You are on page 1of 4

‫مدخل إلى اللسانٌّات‬

‫الحصة االولى‬

‫فردٌناند دي سوسٌر و المدرسة البنٌوٌة‪.‬‬

‫سادت –إلى نهاٌة المرن ‪91‬م وبداٌة الك‪ -02‬اللسانٌات التارٌخٌة التً تعتمد على المنهج التارٌخً‬
‫والممارن لفهم اللغة ودراسة تطورها و ممارنة اللغات فٌما بٌنها‪ .‬وكانت تتخذ لها هدفا من خالل هذه‬
‫الممارنات التارٌخٌة محاولة بناء اللغة األم (أصل اللغات) و هو ما جعلها تغرق فً منهج لم ٌسفر عن‬
‫النتائج التً كان اللسانٌون ٌرجونها‪ .‬فً ذلن الولت ظهر اسم فردٌناند دي سوسٌر (ولد سنة ‪9581‬‬
‫وتوفً سنة ‪ )9191‬الذي سٌعتبره الدارسون فٌما بعد منعرجا هاما فً تارٌخ اللسانٌات‪.‬‬

‫كان فردٌناند دي سوسٌر ذا تكوٌن لسانً منذ البداٌة و لد درس اللسانٌات التارٌخٌة و الممارنة فً أكثر‬
‫من جامعة فً برلٌن و فرنسا وجنٌف التً كانت آخر محطاته‪ .‬أي أنه كان فً البداٌة جزءا من اللسانٌات‬
‫التارٌخٌة لكنه‪ -‬فً محاضراته التً ألماها فً جنٌف بٌن ‪ 9122‬و‪ -9199‬بدأ ٌتفطن لألزمة التً ولعت‬
‫فٌها اللسانٌات التارٌخٌة و لدم نمدا واضحا لها و وضع مجموعة من المفاهٌم التً سٌسم بعضها‬
‫اللسانٌات الحدٌثة إلى الٌوم‪ .‬و لم تر هذه المحاضرات النور إّل بعد وفاته (‪ )9191‬بثالث سنوات أي‬
‫سنة ‪ 9191‬حٌن لام ‪ Charles Bally‬و ‪ Albert Sechehaye‬بجمعها و تبوٌبها و نشرها فً كتاب‬
‫سمً "دروس فً اللسانٌات العامة" أو "دروس فً األلسنٌة العامة" و لد مثل هذا الكتاب نمطة تحول‬ ‫ُ‬
‫هامة فً تارٌخ اللسانٌات إلى درجة اعتباره الكتاب األم و اعتبار صاحبه أب اللسانٌات الحدٌثة‪.‬‬

‫انطلك دي سوسٌر من وعً واضح بهنات المنهج التارٌخً الممارن و بؤزمة اللسانٌات التارٌخٌة التً‬
‫كانت تعتبر اللغات كائنات حٌة شؤنها شؤن األجناس البٌولوجٌة اّلخرى و تحاول على هذا األساس أن‬
‫تطبك علٌها مخرجات علوم مختلفة كعلم الطبٌعة و علم األحٌاء بٌنما كان دي سوسٌر ٌرى أن اللغة‬
‫لٌست مثل الكائنات البٌولوجٌة الحٌة و ّل ٌنبغً أن تُدرس دراستها بل هً من نوع ما سماه دوركاٌم‬
‫الولائع اّلجتماعٌة و هً "أشٌاء لابلة للدرس" وفك منهج مغاٌر‪ .‬ولد دعا دي سوسٌر إلى أن ٌكون هذا‬
‫المنهج هو المنهج الوصفً اآلنً‪ .‬أي أن ٌهتم اللسانً بوصف اللغة و وصف نظامها فً لحظة زمانٌة‬
‫معٌنة هً لحظة الحاضر بدل تتبع تطورها عبر التارٌخ –رغم أهمٌة هذا التتبع‪ .‬و هو ما ٌمودنا إلى‬
‫أولى ثنائٌات دي سوسٌر‪.‬‬

‫‪ -1‬ثنائٌة اآلنٌة و الزمانٌة‪:‬‬

‫كان دي سوسٌر ٌرى أن اعتماد المنهج الزمانً أو الدٌاكرونً (‪ )diachronique‬على أهمٌته ّل ٌإدي‬
‫إلى معرفة أفضل للنظام اللغوي‪ .‬فمد ٌمدم لنا معلومات عن تارٌخ اللغة لكنه ّل ٌحمك نتائج حاسمة فً‬
‫وصف اللغة فً حد ذاتها بل ‪-‬على العكس‪ -‬لد ٌإدي إلى فوضى من المعلومات تحجب عن اللسانً‬
‫مهمته األساسٌة و هً وصف النظام اللغوي و فهمه‪ .‬و لد ضرب دي سوسٌر أمثلة لدعم رأٌه هذا من‬
‫أشهرها مثال رلعة الشطرنج إذ ٌعتبر أن ّلعب الشطرنج ّل ٌحتاج إلى معرفة تارٌخ اللعبة و من أٌن‬
‫جاءت بمدر حاجته لمعرفة لواعدها و نمالتها الممكنة و لوانٌنها بل إن جهله باألولى لن ٌضٌره فً حٌن‬
‫أن جهله بالثانٌة ٌحرمه اللعب أصال‪ .‬كما أنه ٌمكن فً أي لحظة من لحظات اللعبة وصف الحالة التً‬
‫‪1‬‬
‫تكون علٌها رلعة الشطرنج و تحدٌد أماكن البٌادق بغض انظر عن النمالت التً حصلت سابما أو التً‬
‫ٌمكن أن تحصل ّلحما‪ .‬و كذلن األمر بالنسبة إلى اللغة فدراستها و وصفها وصفا آنٌا سكونٌا بغض‬
‫النظر عما كانت علٌه فً السابك أو ما ستإول إلٌه ّلحما ٌمدم فهما أفضل للظاهرة اللغوٌة‪.‬‬

‫وٌضرب مثاّل ثانٌا هو مثال دراسة النبتة إذ ٌمكننا أن نتتبع نموها و اختالف طولها و لونها من فترة إلى‬
‫أخرى (وهو ما ٌمابل الدراسة الزمانٌة الدٌاكرونٌة للغة) لكن أخذ ممطع عرضً من هذه النبتة أي جزء‬
‫ثابت من أجزاءها (و هو ما ٌمابل الدراسة اآلنٌة السنكرونٌة‪ٌ )synchronique -‬مدم لنا وصفا أفضل‬
‫لمكوناتها و بنٌتها الداخلٌة‪.‬‬

‫ٌمثل الفصل بٌن اآلنٌة و الزمانٌة إذن ضرورة منهجٌة ّل غنى عنها عند دي سوسٌر بل إن نجاح‬
‫الوصف اللسانً رهٌن عنده بهذه الضرورة المنهجٌة إذ بفضلها ٌمكننا تجاوز النظر إلى اللغة باعتبارها‬
‫كائنا متطورا عبر التارٌخ و النظر إلٌها باعتبارها نظاما ثابتا فً لحظة زمنٌة معٌنة مما ٌمنحنا فرصة‬
‫أكبر لتمعن مالمح هذا النظام و هو ما ٌمودنا إلى ثانً أهم المفاهٌم فً نظرٌة دي سوسٌر البنٌوٌة‪.‬‬

‫‪ -2‬مفهوم النظام‪:‬‬

‫النظام هو مجموعة من الوحدات التً تربط بٌنها عالقات بحٌث ٌتؤثر النظام كامال إذا تغٌرت إحدى هذه‬
‫الوحدات‪ .‬وهو ٌتسم بمجموعة من الخصائص الالزمة ّلشتغاله أهمها لٌامه على التمابل بٌن المٌم‬
‫الخالفٌة‪ :‬بمعنى أن كل وحدة فٌه تكتسب لٌمتها بمخالفتها لوحدة أخرى فكما ّل ٌمكن فً المطلك لمٌمة‬
‫"جمٌل" أن تتحمك إّل بوجود "لبٌح" فكذلن األمر فً النظام اللغوي‪ .‬فتاء التؤنٌث مثال تكتسب لٌمتها‬
‫التمٌٌزٌة من غٌابها فً المذكر و األصوات تكتسب لٌمتها فً النظام بمخالفتها –بعضها البعض‪ -‬فً‬
‫السمات و هكذا ‪....‬‬

‫و المهم أن نظر دي سوسٌر إلى اللغة باعتبارها نظاما سٌإول به إلى دراسة عناصر هذا النظام وهً‬
‫الوحدات و العاللات كما أسلفنا فٌهتم فً دراسة الوحدات بما سٌسمٌه الدلٌل اللغوي( ‪le signe‬‬
‫‪ )linguistique‬وفً دراسة العاللات بثنائٌة أخرى هً ثنائٌة العاللات السٌالٌة و الجدولٌة‪.‬‬

‫‪-1-2‬الدلٌل اللغوي‪:‬‬

‫ٌتكون الدلٌل اللغوي حسب دي سوسٌر من وجهٌن هما الدال و المدلول‪ .‬فؤما الدال فهو الصورة‬
‫اّلكوستٌكٌة أو السمعٌة و أما المدلول فهو المتصور الذهنً‪ .‬و األمر مختلف تماما عن ثنائٌة اّلسم‬
‫والمسمى ألن دي سوسٌر ٌمر خاصٌة أساسٌة فً الدلٌل اللغوي هً خاصٌة الذهنٌة‪ .‬فالدلٌل بالنسبة إلٌه‬
‫وحدة ذهنٌة توجد فً أذهان المتكلمٌن فالدال أو الصورة السمعٌة ّل ٌمصد به الصوت المادي الفٌزٌائً‬
‫المحض المتحمك فً اّلستعمال الوالعً بل ٌمصد به ذلن األثر النفسً الذي ٌحدثه الصوت فً الذهن‪.‬‬

‫و كذلن لٌس المدلول الشًء المسمى بل هو متصور ذهنً لهذا المسمى والع فً أذهان المتكلمٌن بغض‬
‫النظر عن وجوده الفعلً فً الوالع‪.‬‬

‫الدلٌل اللغوي كما ٌصفه دي سوسٌر إذن هو وحدة ذهنٌة ّل وحدة منجزة و هو ٌتسم بثالث خصائص‬
‫أساسٌة هً اّلعتباطٌة و الخطٌة و الثبوت‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫أ‪ -‬اعتباطٌة الدلٌل اللغوي‪:‬‬

‫تعنً اعتباطٌة الدلٌل اللغوي عدم وجود عاللة ضرورٌة طبٌعٌة تربط الدال بالمدلول‪ .‬فال شًء فً‬
‫المدلول( شجرة) ٌجبرنا على اختٌار الدال (ش‪/‬ج‪/‬ر‪/‬ة) و لٌس أدل على ذلن من إطالق دوال مختلفة‬
‫على المدلول نفسه فً اللغات المختلفة (شجرة‪ )....tree/arbre/‬و لو كانت العاللة ضرورٌة لكان الدال‬
‫واحدا فً كل اللغات ولكنها اعتباطٌة‪ .‬فكٌف تربط الدوال بمدلوّلتها فً كل لغة‪ٌ .‬رجع دي سوسٌر هذا‬
‫األمر إلى المواضعة و اّلصطالح فاللغة عنده مإسسة اجتماعٌة تخضع لتوافمات افرادها‪.‬‬

‫ب‪ -‬خطٌّة الدلٌل اللغوي‪:‬‬

‫و المتسم بالخطٌة على وجه الدلة هو الدال‪ .‬فباعتباره ذا طبٌعة سمعٌة فإن له امتدادا فً الزمن هو‬
‫اّلمتداد المفترض لعملٌة النطك فً اّلنجاز‪ .‬هو إذن سلسلة من المماطع الصوتٌة التً ٌجب علٌنا التزام‬
‫ترتٌبها فً كل مرة و هو الممصود بالخطٌة‪ .‬ففً إنجاز "حلم" مثال تخرج المماطع الصوتٌة متتالٌة‬
‫(ح‪/‬ل‪/‬م) و لو تغٌر الترتٌب لتغٌر المعنى و لذلن تعتبرالخطٌة خصٌصة اساسٌة فً الدلٌل اللغوي‪.‬‬

‫ج‪ -‬ثبوت الدلٌل اللغوي‪:‬‬

‫رغم أن الدلٌل اللغوي اعتباطً كما أسلفنا من حٌث إسناد الدوال إلى المدالٌل إّل أنه لٌس كذلن فً‬
‫طلح علٌه ٌصبح لزاما على مستعملً اللغة استعماله كما هو و ّل ٌحك ألفراد‬ ‫اّلستعمال فبمجرد أن ٌُص َ‬
‫الجماعة اللغوٌة تغٌٌره ألنه لٌس فردٌا بل هو إرث جماعً و مإسسة اجتماعٌة ّل سلطة للفرد الواحد‬
‫علٌها و ٌمكن تلخٌص هذا المبدأ بالمول إن الدلٌل اللغوي اعتباطً من حٌث المنشؤ و ضروري من‬
‫حٌث اّلستعمال‪.‬‬

‫‪ 2-2‬العالقات بٌن الوحدات‪:‬‬

‫ترتبط الوحدات اللغوٌة فٌما بٌنها فً اتجاهٌن‪ :‬اتجاه افمً و اتجاه عمودي‪.‬‬

‫أ‪ -‬العالقات األفقٌة‪:‬‬

‫تسمى العاللات السٌالٌة (‪ )syntagmatique‬و ٌترجمها آخرون بالتركٌبٌة و التؤلٌفٌة و النسمٌة‪ .‬وٌمصد‬
‫بها العاللات التً تموم بٌن الوحدات فٌما بٌنها عند تركٌب المركبات (العاللة بٌن أحمد و كتاب فً كتاب‬
‫أحمد) أو الجمل (العاللة بٌن ضحن و الفتى فً ضحن الفتى) او الكلمات (العاللة بٌن ف‪/‬ر‪/‬ح فً فرح)‬
‫‪ ......‬إذ تنتظم كل هذه العناصر فً شكل خطً أفمً فً جمٌع المستوٌات اللغوٌة‬
‫(الكلمة‪/‬المركب‪/‬الجملة) فتضفً كل واحدة منها معنى إضافٌا على بالً العناصر فمعنى ف‪/‬ر لٌس هو‬
‫نفسه معنى ف‪/‬ر‪/‬ح و معنى أحمد لٌس معنى كتاب أحمد‪ .‬و تنتظم هذه العاللات السٌالٌة وفك المواعد‬
‫الصرفٌة و التركٌبٌة لكل لغة‪.‬‬

‫ب‪ -‬العالقات العمودٌة‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫تسمى العاللات الجدولٌة(‪ )paradigmatique‬و ٌترجمها آخرون بالترابطٌة و اّلستبدالٌة و ٌمصد بها‬
‫العاللات التً تموم بٌن الوحدات المتشابهة ‪-‬من حٌث الممولة النحوٌة أساسا‪ -‬و التً ٌمكن أن‬
‫نستحضرها لتحل محل لفظ ما فً سلسلة الكالم‪.‬‬

‫مثال فً الجملة "أكل الولد تفاحة" ٌمكن أن نعوض كل وحدة بوحدة أخرى لها نفس الخصائص الممولٌة‬
‫فنعوض أكل بتناول ‪/‬التهم‪/‬شرب‪/‬ابتلع و نعوض الولد بالفتى و الرجل و الشٌخ و التفاحة بالخبز و الماء‬
‫و اللممة‪ ...‬فتحصل لنا باستبدال العناصر جمل كثٌرة‬

‫تناول الفتى الخبز‬

‫ابتلع الشٌخ اللممة‬

‫شرب الرجل الماء ‪......‬‬

‫فكؤنما الوحدات اللغوٌة منتظمة فً جداول (‪ٌ )paradigmes‬مكن أن نختار منها فً كل مرة عنصرا‬
‫سمٌت هذه العاللات العمودٌة بالجدولٌة‬
‫أو أن نستبدله بآخر لننجز ملفوظات جدٌدة ّل حصر لها‪ .‬و لهذا ُ‬
‫و اّلستبدالٌة‪.‬‬

‫‪4‬‬

You might also like