You are on page 1of 3

‫الحصة الثانية‬

‫مدخل إلى اللسانيّات‬

‫اعتبر فردٌناند دي سوسٌر ّ‬


‫أن اللؽة نظام من العالمات ٌعبّر به ك ّل لوم عن أؼراضهم لتحمٌك التبلٌػ‬
‫والتواصل‪ .‬ولد وضع – فً سبٌل ضبط هذا النظام و دراسته دراسة تنطبك علٌها شروط العلمٌة‬
‫الصارمة‪ -‬مجموعة من المواعد المنتظمة فً شكل ثنابٌات نظرنا فً الحصة األولى فً بعضها‬
‫(اآلنٌة‪/‬الزمانٌة – الدال‪/‬المدلول – العاللات السٌالٌة‪/‬العاللات الجدولٌة) و ننظر فً هذه الحصة فً‬
‫البعض اآلخر‪.‬‬

‫‪ -1‬الملكة و المؤسسة‪:‬‬

‫ٌمول دي سوسٌر فً محاضراته‪ٌ" :‬وجد لدى كل فرد ملكة ٌمكن أن نطلك علٌها اسم ملكة الكالم وتموم‬
‫هذه الملكة على أعضاء ث ّم على ما ٌمكن أن نحصل علٌه من عملها‪ .‬لكنها ال تعدو أن تكون ملكة وتتعذّر‬
‫ممارستها واستعمالها بصورة ملموسة ّإال متى توفّر للمرء أمر آخر من الخارج هو اللؽة‪ ".‬هو ٌثبت إذن‬
‫سساتً‬ ‫أن االنسان ٌولد بملكة تمكنه من اكتساب اللؽة و ّ‬
‫لكن هذا االكتساب ال ٌت ّم دون الوجود المإ ّ‬ ‫ّ‬
‫للتو فهو‬
‫الجماعً للؽة فً محٌط حامل الملكة‪ .‬نفهم بشكل أفضل هذه الفكرة إن نظرنا إلى رضٌع ُولد ّ‬
‫بتطور التجارب‬
‫ّ‬ ‫تتطور لدراته‬
‫ّ‬ ‫ٌولد مسلّحا بحواس منها السمع و بؤعضاء منها جهاز النطك و بدماغ‬
‫تكون الملكة التً ٌتحدّث عنها دي سوسٌر و ّ‬
‫لكن‬ ‫الحسٌّة للرضٌع و بمرور الولت‪ .‬ك ّل هذه هً أعضاء ّ‬
‫مكونا آخر ها ًّما وصفه بموله "ما ٌمكن أن نحصل علٌه من عملها" (أي األعضاء) فالرضٌع الذي‬ ‫معها ّ‬
‫لادرا بعد ولت معٌن على التمٌٌز بٌنها فتتكون لدٌه لدرة جدٌدة‬ ‫ٌسمع األصوات المختلفة حوله ٌصبح ً‬
‫لادرا على تملٌدها ث ّم ٌنشا دماؼه‬
‫تنضاؾ إلى مكونات الملكة هً التمٌٌز بٌن األصوات ث ّم ٌصبح ً‬
‫ترابطات جدٌدة تسمح له بفهمها ث ّم ترابطات أخرى تسمح له باستعمالها فً موالؾ مشابهة أو مخالفة‪....‬‬
‫ك ّل هذه نتابج الستعمال األعضاء التً ُو ِلد مسلّ ًحا بها (السمع ‪ /‬النطك ‪ /‬الدماغ‪ )...‬وهً جزء من الملكة‬
‫أن استعمال اللؽة رهٌن وجود هذه الملكة‬ ‫التً تمكنه من اكتساب اللؽة و استعمالها‪ .‬ونفهم من هذا ّ‬
‫ورهٌن سالمتها فاألص ّم أو األبكم مثال ال ٌتمكنان من استعمالها بالنجاعة المطلوبة فً الؽالب و ٌلجآن‬
‫لكن العاللة جدلٌّة فوجود الملكة وحده ال ٌكفً لوجود اللؽة إذ ال توجد لؽة‬‫ظم تواصل أخرى‪ّ .‬‬ ‫إلى ن ُ‬
‫سسة‪/‬مجموعة لؽوٌّة و لنذكر ما أثبتته بعض‬ ‫خاصة لفرد واحد بل ٌمتضً وجودها وجود الفرد داخل مإ ّ‬
‫ً بن ٌمظان البن طفٌل األندلسً و الؽربٌة فً‬ ‫التجارب العلمٌة وعكسته األدبٌات العربٌة فً شخصٌة ح ّ‬
‫أن الفرد الذي ٌعٌش خارج المإسسة ال ٌتمكن من اكتساب اللؽة رؼم‬ ‫شخصٌة ماوكلً المشهورة من ّ‬
‫امتالكه للملكة‪ .‬اللؽة إذن – حسب دي سوسٌر‪ -‬مإسسة اجتماعٌة وظٌفتها األساسٌة التواصل فهً "فً‬
‫اآلن نفسه نتاج اجتماعً لملكة الكالم و مجموعة من المواضعات التً ٌتبناها الكٌان االجتماعً لٌتمكن‬
‫ّ‬
‫تتعطل‬ ‫األفراد من ممارسة هذه الملكة‪ ".‬اللؽة إذن تحتاج لمٌامها لٌدٌن ال ٌم ّل أحدهما أهمٌّة عن اآلخر بل‬
‫ي منهما هما الملكة الفردٌة و المإسسة اللؽوٌة االجتماعٌة ولد ل ّخص دي سوسٌر هذه الفكرة‬ ‫إن ّ‬
‫تعطل أ ّ‬
‫"إن الطبٌعة تمدّنا بإنسان فٌه ما ٌهٌّبه للكالم لكنّه انسان دون كالم‪ .‬فاللؽة ظاهرة اجتماعٌة و‬
‫فً لوله‪ّ :‬‬
‫الفرد المهٌّؤ لن ٌتمكن من استعمال جهازه ّإال بواسطة المجموعة المحٌطة به عالوة على أنّه لن ٌشعر‬
‫بالحاجة إلى استعماله ّإال باالعتماد على عاللته به‪".‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -2‬اللغة و الكالم‪:‬‬

‫ً أساسً فً تحدٌده‬ ‫ٌعتبر الفصل بٌن اللؽة و الكالم من أه ّم مبادئ دي سوسٌر ألنّه فصل منهج ّ‬
‫لموضوع اللسانٌات و لوظٌفة اللسانً كما سنبٌّن‪ .‬فاللؽة و الكالم عنده "مفهومان متعالمان ٌمثالن وجهً‬
‫الظاهرة اللسانٌّة‪".‬‬

‫فؤ ّما اللؽة فهً مإسسة اجتماعٌة أو هً "رصٌد ٌستودع فً األشخاص الذٌن ٌنتمون إلى مجتمع واحد‬
‫بفضل مباشرتهم للكالم و هً نظام نحوي ٌوجد وجودا تمدٌرٌا فً ك ّل دماغ‪ ".‬هً إذن الجانب الجماعً‬
‫االجتماعً التواضعً من الظاهرة اللسانٌة و هً تمثل مجموع األصوات و الدالالت المختزنة فً ذاكرة‬
‫الجماعة بطرٌمة الشعورٌة‪ .‬فهً أشبه بالكنز المشترن أو الماسم المشترن من المعرفة الذي ال وجود له‬
‫أن اللؽة هً مجموعة‬ ‫طا– لنفهم هذه النمطة‪ّ -‬‬‫فً صورته الكاملة ّإال فً مستوى الجماعة‪ .‬ولنتخٌل تبسٌ ً‬
‫أن عندنا مجموعة من المتكلمٌن لد ٌختزن بعضهم المواعد ‪5-4-3-2-1‬‬ ‫المواعد ‪ ...7-6- 5-4-3-2-1‬و ّ‬
‫بٌنما ٌختزن آخر المواعد ‪ 7-5-4-3-2‬فالصورة الكاملة ال توجد عند أحدهم بل هً جماع ما هو مختزن‬
‫فً أذهانهم جمٌعًا‪ .‬اللؽة هً هذا الوجود الجمعً الذي ٌعنً جملة المواعد و الموانٌن الممثلة لنظام اللؽة‬
‫المتواضع علٌه سواء فً مستوى الصوت أو الصرؾ أو النحو أو المعجم‪.‬‬

‫و ا ّما الكالم فهو التصرؾ الفردي و الممارسة الفردٌة الفعلٌة للؽة فً وضعٌات متحممة أي هو طرٌمة‬
‫تجسٌد المتكلمٌن للنظام اللؽوي ك ّل على طرٌمته وك ّل فً وضعٌاته الحٌاتٌة الحمٌمٌة‪ .‬ففً مستوى‬
‫األصوات مثال توجد الصواتم العربٌة فً أذهاننا جمٌعا بنفس الطرٌمة (وهذه هً المعرفة الجماعٌة‬
‫المختزنة أي اللؽة) و لكنّنا ال ننجزها جمٌعا بنفس الطرٌمة (وهذا هو مستوى اإلنجاز الفردي أي الكالم)‪.‬‬
‫وكذلن فً مستوى النحو نختزن جمٌعا معرفة ال واعٌة ‪ -‬فً الؽالب‪ّ -‬‬
‫أن إنتاج جملة مفٌدة ٌمتضً إسنادًا‬
‫نتصرؾ فً هذه الماعدة إن التضى الممام‬‫ّ‬ ‫(مستوى اللؽة) و لكنّنا ال ننجز بالضرورة ً‬
‫جمال متشابهة بل و‬
‫(مستوى الكالم)‪.‬‬

‫اللؽة إذن هً الرصٌد الجماعً من النظام اللؽوي المختزن فً أذهان الجماعة اللؽوٌة فً لحظة زمنٌة‬
‫(ألن دي سوسٌر ٌتبنّى المنهج اآلنً السكونً كما سبك أن ف ّ‬
‫سرنا)‪ .‬والكالم هو اإلنجاز الفردي‬ ‫ّ‬ ‫معٌنة‬
‫لهذا النظام‪ .‬و جماع ذلن كلّه أي جماع اللؽة فً مختلؾ لحظاتها و جماع ما أنجزته الجماعة عبر‬
‫اللّسان‪.‬‬
‫تارٌخها ٌس ّمى عند دي سوسٌر ِ‬
‫اختٌارا منهجٌّا جوهرٌّا وسم‬
‫ً‬ ‫كان التمٌٌز بٌن اللؽة و الكالم أساسًٌّا فً فكر دي سوسٌر ألنّه بنى علٌه‬
‫أن الكالم ظاهرة فردٌّة فهو ؼٌر لابل للوصؾ و المالحظة و التكمٌم و بما أنّه كذلن فعلى‬ ‫نظرٌّته‪ .‬فبما ّ‬
‫ً ترن دراسته و االنصراؾ إلى دراسة المستوى النظامً من الظاهرة اللسانٌة أي اللؽة‪ٌ .‬مول دي‬ ‫اللسان ّ‬
‫سوسٌر" وبفصلنا اللؽة عن الكالم نفصل فً الولت نفسه ماهو اجتماعً ع ّما هو فردي و ما هو جوهري‬
‫ً هً دراسة اللؽة فً ذاتها و لذاتها‪.‬‬ ‫ع ّما هوعرضً‪ ".‬موضوع اللسانٌات إذن هو اللؽة ووظٌفة اللسان ّ‬
‫‪ -3‬اللسانيات الداخليّة و اللسانيات الخارجيّة‪:‬‬

‫الممصود باللسانٌات الداخلٌة ك ّل ما ٌدخل ضمن الدرس اللسانً كما ٌراه دي سوسٌر أ ّما اللسانٌات‬
‫الخارجٌّة فتعنً ك ّل ما اعتبره دي سوسٌر خارج مجال البحث اللسانً‪ .‬وهذه الثنابٌة تتض ّمن خاصة‬
‫نتابج ثنابٌتٌن سابمتٌن هما ثنابٌة اللؽة و الكالم و ثنابٌة اآلنً و الزمانً‪ .‬فإلرار دي سوسٌر ّ‬
‫أن الكالم‬
‫إنجازا فردًٌّا ؼٌر لابل للوصؾ ٌجعل الكالم خارج مجال الدرس اللسانً رؼم أنّه التجسٌد‬‫ً‬ ‫باعتباره‬
‫‪2‬‬
‫الحمٌمً للؽة فً الوالع‪ .‬فالكالم إذن جزء من اللسانٌات الخارجٌة و كذلن ك ّل ما ٌتعلّك به من ظواهر‬
‫كالممام و المتخاطبٌن و السٌاق النفسً و االجتماعً‪ .‬أ ّما فصله بٌن اآلنً و الزمانً و اختٌاره المنهج‬
‫اآلنً السكونً لوصؾ الظاهرة اللؽوٌة فٌخرج من مجال البحث اللسانً ك ّل ما كان سابدًا لبل الحدث‬
‫السوسٌري من بحث تارٌخً ممارن أو من دراسات فٌلولوجٌة و ٌجعلها جز ًءا من اللسانٌات الخارجٌة‬
‫ضا فً اللسانٌات الخارجٌة ك ّل ما ٌربط اللؽة بعلوم أخرى كاالتنولوجٌا‬
‫أٌضا‪ .‬ولد وضع دي سوسٌر أٌ ً‬
‫وعلم اللؽة الجؽرافً (التوزٌع الجؽرافً للؽات) و اعتبر ّ‬
‫أن ك ّل هذه المباحث – على أهمٌّتها‪ -‬ؼٌر‬
‫مإثّرة فً فهم النظام اللؽوي‪ .‬و بذلن ٌكون موضوع اللسانٌات الداخلٌة هو الجانب النظامً للظاهرة‬
‫ٌمره الفصل لؽة‪/‬كالم‪.‬‬
‫اللسانٌة كما ّ‬

‫‪3‬‬

You might also like