Professional Documents
Culture Documents
-1الملكة و المؤسسة:
ٌمول دي سوسٌر فً محاضراتهٌ" :وجد لدى كل فرد ملكة ٌمكن أن نطلك علٌها اسم ملكة الكالم وتموم
هذه الملكة على أعضاء ث ّم على ما ٌمكن أن نحصل علٌه من عملها .لكنها ال تعدو أن تكون ملكة وتتعذّر
ممارستها واستعمالها بصورة ملموسة ّإال متى توفّر للمرء أمر آخر من الخارج هو اللؽة ".هو ٌثبت إذن
سساتً أن االنسان ٌولد بملكة تمكنه من اكتساب اللؽة و ّ
لكن هذا االكتساب ال ٌت ّم دون الوجود المإ ّ ّ
للتو فهو
الجماعً للؽة فً محٌط حامل الملكة .نفهم بشكل أفضل هذه الفكرة إن نظرنا إلى رضٌع ُولد ّ
بتطور التجارب
ّ تتطور لدراته
ّ ٌولد مسلّحا بحواس منها السمع و بؤعضاء منها جهاز النطك و بدماغ
تكون الملكة التً ٌتحدّث عنها دي سوسٌر و ّ
لكن الحسٌّة للرضٌع و بمرور الولت .ك ّل هذه هً أعضاء ّ
مكونا آخر ها ًّما وصفه بموله "ما ٌمكن أن نحصل علٌه من عملها" (أي األعضاء) فالرضٌع الذي معها ّ
لادرا بعد ولت معٌن على التمٌٌز بٌنها فتتكون لدٌه لدرة جدٌدة ٌسمع األصوات المختلفة حوله ٌصبح ً
لادرا على تملٌدها ث ّم ٌنشا دماؼه
تنضاؾ إلى مكونات الملكة هً التمٌٌز بٌن األصوات ث ّم ٌصبح ً
ترابطات جدٌدة تسمح له بفهمها ث ّم ترابطات أخرى تسمح له باستعمالها فً موالؾ مشابهة أو مخالفة....
ك ّل هذه نتابج الستعمال األعضاء التً ُو ِلد مسلّ ًحا بها (السمع /النطك /الدماغ )...وهً جزء من الملكة
أن استعمال اللؽة رهٌن وجود هذه الملكة التً تمكنه من اكتساب اللؽة و استعمالها .ونفهم من هذا ّ
ورهٌن سالمتها فاألص ّم أو األبكم مثال ال ٌتمكنان من استعمالها بالنجاعة المطلوبة فً الؽالب و ٌلجآن
لكن العاللة جدلٌّة فوجود الملكة وحده ال ٌكفً لوجود اللؽة إذ ال توجد لؽةظم تواصل أخرىّ . إلى ن ُ
سسة/مجموعة لؽوٌّة و لنذكر ما أثبتته بعض خاصة لفرد واحد بل ٌمتضً وجودها وجود الفرد داخل مإ ّ
ً بن ٌمظان البن طفٌل األندلسً و الؽربٌة فً التجارب العلمٌة وعكسته األدبٌات العربٌة فً شخصٌة ح ّ
أن الفرد الذي ٌعٌش خارج المإسسة ال ٌتمكن من اكتساب اللؽة رؼم شخصٌة ماوكلً المشهورة من ّ
امتالكه للملكة .اللؽة إذن – حسب دي سوسٌر -مإسسة اجتماعٌة وظٌفتها األساسٌة التواصل فهً "فً
اآلن نفسه نتاج اجتماعً لملكة الكالم و مجموعة من المواضعات التً ٌتبناها الكٌان االجتماعً لٌتمكن
ّ
تتعطل األفراد من ممارسة هذه الملكة ".اللؽة إذن تحتاج لمٌامها لٌدٌن ال ٌم ّل أحدهما أهمٌّة عن اآلخر بل
ي منهما هما الملكة الفردٌة و المإسسة اللؽوٌة االجتماعٌة ولد ل ّخص دي سوسٌر هذه الفكرة إن ّ
تعطل أ ّ
"إن الطبٌعة تمدّنا بإنسان فٌه ما ٌهٌّبه للكالم لكنّه انسان دون كالم .فاللؽة ظاهرة اجتماعٌة و
فً لولهّ :
الفرد المهٌّؤ لن ٌتمكن من استعمال جهازه ّإال بواسطة المجموعة المحٌطة به عالوة على أنّه لن ٌشعر
بالحاجة إلى استعماله ّإال باالعتماد على عاللته به".
1
-2اللغة و الكالم:
ً أساسً فً تحدٌده ٌعتبر الفصل بٌن اللؽة و الكالم من أه ّم مبادئ دي سوسٌر ألنّه فصل منهج ّ
لموضوع اللسانٌات و لوظٌفة اللسانً كما سنبٌّن .فاللؽة و الكالم عنده "مفهومان متعالمان ٌمثالن وجهً
الظاهرة اللسانٌّة".
فؤ ّما اللؽة فهً مإسسة اجتماعٌة أو هً "رصٌد ٌستودع فً األشخاص الذٌن ٌنتمون إلى مجتمع واحد
بفضل مباشرتهم للكالم و هً نظام نحوي ٌوجد وجودا تمدٌرٌا فً ك ّل دماغ ".هً إذن الجانب الجماعً
االجتماعً التواضعً من الظاهرة اللسانٌة و هً تمثل مجموع األصوات و الدالالت المختزنة فً ذاكرة
الجماعة بطرٌمة الشعورٌة .فهً أشبه بالكنز المشترن أو الماسم المشترن من المعرفة الذي ال وجود له
أن اللؽة هً مجموعة طا– لنفهم هذه النمطةّ -فً صورته الكاملة ّإال فً مستوى الجماعة .ولنتخٌل تبسٌ ً
أن عندنا مجموعة من المتكلمٌن لد ٌختزن بعضهم المواعد 5-4-3-2-1 المواعد ...7-6- 5-4-3-2-1و ّ
بٌنما ٌختزن آخر المواعد 7-5-4-3-2فالصورة الكاملة ال توجد عند أحدهم بل هً جماع ما هو مختزن
فً أذهانهم جمٌعًا .اللؽة هً هذا الوجود الجمعً الذي ٌعنً جملة المواعد و الموانٌن الممثلة لنظام اللؽة
المتواضع علٌه سواء فً مستوى الصوت أو الصرؾ أو النحو أو المعجم.
و ا ّما الكالم فهو التصرؾ الفردي و الممارسة الفردٌة الفعلٌة للؽة فً وضعٌات متحممة أي هو طرٌمة
تجسٌد المتكلمٌن للنظام اللؽوي ك ّل على طرٌمته وك ّل فً وضعٌاته الحٌاتٌة الحمٌمٌة .ففً مستوى
األصوات مثال توجد الصواتم العربٌة فً أذهاننا جمٌعا بنفس الطرٌمة (وهذه هً المعرفة الجماعٌة
المختزنة أي اللؽة) و لكنّنا ال ننجزها جمٌعا بنفس الطرٌمة (وهذا هو مستوى اإلنجاز الفردي أي الكالم).
وكذلن فً مستوى النحو نختزن جمٌعا معرفة ال واعٌة -فً الؽالبّ -
أن إنتاج جملة مفٌدة ٌمتضً إسنادًا
نتصرؾ فً هذه الماعدة إن التضى الممامّ (مستوى اللؽة) و لكنّنا ال ننجز بالضرورة ً
جمال متشابهة بل و
(مستوى الكالم).
اللؽة إذن هً الرصٌد الجماعً من النظام اللؽوي المختزن فً أذهان الجماعة اللؽوٌة فً لحظة زمنٌة
(ألن دي سوسٌر ٌتبنّى المنهج اآلنً السكونً كما سبك أن ف ّ
سرنا) .والكالم هو اإلنجاز الفردي ّ معٌنة
لهذا النظام .و جماع ذلن كلّه أي جماع اللؽة فً مختلؾ لحظاتها و جماع ما أنجزته الجماعة عبر
اللّسان.
تارٌخها ٌس ّمى عند دي سوسٌر ِ
اختٌارا منهجٌّا جوهرٌّا وسم
ً كان التمٌٌز بٌن اللؽة و الكالم أساسًٌّا فً فكر دي سوسٌر ألنّه بنى علٌه
أن الكالم ظاهرة فردٌّة فهو ؼٌر لابل للوصؾ و المالحظة و التكمٌم و بما أنّه كذلن فعلى نظرٌّته .فبما ّ
ً ترن دراسته و االنصراؾ إلى دراسة المستوى النظامً من الظاهرة اللسانٌة أي اللؽةٌ .مول دي اللسان ّ
سوسٌر" وبفصلنا اللؽة عن الكالم نفصل فً الولت نفسه ماهو اجتماعً ع ّما هو فردي و ما هو جوهري
ً هً دراسة اللؽة فً ذاتها و لذاتها. ع ّما هوعرضً ".موضوع اللسانٌات إذن هو اللؽة ووظٌفة اللسان ّ
-3اللسانيات الداخليّة و اللسانيات الخارجيّة:
الممصود باللسانٌات الداخلٌة ك ّل ما ٌدخل ضمن الدرس اللسانً كما ٌراه دي سوسٌر أ ّما اللسانٌات
الخارجٌّة فتعنً ك ّل ما اعتبره دي سوسٌر خارج مجال البحث اللسانً .وهذه الثنابٌة تتض ّمن خاصة
نتابج ثنابٌتٌن سابمتٌن هما ثنابٌة اللؽة و الكالم و ثنابٌة اآلنً و الزمانً .فإلرار دي سوسٌر ّ
أن الكالم
إنجازا فردًٌّا ؼٌر لابل للوصؾ ٌجعل الكالم خارج مجال الدرس اللسانً رؼم أنّه التجسٌدً باعتباره
2
الحمٌمً للؽة فً الوالع .فالكالم إذن جزء من اللسانٌات الخارجٌة و كذلن ك ّل ما ٌتعلّك به من ظواهر
كالممام و المتخاطبٌن و السٌاق النفسً و االجتماعً .أ ّما فصله بٌن اآلنً و الزمانً و اختٌاره المنهج
اآلنً السكونً لوصؾ الظاهرة اللؽوٌة فٌخرج من مجال البحث اللسانً ك ّل ما كان سابدًا لبل الحدث
السوسٌري من بحث تارٌخً ممارن أو من دراسات فٌلولوجٌة و ٌجعلها جز ًءا من اللسانٌات الخارجٌة
ضا فً اللسانٌات الخارجٌة ك ّل ما ٌربط اللؽة بعلوم أخرى كاالتنولوجٌا
أٌضا .ولد وضع دي سوسٌر أٌ ً
وعلم اللؽة الجؽرافً (التوزٌع الجؽرافً للؽات) و اعتبر ّ
أن ك ّل هذه المباحث – على أهمٌّتها -ؼٌر
مإثّرة فً فهم النظام اللؽوي .و بذلن ٌكون موضوع اللسانٌات الداخلٌة هو الجانب النظامً للظاهرة
ٌمره الفصل لؽة/كالم.
اللسانٌة كما ّ
3