للَّ ِه‪-‬صلَّىاللهعلَي ِهوسلَّم‪-‬ع ِ ِ‬
‫ودابِيَده‪،‬مُثََّقالَلَهُ‪:‬ا ْذ َهْب َف ْ‬‫َ َُ ْ َ َ َ ُ ً‬ ‫ُ َ َُ‬
‫َص َاب َع َشَر َة َد َر ِاهم‬
‫يع‪،‬فَ َجاءََوقَ ْدأ َ‬
‫ِ‬
‫الر ُجلُيَ ْحتَطُب َويَبِ ُ‬
‫ْ‪،‬والَأ ََر َينَّ َك َخ ْم َسةَ َع َشَر َي ْو ًما‪ .‬فَ َذ َهبَ َّ‬ ‫َ‬
‫ضهاثَوباوبِبع ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َهاطَ َع ًاما‪.‬‬ ‫َ‪،‬فَا ْشَتَرىبَِب ْع َ ْ ً َ َ ْ‬
‫اخْيٌرلَ َك ِمْنأَْنتَ ِجىءَالْ َم ْسأَلَةُنُكْتَةًفِ َىو ْج ِه َكَي ْو َمالْ ِقيَ َامة‬‫‪:-‬ه َذ َ‬‫ىالله َعلَْي ِه َو َسلَّ َم َ‬
‫‪-‬صلَّ ُ‬
‫ِ‬
‫َف َقالََر ُسواُل للَّه َ‬
‫ىدمٍم ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ مٍم‬
‫وج ٍع"(‪.)1‬‬ ‫صلُ ُحِإالَّلِثَالَثٍَة‪:‬لِ ِذى َف ْق ٍر ُم ْدقِ ٍع‪،‬أ َْول ِذىغُْر ُْف ِظ ٍع‪،‬أ َْول ِذ َ‬‫ِ‪،‬إِنَّالْ َم ْسأَلَةَالَتَ ْ‬
‫رجل من األنصار يأيت رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يسأل عطاء‪ ،‬فيتعرف رسول اهلل‬
‫‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬على مشكلته‪ ،‬وال يكتفي يف املساعدة بالنصيحة‪ ،‬وإمنا يسري معه‬
‫خطوةً خطوةً‪ ،‬ويتابعه يف طريق حلها حىت تنتهي أفضل هناية‪.‬‬

‫كان مبقدور رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أن يعطي الرجل ما يكفيه‪ ،‬أو يطلب من‬
‫أصحابه أن يعطوه‪ ،‬لكن رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬مل جيد يف ذلك حال ملشكلته‪،‬‬
‫بل عالجا مؤقتا ما يلبث معه أن يعود الرجل للسؤال‪ ،‬وملا كان الرجل قادرا على العمل‬
‫والكسب‪ ،‬فلم يكن له يف املسألة حاجة‪ ،‬إال أن جمرد النصيحة بالتوجه للعمل‪ ،‬واالستغناء‬
‫عن السؤال قد ال تؤيت أثرها يف نفس الرجل‪ ،‬ومن مث كان األليق حبالة الرجل حال عمليا‬
‫حمددا‪.‬‬

‫ألة‪ ،2/4 ،‬رقم احلديث ‪،1641‬‬ ‫ه املس‬ ‫ا جتوز في‬ ‫اب م‬ ‫اة‪ ،‬ب‬ ‫‪)(1‬س نن أيب داود‪ ،‬كت اب الزك‬
‫وضعفهالعالمةاأللبانيفيضعيفسننأبيداود‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫كانت البداية املناسبة قبل البدء يف خطوات العالج التعرف على حالة الرجل جيدا حىت‬
‫يوجهه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬للحل األنسب‪ ،‬فتعرف الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬
‫على حال ة الرج ل املادي ة‪ ،‬وم ا ميتلك ه من مت اع‪ ،‬وعلى ال رغم من أن املت اع قلي ل‪ ،‬إال أن‬
‫الرغب ة الصادقة من ه ‪-‬ص لى اهلل عليه وس لم‪ -‬يف مس اعدة الرجل كانت ُمعين ا يف الوص ول‬
‫للحل األنسب‪.‬‬

‫أحض ر الرج ل م ا ميتلك ه من مت اع يف بيت ه ‪-‬احللس والقعب‪ -‬وباش ر الرس ول ‪-‬ص لى اهلل‬
‫علي ه وس لم‪ -‬بنفس ه املزاد عليهم ا‪ ،‬حاثَّا الص حابةَ على رف ع الثمن‪ ،‬وملا اس تقر املزاد على‬
‫درمهني‪ ،‬أعطى الس ائل درمها؛ لينف ق من ه على أهل ه كح ل للمش كلة العاجل ة‪ ،‬وأم ره أن‬
‫يش رتي بال درهم اآلخ ر قَ دوما‪ ،‬وح دد ل ه املهم ة ‪-‬االحتط اب‪ -‬وح دد ل ه املدة الزمني ة‬
‫‪-‬مخس ة عش ر يوم ا‪ -‬وهي م دة مناس بة إلجناز املهم ة ولطبيع ة العم ل‪ ،‬وأم ره ب العودة بع د‬
‫انتهاء املدة؛ حىت يطمئن ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬على حسن أدائه للمهمة‪.‬‬

‫غ اب الرج ل املدة احملددة‪ ،‬مث أتى وق د اكتس ب من مهنت ه اجلدي دة عش رة دراهم‪ ،‬اش رتى‬
‫ببعض ها ثوب ا وببعض ها طعام ا‪ ،‬وهن ا متت مهم ة الرس ول ‪-‬علي ه الص الة والس الم‪ -‬بنج اح‬
‫بعدما ُحلت مشكلة الرجل حال حقيقيا‪.‬‬

‫متابع ة رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬هلذا الرج ل يف ح ل مش كلته‪ ،‬ك انت متابع ة‬
‫مستمرة‪ ،‬فقد استمرت متابعته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬للرجل يف مشكلته حىت النهاية‪،‬‬
‫وك انت من جه ة أخ رى متابع ةً ِ‬
‫مناس بةً ِ‬
‫حلال الرج ل‪َ ،‬ف َع ْج ُزه عن ح ل مش كلته وتوجه ه‬ ‫َ‬
‫مباشرة للسؤال بدا منه عجز الرجل عن إجياد خمرج‪ ،‬ومن مث مل يكن يكفي واحلال هكذا‬
‫جمرد النص ح والتوجي ه النظ ري‪ ،‬ب ل ك ان عالج املش كلة حيت اج إىل ح ل واض ح حمدد‬
‫اخلطوات يناسب عجز الرجل‪ ،‬وحيتاج إىل املشاركة العملية يف احلل واالستمرار مع الرجل‬
‫حىت االطمئنان على جناحه يف عمله اجلديد‪.‬‬

‫خاتمة الفصل‪":‬‬

‫‪167‬‬
‫إن املوض وعات ال يت حيت اج املريب إىل متابعته ا واألم ور ال يت حيت اج إىل أن يعت ين هبا متنوع ة‬
‫وعديدة‪ ،‬وختتلف يف أمهيتها ومدى احلاجة إليها‪.‬‬

‫كما أن لكل مدعو ظروفه االجتماعية والوظيفية واألسرية واحتياجاته النفسية والدعوية‬
‫اخلاصة‪ ،‬اليت ختتلف عن بقية إخوانه‪ ،‬ومن مث تؤثر هذه الظروف واالحتياجات يف حتديد‬
‫صورة التواصل وشكل املتابعة‪ ،‬ومراعاة ظروف املدعو يف األحوال العادية ختتلف عنها يف‬
‫الطارئة‪ ،‬فاألوىل قد يكفي فيها تواصل سريع‪ ،‬والثانية حتتاج إىل متابعة لصيقة‪.‬‬
‫ومن أخطر ما يصيب العمل الرتبوي من ضرر ما يصيبه جراء عدم مراعاة املريب ظروف‬
‫املرتبني واحتياجاهتم‪ ،‬فاحلال مع النشيط كما هو مع َمن أصابه الفتور‪ ،‬واملتابعة حال اهلدوء‬
‫واالستقرار‪ ،‬هي هي حال النوازل واألزمات‪ ،‬والتواصل مع اجلميع يسري برتابة‪ ،‬فال تنوع‬
‫تستدعيه ظروف املدعوين‪ ،‬وال تباين تتطلبه احتياجاهتم‪.‬‬
‫"وتعام ل املريب م ع مش كالت املدعوين ال ب د أن ي راعي فيه ا طبيع ة املش كلة‪ ،‬وحجمه ا‪،‬‬
‫ومدى تأثريها على نفسية املرتيب؛ ليأخذ كل ذلك يف اعتباراته عند حتديده شكل الدعم‬
‫واملس اعدة‪ ،‬وم ا ميكن تقدميه من ناحي ة‪ ،‬وم ا حيت اج إلي ه املرتيب ويقبل ه من إعان ة من ناحي ة‬
‫أخ رى‪ ،‬والوق وف على م ا جيب املب ادرة بعالج ه دون ت أخر‪ ،‬وم ا ميكن أن يس تكمله فيم ا‬
‫بعد"(‪.)1‬‬
‫ورسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬مثّ ل القدوة البالغة يف تقدير صورة املتابعة‪ ،‬واختيار‬
‫أنس بها‪ ،‬فلم تكن متابعت ه ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬خب َط عش ٍ‬
‫واء‪ ،‬ال تف ّرق بني موض وع‬
‫وآخ ر‪ ،‬وال بني ص حايب وآخ ر‪ ،‬ب ل ك انت متابعات ه تتن وع وختتل ف حس ب طبيع ة‬
‫املوضوعات املتابَعة حبسب أمهيتها‪ ،‬وحسب ظروف املرتبني وأحواهلم اخلاصة‪.‬‬

‫‪)(1‬عادل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.36-35‬‬

‫‪168‬‬
‫خاتمة‬
‫تشملنتائجالدراسةوالتوصيات‬

‫أهم نتائج الدراسة‪":‬‬


‫توصلت الدراسة إىل نتائجعدة هلا صلة بفصول الدراسة‪ ،‬وهي كاآليت‪:‬‬
‫‪ -‬بينت الدراس ة أمهي ة املتابع ة يف العم ل ال رتبوي‪ ،‬وأهنا وظيف ة أساس ية‪ ،‬دوهنا تفق د الرتبية‬
‫تأثريها‪.‬‬
‫وضحت الدراسة أن املتابعة عملية هادفة‪ ،‬هلا أهدافها وجماالهتا وقواعدها‪.‬‬
‫‪ّ -‬‬
‫‪ -‬أظه رت الدراس ة العناي ة البالغ ة لرس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬بتفق د أص حابه‪،‬‬
‫ورعايتهم‪ ،‬ومتابعتهم متابعة متميزة‪.‬‬
‫‪ -‬بينت الدراس ة أن متابع ة الن يب ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬ألص حابه وآل ه ك انت متابع ة‬
‫شاملة لكل ما حيتاج إليه اإلنسان لصالح أمور دينه ودنياه‪ ،‬فلم يكن يغفل يف متابعته عن‬
‫أمر من األمور املهمة اليت تؤثر على اكتمال البناء الرتبوي‪.‬‬
‫‪ -‬وضحت الدراسة أن املتابعة الرتبوية النبوية كانت هتدف إىل ثالثة أمور أساسية‪ :‬هدف‬
‫"بن ائي" يهتم بض مان حس ن س ري عملي ة البن اء ال رتبوي‪ ،‬فيش مل ض من م ا يش مل التث بيت‬
‫اإلمياين واألخالقي والدعم النفسي‪ .‬وهدف "وقائي" يهتم بوضع احلواجز ملنع أي خلل أو‬
‫قص ور حيدث ىف أثن اء عملي ة البن اء‪ ،‬في دخل في ه الوقاي ة من مس ببات الفنت‪ .‬وه دف‬
‫"عالجي" يهتم بإص الح م ا يتس لل العطب إلي ه يف الكي ان اإلنس اين‪ ،‬عن طري ق العالج من‬
‫صور العجز والضعف‪ ،‬وآثار اهلموم واملشاكل‪.‬‬
‫‪ -‬كشفت الدراسة عن أهم الطرق النبوية يف املتابعة الرتبوية اليت تأيت على رأسها املتابعة‬
‫بتوجيه السؤال ألصحابه؛ لتبني مدى فهمهم‪ ،‬وحتفيزهم على االنتباه‪ ،‬وسؤاله عنهم لتفقد‬
‫أح واهلم والس ؤال عمن غ اب منهم‪ ،‬فض ال عن املتابع ة باملالحظ ة‪ ،‬حيث ك ان ‪-‬ص لى اهلل‬
‫علي ه وس لم‪ -‬يالح ظ أفع ال ص حابته ‪-‬رض ي اهلل عنهم‪ -‬وينتب ه ملا ي دور من حول ه بعني‬
‫بص رية‪ ،‬ليص حح اخلط أ‪ ،‬ويق رأ م ا يف نف وس أص حابه‪ ،‬ويستش ف احلرية يف العي ون‪ ،‬فيب ادر‬
‫للبيان والتوضيح‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫‪ -‬بينت الدراس ة أن املتابع ة الرتبوي ة عملي ة مس تمرة ال يتص ور فيه ا أن تك ون ع ابرة‪ ،‬فال‬
‫يقبل غفلة املرتيب عمن يربيهم يف أي مرحلة من مراحل الرتبية‪.‬‬
‫‪ -‬اختلفت درجة اهتمام وطريقة متابعته ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬من موضوع آلخر‪ ،‬ومن‬
‫صحايب آلخر حبسب طبيعة املوضوع‪ ،‬وحسب ظروف كل صحايب واحتياجه‪ ،‬فاملتابعة‬
‫وقت األزمات واحملن ال يصح أن تكون كما هي يف األوقات العادية‪.‬‬

‫التوصيات‪:‬‬
‫بناء على ما توصلت إليه الدراسة من نتائج‪ ،‬يوصي الباحث بالتوصيات اآلتية‪:‬‬
‫‪ -‬ينبغي على كل َمن يعمل حبقل الرتبية أن يهتم اهتماما بالغا باملتابعة الرتبوية؛ ألن الغفلة‬
‫عنها تؤدي إىل ضياع كثري من اجلهود الرتبوية املبذولة‪.‬‬
‫‪ -‬جيب وض وح أه داف عملي ة املتابع ة يف ذهن املربني؛ ح ىت يتمكن وا من قي اس م دى‬
‫جناحهم يف عملهم الرتبوي‪ ،‬وحتديد طريقة املتابعة املناسبة‪.‬‬
‫‪ -‬حيتاج املربون والدعاة إىل استمرار املتابعة يف كل مراحل عملية الرتبية ويف كل أنواع‬
‫الرتبي ة‪ ،‬بال اس تثناء؛ ألهنا تض من س المة الس ري‪ ،‬وتكش ف للم ريب عن م دى تطوراملرتيب‬
‫ومنوه‪.‬‬
‫‪ -‬ال جيب أن تق ف املتابع ة الرتبوي ة عن د ح دود املتابع ة الدعوي ة للم رتبني‪ ،‬ب ل ال ب د أن‬
‫تتج اوز ذل ك إىل مجي ع اجملاالت املهم ة يف النفس البش رية‪ ،‬ومن مث فحض ور املريب ال ب د أن‬
‫يكون قويا ومؤثرا يف دائرة اهتماماهتم احلياتية‪ ،‬كما هو قوي ومؤثر يف الدائرة الدعوية‪.‬‬
‫‪ -‬من الضروري حىت ال تأيت الرتبية بنتائج منقوصة التفات املربني والدعاة إىل أمهية ازدياد‬
‫احلض ور واملتابع ة وقت األزم ات‪ ،‬ملزي د حاج ة األف راد إىل العناي ة واملس اعدة يف تل ك‬
‫األوقات‪.‬‬
‫مرب ‪-‬أيا ما كان موضعه؛ أبا أو معلما أو داعية‪ -‬إىل أن يستفيد من طرق‬ ‫‪ -‬حيتاج كل ٍّ‬
‫مرتب على ِح دة‪،‬‬
‫املتابعة الرتبوية يف سرية النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وختري أنسبها لكل ٍّ‬
‫حس ب اعتب ارات خاص ة يق درها املريب‪ ،‬وتتعل ق ب املرتبني‪ ،‬خاص ة االحتياج ات النفس ية‬
‫واالجتماعي ة‪ ،‬فمراع اة ظ روف املرتيب يف األح وال العادي ة ختتل ف عنه ا يف الطارئ ة‪ ،‬فمن‬

‫‪170‬‬
‫أخطر ما يُصيب العمل الرتبوي من ضرر ما يصيبه جراء ثبات املريب أو املعلم على وسيلة‬
‫واحدة للمتابعة واالتصال مع اجلميع ويف كل الظروف‪.‬‬
‫‪ -‬من املهم ج دا يقظ ة املريب الدائم ة إىل أح وال املرتبني‪ ،‬ومالحظ ة أي تغ ري ق د يط رأ على‬
‫أحواهلم وأدائهم‪ ،‬فمن الضروري املسارعة إىل حل املشكالت وتداركها قبل أن تتضخم‪،‬‬
‫وتصعب السيطرة على نتائجها‪.‬‬
‫‪-‬كل يف جماله ومؤسسته‪ -‬إىل وضع معايري‬ ‫‪ -‬حيتاج العاملون حبقل التعليم والدعوة والرتبية ٌ‬
‫واضحة تفصيلية تساعد يف ضبط وحتديد كل اجلوانب اهلامة اليت حتتاج ملتابعة تربوية‪.‬‬
‫‪-‬‬
‫التطورالكبريفيالعلوموتسارعاملعرفةبسببالتكنولوجيااحلديثةواالنفتاحاملعرفييستدعيمناملربياالهت‬
‫مامبالتطويرالذاتيواالرتقاءاملستمرحتىيتمكنمنمالحقةتلكالتطورات‪،‬ويتمكنمنمتابعةاملرتبني‪،‬خ‬
‫اصةفياهتماماهتمواحتياجاهتمالتيتتغريبسرعةومعدألكرببكثريممالدىاألجيااللسابقة‪.‬‬
‫‪ -‬وأخريا‪ ..‬أوصي مجيع العاملني حبقل الدعوة والرتبية بتعلم أصول وقواعد املتابعة الرتبوية‬
‫من الس رية النبوي ة‪ ،‬وحس ن اس تيعاهبا ألمهيته ا البالغ ة؛ إلمتام عملهم ال رتبوي على الوج ه‬
‫األكم ل‪ ،‬وعلى ك ل َمن أراد أن يتعلم مه ارة املتابع ة الرتبوي ة وأص وهلا وي رغب يف الف وز‬
‫بق دوة يقت دي هبا يف ه ذا اجملال‪ ،‬فلن جيد مث ل م ا جيد يف س ريته املطه رة‪ ،‬ص لوات ريب‬
‫وسالمه عليه دائما إىل يوم الدين‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫المصادروالمراجع‬

‫‪172‬‬
‫(‪ )1‬المراجعالعربية‪".‬‬
‫ة‪2008-‬‬ ‫يالزهري‪ 1429.‬هجري‬ ‫راهيم‪،‬ناصرراض‬ ‫‪ -‬إب‬
‫م‪.‬بالغةالرسولصلىاللهعليةوسلمفىتقوميأخطاءالناسوإصالحاجملتمع‪.‬القاهرة ‪ :‬دارالبصائر‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ -‬األلب اين‪ ،‬حمم د ناص ر ال دين‪1412 .‬هـ‪1992- ،‬م‪ .‬أحك ام اجلن ائز وب دعها‪ ،‬الري اض‪ :‬مكتب ة‬
‫املعارف‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ -‬األلباين‪ ،‬حمم د ناص ر الدين‪1415 .‬هـ‪1995 -‬م‪ .‬سلس لة األحاديث الصحيحة‪ .‬الرياض‪ :‬مكتبة‬
‫املعارف‪.‬‬
‫‪ -‬األلباين‪ ،‬حممد ناصر الدين‪1419 .‬هـ‪1998 -‬م ‪ .‬صحيح سنن النسائي‪ .‬الرياض‪ :‬مكتبة املعارف‪،‬‬
‫ط‪.1‬‬
‫‪ -‬إهلي‪ ،‬فض ل‪ ،‬الن يب الك رمي ‪-‬ص لى اهلل علي ه وس لم‪ -‬معلم ا‪1424 .‬هـ ‪2003 -‬م‪ .‬باكس تان‪:‬‬
‫إدارةترمجاناإلسالم ‪ ،‬ط‪. 1‬‬
‫‪ -‬البخاري‪ ،‬حممد بن إمساعيل‪1406 .‬هـ‪1986-‬م‪ .‬األدب املفرد‪ .‬بريوت‪ :‬مؤسسة الكتب الثقافية‪،‬‬
‫ط‪.1‬‬
‫‪ -‬بدر الدين‪ ،‬أميمة‪1431 .‬هـ‪2010 -‬م‪ .‬ﺍﻟﺘﻜﺭﺍﺭﻲﻓﺍﺤﻟﺩﻴﺙﺍﻟﻨﺒﻭﻱالشريف‪ ،‬جملة جامعةدمشق‪ .‬ﺍﺠﻤﻟﻠﺩ‬
‫‪ ،26‬ﺍﻟﻌﺩﺩﺍﻷﻭل وﺍﻟﺜﺎﻲﻨ‪.‬‬
‫‪ -‬البيهقي‪ ،‬أيب بكر أمحد بن احلسني بن علي‪1347 .‬هـ‪ .‬السنن الكربى‪ .‬بريوت‪ :‬دار املعرفة‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ -‬ال بيهقي‪ ،‬أيب بك ر أمحد بن احلس ني‪1410 .‬هـ‪1990 -‬م‪ .‬ش عب اإلميان‪ .‬حتقي ق أيب ه اجر حمم د‬
‫السعيد بن بسيوين زغلول‪ .‬بريوت ‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪. 1‬‬
‫‪ -‬الرتم ذى‪ ،‬حمم د بن عيس ى بن س ورة‪].‬د‪.‬ت[س نن الرتم ذي‪ ،‬حكم على أحاديث ه العالم ة األلب اين‪،‬‬
‫الرياض‪ :‬مكتبة املعارف‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ -‬اجلوهري‪ ،‬إمساعيل بن محاد‪ ،‬الصحاح‪1404 .‬هـ‪1979 -‬م ‪ .‬مصر دار العلم للماليني‪ ،‬ط‪. 3‬‬
‫‪ -‬ابن حجر‪ ،‬شهاب الدين أمحد بن علي بن حممد‪1412 .‬هـ‪1992-‬م‪ .‬فتح الباري بشرح صحيح‬
‫البخاري‪،‬القاهرة‪ :‬دار الغد العريب‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ -‬ابن حنب ل‪ ،‬أيب عبداهلل أمحد بن حمم د‪1412 .‬هـ‪1991-‬م‪ .‬املس ند‪.‬ب ريوت‪ :‬دار إحي اء ال رتاث‬
‫العريب‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ -‬خالد‪ ،‬حمم د خال د‪1407 .‬هـ ‪1987‬م ‪ .‬رج ال ح ول الرسول ص لى اهلل عليه وس لم‪ .‬دار ث ابت‪،‬‬
‫مجادى الثاىن‪ ،‬ط‪.3‬‬

‫‪173‬‬
‫‪ -‬دندش‪ ،‬فايز مراد ‪1425 .‬هـ‪2004 -‬م‪ .‬يف أصول الرتبية‪ .‬مصر‪ :‬دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر‪،‬‬
‫ط‪.1‬‬
‫‪ -‬الدويش‪ ،‬حممد عبد اهلل‪1423 .‬هـ‪ 2002-‬م‪ .‬تربية الشباب‪ -‬األهداف والوسائل‪ ،‬الرياض‪ :‬مدار‬
‫الوطن للنشر‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ -‬أب و داود‪ ،‬س ليمان بن األش عث السجس تاين‪1423 .‬هـ‪2002 -‬م‪.‬س نن أيب داود‪ .‬الق اهرة‪ :‬مكتبة‬
‫أوالد الشيخ للرتاث‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ -‬الزبي دي‪ ،‬أيب العب اس أمحد‪1415 .‬هـ‪1994-‬م‪ .‬التجري د الص ريح ألح اديث اجلامع الص حيح‬
‫"خمتصر صحيح البخاري"‪ ،‬حتقيق عماد عامر‪ .‬القاهرة‪ :‬دار احلديث‪ ،‬ط‪. 1‬‬
‫‪ -‬ابن زكري ا‪ ,‬أب و احلس ني أمحد بن ف ارس‪1366 .‬هـ‪1947-‬م‪ .‬معجم مق اييس اللغ ة‪ ،‬مص ر‪ :‬دار‬
‫إحياء الكتب العربية‪ ،‬ط‪.4‬‬
‫‪ -‬ابنسعد‪،‬أبيعبداللهمحمدبنسعدبنمنيع‪1405 .‬هـ‪1985 -‬م ‪ .‬الطبقاتالكربى‪،‬بريوت‪ :‬داربريوت‪ ،‬ط‬
‫‪.1‬‬
‫‪ -‬السندي‪ ،‬أيب احلسن نور الدين حممد بن عبد اهلادي‪] ،‬د‪.‬ت[ ‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬راجعه إمساعيل‬
‫عبد اجلواد‪ .‬القاهرة‪ :‬املكتبة التوفيقية‪.‬‬
‫‪ -‬الس يوطي‪ ،‬جالل الدين عبد الرمحن بن أيب بكر‪1401 .‬هـ‪ .1981 -‬اجلامع الصغري يف أحاديث‬
‫البشري النذير‪ ،‬بريوت‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ -‬السعدي‪ ،‬عبد الرمحن بن ناصر‪1425 .‬هـ‪2004 -‬م‪ .‬تفسري الكرمي الرمحن‪ .‬القاهرة‪ :‬مكتبة الصفا‬
‫‪ ،‬ط‪. 1‬‬
‫‪ -‬الشحود‪ ،‬على بن نايف‪1430 .‬هـ ‪2009 -‬م‪ .‬منهاج الرسول صلى اهلل عليه وسلم يف تصحيح‬
‫األخطاء‪ .‬هبانج‪ :‬دار املعمور ‪ ،‬ط‪. 1‬‬
‫‪ -‬الش طي‪ ،‬د‪ .‬حمم د يوس ف‪ ،‬املنهج النب وي يف تق ومي األخط اء‪ ،‬ط‪( 1‬الك ويت‪ :‬املكتب ة العامري ة‪،‬‬
‫‪1430‬ه‪2009-‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬الصوياين‪ ،‬حممد‪1430 .‬هـ‪2009-‬م ‪ .‬السرية النبوية كما جاءت يف األحاديث الصحيحة قراءة‬
‫جديدة ‪ .‬الرياض‪ :‬العبيكان‪ ،‬ط‪. 3‬‬
‫‪ -‬الط رباين‪ ،‬سليمانبنأمحدبنأيوبأبوالقامسالطرباين‪1405 .‬هـ ‪1985 -‬م ‪ .‬املعجماألوس ط‪.‬حتقي ق د‬
‫حممود الطحان‪ .‬مكتبةاملعارف للنشر والتوزيع – الرياض‪ ،‬ط‪. 1‬‬
‫‪ -‬الط رباين‪ ،‬سليمانبنأمحدبنأيوبأبوالقامسالطرباين‪1985 .‬م‪ .‬املعجم الكب ري ‪ .‬حتقي ق محدي عب د اجملي د‬
‫السلفي‪] ،‬د‪.‬م[]د‪.‬ن[‪ ،‬ط‪. 2‬‬

‫‪174‬‬
‫‪ -‬الط ربي‪ ،‬أيب جعف ر حمم د بن جري ر‪1405 .‬هـ‪1984-‬م)‪ .‬ج امع البي ان عن تأوي ل آي الق رآن‪.‬‬
‫بريوت‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ط‪. 1‬‬
‫ن‪1415 .‬هـ‪-‬‬ ‫اكر‪،‬أبيالقامسعليبناحلس‬ ‫‪ -‬ابنعس‬
‫‪1995‬م‪.‬تارخيمدينةدمشق‪،‬حتقيقمحبالدينأبيسعيدعمربنغرامةالعمروي‪.‬بريوت‪:‬دارالفكر‪.‬‬
‫‪ -‬عادل‪ ،‬حممد‪ ،‬منهاج املريب‪2010 .‬م‪ .‬القاهرة‪ :‬دار الصفوة‪ ،‬ط‪. 1‬‬
‫‪ -‬عفيفي‪ ،‬طلعت حممد‪ 1428 ، .‬هجرية ‪ 2007 -‬م ‪ .‬صفحات مشرقات من حياة الصحابيات‪.‬‬
‫القاهرة‪ :‬دار السالم‪ ،‬ط‪. 2‬‬
‫‪ -‬علوان‪ ،‬عبد اهلل ناصح‪1406 .‬هـ‪1985-‬م‪ .‬تربية األوالد يف اإلسالم‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار السالم‪ ،‬ط‪.9‬‬
‫‪ -‬العليوي‪ ،‬يوسف‪1431 .‬هـ‪2010 -‬م ‪ .‬عناية النيب صلى اهلل عليه وسلم مبعرفة أحوال املدعوين‪،‬‬
‫جملة البيان‪ ،‬السنة الثامنة والعشرين‪ ،‬العدد‪.280 :‬‬
‫‪ -‬الغزايل‪ ،‬حممد‪1385 .‬هـ‪1965 -‬م‪ .‬فقه السرية‪ .‬القاهرة‪ :‬دار الكتب احلديثة‪ ،‬ط‪. 6‬‬
‫‪ -‬فريد‪ ،‬أمحد‪ 1432 .‬هـ‪2011 -‬م‪ .‬الرتبية على منهج أهل السنة‪ .‬مصر‪ :‬دار ابن اجلوزي‪،‬ط‪. 1‬‬
‫‪ -‬القرعاوي‪ ،‬حممد بن عبد العزيز السليمان‪1417 .‬هـ‪1997 -‬م‪ .‬اجلديد يف شرح كتاب التوحيد‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬حممد بن أمحد سيد أمحد‪ ،‬جدة‪ :‬مكتبة السوادي‪ ،‬ط‪. 2‬‬
‫‪ -‬قطب‪ ،‬حممد‪1414 .‬هـ‪1993-‬م‪ .‬منهج الرتبية‪ .‬القاهرة‪ :‬دار الشروق‪ ،‬ط‪. 14‬‬
‫‪ -‬ابن قيم اجلوزية‪ ،‬مشس الدين أيب عبد اهلل حممد‪1419 .‬هـ‪1998-‬م ‪ .‬مفتاح دار السعادة‪،‬دمشق‪:‬‬
‫دار البيان‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ -‬ابن كثري‪ ،‬إمساعيل بن عمر بن كثري القرشي الدمشقي‪1426.‬هـ ‪2005‬م ‪ .‬تفسري القرآن العظيم‪.‬‬
‫حتقي ق د‪ .‬الس يد حمم د الس يد‪ -‬د‪ .‬وجي ه حمم د أمحد‪ -‬مص طفى فتحي عب د احلكيم‪ -‬س يد إب راهيم‬
‫صادق‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار احلديث‪.‬‬
‫‪ -‬ابن ماج ه‪ ،‬أيب عبداهلل حمم د بن يزي د الق زوين‪1429.‬هـ‪2008 -‬م ‪.‬س نن ابن ماج ه‪ ،‬حكم على‬
‫أحاديثه العالمة األلباين‪ .‬الرياض‪ :‬مكتبة املعارف‪ ،‬ط‪.2‬‬
‫‪ -‬ابن منظور‪ ،‬ايب الفضل مجال الدين حممد بن مكرم‪1410 .‬هـ‪1990-‬م ‪ .‬لسان العرب‪ ،‬بريوت‪:‬‬
‫دار صادر‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ -‬املن ذري‪ ،‬زكي ال دين عب د العظيم بن عب د الق وي‪1432 .‬هـ‪2011 -‬م ‪ .‬ال رتغيب وال رتهيب‪.‬‬
‫حتقيق علي عبد املقصود رضوان‪ .‬القاهرة‪ :‬مكتبة اخلاجني‪ ،‬ط‪. 1‬‬
‫‪ -‬املباركفوري‪ ،‬حممد عبد الرمحن بنعبد الرحيم‪1415 .‬هـ‪1995 -‬م‪ .‬حتفة األحوذي يف شرح سنن‬
‫الرتمذي‪ .‬ضبط وتوثيق صدقي حممد مجيل العطار‪ .‬بريوت‪ :‬دار الفكر‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫‪ -‬جممع اللغة العربية‪ ,‬املعجم الوسيط‪1380 .‬هـ‪1960-‬م‪ .‬مصر ‪ :‬مطبعة مصر‪.‬‬
‫‪ -‬مرسي‪ ،‬حممد منري‪1417 .‬هـ‪1997 -‬م‪ .‬أصول الرتبية‪ .‬القاهرة‪ :‬عامل الكتب‪ ،‬ط‪. 1‬‬
‫‪ -‬مسلم‪ ،‬أيب احلسني مسلم بن احلجاج القشريي النيسابوري‪1374 .‬هـ‪1954 -‬م‪ .‬صحيح مسلم‪.‬‬
‫صححه وعلق عليه حممد فؤاد عبد الباقي ‪ .‬القاهرة‪ :‬دار إحياء الكتب العربية‪.‬‬
‫‪ -‬جنايت‪ ،‬حممد عثمان‪1427 .‬هـ‪2006 -‬م‪ .‬احلديث النبوي وعلم النفس‪ .‬القاهرة‪ :‬دار الشروق‪،‬ط‬
‫‪.6‬‬
‫‪ -‬الن دوي‪ ،‬أب و احلس ن علي احلس ين‪1410 .‬هـ‪1990-‬م ‪ .‬م اذا خس ر الع امل باحنط اط املس لمني‪.‬‬
‫القاهرة‪ :‬دار السنة‪.‬‬
‫‪ -‬النس ائي‪ ،‬أيب عب د ال رمحن امحد بن ش عيب بن علي ‪1429 .‬هـ‪2008 -‬م ‪ .‬س نن النس ائي‪ .‬عل ق‬
‫عليه العالمة األلباين‪ .‬الرياض‪ :‬مكتبة املعارف‪ ،‬ط‪. 2‬‬
‫‪ -‬أب و نعيم األص بهاين‪ ،‬أمحد بن عبداهلل‪] .‬د‪.‬ت[‪ .‬حلي ة األولي اء وطبق ات األص فياء‪ .‬ب ريوت‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪ -‬النووي‪ ،‬أيب زكريا حييي بن شرف‪1431 .‬هـ‪2010-‬م ‪ .‬شرح صحيح مسلم‪ ،‬حتقيق هاين احلاج‬
‫وعماد زكي البارودي‪ .‬القاهرة‪ :‬املكتبة التوفيقية‪.‬‬
‫‪ -‬ابن هشام‪ ،‬أيب حممد عبد امللك‪1418 .‬هـ‪1998 -‬م ‪ .‬السرية النبوية‪ ،‬حتقيق‪ :‬طه عبد الرءوف‬
‫سعد‪ .‬بريوت‪ :‬دار اجليل‪ ،‬ط‪.3‬‬
‫ليماناهليثمي ‪1406 .‬هـ‪1986،‬م‪.‬‬ ‫‪ -‬اهليثمي‪ ،‬أبواحلسننورالدينعليبنأبيبكربنس‬
‫جممعالزوائدومنبعالفوائد‪.‬بتحرير احلافظني اجلليلني العراقي وابن حجر‪ .‬بريوت‪ :‬مؤسسة املعارف‪.‬‬

‫(‪ )2‬مراجع إلكترونية موثقة أو برمجيات‪.‬‬


‫أبورموز‪،‬سيماراتبعدنان‪،‬تربيةالطفلفياإلسالم‪ -‬كتابإلكرتوين‪.‬‬
‫أبوالعزم‪،‬عبدالغين‪،‬معجمالغين‪،‬كتابإلكرتوين‪،‬موقعمعامجصخر‪.‬‬
‫‪،‬الكلباين‪،‬عادل‪،‬مغيثوبريرة‪ ..‬قصةحبمنالزمنالنبوي‪،‬جريدةالرياضاإللكرتونية‬
‫‪www.gulfkids.com/pdf/Tarbeat_altefel.pdf‬‬
‫‪lexicons.sakhr.com‬‬
‫‪http://www.alriyadh.com/2011/02/17/article605457.html‬‬

‫‪176‬‬
‫الفهارس‬

‫‪177‬‬
‫فهرس اآليات‬
‫سبِياِل للَّ ِهأ َ ْم َواتًا‪50...................‬‬
‫سبَنَّالَّ ِذينَقُتِلُوافِي َ‬
‫َواَل ت َْح َ‬ ‫ب‪19............................‬‬
‫ص ٌ‬ ‫د ُُحو ًرا َولَ ُه ْم َع َذ ٌ‬
‫اب َوا ِ‬

‫شةً‪53............................‬‬
‫َواَل تَ ْق َربُواال ِّزنَاإِنَّ ُهكَانَفَا ِح َ‬ ‫سأ َ ْنيُ ْت َر ُكوا‪34..............................‬‬ ‫الم * أَ َح ِ‬
‫سبَالنَّا ُ‬

‫س َع ِة‪38.........................‬‬ ‫َواَل يَأْتَأِل ُولُوا ْلفَ ْ‬


‫ضلِ ِم ْن ُك ْم َوال َّ‬ ‫إِنَّا ُكنَّالَ ُك ْمتَبَ ًعا ‪20............................................‬‬

‫َواَل يَ ْغتَ ْببَ ْع ُ‬


‫ض ُك ْمبَ ْع ً‬
‫ضا ‪43....................................‬‬ ‫فَ َذ ِّك ْرإِنَّ َماأَ ْنتَ ُم َذ ِّك ٌر‪151.....................................‬‬

‫َو َماآتَ ْيتُ ْم ِم ْن ِربًالِيَ ْربُ َوفِيأ َ ْم َوااِل لنَّا ِ‬


‫س‪21......................‬‬ ‫اج ْئنَا ِم ْن ُكأِّل ُ َّم ٍةبِ َ‬
‫ش ِهي ٍد ‪31.............................‬‬ ‫فَ َك ْيفَإِ َذ ِ‬

‫اخلَ ْقتُا ْل ِجنَّ َواإْل ِ ْن َ‬


‫سإِاَّل لِيَ ْعبُدُو ِن‪114 ,104...............‬‬ ‫َو َم َ‬ ‫س َذائِقَةُا ْل َم ْو ِ‬
‫ت ‪114....................................‬‬ ‫ُكلُّنَ ْف ٍ‬

‫سولُ ُهأ َ ْم ًرا‪38........‬‬ ‫َو َماكَانَلِ ُمؤْ ِمنٍ َواَل ُمؤْ ِمنَ ٍةإِ َذاقَ َ‬
‫ضىاللَّ ُه َو َر ُ‬ ‫سولٌ ِم ْنأ َ ْنفُ ِ‬
‫س ُك ْم‪80..............................‬‬ ‫لَقَد َْجا َء ُك ْم َر ُ‬

‫س ُكنُواإِلَ ْي َها‪125.....‬‬ ‫س ُك ْمأ َ ْز َو ً‬


‫اجالِتَ ْ‬ ‫َو ِم ْنآيَاتِ ِهأ َ ْن َخلَقَلَ ُك ْم ِم ْنأ َ ْنفُ ِ‬ ‫سنَةٌ‪6........................‬‬ ‫سواِل للَّ ِهأ ُ ْ‬
‫س َوةٌ َح َ‬ ‫لَقَ ْدكَانَلَ ُك ْمفِ َ‬
‫ير ُ‬

‫ص َدقَا ِ‬
‫ت ‪22 ,21...................................‬‬ ‫َويُ ْربِيال َّ‬ ‫سوإِل ِ اَّل ا ْلبَاَل ُ‬
‫غ‪151................................‬‬ ‫َما َعلَىال َّر ُ‬

‫يَاأَيُّ َهاالَّ ِذينَآ َمنُ ْ‬


‫واار َك ُعوا َوا ْ‬
‫س ُجدُوا‪104.....................‬‬ ‫ستَ ْع َم َر ُك ْمفِي َها‪114..................‬‬ ‫ه َُوأَ ْنشَأ َ ُك ْم ِمنَاأْل َ ْر ِ‬
‫ض َوا ْ‬

‫ول‪112...............‬‬
‫س ِ‬ ‫يَاأَيُّ َهاالَّ ِذينَآ َمنُواا ْ‬
‫ستَ ِجيبُوالِلَّ ِه َولِل َّر ُ‬ ‫صاَل ِة‪61.............................‬‬ ‫ستَ ِعينُوابِال َّ‬
‫ص ْب ِر َوال َّ‬ ‫َوا ْ‬

‫يَاأَيُّ َهاالَّ ِذينَآ َمنُوااَل ت َْرفَ ُعواأَ ْ‬


‫ص َواتَ ُك ْم‪85 ,84 ,83..........‬‬ ‫َوالَّ ِذينَإِ َذاأَ ْنفَقُوالَ ْميُ ْ‬
‫س ِرفُوا َولَ ْميَ ْقتُ ُروا‪115..................‬‬

‫سا َع ِة ‪101.................................‬‬ ‫سأَلُكَالنَّا ُ‬


‫س َعنِال َّ‬ ‫يَ ْ‬ ‫ىخلُقٍ َع ِظ ٍ‬
‫يم ‪39.......................................‬‬ ‫َوإِنَّ َكلَ َعلَ ُ‬

‫سا ِرعُواإِلَى َم ْغفِ َر ٍة ِم ْن َربِّ ُك ْم‪39..............................‬‬


‫َو َ‬

‫سانُأ َ ْكثَ َرش َْي ٍء َج َداًل ‪144 ,32.....................‬‬


‫َوكَانَاإْل ِ ْن َ‬

‫فهرس األحاديث‬

‫‪178‬‬
‫قوميفأوتريياعائشة ‪32.........................................‬‬ ‫اللهمإنيأعوذبكمناهلمواحلزن‪113..............................‬‬

‫كاتبياسلمان ‪136............................................‬‬ ‫اللهمإنيأعوذبكمنغلبةالدين ‪68.................................‬‬

‫كانالرجلفيمنقبلكميحفرهلفياألرض‪36..........................‬‬ ‫املؤمنالقوخيريوأحبإلىاللهمناملؤمنالضعيف‪62......................‬‬

‫كانالفضلرديفرسوالهلل ‪-‬صلىاللهعليهوسلم‪ -‬فجاءتامرأةمنخثعم ‪55‬‬ ‫إنفيكلخصلتينيحبهمااهلل ‪41....................................‬‬

‫كانرسوالهلل ‪-‬صلىاللهعليهوسلم‪ -‬يأتيضعفاءاملسلمني‪81.........‬‬ ‫إناواللهقدصحبنارسواَل هلل ‪-‬صلىاللهعليهوسلم‪-‬‬


‫ْ‬
‫فيالسفرواحلضروكانيعودمرضانا‪116.......................‬‬
‫كانرسوالهلل ‪-‬صلىاللهعليهوسلم‪ -‬يتعهداألنصار‪131............‬‬
‫أنتمعمنأحببت ‪101 ,100..................................‬‬
‫كانرسوالهلل ‪-‬صلىاللهعليهوسلم‪ -‬يتعهداألنصار‪،‬ويعودهم‪17.....‬‬
‫أنيأصومأسردوأصليالليل ‪107..................................‬‬
‫كانقتالبينبنيعمرو‪،‬فبلغذلكالنيب ‪-‬صلىاللهعليهوسلم‪ -‬فصلىالظهر‪....‬‬
‫‪130‬‬ ‫أيالعمألفضل؟فقاإلميانباللهورسوله‪26...........................‬‬

‫كمأصدقت؟ ‪137...........................................‬‬ ‫بعثرسوالهلل ‪-‬صلىاللهعليهوسلم‪ -‬بعثا‪،‬وأمرعليهمأسامةبنزيد‪48. . .‬‬

‫لئنكنتكماقلتفكأمناتسفهماملل‪129 ,128.....................‬‬ ‫تصدقواعليه ‪133............................................‬‬

‫اليتصدقأحدبتمرةمنكسبطيب ‪23..............................‬‬ ‫تقوىاللهوحسناخللق‪39........................................‬‬

‫ألنيأخذأحدكمأحبلهفيأتياجلبلفيجئبحزمة‪132..................‬‬ ‫خرجتمعرسوالهلل ‪-‬صلىاللهعليهوسلم‪ -‬فيغزوةذاتالرقاع‪134.....‬‬

‫لقداهتزعرشالرمحنلموتسعدبنمعاذ‪51...........................‬‬ ‫زوجنيابنتك ‪158............................................‬‬

‫لقدمزجتبكلمةلومزجتبهاماءالبحرملزج‪43.......................‬‬ ‫مسعالنيب ‪-‬صلىاللهعليهوسلم‪-‬‬

‫لنينجيأحدامنكمعمله‪117....................................‬‬ ‫رجلينمنأصحاهبيقوألحدمهالصاحبهانظرإلىهذا‪111...........‬‬
‫ً‬

‫لوملأمسعهمنرسوالهلل ‪-‬صلىاللهعليهوسلم‪ -‬إالسبعمرات‪148......‬‬ ‫صرباآلياسرفإمنوعدكماجلنة‪63.................................‬‬

‫ماأردتأنتعطيه؟ ‪44............................................‬‬ ‫غزامعرسوالهلل ‪-‬صلىاللهعليهوسلم‪ -‬قبلنجد‪27..................‬‬

‫مافعلشرادمجلك؟ ‪57..........................................‬‬ ‫فالتدعأنتقولفيكلصالةربأعنيعلىذكرك‪34.......................‬‬

‫مافعلكعببنمالك؟ ‪85.........................................‬‬ ‫فماليأرىجسمكناحال ‪79......................................‬‬

‫ماهذاالغالم؟ ‪118............................................‬‬ ‫فهالآذنتموين ‪86.............................................‬‬

‫مرعلىصربةطعامفأدخليدهفيها‪45..............................‬‬ ‫فواللهللدنياأهونعلىاللهمنهذاعليكم‪73..........................‬‬

‫منأصبحاليوممنكمصائما؟ ‪104.................................‬‬ ‫مقاما‪،‬ماتركشيئًا‪59........‬‬


‫قامفينارسوالهلل ‪-‬صلىاللهعليهوسلم‪ً -‬‬

‫نعمالرجلعبداللهلوكانيصليمنالليل‪33...........................‬‬ ‫قدعلمتلمنظربعضكمإلىبعض ‪90................................‬‬

‫‪179‬‬
‫يامعاذ‪،‬واللهإنيألحبك ‪34.....................................‬‬ ‫واليأنفأنيمشيمعاألرملة ‪81....................................‬‬

‫ياناركونىربداوسالماعلىعمار ‪36................................‬‬ ‫ياأباأمامة ! ماليأراكجالسافياملسجدفيغريوقتالصالة؟!‪65..........‬‬

‫ياعبداهلل‪،‬التكنمثلفالن‪،‬كانيقومالليلفرتكقيامالليل‪33.............‬‬

‫فهرس األعالم‬

‫‪180‬‬
‫سلمانالفارسي‪136 ,68....................................‬‬ ‫النووي ‪109 ,85 ,31.....................................‬‬

‫سليمانبنصرد ‪66.............................................‬‬ ‫أمسلمة ‪60..................................................‬‬

‫سهلبنحنيف ‪81..............................................‬‬ ‫أنسبنمالك‪,114 ,113 ,101 ,100 ,83 ,62 ,44...‬‬


‫‪119‬‬
‫سهلبنسعدالساعدي‪130 ,126 ,76.......................‬‬
‫ثابتبنقيسبنالشماس ‪159 ,85 ,84 ,83.....................‬‬
‫صفوانبناملعطل ‪38............................................‬‬
‫جابربنعبداهلل‪135 ,134 ,88 ,27........................‬‬
‫صفيةأماملؤمنني ‪43............................................‬‬
‫جرير ‪66....................................................‬‬
‫عائشةأماملؤمنني‪116 ,43 ,42 ,32.......................‬‬
‫جعفربنأبيطالب ‪37...........................................‬‬
‫عبدالرمحنالسعدي ‪43.........................................‬‬
‫جليبيب‪159 ,158 ,124 ,123 ,83 ,82............‬‬
‫عبدالرمحن‪ ‬بنعوف ‪131.......................................‬‬
‫جويريةأمالمؤمنين ‪91........................................‬‬
‫عبداللهبنأبيحدرد ‪137.......................................‬‬
‫حذيفة‪ ‬بناليمان ‪59...........................................‬‬
‫عبداللهبنحرام ‪50............................................‬‬
‫حفصة ‪32...................................................‬‬
‫عبداللهبندينار ‪48............................................‬‬
‫محاد ‪159...................................................‬‬
‫عبداهلل‪ ‬بنعامر ‪44.............................................‬‬
‫حنظلة ‪68...................................................‬‬
‫عبداللهبنعباس‪102 ,55 ,28...............................‬‬
‫خالدبنحامداحلازمي ‪7.........................................‬‬
‫عبداهلل‪ ‬بنعمر‪150 ,131 ,74 ,49 ,48 ,32............‬‬
‫خواتبنجبير‪154 ,58 ,56.................................‬‬
‫عبداهلل‪ ‬بنعمرو‪108 ,107 ,89 ,33......................‬‬
‫داودعليهالسالم ‪107.........................................‬‬
‫عبداللهبنعون ‪103...........................................‬‬
‫ربيعةبنكعباألسلمي‪155......................................‬‬
‫عبداهلل‪ ‬بنمسعود ‪131 ,31..................................‬‬
‫زيادبنعبداهلل ‪145............................................‬‬
‫عبداللهناصحعلوان ‪7..........................................‬‬
‫زيدبنحارثة ‪37...............................................‬‬
‫عثمانبنأبيشيبة ‪66.............................................‬‬
‫زينببنتجحش ‪37.............................................‬‬
‫عثمان‪ ‬بنعفان ‪116...........................................‬‬
‫سعد‪ ‬بنأبيوقاص ‪131.........................................‬‬
‫عثمانبنمظعون‪116..........................................‬‬
‫سعدبنعبادة ‪131............................................‬‬
‫عديبنثابت ‪66................................................‬‬
‫سعدبنمعاذ ‪84 ,51.........................................‬‬
‫علي‪ ‬بنأبيطالب ‪144 ,126 ,32............................‬‬

‫‪181‬‬
‫حممدقطب ‪7..................................................‬‬ ‫عماربنياسر‪103 ,63 ,36 ,35...........................‬‬

‫حممدنورسويد ‪8..............................................‬‬ ‫عمارة ‪37...................................................‬‬

‫مسطحبنأثاثة ‪38.............................................‬‬ ‫عمربناخلطاب‪132 ,101 ,100 ,88 ,49...............‬‬

‫مسلمبناحلجاج‪,107 ,91 ,85 ,78 ,66 ,48 ,30.....‬‬ ‫عمروبنالعاص ‪37.............................................‬‬


‫‪118 ,109‬‬
‫عمروبنعبسة‪149 ,148....................................‬‬
‫معاذبناليمان ‪76..............................................‬‬
‫فاطمة ‪144 ,126 ,32....................................‬‬
‫معاذبنجبل ‪99 ,98.........................................‬‬
‫فاطمةاخلزاعية ‪131...........................................‬‬
‫معاويةبنقرة ‪81 ,64.........................................‬‬
‫كعببنمالك ‪85...............................................‬‬
‫هشامبنعروة ‪132............................................‬‬
‫حممدالدويش ‪7...............................................‬‬
‫حييىبنخالدبنرافعبنمالكاألنصارى‪87............................‬‬
‫حممد‪ ‬بنسريين ‪103...........................................‬‬

‫حممدعادل ‪8..................................................‬‬

‫فهرس األماكن‬
‫مكةاملكرمة‪154 ,146 ,64 ,56.........................‬‬ ‫الظهران ‪154 ,56..........................................‬‬

‫جنــد ‪27‬‬ ‫املدينةاملنورة ‪135 ,85......................................‬‬

‫اليـمن ‪76....................................................‬‬

‫بودان ‪90....................................................‬‬

‫فهرس الغزوات والمعارك‬


‫غزوةذاتالرقاع‪134 ,27....................................‬‬ ‫غزوةأحد ‪135..............................................‬‬

‫غزوةتبوك ‪85................................................‬‬

‫فهرسالمحتويات‬
‫ملخص ‪1...................................................................................‬‬
‫‪2............................................................................. Abstract‬‬
‫شكروتقدير ‪3...............................................................................‬‬

‫‪182‬‬
‫إهداء ‪4.....................................................................................‬‬
‫أصواللمنهجالنبويفيالمتابعةالتربوية ‪5.........................................................‬‬
‫مقدمة ‪6................................................................................................‬‬
‫التمهيد‪:‬أهميةالمتابعةفيالعماللتربويوعنايةالنبيصلىاللهعليهوسلمبها‪13...........................‬‬
‫الفصالألوألهمأهدافالمتابعاتالتربويةللنبيصلىاللهعليهوسلم‪18..................................‬‬
‫متهيد‪ :‬تعريفاملتابعةالرتبوية‪19........................................................................... :‬‬
‫املبحثاألول‪( :‬التثبيتاإلميانيواخللقيوالدعمالنفسي) ‪26.........................................................‬‬
‫املبحثالثاين‪ :‬الوقايةمنمسبباتالفنت ‪52......................................................................‬‬
‫املبحثالثالثالعالمجنصورالعجزوالكسلوالضعفوآثاراملشاكلواهلموم ‪61...........................................‬‬
‫الفصاللثانيأهمطرقالمنهجالنبويفيالمتابعة ‪69...................................................‬‬
‫التمهيد ‪71.............................................................................................‬‬
‫املبحثاألول‪ :‬املتابعةبالسؤالوإرسااللرسل ‪71................................................................‬‬
‫املبحثالثاين‪ :‬املتابعةباملالحظة ‪86..........................................................................‬‬
‫الفصاللثالثمجاالتمتابعته ‪-‬صلىاللهعليهوسلم‪ -‬التربوية‪94....................................‬‬
‫التمهيد ‪96.............................................................................................‬‬
‫املبحثاألول‪ :‬املتابعةالدينية ‪97.............................................................................‬‬
‫املبحثالثاين‪ :‬املتابعةالنفسية ‪112...........................................................................‬‬
‫املبحثالثالث‪ :‬املتابعةاالجتماعيةواملالية ‪121................................................................‬‬
‫الفصاللرابعأصولوقواعدالمنهجالنبويفيالمتابعةالتربوية‪140....................................‬‬
‫التمهيد ‪143...........................................................................................‬‬
‫املبحثاألول‪ :‬املتابعةبقدرأمهيةاملوضوع ‪142................................................................‬‬
‫املبحثالثاين‪ :‬املتابعةاملستمرةاملناسبةالحتياجاملتابع ‪151.......................................................‬‬
‫خاتمةتشملنتائجالدراسةوالتوصيات ‪161.....................................................‬‬
‫المصادروالمراجع ‪164.....................................................................‬‬
‫الفهارس ‪169..............................................................................‬‬
‫فهرساآليات ‪170.......................................................................................‬‬
‫فهرساألحاديث ‪170....................................................................................‬‬
‫فهرساألعالم ‪172......................................................................................‬‬
‫فهرساألماكن ‪174.....................................................................................‬‬
‫فهرسالغزواتواملعارك ‪174...............................................................................‬‬

‫‪183‬‬
‫فهرسالمحتويات ‪179.......................................................................‬‬

‫‪184‬‬

You might also like